هل يجوز للمسلم أن يعمل في مقابر الكفار؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يعمل في مقابر النصارى؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
العمل في مقابر الكفار محرَّم لعدة أسباب:
الأول: أنها أمكنة عذاب، وقد نهينا عن قربان تلك الأمكنة إلا باكين، ونهينا عن الشرب من مائها.
قال القرطبي – رحمه الله – في شرح قوله تعالى (وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ) الحِجْر/ 80 -:
روى البخاري عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل الحِجر – ديار ثمود - في غزوة تبوك أمرهم ألا يشربوا من بئرها ولا يستقوا منها، فقالوا: قد عجنَّا، واستقينا،
فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يهريقوا الماء، وأن يطرحوا ذلك العجين.
وفي الصحيح عن ابن عمر أن الناس نزلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحجر أرض ثمود، فاستقوا من آبارها وعجنوا به العجين، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يهريقوا ما استقوا ويعلفوا الإبل العجين، وأمرهم أن يستقوا من البئر التي تردها الناقة.
وروى أيضا عن ابن عمر قال: مررنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحِجر فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم، إلا أن تكونوا باكين؛ حذراً أن يصيبكم مثل ما أصابهم، ثم زجر فأسرع.
قلت: ففي هذه الآية التي بيَّن الشارع حكمها وأوضح أمرها ثمان مسائل، استنبطها العلماء واختَلف في بعضها الفقهاء، فأولها: كراهة دخول تلك المواضع، وعليها حمل بعض العلماء دخول مقابر الكفار، فإن دخل الإنسان شيئاً من تلك المواضع والمقابر: فعلى الصفة التي أرشد إليها النبي صلى الله عليه وسلم من الاعتبار، والخوف، والإسراع.
" تفسير القرطبي " (10 / 46) .
الثاني: أن عمل المسلم في مقابر الكفار لن يخلو تنظيفها وترتيبها وتجميلها، وهي تحوي منكرات واضحة، كالصلبان التي توضع فوق كثير من قبورهم، وقد أُمر المسلم بنقض الصلبان لا بتعظيمها ورعايتها وحراسها، والعامل المسلم في تلك المقابر لا يستطيع – بالتأكيد – أن ينقض تلك الصلبان، فهو عاجز عن ذلك، بل لا يجوز له هدمها لما يترتب على ذلك من مفاسد، لكن هذا لا يجيز له رعايتها، وتنظيفها، وحراستها.
عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَتْرُكُ فِي بَيْتِهِ شَيْئًا فِيهِ تَصَالِيبُ إِلَّا نَقَضَهُ. رواه البخاري (5608) .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
هذا الصليب تعظمه النصارى، وتعلقه في أعناقها، وترسمه على أبواب بيوتها، وفي مجالسها، وفي كل شيء، تعظمه بحجة أن المسيح عليه الصلاة والسلام قُتل، وصُلب عليه، ونحن نرى أنه منكر عظيم؛ لأنه شعار كفر؛ وأنه مبني على كذب لا حقيقة له، والمبني على الكذب - والكذب باطل - يكون باطلاً.
فإذا كسرَ إنسانٌ صليباً: فإنه لا يضمنه؛ لأنه لا يجوز إقراره؛ فإن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان لا يدع شيئاً فيه صليب إلا نقضه، ولكن لو أتلفه ضمن، وهل يضمنه بقيمته صليباً أو بقيمته مكسراً؟ يضمنه بقيمته مكسراً؛ لأنه ليس له قيمة شرعاً.
ولكن هل للإنسان أن يكسر الصلبان التي ينصبها النصارى مثلاً؟ الجواب: لا؛ لأنه ليس له ولاية حتى يمكن من كسر هذه الصلبان، ثم لو فرض أن النصراني أظهر الصليب وأعلنه في لباسه أو غير ذلك: فهنا يجب على ولاة الأمر في البلاد الإسلامية أن يمنعوهم من إظهار الصليب؛ لأنه شعار كفر، وهم يعتقدون تعظيمه ديناً يدينون لله تعالى به.
" الشرح الممتع " (10 / 224، 225) .
الثالث: أن في العمل في تلك المقابر نوع إذلال للمسلم، لا ينبغي أن يعرِّض نفسه له.
ثانياً:
ويجوز للمسلم أن يدفن الكافر، لكن بشرط أن لا يوجد أحد من غير المسلمين من يفعل ذلك، ومثل ذلك يكون طارئاً، لا أن يعمل المسلم به بانتظام.
قال علماء اللجنة الدائمة:
إذا وُجد من الكفار مَن يقوم بدفن موتاهم: فليس للمسلمين أن يتولوا دفنهم، ولا أن يشاركوا الكفار، ويعاونوهم في دفنهم، أو يجاملوهم في تشييع جنائزهم عملا بالتقاليد السياسية؛ فإن ذلك لم يُعرف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن الخلفاء الراشدين، بل نهى الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقوم على قبر عبد الله بن أبي بن سلول، وعلَّل ذلك بكفره، قال تعالى: (وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ) التوبة/ 84، وأما إذا لم يوجد منهم مَن يدفنه: دفنه المسلمون، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم بقتلى بدر، وبعمِّه أبي طالب لما توفي، قال لعلي: (اذهب فواره) – رواه أبو داود (3214) والنسائي (190) وصححه الألباني في " سنن أبي داود -.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (9 / 11) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6564)
زوجها يعمل حارساً في مصنع للسجائر
[السُّؤَالُ]
ـ[أخت تسأل بأن زوجها يعمل في شركة لإنتاج السجائر وعمله حارس أمن، فهل ماله حلال؟ علما بأنها حاولت إقناعه بترك عمله والبحث عن عمل آخر ولكنه يرفض وحجته أن شباب اليوم لا يجد عملا فكيف سأجد أنا عملا! ولو كان عمله حراماً فهل يجوز لها أن تعيش معه وتقبل أن ينفق عليها من هذا المال؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
السجائر لا يجوز شربها، ولا بيعها، ولا الإعانة عليها بوجه من الوجوه.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة": (13/31) " شرب الدخان حرام، وزرعه حرام، والاتجار به حرام؛ لما فيه من الضرر العظيم، وقد روي في الحديث: (لا ضرر ولا ضرار) ، ولأنه من الخبائث، وقد قال تعالى في صفة النبي صلى الله عليه وسلم: (ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث) الأعراف /157 وقال سبحانه: (يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات) المائدة/4 " انتهى.
فعلى هذا، لا يجوز للإنسان أن يعمل في مصنع للسجائر، ولو كان عمله حارساً؛ لأن في ذلك إعانة على أمر محرم، وقد قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2، ولما جاء من الأدلة في وجوب إنكار المنكر، وذم الساكت والمقر له، فكيف بالمعين عليه!
ثانياً:
الراتب الذي يأخذه الزوج من عمله في مصنع السجائر يسميه العلماء محرماً لكسبه، وما كان كذلك، فهو محرم على كاسبه فقط، ولا يحرم على من أخذه منه بطريق مباح.
فعلى هذا؛ يجوز للزوجة أن تأخذ من هذا المال، ويكون الإثم على الزوج، أما هي فليس عليها شيء.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (13503) و (45018) .
ونحن نشكر الأخت الكريمة على نصحها لزوجها، ونوصيها أن تواصل النصح، ولا تيأس من ذلك، وعليها أن تبين لزوجها أن مفاتح الرزق ووجوه الكسب كثيرة، ومن عف عن الحرام عوضه الله خيرا منه، ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب، ومن يتوكل على الله فهو حسبه.
نسأل الله أن يجنبنا والمسلمين الرزق الحرام، وأن يغنينا بحلال عن حرامه إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6565)
العمل في الكنائس وأخذ الأجرة على ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[حصل واشتغلت في إحدى الكنائس بأجر يومي، فما حكم هذا الأجر الذي أخذته هل هو حلال أم حرام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا يجوز للمسلم أن يعمل في أماكن الشرك وعبادة غير الله عز وجل من الكنائس أو الأضرحة، أو غير ذلك لأنه بذلك يكون مقراً للباطل، ومعيناً لأصحابه عليه، وعمله محرم، فلا يجوز له أن يتولى هذا العمل، وما أخذه من الأجر في مقابل هذا العمل كسبٌ محرَّم، فعليه التوبة إلى الله سبحانه وتعالى.
ولو تصدق بهذا المبلغ الذي حصل عليه لكان أبرأ لذمته، ويكون دليلا على صحة ندمه وتوبته.
فالحاصل: أنَّ المسلم لا يجوز له أن يكون معيناً لأهل الباطل، ولا يكون أجيراً في أماكن الشرك ومواطن الوثنية كالكنائس والأضرحة وغير ذلك من أعمال الكفار والمشركين، لأنه بذلك يكون عوناً لهم، على الباطل، ومقراً لهم على المنكر، ويكون كسبه حراماً والعياذ بالله" انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (2/720) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6566)
كلفته الإدارة عملا زائدا فهل له أن يأخذ أجرته دون علمها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا معاون المدير في مدرسة ولي صلاحية مطلقة في الإدارة وتنفيذ الأوامر لأنني صاحب الأرض، هذه الشهور عندنا عطلة رسمية، وكل المعلمين والمعلمات في الإجازة ولكن أنا كإدارة كل يوم في الدوام والفرق بيني وبين المعلمين والمعلمات في الراتب 90$ فقط ... نحن نبني ثلاث غرف في المدرسة، ومع وظيفة الإدارة أنا أقوم بالإشراف على هذه الغرف من كل جانب من جوانب الإنشاءات واستلمت مبلغاً لبناء الغرف وأنا من الصبح إلى المساء مشغول بهذا الأمر وهذه ليست وظيفتي ... سؤال: هل يجوز لي آخذ أجري من هذا المبلغ كحقي في هذه الإضافة على وظيفتي أم لا؟ مع العلم من يقوم بهذه الوظيفة يأخذ 500$ شهريا في مجتمعنا عادة كمشرف.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز أن تأخذ شيئا من مبلغ البناء الذي اؤتمنت عليه، لأن ذلك من الغش وخيانة الأمانة، قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) النساء/58، وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) المائدة/1.
وقال صلى الله عليه وسلم: (أَدِّ الأَمَانَةَ إِلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ) رواه الترمذي (1264) وصححه الألباني في جامع الترمذي.
ولك أن تمتنع عن القيام بأي عمل إضافي حتى تأخذ مقابلا له.
وأما أن تقوم في الظاهر مقام المتبرع المحسن المجتهد، ثم تأخذ حقك في الباطن، فهذا خيانة للأمانة ولا يجوز، وإذا احتسبت وصبرت وأتقنت العمل كان لك الأجر والثواب من الله تعالى، وهو خير مما يجمع الناس من حطام الدنيا.
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(5/6567)
هل يبلغ عن الموظف الذي يدخل المواقع الإباحية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مدير لشبكة إنترنت في إحدى الجهات، وقبل أيام ارتبت في استخدام أحد الموظفين لشبكة الإنترنت فوضعت برنامج للمراقبة، وبعد أيام وجدت أن هذا الرجل يدخل مواقع إباحية - عياذاً بالله -، وإلى الآن لا يعرف أحد سواي أمر ذلك الموظف، فاحترت جداً كيف أتصرف معه مع العلم بأن المدير لو علم لقام بفصله من العمل مباشرة ... . هل أكلم الشخص بيني وبينه وأنصحه؟ أم هل أخبر المسئول الذي فوقي بأمره ويحصل ما يحصل؟ أم هل أمنعه من استخدام الإنترنت وفي هذا الحال كيف سيكون العذر لمنعه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا ثبت أن الموظف يدخل المواقع الإباحية، فالواجب نصحه وتحذيره، ودعوته وإرشاده، وتذكيره بالمفاسد والمحاذير والآثام التي تترتب على دخول هذه المواقع، فإن استجاب فالحمد لله، وإن استمر في ذلك، فلا حرج أن تبلغ مدير المركز ليتخذ في حقه الإجراء المناسب، وقد جوّز أهل العلم ذكر عيب الإنسان وسيئته للاستعانة على تغيير المنكر، إذا لم يمكن تغييره إلا بذلك.
قال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم: " لَكِنْ تُبَاح الْغِيبَة لِغَرَضٍ شَرْعِيّ , كالاسْتِغَاثَة عَلَى تَغْيِير الْمُنْكَر , وَرَدّ الْعَاصِي إِلَى الصَّوَاب , فَيَقُول لِمَنْ يَرْجُو قُدْرَته: فُلان يَعْمَل كَذَا فَازْجُرْهُ عَنْهُ وَنَحْو ذَلِكَ ... " انتهى بتصرف.
ولكن.. ليكن ذلك بعد مناصحته ووعظه سراً.
وفقنا الله وإياك لطاعته ومرضاته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6568)
بعض الأحكام المتعلقة بالأطباء والممرضين
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد بعض الأحكام المتعلقة بالأطباء والممرضين الخاصة بعملهم وتعاملهم مع المرضى.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب على الأطباء ومساعديهم من الممرضين وغيرهم، القيام بالواجبات الشرعية في كل حال من أحوالهم، وعدم التساهل فيها، ومن ذلك أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهي: الصلاة، فلا يجوز التفريط فيها، ولا تأخيرها عن وقتها، خاصة عند وجود ما قد يشغل ويصد، فإن داعي الشر قد يوسوس للإنسان بالأعذار الواهية والحجج الفاسدة ما يبرر له تقصيره، والصلاة لا تسقط عن المسلم ما دام عقله معه، ولا يجوز تأخيرها عن وقتها.
وهناك بعض الأحكام الشرعية الأخرى التي يلزم الأطباء ومساعديهم معرفتها منها:
1- عدم جواز الاختلاط بين العاملين من الرجال والنساء، فإن شر الاختلاط عظيم، وخطره وبيل على الفرد والمجتمع.
2- عدم تجمل العاملات في المستشفيات من طبيبات وممرضات وغيرهن، سواء بالثياب أو العطور، فإن تعطر المرأة وتجملها أمام الأجانب عنها يجر من الشرور ما لا يخفى.
3- عدم خضوع العاملات في المستشفيات بالقول عند حاجتهن للتحدث مع الرجال غير محارمهن، على أنه لا يجوز لهن التحدث معهن إلا من وراء حجاب، ودون اختلاط، ولا يخفى أن إقامة أجنحة خاصة بالنساء لا يدخلها الرجال ميسور والحمد لله.
4- عدم التبرج من قبل النساء العاملات، ولزوم الحجاب الشرعي، بتغطية جميع البدن، بما في ذلك الوجه والكفين.
5- يحرم على الأطباء والطبيبات ومساعديهم النظر إلى العورات إلا عند الضرورة، وإذا دعت الحاجة، على أنه يجب ألا يكشف على الرجل إلا رجل، ولا على المرأة إلا امرأة، إلا إذا لم يتيسر ذلك ودعت الضرورة فلا حرج في كشف أحدهما على الآخر، مع القيام بواجب الأمانة الشرعية، فلا يُنظر إلا إلى موضع المرض، على أن يكون بحضرة من تنتفي معه الخلوة، وبالنسبة للمرأة المريضة فلابد من حضور وليها إذا تيسر ذلك.
6- يجب على جميع العاملين في المستشفيات عدم إفشاء أسرار المرضى، ولزوم الكتمان في هذه الأمور، فإن إفشاءها – مع أنه خيانة للأمانة وهتك للأسرار – فإنه يجر من الشرور ما لا يخفى.
7- يجب على جميع العاملين عدم التشبه بالكفار، وقد ورد النهي صريحاً في تحريم ذلك، وعلى المسلم أن يعتز بدينه وانتمائه إليه، فلا يضعف ولا ينهزم.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ صالح الفوزان ... الشيخ بكر أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (24/401) .
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(5/6569)
موظفون يأخذون " بدل تفرغ " على أعمال لا يقومون بها
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن أطباء وفنيون نعمل ببعض الإدارات الصحية حيث نمارس أعمالاً إدارية ومكتبية بعيدة كل البعد عن تخصصاتنا الأساسية، وبعض الموظفين يرغبون في العمل الإداري تهرباً من العمل الفني، علماً بأن نظام اللائحة الصحية منحونا بدل تفرغ بشرط أن نباشر أعمالنا الأساسية (طبيب، فني، ممرض، إلخ) ، والآن نحن نعمل بالأعمال المكتبية والإدارية لمدة 8 ساعات باليوم، متعللين بنقص الإداريين علماً بأن الجهات الرقابية طلبت منَّا العودة إلى تخصصاتنا الأصلية، وإعادة تأهيلنا، أو التنازل عن بدل التفرغ، إلا أن الكثير من الموظفين ما يزالون يعملون بأعمال إدارية ولم يرجعوا لأعمالهم الأساسية، ولم يتنازلوا عن بدل التفرغ. فهل بدل التفرغ الذي نحصل عليه يعتبر حراماً، أم حلالاً؟ وإذا كان حراماً هل نعيد المبالغ التي حصلنا عليها مسبقاً؟ أو نتصدق بها؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب على الموظفين أداء أعمالهم بإتقان وإحسان، والالتزام باللوائح التي تنظم عملهم، من حيث وقته، ومكانه، وطبيعته، ولا يجوز للموظف أن يتخلف عن ذلك، وإلا كان مفرطاً في الأمانة، وآكلاً للسحت.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
"أما الموظفون الذين لا يؤدون أعمالهم، أو لا ينصحون فيها: فقد سمعتم أن مِن خصال الإيمان: أداء الأمانة، ورعايتها، كما قال الله سبحانه وتعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) النساء/ 58، فالأمانة مِن أعظم خصال الإيمان، والخيانة مِن أعظم خصال النفاق، كما قال الله سبحانه في وصف المؤمنين: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) المؤمنون/ 8، وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) الأنفال/ 27.
فالواجب على الموظف أن يؤدي الأمانة بصدق، وإخلاص، وعناية , وحفظاً للوقت، حتى تبرأ الذمة، ويطيب الكسب، ويُرضي ربه، وينصح لدولته في هذا الأمر، أو للشركة التي هو فيها، أو لأي جهة يعمل فيها , هذا هو الواجب على الموظف أن يتقي الله، وأن يؤدي الأمانة بغاية الإتقان، وغاية النصح، يرجو ثواب الله ويخشى عقابه، ويعمل بقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) النساء/ 58.
ومن خصال أهل النفاق: الخيانة في الأمانات، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان) متفق عليه , فلا يجوز للمسلم أن يتشبه بأهل النفاق، بل يجب عليه أن يبتعد عن صفاتهم، وأن يحافظ على أمانته، وأن يؤدي عمله بغاية العناية، ويحفظ وقته، ولو تساهل رئيسه، ولو لم يأمره رئيسه، فلا يقعد عن العمل، أو يتساهل فيه، بل ينبغي أن يجتهد حتى يكون خيراً من رئيسه في أداء العمل، والنصح في الأمانة، وحتى يكون قدوة حسنة لغيره" انتهى.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (5 / 39، 40) .
وحتى يطيب كسبكم لا بدَّ من الالتزام بطبيعة وأوقات العمل الذي طُلب منكم، وإلا كان كسبكم حراماً، فتحديد طبيعة العمل، وأوقاته لا يرجع للموظف نفسه، وإلا لمشى الناس على أهوائهم، ولدبَّت الفوضى في قطاعات الأعمال جميعها.
ومن لم يلتزم بطبيعة العمل الذي طُلب منه، أو لم يلتزم بالساعات المطلوبة: فإنه يكتسب إثماً، ويكسب حراماً.
سئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
شخص انتدب في مهمة، ولمدة معينة، وقضى أكثرها في هذه المهمة الموكلة له مع بقية زملائه، وبقي يوم أو يومان، وقال المسئول عن هذه المهمة للمنتدبين: هذا اليوم تنتهي المهمة وغداً الذي يرغب المغادرة إلى أهله بإمكانه أن يرجع، فهل يصح أن يأخذ قيمة انتداب هذا اليوم أو اليومين اللذين لم يجلس فيهما للمهمة؟ .
فأجاب:
"لا يجوز أن يأخذ من قيمة الانتداب إلا بمقدار الأيام التي كان يعمل فيها، أما الأيام التي تركها ورجع إلى أهله: فلا يجوز له أن يأخذ عنها شيئاً؛ لأنه في غير مقابل، وإذن المسئول له بالرجوع إلى أهله لا يسوغ له الأخذ عن الأيام التي تركها؛ لأنه لما رجع انقطع انتدابه، نعم، يعتبر يوم الذهاب، ويوم الرجوع، إذا كان المكان بعيداً" انتهى.
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (السؤال رقم 327) .
وسئل حفظه الله:
الأعذار التي يقدمها الموظف لرئيسه قد تكون في أكثر الأحيان كذباً، ما رأي فضيلتكم؟ .
فأجاب:
"الواجب على المسلم أن يتقي الله، ويترك الكذب، والحيل التي يتذرع بها إلى ترك العمل الوظيفي الذي وكِّل إليه في مقابل راتب يتقاضاه، وعلى المسئولين عن دوام الموظفين من رؤساء الدوائر أن يتقوا الله، ويدققوا في الإجازات التي يمنحونها لموظفيهم بأن تكون جارية على المنهج الصحيح، والنظام الوظيفي، وأن يسدوا الطريق على المحتالين والمتلاعبين؛ لأن هذه أمانة في أعناق الجميع، يُسألون عنها أمام الله سبحانه وتعالى" انتهى.
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (السؤال رقم 328) .
ومن اكتسب إثماً جراء إخلاله بواجبه الوظيفي: فعليه التوبة والاستغفار، وإصلاح حاله، وما كسبه من مال منهم: فالواجب عليه إرجاعه لأصحاب العمل أو المؤسسة التي يعمل بها، وليختر ما يناسب من طرق ترفع عنه الحرج، وتوصل الحق لأهله، ومن عجز عن ذلك بعد بذل الأسباب: فعليه أن يتخلص من هذا المال ببذله في وجوه الخير المختلفة.
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
انتدبت أنا وزميلي إلى إحدى المناطق لمدة أربعة أيام، إلا أنني لم أذهب مع زميلي، وبقيت على رأس عملي، وبعد فترة استلمت ذلك الانتداب، فهل يجوز لي استهلاكه أم لا؟ وإذا كان لا يحل لي أخذه فهل يجوز صرفه في مستلزمات المكتب الذي أعمل فيه؟
فأجاب:
"الواجب عليك رده؛ لأنك لا تستحقه، لعدم قيامك بالانتداب، فإن لم يتيسر ذلك: وجب صرفه في بعض جهات الخير، كالصدقة على الفقراء، والمساهمة به في بعض المشاريع الخيرية، مع التوبة، والاستغفار، والحذر من العودة إلى مثل ذلك" انتهى.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (19 / 343) .
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
أنا موظف حكومي ويتطلب العمل مني أحياناً عمل إضافي , وقد قامت الدائرة التي أعمل فيها بتعميدي أنا وبعض وزملائي في العمل خارج وقت الدوام الرسمي، ولمدة (45) يوماً , وقد كنت حريصاً على أن أحضر مع زملائي في العمل , ولكنهم لم يعلموني بذلك , ولما سألت أحدهم قال لي: لم يأت دورك بعد , حتى انتهت المدة المحددة , وصرف المبلغ لذلك العمل لي، ولزملائي , وإنني في حيرة من أمري في هذا المبلغ، أهو حلال أم حرام , علماً أن رئيسي في العمل المباشر ورئيس الدائرة راضون عني في العمل , حيث إنني في نظرهم موظف نشيط، وقد يكون هذا المبلغ مكافأة لي على حرصي، وعلى حسن عملي , حيث إن راتبي قليل , وإذا لم يكن هذا المبلغ حلالاً فماذا أعمل به؟ .
فأجاب:
"هذا السؤال يقع كثيراً , وأنا أسألكم الآن: هل هذا حق أو باطل؟ بمعنى: هل هذه المكافأة التي حصلت للإنسان على عمل معين هل قام بهذا العمل أم لا؟ لم يقم بالعمل , إذا لم يقم بالعمل: صار أخذ المال بغير حق , وأخذ المال بغير حق هو أكل المال بالباطل تماماً , مع ما في ذلك من خيانة للأمانة , حتى ولو وافق الرئيس المباشر على مثل هذا العمل فهو خائن , والمال ليس ماله - أعني الرئيس المباشر - حتى يتصرف به كيف يشاء , المال مال الدولة، وهذا الرجل السائل أعتقد أنه قد تاب مما صنع , وأنه يريد الخلاص , والخلاص لا أقول يرده إلى الدائرة؛ لأنه ستكون هناك مشاكل , إلا إذا علم أنه إذا رده إلى الدائرة صارت المحاكمة على رئيسه , فهذا لا بأس , أنا أحب أن مثل هؤلاء الرؤساء الذين يعملون مثل هذه الأعمال أنه يبين أمرهم حتى يتخذ أمامهم الإجراءات اللازمة , أما التلاعب: فلا يجوز؛ فهذه أمانة.
فأقول لهذا الأخ: اجعل الدراهم هذه في مسجد؛ لأن المسجد مما يلزم الدولة بناؤه , أو ما أشبه ذلك من مصالح المسلمين , وتبرأ بذلك ذمته , وإنني بهذه المناسبة: أحذر الرؤساء، والمدراء الذين يعملون مثل هذا العمل , وأقول: اتقوا الله فيما وليتم عليه , واتقوا الله أيضاً فيمن تحت أيديكم من الموظفين , لا تطعموهم ما لا يحل لهم , ولا تخونوا الدولة بأن تعطوا من لا يستحق" انتهى.
" لقاءات الباب المفتوح " (114 / السؤال 15) .
فالواجب عليكم التوبة من الفعل، ورد المال لأهله، فإن عجزتم فيلزمكم الصدقة به في وجوه الخير.
وانظر جواب السؤال رقم: (46645) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6570)
حكم التدرب في البنك الربوي خلال الأجازة لأخذ الخبرة
[السُّؤَالُ]
ـ[إنا طالبة بالمرحلة الجامعية وباقي لي سنة وأخلص دراستي بقسم الأدب الإنجليزي وفي فترة الإجازة نزلت بعض البنوك تدريب للطلاب خلال فتره الصيف براتب 2000 بالشهر أنا قدمت عندهم وقبلوني والآن أنا أتدرب عند ((البنك السعودي البريطاني)) وأنا أعرف أنه بنك غير إسلامي بس قصدي أني أتدرب عندهم خلال هذه الفترة عشان آخذ شهادة الخبرة وأكتسب خبرة منهم وإذا تخرجت يكون عندي فرصة كبيرة أن أتوظف ببنك إسلامي. السؤال: هل شغلي وتدريبي معهم يعتبر من الربا أو حرام مع العلم أن وجودي معهم لأتدرب وأتعلم منهم. . . . ولو كان ما يجوز ماذا أفعل أتركهم الآن مع أنه باقي لي تقريباً أسبوعين وتنتهي فترة التدريب. . . وماذا أفعل بالراتب هل يجوز لي أن آخذ منه شيئاً أو أتصدق فيه لأني أخاف أكل الحرام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز العمل في البنوك الربوية؛ لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان، وقد قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2، كما ورد لعن من أعان على الربا بالكتابة أو الشهادة، كما في الحديث الذي رواه مسلم (1598) عن جابر رضي الله عنه قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا، ومؤكله، وكاتبه، وشاهديه. وقال: هم سواء) .
وقد صرح أهل العلم بتحريم العمل في هذه البنوك ولو في الحراسة أو النظافة أو الخدمة.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (15/41) : " لا يجوز لمسلم أن يعمل في بنك تعامله بالربا، ولو كان العمل الذي يتولاه ذلك المسلم غير ربوي؛ لتوفيره لموظفيه الذين يعملون في الربويات ما يحتاجونه ويستعينون به على أعمالهم الربوية، وقد قال تعالى: (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَان) المائدة/2.
عبد العزيز بن عبد الله بن باز. عبد الرزاق عفيفي. عبد الله بن غديان. عبد الله بن قعود
وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء أيضا: ما حكم العمل في البنوك الحالية؟
فأجابت: "أكثر المعاملات المصرفية الحالية يشتمل على الربا، وهو حرام بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، وقد حكم النبي صلى الله عليه وسلم بأن من أعان آكل الربا وموكله بكتابة له، أو شهادة عليه وما أشبه ذلك؛ كان شريكا لآكله وموكله في اللعنة والطرد من رحمة الله، ففي صحيح مسلم وغيره من حديث جابر رضي الله عنه: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه. وقال: هم سواء) . والذين يعملون في البنوك المصرفية أعوان لأرباب البنوك في إدارة أعمالها: كتابة أو تقييدا أو شهادة، أو نقلا للأوراق أو تسليما للنقود، أو تسلما لها إلى غير ذلك مما فيه إعانة للمرابين، وبهذا يعرف أن عمل الإنسان بالمصارف الحالية حرام، فعلى المسلم أن يتجنب ذلك، وأن يبتغي الكسب من الطرق التي أحلها الله، وهي كثيرة، وليتق الله ربه، ولا يعرض نفسه للعنة الله ورسوله" انتهى.
عبد العزيز بن عبد الله بن باز. عبد الرزاق عفيفي. عبد الله بن غديان. عبد الله بن منيع. "فتاوى اللجنة الدائمة" (15/38) .
وسئلت أيضا (15/55) : أ- هل العمل في البنوك خصوصا في الدول الإسلامية حلال أم حرام؟
ب - هل هناك أقسام معينة في البنك حلال كما يتردد الآن وكيف ذلك إذا كان صحيحا؟
فأجابت: "أولا: العمل في البنوك التي تتعامل بالربا حرام، سواء كانت في دولة إسلامية أو دولة كافرة؛ لما فيه من التعاون معها على الإثم والعدوان الذي نهى الله سبحانه وتعالى عنه بقوله: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2.
ثانيا: ليس في أقسام البنك الربوي شيء مستثنى فيما يظهر لنا من الشرع المطهر؛ لأن التعاون على الإثم والعدوان حاصل من جميع موظفي البنك" انتهى.
عبد العزيز بن عبد الله بن باز عبد الرازق عفيفي عبد الله بن قعود
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يجوز العمل في مؤسسة ربوية كسائق أو حارس؟
فأجاب: "لا يجوز العمل بالمؤسسات الربوية ولو كان الإنسان سائقا أو حارسا، وذلك لأن دخوله في وظيفة عند مؤسسات ربوية يستلزم الرضى بها، لأن من ينكر الشيء لا يمكن أن يعمل لمصلحته، فإذا عمل لمصلحته فإنه يكون راضيا به، والراضي بالشيء المحرم يناله من إثمه. أما من كان يباشر القيد والكتابة والإرسال والإيداع وما أشبه ذلك فهو لاشك أنه مباشر للحرام. وقد ثبت من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه. وقال: هم سواء" " انتهى نقلا عن "فتاوى إسلامية" (2/401) .
وعلى هذا، فلا يجوز التدرب في البنك الربوي؛ لأنه يقتضي كتابة الربا أو الشهادة عليه، أو إعانة من يفعل ذلك.
ويلزمك التوقف عن هذا العمل، والتخلص من المال الذي أُعطى لك، بصرفه إلى الفقراء والمساكين وأوجه الخير.
نسأل الله أن يزيدك علما وفقها وتحريا للحلال وبعدا عن الحرام.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلم سؤال وجواب(5/6571)
العمل في برمجة مواقع إنترنت تتعامل ببطاقات الفيزا
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل مبرمج مواقع بالإنترنت وقد طلب مني العمل في إعادة تنظيم برمجة إحدى المواقع التي تم برمجتها مسبقا بالفعل وتم تسليمها للعميل، المشكلة تنحصر في أن بعض أقسام هذا الموقع تهدف للتعريف بالشركة صاحبة الموقع وأنشطتها والخدمات التي توفرها لعملائها وبعض الأقسام الأخرى متعلقة بتوفير خدمة الشراء عن طريق الإنترنت - المعروفة باسم ال (e-commerce) - لأي منتج من منتجات الشركة صاحبة الموقع وهذا يكون عن طريق أن يقوم مستخدم الموقع بملء بعض البيانات الشخصية عنه على أن يكون من ضمنها رقم الفيزا كارد الخاصة به أو رقم الماستر كارد أو رقم........ أي نوع من أنواع الكروت التي يستطيع أن يقوم باستخدامها للشراء عبر الإنترنت-- ومن المعروف أن كل هذه الأنواع من الكروت يتم توفيرها من قبل بنوك إسلامية وأخرى ربوية --.... وقد تم الانتهاء من هذه العملية التنظيمية للأكواد بالفعل وقد شاركت في هذا مع العلم أني ابتعدت بقدر المستطاع عن كل الصفحات والأكواد التي تتعلق بشكل مباشر بتقديم خدمة الشراء عن طريق الإنترنت والأسئلة الآن تنحصر فيما يلي: 1- هل العمل في برمجة الصفحات والأكواد المتعلقة بتوفير خدمة الشراء عن طريق الإنترنت المعروفة باسم ال (e-commerce) حلال أم حرام. 2- إن كان العمل في مثل هذه الخدمات حراما ---- فقد سبق لي العمل بالفعل بأحد هذه المواقع فهل إخراجي وتصدقي بالجزء من الراتب الخاص بي بما يوازي عدد الأيام التي عملت بها في مثل هذه الخدمة يحلل باقي الراتب أم لا؟ وكيف يمكنني تطهير هذا الراتب؟ 3- إن كان العمل بمثل هذه الخدمة حراما فهل يجب علي أن أترك العمل في أي موقع يوفر هذه الخدمة؟ أم فقط عليّ اجتناب العمل في الصفحات والأقسام والأكواد التي تتعلق بشكل مباشر بهذه الخدمة وأن أعمل في بقية الصفحات أو الأقسام التي تتعلق ببقية أنشطة الشركة والتعريف بها وغيرها من الأقسام الأخرى في الموقع؟ --- أم أن علي ترك شركة البرمجيات التي أعمل بها بشكل نهائي؟ 4- إن كان علي فقط تجنب الأكواد التي تتعامل مع هذه الخدمة بشكل مباشر والعمل في بقية الأقسام الأخرى في الموقع ففي حالة وجود بعض التداخل فمثلا قد يقوم المستخدم بإدخال بعض البيانات عنه بما فيها رقم الفيزا ويتم استخدام هذه البيانات في التعامل مع خدمة الشراء عن طريق الإنترنت وفي نفس الوقت تستخدم في أي من أقسام الموقع الأخرى التي لا تتعلق بهذه الخدمة فما حكم هذه الحالات؟ 5- إن كانت المعلومات المتوفرة لدي تؤكد أن نشاط الشركة التي أعمل بها الآن مختلط بين هذه النوعية من المواقع التي توفر خدمة الشراء عن طريق الإنترنت وبين نوعيات أخري من المواقع التقليدية التي لا توفر هذه الخدمة فهل يجوز لي العمل في هذه الشركة؟ فمثلا: الخطط المستقبلية الآن تهدف للتعاقد على بعض المواقع التي تهدف بعض أقسامها لاستخدام هذه الخدمة ال (e-commerce) والتعاقد علي مواقع أخرى تهدف لخدمة وتيسير إدارة المطاعم التابعة لبعض الفنادق العالمية وبالطبع هذه المطاعم يتم بيع الخمور بها. وهناك خطط مستقبلية أخري للتعاقد على موقع يتعلق بإحدى الوزارات التي تعطي قروضا ربوية للشباب بالتعاون مع أحد البنوك الربوية؟ وقد يكون هناك تعاقدات أخري ستتم ليس فيها أي ريبة مثل المدارس أو التعليم أو المستشفيات. ففي ضوء هذه المعلومات هل لي أن أستمر في العمل في هذه الشركة إلي أن يتضح لي طبيعة العمل القادم أم أن علي تركها من الآن ? 6- مع العلم أني الآن قد طلب مني العمل في تكوين مكتبة للأكواد الخاصة بالشركة كي يتم استخدامها فيما بعد في أي موقع جديد ولست أعلم هل سيتم استخدامها في أي نوع من المواقع بشكل محدد فقد يتم استخدامها في مواقع المدارس والمستشفيات وو إلخ أو يتم استخدامها في أي من المواقع الأخرى التي تتعامل ب ال (e-commerce) أو تتعامل مع البنوك أو الفنادق أو إلخ فما حكم عمل هذه المكتبة للأكواد؟ أرجو الإجابة على كل سؤال من الأسئلة الخمسة السابقة بشكل واضح لبيان حكم كل حالة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
بطاقات الائتمان أو الفيزا، يجوز التعامل بها في البيع والشراء إذا سلمت من المحاذير الشرعية التي سبق بيانها في جواب السؤال رقم (97846) ورقم (97530) .
ولا حرج في تصميم المواقع ذات الصبغة والوجهة المباحة، ولو كانت توفر خدمة الشراء عن طريق الإنترنت، إلا إذا تضمن ذلك النص على اسم بطاقة الفيزا الممنوعة شرعا، كأن يكتب في الصفحة مثلا: أدخل رقم ماستر كارد، أو غيرها مما يتعامل بالربا ولا ينضبط بالشرع، فلا يجوز لشركة التصميم أو المبرمج أن ينص على اسم البطاقة المحرمة؛ لما في ذلك من الدلالة على الحرام والإعانة عليه. قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2، وقوله صلى الله عليه وسلم: (وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ، لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيئًا) أخرجه مسلم في صحيحه (4831) .
وكثير من المواقع التي توفر خدمة الشراء على الإنترنت، لا تحدد بطاقة معينة، كما تتيح الشراء عبر الحوالة البريدية والبنكية، وغير ذلك.
ثانيا:
إذا كان قد سبق لك العمل بإحدى هذه المواقع من قبل، مع عدم علمك بالتحريم، فلا شيء عليك، ولا يلزمك إخراج شيء من الراتب، وإن كان مع العلم بالتحريم فيلزمك التخلص من قدر الراتب الذي استلمته في مقابل العمل المحرم، وتعطيه للفقراء والمساكين بنية التخلص منه، لا الصدقة؛ لأن الصدقة لا تكون من المال الحرام.
ثالثا:
إذا كانت الشركة توفر خدمة الشراء عن طريق الإنترنت، وتورد أسماء البطاقات المحرمة، فإنه يجوز لك البقاء فيها بشرط أن تعمل في إنشاء الصفحات والأقسام التي لا تتعلق بهذه الخدمة؛ حتى لا تقع في إثم الإعانة على المعصية والدلالة عليها.
رابعا:
لا يلزمك تجنب الأكواد التي تتعامل مع هذه الخدمة بشكل مباشر، فقد قلنا إن الممنوع هو تسجيلك ونصك على اسم البطاقة المحرمة، وليس مجرد تمكين المستخدم من الشراء أو وضع رقم فيزته، فقد يكون ممن يستعمل بطاقة لا محذور فيها. وفي حال استخدامه لبطاقة محرمة، فإن إثم ذلك عليه.
وينبغي التنبه هنا إلى أن البائع – في الإنترنت وخارجه - يجوز أن يبيع سلعته لمن يستعمل بطاقة الفيزا مطلقا، دون التفتيش عن حالها وطريقة تعامل المشتري بها، وهل لديه رصيد أم لا، وهل تفرض عليه غرامة تأخير أم لا؛ إذ لا يكلف البائع بذلك، ولا يلزمه سؤال المشتري عن مصدر ماله، وإنما يلزمه ألا يتعامل بالحرام، كبيع الذهب لمن يشتري بالبطاقة. كما أن بعض المشترين قد يتعامل ببطاقة محرمة، لكن على وجه يسلم فيه من ارتكاب المحذور، كما هو معروف فيما يسمى بشحن الكارد، فيشحن الكارد بقيمة المشتريات ثم يشتري ما يريد، ويسلم بذلك من المحاذير.
والمصمم والمبرمج لا يجوز له أن يعين على شيء من الحرام، كذكر أسماء البطاقات المحرمة، أو تصميم ما يدعو للقمار والميسر، أو شرب الخمور، أو الدعارة، أو نحو ذلك من المحرمات.
خامسا:
يجوز لك العمل في هذه الشركة بشرط ألا تعين على شيء من الحرام كما سبق، فلا تشارك في برمجة ما يتعلق ببيع المحرمات أو الدلالة عليها أو الإعلان عن القروض الربوية، ولك أن تستمر في العمل حتى يتضح لك طبيعة العمل القادم، فإن أمكنك تجنب ما فيه من محذور، فواصل عملك، وإن وجدت عملا خاليا من الشبهة، نقيا في جميع أقسامه، فهذا أولى من غير شك.
سادسا:
لا حرج في تنفيذ ما طلب منك من تكوين مكتبة للأكواد الخاصة بالشركة كي يتم استخدامها فيما بعد في أي موقع جديد ولو فرض أنه تم استخدامها في المواقع التي تتعامل ب ال (e-commerce) أو تتعامل مع البنوك أو الفنادق؛ لأن المحذور كما سبق هو النص على البطاقة المحرمة، أو الدلالة على البنك الربوي، أو السلعة المحرمة، وليس مجرد تمكين الموقع من البيع والشراء وتسجيل رقم بطاقة المستخدم.
ونحن نحمد الله تعالى أن رزقك الحرص على تحري الحلال والبعد عن الحرام، والاهتمام بذلك، ونسأل الله تعالى لك المزيد من التوفيق والتسديد، ولعلك بالبحث والتحري تجد العمل الأفضل البعيد عن الشبهة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6572)
وظيفته البحث عن مشاريع للشركة ومنها بناء البنوك الربوية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب التحقت بالعمل في شركة كبيرة للمقاولات ووظيفتي هي البحث عن المشاريع الجديدة التي يعلن عنها سواء كان ذلك عن طريق الإنترنت أو الجرائد أو غيرها ومتابعتها. الشركة تقوم بالتقديم للعمل في بناء الأبراج السكنية والتجارية والمصانع ومولدات الطاقة والنفط وغيرها.. سؤالي هو: في بعض الأحيان يكون هناك مشروع بناء برج مكاتب لأحد البنوك أو الأبراج التي يكون بها سوق في أحد أدوارها - وعلى حد علمي أن أي مساعدة للبنوك سواء في البناء أو التأجير يعد من التعاون على الإثم والعدوان -، إذا فرض ووجدت مشروعا ضخما لأحد البنوك وأنا أعلم أنه إذا أبلغت الشركة عن هذا المشروع وقامت الشركة ببنائه سيلحقني الإثم بسبب هذا لأنني تعاونت على الإثم والعدوان وساعدت على بناء هذا البنك. وأعلم كذلك أنه إذا غضضت النظر عن هذا المشروع ولم أرسل تقريرا عنه إلى الإدارة فأنا مقصر في عملي ويلحقني الإثم بسبب تقصيري في عملي وعدم أداء الأمانة. ماذا أفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التعامل بالربا محرم، وهو من كبائر الذنوب، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278-279.
وروى مسلم (1598) عن جابر رضى الله عنه قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا، ومؤكله، وكاتبه، وشاهديه. وقال: هم سواء.
وإذا ثبت تحريم التعامل بالربا، فإنه يحرم المعاونة عليه بأي نوع من أنواع المعاونة، وذلك لقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2.
فلا يجوز إنشاء البنوك الربوية، ولا تجهيزها، ولا عمارتها، ولا إعانتها بأي وجه من وجوه الإعانة.
وليس لك أن تدل الشركة على بناء بنك ربوي، وإلا كنت معينا على الإثم والمعصية.
وليس هذا تقصيرا منك في العمل ولا خيانة للأمانة كما ظننت، بل هذا من النصح للشركة، والإعانة لها على الخير دون الشر. وتعاقدك معها إنما ينصرف إلى الدلالة المباحة لا المحرمة.
وأما البنوك الإسلامية التي لا تتعامل بالربا فلا حرج في إنشائها والدلالة عليها.
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد والرشاد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6573)
حكم العمل في مشروع محاربة ختان الإناث
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مقدم علي زواج بعد 3 أشهر وقد عرض علي أن أعمل في مشروع محاربة ختان الإناث بمرتب عالي يعينني على مصروفات الزواج والتجهيزات، فإذا رفضت فسوف أعمل بمرتب ضعيف جدا لكن في مجال آخر غير موضوع ختان الإناث.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ختان الإناث مشروع، وهو دائر بين الوجوب والاستحباب، ولا يُعلم عن أحد من الفقهاء القول بتحريمه، وقد سبق بيان ذلك مفصلا، مع بيان فوائده الصحية والطبية، وفتاوى أهل العلم في شأنه، وانظر: جواب السؤال رقم (60314) و (45528) .
ولا وجه لمحاربة الختان الذي هو من سنن الفطرة، لكن ينبغي محاربة الطرق السيئة في إجرائه، كالختان المسمى بالفرعوني، وفيه يتم استئصال البظر كله، مما يكون له أثر سيء على المرأة.
وعليه، فإن كان غرض المشروع هو محاربة الصور الخاطئة من الختان مع إقرار العمل بالختان الصحيح، فلا حرج في العمل فيه، وإن كان الغرض هو محاربة الختان كله، والتنفير منه، ودعوة الناس إلى تركه، فلا يجوز العمل فيه حينئذ؛ لأنه مضاد للشرع، فإن ختان الإناث أقل أحواله الاستحباب.
ولا يحملنك ضعف الراتب على طلب الزيادة بالحرام، فإن متاع الدنيا قليل، ونعيمها زائل، وما عند الله تعالى خير وأبقى، ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، فتمسك بالحلال مهما كان قليلا فإن الله تعالى يبارك فيه، ودع الحرام مهما كان كثيرا فإن عاقبته إلى قلة وذلة.
وتأمل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن روح القدس نفث في رُوعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها، وتستوعب رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملن أحدَكم استبطاءُ الرزق أن يطلبه بمعصية الله، فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته) رواه أبو نعيم في الحلية من حديث أبي أمامة، وصححه الألباني في صحيح الجامع (2085) .
وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6574)
العمل في المدارس الابتدائية المختلطة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز العمل في مدرسة مختلطة لا يتجاوز عمر الأطفال 12 سنة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الاختلاط في المدارس بين البنين والبنات، له مفاسده وآثاره السيئة، ولو كان بين الصغار.
ثم إن أكثر الصغار اليوم صاروا يميزون بين الجميلة وغيرها، ويعرفون الحب والغرام والصديقات والخليلات من خلال ما يشاهدونه في التلفاز وغيره، فلا عجب أن يتعلق الطفل وعمره عشر سنوات أو اثنتا عشرة سنة بزميلة له في الفصل، ومنهم من يتجاوز ذلك إلى محاكاة الكبار، والتصريح بالحب والتعلق.
ولهذا كان على من أولاه الله مسئولية التعليم أن يمنع هذا الاختلاط، حتى ينشأ الأطفال على الأخلاق والقيم الصحيحة.
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: المدارس الحكومية في بريطانيا مختلطة، يدرس فيها البنون والبنات معا، ويجبرون للغسل والسباحة في محل واحد، وتكون البنات عاريات في حالة الغسل، أو نصف عاريات، وأفتى بعض العلماء أنه إذا كانت البنات صغيرات فلا حرج في ذلك، فماذا يرى سماحتكم، وما هو الستر الإسلامي للبنت الصغيرة، وما هي السن التي يجب فيها الحجاب للبنت؟
فأجابت: "اختلاط البنين والبنات في الدراسة حرام، وكذا اختلاطهن عراة في الاغتسال والسباحة حرام، سواء كن صغارا أو كبارا؛ لما في ذلك من إثارة الفتنة، والاطلاع على العورات، ولأنه ذريعة إلى الفساد، وارتكاب المنكرات " انتهى.
عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد الله بن غديان...... عبد الله بن قعود " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (12/168) .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " اطلعت على ما كتبه بعض الكتاب في جريدة الجزيرة بعددها رقم 3754 وتاريخ 15/ 4 / 1403 هـ الذي اقترح فيه اختلاط الذكور والإناث في الدراسة بالمرحلة الابتدائية، ولما يترتب على اقتراحه من عواقب وخيمة رأيت التنبيه على ذلك فأقول:
إن الاختلاط وسيلة لشر كثير وفساد كبير لا يجوز فعله وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مروا أبناءكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع) .
وإنما أمر صلى الله عليه وسلم بالتفريق بينهم في المضاجع لأن قرب أحدهما من الآخر في سن العاشرة وما بعدها وسيلة لوقوع الفاحشة بسبب اختلاط البنين والبنات , ولا شك أن اجتماعهم في المرحلة الابتدائية كل يوم وسيلة لذلك، كما أنه وسيلة للاختلاط فيما بعد ذلك من المراحل.
وبكل حال؛ فاختلاط البنين والبنات في المراحل الابتدائية منكر لا يجوز فعله، لما يترتب عليه من أنواع الشرور، وقد جاءت الشريعة الكاملة بوجوب سد الذرائع المفضية إلى الشرك والمعاصي، وقد دل على ذلك دلائل كثيرة من الآيات والأحاديث , ولولا ما في ذلك من الإطالة لذكرت كثيرا منها. وقد ذكر العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه " إعلام الموقعين " منها تسعة وتسعين دليلا. ونصيحتي للكاتب وغيره ألا يقترحوا ما يفتح على المسلمين أبواب شر قد أغلقت. نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق.
ويكفي العاقل ما جرى في الدول التي أباحت الاختلاط من الفساد الكبير بسبب الاختلاط " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (5/234) .
ثانيا:
لا ينبغي العمل في هذه المدارس المختلطة؛ لما قد يترتب عليه من الفتنة، فإن من الفتيات من تبلغ في سنة الثانية عشرة أو أقل، وقد تتخلف في الدراسة فتبلغ الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة، وفي الصغيرات من تشتهى، وإن لم تكن بالغة.
ولكن … إذا أنست من نفسك محاولة الإصلاح والتوجيه، ودعوة الفتيات إلى الحجاب والعفة، والتشديد في ذلك على من قاربت البلوغ، مع التزام الآداب الإسلامية، من عدم المصافحة والخلوة، فلا حرج عليك إن شاء الله تعالى، وتكون بذلك محسناً، والله تعالى يحب المحسنين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6575)
العمل في شركة قامت على قرض ربوي ولا تزال تقترض بالربا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم العمل في شركة تأسست بقرض ربوي وإلى اليوم وهي تقترض، فكل ما قامت بتسديد القرض أخذت غيره بمبلغ أكبر.. وعن طريق هذه القروض تقوم بمشاريعها وتصرف رواتب الموظفين منها.. مع العلم أنه لم يكن يعلم عن هذه القروض.. وعمله في الشركة كمبرمج وليس له علاقة في المحاسبة أبدا وأيضا البرامج التي يصممها لا تستعمل في أمور الشركة الحسابية.. إذا كان لا يجوز له العمل بها.. هل يستمر فيها إلى أن يجد وظيفة أخرى أم يتركها على الفور؟ وبالنسبة لماله الذي جمعه من راتبه.. هل هو حلال أم أنه يعتبر مال ربا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كانت المشاريع التي تقوم بها الشركة مشاريع مباحة، وكان المبرمج المسئول عنها لا يباشر شيئا من محاسبات الشركة كما ذكرت، فيجوز له العمل مع الشركة، والأولى له أن يبحث عن عمل آخر؛ لكراهة العمل مع المتعامل بالربا.
وإثم الربا يقع على الشركة وعلى من يباشر الربا أو يعين عليه، أو يرضى به، وأما راتب المبرمج فقد أخذه مقابل عمل مباح.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عن موظف يعمل بشركة تتعامل مع البنوك وتقترض منهم بالربا، وتعطي الموظفين الرواتب من تلك القروض الربوية
فأجاب: "هل هذا الموظف يكتب العقود التي بين الشركة وبين البنوك؟
السائل: لا يكتب، بل هو أنا يا شيخ! (أي هو الموظف المسئول عنه) .
الشيخ: إذاً: أنت الآن لا تكتب الربا ولا تشهد عليه، ولا تأخذه ولا تعطيه، فلا أرى في هذا شيئاً، ما دام عملك سليماً فيما بينك وبين الشركة، فوِزْر الشركة على نفسها. إذا لم تكن تذهب إلى البنوك ولا توقع على معاملة البنوك فلا شيء عليك، فالمؤسسة هذه -أولاً- لم تُبنَ للربا، وليست مثل البنك الذي نقول: لا تتوظف فيه، فهي لم تؤسس للربا. ثانياً: إنك لم تباشر الربا لا كتابةً ولا شهادةً ولا خدمةً، عملك منفصل عن الربا " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (59/15) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6576)
حكم العمل في المحاكم والنيابات العامة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم العمل في المحاكم والنيابات العامة في الدول العربية، وخاصة الدول الخليجية، علماً أني متقدم إلى العمل في وظيفة " كاتب تحقيق " في إحدى النيابات؟ . أرجو من فضيلتكم الجواب مع ذكر العدد الأكبر من الأدلة الشافية؛ لأني والله في حيرة من أمري.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المحاكم نوعان: محاكم شرعية، ومحاكم نظامية (تحكم بالقوانين الوضعية) ، وهذه الثانية نوعان: نوع يحكم بغير ما أنزل الله في الأحكام والحدود، ونوع آخر يتعلق بأحكام وضعية إدارية ليس فيها مخالفة لما أنزل الله.
وحكم العمل في المحاكم والنيابات يعرف بمعرفة نوع تلك المحاكم، فإذا كانت المحكمة شرعية، أو نظامية لا تخالف أحكامها أحكام الشرع: فيجوز العمل فيها، موظفين، وقضاة، ونيابة.
وإذا كانت المحاكم نظامية تحكم في الدماء والأموال والأنفس بخلاف شرع الله تعالى: فلا يجوز العمل فيها، موظفاً ولا إداريّاً؛ لأنه يكون تعاوناً على الإثم والعدوان، والله تعالى يقول: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/ 2.
وإن كان سيعمل فيها قاضياً: فإنه يكون حاكماً بغير ما أنزل الله، وهو من كبائر الذنوب، وقد يصل بصاحبه للكفر المخرج من الملة.
وإذا كان عمله في النيابة العامة: فهو حرام أيضاً؛ لأنه سيحيل من ليس متهماً في الشرع للقضاء النظامي لمعاقبته، وسيطلب البراءة لمن يستحق الجلد أو الرجم أو القتل؛ لأنه ليس مداناً في القانون الوضعي، وهذه أفعال تضاد الشريعة، ولا يحل العمل فيها، ولا إعانة من يعمل فيها.
قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله:
" من أعظم ذلك وأظهرها معاندة للشرع، ومكابرة لأحكامه، ومشاقة لله ولرسوله: إيجاد المحاكم الوضعية التي مراجعها القانون الوضعي، كالقانون الفرنسي، أو الأمريكي، أو البريطاني، أو غيرها من مذاهب الكفار، وأي كفر فوق هذا الكفر؟! وأي مناقضة للشهادة بأن محمَّداً رسول الله بعد هذه المناقضة؟! " انتهى.
" تحكيم القوانين " (ص 7) .
وسبق أن بيَّنا في جواب السؤال رقم (974) تفصيل القول في الحكم بغير ما أنزل الله، وذكرنا في جواب السؤال رقم (22239) فتوى للشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في التفريق بين الأحكام الشرعية والأحكام الإدارية، ومنه يُعرف أنه لا يحل العمل بالمحاكم التي تحكم بما يُخالف حكم الله تعالى، دون غيرها مما يتعلق بالأمور الإدارية، وهي التي يراد بها ضبط الأمور وإتقانها على وجه غير مخالف للشرع.
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
" إذا كان في الاشتغال بالمحاماة أو القضاء إحقاق للحق، وإبطال للباطل شرعاً، ورد الحقوق إلى أربابها ونصر للمظلوم: فهو مشروع؛ لما في ذلك من التعاون على البر والتقوى، وإلا فلا يجوز؛ لما فيه من التعاون على الإثم والعدوان؛ قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/ 2 " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (1 / 793، 794) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6577)
مدير القطاع يسمح لهم بالانصراف قبل ساعة من نهاية الدوام
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا موظف في أحد قطاعات الدولة. وساعات العمل من (7 صباحا - 3 ظهرا) . ومديرنا في هذا القطاع قد سمح لنا أن نبدأ العمل من (7 صباحا - 2 ظهرا) فما حكم الجزء من الراتب الخاص بالساعة التي لا أداومها؟ هل يجوز لي أكله؟ أم أتصدق به؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا لم يكن أمامك عمل تقوم به في هذه الساعة، وسمح لك المدير بالانصراف، فلا حرج عليك. وعلى المدير أن يتقي الله تعالى، ويجتهد في ما هو لصالح العمل، أداء للأمانة التي اؤتمن عليها.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن رجل موظف، وعند انتهاء ما عنده من معاملات يغادر الدوام قبل انتهائه، خاصة في رمضان، فهل هذا جائز؟
فأجاب: " لا يجوز، والواجب عليه أن يبقى في عمله حتى ينتهي الدوام، إلا بإذن المرجع الذي يعمل فيه؛ لأنه قد تأتي معاملة جديدة، وقد يحتاج إليه، فالواجب على الموظف أن يبقى في عمله حتى ينتهي الدوام، إلا بإذن من الدولة، أو من المرجع المسئول عنه " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
وأما إذا كان العمل يحتاج إلى وجودك في هذه الساعة، فليس لك الانصراف، ولو أذن لك المدير.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن رجل استأذن من مسئوله المباشر في الغياب من العمل وأذن له، فما حكم راتبه؟
فأجاب: "إذا استأذنت منه وأنت تعلم أن العمل يحتاج إلى وجودك فلا تقبل منه الإذن، يجب عليك أن تحضر ولو أذن لك بالغياب، وأما إذا كان العمل لا يحتاج إليك وأذن لك صاحبه المباشر، فأرجو ألا يكون في ذلك بأس " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (14/السؤال 17) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6578)
هل يدفع للشركة مالا مقابل الساعات التي تأخرها خلال عمله؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في شركة منذ ست سنوات وقد قررت ترك العمل بها، ولا يخلو أي إنسان من التأخر عن العمل، وكنت أتأخر من خمس دقائق إلى ساعة أربعة أيام أسبوعيا تقريبا، مع العلم أن هذا لم يؤثر على إنتاجي. وقد أثر هذا التأخر على تقييمي بالشركة، ولذلك كانت زياداتي في الراتب قليلة. وقد قررت أن أبرئ ذمتي وأعطي للشركة 6000 ريال، ولكن نظام الشركة لا يسمح باسترجاع هذا المبلغ فهل أعطيه لحلقات تحفيظ القرآن الكريم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي يظهر من سؤالك أن إدارة الشركة كانت على علم بتأخرك وأنه تمت مجازاتك على هذا التأخر من قبل الشركة، بتقليل زيادتك في الراتب، فإن كان الأمر كذلك، فإنه لا يظهر لنا أنه يلزمك التصدق بشيء من راتبك، لأن الشركة قد استوفت حقها منك بطريق آخر وهو حرمانك من بعض الزيادات على الراتب.
أما إذا كان هذا التأخر قد تم بدون علم الشركة فإنه يلزمك أن ترد إليهم ما يقابل الوقت الذي تأخرته، فإن تعذر هذا الرد لكون نظام الشركة لا يسمح بذلك، فإنك تتصدق بهذا المال.
وقد سئل الشيخ ابن جبرين حفظه الله: عندما يخلّ المدرس بعمله؛ كأن يأتي متأخرًا أحيانًا أو غالبًا، ويخرج لحاجة أو لغير حاجة خارج المدرسة، أو يتأخر عن الحصة، أو لا يعطي الدرس حقه، أو يضيعه بطريقة أو أخرى، فهل الراتب الذي يتقاضاه نهاية كل شهر يستحقه كاملا، أم أنه آثم ولا يستحق الراتب كاملا؟
فأجاب: " أرى أنه - والحالة هذه - لا يستحقه كاملا، فعليه أن يتصدق منه بما يشك فيه، وهو ما يقابل ذلك الوقت الذي أضاعه أو فرط فيه " انتهى.
ونسأل الله أن يبارك لك في مالك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6579)
يأخذ مرتبا شهريا من الحكومة من غير أداء العمل
[السُّؤَالُ]
ـ[عندنا يتم تعيين المواطنين في الأمانات، وأنا متعين في أمانة الزراعة، ولي ست سنوات آخذ مرتبا من الدولة وأنا لا أذهب إلى عملي؛ لأن قسم الزراعة فيه حوالي خمسة وعشرين مكتبا، والمتعينون في الزراعة أكثر من خمسمائة شخص، وأكثر من ثمانين في المائة من المتعينين في كل الأمانات لا يذهبون إلى عملهم، والدولة عالمة بهم. ولكني في مرة تحصلت على عمل تابع للزراعة، ولكني لم أعمل، لأن فيه نساء متبرجات، وخفت أن أفتتن بهن، وأنا إلى الآن آخذ مرتبي منهم، فما حكم هذا المرتب، هل هو حلال أو حرام؟ وإذا كان هذا المرتب حراما فماذا أعمل؟ وإذا كان الجواب أن أرد هذا المال للحكومة فأنا ليس لدي مال حاليا، لأني صرفت هذا المال، وعندي الآن بعض الأشياء التي اشتريتها بهذا المال، مثل جهاز كمبيوتر، فهل أبيعه وأرد هذا المال للحكومة، أو ماذا أعمل؟ وما حكم من يأخذ هذا المرتب ولديه عمل آخر في الحكومة، وكذلك ما حكم من لديه عمل في التجارة، فمثلا لديه محل ويأخذ هذا المرتب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الواجب أن يلتزم الموظف بعمله فيؤدي ما يطلب منه من غير تقصير، ليستحق بذلك أجرَه حلالاً طيِّباً.
فإن قصر في عمله، ولم يقم بأداء ما طلب منه: فلا يستحق الأجرة، ولا تحل له، وإن أخذها: فقد أكل باطلا، وأصاب سحتاً.
قال الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) النساء/ 29.
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
"الواجب على من وُكِلَ إليه عمل يتقاضى في مقابله راتباً: أن يؤدي العمل على الوجه المطلوب، فإن أَخَلَّ بذلك من غير عذر شرعي: لم يحل له ما يتقاضاه من الراتب؛ لأنه يأخذه في غير مقابل " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (15 / 153) .
وقالوا أيضاً:
"الإخلاص في العمل الوظيفي أو المستأجَر عليه هو: أداؤه على الوجه المطلوب، والمتفق عليه في العقد، أو النظام الوظيفي، وهو من الأمانة التي يجب أداؤها، كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) النساء/ 58 " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (15 / 155، 156) .
ثانياً:
ما تذكره من قعودك في بيتك وعدم مباشرتك العمل: فلا حرج عليك منه إذا كان بعلم المسئولين واطلاعهم – كما ذكرت -، وأنت معذور في ذلك لعدم توفير أصحاب الشأن مكاناً تباشر العمل فيه، ويكفي أنك تفرغت واستعددت للقيام بالعمل في أي وقت يطلبونك فيه، ومقابل هذا الاستعداد تستحق الأجرة، وليكن سعيك صادقاً، حريصاً على أداء العمل إن وفروا لك الفرصة، ودليل صدقك أن تذهب إلى مكان العمل بين الحين والآخر للاطلاع والمساعدة وتقديم ما يمكنك تقديمه.
أما ما ذكرت من وجود نساء متبرجات معك في العمل وأنك لا تذهب بسبب ذلك، فعليك أن تحاول الانتقال من هذا المكان إلى مكان آخر ليس فيه اختلاط محرم.
ثم إن كان غيابك عن العمل بعلم المسئولين ورضاهم فلا حرج عليك في الراتب الذي تأخذه، ولا يلزمك رده إلى الحكومة ولا التصدق به، ونسأل الله تعالى أن يبارك لك في مالك.
ثالثاًَ:
أما عن حكم الجمع بين وظيفة الحكومة وعمل آخر - سواء كان تجارةً أو وظيفةً خاصةً -، فالأصل أنه لا حرج فيه، وليس لأحد أن يمنع غيره من العمل ما دام لم يقصر في وظيفته معه.
وقد سئل الشيخ عبد الله بن جبرين حفظه الله:
هل يجوز للعامل أن يعمل في يوم الجمعة مثلا، أو في الليل، بعد أن انتهى من عمله مع كفيله؟ أم أن العقد يلزمه بعدم العمل؟
فأجاب:
"لا مانع من عمله عند فراغه في الليل أو آخر كل نهار أو يوم الجمعة، بشرط أن لا يرهق نفسه إرهاقاً يُعجزه عن العمل اللازم له عند كفيله، أو يسبب له مللا يُقلل من إنتاجه، فإذا لم يكن كذلك: جاز أن يعمل ويتكسب، وله كسبه، ولا يحق للكفيل أن يمنعه من ذلك، كما لا يمنع الموظف الحكومي من العمل في منزله في بناء، أو سقي، أو حرث، أو إصلاح، أو شغل يدوي، أو شراء حاجة، أو حمل أو تنزيل، ويملك ما ينتجه من ذلك؛ لأنه تحصيله الذي حصل عليه من كد يمينه " انتهى.
نقلا عن "فتاوى علماء البلد الحرام" (ص 377) طبعة دار ابن الهيثم المصرية.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6580)
هل يجوز أن يعرض على موظف ترك عمله ليعمل معه براتب أكبر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[وجدت شخصاً متقنا لعمله يعمل لدى شركة وهو مستقر في عمله هذا، فهل يجوز لي أن أعرض عليه العمل لدى شركتي وذلك بأن أعرض عليه مرتباً أكثر من مرتبه في الشركة التي يعمل بها الآن، فهل هذا من البيع على بيع أخي المسلم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
روى البخاري (2139) ومسلم (1412) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يَبِيعُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ) .
وهذا الحديث يدل على تحريم بيع المسلم على بيع أخيه، ويدخل في ذلك الإجارة، لأنها بيع للمنافع، ولوجود علة التحريم، وهي حصول العداوة والبغضاء.
فلا يجوز للإنسان أن يؤجر على إجارة أخيه، مثل أن يأتي لعامل مستأجر بـ 100، فيقول: تعمل عندي بـ 150 مثلا.
فليس للمسلم أن يبيع على بيع أخيه أو يؤجر على إجارة أخيه؛ لأن هذا قد يدعو إلى الندم، ويوغر الصدر، وربما حمل الإنسان على طلب الحيلة لفسخ العقد مع الشركة التي يعمل بها، ويكون سببا لحصول العداوة والبغضاء والمنازعات بين المسلمين، وفيه اعتداء على الشركة التي يعمل بها هذا الموظف.
ومن كلام أهل العلم في إلحاق الإجارة بالبيع:
1- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " ومما هو كالبيع بطريق الأولى: إجارته على إجارة أخيه , مثل أن يكون الرجل مستقلا في داره حانوت (دكان) , وأهله قد ركنوا إلى أن يؤجروه السنة الثانية فيجيء الرجل فيستأجر على إجارته , فإن ضرره بذلك أشد من ضرر البيع غالبا , وأقبح منه أن يكون متوليا ولاية أو منزلا في مكان يأوي إليه أو يرتزق منه , فيطلب آخر مكانه والله أعلم " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (6/313) .
2- وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " لو استأجر على استئجار أخيه فما الحكم؟
الجواب: الحكم واحد (يعني: حرام كالبيع) ؛ لأن الإجارة بيع منافع " انتهى من "الشرح الممتع" (8/206) .
والمسألة لا تخلو من أربعة أحوال:
الأول: أن يكون عقد الإجارة الأول مع الشركة التي يعمل بها قائما، فيعرض عليه الآخر أن يفسخ عقده مع الشركة ليعمل عند الثاني، وهذا محرم.
الثاني: أن يكون العقد قائما، لكن يُعلم من حال العامل أنه غير راغب في عمله، وأنه يبحث عن غيره بعد انتهاء مدة العقد، أو أن الشركة لن تجدد له عقد العمل بعد انتهاء مدته، فلا حرج حينئذ في عرض العمل عليه ليلتحق به مستقبلا بعد انتهاء عقده مع الشركة التي يعمل بها.
الثالث: أن ينتهي عقد الإجارة، لكن يركن الطرفان (الموظف والشركة) إلى تجديده، فلا تجوز الإجارة على هذه الإجارة أيضا.
الرابع: أن ينتهي عقد الإجارة، ولا يحصل اتفاق أو ركون من الطرفين على تجديده، فلا حرج حينئذ في الإجارة الثانية.
وما قيل هنا في استئجار العامل، ينطبق على استئجار البيوت والمحلات وغيرها.
وبناء على ذلك؛ فإن كان الشخص الذي تريد جلبه للعمل معك، مستقرا في عمله، والشركة راكنة إلى بقائه وتجديد عقده، فلا يجوز أن تعرض عليه العمل معك بعد انتهاء عقده.
وإذا كان هو الذي يبحث عن عمل آخر أو أن الشركة لن تجدد له العقد فلا حرج عليك من أن تعرض عليه أن يعمل عندك بعد انتهاء عقده مع الشركة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6581)
حكم دراسة المحاسبة والعمل كمحاسب في الشركات والمؤسسات المختلفة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أتابع دراستي في السنة الأخيرة من سلك الإجازة، شعبة الاقتصاد والتسيير، بحكم تخصصي فإن مجال عملي سيكون - بإذن الله - في الشركات والمقاولات، لكن المؤسف هنا أن هذه الشركات تتعامل أحيانا بل غالبا بالربا، كما أن أموالها مودعة لدى بنوك ربوية - لا يوجد عندنا بنك إسلامي - فعملي في هذه الشركات كمحاسب - مثلاً - يقتضي تسجيل عمليات ربوية، وحساب فوائد، كفوائد التأخير، وكتابة الشيكات، والكمبيالات التي قد تستعمل في خصم الديون إلى ما هنالك من العمليات المحرمة والمشبوهة، إضافة إلى استحالة أداء الصلاة في المسجد. 1- فبماذا تنصحونني؟ أن أعمل في هذه الشركات؟ هل أستمر في دراستي بعد الإجازة؟ أم أغير الوجهة اتقاء للشبهات؟ . 2. وهل العمل في هذه الشركات في وظيفة أخرى كتوزيع وبيع منتجاتها للبقالة جائز؟ . 3. أنا تركت كل امتحانات الدخول إلى مدارس كمدارس الشرطة مثلا وغيرها؛ لما فيها من ضياع حق الله، فهل أنا على حق؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله تعالى أن يوفقك، ويهديك، ويثيبك خيراً على ورعك، وتحريك الحلال في عملك وكسبك.
ولا مانع من دراسة علم " المحاسبة "، فإن جميع الشركات والمؤسسات تحتاج إلى هذا العلم، والاستفادة منه.
وجواز الدراسة لهذا العلم لا يعني أن يعمل المسلم محاسباً في البنوك الربوية، القائمة أعمالها على الحرام، أو في الشركات والمؤسسات والمصانع التي تخلط الحلال بالحرام في عملها ومالها؛ لما في كتابة الربا من الإثم، واستحقاق العقوبة؛ ولما فيه من التعاون على الإثم والعدوان، وكل ذلك من المحرمات.
فعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ) رواه مسلم (1598) .
قال النووي رحمه الله:
" هذا تصريح بتحريم كتابة المبايعة بين المترابيين، والشهادة عليهما، وفيه تحريم الإعانة على الباطل " انتهى.
" شرح مسلم " (11 / 26) .
وقال الصنعاني رحمه الله:
" أي: دعَا على المذكورِين بالإبعاد عن الرحمة، وهو دليل على إثم مَن ذُكر، وتحريم ما تعاطوه، وخصَّ الآكل لأنه الأغلب في الانتفاع، وغيره مثله، والمراد من " مُوكله ": الذي أعطى الربا؛ لأنه ما تحصل الربا إلا منه، فكان داخلاً في الإثم، وإثم الكاتب والشاهديْن: لإعانتهم على المحظور، وذلك إذا قصَدَا وعرَفَا بالربا " انتهى.
" سبل السلام " (3 / 66) .
فلا مانع من دراستك لعلم المحاسبة – ضمن الضوابط الشرعية -، ويجوز لك العمل بعدها في أماكن لا ترتكب فيها حراماً، كالمحاكم الشرعية، أو الشركات والمؤسسات ذات الأعمال الحلال، فإن لم تجد: فيمكنك العمل في قسم مباح – كتوزيع منتجات المصانع والشركات -، ولا يهم أن يكون أموال تلك الشركات في البنوك، أو أنها تقترض أو تُقرض بالحرام، والمهم في هذا الجانب هو حل عملك الذي تقوم به – كتوزيع منتجات مباحة -، وأن لا تكون المؤسسة قائمة على الحرام كالبنوك الربوية، ومصانع تصنيع الخمر، وما شابه ذلك.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
أعمل في وظيفة " محاسب " في إحدى الشركات السعودية التي تعمل في مجال التشغيل والصيانة، وقد اضطرت هذه الشركة لأخذ قروض من أحد البنوك الربوية، وهذه القروض بفوائد شهرية، وأنا بصفتي محاسب الشركة أقوم بإصدار الشيكات، وتسجيل المصروفات، والإيرادات في الدفاتر، ومن ضمنها تلك الفوائد كمصاريف على الشركة تضاف لحساب البنك، علما بأنني نصحت المدير، وقال: إنه مضطر لأخذ المبالغ من البنك، لدفع رواتب العمال، وشراء المواد المختلفة للمشاريع، وتسيير العمل، لقد اعترضت أنا على ذلك بشدة، ووعدت بالاستقالة، ولكن كما تعلمون أن إقامتي عليهم، وصرَّحوا بأنهم سوف لن يسمحوا لي بأن أنقل الكفالة لأعمل في مكان آخر، بل سوف يصدرون تأشيرة خروج نهائي بتسفيري إلى بلدي، ولا يخفى عليكم الفائدة الدينية والدنيوية التي أجدها في هذه البلاد بفضل الله سبحانه وتعالى، فقد منَّ الله علينا بالهداية في هذه البلاد، فلله الحمد والمنَّة، وسؤالي هو: ماذا أعمل الآن؟ هل أستمر في العمل والنصح مع استنكاري الشديد، أم أتقدم باستقالتي وأسافر إلى بلدي التي لا يخفى عليكم حالها دينيّاً ودنيويّاً؟ .
فأجابوا:
"العمل في الشركة المذكورة التي تتعامل بالاقتراض من البنك بالفائدة، مع تسجيلك لها في دفاتر الشركة: لا يجوز؛ لأن ذلك من كتابة الربا، وقد ثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم (لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء) ، وعليك بالبحث عن عمل آخر، وسوف ييسر الله أمرك إن شاء الله، قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) الطلاق/ 2، 3، يسَّر الله أمرك، وأصلح حال الجميع " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غيان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (15 / 27 – 29) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" لا يجوز العمل بالمؤسسات الربويَّة ولو كان الإنسان سائقاً أو حارساً؛ وذلك لأن دخوله في وظيفة عند مؤسسات ربويَّة يستلزم الرضى بها؛ لأن من أنكر الشيء لا يمكن أن يعمل لمصلحته، فإذا عمل لمصلحته كان راضياً به، والراضي بالشيء المحرم يناله من إثمه.
أما من كان يباشر القيد والكتابة والإرسال والإيداع وما أشبه ذلك: فهو لا شك أنه مباشر للحرام، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه، وقال: هم سواء. " فتاوى إسلامية " (2 / 401) .
وانظر أجوبة الأسئلة: (21113) و (26771) و (38877) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6582)
حكم العمل في شركة تقوم بتجديد ديكورات بنك ربوي
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مهندسة أعمل في شركة تقوم بتجديد ديكورات فروع بنك ربوي ... ؟ هل العمل حرام أم حلال؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الربا شأنه عظيم، وجرمه كبير، وقد جاء فيه من الوعيد ما لم يأت في غيره من الذنوب، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278-279.
وروى مسلم (1598) عن جابر رضي الله عنه قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء) .
وقال صلى الله عليه وسلم: (درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد عند الله من ستة وثلاثين زنية) رواه أحمد والطبراني، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 3375
وإذا كان الربا محرما هذا التحريم الشديد، فلا يجوز الإعانة عليه بوجه من الوجوه، كبناء دوره التي هي البنوك، أو ترميمها، أو تزيينها بالديكورات أو غيرها، فكل ذلك محرم؛ لأنه إعانة على الإثم والعدوان.
وعليه، فإذا كان عملك له علاقة وصلة بهذا التجديد الذي يُعمل في البنك، فهو عمل محرم، وإن كان عملك في قسم آخر في الشركة لا علاقة له بهذا، فلا حرج عليك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6583)
العمل في صندوق الضمان الاجتماعي
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب لدي رغبة بالزواج من فتاة , وهذه الفتاة تعمل في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وهو صندوق تابع للدولة لكن يمول نفسه بنفسه , وهو خاص بالتقاعد , مداخيله من الاقتطاعات التي يقتطعها من رواتب الموظفين، وأيضا من مصحات خاصة تابعة له , ويصرف للمتقاعدين رواتب شهرية مدى الحياة, لكن هذا الصندوق وكسائر المؤسسات الكبيرة في البلاد تجبرهم الدولة على وضع قسط من أموالهم في مؤسسة كبيرة بفوائد ربوية. ما حكم العمل في هذا الصندوق؟ وهل يجوز لي الزواج من فتاة تعمل فيه؟ علما أن عملها لا يتعلق بوضع الأموال في البنوك أو ما شابهه إنما هي موظفة تعالج ملفات المشتركين. وهل مالها يكون مالاً حراما؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا حرج في اشتراك الموظف في نظام التقاعد أو في صندوق الضمان الاجتماعي، التابع للدولة، وما يستفيده الموظف من ذلك من علاج أو رواتب بعد التعاقد فهو حق له عند الدولة، لأن من واجبات الدولة الإنفاق على الضعفاء وكبار السن ورعايتهم.
ولكن المحرم في هذا، هو وضع هذه الأموال في البنوك الربوية، والذي يتحمل إثم ذلك من ألزم بهذه المعاملات الربوية أو أعان عليها أو رضي بها. وقد لعن الرسول صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبيه وشاهديه. وقال: هم سواء. رواه مسلم (1598) .
وعلى هذا؛ فإذا كانت الفتاة المسؤول عنها لا يتعلق عملها بالتعامل مع البنوك، وتسجيل الربا، فلا حرج عليها في عملها وراتبها.
ونسأل الله لك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6584)
رسم عين وفم للأطفال في الملعقة!
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم رسم عين وفم في غير ذوات الأرواح كالملعقة بحجة أن علة تحريم التصوير ليست موجودة هنا فليس في هذا مضاهاة خلق الله ولا يخشى عبادته من دون الله والمعلمة ترى تأثير هذا على الأطفال في الروضة وأنه بديل عن الصور المحرمة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز رسم أو تصوير ذوات الأرواح من الإنسان أو الطير أو الحيوان، لما في ذلك من المضاهاة لخلق الله تعالى، كما جاء معللا في الحديث، فقد روى البخاري (5954) ومسلم (2107) واللفظ له عن عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ سَتَرْتُ سَهْوَةً لِي بِقِرَامٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ، فَلَمَّا رَآهُ هَتَكَهُ، وَتَلَوَّنَ وَجْهُهُ، وَقَالَ: يَا عَائِشَةُ، أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقَطَعْنَاهُ فَجَعَلْنَا مِنْهُ وِسَادَةً أَوْ وِسَادَتَيْنِ.
والسهوة: الرف أو الطاق. وقيل: هو ما يشبه الخزانة.
والقرام: ستر رقيق في ألوان ونقوش.
وأما رسم العين والفم في ملعقة، فلا يدخل في الصورة المحرمة؛ لعدم المضاهاة، ولكونها صورة ناقصة غير كاملة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6585)
العمل في شركة تنتج برامج وآلات للسحب من البنوك الربوية والإسلامية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مهندس إلكتروني التقيت بشركة تعمل في مجال إنشاء وبرمجة آلات لسحب الأموال من البنوك وتدبير المعاملات المالية كالشراء عبر الإنترنت وغير ذلك وذلك عن طريق بطاقات مشابهة لـ ماستيركارد وكذا آلات تستخدمها بعض الشركات الكبيرة كشركة البترول. أريد أن أسأل هل يحل العمل مع هذه الشركة علما أن زبائنها من البنوك الربوية ولها بعض الزبائن من البنوك الإسلامية أيضا وكما ذكرت لها زبائن من الشركات البترولية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا يجوز الإعانة على الربا بوجه من الوجوه، لما جاء في الربا من الوعيد الشديد، واللعن لفاعله وكاتبه وشاهده، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278-279.
وروى مسلم (1598) عن جَابِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ. وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ) .
وقال صلى الله عليه وسلم: (درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد عند الله من ستة وثلاثين زنية) رواه أحمد والطبراني، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (3375) .
وإذا كان الربا بهذا القبح والجرم، فإن الإعانة عليه أو تسهيل إجراءاته، جرم قبيح أيضا، قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2، وقال صلى الله عليه وسلم: (َمَنْ دَعَا إِلَى ضَلالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا) أخرجه مسلم (4831) .
وعليه فلا يجوز للشركة أن تنشئ برامج أو آلات للبنوك الربوية، ولا أن تبيع برامج عامة لمن تعلم أنه يستعملها في الربا أيضا.
ثانيا:
إذا كانت الشركة تنتج برامج وآلات، للبنوك الربوية، وأخرى للبنوك الإسلامية، ولشركات البترول، وكان يمكن أن تعمل في الشركة دون مشاركة فيما يُنتج للبنوك الربوية، فلا حرج عليك حينئذ، وإن كان العمل في شركة لا تعين على الحرام أولى.
ونسأل الله تعالى أن ييسر أمرك، ويبارك رزقك، ويغنيك بالحلال عن الحرام.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6586)
حكم العمل في مصانع إنتاج بناطيل الجينز والملابس القصيرة للنساء
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في شركة لإنتاج الملابس الجاهزة، وتقوم بعمل بنطلونات جينز حريمي، ولكننا نقوم بتصديرها إلى الخارج، ومن الممكن أن تباع داخليّاً في مصر، ولكن بيعها داخليّاً ليس أساس العمل، وبجانب إنتاج البنطلونات الجينز والشورتات الحريمي يكون هناك إنتاج ملابس للأطفال، ولكن الغالب على المصنع إنتاج البنطلونات الجينز، والقماش الحريمي حسب الطلبية، وأحيانا قليلة رجالي، فهل هذا العمل يعتبر حلالاً أم حراماً؟ وهل أتركة أم لا - مع العلم أنني أعمل في الإدارة المسئولة عن التعامل مع المستوردين الأجانب، وأقوم باستلام الطلبيات، ومواصفاتها، وإعطائها للعاملين -؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
تعاني المجتمعات من انتشار الفحش والمنكرات فيها، ومن المنكرات الظاهرة في تلك المجتمعات ظاهرة لباس النساء المخالف للشَّرع، سواء لضيقه وتجسيمه للعورة، أو لقصَره وإبانته عن أجزاء مثيرة من أجسادهن، أو لكونه شفافاً لا يستر ما تحته.
وهذه الملابس المحرَّم لبسها لا يتعلق إثمها بمن لبسها فقط، بل وبمن باعها لهن، وقبل ذلك بمن اشتراها للباعة، وقبل ذلك كله بمن صنعها وأنتجها لأولئك المشترين، وغير خافٍ على أحدٍ أنه يأثم كذلك من رخَّص لتلك المصانع بذلك الإنتاج، ومن رضي بوجوده، وساهم في الحفاظ عليه، وكل أولئك كانوا السبب في وجود ذلك المنكر على جسد تلك الفتاة أو المرأة، وسيحاسب هؤلاء جميعاً على أعمالهم وأفعالهم، كلٌّ بحسب جُرمه ومخالفته للشَّرع.
ولولا الترخيص لذلك المصنع لما عمل وأنتج، ولو العمَّال لما قام واشتغل، ولولا التجار لما وَجدت المتبرجة مكاناً تشتري فيه ذلك اللباس المحرَّم، فكان الجميع شركاء في انتشار الفاحشة والتبرج السافر، وشركاء في كل ما ترتب على ذلك من آثام النظر المحرَّم، والعلاقات الآثمة، وما ترتب عليه من فسادٍ للقلوب، والأخلاق، والدِّين.
ثانياً:
لا فرق بين تصنيع تلك الملابس الضيقة والقصيرة وبيعها للكفار أو للمسلمين، فالكفار مخاطبون بأحكام الشريعة، وهذه الملابس تنشر الفساد والمنكرات، وإن كان بيعها للمسلمات أشد إثماً.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
الرجاء من سماحتكم إفتاءنا في حكم بيع البناطيل الضيقة النسائية بأنواعها، وما يسمى منها بـ " الجنز "، و " الاسترتش " إضافة إلى الأطقم التي تتكون من بناطيل وبلايز، إضافة إلى بيع الأحذية النسائية ذات الكعب العالية، إضافة إلى بيع صبغات الشعر بأنواعها، وألوانها المختلفة، خصوصاً ما يخص النساء، إضافة إلى بيع الملابس النسائية الشفافة، أو ما يسمى بـ " الشيفون "، إضافة إلى الفساتين النسائية ذات نصف كم، والقصير منها، والتنانير النسائية القصيرة.
فأجابوا:
"كل ما يستعمل على وجه محرم، أو يغلب على الظن ذلك: فإنه يحرم تصنيعه، واستيراده، وبيعه، وترويجه بين المسلمين، ومن ذلك ما وقع فيه كثير من نساء اليوم - هداهنَّ الله إلى الصواب -: مِن لبس الملابس الشفافة، والضيقة والقصيرة، ويجمع ذلك كله: إظهار المفاتن والزينة، وتحديد أعضاء المرأة أمام الرجال الأجانب، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: (كل لباس يغلب على الظن أنه يستعان بلبسه على معصية: فلا يجوز بيعه، وخياطته لمن يستعين به على المعصية والظلم، ولهذا كره بيع الخبز واللحم لمن يعلم أنه يشرب عليه الخمر، وبيع الرياحين لمن يعلم أنه يستعين بها على الخمر والفاحشة، وكذلك كل مباح في الأصل علم أنه يستعان به على معصية) .
فالواجب على كل تاجر مسلم: تقوى الله عز وجل، والنصح لإخوانه المسلمين، فلا يصنع، ولا يبيع إلا ما فيه خير ونفع لهم، ويترك ما فيه شر وضرر عليهم، وفي الحلال غنية عن الحرام، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) الطلاق/ 2، 3، وهذا النصح هو مقتضى الإيمان، قال الله تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) التوبة/ 71، وقال عليه الصلاة والسلام: (الدين النصيحة، قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم) خرَّجه مسلم في صحيحه، وقال جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه: (بايعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم) متفق على صحته، ومراد شيخ الإسلام رحمه الله بقوله فيما تقدم: " ... ولهذا كره بيع الخبز واللحم لمن يعلم أنه يشرب عليه الخمر.. إلخ ": كراهة تحريم كما يعلم ذلك من فتاواه في مواضع أخرى " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (13 / 109 – 111) .
وانظر جواب السؤال رقم (5066) و (10436) .
واعلم أن المال المكتسب من هذا العمل مال محرَّم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الله إِذَا حَرَّمَ شَيْئاً حَرَّمَ ثَمَنَهُ) رواه أبو داود (3488) وصححه الألباني في " صحيج أبي داود ".
فتخلص من هذا العمل، وأطب مطعمك بطيب عملك، ونسأل الله تعالى أن يوفقك لذلك، وأن ييسر أمرك، ويفتح لك من خزائنه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6587)
الاشتراك في نقابة المحامين
[السُّؤَالُ]
ـ[تخرجت زوجتي من كلية الحقوق وهى لا تعمل ولكنها تريد أن تستفيد من مزايا بطاقة نقابة المحامين مثل العلاج والمعاش الذي يصرف لها وذلك مقابل رسوم سنوية هي قيمة الاشتراك في النقابة. فهل يجوز الاشتراك في النقابة علما بأن القوانين في بلدنا وضعية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الاشتراك في نقابة المحامين يحق لمن تخرج من كلية الحقوق، عمل أو لم يعمل، فلا حرج على زوجتك في الاشتراك، فتدفع الرسوم وتستفيد من خدمة العلاج والمعاش، ولا أثر لكون القوانين في بلدك وضعية كما ذكرت، فإن ما يعطى للنقابات يدخل ضمن إعالة الدولة للأفراد والخريجين، وقد تكون هذه الإعالة لازمة في بعض الحالات.
وينظر جواب السؤال رقم (75613) لمعرفة حكم العمل في المحاماة.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6588)
حكم العمل في صنع تقارير صحفية مصورة وحكم المال المكتسب منه
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل كتقني صوت في هيئة إعلامية وطنية، حيث نقوم بالتحقيقات المصورة، ومعي في الفريق صحفي، ومصور، وإضائي، وقد منَّ الله عليَّ بالالتزام منذ عدة أشهر، والحمد لله، إلا أني أصبت بحيرة كبيرة بخصوص عملي، حيث إن التحقيقات المصورة التي تعرض في التليفزيون الوطني فيها الرياضة، والاقتصاد، والأخبار، إلا أنه في بعض الأحيان يطلبون منا تصوير بعض الحفلات، والمسرحيات، والعروض الموسيقية، مع العلم أنه توجد لجنة رقابة، إلا أني منذ التزامي أرفض دخول هذه المواقع، وأسلِّم أجهزتي إلى الصحفي ليقوم بعملي. سؤالي: هل عملي حلال أم حرام؟ كما أني جمعت بعض المال لكي أحج، وقد جمعت أكثره قبل التزامي، فهل مالي حلال أم حرام؟ وإن كان حراماً فهل يمكن أن أعطي المال لوالدتي كي تحج؟ وهل من طريقة لتطهير مالي إن كان عملي حراماً؟ هل يمكنني البقاء إلى أن أجد عملا آخر مع العلم أنه لا توجد لدينا قنوات دينية، والقنوات الأخرى حالتها بائسة وماجنة؟ أرجوكم أن ترشدوني، هل أعمل أم أبقى عاطلا - مع العلم أن والدتي ترفض قطعا أن أبقى عاطلا، ونصحتني بالصبر إلى أن يمنَّ الله عليَّ بعمل آخر -؟ أرجوكم أرشدوني، فقد كرهت نفسي، وعملي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نحمد الله تعالى أن منَّ عليك بالهداية، ونسأله تعالى أن يوفقك لمزيد من الهدى، وأن يثبت قلبك على الإيمان، وأن يطهر جوارحك من الآثام.
واعلم أخي الفاضل أن الدنيا مهما اتسعت لصاحبها فإن مصيره دار ضيقة وهي القبر، وأن النِّعم مهما عظمت فمصير بدنه أن يكون طعاماً للدود، واعلم أن الحياة الحقيقية هي الحياة في الآخرة، وأن الدار التي يحرص المسلم على سكناها هي الجنة، حيث لا هم ولا حزن، ولا مرض ولا ملل، يتقلب فيها بين نعَم الله تعالى وأفضاله.
ثانياً:
أما عملك الحالي: فإنك لا تشك أن فيه من الحرام الشيء الكثير، وهو كذلك، فكل تقرير تشارك في إعداده يحتوي على أمرٍ محرَّم منكر – كموسيقى، أو نساء متبرجات، أو دعوة لأمر محرَّم مخالف للشرع -: فلك نصيب من الإثم بقدر مساهمتك ومشاركتك في ذلك الإعداد، وهو من التعاون على الإثم والعدوان المنهي عنه في قوله تعالى (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/ 2.
وقد أمرنا الله تعالى أن نسعى في الأرض لطلب الرزق، لكنه حرَّم علينا الكسب من حرام، فكل عملٍ يساهم في ظهور المنكر وانتشاره بين الناس فهو عمل محرم ولا يخفى عليكم أن اعتياد الناس المحرمات كتبرج النساء والاختلاط والموسيقى.. وغير ذلك كثير إنما كان سببه الإعلام.
ثالثاًَ:
الذي ننصحك به هو أن تبحث عن مجال مباح في الوظيفة نفسها، ولا تتعجل تركها إذا وجدتَ مجالاً آخر لا حرج فيه شرعاً، ولو أدى هذا إلى أن تعمل في غير تخصصك، لكن إن وجدت باباً في تخصصك ويكون مجال العمل مباحاً: فانتقل إليه، فإن لم يتيسر لك ذلك، وضاقت عليك فرص الحصول على عمل مباح في قسمك أو في قسم آخر: فليس لك إلا ترك الوظيفة، محتسباً تركها لله تعالى، راجياً أن تكون طائعاً لربك في الابتعاد عن كل ما يسخطه عز وجل، وراجياً أن يكرمك الله في الدنيا والآخرة، واعلم أنك إن اتقيت ربَّك تعالى في نفسك ووظيفتك ومالك: فإن لك الوعد منه عز وجل بالخير في الدنيا والآخرة، كما قال (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق/ 2،3.
رابعاً:
أما المال الذي اكتسبته سابقاً: ففيه تفصيل:
1. إذا لم تكن تعلم أن عملك محرم: فالمال الذي اكتسبته منه وتجمع عندك حلال، لك التصرف فيه وفق شرع الله، وقد ذكرنا فتوى الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في حالة مشابهة في جواب السؤال رقم: (12397) .
2. وإذا كنتَ تعلم أن عملك محرماً: فإن عليك أن تقدِّر نسبة الحرام في عملك، فتخرجها من مجموع المال الذي تملكته منه، وتنفقها في وجوه الخير المختلفة، وتنتفع بالباقي فهو لك حلال، وذلك أن عملك ليس كله حراماً، ويرجع تقدير النسبة فيه إليك.
3. لا حرج عليك في إعطاء والدتك من المال الذي تنوي إنفاقه لتحج به – إن كان الأمر على الصورة الثانية -، ولا حرج عليها من قبوله، فالمال المحرَّم كسبه إنما يكون حراماً على كاسبه فقط لا على المنتقل إليه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6589)
حكم استلام الراتب من البنوك الربوية وإبقاء جزء منها فيه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب مغربي، أعمل في إحدى الشركات، وكنت أتقاضى أجرتي مباشرة من رب العمل , لكن هذا الأخير قرر أن يحوِّل أجرتي إلى البنك، ما حكم المعاملات البنكية، مع العلم أنني لن أسحب أجرتي كلها في آخر كل شهر، هل هذا العمل لا يجوز؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
البنوك الربوية مؤسسات تقوم على الشر والفساد، وهي تقوم بترتيب وتنظيم كبيرة من كبائر الذنوب وهي الربا، فهي مؤسسات تحارب الله ودينه، والوعيد على أكل الربا لا محالة طائل من قام بتأسيسه والمساهمة فيه، ومن وضع ماله عندهم، ومن أذن بقيامه ورخَّص له بمزاولة عمله، فليحذر المسلم من أن يكون له صلة بتلك المؤسسات إلا أن يكون مضطراً لذلك، ولا يجد مناصاً من ذلك.
ومن الضرورات في زماننا هذا: ما تفعله الدول والمؤسسات العامة والخاصة من تسليم موظفيها رواتبهم وحقوقهم من خلال بنوك ربوية، وهذا الفعل حرام على تلك الجهات؛ لأنه يقوي مكانة تلك البنوك، ويساهم في فائدتها، ولا يلحق الموظف حرج ولا إثم إن استلم راتبه عن طريق تلك البنوك الربوية، لكن بشروط:
الأول: أن لا يجد الموظف طريقة أخرى غير ذلك البنك الربوي، فإن استطاع استلام راتبه من مؤسسته، أو استلامه من خلال بنك إسلامي: فلا يكون معذوراً.
الثاني: أن لا يدع شيئاً من راتبه لذلك البنك الربوي، وإلا كان مساهماً في فائدتهم وانتفاعهم.
والحل لمن كان مضطراً اضطراراً ملجئاً لتلك البنوك: أن يفتح فيها حساباً جارياً، ويكون تحويل الراتب إليه، ومن المعلوم أن الحسابات الجارية شأنها أخف من حسابات التوفير.
قال علماء اللجنة الدائمة:
" لا بأس بأخذ الرواتب التي تصرف عن طريق البنك؛ لأنك تأخذها في مقابل عملك في غير البنك، لكن بشرط أن لا تتركها في البنك بعد الأمر بصرفها لك من أجل الاستثمار الربوي " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (13 / 288، 289) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله -:
" يوجد بعض الجهات من شركات وغير شركات تلزم الموظفين أن يفتحوا حساباً في أي بنك من البنوك من أجل أن تحيل الرواتب إلى هذا البنك , فإذا كان لا يمكن للإنسان أن يستلم راتبه إلا عن هذا الطريق: فلا بأس , يفتح حساباً، لكن لا يدخل حساباً من عنده , يعني: لا يدخل دراهم من عنده , أما كونه يتلقى الراتب من هذا: فلا بأس " انتهى.
" لقاءات الباب المفتوح " (111 / السؤال رقم 10) .
ولا حرج من ترك الأموال في البنوك الربوية لحفظها، ولكن بشروط، سبق بيانها في جواب السؤال رقم (22392) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6590)
حكم العمل في تصنيع طعام الحيوانات المشتمل على لحم الخنزير
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز العمل بمصنع يعد طعاما للحيوانات وهذا الطعام يحتوي على الخنزير؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يجوز إطعام الحيوانات التي لا تؤكَل كالكلاب والقطط، الميتات، ومنها لحم الخنزير، فإنه ميتة على كل حال، سواء ذبح أو مات بدون ذبح.
قال النووي في "المجموع" (4/336) : " ويجوز إطعام الميتة للكلاب والطيور، وإطعام الطعام المتنجس للدواب " انتهى مختصرا.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " يباح إطفاء الحريق بالخمر , وإطعام الميتة للبزاة والصقور , وإلباس الدابة للثوب النجس , وكذلك الاستصباح بالدهن النجس في أشهر قولي العلماء , وهو أشهر الروايتين عن أحمد. وهذا لأن استعمال الخبائث فيها يجري مجرى الإتلاف ليس فيه ضرر " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (1/433) .
ثانيا:
لا يجوز بيع لحم الخنزير، منفردا أو مخلوطا بغيره؛ لما رواه البخاري (2236) ومسلم (1581) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ: (إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ) .
قال النووي رحمه الله: " يجوز إطعام الميتة للجوارح ولا يجوز بيعها " انتهى من "المجموع" (9/285) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن معلبات طعام للقطط التي تحتوي على لحم خنزير هل يجوز شراؤها وإطعامها للقطط؟
فأجاب: " إذا كان ذلك بشراءٍ للمعلبات فلا يجوز، لأنه لا يجوز دفع ثمن لحم الخنزير وشراؤه. وإن كان وجده مرمياً فأطعمه قطته فلا بأس بذلك، والله أعلم ".
انظر جواب السؤال رقم (5231) .
وبناء على ذلك؛ فلا يجوز العمل في صناعة الطعام المشتمل على لحم الخنزير أو غيره من الميتات؛ لما في ذلك من الإعانة على الإثم والحرام، لأنها تصنع بغرض بيعها، وهو محرم كما سبق. قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6591)
الإمام والمؤذن يتناوبان في أداء الصلاة والأذان معا
[السُّؤَالُ]
ـ[ي بارك الله فيكم عن إمام مسجد ومؤذن يقومان بالتناوب لأداء الصلاة في المسجد المكلفان به، حيث يقوم الإمام بالحضور للأذان والصلاة وقتي العشاء والفجر، ويقوم المؤذن بالحضور للأذان والصلاة وقتي العصر والمغرب، ويحضران جميعاً وقت صلاة الظهر، علماً أن هذا المسجد داخل وحدة عسكرية، ويكون عدد المصلين كثيرا في وقت الظهر، أما باقي الأوقات فهم قليل وقليل جداً، وكذلك لا يوجد بهذا المسجد سكن، وهناك مسافة بين بيتي الإمام والمؤذن والمسجد حوالي 8 كيلومتر. فما الحكم في ذلك؟ وما رأيكم في المكافأة التي يأخذانها للإمامة والأذان؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا حرج على من كلِّف بالأذان أو الإمامة أو الإشراف على وقف أن يوكل من يقوم بهذه الأعمال. إذا كانت هناك حاجة لهذا التوكيل، وكان الوكيل أهلاً للقيام بهذا العمل، بدون إخلال به.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" وبكل حال، فالاستخلاف في مثل هذه الأعمال المشروطة جائز، ولو نهى الواقف عنه، إذا كان النائب مثل المستنيب، ولم يكن في ذلك مفسدة راجحة " انتهى.
نقلا عن المرداوي في "تصحيح الفروع" (7/363) .
وقال ابن حجر الهيتمي فقيه الشافعية في "تحفة المحتاج" (6/373) :
" اختار السُّبْكِيُّ جَوَازَ الِاسْتِنَابَةِ فِي الْإِمَامَةِ، وَالتَّدْرِيسِ، وَسَائِرِ الْوَظَائِفِ الْقَابِلَةِ لِلنِّيَابَةِ , وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ الْوَاقِفُ، إذَا اسْتَنَابَ مَنْ وُجِدَ فِيهِ شَرْطُ الْوَاقِفِ مِثْلَهُ أَوْ خَيْرًا مِنْهُ، وَيَسْتَحِقُّ الْمُسْتَنِيبُ كُلَّ الْمَعْلُومِ، وَضَعَّفَ إفْتَاءَ النووي وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا: الْمُسْتَنِيبُ لِعَدَمِ مُبَاشَرَتِهِ , وَالنَّائِبُ الَّذِي لَمْ يَأْذَنْ لَهُ النَّاظِرُ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ..
ثم نقل اعتراض بعض الشافعية على السبكي، ثم قال:
وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ اسْتِثْنَاءُ النِّيَابَةِ لِمِثْلِهِ أَوْ خَيْرٍ مِنْهُ لِعُذْرٍ، عَمَلًا بِالْعُرْفِ الْمُطَّرِدِ بِالْمُسَامَحَةِ فِي الْإِنَابَةِ حِينَئِذٍ " انتهى.
ثانيا:
يتحصل من كلام الفقهاء أن هناك شروطا لجواز النيابة في هذه الأعمال:
1- أن تكون الاستنابة لحاجة اقتضت غياب المستنيب، وليست عادةً مطردةً ولا ديدنًا دائمًا يُقصد منه التكسب والتربح، فقد وقع من كثير من الناس أنهم يتولون أكثر من وظيفة، ثم ينيب عنه في بعض الوظائف من يقوم بها بأجرة أقل، ليربح هو الباقي.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الاختيارات العلمية": (ص/257) : " ومِن أكلِ المال بالباطل: قومٌ لهم رواتبُ أضعافُ حاجاتهم، وقومٌ لهم جهاتٌ كثيرةٌ، معلومُها – يعني راتبها - كثير، يأخذونه ويستنيبون بيسير " انتهى.
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله – كما في "مجلة البحوث" (35/99-100) :
يوجد لدينا إمام قد أخذ إمامة ثلاثة مساجد بأسماء أولاده، وهم خارج المدينة، وقد جلب عمالا ليؤموا المسلمين في هذه المساجد بالإنابة مقابل نصف الراتب.
فأجاب:
" هذا العمل غير جائز، بل هو منكر، لا يجوز للمسلم أن يكذب على الجهة المسئولة عن الإمامة أو الأذان، بأن يسمي أئمة أو مؤذنين لا وجود لهم، ثم يعين على رأيه من يقوم بذلك، بل يجب عليه أن يوضح الحقيقة للجهة المسئولة، حتى توافق على الشخص المعين " انتهى.
2- أن يكون العمل مما يقبل النيابة أصلا، كالإمامة والأذان، أما القضاء والفتوى فلا تقبل النيابة، لأنه يُقصد في المفتي أو القاضي الشخص نفسه، فلا يقوم أحد مقام مَن عَيَّنَه صاحبُ الشأن لتولِّي ذلك العمل.
3- أن يكون النائب صاحب كفاءة وصلاحية لتولي هذا العمل.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين:
أنا مؤذن وأحياناً أوكل غيري بالأذان فهل أعطي الموكل نصيب الوقت الذي قام فيه بالأذان عني؟
الجواب:
أولاً: لماذا توكل وأنت مؤذن موكول إليك الأذان؟
السائل: للضرورة.
الشيخ: إن كانت ضرورة فلا بأس، لكن الضرورة يوم أو يومان مثلاً في الشهر، ولا تعطه شيئاً، لأن العادة لم تَجْر بذلك، نعم؟، لو قال لك: أريد شيئاً فأعطه شيئاً، مع أنه لا ينبغي له أن يقول: أريد شيئاً؛ لأن هذه عبادة " انتهى بتصرف.
"لقاء الباب المفتوح" (لقاء رقم/234، سؤال رقم/5) :
4- أن يستأذن من المسئولين وأهل المسجد.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين عن إمام مسجد يتخلف عن الصلاة، ويوكل المؤذن يصلي بالناس فقال: " نسأل هذا الإمام لماذا يتخلف وقد التزم أمام ولي الأمر , أو نائب ولي الأمر , وهو مدير الأوقاف , أن يكون في هذا المسجد؟
فلا يحل للإمام أن يتخلف فرضاً واحداً إلا بما جرت به العادة , كفرض أو فرضين في الأسبوع , أو إذا كان موظفاً ولا بد أن يغيب في صلاة الظهر فيخبر مدير الأوقاف ويرضى بذلك الجماعة , فلا بأس.
يعني لا بد من ثلاثة أمور , إذا كان يتخلف تخلفاً معتاداً كصلاة الظهر للموظف:
لا بد أن يستأذن من مدير الأوقاف.
ولا بد أن يستأذن من أهل الحي - الجماعة -.
ولا بد أن يقيم من تكون به الكفاية سواء المؤذن , أو غير المؤذن , لأنه ربما يتقدم من ليس أهلاً للإمامة فهذا إضاعة للأمانة " انتهى.
وبناء على ما سبق، فيبدو أنه لا حرج على الإمام والمؤذن في الطريقة التي اتفقا عليها لأداء وظيفتيهما في ذلك المسجد، إذا توفرت في كل منهما الأهلية والكفاءة للأذان والإمامة، وذلك
لداعي الحاجة بسبب بعد منزليهما مع قلة عدد المصلين، ولأن المقصود هو إقامة الصلاة بالناس على الوجه المطلوب.
ولكن بعد استئذان المسئولين وأهل المسجد كما سبق.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6592)
حكم العمل في محل لتأجير فساتين الزفاف
[السُّؤَالُ]
ـ[لي ابنة خال تعمل في محل لتأجير فساتين الزفاف والحفلات، وتريد أن تعرف هل هذا العمل حلال أم حرام؟ وهي تقول إن في الوقت الحالي لا يوجد عمل بديل لتعمل به فهل يجوز لها العمل فيها إلى أن تجد غيره؟ (في حالة إن كان يحرم عليها العمل به) مع العلم أن أغلب هذه الفساتين تظهر (الكتف والرقبة والجيب) ومع الفساتين كلها جزء خاص منفصل يشبه الجاكيت لتغطية هذه الأجزاء. ويقوم المحل بتأجير هذه الفساتين لثلاثة أصناف من العرائس، الأولى العروس المحجبة وهي تؤجر الفستان بالجاكيت وتكون الأفراح مختلطة، والثانية العروس المنتقبة وهي تؤجر الفستان بدون الجاكيت وتكون الأفراح منفصلة (النساء في قاعة والرجال في أخرى) ، والثالثة العروس غير المحجبة وهي تؤجر الفستان بدون الجاكيت وتكون الأفراح مختلطة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه الملابس التي تظهر العورات، وتبدي المفاتن، في بيعها وتأجيرها تفصيل، كما يلي:
1- يجوز بيعها وتأجيرها لمن علمنا أو غلب على ظننا أنه يستعملها في المباح.
2- يحرم بيعها وتأجيرها لمن علمنا أو غلب على ظننا أنه يستعملها استعمالاً محرماً، كمن تلبسها في الحفلات المختلطة، لما في ذلك من الإعانة على المعصية، ومعلوم أن المرأة لا يجوز لها أن تكشف عن رقبتها وكتفيها للرجال الأجانب، بل يجب أن تستر جميع بدنها عنهم، حتى وجهها وكفيها على الراجح، وينظر جواب السؤال رقم (11774) ورقم (21536)
3- إن جُهل حال المشتري أو المستأجر فلم نعلم هل سيستعملها في الحلال أم الحرام، وليس هناك قرائن تقوي أحد الاحتمالين فالأصل جواز البيع والتأجير له، فإن استعملها في الحرام كان هو الآثم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "شرح العمدة" (4/386) : " وكل لباس يغلب على الظن أنه يستعان به على معصية، فلا يجوز بيعه وخياطته لمن يستعين به على المعصية والظلم " انتهى.
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/109) : " كل ما يستعمل على وجه محرم، أو يغلب على الظن ذلك، فإنه يحرم تصنيعه واستيراده وبيعه وترويجه بين المسلمين، ومن ذلك ما وقع فيه كثير من نساء اليوم هداهن الله من لبس الملابس الشفافة والضيقة والقصيرة، ويجمع ذلك كله: إظهار المفاتن والزينة، وتحديد أعضاء المرأة أمام الرجال الأجانب " انتهى.
وبناء على ذلك نقول: إن استطاعت ابنة خالك أن تتقيد بما ذكرنا فلا حرج في عملها هذا، وإن لم تستطع، فلتترك العمل ابتغاء مرضاة الله، وفرارا من المعصية، ولتعلم أن أبواب الرزق الحلال كثيرة، وأن من اتقى الله تعالى رزقه وزاده، ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه.
ولا يجوز لها البقاء في العمل المحرم إلى أن تجد عملا آخر؛ لعدم وجود الضرورة التي تبيح ارتكاب المحرم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6593)
عمل المحلِّل الرياضي والسياسي وغيرهما
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك بمحل عملي من يُدْعون بالمحللين الذين يقومون ببيع آرائهم مقابل الحصول على المال، فهل هذه المتاجرة بالمواهب العقلية أخلاقية أم أنها تجر إثماً؟ بما أنه عند إعطاء المحللين أموالاً كافية فإنهم يقومون بقول أي شيء أو التفكير فيه أو القيام به؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تختلف نظرة الناس للأحداث من شخص لآخر، وتتفاوت معلومات الناس من واحد لآخر، وعلى ضوء المعلومات وفهم واقعها يكون التحليل لتلك المعلومات وذلك الواقع، وقد كثرت الحاجة لمثل هؤلاء المحللين حتى أنشئت في كثير من الدول معاهد للأبحاث والدراسات، ومهمتها الاطلاع على المعلومات المتوفرة، وتحليل معانيها، وتقدم هذه الدراسات للدول والمؤسسات السياسية – كالوزارات -، ويستعان بمثل هؤلاء المحللين في القنوات الفضائية لإطلاع المشاهدين على آخر التطورات وتحليل واقعها.
وأما حكم عمل هؤلاء المحللين فإن ذلك يختلف تبعاً لطبيعة المادة التي يعكفون على تجميع معلوماتها وتحليل واقعها، ويختلف – أيضاً – باختلاف فعلهم من حيث الظن والتخرص، أو من حيث الجزم بوقوع شيء في المستقبل.
أما الناحية الأولى:
فلا يجوز أن يعمل المسلم كمحلل " رياضي " أو " فني "، ولا حرج في العمل كمحلل " عسكري " أو " سياسي " أو "اقتصادي".
أما المحلل الرياضي: فإنه من يتتبع الألعاب الرياضية المختلفة، ويدقق في أداء أصحابها، ويجمع معلومات حول اللاعب وناديه وتاريخه، ثم يخرج ليحلل أداء تلك الفرق، وأولئك اللاعبين، وقد عجبنا ممن خرج على الفضائيات واشتهر بتحليلاته الرياضية، وقد رأيناه أضاع عمره في تتبع المباريات، وأداء اللاعبين، وإنه ليذهل السامع والمشاهد لما يسمعه ويشاهده من وفرة معلوماته في المباريات، والأداءات، والنجاحات للنوادي واللاعبين، وكل ذلك في أمور لا تنفعه عند ربه تعالى، ولا تعلي درجته، ولا تكفر سيئاته، ولو أنه استثمر طاقته وجهده في العلم النافع المفيد لصار أعجوبة!
وقل مثل ذلك – بل هو أشد إثماً – في " المحلل الفني "، وهو الذي يتابع الأفلام أو المسرحيات أو الأغاني – بحسب تخصصه – ثم يبدأ بتحليل نجاح ذلك " الفيلم " أو انتكاس تلك المسرحية، ويحلل شخصية ذلك " الفنان " وتلك " المغنية " أو " الراقصة "! فكم سيكتسب مثل هؤلاء من آثام وذنوب مقابل ما يسمعونه ويشاهدونه؟! ثم يأتي التعظيم والمدح والثناء لأولئك الحثالات الذين فسدوا وأفسدوا، وضلوا وأضلوا بذكر أحوالهم، والدعوة للاقتداء بهم، واتخاذهم مثلاً أعلى!
وأما " المحلل العسكري " و " المحلل السياسي ": فإننا نرى أن الأصل في أعمالهم أنه مباح، وهم الذين يدرسون تاريخ الدول، والجيوش، والمعارك، ويقفون على حجم القوات العسكرية الغازية، أو المغزوَّة، وعلى واقع سياسات الدول وحكامها، ثم يعطي الواحد منهم نظرته لحقيقة الصراع، والنصح، والإرشاد، وتوقع ما يحصل.
وأما المحلل " المالي " أو " الاقتصادي " فيمكن أن يكون مباحاً إذا لم يكن يثني ويشجع على المساهمة في الشركات والمؤسسات الربوية أو ذات الأعمال المحرمة، ويحرم إذا كان يشجع على ذلك.
وأما الناحية الثانية:
ففي الحالات الجائزة للعمل كمحلل: لا يجوز لأحدٍ من أولئك أن يجزم بوقوع حدثٍ معيَّن؛ وذلك لأن هذا في علم الغيب، ولا يعدو دوره أن يكون في تحليل واقع الحدث السياسي أو العسكري، ثم تقديم النصح والتوجيه والإرشاد، ولا يحل له الجزم بحصول حدثٍ ما في المستقبل، وما أكثر ما رأينا بعض أولئك وقد جزم بانتصار ذلك الجيش، أو سقوط ذلك السياسي، ولم يحدث شيء مما قاله.
والمحلل لا يجوز له أن يعمل وفق نظرة غيره ممن يدفع له المال، وإلا كان كاذباً، أو شاهد زور، فهو يتكلم وفق معلوماته وفهمه لها، والأصل أن يكون بعيداً عن إملاءات الدول، أو المؤسسات الداعمة، أو الفضائيات، ومن خالف هذا الأصل فإنه فاقد المصداقية، ولم يعد يخفى على الناس مثل هذا الصنف من المحللين.
فأنت ترى أن المحلل له عمل ضخم يقوم به، من القراءة، والاطلاع، والجمع للمعلومات، وتحليلها، ومتابعتها، فإذا أخذ على ذلك أجراً: فهذا من المباح الحلال، على أن يلتزم ما ذكرناه من الصدق والأمانة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6594)
الاشتراك في برنامج جوجل ادسنس
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو الإفادة حول اشتراكي في برنامج جوجل ادسنس الإعلاني. وهو وسيط إعلاني بين طرفين: الأول: شركة أو مؤسسة تملك موقعا وتريد الإعلان عنه بواسطة خدمة جوجل الإعلانية المدفوعة. الثاني: أصحاب مواقع ذات نشاطات مختلفة يريدون عرض الإعلانات على مواقعهم لحساب شركة جوجل بمقابل مادي. شروط شركة جوجل تنص على عدم قبول المواقع الإباحية ومواقع القمار والميسر والمخدرات، سواء كانوا من الطرف الأول أو من الطرف الثاني. ولكنها كشركة غير إسلامية؛ فهي تقبل مواقع البنوك الربوية وشركات الفوركس ومواقع الأفلام والأغاني والسياحة وشؤون المرأة، حتى أن بعض المواقع العادية قد تحوي صورا لنساء متبرجات. بعد الاشتراك في جوجل ادسنس، يتم استلام (الشفرة الإعلانية) الخاصة ببرنامج ادسنس، ووضعها على صفحات الموقع الخاص بي (وموقعي هو لتعليم اللغة الصينية) ، وبعد ذلك يتم عمل الشفرة حيث تعمل بطريقة آلية ديناميكية كالآتي: تقرأ هذه الشفرة الكلمات الرئيسة والفرعية وكلمات أخرى من النصوص على صفحة الموقع المتضمنة للشفرة؛ فيتم عرض الإعلانات آليا بما يتوافق مع موضوع الصفحة. تعرض هذه الشفرة الإعلانات بما يتوافق مع دولة زائر الموقع أو الصفحة. تتغير الإعلانات التي تعرضها الشفرة بصورة شبه دورية تصعب مراقبتها. وعلى ذلك فإن كان موضوع الموقع عن السيارات؛ فسوف تكون الإعلانات في معظمها عن السيارات، وإن كان عن الأعشاب فسوف تكون كذلك وهكذا، أيضا لو أن رجلين أحدهما من كندا والآخر من اليابان وقاما بزيارة الموقع في آن واحد؛ فإن الذي في اليابان يرى إعلانا مختلفا عن الذي في كندا، وهكذا أيضا الإعلان الذي رأيته بالأمس فلن تراه غدا. طريقة التحكم في المادة الإعلانية المعروضة بواسطة شفرة ادسنس: أولا:معاينة الإعلانات: وتتم بواسطة برنامج المعاينة والذي يمكنني من مشاهدة معظم الإعلانات التي تعرض على موقعي الآن، في دولتي أو الدول الأخرى. ثانيا: الفلترة أو الترشيح: هذه الخاصية تمكنني من منع عرض إعلان معين على موقعي عن طريق إضافة عنوانه إلى قائمة الترشيح أو الفلتر الخاص بي عند جوجل والذي يتسع فقط ل (200) موقع، علما بأن ترشيح الموقع وفلترته لا تعني عدم عرضه مرة أخرى؛ فهم يقولون بالنص (يرجى الملاحظة أن جوجل لا تضمن أن كل إعلانات المواقع التي تضيفها إلى قائمة ترشيح الإعلانات المنافسة أو الإعلانات التي تتضمن محتوى غير مرغوب ستُمنع من الظهور على موقعك) . لكن ومن خلال تجربتي الشخصية، فقد تبين لي أن هذه الفلترة تعمل. الرجاء الإفادة والتوضيح حيث أن هذا هو مصدر دخلي الرئيسي، مع العلم أنني لا أعرض صوراً لذوات الأرواح ومعظم الإعلانات إلا ما ندر لمواقع تعليم اللغات.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل أنه لا يجوز الاشتراك في هذا البرنامج الإعلاني إلا بشرط التأكد من سلامة المواقع المعلن عنها، وخلوها من المحرمات؛ لأنه لا يجوز الإعلان والدعاية والإعانة على نشر المنكرات، لقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2، وقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا) أخرجه مسلم في صحيحه (4831) .
وإذا كان الأمر كما ذكرت من أن معظم الإعلانات التي توضع في موقعك هي لمواقع تعليم اللغات أو ما شابه ذلك، فنرجو ألا يكون عليك حرج في المشاركة في هذا البرنامج، لا سيما مع حاجتك للمال.
وعليك أن تقوم بمنع الإعلانات التي تتنافى مع الأحكام الشرعية، فإن عجزت عن ذلك، وكانت هذه الإعلانات تظهر في موقعك رغماً عنك، فإنه يلزمك ترك هذه الخدمة، لأنك ستكون مشاركاً في نشر الحرام والدعاية له.
ونسأل الله تعالى أن يرزقك من فضله، وأن يوسع عليك وعلى أهلك، وأن يعينك في غربتك. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6595)
تغيير العمر في بطاقة الأحوال للحصول على راتبين من الشركة
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد نظام شركة آرامكو تقاعد مبكر عند سن الخمسين عاماً. وإذا كان الموظف لم تصل مدة اشتراكه في التأمينات خمسة وعشرين سنة عند تقاعده المبكر، فإنه يعطى راتبين، أحدهما من شركة آرامكو والثاني من التأمينات حتى يبلغ ستين سنة، فيعطى راتباً واحداً فقط من التأمينات، ولا يستفيد من (ميزة) الراتب الثاني في التأمينات إلا من لم تصل مدة اشتراكه في التأمينات خمسة وعشرين سنة. فبعض الموظفين قاموا بتكبير أعمارهم في البطاقة الشخصية حتى يستفيدوا من ميزة الراتبين لمدة عشر سنوات، فهل هذا يعتبر من الغش والتدليس؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أن تغيير العمر الحقيقي في بطاقة الأحوال لأجل أخذ راتبين، هو من الغش والتزوير المؤدي إلى أكل المال بالباطل، ولا ندري كيف استهان الناس بهذه المحرمات، لأجل شيء من متاع الدنيا الزائل، وكيف يرضى الإنسان لنفسه أن يأكل الحرام، ويطعمه أولاده وأهله، ومعلوم أن كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به.
قال صلى الله عليه وسلم: (كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به) رواه الطبراني وأبو نعيم عن أبي بكر، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (4519) .
ومما يؤسف له أيضا أن هؤلاء الموظفين ينعمون بكثير من المزايا والحقوق، وليسوا بحاجة تدفعهم إلى ارتكاب الحرام، لكنه الطمع وعدم القناعة، نسأل الله لنا ولك العافية.
ونحمد الله تعالى أن وفقك للسؤال، وتحري الحلال، ونسأل الله أن يبارك لك في رزقك ومالك، وأن يغنيك بحلاله عن حرامه.
وتأمل هذا الحديث العظيم الذي هو درس وموعظة في القناعة: قال صلى الله عليه وسلم: (إن روح القدس نفث في رُوعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها، وتستوعب رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله، فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته) رواه أبو نعيم في الحلية من حديث أبي أمامة، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (2085)
نسأل الله لنا ولك التوفيق والثبات.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6596)
العمل في بناء أو دهن بيت لكاهن أو ساحر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم العمل في بناء أو دهن منزل كاهن أو ساحر سواء سيسكنه أو سيستأجره وسأتقاضى الأجر منه هو؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان هذا المنزل سيتخذه الساحر أو الكاهن لممارسة السحر والكهانة، فلا يجوز بيعه له، ولا تأجيره عليه، ولا يجوز العمل في بنائه أو دهنه، لأنه محل أقيم للمعصية، فلا يعان عليه بوجه من الوجوه؛ لقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2، ولما جاء من الأدلة في وجوب إنكار المنكر، وذم الساكت والمقر له، فكيف بالمعين عليه!
قال ابن قدامة: " وجملة ذلك ; أن بيع العصير لمن يعتقد أنه يتخذه خمرا محرم " ثم قال: " وهكذا الحكم في كل ما يقصد به الحرام , كبيع السلاح لأهل الحرب , أو لقطاع الطريق , أو في الفتنة , وبيع الأمة للغناء , أو إجارتها كذلك , أو إجارة داره لبيع الخمر فيها , أو لتتخذ كنيسة , أو بيت نار , وأشباه ذلك. فهذا حرام , والعقد باطل. انتهى من "المغني" (4/154) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " ولا يصح بيع ما قصده به الحرام كعصير يتخذه خمرا إذا علم ذلك، كمذهب أحمد وغيره , أو ظنّ، وهو أحد القولين، يؤيده أن الأصحاب قالوا: لو ظن المؤجر أن المستأجر يستأجر الدار لمعصية كبيع الخمر ونحوها لم يجز له أن يؤجره تلك الدار , ولم تصح الإجارة , والبيع والإجارة سواء " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (5/388) .
وقال في "مطالب أولي النهى" (3/607) : "ولا تصح إجارة دار لتجعل كنيسة أو بيعة أو صومعة , أو بيت نار لتعبده المجوس , أو لبيع خمر وقمار ; لأن ذلك إعانة على المعصية، قال تعالى: (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) . أو استؤجرت الدار لنحو زمر وغناء , وكل ما حرمه الشارع , وسواء شرط ذلك المحرم ; بأن شرط المستأجر استئجارها لهذا الغرض المحرم أو لم يشترط، ولكنه علم بالقرائن أن سيستعملها في ذلك المحرم. " انتهى بتصرف.
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (8/228) : " لما كان المقصود من عقد إجارة البيت هو بيع منفعته إلى أجل معلوم , اشتُرط في المنفعة ما يشترط في المعقود عليه في عقد البيع , وهو أن لا يمنع من الانتفاع بها مانع شرعي , بأن تكون محرمة كالخمر وآلات اللهو ولحم الخنزير. فلا يجوز عند جمهور الفقهاء إجارة البيت لغرض غير مشروع , كأن يتخذه المستأجر مكانا لشرب الخمر أو لعب القمار , أو أن يتخذه كنيسة أو معبدا وثنيا. ويحرم حينئذ أخذ الأجرة كما يحرم إعطاؤها , وذلك لما فيه من الإعانة على المعصية " انتهى.
وأما إن كان الساحر سيتخذه للسكنى، وعلمتَ بالتصريح أو بالقرائن أنه لا يتخذه مقرا لعمل السحر والباطل، فيجوز بناؤه ودهنه، وإن كان الأولى هو البعد عن ذلك؛ لأن الساحر ينبغي هجره وزجره ووقوف المجتمع في وجهه حتى يتوب من فعله المحرم.
وقد تبين بهذا الفرق بين الدار التي تُتّخذ للمعصية، وبين التي تتخذ للسكنى، وإن كان سيسكنها العاصي أو الكافر، فإنه لا يمنع الإنسان من بناء بيتٍ لكافر أو عاص.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6597)
التزوير في توقيع الحضور في الجامعة هل يؤثر على الراتب فيما بعد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[انتشر بين طالبات الجامعة ظاهرة تزوير التوقيع (توقيع حضورهن) لكل محاضرة.. أي قد لا تحضر الطالبة وتطلب من غيرها التوقيع.. هل يدخل في الكذب المحرم؟ وهل لو تخرجت يكون مالها حراما؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أن توقيع الطالبة بالحضور عن زميلتها التي لم تحضر، يدخل في الكذب والتزوير وخيانة الأمانة، وكل ذلك محرم.
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ (أي يبالغ فيه ويجتهد) حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا) رواه البخاري (5743) ومسلم (2607) .
وإذا كان الحضور يترتب عليه درجات توضع في الشهادة، وينبني عليها النجاح والرسوب، ونوع التقدير الذي تحصل عليه الطالبة، فإنها إن أخذت ما لا تستحقه من الدرجات أو التقدير وتوظفت به، كانت على خطر؛ لأن ما بني على الباطل فهو باطل، وذلك كأن يكون غيابها لا يؤهلها إلى تقدير ممتاز مثلا، وكانت الوظيفة لا تعطى لها إلا بهذا التقدير، فإن حصولها على الوظيفة هنا جاء بطريق محرم.
وينظر جواب السؤال رقم (6418) ورقم (3481) .
ولهذا نوصي هؤلاء الطالبات بتحري الصدق في تسجيل الحضور، وترك الكذب والتزوير، فرارا من الإثم، وحذرا من الوصول إلى الوظيفة فيما بعد بطريق محرم، وأن يعلمن أنه لا مجال للمحاباة والمجاملة في اقتراف المحرمات.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6598)
كيف يتمكن الطبيب الجراح من الصلاة مع تقارب أوقاتها في الشتاء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد قرأت إجابتكم بخصوص الصلاة أثناء إجراء جراحة أو بعدها وأنا أعمل طبيبة ويكون النهار قصيرا جدا بكندا أثناء فصل الشتاء حتى إنه يحين وقت صلاة المغرب الساعة 5 مساء ولذلك فإن الوقت بين الصلوات قصير جدا ولا أعلم كيف يوفق الجراح عمله مع هذا الوقت القصير ولذلك فأنا أعتقد أنه من الأفضل أداء الصلاة قضاء، فما رأيكم في ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب أداء الصلوات في مواقيتها كما أمر الله تعالى، ولا يجوز تأخيرها إلا لعذر يبيح الجمع بين الصلاتين، قال الله تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) النساء/103 أي: لها وقت محدد.
والتهاون في الصلاة وتأخيرها عن وقتها بدون عذر كبيرة من كبائر الذنوب؛ لقوله تعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) مريم/59.
قال ابن مسعود رضي الله عنه عن الغي: واد في جهنم، بعيد القعر، خبيث الطعم.
وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) رواه البخاري (553) .
وأما الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، تقديما أو تأخيرا، فإنه يجوز لأعذار بَيَّنها أهل العلم، ومنها: رفع الحرج والمشقة، وهذا يصلح فيما ذكرت هنا، فالطبيب إذا خشي أن يتأخر في العملية فيخرج منها وقد انتهى وقت صلاة العشاء مثلا، فإنه يجمع بين المغرب والعشاء جمع تقديم، فيصليهما في وقت المغرب، وإذا كان سيدخل العملية قبل وقت المغرب، ويخرج قبل انتهاء وقت العشاء فإنه يؤخر المغرب ويجمعها جمع تأخير مع العشاء، بعد خروجه من العملية. وهكذا في صلاتي الظهر والعصر.
ودليل ذلك ما روى مسلم (705) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ، فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ. فقيل لِابْنِ عَبَّاسٍ: لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ؟ قَالَ: كَيْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ.
فحيث وجد الحرج والمشقة، جاز الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، وأما الفجر فلا تجمع إلى شيء قبلها ولا بعدها.
والصلاة شأنها عظيم، وأمرها خطير، وهي أول ما يحاسب عليه العبد، فيجب المحافظة عليها، والعناية بأمرها.
نسأل الله لك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6599)
من استؤجر لنقل أشياء محرمة كالمعازف
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمسلم أن يعمل بشركة لنقل البيانو حيث يقوم بنقل البيانو للكفار لاغير من موضع لآخر؟ وهل يعد هذا تعاونا على الإثم أم لا؟ وماهو الحكم إذا حدث أثناء قيامه بنقل أثاث المنزل إن وجد بيانو بالمنزل. هل يجوز له أن يقوم بنقله أم لا؟ برجاء تقديم إجابات مدعومة بالأدلة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
البيانو آلة من آلات العزف، فيشمله ما جاء من النصوص في تحريم المعازف، وتحريم سماعها، وقد سبق بيان أدلة ذلك في جواب السؤال رقم (5000) ورقم (96219)
وما ثبت تحريمه، لم يجز بيعه ولا تأجيره ولا حمله ولا الإعانة عليه بوجه من الوجوه؛ لأن ذلك من التعاون على الإثم، وقد قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2.
وإذا كان المكلف مأمورا بإنكار هذا المنكر، فكيف يسكت عنه، ويحمله، ويعين على بقائه؟!
قال الله تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) المائدة/78، 89، فحلّت بهم اللعنة لأجل قعودهم عن إنكار المنكر.
قال النووي رحمه الله في "روضة الطالبين" (5/194) : " لا يجوز الاستئجار لنقل الخمر من بيت إلى بيت، ولا لسائر المنافع المحرمة كالزمر والنياحة، وكما يحرم أخذ الأجرة في هذا يحرم إعطاؤها " انتهى.
وعليه فالعمل في شركة لنقل البيانو عمل محرم؛ لما فيه من الإعانة على المعصية، وإقرار المنكر.
ثانيا:
من استؤجر على نقل أثاث منزل، فوجد فيه آلة من آلات العزف – غير الدف – لم يجز له حملها، للعلة السابقة وهي أن حملها ونقلها: إعانة على المعصية وإقرار للمنكر، وهذا الأمر وإن بدا صعبا أعني رفض النقل لهذه الآلة، لكن عاقبته حميدة بإذن الله، فإن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، ومن آثر الآخرة على الدنيا، أتته الدنيا وهي راغمة، وربما كان موقفه هذا سببا في هداية الكافر ورغبته في التعرف على هذا الدين العظيم الذي يحمل أتباعه على ترك المال ابتغاء مرضاة الله.
نسأل الله لنا ولك التوفيق والثبات.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6600)
عسكري متقاعد ويعمل في وظيفة مدنية
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت موظفا عسكريا في الدولة لمدة إحدى عشرة سنة وبعدها خرجت إلى التقاعد وكان راتب التقاعد آنذاك قليلا جدا بحثت عن عمل ولم أجد أي عمل وقدمت إلى وظيفة مدنية وأستلم منها راتبا شهريا ونفس الوقت أستلم راتبا تقاعديا أنا لم أعلمهم أني متقاعد وهم ما سألوني، ومشى هذا الحال إلى الآن. أنا ضميري يؤنبني، فما حكم ذلك؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الأمر كما ذكرت، فلا حرج عليك في العمل في هذه الوظيفة، وتقاضي الراتب عليها، ما دام العمل مباحا، وأنت تؤديه على الوجه الصحيح.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6601)
يريد فتح محل ولابد من دراسة يجبر فيها على تذوق حلوى بها خمر أو جلاتين
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أقيم في كندا وأود أن أفتح محلا للحلويات قبل ذلك لابد أن أدرس patissrie وهنا إجباري تذوق الحلويات التي نعملها في الدراسة وتحتوي على الجيلاتين أو خمر لكن دون بلعها أفتني في أمري بارك الله فيكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الخمر يحرم تناولها، وحملها، وبيعها، وشراؤها، وقد لعن فيها عشرة كما في الحديث الذي رواه الترمذي (1295) وأبو داود (3674) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَمْرِ عَشْرَةً: عَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا، وَشَارِبَهَا، وَحَامِلَهَا، وَالْمَحْمُولَةُ إِلَيْهِ، وَسَاقِيَهَا، وَبَائِعَهَا، وَآكِلَ ثَمَنِهَا، وَالْمُشْتَرِي لَهَا، وَالْمُشْتَرَاةُ لَهُ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
ولا يجوز وضع الخمر في الحلويات، ولا تذوق هذه الحلوى، ولو كان ذلك لغرض الدراسة، أو الحصول على شهادة تمكن من العمل، لأن ذلك ليس ضرورة تبيح ارتكاب المحظور.
وأما الجيلاتين، فمنه الحلال والحرام، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (210) .
فما كان منه محرماً، لم يجز وضعه في الحلوى، ولا تذوقه.
واعلم أيها الأخ الكريم أن أبواب الرزق الحلال كثيرة، وأن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، وقد قال سبحانه: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق/2، 3
والخاسر من باع دينه بعرض من الدنيا، ولن يأتيه منها إلا ما قٌسم له.
قال صلى الله عليه وسلم: (إن روح القدس نفث في رُوعي أن نفساً لن تموت حتى تستكمل أجلها، وتستوعب رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله، فإن الله تعالى لا يُنال ما عنده إلا بطاعته) رواه أبو نعيم في الحلية، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (2085) .
نسأل الله أن يرزقك من فضله، وأن يغنيك بالحلال عن الحرام.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6602)
العمل في مؤسسة تعمل مع من يتاجر في الخمور
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز العمل مع مؤسسة تعمل مع أخرى تتاجر في الخمور؟]ـ
[الْجَوَابُ]
بيع الخمر حرام، لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) المائدة/ 90-91.
ولما روى البخاري (2236) ومسلم (1581) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ) .
وروى الترمذي (1295) وابن ماجه (3381) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَمْرِ عَشْرَةً: عَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا، وَشَارِبَهَا، وَحَامِلَهَا، وَالْمَحْمُولَةُ إِلَيْهِ، وَسَاقِيَهَا، وَبَائِعَهَا، وَآكِلَ ثَمَنِهَا، وَالْمُشْتَرِي لَهَا، وَالْمُشْتَرَاةُ لَهُ) صححه الألباني في "إرواء الغليل" (2385) .
والمؤسسة التي تعمل مع من يتاجر في الخمور: إن كانت تعين على هذه التجارة، فلا شك أنها واقعة في الحرام، مشاركة في الإثم، ولا يجوز لأحد أن يعمل فيها عملا يتصل بذلك.
وإن كان عملها مع من يتاجر في الخمور في أمور لا تتصل بالخمر ولا تعين عليها، بل في أعمال أخرى مباحة، فيجوز العمل مع هذه المؤسسة في أعمالها المباحة التي لا تعين على الحرام.
وينظر جواب السؤال رقم (48005) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6603)
إدارة بنك الدم تجبر المراجعين على التبرع بالدم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا موظف حكومي بإحدى بنوك الدم، ولي سؤالان: الأول: نقوم في بنك الدم بعمل الكشف الطبي الخاص باستخراج أو تجديد رخصة السير, وينص التعميم الموجه لنا من وزارة الصحة على (تخيير مقدم طلب الرخصة على التبرع بالدم إذا كان صالحا للتبرع, وينص أيضاً على أن يتم عمل الفحص الطبي له مجاناً سواء وافق على التبرع أم لا) ولكن الذي يحصل أن إدارة بنك الدم تجبر المراجعين على التبرع وفي حالة الرفض يتم توجيه المراجع إلى المستوصفات الخاصة لعمل الفحوصات على حسابه الخاص ثم العودة إلى بنك الدم لاعتماد الأوراق (لأن ختم بنك الدم لدينا هو المعتمد فقط لدى إدارة المرور) مما يضطر كثيراً من المراجعين إلى التبرع بالدم وهم مكرهون لإتمام إجراءاتهم. فما هو حكم هذا العمل بالنسبة للإدارة وبالنسبة للموظفين؟ وبماذا تنصحوننا في حالة إصرار الإدارة على ذلك؟ السؤال الثاني: تنص تعاميم وزارة الصحة على أن دوام الموظفين للفترة الصباحية من السبت وحتى الخميس من 7,30 صباحا إلى 4,30 مساء, ودوام مناوبي الفترة المسائية من 3,30 مساء إلى 11,30 ليلا. ولكن الذي يحصل هو أن موظفي الفترة الصباحية ينصرفون عند حضور مناوبي الفترة المسائية أي عند الساعة 3,30 مساء ويتم توقيع الانصراف على أنه الساعة 4,30 مساء (أي بفرق ساعة) علماً بأن بقاء موظفي الفترة الصباحية خلال هذه الساعة لا يحدث أي فرق وذلك لأن مناوبي الفترة المسائية قد استلموا العمل. فما هو حكم الانصراف الساعة 3,30 مساء والتوقيع على أن الانصراف الساعة 4,30 مساء في هذه الحالة (علماً بأن ذلك لا يحدث أي اختلاف في آلية العمل وجودته) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا كان التعميم الموجه من وزارة الصحة يقضي بعمل الفحص الطبي مجانا، وجعل التبرع بالدم اختياريا، فليس للبنك أن يمتنع عن الفحص ولا أن يضطر أحدا للتبرع بدمه.
والامتناع عن الفحص، وإلجاء الراغب فيه إلى الذهاب إلى المستوصفات الخاصة ودفع المال لذلك، ظلم وعدوان، وتقصير من البنك في القيام بما هو مكلف به.
وعليكم مراجعة إدارة البنك، وتذكيرها بالعمل بما في التعميم الوارد، فإن استجابت فالحمد لله، وإلا فارفعوا الأمر إلى مسئولي الصحة، إبراء للذمة.
ثانيا:
يلزم التقيد بساعات الدوام المقررة، ولا يجوز توقيع الحضور والانصراف على غير الوقت الحقيقي؛ لما في ذلك من الكذب والخيانة.
وإذا رأت إدارة البنك تخفيض ساعات الدوام، وجعل انصراف موظفي الفترة الصباحية في الساعة 3.30 مثلا، فلا حرج في ذلك، ما دام لا يؤدي إلى تعطيل العمل أو الإضرار به، وعليهم مناقشة المسئولين في وزارة الصحة، حتى يتم تعديل أوقات الدوام للموظفين، حتى لا يقع الموظف في شيء من الحرج إن انصرف قبل الدوام بساعة، ثم إن جلس جلس بلا فائدة، وكان جلوسه تضييعا للوقت والجهد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6604)
حكم عمل برنامج يمكن عملاء الشركة من الاتجار في الأسهم
[السُّؤَالُ]
ـ[عرض علي فرصة للعمل كمبرمج كمبيوتر في إحدى شركات استثمار وتداول الأوراق المالية في سوق البورصة لكي أقوم بعمل برامج كمبيوتر لتسهيل بيع وشراء أسهم الشركات المعروضة في البورصة لصالح عملاء شركتي. فهل يجوز شرعاً أن أقوم بهذا العمل علماً بأن هذه الشركات المعروضة في البورصة قد يكون بعضها نشاطه محرم وبعضها تقترض من البنوك وبعضها نشاطه حلال؟ كما أني لا أبيع أو أشتري الأسهم لنفسي ولكن أسهل عملية البيع والشراء لحساب عملاء شركتي فهل هذا يكون تعاوناً على الإثم والعدوان لو اشترى العميل أسهم شركات نشاطها محرم باستخدام برنامجي أم أن الوزر يقع على العميل لو اشترى أسهم شركات تعمل في الحرام أو تتعامل بالحرام؟ علماً بأن الشركة قالت لي أنها لا تتعامل في أسهم الشركات المحرم نشاطها فهل أقبل العمل فيها إلى أن أتأكد أن هذا صحيح أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كانت الشركة تقتصر على التعامل في الأسهم المباحة، فلا حرج في عمل برنامج يمكّن العملاء من بيع وشراء هذه الأسهم عن طريق البورصة، وأما إن كانت تتعامل في الأسهم المحرمة والمباحة معا، فلا يجوز إعانتها على ذلك، بالبرمجة أو غيرها؛ لأنه من التعاون على الإثم والعداون، وقد قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2.
فالإثم لا يختص بمن باشر الحرام، بل ينال من أعان عليه، وأقره، ودعا إليه.
وعليه فإذا تأكدت من كون الشركة لا تتعامل إلا في الأسهم المباحة، فلا حرج عليك في قبول العمل معها.
نسأل الله لك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6605)
الأعذار الطبية الكاذبة التي يقدمها الطلبة والموظفون
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم ما يفعله بعض الموظفين والطلاب من إحضار أعذار طبية كاذبة، وفي الحقيقة يكون سبب غيابهم ليس مرضيا، وإنما لأجل سفر مثلا، أو نوم، وهل يجوز لو غاب طالب عن الامتحان بسبب أنه نام ولم ينتبه للمنبه مثلا، وتأخر على موعد الامتحان - أن يستعين بالأعذار الطبية الكاذبة لأنه في الحقيقة معذور؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب على المسلم حفظ الأمانة وأداؤها، ومراقبة الله تعالى في جميع أمره، فيصدق في قوله وعمله، ولا يسلك مسالك الخيانة والشبهة، ولا يرد موارد الظن والريبة.
يقول الله تعالى: (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً) النساء/58.
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله في "تفسير القرآن العظيم" (2/338) :
" يُخبرُ تعالى أنَّه يأمر بأداء الأمانات إلى أهلها، وفي حديث الحسن عن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك) رواه الإمام أحمد وأهل السنن، وهو يَعمُّ جميع الأمانات الواجبة على الإنسان: من حقوق الله عزَّ وجلَّ على عباده من الصلاة والزكاة والصيام والكفارات والنذور وغير ذلك مِمَّا هو مؤتَمَن عليه لا يطَّلع عليه العباد، ومن حقوق العباد بعضهم على بعض، كالودائع وغير ذلك مِمَّا يأتَمنون به من غير اطلاع بينة على ذلك، فأمر الله عزَّ وجلَّ بأدائها، فمَن لَم يفعل ذلك في الدنيا أخذ منه ذلك يوم القيامة " انتهى.
والتقصير في أداء العمل بالتغيب عنه أو عدم إتمامه أو الإهمال فيه يُعَدُّ من الخيانة المحرَّمة، فكيف إذا جمع مع ذلك الكذب واختلاق الأعذار بطريقة أو بأخرى؟!
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ) رواه مسلم (2553)
والموظف الذي يُقَصِّرُ في وظيفته، ثم يأتي بأعذارٍ طبيةٍ مختلقةٍ يشعر في قرارةِ قلبه ونفسه بالإثم والخطأ، ويكره أن يطَّلِع الناس على فعلته، حتى من المقربين إليه، فهو يحب أن يظهر بمظهر الأمين الصادق المنتج الملتزم بوظيفته وعمله.
سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: ما حكم تقدم الموظف لدائرة حكومية يعمل فيها بطلب إجازة مرضية وهو غير صادق؟
فأجابوا: " إذا كان واقع الموظف كما ذكر فلا يجوز ذلك؛ لما فيه من الكذب وغش الدولة، وأخذ ما يقابل أيام الإجازة المرضية الكاذبة من المال بغير حق " انتهى.
فتاوى اللجنة الدائمة" (15/152-153)
وسئلوا أيضا (15/153-154) :
" إنني أعمل مدرسا، وكذلك زوجتي مدرسة - والحمد لله -، ويحصل بعض الأيام أن نتغيب كلانا أو أحدنا، ليس لعذر شرعي، وإنما بسبب نوم أو كسل، وفي اليوم التالي نأتي بأعذار كاذبة، وأحيانا يتغاضى عنا مديرونا، فما الحكم في ذلك؟ وماذا نعمل بالراتب الذي تقاضيناه على تلك الأيام التي لم نحضرها للدوام؟ علما أننا نندم على غيابنا في ذلك اليوم، ونعزم على عدم العودة، ثم نعود أخرى.
فأجابوا:
" الواجب على من وُكل إليه عمل يتقاضى في مقابله راتبا أن يؤدي العمل على الوجه المطلوب، فإن أخل بذلك من غير عذر شرعي لم يحل له ما يتقاضاه من الراتب؛ لأنه يأخذه في غير مقابل، وعليه: يجب عليكم التوبة، وعدم العودة إلى ما ذكرت، والتزم الأمانة في أداء العمل الذي يوكل إليك، والتصدق فيما يقابل ما أخذت من راتب بدون عذر شرعي " انتهى.
وسئلوا أيضا (15/156) :
" كيف يكون الإخلاص في العمل، وهل هو من الأمانة المذكورة في القرآن؟
فأجابوا:
" الإخلاص في العمل الوظيفي أو المستأجر عليه هو: أداؤه على الوجه المطلوب والمتفق عليه في العقد أو النظام الوظيفي، وهو من الأمانة التي يجب أداؤها، كما في قوله تعالى:
(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) " انتهى.
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى "مجموع الفتاوى" (5/40) :
" الواجب على الموظف أن يؤدي الأمانة بصدق وإخلاص وعناية , وحفظا للوقت، حتى تبرأ الذمة، ويطيب الكسب، ويرضي ربه، وينصح لدولته في هذا الأمر أو للشركة التي هو فيها أو لأي جهة يعمل فيها , هذا هو الواجب على الموظف أن يتقي الله وأن يؤدي الأمانة بغاية الإتقان وغاية النصح، يرجو ثواب الله ويخشى عقابه ويعمل بقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا)
ومن خصال أهل النفاق الخيانة في الأمانات، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان) متفق عليه.
فلا يجوز للمسلم أن يتشبه بأهل النفاق، بل يجب عليه أن يبتعد عن صفاتهم، وأن يحافظ على أمانته، وأن يؤدي عمله بغاية العناية، ويحفظ وقته، ولو تساهل رئيسه، ولو لم يأمره رئيسه، فلا يقعد عن العمل أو يتساهل فيه، بل ينبغي أن يجهد حتى يكون خيرا من رئيسه في أداء العمل، والنصح في الأمانة، وحتى يكون قدوة حسنة لغيره " انتهى.
وليتق الله كذلك الأطباء الذين يعينون هؤلاء الموظفين المقصرين على تقصيرهم، فيكتبون لهم الأعذار وهم يعلمون أنها غير حقيقية ولا واقعية، فيكونون سببا في فساد الموظفين وتشجيع الإهمال والتقصير وأكل أموال الناس بالباطل.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "اللقاء الشهري" (7/سؤال رقم 4)
هل يجوز للطبيب أن يعطي أحداً من الناس إجازة مرضية - وخاصة للموظفين - عندما يكون هذا الشخص لا يحتاج حقيقة إلى هذه الإجازة، وهذا الطبيب لم يعاين هذا الشخص ولم يكشف عليه، وهل يأثم الطبيب لو أعطى المريض إجازة مرضية أكثر مما يستحق؟
فأجاب:
" في الصحيحين عن أبي بكر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئاً فجلس، فقال: وقول الزور وشهادة الزور)
ولا شك أن الطبيب إذا أعطى شخصاً إجازة مرضية وهو ليس بمريض لا شك أنه قال الزور وشهد شهادة الزور، وأنه آثم وأتى كبيرة من أكبر الكبائر، وكذلك الذي أخذ هذه الإجازة آثم وكاذب على الجهات المسئولة، وآكل للمال بالباطل، فإن الراتب الذي يقابل هذه الإجازة أخذه بغير حق، وكذلك إذا أعطاه أكثر مما يحتاج، مثل أن يحتاج إلى ثلاثة أيام إجازة مرضية ويعطيه أربعاً، فإن هذا حرام من أكبر الكبائر.
والحقيقة أن الإنسان كلما فكر في مثل هذه الأمور يعجب كيف يقع هذا في شأن المسلم، ألسنا كلنا مسلمين؟ أليس دين الإسلام يحرم هذا؟ أليس العقل المجرد عن الإيمان والإسلام يحرم هذا؟ الجواب: بلى، لكن مع الأسف أن يقع هذا من المسلمين، ويكون وصمة عار في جبين كل مسلم. الآن يقول بعض السفهاء: إن الكفار أنصح من المسلمين وأصدق من المسلمين وأوفى من المسلمين، وهذا قد يكون صدقاً في بعض الأحيان، لكننا نقول لهذا: دين الإسلام أكمل من كل ما سواه من الأديان، ومنهج الإسلام خير من كل منهج، وشرعة الإسلام فوق كل شريعة، لكن البلاء من أهل الإسلام وليس من الإسلام، وما دمت رجلاً أنتمي إلى الإسلام وأفخر به وأعتز به وأرجو به ثواب الله، فلماذا أخالف شريعة الإسلام؟! لماذا أقول الزور؟ لماذا أشهد الزور؟ لماذا آكل المال بالباطل؟ لماذا أخون الجهات المسئولة؟ كل هذا مما يؤسف له، وكل هذا مما أوجب تأخر المسلمين وتسلط الأعداء عليهم. إخواننا المسلمين في بعض الجهات الإسلامية ينحرون نحر الخروف، يذبحون ذبحاً، تنتهك حرماتهم، تسبى ذراريهم، تغتنم أموالهم، لماذا؟ كل هذا بذنوبنا ومعاصينا. فنسأل الله أن يعاملنا بعفوه وأن ينصرنا على أعدائنا " انتهى.
والطالب في ذلك كالموظف لا يجوز له أن يكذب ويأتي بشهادة زور.
نسأل الله الهداية للجميع.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6606)
العمل في محل لبيع الهدايا منها صور ومجسمات
[السُّؤَالُ]
ـ[حصلت على شهادة الليسانس قسم اللغة الأسبانية، وقد حدثت بعض المشاكل مع أسرتي لأنهم يريدونني أن أعمل في مجال السياحة لأن هذا هو المجال الأكثر طلباً لتخصصي والمتوافر الآن فلم أستجب لهم ومكثت بلا عمل ما يقرب من سنة تقريبا ومنذ أيام حصلت على فرصة عمل في محل لبيع الهدايا، وعندما ذهبت إلى العمل وجدت أن هناك عدة أشياء 1- أن هناك بعض الصور الفرعونية المرسومة على أطباق وورق البردي. 2- أن هناك بعض المجسمات مثل أن يكون هناك برواز وفيه صورة بارزة لقدماء المصرين وبعض التماثيل المحفورة على الزجاج وبعض الحيوانات الصغيرة المجسمة. فقلت لمالك المحل إنني لا أستطيع العمل في هذه الأشياء فقال لي هناك أشياء أخرى كثيرة يمكنك العمل بها , ولكن الأمر لا ينفك على أن أقوم بتنظيف شيء من هذه الأشياء أو إعادة تنظيمه أو بيعه إذا لم يكن هناك غيري، ولكني عندما يأتي أحد لشراء هذه الأشياء أرسل المشتري إلى بائع آخر بنفس المحل ليكمل عملية البيع له فما حكم العمل في هذا المحل؟ وماذا أفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
العمل في مجال الإرشاد والترجمة للسائحين، لا يخلو من محذورات شرعية، كالاختلاط بالنساء، والدلالة على أماكن المنكرات، وتعظيم أماكن الجاهليين وتاريخهم، وغير ذلك.
وقد أحسنت في ترك هذا المجال، ونسأل الله أن يرزقك من فضله، ويخلف عليك خيرا.
ثانيا:
لا يجوز بيع المجسمات لذوات الأرواح، ولا الصور، سواء كانت منقوشة على ورق أو قماش أو أطباق، للأدلة الدالة على تحريم التصوير، وينظر جواب السؤال رقم (49676) ، ورقم (98632)
ثالثا:
يجوز أن تعمل في محل بيع الهدايا، بشرط عدم بيع شيء من المحرمات، أو الإعانة والدلالة عليها. فإذا أمكن أن تكون في قسم أو جهة من المحل، لا تباشر بيع المحرمات في أي وقت، ولا تدل المشتري عليها، فلا حرج في العمل حينئذ، وإن كان الأولى البحث عن عمل آخر، تسلم فيه من مقاربة المنكر.
واعلم أن أبواب الرزق الحلال كثيرة، وما على الإنسان إلا أن يتقي الله تعالى، ويبذل الأسباب، وقد قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق/2، 3.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها، وتستوعب رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله، فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته) رواه أبو نعيم في الحلية من حديث أبي أمامة، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (2085) .
وقد تجد مجالا نافعا يتصل بتخصصك، كالعمل مع بعض المواقع الإسلامية المحتوية على نافذة باللغة الأسبانية، أو العمل في مراكز دعوة الجاليات، الموجودة في بعض الدول الإسلامية.
نسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق والسداد والرشاد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6607)
العمل كوسيط بين رجال أعمال وشركته بمقابل
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في شركة نفطية كموظف عادي، وعرض علي بعض رجال الأعمال العمل معهم كوسيط بينهم وبين الشركة.. علما بأنني لا أعمل في إدارة المشتريات وليس لدي تأثير لا من قريب ولا من بعيد في اتخاذ القرارات.. ولكن مندوبو المشتريات للشركات يفرضون على رجال الأعمال إعطاء نسبة مالية لهم (الرشوة) . وللأسف الشديد بأن المندوب للمشتريات هو الذي يستلم العروض وأحيانا له الكلمة في اتخاذ القرار. ما رأيك في هذه المعاملة التجارية من الناحية الشرعية بكل صراحة. علما بأنني تركت التقديم في القروض المصرفية كلها لأنها تتعامل مع الربا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا لم تكن تعمل في إدارة المشتريات، ولا تأثير لك في اتخاذ قرار التعامل والشراء، فلا حرج عليك أن تعمل وسيطاً بين رجال الأعمال والشركة؛ لأن الأصل جواز عمل الإنسان سمساراً (دلالاً) ، بأجرة مقطوعة أو بنسبة مما يباع ويشترى، بحسب الاتفاق.
ويشترط لذلك أن تكون السلع والمشاريع مما لا محذور فيه شرعا.
وأما من كان عمله هو التفاوض والتعامل مع هؤلاء، أو له تأثير على اتخاذ القرار، فليس له أن يأخذ شيئا من غير جهة عمله، لأنه سيتحول قصده إلى مصلحة نفسه المادية، دون النظر إلى مصلحة الشركة التي يعمل بها، وقد روى البخاري (7174) ومسلم (1832) عن أبي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه قَالَ: اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلا مِنْ بَنِي أَسْدٍ يُقَالُ لَهُ ابن اللُّتْبِيَّة عَلَى صَدَقَةٍ فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي، فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: (مَا بَالُ الْعَامِلِ نَبْعَثُهُ فَيَأْتِي يَقُولُ: هَذَا لَكَ وَهَذَا لِي، فَهَلا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَيَنْظُرُ أَيُهْدَى لَهُ أَمْ لا؟ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا يَأْتِي بِشَيْءٍ إِلا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ أَوْ شَاةً تَيْعَرُ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَتَيْ إِبْطَيْهِ أَلا هَلْ بَلَّغْتُ ثَلاثًا) .
والرغاء: صوت البعير، والخُوار: صوت البقرة، واليُعار: صوت الشاة.
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/131) : " يجوز للدلال أخذ أجرة بنسبة معلومة من الثمن الذي تستقر عليه السلعة مقابل دلالته عليها، ويستحصلها الدلال من البائع أو المشتري حسب الاتفاق من غير إجحاف ولا ضرر " انتهى.
وينظر جواب السؤال رقم (66146)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6608)
استعمل هاتف الشركة لإجراء مكالمات خارجية فماذا يلزمه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب عمري 19 سنة، منذ سنتين تقريبا كنت أعمل في مكان الاستقبال في شركة ما, وأحيانا كنت أستعمل هاتف الشركة من دون إذن لإجراء مكالمات خارجية , فكيف أتوب من ذلك؟ وكان نائب المدير في الشركة قد طلب مني رخصتي (رخصة القيادة) وعرفت أنه يطلب ذلك ليستورد سيارات من الخارج تحت اسمي, ولم يأخذ إذني في ذلك أيضا, ولم يكن ذلك في شروط العمل. وبكوني طالبا ليس عندي دخل إلا أن يعطيني أبي مصروفا, لأرد ذلك المال (حق المكالمات) ولا أدري حتى كم تكلف.... فما العمل في هذه القضية التي تؤرقني!!!! هل يجوز لي القول إنه بفعلته تلك نكون متساويين؟ لا أرد إليه ولا يرد إلي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا يجوز للموظف أن يستعمل أجهزة الشركة لأغراضه الشخصية دون إذن، لا سيما إذا كان يترتب على ذلك كلفة أو استهلاك، كاستعمال الهاتف، والطابعة، ونحو ذلك.
ولا شك أنك أخطأت باستعمال الهاتف لإجراء مكالمات خارجية، والواجب عليك أن تتوب إلى الله تعالى، بالندم على ما فعلت، والعزم على عدم العود إليه، والتحلل من صاحب الشركة، برد قيمة المكالمات إليه، أو إخباره وطلب العفو منه. ولا يلزم إخباره، بل يكفي إيصال المال إليه ولو بدون علمه، كإيداعها في حسابه.
لما روى البخاري (2449) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ) .
قال النووي رحمه الله: " قال العلماء: التوبة واجبة من كل ذنب، فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى لا تتعلق بحق آدمي فلها ثلاثة شروط: أحدها: أن يقلع عن المعصية. والثاني: أن يندم على فعلها. والثالث: أن يعزم أن لا يعود إليها أبدا. فإن فقد أحد الثلاثة لم تصح توبته.
وإن كانت المعصية تتعلق بآدمي فشروطها أربعة: هذه الثلاثة، وأن يبرأ من حق صاحبها، فإن كانت مالا أو نحوه رده إليه، وإن كانت حد قذف ونحوه مكّنه منه أو طلب عفوه، وإن كانت غيبة استحله منها " انتهى من "رياض الصالحين" ص 33.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " … فإذا سرقتَ من شخصٍ أو من جهة ما سرقةً: فإن الواجب عليك أن تتصل بمن سرقت منه وتبلغه وتقول إن عندي لكم كذا وكذا، ثم يصل الاصطلاح بينكما على ما تصطلحان عليه، لكن قد يرى الإنسان أن هذا الأمر شاق عليه وأنه لا يمكن أن يذهب مثلاً إلى شخص ويقول أنا سرقت منك كذا وكذا وأخذت منك كذا وكذا، ففي هذه الحال يمكن أن يوصل إليه هذه الدراهم - مثلاً - من طريق آخر غير مباشر، مثل أن يعطيها رفيقاً لهذا الشخص وصديقاً له، ويقول له هذه لفلان ويحكي قصته ويقول أنا الآن تبت إلى الله - عز وجل - فأرجو أن توصلها إليه.
وإذا فعل ذلك فإن الله يقول: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) الطلاق / 2، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) الطلاق / 4 " انتهى من " فتاوى إسلاميَّة " (4/162) .
ثانيا:
إذا لم يكن لديك المال الآن، فإنه يبقى دَيْناً في ذمتك، ومتى تمكنت من سداده وجب عليك ذلك. وإذا جهلت قيمة المكالمات على وجه التحديد، فاعمل بالاحتياط، وادفع ما يغلب على ظنك أنك تبرأ به، إلا إن اصطلحت مع صاحب الشركة على مبلغ معين.
ثالثا:
لك أن تطالب صاحب الشركة بتعويض عن استخدام اسمك لاستيراد السيارة؛ لأن حق الاستيراد يعتبر من الحقوق المالية التي يجوز الاعتياض عنها.
وحينئذ يمكن إجراء المقاصّة بين ما لك، وما عليك، وقد يكون ما لك عند الشركة أكثر مما عليك، أو العكس، كما يمكن إجراء المصالحة على جعل هذا في مقابل هذا.
ولا يجوز أن تجعل ما عليك في مقابل ما لك دون إخبار صاحب الشركة؛ لأن إعطاءك رخصة القيادة لنائب المدير قد يحمل على أنه تبرع منك، فلا تكون الشركة مطالبة بشيء تجاهك في هذه المسألة، وأما أنت فيلزمك دفع قيمة المكالمات من غير شك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6609)
هل يقدم تقريرا كاذبا عن نفقاته أثناء سفره ليسدد الضرائب
[السُّؤَالُ]
ـ[تقوم الشركة التي أعمل بها بإعطائي مبلغا من المال لإعانتي في المعيشة من أكل ومواصلات أثناء سفري بأحد الدول الأخرى لإتمام عمل معين خلال فترة معينة؛ فهل يجوز أن آخذ هذا المال عوضاً عن الضرائب المفروضة على الراتب الشهري المأخوذ مني وأستخدمه لأغراض شخصية. حيث إني قرأت في هذا الموقع عن حرمة أخذ الضرائب. وأن أقدم تقريرا كاذبا عن المصروفات التي صرفت خلال سفري. وجزاكم الله خيراً]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الواجب على المسلم أن يكون صادقا أمينا، فلا يكذب ولا يخون، لما في الكذب والخيانة من الإثم وسوء العاقبة.
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) التوبة/119، وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) الأنفال/27، وقال سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) النساء/58 وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا) رواه البخاري (6094) ومسلم (2607) واللفظ له.
وقال صلى الله عليه وسلم: (آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ) رواه البخاري (33) ومسلم (59) .
ثانيا:
إذا كانت الشركة تعطيك مبلغا من المال لاستعماله أثناء سفرك، وتطلب منك تقريرا عن مصروفاتك، فلا يجوز لك الكذب في كتابة هذا التقرير، سواء أخذت المال لسداد الضرائب أو لغير ذلك.
وذلك أن الضرائب المحرمة إنما يقع إثمها على من يعمل بها ويفرضها، والشركة لا علاقة لها بذلك، ولا يجوز الاعتداء على مالها؛ لأنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسٍ منه، هذا إضافة إلى ما يتطلبه هذا العمل من الكذب، فيجتمع في هذه الصورة: أكل المال بغير حق، والكذب، والخيانة، وكل ذلك من المحرمات.
وإن استطعت أن تتفق مع الشركة على أخذ مبلغ من المال، مع حق التصرف فيه بما تريد، كان هذا المال ملكا لك، فتسدد من الضرائب، أو تستعمله في أكلك ومواصلاتك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6610)
حكم فتح محلات للحلاقة الرجالية
[السُّؤَالُ]
ـ[حكم محلات الحلاقة الرجالية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في فتح محلات الحلاقة الرجالية، وممارسة هذه المهنة، بشرط تجنب المحرمات كحلق اللحية، والأخذ من الحواجب، وقص الشعر على هيئة فيها تشبه بالكافرين، وانظر السؤال رقم (34722) ورقم (1189) .
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " سائل يسأل بأن له قريباً لديه صالون حلاقة مؤجر على عامل ونصحه بأن هذا العمل محرم، وأن المال سحت، وأنه لا يجوز حلق لحى المسلمين، فقال: أنا لم آخذ من العامل إلا إيجار المحل مائة وخمسين ريالاً، والناس أحرار في حلق لحاهم، وأنا لم أجبرهم بحلقها عنده.
فأجاب: " إن هذا الصالون إن كتب عليه كتابة ينفذ ما فيها: ممنوع حلق اللحية، إن كتب هذه العبارة وصار من طلب منه أن يحلق اللحية أبى عليه، فلا بأس أن يطلب رزق الله، أما إذا كان سيحلق لمن طلب منه الحلق إما حلق الرأس أو اللحية فإنه لا يجوز، وعليه أن يستبدل هذا الصالون ويبدله بما هو خير منه، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه. فالحاصل أن فتح الصوالين للحلاقة فيه تفصيل: إذا كان الإنسان سيمتنع من حلق ما يحرم حلقه؛ فلا بأس؛ هذا من أسباب الرزق، وإن كان سيحلق ما طلبه المحلوق ولو كان حراماً فإنه لا يجوز " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (79/13) .
وسئل أيضا رحمه الله: " لدي محلات دكاكين وأريد أن أقوم بتأجيرها على بعض صوالين الحلاقة فهل في ذلك حرج؟
فأجاب: في ذلك حرج إذا أجرت الدكاكين للحلاقين فإنه من المعلوم حسب العادة أن الحلاقين يحلقون كل شيء، يحلقون الرأس ويحلقون اللحية بل ربما كان حلق اللحى لديهم أكثر من حلق الرؤوس هذا هو العادة والغالب، وعلى هذا فلا يجوز تأجير الدكاكين للحلاقين إلا إذا اشترط عليهم أن لا يحلقوا فيها اللحى، فحينئذٍ لا بأس، وإذا ثبت أنه حلق لحية في هذه الدكاكين كان لمؤجر الدكان أن يفسخ الإجارة؛ لأن المستأجر أخل بشرطٍ صحيح لم يوفِ به. هذا هو الجواب عن تأجير الدكاكين للحلاقة بمعنى أنه لا يجوز أن يؤجرها للحلاقين إلا إذا اشترط عليهم أن لا يحلقوا فيها حلقاً محرماً كحلق اللحى، ويدل لذلك أن تأجيرها إعانةٌ لهم على فعل هذا المحرم، وقد قال الله تعالى (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) ، ويدل على تحريم أجرتها أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه) والأجرة ثمن للمنفعة التي حصل عليها المستأجر "
انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6611)
يعطي دروسا خارج المدرسة في غير تخصصه
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل مدرسا وأقوم بتدريس أكثر من مادة للناس خارج المدرسة ليس من تخصصي مع الإجادة التامة فهل هذا حلال أم حرام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كنت تجيد المواد التي تدرّسها، والطلاب يعلمون أنها ليست من تخصصك، فلا حرج عليك في تدريسهم. وأما إن كنت لا تجيدها، أو كنت توهمهم أن ذلك من تخصصك، فلا يجوز؛ لما فيه من الغش لهم، والطالب إنما يرغب ابتداء في مدرس مختص، ويتعامل معه بناء على ذلك، فلا بد من إخباره في بحقيقة الأمر، ليكون على بصيرة، وإلا كان ذلك غشا له.
وقد روى مسلم (101) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6612)
هل يعمل طبيبا في الجيش مع إلزامه بحلق لحيته؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب في كلية الطب بمصر هل يجوز أن أدخل الأكاديمية الحربية لأكون طبيبا في الجيش مع العلم بأنه في الجيش المصري يجب حلق اللحية]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
حلق اللحية حرام؛ لما ورد من الأحاديث الصحيحة الصريحة في الأمر بإعفائها وتوفيرها، وانظر شيئا من ذلك في جواب السؤال رقم (1189) .
وعليه فلا يجوز لك العمل في مكان تؤمر فيه بهذه المعصية.
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: أنا في الجيش وأحلق لحيتي دائما , وذلك غصب عني , هل هذا حرام أم لا؟
فأجاب: " لا يجوز حلق اللحية؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بإعفائها وإرخائها في أحاديث صحيحة , وأخبر صلى الله عليه وسلم: أن في إعفائها وإرخائها مخالفة للمجوس والمشركين , وكان عليه الصلاة والسلام كث اللحية , وطاعة الرسول واجبة علينا , والتأسي به في أخلاقه وأفعاله من أفضل الأعمال ; لأن الله سبحانه يقول: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) وقال عز وجل: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) وقال سبحانه: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) .
والتشبه بالكفار من أعظم المنكرات , ومن أسباب الحشر معهم يوم القيامة ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم) فإذا كنت في عمل تُلزم فيه بحلق لحيتك فلا تطعهم في ذلك ; لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) ، فإن ألزموك بحلقها فاترك هذا العمل الذي يجرك لفعل ما يغضب الله , وأسباب الرزق الأخرى كثيرة ميسرة ولله الحمد , ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه.
وفقك الله ويسر أمرك , وثبتنا وإياك على دينه " انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (8/376) .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (12/20) : " س: أفيدوني عن حكم من يعمل بالجيش (إحدى الدول الإسلامية) وهذا مصدر رزقه، وتفرض عليه نظم الجيش وقوانينه أن يحلق لحيته، ويعظم بعضنا بعضا، كما تفعله الأعاجم، وأن نلقي التحية بكيفية ليست بالتي أمرنا بها الله ورسوله، وأن نعظم علم الدولة، ونحكم ونحتكم فيما بيننا بشريعة غير شريعة الله (قوانين عسكرية) . وإذا حاربت دفاعا عن الوطن، ولكن ليس تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، وشاء الله أن أقتل، فما حكمي من القرآن والسنة؟ وهل يمكن أن أحارب بنية مغايرة لنية الجيش الذي أحارب ضمن صفوفه؟ وإذا عملت ما قد سلف دفعا لأذى يمكن أن يلحق بي فهل أأثم بهذا؟ وهل يمكن لمسلم أن يعمل في الجيش بنية تعلم فنون القتال التي لا يمكن أن يتعلمه خارجه في ظروفنا الحالية؟
وأفيدوني عن طاعة الوالدين في هذا الأمر، إذا اختلفت وجهات النظر، في حالة إذا كان الوالدان لا يحتكمان لقرآن ولا لسنة، ولكن لتقاليد مجتمع وما اجتمع عليه الناس، ويعتبران أن الدين ليس سوى صلاة وصيام، وغير هذا فهو تطرف. وفقكم الله إلى ما فيه رضاه، وسدد خطاكم وحفظكم.
ج: أولا: يحرم حلق اللحية، ويجب إعفاؤها.
ثانيا: لا تجوز تحية العلم.
ثالثا: يجب الحكم بشريعة الإسلام، والتحاكم إليها، ولا يجوز للمسلم أن يحيي الزعماء أو الرؤساء تحية الأعاجم؛ لما ورد من النهي عن التشبه بهم، ولما في ذلك من الغلو في تعظيمهم.
رابعا: من قاتل لإعلاء كلمة الله، والذود عن المسلمين، والحفاظ على بلاد المسلمين من العدو، فهو في سبيل الله، وإن قتل فهو شهيد؛ لأن العبرة بالمقاصد والغايات. ويمكن أن تنوي نية مغايرة لنية الجيش؛ كأن تنوي إعلاء كلمة الله بجهادك، وإن كان غيرك ينوي خلاف ذلك، كالجهاد للوطن.
خامسا: طاعة الوالدين واجبة في غير معصية الله، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6613)
حكم العمل في شركة برمجة وفيها قسم آخر يصمم مواقع لترويج الخمر
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل مهندس كومبيوتر في شركة برمجيات أصحابها نصارى وقد بدأت الشركة في مواقع إلكترونية لمحلات ومصانع خمور لكن ليس بها حتى الآن عمل برمجيات بل كلها حتى الآن عمل لمصممي المواقع وليس لمبرمجيها لكن هناك احتمال كبير في تداخل العملين معاً. أنا تركت الشركة لأبعد عن الشبهات ولكن هناك مسلمون في الشركة لا يريدون أن يغادروا الشركة، فما الحكم في هذا الموقف؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كانت أعمال البرمجة مقتصرة على ما هو مباح، ولا علاقة لها بالمواقع المحرمة كمواقع بيع الخمور وتصنيعها، فلا حرج من البقاء في هذا العمل، وهو من باب الإجارة على المباح عند من يقترف الحرام، كالعمل عند المرابي وشارب الخمر ونحوهما، ومعلوم أن الأصل حل هذا التعامل، ما لم يكن فيه إعانة على الحرام. وقد عمل بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لدى اليهود، مع اشتهار أخذهم الربا وأكلهم السحت.
لكن يكره التعامل مع أصحاب الأموال المختلطة، وقد أحسنت في الخروج من هذه الشركة، ونسأل الله تعالى أن يخلف عليك خيرا.
وإذا دمج بين أعمال البرمجة وأعمال التصميم لمواقع الترويج للخمر أو غيرها من المنكرات، تعيّن ترك العمل؛ لأنه لا يجوز مباشرة الحرام أو الإعانة عليه.
وانظر السؤال رقم (31781) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6614)
العمل بالقسم الإسلامي في البنك مع وجود الاختلاط
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت لفترة طويلة أعمل في البنك.....وبمنصب إداري كبير.. ومن الله عليَّ بالهداية وطلبت تحويلي إلى القسم الإسلامي بالبنك.. وخلال الثلاث السنوات الفائتة.. توسع البنك في توظيف النساء بدون ضوابط.. وقد قمت بالإنكار عليهم طوال سنتين وتم اتخاذ بعض الإجراءات الشكلية ... وقد قدمت استقالتي وكتبت فيها السبب وهو التوسع في توظيف النساء بدون ضوابط ... وانتقلت إلى وظيفة في شركة عامة.. بنصف راتبي والحمد لله المهم صدمت بعد سنة أن البيئة التي أعمل بها بيئة سيئة مليئة بالغيبة والنفاق والأحزاب ... كما أن الأعباء المادية أصبحت تؤرقني وقد عرض عليَّ العودة للبنك بنفس المنصب الذي كنت فيه. السؤال: هل أعود؟ مع العلم أن البنك لم يكمل خطة أسلمته بالكامل بل اكتفى بأسلمة إدارة الأفراد فقط. أما الشركات والخزينة مازالت تتعامل بالربا وأيضا توسع البنك في توظيف النساء بالإدارة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
خروجك من البنك لما ذكرت من التوسع في توظيف النساء بدون ضوابط، ورضاك بالعمل بنصف راتبك، دليل خير وفلاح لك، فإن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، ومن اتقى الله تعالى رزقه من حيث لا يحتسب، والدرهم الحلال خير من مائة درهم من الحرام، فإنه لا ينبت جسد من سحت إلا كانت النار أولى به، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
ثانيا:
إذا كان الأمر كما ذكرت من أن البنك لم يكمل خطة أسلمته بالكامل، بل اكتفى بأسلمة إدارة الأفراد فقط أما الشركات والخزينة فمازالت تتعامل بالربا، فإنه لا يجوز لك العمل فيما لم تتم أسلمته، أو فيما يعين على الربا ويدعمه.
وكذلك لا يجوز العمل في مكان تختلط فيه النساء بالرجال؛ لما يترتب على الاختلاط من مفاسد عظيمة، سبق بيانها في السؤال رقم (50398) .
وما ذكرت من أن البيئة التي تعمل بها الآن بيئة سيئة يملؤها الغيبة والنفاق والأحزاب، فهذا مما يمكن التغلب عليه، بإتقان العمل، وبذل النصيحة، ودعوة الناس للخير.
فإن أمكن أن تعمل في البنك بعيدا عن الربا والاختلاط، فلا حرج عليك من العودة إليه، وإلا فاصبر واحتسب، وليعظم رجاؤك فيما عند الله.
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6615)
حكم المشاركة والعمل في دفتر التوفير
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل حاليا في البريد، وبالتحديد في إدارة الحاسب الآلي، حيث يقوم البريد بإعطاء فوائد سنوية على دفاتر التوفير الموجودة لديه على أساس إعطاء أموال المودعين لديه حسب نظام حكومي إلى بنك الاستثمار القومي حيث لا يتعامل البنك إلا مع الحكومة في تمويل مشروعاتها أو إقراض البنوك والهيئات الحكومية ثم يعيد إلينا الأموال محملة بالفوائد التي يقوم هو بتحديدها ونعطي للمودعين على حسب ما يقرر البنك ونحصل على عمولة كهيئة بريد من تلك القصة المهم أن وظيفتي هي إدخال إيصالات الإيداع والسحب الخاصة بأموال العملاء إلى جهاز الحاسب الرئيسي حيث عن طريقه نقوم بإضافة الفوائد من كل عام إلى حسابات العملاء في شهر يوليو بالإضافة إلى استخدامه في الأعمال الإدارية مثل التأكد من حسابات العملاء فهل أعتبر كاتب ربا وهل فوائد البريد حرام أم حلال مع العلم بأننا لا نعطي قروضاً والحمد لله والتوفير هو ما يصرف على الهيئة بنسبه 90% فهل أترك عملي أم أنقل إلى قسم آخر أم ليس علي حرج؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يحرم إيداع الأموال فيما يسمى بدفتر التوفير، وذلك لأمرين:
الأول: أنه عقد يقوم على إضافة نسبة معلومة إلى رأس المال، مع ضمان رأس المال، فحقيقته أنه قرض بفائدة، وقد أجمع العلماء على أن كل قرض جر نفعاً فهو ربا، والمقرض هنا هو العميل، والمقترض هو الهيئة القائمة على هذا الدفتر.
قال ابن قدامة رحمه الله: " وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف. قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المُسلف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية، فأسلف على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلك ربا. وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس وابن مسعود أنهم نهوا عن قرض جر منفعة " المغني (6/436)
الثاني: أن البريد يضع أموال مودعيه في البنوك الربوية، ويأخذ عليها نسبة معلومة، يوزع جزءا منها على المودعين، وهذا عقد ربوي آخر يقوم به البريد.
فالبريد يقترض بالربا في الصورة الأولى، ويقرض بالربا في الصورة الثانية، ولهذا لا يستريب مطلع على هذه المعاملة من الجزم بتحريمها، وتحريم العمل فيها كتابةً أو شهادة أو إعانة بأي صورة من صور الإعانة.
جاء في موسوعة "فتاوى الأزهر" سؤال موجه لشيخ الأزهر السابق جاد الحق على جاد الحق رحمه الله، عن: مسألة الفوائد التي تعطيها أو تدفعها البنوك أو الشركات على المبالغ المدفوعة لديها أو المستثمرة بمعرفتها - هل تلك الفوائد تعد ربا أم لا؟
وجاء في جوابه بعد ذكر النصوص في تحريم الربا: " وبهذه النصوص وغيرها في القرآن والسنة يحرم الربا بكل أنواعه وصوره سواء كان زيادة على أصل الدَّين، أو زيادة في نظير تأجيل الدين وتأخير سداده، أو اشتراط ضمان هذه الزيادة في التعاقد مع ضمان رأس المال.
لما كان ذلك، وكانت الفوائد المسئول عنها التي تقع في عقود الودائع في البنوك، وفى صناديق التوفير في البريد، وفى البنوك، وفى شهادات الاستثمار محددة المقدار بنسبة معينة من رأس المال المودع، وكانت الوديعة على هذا من باب القرض بفائدة، ودخلت في نطاق ربا الفضل أو ربا الزيادة كما يسميه الفقهاء وهو محرم في الإسلام بعموم الآيات في القرآن الكريم وبنص السنة الشريفة وبإجماع المسلمين: لا يجوز لمسلم أن يتعامل بها أو يقتضيها، لأنه مسئول أمام الله عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه كما جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه الترمذي ونصه: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن عمله فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه) والله سبحانه وتعالى أعلم " انتهى.
ثانيا:
العمل في " إدخال إيصالات الإيداع والسحب الخاصة بأموال عملاء دفتر التوفير إلى جهاز الحاسب الرئيسي "، هو من كتابة الربا، وقد روى مسلم (1598) في صحيحه عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ. وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ.
فالواجب عليك التوبة إلى الله تعالى، والمبادرة بترك هذا العمل، والتحول إلى قسم آخر بعيد عن الربا، أو ترك هذا العمل بالكلية، فرارا من الوقوع في هذه الكبيرة العظيمة.
واعلم أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، وأن من اتقاه زاده، وأنعم عليه، ورزقه من حيث لا يحتسب (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق/2-3.
وفقنا والله وإياك لما فيه الخير والهدى والفلاح.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6616)
تشترط عليهم الدولة فتح حساب في بنك وليس عندهم بنك إسلامي
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أؤسس شركة صغيرة , أخدم بها أهلي وأمتي , لكن في بلادنا لابد أن يكون للمؤسِّس لشركة ما "حساب بنكي" , مع العلم أنه لا يوجد بنك بدون ربا، فما العمل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الربا من أكبر الكبائر، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، وجاء فيه من الوعيد، ما لم يأت في غيره من المعاصي.
ووضع الأموال في البنوك بفوائد هو الربا الذي حرمه الله ورسوله.
ولكن إذا اضطر المسلم إلى وضع أمواله في البنوك الربوية لعدم وجود بنك إسلامي، أو لأن الشركة التي يعمل بها تلزمه بذلك لتحول له الراتب على حسابه بالبنك، أو لأن الحكومة تلزمه بذلك، أو نحو ذلك من الأعذار، فلا حرج عليه في ذلك إن شاء الله، ولكن بشرط ألا يأخذ فوائد على هذه الأموال الموضوعة في البنك.
فإن كان نظام البنك لا يسمح بذلك، بل لا بد أن يعطيه فوائد، فيلزمه إذا أخذها أن يتخلص منها، وينفقها في وجوه الخير المختلفة.
وهذه فتاوى أهل العلم في هذه المسألة:
1- قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
"يحرُم الإيداع في البنوك الربوية إلا عند الضرورة وبدون فائدة" انتهى.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (13 / 384) .
وقالوا أيضاً:
"الفوائد الربوية من الأموال المحرمة، قال تعالى: (وأحل الله البيع وحرم الربا) ، وعلى من وقع تحت يده شيء منها التخلص منها بإنفاقها فيما ينفع المسلمين، ومن ذلك: إنشاء الطرق , وبناء المدارس , وإعطاؤها الفقراء " انتهى.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (13 / 354) .
2- وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
"أما كونه يحفظ ماله في البنك للضرورة، لعدم وجود مكان يحفظه فيه، أو لأسباب أخرى وبدون ربا، أو يحوله بواسطة البنك: فلا بأس بذلك إن شاء الله، ولا حرج فيه" انتهى.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (7 / 290) .
3- وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
"يوجد بعض الجهات من شركات وغير شركات تلزم الموظفين أن يفتحوا حساباً في أي بنك من البنوك من أجل أن تحيل الرواتب إلى هذا البنك , فإذا كان لا يمكن للإنسان أن يستلم راتبه إلا عن هذا الطريق: فلا بأس , يفتح حساباً، لكن لا يدخل حساباً من عنده , يعني: لا يدخل دراهم من عنده , أما كونه يتلقى الراتب من هذا: فلا بأس" انتهى.
" لقاءات الباب المفتوح " (111 / السؤال رقم 10) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6617)
لا يجوز أخذ الأجرة على قراءة القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أقرأ القرآن بأجرة على أرواح الأموات، فهل يحل لي هذا المال وأن أذهب به لأداء فريضة الحج؟ مع أنه لا يوجد لديَّ نقود إلا ما أخذته مقابل قراءة القرآن.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" تلاوة القرآن من أفضل الأعمال قال الله سبحانه وتعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ) فاطر / 29. وقال صلى الله عليه وسلم: (من قرأ حرفًا من كتاب الله فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول الم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف) رواه الترمذي (2910) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
فتلاوة القرآن عمل صالح وعبادة عظيمة، مع التدبر والتفكر بآياته، والعمل بما فيه من الأحكام، وأخذ الأجرة على تلاوة القرآن لا تجوز، لأن تلاوة القرآن قربة وعبادة، وأخذ الأجرة على القرب والعبادات لا يجوز، وقراءة القرآن على أرواح الأموات بدعة لا دليل عليها، فلا يجوز أن تتخذ قراءة القرآن حرفة يتكسب بها؛ لأنه إذا قرأ القرآن لأجل الأجرة فإنه ليس له أجر عند الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: (مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ. أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) هود / 15، 16؛ والذي يريد عمل الدنيا بعمل الآخرة، ويريد الدنيا بالعبادة عليه وعيد عظيم وعمله باطل، فلا يجوز للسائل الاستمرار على مثل هذا، ويجب عليه التوبة إلى الله سبحانه وتعالى مما حصل، ولا يجوز له أن يحج من هذا المال الذي جمعه من هذا الكسب.
ومع الأسف قد اتخذت تلاوة القرآن حرفة ليتكسب بها كثير من المقرئين في عصرنا الحاضر، يقرءونه في المآتم، ويقرءونه على القبور، ويقرءونه على الأموات، نظير أجور يتقاضونها أو مطامع يحصلون عليها، وهذا عمل باطل، ومكسب لا يحل، فقراءة القرآن للأموات في مقابل أجرة.
أولاً: لا دليل عليها حتى ولو كان بدون أجرة.
وثانيًا: أخذ الأجرة على ذلك أخذ لا يجوز، وأكل للمال بالباطل.
والذي ننصح به إخواننا المسلمين وحملة القرآن أن يبتعدوا عن مثل هذه الأمور، وأن يطلبوا الرزق من الوجوه المباحة والمكاسب الطيبة، وأن يتخذوا كتاب الله دليلاً لهم ويتلونه بنية خالصة لله سبحانه وتعالى، لا يريدون من ذلك طمعًا من مطامع الدنيا. والله الموفق ".
" المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان " (3 / 90)
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6618)
عمل المرأة طبيبة في مكان مختلط
[السُّؤَالُ]
ـ[أود معرفة ما إذا كان يجوز للمرأة ممارسة الطب في هذا البلد أي كندا، لأنه ليس هناك مكان منفصل للنساء في هذا المجتمع، أم أنه من الأفضل لها أن تقيم بالمنزل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للمرأة أن تعمل في مكان مختلط، لما يترتب على الاختلاط من مفاسد ومحاذير، وقد سبق بيان ذلك في الجواب رقم (1200) ورقم (60221)
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (15/71) : " يجوز للمرأة العمل في تطبيب النساء، ولا يجوز لها الاختلاط بالرجال في مكان العمل " انتهى.
فإن أمكنها تجنب الاختلاط المحرم بالرجال أثناء العمل، ويكون لها مكانها الخاص بها، فلا حرج عليها إن شاء الله تعالى.
ولها أن تعمل طبيبة في عيادة خاصة، أو في مستشفى لا اختلاط فيه، أو في مركز إسلامي تعالج فيه أخواتها المسلمات، فإن لم تجد ذلك، فلتتق الله تعالى، ولتقبل على طاعتها وعبادتها وتربية أبنائها والقرار في بيتها، فذلك خير لها.
ومن اتقى الله تعالى رزقه من حيث لا يحتسب، ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه.
نسأل الله لك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6619)
حكم العمل في مصنع لتصنيع أجهزة الصرافة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم العمل في مصنع لتصنيع الصرافات علماً أننا لا نعلم هل يشتريها بنك ربوي أو غير ربوي، وإن كان الأغلب من البنوك في البلاد ربوياً وأنا لا أصنع الآلة لكني أعمل في نفس المصنع؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كانت هذه الآلات تستعمل في العمليات الربوية قرضاً أو إقراضاً، فلا يجوز صناعتها ولا بيعها لمن علم أنه يستعملها في الربا، لقول الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2.
وصنعها للبنك الربوي وبيعها له من التعاون معه على هذه الكبيرة العظيمة، وهي الربا، وقد جاء فيه من الوعيد ما لم يأت في غيره من الذنوب:
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) البقرة/278-279.
وروى مسلم (1598) عن جَابِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ. وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ.
وقال صلى الله عليه وسلم: (درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد عند الله من ستة وثلاثين زنية) رواه أحمد والطبراني، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (3375) .
وأما صنعها للبنوك الإسلامية، أو لبنك ربوي ولكنه لا يستعملها في الأعمال الربوية، بل تستعمل استعمالاً مباحاً، كالسحب من الرصيد أو دفع الفواتير ونحو ذلك، فلا حرج من صنعها وبيعها له، وإن كان البنك ربوياً، فإنه لا حرج من التعامل مع البنك الربوي في الأعمال المباحة كالبيع والشراء، ما دام أن ذلك لا يتعلق بالربا، فقد كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتعامل مع اليهود بيعاً وشراءً، وهم أكلة الربا، وانظر جواب السؤال (39661)
وعند الشك في حال البنك الذي سيشريها فإنه يعمل بغلبة الظن، فإن كان الغالب أنه سيستعملها في الحرام كان صنعها وبيعها حراماً، وإن كان الغالب أن يستعملها في أمور مباحة كان صنعها وبيعها مباحاً
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6620)
تصوير أطفال روضة التحفيظ بالفيديو
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا في روضة ذات أداء مميز في تحفيظ القرآن، والكثير يرغب في نقل الصورة من داخل الروضة ليمكن تطبيقها في أماكن أخرى حيث يصعب حضور الكثير للرؤية المباشرة، فهل أصور بالفيديو الأطفال أم لا؟ علما أني أريد بيان الأفضل والأورع.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في تصوير أطفال الروضة بالفيديو، للوقوف على طريقة تحفيظهم القرآن، لأن التصوير بالفيديو لا يدخل في التصوير المحرم، وينظر جواب السؤال رقم (102262) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6621)
تركت العمل الصيدلي واشتغلت بتعليم القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[تركت عملي كصيدلانية رغم الراتب المغري والمكانة الاجتماعية، هربا من الاحتكاك بالرجال، وتفرغت لطلب العلم الشرعي وتعلم علم القراءات ... وأعمل معلمة قرآن في دار التحفيظ براتب رمزي..أنا سعيدة , لكن كل من حولي يلوموني ويرون أن تصرفي غير عاقل! فما رأي فضيلتكم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الاختلاط بين الرجال والنساء في العمل، له آثاره السيئة، ومفاسده الواضحة، على كلٍّ من الرجل والمرأة، ومن ذلك:
1- حصول النظر المحرم، وقد أمر الله تعالى المؤمنين والمؤمنات بغض البصر، فقال سبحانه: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) النور/30-31.
وفي صحيح مسلم (2159) عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجاءة، فأمرني أن أصرف بصري.
2- قد يحصل فيه اللمس المحرم، ومنه المصافحة باليد، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له) رواه الطبراني من حديث معقل بن يسار، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (5045) .
3- أن الاختلاط قد يوقع في خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية عنه، وهذا محرم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان) رواه الترمذي (2165) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وفي رواية: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس معها ذو محرم منها، فإن ثالثهما الشيطان) رواه أحمد وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في غاية المرام (180) .
4- ومن مفاسده: تعلق قلب الرجل بالمرأة وافتتانه بها، أو العكس، وذلك من جراء الخلطة، وطول المعاشرة.
5- ما يترتب على ذلك من دمار الأسر وخراب البيوت، فكم من رجل أهمل بيته، وضيع أسرته، لانشغال قلبه بزميلته في الدراسة أو العمل، وكم من امرأة ضيعت زوجها وأهملت بيتها، لنفس السبب، بل: كم من حالة طلاق وقعت بسبب العلاقة المحرمة التي أقامها الزوج أو الزوجة، وكان الاختلاط في العمل رائدها وقائدها؟!
ولهذا - وغيره - جاءت الشريعة بتحريم الاختلاط المفضي إلى هذه المفاسد، وقد سبق بيان أدلة تحريم الاختلاط مفصلة في جواب السؤال رقم (1200)
فإذا كنت تركت العمل لمحذور الاختلاط بالرجال، فقد أحسنت، وفعلت ما يجب عليك، ويرجى لك بذلك الأجر والتوفيق والسعادة في الدنيا والآخرة، فإن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه.
وهذا التعويض من الله تعالى، ليس هو التعويض المادي فقط، بل تلك الراحة والاطمئنان والسعادة، والتوفيق إلى الأعمال الصالحة، كل ذلك قد يكون من ذلك التعويض الرباني.
وأما تعلّم القرآن وتعليمه فهو من خير الأعمال وأعظم القربات، لقوله صلى الله عليه وسلم: (خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ) رواه البخاري (5027) وفي رواية له: (إِنَّ أَفْضَلَكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ) .
ونساء المسلمين وفتياتهم بحاجة إلى من يعلمهم القراءة الصحيحة، ويعينهم على حفظ كتاب الله الكريم.
لكن إن احتجت إلى العمل، وأمكن أن تجدي مجالا في تخصصك (الصيدلة) خاليا من الاختلاط فلا حرج عليك في ذلك، وقد تستطيعين مع ذلك تعليم القرآن الكريم أيضا.
والسعادة ليست بالمنصب أو الجاه أو المظهر، ولكنها بالإيمان والتقوى، فحيث كنت قريبة من الله تعالى، راضية بما أعطاك، فلا تلتفتي لما يقوله الآخرون.
نسأل الله تعالى أن يزيدك هدى وتقى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6622)
العمل في جلي كؤوس الخمر ومطعم تشتم فيه الذات الإلهية
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم أنا أقيم في مدينة القدس في فلسطين , وقد عملتُ كعامل نظافة، وجلي للأطباق في مطعم صاحبه يهودي , ولا يخفى على فضيلتكم أنه قلما يوجد مطعم أو متجر عند اليهود يخلو من المسكرات، أو المعجنات، والفطائر المعجونة بالخمر، أو النبيذ، بالإضافة إلى غيره من المشروبات الساخنة والمأكولات العادية، وقد كنت أجتنب حمل هذه المسكرات خلال عملي حيث كان بعض المسلمين العصاة ممن يحملونها أو يشربونها يقومون بذلك , إلا أني كنت أقوم بجلي الكؤوس المستخدمة لشربها - بالطبع فإن الكؤوس لا تكون فارغة بل أقوم بسكب محتواها ثم جليها - كما أقوم بجلي الأدوات وتنظيف الآلات المستخدمة في تحضير تلك الأنواع من المعجنات. فأرجو من فضيلتكم حلماً على تساؤلاتي الآتية، وصدراً رحباً فيما يخص بعض الأمور المتعلقة بهذا الصدد: 1- هل جلي هذه الكؤوس أو الأدوات المستخدمة في تحضير المعجنات الآنف ذكرها جائز أم لا؟ . 2- هل يجوز العمل في أماكن تبيع المسكرات وعدم الإنكار على حاملها من المسلمين العصاة، على العلم أن الساكت عن الحق شيطان أخرس؟ بالإضافة إلى أنه لو لم يقم هذا الشخص العاصي بحملها أو في حال كان الآخرون ملتزمين فاني سأجبر على حملها أو ترك الوظيفة , فما السبيل للخلاص من هذه الحيرة؟ . 3- إن مما ابتليت به المجتمعات الإسلامية في هذا الزمان هو شتم الذات الإلهية والدِّين والرسول - عليه السلام -، وقد كان هؤلاء العصاة وغيرهم من اليهود يكثرون من هذا الفعل المشين أثناء فترة العمل – فلا حول ولا قوة الا بالله -، فهل يجوز لي البقاء في أماكن تواجد هؤلاء زمن الشتم - أي: فترة العمل - أم عليَّ ترك الوظيفة - علما بأنه قلما تجد شباباً ملتزمين في سوق العمل الحر، وكثيراً ما نواجه هذا الفلَتان الديني في شتى الأمكنة، حتى صار لكثير منَّا أمراً طبيعيّاً مستهجنين منكِره عليهم , لا بل والأدهى من ذلك اعتباره عنصريّاً أو متشدِّداً، ويقومون بفصله من العمل -؟ . 4- هل ما تقاضيته من أجر عن هذه الوظيفة هو أجر حلال أم حرام، وإن كان حراماً بالكلية أو الجزئية فماذا عليَّ فعله إذ أني لم أتصرف بهذا المال بعد؟ . 5- فيما يخص الصلاة , لم يكن هناك مكان لأصلي فيه إلا غرفة المخزن الذي يحوي بالطبع على الخمور , فهل كان جائزاً لي إقامة الصلاة في مكان كهذا أم لا , وإن لم يكن جائزاً فماذا ينبغي فعله؟ . أعتذر من فضيلتكم على هذه الإطالة , وأرجو منكم التفصيل الشرعي المثبت بالأدلة النقلية والعقلية في هذه الفتوى؛ لكيلا يبقى عندي أدنى شك أو ريب مما سألتزم به لاحقا , بالإضافة إلى توثيق اسم الجهة أو الشيخ المفتي الذي سيقوم بإصدار الفتوى , وجزاكم الله عني وعنكم خير الجزاء والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
من المحرَّمات القطعية في الإسلام: الخمر والخنزير، وقد ثبت تحريم شرب الخمر وأكل الخنزير بالكتاب والسنَّة والإجماع.
قال تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ... ) المائدة/من الآية 3.
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) المائدة/90.
والعمل في أماكن تبيع هذه المحرمات، أو في مطاعم في تقديمها، أو جلي الأواني والأكواب التي قدمت فيها: لا يحل أيضاً، وهو من المشاركين في الإثم، والمستحقين للعن؛ لأن اللعن ليس لشارب الخمر، بل ولحاملها أيضاً، والعمل في تلك الأماكن من التعاون على الإثم والعدوان، وهو محرَّم، كما قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/من الآية 2.
وهذه بعض الفتاوى في هاتين المسألتين:
1. سئل علماء اللجنة الدائمة:
نحن هنا في هولندا شباب مسلم، متمسك والحمد لله بدينه، ولكن الأعمال المتوافرة هنا كلها في الخمر والمطاعم التي تقدم لحوم الخنزير، إلى جانب اللحوم الأخرى، هل يجوز العمل في غسل الأواني التي يعد فيها لحم الخنزير، كعمل لكسب الرزق؟ أفيدونا أفادكم الله، ووفقنا الله وإياكم، وجزاكم الله خيراً.
فأجابوا:
لا يجوز لك أن تعمل في محلات تبيع الخمور أو تقدمها للشاربين، ولا أن تعمل في المطاعم التي تقدم لحم الخنزير للآكلين، أو تبيعه على من يشتريه، ولو كان مع ذلك لحوم أو أطعمة أخرى، سواء كان عملك في ذلك بيعاً، أو تقديماً لها، أم كان غسلا لأوانيها؛ لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان، وقد نهى الله عن ذلك بقوله: (وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) ، ولا ضرورة تضطرك إلى ذلك، فإن أرض الله واسعة، وبلاد المسلمين كثيرة، والأعمال المباحة فيها شرعا كثيرة أيضاً، فكن مع جماعة المسلمين في بلد يتيسر فيها العمل الجائز، قال الله تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ. وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) ، وقال سبحانه: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) .
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (14 / 414، 415) .
2. وفي جوابٍ آخر لمن يعمل في معمل لبيع لحم الخنزير، قالوا:
إذا كان الأمر كما ذكر: فإنه لا يجوز لك الاستمرار في العمل المذكور؛ لأنه من التعاون على الإثم والعدوان الذي نهى الله عنه بقوله: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) ، ونوصيك بالتماس عمل غير العمل المذكور (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) ، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (14 / 436، 437) .
ثانياً:
وأما ما تقاضيته من مال مقابل تلك الأعمال المحرَّمة: فما كنتَ تصرفتَ به وأنفقتَه: فليس عليك أن تخرج مقابله شيئا، وما كان منه عندك وبين يديك: فأنفقه في وجوه الخير ولا تنتفع به.
سئل علماء اللجنة الدائمة:
هناك رجل قد ذهب إلى إحدى الدول الأوربية، والتحق بعمل في أحد المطاعم التي تقدم لحم الخنزير للنصارى، وهو كان من الذين يقومون بطهي هذا اللحم، وقد حصل من هذا العمل على أموال، فما حكم الدين في هذا العمل؟ وما الحكم في هذه الأموال؟ وكيف يتصرف فيها؟ وإذا أهدى هذا الرجل لرجل آخر جزءً من هذا المال هل له أن يقبله منه أم هو مال حرام، لا يجوز له أن يقبله منه؟ .
فأجابوا:
هذا كسب محرم، يجب عليه أن يتوب إلى الله من العمل الذي كسبه منه، ويقلع عنه، ويندم على ما مضى، ولا يجوز له أن ينتفع بما بقى عنده منه، ولا أن يهديه.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (14 / 413، 414) .
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
ماذا عن الإخوة الذين تواجههم بعض الصعوبات من الأمريكيين أنفسهم ولا يوجد عملٌ إلاَّ عند هؤلاء، محل بيع الخمور، بيع خنزير، ماذا عن ماله الذي يتقاضاه من هذا العمل؟ .
فأجاب:
المال الذي يتقاضاه من هذا العمل حرام؛ لأن الله إذا حرَّم شيئاًَ حرم ثمنه، والواجب على المسلمين أن يتساعدوا فيما بينهم، ويجدوا لهذا الشخص عملاً تقوم به حياته.
" فتاوى المكتب التعاوني / جدة " (السؤال السادس) .
وانظر جواب سؤال رقم (78289) .
ثالثاً:
ولا يحل لك البقاء بين من يشتمون الذات الإلهية مع قدرتك على مفارقتهم، وعملك لو كان مباحاً ليس من الضرورات التي تبيح لك البقاء بينهم، فكيف وهو محرَّم أصلاً؟! .
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله -:
هل يجوز البقاء بين قوم يسبون الله عز وجل؟ .
فأجاب:
لا يجوز البقاء بين قوم يسبون الله عز وجل؛ لقوله تعالى: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً) النساء/140.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (2 / السؤال رقم 238) .
رابعاً:
وصلاتك في المستودع الذي يحتوي على خمور ليس فيها شيء، ولا شك أنه ليس هو المكان المناسب لأداء هذه العبادة العظيمة، ولكن الصلاة لا تبطل بهذا، وليس عليك إعادة ما سبق من الصلوات، وينبغي على المسلم تعظيم شأن الصلاة من حيث الاهتمام بإقامتها في أوقاتها، وأن يكون على أحسن حال، وأجمل ثياب، وأن يكون المكان الذي يصلي فيه نظيفاً طيِّباً، وإنما يكره هذا في حال الاختيار.
قال الإمام البخاري رحمه الله: " بَاب مَنْ صَلَّى وَقُدَّامَهُ تَنُّورٌ أَوْ نَارٌ أَوْ شَيْءٌ مِمَّا يُعْبَدُ فَأَرَادَ بِهِ اللَّهَ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُرِضَتْ عَلَيَّ النَّارُ وَأَنَا أُصَلِّي "
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " لم يفصح المصنف في الترجمة بكراهة ولا غيرها؛ فيحتمل أن يكون مراده التفرقة بين من بقي ذلك بينه وبين قبلته وهو قادر على إزالته، أو انحرافه عنه وبين من لا يقدر على ذلك؛ فلا يكره في حق الثاني، وهو المطابق لحديثي الباب، ويكره في حق الأول، كما سيأتي التصريح بذلك عن ابن عباس في التماثيل، وكما روى ابن أبي شيبة عن بن سيرين أنه كره الصلاة إلى التنور أو إلى بيت نار " انتهى.
"فتح الباري" (1/629) .
ولا شك أن شأن الخمر أخف مما يعبد من دون الله، ثم إن كون المنكر ونحوه في غير جهة القبلة، أخف ـ أيضا ـ من أن يكون في ناحية القبلة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6623)
وزع عليهم المدير مبلغا يخص المكتب وسمح لهم باستعمال سياراتهم الخاصة
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل بوكالة أجنبية بالقاهرة جميع العاملين من المصريين والمدير أجنبي. قام المدير بتوزيع مبلغ خاص بإيجار سيارات لاستعمال المكتب على العاملين على أن يستخدم العاملون سياراتهم الخاصة وتركها لاستعمال المكتب عند الحاجة. وذلك على سبيل المكافأة أو رفع مستوى الدخل, وذلك خارج عن سياسة الشركة الأم بالخارج. فهل هذا المال حلال أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الأمر كما ذكرت من أن المدير فعل ذلك على سبيل المكافأة ورفع مستوى الدخل، فلا حرج في أخذ المال، ولو كان هذا النظام خارجا عن سياسة الشركة الأم؛ لأنه يعود على العمل بالمصلحة والفائدة، والغالب أن المدير لم يفعل ذلك إلا وهو يعلم ولديه صلاحية لاتخاذ مثل هذا القرار.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6624)
هل أخذ الأجرة على تعليم القرآن واللغة العربية يحرم الإنسان من الثواب؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعيش في أوروبية وبدأت إعطاء دروس في اللغة العربية لأبناء الجيران وأتقاضى أجراً على هذا فهل يحتسب من حسناتي رغم أخذي لهذا المال؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في أخذ الأجرة على تعليم اللغة العربية، بل لا حرج في أخذها على تعليم القرآن الكريم، ولا ينافي هذا حصول الإنسان على الثواب، إذا أتقن العمل، ونوى نفع أبناء المسلمين، وربطهم بلغة نبيهم وقرآنهم.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: ما حكم أخذ الأجرة على تحفيظ القرآن الكريم للأطفال الصغار؟ وإذا أفتيتم بالجواز فهل للمعلم ثواب عند الله بعد أخذه للأجرة الشهرية؟
فأجابوا: " تعلم القرآن الكريم وتعليمه من أفضل القرب إلى الله جل وعلا، إذا صلحت النية، وقد حث النبي -صلى الله عليه وسلم- على تعلم القرآن وتعليمه بقوله: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) . وأخذ معلمي القرآن الأجرة على تعليمه لا ينافي حصول الثواب والأجر من الله جل وعلا إذا خلصت النية. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى
"فتاوى اللجنة الدائمة" (15/99)
عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... عبد العزيز آل الشيخ ... عبد الله بن غديان ... صالح الفوزان ... بكر أبو زيد "
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6625)
خروج المدرس من المدرسة بعد انتهاء الحصص
[السُّؤَالُ]
ـ[أدرس في الكلية مساء في منطقة بعيدة عن سكني وفي الصباح أعمل مدرسا في مدرسة إعدادية.... طلبت من مدير المدرسة أن يساعدني في عملي ويجعل حصصي في ثلاثة أيام في الأسبوع فقيل لي لا يجوز لك ذلك شرعا؟ بل يجب عليك الحضور يوميا إلى المدرسة من بداية الدوام الساعة الثامنة صباحا والبقاء في المدرسة إلى نهاية الدوام الساعة الواحدة والنصف مساء حتى بعد أن تعطي الحصص المخصصة لك يجب عليك البقاء في المدرسة لأن المقابل الذي تأخذه على عملك هو من بداية الدوام إلى نهايته وإلا أصبح المرتب ليس من حقك أن تأخذه كاملا!؟ ... المدرسون عندنا كلهم لا يذهبون إلى المدرسة يوميا وحتى وإن ذهبوا لا يبقون في المدرسة إلى نهاية الدوام لأنهم بعد إعطاء حصصهم تنتهي مهمتهم.... فأرجو منكم أن توضح لنا الأمر.. هل يجب على المدرس الذهاب يوميا إلى المدرسة والبقاء فيها من بداية الدوام إلى نهايته أم عليه أن يذهب في الأيام التي عنده فيها حصص فقط ... ]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
المدرس ملزم بأداء عمله المتفق عليه، وهو عدد الحصص، والأنشطة التي يكلّف بها، فإذا وَفَّى بذلك فلا حرج عليه في الخروج من المدرسة عند فراغه منها، أو فيما بينها إذا وجد وقتاً، بشرط أن لا يؤثر ذلك على أدائه للدرس، وألا يفوت على الطلاب شيئا من وقت الدرس.
وقد سئل الشيخ ابن جبرين حفظه الله: ما حكم خروج المدرس من دائرة عمله أحيانًا أو دائمًا أثناء العمل بدون إذن المدير، ثم يعود قبل بدء الحصة، وأحيانًا يمضي من الحصة جزء يسير من الزمن قبل وصوله للفصل، وقد يفوته زمن الحصة كله أو نصفه؟
فأجاب: " معلوم أن عمل المدرس محدد، فله أول وآخر يبدأ وينتهي بالدقيقة، فغيابه في وقت العمل يفوت على الطلاب بعض الدرس، فلا يجوز له ذلك، فإن كان هناك عذر ضروري فلا بد من إذن المدير أو إنابة أحد زملائه ليقوم بالدرس بدله، فأما خروجه في وقت فراغه فلا حرج عليه في ذلك إذا تحقق أنه سوف يحضر قبل بدء الدرس الذي له، وقد يقع أن بعض المدرسين تكون حصصه متفرقة، كالأولى ثم الثالثة ثم الخامسة ونحو ذلك، فله الخروج في حصة الفراغ لقضاء شغل أو شراء حاجة أو زيارة أهله، إذا أمن فوات بعض من درسه الذي يلزمه، وقد يعفى عن زمن يسير يفوته من أول الدرس، كدقائق قليلة لا يفوت بها على الطلاب شيء من المسائل المقررة في المناهج، والله أعلم "
انتهى نقلا عن موقع الشيخ حفظه الله على الإنترنت.
وسئل أيضا حفظه الله: عندما يُخِلُّ المدرس بعمله؛ كأن يأتي متأخرًا أحيانًا أو غالبًا، ويخرج لحاجة أو لغير حاجة خارج المدرسة، أو يتأخر عن الحصة، أو لا يعطي الدرس حقه، أو يضيعه بطريقة أو أخرى، فهل الراتب الذي يتقاضاه نهاية كل شهر يستحقه كاملا، أم أنه آثم ولا يستحق الراتب كاملا؟
فأجاب: " أرى أنه - والحالة هذه - لا يستحقه كاملا، فعليه أن يتصدق منه بما يشك فيه، وهو ما يقابل ذلك الوقت الذي أضاعه أو فرط فيه؛ فإن المدرس عمله محدد بالدقيقة، حيث إن الفصل مليء بالطلاب الذين تواجدوا لأجل تلقي ذلك الدرس من أوله إلى آخره، فمتى تأخر عن الحضور فإنه سيفقد، ويطلب الطلاب غيره من يشغل لهم ذلك الدرس، فيكون بتأخره قد أضاع عليهم وقتًا وزمانًا لم يستفيدوا فيه شيئًا، وهو يأخذ على ذلك عوضًا.
وهكذا من خرج لحاجة أو لغير حاجة فإنه قد فرط في الزمن المطلوب منه شغله في الدرس، الذي هو مثلا ساعة أو ساعة إلا ربعًا، فإنه مطالب بهذا الزمن كله، ويأثم إذا أضاع منه شيئًا في المدرسة أو خارجها، وكذا إذا تأخر عن دخول الفصل بعد الإعلان عنه، ويأثم إذا شغل الدرس بما لا صلة له بالموضوع كالحكايات الأجنبية عن الدرس والأخبار الحالية ونحوها.
فننصح المدرس عن الإهمال ونوصيه بالإخلاص وحفظ الزمان على الطلاب، حتى يحل له ما أخذه من الأجر مقابل العمل " انتهى.
ثانيا:
لا يجوز للمدير أن يحابي أحد المدرسين، لقرابة أو منفعة، ويلزمه أن يسوي بينهم في الحصص، حسب تخصصهم وحاجة المدرسة إليهم. وله أن يتجاوز عن خرج المدرس في وقت فراغه من الحصص، وأن يأذن له بذلك، شفاهة أو كتابة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6626)
هل يفتح محلا لتصليح الأجهزة المرئية والمسموعة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب متخرج من المعهد المهني تخصص الإلكترونيات. سؤالي: هل يجوز أن أفتح محلا لتصليح الإلكترونيات، أجهزة سمعية ومرئية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه الأجهزة المسموعة والمرئية، تستعمل استعمالا مباحا، كما تستعمل استعمالا محرما، كمشاهدة صور النساء الكاسيات العاريات، أو استماع المعازف وغير ذلك.
ولهذا لا يجوز تصليحها لمن عُلم أو غلب على الظن أنه ممن يستعملها في الحرام، لقوله تعالى: (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2.
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: أنا أعمل مهندس إلكترونيات، ومن عملي: إصلاح الراديو والتليفون والفيديو ومثل هذه الأجهزة، فأرجو إفتائي عن الاستمرار في هذه الأعمال، مع العلم أن ترك هذا العمل يفقدني كثيرا من الخبرة ومن مهنتي التي تعلمتها طوال حياتي، وقد يقع علي ضرر خلال تركها.
فأجابت: " دلت الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة أنه يجب على المسلم أن يحرص على طيب كسبه، فينبغي لك أن تبحث عن عمل يكون الكسب فيه طيبا. وأما الكسب من العمل الذي ذكرته فهذا ليس بطيب؛ لأن هذه الآلات تستعمل غالبا في أمور محرمة " انتهى
"فتاوى اللجنة الدائمة" (14/420) .
وعلى هذا فإن كنت ستختار من تصلح لهم أجهزتهم، بحيث لا يكون في ذلك إعانة لهم على شيء محرم فلا حرج عليك. أما إن كنت ستصلح الأجهزة لكل من يأتي إليك فلا يجوز ذلك لأن الغالب أن الناس يستعملون هذه الأجهزة في الحرام.
فينبغي أن تبحث عن عمل آخر تسلم فيه من الوقوع في الحرام أو الشبهة، ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، والرزق مكتوب مقسوم، فلا يحملنك استبطاؤه أن تطلبه بمعصية الله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها، وتستوعب رزقها، فاتقوا الله، وأجملوا في الطلب، ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته) رواه أبو نعيم في الحلية، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (2085)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6627)
هل يجوز له غسل سيارته بالماء المخصص للزرع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل في قطاع حكومي، والدولة تدفع قيمة مياه سقيا الزرع، ويوجد عمال في نفس الشركة يقومون بغسيل سيارات الموظفين من هذه المياه وبمبلغ 50 ريال للعامل في الشهر، السؤال هو: هل يلحقني شيء إذا قمت بغسيل سيارتي بهذه الطريقة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الموظف مؤتمن على ما تحت يده من أموال وآلات ونحو ذلك فيجب عليه المحافظة عليه، ولا يجوز له استعماله في غير ما خصِّص له.
وهذه المياه مدفوعة الثمن من الدولة إنما دفعت أثمانها من أجل الزرع، فأي استعمال آخر غير هذا: فهو من أكل أموال الدولة بالباطل.
وعليه: فلا يحل لكم هذا الفعل، ويجب الكف عنه فوراً، وحساب قيمة المياه المصروفة على غسيل سياراتكم سابقاً ودفعها للدائرة التي تعملون فيها، فإن لم يتيسر لكم ذلك: فاشتروا بذلك المال مياهاً تسقون بها الزرع، فإن لم يمكن فإنكم تتصدقون بهذا المال في مصلحة عامة للمسلمين كبناء مسجد أو مستشفى عامة أو تعبيد طريق ونحو ذلك، وما دفعتموه للعمال في غسيل سياراتكم لا يخصم من قيمة المياه التي يجب عليكم دفعها للدائرة؛ لأنهم أخذوا هذا المال مقابل عملهم، وإن كان لا يجوز لهم ذلك العمل.
وهذه بعض فتاوى العلماء في استعمال أدوات الوظيفة استعمالاً شخصيّاً:
1. قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
لا يجوز استعمال السيارات الحكومية المخصصة للدوائر في أغراض الشخص الخاصة، وإنما تستعمل فيما خصصت له من العمل الحكومي؛ لأن استعمالها في غير ما خصصت له: استعمال بغير حق ".
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (23 / 432، 433) .
2. وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
ما حكم استعمال بعض الأغراض الحكومية الصغيرة بالمكتب استعمالاً شخصياً، كالقلم، والظرف، والمسطرة، ونحو ذلك للموظف، جزاكم الله خيراً؟ .
فأجاب:
" استعمال الأدوات الحكومية التي تكون في المكاتب لأعمال خاصة: حرام؛ لأن ذلك مخالف للأمانة التي أوجب الله المحافظة عليها، إلا بالشيء الذي لا يضر، كاستعمال المسطرة فهو لا يؤثر ولا يضر، أما استعمال القلم والأوراق وآلة التصوير: فإن استعمالها للأغراض الخاصة وهي حكومية لا يجوز " انتهى.
" فتاوى إسلامية " (4 / 306) .
3. وقال الشيخ رحمه الله – أيضاً:
" استعمال السيارات الحكومية في الدوام الرسمي أو خارج الدوام الرسمي: إذا لم يكن لمصلحة العمل: فإنه لا يجوز؛ لأن هذه السيارات للدولة، ولشغل الدولة، فلا يجوز لأحد استعمالها في شغله الخاص، والمشكل أن بعض الناس يتهاون في أموال الدولة مدعيّاً أن له حقّاً في بيت المال، ونقول: إذا كان لك حقٌ في بيت المال: فكلُّ فردٍ من الناس له حقٌّ في بيت المال أيضاً، فلماذا تخص به نفسك، وتستعمله لنفسك، أليس لو جاء أحد من الناس الذي قد يكونون أحق من هذا الرجل وأراد أن يستعمل هذه السيارة في أغراضه الخاصة يمنع، فكذلك هذا الرجل، وإذا كان الإنسان محتاجاً للسيارة: فليشتر سيارة من ماله الخاص " انتهى.
" لقاءات الباب المفتوح " (9 / السؤال رقم 3) .
وانظر جواب السؤال رقم (47067) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6628)
سمح لهم المدير باحتساب نصف اليوم دواما كاملا مضاعفا
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا موظف اشتغل في إحدى الشركات الخاصة وفي أيام العيد المبارك تكون هناك إجازة اختيارية تعود للموظف إذا أراد الدوام في وقت العيد ويحسب له وقت إضافي في العمل أو أنه يعطل لمدة 5 أيام كإجازة رسمية، فاخترت الدوام وفي أول يوم من الدوام قال لي مديري المباشر: سوف نقوم بتقسيم الأشخاص إلى قسمين ناس تحضر أول الدوام وتطلع في منتصفه، وناس تحضر نص الدوام وتداوم إلى نهاية الوقت أي أصبح وقت دوامنا بدل 8 ساعات أصبحنا نداوم 4ساعات وذلك لعدم وجود شغل لدينا أو شغل خفيف أو أن الموجودين سيتكفلون بإنهاء الشغل لحين مجيئنا ولكننا في الأصل يحسب لنا دوام 8 ساعات ونحن لا نداوم إلا 4 ساعات وجميع الموظفين بالشركة قاموا بذلك بعد استشارة المدير المباشر والأعلى منه فوافق على ذلك فما الحكم في ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان ما ذكرت قد حصل بموافقة المدير المباشر ومن فوقه، بسبب عدم وجود أعمال تستوجب الدوام الكامل، وكان لهما الصلاحية في تحديد وقت العمل، فلا حرج في ذلك.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن رجل استأذن من مسئوله المباشر في الغياب من العمل وأذن له، فما حكم راتبه؟
فأجاب:
"إذا استأذنت منه (أي المسئول المباشر عندك) وأنت تعلم أن العمل يحتاج إلى وجودك فلا تقبل منه الإذن، يجب عليك أن تحضر ولو أذن لك بالغياب، وأما إذا كان العمل لا يحتاج إليك وأذن لك صاحبه المباشر، فأرجو ألا يكون في ذلك بأس " انتهى.
الباب المفتوح" (14/السؤال 17) .
وبنحو ذلك أجاب الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله، وقد ذكرنا فتواه في جواب السؤال رقم (85055) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6629)
حكم العمل في بنك الراجحي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم العمل في بنك الراجحي الإسلامي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز العمل في كل بنك إسلامي، تنضبط معاملاته بالشرع، وقد سئل الدكتور محمد بن سعود العصيمي حفظه الله: ما هي البنوك التي يجوز العمل بها؟
فأجاب: " يجوز العمل في البنك الإسلامي الذي يعمل حسب القواعد التي وضعتها له الهيئة الشرعية، مثل بنك الراجحي وبنك البلاد.
ويجوز للموظف أن يعمل في ذلك البنك حتى لو خالف العمل ما يرى أنه الصواب إن كان العمل مجازا من الهيئة الشرعية للبنك.
ويجوز العمل في البنوك الآخذة بالتحول إلى بنك إسلامي مثل الجزيرة والأهلي ولكن بشرط التقيد بقرارات الهيئة الشرعية في البنك. أما العمل في بنك ربوي فلا يجوز حتى لو كان العمل في مجال مباح. والله أعلم.
وسئل أيضا: عرض علي العمل في مصرف الراجحي في قسم تكنولوجيا المعلومات بمنصب تقني وإداري. هل ترون في العمل بمصرف الراجحي بهذا المنصب أية شبهة شرعية؟
فأجاب: " لا بأس بذلك، وعليك بقراءة قرارات الهيئة الشرعية، وتثقيف نفسك بها، ومن حولك، والالتزام بهذه القرارات. وفقك الله " انتهى، نقلا عن موقعه: الربح الحلال.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6630)
يطلب منه شطب العيوب التي أظهرها جهاز الاختبار حتى لا يراها الزبون
[السُّؤَالُ]
ـ[بعد سنوات من البحث وجدت أخيرا عملاً في شركة بالقطاع الخاص لكن مشكلتي هو أنه ومن بين الأعمال المكتبية المكلف بها يطلب مني القيام بتحضير بيانات وطبعها حتى ترفق مع الملف التقني النهائي , ولعلمكم فإن هذه البيانات تصدر أوتوماتكيا من جهاز الاختبار بعد توصيله مع الأعمال المنجزة في الورش , وما يقلقني هو أنه يطلب مني معالجة تلك البيانات على الحاسوب وشطب كل العيوب التي أظهرها جهاز الاختبار في البيان التقني , مع أنه من المفروض في حالة تواجد عيوب أن يقوم العمال بالعودة عند الزبون وإصلاحها, لكن الزبون لما يرى البيان الصادر من جهاز الاختبار خاليا من العيوب فإنه يقوم بدفع الفاتورة , لأن هذا البيان له مصداقية كبيرة ويصعب تزويره إلا على برامج متطورة على الحاسوب, فأرجوكم أن تدلوني على الحل وأخرجوني من دوامة تأنيب الضمير.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التصرف في البيانات على النحو الذي ذكرت، غش وخداع لا يجوز، ويترتب عليه أكل أموال الناس بالباطل.
وكل من شارك في هذا الغش فهو آثم.
والواجب أن يبين للمشتري ما في الأعمال المنجزة من عيب، فإن رضي به فذاك، وإلا أصلحه العمال كما ذكرت.
روى مسلم (101) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (من غشنا فليس منا) .
وروى البخاري (2079) ومسلم (1532) عن حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا) .
واعلم أن الرزق أمر كتبه الله تعالى وقدره، قبل أن يخلق السموات والأرض، فلا يحملنك استبطاء الرزق أن تطلبه بمعصية الله.
قال صلى الله عليه وسلم: (إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها، وتستوعب رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله، فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته) رواه أبو نعيم في الحلية، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (2085) .
فالواجب عليك أن تنصح القائمين على الشركة، وأن تبين لهم حرمة الغش وعاقبته في الدنيا بمحق البركة، وفي الآخرة بالعذاب، جزاء الظلم وأكل المال بالباطل، فإن استجابوا لك فالحمد لله، وإن لم يستجيبوا، فاطلب الانتقال إلى عمل لا يلحقك فيه إثم ولا ذنب، وإلا فابحث عن مكان آخر، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق/2، 3
نسأل الله تعالى أن يوسع عليك في رزقك، وأن يبارك لك في مالك، وأن يغنيك بالحلال عن الحرام.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6631)
استعمال الكمبيوتر أثناء الدوام لأغراض شخصية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طبيب اختصاصي أعمل صباحا في مستشفى حكومي جامعي ولدي بعض أوقات الفراغ خلال الدوام هل أستطيع خلال هذه الأوقات الاستفادة من جهاز الحاسوب الموجود في المستشفى من أجل تحضير المحاضرات وبعض البحوث العلمية، أم يعتبر ذلك استخداما لأغراض شخصية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان هذا في وقت فراغك، ولا يسبب لك إرهاقا يؤثر على عملك، ولا تستهلك به شيئا من المال العام، كالورق ونحوه، فلا حرج فيه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6632)
العمل في محل إنترنت يُسمح به بالأفلام والأغاني
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل في محل إنترنت وغير مسموح فتح المواقع الجنسية ولكن ممسوح بالأغاني والأفلام العادية فهل العمل فيه حرام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
استماع الأغاني والمعازف، ومشاهدة الأفلام التي يختلط فيها النساء والرجال، وتكشف فيها العورات، ويصحبها استعمال آلات اللهو، كل ذلك من المحرمات، ولا يجوز لصاحب المحل أو من يعمل فيه أن يمكّن أحدا من ذلك، ولا أن يعين عليه، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (47396) .
وعليه فإن استطعت منع مشاهدة الأفلام واستماع الأغاني، فلا حرج عليك في هذا العمل، وإلا فاتركه ابتغاء مرضاة ربك، وحذرا من إقرار المنكر والسكوت عليه، وذلك موجب لغضب الله تعالى وسخطه، كما قال سبحانه: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) المائدة/78، 79
نسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد والرشاد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6633)
هل تأخذ راتبها من غير أن تعمل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أم ... عملتُ مدرِّسة بإحدى المدارس القريبة من بيتنا، ثم صدر قرار بتعييني بمدرسة أخرى بعيدة، وبها اختلاط، وهي بعيدة عن بيتي، فرفضت الذهاب، وأصبح مرتبي مستمرّاً لم ينقطع، ما حكم المبلغ الموجود بالمصرف؟ هل أستطيع أعطيه لزوجي - مع العلم أنه موقوف عن العمل لأسباب أمنية؛ لأن أخاه ينتمي لحزب إسلامي - مع العلم أننا - ولله الحمد - في أمسِّ الحاجة، وهذا المال لا يُرد للدولة كما هو معروف بل للمصرفيين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نشكر لك غيرتك على محارم الله تعالى، ونسأل الله تعالى أن يُكثر في المسلمات من أمثالك، وأن يأجرك أجراً جزيلاً على امتناعك من العمل في مدرسة مختلطة؛ لما في العمل فيها من تعدٍّ على الشرع، ووقوع في المعاصي والآثام.
وأما بخصوص الراتب الذي نزل في حسابك دون أن تباشري العمل: فاعلمي أنه على وجهين:
إما أن يكون ذلك بعلمهم ومعرفتهم حتى يُسوَّى الأمر، أو يكون ذلك بغير علمهم ولا درايتهم، فإن كان الحال هو الأول: فالمال الذي يأتيك حلال، لا إشكال في جوازه، وإن كان الحال هو الثاني: فلا يحل لكِ أخذه، لا لنفسك، ولا لزوجك، بل يجب عليك ردُّه إلى الجهة نفسها التي حوَّلته لك.
واعلمي أن بينك وبين الدولة التي عيَّنتكِ في هذه الوظيفة عقد عمل، وهو ما يوجب عليك الالتزام به بما لا يخالف شرع الله تعالى، ومن مقتضى العقود المعروفة أنه يأخذ العامل راتباً مقابل عمله، فإن استنكف عن العمل أو امتنع فإنه يتوقف راتبه، إلا أن يكون السبب هو فعلٌ من الدائرة أو الوزارة أو صاحب العمل، ويمكن أن يكون في بنود العقود ما يبين أن الراتب يبقى مستمراً في حساب الموظف إلى أن يُسوَّى الأمر، فإن كان الأمر كذلك: فالراتب من حقك، ولا حرج في أخذه.
وقد يكون في بنود العقد الذي بينك وبين الدولة – مثلاً – ما يقتضي منك الالتزام بالمكان الذي يرونه مناسباً لتعملي فيه، وأنه في حال امتناعك عن العمل فإنك لا تستحقين الراتب، فإن كان الحال كذلك: فلا يحل لك ذلك الراتب، وأنتِ مخيَّرة بين محاولة البقاء في مكانٍ شرعي للتدريس أو الخروج من الوظيفة.
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله -:
النظام الذي هو الدوام الرسمي للدولة تجد البعض يأتي متأخراً نصف ساعة، أو يخرج من الدوام أيضا نصف ساعة، وأحيانا يتأخر ساعة أو أكثر، فما الحكم؟ .
فأجاب:
الظاهر أن هذا لا يحتاج إلى جواب؛ لأن العِوض يجب أن يكون في مقابل المعوَّض، فكما أن الموظف لا يرضى أن تنقص الدولة من راتبه شيئاً: فكذلك يجب أن ألا يُنقص من حق الدولة شيئاً، فلا يجوز للإنسان أن يتأخر عن الدوام الرسمي، ولا أن يتقدم قبل انتهائه.
قال السائل:
ولكن البعض يتحجج أنه ما فيه عمل أصلا لأن العمل قليل؟ .
قال الشيخ:
المهم أنت مربوط بزمن لا بعمل، يعني قيل لك: هذا الراتب على أن تحضر من كذا إلى كذا، سواء فيه عمل أم لم يكن فيه عمل، فما دامت المكافأة مربوطة بزمن: فلا بد أن تستوفي هذا الزمن، يعني: أن يوفي هذا الزمن، وإلا كان أكلُنا لِما لم نحضر فيه باطلاً.
" الباب المفتوح " (9 / السؤال 3) .
وسئل الشيخ – أيضاً -:
أنا موظف حكومي، ويتطلب العمل مني أحياناً عملاً إضافيّاً , وقد قامت الدائرة التي أعمل فيها بتعميدي أنا وبعض وزملائي في العمل خارج وقت الدوام الرسمي ولمدة (45) يوماً , وقد كنت حريصاً على أن أحضر مع زملائي في العمل , ولكنهم لم يُعلموني بذلك , ولما سألت أحدهم قال لي: لم يأت دورك بعد , حتى انتهت المدة المحددة , وصرف المبلغ لذلك العمل لي ولزملائي , وإنني في حيرة من أمري في هذا المبلغ أهو حلال أم حرام , علماً أن رئيسي في العمل المباشر ورئيس الدائرة راضون عني في العمل , حيث إنني في نظرهم موظف نشيط، وقد يكون هذا المبلغ مكافأة لي على حرصي، وعلى حسن عملي , حيث إن راتبي قليل , وإذا لم يكن هذا المبلغ حلالاً فماذا أعمل به؟ .
فأجاب:
هذا السؤال يقع كثيراً , وأنا أسألكم الآن: هل هذا حق أو باطل؟ بمعنى: هل هذه المكافأة التي حصلت للإنسان على عمل معين هل قام بهذا العمل أم لا؟ لم يقم بالعمل , إذا لم يقم بالعمل صار أخذ المال بغير حق , وأخذ المال بغير حق هو أكل المال بالباطل تماماً , مع ما في ذلك من خيانة للأمانة , حتى ولو وافق الرئيس المباشر على مثل هذا العمل فهو خائن , والمال ليس ماله - أعني: الرئيس المباشر - حتى يتصرف به كيف يشاء , المال مال الدولة، وهذا الرجل السائل أعتقد أنه قد تاب مما صنع , ... .
" الباب المفتوح " (114 / السؤال 15) .
وسئل الشيخ – رحمه الله – أيضاً -:
كنتُ موظفاً في إمارة إحدى القرى التي تبعد عن منزلي نحو (75 كم) ، طريق صحراوي وعر، وعندما كنت أتردد لحقتني مشقة، فقلت لأمير المنطقة: ائذن لي أن أداوم يومين في الأسبوع، فكان يأذن لي في بعض الأيام، وبعضها لا يأذن لي، ومضى على ذلك عامان، فما حكم الأيام التي كنت أتغيب فيها من غير إذن من أمير المنطقة؟ .
فأجاب:
الأيام التي تتغيب فيها عن عملك بدون إذن: لا يحل لك أن تأخذ ما يقابلها من الراتب؛ لأن الراتب في مقابلة عمل، فإذا أتممت العمل استحققت لراتب كاملاً، وإن نقصت لم تستحقه كاملاً، وإذا كنت الآن أخذت الراتب كاملاً بدون خصم: فالواجب عليك أن ترده إلى من أخذته منه إن أمكن، وإن كنت تخشى من المسئولية والتعب: فتصدق به تخلصاً منه، أو أدخله في عمارة مسجد، في إصلاح طريق لتسلم من إثمه.
السائل:
واستأذنت من نفس المسئول، فما الحكم؟ .
الشيخ:
إذا استأذنت منه، أي: المسئول المباشر عندك وأنت تعلم أن العمل يحتاج إلى وجودك: فلا تقبل منه الإذن، يجب أن تحضر، ولو أذن لك بالغياب، وأما إذا كان العمل لا يحتاج، وأذن لك صاحبه المباشر: فأرجو ألا يكون في ذلك بأس.
" الباب المفتوح " (14 / السؤال 17) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6634)
وفَّر على الحكومة مبالغ مالية فهل يأخذ مكافأة دون علمهم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا موظف لدى إحدى الجهات الحكومية في بلدي، وقد قمت بعمل وفَّر على الدولة أموالاً كثيرة، فقال لي المدير: " إني لا أستطيع مكافأتك مكافأة جيدة؛ لأن الإدارة في بلدنا لاتكافئ مكافآت جيدة للموظفين "، وفي هذه الحالة جهدي وحقي يضيع، فاقترح عليَّ المدير أن أجلب فاتورة من إحدى الجهات الخاصة من أحد معارفي، ونكتب العمل باسمها، يعني: كأنما العمل تمَّ من خلالها، وبنصف القيمة الحقيقة التي قدر بها العمل، وعند استلام المال آخذ نصيبي من المال، وكذلك تأخذ الجهة الخاصة جزءً، والباقي يفرَّق على احتياجات الإدارة، هل هذا المال حلال أو حرام؟ ولماذا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا العمل الذي أشار المدير به محرَّم، وهذا المال الذي ستحصل عليه بهذا الفعل حرام، ولا يحل لك ولا للإدارة أخذه من الدولة بتلك الطريقة المبنية على الكذب والتزوير.
والموظفون الحكوميون وغير الحكوميين يجب عليهم أداء وظيفتهم على أكمل وجه، ويجب عليهم الحرص على جلب النفع ودفع الضر عن أماكن عملهم، وهم يأخذون رواتب على أعمالهم الوظيفية مقابل بذل الجهد المتعلق بوظائفهم.
ومَن أحسن في عمله، ووفَّر على مكان عمله أموالاً، أو كان سبباً في ربحهم أموالاً وفيرة: فلا يحل له أن يأخذ من مكان عمله أكثر من راتبه، ويمكنه تقديم تقرير لإدارته يطلعهم فيه على ما فعله، فإن أقروا له بمكافأة جاز له أخذها، وإلا فلا يجوز له أخذ مال منهم دون علمهم، فإن فعل كان مكتسباً بطريق محرَّم.
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
"الإخلاص في العمل الوظيفي أو المستأجر عليه هو: أداؤه على الوجه المطلوب، والمتفق عليه في العقد، أو النظام الوظيفي، وهو من الأمانة التي يجب أداؤها، كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) النساء/58" انتهى.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (15 / 155، 156) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6635)
حكم التصرف في العينات بعد اختبارها
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجتي تعمل في أحد مخازن المشتقات النفطية، فعند ورود الواردات النفطية يجب عليهم فحصها، فيأخذون منها عينات بقدر لتر ونصف تقريباً، علماً أن الكمية الواردة تأتي بسيارات النقل البري - الصهاريج -، فهل يجوز لي أن آخذ من تلك النماذج بعد فحصها، علماً أن لدي سيارة، أي: أضعها فيها، علماً أن تلك النماذج لا ترد بعد فحصها إلى مكانها الأصلي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كانت العينات تعاد بعد فحصها إلى أصحابها، فهي حق لهم، لا يجوز لأحد أن يأخذ منها شيئاًَ إلا بإذنهم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ) رواه أحمد (20172) وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (7662) .
أما إذا كانت هذه العينات لا ترجع إلى أصحابها برغبتهم، فإنه يُرجع في أمرها لهم، فإن جعلوها مباحة التصرف لمن أخذها: فجائز للموظفين أخذها والتصرف بها.
ويجوز لهم أخذها – كذلك – بل يجب – إن كانوا مأمورين بإتلافها؛ لأن الشرع نهى عن إضاعة المال، وأمَرَ بشكر النعَم، وإتلافُها مخالف لهذين الأمريْن.
والذي يظهر - والله أعلم - أن أصحاب هذه العينات لا يطالبون بها ويعتبرون أنها خرجت من ملكهم، فإن كان الأمر كذلك، فلا حرج على من أخذ منها شيئا، وتكون بمنزلة المال الذي تركه صاحبه رغبة عنه ولا يريده، فإنه يملكه من أخذه كما قال العلماء.
وانظر: "المغني" (5/347) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6636)
أتى بشهادة مزورة ليحصل على ترقية وزيادة راتب
[السُّؤَالُ]
ـ[أخي قام بتزوير شهادة دراسية لكي يترقى لرتبة جديدة وعند تقديم الشهادة تمت ترقيته فهل ما يأخذه من راتب يعتبر حراماً وماذا يجب عليه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما قام به أخوك من تزوير الشهادة ليترقى بها في العمل، أمر محرم، لاشتماله على الكذب والتزوير وأخذ ما لا يحق له من الراتب.
وما بني على هذا الباطل فهو باطل، فلا يحل له أخذ هذه الزيادة التي تعطى له بعد الترقية المبنية على التزوير.
والواجب عليه أن يتوب إلى الله تعالى، وأن يعود لمرتبته الأولى، أو يخرج من العمل، ويسعى لتحصيل شهادة حقيقية تؤهله للمرتبة التي يريد.
وراجع السؤال رقم (6418) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6637)
اختيار صاحب العمل سكرتيرة للعمل
[السُّؤَالُ]
ـ[ي: هل يجوز عمل المرأة كسكرتيرة في إحدى شركات الخدمات، علماً بأن الشركة عبارة عن مكتب مكون من غرفتين واستقبال، وأصحاب الشركة هم من ذوي الأخلاق والدين، وحجتهم في اختيار الفتاة للعمل أنه هكذا جرت عليه العادة في بلدنا، بالإضافة إلى أنها أقدر في أمور السكرتارية وأعمال الكمبيوتر!! هل في ذلك إثم على أصحاب الشركة، وهل يجوز العمل مع الالتزام بالحشمة والدين؟ وهل يجوز لهم إحضار عاملة في الشركة للتنظيف وخلافه؟ أرجو التوضيح مع الأدلة: هل هناك فرق بين الخلوة والاختلاط؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا يجوز للمرأة أن تعمل في مكان تختلط فيه مع الرجال، لما يترتب على ذلك من مفاسد ومحاذير، كالخلوة والنظر والمصافحة وتعلق القلب بأصحاب العمل أو زملائها فيه، وغير ذلك مما هو معلوم، ولا يكاد يسلم العمل المختلط من هذه المحاذير أو بعضها.
وقد سبق بيان أدلة تحريم الاختلاط في الجواب رقم (1200)
ثانيا:
لا يجوز لصاحب العمل أن يوظف امرأة تعمل بين الرجال، سواء كانت في السكرتارية أو في النظافة أو غير ذلك؛ لما فيه من الإعانة على الاختلاط المحرم.
وكون العادة في بلد السائل جرت على هذا، لا يعتبر مسوغا له من جهة الشرع، بل الواجب إخضاع العوائد لأحكام الشرع، وضبطها على وَفقه.
والادعاء بأن المرأة أقدر على أمور السكرتارية وأعمال الكمبيوتر، ليس صحيحا، ففي الرجال من يحسن ذلك أيضا، والأمر راجع إلى حسن الاختيار، والرجل أحق وأولى بالعمل لأنه الذي يقوم على الأسرة، ويرعاها، وهو المطالب بالنفقة شرعا. والمرأة إن تيسر لها عمل مباح خال من المحاذير فذاك، وإلا فبيتها خير لها.
ثالثا:
الخلوة بين الرجل والمرأة محرمة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (أَلَا لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ) رواه الترمذي (2165) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ وَلَا تُسَافِرَنَّ امْرَأَةٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا وَخَرَجَتْ امْرَأَتِي حَاجَّةً قَالَ اذْهَبْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ) رواه البخاري (3006) ومسلم (1341) .
وضابط الخلوة هو اجتماعهما في مكان يأمنان فيه من اطلاع الغير عليهما.
وأما الاختلاط: فقد يكون بلا خلوة، كاجتماع عدد من الرجال بعدد من الإناث، والمحرم منه ما ترتب عليه شيء من المحاذير السابقة، كالنظر واللمس والخضوع بالقول، وتعلق القلب، وهذا – كما سبق- لا يكاد يسلم منه عمل مختلط؛ لأن كثرة اللقاء وطول الجلوس، يسقطان الكلفة، ويوجبان التوسع في المعاملة، خاصة في ضيق المكان، محدود الأشخاص، كالحالة التي ورد السؤال عنها، فهنا تكون فرصة التعارف والتعلق أقوى وأقوى!!
وقد يسلم الاختلاط من الخلوة، لكنه لا يمنع المواعدة عليها، وعلى ما هو أعظم منها.
ومن تأمل أدلة تحريم الاختلاط - وهي في الجواب المحال عليه - علم حكمة الشرع في سد هذا الباب، وأن الأمر مبني على معرفة طبيعة الجنسين، وما ينشأ عن تقاربهما وتجاورهما، وحرص الشريعة على صيانة كل منهما.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (12/156) : " الاختلاط بين الرجال والنساء في المدارس أو غيرها من المنكرات العظيمة، والمفاسد الكبيرة في الدين والدنيا، فلا يجوز للمرأة أن تدرس أو تعمل في مكان مختلط بالرجال والنساء، ولا يجوز لوليها أن يأذن لها بذلك ".
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6638)
هل يشاهد البرامج التي تقدمها مذيعة سافرة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[في بعض البرامج التعليمية أو الأخبار يكون المقدم لها امرأة سافرة، هل يأثم الرجال في مشاهدة هذه البرامج - خاصة وأن المواضيع التي يتحدثون عنها ليست حراماً -؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يجب على المرأة المسلمة أن تغطي بدنها كله عن الرجال الأجانب، ولا يحل لها من باب أولى إبداء زينتها كالشَّعر والصدر والذراعين.
وفي جواب السؤال رقم (11774) تجد حكم تغطية وجه المرأة بالأدلة التفصيلية.
وفي آخر ذلك الجواب ذكرنا مفاسد إظهار الوجه للأجانب، ومنها: فتنتها بنفسها وبجمالها، وزوال الحياء عنها، وافتتان الرجال بها.
فإذا كان هذا هو حكم من أظهرت وجهها، وهذه بعض آثار ظهوره أمام الأجانب: فماذا سيكون حكم إظهار الصدر والشعر معه؟! وما هي الآثار التي ستترتب على ذلك؟! .
ونأسف للحال التي قبلت المرأة لنفسها أن تصبح عليه من كونها سلعة رخيصة يتاجِر بها المرضى من أهل الشر والفساد، فهل يمكن أن تُختار امرأة للعمل مذيعة في فضائية وليست جميلة؟! إنه المقياس الأول الذي يُبحث عنه؛ ليُمتَّع المشاهد بالنظر إليها والتغزل بها، فكيف رضيت المرأة لنفسها أن تكون محط أنظار الملايين يتأملون بها، ويغازلونها، وهل ستكون في نظرهم تلك المرأة الشريفة المحافظة على عفافها وحيائها وهم يرونها تتزين للمشاهدين ما لا تتزينه لزوجها؟! .
ثانياً:
وأما نظر الرجل إلى وجه الأجنبية وصدرها وشعرها: فلا يجوز أن يشك في تحريمه.
قال النووي رحمه الله:
"ويحرُم نظر رجل بالغ إلى عورة حرة كبيرة أجنبية، وكذا وجهها وكفها، عند خوف الفتنة، وكذا عند الأمن على الصحيح" انتهى.
قال ابن شهاب الدين الرملي رحمه الله شارحاً كلام النووي:
"ووجهه الإمام – أي: الجويني - باتفاق المسلمين على منع النساء أن يخرجن سافرات الوجوه، وبأن النظر مظنة الفتنة، ومحرك للشهوة".
" نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج " (6 / 187، 188) .
وقال الدكتور محمد إسماعيل المقدَّم:
أجْمَع العُلماء جميعًا - ومِنهم عُلماء المذاهِب الأربَعَة - على وجوب تَغطيةِ المرأةِ جَميعَ بَدَنِها عَن الأجانب، سواء مَن يَرىَ مِنهم أنَّ الوَجْه والكَفَين عورَةٌ ومَن يَرىَ أنَّهما غَيرُ عورَةٍ، لَكِنَّه يوجِبُ تَغطيتَهما في هذا الزمان؛ لفساد أكثر النَّاس؛ ورِقَة دينِهم؛ وعَدَمِ تورُّعِهم عَن النَّظَرِ المُحَرَّم إلى وَجْه المرأة الذي هو مَجْمَعُ المحاسِن، ومِعيار الجَمال، ومِصباح البَدَن.
" عودة الحِجاب " (ص 432) بتصرف.
وفي " الموسوعة الفقهية " (26 / 269) .
" إذا كانت المرأة أجنبيّةً حرّةً: فلا يجوز النّظر إليها بشهوة مطلقاً، أو مع خوف الفتنة، بلا خلاف بين الفقهاء" انتهى
وفي (26 / 270) :
" هذا، وقد اتّفق الفقهاء على أنّ النّظر إلى المرأة بشهوة حرام، سواء أكانت محرماً أم أجنبيّةً عدا زوجته ومن تحلّ له.
وكذا يحرم نظر الأجنبيّة إلى الأجنبيّ إذا كان بشهوة" انتهى.
والنظرة للأجنبية المعفو عنها في الشرع: هي النظرة التي تكون من غير قصد، وإذا حصلت تلك النظرة فإنه يجب على الناظر صرف بصره، ولا يجوز له استدامة النظر، وكلام العلماء في هذا المنع إنما هو في النظر إلى وجهها، وأما النظر إلى صدرها وشعرها – كما تُخرجه المذيعات – فلا يَشك أحد في تحريمه، ولا ينبغي أن يُختلف في هذا.
قال تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) النور/30.
وعموم غض البصر المأمور به المسلم في هذه الآية يشمل العورة التي لا يحل إظهارها إلا لزوجها، والأعضاء التي لا تُظهرها إلا للنساء والمحارم، والوجه المختلف فيه بين العلماء.
قال ابن كثير رحمه الله:
"هذا أمرٌ مِن الله تعالى لعباده المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم عما حرَّم عليهم، فلا ينظروا إلا إلى ما أباح لهم النظر إليه، وأن يغضوا أبصارهم عن المحارم، فإن اتفق أن وقع البصر على مُحرَّم من غير قصد: فليصرف بصره عنه سريعاً ... .
ولما كان النظر داعية إلى فساد القلب، كما قال بعض السلف: " النظر سهام سم إلى القلب "؛ ولذلك أمر الله بحفظ الفروج كما أمر بحفظ الأبصار التي هي بواعث إلى ذلك، فقال: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) " انتهى.
" تفسير ابن كثير " (6 / 41، 42) باختصار.
وعن جرير بن عبد الله قال: (سألت النبي صلى الله عليه وسلم عَنْ نَظَر الفَجْأةِ؟ فَأَمَرَنِي صلى الله عليه وسلم أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِي) رواه مسلم (2159) .
وعن بريدة بن الحصيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي: (يَا عَليّ، لاَ تُتْبِع النَّظْرَةَ النَّظْرَة، فَإِنَّ لكَ الأُولَى، وَلَيْسَت لكَ الآخِرَة) .
رواه الترمذي (2777) وأبو داود (2149) ، وحسَّنه الألباني في " صحيح الترمذي ".
قال ابن القيم رحمه الله:
ونظرة الفجأة هي النظرة الأولى التي تقع بغير قصد من الناظر، فما لم يتعمده القلب لا يعاق عليه، فإذا نظر الثانية تعمّداً: أثم، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم عند نظرة الفجأة أن يصرف بصره، ولا يستديم النظر؛ فإن استدامته كتكريره.
" روضة المحبين " (ص 96) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
إذا رأى الرجل المرأة وهي سافرة: فإن عليه أن يغض بصره، ويصرفه عنها، فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة فقال: (اصرف بصرك) و (إن لك الأولى وليست لك الأخرى) ، والمعنى: أنه لا حرج عليه في الأولى التي نظرها صدفة، ولم يقصدها لما صادفها من باب خارجة ونحوه وهو داخل، أو في طريق، فإنه يصرف بصره ولا يتبع النظرة نظرة أخرى، بل عليه أن يغض بصره.
" فتاوى ابن باز " (22 / 208) .
وقد سبق في إجابة السؤال رقم (22917) : فوائد غض البصر، فلينظر.
والخلاصة:
1. يجب على المرأة المسلمة أن تستر جميع بدنها، وأن الصحيح أنه يجب عليها ستر وجهها وكفيها.
2. لا يحل لها – من باب أولى – أن تُظهر للأجانب ما تظهره للنساء ولأقاربها المحارم.
3. يحرم على المرأة العمل مذيعة في تلفاز أو فضائية لما يستلزمه هذا العمل من إظهار وجهها وشعرها. ... وغير ذلك في الغالب، واستدامة نظر المشاهدين لها المنافي للأمر بغض البصر.
4. وأولى بالتحريم من خرجت أمام الناس كاشفة شعرها وصدرها وذراعيها، ولا تخلو هذه المرأة – عادة – من ارتكاب محرمات أخرى كالنمص، واستعمال أدوات التجميل والعطور أمام الرجال الأجانب عنها.
5. لا يجوز للرجل الأجنبي النظر إلى المذيعة، وليس له إلا النظرة الأولى، والتي تكون من غير قصد.
6. لا فرق بين ظهور المذيعة في نشرة الأخبار وبرامج تعليمية، وبين ظهورها في أفلام ومسلسلات من حيث النظر.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6639)
هل يجلس مع زملائه في العمل وهم يشربون الخمر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا المسلم الوحيد في الشركة التي اعمل فيها، ويتطلب عملي أن أكون في رحلات عمل أو مناسبات مع زملاء في العمل وأحياناً يشربون الخمر وأنا موجود، هل أكون مذنباً بالبقاء معهم حتى وأنا لا أشرب ولا أفعل أي شيء يتعارض مع ديني؟ إذا لم أشارك في هذه المناسبات فربما يؤثر هذا على بقائي في العمل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فضَّل الله تعالى هذه الأمة على غيرها لأمور وعلى رأسها: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال الله تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) آل عمران / 110.
والواجب عليك – وأنت المسلم الوحيد في الشركة كما تقول – أن تعتز بشعائر دينك، وأن تحرص على تطبيقها، وأن لا ترتكب ما نُهيتَ عنه، وهذا مما يزيدك رفعة وشرفاً ويعظم من أجرك، فالبقاء معهم ولو لم تباشر شرب الخمر هو بحد ذاته معصية، والله تعالى أمرنا بعدم الجلوس في أماكن المنكرات، وإلا كان علينا مثل ما على من باشر المنكرات بنفسه.
قال الله تعالى: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ) النساء / 140.
وقال: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) الأنعام / 68.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " مَن رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان " رواه مسلم (70) .
وإنكار القلب هو ما يصيبه من هم وغم وحزن على وجود المنكر، وهذا فرض عين على جميع الناس في جميع الظروف والأحوال لا يعذرون بتركه؛ لأن القلب لا سلطان لأحدٍ عليه، والبقاء في مجلس المنكر يتنافى مع هذا الإنكار.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
إذ المؤمن عليه أن يتقى الله في عباده وليس عليه هداهم، وهذا معنى قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} ، والاهتداء إنما يتم بأداء الواجب فإذا قام المسلم بما يجب عليه من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر كما قام بغيره من الواجبات: لم يضره ضلال الضلال، وذلك يكون تارة بالقلب، وتارة باللسان، وتارة باليد، فأما القلب: فيجب بكل حال إذ لا ضرر في فعله، ومن لم يفعله فليس هو بمؤمن كما قال النبي: " وذلك أدنى - أو أضعف – الإيمان ".
" مجموع الفتاوى " (28 / 127) .
هذا، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم المسلمَ عن الجلوس على مائدة يُشرب فيها الخمر.
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر: فلا يقعد على مائدة يشرب عليها الخمر ".
رواه أحمد (126) ، وقد صححه العلامة الألباني في " إرواء الغليل " (7 / 6) .
وانظر جواب السؤال (8957) و (6992) .
وأخيراً نذكرك بقول الله تعالى: {ومن يتق الله يجعل له مخرجاً. ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدراً} الطلاق / 2، 3.
فاترك هذه المنكرات، وتلك الرحلات والجلسات، واحتسب ذلك عند ربك تبارك وتعالى فإن أدى هذا إلى فصلك من عملك فأجرك عند الله عظيم وستجد الخير والفرج والرزق بإذنه تعالى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6640)
هل يأخذ الراتب الذي تدفعه له الشركة دون أن يعمل عندها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[في الإجازة الصيفية يذهب كثير من الشباب إلى مكتب العمل للتوظف في الصيف فقط خاصة من كان يشكو من الفراغ أو يريد خبرة في الوظيفة أو لتحصيل المال وهو أغلب وأكبر الأسباب، وإذا ذهب الشاب إلى مكتب العمل يوجهونه إلى مؤسسة أو شركة معينة توظفه في الصيف، وإذا ذهب إلى المؤسسة فإما أن يوظفوه أو يقولوا له: تعال آخر الشهر ونحن نعطيك الراتب بدون أن يشتغل عندهم، حتى لو طلب منهم أن يعمل أي شيء فإنهم لا يوظفونه، ويعطونه الراتب خوفاً من مكتب العمل. فما حكم أخذ هذا الراتب؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي يظهر أن الأموال المأخوذة من تلك المؤسسات والشركات حرام؛ لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) النساء/29. ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه) رواه أحمد (20172) وصححه الألباني في " إرواء الغليل " (1459) .
وسبب ذلك أن هذا الراتب دُفع إليكم بالإكراه، وليس هناك مؤسسة تجارية قصدها الربح تعطي رواتب لموظفين لا يعملون عندها، وقد ذَكَرَ السائل في سؤاله أنهم يفعلون ذلك خوفاً من مكتب العمل، فتبيَّن أنهم يدفعونها خوفاً من العقوبة والغرامة، فيكون ذلك نوعاً من أكل أموال الناس بالباطل.
وعليه: فلا يجوز لكم أخذ هذا الراتب، ويجب عليكم إرجاع المال إليهم، ونسأل الله تعالى أن يوفقكم لما فيه الخير، وأن ييسر لكم الخير حيث كان، وإننا لنشكر حرصكم على السؤال عن حكم هذا المال، وهي علامة خير فيكم، ونسأله تعالى أن يعوضكم خيراً.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6641)
الوظائف في القطاعات الخاصة والحكومية
[السُّؤَالُ]
ـ[الحصول على وظيفة إسلامية يكون صعبا أحيانا. هل بالضرورة أن يكون العمل لدى مؤسسة حكومية خطأ؟ أنا أظن أن هذا أفضل من الدخول في أكثر الأعمال التجارية، على الأقل يبقى هذا العمل الحكومي أفضل من العمل في أمور تدور حول المعاملات الربوية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد يكون ما ذكرتِه صحيحا من أنّ الأمور الربوية تنتاب القطاع التّجاري الخاصّ أكثر من القطاع الحكومي، ولكن لا أظنّ أنّه يمكن وضع قاعدة في هذا الشّأن، ولذلك نقول إنّه يجوز للمسلم أنْ يعمل في أيّ قطاع ما دام العمل حلالا، ولا يجوز له أن يعمل في وظيفة محرّمة في أيّ قطاع كانت.
(.. وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3) سورة الطلاق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/6642)
تنجز عملها المسائي قبل نهاية الوقت فهل لها أن تسجل الوقت كاملا
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل مشرفة تربوية أي أقوم بزيارات ميدانية على المدارس وكلفت بالعمل المسائي مقابل ربع الراتب على أن أقوم بزيارة المدارس المسائية ومتابعة المعلمات وما إلى ذلك بحدود 39ساعة في الشهر ولدي سائق خاص من قبل الوزارة يمنح ربع الراتب أيضا. المشكلة أنني أحيانا كثيرة أستطيع أن أنجز عملي في أقل من 39ساعة أي 30 ساعة أحيانا هل لي الحق في استلام ربع الراتب كاملا أنا وسائقي؟ إذا كانت الإجابة بلا فما ذنب السائق؟ هل يخصم منه أيضا؟ ما حكم ما استلمته من رواتب عن عمل يقل عن 39 ساعة؟ علما بأن هنالك من يذهب من الزميلات ويقضي الوقت أحيانا في كلام لا يخدم العمل لمجرد احتساب وقت ليس إلا، علما بأنني أم وورائي مسؤوليات أخرى، وأنا لا أحرص على كتابة الوقت كاملا إلا لأن السائق راتبه قليل جدا، وإذا خصم منه لم يتبق له شيءٌ أرجو الرد وعدم إهمال سؤالي للأهمية، وجزاكم الله عنا خير الجزاء.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما دام الاتفاق قائما على عملك ساعاتٍ محددة، وأنت مطالبة بتسجيل هذا الوقت وتدوينه، فيلزمك الوفاء بذلك، أو تسجيل الزمن الحقيقي الذي عملتيه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (المسلمون على شروطهم) رواه الترمذي (1352) وأبو داود (3594) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وما ذكرتيه من الأعذار: ككون السائق محتاجاً إلى المال، أو أنك تقومين بالعمل المطلوب منك كاملاً في وقت أقل، أو أن غيرك من المعلمات يضيعن الوقت فيما لا يفيد العمل، أو أنك أم وعندك مسئوليات....
كل ذلك لا يبيح الكذب ولا خيانة الأمانة، وأنت مؤتمنة على العمل ساعات محددة، ومؤتمنة على تسجيل ذلك.
وأمامك أحد أمرين:
الأول: أن تخبري الإدارة بحقيقة الأمر، وأنك تنجزين الأعمال المطلوبة منك في أقل من الزمن المحدد، ثم تعملين بعد ذلك بما يتم الاتفاق عليه.
الثاني: أن تكتبي الساعات التي تعمليها فعلاً ـ من غير زيادة ـ حتى لا تأخذي من الأموال ما لا تستحقينه.
وأما الرواتب التي استلمتيها من قبل، فعليك إرجاعها إلى الإدارة إن أمكن، فإن لم يمكن فإنك تخصمينها من رواتبك المستقبلية.
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6643)
حكم الإخراج السينمائي
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أود أن أصبح مخرجاً سينمائيّاً، فهل هذا يتعارض مع الشريعة الاسلامية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إن معرفة واقع السينما اليوم يسهِّل علينا تعريفك بحكم التأليف والإنتاج والتمثيل والإخراج السينمائي، فهو واقع مزرٍ، ولا يكاد يخلو فيلم سينمائي – عربي أو أجنبي – من نشر للفاحشة والرذيلة والجريمة، فالأفلام مليئة بمشاهد الحب والعري، وشرب الخمور، ومصادقة الأجنبيات وتقبيلهن والزنا بهن، مع ما فيها من نشر جرائم الاغتصاب والسرقة والقتل، وهو ما أثَّر في نفوس المشاهدين من الرجال والنساء والأطفال، وقد ذكر أهل الاختصاص في تقاريرهم ما ينبئ عن خطر هذه الأفلام السينمائية على الخلق والدين والمجتمع والأسرة.
ولذا كانت المساهمة في ظهور هذه الأفلام مشاركة في الإثم والعدوان، ولا يشك أحد له اطلاع على واقع هذه السينما في تحريم إنتاجها وتمثيلها وإخراجها.
وقد حاول بعض المفتين المعاصرين أن يضع ضوابط للسينما! لكنها أشبه ما تكون بالخيال، وهي بعيدة كل البعد عن الواقع العملي.
فقال صاحب كتاب " الحلال والحرام في الإسلام " – في ذِكر ضوابط السينما -:
1. أن تنزه موضوعاتها التي تعرض فيها عن المجون والفسق وكل ما ينافي عقائد الإسلام وشرائعه وآدابه.
2. أن لا تشغل عن واجب ديني أو دنيوي كالصلوات الخمس.
3. أن يتجنب مرتادها الملاصقة والاختلاط المثيرين بين الرجال والنساء الأجنبيات عنهم منعاً للفتنة ودرأ للشبهة. انتهى.
وقد ردَّ عليه كثيرون، ومنهم الشيخ صالح الفوزان حفظه الله فقال:
"والجواب عن ذلك من وجهين:
الوجه الأول: أن نقول: بعيد كل البعد أو قد يكون مستحيلاً في السينما أن تتوفر هذه الشروط التي ذكرها المؤلف وخلوها من هذه المحاذير لأنها لو خلت من هذه الأشياء وتمحضت للتوجيه النافع - على حد زعم المؤلف - لم يحصل الإقبال عليها من الناس ولم يكثر مرتادوها - ومهمة القائمين عليها استجلاب الناس إليها بشتى الوسائل ليحصلوا منهم على الكسب المادي لأنها أداة كسب في الغالب.
الوجه الثاني: لو فرضنا خلوها من هذه المحاذير - فإنها لا تخلو من عرض الصور المتحركة ومشاهدتها - ولا شك أن التصوير لذوات الأرواح واستعمال الصور المحرمة محرم، وقد امتنع النبي صلى الله عليه وسلم من دخول الكعبة حتى محى ما فيها من الصور وامتنع صلى الله عليه وسلم من دخول بيت عائشة رضي الله عنه من أجل نمرقة فيها تصاوير، وامتنع من دخول بيت علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما رأى فيه تصاوير، فدل ذلك على أنه لا يجوز مشاهدة الصور في البيت ولا في السينما ولا في غيرها ولا دخول مكان تعرض فيه.
وكشاهد على ما ذكرنا من أنه لا يمكن خلو السينما من المحاذير والشرور وأنها أداة شر: ننقل لك جملة من أقوال من عرفوا تلك الأضرار في السينما فحذروا منها:
قال في كتاب " النهضة الإصلاحية " صحيفة (357) وهو يعدد جملة من المنكرات قال: ومنها: وقوع نظر النساء على الصور المتحركة - السينما - ذلك أن تلك الشاشة البيضاء كما يسمونها لا تخلو أبدا من مناظر فاجرة تمثل الفسق والغرام والهيام المفرط الذي جاوز الحد، ومعروف أن النفوس مجبولة على التقليد، ولها من الإحساس ما يتحرك ويهيج إذا رأى المحرم المهيج، وأي مهيج أقوى وأشد من هاتيك المناظر المتعمدة المقصودة للتهييج، وكيف لا تسارع المرأة ناقصة العقل والدين كل المسارعة إلى تقليد ما ترى على الشاشة البيضاء من ترام في الأحضان وتضام وعناق وتقبيل وما يتلو ذلك.
إن من لا يقول إن المرأة تتأثر بهذه المناظر تأثراً خطراً يكون مريض العقل فاقد الإحساس عادم التقدير، لا أتردد أنا في ذلك، ولقد هيئت الفرص أن أتكلم في هذه النقطة مع سيدات ممن تعوَّدن الذهاب إلى حيث الصور المتحركة، فلم يترددن في موافقتي على أن تلك المناظر تؤثر عليهن كل التأثير، ولقد أخبرتني سيدة رأت في تلك الشاشة صورة حرب فيها كر وفر وتصادم وهجوم وطعن وضرب وإطلاق نيران وما إلى ذلك من فنون الحروب المهلكة تقول لي - وزوجها الذي يرغمها إلى الذهاب إلى تلك المناظر يسمع-: إني لم أقم من ذلك المكان بعد رؤية هاتيك الصور إلا وكلي رعب وفزع لا يتصل مني عضو بالآخر من شدة ما نزل من التأثر، وهي تريد أن تقول لي بتلك الحكاية: إن كل منظر مؤذ يؤثر في موضوعه فإذا كان على الشاشة صور غرامية أثرت في النفوس للحد الذي يفهمه من يعرف قوة الطبيعة الحيوانية في الإنسان. ا. هـ.
وجاء في " مجلة الأزهر " (26 - 442) ما نصه: (وبحْث مشكلة السينما في مصر متشعب النواحي فقد تبحث باعتبارها فنّاً من الفنون، أو صناعة من الصناعات، أو أداة ووسيلة حيوية لتوجيه الشعب وتثقيفه وإرشاده، وهي الناحية التي سنعرض لها هنا لنتبين إلى أي مدى استطاعت السينما أن تحقق هذه الوظائف القومية في المجتمع المصري، وإن من يتابع الأفلام المصرية ويشاهد منها الكثير والكثير - وهي وفيرة العدد - لَيخرج بحقيقة واحدة لا يستطيع عنها حوَلاً، وإن أكثر من المشاهدة والتدقيق وتعب في الفحص والاختبار، هذه الحقيقة الوحيدة هي: أن هذه الأفلام قد فشلت فشلاً ذريعاً في تقيق الأهداف المذكورة، وعجزت عجزاً تامّاً عن أداء الوظائف الحيوية في خدمة الإرشاد العام في المجتمع المصري، مؤثرة عناصر التجارة على عنصر التوجيه، ومطرحة لعنصر الفن، وضاربة الصفح إلا عن ابتزاز الأموال. ا. هـ.
وجاء في صحيفة (517) من المجلد (26) من تلك المجلة أيضا: (يندر أن يجد المدمن على مشاهدة الأفلام فيلما يخلو من قبلات، حتى لقد أصبحت من لوازم هذه الأفلام! إذا جلست في دار الخيالة تشاهد واحداً منها فلا بد أن تكون موطِّناً نفسك على أن تشهد منها الكثير والكثير بمناسبة وبغير مناسبة، بل إن الكثير من المراهقين والشبان والفتيات ليدخلون دور الخيالة ليشهدوا هذه الطبعات التي يحلمون بها ويشتاقون إلى ذوق أمثالها، وهنا بيت الداء ومبعث انتشاره. ا. هـ.
هذه شهادات ممن خبروا أضرار السينما وواقعها وما تجر على مشاهدها من أضرار وخسارة في الأخلاق والسلوك وأنها لا يمكن بحال خلوها من تلك المفاسد وأن القائمين عليها لا ينظرون في صالح الناس، وإنما ينظرون إلى ما يمكنهم من ابتزاز الأموال.
وبالجملة فلا خير فيها بوجه من الوجوه وإن زعم من زعم أنها أداة إصلاح وتوجيه.
خاتمة:
وأخيراً نقول: ليت فضيلة المؤلف التزم ما قرره في أول كتابه من قواعد كقوله: (ما أدى إلى الحرام فهو حرام) (اتقاء الشبهات خشية الوقوع في الحرام) (النية الحسنة لا تبرر الحرام) ليته التزم مقتضى هذه القواعد فأخلى كتابه من هذه الفتاوى التي خالف فيها الصواب، وقلد في غالبها الأقوال الشاذة التي لا تستند إلى دليل، ليته جعل كتابه مشتملاً على ما هو مفيد ونافع.
قال الأستاذ عبد الحميد طهماز في رده على المؤلف: ليت المؤلف وقف عند المبدأ الذي قرره في أول الكتاب أن الحلال ما أحله الله تعالى، والحرام ما حرمه الله تعالى، فلا يكون منه التفات إلى مثل هذه الآراء الضعيفة في ثبوتها.ا. هـ.
قال سليمان التيمي: لو أخذت برخصة كل عالم وزلة كل عالم اجتمع فيك الشر كله.
وقال المحقق العلامة ابن القيم في " أعلام الموقعين ": (1-10-11) ولما كان التبليغ عن الله سبحانه وتعالى يعتمد العلم بما يبلغ والصدق فيه لم تصلح مرتبة التبليغ بالرواية والفتيا إلا لمن اتصف بالعلم والصدق فيكون عالما بما يبلغ صادقا فيه ويكون مع ذلك حسن الطريقة مرضي السيرة عدلا في أقواله وأفعاله متشابه السر والعلانية في مدخله ومخرجه وأحواله. وإذا كان منصب التوقيع عن الملوك بالمحل الذي لا ينكر فضله ولا يجهل قدره وهو من أعلى المراتب السنيات. فكيف بمنصب التوقيع عن رب الأرض والسماوات. فحقيق بمن أقيم في هذا المنصب أن يعد له عدته وأن يتأهب له أهبته وأن يعلم قدر المقام الذي أقيم فيه ولا يكون في صدره حرج من قول الحق والصدع به فإن الله ناصره وهاديه وكيف وهو المنصب الذي تولاه بنفسه رب الأرباب. فقال تعالى (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ) وكفى بما تولاه الله بنفسه شرفا وجلالة. إذ يقول في كتابه: (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ) وليعلم المفتي عمن ينوب في فتواه وليوقن أنه مسئول غدا وموقف بين يدي الله. اهـ.
وإذ كان المؤلف قد بسط القول في جانب تحريم الحلال وحمل على الذين يحرمون من غير دليل وجب عليه أيضا أن لا ينسى خطورة الجانب الثاني وهو تحليل الحرام فهو لا يقل أهمية عن الجانب الأول والواقعون فيه أكثر والله تعالى قد نهى عن الجانبين على حد سواء فقال تعالى: (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ. مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) ومعلوم أن من قواعد الشريعة (اتقاء الشبهات خشية الوقوع في المحرمات) . و (إذا تنازع حظر وإباحة غلب جانب الحظر) مما يدل على خطورة الوقوع في الحرام.
هذا وأسأل الله لنا وللمؤلف ولجميع المسلمين التوفيق للعلم النافع والعمل الصالح وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه" انتهى.
"الإعلام بنقد كتاب الحلال والحرام في الإسلام" (التعقيب رقم 11) .
ثانياً:
من درَس الإخراج السينمائي، أو يستطيع دراسته دون التعرض للآثام والمحرَّمات: فإنه يستطيع جعل مهنته في أعمال مباحة، كإخراج الأفلام الوثائقية، والمقابلات واللقاءات والندوات، على أن يلتزم بكون المادة تخلو من حرام، كوجود ممثلات، أو معازف، أو دعوة إلى بدعة أو معصية، ويوجد في هذه الأيام مجال لمثل هذه العمل المباح مع قنوات فضائية تلتزم الضوابط الشرعية، مثل " قناة المجد "، فنرجو أن يكون العمل في هذا المجال خالياً من الإثم.
وعند الفتوى في موضوع السينما ذكرنا واقعها اليوم من حيث ممثليها ومادتها، وقلنا إنها تدعو إلى المحرمات، لكن لا يمنع هذا أن ندل على باب آخر للإخراج غير السينمائي، وهو ما ذكرناه من الأفلام الوثائقية واللقاءات وغيرها.
ونسأل الله تعالى أن يقي المسلمين شر أعدائهم، وأن يوفقهم لأحسن الأخلاق والأقوال والأفعال، ونرجو أن يبتعد من يرغب بمثل هذه الأعمال عن الفتن، والسعيد من وُعظ بغيره، والشقي من وُعظ الناس به، والسلامة لا يعدلها شيء.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6644)
تعمل في محل وسرق منه مبلغ وتخاف أن تتهم به
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة أعمل في محل لبيع الملابس وسرق منى مبلغ من المحل الذي أعمل فيه وحدث هذا بشيء خارج عن إرادتي وليس بتقصير مني ولا أعرف ماذا أفعل هل أخبر صاحب المحل؟ مع العلم أن هذا الرجل سيئ الظن وسيتهمني على الفور، أخاف أن أخبره بذلك خوفاً على سمعتي، ولا أستطيع سداد المبلغ لأن حالتي المادية لا تسمح، ماذا أفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا لم تقصري في حفظ المال، أو في البقاء في المحل والانتباه لما فيه، فلا شيء عليك، وأنت مضطرة لإخبار صاحب المحل، ولعل هذا أفضل من اطلاعه بنفسه على غياب المال، وما عليك إلا أن تفوضي الأمر لله عز وجل، ليظهر براءتك.
وأما إن كان حصل منك تفريط، فيلزمك سداد المال لصاحب المحل إلا أن يعفو.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6645)
تزييف الشهادات من أجل الوظائف
[السُّؤَالُ]
ـ[إنسان يرغب في العمل في وظيفة وهو يستطيع القيام بعملها والنجاح في المسابقة، ولكن ليس لديه شهادة تخوله الدخول، فهل يجوز له تزييف شهادة الدخول في المسابقة، وإذا نجح فهل يجوز له الراتب أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي يظهر لي من الشرع المطهر وأهدافه السامية عدم جواز مثل هذا العمل؛ لأنه توصل إلى الوظائف من طريق الكذب والتلبيس، وذلك من المحرمات المنكرة، ومما يفتح أبواباً من الشر وطرقاً من التلبيس، ولا شك أن الواجب على من يسند إليهم أمر التوظيف أن يتحروا الأكفاء والأمناء قدر الإمكان.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى فضيلة الشيخ ابن باز يرحمه الله.(5/6646)
شرط جواز الإقامة في بلاد الكفار
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي شروط جواز الإقامة في بلد الكفار؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
العلماء رحمهم الله تعالى حرموا الإقامة والقدوم إلى بلاد يعجز فيها المسلم عن إظهار دينه، والمقيم للدراسة أو للتجارة أو للتكسب، والمستوطن، حكمهم، وما يقال فيهم حكم المستوطن لا فرق، إذا كانوا لا يستطيعون إظهار دينهم، وهم يقدرون على الهجرة.
وأما دعوى بغضهم وكراهتهم مع الإقامة في ديارهم فذلك لا يكفي، وإنما حرم السفر والإقامة فيها لوجوه، منها:
1- أن إظهار الدين على الوجه الذي تبرأ به الذمة متعذر وغير حاصل.
2- نصوص العلماء رحمهم الله تعالى، وظاهر كلامهم وصريح إشاراتهم أن من لم يعرف دينه بأدلته وبراهينه، ويستطيع المدافعة عنه، ويدفع شبة الكافرين، لا يباح له السفر إليهم.
3- من شروط السفر إلى بلادهم: أمن الفتنة بقهرهم وسلطانهم وشبهاتهم وزخرفتهم، وأمن التشبه بهم والتأثر بفعلهم.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/9 ص/404(5/6647)
هل يحقّ للموظف أخذ دعاية الشّركة لنفسه
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو منك إخباري عما إذا كانت العينات الدعائية (كالفانلات والأقلام … إلخ) للشركة التي نعمل فيها نحن أو بعض أصدقائنا، والتي نحصل عليها مجانا. هل هي حلال؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كانت الشّركة التي تعملون بها قد أعطتكم إياها لتمتلكوها أنتم فلا بأس بأخذها واستعمالها من قبلكم ما دامت مباحة شرعا، وإذا كانت قد أعطتكم إيّاها لتوزيعها دعايات على النّاس الذين هم خارج الشّركة فلا حقّ لكم فيها في هذه الحالة إلا إذا أذنوا لكم بها، والله تعالى أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/6648)
العمل في إنتاج رقائق إلكترونية تستخدم في التلفاز والدش والحواسب والسيارات
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل مهندس بشركة علمية في مجال الميكروإلكترونية (Microelectronic) . هذه الشركة تنتج نظما على الرقائق (System on Chip) تستعمل في عديد المجالات: تلفاز، حواسب، هاتف جوال، طائرات، سيارات، دش ... نواجه كذلك الاختلاط وهذا ما لا مفر منه في الشركات في بلدنا لكن الحمد لله لدي صحبة صالحة في العمل نتواصى بالحق، وينصح بعضنا البعض. سؤالي هو هل مأكلي حلال؟ وأرجو النصح والإرشاد.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نسأل الله تعالى لكم العون والتوفيق والثبات، ونوصيكم بمزيد من الألفة والتعاون على البر والتقوى، والسعي في نشر الخير، والدعوة إليه بما يتاح من الوسائل.
ثانيا:
العمل في الأماكن المختلطة، له مفاسد ومضار لا تخفى على أحد، لكن من ابتلي بذلك، ولم يجد مجالا آخر للعمل، فليتق الله تعالى، وليعتصم بغض البصر، والبعد عن الخلوة، والمصافحة، وأسباب الفتنة والشر، وليجتهد في البحث عن عمل آخر، يسلم له فيه قلبه ودينه، ولو كان براتب أقل، فإن حفظ الدين مقدم على حفظ النفس والمال. وراجع السؤال رقم (50398) .
ثالثا:
إذا كانت الشركة تنتج رقائق متعددة، تستعمل بعضها في الحواسب، وأخرى في الطائرات، وثالثة في أجهزة التلفاز والدش. . إلخ، فاجتنب العمل في إعداد ما يتصل بالتلفاز والدش؛ لأن الغالب هو استعمال هذه الأجهزة في المعصية، نظرا واستماعا.
وكل ما غلب استعماله في المعصية لم يجز الإعانة عليه، بتصنيعٍ أو تصليحٍ أو تركيبٍ أو بيع، إلا لمن عُلم أنه يستخدمه في المباح. وانظر السؤال رقم (39744) .
وإذا كان النظام المنتج مما يمكن استعماله في هذه الأمور كلها (التلفاز والحواسب والسيارات ... ) ، فلا حرج في العمل في إنتاجه، لغلبة المباح.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6649)
يعمل في مخزن وقد يطلب منه نقل لحم الخنزير إلى الشاحنات
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب مسلم أعمل في بلد غربي في مخزن لتوزيع المواد الغذائية على الأسواق والمحلات التجارية حيث نقوم بجمع هذه المواد وتعبئتها في الشاحنات لتحمل إلى الأسواق ومن بين المواد التي نجمعها الخضر والفواكه والألبان واللحوم.... وأحيانا نتصادف مع زبون يطلب لحم الخنزير أو مشتقاته فنكون مضطرين إلى جمعها وحملها على الشاحنات. سؤالي: ما رأي الشرع في عملي هذا؟ مع العلم أن فرص العمل المتوفرة في المطاعم والمقاهي بدورها تقدم أطباقا تحتوي علي لحم خنزير.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز بيع لحم الخنزير، ولا الإجارة على حمله، ولا الإعانة عليه بوجه من الوجوه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ) رواه البخاري (2082) ومسلم (2960) .
ولقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2، وكذا كل ما ثبت تحريمه، فلا يجوز الإعانة عليه، كتقديم الخمر، أو الميتة، أو لحم الحمر الأهلية، في المطاعم وغيرها.
قال الله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ) المائدة/3.
والواجب على المسلم أن يتقي الله تعالى، وأن يبحث عن الكسب الحلال، وأن يجتنب الكسب الحرام، فإن كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به، كما قال صلى الله عليه وسلم: (كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به) رواه الطبراني وأبو نعيم عن أبي بكر رضي الله عنه، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (4519) .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: عن العمل في المطاعم التي تقدم بها الخمور ولحم الخنزير.
فأجابوا: " يحرم العمل والتكسب بالمساعدة على تناول المحرمات من الخمور ولحوم الخنزير، والأجرة على ذلك محرمة؛ لأن هذا من التعاون على الإثم والعدوان، والله تعالى نهى عنه بقوله (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) وننصحك بالبعد عن العمل في هذا المطعم ونحوه؛ لما في ذلك من التخلص من الإعانة على شيء مما حرمه الله ".
فتاوى اللجنة الدائمة (13/49) .
والحاصل أنه لا حرج عليك في العمل في هذا المخزن، بشرط عدم الإعانة على شيء من الحرام، بيعا، أو جمعا، أو حملا، أو غير ذلك من صور الإعانة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6650)
تقدم لخطبتها مهندس يعمل في أحد البنوك فهل تقبله
[السُّؤَالُ]
ـ[تقدم لخطبتي شخص خريج هندسة معمارية، ويعمل في قسم الإدارة الهندسية في أحد البنوك المتخصصة في بناء الشقق والبنايات الفاخرة، فهل أقبله أم أرفضه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ينبغي أن تحرص المرأة على اختيار الزوج الصالح المستقيم، الذي يراقب الله تعالى فيها، ويطعمها وأولادها من الحلال، ويجنبهم الحرام.
ولهذا فنحن نشكرك على هذا السؤال الذي يدل على اهتمامك بهذا الأمر، ونقول: إن كان البنك الذي يعمل فيه هذا الشخص بنكا ربويا، يقوم تسويقه للشقق والبنايات على الربا، فلا يجوز العمل فيه، ولا إعانته على مشاريعه بأي وجه من الإعانة.
وكذلك لا يجوز العمل في بناء شقق أو أماكن للمعصية، كأماكن اللهو الباطل، أو صالات القمار، أو بنوك الربا ونحو ذلك.
وينبني على ذلك مسألة قبول هذا الخاطب أو رفضه، فإن كان عمله مباحا، وكان مرضي الدين والخلق، فاقبلي به، وإن كان عمله محرما، أو كان غير مرضي الدين والخلق، فلا تقبليه، لما يترتب على الزواج منه من مضار تعود عليك وعلى أولادك.
نسأل الله لك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6651)
الخصم من أجرة الموظف بسبب أخطائه
[السُّؤَالُ]
ـ[نعمل في شركة تقوم بعقاب موظفيها في حال الخطأ بالخصم من المرتب يوما أو يومين، وذلك لا يستند إلى قانون معين في الخصميات، حيث يتم الخصم وفقاً لما يراه المدير المباشر، ولكم يحترق في صدورنا أن يخصم من مرتباتنا على أخطاء قد تكون سهلة جدّاً، فهل يصح منا إذا قمنا بإهدار وقت العمل في أشغالنا الخاصة بمقدار ما خصم منا ظلماً؟ وهل يحق لهم أكل جهدنا، علما بأنه لم يكن متفقا عليه وقت التعاقد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الموظف في القطاع العام أو الخاص هو " الأجير الخاص " في مصطلحات الفقه الإسلامي، والأجير الخاص هو الذي يتم التعاقد معه على أن يعمل مدة معينة عند المستأجر، وهذا هو الواقع في الوظائف الآن، حيث يتم الاتفاق على ساعات عمل محددة كل يوم.
وقد بين الفقهاء الأحكام الفقهية المتعلقة بالأجير الخاص في كتبهم المطولة.
ومن ذلك: أن الأجير الخاص لا يستحق الأجرة المتفق عليها (الراتب) إلا إذا أتم ما يطلب منه من الأعمال المتفق عليها في العقد.
جاء في " الموسوعة الفقهية " (1 / 292) :
" وربّ العمل ملتزم بالوفاء بأجر العامل بتسليم نفسه، بشرط ألاّ يمتنع عمّا يطلب منه من عمل، فإن امتنع بغير حقّ: فلا يستحقّ الأجر، بغير خلاف في هذا " انتهى.
وجاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " (15 / 153) :
" الواجب على من وكل إليه عمل يتقاضى في مقابله راتبا أن يؤدي العمل على الوجه المطلوب، فإن أخل بذلك من غير عذر شرعي لم يحل له ما يتقاضاه من الراتب " انتهى.
ثانياً:
إذا أخطأ الأجير الخاص أو أتلف شيئاً (كآلة من الآلات التي يعمل بها) هل يضمن ذلك ويغرم قيمته أم لا؟
الجواب: لا يخلو ذلك من حالين:
الأولى: أن يكون ذلك باعتداء منه أو تقصير، كما لو استعمل الآلات والأجهزة استعمالاً خاطئاً فأدى إلى تلفها أو حَمَّلها ما لا تطيق، أو لم يقم بالعمل على وجهه، أو أهمل في العمل....إلخ ففي هذه الحالة يضمن ما أتلفه من غير اختلاف بين الفقهاء، وللمستأجر أن يخصم قيمة ما أتلفه من راتبه.
الحالة الثانية: أن يحصل هذا التلف من غير اعتداء منه أو تقصير، فهذا مما اختلف فيه العلماء، والذي عليه أكثرهم أنه لا يضمن إلا إذا تعدى أو قصَّر، وذهب آخرون (كالإمام الشافعي في أحد قوليه) إلى أنه يضمن.
وانظر: "تكملة المجموع" (15/354) ، " الموسوعة الفقهية " (1 / 290) .
والمسألة من مسائل الاجتهاد، فإذا أخذ صاحب العمل سواء كان فردا أو مؤسسة بالقول الذي فيه تضمين الأجير، فلا ينكر عليه، على أن يقدر لكل خطأ قدره من الخصم من غير ظلم أو إجحاف، فإذا اختلف صاحب العمل والأجير في تحديد ذلك، فالمرجع في الفصل بينهم إلى القاضي الشرعي.
أما إذا أخطأ الموظف خطأ لم يترتب عليه إتلاف أموال أو ضياعها، كما لو تأخر في القدوم إلى العمل، أو تغيب من غير عذر....إلخ فهل لصاحب العمل أن يخصم شيئاً من راتبه مقابل ذلك أم لا؟
الجواب: نعم، له ذلك، وبعض هذه الخصومات يكون منصوصاً عليها في العقد أو في اللوائح الداخلية للشركة، ثم هي مما جرى عليه عمل الناس، والموظف يعمل في الشركة ويعلم أنه إذا قصَّر في العمل أو خالف أنظمة الشركة سوف يتعرض للعقاب، ومنه: الخصم من الراتب، فهذا وإن لم يكن منصوصاً عليه في العقد إلا أنه معروف، وجرى عليه عمل الناس.
لكن الواجب على صاحب العمل أو المدير أن يتحرى العدل، ويجتنب الظلم، فيكون الخصم بمقدار التقصير والخطأ، ولا يبالغ في ذلك.
سئل علماء اللجنة الدائمة:
عندما أقوم بفصل مشرفة أو عاملة من العمل أو أقسو عليها من الخصم لكي تصلح حالها فهل هذا حرام؟
فأجابوا:
" الخصم على الموظف أو الموظفة أو الفصل من العمل لا يجوز إلا في حدود النظام الذي وضعه ولي الأمر " انتهى.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (23 / 410) .
ثالثاً:
وأنت – أخي الكريم – قد وقعت في بعض الأخطاء كما ذكرت في السؤال، فإن وجدت أن الخصم كان أكبر من الخطأ، أو أنه خطأ يسير غير معتبر لا يقع الخصم على مثله في الشركات الأخرى، فليس أمامك إلا الشكوى للمسؤولين في الشركة وبيان وجهة نظرك، فإن أصروا ولم تقتنع أنت بحجتهم فالجأ إلى المحكمة الشرعية التي تفصل بينكم بالحق إن شاء الله.
أما أن تسول لك نفسك تعمد التغيب أو التأخر أو التقصير في العمل، أو استرداد ما خصم بالطرق غير المشروعة – كما يقوم به بعض الموظفين - لاسترداد الحق المختلف عليه بينكم: فليس ذلك سبيل المؤمنين، ولا يجوز فعله، لأن استرداد الحقوق المتنازع عليها لا يفصل فيه إلا القضاء، وليس المرجع فيه أهواء الناس وأحكامهم لأنفسهم.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة:
هل الذي يسرق أو يأخذ بغير إذن من محل شركة وطنية في حق نقصان أجرته تعتبرسرقة وحراما؟
فأجابوا:
" نعم، يعتبر حراماً، وإذا كان له حق واضح فليطالب به أمام السلطات " انتهى.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (19 / 221) .
وفي " فتاوى اللجنة " أيضاً: (15 / 123) سئلوا عن عامل ظلمه صاحب العمل فخص عليه من الراتب، فكان الجواب:
" وإذا حصل بينك وبينه خلاف: فعليك بمراجعة المحكمة الشرعية للنظر في قضيتكما، ولا يجوز لك الأخذ من ماله بغير إذنه وعلمه " انتهى.
وقالوا أيضا (15 / 144) :
" لا يجوز لك أن تأخذ من صاحب العمل ما يعادل ما تبقى لك من الأجرة بدون علمه، ولكن لك الحق بأن تطالبه بما تبقى بالطرق المشروعة، ولو بالمرافعة إلى المحاكم " انتهى.
كما سئل الشيخ ابن باز رحمه الله في " فتاوى نور على الدرب " (شريط رقم: 410) السؤال التالي:
إنه شاب كان يعمل بشركة من الشركات، ولكن فوجئت بأن الشركة قد خصمت عليّ أشياء بدون وجه حق، هذا من ناحية، ومن الناحية الأخرى قدمت أعمالاً أستحق عليها المكافأة ولم يعطوني إياها، فاضطررت إلى أن أعمل ما يلي: عندما كنت أشتري أشياء للشركة كنت أحصل على خصم كبير من أصحاب المحلات، ولكن هذا بيني وبين أصحاب المحلات، وكنت آخذ الخصم في جيبي الفاتورة بمائة جنيه آخذ خمسة وعشرين جنيه والفاتورة تكتب بمائة؛ مع العلم أن الأسعار بالفاتورة مثل المحلات الخارجية أي: أن قيمة الفاتورة لا تزيد عن سعرها الطبيعي ولكن الذي يحدث هو زيادة الخصم لكثرة الشراء ولا يكتب الخصم بالفاتورة؟ وجهونا في ضوء ذلك.
فأجاب رحمه الله:
" الواجب عليك أن تحاسبهم وتخاصمهم حتى يكون الأمر بَيِّنًا، قد تكون متساهلا فيما تدعي حقا لك، فالواجب عليك أن تكون المسألة بينك وبينهم من جهة الصلح، بواسطة المصلحين أو بواسطة المحكمة، أو بينك وبينهم، هذا الواجب عليك حتى لا تأخذ إلا حقك " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6652)
تعمل في سكن الطالبات المغتربات
[السُّؤَالُ]
ـ[أختي تعمل في سكن طالبات، وتبيت خارج المنزل يومين في الأسبوع، والطالبات التي في هذا السكن كلهن مغتربات، منهن من يوجد لهن إخوة يدرسون في نفس الجامعة لكنهم يعيشون في سكن آخر، والكثير منهن لا يوجد لهن إخوة أو محرم، أو قد يكون لهن بعض الأقارب، لكن يعيشون بعيدا عنهم، وأنا أعلم أنه لا يجوز للفتاة أن تسافر وتغترب لتتعلم ما يمكن أن تتعلمه في بلادها، وللأسف أغلب هذه الفتيات أخلاقهن غير سوية، فما حكم عمل أختي في هذه الدار، هل حلال أم حرام؟ كذلك حكم مبيتها خارج منزلها، خاصة وأنا أعرف الحديث الشريف: (لعن الله المرأة التي تضع ثوبها في غير بيت زوجها) ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا حرج في عمل أختك في سكن الطالبات، خاصة إذا كان في مدينتكم، فإن كان في مدينة أخرى فلا يجوز لها أن تسافر ذهابا أو إيابا إلا مع ذي محرم، ويجوز لها أن تجلس في ذلك السكن بدون المحرم، لأن الواجب أن يصطحبها المحرم في طريق السفر فقط، وكذلك هو الحكم بالنسبة للطالبات اللاتي يعشن فيه أيضا، ولا تطالب أختك بالتفتيش عن كل طالبة هل جاءت مع محرمها أو سافرت بدونه، بل يكفي أن يكون عملها في السكن مما لا محذور فيه، كالإدارة أو الرقابة أو النظافة أو غير ذلك، فكله جائز لا حرج فيه إن شاء الله تعالى.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله في فتاوى "نور على الدرب" (شريط رقم/288) :
" هذا الذي فعلتِ لا بأس به، إقامة المرأة في بلد من دون محرم لا ضرر فيه، ولا حرج فيه، ولا سيما إذا كان ذلك لا خطر فيه، إذا كانت بين النساء، أو في عمل مفصول عن الرجال مما أباح الله، أو في قسم داخلي بين النساء، فكل هذا لا حرج فيه، الممنوع السفر، لا تسافري إلا بمحرم، ولا تقدمي إلا بمحرم، وأما إقامتك بين النساء في عمل مباح فلا حرج فيه، والحمد لله " انتهى.
وانظري جواب السؤال رقم (45917) .
ثانيا:
أما الحديث المذكور في آخر السؤال، حديث عائشة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَا مِنِ امرَأَةٍ تَخلَعُ ثِيَابَهَا فِي غَيرِ بَيتِهَا إِلاَّ هَتَكَت مَا بَينَهَا وَبَينَ اللَّهِ تَعَالَى) رواه أبو داود (4010) وصححه الألباني.
قال المناوي في "فيض القدير" (3/136) في شرح هذا الحديث:
" كناية عن تكشفها للأجانب وعدم تسترها منهم " انتهى.
فالمقصود بهذا الحديث المرأة التي تخلع ثيابها بحضرة الرجال الأجانب، أو في مكان يخشى فيه من اطلاع الأجانب عليها: كالأمكنة العامة أو التي يرتادها الفسقة ونحو ذلك، أما إذا كانت في مأمن: كما لو كانت في منزل محارمها أو والديها، أو في نُزُلٍ تقيم فيه هي وزوجها في السفر، أو حاجة علاج أو اغتسال شرعي ونحو ذلك فلا حرج عليها، وليس في الحديث أي منع منه.
وقد سبق تقرير ذلك في جواب السؤال رقم (34750) .
ثالثا:
والمسلم الصادق يحمل دعوته معه في كل مكان، فإذا كان وضع سكن الطالبات على ما وصفت من البعد عن الاستقامة، فلتحرص أختك على نشر الخير فيه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولتسع في الإصلاح بقدر ما تستطيع، وبهذا تبرأ ذمتها أمام الله تعالى.
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله السؤال التالي "مجموع الفتاوى" (7/274) :
إنني فتاة أسكن في السكن الداخلي مع الطالبات، وقد هداني الله إلى الحق، وأصبحت متمسكة به ولله الحمد، لكنني متضايقة جدا مما أرى حولي من بعض المعاصي والمنكرات، خصوصا من بعض زميلاتي الطالبات: كسماع الأغاني، والغيبة والنميمة، وقد نصحتهن كثيرا ولكن بعضهن يهزأ بي ويسخر مني ويقلن: إنني معقدة. ماذا أعمل جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله:
" الواجب عليك إنكار المنكر حسب الطاقة بالكلام الطيب والرفق وحسن الأسلوب، مع ذكر الآيات والأحاديث الواردة في ذلك حسب علمك، ولا تشاركيهن في الأغاني ولا في الغيبة ولا في غيرها من الأقوال والأفعال المحرمة، واعتزليهن حسب الإمكان حتى يخضن في حديث آخر لقول الله سبحانه: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) الآية. ومتى أنكرت بلسانك حسب الطاقة واعتزلت عملهن لم يضرك فعلهن ولا عيبهن لك، كما قال الله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) فأبان سبحانه أن المؤمن لا يضره من ضل إذا لزم الحق واستقام على الهدى، وذلك بإنكار المنكر، والثبات على الحق، وحسن الدعوة إليه، وسيجعل الله لك فرجا ومخرجا، وسينفعهن الله بإرشادك إذا صبرت واحتسبت إن شاء الله، وأبشري بالخير العظيم والعاقبة الحميدة ما دمت ثابتة على الحق منكرة لما خالفه كما قال الله سبحانه: (وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) وقال عز وجل: (فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) وقال سبحانه: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)
وفقك الله لما يرضيه، ومنحك الصبر والثبات، ووفق أخواتك وأهلك وزميلاتك لما يحبه ويرضاه إنه سميع قريب، وهو الهادي إلى سواء السبيل " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6653)
يتلاعبون في تسجيل وقت الحضور بعلم الإدارة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا معلمة، والحضور عندنا الساعة السابعة والربع، ولكن يترك الخط بإذن من الإدارة إلى الساعة الثامنة، ولكن المشكلة أننا نوقع الساعة 7 وحضورنا الساعة 8؟ وتقول المعلمات: إن هذا بعلم الإدارة ولا ذنب لنا، فما حكم ذلك؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للموظف أن يسجل في دفتر الحضور والانصراف غير الوقت الذي حضر فيه؛ لما في ذلك من الكذب والغش وأكل المال بالباطل، وليس للإدارة أن تسمح بهذا التلاعب وإن رأت عدم معاقبة المتأخر، بل يجب تسجيل الوقت الحقيقي الذي حضر فيه الموظف. وكذلك الوقت الذي انصرف فيه.
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: " موظف في إحدى الدوائر يحافظ على دوامه باستمرار، فإذا دخل سجل في دفتر الحضور وقت حضوره الذي جاء فيه، ولكن هناك مجموعة من زملائه يسجلون أوقاتا خاطئة؛ فيحضر أحدهم الساعة السابعة مثلا ويكتب السادسة والنصف، أو ما شابه ذلك. وبالتالي فإن هؤلاء الموظفين المخادعين يحصلون على مميزات وأمور بسبب تزويرهم في التوقيع، ويحرم منها هذا بسبب أنه حتى إذا تأخر سجل تأخره، فهل يصح أن يفعل مثلهم؟ وما موقفه منهم؟ وما حكم المدير الذي يتساهل في هذه الأمور؟ وهل تعارفهم واعتيادهم عليه يبيح هذا الفعل؟ وجزاكم الله خيرا.
فأجاب: " الواجب على كل مسلم أداء الأمانة والحذر من الخيانة في العمل، وفي الحضور والغياب وفي كل شيء، والواجب عليه أن يسجل الوقت الذي دخل فيه، والوقت الذي خرج فيه، حتى يبرئ ذمته، والواجب على المسئول عنهم أن ينصحهم ويوجههم إلى الخير، ويحذرهم من الخيانة، والله ولي التوفيق ". انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (19/356) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6654)
انصراف المعلمين قبل نهاية الدوام لعدم وجود طلبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا معلمة، وفي أيام العودة لا يوجد لدينا عمل وهنا نريد الخروج مبكراً قبل الدوام ب3 ساعات علماً أن الإدارة تسمح به؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا لم يوجد عمل، وسمحت الإدراة بانصراف المعلمات، فلا حرج عليك في الانصراف؛ لأن الإدارة مخوّلة بالنظر في مصلحة العمل، وتوزيع المهام على الموظفين.
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن رجل موظف، وعند انتهاء ما عنده من معاملات يغادر الدوام قبل انتهائه، خاصة في رمضان، فهل هذا جائز؟
فأجاب: " لا يجوز، والواجب عليه أن يبقى في عمله حتى ينتهي الدوام، إلا بإذن المرجع الذي يعمل فيه؛ لأنه قد تأتي معاملة جديدة، وقد يحتاج إليه، فالواجب على الموظف أن يبقى في عمله حتى ينتهي الدوام، إلا بإذن من الدولة، أو من المرجع المسئول عنه " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6655)
حكم الإضراب عن العمل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الإضراب عن العمل لتحقيق بعض المطالب للعامل أو تحسين بعض الأوضاع؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن الإضراب إخلال في عقد العمل بين العامل من جهة وصاحب العمل من جهة أخرى، ولقد دعى الله عز وجل في كتابه الكريم إلى الالتزام والوفاء بالعهود والمواثيق التي يقطعها الإنسان على نفسه تجاه الغير، ولا بد أن يقوم العامل بجميع الأعمال الموكلة إليه على الوجه الذي يرضي الله تعالى مصداقاً لقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) المائدة /1
وقد يصاحب الإضراب بعض المفاسد وأعمال الشغب ومظاهر العنف، وهذا ما لا يرتضيه الشارع بناء على القاعدة الفقهية: درء المفاسد أولى من جلب المنافع، وهناك العديد من الوسائل التي يمكن اللجوء إليها لتحقيق المطالب وقد تكون أكثر فاعلية وجدوى من الإضراب، والإنسان العاقل لا يترك باباً وفق أسس سليمة شرعية إلا وطرقه.
أما الانقطاع عن العمل بسبب عدم دفع الأجور والرواتب فهذا جائز، لأن رب العمل أخل بالعقد، فللعامل أن ينقطع عن العمل حتى يدفع له أجره، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه) رواه ابن ماجه والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
المرجع: مسائل ورسائل / محمد المحمود النجدي ص 48(5/6656)
تعمل في شركة مملوكة لجهات متعددة منها بنوك ربوية
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في شركة رأسمالها تملكه 5 جهات مختلفة (منهم بنكان ربويان) ، هذه الشركة التي أسستها الأطراف السابقة تملك قطعة أرض وتقوم بإدخال المرافق لها من صرف وكهرباء ومياه وتقوم بتقسيمها وبيعها للمستثمرين. عملية البيع إما فوري أو بالتقسيط مع حساب فوائد سنوية ثابتة تبلغ 7% سنويا علما بأن عملية البيع قد تتوقف أحيانا. وعملي في هذه الشركة في قسم السكرتارية (عمل إداري) ولقد كنت أقوم بالإنفاق والادخار من مرتبي خلال مدة عملي في الشركة والتي بلغت 5 سنوات دون علم مني بأن هذه الأموال قد تكون بها شبهة وهذه المدخرات في بنك إسلامي. فهل عملي في هذه الشركة ذات المال المختلط حلال أم حرام؟ وما حكم ما قمت بادخاره وكيف أتصرف فيه؟ وهل إذا كانت مكروهة فقط تدخل نار جهنم أو أتعذب بسببها؟ أفيدوني وأنقذوني مما أنا فيه من حيرة وعذاب.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
العمل عند أصحاب الأموال المختلطة، مكروه، عند جمهور العلماء، ولا يحرم إلا إذا كان العمل نفسه محرما أو فيه إعانة على ما هو محرم، كالعمل في البنك الربوي نفسه.
والمكروه ليس محرماً، فلا يأثم فاعله، وإن كان الأولى بالمسلم تركه واجتنابه، والبحث عن عمل مباح نقيّ.
ثانيا:
البيع بالتقسيط جائز، لكن ينتبه إلى أمرين:
الأول: أن يخلو العقد من اشتراط غرامة عند التأخر في السداد، لأن هذا اشتراط للربا، ولا يجوز اعتماد هذا الشرط ولا التوقيع عليه.
الثاني: أن يكون التقسيط من الشركة المالكة للسلعة مباشرة، دون وساطة من أحد البنوك الربوية، وذلك أن دخول البنك الربوي في هذه الصفقة معناه أن يدفع المبلغ كاملا نيابة عن المشتري، ثم يتولى استلام الأقساط، وحقيقة هذا العقد أنه قرض ربوي، فالبنك يقرض العميل مائة مثلا، ويدفعها نيابة عنه إلى البائع، ثم يستردها مائة وعشرين مقسطة، وهذا ربا محرم، كما لا يخفى.
ثالثا:
إذا كانت الشركة تبيع الأرض بيعا مباحا– دون وساطة بنك ربوي – فعملك جائز، وراتبك الذي تأخذينه مباح، غير أن الأولى لك أن تبحثي عن عمل نقيّ، كما سبق.
وإن كانت الشركة تبيع بيعا محرما، كأن تكون ممن يشترط غرامة التأخير، أو تدخل البنك في عملية التقسيط، فينظر هنا إلى طبيعة عملك: فإن كان فيه إعانة على هذا الحرام، كتابة أو تسجيلا أو تدقيقا ونحوه، فعملك محرم، والراتب الناتج عنه محرم، وما أخذت منه قبل علمك بالتحريم فهو لك تنتفعين به ولا يلزمك التصدق به.
وما كان بعد علمك بالتحريم فإنك تتخلصين منه بالصدقة به، مع وجوب ترك هذا العمل.
وإن كان عملك منه ما هو مباح ومنه ما هو حرام، فإنك تجتهدين في تقدير نسبة الحرام والتخلص مما يقابلها من الراتب، وراجعي السؤال رقم (81915)
وإن لم يكن في عملك إعانة على الحرام، بل أنت في قسم لا صلة له بالبيع المقسط مثلا، فنرجو أن لا يكون عليك حرج في هذا العمل.
ونسأل الله لك التوفيق والسداد والرشاد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6657)
هل يعطي عامل الهواتف إكرامية مع أنه يأخذ راتباً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الإكرامية لمن أدى خدمة لي مثل موظف تليفونات أصلح لي التليفون مع العلم بأنه يأخذ مرتباً ثابتاً من عمله، فهل يجوز لي أن أعطيه إكرامية أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز أن تُعطى إكرامية أو هدية لعاملٍ يأخذ على عمله راتباً. ودليل ذلك ما رواه البخاري (6578) ومسلم (1832) عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنْ الْأَسْدِ يُقَالُ لَهُ ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا لِي أُهْدِيَ لِي، قَالَ: فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ: مَا بَالُ عَامِلٍ أَبْعَثُهُ فَيَقُولُ هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي أَفَلا قَعَدَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ فِي بَيْتِ أُمِّهِ حَتَّى يَنْظُرَ أَيُهْدَى إِلَيْهِ أَمْ لا، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لا يَنَالُ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْهَا شَيْئًا إِلا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى عُنُقِهِ بَعِيرٌ أَوْ بَقَرَةٌ أَوْ شَاةٌ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: (اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ مَرَّتَيْنِ)
قال النووي – رحمه الله -:
" في هذا الحديث بيان أن هدايا العمال حرام، ولهذا ذكر في الحديث عقوبته وحمله ما أُهدي إليه يوم القيامة، وقد بين صلى الله عليه وسلم في نفس الحديث السبب في تحريم الهدية عليه وأنها بسبب الولاية، بخلاف الهدية لغير العامل، فإنها مستحبة، وحكم ما يقبضه العامل ونحوه باسم الهدية أنه يرده إلى مُهْديه، فإن تعذر: فإلى بيت المال ".
" شرح مسلم " (6 / 462) .
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فَرَزَقْنَاهُ رِزْقًا فَمَا أَخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ غُلُولٌ) . ومعنى الحديث: من جعلناه على عمل وأعطيناه على ذلك مالاً، فلا يحل له أن يأخذ شيئاً بعد ذلك، فإن أخذ فهو غلول، والغلول هو الخيانة في الغنيمة وفي مال بيت مال المسلمين.
رواه أبو داود (2943) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
ففي هذين الحديث دليل على أنه لا يجوز لمن كان موظفاً يأخذ راتباً من دائرته أن يقبل مالاً أو هدية من أحدٍ بسبب وظيفته، فإن فعل كان غلولاً.
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى: نحن موظفون حكوميون تأتينا في رمضان إكراميات وزكوات من بعض رجال الأعمال، ولا نستطيع التفرقة بين الزكوات والإكراميات لعدم علمنا بذلك.
والسؤال: إذا أخذنا هذه الأموال ونحن في غنى عنها وأنفقناها على الأرامل والأيتام والفقراء ما الحكم؟ وإذا أنفقنا منها على أسرنا وأكلنا منها، ما الحكم؟
فأجاب:
" هدايا العمال من الغلول، يعني: إذا كان الإنسان في وظيفة حكومية وأهدى إليه أحد ممن له صلة بهذه المعاملة فإنه من الغلول، ولا يحل له أن يأخذ من هذا شيئاً ولو بطيب نفس منه.
مثال ذلك: لنفرض أن لك معاملة في دائرة ما، وأهديت لمدير هذه الدائرة، أو لموظفيها هدية فإنه يحرم عليهم قبولها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن اللُّتْبيَّة على الصدقة فلما رجع قال هذا أهدي إلي وهذا لكم، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فخطب الناس وقال: (ما بال الرجل منكم نستعمله على العمل فيأتي ويقول: هذا لكم، وهذا أهدي إلي، فهلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى له أم لا)
فلا يحل لأحد موظف في دائرة من دوائر الحكومة أن يقبل الهدية في معاملة تتعلق بهذه الدائرة، ولأننا لو فتحنا هذا الباب وقلنا: يجوز للموظف قبول هذه الهدية: لكنا قد فتحنا باب الرشوة، والرشوة خطيرة جداً وهي من كبائر الذنوب، فالواجب على الموظفين إذا أهدي لهم هدية فيما يتعلق بعملهم أن يردوا هذه الهدية، ولا يحل لهم أن يقبلوها، سواء جاءتهم باسم هدية، أو باسم الصدقة، أو باسم الزكاة، ولاسيما إذا كانوا أغنياء، فإن الزكاة لا تحل لهم كما هو معلوم ".
" فتاوى الشيخ العثيمين " (18 / السؤال رقم 270) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6658)
يعمل في فندق ويدل النزلاء على أماكن الرقص الغناء
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في أحد الفنادق في قسم الاستعلامات، وطبيعة وظيفتي تفرض علي أن أرشح بعض المطاعم وأماكن السهر التي بها راقصات وغناء لنزلاء الفندق، وأن أحجز لهم فيها، لذلك لابد أن أكون على علم تام بهذه الأماكن مثل (عناوينها ومواعيد عملها وماذا يقدمون من برامج ترفيهية....إلخ) وأيضاً لابد أن أعرف أيضاً الأفلام المعروضة في السينمات والمسرحيات المعروضة وما إلى ذلك من أماكن الترفيه الأخرى. فهل هذا حرام؟ علماً بأنني لا أذهب لهذه الأماكن وأنا متزوج ولدي أطفال وليس لي مصدر رزق آخر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الأمر كما ذكرت، فهذا العمل محرم، لما فيه من الدلالة على المحرمات، وهذا من التعاون على الإثم والعدوان، وقد قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2.
والدال على الشر كفاعله، كما أن الدال على الخير كفاعله، ومن دعا الناس إلى معصية أو أرشدهم إليها، فعليه مثل آثامهم، لما روى (2674) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا) .
وإذا كان الساكت على المنكر شريكا في الإثم، فكيف بمن أرشد إليه، ودل عليه؟!
فالواجب عليك ترك العمل في هذا المجال، والانتقال إلى عمل آخر مباح، داخل الفندق أو خارجه، ولتعلم أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، كما صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم، وأن ما عند الله تعالى لا ينال إلا بطاعته، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها، وتستوعب رزقها، فاتقوا الله، وأجملوا في الطلب، ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله، فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته) رواه أبو نعيم في الحلية من حديث أبي أمامة، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 2085.
وقال الله عز وجل: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق/2،3
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد والرشاد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6659)
العمل في فندق كأمين مخزن وبه خمور
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل أمين مخازن في أحد الفنادق، وهذه المخازن بها خمور، علماً بأنني لم أتناولها أبدا!! هل عملي هذا حلال أم حرام؟
وهل يتغير الحكم إن كنت لا أجد عملا غيره وأنا متزوج؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" الخمر أم الخبائث "، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم [رواه الطبراني في الأوسط، وحسنه الألباني في صحيح الجامع] .
فلا يجوز شربها، ولا حملها، ولا بيعها، ولا شراؤها، ولا الإعانة عليها بأي وجه من الوجوه، كتقييدها في الدفاتر، أو تسجيلها في الحاسب ونحو ذلك، لما جاء فيها من الوعيد، واللعن، كما روى أبو داود (3674) وابن ماجه (3380) عن ابْنِ عُمَرَ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ وَشَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ) . وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
ورواه الترمذي (1295) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَمْرِ عَشْرَةً عَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَشَارِبَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةُ إِلَيْهِ وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَآكِلَ ثَمَنِهَا وَالْمُشْتَرِي لَهَا وَالْمُشْتَرَاةُ لَهُ) .
ولا شك أن عملك في المخازن التي فيها الخمور، يقتضي حفظها، وتسجيلها وتقييدها، مع السكوت على منكر حملها ونقلها بين الحين والآخر.
وبناء على ذلك، فلا يجوز لك الاستمرار في هذا العمل؛ لما فيه من المعاونة على الإثم والعداون، وترك إنكار المنكر.
قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَراً فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِن لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ) رواه مسلم (49) .
ومعلوم أن الإنكار بالقلب يشترط له مفارقة محل المنكر، كما دل عليه قوله تعالى: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً) النساء/140
قال القرطبي رحمه الله: " قوله تعالى: (فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره) أي غير الكفر. (إنكم إذا مثلهم) : فدل بهذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي إذا ظهر منهم منكر؛ لأن من لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم، والرضا بالكفر كفر. قال الله عز وجل (إنكم إذا مثلهم) فكل من جلس في مجلس معصية، ولم ينكر عليهم يكون معهم في الوزر سواء.
وينبغي أن ينكر عليهم إذا تكلموا بالمعصية وعملوا بها، فإن لم يقدر على النكير عليهم فينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية.
وقد روي عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أنه أخذ قوماً يشربون الخمر، فقيل له عن أحد الحاضرين: إنه صائم فحمل عليه الأدب وقرأ هذه الآية (إنكم إذا مثلهم) أي إن الرضا بالمعصية معصية، ولهذا يؤاخذ الفاعل والراضي بعقوبة المعاصي حتى يهلكوا بأجمعهم. وهذه المماثلة ليست في جميع الصفات ولكنه إلزام شَبَهٍ بحكم الظاهر من المقارنة كما قال: فكل قرين بالمقارن يقتدي " انتهى.
وعليك أن تبحث عن عمل آخر مباح، وأن توقن بأن الرزق من عند الله، وأن الله لا يضيع عبده المؤمن، وإياك أن يحملك ضيق العيش، وسوء الحال، وتأخر الفرج حينا من الزمان أن تطلب الرزق بمعصية الله تعالى.
روى ابن ماجة في سننه (2144) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَيُّهَا النَّاسُ، اتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، فَإِنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا وَإِنْ أَبْطَأَ عَنْهَا، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ؛ خُذُوا مَا حَلَّ وَدَعُوا مَا حَرُمَ) صححه الألباني في صحيح ابن ماجة.
واعلم ـ أيها الأخ الكريم ـ أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه. كما روى الإمام أحمد (22565) عَنْ أَبِي قَتَادَةَ وَأَبِي الدَّهْمَاءِ قَالا: أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ فَقُلْنَا: هَلْ سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا؟!
قَالَ: نَعَمْ؛ سَمِعْتُهُ يَقُولُ:
(إِنَّكَ لَنْ تَدَعَ شَيْئًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلا بَدَّلَكَ اللَّهُ بِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ مِنْهُ) قال الأروناؤط: إسناده صحيح. وصححه الألباني في السلسلة الضعيفة، تحت الحديث رقم (5) .
ومهما لاقيْتَ من ضيق في العيش فإنه أهون من رؤية هذا المنكر العظيم، والعمل في هذه الأماكن التي قد تحل بها اللعنة، وكسب المال الخبيث الذي لا خير فيه لك ولا لأهلك، فبادر وعجل بالخروج من هذا البلاء.
نسأل الله تعالى أن ييسر لك أمرك، ون يرزقك من فضله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6660)
تعمل في شركة يملك بنكان ربويان جزءً منها فهل عملها حرام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا آنسة أعمل في شركة رأسمالها تملكه 5 جهات مختلفة (منهم بنكان ربويان) وهم: بنك مصر (22.5 % من رأس المال) ، وبنك الاستثمار القومي (22.5 % من رأس المال) ، بالإضافة إلى شركة أجنبية (صينية) (10 % من رأس المال) ، وشركة مقاولات مصرية (22.5 % من رأس المال) ، وهيئة قناة السويس (22.5 % من رأس المال) . هذه الشركة التي أسستها الأطراف السابقة تملك قطعة أرض، ونشاطها: تقوم بإدخال المرافق لها من صرف وكهرباء ومياه، وتقوم بتقسيمها، وبيعها للمستثمرين، عملية البيع إما فوري، أو بالتقسيط، مع حساب فوائد سنوية ثابتة تبلغ 7 % سنويّاً، علماً بأن عملية البيع قد تتوقف أحيانا، وعملي في هذه الشركة في قسم السكرتارية (عمل إداري) ، ولقد كنت أقوم بالإنفاق والادخار من مرتبي خلال مدة عملي في الشركة والتي بلغت 5 سنوات دون علم مني بأن هذه الأموال قد تكون بها شبهة، وهذه المدخرات في بنك إسلامي، فهل عملي في هذه الشركة ذات المال المختلط حلال أم حرام؟ وما حكم ما قمت بادخاره - وهو مبلغ كبير -؟ وكيف أتصرف فيه؟ أفيدوني وأنقذوني مما أنا فيه من حيرة وعذاب.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي يظهر جواز العمل في هذه الشركة ما دام العمل الذي تقوم به حلالاً، فالعمل في شركات مباحة الأعمال يختلف حكمه عن العمل في البنك وما يشبهه من مؤسسات الربا، ففي البنوك يتعرض الموظف للإثم سواء كان كاتبا أو شاهداً أو حتى حارساً؛ لأن العمل حرام ابتداء، بخلاف أن يكون البنك مشاركاً بجزء من رأس مال الشركة مباحة الأعمال؛ فإن النظر يكون هنا لطبيعة عمل الشركة، فمشاركة اليهودي والنصراني والمرابي جائزة مع الكراهة.
قال ابن قدامة المقدسي رحمه الله:
"قال أحمد: يشارك اليهودي والنصراني، ولكن لا يخلو اليهودي والنصراني بالمال دونه، ويكون هو الذي يليه؛ لأنه يعمل بالربا، وبهذا قال الحسن والثوري.
وكره الشافعي مشاركتهم مطلقاً" انتهى.
" المغني " (5 / 109) .
وقال ابن القيم رحمه الله:
"قال إياس بن معاوية: إذا شارك المسلمُ اليهوديَّ أو النصرانيَّ وكانت الدراهم مع المسلم وهو الذي يتصرف بها في الشراء والبيع: فلا بأس، ولا يدفعها إلى اليهودي والنصراني يعملان فيها؛ لأنهما يُربيان" انتهى.
" أحكام أهل الذمة " (1 / 93) .
وتجدين تفصيل هذه المسألة في جواب السؤال رقم (48005) وقد قلنا في أول الجواب:
"الذي يكتسب المال من وجوه محرمة كالربا والرشوة والسرقة والغش.. ونحو ذلك: إذا كان ماله مختلطاً فيه الحلال والحرام: صحّت معاملته بيعاً وشراءً ومشاركةً مع الكراهة، وإن عُلم أن المال الذي يريد الاتجار فيه من عين الحرام، لم تجز مشاركته ولا العمل معه فيه" انتهى.
وعلى هذا؛ فالمال الذي تأخذينه من هذه الشركة (الراتب) حلال إن شاء الله تعالى، ولا حرج عليك فيما أنفقت منه أو فيما ادخرتيه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6661)
حكم العمل في الصحف
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في إحدى الجرائد القومية في بلدي، والمفروض أنها بلد إسلامية، ولكن ليست كذلك، وأنتم تعرفون مدى النفاق والتضليل الحكومي في هذه الجرائد، وأعمل في القسم الخاص بتنفيذ صفحات هذه الجرائد، فهل راتبي هذا حلال - خاصة وأن فرص العمل في بلدي صعبة جدا، وأنا اضطررت أن أعمل فيها، فلم أكن أرضى بالعمل فيها في بداية الأمر -؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين، وأن يهدي أصحاب القنوات الإعلامية لما فيه خير العباد، وأن يعينهم على نشر الصدق والعفاف.
وللأسف! قلما تخلو صحيفة أو مجلة من محاذير شرعية توجب هجر بيعها وشرائها، ومن باب أولى هجر العمل فيها، ومن هذه المحاذير:
1. وجود الأبراج والتكهن لأصحابها، وهذا من كبائر الذنوب، وقد يصل بصاحبه للكفر.
2. وجود جداول ببرامج القنوات الفضائية، والغالب على هذه البرامج نشر المنكرات والفواحش.
3. وجود صور الفاتنات والفاجرات.
4. وجود الدعايات للبنوك والشركات التي تبيع المحرم وتصنعه.
5. وجود الرسوم الكاريكاتورية، وهي محرمة لأنها رسم باليد لذوات الأرواح في غالبها.
6. النفاق للسلطان والحكومات بمدحها وهي غير مستحقة.
7. التقول على الشرع بالفتاوى الباطلة، والطعن في الإسلام بالمقالات المنحرفة.
وغير ذلك من المحظورات والمحاذير الشرعية، وهي تقل وتكثر، وتقوى وتضعف بحسب الدولة ونظامها، وبحسب الصحيفة وإدارتها.
ولذا جاءت فتاوى أهل العلم بالمنع من بيع وشراء الصحف والمجلات التي تحوي بعض تلك المحاذير، فكيف إن اجتمع فيها عدة محاذير؟! وكيف إذا كان الأمر في حكم القيام على تنفيذ هذه الصحف وإخراجها؟! .
1. قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
لا يجوز لكم - ولا لغيركم - بيع الصحف والمجلات المشتملة على الصور النسائية، أو المقالات المخالفة للشرع المطهر؛ لقول الله سبحانه: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب) .
" فتاوى إسلامية " (2 / 371) .
2. وسئل الشيخ عبد الله بن جبرين – حفظه الله -:
أنا شاب عمري 21سنة توفي والدي، وعندي خمسة إخوان ووالدتي، وترك لنا محلات تجارية، ومن بينها مكتبة لبيع الصحف والمجلات، وكتب دينية ومصاحف، وفي المكتبة عامل غير مسلم، وأخبرت أخي الكبير أنه لا يجوز لهذا العامل أن يمس المصاحف والكتب الدينية، كما لا يجوز بيع المجلات التي فيها صور ورفض ما قلت له، فماذا أفعل؟ هل يجوز لي الجلوس مع إخوتي والأكل معهم؟
فأجاب:
نشكرك على ورعك وتحرجك عن الحرام أو عن المشتبه، وننصحك بأن تحاول إبعاد هذا الكافر، وستجدون مسلماً أميناً خيراً منه بكثير إن شاء الله.
فأما المجلات: فإذا كانت خليعة تدعو إلى التهتك والفجور: فحرام بيعها وربحها وتعاطي التجارة فيها، فإن كانت الصور التي بها عادية وهي خالية عن الدعارة والفساد: فلا بأس ببيعها ويكون البيع والثمن لما فيها من العلوم والفوائد والكلام المباح، وتكون الصور غير مقصودة لكم، وننصحك بالإقامة مع إخوتك والأكل معهم، ولا إثم عليك إن شاء الله.
" فتاوى إسلامية " (2 / 371، 372) .
3. وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – أيضاً -:
ما حكم الرسم (الكاريكاتيري) والذي يشاهد في بعض الصحف والمجلات ويتضمن رسم أشخاص؟
فأجاب:
الرسم المذكور لا يجوز، وهو من المنكرات الشائعة التي يجب تركها لعموم الأحاديث الصحيحة الدالة على تحريم تصوير كل ذي روح سواء كان ذلك بالآلة أو باليد أو بغيرهما.
ومن ذلك ما رواه البخاري في الصحيح عن أبي جحيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (لعن آكل الربا وموكله، ولعن المصور) ، ومن ذلك أيضاً ما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون) وقوله صلى الله عليه وسلم: (إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم) ، إلى غير ذلك الأحاديث الكثيرة في هذا الموضوع، ولا يستثنى من ذلك إلا من تدعو الضرورة إلى تصويره لقول الله عز وجل: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه) .
أسأل الله أن يوفق المسلمين للتمسك بشريعة ربهم والاعتصام بسنة نبيهم صلي الله عليه وسلم والحذر مما يخالف ذلك، إنه خير مسؤول.
" فتاوى إسلامية " (4 / 362، 363) .
4. وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
أقول للمسؤولين عن هذه الصحف: إنهم مسؤولون أمام الله عز وجل حينما يقفون بين يديه عز وجل، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، إن هؤلاء الذين ينشرون هذه المنكرات إنهم مسؤولون عن أي نتيجة تحدث من جراء ما نشروه، إن المجتمع إذا صار مجتمعاً بهيميّاً: فإنه لا يمكن أن يحق حقّاً ولا ينكر باطلاً، لا يمكن أن يخضع لأوامر الله فضلا عن أوامر عباد الله عز وجل، وبهذا تكون الفوضى التي لا حدود لها ... .
وقال:
ومن مفاسد هذه الصحف: ما يحصل للقلب من هيام في الحب وإغراق في الخيال الذي لا حقيقة ل، فهو كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب.
ومن مفاسد هذه الصحف والمجلات: أنها تؤثر على الأخلاق والعادات بما يشاهد فيها من صور وأزياء فينقلب المجتمع إلى مجتمع مطابق لتلك المجتمعات الفاسدة.
فيا أيها المؤمنون قاطعوا هذه الصحف والمجلات، لا تعينوا ناشريها على إثمهم؛ فإن شراءكم إياها إثراءٌ لهم وتقوية لرصيدهم المالي وإغراء لهم في نشرها وعلى ما هو أفظع من ذلك، فيكون المشترك والمشتري والقابل لها معيناً على الإثم والعدوان، وتذكروا يا أيها المؤمنون تذكروا قول الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم من ناراً وقودها الناس والحجار عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) اللهم هل بلغت؟ اللهم هل بلغت؟ اللهم هل بلغت؟ اللهم اشهد عليَّ بما أقول، واشهد على هؤلاء بما يسمعون، وإنه يجب عليكم وأقولها وأكررها: يجب عليكم أن تقاطعوا هذه الصحف والمجلات وأن تحرقوا ما كان موجوداً منها بين أيديكم حتى تسلموا من إثمها.
" فتاوى إسلامية " (4 / 381 – 383) باختصار.
5. وقال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
لا يجوز إصدار المجلات التي تشتمل على نشر الصور النسائية، أو الدعاية إلى الزنا والفواحش، أو اللواط، أو شرب المسكرات، أو نحو ذلك مما يدعو إلى الباطل ويعين عليه، ولا يجوز العمل في مثل هذه المجلات لا بالكتابة ولا بالترويج؛ لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان، ونشر الفساد في الأرض، والدعوة إلى إفساد المجتمع ونشر الرذائل وقد قال الله عز وجل في كتابه المبين: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب) .
" فتاوى إسلامية " (4 / 384) .
6. وسئل الشيخ عبد الله الجبرين – حفظه الله -:
فضيلة الشيخ، نأمل توضيح حكم الشرع فيما يعرض في بعض المجلات الساقطة بما يسمى بالبروج كبرج الثور وبرج العقرب وغيرها، ويزعمون بأن من ولد في برج الثور مثلاً سيحدث له كذا..، ويسافر إلى بلاد.. ونحوه مما فيه ادعاء علم الغيب، وكل برج له أحوال خاصة يتحدث بأصحابه؟
فأجاب:
البروج هي منازل الشمس وهي اثنا عشر برجاً، أقسم الله تعالى بقوله: (والسماء ذات البروج) ، وهي الحمل والثور والجوزاء والسرطان والأسد والسنبلة والميزان والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت، وهي أشهر عادية، ولا يعلم ما يحدث فيها إلا الله تعالى، فمن ادَّعى أنه يحدث في برج الثور كذا، أو في برج العقرب كذا: فهو ممن يدعي علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله تعالى، ولا يجوز التخرص بالنظر في الأنواء أو في البروج والمنازل إلا بما يفيد الإنسان إيماناً وإسلاماً، والله أعلم.
" فتاوى إسلامية " (4 / 386) .
7. وسئل علماء اللجنة الدائمة:
ما حكم من يسمح بدخول المجلات التي فيها صور ومقالات محرمة شرعاً إلى بيته وإلى أهله؟
فأجابوا:
لا يجوز للمسلم أن يُدخل في بيته مجلات أو روايات فيها مقالات إلحادية، أو مقالات تدعو إلى البدع والضلال، أو تدعو إلى المجون والخلاعة؛ فإنها مفسدة للعقيدة والأخلاق، وكبير الأسرة مسئول عن أسرته، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الرجل راع في بيته وهو مسئول عن رعيته) .
" فتاوى إسلامية " (4 / 387) .
8. وسئل الشيخ عبد الله الجبرين – حفظه الله -:
تمارس جريدة ### دوراً سيئاً في تشويه أخبار المسلمين، والكتم على قضاياهم، وتشويه صورة الإسلام، والنيل من قضايا الإسلام، ومعالجتها بطريقة لا تخدم المصلحة الإسلامية بحال من الأحوال، كما أنها تتابع أخبار الفنانين والفنانات من الكفار وغيرهم وتبرز صورهم، فما رأيكم في هذه الجريدة؟ وما حكم بيعها وشرائها وتوزيعها واقتنائها؟ .
فأجاب:
إذا كان الأمر كما ذكر أعلاه: فإن التعامل معها طريق لتشجيعها وترويجها وتمكينها مع ما فيها، وما تحدثه من الأضرار في المعتقد، لذلك أرى النهي عن اقتنائها وشرائها وتوزيعها، وأشير على كل ناصح أن يجتنب المساهمة فيها، أو النشر فيها؛ فإن ذلك ذريعة إلى إماتتها، وإخماد ذكرها، حتى تتغير عن هذا الأسلوب، وتستبدل خيراً من هذه الطريقة.
" فتاوى إسلامية " (4 / 388) .
والخلاصة:
أنك رأيت فتاوى أهل العلم، وما ذكروه من أسباب تحريم العمل في الصحف والمجلات التي تخالف الشرع، وكذا حكم بيعها وشرائها، ورأيت ما قدمناه في أول الجواب، وعليه: فيمكنك أن تتأمل تلك الفتاوى لترى مدى انطباقها على الجريدة التي تعمل بها، فإذا كانت هناك محاذير شرعية فيها: فلا تعمل بها، واتق الله تعالى في نفسك، واعلم أن الله تعالى قد وعدك خيراً إن اتقيته، وجاء في السنة ما يبشرك بخير إن تركت العمل فيها لأجل الله تعالى.
قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق/2،3، وقال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) الطلاق/4.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من ترك شيئاً لله عوَّضه الله خيراً منه) صححه الألباني رحمه في " حجاب المرأة المسلمة " (ص 49) .
وإذا رأيت أن قاءك فيها يمكنك من تغيير بعض هذه المنكرات أو تقليلها والأمر بالمعروف؛ وفتح المجال لأهل الاستقامة للكتابة فيها والدفاع عن الإسلام.... ونحو ذلك من المنافع، فنرجو أن يكون بقاؤك فيها خيراً وتثاب عليه وعلى ما تبذله من جهد في تقليل المنكرات إن شاء الله تعالى.
أما إذا كنت عاجزاً عن ذلك والصحيفة مليئة بالمنكرات فليس أمامك إلا تركها، والله تعالى يعوضك خيراً منها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6662)
هل يعمل طباعا في مكتب محاماة يدافع عن المجرمين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل العمل كطباع في مكتب محاماة وعلمي بأن المستشارين يدافعون عن مجرمين وأنا أطبع هذه المذكرات على الكمبيوتر فهل علي إثم في ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
العمل في المحاماة يكون جائزا ويكون حراما، بحسب القضية والحال، فإن كانت المحاماة لنصرة مظلوم، واسترداد حق، فهي جائزة، بل مستحبة، وإن كانت لنصرة باطل أو إعانة على ظلم، أو اعتمدت على كذب وزور فهي حرام. وراجع السؤال رقم (9496) .
وينبني على ذلك حكم العمل في مكاتب المحاماة، في الطباعة وغيرها، لأنها من جملة ما يستعان به في المحاماة، فحيث كانت المحاماة جائزة، كانت الوسائل المعينة عليها جائزة أيضا، والعكس بالعكس؛ قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2.
فإذا علمتَ أن المستشارين يدافعون عن مجرمين، وطُلب منك طباعة مذكراتهم، لم يجز لك ذلك؛ لأنه إعانة على الإثم، وإقرار للمنكر، ومشاركة فيه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ) رواه مسلم (49) .
والدفاع عن المجرم والتستر عليه ونصرته جريمة عامةٌ وخاصة، عامة في حق الأمة؛ لما لانتشار المجرمين وبعدهم عن العقاب من آثار سيئة لا تخفى، وخاصةٌ في حق المجني عليه إن تعلقت القضية بشخص معين.
وكل إعانة على الظلم والجريمة محرمة، سواء كان بإعداد المادة أو طباعتها أو الدفاع عنهم أو غير ذلك.
والواجب عليك هو نصح هؤلاء، والامتناع عن المشاركة في طباعة ما تعلم أنه دفاع عن باطل، فإن استجيب لك فالحمد لله، وإلا فابحث عن عمل آخر، تسلم فيه من الإثم، وتنال منه رزقا حلالا.
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6663)
هل يحل له أخذ باقي المواد المصروفة له في العمل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الحكم في شخص يعمل في أحد فروع شركة أمريكية، وقد خصصت له مكاناً يعمل به ومعه موظف يساعده في العمل، وهذا المكان تخصص له الشركة مخصصاً تموينيّاً من الشاي والسكر وغيرها من المشروبات الساخنة في صورة جافة، وما يحدث أن يفيض من هذا المخصص كميات معينة كل شهر، ولا يمكن إعادتها، فهل يجوز لهذا الشخص استعمالها في منزله مع أسرته؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كانت هذه المواد المصروفة من قبَل الشركة للموظفين على سبيل التمليك لهم: فلا حرج عليهم في أخذ ما زاد منها إلى بيوتهم، وخاصة إذا كانت هذه المواد لا يمكن إعادتها، فيتعين – هنا – أخذها حتى لا يكون ذلك من تضييع المال بغير وجه حق.
أما إذا كانت الشركةتصرف هذه الأشياء لاستعمالها في الشركة فقط، ولا تسمح لأحد أن يأخذ منها شيئا، فلا يجوز لأحد من الموظفين أن يأخذ منها لبيته.
وحينئذ لابد من سؤال المسئولين في الشركة لمعرفة حقيقة الأمر.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6664)
العمل في بناء وتشطيب الفنادق والقرى السياحية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مهندس معماري أعمل في مجال تشطيب الفنادق الفاخرة والقرى السياحية (من الداخل مثل الأبواب –السيراميك-الرخام- الفرش-الحوائط-الحمامات) مثلا تحتوى القرية السياحية على 48 فيلا غير المبنى الرئيسي ومبنيين ملحقين والحدائق إلخ.. ولكن لا أشطب الأماكن الحرام مثل الخمارات أو الديسكو وما إلى ذلك فهل هذا العمل حلال أم حرام؟ وإذا ذهبت بنية التعلم -مع العلم أنا حديث التخرج وهذا العمل يحتاج إلي فترة تدريب وخبرة - وأنا لا أمتلك التدريب أو الخبرة) وأخذ راتب في هذه الحالة حلال أم حرام؟ وهل هناك فرق إذا كان الفندق في المدينة، أو في مكان سياحي، كشرم الشيخ وما إلى ذلك؟ مثال: إذا كان هناك شقة يوجد بها غرفة للخمر فهل أشطب الشقة بدون الغرفة أم لا أشطب الشقة أصلا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سبق أن بينا حكم المشاركة في بناء القرى السياحية، التي تشتمل على الاختلاط والتبرج والفساد والخمور، وأن ذلك لا يجوز لما فيه من الإعانة على الإثم والعدوان، انظر جواب السؤال رقم (47513)
وهذا هو الأصل الذي تنبني عليه هذه المسائل، أنَّ كل ما كان فيه إعانة على الإثم والمعصية، فهو محرم، فلا يجوز العمل في تشطيب أو بناء صالة ديسكو أو مكان لشرب الخمر، أو صالة قمار، أو مرقص، والمشارك في ذلك مشارك في الإثم والمعصية، وكذلك لا يجوز بيع أو تأجير ما يستعمل في المعصية.
والذي يظهر أن هناك فرقا بين الفنادق المقامة في المدينة، وتلك التي تقام في القرى السياحية، فإن فنادق المدينة تتخذ عادة للسكنى والنزول بها للراحة، ولا يقصد بها المعصية في الغالب، بخلاف الفنادق المنشأة في القرى السياحية، فإن الظاهر من حال المسافرين إليها أنهم سافروا إليها من أجل ما يوجد في هذا المكان من فساد وانحلال.
وكذلك إذا كانت الشقة مشتملة على غرفة أعدت للاستعمال في الحرام، كشرب الخمر، فلا يجوز الإعانة على بناء أو تشطيب هذه الغرفة، ويجوز في الباقي؛ لأن الإجارة إذا كانت على منفعة مباحة، فهي جائزة، وإذا كانت على منفعة محرمة فهي محرمة.
وينبغي أن تعلم أيها الأخ الكريم أن أبواب الرزق الحلال كثيرة، وأن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، فأيقن بذلك، وابحث عن مرضاة الله تعالى في كل عمل، واتق الشبهات يسلم لك دينك وعرضك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6665)
حكم المتاجرة بمستحضرات التجميل ولوازم الكوافيرات
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تجوز التجارة في بيع لوازم الكوافيرات، وما يصاحبه من مستحضرات التجميل الأخرى؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
استعمال مساحيق التجميل له ما يبرره عند النساء، وهو أن تبدو المرأة أجمل مما لو لم تستعمله، لكن المرأة العاقلة لو علمت ما قد يسببه من أضرار لامتنعت من استعمالها.
فقد ذكرت التقارير الطبية أن هذه المساحيق الصناعية تسبب أمراضاً متعددة.
منها: أنها تؤدي إلى الضرر بأعصاب الوجه، واستعمالها المتكرر يسبب الحساسية وأضراراً يظهر تأثيرها على الجلد بعد الاستعمال المستمر ولفترة طويلة كالاحمرار والتورم ورشح الجلد.
وفي جواب السؤال رقم: (26799) نقلنا عن بعض الأطباء ضرر أحمر الشفاه، وفيه قوله: " وقد يُعرِّض الأحمر الشفاه للتورم أو تيبس جلدها الرقيق وتشققه لأنه يزيل الطبقة الحافظة للشفة ".
ومن هنا جاء ما قاله في مكانه، فقد نقلنا في جواب السؤال رقم: (26861) عن الشيخ عبد العزيز بن باز قوله:
المساحيق فيها تفصيل:
إن كان يحصل بها الجمال وهي لا تضر الوجه، ولا تسبب فيه شيئا فلا بأس بها ولا حرج، أما إن كانت تسبب فيه شيئا كبقع سوداء أو تحدث فيه أضرارا أخرى فإنها تمنع من أجل الضرر.
ومثل ذلك قاله الشيخ ابن عثيمين كما في جواب السؤال رقم: (26799) .
ولا تخلو كثير من تلك المساحيق من محرمات في المواد التي تحضر منها كالنجاسات وكالكحول، أو الأجِنَّة – وفي الغرب يتعمدون قتل الأجنة لتحضير المساحيق منها.
وإن الناظر في أحوال النساء في هذه الأيام ليعلم كم نجح الأعداء في تسويق بضائعهم السيئة على نساء المسلمين، ونظرة إلى إحصائيات شراء أدوات التجميل تكفي لمعرفة خطورة هذا الأمر، ففي عام 1997 م: أنفقت نساء الخليج حوالي ثلاث مليارات ريال على العطور فقط، وخمسة عشر مليون ريال على صبغات الشعر، وبلغت مبيعات أحمر الشفاه أكثر من ستمائة طن، فيما بلغت مبيعات طلاء الأظافر أكثر من خمسين طنا.
فكم تكون الحسبة لو أحصينا ما اشترته المسلمات في جميع أنحاء الأرض؟! وكم تكون لو أحصيناها الآن؟!
ويمكن للمرأة أن تستعمل مساحيق التجميل المصنعة من مواد طبيعية فتخرج بذلك من الضرر الذي تسببه تلك المواد، وتتزين لزوجها بشيء مباح دون ترتب آثار مَرَضِيَّة.
ومما ينبغي التنبه له، أن هذه المساحيق، لو أبيح للمرأة استعمالها، فإن حكم بيعها قد يختلف، لأن أكثر من يشتري هذه المواد هن المتبرجات ويستعملنها استعمالاً محرماً، حيث يظهرن بها في الشوارع والأسواق، وأمام الرجال الأجانب، والوسائل لها أحكام المقاصد.
ومن أعان تلك النسوة على هذا الاستعمال المحرم تصنيعاً أو استيراداً أو بيعا فقد أعان على انتشار تلك المنكرات وتلك المضار فهو شريك في الإثم والفعل، والله تعالى يقول:
(وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) (المائدة: 2)
فإذا خلت تلك المواد التجميلية من المضار وبيعت على من يستعملها استعمالاً مباحاً يقيناً أو على غلبة الظن: جاز البيع والشراء لتلك المواد، وإلا فيحرم بيعها وشراؤها.
وانظر تفصيل أهل العلم في جواب السؤال رقم: (41052) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6666)
حكم العمل في مجال السياحة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل العمل بالسياحة حلال أم حرام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
السياحة الآن تعني التبرج والاختلاط والخمور والحفلات الماجنة ولعب القمار والشواطئ التي تُكشف فيها العورات، وفي بعض البلدان يضاف إلى ما سبق زيارة مساكن الكفار الذين نهينا عن الذهاب إليها وزيارتها إلا أن نكون باكين، وهذا كله مخالف للشرع داخل في التعاون على الإثم والعدوان، ومسبب للكسب الحرام.
قال الله تعالى: (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2.
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلاءِ الْقَوْمِ الْمُعَذَّبِينَ إِلا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَلا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ، أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ) رواه البخاري (423) ، (3380) ومسلم (2980) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" أن يصيبكم " أي: خشية أن يصيبكم , ووجه هذه الخشية: أن البكاء يبعثه على التفكر والاعتبار , فكأنه أمرهم بالتفكر في أحوال توجب البكاء من تقدير الله تعالى على أولئك بالكفر مع تمكينه لهم في الأرض وإمهالهم مدة طويلة ثم إيقاع نقمته بهم وشدة عذابه , وهو سبحانه مقلب القلوب فلا يأمن المؤمن أن تكون عاقبته إلى مثل ذلك، والتفكر أيضا في مقابلة أولئك نعمة الله بالكفر وإهمالهم إعمال عقولهم فيما يوجب الإيمان به والطاعة له , فمن مر عليهم ولم يتفكر فيما يوجب البكاء اعتبارا بأحوالهم فقد شابههم في الإهمال , ودل على قساوة قلبه وعدم خشوعه , فلا يأمن أن يجره ذلك إلى العمل بمثل أعمالهم فيصيبه ما أصابهم.
" فتح الباري " (1 / 531) .
ولو فرض أن السياحة في بلدك أو مؤسستك لا تدل السياح على أماكن الحرام ولا تعينهم عليه: فإنه يجوز لك العمل معهم.
فالذي يجب عليك فعله إن كنت تعمل في مؤسسات سياحية تقوم على نشر المنكرات والدلالة عليها: أن تبادر إلى الخروج من العمل بعد نصح القائمين عليه بتقوى الله واجتناب الحرام، وإن كنتَ لم تعمل بعدُ فلا تعمل معهم، واعلم أن ما عند الله خير وأبقى، ولا تُنبت جسدك وجسد أبنائك بالحرام، قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ. وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق/2- 3، وقد صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مَنْ تَرَكَ شَيْئاً لله عوَّضَه الله خَيْراً مِنْه) صححه الشيخ الألباني رحمه الله في " حجاب المرأة المسلمة " (ص 49) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6667)
الاختلاط في بعثات التعليم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الذهاب لمأمورِيَّة علمية مع زملاء من الجنسين إلى دول إسلامية وغير إسلامية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب على المسلم شكر نعمة الله تعالى عليه بالطاعة، والالتزام بأحكام الشرع، والابتعاد عن كل ما يوجب غضب الرب سبحانه وسخطه، والله سبحانه وتعالى لا يرضى لعباده المؤمنين أن ينتهكوا حرماته، والاختلاط المحرَّم واحد من هذه الحرمات.
ماذا سيجني العبد من الاختلاط بالنساء، والسفر معهن، ومحادثتهن، ومعاملتهن، ومشاهدتهن، سوى مرض القلب وفتنة الدين، وكل نفس تعلم في فطرتها أن الجنس الآخر يمثل هدفا وحاجة من حاجاتها، ولكن بعض الناس يسعى إلى حاجته بالحلال، وآخرون يسلكون الحرام.
وقد سبق في موقعنا – والحمد لله – العديد من الأجوبة التي بيَّنَّا فيها حرمة الاختلاط بين الجنسين من حيث العموم، وأن الشريعة جاءت بسد الذرائع، والاختلاط المستهتر هو من أعظم ذرائع الفاحشة.
انظر (1200) (8827) (45883) (47554) (72448)
ولكن يبدو أن الأخ السائل ظَنَّ أن مأمورية التعليم – أو بعثة التعليم – تمثل عذرا شرعيا للاختلاط، ولكن الصواب هو العكس، فإن السفر في مهمة علمية مع زملاء وزميلات يمثل أكبر خطر على دين المرء، وذلك أن السفر خلوة واحتجاب عن أنظار كل من يمكن أن ينكر عليك، والنفس تطمع حينئذ، والشيطان يملي ويُسَوِّل.
كما أن السفر في شأن علمي يستلزم مجالسات طويلة وإعدادات كثيرة، ومناقشات ومداولات في الشأن العلمي الذي خرجتم لأجله، وقد يستغرق النهار كله مع زميلةٍ أو زميل! كما قد يستلزم المؤاكلة والمساكنة ونحو ذلك، وكلما زاد الاختلاط والمماسة بين الجنسين فإن الفتنة والمعصية تكون أعظم وأقرب، ولا أظن عاقلا يجادل في مثل ذلك.
ولعل السائل الكريم يظن في نفسه الخير ويقول: أنا لا يخطر في بالي شيء مما تذكرون!
فنقول له: وكثيرون أيضا، بل أكثر من يقع في حبائل الشيطان، إنما كانت بدايتهم كهذه: تهاون في الاختلاط، والكلام والسلام، ثم ... :
نَظرَةٌ فَاِبتِسامَةٌ فَسَلامٌ فَكَلامٌ فَمَوعِدٌ فَلِقاءُ
وإن كنت قد تضمن نفسك وقلبك – وفي ذلك مكابرة للحس والعقل – فهل تضمن من معك من الرجال والنساء؟! وخاصة أن النساء فيهن من الضعف ما قد لا ينتبه له الرجال، وإذا خَرَجَت في سفر بعيد – وفي دول تستبيح المعاصي، سواء إسلامية أو غير إسلامية – فذلك ولا شك باب من أعظم أبواب الفساد، ويفتح على القلب من الشر والإثم الأمر العظيم.
وأنت في غِنًى تام عن مثل هذه المأموريات أو البعثات، إذ تستطيع الاعتذار عنها من الجهة التي كلفتك بها، وتكتفي بالحال التي أنت عليها حتى ييسر الله لك بعثة تخلو من الاختلاط، وإن قلت سأخسر منصبا أو درجة علمية! فأقول لك: ولكنك ربحت دينك وقلبك، وشتان بين التجارتين.
وقد تكلم العلماء في حكم السفر إلى بلاد غير المسلمين للدراسة، فكيف لو صاحب ذلك اختلاط فاحش بين المبعوثين من كلا الجنسين؟!
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله كما في "مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" (24/44) :
ما حكم السفر إلى بلاد الكفار للدراسة؟
فأجاب:
" الوصية الحذر من ذلك، إلا إذا كان المسافر عنده علم وبصيرة، يدعو إلى الله، ويعلم الناس، ولا يخشى على دينه؛ لأنه صاحب علم وبصيرة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا برئ من كل مسلم يقيم بين المشركين) رواه الترمذي (1530) ، والله جل وعلا قال في كتابه الكريم عن المسلمين المقيمين بين المشركين وهم لا يستطيعون إظهار دينهم: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً) النساء/97-98
وفي الحديث الصحيح: (لا يقبل الله عز وجل من مشرك بعدما أسلم عملا أو يفارق المشركين إلى المسلمين) رواه النسائي (2521) والمعنى حتى يفارق المشركين.
فالوصية مني لجميع المسلمين الحذر من الذهاب إلى بلاد المشركين والجلوس بينهم، لا للتجارة، ولا للدراسة، إلا من كان عنده علم وهدى وبصيرة، ليدعو إلى الله، وتعلم أشياء أخرى تحتاجها بلاده، ويظهر دينه، فهذا لا بأس به، كما فعل جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ومن معه من الصحابة لما هاجروا إلى الحبشة من مكة المكرمة بسبب ظلم المشركين لهم، وعجزهم عن إظهار دينهم بمكة حين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة " انتهى.
وننصحك ـ أخي السائل ـ بقراءة الرسالة النافعة: " تحريم الخلوة بالمرأة الأجنبية، والاختلاط المستهتر " لفضيلة الشيخ محمد بن لطفي الصباغ.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6668)
العمل في الضرائب وأخذ مستحقات مالية على ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا كنت أعمل بمصلحة الضرائب ظانا أن العمل بها حلال لا شك فيه لمدة تسع سنوات ثم أخبرني بعض الإخوة أن هذا العمل حرام فاستفتيت أحد طلاب العلم عندنا فأفادني أن العمل بنية التخفيف على الناس يجوز وتؤجر، المهم عملت بعد هذه الفتوى قليلا ثم لم أطمئن فقررت ترك العمل، ثم إني بعد ترك العمل يكون لي على الدولة مستحقات مالية مثل أموال كانت تستقطع باسم التأمين الاجتماعي واستحقاقات أخرى هل يجوز لي أخذها والاستفادة منها؟ وما حكم ما كنت أتقاضاه قبل علمي بحرمة العمل؟ وهل يجوز لي أن أرجع لهذا العمل وأسعى للتخفيف علي الناس؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
العمل في مصلحة الضرائب حرام، لما فيه من المشاركة في أخذ أموال الناس ظلماً، إلا إذا قصد العامل فيها التخفيف عن الناس، ورفع الظلم عنهم قدر استطاعته، فلا حرج عليه في هذا العمل بل يكون بذلك من المحسنين.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (39461) .
وعلى هذا فلا حرج عليك من الرجوع إلى هذا العمل بنية التخفيف عن الناس، ونسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير.
ثانياً:
الراتب الذي كنت تتقاضاه قبل علمك بالتحريم، لا حرج فيه إن شاء الله تعالى، وقد قال الله تعالى في الربا وهو من أكبر الكبائر: (فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ) البقرة/275.
فأباح الله تعالى لهم ما أخذوه من الربا قبل علمهم بالتحريم.
وكذلك أيضا مستحقاتك عند الدولة عن فترة عملك لا يظهر لنا ـ والله أعلم ـ مانع من أخذها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6669)
حكم تدريس الرجل للفتيات بلا حائل
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب ولقد أطلقت لحيتي منذ ما يقرب من سنة وأحاول فعل الطاعات والبعد عن المنهيات قدر ما أستطيع , ولقد واجهت مشكلة صعوبة البحث عن عمل حتى وجدت عملا بالتدريس في مدرسة ثانوية للبنات وأريد أن أعلم هل يجوز لي الاستمرار في هذا العمل وما حكم المال الذي تكسبته منه حتى الآن؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
عمل الرجل في التدريس للبنات في المرحلة الثانوية، بحيث يلقاهن من غير حائل، وقد تبرج أكثرهن وكشفن عن محاسنهن – كما هو الحال في بلد السائل - لا يستريب عاقل في الجزم بتحريمه، لما له من الآثار السيئة والمفاسد الواضحة على الرجل والمرأة، وقد سبق بيان هذه المفاسد في جواب السؤال رقم (50398)
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (12/149) : " لا يجوز للرجل تدريس البنات مباشرة؛ لما في ذلك من الخطر العظيم والعواقب الوخيمة ".
وجاء فيها أيضا (12/156) :
" أولا: الاختلاط بين الرجال والنساء في المدارس أو غيرها من المنكرات العظيمة، والمفاسد الكبيرة في الدين والدنيا، فلا يجوز للمرأة أن تدرس أو تعمل في مكان مختلط بالرجال والنساء، ولا يجوز لوليها أن يأذن لها بذلك.
ثانيا: لا يجوز للرجل أن يعلم المرأة وهي ليست متحجبة، ولا يجوز أن يعلمها خاليا بها ولو كانت بحجاب شرعي، والمرأة عند الرجل الأجنبي عنها كلها عورة، أما ستر الرأس وإظهار الوجه فليس بحجاب كامل.
ثالثا: لا حرج في تعليم الرجل المرأة من وراء حجاب في مدارس خاصة بالنساء، لا اختلاط فيها بين الطلاب والطالبات، ولا المعلم والمتعلمات.
وإن احتجن للتفاهم معه؛ فيكون عبر شبكات الاتصال المغلقة، وهي معروفة ومتيسرة، أو عبر الهاتف، لكن يجب أن يحذر الطالبات من الخضوع بالقول بتحسين الكلام وتليينه " انتهى.
ثانيا:
ما اكتسبته من مال في مقابل هذا العمل، لا حرج عليك في الانتفاع به، لأن هذا الراتب الذي أخذته هو في مقابل إلقاء الدروس (وهو عمل مباح في الأصل) ، والتحريم عارض؛ لأجل الاختلاط، كما سبق.
لكن يجب عليك المبادرة بترك هذا العمل، والبحث عن عمل آخر تسلم فيه من الوقوع في الحرام والفتنة.
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6670)
هل يجوز للموظف أن يقرأ القرآن في ساعات العمل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم قراءة الموظف القرآن الكريم أثناء ساعات العمل الرسمية وعلى حساب العمل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان ذلك على حساب العمل - كما ورد في السؤال - فلا يجوز، لأن الموظف تم التعاقد
بينه وبين جهة العمل على أن يقوم بالعمل الموكل إليه، مع الالتزام بساعات العمل اليومية
فإن أخل بساعات العمل، أو بالعمل نفسه كان ذلك محرماً، لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) المائدة/1، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم:: (المسلمون على شروطهم) رواه أبو داود (3594) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
أما إذا كانت قراءته للقرآن لا تؤثر على قيامه بالعمل، فلا حرج في ذلك إن شاء الله تعالى.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا قام الموظف بأداء عمله المكلف به وأراد أن يستفيد من وقت الدوام بقراءة القرآن، أو قراءة شيء مفيد، أو حتى أراد أن ينعس ليرتاح قليلا، فهل عليه شيء من ذلك؟
فأجاب: " ليس عليه شيء مادام قائما بالعمل الذي وكل إليه، أما إذا كان يفرط أو ينقص من أداء عمله، فإن ذلك حرام عليه ولا يجوز، وأما النعاس فلا رخصة له فيه لأنه لا يملك نفسه فقد ينام عن عمله من حيث لا يشعر " انتهى نقلا عن "فتاوى الحقوق" جمع خالد الجريسي ص 59.
انظر جواب السؤال رقم (9374)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6671)
يعمل في بنك ولا يلتزم بسعر صرف العملات المعطى له من الإدارة!
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في مصرف وأتاجر بالعملة الأجنبية، ولكن استشكل عليَّ مشكلة وهي أني أقوم ببيع العملة الأجنبية بسعر الصرف السابق ولا أعمل بالسعر الجديد المرسل إليَّ من الإدارة العامة للمصرف , حيث يتم إخطار سعر العملة الجديد عن طريق الهاتف ولا يوجد رسالة رسمية تبين سعر التداول بالعملة.
سؤالي:
ما حكم عملي هذا؟ حيث إني أريد إخراج زكاة مالي وأشك في أمر هذه الأموال التي أكسبها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سبق في هذا في الموقع فتاوى متعددة في حكم العمل في البنوك الربوية، وأنه حرام، ولا يجوز العمل بها، فانظر أجوبة الأسئلة: (21113) و (21166) و (26771) ، فسؤالك عن حكم العمل في البنك أولى من سؤالك عن حكم التصرف في سعر العملات.
ومع كونك آثماً في عملك في البنك فإنك آثم من وجه آخر، وهو الغش في العمل، وصرفك العملات بالسعر السابق مع أنك تعلم أنه قد تغير، ولا يجوز لك أن تستغل عدم معرفة من يتعامل معك بالسعر الجديد، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا) رواه مسلم (101) .
والمؤمن يعامل الناس بمثل ما يحب أن يعاملوه به، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ) رواه البخاري (13) ومسلم (45) .
ولا شك أنك ترى أن من عاملك بذلك أنه قد غشك وخدعك.
فعليك بالبحث عن عمل حلال، ولتكن صادقاً في تعاملاتك.
نسأل الله تعالى أن يكفينا بحلاله عن حرامه وبفضله عمن سواه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6672)
يعمل محاسبا في شركة ويكتب الأرقام في القيد للمال الربوي
[السُّؤَالُ]
ـ[المحاسب الذي وظيفته عمل ميزانية الشركة، فهو يجمع الأرقام ويحصي المصروفات والأرباح.. الخ. ضمن هذه الأرقام التي يجمعها المحاسب مبلغ الربا - بالأرقام - الذي تأخذه الشركة من البنك على الرصيد، فهو لا يودع في البنك ولا يطالب البنك بالربا، وإنما يحسب مصاريف الشركة كلها - مجرد تقييد - مثل الأجور وغيرها وأسعار المواد الخام.. ومن ضمنها هذا الرقم. فهل مجرد كتابة هذا الرقم في الكشف الطويل يكون حراماً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله:
نعم، لأنه يدخل في عموم الحديث: " لعن النبي صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه ". والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(5/6673)
عمل الطلاب في مطاعم تقدّم الخمر والخنزير
[السُّؤَالُ]
ـ[يضطر كثير من الطلاب المسلمين إلى العمل في هذه البلاد لتغطية نفقات الدراسة والمعيشة لأن كثيراً منهم لا يكفيه ما يرده من ذويه مما يجعل العمل ضرورة له لا يمكن أن يعيش بدونه، وكثيراً ما لا يجد عملاً إلا في مطاعم تبيع الخمور أو تقدم وجبات فيها لحم الخنزير وغيره من المحرمات. فما حكم عمله في هذه المحلات؟ وما حكم بيع المسلم للخمور والخنازير، أو صناعة الخمور وبيعها لغير المسلمين؟ علماً بأن بعض المسلمين في هذه البلدان قد اتخذوا من ذلك حرفة لهم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
للمسلم إذا لم يجد عملاً مباحاً شرعاً العمل في مطاعم الكفار بشرط أن لا يباشر بنفسه سقي الخمر أو حملها أو صناعتها أو الاتجار بها، وكذلك الحال بالنسبة لتقديم لحوم الخنازير ونحوها من المحرمات.
[الْمَصْدَرُ]
مجمع الفقه الإسلامي ص 45(5/6674)
أسئلة خاصة بالموظفين والأمانة في العمل
[السُّؤَالُ]
ـ[1-هل يجوز أن أطالب بالمستحقات الطبية بإحضار فاتورة مزورة مع العلم بأن الشركة تعلم بهذا وتسمح به حيث أن هذا طلب عادي.
2- هل يجوز أن نطالب بإجازة مرضية مع أننا لا نشعر بالمرض؟ إذا لم نأخذ هذه الإجازة فسوف نفقد الفائدة.
3-هل يجوز لبس ربطة العنق أثناء الصلاة لأنني سمعت أنه يمكن الصلاة بدون نزع الحذاء؟ وما حكم الصلاة مع وضع القميص داخل البنطلون؟
4-هل يجوز التلاعب بوقت تسجيل الدخول إلى الشركة
5- الكثير من الناس لا تعجبهم اللحية وخصوصا غير المسلمين فإذا لم أحلق لحيتي قبل المقابلة الشخصية للعمل فلن تكون لي الأفضلية، فماذا رأيك هل أكترث أم لا أكترث بهؤلاء الكفار حيث أنني يجب أن أرضي الله تعالى وليس هؤلاء الكفرة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
(1، 2، 4) : التلاعب بفواتير الأدوية والإجازات وأوقات الدوام.
قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) النساء/ 58. وقال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) الأنفال / 27. فهذه الآيات الكريمة فيها الأمر بأداء مختلف الأمانات التي أؤتمن عليها أصحابها، وأنّ حفظها والقيام بها على وجهها من أعظم خصال الإيمان.
وقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاثٌ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ " رواه البخاري برقم 32، ومسلم برقم 89، وفي رواية لمسلم برقم 90: " وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ ".
فهذا فيه دليل على أن الخيانة من خصال أهل النفاق. وفي المسند من حديث أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا إِيمَانَ لِمَنْ لا أَمَانَةَ لَهُ وَلا دِينَ لِمَنْ لا عَهْدَ لَهُ " مسند الإمام أحمد بن حنبل برقم 11935.
وقد كان من دعاء النبيّ صلى الله عليه وسلم: " اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْجُوعِ فَإِنَّهُ بِئْسَ الضَّجِيعُ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْخِيَانَةِ فَإِنَّهَا بِئْسَتِ الْبِطَانَةُ " رواه النسائي برقم 5373، وأبو داود برقم 1323، وابن ماجة برقم 3345، وقال الألباني: حسن صحيح (صحيح سنن النسائي - 3 / 1112) .
قال ميمون بن مهران - رحمه الله -: " ثلاثة يؤدَّين إلى البَرّ والفاجر: الأمانة، والعهد، وصلة الرحم ".
ولذا كان على الواجب على الموظف أن يراقب ربه ويؤدي أمانة عمله بصدق وإخلاص وعناية وتحري، حتى تبرأ ذمته ويطيب كسبه ويرضى عنه ربه.
وما ذكرته أيها الأخ من المسائل المبنية على التلاعب هي من صور الغش والخداع والخيانة التي لا تليق " يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى الْخِلَالِ كُلِّهَا إِلا الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ " رواه الإمام أحمد برقم 21149 من حديث أبي أمامة رضي الله مرفوعاً. فلا يجوز التلاعب بوقت حضورك للشركة، ولا يجوز أخذ إجازة مَرَضِيّة دون مرض، أو المطالبة بأشياء لا تستحقها بإثباتات مُزَوَّرَة..، كل ذلك حرام في الشرع، وتشبّه بأهل النفاق. وإنّ تَساهُلَ الرئيس أو المسؤول ليس عذراً مقبولاً لارتكاب المحرم. والله أعلم.
(3) :
أمَا ربطة العنق فيراجع سؤال رقم 1399
(4) وأمّا الصلاة بالبنطلون: فإن كان ساتراً واسعاً غير ضيق صحّت فيه الصلاة، والأفضل أن يكون فوقه قميص يستر ما بين السرة والركبة، وينزل عن ذلك إلى نصف الساق أو إلى الكعب؛ لأن ذلك أكمل في الستر.
(5) :
وأمّا اللحية فالواجب عليك أن تستمر في إعفائها وإرخائها طاعة لرسول الله وامتثالاً لأمره، وأن تضرب بكلامهم عرض الحائط، ومن ترك شيئاً لله عوّضه الله خيراً منه. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/6675)
السؤال عن أحوال طالبي الوظائف
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل تحت إدارة أحد المسؤولين وهذا المسؤول يطلب مني أحياناً السؤال عن بعض الأشخاص الذين يرغبون في العمل تحت إدارته أو الذين يعملون فعلاً في الإدارة من ناحية أخلاقهم وصلاحهم وكفايتهم، فهل يجوز لي أن أقوم بهذا العمل؟ أفتونا جزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز لك أن تقوم بهذه المهمة بعد تحري الصدق والعناية وعدم الكذب والغش؛ لأن هذا العمل مع الصدق والإخلاص يعتبر من باب التعاون على البر والتقوى، ومن باب النصيحة. وفق الله الجميع.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/8 ص / 420.(5/6676)
قراءة القرآن في أوقات العمل
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا موظف وفي العمل أقرأ القرآن الكريم في أوقات الفراغ، ولكن المسؤول ينهاني عن ذلك بقوله: إن هذا الوقت للعمل وليس لقراءة القرآن. فما حكم ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا لم يكن لديك عمل فلا حرج في قراءة القرآن، وهكذا التسبيح والتهليل والذكر، وهو خير من السكوت، أما إذا كانت القراءة تشغلك عن شيء يتعلق بعملك فلا يجوز لك ذلك؛ لأن الوقت مخصص للعمل فلا يجوز لك أن تشغله بما يعوقك عن العمل.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/8ص / 361(5/6677)
تدريس أولاد موظف البنك
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل يدرس دروس خاصة في مادة لأبناء رجل يشتغل في بنك ربوي ما حكم المال المأخوذ من هذا الرجل؟ وما حكم تدريس أولاده؟ ما الحكم إذا وجد لهذا الرجل مصدر آخر حلال مع هذا المصدر ما حكم الأكل من الأكل الذي يقدمونه عند الزيارة وشكراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان يدرسهم أموراً مباحة فيجوز أن يأخذ الأجرة ولو من مدير البنك لأن عمله ليس محرماً فأجرته ليست محرمة ولا يتحمل مسؤولية مصدر أموال الذي أستأجره.
وأما الطعام فعليه أن لا يأكل من طعام من يعلم بأن كسبه خبيث وإذا اختلط كسب صاحب البيت بحيث صار بعضه حلالاً وبعضه حراماً ولم يتميز جاز الأكل، والورع تركه. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/6678)
إعانة من يريد الهجرة إلى بلاد الكفار
[السُّؤَالُ]
ـ[لي صديق يريد منّي أن أساعده لكي يأتي إلى الولايات المتحدة فيحصل على وظيفة ثم يحصل على التأشيرة. لا أستطيع أن أقوم بهذه الأمور كلها ولكن مجيئه إلى هنا لي دخل فيه. فهل يحل لي إسلامياً أن أساعد شخصاً كي يأتي إلى بلد غير مسلم مع عدم عودته إلى البلد المسلم (باكستان) وربما يحدث له مكروه أو لأهله فيما يتعلق بأمور العقيدة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الشّخص ممن يجوز له السفر إلى بلاد الكفار فيجوز لك أن تُعينه على ذلك وإلا فاعتذر منه ولا تساعده لأنّك في هذه الحالة ستكون متعاونا على الإثم والعدوان.
فإن قلت ومن هم الذين يجوز لهم الذّهاب إلى بلاد الكفّار؟ فالجواب:
أنّ بعد تقرير الأصل وهو حرمة السّفر إلى بلاد الكفّار والإقامة بينهم فإنّ هناك عددا من الحالات التي يمكن أن تُستثنى من ذلك ومنها:
- أن لا يجد مكانا يؤويه في بلاد المسلمين.
- أن لا يأمن على نفسه في بلاد المسلمين.
- أن يحتاج إلى علاج لا يوجد في بلاد المسلمين.
- أن يحتاج المسلمون إلى علم أو خبرة أو تدريب لا يمكن تحصيله إلا بالذّهاب إلى بلاد الكفّار.
- أن يذهب للدعوة في بلاد الكفّار. سواء لإيضاح الإسلام للكفرة أو للقيام ببعض مصالح المسلمين الهامة كالإمامة والخطابة وتعليم أبناء المسلمين ونحو ذلك.
ويُشترط في كلّ من يسوغ له شرعا الذّهاب إلى بلاد الكفار أن يتوفّر لديه أمران:
الأول: علم يدفع به الشّبهات.
الثاني: عقل يدفع به الشّهوات.
فإذا لم تتوفّر لم يجز له الذّهاب وبالتالي لا تجوز إعانته على ذلك.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/6679)
حكم إبلاغ المسؤولين بالإدارة لمن وجد فيه مخالفة أو تقصير
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا لمست من أحد العاملين في الإدارة تقصيراً في عمله أو فساداً في خلقه، فهل يجوز لي أن أبلغ عنه المسؤول في الإدارة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المشروع لك نصيحته وتوجيهه إلى الخير، وحثه على أداء الأمانة، فإن لم يمتثل فالواجب الرفع عنه إلى الجهة المختصة، لقول الله عز وجل: (وتعاونوا على البر والتقوى) المائدة/2، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة) ثلاثاً، قيل لمن يا رسول الله؟ قال: (لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) أخرجه مسلم في صحيحه.
والله ولي التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/8 ص/420.(5/6680)
هل يوافق المدير على استئذان الموظف المتلاعب؟
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الموظفين يتهرب من العمل لوجود مصالح أخرى لديه شخصية غير الوظيفة، فيستأذن من رئيسه ويختلق الأعذار التي غالباً ما تكون مقنعة أو غير مقنعة، فإذا كان رئيسه يعلم بعدم صحتها، فهل يأثم على موافقته الإذن للموظف؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز لرئيس الدائرة أو مديرها أو من يقوم مقامهما أن يوافق على شيء يعتقد بعدم صحته، بل عليه أن يتحرى إن كان هناك ضرورة في الاستئذان لحاجة ماسة والاستئذان لا يضر العمل فلا بأس به، أما الأعذار التي يعرف أنها باطلة أو يغلب على ظنه أنها باطلة فإن على رئيسه أن لا يأذن له ولا يوافق عليه لأن ذلك خيانة للأمانة وعدم نصح لمن ائتمنه وللمسلمين، يقول عليه الصلاة والسلام: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) وهذه أمانة، والله سبحانه وتعالى يقول: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) النساء/85، ويقول سبحانه في وصف المؤمنين: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) المؤمنون/8، ويقول سبحانه: (يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون) الأنفال/27.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/9 ص/438.(5/6681)
يريد أن يعمل بعض أيام الأسبوع والباقي في العبادة
[السُّؤَالُ]
ـ[أعرف أخا في الإسلام، ترك وظيفته المحرمة-والحمد لله- بعد أن علم أن طبيعة العمل محرمة.
هذا الأخ الآن يبحث عن عمل يدر عليه ما يكفي لإطعام عائلته وكسوتهم. إنه متحمس للعمل من أيام الأسبوع ما يكفي لحصوله على ذلك الدخل المذكور وحسب. وهو يريد أن يقضي باقي أيام الأسبوع في المسجد يقرأ القرآن ويصلي.. الخ.
هل سلوكه هذا جائز؟ ألا يقول الإسلام بأن النهار هو لكسب العيش والليل للصلوات؟ أليس من الأفضل بالنسبة لهذا الأخ أن يبحث عن عمل جيد يدر عليه مالا ويتصدق بما زاد عن حاجته للفقراء؟ أليس لأهله حقوق عليه فيما يتعلق بالوقت؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
على المسلم القادر على الكسب أن يسعى في كسب ما يعفّه ومن تحت يده من زوجة وأولاد، وسائر من تلزمه نفقتهم، فإذا حصل على ذلك فشغل باقي الوقت سواء كان في الليل أو النهار في عبادة الله سبحانه وتعالى من صلاة وصيام وتلاوة قرآن كان أفضل. وليس للعبادة المطلقة وقت مخصص، لكن نعم قيام الليل أفضل من الصلاة في النهار، ولا يعني هذا أن نوافل العبادة في النهار لا أجر فيها. فعليه أن يبدأ بفعل الواجبات سواء منها ما كان لله وما كان لخلقه، ثم يصرف باقي الوقت في المستحب، وإن زاول بعض المباحات للاستجمام والراحة فلا بأس.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الكريم الخضير.(5/6682)
حكم العمل في تظهير أفلام الصور الفتوغرافية
[السُّؤَالُ]
ـ[مسلم يعمل في محل لتظهير الأفلام (الصور الفوتوغرافية) ، وهو يقوم باستلام الأفلام من الزبون ووضعها في جهاز التظهير، فهل دخله حلال أم حرام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحكم يحتاج إلى تقسيم: فإذا كان تظهير الأفلام لصور يحتاج الناس إليها لضرورة أو حاجة أو مصلحة عامة معتبرة فيجوز حينئذٍ تظهير افلام هذه الصور واتخاذها مهنة، ومصدراً للتكسب، لأن ما أبيح للضرورة أو المصلحة يجوز التعامل به في سائر المعاملات والعقود متى كانت الضرورة موجودة في تلك المعاملة فإن ما أبيح عينه للضرورة يباح ثمنه كذلك. ولأن اتخاذ هذا القسم من الصور وآلاتها وسيلة إلى دفع الضرورة عمن يضطر إليها من الناس، والوسائل لها أحكام المقاصد ولكن بالقدر الذي تدفع به الضرورة وتسد به الحاجة أو تتحقق به المصلحة فقط، تمشياً مع قاعدة " الضرورة تقدَّر بقدرها "
أما القسم الثاني من الصور وهي التي لا تفرضها ضرورة ولا تقتضيها المصلحة فإن الراجح في هذه الصور الحرمة وأنه لا يجوز اتخاذ هذه الصور وبناء على ذلك فإنه يحرم تظهير الأفلام لهذه الصور.
يُنظر أحكام التصوير لمحمد واصل ص 602.
ويراجع جواب سؤال رقم 3243 في كسب المصور. والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/6683)
حكم العمل كخبير في شؤون التأمين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجيز الإسلام العمل كخبير في شؤون التأمين؟ فالوظيفة تتضمن حساب نسب العلاوات التشجيعية على التأمين وبرامج التقاعد باستخدام نسب الفوائد.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التأمين من الأمور المحرمة ويراجع جواب سؤال رقم (8889)
وإذا عُلِم أنه محرّم فإنه يحرم العمل فيه، وذلك لأن فيه معاونة على الإثم قال تعالى: (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2، وعليك أن تبحث عن عمل آخر ليس فيه حرمة، ومن ترك شيئاً لله عوّضه الله خيراً منه.
وفق الله الجميع لما يحبُّه ويرضاه.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/6684)
العمل في تحميل وتنزيل التلفزيونات واللاقطات
[السُّؤَالُ]
ـ[كثيراً ما يحدث خلافات وفتن بيننا نحن العمال وعملنا في السوق، وسبب هذا الخلاف: أنني أرفض تنزيل جهاز التلفزيون أو الدش عند قدوم السيارة، وفي بعض الأحيان تأتي السيارة فيها جهاز الثلاجة والمجمدات ومعها مادة جهاز التلفزيون، فما حكم تنزيل هذا الجهاز إذا كان السيارة فيها تلفزيون فقط؟ وما حكم تنزيل السيارة إذا كان معها عدد قليل من التلفزيون؟ مع العلم أن هذا العمل هو مصدر رزقي الوحيد، وفي حالة رفضي نزول التلفزيون يمنعوني من العمل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سبق في جواب السؤال رقم (39744) أن أجهزة التلفاز تستعمل في الخير والشر، وأن غالب استعمالها اليوم إنما هو في الشر، لذا كان بيعها وشراؤها وصيانتها حراماً، وأنه لا يجوز بيعها وشراؤها إلا لمن علم أو غلب على ظنه أنه يستعملها في المباح.
والحكم ذاته يكون في تحميلها وتنزيلها، ولا فرق، وخاصة إذا أضيف إليها " الدش "، ولا شك أنه إذا كان الغالب على استعمالها من الناس اليوم الإثم: فإنه لا يجوز الإعانة على هذا الإثم والمساعدة فيها، كالدلالة على محلاته، والدعاية لهم، ومنه: تحميلها وتنزيلها لمصانعها ومسوقيها وزبائنها الذين يشترونها.
ولا فرق بين كونها كثيرة أو قليلة، والله تعالى يقول: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ. وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) الزلزلة/7،8.
ولا ينبغي لك أن تقول إن هذا مصدر رزقك الوحيد؛ فمصادر الرزق كثيرة، والله تعالى يقول: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) الطلاق/2،3، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنك لن تدع شيئاً لله عز وجل إلا بدَّلك الله به ما هو خير لك منه) رواه الإمام أحمد، وصححه الألباني في " حجاب المرأة المسلمة " (47) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6685)
هل يجوز العمل في مهنة المحاماة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو من فضيلتكم إفتائي في هذا الأمر الكبير الذي أعرضه عليكم وهناك إجابة على مثل سؤالي إلا أنني أريد استيضاح أموراً أكثر فلا تتركوا الرد عليّ بسبب ذلك، تخرجت من كلية الحقوق منذ عدة سنوات وأعمل الآن - على فترات متقطعة - كمحامٍ، ولم أكن وقت دخول هذه الكلية على بصيرة في ديني، ثم بعد تخرجي من الكلية عرفت ما في الحكم بغير شرع الله من الإثم الكبير العظيم ووجدت قوانين كثيرة في بلدي تخالف شرع الله وتتعدى حدوده فأتساءل هل يجوز لي والحالة هذه ممارسة مهنة المحاماة مع ما فيها من التحاكم لغير شرع الله؟ وهل يلحقني إثم القوانين الظالمة المخالفة للشرع في حالة التعامل بها في مهنتي؟ إلا أنني أريد منكم قبل إفتائي في أمري أن أعرض بعض الأمور - سواء كنت مصيباً فيها أم مخطئاً - لتعلموا ما يدور بداخلي فتوجهوني - بإذن الله - الوجهة الصحيحة: إنني لا أرضى أبداَ بقانون مخالف للشرع، مهما تكن الميزات التي تعود من ورائه، وإنه في حالة ممارستي لهذه المهنة أبتعد قدر استطاعتي عن القوانين المخالفة لشرع الله، وإن وجدت قضية سأستخدم فيها قوانين مخالفة للشرع لا أقبلها مهما يكن المقابل المادي الذي يمكن أن يعود عليَّ من وراء ذلك.
هل إذا تعاملت بقوانين جائرة للحصول على حق وليس للحصول على باطل أكون بذلك محتكماً لغير شرع الله؟ فمثلاً إذا استندت على قوانين الضرائب والجمارك وخاصة قانون العقوبات - المخالف لأحكام وحدود الله في أغلب أحكامه - وذلك لإرجاع حق مسلوب أو يراد أن يسلب منا بتطبيق هذه القوانين.
فهل بعد هذه الأمور التي ذكرتها بما يجيش في نفسي، مهنة المحاماة مع الابتعاد عن عدم تطبيق شرع الله إلا في حالات الضرورة لإرجاع وللحصول على الحقوق يكون ذلك تطبيقاً واحتكاماًً لغير شرع الله؟
وهل القراءة في الكتب القانونية وإنفاق الأموال عليها فيه تضييع لوقت ومال فيما لا يرضي الله؟ وهل هذه القراءة بمجردها - حتى لو فُرض أنني لا أمارس هذه المهنة - لمجرد معرفة القوانين والأنظمة المطبقة علينا في كل شئون حياتنا - سواء موافقتها أو مخالفتها لشرع الله - تكون حراماً؟
فهل بعد ذلك كله أترك مهنة المحاماة غير آسف عليها , وأحرق كتبي الكثيرة، أم آخذها كشئ جانبي - طالباً رزقي الأساسي من طريق آخر - وأقضي بها حاجاتي وحاجات الناس في غير مخالفة شرع ونحصل على حقوقنا وأعرف القوانين التي تطبق علينا حتى لا نتعرض للنصب أو نفقد الحقوق إلى غير ذلك من المصالح المعتبرة والمرعية شرعاً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يفرج همك ويعظم أجرك، وما تسأل عنه من حكم ممارسة مهنة " المحاماة " قد سبق بيانه في جواب السؤال رقم (9496) .
وليست المهنة محرَّمة لذاتها؛ لأنه ليس فيها حكم بغير ما أنزل الله، بل هي وكالة وإنابة في الخصومة، وهي من الوكالات الجائزة، لكن ينبغي للمحامي التحري والتثبت من القضية قبل الخصومة عنها، فإن كانت الدعوى حقّاً مسلوباً عن صاحبها وظلماً واقعاً عليه: جاز لك التخاصم عنه وإرجاع الحق له، ورفع الظلم، وهو من باب التعاون على البر والتقوى، وإن كانت القضية فيها سلب حقوق الناس والتعدي عليهم: فلا يجوز لك المرافعة عنه ولا قبول وكالته؛ لأنه يكون من باب التعاون على الإثم والعدوان، وقد توعد الله تعالى المتعاونين على هذا بالإثم والعقوبة، فقال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2.
ولمزيد الاطمئنان ننقل لك فتاوى لبعض أهل العلم في المسألة نفسها:
1. سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
ما حكم الشريعة الإسلامية في حرفة المحاماة؟
فأجاب:
لا أعلم حرجاً في المحاماة؛ لأنها وكالة في الدعوى والإجابة إذا تحرى المحامي الحق ولم يتعمد الكذب كسائر الوكلاء.
" فتاوى إسلامية " (3 / 505) .
2. وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
ما رأي فضيلتكم من اشتغالي بالمحاماة من حيث الترافع أمام المحاكم المدنية للدفاع عن القضايا المدنية والتجارية التي بها شبهة الربا؟
فأجاب:
لا شك أن كون الإنسان ينوب عن غيره في الخصومة لا بأس به، ولكن الشأن في نوعية الخصومة:
1. فإذا كانت بحق والنائب إنما يدل بما عنده من حقائق ليس فيها تزوير ولا كذب ولا احتيال وهو ينوب عن صاحب القضية لإبداء ما معه من البينة والبراهين على صدق ادعائه أو دافع به فهذا لا بأس به.
2. أما إذا كانت الخصومة في باطل أو يخاصم النائب أو الوكيل عن مبطل فهذا لا يجوز، فالله جل وعلا يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: (وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً) ، وكلنا يعرف أنه إذا كانت القضية قضية حق ولا يستعمل فيها شيء من الكذب والتزوير فهذا شيء لا بأس به، خصوصاً إذا كان صاحب القضية ضعيفاً لا يستطيع الدفاع عن نفسه أو لا يستطيع إقامة الدعوى لحقه، فكونه ينيب من هو أقوى منه جائز في الشرع، والله تعالي يقول: (فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْل) ، فالنيابة عن الضعيف لاستخراج حقه أو دفع الظلم عنه شيء طيب، إما إذا كان خلاف ذلك بأن كان فيه إعانة لمبطل أو دفاع عن ظلم أو بحجج مزيفة ومزورة والوكيل أو النائب يعلم أن القضية من أصلها باطلة، وكالنيابة في أمر محرم كالربا فهذا لا يجوز، فلا يجوز للمسلم أن يكون نائباً أو وكيلاً في باطل ولا محامياً في المعاملات الربوية لأنه معيناً على أكل الربا فتشمله اللعنة.
" المنتقى من فتاوى الفوزان " (3 / 288، 289) .
ثانياً:
كونك في بلد لا يحكم بما أنزل الله وإنما يحكم بقوانين وضعية، لا يعني ذلك تحريم مهنة المحاماة إذا كان القصد هو الحصول على الحق ودفع الظلم، فإن المظلوم مضطر إلى التحاكم إلى هذه القوانين لأخذ حقه، وإلا لأكل الناس بعضهم بعضاً، وحصلت الفوضى في المجتمع، لكن إذا حكم له القانون بأكثر من حقه فإنه يحرم عليه أخذه، وإنما يأخذ حقه فقط، وفي حالة التحاكم لهذه القوانين لأخذ الحق ودفع الظلم لا إثم على المظلوم ولا على المحامي الذي ينوب عنه في الخصومة لتحاكمه لهذه القوانين، وإنما الإثم يقع على من استبدل هذه القوانين بشرع الله، وألزم الناس بالحكم بها والتحاكم إليها. وقد أشار ابن القيم رحمه الله إلى هذا في كتابه "الطرق الحكمية" (ص 185) .
ولذلك لا ننصحك بترك هذه المهنة، وإنما ننصحك باستمرار العمل فيها، والعمل دائما على الارتقاء بمستواك عن طريق قراءة الكتب ومدارستها والتعلم من المحامين الكبار، فإن الناس محتاجون إلى محامٍ أمين يترافع عنهم، ويرد إليهم حقوقهم.
وليكن قصدك دائما نصرة المظلوم ومعاونته، وأبشر بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ومن مشى مع مظلوم حتى يثبت له حقه ثبت الله قدميه على الصراط يوم تزول الأقدام) رواه ابن أبي الدنيا وحسنه الألباني في صحيح الترغيب.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6686)
زوج قريبتها خالف نظام الصحة في مخبزه فهل تغرمه من أجل ذلك؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل بإدارة التصدي للمخالفات الاقتصادية بجميع أنواعها، وقد صادف واشتريت رغيف خبز ووجدت به فضلات فئران، وقد أقسمت بأن أتتبع صاحب المخبز لتقصيره في النظافة، كما أني أعرف أن فضلات الفأر من النجاسة، وعرفت أن المخبز على ملك رجل تربطني به صلة رحم، وبالمناسبة أردت معرفة هذه النقطة هل تعد صلة رحم أم لا؟ حيث إن زوجة هذا الرجل هي ابنة بنت عم لجدي من أبي؟
ونظراً لأن هذه ليست المرة الأولى التي نجد بالخبز أوساخ عديدة، فقمت بالإجراءات اللازمة وتمت تخطئته على عدة مخالفات وجدوها عند المعاينة، وبالطبع توجهت أصابع الاتهام نحوي من جميع أفراد عائلته وحتى بعض أفراد عائلتي.
فقط أردت أن ترشدني هل أنا مذنبة أمام الله؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الرحم الذين أمر الله تعالى بصلتهم هم الأقارب من جهة الأب ومن جهة الأم، ومنهم الأعمام وأولادهم، وعليه فتكون ابنة بنت عمك من الأرحام.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
" الأرحام هم الأقارب من النسب من جهة أمك وأبيك، وهم المعنيون بقول الله سبحانه في سورة الأنفال والأحزاب: (وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتابٍ الله) .
وأقربهم: الآباء والأمهات والأجداد وأولادهم ما تناسلوا، ثم الأقرب فالأقرب من الإخوة وأولادهم، والأعمام وأولادهم، والعمات وأولادهم، والأخوال والخالات وأولادهم.
وقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلَّم أنه قال لما سأله سائل قائلاً: من أبرّ يا رسول الله؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أباك، ثم الأقرب فالأقرب. خرَّجه الإمام مسلم في صحيحه، والأحاديث في ذلك كثيرة "انتهى.
" فتاوى إسلامية " (4 / 195) .
ثانياً:
قد أوجب الله تعالى على المسلمين أداء الأمانة، والقيام بالشهادة بالقسط ولو كانت على النفس أو على الوالدين أو على الأقارب.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) النساء/135.
وقد أساء زوج قريبتك بتهاونه في نظافة الخبز، فلا ينبغي أن تكون قرابة زوجته لك حائلة بينك وبين القسط والعدل وأداء واجب الوظيفة بعدل وأمانة وإتقان، رحمةً له ورحمةً للناس، رحمةً له حتى لا يقع منه التعدي على الناس والظلم لهم، ورحمةً للناس حتى لا يأكلوا النجس والقذر بسبب سوء أفعاله، وقد جاء الأمر النبوي بنصرة الظالم وذلك بالأخذ على يده.
فعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا، أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ؟ قَالَ: تَحْجُزُهُ - أَوْ تَمْنَعُهُ - مِنْ الظُّلْمِ فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ) رواه البخاري (6552) .
وما فعله صاحب هذا المخبز منكر يجب إنكاره وتغييره لمن قدر على ذلك، وبما أنكِ في موقع سلطة فأنت تملكين تغييره باليد، وهذا واجب عليك.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإيمان) رواه مسلم (49) .
قال النووي رحمه الله:
" واعلم أن هذا الباب أعني باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد ضيع أكثره من أزمان متطاولة , ولم يبق منه في هذه الأزمان إلا رسوم قليلةٌ جدّاً، وهو باب عظيم، به قوام الأمر وملاكه، وإذا كثر الخبث عم العقاب الصالح والطالح، وإذا لم يأخذوا على يد الظالم أوْشك أن يعمهم الله تعالى بعقابه (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) فينبغي لطالب الآخرة والساعي في تحصيل رضا الله عز وجل أن يعتني بهذا الباب , فإن نفعه عظيم لا سيما وقد ذهب معظمه , ويخلص نيته , ولا يهادن من ينكر عليه لارتفاع مرتبته ; فإن الله تعالى قال: (ولينصرن الله من ينصره) ، وقال تعالى: (ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم) ، وقال تعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) ، وقال تعالى: (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين) واعلم أن الأجر على قدر النصب , ولا يتاركه أيضا لصداقته ومودته ومداهنته وطلب الوجاهة عنده ودوام المنزلة لديه ; فإن صداقته ومودته توجب له حرمة وحقّاً , ومن حقه أن ينصحه ويهديه إلى مصالح آخرته , وينقذه من مضارها، وصديق الإنسان ومحبه هو من سعى في عمارة آخرته وإن أدى ذلك إلى نقص في دنياه، وعدوه من يسعى في ذهاب أو نقص آخرته وإن حصل بسبب ذلك صورة نفع في دنياه " انتهى.
" شرح مسلم " (2 / 24) .
وهو كلام نفيس فيه جماع ما أردنا تبيينه وتوضيحه، ونسأل الله تعالى أن يهدي زوج قريبتك، وأن يصلح حاله، ولا تلتفتي إلى من يرى أنك أخطأتِ في تغريمه ومخالفته، بل هذا هو الحكم بالقسط، وهذا من الرحمة به، بخلاف من يريد له الإثم والعقوبة الأخروية ممن ينكر عليك فعلك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6687)
ما حكم احتراف كرة القدم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم احتراف كرة القدم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جاء تعريف " الاحتراف " في " الموسوعة الفقهية " (2 / 69) :
الاحتراف في اللغة: الاكتساب , أو طلب حرفة للكسب، والحرفة: كل ما اشتغل به الإنسان واشتهر به , فيقولون حرفة فلان كذا , يريدون دأبه وديدنه، وهي بهذا ترادف كلمتي صنعة , وعمل.
أما الامتهان: فإنه لا فرق بينه وبين احتراف ; لأن معنى المهنة يرادف معنى الحرفة , وكل منهما يراد به حذق العمل.
ويوافق الفقهاءُ اللغويين في هذا , فيطلقون الاحتراف على مزاولة الحرفة وعلى الاكتساب نفسه.
" الموسوعة الفقهية " (2 / 69) .
ولا يجوز لأحدٍ أن يفتي بحكم لعب " كرة القدم " وغيرها – فضلاً عن احترافها – مع إغفاله واقع هذه اللعبة في هذا الزمان، وبيئتها التي تحيط بها، ففي هذه اللعبة كشف للعورات، وتضييع للصلوات، والتعرض للفتن والشهوات، واحتمال الأذى والإصابات، مع ما فيها من الغفلة عن الطاعات.
قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله:
" اللعب بالكرة الآن يصاحبه من الأمور المنكرة ما يقضي بالنهي عن لعبها، هذه الأمور نلخصها فيما يأتي:
أولاً: ثبت لدينا مزاولة لعبها في أوقات الصلاة مما ترتب عليه ترك اللاعبين ومشاهديهم للصلاة أو للصلاة جماعة أو تأخيرهم أداءها عن وقتها، ولا شك في تحريم أي عمل يحول دون أداء الصلاة في وقتها أو يفوت فعلها جماعة ما لم يكن ثَمَّ عذر شرعي.
ثانياً: ما في طبيعة هذه اللعبة من التحزبات أو إثارة الفتن وتنمية الأحقاد، وهذه النتائج عكس ما يدعو إليه الإسلام من وجوب التسامح والتآلف والتآخي وتطهير النفوس والضمائر من الأحقاد والضغائن والتنافر.
ثالثاً: ما يصاحب اللعب بها من الأخطار على أبدان اللاعبين بها نتيجة التصادم والتلاكم، فلا ينتهي اللاعبون بها من لعبتهم في الغالب دون أن يسقط بعضهم في ميدان اللعب مغمى عليه أو مكسورة رجله أو يده، وليس أدل على صدق هذا من ضرورة وجود سيارة إسعاف طبية تقف بجانبهم وقت اللعب بها.
رابعاً: الغرض من إباحة الألعاب الرياضية تنشيط الأبدان والتدريب على القتال وقلع الأمراض المزمنة، ولكن اللعب بالكرة الآن لا يهدف إلى شيء من ذلك فقد اقترن به مع ما سبق ذكره ابتزاز المال بالباطل، فضلاً عن أنه يعرض الأبدان للإصابات وينمي في نفوس اللاعبين والمشاهدين الأحقاد وإثارة الفتن، بل قد يتجاوز أمر تحيز بعض المشاهدين لبعض اللاعبين إلى الاعتداء والقتل كما حدث في إحدى مباريات جرت في إحدى المدن منذ أشهر ويكفي هذا بمفرده لمنعها، وبالله التوفيق " انتهى.
" فتاوى ابن إبراهيم " (8 / 116، 117) .
وأما اللعب بها لتقوية البدن وتنشيطه أو لعلاج بعض الأمراض من غير وقوع في شيء من المحظورات فهو أمر جائز.
قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله:
" الأصل في مثل هذه الألعاب الرياضية الجواز إذا كانت هادفة وبريئة، كما أشار إلى ذلك ابن القيم في كتاب " الفروسية " وذكره الشيخ تقي الدين ابن تيمية وغيره، وإن كان فيها تدريب على الجهاد والكر والفر وتنشيط للأبدان وقلع للأمراض المزمنة وتقوية للروح المعنوية: فهذا يدخل في المستحبات إذا صلحت نية فاعله، ويشترط للجميع أن لا يضر بالأبدان ولا بالأنفس، وأن لا يترتب عليه شيء من الشحناء والعداوة التي تقع بين المتلاعبين غالباً، وأن لا يشغل عما هو أهم منه، وأن لا يصد عن ذكر الله وعن الصلاة " انتهى.
" فتاوى ابن إبراهيم " (8 / 118) .
وقال رحمه الله أيضاً:
" اللعب بالكرة على الصفة الخاصة المنظمة هذا التنظيم الخاص، يجعل اللاعبين فريقين، ويُجعل عوض - أو لا يجعل -: لا ينبغي؛ لاشتماله عن الصد عن ذكر الله وعن الصلاة.
وقد يشتمل مع ذلك على أكل المال بالباطل، فيلحق بالميسر الذي هو القمار، فيشبه اللعب بالشطرنج من بعض الوجوه.
أما الشخص والشخصان يدحوان بالكرة ويلعبان بها اللعب الغير منظم: فهذا لا بأس به، لعدم اشتماله على المحذور، والله أعلم " انتهى.
" فتاوى ابن إبراهيم " (8 / 119) .
وقد سبق في جواب السؤال رقم (22305) بيان شروط جواز اللعب بكرة القدم، ومما جاء فيه:
" الشرط الثالث: ألا تستغرق كثيراً من وقت اللاعب، فضلاً عن أن تستغرق وقته كلّه، أو يُعرف بين الناس بها، أو تكون وظيفته؛ لأنه يخشى أن يصدق على صاحبها قوله جل وعلا: (الذين اتخذوا دينهم لهواً ولعباً وغرّتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم) " انتهى.
وبهذا يتبين أن احتراف كرة القدم الموجود الآن محرم، لما يتضمنه من محظورات شرعية، وإن كان أصل اللعب بكرة القدم مباحاً.
وخاصة إذا علمنا أن من لوازم الاحتراف السفر إلى بلاد الكفر للعب هناك في أندية عالمية، ولا يخفى على أحد ما في تلك البلاد من الكفر والفسوق والعصيان، ولا يخفى – كذلك – تعرض اللاعبين لفتن النساء والشهوات بسبب الشهرة والنجومية والمال.
مع التنبيه على أن الإقامة في بلاد الكفر حرام، ولا تجوز إلا للحاجة وفق شروط معينة، سبق بيانها في جواب السؤال رقم (38284) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6688)
أجرة الموظف بشهادة سبق أن غش في امتحاناتها
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا غش الطالب في الامتحان، ونجح بسبب ذلك، وحصل على شهادة! وعمل هذا الشخص بتلك الشهادة واخذ عليها راتباً، فهل هذا يعتبر حلالا، (مع العلم بأنه لا يستطيع إعادة هذا الامتحان لأنه منذ سنوات طويلة وكل شي قد تغير) . فماذا يفعل ليكفر ذلك!.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا غش الطالب في الامتحان، ونجح بسبب هذا الغش، وحصل على شهادة وعمل بتلك الشهادة، ونجح في عمله، ومضى على ذلك سنوات طويلة، فعليه التوبة والاستغفار والندم على ما مضى، والله يعفو
والتائب من الذنب كمن لا ذنب له.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ: عبد الكريم الخضير(5/6689)
حكم العمل في المحاماة
[السُّؤَالُ]
ـ[العمل بالمحاماة قد يعرض الإنسان لمناصرة الشر والدفاع عنه لأن المحامي يريد البراءة مثلاً للمذنب الذي يدافع عنه فهل مكسب المحامي من ذلك حرام وهل هناك شروط إسلامية لعمل الإنسان محامياً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المحاماة مفاعلة من الحماية إن كانت حماية شر ودفاع عنه فلا شك أنها محرمة لأنه وقوع فيما نهى الله عنه في قوله تعالى: (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) وإن كانت المحاماة لحماية الخير والذود عنه فإنها حماية محمودة مأمور بها في قوله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى) . وعلى هذا فإن من أعد نفسه لذلك يجب عليه قبل أن يدخل في القضية المعينة أن ينظر في هذه القضية ويدرسها فإن كان الحق مع طالب المحاماة دخل في المحاماة وانتصر للحق ونصر صاحبه وإن كان الحق في غير جانب من طلب المحاماة فإنه يدخل في المحاماة أيضاً لكن المحاماة تكون عكس ما يريد الطالب بمعنى أنه يحامي عن هذا الطالب حتى لا يدخل فيما حرم الله عليه وفي دعوى ما هو عليه وذلك لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، قالوا: يا رسول الله هذا المظلوم، فكيف ننصره إذا كان ظالماً؟ قال: تمنعه من الظلم فذلك نصرك إياه) .
فإذا علم أن طالب المحاماة ليس له حق في دعواه فإن الواجب أن ينصحه وأن يحذره وأن يخوفه من الدخول في هذه القضية وأن يبين له وجه بطلان دعواه حتى يدعها مقتنعاً بها.
[الْمَصْدَرُ]
مجلة الدعوة العدد/1789، ص/61.(5/6690)
حكم عمل الخادمات في البيوت وهل هن إماء؟!
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلم إندونيسي، وأريد فتوى في عمل النساء في الشرق الأوسط.
هل النساء اللاتي يعملن في البيوت ويسكنَّ في البيوت يعتبرن من الإماء؟
من المهم جدّاً أن نعرف عن حالة النساء العاملات لأن هذا الموضوع يستغله بعض الكفار ليشوهوا صورة الإسلام هنا. أرجو أن ترفق فتوى من بعض العلماء أو المنظمات.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الخدم الذين يعملون في البيوت لا يأخذون حكم الأرقاء والإماء، بل حكمهم حكم الأجير الخاص الذي استُؤجر ليعمل عند المستأجِر فقط، كالموظف.
وقد تقدم الكلام عن الخادمات وحكم إحضارهن من بلادهن، والمحاذير التي يقع فيها أهل البيوت التي تعمل فيها الخادمات، وذلك عند الجواب على السؤال رقم (26282) .
ثانياً:
ما يقع من ظلم من بعض أصحاب البيوت لهؤلاء الخدم، أمر لا يقره الإسلام بل ينهى عنه ويحذر منه، ولا يجوز أن يتخذ من ذلك وسيلة للطعن في الإسلام أو تشويه صورته، لأن هذه أخطاء من بعض المسلمين وقد حرمها الإسلام نفسه.
روى البخاري (30) ومسلم (1661) عن أَبي ذَرٍّ قَالَ: سَابَبْتُ رَجُلًا فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَبَا ذَرٍّ، أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ؟ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ! إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ؛ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ. فإذا كان هذا عدل الإسلام مع العبيد الذين هم ملك للإنسان، فكيف يكون الحال مع الخدم الذين لا يملكهم، وإنما استأجرهم للعمل فقط؟!
ثالثاً:
هؤلاء الخدم من النساء لا يجوز الخلوة بهن ولا النظر إليهن لأنهن أجانب عن الرجال من أهل البيت.
وكذلك الخدم من الرجال أجانب عن أهل البيت فلا يجوز للنساء الكشف عليهم ولا الخلوة بهم.
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله -:
ما حكم مقابلة الخدم والسائقين، وهل يعتبرون في حكم الأجانب، علما بأن والدتي تطلب مني الخروج أمام الخدم وأن أضع على رأسي إشارب، فهل يجوز هذا في ديننا الحنيف الذي أمرنا بعدم معصية أوامر الله عز وجل؟
فأجاب:
السائق والخادم حكمهما حكم بقية الرجال يجب التحجب عنهما إذا كانا ليسا من المحارم، ولا يجوز السفور لهما ولا الخلوة بكل واحد منهما لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما "، ولعموم الأدلة في وجوب الحجاب وتحريم التبرج والسفور لغير المحارم ولا تجوز طاعة الوالدة ولا غيرها في شيء من معاصي الله.
" التبرج وخطره " للشيخ ابن باز.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6691)
حكم مخاطبة النساء في العمل
[السُّؤَالُ]
ـ[في بعض الأحيان أضطر للتخاطب مع بعض النساء ومشافهتهن بحكم العمل وإدارته فهل عليَّ إثم في ذلك؟ وهل عملي في هذه الشركة جائز شرعاً أو يجب عليَّ أن أبحث عن عمل آخر؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
مما لا شك فيه أن فتنة النساء فتنة عظيمة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " ما تركتُ بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء " – رواه البخاري (4808) ومسلم (2704) -، لذا فإن على المسلم أن يتقي هذه الفتنة بالبعد عن أسباب الوقوع فيها، ومن أعظم ذلك النظر والخلطة.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
قال الله تعالى: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون. وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون} النور / 30، 31.
فهنا يأمر الله نبيَّه عليه الصلاة والسلام أن يبلغ المؤمنين والمؤمنات أن يلتزموا بغض البصر وحفظ الفرج عن الزنا ثم أوضح سبحانه أن هذا الأمر أزكى لهم.
ومعلوم أن حفظ الفرج من الفاحشة إنما يكون باجتناب وسائلها ولا شك أن إطلاق البصر واختلاط النساء بالرجال والرجال بالنساء في ميادين العمل وغيرها من أعظم وسائل وقوع الفاحشة.
وهذان الأمران المطلوبان من المؤمن يستحيل تحققهما منه وهو يعمل مع المرأة الأجنبية كزميلة أو مشاركة في العمل له.
فاقتحامها هذا الميدان معه أو اقتحامه الميدان معها لا شك أنه من الأمور التي يستحيل معها غض البصر وإحصان الفرج والحصول على زكاة النفس وطهارتها.
وهكذا أمر الله المؤمنات بغض البصر وحفظ الفرج وعدم إبداء الزينة إلا ما ظهر منها، وأمرهن الله بإسدال الخمار على الجيوب المتضمن ستر رأسها ووجهها؛ لأن الجيب محل الرأس والوجه.
فكيف يحصل غض البصر وحفظ الفرج وعدم إبداء الزينة عند نزول المرأة ميدان الرجال واختلاطها معهم في الأعمال؟ والاختلاط كفيل بالوقوع في هذه المحاذير.
وكيف يحصل للمرأة المسلمة أن تغض بصرها وهي تسير مع الرجل الأجنبي جنبا إلى جنب بحجة أنها تشاركه في الأعمال أو تساويه في جميع ما يقوم به؟ . انتهى
" خطر مشاركة المرأة للرجل في ميدان عمله ".
والخلاصة: أن العمل إذا كان النظر والخلطة فيه مستمرّاً فالنصيحة لك ترك هذا العمل والبحث عن غيره، أو الانتقال لموقع آخر في نفس العمل يخلو من النساء.
وإن كان العمل ليس فيه استمرار الخلطة والنظر بل يأتي أحياناً في موقع غير موقع عملك: فلا حرج من البقاء في العمل مع غض البصر وقضاء العمل بأخصر وقت، والابتعاد عن أسباب الفتنة ما أمكنك ذلك.
نسأل الله تعالى أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6692)
هل يأخذ حقه دون علم من ظلمه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أحرص دائماً أن أتبع الحلال وأجتنب الحرام، أعمل في محل تجاري يملكه يهودي منافق، لديه العديد من المحلات وقد أغلقها فجأة ليطلب الأموال من الحكومة، وفصل الناس من العمل دون أن يعطيهم رواتبهم وأبقى 5 أشخاص - (أنا منهم) - وفتح محلاً جديداً، لم يدفع الرواتب المتأخرة، ودفع مبلغاً بسيطاً أقل بكثير من مستحقاتنا، المحل الآن ناجح ولكنه لا يدفع لنا، ودائماً يقول لا يوجد لدي مال، نواجه الآن مشكلة دون دفع رواتبنا، وهذا هو الدخل الوحيد لنا، قال أحد زملائي في العمل بأن نأخذ رواتبنا اليومية من دخل المحل وإذا دفع لنا في آخر الشهر نعيد له ماله في الخزنة وبدأ بفعل هذا، ولكنني أخشى الحرام، وأواجه الآن مشاكل مالية، وقد سمعت بأنه سيفصلنا من العمل دون أن يدفع رواتبنا، أرجو أن توضح لنا هذه المسألة وتنصحنا. مرة أخرى، أنا أعمل بإخلاص وأمانة ولكنه يهودي منافق.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه المسألة تسمَّى عند العلماء " مسألة الظَفَر "، وفيها خلاف بين العلماء، فمنهم من منع من أخذ الحق من الظالم، ومنهم من أجازه بشرط أن لا يزيد على حقه وأن يأمن الفضيحة والعقوبة، وهو الصواب من القولين.
قال الشنقيطي رحمه الله:
إنْ ظلمك إنسانٌ بأنْ أخذَ شيئاً مِن مالِك بغير الوجه الشرعي، ولم يمكن لك إثباتُه، وقدرتَ له على مثل ما ظلمك به على علو وجهٍ تأمن معه الفضيحة والعقوبة، فهل لك أنْ تأخذَ قدرِ حقِّك أو لا؟
أصحُّ القولين، وأجراهما على ظواهر النصوص وعلى القياس: أنْ تأخذَ قدرَ حقِّك مِن غيرِ زيادةٍ؛ لقوله تعالى في هذه الآية: (فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ…) الآية، وقوله: (فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُم) ، وممن قال بِهذا القول: ابن سيرين، وإبراهيم النخعي، وسفيان، ومجاهد، وغيرهم.
وقالت طائفة من العلماء - منهم مالك -: لا يجوز ذلك، وعليه دَرَج خليل بن إسحاق المالكي في " مختصره " بقوله في الوديعة: وليس له الأخذ منها لمن ظلمه بمثلها، واحتج من قال بِهذا القول بحديث: " أَدِّ الأمَانَةَ إِلى مَنِ ائْتَمَنَكَ، وَلا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ " ا. هـ.
وهذا الحديث – على فرض صحته - لا ينهض الاستدلال به؛ لأنَّ مَن أخذَ قدرَ حقِّه ولم يزد عليه لم يخن مَن خانه، وإنما أنصف نفسه ممن ظلمه. " أضواء البيان " (3 / 353) .
وهو قول البخاري، والشافعي، كما نقله أبو زرعة العراقي في " طرح التثريب " (8 / 226) ، ونقل الترمذي أنه قول بعض التابعين، وسمَّى منهم سفيان الثوري.
والحديث الذي استدل به المانعون هو حديث أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك " رواه الترمذي (1264) وأبو داود (3535) . وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (423)
فلك أن تأخذ حقَّك من هذا اليهودي صاحب العمل على أن لا تزيد على حقك، وأن تأمن من أن يُكتشف أمرك خشية الفضيحة والإساءة للإسلام لأنك لا تستطيع إثبات حقك أمام الناس، فإن أعطاك حقك بعدها أو شيئاً منه: فعليك أن تُرجع ما أخذته مما هو زائد على حقك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6693)
القيام بعمل خاص أثناء فترة العمل الرسمي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم القيام بعمل خاص بي أثناء الدوام مع العلم أنه لا يوجد ما أعمله؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن كان عمله الآخر يتطلب منه الخروج من عمله الأول فهذا يظهر أنه لا يجوز؛ لأنه يخالف شرط العمل الأول، والعمل الأول اشترط عليه أن يداوم من كذا إلى كذا، والمسلمون على شروطهم، وإن كان عمله الثاني لا يقتضي مفارقة العمل الأول ولا يزاحمه ولا يؤخره، وإنما يشتغل بعمل إذا وجد فسحة في أثناء عمله فيظهر أن هذا لا يضر؛ لأن الوقت ما دام ليس مشغولاً فهو ضائع غير مستفاد منه.
[الْمَصْدَرُ]
فضيلة الشيخ أ. د. خالد بن علي المشيقح.(5/6694)
وظيفته: التأكد من ضبط الشركة للسجلات ومنها سجلات القروض الربوية
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في شركة صناعية؛ ومن ضمن مهام عملي التأكد بأن إدارات الشركة تقوم بضبط وثائقها وسجلاتها، فإن كان في ضبطهم تقصير رفعت فيهم تقريرا يلزمهم بضبطها، ومن ضمن تلك الإدارات إدارة المالية المسئولة عن تمويل مشاريع الشركة بالقروض الربوية وأخذ فوائد على مبالغ المبيعات المودعة في البنوك. فما هو حكم العمل بهذه الشركة؟ وما حكم عملي بالذات؟ علما بأني قد أستطيع تجنب الذهاب إلى إدارة المالية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا كان عملك لا يتضمن التعامل بالربا أو إقراره أو المعاونة عليه، أو التعامل بغير الربا من المحرمات، فهو عمل مباح، لا حرج عليك في الاستمرار فيه، ولو كانت الشركة تقترض أو تودع بالربا، إلا أن الأفضل ترك ذلك والعمل في شركة نقية بعيدة عن هذا المنكر العظيم؛ لما تقرر عند أهل العلم من كراهة التعامل بالبيع أو الإجارة أو غيرها مع من في ماله حرام.
ثانيا:
لا تجوز كتابة الربا أو توثيقه، وفاعل ذلك ملعون على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما روى مسلم (1598) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ) .
ومتابعة هذه الوثائق والإشراف عليها محرم؛ لما فيه من التعاون على الإثم والعدوان، وإقرار المنكر، قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2.
فالواجب عليك أن تنصح المسئولين في هذه الشركة بترك هذا المنكر العظيم، فإن استجابوا فالحمد لله، وإلا فعليك أن تتجنب الرقابة على سجلات الربا ووثائقه، والبعد عن كل ما فيه إعانة على المعصية أو إقرار لها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6695)
هل يجوز العمل في مطابع النقود؟
[السُّؤَالُ]
ـ[نعلم بأن العمل في البنوك حرام، فهل حكم العمل في دار السكة - مطبعة النقود - التي هي جهاز تابع لبنك الدولة حرام أيضاً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج من العمل في مطبعة النقود، ولا علاقة لهذا العمل بمعاملات البنوك الربوية، وحاجة الناس لهذه العملة غير خافية على أحد، بل إنها أصبحت قوام حياتهم، وإصدار هذه العملات تابع لقوة اقتصاد البلد وضعفه، والعلاقة بين المطبعة والبنك المركزي ليست علاقة معاملات بل هي إصدار أمر بطباعة كمية محددة بحسب قوة الاحتياطي والاقتصاد.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6696)
حكم الإكرامية للعامل وحكم العمل في فندق فيه محرمات
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في فندق في " شرم الشيخ " ووظيفتي هي حمل الحقائب للأجانب أو أي نزيل يأتي إلى الفندق، لي مرتب ونسبة وبقشيش، وأنا لا أعمل في الخمور وتعاقدي مع إدارة الفندق على حمل الحقائب فقط، أرجو أن تفيدوني لأنني في حيرة من أمري؛ لأنني أريد ترك هذا المجال، ومن خلال المرتب والنسبة والبقشيش أريد أن أبدأ في مشروع خاص بي وأريد أن يكون المال حلالاً لكي يبارك الله فيه.
مع العلم أن هناك بعض الأجانب يحملون الخمور في الشنطة وهم قادمون إلى الفندق، وأحيانا نعلم بذلك، وأحيانا لا نعلم.
وهناك كثير من النزلاء في الفندق لا تعجبهم الحرية التي في الفندق مما يجعلهم يتركون المكان.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إننا نحيي فيك رغبتك في أن يكون مالك حلالاً، ونسأل الله تعالى أن يغنينا بحلاله عن حرامه، ويغنينا بفضله عمن سواه.
أما ما يتعلق براتبك والنسبة المتفق عليها بينك وبين صاحب العمل: فلا إشكال فيها إن كان أصل العمل الذي تأخذ الأجرة عليه عملا مباحا شرعاً، وحمل الحقائب في الأصل عمل مباح، ولكن الحقيبة التي تعلم أن فيها خمراً، حملها محرم، بل من كبائر الذنوب، فقد روى أبو داود (3674) أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ وَشَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ) وصححه الألباني في "الإرواء" (2385) .
وأما " البقشيش " فلا يخلو من ثلاث حالات:
1. إما أن يكون ضمن الاتفاق المبرم بينك وبين صاحب العمل أن البقشيش لك، ففي هذه الحالة لا حرج عليك فيه.
2. أن يتعارف عليه الناس في مثل هذه المِهَن أن يكون لك البقشيش مع دراية صاحب العمل وهو راض عن ذلك فلا حرج عليك فيه أيضا.
3. ألا يكون بينكما اتفاق على البقشيش ولا تعارف الناس على وجود بقشيش في مثل مهنتك، ولا تدري رد فعل صاحب العمل إن علم بأنك تأخذ البقشيش لك أو أنك تعلم أن رد فعله ليس لصالحك ولا يرضى بذلك عنك: فهنا يكون البقشيش هو الذي يسميه أهل العلم " هدايا العمال " وهو محرم لا يحل لك أخذه؛ لحديث أبي حميد الساعدي أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل رجلا يقال له ابن اللتبية على الصدقة فجاء فقال: هذا لكم وهذا أُهدي لي، فقام النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال: ما بال العامل نبعثه فيجيء فيقول هذا لكم وهذا أهدي لي ألا جلس في بيت أمه أو أبيه فينظر أيهدى له أم لا، لا يأتي أحد منكم بشيء من ذلك إلا جاء به يوم القيامة إن كان بعيرا أو بقرة أو شاة. رواه البخاري (2457) ومسلم (1832) .
أما ما يتعلق بعملك نفسه هل تستمر فيه أو تتركه؟ فالعمل في فندق يأتيه سياح أجانب ليس بمحرم في ذاته، لكنه إذا دخلت فيه بعض الأعمال المحرمة صار حراماً، ومثل هذه الفنادق لا تخلو من شرب خمر، واختلاط محرَّم، وغناء، ومسابح ... إلخ، وهو ما أشرت إليه في سؤالك من "الحرية" الموجودة في الفندق، وهذا ما يجعل العمل في هذا الفندق وأمثاله حراماً، وأنت تذكر – أيضاً – أنك تحمل شنط الزبائن، وقد يكون فيها خمور، وهو مما يقوِّي منع عملك في هذا الفندق.
وبناء عليه: فالواجب عليك المسارعة في ترك هذا العمل إلى عمل ترتاح نفسك للرزق فيه ويطمئن إليه قلبك، وكن على يقين من قول الله سبحانه وتعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) الطلاق/2،3، ومن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنك لن تدع شيئا لله عز وجل إلا بدَّلك الله به ما هو خير لك منه) رواه الإمام أحمد، وصححه الألباني في " حجاب المرأة المسلمة " (47) .
وقد سبق في جواب السؤال رقم (46704) فتاوى لبعض أهل العلم في تحريم العمل في وظيفة حارس أمن في فندق فيه محرمات، وكذا في تحريم العمل في شقق وغرف مفروشة فيها محرمات – أيضاً -، فلينظر.
وفي جواب السؤال رقم (82356) أجبنا عن حكم العمل في مثل المكان الذي تعمل فيه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6697)
العمل في شركة تبيع الذهب بالدين
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في شركة كبيرة لصياغة وتجارة الذهب وطبيعة عملي كمندوب مبيعات، لكن هذه الشركة تقوم ببيع الذهب بالدَّيْن، ولكن تثبيت سعر الذهب عند الدفع (سعر السوق عند الدفع) أي أن الزبون الذي يأخذ 1كيلو من الذهب يكون مدينا بكيلو بالإضافة للأجور، وعندما يدفع إما أن يدفع كيلو ذهب سبائك بالإضافة للأجور أو نقدا سعر الكيلو وقت الدفع + الأجور، كما أننا نبيع الذهب المصاغ وهو يحتوي على أحجار الزركون بسعر الذهب، علما أنه ظاهر للعيان ويعرف الزبون بهذا الأمر , فما حكم البيع وما حكم عملي في هذه الشركة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نسأل الله تعالى أن يبارك لك في مالك، وأن يجزيك خيرا على سؤالك وتحريك للرزق الحلال.
ثانيا:
اشتمل سؤالك على أربع مسائل:
المسألة الأولى:
بيع الذهب مؤجلا أو بالدين، وصورتها كما ذكرت، أن يأخذ الزبون الذهب، ثم يدفع بعد ذلك ذهبا مثله، أو نقودا، أو ذهبا ونقودا، وكل ذلك لا يجوز؛ لأن من شرط بيع الذهب بالذهب أو بالنقود أن يكون يدا بيد، ولا يجوز تأخير شيء من البدلين عن مجلس العقد، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ) رواه مسلم (2970) من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه.
فبيع الذهب بالذهب: لا بد فيه من شرطين: التساوي في المقدار، والتقابض في مجلس العقد.
وبيع الذهب بالفضة أو بما يقوم مقامها كالنقود، لا بد فيه من شرط وهو التقابض في مجلس العقد، وأما تأخير السداد عن المجلس فربا نسيئة محرم، وقد يكون ربا فضل أيضا إذا كان سيدفع ذهبا أكثر، أو ذهبا مساويا مع نقود زائدة.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة: إذا باع إنسان مصاغا من الذهب لآخر، وليس مع المشتري بعض القيمة أو كل القيمة، ولا بعد أيام أو شهر أو شهرين فهل هذا جائز أو لا؟
فأجابوا: " إذا كان الثمن الذي اشترى به مصاغ الذهب ذهبا أو فضة أو ما يقوم مقامهما من الأوراق النقدية أو مستنداتها لم يجز، بل هو حرام؛ لما فيه من ربا النسأ. وإن كان الشراء بعروض كقماش أو طعام أو نحوهما جاز تأخير الثمن " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (13/466) .
وانظر السؤال رقم (22869) ، ورقم (65919) لمزيد الفائدة.
المسألة الثانية:
وأما بيع الذهب بذهب مع دفع أجرة للتصنيع فهذا حرام، والواجب في بيع الذهب بالذهب التقابض في مجلس العقد، والتماثل في الوزن، بقطع النظر عن صناعة كل صنف.
وانظر جواب السؤال (74994) .
المسألة الثالثة:
بيع الذهب المحتوي على أحجار الزركون بسعر الذهب: وهذا فيه تفصيل:
فإن كان يباع بفضة أو بنقود ورقية، فلا حرج في ذلك، ما دام أنه ظاهر للعيان والمشتري يعلم ذلك، كما ذكرت.
وإن كان يباع بذهب، فلابد من فصل الفصوص حتى يعلم قدر الذهب الذي فيه، ويتحقق من مساواة الذهب للذهب.
وانظر جواب السؤال رقم (36762)
المسألة الرابعة:
حكم العمل في هذه الشركة: وهو مبني على ما سبق، فحيث كانت الشركة تتعامل بالربا ولا تتقيد بأحكام الشرع، فلا يجوز العمل فيها، لما في ذلك من ارتكاب الحرام أو الإعانة عليه.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم العمل عند أصحاب محلات الذهب الذين يتعاملون بمعاملات غير مشروعة سواء كانت ربوية أو حيلا محرمة أو غشا أو غير ذلك من المعاملات التي لا تشرع؟
فأجاب: " العمل عند هؤلاء الذين يتعاملون بالربا أو الغش أو نحو ذلك من الأشياء المحرمة، محرم لقول الله تعالى: (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2، ولقوله: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً) النساء/140.
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ) والعامل عندهم لم يغير لا بيده ولا بلسانه ولا بقلبه، فيكون عاصيا للرسول صلى الله عليه وسلم ". انتهى من "فقه وفتاوى البيوع" (ص 392) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6698)
هل يفتح محلاً للحجامة بأجرة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن أفتح محلاً للحجامة، وآخذ من الناس أجرة على ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اختلف الفقهاء في كسب الحجام، هل هو مكروه، أم مباح من غير كراهة، وسبب اختلافهم في ذلك هو اختلافهم في فَهْم الأحاديث الواردة في ذلك , فمما جاء في كراهية كسب الحجام:
1- قوله صلى الله عليه وسلم: (كَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ) رواه مسلم (1568) .
2- وقوله صلى الله عليه وسلم: (شَرُّ الْكَسْبِ مَهْرُ الْبَغِيِّ وَثَمَنُ الْكَلْبِ وَكَسْبُ الْحَجَّامِ) رواه مسلم (1568) .
3 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَسْبِ الْحَجَّامِ) رواه أحمد (7635) والنسائي (4673) وابن ماجه (2165) وصححه الألباني في صحيح النسائي.
ومما جاء في الرخصة في ذلك:
1 - ما رواه البخاري (2102) ومسلم (1577) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (حَجَمَ أَبُو طَيْبَةَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ لَهُ بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ) .
2 - ما رواه البخاري (2103) ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (احْتَجَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَعْطَى الَّذِي حَجَمَهُ وَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمْ يُعْطِهِ) هذا لفظ البخاري، وله أيضا (2278) : (وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أَجْرَهُ وَلَوْ عَلِمَ كَرَاهِيَةً لَمْ يُعْطِه) . وعند مسلم (1202) : (وَلَوْ كَانَ سُحْتًا لَمْ يُعْطِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم) .
وقد ذهب جمهور العلماء إلى الجمع بين هذه الأحاديث بحمل النهي على الكراهة.
قال ابن قدامة رحمه الله: " ويجوز أن يستأجر حجاما ليحجمه , وأجره مباح، وهذا اختيار أبي الخطاب، وهذا قول ابن عباس. وبه قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي. وقال القاضي [أي: أبو يعلى من الحنابلة] : لا يباح أجر الحجام، وذكر أن أحمد نص عليه في مواضع وقال: أُعطي شيئا من غير عقد ولا شرط فله أخذه ويصرفه في علف دوابه وطعمة عبيده ومؤنة صناعته ولا يحل له أكله، وممن كره كسب الحجام عثمان وأبو هريرة والحسن والنخعي وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كسب الحجام خبيث) رواه مسلم وقال عن أجرة الحجام: (أطعمه ناضحك (أي: البعير) ورقيقك) رواه أحمد والترمذي (1277) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
ويدل على أنه مباح وليس حراماً: ما روى ابن عباس قال: (احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وأعطى الحجام أجره ولو علمه حراما لم يعطه) متفق عليه. وفي لفظ: (لو علمه خبيثا لم يعطه) ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في كسب الحجام: (أطعمه رقيقك) دليل على إباحة كسبه؛ إذ غير جائز أن يُطعم رقيقه ما يحرم أكله، فإن الرقيق آدميون يحرم عليهم ما حرمه الله تعالى كما يحرم على الأحرار، وتسميته كسبا خبيثا لا يلزم منه التحريم فقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم الثوم والبصل خبيثين مع إباحتهما.
وإنما كره النبي صلى الله عليه وسلم ذلك للحر تنزيها لدناءة هذه الصناعة. وأمرُه صلى الله عليه وسلم بإطعام الرقيق منها دليل على الإباحة، فيتعين حمل نهيه عن أكلها على الكراهة دون التحريم " انتهى من "المغني" (6/133) باختصار وتصرف.
وعلى هذا فلا حرج عليك في فتح هذا المحل، والأجرة المأخوذة من الناس على ذلك ليست حراماً.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6699)
حكم ولاية المرأة للقضاء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمرأة أن تكون قاضية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ذهب جمهور العلماء إلى أنه لا يجوز للمرأة أن تتولى القضاء , ولو ولِّيت أثم المولي , وتكون ولايتها باطلة , وحكمها غير نافذ في جميع الأحكام , وهو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة , وبعض الحنفية.
انظر: "بداية المجتهد" (2/531) , "المجموع" (20/127) , "المغني" (11/350) .
واستدلوا على ذلك بجملة من الأدلة:
1- قول الله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) النساء/34. فالرجل قيم على المرأة , بمعنى أنه رئيسها وكبيرها والحاكم عليها , فالآية تفيد عدم ولاية المرأة , وإلا كانت القوامة للنساء على الرجال , وهو عكس ما تفيده الآية.
2- قوله تعالى: (وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) البقرة/228.
فمنح الله تعالى الرجال درجة زائدة على النساء , فتولي المرأة لمنصب القضاء ينافي الدرجة التي أثبتها الله تعالى للرجال في هذه الآية لأن القاضي حتى يحكم بين المتخاصمين لا بد أن تكون له درجة عليهما.
3- وعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ قَدْ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بِنْتَ كِسْرَى قَالَ: (لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً) رواه البخاري (4425) .
استدل الفقهاء بهذا الحديث على عدم جواز تولي المرأة القضاء , لأن عدم الفلاح ضرر يجب اجتناب أسبابه , والحديث عام في جميع الولايات العامة , فلا يجوز أن تتولاها امرأة , لأن لفظ (أمرهم) عام فيشمل كل أمر من أمور المسلمين العامة.
قال الشوكاني رحمه الله:
" فليس بعد نفي الفلاح شيء من الوعيد الشديد , ورأس الأمور هو القضاء بحكم الله عز وجل , فدخوله فيها دخولاً أولياً " انتهى.
"السيل الجرار" (4/273) .
وقالت لجنة الفتوى بالأزهر:
" إن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يقصد بهذا الحديث مجرد الإخبار عن عدم فلاح القوم الذين يولون المرأة أمرهم , لأن وظيفته عليه الصلاة والسلام: بيان ما يجوز لأمته أن تفعله حتى تصل إلى الخير والفلاح , وما لا يجوز لها أن تفعله حتى تسلم من الشر والخسارة , وإنما يقصد نهي أمته عن مجاراة الفرس في إسناده شيء من الأمور العامة إلى المرأة , وقد ساق بأسلوب من شأنه أن يبعث القوم الحريصين على فلاحهم وانتظام شملهم على الامتثال وهو أسلوب القطع بأن عدم الفلاح ملازم لتولية المرأة أمراً من أمورهم , ولا شك أن النهي المستفاد من الحديث يمنع كل امرأة في أي عصر من العصور أن تتولى أي شيء من الولايات العامة , وهذا العموم تفيده صيغ الحديث وأسلوبه " انتهى.
4- وأيضاً: طبيعة المرأة وتكوينها تمنع من تولي المرأة الولايات العامة.
قالت لجنة الأزهر للفتوى بعد ذكر الاستدلال من الحديث:
" وهذا الحكم المستفاد من هذا الحديث , وهو منع المرأة من الولايات العامة ليس حكما تعبديا , يقصد مجرد امتثاله , دون أن تعلم حكمته , وإنما هو من الأحكام المعللة بمعان واعتبارات لا يجهلها الواقفون على الفروق بين نوعي الإنسان – الرجل والمرأة – ذلك أن هذا الحكم لم يُنَطْ (أي: يعلق) بشيء وراء الأنوثة التي جاءت كلمة (امرأة) في الحديث عنواناً لها , وإذن فالأنوثة وحدها هي العلة. . . إن المرأة بمقتضى الخلق والتكوين مطبوعة على غرائز تناسب المهمة التي خلقت لأجلها , وهي مهمة الأمومة , وحضانة النشء وتربيته , وهذه قد تجعلها ذات تأثر خاص بدواعي العاطفة , وهي مع هذا تعرض لها عوارض طبيعية تتكرر عليها في الأشهر والأعوام من شأنها أن تضعف قوتها المعنوية , وتوهن عزيمتها في تكوين الرأي والتمسك به , والقدرة على الكفاح والمقاومة في سبيله , وهذا شأن لا تنكره المرأة نفسها , ولا تعوزنا الأمثلة الواقعية التي تدل على أن شدة الانفعال والميل مع العاطفة من خصائص المرأة في جميع أطوارها وعصورها " انتهى.
5- وأيضاً: التجربة العملية لبعض الدول تدل على أن المرأة لا تصلح لتولي منصب القضاء , وأن الشرع لما نهى عن تولي المرأة الولايات العامة جاء بما يحقق المصالح ويدفع المفاسد؛ بما لا يراه ولا يعلمه أصحاب النظر القاصر.
ففي إحدى الدول الإسلامية فتحت وزارة العدل أبواب القضاء أمام النساء النابغات , ولكن بعد تجربة خمس سنوات عزلت جميع هؤلاء النساء القاضيات!! وأغلقت أمام المرأة أبواب المعهد العالي للقضاء بسب فشلهن في التجربة , رغم ما أتيح لهن من فرص التعليم والتدريب، ورغم ما حصلن عليه من درجات تفوق الرجال في المجال النظري.
وفي دولة إسلامية أخرى فتح مجال القضاء للنساء ثم اضطرت الدولة بعد فشلهن أن تنقلهن من المحكمة إلى المجال الفني وقسم البحوث.
وهذا يدل على أن المرأة ليست أهلاً للقضاء.
6- وأيضاً: لأن القاضي مطالب بالحضور في محافل الرجال والاختلاط بالخصوم والشهود وقد يحتاج إلى الخلوة بهم , وقد صان الشرع المرأة , وحفظ لها شرفها وعرضها , وحفظها من عبث العابثين , وأمرها بلزوم بيتها , وعن الخروج منه إلا لحاجة , ومنعها من مخالطة الرجال والخلوة بهم لما في ذلك من خطر على كيان المرأة وعرضها.
7- وأيضاً: القضاء يحتاج إلى زيادة الذكاء والفطنة وكمال الرأي والعقل , والمرأة أنقص من الرجل في ذلك , وهي قليلة الخبرة بأمور الحياة وحيل الخصوم.
إضافة على ذلك: ما يعرض لها من عوارض طبيعية على مر الأيام والشهور والسنين من الحيض والحمل والولادة والرضاع. . . إلخ مما يوهن جسمها , ويؤثر على كمال إدراكها للأمور , مما يتنافى مع منصب القاضي ومكانته.
انظر: "ولاية المرأة في الفقه الإٍسلامي" (ص 217-250) رسالة ماجستير للباحث حافظ محمد أنور.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6700)
يعمل في شركة بها مطعم يبيع الخمر ولحم الخنزير
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي يعمل في دولة غربية في شركة بيع الملابس النسائية والرجالية وأيضا ملابس الأطفال وكل مستلزمات المنزل والذهب أي كل شيء.
والسؤال هو: في الشركة قسم للطعام أي مطعم وفيه تباع لحوم الخنزير والخمر لكن زوجي يعمل في قسم الساعات والذهب، فهل يعتبر مرتبة حلال أم حرام؟ أرجو منكم التفصيل في ذلك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
سبق في كثير من الأجوبة بالموقع التحذير من الإقامة في دول الكفر، لما في ذلك من تأثير سلبي واضح على دين الرجل، فإنه يتعرض لشهوات وشبهات قد تكون سببا في فتنته عن دينه، نسأل الله السلامة. ويعتاد رؤية المنكرات ولا يستطيع إنكارها أو تغييرها، مما يقلل قبح هذه المنكرات في قلبه.
ولذلك: لا يجوز للمسلم أن يقيم في دول الكفر إذا كان يخشى على دينه.
وانظر السؤال رقم (38284) ، (13363) .
ثانياً:
إذا كان عمل زوجك في قسم الساعات والذهب، لا صلة له بالمطعم وما يباع ويفعل فيه من منكرات، فراتبه حلال، لأنه في مقابل عمل مباح، ولا يتحمل إثم الشركة فيما تبيعه من حرام.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يتعاملون مع اليهود معاملات مباحة، مع أن اليهود كانوا يتعاملون معاملات أخرى محرمة كالربا والرشوة وأكل أموال الناس بالباطل، وقد روى الطبراني عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فرأيته متغيرا فقلت: بأبي أنت، ما لي أراك متغيرا؟ قال: (ما دخل جوفي ما يدخل جوف ذات كبد منذ ثلاث) .
قال: فذهبت فإذا يهودي يسقي إبلا له فسقيت له على كل دلوٍ بتمرة فجمعت تمرا فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم. حسنه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" رقم (3271) . وانظر جواب السؤال (20732) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6701)
هل يحلق لحيته من أجل العمل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب ملتحي وأحاول أن أتقي الله ما استطعت، تخرجت من كلية الهندسة منذ عدة سنوات، ثم بدأت البحث عن عمل، وفرص العمل في بلدي ضعيفة جدّاً، وإن وُجدت تكون ذات عائد مادي قليل.
وفقني الله لوظيفة في شركة بترول أجنبية لا تشترط حلق اللحية وبها موظفون وفنيون ملتحون والحمد لله، ولكن طبيعة عملي سوف تكون في حقل البترول نفسه، ومعروف أنه أثناء الحفر أحيانا يتصاعد غاز سام اسمه H2S وذلك يستوجب ارتداء قناع الغاز الذي لا يسمح تصميمه بالتثبيت في الوجه بسبب وجود شعر اللحية، وقد تأكدت من ذلك بنفسي عن طريق سؤال الشركات الأجنبية عن طريق الإنترنت فأجابوا أنه لا يوجد قناع غاز يعمل مع اللحية.
فما رأيكم؟ وأكرر أن الشركة لا تمنع اللحية بتاتا، ولكن هذا فقط لحقول البترول للحفاظ علي الحياة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ورد الأمر بإعفاء اللحية في أحاديث كثيرة صحيحة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مما يدل على وجوب إعفائها وحرمة حلقها. انظر السؤال (1189)
ثانيا:
من يُسْرِ الشريعة وسماحتها أنها أباحت فعل المحرم وترك الواجب إذا وجد العذر المبيح لذلك، كضرورة أو حاجة ماسة، كأكل الميتة للمضطر، ومداواة الطبيب للمرأة الأجنبية عنه عند الحاجة إلى ذلك، ويجب أن يضبط الأمر بضوابطه الشرعية بحيث لا يتجاوز قدر الحاجة أو الضرورة.
ثالثا:
على المسلم أن يحاول دفع ضرورته من غير ارتكاب للمحرم بقدر استطاعته فإذا لم تندفع إلا بفعل المحرم جاز فعله في هذه الحال.
وعلى هذا يجب عليك أن تسعى فيما يلي:
1- البحث عن أقنعة مناسبة لشعر اللحية. وقد صنعت الشركات المختصة أقنعة خاصة لأصحاب اللحى من اليهود المتعصبين المتدينين العاملين بشركات الطيران!!.
2- البحث عن عمل آخر لا يتطلب فعل المحرم ولو كان خارج بلدك
3- محاولة إنشاء عمل خاص بك تجاريا أو غيره.
فإذا لم تستطع شيئا من ذلك فلا حرج عليك إن شاء الله تعالى في حلقها على أن تقتصر على ما تندفع به الحاجة أو الضرورة، فلو أمكن الاقتصار على تقصيرها لم يجز حلقها ... وهكذا
ولا شك أن من اتقى الله تعالى قدر استطاعته فإن الله تعالى يكفيه همه ويجعل له مخرجاً، قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) الطلاق/2-3
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد.(5/6702)
مدرس ينشغل عن حصصه الأصلية بحجة النشاط وأعمال أخرى
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم انشغال المعلم عن دخول حصصه الأصلية في المدرسة بحجة انشغاله بأعمال أخرى مثل الكمبيوتر أو النشاط أو الإرشاد أو أي أمر آخر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أن الوظيفة الأساسية للمدرس هي قيامه بالتدريس في الحصص المخصصة له، لكن الأعمال الأخرى كالنشاط والإشراف وإعداد اللوحات ونحو ذلك، لا يستهان بها أيضا؛ لما لها من أثر نافع على الطلاب، وعلى إقبال الناس على المدرسة. وقد ينتفع الطالب بهذه الأنشطة أكثر من انتفاعه بالدرس المجرد، فعلى إدارة المدرسة أن تنظم هذه الأعمال، وتوزع هذه المهام بحيث لا تؤثر على أداء المدرس في فصله.
وإذا كان المدرس قد كُلِّف بهذه الأعمال من قبل الإدارة فلا حرج عليه في ذلك.
وإن كان يفعلها من قبل نفسه، فهو مشكور على ذلك، لكن ينبغي أن يسدد ويقارب، ولا يفوت على الطلاب حقهم من الشرح والتدريس اللازم لهم، أو أن يطلب تخفيف الحصص عنه، ليتفرغ لهذه الأنشطة، فيكون ذلك جمعا بين المصلحتين.
وإن لم يكن للأنشطة التي يقوم بها أهمية، أو أن غيره قد كفاه أمرها، أو كان يبالغ في تضييع وقته فيها، على حساب أدائه في الفصل، فلا شك أن هذا تفريط في الواجب وتضييع للأمانة، (وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنْ الْمُصْلِحِ) البقرة/220، وعليه أن يتقي الله تعالى، وألا ينشغل بالمفضول عن الفاضل، وأحرى ألا ينشغل بالمفضول عن الواجب.
وفي بيان أهمية الأنشطة، وضرورة التعاون لأدائها، قال الشيح ابن جبرين حفظه الله: " ينبغي التعاون والتساعد على الأمور المهمة التي يحتاج إليها داخل المدرسة، كإعداد مقالات، أو بحث مسألة، أو اشتراك في نشاط مدرسي، أو كتابة صحف حائطية، أو إرشادات وتوجيهات مهمة توحي بتقدم المدرسة وأهلها، وتعطي فكرة قوية لمن زارها بقوة الأنشطة والنصائح والأفكار، ولا شك أن هذا لا يحصل من فرد أو اثنين، فلا ينبغي للمدير إهمال هذا الجانب والانفراد في غرفة الإدارة، والاقتصار على تكليف كل مدرس بإلقاء مادته داخل الفصل، بل عليه واجب فوق ذلك وهو الحرص على مضاعفة النشاط الطلابي، وشحذ الهمم على الأعمال النافعة، وحث الطلاب والمدرسين والموظفين على التعاون فيما بينهم، وبذل شيء من الجهد والوقت في الكتابات والتوجيهات والفوائد التي تلفت الأنظار وتعجب الزوار، ويظهر من آثارها الإخلاص والنصح للتلاميذ وغيرهم، فمتى ترك ذلك مدير المدرسة فعلى المدرسين إبداء اقتراحاتهم وإبداء تعاونهم معه في صالح الجميع. ومتى طلب المدير منهم أو من بعضهم تولي بعض الأعمال، فعليه المبادرة وتلبية الطلب، فذلك مما يجب على الجميع، وهو من التعاون على البر والتقوى. وهكذا لو احتاج ذلك إلى بذل شيء من المال ينفع في هذه الأنشطة ولا يضر باقتصاد من بذله، فإن حقا على القادر المبادرة إلى ذلك، وكذا لو طلب المدير من أحدهم شراء حاجة مهمة لصالح المدرسة وهو ممن يعرفها ولا ضرر عليه، فإن حق الأخوة والصداقة والرفقة تلبية الطلب، وعدم الاقتصار على إلقاء الدرس داخل الفصل، فذلك وإن كان هو الواجب الأصلي لكن غيره مما يلحق به، وقد عرف أن دوام المدرس كغيره من أول الوقت إلى آخر العمل. فمتى كان متفرغا فلا يحتقر أن يعمل مع غيره عملا في صالح الجميع " انتهى من "الأجوبة الفقهية على الأسئلة التعليمية والتربوية" ص 21.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6703)
حكم الراتب إذا كان قد غش في اختبارات الشهادة
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل يعمل بشهادة علمية وقد غش في امتحانات هذه الشهادة، وهو الآن يحسن هذا العمل بشهادة مرؤوسيه، فما حكم راتبه هل هو حلال أم حرام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" لا حرج إن شاء الله , عليه التوبة إلى الله مما جرى من الغش , وهو إذا كان قائماً بالعمل كما ينبغي فلا حرج عليه من جهة كسبه؛ لكنه أخطأ في الغش السابق، وعليه التوبة إلى الله من ذلك " انتهى
[الْمَصْدَرُ]
"مجموع فتاوى ابن باز" (19/31) .(5/6704)
حكم دراسة الطب والعمل في المستشفيات مع وجود الاختلاط
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن طلاب العلم في كلية علوم الطب نسأل عن حكم الشرع في نظركم للعمل في مستشفيات مختلطة يعالج فيه الطبيب النساء والرجال على السواء مع إمكانية تجنب الخلوة المحرمة، وكل المستشفيات في بلدنا تعمل بهذا النظام، فما يمكن تجنب المسلم العمل كطبيب في مستشفيات أخرى للرجال فقط لعدم وجودها أصلا في بلدنا، وقد رأى بعضنا أن ترك عمل الطبيب المسلم بسبب هذا النظام السالف الذكر الذي ما يمكن رده فيه تعطيل لمصالح العباد ووقوع مفاسد أعظم من العمل في المستشفيات. وإننا في حرج شديد من أمرنا هذا ولم نجد جوابا مقنعا لهذا السؤال فعسى أن يهدينا الله للصواب على أيديكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نشكر لكم اهتمامكم وحرصكم على معرفة الحكم الشرعي في هذه المسألة التي عمت بها البلوى، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد في القول والعمل.
ثانيا:
لا يجوز للطبيب الرجل أن يعالج المرأة إلا عند تعذر وجود طبيبة مسلمة أو كافرة، وقد صدر بهذا قرار من مجمع الفقه الإسلامي ونصه:
" الأصل أنه إذا توافرت طبيبة متخصصة يجب أن تقوم بالكشف على المريضة، وإذا لم يتوافر ذلك فتقوم بذلك طبيبة غير مسلمة ثقة، فإن لم يتوافر ذلك يقوم به طبيب مسلم، وإن لم يتوافر طبيب مسلم يمكن أن يقوم مقامه طبيب غير مسلم، على أن يطّلع من جسم المرأة على قدر الحاجة في تشخيص المرض ومداواته وألا يزيد عن ذلك وأن يغض الطرف قدر استطاعته، وأن تتم معالجة الطبيب للمرأة هذه بحضور محرم أو زوج أو امرأة ثقة خشية الخلوة.
ويوصي بما يلي:
أن تولي السلطات الصحية جُلَّ جهدها لتشجيع النساء على الانخراط في مجال العلوم الطبية والتخصص في كل فروعها، وخاصة أمراض النساء والتوليد، نظراً لندرة النساء في هذه التخصصات الطبية، حتى لا نضطر إلى قاعدة الاستثناء " انتهى نقلا عن "مجلة المجمع" (8/1/49) .
وهذا ما اعتمدناه في الإجابة عن الأسئلة الواردة بهذا الخصوص، انظر مثلا جواب السؤال رقم (2152) ، ورقم (20460) .
ثالثا:
إذا ابتلي المسلمون في بلد ما، بكون جميع المستشفيات مختلطة، فهذا واقع استثنائي مؤلم، يتعذر معه تطبيق الضوابط السابقة؛ إذ لابد للنساء أو لجماعة كبيرة منهن من الذهاب إلى هذه المستشفيات، وعرض أنفسهن على الأطباء الرجال، ولا شك أن القول بمنع الأطباء الصالحين من العمل في هذه المستشفيات، يعني أن يخلو المكان لغير الصالحين، ممن لا يراقب الله تعالى في عمله ولا في نظره ولا في خلوته، كما يعني حرمان هؤلاء الأطباء من فرص العمل، أو تفريغ كليات الطب من أهل الدين والاستقامة، ولاشك أن هذه مفاسد عظيمة، تزيد على مفسدة اطلاع الرجل على عورة المرأة، التي يباح كشفها للحاجة والضرورة.
فالذي يظهر لنا ـ والله أعلم ـ أنه لا حرج عليكم في العمل في هذه المستشفيات، مع السعى الجاد في تغيير هذا الواقع، بإنشاء العيادات والمستشفيات الخاصة، غير المختلطة، وبذل الجهود لإقناع المسئولين والتأثير عليهم لتخصيص بعض المستشفيات للنساء، والالتزام بالضوابط الشرعية الممكنة من عدم الخلوة، وقصر النظر على موضع الحاجة، على ما هو مبين في جواب السؤال رقم (5693) .
وجوابنا هذا مبني على أمرين:
الأول: ما هو مقرر عند أهل العلم من أن الشريعة جاءت لتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وأنه ترتكب أدنى المفسدتين لدفع أعلاهما.
والثاني: - وهو متفرع عن الأول - ما أفتى به بعض أهل العلم من جواز تولي الوظائف الممنوعة؛ لتخفيف الشر ما أمكن، ومن ذلك ما أفتى به شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فيمن يتولى الولايات، ويُلزم بأخذ المكوس المحرمة من الناس، لكنه يجتهد في العدل ورفع الظلم بحسب إمكانه، ويخفف من المكوس ما استطاع، ولو ترك الولاية لحل محله من يزيد معه الظلم، فأفتى رحمه الله بأنه يجوز له البقاء في ولايته، بل بقاؤه على ذلك أفضل من تركه، إذا لم يشتغل بما هو أفضل منه، وقال: " وقد يكون ذلك واجبا عليه إذا لم يقم به غيره قادرا عليه. فنشر العدل بحسب الإمكان، ورفع الظلم بحسب الإمكان فرض على الكفاية، يقوم كل إنسان بما يقدر عليه من ذلك إذا لم يقم غيره في ذلك مقامه ... " انتهى من "مجموع الفتاوى" (30/356- 360) .
ومعلوم أن أخذ المكوس محرم تحريما شديدا، وهو من كبائر الذنوب، لكن لما كان في تولي هذا المسلم الصالح تخفيف للشر، والتقليل منه بحسب الإمكان، جاز ذلك.
وقد علق الشيخ ابن عثيمين رحمه على كلام لشيخ الإسلام قريب من هذا بقوله: " والمصالح العامة يجب مراعاتها، لو مثلا تركنا مسألة الطب، وصار أهل الخير لا يتعلمون الطب، قال: كيف أتعلم الطب وإلى جانبنا نساء ممرضات ومتعلمات ومطبقات لمعلومات؟ نقول: هل أنت إذا امتنعت عن هذا هل سيبقى الجو فارغا؟ سيأتي أناس خبثاء يفسدون في الأرض بعد إصلاحها، وأنت ربما إذا اجتمعت أنت والثاني والثالث والرابع، ربما في يوم من الأيام يهدي الله ولاة الأمور ويجعلون النساء على حدة والرجال على حدة " انتهى من "شرح كتاب السياسة الشرعية" ص 149
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: نحن مجموعة أطباء نعمل في الرياض، ويكون علينا مناوبات يكون فيها مرضى ذكور وإناث، وأحيانا تشتكي المريضة وتكون الشكوى مثلا الصداع أو وجع في البطن، ويقتضي العمل الطبي حتى يكون تاما أن يتم الفحص: يقتضي أخذ المعلومات عن سبب الصداع، يقتضي أن يفحص البطن أو الرأس أو غيرها حتى لا يكون عليه مسئولية، ولو لم يكن من فحص قد لا تتضرر المريضة كثيرا، يعني هناك مجال للتهرب منها، لكن حتى يقيم الحالة تقييما تاما يقتضي أن يفحص ...
فأجاب:
"الواجب على إدارة المستشفى أن تلاحظ هذا وأن تجعل المناوبة بين الرجال والنساء حتى إذا احتاج النساء المرضى أن يُعالجن أو يفحصن أُرسل إليهن النساء، فإذا لم تقم الإدارة بهذا الواجب عليها ولم تبال فأنتم لا حرج أن تفحصوا النساء، لكن بشرط ألا يكون هناك خلوة أو شهوة، وأيضا يكون هناك حاجة إلى الفحص، فإن لم يكن حاجة وأمكن تأخير الفحص الدقيق إلى وقت تحضر فيه النساء فأخروه، وإذا كان لا يمكن فهذه حاجة ولا بأس بها " انتهى من "لقاءات الباب المفتوح " (1/206) .
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين، وأن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، إنه سميع قريب مجيب.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6705)
هل تفضيله للعمل مع غير المسلمين يعتبر من موالاتهم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل العمل في شركة يملكها رجل كافر يعتبر من موالاة الكفار؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
العمل عند الكفار ومشاركتهم في التجارة لا يعد من موالاتهم، وعلى المسلم أن يحسن اختياره للأشخاص، ولطبيعة العمل ونوعية التجارة، ولا يجوز أن تكون أعماله أو تجاراته في المحرمات، ولا يحل له أن يوادهم في قلبه، ولا أن يثني عليهم ثناء مطلقاً، ويجب عليه أن يتحلى بالصدق والإتقان في عمله ليكون أنموذجاً طيباً لأخلاق المسلمين.
قال الشيخ صالح الفوزان:
ومن الموالاة المحرمة: مناصرتهم على المسلمين ومظاهرتهم أو الدفاع عنهم بالقول بتبرير ما هم عليه والاعتزاز بما هم عليه، كل هذا من أنواع الموالاة المحرمة والتي تصل إلى الردة عن الإسلام - والعياذ بالله - قال الله تعالى: (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) المائدة/51.
أما ما يجوز لنا من التعامل مع الكفار فهو التعامل المباح، نتعامل معهم بالتجارة، ونستورد منهم البضائع، ونتبادل معهم المنافع، ونستفيد من خبراتهم، نستقدم منهم من نستأجره على أداء عمل كهندسة أو غير ذلك من الخبرات المباحة، هذا حدود ما يجوز لنا معهم ولابد من أخذ الحذر، وأن لا يكون له سلطة في بلاد المسلمين إلا في حدود عمله، ولا يكون له سلطة على المسلمين، أو على أحد من المسلمين، وإنما تكون السلطة للمسلمين عليهم.
"المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان" (2/252) .
وعلى أصحاب الأعمال من المسلمين أن يتقوا الله في أعمالهم وموظفيهم، وأن يقيموا الأعمال المباحة، وأن يعطوا موظفيهم وعمالهم حقوقهم كاملة غير منقوصة، وأن لا يتسببوا في انتقال العمال والموظفين المسلمين إلى غيرهم من الكفار.
فالكثير من المسلمين يرى أن ما يحصل عليه من راتب وامتيازات عند الكافر هي التي تدفعه إلى العمل عنده؛ لأنه يرى أنه يأخذ ما يستحقه، وفي هذا من المفاسد ما فيه من مدح هؤلاء الكفار والثناء عليهم في خلقهم ومعاملاتهم، وقد يؤدي ذلك إلى الوقوع في موالاتهم، وهو ما سبب فتنة لكثيرين في دينهم بعد ذلك.
وانظر جواب السؤال رقم (59879) ففيه تفصيل مهم في موالاة الكفار وأنواعها.
وانظر جواب السؤال رقم (2875) ففيه حكم العمل عند الكفار، وجواب السؤال رقم (2371) ففيه بيان جواز مشاركة المسلم للكافر بشروط.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6706)
يريد فتح محل للخياطة ويسأل عن بعض الأمور
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أفتح محلاً لخياطة ملابس النساء، لكنني متردد؛ وذلك لخوفي من وجود محاذير في هذا العمل. فأرجو منكم أن توضحوا لي إن كان فيه فعلا محاذير شرعية، وكيف يتم التعامل مع النساء اللواتي يطلبن تفصيل ملابس قد تكون لا تغطي جسم المرأة؟ كأن تكون ساترةً لكنها قصيرة شيئًا ما، أو أن تكون ضيقةً نوعًا ما، وإذا رأيت في المحل امرأةً تلبس ملابس قصيرةً قليلاً، فهل يجوز أن أفصل لها؟ لأنها قد تخرج بالملابس التي نفصلها لها، وتبدو مكشوفة القدم مثلاً ويراها الرجال؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب على المسلم أن يلتزم في جميع أعماله ومعاملاته بالأحكام الشرعية، فلا يرتكب محظورًا ولا يتساهل في ممنوع، ومن أهم قواعد الشريعة التي ذكرها الله في كتابه، والنبي صلى الله عليه وسلم في سنته، وقررها أهل العلم في كتبهم: " أنه لا يجوز بيع الشيء على من تعلم أنه سيستعمله في الحرام "
قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله إذا حرم شيئًا حرم ثمنه) .
رواه ابن حبان (11/312) والدارقطني (3/7) والطبراني في الأوسط (2/291) وصححه الألباني في غاية المرام.
وقال علماء اللجنة الدائمة (13/109) :
" كل ما يستعمل على وجه محرم، أو يغلب على الظن ذلك؛ فإنه يحرم تصنيعه واستيراده وبيعه وترويجه بين المسلمين، ومن ذلك ما وقع فيه كثير من نساء اليوم - هداهن الله إلى الصواب -، من لبس الملابس الشفافة، والضيقة، والقصيرة، ويجمع ذلك كله إظهار المفاتن والزينة، وتحديد أعضاء المرأة أمام الرجال الأجانب.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: كل لباس يغلب على الظن أنه يستعان بلبسه على معصية فلا يجوز بيعه وخياطته لمن يستعين به على المعصية والظلم. . . . , وكذلك كل مباح في الأصل علم أنه يستعان به على المعصية.
فالواجب على كل تاجر مسلم تقوى الله سبحانه وتعالى، والنصح لإخوانه المسلمين، فلا يصنع ولا يبيع إلا ما فيه خير لهم، ويترك ما فيه شر وضرر عليهم، وفي الحلال غنية عن الحرام.
(وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) الطلاق/3,2.
وهذا النصح هو مقتضى الإيمان.
قال الله تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) التوبة/71. " انتهى.
وقد سبق الجواب عن مثل هذا السؤال في عدة مواضع من الموقع.
انظر الأسئلة: (3149) (34587) (34674) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6707)
حكم العمل في بنك البلاد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم العمل في بنك البلاد الذي سوف يتم تأسيسه قريبا؟ علماً بأنني علمت من مصدر من مؤسسة النقد العربي السعودي، أن البنك سوف يكون جميع معاملاته إسلامية، ولكن من غير تسميته كبنك إسلامي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: تشكر مؤسسة النقد لحرصها على إنشاء بنك ينضبط في معاملاته بالأحكام الشرعية. ونسأل الله أن يوفقهم لما يحب ويرضى
ثانياً:
إذا كانت أعمال البنك منضبطة بأحكام الشرع، فلا حرج في العمل فيه، ولو لم يُسمَّى بنكا إسلاميا. وإذا كانت معاملاته تقوم على الربا قرضاً أو إقراضاً، أو غير ذلك من المحرمات فلا يجوز العمل فيه ولو سُمي بنكا إسلاميا، فإن العبرة بالحقائق والمعاني لا بمجرد الأسماء.
وقد أصدرت الهيئة الشرعية للبنك قرارا يفيد بأن بنك البلاد يخضع لسياسة شرعية تلزمه بعرض جميع أعماله على الهيئة الشرعية والالتزام بقراراتها، ومراقبة تطبيقها من خلال إدارة الرقابة الشرعية، وأن السياسة الشرعية للبنك تنص على أن البنك ألزم نفسه منذ بداية تأسيسه تطبيق الشرع المطهر في جميع معاملاته.
وانظر نص هذا القرار في جواب السؤال (46588)
وهذا يبشر بخير، والحمد لله، ونسأل الله لهم التوفيق والعون، ويمكنك الاتصال بأعضاء هيئة الرقابة الشرعية للتأكد والاطمئنان.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6708)
العمل في مجال التخليص الجمركي وأجرة السمسرة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أعمل في مجال التخليص الجمركي أي أقوم بمتابعة إجراءات دفع الرسوم وإخراج البضائع من المرافئ إلى مستودعات التجار وأتقاضى أجراً مقابل ذلك.
منذ فترة عرض علي أحد الأشخاص أن أقوم بتسويق كمية 400 ألف طن من الإسمنت المستورد إلى التجار الذين يتعاملون معي مقابل نسبة من الأرباح (عمولة)
السؤال هل هذه النسبة حلال أم حرام؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يجوز العمل في مجال التخليص الجمركي، مقابل أجرة، بشرط أن تكون البضائع مما يباح الاتجار فيه.
ثانيا:
ما ذكرته من تسويق هذه الكمية من الإسمنت: إن كان أمراً مرخصاً مسموحاً به، فلا حرج عليك في تسويقه مقابل أجرة معلومة.
وعملك هذا لا يخرج عن كونه (سمسرة) أي: توسط بين البائع والمشتري. وقد سبق في جواب السؤال (45726) بيان جواز السمسرة، وأقوال أهل العلم فيها.
وإذا كنت تأخذ الإسمنت من صاحبه ونقوم ببيعه بنفسك إلى المشتري، فأنت وكيل للبائع، ولا حرج على الوكيل أن يأخذ أجراً مقابل عمله.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (7/204) :
" وَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِجُعْلٍ وَغَيْرِ جُعْلٍ (الجُعْل هو الأجرة) ; فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَكَّلَ أُنَيْسًا فِي إقَامَةِ الْحَدِّ , وَعُرْوَةَ فِي شِرَاءِ شَاةٍ بِغَيْرِ جَعْلٍ. وَكَانَ يَبْعَثُ عُمَّالَهُ لِقَبْضِ الصَّدَقَاتِ , وَيَجْعَلُ لَهُمْ عِمَالَةً (أجرة) . وَلِهَذَا قَالَ لَهُ ابْنَا عَمِّهِ: لَوْ بَعَثْتنَا عَلَى هَذِهِ الصَّدَقَاتِ , فَنُؤَدِّي إلَيْك مَا يُؤَدِّي النَّاسُ , وَنُصِيبُ مَا يُصِيبُهُ النَّاسُ. يَعْنِيَانِ الْعِمَالَةَ. رواه مسلم (1072) .
وَإِنْ وُكِّلَ فِي بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ , اسْتَحَقَّ الْأَجْرَ إذَا عَمِلَهُ " انتهى باختصار.
ولا حرج في كون أجرة السمسرة أو الوكالة نسبة معلومة.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله:
" لا بأس بالدلالة – السعي- على البائع أو على المشتري (والدلالة أو السعي هي أجرة السمسرة) ، شرطُ الدلالة لا بأس به " انتهى.
"فتاوى ابن باز" (19/31) .
وسئلت اللجنة الدائمة:
كثر الجدل حول مقدار السعي الذي يأخذه الدلال، فساعة (2.5) في المئة، وساعة (5) في المئة، فما هو السعي الشرعي، أو أنه حسب الاتفاق بين البائع والدلال؟
فأجابت:
" إذا حصل اتفاق بين الدلال والبائع والمشتري على أن يأخذ من المشتري أو من البائع أو منهما معاً سعياً معلوماً جاز ذلك، ولا تحديد للسعي بنسبة معينة، بل ما حصل عليه الاتفاق التراضي ممن يدفع السعي جاز، لكن ينبغي أن يكون في حدود ما جرت به العادة بين الناس مما يحصل به نفع الدلال في مقابل ما بذله من وساطة لإتمام البيع بين البائع والمشتري، ولا يكون فيه ضرر على البائع أو المشتري بزيادته فوق المعتاد " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (13/130) .
وجاء فيها أيضاً (13131) :
" يجوز للدلال أخذ أجرة بنسبة معلومة من الثمن الذي تستقر عليه السلعة مقابل دلالته عليها، ويستحصلها الدلال من البائع أو المشتري حسب الاتفاق من غير إجحاف ولا ضرر " انتهى.
وإذا كانت النسبة من الربح لا من ثمن السلعة، فقد نص فقهاء الحنابلة على جوازها، وأنها تشبه المضاربة، والمضاربة هي أن يعطي الرجل ماله لمن يتاجر فيه بنسبة من الربح.
انظر: "مطالب أولي النهى" (3/542) ، "كشاف القناع" (3/615) .
والحاصل أنه لا حرج عليك في أخذ النسبة (العمولة) المتفق عليها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6709)
هل يدفع مبلغاً للحصول على وظيفة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز دفع مبلغ من المال مقابل الحصول على وظيفة حكومية؟ وخاصة إذا ما كانت الوظائف غير متاحة في الغالب إلا بهذه الطريقة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الوظائف الحكومية تعتبر حقا مشتركا يستوي فيه أصحاب الأهلية بناء على شهاداتهم وقدراتهم، فلا فضل لأحد فيها على أحد إلا باعتبار الكفاءة، وعلى القائمين عليها أن يختاروا الأكفأ والأصلح، دون محاباة أو رشوة.
ثانياً:
للإنسان أن يوسط من يشفع له في وظيفة من هذه الوظائف، بشرط أن يكون أهلاً لها، ولا يترتب على ذلك التعدي على حقوق الآخرين.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (25/389) :
" إذا ترتب على توسط من شفع لك في الوظيفة حرمان من هو أولى وأحق بالتعيين فيها، من جهة الكفاية العلمية التي تتعلق بها، والقدرة على تحمل أعبائها، والنهوض بأعمالها مع الدقة في ذلك، فالشفاعة محرمة؛ لأنها ظلم لمن هو أحق بها، وظلم لأولي الأمر، وذلك بحرمانهم من عمل الأكفأ وخدمته لهم ومعونته إياهم على النهوض بمرفق من مرافق الحياة، واعتداء على الأمة بحرمانها ممن ينجز أعمالها ويقوم بشئونها في هذا الجانب على خير حال، ثم هي مع ذلك تولد الضغائن وظنون السوء، ومفسدة للمجتمع، وإذا لم يترتب على الوساطة ضياع حق لأحد أو نقصانه فهي جائزة بل مرغب فيها شرعاً ويُؤجر عليها الشفيع إن شاء الله، ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسان رسوله ما يشاء) البخاري (1342) " انتهى.
ثالثاً:
أما دفع المال لهذا الوسيط، ففيه تفصيل:
1- إن كان هذا الوسيط هو المسئول عن اختيار الموظفين، أو يستغل نفوذه وسلطته في ذلك، فدفع المال له رشوة محرمة، وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي والرائش. أي: دافع الرشوة، وآخذها، والواسطة بينهما.
وروى البخاري (6636) ومسلم (1832) عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَ عَامِلًا فَجَاءَهُ الْعَامِلُ حِينَ فَرَغَ مِنْ عَمَلِهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي. فَقَالَ لَهُ: (أَفَلا قَعَدْتَ فِي بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ فَنَظَرْتَ أَيُهْدَى لَكَ أَمْ لا؟!) . ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشِيَّةً بَعْدَ الصَّلاةِ فَتَشَهَّدَ وَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: (أَمَّا بَعْدُ فَمَا بَالُ الْعَامِلِ نَسْتَعْمِلُهُ فَيَأْتِينَا فَيَقُولُ: هَذَا مِنْ عَمَلِكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي، أَفَلا قَعَدَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَنَظَرَ هَلْ يُهْدَى لَهُ أَمْ لا ... ) .
2- وإذا كنت أهلاً لهذه الوظيفة، ولا يترتب على دفعك الرشوة التعدي على حقوق أحد، أو حرمان من هو مثلك أو أولى، ومُنِعْتَ حقَّك إلا بهذه الرشوة، جاز لك دفعها في هذه الحال، تحصيلا ًلحقك، وإن كانت محرمة على الآخذ.
سواء كان هذا المال مدفوعاً إلى المسئول عن ذلك أو إلى شخص آخر أخذ هذا المال ليتوسط لك عن ذلك المسئول.
قال ابن حزم رحمه الله في "المحلى" (8/118) : " ولا تحل الرشوة: وهي ما أعطاه المرء ليحكم له بباطل , أو ليولي ولاية , أو ليظلم له إنسان، فهذا يأثم المعطي والآخذ.
فأما من منع من حقه فأعطى ليدفع عن نفسه الظلم فذلك مباح للمعطي , وأما الآخذ فآثم " انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " فأما إذا أهدى له هدية ليكف ظلمه عنه أو ليعطيه حقه الواجب كانت هذه الهدية حراماً على الآخذ , وجاز للدافع أن يدفعها إليه , كما كان النبي يقول: (إني لأعطي أحدهم العطية فيخرج بها يتأبطها نارا. قيل: يا رسول الله , فلم تعطيهم؟ قال: يأبون إلا أن يسألوني ويأبى الله لي البخل) . ومثل ذلك: إعطاء من أعتق وكتم عتقه , أو أسر خبرا , أو كان ظالما للناس فإعطاء هؤلاء جائز للمعطي , حرام عليهم أخذه.
وأما الهدية في الشفاعة , مثل: أن يشفع لرجل عند ولي أمر ليرفع عنه مظلمة , أو يوصل إليه حقه , أو يوليه ولاية يستحقها أو يستخدمه في الجند المقاتلة وهو مستحق لذلك , أو يعطيه من المال الموقوف على الفقراء أو الفقهاء أو القراء أو النساك أو غيرهم , وهو من أهل الاستحقاق , ونحو هذه الشفاعة التي فيها إعانة على فعل واجب , أو ترك محرم , فهذه أيضا لا يجوز فيها قبول الهدية , ويجوز للمهدي أن يبذل في ذلك ما يتوصل به إلى أخذ حقه أو دفع الظلم عنه , هذا هو المنقول عن السلف والأئمة الأكابر " انتهى من الفتاوى الكبرى (4/174) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " أما الرشوة التي يتوصل بها الإنسان إلى حقه، كأن لا يمكنه الحصول على حقه إلا بشيء من المال، فإن هذا حرام على الآخذ، وليس حراماً على المعطي، لأن المعطي إنما أعطى من أجل الوصول إلى حقه، لكن الآخذ الذي أخذ تلك الرشوة هو الآثم لأنه أخذ ما لا يستحق " انتهى نقلا عن "فتاوى إسلامية" (4/302) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6710)
حصل على شهادته الجامعية بالواسطة وعمل بها فماذا يصنع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد كنت أدرس في إحدى الكليات الجامعية ولكن لم أتمكن من إتمام الدراسة ولقد حصلت على الشهادة عن طريق الواسطة، ثم تحصلت على عمل بهذه الشهادة، ولقد تزوجت من هذا العمل، وأصبح عندي طفلان.
وسؤالي هو:
ما هو الحكم الشرعي في هذا - علما بأني أتقن العمل بصورة ممتازة وتقارير الكفاءة من رئيس العمل ممتازة -؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
حصولك على الشهادة بالواسطة من غير استحقاق عمل محرَّم، وفيه وقوع في عدة محرمات، ومن توسط لك شريك في هذا العمل المحرَّم، وهذه المحرمات المترتبة على حصولك على هذه الشهادة بالواسطة هي:
أ. أنها شفاعة سيئة، قال اللَّهِ تعالى: (مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا) النساء/85.
كِفْلٌ: نَصِيبٌ، أي: من الإثم.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" الأجر على الشفاعة ليس على العموم بل مخصوص بما تجوز فيه الشفاعة، وهي الشفاعة الحسنة، وضابطها: ما أذن فيه الشرع دون ما لم يأذن فيه كما دلت عليه الآية , وقد أخرج الطبري بسند صحيح عن مجاهد قال: هي في شفاعة الناس بعضهم لبعض , وحاصله: أن من شفع لأحدٍ في الخير كان له نصيب من الأجر، ومن شفع له بالباطل كان له نصيب من الوزر " انتهى.
" فتح الباري " (10 / 451، 452) .
ب. الغش، وذلك بتقديم أوراق لا حقيقة لها.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من غشنا فليس منا) رواه مسلم (102) .
ج. التشبع بما لم يُعط، وذلك بادعائه أنه حاصل على شهادة، والواقع غير ذلك.
عن أسماء رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ) رواه البخاري (4921) ومسلم (2130) .
د. قول الزور وشهادة الزور.
عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئا فجلس فقال: ألا وقول الزور وشهادة الزور، ألا وقول الزور وشهادة الزور، فما زال يقولها حتى قلنا: ليته سكت) رواه البخاري (5631) ومسلم (87) .
هـ. الكذب على أصحاب العمل وعلى الناس.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان) رواه البخاري (33) ومسلم (59) .
و. أخذ حق غيره ممن كان حاصلاً على شهادة حقيقية من غير واسطة، وهذا فيه ظلم لهؤلاء وأخذ حقوقهم في الوظيفة بغير وجه حق.
عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرَّماً فلا تظالموا) رواه مسلم (2577) .
فأنت ترى عظَم هذا الفعل بكثرة ما فيه من معاصٍ، وبقدر ما ترتب عليه من مخالفات، فالواجب عليك – وعلى من توسط لك – التوبة الصادقة، وذلك بالندم على كان منك، والعزم على عدم العود لهذا الفعل، مع الاستغفار والقيام بالطاعات.
ثانياً:
وأما ما يتعلق بعملك وكسبك من هذا الشهادة فنرجو أن تكون توبتك كافية لِحِلِّ ذلك، ما دمت متقناً للعمل وتقوم به بصورة ممتازة.
وانظر جواب السؤال (69820) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6711)
هل يجوز عمل المرأة مسوِّقة منتوجات على الهاتف؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك شركات أجنبية في المغرب تمتلك شركات أجنبية في الغرب وتقوم هذه الشركات التي في المغرب بخدمة زبائن الشركات التي في الغرب عبر الهاتف حيت إنها - الشركات التي في المغرب- إما أن يتصل بها الزبائن الغربيون غالبا لقضاء حاجتهم أو أن تتصل هي بمواطن يوجد بالضرورة في الغرب - أوربا - لتبيع منتجاتها عبر الهاتف بمحاولة إقناع الموظف للمواطن، وهم - أي: الشركات - يسوِّقون مختلف المنتوجات والخدمات مثل الهاتف النقال، والإنترنت، والتأمين، والكمبيوتر ... الخ.
هذه الشركات بدأت تتكاثر بسرعة هائلة والشباب - حتى الشابات - يتهافتون على أبوابها لأنها تعطي راتباً جيِّداً، والحكومة أيضا تساعد على ذلك (خصصت تكويناً خاصّاً يدوم شهرين) علما أن الفتنة منتشرة في مثل هذه الشركات - تبرج النساء -.
ما هو حكم العمل فيها حلال أم حرام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للرجل ولا للمرأة العمل في أماكن يختلط فيه النساء والرجال، ومفاسد الاختلاط كثيرة، وهي من أعظم طرق الشيطان للإيقاع بالمسلم في الفواحش والرذائل، ولهذا سدَّ الشرع المطهَّر أمام المسلم الطرق التي تؤدي به للوقوع في الحرام.
وقد ذكرنا تحريم الاختلاط في جواب السؤال رقم (1200) وذكرنا شواهد لعاملات تعرضن لمضايقات وتحرشات، وهو ما يؤكد أن ما جاء به الشرع من تحريم الاختلاط هو الذي يحفظ على المرأة حياءها وعفافها، وهو الذي يحفظ الرجل من إطلاق بصره، ويحفظ له نفسه أن تؤدي به إلى مهاوي الردى.
ولا مانع من عمل المرأة إن كانت مع نساء مثلها، أو كانت وحدها وترد على الزبائن أو تتصل بهم لعرض بضاعة شركتها ومؤسستها على أن تلتزم الأدب في الكلام فلا تخضع بالقول مع الرجال؛ لقول الله تعالى: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً) الأحزاب/32.
وانظر جواب السؤال رقم (27304) وفيه بيان حكم مخاطبة النساء في العمل، وجواب السؤال رقم (20140) وفيه بيان حكم عمل المرأة سكرتيرة في مكتب للرجال.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6712)
هل يجوز تأخير رواتب الموظفين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في مؤسسة، محاسب وكل التعاملات المالية والشيكات تمر علي، وصاحب المؤسسة يخرج الزكاة ولكن يؤخر رواتب الموظفين بالثلاثة أشهر , فهل هذا يجوز؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز تأخير رواتب الموظفين عن وقت الاستحقاق، وهو تمام العمل، أو نهاية المدة المتفق عليها، فإذا كان الاتفاق على جعل الراتب شهريا، لزم دفعه للعامل في نهاية كل شهر، وتأخيره عن ذلك من غير عذر يعد مطلا وظلما، قال الله تعالى: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) الطلاق/6، فأمر بإعطائهن الأجر فور انتهائهن من العمل، وروى ابن ماجه (2443) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَعْطُوا الأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ) صححه الألباني في صحيح ابن ماجه.
والمراد: المبادرة بإعطائه حقه عقب إنهائه العمل , وكذلك إذا تمت المدة المتفق عليها (وهي شهر في غالب الوظائف الآن) وجب المبادرة بإعطائه حقه.
قال المناوي في "فيض القدير":
" فيحرم مطله والتسويف به مع القدرة، فالأمر بإعطائه قبل جفاف عرقه إنما هو كناية عن وجوب المبادرة عقب فراغ العمل إذا طلب وإن لم يعرق، أو عرق وجف " انتهى.
ومماطلة صاحب المؤسسة في دفع الرواتب، ظلم يحل عرضه وعقوبته، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ) رواه البخاري (2400) ومسلم (1564) .
والمطل: المماطلة.
وقال صلى الله عليه وسلم: (لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ) رواه أبو داود (3628) والنسائي (4689) وابن ماجه (2427) . حسنه الألباني في "إرواء الغليل" (1434) .
واللي: هو المطل.
والواجد: الغني.
ومعنى يحل عرضه: أي أن يقول: فلان مطلني وظلمني. وعقوبته: حبسه، كذا فسره سفيان وغيره.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة: عن صاحب عمل لا يعطي العاملين لديه أجورهم إلا عند سفرهم لبلادهم، كل سنة أو سنتين، والعاملون يرضون بذلك لقلة حيلتهم وقلة فرص العمل ولحاجتهم للمال.
فأجابوا: " الواجب: أن صاحب العمل يعطي الأجير عنده راتبه بعد نهاية كل شهر، كما هو المتعارف عليه بين الناس اليوم، لكن إذا حصل اتفاق وتراض بينهما على أن يكون الراتب مجموعا بعد سنة أو سنتين فلا حرج في ذلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (المسلمون على شروطهم) " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (14/390) .
وبناء على ما سبق، فينبغي أن تنصح صاحب المؤسسة، وتبين له حرمة تأخير رواتب الموظفين، وحرمة الإضرار بهم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6713)
يكتب تعريفاً لمن يحصل به على قرض ربوي
[السُّؤَالُ]
ـ[موظف يعمل في الدولة في قسم مالي ومن طبيعة عمله إتمام إجراءات الموظفين بشأن المرتبات وغيره من الأعمال الأخرى ومن بينها منح الموظفين إفادة بتفصيل المرتب عندما يطلب الموظف ذلك ولكن منهم من يستخدم هذه الإفادة لأخذ قرض من المصرف، فهل على الموظف الذي منح هذه الشهادة إثم علما بأن هذا من طبيعة عمله؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في كتابة إفادة بالراتب لمن يطلب ذلك من الموظفين، إلا أن تكون موجهة للبنك الربوي بغرض الاقتراض منه، فلا يجوز كتابتها حينئذ؛ لما في ذلك من مساعدته على معصية الله، بل على كبيرة من كبائر الذنوب.
وقد سئلت اللجنة الدائمة (15/58) عن موظف بقسم النسخ بإحدى الجامعات يكتب تعريفاً لمنسوبي الجامعة لأخذ قرض ربوي من أحد البنوك فهل يجوز ذلك؟
فأجابت:
" لا يجوز هذا النسخ ولا التعريف لصاحبه إذا كان المعرف والناسخ يعلم أن المكتوب له يستعين به على المعاملة الربوية؛ لعموم الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء. رواه مسلم في صحيحه، ولعموم قول الله عز وجل: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6714)
هل يسافر لدول الكفر أم يعمل في مدينة سياحية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب بكلية التجارة السنة الرابعة، وأود أن تنتهي فترة الدراسة بأسرع ما يمكن لتحقيق هدفين:
1. تلبية متطلبات عائلية هامة وعاجلة.
2. البدء في مشروع حياتي ...
وأمامي الآن عرضان:
1. العمل ابتداء من الصيف المقبل (بعيداً عن تخصصي) بمنطقة سياحية ساحلية – بمرتب مُغري.
2. السفر لأي دولة غربية حيث أنوي إكمال دراسة معتمدة، وفي نفس الوقت أعمل أي عمل لسداد تكاليف هذه الدراسة بالإضافة إلى تحقيق الهدف.
أرجو نصيحتكم في اختيار أحد الأمرين مع اعتبار أن المشكلة المشتركة بين هذين الأمرين أنني شاب أعزب وأخشى على نفسي الفتنة لكني أتساءل كيف يعيش الشباب المسلمون الملتزمون في المجتمعات الغربية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نشكر لك حرصك على تحري العمل الحلال وطلب المشورة، وكذا حرصك على أهلك في تلبية مطالبهم، ونسأل الله تعالى أن يوفقك لما فيه خيرك وسعادتك في الدنيا والآخرة.
ثانياً:
بما أن دراستك في " كلية التجارة " فإن عليك تحري الوظيفة المباحة؛ لأن فرص العمل الحلال لمثل هذه التخصصات قليلة، فإن عامة الشركات والمؤسسات الآن تتعامل بالربا أو التأمين أو غير ذلك من المعاملات المحرمة، مما يجعل عمل المحاسب فيها نوعاً من معاونتهم على الإثم والعدوان.
ثالثاً:
السفر إلى الدول الغربية محفوف بالمخاطر على دين المرء وخلقه، وقَلَّ من سافر إلى هناك وحافظ على دينه ولم يضيعه، بسبب ما تعج به تلك البلاد من أفكار ومذاهب باطلة، وانحراف في السلوك والأخلاق لا يخفى على أحد، حتى صار بعض عقلائهم يحذرونهم من عاقبة هذا.
ولذلك كان من محاسن شرعنا الحكيم أن حرم على المسلم الإقامة في بلاد الكفر، وقد سبق بيان ذلك في عدة أجوبة، منها: (10338) ، (14235) .
ومن اضطر أو احتاج إلى السفر إلى هذه البلاد فلا بد من توفر شروط حتى يكون سفره مباحا، وأهم ذلك: أن يكون على علم يقي به نفسه من الشبهات، وأن يكون على دين وتقوى يقي به نفسه من الشهوات، وقد يتعين عليه أن يصطحب معه زوجته إذا كان لا يعصم نفسه من الشهوات إلا بهذا.
وقد ذكرت أنك أعزب، وتخاف على نفسك الفتنة فلا ينبغي لك الإقدام على مثل هذا الأمر والمخاطرة بدينك.
رابعاً:
وأما العمل في مكان في منطقة سياحية ساحلية بعيد عن تخصصك فهو بلا شك خير من ذهابك إلى تلك البلاد الكافرة، لكن يجب عليك التنبه لما يلي:
1 - أن تكون طبيعة العمل حلالاً.
2- أن تكون بعيداً عن مواطن الفتنة، كأن يكون العمل فيه اختلاط، أو أن تكون طبيعة المنطقة فيها فسق وفجور لكونها سياحيَّة.
3- أن لا يكون عملك فيه إعانة لبعض هؤلاء السياح على ما يفعلونه من منكر، فإنك بذلك تكون شريكاً لهم في الإثم.
فإذا خلا العمل من هذه المحظورات فلا حرج فيه إن شاء الله تعالى.
ونسأل الله لك التوفيق والسداد.
وأما سؤالك: كيف يعيش الشباب المسلمون الملتزمون في المجتمعات الغربية؟
فلا شك أنهم يعانون كثيراً، وكثير منهم ندم على قدومه إلى تلك البلاد، وتجد كثيراً من مشكلاتهم في أسئلتهم الواردة إلى هذا الموقع، مع أننا لا ننكر أن منهم من هو متمسك بدينه، بل بعضهم كان السفر خيراً له، غير أن هؤلاء قلة قليلة.
نسأل الله تعالى أن يثبتنا والمسلمين حتى نلقاه على دينه.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6715)
يشق عليه الذهاب للعمل ويوقع بالحضور في أيام الغياب
[السُّؤَالُ]
ـ[عزمت على التقاعد المبكر أنتقل إلى المدينة التي يقيم بها أهلي وأهل زوجتي، حيث والدة زوجتي مريضة جدا وتحتاج إلى ابنتها بجوارها.
وفعلاً استأجرت شقة في تلك المدينة ونقلت عفشي إليها.
وتقدمت بخطاب التقاعد إلى العمل، لكن المدير نصحني أن أتريث قليلاً لأنه سيفتح فرع للعمل في المدينة التي سأنتقل إليها، أو هناك تفكير في صرف مكافأة لمن يريد التقاعد.
وظللت هذه الفترة (شهرين) لا أحضر إلى العمل إلا قليلاً، وأوقع عن جميع الأيام التي تغيبت فيها عن العمل.
والسؤال: هل وضعي وغيابي عن العمل سليم أم لا؟ فإذا لم يكن سليما، فما الحكم في الأيام الماضية التي وقعتها دون حضور، هل أعطي راتب الشهرين للإدارة كي يصرفوها على القسم كأن يشتروا مستلزمات مكتبية وأجهزة كمبيوتر يكون القسم في حاجة إليها، أم أتصدق بالرواتب؟ أم ما هو الحكم وهل أستمر في الحضور يومين في الأسبوع وأوقع عن الأيام الباقية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نسأل الله تعالى أن يجزيك خيرا على رغبتك في الإحسان إلى والدة زوجتك، والحرص على قربك من أهلك، وما تحملته في سبيل ذلك من السفر والانتقال وترك العمل.
ثانيا:
ما أقدمت عليه من التوقيع بالحضور على أيام تغيبت فيها عن العمل، أمر محرم لا شك فيه؛ لما فيه من الكذب وأكل أموال الناس بالباطل، وقد قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) النساء/29.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا. وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا) رواه البخاري (5629) ومسلم (4719) .
ثالثا:
ما أخذته من الراتب في مقابل هذه الأيام، يجب رده لإدارة العمل، ولا يجوز لك الانتفاع به، لأنه مال حرام، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به) رواه الطبراني عن أبي بكر، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4519) .
ورواه الترمذي (614) من حديث كعب بن عجرة بلفظ: (إنه لا يربو لحم نبت من سحت إلا كانت النار أولى به) . وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وليس لك أن تتصدق بهذا المال؛ لأن الصدقة إنما تكون فيما جهل صاحبه أو تعذر الوصول إليه.
رابعا:
لا يجوز لك الاستمرار في الغياب مع التوقيع بالحضور، وعليك أن تبحث عن مخرج لا يلحقك فيه إثم، أو ترضى بالتقاعد المبكر الآن من غير حصول على ما ذكرت من المبلغ التشجيعي، واعلم أن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته، وأن المال الحرام ممحوق البركة، وهو وبال على صاحبه في الدنيا والآخرة.
وهذه نصيحة قدمها الشيخ ابن باز رحمه الله لمن يتهاون في حضوره لعمله، ولا يصْدُق في تسجيل أوقات حضوره: قال رحمه الله: " الواجب على كل مسلم أداء الأمانة والحذر من الخيانة في العمل، وفي الحضور والغياب وفي كل شيء، والواجب عليه أن يسجل الوقت الذي دخل فيه، والوقت الذي خرج فيه، حتى يبرئ ذمته، والواجب على المسئول عنهم أن ينصحهم ويوجههم إلى الخير، ويحذرهم من الخيانة، والله ولي التوفيق " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (19/356) .
نسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق والسداد والرشاد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6716)
يعمل في مكان مختلط ويخاف على صيامه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل في شركة ليس بها سواي من الرجال، فهل اختلاطي بالنساء يؤثر علي صيامي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الاختلاط بين الرجال والنساء في العمل، له آثاره السيئة، ومفاسده الواضحة، على كلٍّ من الرجل والمرأة، ومن ذلك:
1- حصول النظر المحرم، وقد أمر الله تعالى المؤمنين والمؤمنات بغض البصر، فقال سبحانه: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) النور/30، 31.
وفي صحيح مسلم (2159) عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجاءة، فأمرني أن أصرف بصري) .
2- قد يحصل فيه اللمس المحرم، ومنه المصافحة باليد، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له) رواه الطبراني من حديث معقل بن يسار، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (5045) .
3- أن الاختلاط قد يوقع في خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية عنه، وهذا محرم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان) رواه الترمذي (2165) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وفي رواية: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس معها ذو محرم منها، فإن ثالثهما الشيطان) رواه أحمد وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في غاية المرام (180) .
4- ومن مفاسده: تعلق قلب الرجل بالمرأة وافتتانه بها، أو العكس، وذلك من جراء الخلطة، وطول المعاشرة.
5- ما يترتب على ذلك من دمار الأسر وخراب البيوت، فكم من رجل أهمل بيته، وضيع أسرته، لانشغال قلبه بزميلته في الدراسة أو العمل، وكم من امرأة ضيعت زوجها وأهملت بيتها، لنفس السبب، بل: كم من حالة طلاق وقعت بسبب العلاقة المحرمة التي أقامها الزوج أو الزوجة، وكان الاختلاط في العمل رائدها وقائدها؟!
ولهذا - وغيره - جاءت الشريعة بتحريم الاختلاط المفضي إلى هذه المفاسد، وقد سبق بيان أدلة تحريم الاختلاط مفصلة في جواب السؤال رقم (1200) فراجعه مشكورا مأجورا.
وعليه؛ فالنصيحة لك أيها السائل أن تدع العمل المختلط، وأن تبحث عن عمل آخر، تسلم فيه من هذه المحاذير، مع اليقين بأن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، وأن من اتقى الله جعل الله من كل ضيق مخرجا، ومن كل هم فرجا: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) الطلاق/2-3.
فإن ابتليت بالبقاء في هذا العمل، فاتق الله تعالى، وغض بصرك عن النساء، وتجنب مصافحتهن، والخلوة معهن، وراقب الله تعالى، واعلم بأنه سبحانه يعلم السر وأخفى، وأنه (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) غافر/19.
رزقنا الله وإياك الهدى والتقى، والعفاف والغنى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6717)
هل يجوز له العمل في بيع تحف تتعلق بأعياد الكفار؟
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد مصنع لصنع التحف الزجاجية كحوامل العطور والشمعدانات وتصديرها للخارج، وعرض عليَّ بأن أكون مسؤولاً عن التصدير، ولكن المصنع يطلب مني في أعياد النصارى (الكريسماس) عمل بعض التحف الزجاجية الخاصة بعيدهم كالصلبان والتماثيل. فهل هذا العمل يجوز حيث إنني أخشى من الله بعد أن منَّ عليَّ ببعض العلم وبحفظ كتابه؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز لأحدٍ من المسلمين أن يشارك في أعياد الكفَّار، سواء بحضور أو تمكين لهم بإقامته أو ببيع مواد وسلع تتعلق بتلك الأعياد.
كتب الشيخ محمد بن إبراهيم ـ رحمه الله ـ إلى وزير التجارة قائلاً: من محمد إبراهيم إلى معالي وزير التجارة سلمه الله. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
ذُكر لنا أن بعض التجار في العام الماضي استوردوا هدايا خاصة بمناسبة العيد المسيحي لرأس السنة الميلادية، من ضمن هذه الهدايا شجرة الميلاد المسيحي، وأن بعض المواطنين كانوا يشترونها ويقدمونها للأجانب المسيحيين في بلادنا مشاركة منهم في هذا العيد.
وهذا أمر منكر ما كان ينبغي لهم فعله، ولا نشك في أنكم تعرفون عدم جواز ذلك، وما ذكره أهل العلم من الاتفاق على حظر مشاركة الكفار من مشركين وأهل كتاب في أعيادهم.
فنأمل منكم ملاحظة منع ما يرد بالبلاد من هذه الهدايا وما في حكمها مما هو خصائص عيدهم.
فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم " (3 / 105) .
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
بعض المسلمين يشاركون النصارى في أعيادهم، فما توجيهكم؟ .
فأجاب:
لا يجوز للمسلم ولا المسلمة مشاركة النصارى أو اليهود أو غيرهم من الكفرة في أعيادهم، بل يجب ترك ذلك؛ لأن " مَن تشبَّه بقوم فهو منهم "، والرسول عليه الصلاة والسلام حذرنا من مشابهتهم والتخلق بأخلاقهم، فعلى المؤمن وعلى المؤمنة الحذر من ذلك، ولا تجوز لهما المساعدة في ذلك بأي شيء لأنها أعياد مخالفة للشرع، فلا يجوز الاشتراك فيها، ولا التعاون مع أهلها، ولا مساعدتهم بأي شيء لا بالشاي ولا بالقهوة ولا بغير ذلك كالأواني وغيرها؛ ولأن الله سبحانه يقول: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب) فالمشاركة مع الكفرة في أعيادهم نوع من التعاون على الإثم والعدوان.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (6 / 405) .
وفي بيان لعلماء اللجنة الدائمة حول المشاركة باحتفالات الألفية قالوا:
سادساً: لا يجوز لمسلم التعاون مع الكفار بأي وجه من وجوه التعاون في أعيادهم ومن ذلك: إشهار أعيادهم وإعلانها، ومنها الألفية المذكورة، ولا الدعوة إليها بأية وسيلة سواء كانت الدعوة عن طريق وسائل الإعلام، أو نصب الساعات واللوحات الرقمية، أو صناعة الملابس والأغراض التذكارية، أو طبع البطاقات أو الكراسات المدرسية، أو عمل التخفيضات التجارية والجوائز المادية من أجلها، أو الأنشطة الرياضية، أو نشر شعار خاص بها. اهـ.
وعليه: فلا يجوز لك – أخي – المشاركة في صنع شيء يتعلق بأعياد الكفار، واترك هذه الوظيفة لله تعالى، وسيبدلك الله خيراً منها إن شاء.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6718)
حكم العمل في مؤسسة تقوم على صيانة البنك المركزي
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مهندس تخرجت منذ ما يقارب العامين، وبحثت عن عمل مناسب ولم أوفق في ذلك - ولله الحمد - أنا في حالة مادية جيدة وأعيش مع والدي، ولكن أرجو من الله أن يوفقني في عمل يرفع حمل التفكير في جلوس بلا عمل أو نفع.
الآن توفرت لي فرصة عمل في شركة خاصة تقوم بصيانة وتشغيل " البنك المركزي " عن طريق عقد سنوي وبراتب مناسب، فهل حكم العمل فيها كحكم العمل في البنوك؟ أرجو منكم إجابتي على هذا السؤال ... وماذا لو اشترطت على الشركة عدم العمل البنك المركزي وطلبت نقلي لمكان آخر، فهل يجري عليها نفس الحكم؟ علماً بأنني لم أباشر العمل حتى الآن.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز لك العمل في " البنك المركزي " لا مباشرة ولا في شركة تقوم بتشغيل أجهزته وصيانتها؛ لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان.
وهذه البنك المركزي هو المسؤول عن البنوك وتحديد فوائدها الربوية ويحاسب من يخالف أنظمتها ويسن لهم القوانين والأنظمة المخالفة لشرع الله عز وجل.
فإذا كنت تعمل في شركة صيانة وتشغيل فلا مانع أن تقوم بتشغيل وصيانة شركات ومؤسسات تعمل وفق المباح من أحكام الشرع، حتى ولو كانت شركتكم فيها فروع تقوم بتشغيل ما لا يحل لهم من المؤسسات والشركات، والمهم بالنسبة لك أن لا تقبل العمل في هذا الفرع، واطلب فرعاً آخر يقوم على تشغيل وصيانة ما هو مباح شرعاً.
وفي الموقع فتاوى متعددة في حكم العمل في البنوك الربوية، وفي مؤسسات تقوم على صيانة البنوك الربوية وعمل برامج لها، وقد ذكرنا فيها كلام أهل العلم في تحريم هذه الأعمال، وهو ما ينطبق تماماً – بل أشد – على المؤسسة الراعية لهذه البنوك.
وانظر أجوبة الأسئلة: (21113) و (21166) و (26771) – مهم -.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6719)
يمتنع من تدريس الموسيقى للطلاب، ويسأل عن راتبه
[السُّؤَالُ]
ـ[لا أعلم كيف حصلت على بكالوريوس التربية الموسيقية!! لأنني لا أفقه شيئاً عن الموسيقى!! وبناءاً على شهادتي عينت مدرس للموسيقى في إحدى المدارس الحكومية. وبعد أن عرفت حكم الموسيقى فإني أحمد الله كثيراً على أنى لا أعرف كيف أشرحها للطلاب وبالتالي لا أجد ما أعلمهم سوى أنى أجعلهم في حصتي يعملون الواجبات المدرسية أو يذاكرون أي شيء آخر أو أرد على أسئلتهم الدينية أو أجعل بعضهم يقرأ القرآن وأشجعهم بأن الذي سيحفظ بعض الآيات سوف أعطيه جائزة.. وأحياناً (قليلة جداً) أتركهم لا يفعلون شيئاً ...
ويوجد معي زميل آخر وهو أيضاً بفضل الله لا يشرح الموسيقى للطلاب ويتبع معهم نفس أسلوبي وقد حاولنا مع رؤسائنا تغيير المسمى الوظيفي لنا إلى تدريس أي نشاط آخر مباح. أو إلى الجانب الإداري ولكنهم رفضوا!؟ فهل نكون آثمين إذا بقينا على ما نحن عليه؟ وما حكم المرتب؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اعلم أخي السائل الكريم أن الموسيقي حرام الاشتغال بها والإجارة عليها، وتعليمها.
فعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يكون في آخر الزمان أقوام من أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف) رواه البخاري.
والحديث يدل دلالة واضحة على تحريم الحر هو الزنا، والحرير هو المعروف المحرم على الذكور دون الإناث، والخمر وهي معلومة، والمعازف وهي آلات اللهو والموسيقي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال: (يستحلون) والاستحلال لا يكون إلا بعد التحريم.
وقد نص الفقهاء في كتاب البيع على تحريم بيع المعازف وآلات اللهو.
فالموسيقي العمل بها وتعلمها وتعليمها حرام، والمال المكتسب منها حرام، وجزاك الله خيراً على امتناعك من تعليم الطلبة هذا الأمر المحرم، وأنك تعلمهم ما ينفعهم، وتتركهم يعملون ما ينفعهم، وحاول أخي السائل مع المسؤولين مرة بعد مرة إلى أن ينقلوك إلى عمل إداري أو إلى تدريس نشاط آخر، ولا تمل وعاود مرة بعد مرة واستعن بالله من قبل ومن بعد فقم الليل وادعو الله عز وجل، وابتهل إليه أن يفتح قلوب هؤلاء المسؤولين فيستجيبوا لطلبك.
أما بالنسبة للراتب الذي تتقاضاه
فالأصل أنه حرام لأنه في مقابلة عمل محرم، وهو تعليم الموسيقى.
ولكن نظراً إلى أنك لا تقوم بهذا العمل المحرم، وتحاول نفع الطلاب وإفادتهم، وذلك خير لك ولهم، فنرجو أن لا يكون في أخذك هذا الراتب حرج إن شاء الله تعالى، ويمكنك أن تنوي نية حسنة في حال بقائك في هذا المكان، فوجودك أنفع للطلاب من عدمه، لأنه سيأتيهم من المدرسين من لا يخاف الله ويعلمهم الموسيقى.
وفقك الله لما يحب ويرضى.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6720)
حكم عمله مديرا لمقهى إنترنت
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل مديرا لـ كوفي انترنت (مكان يتم فيه تأجير الكمبيوترات للأفراد للدخول على الإنترنت مقابل أجر مادي) ، ولكن بعض الناس يسيء استخدام الإنترنت لعمل الشات والدردشة مع البنات علما بوجود كاميرا فيديو ومشاهدة الطرف الآخر وبعض الناس تدخل على المواقع الإسلامية وبعضهم يدخل لإنجاز أعماله والبعض لمكالمة الأهل والأقارب في الخارج فهل عملي هذا حرام أم أن الوزر والذنب على من يسيء استخدام الإنترنت علما بأني لست صاحب المكان أي لا يمكنني منع ذلك وأنا ليس لدى عمل غير هذا ومحتاج إليه نظرا لأن فرص العمل قليلة جدا وقد مكثت بدون عمل لمدة 6 اشهر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لاشك أن الوزر يقع أولا على من ارتكب الحرام، نظراً أو كتابةً أو حديثاً لكنه يلحق أيضا من أعانه وسهل له ذلك، كما يلحق من رأى المنكر فلم ينكره، وقد سبق في جواب السؤال رقم (34672) بيان حكم العمل في مقهى الإنترنت:
(لا يجوز العمل أو الاستثمار في مقاهي الإنترنت إلا في حال خلوها من المنكرات، ومن ذلك عدم تمكين الزائرين من الدخول إلى المواقع المحرمة، بحجبها عنهم، أو بطردهم عند الإصرار على استخدامها، وذلك لقول الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2، وقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان" رواه مسلم 49
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " الإنكار بالقلب فرض على كل واحد، وهو بغض المنكر وكراهيته، ومفارقة أهله عند العجز عن إنكاره باليد واللسان " انتهى نقلا عن: الدرر السنية في الأجوبة النجدية 16/142
فإذا لم يمكن ضبط هذا المقهى، ومنع المنكر منه، فلا يجوز فتحه، اتقاء للوقوع في الإثم والمعصية
فإذا لم يمكنك إنكار المنكر في هذا المقهى، فانج بنفسك، وفارق أصحاب المعصية، فإنك لا تأمن أن يحل بهم سخط الله وغضبه، وابحث عن عمل مباح، تجني منه مالا حلالا، ونذكرك بقول الله تعالى (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ) النساء/140
قال القرطبي رحمه الله في التفسير: (قوله تعالى: " فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره" أي غير الكفر. " إنكم إذا مثلهم": فدل بهذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي إذا ظهر منهم منكر؛ لأن من لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم، والرضا بالكفر كفر. قال الله عز وجل "إنكم إذا مثلهم" فكل من جلس في مجلس معصية، ولم ينكر عليهم يكون معهم في الوزر سواء.
وينبغي أن ينكر عليهم إذا تكلموا بالمعصية وعملوا بها فإن لم يقدر على النكير عليهم فينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية.
وقد روي عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أنه أخذ قوماً يشربون الخمر، فقيل له عن أحد الحاضرين: إنه صائم فحمل عليه الأدب (أي شدد عليه العقوبة والتعزير) وقرأ هذه الآية " إنكم إذا مثلهم" أي إن الرضا بالمعصية معصية، ولهذا يؤاخذ الفاعل والراضي بعقوبة المعاصي حتى يهلكوا بأجمعهم. اهـ (5 / 418)
ثم إنه يخشى على من عمل في هذه الأماكن أن يضعف إيمانه، وأن تذهب الغيرة من قلبه، وربما دعاه الشيطان إلى مقارفة المعصية، وقد قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) النور/21.
واعلم أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، وأن ما عند الله تعالى لا ينال إلا بطاعته، وقد قال سبحانه: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق/2،3
نسأل الله أن يرزقك عملا حلالا طيبا وأن يبارك لك فيه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6721)
حكم المشاركة في بناء القرى السياحية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل مهندسًا مدنيًا بشركة مقاولات كبرى. طلبت مني الشركة السفر إلى مدينة سياحية كبيرة لبناء قرية سياحية هناك، فما حكم ذلك؟ علما بأني سأفقد وظيفتي إن رفضت.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من المعلوم أن بناء القرى السياحية يحوطه العديد من الإشكالات والمخالفات الشرعية، كرعاية الاختلاط والتبرج والسفور والعري والخمور والربا وغير ذلك كثير مما يعلمه أهل ذلك الفن.
وقد اشتهر عن القرى السياحية في بلادكم لاسيما في المنطقة المذكورة أمر المحرمات فيها والمخالفات.
وإذا كان الأمر كذلك، كانت المشاركة في بناء تلك القرى أو الإعانة عليها من التعاون على الإثم والعدوان، وقد قال الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) ، وإذا كان من يجالس أصحاب المنكرات والمعاصي دون إنكار فإن عليه وزرهم لمجرد مجالستهم، وكذلك من يجالس ِالمستهزئين بآيات الله، عليه وزرهم وإن لم يستهزيء معهم، كما قال تعالى: (وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا) النساء/140، فإذا كان هذا فيمن يجالسهم، فكيف بمن يعينهم على بناء دار يفجرون فيها ويعصون الله فيها، أو دار يستهزئون فيها بآيات الله ونحو ذلك!
والواجب عليك أيها الأخ المكرم أن تناصح أولئك المسؤولين بحرمة ما يفعلونه، وأنهم شركاء في الإثم، فإن لم يستجيبوا فاعتذر عن القيام بهذا العمل بأي علة، كأن تطلب نقلك لموقع آخر فيه بناء مباح، أو تعتذر ببعد المسافة، أو تأخذ إجازة رسمية.
فإن لم تستطع – ولا نظن أن الأمر يصل إلى هذا الحد إن شاء الله – فابحث عن عمل آخر، وأسأل الله تعالى أن يهيئ لك الخير، فعناء الدنيا أهون من عذاب الآخرة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6722)
استخدام أموال الشركة للأغراض الشخصية.
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن نعمل في شركة عامة ونقوم باستخدام الآلات وأدوات الشركة في تصوير بعض المقالات الإسلامية لكي يستفيد منها غيرنا، ونقوم بالاستماع إلى خطب الشيوخ والدعاة والقرآن الكريم من خلال الكمبيوتر مع العلم أنه لا يتعارض مع وقت العمل وإنما في وقت الفراغ بعد الانتهاء من العمل، فهل يجوز لنا ذلك وأما فيما سبق هل التوبة عنه تكفي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
استخدام آلات التصوير ونحوها مما فيه استهلاك لآلات العمل لا يجوز، حتى وإن كان بغرض توزيع المقالات الإسلامية، لأن الموظف أمين على ما أعطي، وأمين على ما كلف به، فلا يجوز التصرف فيما ائتمن عليه في غير مصلحة العمل.
فإن كانت الشركة خاصة ولها مالك معين، وكان المالك يسمح بمثل تلك الاستخدامات فلا حرج، لأنه بمنزلة التبرع ممن يملك، أما إن كانت حكومية فلا يجوز ذلك، حتى لو أذن رئيسك في العمل، لأنه لا يملك ذلك لنفسه فكيف يملكه لغيره.
ومثل ذلك استخدام الكمبيوتر للاستماع إلى المحاضرات والقرآن الكريم، لا سيما إذا كان ذلك يستدعي اتصالا بشبكة الإنترنت ونحو ذلك مما فيه تكلفة على العمل.
أما إن كان لا يستدعي تكلفة إضافية فلا تزال الشبهة قائمة، لأنه استهلاك لجهاز الكمبيوتر في غير مصلحة العمل.
وحاصل الأمر أنه لا يجوز الإقدام على مثل هذا العمل، وعليكم التوبة إلى الله عز وجل، ورد ما استهلكتموه.
فإن كنتم قد استهلكتم أوراقا للتصوير، فعليكم رد مثلها، ومثل ذلك رد استخدام آلة التصوير، فإن لم تستطيعوا تقدير ثمن استخدام آلة التصوير، فتحروا ما يكون فيه إبراء لذمتكم، ويمكنكم أن تجعلوا بدل ذلك الاستخدام أوراقا أو نحو ذلك، مما فيه مصلحة العمل.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم استخدام سيارات الدولة للأغراض الشخصية ?
فأجاب رحمه الله: " استخدام سيارات الدولة وغيرها من الأدوات التابعة للدولة كآلة التصوير وآلة الطباعة وغيرها لا يجوز للأغراض الشخصية الخاصة، وذلك لأن هذه للمصالح العامة، فإذا استعملها الإنسان في حاجته الخاصة فإنه جناية على عموم الناس، فالشيء العام للمسلمين لا يجوز لأحد أن يختص به، ودليل ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسم - حرم الغلول، أي أن يختص الإنسان بشيء من الغنيمة لنفسه، لأن هذا عام، والواجب على من رأى شخصا يستعمل أدوات الحكومة أو سيارات الحكومة في أغراضه الخاصة أن ينصحه ويبين له أن هذا حرام، فإن هداه الله عز وجل فهذا هو المطلوب، وإن كانت الأخرى، فليخبر عنه، لأن هذا من باب التعاون على البر والتقوى، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسم - أنه قال: (انصر أخاك ظالما أو مظلوما) قالوا: يا رسول الله، هذا المظلوم فكيف الظالم؟ قال (تمنعه من الظلم، فذلك نصرك إياه) أو فذلك نصره."
وسئل: وإذا كان رئيسه راض بهذا، فهل هناك حرج؟
فأجاب رحمه الله: " ولو رضي الرئيس بهذا لأن الرئيس لا يملك هذا الشيء فكيف يملك الإذن لغيره فيها " لقاء الباب المفتوح س 238
انظر السؤال رقم (40509، 4651) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6723)
حكم العمل كحارس أمن في فندق
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل حارس أمن في فندق، فهل عملي هذا حرام أم حلال؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز العمل في أمن وحراسة الفنادق، ما لم يكن الفندق يُعلن فيه بالفجور وتنتهك فيه حرمات الله، من الزنا وشرب الخمور ونحو ذلك، لما في العمل حينئذ من التعاون على الإثم والعدوان، وترك إنكار المنكر.
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عمن يعمل موظفا في شقق وغرف مفروشة، ويرى ما يغضب الله عز وجل، حيث يتم فيها لواط وزنا وشرب الخمر ولعب الميسر، وعن حكم راتبه في هذه الحالة.
فأجابت:
لا يجوز لك العمل عند من يؤجر الغرف والشقق المفروشة التي تستعمل للمعاصي وفعل المنكرات؛ لأن هذا من التعاون على الإثم والعدوان، والأُجرة التي تحصل عليها في مقابل ذلك حرام عليك، لأنها في مقابل عمل محرم، فالتمس الرزق من طرق مباحة، وفي الحلال غنية عن الحرام، والله سبحانه وتعالى يقول: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) الطلاق/2-3
يسر الله أمرك وأمر كل مسلم.
وبالله التوفيق. اهـ فتاوى اللجنة الدائمة (15/110)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6724)
رئيسه في العمل كافر لوطي
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في شركة كمبيوتر ورئيسي في العمل كافر، وقد اخبرني أحد العاملين أنه لوطي، فهل يجوز لي العمل في هذا الشركة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان عملك مباحا فيجوز لك الاستمرار فيه مع الحذر من تصرّفات هذا الشّخص وحركاته، ولو استطعت أن تدعوه إلى الإسلام ثم تبيّن له حكم المنكر الذي يقترفه (بعد التثبّت والتبيّن من أنّه واقع فيه) بالأسلوب الحكيم المناسب، فيُرجى لك عند الله الأجر العظيم. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/6725)
يجوز أخذ أجر على تعليم القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من الصواب أخذ مال مقابل تعليم القرآن؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سئلت اللجنة الدائمة عن جواز أخذ أجر على تعليم القرآن فأجابت:
نعم يجوز أخذ الأجر على تعليم القرآن في أصح قولي العلماء، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله) رواه البخاري، ولمسيس الحاجة إلى ذلك. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة م/4 ص/91.(5/6726)
يعمل في محل ألعاب فيديو ويسأل عن دخله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أعمل بقاعة ألعاب play station وأجني منها قُوتي علما أنها رزقي الوحيد وقد أخبرني أحد الإخوة أن مالها لا يصبح حلالا إلا إذا امتنعت عن العمل في أوقات الصلاة , فأرجو أن تفيدوني أفادكم الله هل المال الذي أجنيه خارج وقت الصلاة حلال أم حرام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان العمل مباحا، لا إثم فيه؛ فإن الأجر المترتب عليه مباح كذلك، هذا هو الأصل في باب الوظائف والأعمال.
وعليه فإذا كان عملك في قاعة الألعاب لا يتضمن فعل منكر أو إقراره أو المعاونة عليه، كالتخلف عن صلاة الجماعة، أو سماع الموسيقى، أو اللعب المشتمل على الميسر، ونحو ذلك من المنكرات، فلا حرج عليك في الاستمرار فيه، والأجر المترتب عليه حلال.
وصلاة الجماعة في المسجد واجبة على الصحيح من قولي العلماء، وراجع السؤال رقم (40113) ، ورقم (8918) .
واستماع الموسيقى محرم، وراجع السؤال رقم (5000) ، ورقم (20406) .
وقد دل على وجوب إنكار المنكر أدلة كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ , فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ , فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ , وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ) رواه مسلم (49) .
ودل على تحريم المعاونة على الإثم، قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2.
وقوله تعالى: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً) النساء/140.
قال القرطبي رحمه الله: " قوله تعالى: (فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره) أي غير الكفر. (إنكم إذا مثلهم) : فدل بهذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي إذا ظهر منهم منكر؛ لأن من لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم، والرضا بالكفر كفر. قال الله عز وجل: (إنكم إذا مثلهم) فكل من جلس في مجلس معصية، ولم ينكر عليهم يكون معهم في الوزر سواء.
وينبغي أن ينكر عليهم إذا تكلموا بالمعصية وعملوا بها فإن لم يقدر على النكير عليهم فينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية " انتهى.
نسأل الله أن يوفقك لطاعته، واجتناب معاصيه، وأن يرزقك رزقا طيبا مباركا فيه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6727)
عمل المسلم عند رجل ملحد
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل لدى شخص ملحد (لا يؤمن بإله) . هل من الجائز العمل لديه. حيث أنه يحسن معاملتي ويعطيني وقت للصلاة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان مجال عملك مباحا فلا بأس أن تعمل عنده ما دمت قائما بما أمر الله، وعليك بالقيام بواجب الدّعوة إلى الله بالحسنى لعلّ الله أن يهديه على يديك، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعليّ رضي الله عنه لما بعثه إلى الكفار يوم خيبر " أدْعُهُمْ إِلَى الإِسْلامِ وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ فَوَاللَّهِ لأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ. (الإبل الحمر وهي أنفس أموال العرب) . " رواه البخاري 2787
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/6728)
هل يجوز لها العمل في مكتب وحدها لاستقبال الزبائن؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في مكتب يملكه والدي حيث لا يعمل هنا إلا أنا ووالداي وأخي، وعادة ما يكون والداي بعيدين عن المكتب في ساعات الصباح، ويقع مراراً أن يضطر أخي للخروج لإنهاء مهام معينة، ويتركني وحدي لفترات طويلة، أنا أعمل في مكتب الاستقبال، مما يستوجب عليَّ مقابلة الزبائن، أنا أرتدي ملابس مناسبة تتمثل في عباءة ونقاب وقفازين ... إلخ. وسؤالي هو: هل يجوز لي أن أبقى في المكتب وحدي عندما يخرج أخي منه؟ لقد أخبرت والداي باعتراضي على هذا الوضع لكنهما لا يقبلان بأن هذا الوضع خاطئ، أرجو منك النصيحة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا مانع من أن تعمل المرأة عملاً مباحاً وفي ظروف شرعية، فإذا كان عملها في بيع وشراء وتصنيع محرمات، أو كانت ظروفه غير شرعية كوجود الاختلاط مع الرجال أو الخلوة المحرمة - سواء مع موظف أو مع زبون -: فإن عملها يكون محرَّماً.
وعملكِ مع أهلكِ شرعي ليس فيه محذور، لكنَّ بقاءكِ وحدك في مكتب الاستقبال يعرضكِ للوقوع في المحذور وهو الخلوة المحرمة؛ وذلك باحتمال دخول رجل عليكِ وحده، وهي الخلوة التي نهى عنها الشارع.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم) . رواه البخاري (1763) ومسلم (1341) .
قال الحافظ ابن حجر:
"قوله: (ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم) فيه منع الخلوة بالأجنبية، وهو إجماع , لكن اختلفوا هل يقوم غير المحرم مقامه في هذا كالنسوة الثقات؟ والصحيح: الجواز لضعف التهمة به " انتهى.
" فتح الباري " (4 / 77) .
وقال النووي:
"وأما إذا خلا الأجنبي بالأجنبية من غير ثالث معهما: فهو حرام باتفاق العلماء , وكذا لو كان معهما من لا يستحي منه لصغره كابن سنتين وثلاث ونحو ذلك , فإن وجوده كالعدم , وكذا لو اجتمع رجال بامرأة أجنبية فهو حرام، بخلاف ما لو اجتمع رجل بنسوة أجانب , فإن الصحيح جوازه " انتهى.
" شرح مسلم " (9 / 109) .
فالذي يجب على أهلكِ هو الاستجابة لحكم الشرع في عدم بقائك وحدك في المكتب لاستقبال الناس، وقد ذكرنا أنه يجوز لك العمل معهم بشرط التزامك بالحجاب الكامل، وكون العمل مباحاً في نفسه، ولا يكون اختلاط محرم ولا خلوة، ثم إن في بقائكِ وحدك خطراً عليكِ من الناحية الأمنية؛ لكثرة السفهاء الذين يتصيدون فرائسهم في الأسواق والمكاتب ويبحثون عن فرصٍ كهذه تكون المرأة فيه في مكان وحدها، وقد رأينا وسمعنا عن تعديهم على النساء في الأماكن العامة وفي وضح النهار فكيف بهذه؟! فنسأل الله أن يتمم عليكِ ستره، وأن يحفظكِ من الشر والسوء، ولا بدَّ لكِ ولأهلك من الأخذ بالأسباب لحفظ النفس.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6729)
يعمل نائب مدير في فندق يبيع الخمور فما حكم عمله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل في أحد الفنادق كنائب مدير الفندق ومدير الاستقبال فهل يعتبر عملي هذا حرام أم مكروه حيث الفندق يقوم ببيع الخمور ولكن ليس لي صلة بعملية البيع أو الشراء أو الحمل أو التقديم وخلاف ذلك أي أن عملي إداري وشكرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز العمل في فندق ترتكب فيه الآثام، كشرب الخمر والزنا ونحو ذلك؛ لما في ذلك في التعاون على الإثم والعدوان، وترك إنكار المنكر، وقد قال تعالى: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً) النساء/140
قال القرطبي رحمه الله: (قوله تعالى: " فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره" أي غير الكفر. " إنكم إذا مثلهم": فدل بهذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي إذا ظهر منهم منكر؛ لأن من لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم، والرضا بالكفر كفر. قال الله عز وجل "إنكم إذا مثلهم" فكل من جلس في مجلس معصية، ولم ينكر عليهم يكون معهم في الوزر سواء.
وينبغي أن ينكر عليهم إذا تكلموا بالمعصية وعملوا بها فإن لم يقدر على النكير عليهم فينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية.
وقد روي عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أنه أخذ قوماً يشربون الخمر، فقيل له عن أحد الحاضرين: إنه صائم فحمل عليه الأدب وقرأ هذه الآية " إنكم إذا مثلهم" أي إن الرضا بالمعصية معصية، ولهذا يؤاخذ الفاعل والراضي بعقوبة المعاصي حتى يهلكوا بأجمعهم. وهذه المماثلة ليست في جميع الصفات ولكنه إلزام شبه بحكم الظاهر من المقارنة كما قال: (فكل قرين بالمقارن يقتدي) انتهى.
ثم إنه يخشى على من عمل في هذه الأماكن أن يضعف إيمانه، وأن تذهب الغيرة من قلبه، وربما دعاه الشيطان إلى مقارفة المعصية، وقد قال الله تعالى: (يَ اأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) النور/21.
وتذكر ـ أخي الكريم ـ قوله تعالى (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً - وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق/2- 3 وقوله صلَّى الله عليه وسلَّم (من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه) صححه الألباني، ولا تنس أنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها عاجلاً أم آجلاً.
نسأل الله تعالى أن يعينك على ترك هذه الوظيفة طيبة بذلك نفسك وأن يخلف لك خيرا منها وأن يفتح عليك من خزائن جوده، وجزيل عطائه وأن يغنينا وإياك بحلاله عن حرامه وبفضله سبحانه عمن سواه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6730)
حكم تدريس القوانين الوضعية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تدريس القوانين الوضعية؟ وما حكم أخذ الراتب على ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" تدريس القوانين الوضعية أو دراستها لتبيين زيفها، وتمييز حقها من باطلها، ولتوضيح سمو الشريعة الإسلامية وكمالها وشمولها لكل ما يصلح به حال العباد في عباداتهم ومعاملاتهم جائز، وقد يجب إذا دعت إليه الحاجة، إحقاقا للحق، وإبطالا للباطل، وتنبيها للأمة، وتوعية لها حتى تعتصم بدينها، ولا تنخدع بشبه المنحرفين، ومن يروج لتحكيم القوانين، ومثل هذا العمل يجوز أخذ الأجر عليه.
أما تدريس القوانين الوضعية رغبة فيها، وترويجا لها، ومضاهاة لها بالتشريع الإسلامي، أو مناوأة له فهذا محادة لله ولرسوله، وكفر صراح، وحيدة عن سواء السبيل، فأخذ الأجر عليه سحت وشر على شر، نسأل الله العافية ونعوذ به من الخذلان.
وبالله التوفيق.
من فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء (23/497) .
وراجع السؤال رقم (12874) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6731)
حكم عمل المحامي في دولة تحكم بغير ما أنزل الله
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن أعمل محاميا في دولة تحكم بغير ما أنزل الله؟ وهل أجري حلال أو حرام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" من يكون وكيلا عن غيره وهو ما يسمى عرفا (المحامي) في قضية ما في دولة تحكم بالقوانين الوضعية على خلاف الشريعة الإسلامية، فكل قضية يدافع فيها عن الباطل عالما بذلك مستندا في دفاعه إلى القوانين الوضعية فهو كافر إن استحل ذلك، أو كان مستهترا لا يبالي بمعارضة الكتاب والسنة بما وضعه الناس من قوانين، وما يأخذه من الأجر على هذا فهو سحت.
وكل قضية يدافع فيها عن الباطل عالما بذلك معتقدا تحريمه لكن حمله على ذلك طمعه في كسب القضية لينال الأجر عليها فهو آثم، مرتكب لجريمة من كبائر الذنوب، وما يأخذه من الأجر على ذلك سحت لا يحل له.
أما إن دافع عن موكله في قضية معتقدا أنه محق شرعا، واجتهد في ذلك بما يعرفه من أدلة التشريع الإسلامي، فهو مثاب على عمله، معذور في خطئه، مستحق للأجر على دفاعه.
وأما من دافع عن حق في الواقع لأخيه، وهو يعتقده حقا، فهو مثاب، مستحق للأجر المتفق عليه مع من وكله " اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى اللجنة الدائمة (23/497) .(5/6732)
عمل المحامي في نظام القضاء الإسلامي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي مكانة المحامي في نظام القضاء الإسلامي، فإنه كما جرت العادة يحاول بكل وسيلة لحصول الحكم في صالح موكله؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
مكانة المحامي في نظام القضاء الإسلامي أنه وكيل لمن تولى الدفاع عنه من الخصمين، المدعي أوالمدعى عليه، وعليه وعلى موكله الاعتدال في طلب الحق، وإنصاف الخصم، فإن التزما ذلك كان خيرا لهما، وكان فيه إعانة للحاكم والحكم في الفصل في الخصومات، فإن أبى الخصم أو وكيله إلا التلبيس واللجاج في الخصومة أثرة منهما ورغبة في الغلبة ولو بالباطل وتحقيقا للكسب ولو من حرام فقد أثما، وأكلا أموال الناس بالباطل، وأوقعا القاضي بينهما في لبس وحيرة إن لم يتداركه الله بفضل منه ورحمة ويهديه إلى سواء السبيل فيفصل في الخصومة بالحق.
وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة (32/501) .(5/6733)
حكم العمل في شركة تبث قنوات فضائية
[السُّؤَالُ]
ـ[أبعث إليكم هذه الرسالة بعد أن ضاق صدري من هذه الأزمة، وهى: مكان العمل الذي أعمل فيه، وهى: قناة فضائية من قنواتها قناة: اقرأ الدينية التي تعرض برامج دينية، ولكن توجد قنوات مثل الموسيقى والأفلام العربية، ماذا أفعل وأنا شاب بفضل الله سبحانه وتعالى ملتزم وملتحي أنفّذ سنة النّبي صلى الله علية وسلم، وطبيعة عملي هو سنترال الشركة، أقوم بالرد على التليفونات ثم أحولها إلى الموظف، والعكس، ومع ذلك أقوم بالبحث عن عمل آخر، ولكني لم أجد، وفي قلبي قلق من هذه الوظيفة وكلما أسمع حديث النبي صلى الله علية وسلم لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع من ضمنها: المال. أقلق من شأن ذلك فأرجو منكم النّصيحة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله تعالى أن يوفقك لما فيه خير دينك ودنياه، ونسأل تعالى أن يرزقك رزقاً طيباً وأن يبارك لك فيه.
وعملك في هذه الشركة لا يجوز، وهو كسب محرَّم، فهي تدير قنوات الفجور والانحراف والضلال.
وقد نهى الله تعالى عن مباشرة الإثم ومخالطة الحرام، ونهي أيضاً عن الإعانة عليه.
قال الله تعالى:) قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) الأعراف/33، وقال: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2.
والمتأمل في أحوال هذه القنوات الهابطة ليعجب من جرأة هؤلاء على نشر الفاحشة ومحاربة الشرع والأخلاق الفاضلة، وكل انحراف تسببه هذه القنوات أو فتنة لدين أحد أو تضليل: فإن للقائمين عليها والعاملين بها نصيب من إثم ذلك
قال الله تعالى: (لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ) النحل/25.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " ... ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً ". رواه مسلم (2674) .
فالنصيحة لك هو ترك هذا العمل، والبحث عن عمل آخر حلال طيب، ولتصبر على ما ستلاقيه من تعب ونصَب؛ فسلعة الله غالية، وليس المهم هو العمل بل المهم هو أن يكون حلالاً، واحذر أن ينبت جسدك من السحت، واعلم أنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها، واقرأ هذا الحديث جيداً وتفكر فيه:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إنه ليس شيء يقربكم إلى الجنة إلا قد أمرتكم به وليس شيء يقربكم إلى النار إلا قد نهيتكم عنه، إن روح القدس نفث في روعي إن نفسا لا تموت حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعاصي الله؛ فإن الله لا يدرك ما عنده إلا بطاعته " – انظر " السلسلة الصحيحة " (2866) -.
واعلم أن الله تعالى قد أمر بالأكل من الطيبات، وأخبر أن المال الحرام مما يمنع من استجابة الدعاء:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم) ، وقال: (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم) ، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذِّي بالحرام فأنَّى يستجاب لذلك ". رواه مسلم (1015) .
فاستعن بالله تعالى، واحتسب الأجر من الله، ونسأل الله لك التوفيق.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6734)
موظف صيانة ينام إذا لم يوجد عمل
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا موظف صيانة وفي بعض الأحيان لا يكون عندنا عمل ويكون معي بعض الزملاء، فهل يجوز لي أن آخذ قسطا من الراحة أي أنام بعض الشيء مع وجود الزملاء، في حالة وجود عمل يقومون بإيقاظي دون إخلال بمتطلبات العمل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان صاحب العمل يعلم بذلك، ولم يعترض عليكم بشيء فلا حرج، وإن لم يكن يعلم فالأفضل أن تخبره حتى يزول الحرج والإشكال في ذلك، لأنك تُعتبر أجيراً عنده، فوقتك ملك له.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6735)
حكم تصليح أجهزة التلفاز والفيديو
[السُّؤَالُ]
ـ[أقوم بتصليح أجهزة التليفزيون والفيديو وكذلك تركيب الأطباق الفضائية وضبط جميع الأقمار. فهل علي إثم في استخدام صاحب هذا الجهاز من سماعه للأغاني والأفلام وغيرها أفيدونا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يقول الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2، وما تقوم به من إصلاح أجهزة التلفزيون والفيديو والأطباق الفضائية ثم يستخدمها أصحابها في سماع ورؤية المنكرات هو من الإعانة على المنكر والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا) رواه مسلم (2674) .
فلا يجوز لك هذا العمل، والخير أن تبحث عن عمل آخر وتذكر أن الله يقول (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) الطلاق/2-3.
سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء، ما نصه: أنا أعمل مهندس إلكترونيات، ومن عملي إصلاح الراديو والتليفون والفيديو ومثل هذه الأجهزة، فأرجو إفتائي عن الاستمرار في هذه الأعمال، مع العلم أن ترك هذا العمل يفقدني كثيرا من الخبرة ومن مهنتي التي تعلمتها طوال حياتي، وقد يقع علي ضرر خلال تركها.
فأجابت:
دلت الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة أنه يجب على المسلم أن يحرص على طيب كسبه، فينبغي لك أن تبحث عن عمل يكون الكسب فيه طيبا.
وأما الكسب من العمل الذي ذكرته فهذا ليس بطيب؛ لأن هذه الآلات تستعمل غالبا في أمور محرمة. اهـ
فتاوى اللجنة الدائمة" (14/420)
وانظر سؤال رقم (39744) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6736)
يأمر الطلاب بدفع مبلغ لإصلاح الفصل ويعطيهم درجات مشاركة
[السُّؤَالُ]
ـ[يطلب المدرس منا مبلغا معينا (30) ريال ندفعه قبل الاختبار لتصليح الفصل ويترتب على ذلك زيادة في درجات المشاركة أو الاختبار إذا لم يكن هنالك نقص في المشاركة ويدعي أن ذلك حلال بحجة أن الزيادة لا تكون على ورقة الاختبار وإنما تكون في المجموع النهائي للدرجات وأن الفرصة متاحة للجميع وأن الدفع كان قبل الاختبار وأن الذي لا يستطيع دفع المبلغ فإنه يخففه عنه فإذا لم يستطع فإنه يعفيه من الدفع ويكون له ما لباقي الطلاب الذين دفعوا من الزيادة في الدرجات فهل عمله هذا صحيح؟ والرجاء أن يكون الجواب بالتفصيل مع ذكر الأدلة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس للمدرس أن يأخذ من الطلاب شيئا، ولو كان بقصد تصليح الفصل، فإن ذلك ليس من مسئولية الطلاب، وإنما هو من مسئولية المدرسة وهذا المال يشبه من بعض الوجوه المكوس المحرمة، وانظر في تحريم المكوس السؤال رقم 39461
ودرجات المشاركة إنما تعطى للطالب على اجتهاده ونشاطه أثناء الدراسة، لا على دفعه المال للمدرّس أو المدْرسة، وكذلك درجة الاختبار، تنبني على ما كتبه الطالب في ورقة الإجابة، ولا علاقة لها بإصلاح الفصل أو تزيينه.
فإعطاء المدرس درجات للطلاب مقابل دفعهم المال، مخالف لنظام التعليم، مع ما فيه من ظلم الناس في أموالهم، وتعريض الطلاب الفقراء للحرج في إخبارهم المدرس بعدم استطاعتهم دفع المبلغ كله أو بعضه.
فعلى المدرس أن يتقي الله تعالى، وأن يعطي لكل طالب ما يستحقه من الدرجات حسب النظام التعليمي القائم، وأن لا يسأل الطلاب شيئا من المال مهما قل.
وللمدرس أن يحث الطلاب على الإنفاق والتبرع لإصلاح الفصل أو لغير ذلك من الأنشطة الخيرية، فإن ذلك يدخل في باب التعاون على البر والتقوى، وفيه تعويد للطلاب على بذل الأموال وإنفاقها في وجوه الخير والبر، على أن لا يكون لذلك علاقة بالدرجات التي يحصل عليها الطالب.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6737)
حكم العمل في الجمارك والضرائب
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في الجمارك، وقد سمعت أن هذا العمل غير جائز شرعاً، فشرعت في البحث في هذه المسألة وقد مرت مدة طويلة وأنا أبحث دون أن أصل إلى نتيجة شافية. أرجو منكم أن تفصلوا لي المسألة قدر المستطاع.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
العمل في الجمارك وتحصيل الرسوم على ما يجلبه الناس من بضائع أو أمتعة، الأصل فيه أنه حرام.
لما فيه من الظلم والإعانة عليه؛ إذ لا يجوز أخذ مال امرئ معصوم إلا بطيب نفس منه، وقد دلت النصوص على تحريم المَكْس، والتشديد فيه، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في المرأة الغامدية التي زنت فرجمت: (لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ) رواه مسلم (1695) .
قال النووي رحمه الله:
" فيه أن المَكْس من أقبح المعاصي والذنوب الموبقات، وذلك لكثرة مطالبات الناس له وظلاماتهم عنده، وتكرر ذلك منه، وانتهاكه للناس وأخذ أموالهم بغير حقها، وصرفها في غير وجهها " اهـ.
وروى أحمد (17333) وأبو داود (2937) عن عقبة بن عامر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ صَاحِبُ مَكْسٍ) .
قال شعيب الأناؤوط: حسن لغيره. وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود.
والمَكْس هو الضريبة التي تفرض على الناس، ويُسمى آخذها (ماكس) أو (مكَّاس) أو (عَشَّار) لأنه كان يأخذ عشر أموال الناس. وقد ذكر العلماء للمكس عدة صور.
منها: ما كان يفعله أهل الجاهلية، وهي دراهم كانت تؤخذ من البائع في الأسواق.
ومنها: دراهم كان يأخذها عامل الزكاة لنفسه، بعد أن يأخذ الزكاة.
ومنها: دراهم كانت تؤخذ من التجار إذا مروا، وكانوا يقدرونها على الأحمال أو الرؤوس ونحو ذلك، وهذا أقرب ما يكون شبهاً بالجمارك.
وذكر هذه الصور الثلاثة في "عون المعبود"، فقال:
(في القاموس: المكس النقص والظلم، ودراهم كانت تؤخذ من بائعي السلع في الأسواق في الجاهلية.
أو درهم كان يأخذه المُصَدِّق (عامل الزكاة) بعد فراغه من الصدقة.
وقال في "النهاية": هو الضريبة التي يأخذها الماكس، وهو العشار.
وفي "شرح السنة": أراد بصاحب المكس: الذي يأخذ من التجار إذا مروا مَكْسًا باسم العشر اهـ.
وقال الشوكاني في "نيل الأوطار":
(صاحب المكس هو من يتولى الضرائب التي تؤخذ من الناس بغير حق) اهـ.
والمَكْس محرم بالإجماع، وقد نص بعض أهل العلم على أنه من كبائر الذنوب.
قال في "مطالب أولي النهى" (2/619) :
(يحرم تعشير أموال المسلمين -أي أخذ عشرها- والكُلَف -أي الضرائب- التي ضربها الملوك على الناس بغير طريق شرعي إجماعا. قال القاضي: لا يسوغ فيها اجتهاد) اهـ.
وقال ابن حجر المكي في "الزواجر عن اقتراف الكبائر" (1/180) :
(الكبيرة الثلاثون بعد المائة: جباية المكوس , والدخول في شيء من توابعها كالكتابة عليها، لا بقصد حفظ حقوق الناس إلى أن ترد إليهم إن تيسر. وهو داخل في قوله تعالى: (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) الشورى/42.
والمكاس بسائر أنواعه: من جابي المكس، وكاتبه، وشاهده، ووازنه، وكائله، وغيرهم من أكبر أعوان الظلمة، بل هم من الظلمة أنفسهم , فإنهم يأخذون ما لا يستحقونه، ويدفعونه لمن لا يستحقه , ولهذا لا يدخل صاحب مكس الجنة، لأن لحمه ينبت من حرام.
وأيضا: فلأنهم تقلدوا بمظالم العباد , ومن أين للمكاس يوم القيامة أن يؤدي الناس ما أَخَذَ منهم، إنما يأخذون من حسناته، إن كان له حسنات , وهو داخل في قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (أتدرون من المفلس؟ قالوا: يا رسول الله، المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. قال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام، وقد شتم هذا، وضرب هذا، وأخذ مال هذا، فيأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من سيئاتهم فطرح عليه ثم طرح في النار) .
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يدخل الجنة صاحب مكس) .
قال البغوي: يريد بصاحب المكس الذي يأخذ من التجار إذا مروا عليه مكسا باسم العشر. أي الزكاة.
قال الحافظ المنذري: أما الآن فإنهم يأخذون مكسا باسم العشر، ومكسا آخر ليس له اسم، بل شيء يأخذونه حراما وسحتا، ويأكلونه في بطونهم نارا , حجتهم فيه داحضة عند ربهم، وعليهم غضب، ولهم عذاب شديد. اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "السياسة الشرعية": ص 115:
(وأما من كان لا يقطع الطريق , ولكنه يأخذ خَفَارة (أي: يأخذ مالاً مقابل الحماية) أو ضريبة من أبناء السبيل على الرؤوس والدواب والأحمال ونحو ذلك , فهذا مَكَّاس , عليه عقوبة المكاسين. . . وليس هو من قُطَّاع الطريق , فإن الطريق لا ينقطع به , مع أنه أشد الناس عذابا يوم القيامة , حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم في الغامدية: " لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له ") اهـ.
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عن العمل في البنوك الربوية أو العمل بمصلحة الجمارك أو العمل بمصلحة الضرائب، وأن العمل في الجمارك يقوم على فحص البضائع المباحة والمحرمة كالخمور والتبغ، وتحديد الرسوم الجمركية عليها.
فأجابت: إذا كان العمل بمصلحة الضرائب على الصفة التي ذكرت فهو محرم أيضا؛ لما فيه من الظلم والاعتساف، ولما فيه من إقرار المحرمات وجباية الضرائب عليها) اهـ.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (15/64) .
ومن هذا يتبين أن أخذ هذه الرسوم والضرائب، أو كتابتها والإعانة عليها، محرم تحريما شديداً.
ثانياً:
نظراً لأن هذا الظلم واقع على المسلمين، وامتناعك من العمل فيه لن يرفعه، فالذي ينبغي في مثل هذه الحال – إذا لم نستطع إزالة المنكر بالكلية – أن نسعى إلى تقليله ما أمكن.
فإذا كنت تعمل في هذا العمل بقصد رفع الظلم وتخفيفه عن المسلمين بقدر استطاعتك، فأنت في ذلك محسن، أما من دخل في هذا العمل بقصد الراتب، أو الوظيفة , أو تطبيق القانون، ونحو ذلك فإنه يكون من الظلمة، ومن أصحاب المكس، ولن يأخذ من أحد شيئاً ظلماً إلا أُخِذَ بقدره من حسناته يوم القيامة. نسأل الله السلامة والعافية.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (28/284) :
"وَلا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَكُونَ عَوْنًا عَلَى ظُلْمٍ ; فَإِنَّ التَّعَاوُنَ نَوْعَانِ:
الأَوَّلُ: تَعَاوُنٌ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى مِنْ الْجِهَادِ وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ وَاسْتِيفَاءِ الْحُقُوقِ وَإِعْطَاءِ الْمُسْتَحَقِّينَ ; فَهَذَا مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ. . . .
وَالثَّانِي: تَعَاوُنٌ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، كَالإِعَانَةِ عَلَى دَمٍ مَعْصُومٍ، أَوْ أَخْذِ مَالٍ مَعْصُومٍ، أَوْ ضَرْبِ مَنْ لا يَسْتَحِقُّ الضَّرْبَ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَهَذَا الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ. . .
ومَدَارَ الشَّرِيعَةِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ; وَعَلَى قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: (إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرِ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ) أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ.
وَعَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ تَحْصِيلُ الْمَصَالِحِ وَتَكْمِيلُهَا ; وَتَعْطِيلُ الْمَفَاسِدِ وَتَقْلِيلُهَا. فَإِذَا تَعَارَضَتْ كَانَ تَحْصِيلُ أَعْظَمِ الْمَصْلَحَتَيْنِ بِتَفْوِيتِ أَدْنَاهُمَا، وَدَفْعُ أَعْظَمِ الْمَفْسَدَتَيْنِ مَعَ احْتِمَالِ أَدْنَاهَا: هُوَ الْمَشْرُوعُ.
وَالْمُعِينُ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ مَنْ أَعَانَ الظَّالِمَ عَلَى ظُلْمِهِ، أَمَّا مَنْ أَعَانَ الْمَظْلُومَ عَلَى تَخْفِيفِ الظُّلْمِ عَنْهُ أَوْ عَلَى أَدَاءِ الْمَظْلِمَةِ: فَهُوَ وَكِيلُ الْمَظْلُومِ ; لا وَكِيلُ الظَّالِمِ ; بِمَنْزِلَةِ الَّذِي يُقْرِضُهُ، أَوْ الَّذِي يَتَوَكَّلُ فِي حَمْلِ الْمَالِ لَهُ إلَى الظَّالِمِ.
مِثَالُ ذَلِكَ: وَلِيُّ الْيَتِيمِ وَالْوَقْفِ إذَا طَلَبَ ظَالِمٌ مِنْهُ مَالا فَاجْتَهَدَ فِي دَفْعِ ذَلِكَ بِمَالِ أَقَلَّ مِنْهُ إلَيْهِ أَوْ إلَى غَيْرِهِ بَعْدَ الاجْتِهَادِ التَّامِّ فِي الدَّفْعِ؛ فَهُوَ مُحْسِنٌ، وَمَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ. . .
كَذَلِكَ لَوْ وُضِعَتْ مَظْلِمَةٌ عَلَى أَهْلِ قَرْيَةٍ أَوْ دَرْبٍ أَوْ سُوقٍ أَوْ مَدِينَةٍ فَتَوَسَّطَ رَجُلٌ مِنْهُمْ مُحْسِنٌ فِي الدَّفْعِ عَنْهُمْ بِغَايَةِ الإِمْكَانِ، وَقَسَّطَهَا بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِمْ مِنْ غَيْرِ مُحَابَاةٍ لِنَفْسِهِ، وَلا لِغَيْرِهِ، وَلا ارْتِشَاءٍ، بَلْ تَوَكَّلَ لَهُمْ فِي الدَّفْعِ عَنْهُمْ وَالإِعْطَاءِ: كَانَ مُحْسِنًا ; لَكِنَّ الْغَالِبَ أَنَّ مَنْ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ يَكُونُ وَكِيلُ الظَّالِمِينَ مُحَابِيًا مُرْتَشِيًا مَخْفَرًا لِمَنْ يُرِيدُ (أي يدافع عنه) وَآخِذًا مِمَّنْ يُرِيدُ. وَهَذَا مِنْ أَكْبَرِ الظَّلَمَةِ الَّذِينَ يُحْشَرُونَ فِي تَوَابِيتَ مِنْ نَارٍ هُمْ وَأَعْوَانُهُمْ وَأَشْبَاهُهُمْ ثُمَّ يُقْذَفُونَ فِي النَّارِ" اهـ.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6738)
هل يجوز لها أن تصلي أمام الموظفين في الشركة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة أعمل في شركة هل يجوز لي أن أصلي أمام الموظفين بنفس الغرفة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يُعلم من سؤالكِ أنك تعملين في عمل مختلط مع الرجال، والاختلاط يترتب عليه مفاسد ومحاذير كثيرة لا تخفى على أهل البصائر، وراجعي السؤال رقم (1200) لمعرفة أدلة تحريم الاختلاط.
وقد أفتى الثقات من أهل العلم بتحريم العمل المختلط، ومن ذلك ما جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (12/156) : " الاختلاط بين الرجال والنساء في المدارس أو غيرها من المنكرات العظيمة، والمفاسد الكبيرة في الدين والدنيا، فلا يجوز للمرأة أن تدرس أو تعمل في مكان مختلط بالرجال والنساء، ولا يجوز لوليها أن يأذن لها بذلك " انتهى.
وراجعي السؤال رقم (6666) ففيه: هل تستمرّ في عمل تختلط فيه بالرجال؟
ثانيا:
من ابتليت بهذا العمل المختلط، فإن أمكنها أداء الصلاة في بيتها فهو أفضل، كأن يكون رجوعها إلى بيتها قبل العصر بوقت يتسع لأداء صلاة الظهر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (صَلاةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِهَا فِي حُجْرَتِهَا، وَصَلاتُهَا فِي مَخْدَعِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِهَا فِي بَيْتِهَا) رواه أبو داود (570) وصححه الألباني في صحيح أبي داود؛ ولما فيه من الستر والصيانة عن نظر الرجال.
وإن كان لا يمكنها إدراك الصلاة في بيتها، فإنها تختار أستر مكان في محل عملها، وتصلي صلاتها، ملتزمة بحجابها، ساترة لجميع بدنها، ولا يجوز لها أن تؤخر الصلاة حتى يخرج وقتها، قال الله تعالى: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) النساء/103.
قال السعدي رحمه الله:
" أي: مفروضا في وقته. فدل ذلك على فرضيتها , وأن لها وقتا , لا تصح إلا به , وهو هذه الأوقات , التي قد تقررت عند المسلمين , صغيرهم وكبيرهم , عالمهم وجاهلهم، وأخذوا ذلك عن نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم بقوله: (صلوا كما رأيتموني أصلي) " انتهى.
"تفسير السعدي" (ص 204) .
وقد جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (17/255) :
" المرأة الحرة عورة يحرم عليها كشف وجهها وكفيها بحضرة الرجال الأجانب منها، سواء كانت في الصلاة أو في حالة الإحرام أو في غير ذلك من الحالات العادية؛ لما روت عائشة رضي الله عنها قالت: (كَانَ الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بِنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْرِمَاتٌ فَإِذَا حَاذَوْا بِنَا سَدَلَتْ إِحْدَانَا جِلْبَابَهَا مِنْ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا فَإِذَا جَاوَزُونَا كَشَفْنَاهُ) رواه أحمد وأبوداود وابن ماجه. وإذا كان هذا في حالة الإحرام المطلوب فيه كشف وجه المرأة ففي غيرها أولى؛ لعموم قوله عز وجل: (وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن) " انتهى.
واعلمي أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، ومن اتقى الله تعالى جعل له من كل ضيق مخرجا، ومن كل هم فرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب، فبادري بترك العمل المختلط، وابحثي عن العمل المباح الذي يبارك الله تعالى فيه.
وفقنا الله وإياك لطاعته ومرضاته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6739)
ينوي العمل في شركة تنشيء برامج لبنوك ربوية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مهندس اتصالات وقد عرض علي عمل في إحدى شركات الاتصالات وهي تتعلق بمجال أمن الشبكات وهو مجال أستطيع من خلاله أن أخدم الدين، وبما أنه متعلق بأمان الشبكات لابد وأن تتخلله مشاريع لمصارف ربوية وهذه الشركة تعمل مشاريع لعدة مصارف وغير المصارف فهل يجوز لي العمل فيها؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز الإعانة على الربا بأي وجه من الوجوه، كتابة، أو شهادة، أو حراسة، أو برمجة، أو صيانة أجهزة أو غير ذلك من صور الإعانة، لقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة / 2
فإن استطعت أن تتجنب ذلك، كان عملك مباحا، وإلا فابحث عن عمل آخر مباح، وأيقن بأن الرزق من عند الله، وأنه يُنال بطاعته سبحانه، كما قال: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق / 2، 3
ومعلوم أن كثيرا من الشركات تتعامل بالربا، وأن من يحمل تخصصا كتخصصك قد يواجه شيئا من المصاعب في البحث عن العمل المباح، إلا أن ذلك لا يقارن بالإثم الكبير الذي يتحمله من يعين على ذنب توعد الله أهله بالحرب.
فاتق الله، واحذر عقابه، وأطب مطعمك، فإن كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به. [حديث رواه الطبراني وأبو نعيم في الحلية، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 4519] .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6740)
عالج المسؤول المالي فصرف له مبلغاً
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل طبيباً بإحدى المستشفيات وأعالج أحد المرضى المسئولين عن الشئون المالية وقد قام بوضع اسمي بصرف مستحقات مالية لي دون أن أقدم أي عمل. فهل هذه النقود تحق لي؟ أم يجوز لي التنازل عنها لإحدى الجهات الخيرية؟ علما بأنني لا أستطيع ردها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان هذا المال ملكاً للدولة، فلا بد من معرفة الصفة التي يُستحق بها هذا المال، كأن يكون هذا تحت بند: إعانة المحتاجين، أو مكافأة أصحاب المهارات، أو نحو ذلك، فإن انطبق عليك الوصف جاز لك أخذ المال، وإلا فاصرفه إلى من تراه ينطبق عليه الوصف. فإن لم يمكن ذلك فاصرفه فيما يحتاج إليه العمل، ولا تأخذ منه شيئاً.
والواجب على هذا المسؤول حفظ الأمانة التي ائتمن عليها، وأن لا يصرف هذا المال إلا إلى من يستحقه.
وإذا أمكنك نصيحته في ذلك فهذا هو الواجب عليك، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا. فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا، أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ؟ قَالَ: تَحْجُزُهُ أَوْ تَمْنَعُهُ مِنْ الظُّلْمِ، فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ) رواه البخاري (6952) .
وإن كان هذا المسئول يبذل من ماله، فلا تقبل منه شيئا؛ لأن ذلك داخل في هدايا العمال المحرمة شرعا، لما روى البخاري (2597) ومسلم (1832) عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلا مِنْ الأَزْدِ عَلَى الصَّدَقَةِ فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي. قَالَ: فَهَلا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ بَيْتِ أُمِّهِ فَيَنْظُرَ يُهْدَى لَهُ أَمْ لا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْهُ شَيْئًا إِلا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ أَوْ شَاةً تَيْعَرُ ثُمَّ رَفَعَ بِيَدِهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَةَ إِبْطَيْهِ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ ثَلاثًا ".
وفي رواية لمسلم: " ثُمَّ خَطَبَنَا فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَسْتَعْمِلُ الرَّجُلَ مِنْكُمْ عَلَى الْعَمَلِ مِمَّا وَلانِي اللَّهُ فَيَأْتِي فَيَقُولُ هَذَا مَالُكُمْ وَهَذَا هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِي أَفَلا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ حَتَّى تَأْتِيَهُ هَدِيَّتُهُ إِنْ كَانَ صَادِقًا ".
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6741)
يكتب شكاوى الناس -وفيهم الظالم- ليقدموها للمحكمة
[السُّؤَالُ]
ـ[لست كاتبا عموميا لكني يقصدني الناس لأكتب لهم عريضات وما شابه ذلك أثناء شكاويهم ودعواتهم إلى المحاكم فكما يمكن أن يقصدك صاحب حق يمكن أن يقصدك ظالم وكلاهما يمكن أن يدلي بتصريحات خاطئة سعيا لربح المحاكمة هذا إضافة إلى ما يمكن أن أستخدمه أنا ككاتب من فنيات ومراوغات أسأل سماحتكم أليس هذا العمل حراما؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كنت تكتب للناس شكاويهم ودعاويهم كما يمليها عليك أصحابها وأنت لا تعلم أنها تخالف الحقيقة والواقع فلا حرج ولا إثم عليك فيما تكتبه لهم، إذ لا محذور في ذلك، وما يحصل فيها من إثم وخطأ لا تعلمه فإثمه على من قاله.
أما إن كنت تعلم أن ما يطلبون منك كتابته أنه كذب وزور فلا يجوز لك كتابته لهم، لأن في ذلك إعانة لهم على الباطل والإثم، والله سبحانه يقول: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2. وقال تعالى: (وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّاناً أَثِيما) النساء/107.
وعليك بمناصحة من تعلم كذبه فيما يدعيه وتذكيره بالله سبحانه والوعيد المترتب لمرتكب الكذب ومدعي الباطل لعله أن يقبل النصيحة ويقلع عما عزم عليه.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء (23 / 503) .(5/6742)
إذا بقي نصف ساعة من دوام الموظف الميداني فهل يرجع إلى العمل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم ذهاب الموظف الميداني الذي يتنقل من موقع إلى موقع من عمله في نهاية الدوام، حيث أنه أحيانا يتبقى على نهاية الدوام تقريبا نصف ساعة، فإذا ذهب إلى مقر عمله انقضت نصف الساعة هذه في المشوار وانتهى الدوام فهل يجوز له الانصراف في هذه الحالة إلى بيته، أو ماذا يفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أنك مطالب بحضور الدوام الرسمي المتفق عليه في عقد العمل، ولا يستثنى من ذلك إلا الخروج المأذون فيه، لمصلحة العمل، أو لقضاء حاجة.
وعلى هذا فعليك أن تُطلع المسئولين عن العمل، على واقع الحال، فإن أذنوا لك بالانصراف إلى البيت، وإلا لزمك العودة إلى مقر عملك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6743)
شروط مهمة ودقيقة لارتكاب منكر اضطراراً من أجل تحقيق مصلحة عامة للمسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا موظف في شركة وفي بعض الأحيان ترسلنا الشركة لدورات تدريبية في مجال تخصصنا لتطوير كفاءاتنا ونيل المراتب الوظيفية.
ولكن في هذه الدورات ُتعرض علينا أشرطة فيديو مصحوبة بالموسيقى والعنصر النسائي أحياناً.
مع العلم أن هذه الدورات مهمة جداً , وإذا لم ندخلها فسوف يدخلها أهل البدع الذين يكرهون السنة ويحاربون أهلها، وهم يعملون معنا وبذلك يكونون أحق بالترقية منا.
سؤالي هو: ما حكم ذهابنا لمثل هذه الدورات؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ينبغي نصح القائمين على هذه الدورات، وتوجيههم إلى الاستعانة بالوسائل المباحة الخالية من الموسيقى وصور النساء، فإن تحقق ذلك فالحمد لله، وإن لم يتحقق ذلك، وكان وجود أهل الخير في هذه المؤسسة يترتب عليه نفع عام ومصالح ظاهرة للمسلمين، وتوقف وجودكم أو تطوير كفاءتكم على حضور هذه الدورات، وكان في ذلك قطع الطريق على المبتدعة وغيرهم من أهل الانحراف، ولم يكن حضوركم لمجرد عرض من الدنيا، وإنما لمصلحة المسلمين العظيمة فلعل حضوركم حينئذ يكون مقبولاً مع الاجتهاد في غض البصر وكراهة ما يقع منه عن غير قصد، وعدم الاستماع المقصود للموسيقى، وذلك ارتكابا لأخف الضررين، إذ إن تفويت الوظائف المهمة، على أهل الخير، وتمكين أهل الشر والفساد فيها مفسدة كبرى ينبغي السعي في دفعها ورفعها، ولو لزم من ذلك ارتكاب مفسدة أقل منها.
وقد أفتى علماؤنا بالجواز في مسائل مشابهة لهذه المسألة، وذلك مراعاة لقاعدة ارتكاب أخف الضررين دفعاً لأعظمهما.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله من بعض الطلبة العسكريين بخصوص الموسيقى والعزف في الجيش، ومما قاله رحمه الله: (هؤلاء الإخوة الذين يكرهون الموسيقى أو العزف هم مأجورون على كراهتهم ومثابون عند الله، فإن قدروا على إزالتها أو تخفيفها فهذا هو المطلوب، وإن لم يقدروا فلا تترك المصالح العظيمة في الالتحاق بالجيش من أجل هذه المفسدة اليسيرة بالنسبة للمصالح؛ لأن الإنسان ينبغي له أن يقارن بين المصالح والمفاسد، وأهل الخير إذا تركوا مثل هذه الأعمال من أجل المعصية بقيت لأهل الشر، وتعرفون خطورة الجيش فيما لو لم يوفق لأناس من أهل الخير، ولا أحب أن أعين بضرب الأمثلة لما استولى أهل الشر والفساد على الجيوش ووصلوا إلى سدة الحكم ماذا كان؟ كان من الشر والفساد ما الله به عليم، فأنا أحث إخواني الملتزمين خاصة بأن يلتحقوا بالجيش وأن يستعينوا بالله عز وجل في إصلاح ما أمكنهم إصلاحه. وهذه المفسدة أعني مفسدة الموسيقى أو العزف مفسدة لا شك فيها عندي، وإن كان فيها اختلاف أشرت إليه قبل قليل، لكني أقول: هذه المفسدة تنغمر بجانب المصالح العظيمة الكبيرة في أن يتولى قيادة الجيش أناس أهل دين وصلاح)
انتهى من لقاءات الباب المفتوح 1/102 سؤال رقم 168
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله بعد كلمة ألقاها لطلاب قسم الإعلام بكلية اللغة:
قد يضطر رجل الإعلام المسلم لحضور بعض الحفلات أو المسرحيات فيجلس رغم وجود الموسيقى ورغم المشاهد المؤذية، وذلك حتى يبين ضررها على المجتمع فهل يأثم في ذلك؟
فأجاب رحمه الله:
إذا كان المقصود المصلحة العامة وليس التمتع، وأنه قصد من حضوره أن يحذر من الشر، فدخل في هذه المعمعة أو في هذا المجتمع الذي فيه ما يذم ليعرف شره ويبين عيوبه بقصد صالح فلا بأس، أما إن دخله لقصد التمتع أو الشر فلا. قال تعالى: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) الأنعام / 68، وقال صلى الله عليه وسلم: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار عليها بالخمر" الترمذي (2725) فجعل الله الذين يجلسون مع الخائضين ولم ينكروا عليهم مثلهم)
انتهى، نقلا عن فتاوى إسلامية 4/368
والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6744)
حكم عمل الرجل في محل تزين شعر للنساء
[السُّؤَالُ]
ـ[لنا أقارب ومن ضمن أقاربنا رجل وزوجته، يعملان في المحل الذي يدعى (الكوافير) ثم كفت زوجته وظل الرجل يعمل مزيناً لشعر النساء، وهو يقوم بدعوتنا للغداء عندهم، فهل يجوز لنا الأكل عندهم، وهل عمله حرام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان عمل من ذكرت من الأقارب كما وصفت، فعمله حرام، وكسبه حرام، ويجب على من يعمل ذلك أن يتخذ له مهنة أخرى بعداً عن الحرام، وأبواب الكسب كثيرة، والحمد لله، (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه) الطلاق / 2-3، وخير للمسلم أن يحفظ نفسه، وأن يبعد عن موارد الفتن حفظاً لعرضه ودينه، وسيجعل الله له من أمره يسراً.
ولا يجوز لمن زارهم من أقارب وأصدقاء مثلاً أن يأكل من طعامهم، أو يشرب مما يملكون إذا لم يكن لم يكن لهم دخل إلا من طريق ذلك العمل.
وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء 14/36(5/6745)
العمل في شركة تغش، وحكم العمل في شركة فيها أقسام مباحة وأخرى محرمة
[السُّؤَالُ]
ـ[يعمل في شركة وهذه الشركة تخلط الحرام بالحلال تبيع أشياء مسروقة وتغش فهل راتبه حلال؟ إذا ترك عمله فأي عمل آخر سيكون به محاذير شرعية فماذا يفعل؟ هل يستمر في عمله أم يتركه ويجوع أطفاله ولا يجد من يرعاهم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان عملك يتضمن معاونتهم بأي شكل من الأشكال في صورة من صور الغش أو السرقة فإنه لا يجوز، لقول الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة /2.
أما إذا كان عملك بعيدا عن أشكال المحرمات، ويوجد للشركة أقسام أخرى لا تتعامل بالحرام، فيجوز لك العمل في قسم المعاملات المباحة، بالشرط المذكور سابقا، وهو ألا يكون هناك إعانة على محرم.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" لا يجوز العمل بالمؤسسات الربويَّة ولو كان الإنسان سائقاً أو حارساً؛ وذلك لأن دخوله في وظيفة عند مؤسسات ربويَّة يستلزم الرضى بها؛ لأن من أنكر شيئاً لا يمكن أن يعمل لمصلحته، فإذا عمل لمصلحته كان راضياً به، والراضي بالشيء المحرم يناله من إثمه.
أما من كان يباشر القيد والكتابة والإرسال والإيداع وما أشبه ذلك: فهو لا شك أنه مباشر للحرام، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه، وقال: (هم سواء) . " فتاوى إسلامية " (2 / 401) .
والواجب عليك هو الإنكار على القائمين على الأقسام المحرمة ونصحهم بترك هذه المعاملات، والواجب عليك أيضاً إذا استطعت أن تنصح المشترين وتبين لهم العيوب الموجودة بالسلع التي يشترونها.
أما مسألة عدم وجود عمل آخر، فهذا غير صحيح، وهو وسوسة من الشيطان، وقد قال الله تعالى: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) . فالأعمال المباحة كثيرة، فعليك بالثقة بالله تعالى، والتوكل عليه، واجتناب الحرام.
أما كون الأطفال يموتون جوعا، فنسألك: هل الأفضل أن يموتوا جوعا - هذا على فرض موتهم -؟ أم أن تدخل النار من أجلهم؟!
ثم إن الله تعالى هو الذي خلقهم، وهو الذي تكفل برزقهم، كما قال تعالى: (وفي السماء رزقكم وما توعدون) ، وقال تعالى: (ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطأ كبيرا) ، وقد كتب الله تعالى رزق كل إنسان قبل أن يخرج من بطن أمه، فلا تخش من ذي العرش إقلالاً، ولكن اخش من نفسك الأمارة بالسوء، أن تجرك إلى الفتن والمعاصي، وتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يربو لحم نبت من سحت إلا كانت النار أولى به) رواه الترمذي برقم (614) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.
ومعنى (يربو) أي يزيد وينمو.
و (سحت) أي: حرام.
وإليك هذه المواقف من سيرة الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رحمه الله:
جاء إلى عمر بين عبد العزيز تفاحٌ لبيت مال المسلمين، فتناول ابنٌ له صغير تفاحةً منها، فانتزعها منه نزعاً شديداً، فذهب الولد إلى أمه يبكي، فأرسلت إلى السوق فاشترت له تفاحاً. فلما رجع عمر ودخل بيته وجد ريح التفاح، فقال: يا فاطمة، هل أخذت شيئاً من هذا المال؟ قالت: لا، وأخبرته أنها اشترت لابنها تفاحاً بمالها.
فقال عمر: والله، انتزعتها منه لكأنما انتزعتها من قلبي، لكن كرهت أن أضيع نفسي من الله بتفاحة من مال المسلمين.
"مناقب عمر بن عبد العزيز" لابن الجوزي (ص 190) .
ودخل عمر بن عبد العزيز على بناته بعد صلاة العشاء ليسلم عليهن، فلما أحسسنه وضعن أيديهن على أفواههن، وابتعدن عنه، فقال للحاضنة: ما شأنهن؟ فقالت: إنه لم يكن عندهن شيء يتعشينه إلا عدس وبصل، فكرهن أن تشم ذلك من أفواههن. فبكى عمر ثم قال لبناته: يا بناتي، ما ينفعكن أن تتعشين الألوان ويؤمر بأبيكن إلى النار. فبكين حتى علت أصواتهن.
"عمر بن عبد العزيز" للدكتور البرونو (142) .
وعوتب عمر بن عبد العزيز وهو يحتضر أنه ترك أولاده فقراء، فبعث إليهم وهم بضعة عشر ذكرا، فنظر إليهم فذرفت عيناه، ثم قال: أي بني، إن أباكم خُيِّر بين أمرين: بين أن تستغنوا ويدخل أبوكم النار، وأن تفتقروا ويدخل أبوكم الجنة، فكان أن تفتقروا ويدخل أبوكم الجنة أحب إليه من أن تستغنوا ويدخل النار. قوموا عصمكم الله.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6746)
الكلام على حديث: (لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة حديث: (ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) ، وهل هو انتقاص لقدرات المرأة القيادية في الإسلام؟ وهل كان هدهد سليمان يعيب على أهل سبأ أن امرأة كانت تملكهم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث من الأحاديث التي تلقتها الأمة بالقبول، ولم يتردد أحد من المحدثين والفقهاء والعلماء والشرَاح في قبول هذا الحديث، فلا يترك إجماع المسلمين عليه بكلام بعض المعاصرين:
عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:
(لَقَدْ نَفَعَنِي اللَّهُ بِكَلِمَةٍ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّامَ الْجَمَلِ بَعْدَ مَا كِدْتُ أَنْ أَلْحَقَ بِأَصْحَابِ الْجَمَلِ فَأُقَاتِلَ مَعَهُمْ. قَالَ: لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ قَدْ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بِنْتَ كِسْرَى قَالَ: لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً)
رواه البخاري (4425) ، ورواه النسائي في " السنن " (8/227) وبوب عليه النسائي بقوله: "النهي عن استعمال النساء في الحكم " انتهى.
وليس في هذا الحديث انتقاص لقدرات المرأة القيادية في الإسلام، ولكنه توجيه لقدراتها التوجيه الصحيح المناسب، حفاظاً عليها من الهدر والضياع في أمر لا يلائم طبيعة المرأة النفسية والبدنية والشخصية، ولا يتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية الأخرى، التي حفظت المرأة من الفساد والإفساد.
وقد سئلت اللجنة الدائمة السؤال الآتي:
هل يجوز لجماعة من المسلمات اللائي هن أكثر ثقافة من الرجال، أن يصبحن قادة للرجال؟ بالإضافة إلى عدم قيام المرأة بإمامة الناس في الصلاة، ما هي الموانع الأخرى من تولي المرأة للمناصب أو الزعامة، ولماذا؟
فأجابت:
دلت السنة ومقاصد الشريعة والإجماع والواقع على أن المرأة لا تتولى منصب الإمارة ولا منصب القضاء؛ لعموم حديث أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغه أن فارساً ولّوا أمرهم امرأة قال: (لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة) فإن كلا من كلمة (قوم) وكلمة (امرأة) نكرة وقعت في سياق النفي فَتَعُم، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما هو معروف في الأصول.
وذلك أن الشأن في النساء نقص عقولهن، وضعف فكرهن، وقوة عاطفتهن، فتطغى على تفكيرهن؛ ولأن الشأن في الإمارة أن يتفقد متوليها أحوال الرعية، ويتولى شؤونها العامة اللازمة لإصلاحها، فيضطر إلى الأسفار في الولايات، والاختلاط بأفراد الأمة وجماعاتها، وإلى قيادة الجيش أحياناً في الجهاد، وإلى مواجهة الأعداء في إبرام عقود ومعاهدات، وإلى عقد بيعات مع أفراد الأمة وجماعاتها رجالاً ونساءً، في السلم والحرب، ونحو ذلك مما لا يتناسب مع أحوال المرأة، وما يتعلق بها من أحكام شرعت لحماية عرضها، والحفاظ عليها من التبذل الممقوت.
ويشهد لذلك أيضا إجماع الأمة في عصر الخلفاء الراشدين وأئمة القرون الثلاثة المشهود لها بالخير إجماعاً عملياً على عدم إسناد الإمارة والقضاء إلى امرأة، وقد كان منهن المثقفات في علوم الدين اللائي يرجع إليهن في علوم القرآن والحديث والأحكام، بل لم تتطلع النساء في تلك القرون إلى تولي الإمارة وما يتصل بها من المناصب والزعامات العامة ". انتهى.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (17/13-17)
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ: عبد الرزاق عفيفي. الشيخ عبد الله بن غديان.
وقد سبق الكلام في هذا الموضوع مفصلاً أيضاً، في موقعنا، في جواب السؤال رقم: (20677) ، (71338)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6747)
هل يجوز للمرأة المنتقبة أن تكون معلمة وداعية في قناة فضائية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم ظهور المرأة على القنوات الفضائية لإعطاء الدروس، كما يحدث الآن في إحدى القنوات الفضائية الإسلامية، علماً بأنها تكون بكامل حجابها – أي: منقبة -؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
القنوات الفضائية الإسلامية الجادة لا شك أنها وسيلة نافعة من وسائل الدعوة إلى الله تعالى , وليست كل قناة تدعي أنها إسلامية فهي كذلك؛ لأن منها ما تجاوز الحد في كثرة المخالفات الشرعية، كظهور النساء في برامج مع الرجال، والصدح بالمعازف، وبعضها أدخل التمثيليات والمسلسلات العربية، وغير ذلك من المنكرات.
ثانياً:
لا بأس أن تقوم المرأة بالدعوة إلى الله تعالى، والتعليم، وتدريس القرآن، لكن على أن يتم ذلك في بنات جنسها، وهناك ضوابط ينبغي توفرها، فلينظر – للوقوف عليها - جواب السؤال رقم: (117074) .
ثالثاً:
الأصل في التصدي لتعليم أحكام الشرع أن يكون الرجل هو المعلِّم، لما جعل الله تعالى له من القيام بمنصب إمامة الناس، والقضاء، وغير ذلك، ولهذا لم يرسل الله تعالى رسولاً إلا رجلاً، قال الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ) يوسف/109، لأن الرجل أقدر على القيام بالدعوة إلى الله وتحمل المشاق في سبيل ذلك.
وخروج المرأة على القنوات الفضائية لدعوة عموم الناس: مخالف للأدلة الشرعية، ومخالف لهدي أمهات المؤمنين وهن خير نساء الأمة، رضي الله عنهن.
أما مخالفة ذلك للأدلة الشرعية؛ فقد أمر الله تعالى النساء بالبقاء في البيوت، فقال تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) الأحزاب/33، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم صلاة المرأة في بيتها خيراً لها من صلاتها في مسجد الكعبة، ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبروزها للدعوة ليراها الملايين مخالف لذلك.
فعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمْ الْمَسَاجِدَ، وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ) رواه أبو داود (567) ، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".
قال شمس الحق العظيم آبادي رحمه الله:
(وبيوتهن خير لهن) : أي: صلاتهن في بيوتهن خير لهن من صلاتهن في المساجد لو علمن ذلك , لكنهن لم يعلمن، فيسألن الخروج إلى المساجد، ويعتقدن أن أجرهن في المساجد أكثر، ووجه كون صلاتهن في البيوت أفضل: الأمن من الفتنة , ويتأكد ذلك بعد وجود ما أحدث النساء من التبرج، والزينة.
"عون المعبود" (2/193) .
ولتطبق المرأة ذلك على تعليمها للنساء، فيكون ذلك في بيتها، فإن لم يمكن: ففي بيت غيرها من النساء، ولا يكون ذلك في المسجد، لأنه مكان تجمع الرجال في الغالب، فمن باب أولى وأحرى ألا يكون ذلك على قناة فضائية يراها الرجال كما تراها النساء.
ولهذا لما طلبت النساء من النبي صلى الله عليه وسلم يوماً يعلمهن فيه، فواعدهن في بيتٍ يأتيهن فيه، ولم يواعدهن في المسجد! ولهذا أنكر الشيخ الألباني رحمه الله ما تفعله بعض الداعيات من تجميع النساء في المساجد، فكيف يكون الأمر لو كان خروج تلك الداعية في "مقر فضائية" يعج بالرجال؟!
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه جَاءَ نِسْوَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْنَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا نَقْدِرُ عَلَيْكَ فِي مَجْلِسِكَ مِنْ الرِّجَالِ، فَوَاعِدْنَا مِنْكَ يَوْمًا نَأْتِيكَ فِيهِ. قَالَ: مَوْعِدُكُنَّ بَيْتُ فُلَانٍ، وَأَتَاهُنَّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلِذَلِكَ الْمَوْعِدِ. رواه أحمد (12/ 313) وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2680) .
قال الشيخ الألباني رحمه الله:
"وأمَّا ما شاع هنا في دمشق في الآونة الأخيرة من ارتياد النساء للمساجد في أوقات معينة ليسمَعْن درساً من إحداه، ممن يتسمَّون بـ " الداعيات " زعمن! : فذلك من الأمور المحدثة، التي لم تكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا في عهد السلف الصالح، وإنما المعهود أن يتولى تعليمهن العلماء الصالحون، في مكان خاص، كما في هذا الحديث، أو في درس الرجال حجزة عنهم في المسجد إذا أمكن، وإلا غلبهن الرجال، ولم يتمكنَّ من العلم، والسؤال عنه، فإن وجد في النساء اليوم من أوتيت شيئاً من العلم، والفقه السليم المستقى من الكتاب والسنَّة: فلا بأس من أن تعقد لهن مجلساً خاصّاً، في بيتها، أو بيت إحداهن، ذلك خير لهن، كيف لا، والنبي صلى الله عليه وسلم قال في صلاة الجماعة في المسجد: (وبيوتهن خير لهن) ؟! ، فإذا كان الأمر هكذا في الصلاة التي تضطر المرأة المسلمة أن تلتزم فيها من الأدب والحشمة ما لا تكثر منه خارجها، فكيف لا يكون العلم في البيوت أولى لهن؟! لا سيما وبعضهن ترفع صوتها، وقد يشترك معها غيرها، فيكون لهن دوي في المسجد قبيح ذميم، وهذا مما سمعناه، وشاهدناه، مع الأسف.
ثم رأيت هذه المحدَثة قد تعدت إلى بعض البلاد الأخرى، كعمَّان، مثلا، نسأل الله السلامة من كل بدعة محدثة" انتهى.
"السلسلة الصحيحة" (6/179) .
ويمكننا هنا أن نذكر بعض المحاذير والمخالفات الشرعية التي تؤدي إليها خروج المرأة في الفضائيات ولو كانت ترتدي النقاب:
1. أنه يلزم من ظهورها في الفضائيات: خروجها من بيتها، وتعرضها للاختلاط مع الرجال , من مصور، ومخرج للبرنامج، وغيرهم , ممن لهم دور في إخراج حلقات برنامجها , وهذا بحد ذاته اختلاط قبيح؛ إذ فيه محادثة، واقتراب أجساد، وهو مناف للأصل الشرعي وهو قرار المرأة في بيتها، وبعدها عن أماكن وجود الرجال.
2. أن في خروجها في الفضائيات أو أجهزة الإعلام سماع مئات الآلاف أو الملايين من الرجال صوتها من غير حاجة، وهذا لا يمكن أن يقول بجوازه عالم، فإن العلماء اختلفوا في صوت المرأة هل هو عورة أم لا؟ ولكنهم لا يختلفون أنها لا ترفع صوتها حتى يسمعها الرجال الأجانب عنها بلا حاجة، وقد منعها الرسول صلى الله عليه وسلم من تنبيه الإمام في الصلاة إذا أخطأ بالقول، وإنما تصفق، فقال صلى الله عليه وسلم: (التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ، وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ) رواه البخاري (1204) ومسلم (421) .
وقد منع العلماء المرأة أن ترفع صوتها بالتلبية في الحج أو العمرة، حتى لا يسمعها الرجال الأجانب عنها.
قال ابن عقيل رحمه الله: يكره سماع صوتها بلا حاجة.
وقال ابن الجوزي رحمه الله: سماع صوت المرأة مكروه.
وقال الإمام أحمد رحمه الله: ينبغي للمرأة أن تخفض صوتها إذا كانت في قراءتها إذا قرأت بالليل.
انظر: "الإنصاف" (8/31) .
3. في ظهورها على الفضائيات: تعريضها للسخرية، والاستهزاء بها خاصة، وبعموم المنتقبات عامة، وسيكون برنامجها وقتاً للتسلية للمستهزئين بالشرع.
4. عدم تناسب بعض البرامج مع النقاب، كمن تدرس التجويد وهي بنقابها، وهي محتاجة في تدريسها لإظهار الشفتين، واللسان، حتى يتعلم النساء طريقة النطق الصحيحة، فصار تدريسها لذلك العلم غير مؤدٍ لمقصوده.
5. هناك ضعف واضح في أولئك النسوة في التعليم، كما هو مشاهَد، والرجال بلا شك أقدر على القيام بالتعليم منهن.
6. يُخشى أن يكون هذا مقدمةً للتنازل عن النقاب، والمسلم مأمور بالابتعاد عن مواطن الفتنة. 7. الزعم بأن المرأة أعلم بمشكلاتها، وأقدر على طرح قضاياها: غير صحيح، فقد ثبت أن الرجل هو الأقدر على ذلك، والأعلم؛ لمخالطته لصنوف من الناس، ووقوفه على ما لم تقف عليه المرأة، ثم لو فرض أنها الأعلم بمشكلاتها، والأقدر على طرح قضاياها: فليست هي الأقدر على حلها، وهذا مشاهد، ومعلوم.
8. ليس هناك داعٍ لتقديم رسالة للغرب أن المرأة عندنا لها مكانتها، وأنها تشارك الرجال في أعمالهم، فالغرب لن يرضى بمتحجبة، فضلاً عن منتقبة، وإنما نقدم رسالة الإسلام للغرب بما عليه المسلمات من العفاف، والحشمة.
فلما سبق: نرى عدم جواز خروج المرأة في قناة فضائية، ولو كانت بحجابها الكامل، ولو لم يكن في عملهن إلا الاختلاط بالرجال لكان كافياً في منعه، فكيف وقد انضاف إلى ذلك أشياء أُخَر؟! .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6748)
عمل المرأة ليلاً في رعاية الأطفال المعاقين
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجتي تعمل مع الأطفال المعاقين، وبعض الأحيان يطلب منها الدوام بالليل، فهل هذا جائز؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج على المرأة من العمل في مجال رعاية الأطفال المعاقين، بل ذلك من الأعمال النافعة التي يُؤجر عليها الإنسان، لما فيها من الإحسان والإعانة لهؤلاء الأطفال.
ولا بد للمرأة العاملة في هذا المجال من التقيد بالضوابط الشرعية لعمل المرأة، وقد سبق بيانها في جواب السؤال (106815) .
وخروج المرأة ليلاً للعمل لا حرج فيه إذا كان بإذن زوجها، وكانت تأمن على نفسها، ولم يكن هناك اختلاط في مكان العمل.
وأما إذا وجد الاختلاط، فلا يحل لها العمل فيه؛ لما يترتب على ذلك من المفاسد العظيمة، وينظر جواب السؤال (1200) ، (103044) .
والواجب على المسلم أن يجنب أهله مواقع الفتن وأسبابها بكل حال.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6749)
تعمل مديرة مدرسة فهل يجوز لها أن توظف الرجال؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في موقعك هذا أن المرأة ليس لها القوامة على زوجها، وعليه فإنه من غير المقبول أن يكون لها السلطة على الرجال، وهذا يعني أنه لا يمكن لها أن تكون رئيسة لدولة إسلامية. أنا امرأة متزوجة، وأنا أوافقك في ذلك. زوجي هو الرئيس الإداري لإحدى الشركات، ومع أنه جعلني مديرة على تلك الشركة لتصبح شركة خاصة محدودة، إلا أني "شريك موص (أو نائم) " أي أنه ليس لي أي دور فاعل فيها. لكني أعمل مديرة إدارة مدرسة خاصة، وأقوم بإدارة المدرسة شخصيا، وأقوم بتوظيف الموظفين اللازمين. وإلى الآن، فإن طاقم العمل الذي وظفته هم من النساء. هل يجوز لي أن أوظف الرجال؟ وهل سيتعارض ذلك مع الشريعة؟ وما هو الحكم إذا كان الموظف شخصاً هو على غير الإسلام؟ هل يجوز لي أن أوظف غير المسلمين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نرى أنها تقتصر بالنساء فيكون توظيفها واختيارها فيما يتعلق بالنساء، ترتيبهن وبيان أعمالهن وإرشادهن إلى ما يقمن به في الوظائف.
أما الرجال فتتركهم للرجال تتركهم لزوجها أو لغيره من الذين يعملون في هذه المدرسة أو في هذه الجامعة أو في هذه الإدارة، هم الذين يتولون توظيف الرجال وترتيبهم حتى لا تتداخل مع الرجال، ولا يلحقها لوم، وحتى لا تكون موالية لغير المسلمين.
وأنا أنصحها أنها لا توظف لا هي ولا زوجها أحداً من غير المسلمين لا رجالاً ولا نساءً إذا كانت تقدر على ذلك.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله(5/6750)
تعمل بعيداً عن أهلها وتعاني من الوحدة والعزلة
[السُّؤَالُ]
ـ[أصبت بعاهة خَلقية منذ الولادة، وأمضيت سنوات عديدة من العلاج خلال طفولتي، لم أتعالج تماماً، وتأخرت في دراستي، ورغم ذلك: استطعت الحصول على أعلى الشهادات - ولله الحمد -، والحصول على عمل حكومي، بعيداً عن عائلتي، الحمد لله، رغم الآلام أستطيع المشي، والاعتماد على نفسي، عائلتي تركتني أعيش وحدي، ولم تشأ الانتقال للعيش معي، لم يتقدم لي أحد للزواج، السؤال: كيف أصبر على وحدتي وعزلتي؟ أنا أحتاج لهذا العمل كي أعيل نفسي، فوالدي كبير السن، وإخوتي كلهم منشغلون مع عائلاتهم، أحياناً أحس بأنني لا أستحق السعادة، وأستغفر الله، وأحاول الصبر، أضع الحجاب - ولله الحمد -، وأحاول التصبر، وأحمد الله، وأحلم بالجنة، كيف أستطيع التغلب على هواجسي، وضعف نفسي؟ أفيدوني بارك الله فيكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يُعظم لك الأجر على ما ابتلاكِ به، ولا شك أن لله تعالى الحكمة البالغة في ذلك، فالوصية لك: الاستمرار على احتساب مصيبتك عند ربك تعالى، والصبر على ذلك، وعدم التضجر والتسخط، وهذا هو حال المؤمن، فهو شاكر في السرَّاء، صابر في الضراء، وخير خلق الله تعالى هم الرسل الكرام، وقد كانت حياتهم مليئة بالابتلاءات، فهذا أيوب عليهم السلام صبر على ما ابتلاه الله به من بلاء في بدنه، حتى صار مضرب الأمثال في الصبر، وهذا يعقوب عليه السلام ابتلاه ربه تعالى بغياب ابنيْه، حتى فرَّج الله عنهم، ورفع قدرهم، وأجزل لهم المثوبة.
ثانياً:
وأما بخصوص عملك – أختنا السائلة -: فإنه وإن كان الأصل هو أن تقر المرأة في بيتها، لكن لا يحرم عملها إن كان منضبطاً بضوابط الشرع، وخاصة مع الحاجة الماسة له من قِبَلها، كأن تفقد المعيل الذي يُنفق عليها.
وقد ذكرنا ضوابط عمل المرأة في جواب السؤال رقم: (22397) ، وفي جواب السؤال رقم (6666) وصايا مهمة فيما يتعلق بعمل المرأة المختلط.
ثالثاً:
من المهم – أختنا السائلة – أن تقضي على وحدتك، وعزلتك عن الناس؛ لما في الوحدة والعزلة من مساوئ، ومضار، فالوحدة والعزلة طريق الهم، والغم، والقلق، والاكتئاب. وانظري أجوبة الأسئلة: (106441) و (47026) و (65922) .
فعليك المبادرة للقضاء على وحدتك وعزلتك عن الناس، وفي ذلك نوصيك بفعل أحد الأمور التالية:
1. أن تبحثي عن عمل مباح بقرب أهلك وأسرتك، فبذا تقضين على العزلة، وتشعرين بالأمان بينهم، وتقومين على رعاية والدك الكبير في السن، فإن عجزت عن ذلك ببدنك: فلا أقل من وجودك معه، والاستئناس بالقرب منه، واستئناسه بقربه منك.
2. فإن كان الأمر الأول يصعب تحقيقه: فابحثي عن أخت فاضلة، أو اثنتين؛ لتسكنوا سوية في بيت واحد؛ فإن من شأن هذا أن يقضي على عزلتك ووحدتك، وأن يعينك على الطاعة والعبادة، فالمجموعة يذكر بعضهم بعضاً، ويشجع بعضهم بعضاً.
3. فإن لم يتيسر شيء مما سبق: فيمكنك البحث – في مكان عملك – عن أسرة لا يوجد فيها رجال أجانب، وأن تعرضي عليهم السكنى معهم، مقابل مشاركتهم بمصاريف البيت، ولا تخلو المجتمعات – عادة – من وجود أُسَر لمطلقة أو أرملة معهن بناتهن، ولا وجود لرجال في بيوتهن.
4. ابحثي عن إحدى الجمعيات الخيرية النسائية، وشاركي في العمل الخيري معهن، فبذلك تنفعين نفسك وغيرك وتقضين على هذه الوحدة، وتقومين بعمل نافع ينفعك في آخرتك.
وابحثي أيضاً: عن أخوات لك مستقيمات لهن جلسات في تعليم القرآن أو تعليم العلم النافع ... واشتركي معهن في تلك الجلسات المفيدة.
5. فإن لم يتيسر شيء مما سبق: فالذي نوصيك به: عمل برنامج يومي منوع منضبط، يجمع بين قراءة القرآن، وقراءة ما يتيسر من كتب العلم، والاستماع لبرامج نافعة هادفة من المذياع أو من القنوات الإسلامية الموثوقة، وبذا تقضين على وقت الفراغ الذي يجلب الأمراض، ويقضي على العمر الذي يمضي منك من غير نفع، ولا فائدة.
وحتى يكتمل الجواب، ومنعاً من التكرار:
انظري جواب السؤال رقم (22090) ففيه بيان كيفية تربية المسلم لنفسه.
وانظري جواب السؤال رقم (22704) ففيه تفصيل طرق النجاح في الحياة.
وفي علاج القلق: انظري جوابي السؤالين (21677) و (21515) .
واللهَ نسأل أن يوفقك لما يحب ويرضى، وأن يملأ قلبك يقيناً، وحياتك سعادة، ووقتك طاعة ونفعاً.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6751)
يهددها بالطلاق إن لم تعمل
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة اعتنقت الإسلام والحمد لله ومتزوجة من شخص مسلم وليس لدينا أولاد بعد. أعمل في مصنع هنا في أوروبا ولكن هذا المصنع أوقف الإنتاج مؤخراً وفقدت عملي , انا سعيدة لذلك لأنني أريد أن أجلس في البيت ولأن العمل كان فيه اختلاط , والمشكلة أن دخل زوجي ضئيل بحيث لا يكفي لتغطية تكاليف المعيشة الغالية هنا , كما أن لديه إخوة فقراء في بلده ويجب أن يساعدهم , لذلك هو يريدني أن أعمل. لطالما بحثت عن عمل خالي من الاختلاط ولكنني لم أجد. اتصلت لأحد المشائخ في ألمانيا وشرح لزوجي أن بقائي في المنزل أفضل , ولكن زوجي رفض ذلك وأصر على أن أجد عملاً، وقال لي: إن لم تجدي عملاً في غضون شهر فسأطلقك. أسئلتي هي: هل أستطيع أن أطلب من رجل وزوجته أن يشغلوني عندهم كحاضنة؟ وهل يجب أن أعمل إذا وجدت عملاً حلالاً؟ وماذا يجب عليّ أن أفعل الآن؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يلزم الزوج نفقة أهله وأجرة السكن والطعام ونحوه، ولا يلزم الزوجة شيء من ذلك، ولو كانت تعمل، أو كانت ذا مال.
قال الله تعالى: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ) الطلاق/7، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) رواه مسلم (1218) . وقال صلى الله عليه وسلم لهند زوجة أبي سفيان: (خُذِي [يعني من ماله] مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ) رواه البخاري (5364) .
ثانيا:
الأصل هو قرار المرأة في بيتها؛ وعدم خروجها منه إلا لحاجة، قال تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) الأحزاب / 33، وهذا الخطاب وإن كان موجها إلى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، فإن نساء المؤمنين تبع لهن في ذلك، وإنما وجه الخطاب إلى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم؛ لشرفهن ومنزلتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأنهن القدوة لنساء المؤمنين.
وقد قال عليه الصلاة والسلام: (المرأة عورة، وإنها إذا خرجت استشرفها الشيطان، وإنها لا تكون أقرب إلى الله منها في قعر بيتها) رواه ابن حبان وابن خزيمة، وصححه الألباني في السلسة الصحيحة (2688) .
وقال صلى الله عليه وسلم في شأن صلاتهن في المساجد: (وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ) رواه أبو داود (567) ، وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
ثالثا:
يحرم على المرأة أن تعمل في مكان تختلط فيه بالرجال، لما يترتب على هذا الاختلاط من مفاسد ومحاذير على الرجل والمرأة، ولها أن تعمل خارج البيت عملا مباحا لا تختلط فيه بالرجال، وفق الضوابط التالية:
- أن تكون محتاجة إلى العمل.
- أن يكون العمل مناسبا لطبيعة المرأة متلائما مع تكوينها وخلقتها، كالتطبيب والتمريض والتدريس والخياطة ونحو ذلك.
- أن يكون العمل في مجال نسائي خالص، لا اختلاط فيه بالرجال الأجانب عنها.
- أن تكون المرأة في عملها ملتزمة بالحجاب الشرعي.
- ألا يؤدي عملها إلى سفرها بلا محرم.
- ألا يكون في خروجها إلى العمل ارتكاب لمحرم، كالخلوة مع السائق، أو وضع الطيب بحيث يشمها أجنبي عنها.
- ألا يكون في ذلك تضييع لما هو أوجب عليها من رعاية بيتها، والقيام بشئون زوجها وأولادها.
قال الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله: " المجال العملي للمرأة أن تعمل بما يختص به النساء مثل أن تعمل في تعليم البنات سواء كان ذلك عملا إداريّاً أو فنيّاً , وأن تعمل في بيتها في خياطة ثياب النساء وما أشبه ذلك , وأما العمل في مجالات تختص بالرجال، فإنه لا يجوز لها أن تعمل حيث إنه يستلزم الاختلاط بالرجال، وهي فتنة عظيمة يجب الحذر منها , ويجب أن يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أنه قال: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء، وأن فتنة بني إسرائيل كانت في النساء) ، فعلى المرء أن يجنب أهله مواقع الفتن وأسبابها بكل حال " انتهى من "فتاوى المرأة المسلمة" (2/981) .
رابعا:
لا حرج في عملك حاضنة، فإن كان في بيتك فلا إشكال، وإن كان في بيت المحضون فلا بد من التحرز من الخلوة مع والد الطفل وغيره من الرجال الأجانب، والتحرز من المخالفات الأخرى كالنظر والمصافحة والكلام مع الرجل لغير حاجة.
ولا يجب عليك العمل وإن كان مباحا، ما لم يكن زوجك قد اشترط ذلك عليك في عقد النكاح.
وإن خشيت أن يطلقك زوجك، فأنت مخيرة بين العمل، أو الطلاق، والأحسن لك في هذه الحال أن تبحثي عن عمل مباح، وستجدين إن شاء الله تعالى، فإن مرارة العمل قد تكون أهون من مرارة الطلاق.
قال الله سبحانه وتعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق/2،3. نسأل الله أن يصلح حالكما وأن يجمعكما على طاعته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6752)
هل بقاء المرأة في بيتها تعطيل لنصف المجتمع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأيكم فيمن يقول: إن الإسلام لما أمر المرأة بالبقاء في البيت قد حرم المجتمع من عملها، وترك نصف المجتمع معطلاً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
رأينا في ذلك: أنه لا يمكن أن يقول هذا الكلام مؤمن، يؤمن بأن القرآن كلام الله، وأنه حق، وأن الله تعالى أمر فيه المؤمنين بما يصلحهم ويحقق سعادتهم في الدنيا والآخرة.
لأن الله تعالى خاطب أمهات المؤمنين، وهن أطهر النساء - وسائر نساء الأمة تبع لهن في هذا الأمر – بقوله: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) الأحزاب/33.
فلا يمكن أن يعترض على حكم الله وأمره إلا رجل منافق، أو كافر، أو رجل انغمس في الجهل والشبهات والشهوات، حتى صار يقدم رأيه على كلام الله، وهو يظن أنه يحسن صنعاً.
ثانياً:
إذا نظرنا إلى واقع الدول الإسلامية، فإننا نتعجب كثيراً من ظهور هذه الدعوة، ونتعجب من المتحمسين لها.
وذلك أن هذه الدعوة قد تُقبل في مجتمع قد تعطلت مصانعه ومزارعه وشؤون حياته لكونهم لا يجدون من يقوم بها من الرجال، فحينئذ اتجهوا إلى المرأة، ودعوها إلى الخروج من البيت من أجل العمل، المتوقف عليها.
قد يكون هذا الكلام مقبولاً إلى حد ما، وبشروط وضوابط معينة.
لكن.. كيف راجت هذه الدعوة في بلاد فيها الملايين من الرجال لا يجدون العمل، ويعانون من البطالة؟!
ثم خرجت المرأة تنافسهم العمل، مما ضاعف البطالة وزادها.
فدعوى هؤلاء أن ترك النساء في البيوت تعطيل لنصف المجتمع عن العمل.
فيقال لهم: أي عمل هذا، الذي تعطل ببقاء المرأة في بيتها! وأنتم لا تجدون لأنفسكم ولا لأبنائكم عملاً ـ في الغالب ـ إلا بـ "الرشوة" أو "الواسطة" و "المحسوبية"!
فالبطالة التي تعاني منها أكثر الدول الإسلامية ـ إن لم نقل كلها ـ تنادي بكذب هؤلاء.
ثالثاً:
إن بقاء المرأة في بيتها ليس تعطيلاً لها عن العمل، بل هو تفريغ لها لتقوم بأعظم عمل، وهو تربية الجيل، وتنشئة رجال الأمة، فالمرأة هي أم العلماء، والمجاهدين، والدعاة، والمخترعين، والقادة، والأطباء، والمهندسين، والمعلمين.... إلخ.
فكيف يكون إعداد هؤلاء تعطيلاً عن العمل، وهل هناك عمل للمرأة أفضل من هذا!
ما هو دور المرأة الأهم؟ وهل هناك مجال للمقارنة بين العائد الاجتماعي الذي يحصده المجتمع من تأدية المرأة دورا رئيسا في بيتها، والعائد الاجتماعي من أدوار أخرى ثانوية وهامشية، تمارسها المرأة خارج بيتها: مضيفة طيران، أو سكرتيرة، أو مندوبة مبيعات!
لقد ثبت بالتجربة أن خروج المرأة من بيتها للعمل له آثار سلبية أكثر من المنافع التي قد تكون فيه، ومنها:
1- إهمال الأطفال من العطف والرعاية والتربية.
إن المرأة التي تعمل خارج البيت تقوم في كثير من الحالات بعمل يستطيع الرجل القيام بأفضل منه، وفي مقابل ذلك تترك المرأة في بيتها مكاناً خالياً لا يملؤه أحد.
فلا شك أن خروج المرأة للعمل، سيكون على حساب بيتها وزوجها وأولادها.
يقول ميخائيل جورباتشوف الرئيس السابق للاتحاد السوفيتي: "إن المرأة تعمل في مجال البحث العلمي، وفي الإنتاج والخدمات، وتشارك في النشاط الإبداعي، ولم يعد لديها وقت للقيام بواجباتها اليومية في المنزل (العمل المنزلي) ، وتربية الأطفال، وإقامة جو أسري طيب". ثم يقول:
"لقد اكتشفنا أن كثيراً من مشاكلنا في سلوك الأطفال والشباب وفي معنوياتنا وثقافتنا وإنتاجنا تعود جميعاً إلى تدهور العلاقات الأسرية، وهذه نتيجة طبيعية لرغبتنا الملحة والمسوَّغة سياسياً بضرورة مساواة المرأة بالرجل".
2- عمل المرأة خارج المنزل، ولساعات طوال، يعرض المرأة لأنواع من الأمراض،
ففي مؤتمر للأطباء عقد في ألمانيا قال الدكتور كلين رئيس أطباء مستشفى النساء: إن الإحصاءات تبين أن من كل ثمانية نساء عاملات تعاني واحدة منهن مرضاً في القلب وفي الجهاز الدموي، ويرجع ذلك في اعتقاده إلى الإرهاق غير الطبيعي الذي تعاني منه المرأة العاملة، كما تبين أن الأمراض النسائية التي تتسبب في موت الجنين أو الولادة قبل الأوان قد تعود إلى الوقوف لمدة طويلة أو الجلوس المنحني أمام منضدة العمل أو حمل الأشياء الثقيلة، بالإضافة إلى تضخم البطن والرجلين وأمراض التشوه.
وفي الولايات المتحدة 40% من النساء العاملات، وفي السويد 60 % منهن، وفي ألمانيا 30%، وفي الاتحاد السوفييتي سابقاً 28 % يعانين من التوتر والقلق، وأن نسبة 76% من المهدئات تصرف للنساء العاملات.
3- عمل المرأة وخروجها من البيت، وتعاملها مع الزميلات – أو الزملاء – والرؤساء، وما يسببه العمل من توتر ومشادات - أحياناً-، يؤثر في نفسيتها وسلوكها، فيترك بصمات وآثاراً على تصرفاتها، فيفقدها الكثير من هدوئها واتزانها، ومن ثم يؤثر بطريق مباشر في أطفالها وزوجها وأسرتها.
ولا يخفى أن الأم بعد عودتها من عمل يوم طويل مضن في أشد حالات التوتر والتعب؛ مما يؤثر على تعاملها مع طفلها مزاجياً وانفعالياً.
4- عمل المرأة غير نافع اقتصاديا!
ففي (23/12/1985م تقدم مجموعة من أطباء الأطفل بمذكرة للدكتور عاطف عبيد وزير شؤون مجلس الوزراء تدعو إلى مساعدة الأم المصرية للقيام بأهم وظائفها المتمثلة في رعاية الأطفال وتنشئتهم التنشئة الصحية السليمة ... وأيضاً: حمايةً للاقتصاد المصري من استنزاف ميزانيته في استيراد الألبان الصناعية..) .
وفي (21/3/1987م: أصدر رئيس هيئة القطاع العام للغزل والنسيج في مصر قراراً بمنع تعيين النساء في ثلاثين شركة غزل ونسيج، وقال: إنه استند في قراره هذا إلى أن العائد من عمل المرأة لا يتجاوز 20% مما يحققه الرجل) .
فما هي الجدوى الاقتصادية إذاً من عمل المرأة؟
5- عمل المرأة بدون قيود يساهم مساهمة فعالة في زيادة عدد البطالة.
فإذا أضفنا إلى تلك الأضرار: نسبة البطالة المرتفعة بين الشباب التي تسهم المرأة العاملة في ارتفاعها بينهم، والتي يتعاظم أثرها على الرجل أكثر المرأة في مجتمعاتنا، وما ينتج عن الفراغ المصاحب لذلك من مشكلات نفسية واجتماعية وأمنية ... لوقفنا حائرين أمام الإصرار على خروج المرأة إلى العمل.
وقد أثبتت التجربة الغربية فشل خروج المرأة للعمل، وبدأت النساء في الغرب يرجعن إلى بيوتهن.
فقد توصلت نتائج دراسات أذاعتها وكالات أنباء غربية في 17/7/1991م إلى أنه خلال العامين السابقين هجرت مئات من النساء العاملات في ولاية واشنطن أعمالهن وعدن للبيت. ونشرت مؤسسة الأم التي تأسست عام 1938 م في الولايات المتحدة الأمريكية أن أكثر من 15 ألف امرأة انضممن إلى المؤسسة لرعايتهن بعد أن تركن العمل باختيارهن. وفي استفتاء نشرته مؤسسة أبحاث السوق عام 1990م، في فرنسا أجري على 2.5 مليون فتاة في مجلة ماري كير كانت هناك نسبة 90% منهن ترغبن العودة إلى البيت لتتجنب التوتر الدائم في العمل، ولعدم استطاعتهن رؤية أزواجهن وأطفالهن إلا عند تناول طعام العشاء.
فهذه الأضرار ـ وغيرها كثير مما لم نذكره ـ تبين أن دعوة هؤلاء المرأة للخروج للعمل ليست من أجل ما يترتب عليها من منافع اقتصادية أو اجتماعية، بل لهم مآرب أخرى يخفونها من وراء هذه الدعوة.
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين، ويرد كيد الخائنين.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6753)
حكم من يقول: إن الإسلام هضم حق المرأة وترك نصف المجتمع معطلاً
[السُّؤَالُ]
ـ[قد راج على بعض الناس ما بثه أعداء الإسلام من أمور مدبرة وغزو مخطط له، مثل قولهم: إن الإسلام قد هضم حق المرأة في المجتمع فأقعدها في البيت وترك نصف المجتمع معطلاً. فما تعليقكم على هذا الأمر وردكم على هذه الشبهة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"تعليقي على هذا الأمر أن هذا القول لا يصدر إلا من جاهل بالشرع، وجاهل بالإسلام، وجاهل بحق المرأة، ومعجب بما عليه أعداء الله من الأخلاق والمناهج البعيدة عن الصواب، والإسلام – ولله الحمد – لم يهضم المرأة حقها، لكن الإسلام دين الحكمة، ينزل كل أحد منزلته، فالمرأة عملها في بيتها وبقاؤها في بيتها في حفظ زوجها وتربية أولادها وقيامها بشؤون البيت، والعمل المناسب لها، والرجل له عمل خاص، الظاهر الذي يكون به طلب الرزق، وانتفاع الأمة، وهي إذا بقيت في بيتها في مصلحته ومصلحة أولادها، ومصلحة زوجها كان هذا هو العمل المناسب لها، وفيه صيانتها وإبعادها عن الفحشاء ما لا يكون فيما لو تخرج وتشارك الرجل في عمله، ومن المعلوم أنها لو شاركت الرجل في عمله لكان في ذلك أيضاً ضرر على عمل الرجل؛ لأن الرجل له طمع غريزي نفسي في المرأة، فإذا كان معها في عمل فسوف ينشغل بهذه المرأة، لا سيما إذا كانت المرأة شابة وجميلة، وسوف ينسى عمله، وإنْ عَمِلَه لم يتقنه، ومن تدبر حال المسلمين في صدر الأمة عرف كيف صانوا نساءهم وحفظوهن، وكيف قاموا بأعمالهم على أتم وجه" انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
"ألفاظ ومفاهيم في ميزان الشريعة" (ص72-73) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6754)
ما حكم تدريس المرأة للرجال إذا كانت في غاية الاحتشام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تدريس المرأة للرجال إذا كانت في غاية الاحتشام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز للمرأة أن تعمل في مجال التدريس إذا توفرت الشروط التالية:
1- أن يكون العمل في مجال نسائي خالص، لا اختلاط فيه، فلا يجوز لها أن تدرس أو تعمل في جامعة مختلطة.
2- ألا يؤدي عملها إلى سفرها بلا محرم.
3- ألا يكون في خروجها إلى العمل ارتكاب لمحرم، كالخلوة مع السائق، أو وضع الطيب بحيث تظهر رائحته للرجال الأجانب عنها.
4- ألا يكون في ذلك تضييع لما هو أوجب عليها من رعاية بيتها والقيام بشئون زوجها وأولادها.
وقد سبق أن بينا أدلة تحريم الاختلاط ومفاسده، في جواب السؤال رقم (1200) ، وهذه المفاسد لا تزول باحتشام المرأة في ملبسها، فحيث وجدت المرأة بين الرجال، وجدت هذه المفاسد غالبا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6755)
اتخاذ سكرتيرة والاختلاط في العمل
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للزوج أن يعمل مع النساء في المكتب؟ هل يجوز للرجل أن يكون له سكرتيرة؟ ماذا يجب على الرجل فعله ليتجنب صحبة زميلات العمل إذا أراد أن يؤدي العمل المناط به؟ هل يوافق على عمل فيه اختلاط في بلد غير مسلم وقانون غير إسلامي؟ أم يجب أن يبحث عن شيء أفضل للرجل المسلم حسب تعاليم الشريعة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سبق أن ذكرنا في الجواب على السؤال رقم (1200) أدلة تحريم الاختلاط ومفاسده.
والأصل عدم بقاء المسلم في بلاد الكفر، ولا يجوز له الدراسة ولا العمل في بيئة مختلطة، كما لا يجوز له أن يكون له سكرتيرة لما في ذلك كله من مفاسد كثيرة واضحة ما عادت تخفى على أحدٍ.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
ما حكم معاملة النساء كالرجال في المصانع أو في المكاتب غير الإسلامية؟
فأجابوا:
"أما حكم اختلاط النساء بالرجال في المصانع والمكاتب وهم كفار في بلاد كافرة فهو غير جائز، ولكن عندهم ما هو أبلغ منه وهو الكفر بالله – جل وعلا – فلا يستغرب أن يقع بينهم مثل هذا المنكر، وأما اختلاط النساء بالرجال في البلاد الإسلامية وهم مسلمون: فحرام، وواجب على مسئولي الجهة التي يوجد فيها هذا الاختلاط أن يعملوا على فصل النساء على حدة والرجال على حدة، لما في الاختلاط من المفاسد الأخلاقية التي لا تخفى على من له أدنى بصيرة" انتهى.
"فتاوى إسلامية" (3/92، 93) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
هل يجوز العمل للفتاة في مكان مختلط مع الرجال؟ علماً بأنه يوجد غيرها من الفتيات في نفس المكان.
فأجاب:
"الذي أراه أنه لا يجوز الاختلاط بين الرجال والنساء بعمل حكومي أو بعمل في قطاع خاص أو في مدارس حكومية أو أهلية، فإن الاختلاط يحصل فيه مفاسد كثيرة، ولو لم يكن فيه إلا زوال الحياء للمرأة وزوال الهيبة للرجال، لأنه إذا اختلط الرجال والنساء أصبح لا هيبة عند الرجل من النساء، ولا حياء عند النساء من الرجال، وهذا (أعني الاختلاط بين الرجال والنساء) خلاف ما تقضيه الشريعة الإسلامية، وخلاف ما كان عليه السلف الصالح، ألم تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل للنساء مكاناً خاصاً إذا خرجن إلى مصلى العيد، لا يختلطن بالرجال، كما في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم حين خطب في الرجال نزل وذهب للنساء فوعظهن وذكرهن، وهذا يدل على أنهن لا يسمعن خطبة النبي صلى الله عليه وسلم، أو إن سمعن لم يستوعبن ما سمعنه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم ألم تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها، وخير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها) ، وما ذاك إلا لقرب أول صفوف النساء من الرجال فكان شر الصفوف، ولبعد آخر صفوف النساء من الرجال فكان خير الصفوف، وإذا كان هذا في العبادة المشتركة فما بالك بغير العبادة، ومعلوم أن الإنسان في حال العبادة أبعد ما يكون عما يتعلق بالغريزة الجنسية، فكيف إذا كان الاختلاط بغير عبادة، فالشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فلا يبعد أن تحصل فتنة وشر كبير في هذا الاختلاط.
والذي أدعو إليه إخواننا أن يبتعدوا عن الاختلاط، وأن يعلموا أنه من أضر ما يكون على الرجال كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء) ، فنحن والحمد لله - نحن المسلمين - لنا ميزة خاصة يجب أن نتميز بها عن غيرنا ويجب أن نحمد الله سبحانه وتعالى أن منَّ علينا بها، ويجب أن نعلم أننا متبعون لشرع الله الحكيم الذي يعلم ما يصلح العباد والبلاد، ويجب أن نعلم أن من نفروا عن صراط الله عز وجل وعن شريعة الله فإنهم على ضلال، وأمرهم صائر إلى الفساد، ولهذا نسمع أن الأمم التي يختلط نساؤها برجالها أنهم الآن يحاولون بقدر الإمكان أن يتخلصوا من هذا، ولكن أنى لهم التناوش من مكان بعيد، نسأل الله تعالى أن يحمي بلادنا وبلاد المسلمين من كل سوء وشر وفتنة" انتهى.
"فتاوى إسلامية" (3/93، 94) .
وعمل المرأة "سكرتيرة" لرجل، أشد خطورة من مجرد عملها في مكان تختلط فيه بالرجال، لأن عمل "السكرتيرة" يقتضي تعاملها مع رجل واحد باستمرار (وهو مديرها) وهذا يرفع الحياء والتكلف بينهما بمرور الوقت مما يؤدي إلى حصول ما لا تحمد عقباه.
فالواجب على الرجل – وكذلك المرأة – أن يبحث عن عمل لا اختلاط فيه (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) الطلاق/2، 3.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6756)
أيهما أفضل العلم أم خدمة المنزل
[السُّؤَالُ]
ـ[أيهما أفضل للمرأة المسلمة قيامها بواجب بيتها وزوجها أم تفرغها لطلب العلم وأن تجلب خادمة للقيام بواجبات البيت؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم الواجب على المسلمة أن تتفقه في دينها بقدر ما تستطيع ولكن القيام بخدمة زوجها وطاعة زوجها وتربية أولادها واجب عظيم.
فتجعل للتعلم فرصة يومية ولو كانت قليلة أو جلسة قليلة أو تجعل وقتاً للقراءة من كل يوم والبقية من الوقت تكون لأعمالها اليومية فهي لا تترك التفقه في دينها ولا تترك أعمالها وأولادها وتكلهم إلى الخادمة.
تعتدل في هذا الأمر تجعل للتفقه وقتاً ولو قصيراً وتجعل للأعمال البيتية وقتاً يكفيها.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ صالح الفوزان في الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة ج/3 ص 1085(5/6757)
تعمل في دار للعجزة وتطبخ الخنزير وتقدم الخمر
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أسكن في بلاد الغربة، وبما أنني أدرس بالنهار بحثت عن عمل بالليل للضرورة؛ لأنَّ والدي لا يستطيع دفع تكاليف المدرسة، فأنا المرأة المسلمة الوحيدة التي تعمل هناك في مطبخ لدار العجزة، وعملي يحتم عليَّ طبخ لحم الخنزير، وصب الخمر في الكؤوس، وغير ذلك، فما حكم الشرع في ذلك؟ للعلم بحثت عن عمل في مكان آخر، ولم يتقبلوني؛ لأنني أرتدي الحجاب.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
شرعَ الله تعالى في الإسلام أحكاماً غاية في الحكمة، وجاءت الأحكام لتُصلح حال الفرد والمجتمع، ومن خالف هذه الأحكام فإنه يُعرض نفسه لعقوبة الآخرة، وقد يُعاقب في الدنيا قبل ذلك.
ولسنا في صدد تفصيل عظيم حكَم الله تعالى في تشريعاته، إلا أننا اضطررنا لهذه التقدمة بسبب سؤال أختٍ مسلمة تبحث عن حكم دراستها أو عملها، وهي تعيش بين الكفار، وفي بلادهم، ويضايقونها بسبب التزامها بدينها، فأي نفسية تعيش به تلك المسلمة وغيرها كثير من مثيلاتها؟! ومتى سينتبه الآباء والأمهات فيستيقظون من غفلتهم، ويتركون تلك الديار التي أضاعت على كثيرين دينهم وشخصيتهم، وها هم العقلاء يعضون أصابع الندم على اهتمامهم بالمال على حساب دينهم وأعراضهم.
ثانياً:
الإقامة في ديار الكفر محرَّمة على من يعجز عن إظهار دينه، أو يخشى أن يفتن في دينه.
وانظري أجوبة الأسئلة: (27211) و (14235) و (3225) .
ثالثاً:
دراستك في تلك البلاد لا شك أنها مختلطة، ولا شك أنكِ ترين من المعاصي والفجور في تلك الأماكن ما يؤلم قلب المسلم العفيف، فلو كانت الدراسة في بلاد الإسلام مختلطة ما جازت، فكيف ستكون جائزة في ديار الكفر؟
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
"دراسة المرأة للعلوم الشرعية وغيرها مما تحتاج إليه المرأة أو يعينها على معرفة أمور دينها مشروعة، إذا لم يترتب عليها محذور شرعي، أما إذا ترتب عليها محذور شرعي: كالاختلاط بالرجال غير المحارم، وعدم الحجاب: فإنها لا تجوز؛ لأن هذه أمور محرمة؛ ولأن ذلك يؤدي إلى الفساد" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (12 / 170، 171) .
وقالوا – أيضاً -:
"الاختلاط بين الرجال والنساء في المدارس أو غيرها: من المنكرات العظيمة، والمفاسد الكبيرة في الدين والدنيا، فلا يجوز للمرأة أن تَدرس أو تعمل في مكان مختلط بالرجال والنساء، ولا يجوز لوليها أن يأذن لها بذلك" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (12 / 156) .
رابعاً:
عملك في دار العجزة أيضاً محرَّم؛ لكونه مختلطاً بالرجال؛ ولكونه يشتمل على صنع الطعام من لحم الخنزير الذي نصَّ الله تعالى على حرمته، وكذا السنَّة النبوية، وإجماع المسلمين؛ ولكونه يشتمل على تقديم الخمر التي جاء تحريمها في الكتاب والسنَّة والإجماع.
قال علماء اللجنة الدائمة:
"لا يجوز للمرأة أن تشتغل مع رجال ليسوا محارم لها؛ لما يترتب على وجودها معهم من المفاسد، وعليها أن تطلب الرزق من طرق لا محذور فيها، ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً، وقد صدر من اللجنة فتوى في ذلك، هذا نصها:
أما حكم اختلاط النساء بالرجال في المصانع، أو في المكاتب، بالدول غير الإسلامية: فهو غير جائز، ولكن عندهم ما هو أبلغ منه، وهو الكفر بالله جل وعلا، فلا يستغرب أن يقع بينهم مثل هذا المنكر، وأما اختلاط النساء بالرجال في البلاد الإسلامية وهم مسلمون: فحرام، وواجب على مسئولي الجهة التي يوجد فيها هذا الاختلاط أن يعملوا على جعل النساء على حدة والرجال على حدة؛ لما في الاختلاط من المفاسد الأخلاقية التي لا تخفى على من له أدنى بصيرة" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (17 / 232، 233) .
وللوقوف على زيادة فائدة حول حكم عمل المرأة، وشروط جوازه: انظري جواب السؤال رقم (22397) .
وفي جواب السؤال رقم (6666) وصايا مهمة فيما يتعلق بعمل المرأة المختلط.
وانظري جواب السؤال رقم (26788) فهو شبيه سؤالك.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6758)
كانت تعمل في الترجمة الفورية للاجئين يكذبون للإقامة في أمريكا
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أعمل كمترجمة فورية لصالح وكالة تساعد اللاجئين الجدد للحصول على إقامة بالولايات المتحدة، أحيانًا أقابل بعض الأشخاص الذين أترجم لهم يحملون أسماء غير حقيقية، ويكذبون فيما يخص علاقة بعضهم بالآخر، وأيضًا يكذبون فيما يتعلق بموقفهم في بلادهم التي أتوا منها؛ وذلك حتى يتسنى لهم الحصول على مساعدة " الأمم المتحدة "، وإحضارهم هنا، لا أستطيع البوح بالحقيقة لهذه الوكالة التي أعمل لحسابها؛ لأنه قد يترتب على ذلك حدوث مشاكل عدة لهؤلاء اللاجئين، والسؤال هو: هل الأجر الذي أتقاضاه حلال أم حرام، مع العلم أنني توقفت عن الترجمة الآن؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
عمل المرأة في الإسلام له ضوابط وشروط، فليس للمرأة أن تعمل في مكانٍ يُعصى فيه الله تعالى، ولا أن تعمل في مكان تختلط فيه بالرجال، ويجب أن يكون عملها لضرورة، أو حاجة ماسَّة؛ لأن لها رسالة جليلة، وأعمالاً عظيمة في بيتها، تربي أولادها، وتعنى بخدمة زوجها، وتحفظ ماله، وبيته، ولا يقوم مقامها أحد في هذه الأعمال مهما كابر المكابرون، وافترى الأفاكون، فإنهم يريدون للمرأة أن تخرج فحسب، وهم يعلمون عظَم ما تؤديه من أعمال في بيتها.
قال علماء اللجنة الدائمة:
لا يجوز للمسلمة أن تعمل في مكان فيه اختلاط بالرجال، والواجب الالتزام بالحجاب الشرعي، والبُعد عن مجامع الرجال، والبحث عن عمل مباح ليس فيه شيء من هذه مما حرم الله، ومَن ترك شيئا لله عوَّضه الله خيراً منه، والله جل شأنه يقول: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) الطلاق/ 2 , 3.
الشيخ عبد العزيز بن باز , الشيخ عبد العزيز آل الشيخ , الشيخ صالح الفوزان , الشيخ بكر بن أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (17 / 231) .
وقد ذكرنا أدلة تحريم الاختلاط في جواب السؤال رقم (1200) ، وبيَّنا حكم العمل المختلط في جواب السؤال رقم (39178) ، وتجدين ضوابط عمل المرأة في جواب السؤال رقم: (22397) ، وفي جواب السؤال رقم (6666) وصايا مهمة فيما يتعلق بعمل المرأة المختلط، فلتنظر هذه أجوبة هذه الأسئلة.
ثانياً:
مثل هذا العمل لا نراه جائزاً حتى لو كان من يطلب اللجوء صادقين؛ لأن الأصل هو تحريم الإقامة في ديار الكفر، فإذا أُضيف إلى ذلك أنهم سيعانُون بالكذب من أجل ذلك: تأكد التحريم والمنع، ولم يجز لأحدٍ أن يعينهم على ذلك، ونحن نعلم أنه ثمة ضرورات لبعض الأشخاص تلجئهم إلى الإقامة في هذه البلاد، وهؤلاء لهم حكمهم الخاص بأهل الضرورات ومن أشبههم، لكننا نتكلم عن عمل يستقبل الجميع، ولا يفرق بين ضرورة وغيرها.
وقد ذكرنا في أجوبة كثيرة مسألة الإقامة في بلاد الكفر، والمفاسد المترتبة على ذلك، والشروط الواجب توفرها في المقيم إن أقام لعذر شرعي يبيح له تلك الإقامة - وينظر أجوبة الأسئلة: (11793) و (14235) و (27211) .
ثالثا:
الكذب صفة ذميمة في شرع الله، وهو مجانب للإيمان، كما قال أبو بكر الصدِّيق رضي الله عنه، وهذه الإعانة لأولئك اللاجئين هي من التعاون على الإثم والعدوان، وهو أمرٌ محرَّم في شرع الله تعالى، قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة / 2.
قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله -:
يأمر تعالى عبادَه المؤمنين بالمعاونة على فعل الخيرات، وهو البر، وترك المنكرات، وهو التقوى، وينهاهم عن التناصر على الباطل، والتعاون على المآثم، والمحارم.
" تفسير ابن كثير " (2 / 12 , 13) .
وانظري فتوى لعلماء اللجنة الدائمة في المنع من الإعانة بالكتابة لمن يكذب ويشهد زوراً، وذلك في جواب السؤال رقم: (35573) .
ثالثاً:
من الجيد أنكِ تركتِ ذلك العمل، وأما بخصوص المال الموفَّر منه: فإن كنتِ لم تعلمي أن عملك محرم، أو أفتاك أحد بجوازه: كان ما أخذتيه مباحاً لك، بشرط التوقف الفوري عن العمل،وقد حصل هذا منك، ولك أن تنتفعي بذلك المال، وليكن منك توبة صادقة على ما مضى، وإكثار من الأعمال الصالحة، وبخاصة الصدقة.
وينظر جوابي السؤالين: (82595) و (8196) ففيه مزيد فائدة وتوثيق.
ونسأل الله أن يتقبل منك صالح عملك، وأن يزيدك هدى وصلاحاً وتوفيقاً.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6759)
ضوابط عمل المرأة خارج بيتها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاه أبلغ من العمر عشرين عاما طالبة بكلية الهندسة، ولكنى أعمل في الصيف في إحدى المكتبات لتصوير المستندات، وذلك لتوفير بعض مصاريف الكلية هل علي وزر؟ مع العلم أني منتقبة وأحيانا أشعر بأنه لم يتقدم لخطبتي أحد من الملتزمين لهذا السبب.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الأصل أن تبقى المرأة في بيتها، وألا تخرج منه إلا لحاجة، قال تعالى: (وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) الأحزاب / 33، وهذا الخطاب وإن كان موجها إلى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، فإن نساء المؤمنين تبع لهن في ذلك، وإنما وجه الخطاب إلى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم؛ لشرفهن ومنزلتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأنهن القدوة لنساء المؤمنين.
وقد قال عليه الصلاة والسلام: (المرأة عورة، وإنها إذا خرجت استشرفها الشيطان، وإنها لا تكون أقرب إلى الله منها في قعر بيتها) رواه ابن حبان وابن خزيمة، وصححه الألباني في السلسة الصحيحة برقم (2688) .
وقال صلى الله عليه وسلم في شأن صلاتهن في المساجد: (وبيوتهن خير لهن) رواه أبو داود (567) ، وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وللفائدة يراجع جواب السؤال رقم (6742) .
ثانياً:
يجوز للمرأة أن تخرج من بيتها للعمل، وذلك وفق ضوابط معينة إذا توفرت جاز للمرأة أن تخرج، وهي:
- أن تكون محتاجة إلى العمل، لتوفير الأموال اللازمة لها، كما في حالتك.
- أن يكون العمل مناسبا لطبيعة المرأة متلائما مع تكوينها وخلقتها، كالتطبيب والتمريض والتدريس والخياطة ونحو ذلك.
- أن يكون العمل في مجال نسائي خالص، لا اختلاط فيه بالرجال الأجانب عنها.
- أن تكون المرأة في عملها ملتزمة بالحجاب الشرعي.
- ألا يؤدي عملها إلى سفرها بلا محرم.
- ألا يكون في خروجها إلى العمل ارتكاب لمحرم، كالخلوة مع السائق، أو وضع الطيب بحيث يشمها أجنبي عنها.
- ألا يكون في ذلك تضييع لما هو أوجب عليها من رعاية بيتها، والقيام بشئون زوجها وأولادها.
قال الشيخ محمد الصالح العثيمين: " المجال العملي للمرأة أن تعمل بما يختص به النساء مثل أن تعمل في تعليم البنات سواء كان ذلك عملا إداريّاً أو فنيّاً , وأن تعمل في بيتها في خياطة ثياب النساء وما أشبه ذلك , وأما العمل في مجالات تختص بالرجال، فإنه لا يجوز لها أن تعمل حيث إنه يستلزم الاختلاط بالرجال، وهي فتنة عظيمة يجب الحذر منها , ويجب أن يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أنه قال: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء وأن فتنة بني إسرائيل كانت في النساء) ، فعلى المرء أن يجنب أهله مواقع الفتن وأسبابها بكل حال " انتهى.
" فتاوى المرأة المسلمة " (2 / 981) .
فإذا كانت هذه الشروط متوفرة في عملك فلا حرج عليك فيه إن شاء الله تعالى.
ونسأل الله أن ييسر لك زوجاً صالحاً، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6760)
هل تتخلص من المال الذي أخذته من العمل الحرام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[طوال عملي في المصانع التابعة لشركات أجنبية، طوال 6 سنوات تقريبا، والمختلطة من حيث التوقيت في العمل، ومن حيث الجنسين وما يتبع ذلك من محادثات ومزح وما إلى ذلك ومشاهدة أشياء محرمة وفواحش تقع بين بعض الشبان وبعض الفتيات، وذلك على سبيل الصدفة، خصوصا عند العمل ليلا، وطبعا كنت أحصل على أجري كل شهر، والآن وقد تركت العمل منذ سنتين بقي لدي أشياء كنت قد اشتريتها من تلك الرواتب التي كنت أتقاضاها، منها آلة خياطة كنت أيضا أخيط عليها الملابس للفتيات، وقد كنت لا أهتم لاحتشام هذه الملابس، بل كنت أخيط كل ما تريده زبوناتي، ولكن الآن تبت إلى الله عز وجل، ولم أعد أفعل ذلك. سؤالي هو: ما حكم تلك الأموال التي كنت أتقاضاها، وما حكم ما بقي من الأشياء التي اشتريتها بذاك المال، وكيف أتصرف فيها، ومنها آلة الخياطة، وبعض الذهب، وبعض الأثاث والمفروشات؟ أفيدوني لما فيه مرضات الله سبحانه وتعالى عني؛ لأني أريد أن تكون توبتي خالصة لله، ونقية من كل شائبة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نحمد الله تعالى أَنْ مَنَّ عليك بالتوبة، ورزقك الإنابة، فوالله إن خير ما يكسبه المرء في دنياه صدق الرجوع إلى الله، ومن أراد الله به خيرا فتح له باب الذل والانكسار والافتقار، وأراه عيوب نفسه وجهلها وظلمها وتعديها حدوده، وألان قلبه إلى التوبة والاستغفار والندم على الذنب والتفريط.
فقد كان عملك في الأماكن المختلطة وفي صنع وإنتاج ما يستعمل على الوجه الحرام من المحرمات التي تمنعها الشريعة الإسلامية، حفظا للدين، وصيانة لمجتمعات المسلمين، والتزاماً بحدود الله، وتعظيماً لشرعه، ومعرفةً لقدره عز وجل.
قال ابن القيم في "الوابل الصيب" (ص/32) :
" وأما علامات تعظيم المناهي: فالحرص على التباعد من مظانها وأسبابها وما يدعو إليها، ومجانبة كل وسيلة تقرب منها، كمن يهرب من الأماكن التي فيها الصور التي تقع بها الفتنة خشية الافتتان بها، وأن يدع ما لا بأس به حذرا مما به بأس، وأن يجانب الفضول من المباحات حشية الوقوع في المكروهات، ومجانبة مَن يجاهر بارتكابها ويحسنها ويدعو إليها ويتهاون بها ولا يبالي ما ركب منها، فإن مخالطة مثل هذا داعية إلى سخط الله تعالى وغضبه، ولا يخالطه إلا من سقط من قلبه تعظيم الله تعالى وحرماته " انتهى.
ثانيا:
خياطة الملابس النسائية الفاضحة - لمن تلبسها في المعصية وتستعملها في الفتنة – من الأعمال المحرمة؛ لما فيها من الإعانة على المنكر، والواجب على المسلم تعظيم حدود الله فلا يرضى أن يعصى الرب تعالى من طريقه، ولا يقبل أن يكون من أعوان الشيطان وحزبه.
قال ابن تيمية في "شرح العمدة" (4/387) :
" وكل لباس يغلب على الظن أن يستعان بلبسه على معصية فلا يجوز بيعه وخياطته لمن يستعين به على المعصية والظلم، وكذلك كل مباح في الأصل علم أنه يستعان به على معصية " انتهى.
وقال أيضا – كما في "مجموع الفتاوى" (22/141) -:
" إذا أعان الرجل على معصية الله كان آثما؛ لأنه أعان على الإثم والعدوان، ولهذا لعن النبى صلى الله عليه وسلم الخمر، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه، وبائعها، ومشتريها، وساقيها، وشاربها، وآكل ثمنها.
وأكثر هؤلاء كالعاصر والحامل والساقي إنما هم يعاونون على شربها، ولهذا ينهى عن بيع السلاح لمن يقاتل به قتالا محرما: كقتال المسلمين، والقتال فى الفتنة " انتهى.
وقال ابن حزم في "المحلى" (7/522) :
" ولا يحل بيع شيء ممن يوقن أنه يعصي الله به أو فيه , وهو مفسوخ أبدا:
كبيع كل شيء يعصر ممن يوقن بها أنه يعمله خمرا. وكبيع المملوك ممن يوقن أنه يسيء ملكته. أو كبيع السلاح أو الخيل: ممن يوقن أنه يعدو بها على المسلمين. أو كبيع الحرير ممن يوقن أنه يلبسه , وهكذا في كل شيء ; لقول الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) .
والبيوع التي ذكرنا تعاون ظاهر على الإثم والعدوان بلا تطويل , وفسخها تعاون على البر والتقوى.
فإن لم يوقن بشيء من ذلك فالبيع صحيح ; لأنه لم يعن على إثم , فإن عصى المشتري الله تعالى بعد ذلك فعليه " انتهى باختصار.
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (2/73) :
" لا يجوز احتراف ما يؤدي إلى الحرام أو ما يكون فيه إعانة عليه , كالوشم: لما فيه من تغيير خلق الله، وككتابة الربا: لما فيه من الإعانة على أكل أموال الناس بالباطل، ونحو ذلك " انتهى.
ثالثا:
التوبة من المال الحرام شرطها التخلص منه، وذلك بصرفه في مصالح المسلمين، وفي أوجه البر المختلفة.
قال ابن تيمية – كما في "مجموع الفتاوى" (22/142) :
" ومن أخذ عِوضًا (أجرة) عن عين محرمة، أو نفع استوفاه، مثل: أجرة حَمَّال الخمر، وأجرة صانع الصليب، وأجرة البَغِيّ، ونحو ذلك، فليتصدق بها، وليتب من ذلك العمل المحرم، وتكون صدقته بالعوض (الأجرة) كفارة لما فعله؛ فإن هذا العوض لا يجوز الانتفاع به؛ لأنه عوض خبيث " انتهى.
وجاء في "الفروع" (2/666) لابن مفلح:
" والواجب في المال الحام التوبة وإخراجه على الفور " انتهى.
فالواجب عليكِ تقدير ما حصلته من أجرة خياطة ثياب النساء المتبرجات، ثم إخراجه للفقراء والمساكين رجاء تكفير الإثم والمعصية السابقة.
أما الأموال التي حصلتِها من العمل في المصنع – ومنها آلة الخياطة - فلا يجب عليك إخراجها ولا التخلص منها؛ لأن الحرام لم يتعلق بأصل العمل، بل بالاختلاط الذي صاحبَه، وهو أمر خارجٌ عن أصله، اللهم إلا إذا كان عمل المصنع في الحرام، كمصانع الخمور والدخان والآلات المحرمة، فيجب عليك حينذ إخراج الأجرة التي أخذتها منه.
وإن ضاق عليك الحال، ولم تتمكني من إخراج جميع المال الذي حصلته من خياطة الملابس المحرمة، فلا حرج عليك من إبقاء ما تحتاجين إليه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – كما في "مجموع الفتاوى" (29/308) :
" فإن تابت هذه البغي وهذا الخَمَّار وكانوا فقراء، جاز أن يُصرف إليهم من هذا المال قدر حاجتهم، فإن كان يقدر يتجر أو يعمل صنعة كالنسج والغزل، أعطي ما يكون له رأس مال " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6761)
هل يجوز لها أن تعمل مربية لبنت تعمل أمها في " كازينو "؟
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة مسلمة تقيم في أمريكا، تعمل مربية وحاضنة لطفلة صغيرة أثناء غياب جدتها في العمل، وجدتها هي المسئولة عنها. وهي التي تدفع المال للمربية، وقد علمت مؤخراً أن أم الطفلة تعمل في "كازينو" وعملها فيه هو غسل الأواني فقط لا غير، ولها عدة أسئلة: 1. هل هذا العمل كله في حد ذاته لا يجوز الاستمرار فيه؟ . 2. وهل المال التي تقبضه منها هو مال حرام؟ ، تقول هي: لما علمت بالأمر لم تتصرف بالمبلغ الأخير الذي حصلت عليه من هذه المرأة حتى تسأل ما حكم الشرع في هذا؟ 3. تقول: وإذا كان هذا المال حراماً ماذا تعمل بالذي ما زال محفوظاً عندها؟ وماذا عليها فيما أخذته سابقا قبل أن تعلم بالحقيقة؟ . 4. أيضاً تقول: إن " الجدَّة " هي التي تدفع هذا المبلغ المالي لهذه المسلمة؛ لأن هذه الجدة هي التي تحضن حفيدتها، وتقوم بمصالحها ورعايتها. 5. أيضاً تقول: إن كانت هذه المرأة المسلمة محتاجة للضرورة لهذا العمل، ولهذا الدخل المالي، فهل لها أن تأخذه؟ وتستمر في هذا العمل أم لا؟ . مع العلم أني حاولت كثيراً دعوة هذه الجدة إلى الإسلام، ولكن دون جدوى.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نقول للأخت المسئول عنها:
زادكِ الله حرصاً وتفقهاً في دينكِ، وشكر لكِ تحرِّيكِ الحلال من الرزق، ونسأل الله أن يتم عليك نعمه، ويزيدك من فضله، ونفصل لها في الجواب فنقول:
أولاً:
لا يجوز للمسلم الإقامة في بلاد الكفار إلا لعذر شرعي – كعلاج ودعوة وتجارة -؛ لما في ذلك من خطورة على دين المسلم، وعلى أسرته إن كان له زوجة وأولاد، ولا يستطيع المسلم أن يربي أولاده التربية الإسلامية الصحيحة، ولا أن يؤدي الأمانة على وجهها، وهو مستقر في تلك البلاد، ولا يعدُّ العمل من الأعذار التي تبيح لأحدٍ من المسلمين الإقامة في بلاد الكفر، ويتأكد النهي والمنع والمفسدة في حال كون المقيم والعامل هناك امرأة.
سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
ما حكم العمل في دول الكفر، كدول أوربا وأمريكا؟ وهل يتغير الحكم لو عمل عند مسلم في مؤسسات مسلمة، ولكن في نفس البلد الكافر؟ .
فأجابوا:
" يجب على المسلم أن يهاجر من ديار الكفر إلى ديار الإسلام؛ محافظة على دينه؛ وتكثيراً لجماعة المسلمين؛ وليتعاون معهم على إقامة شعائر الإسلام، وسيجد لنفسه - بإذن الله - طرقاً عدة للكسب والمعيشة المباركة بين المسلمين، مع الأمن على دينه إن اتقى الله، قال الله تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق/ 2،3.
ومِن هذا يُعلم أن عمل المسلم في بلاد الكفر - وهو يقوى على الهجرة منها إلى بلاد الإسلام -: لا يجوز، سواء كان عمله في محل كافر أم مسلم، إلا أنَّ عمله في محل كافر أشدُّ منعاً؛ لما يتوقع في ذلك من مزيد الخطر والذل، لكن إذا كان عالِماً وله نشاط في الدعوة إلى الإسلام، ويرجى أن يتأثر الكفار بدعوته، وتقوم به الحجة عليهم، ولا يُخشى عليه فتنة في دينه أو نفسه: فله أن يقيم بينهم للقيام بواجب الدعوة إلى الله، ونشر الإسلام.
ومن كان مستضعفا لا يقوى على الهجرة: فهو معذور في إقامته بين الكفار، وعلى إخوانه المسلمين أن يساعدوه ليتمكن من الهجرة إلى بلد يأمن فيه على دينه " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (14 / 475، 476) .
وينظر جوابي السؤالين: (38284) و (13363) .
ثانياً:
إذا أبى المسلم إلا الإقامة في بلاد الكفر، أو كان لا يستطيع الخروج منها لعذرٍ شرعي: فإنه إن تمكن من ترك العمل عند الكفار فهو أولى، وليُعلم أن عمله يكون محرَّماً – سواء كان عند مسلم أم عند كافر - إن كانت طبيعته محرَّمة، كأن يعمل في محل لبيع الخمور، أو في فندق تشتمل خدماته على المحرمات، أو في بنوك ربوية، أو شركات تعمل في مجالات تنشر الفساد والمعاصي والموبقات، كما لا يجوز أن تكون بيئة العمل مختلطة رجالاً ونساءً.
ومن عمل عند كافرٍ في عمل مباحٍ: فماله حلال، ولو كان أجيراً عند كافرٍ، مع أن الأولى أن لا يفعل ذلك.
قال ابن قدامة رحمه الله:
" ولو أجَّر مسلمٌ نفسَه لذميٍّ لعملٍ: صحَّ؛ لأن عليّاً رضي الله عنه أجَّر نفسَه مِن يهوديٍّ يستقي له كل دلو بتمرة، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فلم ينكره " انتهى " المغني " (4 / 333) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة:
ما حكم مَن يشتغل عند شخص غير مسلم، هذه النقود التي يقبضها مِن عنده هل هي حلال أم حرام؟ .
فأجابوا:
" تأجير المسلم نفسه للكافر: لا بأس به إذا كان العمل الذي يقوم به مباحاً: كبناء جدار، أو بيع سلعة مباحة، أو ما أشبه ذلك من الأعمال المباحة؛ لأن عليّاً رضي الله عنه أجَّر نفسه ليهودي بتمرات على نضح الماء ل من البئر، فعن ابن عباس رضي الله عنهما (أن عليّاً رضي الله عنه أجَّر نفسه من يهودي يسقي له كل دلو بتمرة) أخرجه البيهقي وابن ماجه " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (14 / 486) .
وبخصوص عملك في رعاية وعناية حفيدة تلك الجدة: فالذي يظهر لنا هو أن عملكِ مباح، وأن المال الذي كسبتِه قديما وحديثاً حلال لكِ، وبخاصة أن عملك لا يتطلب الخروج من المنزل، ولا الاختلاط بالرجال، ولا الذل للكفار، بل أنتِ آمنة مستقرة في بيتك، وهم الذين يُحضرون ابنتهم عندك، وأما إن كنتِ أنتِ التي تذهبين إليهم: فلتحذري من وجود الرجال الأجانب عنك، وما فيه من مفاسد ومحرَّمات، ولتحذري من الخلوة مع أحدهم؛ فهو من المحرَّمات، واحرصي على أن يكون الأمر على الصورة الأولى، وهي أنهم هم الذين يحضرون ابنتهم إلى بيتكِ.
واحرصي وإستمري على دعوة الجدة وابنتها للإسلام، قال تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) فصلت/ 33، وقَالَ سَهْلٌ بْنُ سَعْد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ٍ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَم) رواه البخاري (2847) ومسلم (2406) .
ونوصيكِ بإتقان عملك، حتى تكوني أنموذجاً للمسلم الذي يؤدي الأمانة على وجهها، وإن كنَّا نرى لك عدم البقاء في تلك الديار، كما سبق وذكرنا في أول الجواب، لكن هذا لا يمنعنا من ذِكر حكم عملك، ولا يمنع من نصحك وتوجيهك للأصلح لك ولدينك.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6762)
هل يشاهد البرامج التي تقدمها مذيعة سافرة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[في بعض البرامج التعليمية أو الأخبار يكون المقدم لها امرأة سافرة، هل يأثم الرجال في مشاهدة هذه البرامج - خاصة وأن المواضيع التي يتحدثون عنها ليست حراماً -؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يجب على المرأة المسلمة أن تغطي بدنها كله عن الرجال الأجانب، ولا يحل لها من باب أولى إبداء زينتها كالشَّعر والصدر والذراعين.
وفي جواب السؤال رقم (11774) تجد حكم تغطية وجه المرأة بالأدلة التفصيلية.
وفي آخر ذلك الجواب ذكرنا مفاسد إظهار الوجه للأجانب، ومنها: فتنتها بنفسها وبجمالها، وزوال الحياء عنها، وافتتان الرجال بها.
فإذا كان هذا هو حكم من أظهرت وجهها، وهذه بعض آثار ظهوره أمام الأجانب: فماذا سيكون حكم إظهار الصدر والشعر معه؟! وما هي الآثار التي ستترتب على ذلك؟! .
ونأسف للحال التي قبلت المرأة لنفسها أن تصبح عليه من كونها سلعة رخيصة يتاجِر بها المرضى من أهل الشر والفساد، فهل يمكن أن تُختار امرأة للعمل مذيعة في فضائية وليست جميلة؟! إنه المقياس الأول الذي يُبحث عنه؛ ليُمتَّع المشاهد بالنظر إليها والتغزل بها، فكيف رضيت المرأة لنفسها أن تكون محط أنظار الملايين يتأملون بها، ويغازلونها، وهل ستكون في نظرهم تلك المرأة الشريفة المحافظة على عفافها وحيائها وهم يرونها تتزين للمشاهدين ما لا تتزينه لزوجها؟! .
ثانياً:
وأما نظر الرجل إلى وجه الأجنبية وصدرها وشعرها: فلا يجوز أن يشك في تحريمه.
قال النووي رحمه الله:
"ويحرُم نظر رجل بالغ إلى عورة حرة كبيرة أجنبية، وكذا وجهها وكفها، عند خوف الفتنة، وكذا عند الأمن على الصحيح" انتهى.
قال ابن شهاب الدين الرملي رحمه الله شارحاً كلام النووي:
"ووجهه الإمام – أي: الجويني - باتفاق المسلمين على منع النساء أن يخرجن سافرات الوجوه، وبأن النظر مظنة الفتنة، ومحرك للشهوة".
" نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج " (6 / 187، 188) .
وقال الدكتور محمد إسماعيل المقدَّم:
أجْمَع العُلماء جميعًا - ومِنهم عُلماء المذاهِب الأربَعَة - على وجوب تَغطيةِ المرأةِ جَميعَ بَدَنِها عَن الأجانب، سواء مَن يَرىَ مِنهم أنَّ الوَجْه والكَفَين عورَةٌ ومَن يَرىَ أنَّهما غَيرُ عورَةٍ، لَكِنَّه يوجِبُ تَغطيتَهما في هذا الزمان؛ لفساد أكثر النَّاس؛ ورِقَة دينِهم؛ وعَدَمِ تورُّعِهم عَن النَّظَرِ المُحَرَّم إلى وَجْه المرأة الذي هو مَجْمَعُ المحاسِن، ومِعيار الجَمال، ومِصباح البَدَن.
" عودة الحِجاب " (ص 432) بتصرف.
وفي " الموسوعة الفقهية " (26 / 269) .
" إذا كانت المرأة أجنبيّةً حرّةً: فلا يجوز النّظر إليها بشهوة مطلقاً، أو مع خوف الفتنة، بلا خلاف بين الفقهاء" انتهى
وفي (26 / 270) :
" هذا، وقد اتّفق الفقهاء على أنّ النّظر إلى المرأة بشهوة حرام، سواء أكانت محرماً أم أجنبيّةً عدا زوجته ومن تحلّ له.
وكذا يحرم نظر الأجنبيّة إلى الأجنبيّ إذا كان بشهوة" انتهى.
والنظرة للأجنبية المعفو عنها في الشرع: هي النظرة التي تكون من غير قصد، وإذا حصلت تلك النظرة فإنه يجب على الناظر صرف بصره، ولا يجوز له استدامة النظر، وكلام العلماء في هذا المنع إنما هو في النظر إلى وجهها، وأما النظر إلى صدرها وشعرها – كما تُخرجه المذيعات – فلا يَشك أحد في تحريمه، ولا ينبغي أن يُختلف في هذا.
قال تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) النور/30.
وعموم غض البصر المأمور به المسلم في هذه الآية يشمل العورة التي لا يحل إظهارها إلا لزوجها، والأعضاء التي لا تُظهرها إلا للنساء والمحارم، والوجه المختلف فيه بين العلماء.
قال ابن كثير رحمه الله:
"هذا أمرٌ مِن الله تعالى لعباده المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم عما حرَّم عليهم، فلا ينظروا إلا إلى ما أباح لهم النظر إليه، وأن يغضوا أبصارهم عن المحارم، فإن اتفق أن وقع البصر على مُحرَّم من غير قصد: فليصرف بصره عنه سريعاً ... .
ولما كان النظر داعية إلى فساد القلب، كما قال بعض السلف: " النظر سهام سم إلى القلب "؛ ولذلك أمر الله بحفظ الفروج كما أمر بحفظ الأبصار التي هي بواعث إلى ذلك، فقال: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) " انتهى.
" تفسير ابن كثير " (6 / 41، 42) باختصار.
وعن جرير بن عبد الله قال: (سألت النبي صلى الله عليه وسلم عَنْ نَظَر الفَجْأةِ؟ فَأَمَرَنِي صلى الله عليه وسلم أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِي) رواه مسلم (2159) .
وعن بريدة بن الحصيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي: (يَا عَليّ، لاَ تُتْبِع النَّظْرَةَ النَّظْرَة، فَإِنَّ لكَ الأُولَى، وَلَيْسَت لكَ الآخِرَة) .
رواه الترمذي (2777) وأبو داود (2149) ، وحسَّنه الألباني في " صحيح الترمذي ".
قال ابن القيم رحمه الله:
ونظرة الفجأة هي النظرة الأولى التي تقع بغير قصد من الناظر، فما لم يتعمده القلب لا يعاق عليه، فإذا نظر الثانية تعمّداً: أثم، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم عند نظرة الفجأة أن يصرف بصره، ولا يستديم النظر؛ فإن استدامته كتكريره.
" روضة المحبين " (ص 96) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
إذا رأى الرجل المرأة وهي سافرة: فإن عليه أن يغض بصره، ويصرفه عنها، فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة فقال: (اصرف بصرك) و (إن لك الأولى وليست لك الأخرى) ، والمعنى: أنه لا حرج عليه في الأولى التي نظرها صدفة، ولم يقصدها لما صادفها من باب خارجة ونحوه وهو داخل، أو في طريق، فإنه يصرف بصره ولا يتبع النظرة نظرة أخرى، بل عليه أن يغض بصره.
" فتاوى ابن باز " (22 / 208) .
وقد سبق في إجابة السؤال رقم (22917) : فوائد غض البصر، فلينظر.
والخلاصة:
1. يجب على المرأة المسلمة أن تستر جميع بدنها، وأن الصحيح أنه يجب عليها ستر وجهها وكفيها.
2. لا يحل لها – من باب أولى – أن تُظهر للأجانب ما تظهره للنساء ولأقاربها المحارم.
3. يحرم على المرأة العمل مذيعة في تلفاز أو فضائية لما يستلزمه هذا العمل من إظهار وجهها وشعرها. ... وغير ذلك في الغالب، واستدامة نظر المشاهدين لها المنافي للأمر بغض البصر.
4. وأولى بالتحريم من خرجت أمام الناس كاشفة شعرها وصدرها وذراعيها، ولا تخلو هذه المرأة – عادة – من ارتكاب محرمات أخرى كالنمص، واستعمال أدوات التجميل والعطور أمام الرجال الأجانب عنها.
5. لا يجوز للرجل الأجنبي النظر إلى المذيعة، وليس له إلا النظرة الأولى، والتي تكون من غير قصد.
6. لا فرق بين ظهور المذيعة في نشرة الأخبار وبرامج تعليمية، وبين ظهورها في أفلام ومسلسلات من حيث النظر.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6763)
حكم عمل المرأة بدار العجزة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمرأة العمل في دار العجزة المختلطة بين الرجال والنساء والعاملة فيها تقوم بتغسيل الرجال والنساء العجزة وتغير الحفاظ لهم، وربما قدمت لهم المشروبات المحرمة ووجبات الخنزير، وهل للمرأة المسلمة أن تعمل في هذا المكان إذا تجنبت تقديم الكحوليات واللحوم المحرمة، مع العلم أنها لا يُسمح لها أن تلبس غير الإشارب على رأسها والقميص إلى الركبة مع البنطال بحجة الضرورة. والتي يفتي بها البعض لهن أن العمل بهذه الصورة أفضل من الوقوف أمام المؤسسة الاجتماعية التي تقدم المساعدات للأسير الغير عامل رب بيتها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أما عن تقديم الخمر والخنزير لنزلاء دار العجزة فلا شك في تحريمه وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم في الخمر عشرة ومنهم حاملها وساقيها، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ – رضي الله عنه - قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَمْرِ عَشْرَةً عَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَشَارِبَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةُ إِلَيْهِ وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَآكِلَ ثَمَنِهَا وَالْمُشْتَرِي لَهَا وَالْمُشْتَرَاةُ لَهُ) رواه الترمذي (1295) وأبو داود (3674) فلا يجوز حملها ولا أخذ الأجرة على ذلك، وقال النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا حَرَّمَ عَلَى قَوْمٍ أَكْلَ شَيْءٍ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ثَمَنَهُ) صححه الألباني رحمه الله في صحيح أبي داود رقم (2978) .
ومعلوم تحريم الخمر والخنزير في القرآن الكريم.
وبقي لدينا محذوران:
الأول: عدم اكتمال الحجاب الشرعي للمرأة المسلمة العاملة في هذه الدور.
والثاني: ما يترتب على تغسيل العجزة وتغيير حفاظاتهم من رؤية العورات ومسها وهذا جائز للضرورة ولكن لا أظنهم يولّون الرجال على الرجال، والنساء على النساء، بل الغالب أنهم يجمعون الجميع في مكان واحد وتعمل المرأة مع الجنسين والرجل مع الجنسين.
فانصح بعدم العمل في هذا المكان للمرأة المسلمة خصوصاً وأن هذا العمل غير محبوب لما فيه من ملابسة النجاسات، وأخذ المساعدات من المؤسسة الاجتماعية على ما فيه من غضاضة على المسلم في الأخذ من الكافر، إلا أنه أهون من العمل الذي فيه مخالفات شرعية.
نسأل الله أن يعز الإسلام والمسلمين والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/6764)
ترغب بالزواج من شخص ووالدها غير موافق فهل تخالفه وتتزوج؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة عربية مسلمة أبلغ من العمر 28 سنة، بدأت العمل في إحدى الإدارات الحكومية منذ 6 أشهر، تعرفت على شاب في أوروبا وهو على خلق كبير ويريد الزواج مني بشرط أن أذهب معه إلى مكان إقامته، لكن أبي يقول بأن لدي مستقبلا كبيراً في عملي، وأنا أرى أن المرأة عملها في البيت أن تهتم بأطفالها، ما حكم الشرع إذا خالفتُ رأي أبي، وأنا متأكدة أن الشاب مسلم وعلى خلق، وهو أيضا من نفس البلد الذي أعيش فيه؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إن من أعظم نعَم الله على الفتاة في هذا الزمان المليء بالفتن أن تُرزق بزوج صالح مستقيم في دينه، يرعى حقوق ربه وحقوق زوجته، والمرأة العاقلة المستقيمة إن تقدَّم لها من يرتضى دينه وخلقه لا ترفضه بحجة دراستها أو وظيفتها؛ لأنها إن رفضت الزواج في هذا السن وتقدم بها العمر، فسوف تتنازل عند الزواج عن كثير مما كانت تحرص عليه، حينما كانت صغيرة مرغوبة لكل خاطب.
ثانياً:
أما عن مخالفة الوالد في شأن الزواج أو عدمه أو في اختيار الزوج: ففيه تفصيل:
فإن كان للأب في معارضته سبب شرعي: فإنه يجب أن يطاع ولا يعصى وتكون معصيته ومخالفة أمره من العقوق الذي هو من كبائر الذنوب.
وإن كان السبب في المعارضة دنيويّاً أو اجتماعيّاً مخالفاً للدين ولمقاصد الشرع: فإنه لا إثم في مخالفته مع الحرص الشديد على رضاه وإقناعه.
مع التنبيه الشديد على ضرورة الاستجابة لرغبة الأب العاقل؛ لأنه أدرى بمصلحة ابنته منها، وأنت إن يسَّر الله لك الزواج ستكونين أمّاً، فكيف سيكون شعورك لو أن رجلاً تقدَّم لابنتك راغبا الزواج بها ورأيتِ أنت وزوجك عدم صلاحيته للزواج من ابنتك؟ وهل سترضين بمخالفة ابنتكِ لكِ ولأبيها؟!
وقد يرى الأب لابنته أحياناً ألاّ تتغرب بعد زواجها وأن تبقى قريبة منه، وذلك لمظنة أن تظلم أو يهضم حقها في حال بعدها عن أهلها وعيشها مع الزوج في الغربة، وهذا الحكم مبني على واقع وخبرة في الحياة ولا شك.
قال الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله -:
فقد يخيل إليها أن هذا الشخص يصلح لها في حين أنه لا يصلح، فليس لها أن تخالف أباها ما دام أنه ينظر في مصلحتها.
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (5 / 242) .
وقلنا في جواب السؤال (6398) :
الأهل هم الأقدر – عادة وغالباً – على تحديد الأفضل لابنتهم ومن يصلح للزواج منها؛ لأن الغالب على البنت هو قلة العلم وقلة الخبرة بالحياة وما يصلح فيها وقد تخدع ببعض الكلمات فتحكم عاطفتها دون عقلها.
لذلك فإن على البنت أن لا تخرج عن رأي أهلها إن عُرف عنهم الدين والعقل.
انتهى
وانظري جواب السؤال رقم (20162) لتقفي على قصة بعض النساء اللاتي خالفن رأي أهلهن وتزوجن بمن يرغبن.
ثالثاً:
: لا بد للمرأة من ولي يزوجها ويباشر عقد النكاح، وهو من أركان العقد الشرعي، ولا يحل للمرأة أن تزوِّج نفسها بغير ولي شرعي، فإن خالفت فالعقد باطل ولا يأخذ صفة عقد النكاح الشرعي الحلال؛ وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: (أًيُّمَا امْرَأةٍ نَكَحَت بِغَيْرِ إِذْنِ وَليِّهَا فَنِكاحُها بَاطِلٌ فَنكاحُها بَاطِل فنكاحها باطل ... " الحديث، رواه الترمذي (1102) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
وانظري جواب الأسئلة: و (7989) .
رابعاً:
لا يجوز العيش والسكنى في بلاد الشرك والكفر إلا لعذر شرعي ليس فيه إقامة، كعلاج، وتجارة، ودعوة، وما شابه ذلك من الأمور التي لا بد منها، أما أن يعيش في بلادهم ويستقر بينهم فذلك لا يحل لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُر المُشْرِكِينَ " رواه أبو داود (2645) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
خامساً:
وننبه على شيئين وردا في سؤالك، وهما: عملكِ، وتعرفكِ على الشاب الذي يرغب بالزواج منكِ:
أما عمل المرأة فلا شك أن ما ذكرتيه من كون الأصل في عمل المرأة هو أن يكون في بيتها لرعاية حق زوجها وأبنائها، ولكن إن كانت المرأة تعمل خارج بيتها: فلا بدَّ أن يخلو عملها من طبيعة محرَّمة ومن بيئة غير شرعية، فإن كان عملها في بنك ربوي أو مؤسسة تأمين أو محل يقدم المنكرات أو يبيعها: فلا يحل لها العمل فيه.
وإن كانت طبيعة العمل مباحة لكن بيئته ليست كذلك كأن يكون فيه اختلاط غير منضبط مع الرجال، ويفتح باب التعامل معهم، والتعارف عليهم: فلا يجوز لها العمل فيه.
وأما تعرفكِ على الشاب: فإن كان عن طريق محرَّم كالمراسلة أو المحادثة أو ما يسمى برامج التعارف بين الجنسين: فإن هذا يستوجب عليك التوبة والاستغفار؛ لأن محادثة الأجنبي ومراسلته لا تحل لامرأة أجنبية عنه، وهذا سبب موجب لمنعه من التزوج بك.
وقد بيَّنا حكم هذا الفعل في فتاوى متعددة، فانظري أجوبة الأسئلة: (78375)
والخلاصة فيما يتعلق بمشكلتك هذه أنه لا ينبغي لك التعجل في أمر هذا الزواج الذي لا يريده وليك، فإن رأيت أنه ليس لرفض والدك سبب شرعي مقبول، فاجتهدي في إقناعه بالقبول، عن طريق والدتك أو من له رأي عند أبيك من أهلك وأقاربك، لا سيما وأن سنك قد بدأت في الزحف نحو الثلاثين، وهو أمر يوجب على وليك أن يكون همه الأول اختيار الزوج المناسب لك، وليس الوظيفة المناسبة.
وأسأل الله العلي القدير أن يختار لك الخير في أمر دينك ودنياك.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6765)
تعمل في شركة يملك بنكان ربويان جزءً منها فهل عملها حرام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا آنسة أعمل في شركة رأسمالها تملكه 5 جهات مختلفة (منهم بنكان ربويان) وهم: بنك مصر (22.5 % من رأس المال) ، وبنك الاستثمار القومي (22.5 % من رأس المال) ، بالإضافة إلى شركة أجنبية (صينية) (10 % من رأس المال) ، وشركة مقاولات مصرية (22.5 % من رأس المال) ، وهيئة قناة السويس (22.5 % من رأس المال) . هذه الشركة التي أسستها الأطراف السابقة تملك قطعة أرض، ونشاطها: تقوم بإدخال المرافق لها من صرف وكهرباء ومياه، وتقوم بتقسيمها، وبيعها للمستثمرين، عملية البيع إما فوري، أو بالتقسيط، مع حساب فوائد سنوية ثابتة تبلغ 7 % سنويّاً، علماً بأن عملية البيع قد تتوقف أحيانا، وعملي في هذه الشركة في قسم السكرتارية (عمل إداري) ، ولقد كنت أقوم بالإنفاق والادخار من مرتبي خلال مدة عملي في الشركة والتي بلغت 5 سنوات دون علم مني بأن هذه الأموال قد تكون بها شبهة، وهذه المدخرات في بنك إسلامي، فهل عملي في هذه الشركة ذات المال المختلط حلال أم حرام؟ وما حكم ما قمت بادخاره - وهو مبلغ كبير -؟ وكيف أتصرف فيه؟ أفيدوني وأنقذوني مما أنا فيه من حيرة وعذاب.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي يظهر جواز العمل في هذه الشركة ما دام العمل الذي تقوم به حلالاً، فالعمل في شركات مباحة الأعمال يختلف حكمه عن العمل في البنك وما يشبهه من مؤسسات الربا، ففي البنوك يتعرض الموظف للإثم سواء كان كاتبا أو شاهداً أو حتى حارساً؛ لأن العمل حرام ابتداء، بخلاف أن يكون البنك مشاركاً بجزء من رأس مال الشركة مباحة الأعمال؛ فإن النظر يكون هنا لطبيعة عمل الشركة، فمشاركة اليهودي والنصراني والمرابي جائزة مع الكراهة.
قال ابن قدامة المقدسي رحمه الله:
"قال أحمد: يشارك اليهودي والنصراني، ولكن لا يخلو اليهودي والنصراني بالمال دونه، ويكون هو الذي يليه؛ لأنه يعمل بالربا، وبهذا قال الحسن والثوري.
وكره الشافعي مشاركتهم مطلقاً" انتهى.
" المغني " (5 / 109) .
وقال ابن القيم رحمه الله:
"قال إياس بن معاوية: إذا شارك المسلمُ اليهوديَّ أو النصرانيَّ وكانت الدراهم مع المسلم وهو الذي يتصرف بها في الشراء والبيع: فلا بأس، ولا يدفعها إلى اليهودي والنصراني يعملان فيها؛ لأنهما يُربيان" انتهى.
" أحكام أهل الذمة " (1 / 93) .
وتجدين تفصيل هذه المسألة في جواب السؤال رقم (48005) وقد قلنا في أول الجواب:
"الذي يكتسب المال من وجوه محرمة كالربا والرشوة والسرقة والغش.. ونحو ذلك: إذا كان ماله مختلطاً فيه الحلال والحرام: صحّت معاملته بيعاً وشراءً ومشاركةً مع الكراهة، وإن عُلم أن المال الذي يريد الاتجار فيه من عين الحرام، لم تجز مشاركته ولا العمل معه فيه" انتهى.
وعلى هذا؛ فالمال الذي تأخذينه من هذه الشركة (الراتب) حلال إن شاء الله تعالى، ولا حرج عليك فيما أنفقت منه أو فيما ادخرتيه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6766)
هل يجوز في الشريعة الإسلامية أن تكون المرأة حاكمة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز في الشريعة الإسلامية أن تكون المرأة حاكمة؟ أتمنى أن يكون هناك دليل من القرآن.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يُشْكر الأخ السائل على حرصه على معرفة واتباع الأدلة من القرآن الكريم، ولكن لا يلزم في كل مسألة أن يكون لها دليل خاص من القرآن، بل كثير من الأحكام إنما ثبتت أدلتها بالسنة النبوية الصحيحة، ولم تثبت بالقرآن، والواجب على المسلم اتباع أدلة القرآن والسنة جميعاً. قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) النساء/59.
فأمر الله تعالى بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأمر برد المسائل المتنازع فيها إلى كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وقال تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) الحشر/7.
وروى ابن ماجه (12) عَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ الْكِنْدِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يُوشِكُ الرَّجُلُ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يُحَدَّثُ بِحَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِي، فَيَقُولُ: بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، مَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَلَالٍ اسْتَحْلَلْنَاهُ، وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَرَامٍ حَرَّمْنَاهُ، أَلا وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ) . صححه الألباني في صحيح الجامع (8186) .
ثانياً:
دلت الأدلة من الكتاب والسنة على عدم جواز تولي المرأة للولايات العامة، كالخلافة والوزارة والقضاء وما أشبه ذلك.
1- أدلة القرآن:
قال الله عز وجل: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) النساء / 34.
قال القرطبي:
قوله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) أي: يقومون بالنفقة عليهن، والذب عنهن، وأيضاً: فإنَّ فيهم الحكام والأمراء ومن يغزو، وليس ذلك في النساء اهـ. "تفسير القرطبي" (5 / 168) .
وقال ابن كثير:
أي: الرجل قيِّم على المرأة، أي: هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجت.
(بما فضَّل الله بعضهم على بعض) أي: لأن الرجال أفضل من النساء، والرجل خير من المرأة، ولهذا كانت النبوة مختصة بالرجال، وكذلك المُلك الأعظم، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لن يفلح قوم ولَّوا أمرَهم امرأة) رواه البخاري، وكذا منصب القضاء اهـ. "تفسير ابن كثير" (1 / 492) .
2- أدلة السنة:
عن أبي بكرة قال: لما بلغ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أن أهل فارس قد ملَّكوا عليهم بنت كسرى، قال: (لن يُفلح قومٌ ولَّوا أمرَهم امرأة) . رواه البخاري (4163) .
قال الشوكاني في "نيل الأوطار" (8/305) :
فيه دليل على أن المرأة ليست من أهل الولايات، ولا يحل لقوم توليتها، لأنه يجب عليهم اجتناب ما يوقعهم في عدم الفلاح اهـ بتصرف.
وقال الماوردي - في معرض كلامه عن الوزارة -:
ولا يجوز أن تقوم بذلك امرأة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أفلح قومٌ أسندوا أمرهم إلى امرأة) ؛ ولأن فيها من طلب الرأي وثبات العزم ما تضعف عنه النساء، ومن الظهور في مباشرة الأمور ما هو عليهن محظور اهـ "الأحكام السلطانية " (ص 46) .
وقال ابن حزم رحمه الله - في معرض حديثه عن الخلافة -:
ولا خلاف بين أحدٍ في أنها لا تجوز لامرأة اهـ "الفصل في الملل والأهواء والنحل" (4 / 129) .
وفي "الموسوعة الفقهية" (21 / 270) :
اتفق الفقهاء على أن من شروط الإمام الأعظم أن يكون ذكرا، فلا تصح ولاية امرأة، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لن يفلح قوم ولَّوا أمرهم امرأة) ، ولكي يتمكن من مخالطة الرجال، ويتفرغ لتصريف شئون الحكم ; ولأن هذا المنصب تناط به أعمال خطيرة , وأعباء جسيمة , تلائم الذكورة اهـ.
وسئل الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله تعالى السؤال التالي:
ما موقف الشرع الإسلامي الحنيف من ترشيح امرأة نفسها لرئاسة الدولة، أو رئاسة الحكومة، أو الوزارة؟
فأجاب:
تولية المرأة واختيارها للرئاسة العامة للمسلمين لا يجوز، وقد دل الكتاب والسنة والإجماع على ذلك، فمن الكتاب: قوله تعالى: {الرجال قوَّامون على النساء بما فضَّل الله بعضهم على بعض} ، والحكم في الآية عام شامل لولاية الرجل وقوامته في أسرته، وكذا في الرئاسة العامة من باب أولى، ويؤكد هذا الحكم ورود التعليل في الآية، وهو أفضلية العقل والرأي وغيرهما من مؤهلات الحكم والرئاسة.
ومن السنَّة: قوله صلى الله عليه وسلم لما ولَّى الفرسُ ابنةَ كسرى: (لن يفلح قومٌ ولَّوا أمرَهم امرأة) ، رواه البخاري.
ولا شك أن هذا الحديث يدل على تحريم تولية المرأة لإمرة عامة، وكذا توليتها إمرة إقليم أو بلد؛ لأن ذلك كله له صفة العموم، وقد نفى الرسول صلى الله عليه وسلم الفلاح عمَّن ولاها، والفلاح هو الظفر والفوز بالخير.
وقد أجمعت الأمة في عهد الخلفاء الراشدين وأئمَّة القرون الثلاثة المشهود لها بالخير عمليّاً على عدم إسناد الإمارة والقضاء إلى امرأة، وقد كان منهن المتفوقات في علوم الدين، اللاتي يُرجع إليهن في علوم القرآن والحديث والأحكام، بل لم تتطلع النساء في تلك القرون إلى تولي الإمارة، وما يتصل بها من المناصب، والزعامات العامة، ثم إن الأحكام الشرعية العامة تتعارض مع تولية النساء الإمارة؛ فإن الشأن في الإمارة أن يتفقد متوليها أحوال الرعية، ويتولى شؤونها العامة اللازمة لإصلاحها؛ فيضطر إلى الأسفار في الولايات، والاختلاط بأفراد الأمة، وجماعاتها، وإلى قيادة الجيش أحياناً في الجهاد، وإلى مواجهة الأعداء في إبرام عقود ومعاهدات، وإلى عقد بيعات مع أفراد الأمَّة، وجماعتها، رجالاً ونساء في السلم والحرب ونحو ذلك، مما لا يتناسب مع أحوال المرأة وما يتعلق بها من أحكام شرعت لحماية عرضها، والحفاظ عليها من التبذل الممقوت.
وأيضاً: فإن المصلحة المدركة بالعقل تقتضي عدم إسناد الولايات العامة لهن، فإن المطلوب فيمن يُختار للرئاسة أن يكون على جانب كبير من كمال العقل، والحزم، والدهاء، وقوة الإرادة، وحسن التدبير، وهذه الصفات تتناقض مع ما جُبلت عليه المرأة من نقص العقل، وضعف الفكر، مع قوة العاطفة، فاختيارها لهذا المنصب لا يتفق مع النصح للمسلمين، وطلب العز والتمكين لهم، والله الموفق، وصلى الله على نبيِّنا محمَّد وعلى آله وصحبه اهـ "مجلة المجتمع" (العدد 890) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6767)
لا يجوز للمرأة تولي القضاء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمرأة أن تتولى القضاء في الشريعة الإسلامية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سئل الشيخ ابن جبرين هل يجوز للمرأة أن تكون قاضية فأجاب:
لا يجوز للمرأة أن تتولى الوظائف العامة التي يحتاج معها إلى مخاطبة الرجال عموماً، والاختلاط بهم وتكرار الخروج، وسؤال الرجال الأجانب، وإجابتهم المستمرة، فإن ذلك دليل على رعونة المرأة وجرأتها، وهو مما يحملها على إسقاط الحياء وقلة الاحتشام، ورفع الصوت وذلك ينافي أنوثتها وحياءها، وهكذا لا تتولى الإمامة ولا الخطابة ولا المحاماة التي تستلزم التردد على المحاكم والدوائر التي يغشاها الرجال،
وهذا من الترجُّل، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم المترجِّلة من النساء (يعني المرأة المتشبهة بالرجال) .
أما الوظائف التي يحتاجها النساء فلا بأس أن تتولى ذلك كالتدريس للطالبات والطب والتمريض للنساء والعلاج بجميع أنواعه مما يتعلق بالإناث، وكذا العمل في الدوائر التي لا يراجعها سوى النساء حتى لا يضطر النساء إلى مخاطبة الرجال مما يكون سببا في انتشار التبرج والسفور، وغيره من الدوافع إلى الفواحش والمنكرات، والله أعلم.
اللؤلؤ المكين من فتاوى الشيخ ابن جبرين ص/304
ولمعرفة الأدلة انظر السؤال رقم (20677) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6768)
ترغب في العمل وزوجها يمنعها
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي لا يسمح لي بالعمل ولا بالدراسة، وأنا أرى أن عندي وقت فراغ وعندي القدرة على ذلك، فهل يحق له أن يمنعني من العمل أو الدراسة، هو لا يستمع لي مما يسبب لي الأذى؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب على كلا الزوجين أن يحتكما إلى الشرع في جميع شئون حياتهما، فما حكم به الشرع وجب تنفيذه وامتثاله، وهذا هو سبيل السعادة والراحة في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: " فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا " النساء / 59.
وبخصوص عمل المرأة وخروجها من منزلها نقول:
1- الأصل هو قرار المرأة في بيتها، وقد دل على ذلك قوله تعالى: (وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) الأحزاب / 33، وهذا الخطاب وإن كان موجها إلى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم فإن نساء المؤمنين تبع لهن في ذلك، وإنما وجه الخطاب إلى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم لشرفهن ومنزلتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأنهن القدوة لنساء المؤمنين.
ودل على ذلك أيضا: قول النبي صلى الله عليه وسلم " المرأة عورة، وإنها إذا خرجت استشرفها الشيطان، وإنها لا تكون أقرب إلى الله منها في قعر بيتها) رواه ابن حبان وابن خزيمة وصححه الألباني في السلسة الصحيحة برقم 2688
وقوله صلى الله عليه وسلم في شأن صلاتهن في المساجد: " وبيوتهن خير لهن " رواه أبو داود (567) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
2- يجوز للمرأة أن تعمل أو تدرس إذا توفرت جملة من الضوابط:
- أن يكون هذا العمل مناسبا لطبيعة المرأة متلائما مع تكوينها وخلقتها، كالتطبيب والتمريض والتدريس والخياطة ونحو ذلك.
- أن يكون العمل في مجال نسائي خالص، لا اختلاط فيه، فلا يجوز لها أن تدرس أو تعمل في مدرسة مختلطة.
- أن تكون المرأة في عملها ملتزمة بالحجاب الشرعي.
- ألا يؤدي عملها إلى سفرها بلا محرم.
- ألا يكون في خروجها إلى العمل ارتكاب لمحرم، كالخلوة مع السائق، أو وضع الطيب بحيث يشمها أجنبي عنها.
- ألا يكون في ذلك تضييع لما هو أوجب عليها من رعاية بيتها والقيام بشئون زوجها وأولادها.
3- ما ذكرت من وجود القدرة والرغبة لديك في العمل والتدريس أو الدراسة أمر حسن، ولعلك تستغلين ذلك في طاعة الله، كأن تقومي بتدريس فتيات المسلمين في بيتك أو في مركز إسلامي – وفق الضوابط السابقة – أو ممارسة شيء يعود بالنفع عليك وعلى أسرتك كالخياطة ونحوها، مما يكون وسيلة للخروج من حالة الملل والشعور بالفراغ.
كما يمكنك أن تلتحقي بإحدى الجامعات الإسلامية المفتوحة، التي تتيح لك الدراسة عن بعد، لتزدادي علما وفقها، مع ما في ذلك من الدرجة والمنزلة عند الله، فإن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء. كما جاء في الحديث الذي رواه الترمذي 2682 وأبو داود 3641، والنسائي 158، وابن ماجه 223 والحديث صححه الألباني في صحيح الترمذي.
وسلي الله تعالى أن يرزقك الذرية الصالحة، فإن القيام على تربية هذه الذرية لا يدع للمرأة وقتا ولا فراغا، وهي مأجورة في ذلك كله، والحمد لله.
وتذكري أن طاعة الزوج واجبة في غير المعصية، وعليه فإذا أمر الزوج زوجته ألا تخرج لعمل ولا لدراسة وجب عليها امتثال أمره، وفي ذلك سعادتها ونجاتها، ففي الحديث الذي رواه ابن حبان في صحيحه " إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحصنت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت " والحديث صححه الألباني في صحيح الجامع برقم 661
ولا ينبغي للزوج أن يستغل هذا الحق في إيذاء مشاعر زوجته، ومصادرة رأيها، والتعنت في حرمانها من رغباتها، بل عليه أن يتقي الله عز وجل، وأن يحرص على مشاورة زوجته ومحاورتها، وتبيين الحكم الشرعي لها، وتوفير البدائل المباحة التي تسعدها، وتنمي قدراتها، وتحقق شيئا من رغباتها.
نسأل الله ن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6769)
عمل المرأة في الوظائف الأمنية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل للمرأة أن تشارك الرجال في الجهاد؟ وماذا عن عمل المرأة في الأقسام النسائية من الوظائف الأمنية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الجهاد بالسيف والأسلحة ليس بواجب على المرأة، (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ عَلَى النِّسَاءِ مِنْ جِهَادٍ قَالَ نَعَمْ عَلَيْهِنَّ جِهَادٌ لا قِتَالَ فِيهِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ رواه الإمام أحمد 24794) ولأن الرجال مسئولون عن الدفاع عن النساء، فلذا تجنيدهن وتوظيفهن في الجيش كالرجال غير جائز، لما يترتب على ذلك من محاذير، وعواقب وخيمة، وواقع البلاد التي سمحت بذلك دليل واضح على هذه المحاذير. إلا إذا احتاج الجيش إلى التمريض والتضميد ونحو ذلك، وكان من النساء من يحسن ذلك فيمكن استخدامهن في هذا مع مراعاة الضوابط الشرعية والآداب الإسلامية.
وكذلك توظيف المرأة في الشرطة والجهات الأمنية الأخرى ليس بجائز إذا كانت هذه الجهات تتعلق بالرجال، أما إذا كانت متعلقة بالنساء مثل قسم النساء في الشرطة للإشراف عليهن، والقيام بالتفتيش معهن في سجون النساء، أو التفتيش معهن في المطارات ونحو ذلك فهو جائز، بل قد تكون ضرورة، يجب توظيفهن في مثل هذه الحالة حتى لا تضطر النساء إلى الاختلاط بالرجال والكشف أمامهم. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب ولاية المرأة في الفقه الإسلامي ص 688(5/6770)
حكم بيع المرأة بضاعتها في السوق
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي زوجة وترغب أن تزاول البيع والشراء يوم الخميس في سوق يجمع الرجال والنساء وهي محتشمة، نرجو الإفادة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز لها أن تذهب إلى السوق لتبيع وتشتري إذا كانت في حاجة لذلك، وكانت ساترة لجميع بدنها بملابس لا تحدد أعضاءها، ولم تختلط بالرجال اختلاط ريبة، وإن لم تكن في حاجة إلى ذلك البيع والشراء فالخير لها أن تترك ذلك.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى اللجنة الدائمة 13/17.(5/6771)
حكم دخول المرأة الانتخابات
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمرأة الدخول في الانتخابات العامة (البلدية - مجلس الشورى) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي عليه اتفاق أهل العلم أن المرأة لا يجوز لها تولي رئاسة الدولة الإسلامية أو الإمارة العامة، وقد جاء بذلك كتاب الله تعالى في قوله: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض) النساء /34 فعموم هذه الآية يدل على أن القوامة حق للرجال على النساء، فإذا كانت المرأة لا تملك الولاية على زوجها في بيتها، فمن باب أولى أن لا تملك الولاية على غيره.
ومن السنة ما روى أبو بكرة أنه قال: لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهل فارس ملكوا عليهم بنت كسرى قال: (لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة) رواه البخاري في الصحيح وأحمد وغيرهما، وهو نص صريح في أن المرأة ليست أهلاً لأن تتولى الملك أو الإمارة أو الولاية العامة ولا يحل لقومها توليتها عليهم، لأن تجنب الأمر الموجب لعدم الفلاح واجب على المجتمع كما قال العلماء، والمعقول يدل على هذا المعنى الصحيح، فإن المشرع الحكيم قد راعى ظروف المرأة وما يعتريها من حالات أنثوية خاصة، هي من طبيعتها وخلقتها فجعل شهادتها على النصف من شهادة الرجل وهو سبحانه لا يظلم أحداً وهو (يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) فكيف يقال بتوليتها رئاسة الدولة والولايات العامة على الرجال؟
ثم ما تتمتع به المرأة من عواطف جياشه وانفعالات تفوق في كمها وكيفها ما يتمتع به الرجل، وما يتمتع به الرجل من قوة وصلابة وجلد، وتفرغ للمسؤوليات وإدارة شؤون الحياة، يجعل ذلك من المرجحات القوية لكفة الرجل في هذا المجال، وذلك مما يزيد ثقة وقوة بأنّ ما شرعه الله تعالى واختاره هو الحكمة البالغة والمصلحة العامة والرحمة بالخلق أجمعين.
ثم إن دخولها في هذه المجالس يعني اختلاطها بالرجال والجلوس معهم وربما لساعات طويلة والتحدث معهم، وأن تنظر إليهم وينظروا إليها وهذا كله مما حرمه الله عز وجل في كتابه ورسوله صلى الله عليه وسلم في سنته.
قال عز وجل: (وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) الأحزاب /33.
فأمر أمهات المؤمنين وجميع المسلمات بالقرار في البيوت لما في ذلك من الحفظ والصيانة لهن وابتعادهن عن وسائل الفساد، لأن الخروج لغير حاجة قد يفضي إلى التبرج كما قد يفضي إلى شرور أخرى، كما روى الترمذي: أنه صلى الله عليه وسلم قال: (المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان) أي هي موصوفة بهذه الصفة ومن هذه صفته فحقه أن يستر، والمعنى أنه يستقبح ظهورها للرجل، قال في الصحاح: العورة كل خلل يتخوف منه.
(فإذا خرجت استشرفها الشيطان) قال الطيبي: أنها ما دامت في خدرها لم يطمع الشيطان فيها وفي إغواء الناس، فإذا خرجت طمع وأطمع، لأنها حبائله وأعظم فخوخه. (فيض القدير 6/266)
وقال عز وجل (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون، وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) النور /30-31
وهذان الأمران المطلوبان (وهما غض البصر وحفظ الفرج) يستحيل تحققهما إذا اختلطت المرأة بالرجال كزميلة أو مشاركة في العمل.
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء) متفق عليه من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما.
وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم: (فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء) رواه مسلم.
والخلاصة: أن استقرار المرأة في بيتها وقيامها بما يجب عليها فيه من تدبيره وإدارة شؤونه والقيام بحق زوجها وأولادها بعد قيامها بحق الله تعالى هو الذي فيه صلاح مجتمعها وأمتها، وإن كان عندها فضل وقت فيمكنها أن تعمل في الميادين النسائية كتعليم النساء والتطبيب والتمريض وما أشبه ذلك، وهي بذلك تسد ثغرة في المجتمع وتعين على رقيه في كل مجال اختصاصه، وفقنا الله جميعاً لما يُحب ويرضى.
[الْمَصْدَرُ]
المرجع: مسائل ورسائل / محمد المحمود النجدي ص40(5/6772)
حكم عمل المرأة مندوبة إعلانات
[السُّؤَالُ]
ـ[انتشر في الآونة الأخيرة طلب من بعض الشركات كالدعاية والإعلان وشركات الأدوية وغير ذلك للمرأة للعمل كمندوبة إعلانات أو مبيعات، ما حكم عمل المرأة كمندوبة إعلانات أو مندوبة مبيعات حيث الاختلاط بالرجال وارد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
كل دعوة إلى بروز المرأة وإلى خروجها من مستقرها من أسباب انتشار الفساد وأنه سبب لظهور الفحشاء، والله تعالى قد توعّد على ذلك، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) النور/ 19، توعدهم بهذا العذاب الأليم ومعلوم أن المرأة تتوجه إليها الأنظار وأن الشهوات الشيطانية تلاحقها وتتابعها وأن المفسدين إذا رأوها ولا سيما إذا سمعوها تتكلّم وربما ترقق كلامها وربما يبدو شيء من زينتها، من حليها أو ما يلفت الأنظار ونحوها ويفهم من الذين يرون أو يسمعون أنها قليلة الأمانة أو أنها ليّنة لا ترد يد العابث، فيعاكسونها وربما أخذوا أو حفظوا أرقام هواتفها ويكون ذلك سبباً لكثرة الفساد وانتشار السوء، وهؤلاء بلا شك الذين يدّعون في الصيدليات أن يتولى عندهم هذه الإعلانات نسوة أو كذلك ترويج سلعهم أن يعطوا هذه المرأة أنواعاً من الأدوية ويقولون لها اذهبي وروجيها واعرضيها على المريض الفلاني وعلى المريض الفلاني وعلى الطبيب الفلاني والعيادة الفلانية، وهكذا لا تزال تتردد بين تلك الأماكن وتدخل تلك الأسواق والمجتمعات ولا شك أن هذا كله دعاية إلى بروزها أو إلى خروجها وبالتالي نبذها للحجاب، فهذه الإعلانات والدعايات يقوم بها الرجال بسهولة وهم الذين يتولون ذلك ويدخلون الأسواق ويمارسون مثل هذه الأعمال، أما هؤلاء فدعوتهم إلى إظهار الفواحش والمحرّمات فعلينا أن نحذرهِّم ونرفض إعلاناتهم ونحذر نساء المسلمين من الإصغاء والانسياق وراء دعواتهم أو التعامل معهم بأي شكل من الأشكال والله تعالى هو الرزّاق ذو القوة المتين.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/6773)
هل تستمرّ في عمل تختلط فيه بالرجال
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلمة، أبلغ من العمر 31 عاما، وقد تلقيت أساسيات عن الإسلام لكن بطريقة غربية عموما - فقد تعلمت في الخارج في جامعة أوروبية، وعملت بعد ذلك في شركة عالمية كبيرة تتبنى الطريقة المعروفة بسبيل الكفاءات! Career path. وقد دأب والداي وأسلوب الحياة التي رُبيت بها على تشجيع طريقة الحياة هذه. وعلاوة على ذلك، فأنا أعول عائلتي لأنهما (والدي ووالدتي) لا يعملان حاليا. وأنا أعيش الآن بمفردي في بلد غربي لا عرب فيه ولا مسلمون. وحيث أني نشأت نشأة إسلامية، فأنا أجد نفسي منعزلة عن المجتمع من حولي فأنا لا أرغب في حضور الحفلات أو الذهاب إلى البارات أو الخروج في مواعيد مع رجال ... الخ
والخياران المتوفران أمامي هما: أما أن أعود إلى البيت وأعيش تحت مظلة الأب والأم وأبحث عن أي عمل يشغلني وإذا كنت محظوظة فسأجد شخصا أتزوج به. وسيعني ذلك التضحية بالدخل لفترة محددة على الأقل مما سيؤثر سلبا على عائلتي بالإضافة على التضحية بالمنصب المرموق في الشركة التي أعمل فيها. أو يكون الخيار الثاني وهو الاستمرار في الوظيفة وأعيش على أمل أن أجد مسلما صالحا يوما ما يساعدني في أن أعيش حياة إسلامية.
ما هو رأي الإسلام حول هذا الموضوع؟]ـ
[الْجَوَابُ]
1. إن الخيارين المطروحين من قِبَل الأخت السائلة هما خياران بين الصواب والخطأ وبين الحلال والحرام.
لذا فإننا لا يمكن لنا أن نشير على أختنا السائلة إلا بحفظ رأس مالها وهو دينها وعفافها وأن تظلّ بين أهلها تحافظ على نفسها وتكون بين من يحميها، ولعل الله أن ييسر لها عملاً شرعياً وزوجاً صالحاً، ونبشرها بحديث النبي صلى الله عليه وسلم " من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه " - صححه الشيخ الألباني رحمه الله في " حجاب المرأة المسلمة " (ص 49) .
2. فكم من أخ وأخت تركوا ما هم عليه من الأعمال والبيئات وقد كانوا يكسبون فيها المال الوفير، فما هو أن تركوا ذلك لله تعالى بعد علمهم بما هم عليه من المخالفات: حتى فتح الله لهم طرقاً كثيرة في الرزق، ووسَّع الله عليهم، وهدى قلوبهم لأحسن مما كانوا عليه.
ونذكر الأخت السائلة بوالديها، وأن بقاءها بجانبهما والقيام على رعايتهما أفضل بكثير من الفراق لهما، ولا تهتم بما يريدانه منها من العمل غير الشرعي، فالعامة يحرصون على الدنيا، وقد لا يخطر ببالهم المحاذير الشرعية التي تحيط بعمل بناتهم وأولادهم.
3. وأما السعي في هذه الدنيا الفانية على حساب الدين فهذا لا نرضاه لأخواتنا وبناتنا ولا للأخت السائلة.
4. ولا عليكِ من كون الشركة عالمية أو أن معاشها مغرٍ، فإن ذلك لا يساوى شيئاً إذا كان في سخط الله تعالى، ويكفي أن معك رجال أجانب في العمل، فضلا عن كونك في بلدٍ ليس فيه مسلمون، ثمّ قد تسافرين بغير محرم إلى بلاد الكفّار وتقيمين بينهم وقد تسكنين في بيت بمفردك وفي ذلك من الخطر على الدّين والنّفس والعرض ما لا يخفى وقد دلّت النصوص الشرعيّة على حرمة اختلاط النساء بالرجال وسفر المرأة بغير محرم والإقامة بين ظهراني الكفّار.
5. وانعزالك الذي تحدّثت عنه قد لا يدوم كثيراً بسبب كثرة المغريات، وقلة المعين والناصح.
وطريق الشر يبدأ بخطوة، فإذا سلكه الإنسان قد يصعب عليه التفكير بنفسه وآخرته.
ومن فضل الله عليكِ أنك تريدين النصيحة ومعرفة الحكم الشرعي، فلا تأسفي على الدنيا والشيء اليسير يكفي القانع، لكنه الطمع الذي يهلك، ولا يبقي عقلا للتفكير، ولا ورعاً في السؤال.
5. ليس هناك ما يمنع من أن تبحثي عن عمل شرعيّ وخصوصا أنّ بعض الشركات توظّف أشخاصا في البيوت يقومون بأعمال عبر شبكة الإنترنت وقد يكون هذا بديلا شرعيا وجيدا للنساء المسلمات.
= ونسأل الله تعالى أن يأخذ بيدكِ لما فيه نفعك، وأن يحفظ عليكِ دينكِ، هو ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله على نبينا محمد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/6774)
هل تجب طاعة زوجها إذا أمرها بالعمل خارج البيت
[السُّؤَالُ]
ـ[أسلمت قبل 15 سنة بعد أن سمعت عن حقوق المرأة في الإسلام.
وسؤالي هو:
يجب على الرجال أن ينفقوا على زوجاتهم، والمرأة ليست ممنوعة من بعض الأشياء المعينة إذا أذن زوجها، فكيف للمرأة أن تحمي نفسها من أن تُستغل من قبل زوجها؟
مثلا يريد منها أن تعمل في تجارته وأن ترعى الأطفال وأن تنجب أطفالاً أكثر وأن أحضر الرضيع معي للعمل بعد الولادة بأسبوع، تكون مسئوليتي بيع الأشياء في البقالة وتوصيل الولد الأكبر للحضانة والعمل معه وتجهيز وجبات الأكل في البيت وتنظيف البيت، يساعدني أحياناً ولكن لا يعمل دون أن يذكرني بأن هذا عملي وواجب علي فعله.
هل أستطيع أن أرفض الخروج للعمل وأن أبقى في البيت وأن يقوم هو بالإنفاق علي؟ أم يجب أن أطيع زوجي بما أنه لم يطلب مني أن أفعل شيئاً محرماً؟
تعبت من محاولة إقناعه بأن مكاني في البيت وأنه يجب أن يراعي احتياجاتي ولكنه دائما غير راض عن عملها.
آسف على الإطالة، ولكن هذه مشكلة عامة عند كثير من الأخوات وهي سلبهم حقوقهم التي أعطاهم الله إياها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جعل الله تعالى القِوامة للرجل على المرأة لأمرين: إحداهما موهبة من الله والآخر مكتسب من قِبَل الرجل، قال الله تعالى: (الرجال قوَّامون على النساء بما فضَّل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم) النساء/34.
وتفضيل الله تعالى جنس الرجل على جنس المرأة بالعقل والتدبير والقوة مما لا يُجادل فيه، وهو الأمر الوهبي، وأما الكسبي فهو نفقة الزوج على الزوجة وهو من الواجبات، وهو دليل على قوامته عليها.
عن جابر رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ". رواه مسلم (1218) .
قال النووي رحمه الله: فيه وجوب نفقة الزوجة وكسوتها، وذلك ثابت بالإجماع. " شرح مسلم " (8 / 184) .
ومن أسباب وجوب النفقة على الزوج أن الزوجة محبوسة عن التكسب بسبب ما عليها من واجبات تجاه زوجها وأولادها وبيتها.
قال البخاري رحمه الله: وجوب النفقة على الأهل والعيال.
وروى حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم " أفضل الصدقة ما ترك غنى، واليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول " البخاري (1426) ومسلم (1034) .
قال الحافظ ابن حجر:
الظاهر أن المراد بالأهل في الترجمة الزوجة … ومن جهة المعنى أنها محبوسة عن التكسب لحق الزوج، وانعقد الإجماع على الوجوب. " الفتح " (9 / 625) .
فالواجب على الزوج أن يتقي الله ربه، وأن يحافظ على من ائتمنه الله عليه من الزوجة والأبناء، ولا يحل له أن يحمِّل زوجته ما لا طاقة لها به، وليس عليها العمل والنفقة على البيت وعليه، بل النفقة واجبة عليه هو حتى لو كانت غنية.
ودور المرأة في بيتها دور عظيم فهي التي تقوم على حفظه والعناية به، وتقوم بحق الزوج من تجهيز البيت من حيث النظافة والترتيب، وعمل الطعام، والقيام على الأبناء وغير ذلك من الأعمال الكثيرة والكبيرة.
ولا يجب على المرأة العمل خارج البيت وخاصة إذا كان في خروجها تعريض لها للخلطة بالأجانب والتفريط أو التقصير في واجبات المنزل والأبناء.
فالنفقة واجبة بالإجماع – كما سبق – على الزوج، فعليه أن يعلم هذا، وأن يجعل المرأة مصونة محفوظة في بيتها لتقوم بما أوجبه الله تعالى عليها.
وانظري جواب السؤال رقم (5591) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6775)
عمل المرأة سكرتيرة في مكتب للرجال
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل سكرتيرة في شركة ومكتبي فيه رجال واختلاط بين الجنسين فما حكم عملي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فالاختلاط بين الرجال والنساء محرم، وفي السؤال رقم (1200) من هذا الموقع تجدين الأدلة على ذلك من الكتاب والسنة، بل وبعض الدراسات المعاصرة تثبت خطورة الاختلاط وآثاره السيئة، حتى على الشريفات العفيفات، والقصص والشواهد الواقعية في القديم والحديث، كثيرة لا يتسع المقام لذكرها، ومهما وثق الشخص في نفسه ـ ولا ينبغي له أن يثق ـ فإنه لا يثق في الشيطان.
وكم من حوادث الزنا والتحرش الجنسي قد وقعت في أماكن العمل المختلط حتى أدرك الكفار هذا وعملوا الدراسات والإجراءات لمعالجته بلا فائدة واضحة، لأن الأصل فاسد وهو السماح بالاختلاط بين الجنسين وقد اضطرت شركات قطارات الأنفاق إلى تخصيص عربات خاصة للنساء خصوصاً في الأوقات المتأخرة من الليل، وحوداث طلاق المدراء والرجال من زوجاتهم لأجل علاقاتهم بسكرتيراتهم مشهورة جداً، وحوداث الزنا داخل المكاتب مشهورة في أماكن الاختلاط بل إن السكرتيرة تُتخذ في بعض الشركات وسيلة ترفية للمدير والمسئول ونحوهما نسأل الله العافية.
والله يوفقنا وإياك لما يحب ويرضى.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/6776)
حكم عمل الخادمات في البيوت وهل هن إماء؟!
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلم إندونيسي، وأريد فتوى في عمل النساء في الشرق الأوسط.
هل النساء اللاتي يعملن في البيوت ويسكنَّ في البيوت يعتبرن من الإماء؟
من المهم جدّاً أن نعرف عن حالة النساء العاملات لأن هذا الموضوع يستغله بعض الكفار ليشوهوا صورة الإسلام هنا. أرجو أن ترفق فتوى من بعض العلماء أو المنظمات.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الخدم الذين يعملون في البيوت لا يأخذون حكم الأرقاء والإماء، بل حكمهم حكم الأجير الخاص الذي استُؤجر ليعمل عند المستأجِر فقط، كالموظف.
وقد تقدم الكلام عن الخادمات وحكم إحضارهن من بلادهن، والمحاذير التي يقع فيها أهل البيوت التي تعمل فيها الخادمات، وذلك عند الجواب على السؤال رقم (26282) .
ثانياً:
ما يقع من ظلم من بعض أصحاب البيوت لهؤلاء الخدم، أمر لا يقره الإسلام بل ينهى عنه ويحذر منه، ولا يجوز أن يتخذ من ذلك وسيلة للطعن في الإسلام أو تشويه صورته، لأن هذه أخطاء من بعض المسلمين وقد حرمها الإسلام نفسه.
روى البخاري (30) ومسلم (1661) عن أَبي ذَرٍّ قَالَ: سَابَبْتُ رَجُلًا فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَبَا ذَرٍّ، أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ؟ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ! إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ؛ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ. فإذا كان هذا عدل الإسلام مع العبيد الذين هم ملك للإنسان، فكيف يكون الحال مع الخدم الذين لا يملكهم، وإنما استأجرهم للعمل فقط؟!
ثالثاً:
هؤلاء الخدم من النساء لا يجوز الخلوة بهن ولا النظر إليهن لأنهن أجانب عن الرجال من أهل البيت.
وكذلك الخدم من الرجال أجانب عن أهل البيت فلا يجوز للنساء الكشف عليهم ولا الخلوة بهم.
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله -:
ما حكم مقابلة الخدم والسائقين، وهل يعتبرون في حكم الأجانب، علما بأن والدتي تطلب مني الخروج أمام الخدم وأن أضع على رأسي إشارب، فهل يجوز هذا في ديننا الحنيف الذي أمرنا بعدم معصية أوامر الله عز وجل؟
فأجاب:
السائق والخادم حكمهما حكم بقية الرجال يجب التحجب عنهما إذا كانا ليسا من المحارم، ولا يجوز السفور لهما ولا الخلوة بكل واحد منهما لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما "، ولعموم الأدلة في وجوب الحجاب وتحريم التبرج والسفور لغير المحارم ولا تجوز طاعة الوالدة ولا غيرها في شيء من معاصي الله.
" التبرج وخطره " للشيخ ابن باز.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6777)
حكم عمل المرأة في محل للبيع والشراء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم عمل البنات في (البازارات) في بيع كل من: أوراق البردي - خرطوشة تعلق في سلسلة أو ميدالية - تماثيل فرعونية - شماغ ـ جلاليب ـ فضيات بعضها مكتوب عليه آيات قرآنية، وبعضها مرسوم عليه فراعنة. خصوصاً إذا تجنبت بيع التماثيل أو المرسوم عليه فراعنة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يجوز للمرأة أن تبيع وتشتري وتقرض وتساهم وتجري ما يجريه الرجل من المعاملات المباحة، هذا هو الأصل؛ لقوله تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) البقرة/ 275، وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) النساء/29، وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ) البقرة/282، فهذا عام في الرجال والنساء، وقد كانت النساء في الصدر الأول يبعن ويشترين من غير نكير.
ثانيا:
يجب على المرأة أن تلتزم بالحجاب الشرعي، حيث وجد الرجال الأجانب عنها (غير المحارم) ، كما يحرم عليها أن تظهر زينتها، أو تخرج متعطرة بحيث يُشمُّ ريحها، أو تختلط بالرجال اختلاطا يدعو للفساد والمنكر، أو أن تسافر بغير محرم، ولا فرق في ذلك بين من تريد التجارة، ومن لا تريدها، فهذه أحكام عامة تخاطب بها كل مؤمنة بالله ورسوله.
وراجع جواب السؤال رقم: (6991) ، (1200) .
ثالثا:
يحرم بيع التماثيل، والدخان، والملابس التي عليها صور، وما فيه تعظيم للكفار كصورهم وأعلامهم وشعاراتهم، أو ما فيه إعانة لهم أو للفساق على منكرهم وباطلهم، كملابس التبرج مثلا، وهذا عام في الرجال والنساء، ليس لواحد منهما أن يبيع ذلك. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "شرح العمدة" (4/386) : " وكل لباس يغلب على الظن أنه يستعان به على معصية، فلا يجوز بيعه وخياطته لمن يستعين به على المعصية والظلم " انتهى.
وانظر جواب السؤال: (32730) .
رابعا:
تكره كتابة الآيات القرآنية على الأواني والأدوات والهدايا، خشية تعريضها للامتهان، ومس الحائض والجنب، وعليه فيكره بيعها أيضا.
قال في "الفروع" (4/172) : " وقال أبو المعالي: يكره كتابة القرآن على الدراهم عند الضرب". [أي صناعتها من الفضة] .
خامسا:
إذا تقرر هذا؛ فلا حرج على المرأة أن تعمل في مجال البيع والشراء، إذا التزمت بالحجاب الشرعي، وتجنبت التبرج والسفور والاختلاط وبيع المحرمات، ولم يكن في وقوفها في المحل فتنة لها أو بها.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
ما حكم المرأة أن تكون تاجرة سواء كانت مسافرة أو مقيمة؟
فأجابوا: "الأصل إباحة الاكتساب والاتجار للرجال والنساء معا في السفر والحضر؛ لعموم قوله سبحانه: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) وقوله صلى الله عليه وسلم لما سئل أي الكسب أطيب؟ قال: (عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور) ولما هو ثابت أن النساء في صدر الإسلام كن يبعن ويشترين باحتشام وتحفظ من إبداء زينتهن، لكن إذا كان اتجار المرأة يعرضها لكشف زينتها التي نهاها الله عن كشفها، كالوجه، أو لسفرها بدون محرم، أو لاختلاطها بالرجال الأجانب منها على وجه تخشى فيه فتنة، فلا يجوز لها تعاطي ذلك، بل الواجب منعها؛ لتعاطيها محرما في سبيل تحصيل مباح " انتهى.
فتاوى اللجنة الدائمة (13/16) .
وسئلوا أيضاً (13/17) : عندي زوجة وترغب أنها تزاول البيع والشراء يوم الخميس في سوق يجمع الرجال والنساء، وهي محتشمة فهل يجوز لي ذلك؟
فأجابوا: " يجوز لها أن تذهب إلى السوق لتبيع وتشتري إذا كانت في حاجة إلى ذلك، وكانت ساترة لجميع بدنها بملابس لا تحدد أعضاءها ولم تختلط بالرجال اختلاط ريبة. وإن لم تكن في حاجة إلى ذلك البيع والشراء فالخير لها أن تترك ذلك " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6778)
حكم ولاية المرأة للقضاء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمرأة أن تكون قاضية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ذهب جمهور العلماء إلى أنه لا يجوز للمرأة أن تتولى القضاء , ولو ولِّيت أثم المولي , وتكون ولايتها باطلة , وحكمها غير نافذ في جميع الأحكام , وهو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة , وبعض الحنفية.
انظر: "بداية المجتهد" (2/531) , "المجموع" (20/127) , "المغني" (11/350) .
واستدلوا على ذلك بجملة من الأدلة:
1- قول الله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) النساء/34. فالرجل قيم على المرأة , بمعنى أنه رئيسها وكبيرها والحاكم عليها , فالآية تفيد عدم ولاية المرأة , وإلا كانت القوامة للنساء على الرجال , وهو عكس ما تفيده الآية.
2- قوله تعالى: (وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) البقرة/228.
فمنح الله تعالى الرجال درجة زائدة على النساء , فتولي المرأة لمنصب القضاء ينافي الدرجة التي أثبتها الله تعالى للرجال في هذه الآية لأن القاضي حتى يحكم بين المتخاصمين لا بد أن تكون له درجة عليهما.
3- وعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ قَدْ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بِنْتَ كِسْرَى قَالَ: (لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً) رواه البخاري (4425) .
استدل الفقهاء بهذا الحديث على عدم جواز تولي المرأة القضاء , لأن عدم الفلاح ضرر يجب اجتناب أسبابه , والحديث عام في جميع الولايات العامة , فلا يجوز أن تتولاها امرأة , لأن لفظ (أمرهم) عام فيشمل كل أمر من أمور المسلمين العامة.
قال الشوكاني رحمه الله:
" فليس بعد نفي الفلاح شيء من الوعيد الشديد , ورأس الأمور هو القضاء بحكم الله عز وجل , فدخوله فيها دخولاً أولياً " انتهى.
"السيل الجرار" (4/273) .
وقالت لجنة الفتوى بالأزهر:
" إن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يقصد بهذا الحديث مجرد الإخبار عن عدم فلاح القوم الذين يولون المرأة أمرهم , لأن وظيفته عليه الصلاة والسلام: بيان ما يجوز لأمته أن تفعله حتى تصل إلى الخير والفلاح , وما لا يجوز لها أن تفعله حتى تسلم من الشر والخسارة , وإنما يقصد نهي أمته عن مجاراة الفرس في إسناده شيء من الأمور العامة إلى المرأة , وقد ساق بأسلوب من شأنه أن يبعث القوم الحريصين على فلاحهم وانتظام شملهم على الامتثال وهو أسلوب القطع بأن عدم الفلاح ملازم لتولية المرأة أمراً من أمورهم , ولا شك أن النهي المستفاد من الحديث يمنع كل امرأة في أي عصر من العصور أن تتولى أي شيء من الولايات العامة , وهذا العموم تفيده صيغ الحديث وأسلوبه " انتهى.
4- وأيضاً: طبيعة المرأة وتكوينها تمنع من تولي المرأة الولايات العامة.
قالت لجنة الأزهر للفتوى بعد ذكر الاستدلال من الحديث:
" وهذا الحكم المستفاد من هذا الحديث , وهو منع المرأة من الولايات العامة ليس حكما تعبديا , يقصد مجرد امتثاله , دون أن تعلم حكمته , وإنما هو من الأحكام المعللة بمعان واعتبارات لا يجهلها الواقفون على الفروق بين نوعي الإنسان – الرجل والمرأة – ذلك أن هذا الحكم لم يُنَطْ (أي: يعلق) بشيء وراء الأنوثة التي جاءت كلمة (امرأة) في الحديث عنواناً لها , وإذن فالأنوثة وحدها هي العلة. . . إن المرأة بمقتضى الخلق والتكوين مطبوعة على غرائز تناسب المهمة التي خلقت لأجلها , وهي مهمة الأمومة , وحضانة النشء وتربيته , وهذه قد تجعلها ذات تأثر خاص بدواعي العاطفة , وهي مع هذا تعرض لها عوارض طبيعية تتكرر عليها في الأشهر والأعوام من شأنها أن تضعف قوتها المعنوية , وتوهن عزيمتها في تكوين الرأي والتمسك به , والقدرة على الكفاح والمقاومة في سبيله , وهذا شأن لا تنكره المرأة نفسها , ولا تعوزنا الأمثلة الواقعية التي تدل على أن شدة الانفعال والميل مع العاطفة من خصائص المرأة في جميع أطوارها وعصورها " انتهى.
5- وأيضاً: التجربة العملية لبعض الدول تدل على أن المرأة لا تصلح لتولي منصب القضاء , وأن الشرع لما نهى عن تولي المرأة الولايات العامة جاء بما يحقق المصالح ويدفع المفاسد؛ بما لا يراه ولا يعلمه أصحاب النظر القاصر.
ففي إحدى الدول الإسلامية فتحت وزارة العدل أبواب القضاء أمام النساء النابغات , ولكن بعد تجربة خمس سنوات عزلت جميع هؤلاء النساء القاضيات!! وأغلقت أمام المرأة أبواب المعهد العالي للقضاء بسب فشلهن في التجربة , رغم ما أتيح لهن من فرص التعليم والتدريب، ورغم ما حصلن عليه من درجات تفوق الرجال في المجال النظري.
وفي دولة إسلامية أخرى فتح مجال القضاء للنساء ثم اضطرت الدولة بعد فشلهن أن تنقلهن من المحكمة إلى المجال الفني وقسم البحوث.
وهذا يدل على أن المرأة ليست أهلاً للقضاء.
6- وأيضاً: لأن القاضي مطالب بالحضور في محافل الرجال والاختلاط بالخصوم والشهود وقد يحتاج إلى الخلوة بهم , وقد صان الشرع المرأة , وحفظ لها شرفها وعرضها , وحفظها من عبث العابثين , وأمرها بلزوم بيتها , وعن الخروج منه إلا لحاجة , ومنعها من مخالطة الرجال والخلوة بهم لما في ذلك من خطر على كيان المرأة وعرضها.
7- وأيضاً: القضاء يحتاج إلى زيادة الذكاء والفطنة وكمال الرأي والعقل , والمرأة أنقص من الرجل في ذلك , وهي قليلة الخبرة بأمور الحياة وحيل الخصوم.
إضافة على ذلك: ما يعرض لها من عوارض طبيعية على مر الأيام والشهور والسنين من الحيض والحمل والولادة والرضاع. . . إلخ مما يوهن جسمها , ويؤثر على كمال إدراكها للأمور , مما يتنافى مع منصب القاضي ومكانته.
انظر: "ولاية المرأة في الفقه الإٍسلامي" (ص 217-250) رسالة ماجستير للباحث حافظ محمد أنور.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6779)
الدين لا ينقسم إلى ثوابت ومتغيرات
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن تقسيم الدين إلى ثوابت ومتغيرات؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد ...
فقد صرنا نسمع أخيراً من يقول: إن الدين ينقسم إلى ثوابت ومتغيرات، وهذه عبارة لا وجود لها فيما نعلم في كلام أهل العلم، لأن دين الله كله ثوابت فما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بعد ما أكمل الله به الدين واستقرت الأحكام فلا تبدل ولا تغير إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وليس لأحد صلاحية بعد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبدل أو يغير، قال الله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً) المائدة/3، فالدين برخصه وعزائمه قد استقر وثبت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فلا يغير منه شيء ولا يزاد فيه ولا ينقص منه: (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد) فصلت/42، وهذه الكلمة: الثوابت والمتغيرات، التي تجري على ألسنة بعض طلبة العلم ربما يستغلها أصحاب الأهواء في محاولة بعض الأحكام التي لا تتوافق مع رغباتهم وأهوائهم التي قال الله تعالى فيها: (ولو اتبع الحق أهوائهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن) المؤمنون/71، وإن كان لهذه الكلمة التي قد يقولها بعض الطلبة من محمل صحيح فهم يريدون اجتهادات العلماء فيما لم يرد فيه نص، فإن اجتهاد المجتهد قد يتغير من حين لآخر حسبما يظهر له من الأدلة في كل وقت وفي حق كل نازلة وقد قال عمر رضي الله عنه لما اختلف اجتهاده في قضية ميراث: (ذاك فيما قضينا، وهذا فيما نقضي) واجتهاد المجتهد، إنما هو رأيه ولا يقال إنه هو حكم الله، بل قد يوافق حكم الله وقد يخالفه وكل يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم واجتهادات المجتهدين لا تنقسم إلى ثوابت ومتغيرات لأنها كلها قابلة للتغيير متى ثبت أنها مخالفة للدليل، أما أحكام الله ودينه فإنها لا تقبل التغيير ولا التبديل فيجب على طلبة العلم أن يتحفظوا في كلامهم ولا يدعوا فيه مجالاً لأهل الأهواء والنزعات الباطلة لأنهم يتكلمون بلسان العلماء ويحتج بقولهم في أمور الدين، وفق الله الجميع للعلم النافع والعمل الصالح، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ صالح بن فوزان الفوزان عضو هيئة كبار العلماء، وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء.(5/6780)
هل يجوز عمل المرأة مسوِّقة منتوجات على الهاتف؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك شركات أجنبية في المغرب تمتلك شركات أجنبية في الغرب وتقوم هذه الشركات التي في المغرب بخدمة زبائن الشركات التي في الغرب عبر الهاتف حيت إنها - الشركات التي في المغرب- إما أن يتصل بها الزبائن الغربيون غالبا لقضاء حاجتهم أو أن تتصل هي بمواطن يوجد بالضرورة في الغرب - أوربا - لتبيع منتجاتها عبر الهاتف بمحاولة إقناع الموظف للمواطن، وهم - أي: الشركات - يسوِّقون مختلف المنتوجات والخدمات مثل الهاتف النقال، والإنترنت، والتأمين، والكمبيوتر ... الخ.
هذه الشركات بدأت تتكاثر بسرعة هائلة والشباب - حتى الشابات - يتهافتون على أبوابها لأنها تعطي راتباً جيِّداً، والحكومة أيضا تساعد على ذلك (خصصت تكويناً خاصّاً يدوم شهرين) علما أن الفتنة منتشرة في مثل هذه الشركات - تبرج النساء -.
ما هو حكم العمل فيها حلال أم حرام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للرجل ولا للمرأة العمل في أماكن يختلط فيه النساء والرجال، ومفاسد الاختلاط كثيرة، وهي من أعظم طرق الشيطان للإيقاع بالمسلم في الفواحش والرذائل، ولهذا سدَّ الشرع المطهَّر أمام المسلم الطرق التي تؤدي به للوقوع في الحرام.
وقد ذكرنا تحريم الاختلاط في جواب السؤال رقم (1200) وذكرنا شواهد لعاملات تعرضن لمضايقات وتحرشات، وهو ما يؤكد أن ما جاء به الشرع من تحريم الاختلاط هو الذي يحفظ على المرأة حياءها وعفافها، وهو الذي يحفظ الرجل من إطلاق بصره، ويحفظ له نفسه أن تؤدي به إلى مهاوي الردى.
ولا مانع من عمل المرأة إن كانت مع نساء مثلها، أو كانت وحدها وترد على الزبائن أو تتصل بهم لعرض بضاعة شركتها ومؤسستها على أن تلتزم الأدب في الكلام فلا تخضع بالقول مع الرجال؛ لقول الله تعالى: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً) الأحزاب/32.
وانظر جواب السؤال رقم (27304) وفيه بيان حكم مخاطبة النساء في العمل، وجواب السؤال رقم (20140) وفيه بيان حكم عمل المرأة سكرتيرة في مكتب للرجال.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6781)
هل يجوز للأب إجبار ابنته على العمل في مكان مختلط؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن للوالد إجبار ابنته على العمل في وسط مختلط؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
العمل في الأماكن المختلطة لا يسلم من الوقوع في الحرام، نظرا أو خلوة أو ميلاً قلبياً، ولهذا أفتى العلماء بتحريمه مراعاة لغالب الحال، جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (12/156) :
(الاختلاط بين الرجال والنساء في المدارس أو غيرها من المنكرات العظيمة، والمفاسد الكبيرة في الدين والدنيا، فلا يجوز للمرأة أن تدرس أو تعمل في مكان مختلط بالرجال والنساء، ولا يجوز لوليها أن يأذن لها بذلك.
وبناء على ذلك فليس للأب أن يجبر ابنته على العمل المختلط، وإذا أجبرها على ذلك لم تجب طاعته، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا طاعة في معصية إنما الطاعة في المعروف" رواه البخاري 7257، ومسلم1840.
وعلى البنت أن تبين لأبيها مخاطر العمل المختلط وحرمته، وأن تذكره بواجبه في حفظ أهله ووقايتهم من النار، وذلك بالأسلوب الحكيم والموعظة الحسنة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6782)
هل يجوز لها العمل في مكتب وحدها لاستقبال الزبائن؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في مكتب يملكه والدي حيث لا يعمل هنا إلا أنا ووالداي وأخي، وعادة ما يكون والداي بعيدين عن المكتب في ساعات الصباح، ويقع مراراً أن يضطر أخي للخروج لإنهاء مهام معينة، ويتركني وحدي لفترات طويلة، أنا أعمل في مكتب الاستقبال، مما يستوجب عليَّ مقابلة الزبائن، أنا أرتدي ملابس مناسبة تتمثل في عباءة ونقاب وقفازين ... إلخ. وسؤالي هو: هل يجوز لي أن أبقى في المكتب وحدي عندما يخرج أخي منه؟ لقد أخبرت والداي باعتراضي على هذا الوضع لكنهما لا يقبلان بأن هذا الوضع خاطئ، أرجو منك النصيحة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا مانع من أن تعمل المرأة عملاً مباحاً وفي ظروف شرعية، فإذا كان عملها في بيع وشراء وتصنيع محرمات، أو كانت ظروفه غير شرعية كوجود الاختلاط مع الرجال أو الخلوة المحرمة - سواء مع موظف أو مع زبون -: فإن عملها يكون محرَّماً.
وعملكِ مع أهلكِ شرعي ليس فيه محذور، لكنَّ بقاءكِ وحدك في مكتب الاستقبال يعرضكِ للوقوع في المحذور وهو الخلوة المحرمة؛ وذلك باحتمال دخول رجل عليكِ وحده، وهي الخلوة التي نهى عنها الشارع.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم) . رواه البخاري (1763) ومسلم (1341) .
قال الحافظ ابن حجر:
"قوله: (ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم) فيه منع الخلوة بالأجنبية، وهو إجماع , لكن اختلفوا هل يقوم غير المحرم مقامه في هذا كالنسوة الثقات؟ والصحيح: الجواز لضعف التهمة به " انتهى.
" فتح الباري " (4 / 77) .
وقال النووي:
"وأما إذا خلا الأجنبي بالأجنبية من غير ثالث معهما: فهو حرام باتفاق العلماء , وكذا لو كان معهما من لا يستحي منه لصغره كابن سنتين وثلاث ونحو ذلك , فإن وجوده كالعدم , وكذا لو اجتمع رجال بامرأة أجنبية فهو حرام، بخلاف ما لو اجتمع رجل بنسوة أجانب , فإن الصحيح جوازه " انتهى.
" شرح مسلم " (9 / 109) .
فالذي يجب على أهلكِ هو الاستجابة لحكم الشرع في عدم بقائك وحدك في المكتب لاستقبال الناس، وقد ذكرنا أنه يجوز لك العمل معهم بشرط التزامك بالحجاب الكامل، وكون العمل مباحاً في نفسه، ولا يكون اختلاط محرم ولا خلوة، ثم إن في بقائكِ وحدك خطراً عليكِ من الناحية الأمنية؛ لكثرة السفهاء الذين يتصيدون فرائسهم في الأسواق والمكاتب ويبحثون عن فرصٍ كهذه تكون المرأة فيه في مكان وحدها، وقد رأينا وسمعنا عن تعديهم على النساء في الأماكن العامة وفي وضح النهار فكيف بهذه؟! فنسأل الله أن يتمم عليكِ ستره، وأن يحفظكِ من الشر والسوء، ولا بدَّ لكِ ولأهلك من الأخذ بالأسباب لحفظ النفس.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6783)
يمتلك مقهى يختلط فيه الرجال بالنساء
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل يمتلك مقهى من النوع الممتاز، يدخلها رواد مختلطون من الرجال والنساء ويشعر بعدم الارتياح إزاء هذا الاختلاط مخافة أن يكون ريع هذا المقهى يدخل في نطاق المحرمات أو الشبهات المنهي عنها شرعا، رغم أنه قد فرض على العاملين فيه عدم بيع أي مواد محرمة شرعا بما في ذلك بيع السجائر وحرم على الرواد القيام بممارسات مخلة بالآداب الإسلامية، ونريد إذا أمكن ذلك أن تتفضلوا بإنارة الطريق لنا في هذا المضمار وذلك بالاستشهاد ببعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية حتى تصفو النفس ويطمئن القلب ونجتنب الوقوع في المعصية ونلقى ربنا وهو راض عنا، ونرجو أن تكون الإجابة مستفيضة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد أحسن هذا المالك بمنع بيع المواد المحرمة، في مقهاه، ومن ذلك منعه بيع السجائر، وكذلك منعه للممارسات المخلة بالآداب الإسلامية، فجزاه الله خيرا.
لكن بقي عليه أن يمنع الاختلاط؛ لما فيه من الشر والفساد والفتنة. وقد دل الكتاب والسنة على تحريم الاختلاط، ومن ذلك:
قوله سبحانه: (وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن) الأحزاب/53
قال ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية: (أي وكما نهيتكم عن الدخول عليهن كذلك لا تنظروا إليهن بالكلية ولو كان لأحدكم حاجة يريد تناولها منهن فلا ينظر إليهن ولا يسألهن حاجة إلا من وراء حجاب) .
وقال القرطبي رحمه الله: (في هذه الآية دليل على أن الله تعالى أذن في مسألتهن من وراء حجاب في حاجة تعرض، أو مسألة يستفتين فيها، ويدخل في ذلك جميع النساء بالمعنى، وبما تضمنته أصول الشريعة من أن المرأة كلها عورة) .
وقال تعالى: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً) الأحزاب/32
فإذا جاء التحذير من الخضوع بالقول لئلا يطمع من في قلبه مرض، فكيف بجلوس الرجال مع النساء الكاسيات العاريات، المائلات المميلات، وتبادل الحديث فيما بينهم، فهذه تتكلم، وأخرى تضحك، وثالثة تتمايل وتنظر، فأي فتنة أعظم من ذلك؟! وأي قلب عسى أن يسلم من المرض مع ذلك؟!
وقد راعى النبي صلى الله عليه وسلم منع اختلاط الرّجال بالنساء حتى في أحبّ بقاع الأرض إلى الله وهي المساجد وذلك بفصل صفوف النّساء عن الرّجال، والمكث بعد السلام حتى ينصرف النساء، وتخصيص باب خاص في المسجد للنساء. والأدلّة على ذلك ما يلي:
1. عن أم سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَلَّمَ قَامَ النِّسَاءُ حِينَ يَقْضِي تَسْلِيمَهُ وَمَكَثَ يَسِيرًا قَبْلَ أَنْ يَقُومَ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأُرَى - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ مُكْثَهُ لِكَيْ يَنْفُذَ النِّسَاءُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُنَّ مَنْ انْصَرَفَ مِنْ الْقَوْمِ" رواه البخاري رقم (793) .
2. وعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَوْ تَرَكْنَا هَذَا الْبَابَ لِلنِّسَاءِ) قَالَ نَافِعٌ: فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ ابْنُ عُمَرَ حَتَّى مَاتَ" رواه أبو داود 462 وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
3. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا) . رواه مسلم (664)
هذا من أعظم الأدلة على منع الشريعة للاختلاط، وأنه كلّما كان الرّجل أبعد عن صفوف النساء كان أفضل وكلما كانت المرأة أبعد عن صفوف الرّجال كان أفضل لها.
وإذا كانت هذه الإجراءات قد اتّخذت في المسجد وهو مكان العبادة الطّاهر فاتّخاذها في غيره ولا شكّ من باب أولى.
4. وقد روى أَبو أُسَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ الْمَسْجِدِ فَاخْتَلَطَ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنِّسَاءِ: (اسْتَأْخِرْنَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ (تَسِرْن وسط الطريق) عَلَيْكُنَّ بِحَافَّاتِ الطَّرِيقِ) فَكَانَتْ الْمَرْأَةُ تَلْتَصِقُ بِالْجِدَارِ حَتَّى إِنَّ ثَوْبَهَا لَيَتَعَلَّقُ بِالْجِدَارِ مِنْ لُصُوقِهَا بِهِ. رواه أبو داود (5272) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود.
وانظر تفصيل الكلام على خطر الاختلاط، في جواب السؤال رقم (1200)
وإذا كان الاختلاط محرما، فإن صاحب المقهى آثم بإقراره، وسكوته عن إنكاره، وبإعانة هؤلاء على المعصية بتوفير المكان لهم الذي يعصون الله تعالى فيه.
فالواجب عليه أن يتقي الله ولا يكون عوناً على نشر الفساد بين المؤمنين، ويحرص على طيب مطعمه، فإن (كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به) ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به" رواه الطبراني وأبو نعيم عن أبي بكر، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 4519
ورواه الترمذي (614) من حديث كعب بن عجرة بلفظ (إنه لا يربو لحم نبت من سحت إلا كانت النار أولى به)
فإن استطاع أن يمنع الاختلاط فهذا هو الواجب، أو ليقصر المقهى على الرجال فقط، وإلا فليبحث عن عمل آخر مباح، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6784)
تريد العمل وخطيبها يرفض
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مخطوبة منذ ثلاث سنوات، وخلال تلك السنوات تطورت الخلافات بيني وبين خطيبي مع أن أغلبها أشياء بسيطة، ولكن هناك مشكلة دائماً نتشاجر عليها وهي عملي بعد الزواج، يصر خطيبي أنه يحرم على المرأة أن تعمل بعد الزواج فقط لرغبة في العمل وليس للحاجة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا بد من التنبيه إلى قول الأخت السائلة أنها " مخطوبة " ومنذ ثلاث سنوات، والذي يظهر أنها تجلس مع خطيبها وتحادثه ولعله يختلي بها، وأنها قالت إنها تتشاجر معه على عملها بعد " الزواج ".
وقد انتشر بين الناس كلام المخطوبين معا وخروجهم سويّاً قبل إتمام عقد الزواج، وهذا لا شك أنه محرَّم، فلم يُؤذن للخاطب أكثر من رؤية مخطوبته، وحرم عليه خلوته بها ومصافحته لها، فهي أجنبية عنه إلا أن الشرع أباح له النظر حتى يعزم الخطبة.
وبعض الناس يطلق على الزواج الذي عقد على زوجته ولكنه لم يدخل بها أنه " خاطب " فإنه كان الأمر كذلك، فأنتما زوجان ولزوجك مصافحتك والخلوة بك والسفر معك، فإن لم بينكما عقد فهذه اللقاءات محرمة.
ثانياً:
إن وظيفة المرأة التي تليق بها وتتناسب مع طبيعتها هي أن تقرَّ في بيتها , وتقوم بشؤونه وشؤون زوجها وأولادها إذا رزقها الله تعالى بأولاد، وهو عمل عظيم ليس بالهيِّن، أما العمل خارج البيت فلا يتناسب مع طبيعتها أصلاً , ولكن إذا احتاجت إليه فلها أن تمارس منه ما كان أقرب لطبيعتها وأليق بحالها , مع الالتزام بشرع الله تعالى في التستر وحفظ البصر وعدم الاختلاط المحرم بالرجال ونحو ذلك.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
من المعلوم بأن نزول المرأة للعمل في ميدان الرجال يؤدي إلى الاختلاط المذموم والخلوة بهن , وذلك أمر خطير جدّاً له تبعاته الخطيرة , وثمراته المرة , وعواقبه الوخيمة , وهو مصادم للنصوص الشرعية التي تأمر المرأة بالقرار في بيتها والقيام بالأعمال التي خصها وفطرها الله عليها مما تكون فيه بعيدة عن مخالطة الرجال.
والأدلة الصريحة والصحيحة الدالة على تحريم الخلوة بالأجنبية وتحريم النظر إليها وتحريم الوسائل الموصلة إلى الوقوع فيما حرم الله أدلة كثيرة محكمة قاضية بتحريم الاختلاط المؤدي إلى ما لا تحمده عقباه , منها قوله تعالى: {وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا. واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا} وقال تعالى: {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما} ، وقال الله جل وعلا: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون. وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن} .
وقال صلى الله عليه وسلم: " إياكم والدخول على النساء " - يعني الأجنبيات - قيل: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ فقال: " الحمو الموت "، ونهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الخلوة بالمرأة الأجنبية على الإطلاق وقال: " إن ثالثهما الشيطان "، ونهى عن السفر إلا مع ذي محرم سدّاً لذريعة الفساد وغلقاً لباب الإثم , وحسماً لأسباب الشر , وحماية للنوعين من مكائد الشيطان , ولهذا صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " اتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كان في النساء "، وقال عليه الصلاة والسلام " ما تركت بعدي في أمتي فتنة أضر على الرجال من النساء ".
وهكذا الآيات والأحاديث صريحة الدلالة في وجوب الابتعاد عن الاختلاط المؤدي إلى الفساد , وتقويض الأسر , وخراب المجتمعات، وعندما ننظر إلى وضع المرأة في بعض البلدان الإسلامية نجدها أصبحت مهانة مبتذلة بسبب إخراجها من بيتها وجعلها تقوم في غير وظيفتها , لقد نادى العقلاء هناك وفي البلدان الغربية بوجوب إعادة المرأة إلى وضعها الطبيعي الذي هيأها الله له وركبها عليه جسميا وعقليا , ولكن بعد ما فات الأوان.
وفي ميدان عمل النساء في بيوتهن وفي التدريس وغيره مما يتعلق بالنساء ما يغنيهن عن التوظيف في ميدان عمل الرجال.
عن كتاب " الشيخ ابن باز ومواقفه الثابتة " الرد رقم (22) .
وقال الشيخ محمد الصالح العثيمين:
المجال العملي للمرأة أن تعمل بما يختص به النساء مثل أن تعمل في تعليم البنات سواء كان ذلك عملا إداريّاً أو فنيّاً , وأن تعمل في بيتها في خياطة ثياب النساء وما أشبه ذلك , وأما العمل في مجالات تختص بالرجال فإنه لا يجوز لها أن تعمل حيث إنه يستلزم الاختلاط بالرجال وهي فتنة عظيمة يجب الحذر منها , ويجب أن يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أنه قال: " ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء وأن فتنة بني إسرائيل كانت في النساء "، فعلى المرء أن يجنب أهله مواقع الفتن وأسبابها بكل حال.
" فتاوى المرأة المسلمة " (2 / 981) .
ونود من الأخت السائلة النظر في جواب الأسئلة التالية لتزداد علماً وبصيرة: (6666) ، و (1200) ، و (22397) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6785)
حكم دراسة الاقتصاد الربوي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم دراسة الاقتصاد الربوي؟ وما حكم العمل في البنوك الربوية؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"دراسة الاقتصاد الربوي إذا كان المقصود منها معرفة أعمال الربا، وبيان حكم الله في ذلك فلا بأس، أما إن كانت الدراسة لغير ذلك فإنها لا تجوز، وهكذا العمل في البنوك الربوية لا يجوز؛ لأنه من التعاون على الإثم والعدوان، وقد قال الله سبحانه: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (24/39) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6786)
يريد أن يكمل دراسة الاقتصاد ويسأل عن العمل في بنك ربوي، وما هو البديل المباح؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب سنة أولى في الجامعة، تخصصي اقتصاد، وأعمال، ورياضيات، وأفكر - بإذن الله - أن أواصل مشواري المهني في مجال الاقتصاد، ولكنه قد نما إلى مسمعي أن هذا المجال حرام؛ لأنه يتعامل مع الربا، فهل حرام أن أعمل مثلاً في البنك الوطني في إنجلترا؟ وهل من الممكن أن تذكروا خمسة أعمال جائزة وليس فيها شبهة يمكن لمن هذا تخصصه أن يعمل فيها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لتعلم أخي السائل أن إقامة المسلم في دولة غير إسلامية ينطوي على مخاطر كثيرة على دين المسلم وأخلاقه، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها نهياً شديداً، ولجواز إقامة المسلم في تلك البلاد شروط ذكرها العلماء، من أهمها: أن يكون قادراً على إظهار دينه.
ولمزيد الفائدة يراجع جواب السؤال: (13363) و (14235) و (27211) .
ثانياً:
دراسة علم "الاقتصاد" لا بأس به، فإنه علم اجتماعي يبحث في سلوك الأفراد أو الفرد كمنتج أو مستهلك أو مدخر أو مستثمر.. إلخ. ويهدف إلى رفع الكفاءة الإنتاجية والاستغلال الأمثل للموارد المتاحة، وزيادة الإنتاج في المستقبل.
وكذلك علم "إدارة الأعمال" لا بأس به من حيث الأصل، فإنه علم وفن استخدام الموارد المتاحة، في مشروع أو تنظيم ما على أفضل الوجوه الممكنة كَمّا وكيفاً وتكلفةً وزمناً للوصول إلى أهداف محددة.
لكن هناك محاذير في طبيعة كثير من المواد الواقعة تحت بنود تلك الدراسات، وهي التي تتعلق بالربا، والسندات والتأمين، وغيرها، مما لا يجوز العمل به.
وهذا ما يجعل فرص العمل تضيق على من درس هذه العلوم، فأكثر المصانع، والشركات، والمؤسسات تتعامل بالربا، في إيداعها، واقتراضها، وإقراضها.
والربا قد صار ركناً أساسياً من أركان الاقتصاد المعاصر.
وقد سبق بيان تحريم العمل في البنوك الربوية، مهما كان هذا العمل بعيداً عن الربا، وانظر جواب السؤال رقم (26771) و (21113) .
وأما الشركات والمؤسسات التي لها بعض التعاملات المحرمة، غير أن نشاطها في الأصل مباح، فلا حرج من العمل فيها في قسم بعيد عن مباشرة الحرام أو الإعانة عليه.
وانظر جواب السؤال رقم (31781) .
وأما "الرياضيات" فتعلمها وتعليمها أسلم، حيث تختلف في طبيعتها عن "الاقتصاد" و "إدارة الأعمال"، وتختلف تبعاً لذلك طبيعة أعمال الخريجين من كل تخصص، وليس فيها مباشرة للربا أو معاونة عليه.
ومن الأعمال الشرعية التي نقترحها عليك مما يتعلق بالتخصصات المذكورة:
1. العمل في تدريس مادة "الرياضيات".
2. العمل في قسم من أقسام شركة أو مؤسسة نشاطها مباح، وإن كان لها بعض المعاملات المحرمة، كالربا وغيره، بشرط أن يكون هذا القسم الذي تعمل فيه لا علاقة له بالمعاملات المحرمة، ولا يعين عليها.
3. العمل في محل لـ " الصرافة "، بشرط الالتزام بالأخذ والإعطاء يداً بيد، دون تأخير.
4. العمل في أي قسم يتعلق بتخصصك إن كانت الشركة إسلامية، وتتحرى الحلال في عملها.
5. العمل في متابعة ومراجعة أعمال وأنشطة الشركات والمؤسسات ذات الأعمال المباحة.
كما يمكنك القيام بأعمال حرَّة، في البيع والشراء، دون ارتباط بمؤسسة، أو شركة، وهو خير من كل ما ذكرناه؛ لأنك تتحكم بعملك وموافقته للشرع.
ونسأل الله تعالى أن يرزقك رزقاً حسناً، وأن ييسر لك أمرك، ويوفقك لما فيه رضاه.
ولمزيد الفائدة حول دراسة المحاسبة والعمل بمجالها: انظر جواب السؤال رقم: (103181) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6787)
يدخل خدمة الإنترنت إلى مستخدمين لا يعرف فيم يستخدمونه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا صاحب منظومة إنترنت موزع خدمة الانترنت فقط على البيوت ولا أدري ماذا يفتح المستخدمين من المواقع، يعني احتمال يفتحون مواقع إباحية أو غيرها فهل أتحمل ذنباً؟ علماً أن راوتر توزيع النت لا تتيح خدمة مراقبة للمواقع التي يتم فتحها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الإنترنت وغيره مما يمكن استعماله في الأشياء المباحة والنافعة المفيدة، ويمكن استعماله في المحرمات: يجوز بيعه لمن لا يغلب على الظن أنه يستعمله استعمالاً محرماً.
قال شيخ الإسلام رحمه الله:
" كل لباس يغلب على الظن أن يستعان بلبسه على معصية فلا يجوز بيعه وخياطته لمن يستعين به على المعصية والظلم " انتهى.
شرح العمدة (4/386)
وقال الشيخ ابن عثيمين:
" كل عمل مباح تعرف أن صاحبه - أو يغلب على ظنك - أن صاحبه يستعمله في المحرم فلا تفعل " انتهى.
"لقاء الباب المفتوح" (139/21) .
فلا يجوز لك توصيل خدمة الإنترنت لمن تعلم يقينا أو يغلب على ظنك أنه يستخدمه في معصية الله تعالى.
وأما من لم أو يغلب على ظنك تعلم فيم يستخدم الإنترنت؟ فلا يظهر لنا تحريم توصيل الإنترنت له، لأن الأصل صحة البيع وعدم تحريمه، ولم نتيقن أو يغلب على ظنّنا ما يفيد تحريم البيع هنا.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6788)
يعمل سائقا وينقل الزبائن إلى الحانات والنوادي الليلية
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي يعمل سائق تاكسي بكندا، وعليه أن يوصل الزبائن لحانات ونوادي ليلية، كما يقوم أحيانا بإعادتهم من هذه الأماكن. فهل يكون دخله حلالا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يحرم الذهاب إلى الحانات التي يباع فيها الخمر، والنوادي الليلية المشتملة على الفجور والإثم، ولا يجوز إعانة أحد على ذلك، أو حمله في سيارته مجانا أو بأجرة، لما في ذلك من الإعانة على المعصية، وقد تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2.
وعليه؛ فمتى علم زوجك أن الراكب يريد الذهاب إلى مكان محرم، لم يجز له حمله معه.
وكذلك لا ينبغي له أن ينتظر الخارجين من هذه الأماكن المحرمة، لما فيه من الإعانة لهم، وتسهيل ذهابهم وإيابهم، لكن إن أوقفه أحدهم للذهاب إلى بيته أو إلى مكان مباح جاز له حمله، لانتفاء ما ذكرنا من الإعانة على المعصية.
وينظر جواب السؤال رقم (75443) و (10398) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6789)
حكم العمل في شركة نقل مستندات وطرود متنوعة
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أعمل في بنك ربوي لمدة 17 عاماً، وقد وفقني الله تعالى للبعد عن الربا، ولمستُ بنفسي تغييراً مذهلاً في حياتي، ولكن العمل الحلال صعب جدّاً في هذه الأيام، ولم أعثر على عمل منذ 2.5 سنة، وأعول أسرة من خمسة أفراد، والآن هل لي أن أتقدم للعمل في إحدى الشركات العالمية لنقل المستندات والطرود في وظيفة " إدارة مشاكل وشئون العملاء "، والمشكلة أن هذه الشركة تمنع نقل الخمور تماماً داخل حدود البلد الذي أعيش فيه، إلا أنه إذا رغب شخص في نقل زجاجة خمر - مثلاً - إلى بلد آخر: فإن الشركة تقوم بالنقل له، وأيضاً قد تستقبل الشركة طروداً من الخارج قد تحمل هذه المحرمات، وطبعاً سيكون من طبيعة عملي أن أحل المشاكل التي قد تطرأ أثناء عمليات النقل لحين الوصول للعميل. السؤال: هل أستمر في تقديم طلب العمل، أم أقوم بسحبه، علماً بأن نشاط الشركة الأساسي - كما ذكرت - هو نقل المستندات والطرود المختلفة من مكان لآخر؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
العمل في مؤسسات تنقل المستندات والطرود: مباح في ذاته، فإن تخصصت تلك المؤسسة في نقل المحرمات، كنقل مستندات بنوك ربوية، أو نقل الخمور، أو الأفلام، والأغاني: صار العمل فيها محرَّماً لذاته، وإن اختلط الحلال بالحرام: صار الحكم للغالب، مع وجوب تجنب مباشرة الأعمال المحرَّمة.
وعليه؛ فاستمرارك في تقديم طلب العمل في تلك الشركة مرتبط بالأعمال التي سيكون لك الإشراف عليها، وحل مشكلاتها، فما كان منها حراماً لم تقم به، وما كان منها لمستندات وطرود مباحة قمتَ به، فإن كان الأمر سيكون على هذا الشرط، وبذاك القيد: جاز لك التوظف بها، وإلا أثمتَ بقدر ما تباشره من أعمال محرَّمة فيها، كنقل الخمور واستقبالها، ونقل الأفلام والأغاني واستقبالها، ونقل مستندات الربا والتأمين واستقبالها، وهكذا في كل محرَّم يُرسل ويُستقبل في تلك الشركة لك دور في إرساله أو استقباله.
ولا شك أن نقل الخمور من المحرَّمات التي تدخل في التعاون على الإثم والعدوان، ويدخل صاحبها في اللعن الثابت في السنَّة الصحيحة، وهذه الحرمة تنسحب على كل ما حرَّمه الله تعالى.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
رجل لم يتيسر له العمل إلا في مصنع للخمور، أو مستودع لخزنه، أو في دكان أو حانوت لبيعه وتوزيعه، ما مصير المال الذي يكتسبه وينفقه على عياله الوفيري العدد؟
فأجابوا:
"لا يجوز للمسلم أن يشتغل في مصنع للخمور، أو مستودع لخزنه، أو في أي عمل من الأعمال المتعلقة بالخمور، والكسب الذي يتحصل عليه محرم، وعليه أن يبحث عن عمل يكون كسبه حلالاً، وأن يتوب إلى الله سبحانه مما سلف؛ لقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة /2؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الخمر، وشاربها، وساقيها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه، وبائعها، ومشتريها، وآكل ثمنها) – متفق عليه –" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (14 / 411) .
ولا فرق في هذا الحكم بين كون المنقول إليه كافراً أو مسلماً.
فقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
يوجد بعض المدرسين يطلبون من الطلبة بعض المشروبات المحرمة، فهل حملها إلى المدرس وهو كافر حرام أم لا؟ .
فأجابوا:
"لا يجوز للمسلم أن يقدم الخمر لمن يشربها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن حاملها والمحمولة إليه، ولأن هذا من التعاون على الإثم والعدوان الذي نهى الله عنه بقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة /2" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (22 / 97) .
وانظر – للفائدة – جواب السؤال رقم: (10398) .
وننصحك بالحرص على العمل الحلال، والبعد عن الحرام، ونرى أنه سيصعب عليك تجنب المحرمات في تلك الشركة، ونرجو أن يُكرمك الله تعالى بعظيم فضله بعمل خير منه، قال الله تعالى: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ * وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق/ 2، 3، وقد صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مَنْ تَرَكَ شَيْئاً لله عوَّضَه الله خَيْراً مِنْه) صححه الشيخ الألباني رحمه الله في " حجاب المرأة المسلمة " (ص 49) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6790)
اشترك مع جيرانه في الإنترنت مع احتمال استعمالهم له في المعصية
[السُّؤَالُ]
ـ[قمت بتوصيل كابل إنترنت فائق السرعة إلى منزلي ولأن ثمن الاشتراك كبير على ميزانيتي قمت بتركيب سويتش ووزعت كابلات على بعض جيراني لنتقاسم معاً اشتراك الإنترنت. سؤالي: هل هناك إثم علىَّ إذا استخدم هؤلاء الجيران الإنترنت فيما يغضب الله عز وجل؟ وما الحل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الإنترنت من الوسائل التي تستعمل في الخير والشر، والمباح والحرام، وإذا لم يكن المستعملون له من المتمسكين بدينهم الواقفين عند حدود ربهم، فإنه قد لا يخلو استعمالهم من الحرام كمشاهدة وتنزيل الصور والأغاني والأفلام، والمشاركة في المحادثات الهابطة ونحوها، ولهذا لا يجوز أن تعطي وصلة الإنترنت لمن يغلب على ظنك أنه سيستعمله في الحرام، فتخيّر من جيرانك من ترى أنه لن يستعمله استعمالاً محرماً، وإلا فاقتصر على الاشتراك لنفسك ولو كلفك مبلغا زائدا، فرارا من الإعانة على المعصية.
ولك أن تأخذ وصلة من مجموعة قائمة مشتركة في الإنترنت، فتسلم حينئذ من قضية الإعانة على الحرام والدلالة عليه.
ولمزيد الفائدة راجع جواب السؤال رقم (108648) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6791)
حكم العمل " محاسباً " في الشركات والمؤسسات والمصانع
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الحكم الشرعي في وظيفة المحاسب القانوني؟ مع التفصيل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا تخلو وظيفة " المحاسب القانوني " من مخالفات شرعية، ويتمثل ذلك في:
1. التعاون على الإثم والعدوان، ويتمثل ذلك بكتابة الحسابات المتعلقة بالشركات والمصانع والمؤسسات التي تبيع وتشتري وتصنع ما حرَّم الله تعالى، كمصانع الخمور أو الدخان والفنادق السياحية التي تقر الرذيلة وتشجع عليها.
قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/ 2.
2. كتابة الربا، وتوثيقه، فلا تكاد تخلو شركة أو مؤسسة في حساباتها من قروض ربوية، أو حسابات ربوية في البنوك، ووظيفة " المحاسب " تتعلق بكتابة هذه الحسابات والأرصدة وقد (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ. وَقَال َ: هُمْ سَوَاءٌ) رواه مسلم (1598) .
ولا تخلو فتاوى العلماء من الإشارة إلى كلا الأمرين أو أحدهما في الحكم على وظيفة " المحاسب " إلا أن يبيِّن أن عمله ليس فيه ما يخالف الشرع، فيكون مباحاً.
وهذه طائفة من فتاوى العلماء في حكم هذا العمل:
1. سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
لدي مكتب " محاسب قانوني "، نقوم فيه بعمل مراجعة البيانات المالية للمؤسسات، والشركات، من واقع الدفاتر المحاسبية التي لدى المؤسسة، وذلك بغرض إظهار نتيجة المراجعة في نهاية السنة المالية في شكل ميزانيات، وتقارير عن الوضع المالي للمؤسسة، لتقديمها عن طريق المؤسسة لإحدى الدوائر الحكومية، أو لأحد البنوك، أو لمصلحة الزكاة والدخل، وكذلك نقوم بعملنا خلال السنة للمراقبة على أموال المؤسسة من التلاعب والاختلاسات، ولدي بعض الأسئلة أرجو من سماحتكم الرد عليها:
1. قد يظهر لي بعض حسابات المؤسسات في بنود الميزانية حسابات مع البنوك، وتكون هذه الحسابات دائنة، أي: مطالَبة بها المؤسسة نتيجة لحصولها على قرض من هذا البنك، أو نتيجة سحبها أكثر من رصيدها، مما يترتب عليه أن يقوم البنك بأخذ فوائد على ذلك، أي: ربا، وبطبيعة عملنا فإننا نقوم بإظهار هذا الحساب مع بقية الحسابات الأخرى في الميزانية، وذلك من واقع دفاتر وسجلات المؤسسة، وكشوف البنك، ولا نستطيع إسقاطه من بقية الحسابات، ويجب إظهاره لكي تعبر الميزانية عن الواقع الحقيقي للمؤسسة، فهل علينا إثم في ذلك، وهل نعتبر من الشاهدين على الربا؟ .
2. ما حكم إعداد هذه الميزانيات لهذه المؤسسات، إذا كان المكتب يعلم أنها ستقدم إلى البنك للحصول على قرض، ولكن المكتب يقدمها للمؤسسة وصاحب المؤسسة يقدمها للبنك؟ .
3. قمنا بدراسة لإحدى المؤسسات بناء على طلب هيئة فض المنازعات التجارية، عن حسابات المؤسسة مع البنك، وذلك من واقع كشوف البنك المقدمة من البنك للمؤسسة، فقمنا بإظهار رصيد المؤسسة بدون العمولات، ورصيد المؤسسة بالعمولات، وتم تقديمه للمؤسسة لكي تقدمها للهيئة، وبحمد الله لم تدفع المؤسسة إلا القليل من تلك الفوائد، فهل يجور عمل مثل تلك الدراسات بالنسبة لمكتبنا؟ مع العلم أننا قمنا بعمل دراستين مثل ذلك.
فأجابوا:
"لا يجوز لك أن تكون محاسباً لما ذكرت في السؤال؛ لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (15 / 20 – 22) .
2. وسئلوا – أيضاً -:
إني أعمل عند رجل يتاجر في أعلاف الدواجن، ولكن يقترض من البنوك مبالغ للمتاجرة فيها مقابل فائدة متفق عليها، وأعمل محاسباً، وبحكم عملي: أقوم بتسجيل عمولة البنك، وفائدة البنك التي يفرضها علينا بحكم العقد، فما حكم الدِّين في عملي؟ .
فأجابوا:
"لا يجوز لك ذلك العمل؛ لما فيه من التعاون على الإثم والعدوان؛ ولأن الذي يعمل في ذلك يشمله الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنه لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه) أخرجه مسلم في صحيحه" انتهى.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (15 / 11، 12) .
3. وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
أنا محاسب لدى شركة تجارية، وتضطر هذه الشركة للإقراض من البنك قرضاً ربويّاً، وتأتيني صورة من عقد القرض لإثبات مديونية الشركة، بمعنى هل أعتبر آثما بقيد العقد دون إبرامه؟ .
فأجاب:
"لا يجوز التعاون مع الشركة المذكورة في المعاملات الربوية؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم (لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء) رواه مسلم؛ ولعموم قوله سبحانه: (وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/ 2" انتهى.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (19 / 190) .
وانظر فتوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في هذه الوظيفة، في جواب السؤال رقم: (11315) .
وانظر تفصيلاً وافياً: في جواب السؤال رقم: (103181) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6792)
هل يدفع رشوة لطبيب ليحصل على تقرير طبي يعفيه من العمل المحرَّم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[مشكلتي تتلخص في كوني قدمت استقالتي من عملي - " الجيش " -؛ وذلك للمحرمات التي فيه، من حلق للحية، والوقوف للضباط، وطاعتهم إجباراً، ولو في معصية الله، وعدم الأمر المعروف والنهي عن المنكر، وغيرها من المحرمات التي لا تخفى عليكم، إلا أن استقالتي رُدت إليَّ، فلم يبق لي سوى طريقتين للخروج وإلاَّ أنتظر ثلاث سنوات أُخر لتنتهي عقدتي، وأخرج بأمان، الطريقة الأولى: الفرار من الجندية، والذي سيترتب عليه سجني، وعدة مفاسد أخرى مع عائلتي، الطريقة الثانية: أن أعطي مبلغاً من المال إلى طبيب عسكري مقابل أن يعطيني شهادة طبية تثبت عدم قدرتي على العمل في الجندية، وبالتالي يقومون بإخراجي، وسيعطوني تقاعداً تبعاً للسبع السنوات التي عملتها معهم، وبعد تضييق الخناق علينا في العمل وإلزامنا بعدة ملزمات كعدم حضور حِلق الذكر وأشياء ما أنزل الله بها من سلطان أستحيي من ذكرها، وحذرونا من فعلها، وبالفعل طردوا أحد إخواننا الملتزمين، وبدؤوا بمطاردة الملتزمين، وذلك ببث الجواسيس، فاضطررت إلى عرض هذه الطريقة على شيخ أثق به فأفتاني بفعلها، فنسألكم أن تفيدونا في الموضوع.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
العمل في الوظائف - سواء الحكومية أو الخاصة – التي يُلزم الموظف فيها بترك واجب شرعي، أو وقوع في معصية: لا يجوز، وقد نوَّع الله تعالى أسباب الرزق وكثَّره، فلا يُعدُّ الموظف معذوراً بقبوله تلك الوظيفة والحال ما ذكرنا.
وإعفاء اللحية واجب شرعي، وحلقها محرم، وقد بيَّنا في جواب السؤال رقم (1189) حكم حلق اللحية وأن حلقها من المحرمات، وطاعة الله ورسوله تقدَّم على طاعة كل أحد، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وقد بيَّنا في جواب السؤال رقم (5481) حرمة حلق اللحية حتى بالنسبة لمن أراد أن يعمل طياراً.
وعلى المسلم أن يحرص على الجمع بين الوظيفة الحلال وإعفاء اللحية، فإن كان لا بد من أحد الأمرين فلا يقدِّم وظيفته على أمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، و" من ترك شيئا لله عوَّضه الله خيراً منه ".
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة: هل يجوز الدخول في أمر يتطلب الدخول فيه حلق اللحية وعدم التمكن من تأدية بعض الصلوات في أوقاتها، وطاعة الأوامر العسكرية فيما حرم الله؟ .
فأجابوا:
" لا يجوز للمسلم أن يدخل في أمر يستلزم هذه الأشياء أو بعضها؛ لأنها معاص لله ورسوله، وإن أجبر بدون اختياره وأدخل بقوة السلطان فالأمر ليس إليه، ونرجو أن يجعل الله له فرجاً ومخرجاً، فهو القائل سبحانه: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) الطلاق/1-2، والقائل سبحانه: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) الطلاق/4.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء" (1/534) .
وفي جواب السؤال رقم (8230) ذكرنا فتوى الشيخ ابن باز في حرمة حلق اللحية لمن يعمل في الجيش، وقال الشيخ - رحمه الله - فيها:
" فإذا كنت في عمل تلزم فيه بحلق لحيتك فلا تطعهم في ذلك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) ، فإن ألزموك بتركها: فاترك هذا العمل الذي يجرك لفعل ما يغضب الله، وأسباب الرزق الأخرى كثيرة ميسرة ولله الحمد، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه " انتهى.
وفي جواب السؤال رقم (8797) ذكرنا فتوى اللجنة الدائمة، وفيها:
" أولا: يحرم حلق اللحية، ويجب إعفاؤها.
ثانيا: لا تجوز تحية العلم.
ثالثا: يجب الحكم بشريعة الإسلام، والتحاكم إليها، ولا يجوز للمسلم أن يحيي الزعماء أو الرؤساء تحية الأعاجم؛ لما ورد من النهي عن التشبه بهم، ولما في ذلك من الغلو في تعظيمهم " انتهى باختصار.
ثانياً:
يجب على من دخل تلك الوظائف التي يرتكب فيها المعاصي والآثام أن يبادر للخروج منها، وليحتسب ذلك عند ربه تعالى، وقد كان السلف الصالح من الصحابة فمن بعدهم من القرون الفاضلة أكثر الناس التزاماً بالشرع، وتركاً للمحرَّم وإن كان لهم فيه نفع، أو كانت نفوسهم قد ألفته، كما هو حالهم عندما حرَّم الله عليهم الخمر، وعندما أوجب الله على النساء الحجاب الكامل.
1. عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كان أبو عبيدة بن الجراح وسهيل بن بيضاء وأبي بن كعب عند أبي طلحة، وأنا أسقيهم من شرابٍ حتى كاد يأخذ فيهم، فمرَّ بنا مارٌّ مِن المسلمين فنادى: ألا هل شعرتم أن الخمر قد حرمت؟ قال: فوالله ما انتظروا أن أمروني أن أكفِئ ما في آنيتك، ففعلت، فما عادوا في شيء منها حتى لقوا الله) رواه ابن حبان في " صحيحه " (12/184) حديث رقم: 5361.
2. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: (يَرْحَمُ اللَّهُ نِسَاءَ الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلَ، لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) شَقَّقْنَ مُرُوطَهُنَّ فَاخْتَمَرْنَ بِهَا) رواه البخاري (4480) .
والخُمُر: جمع خمار، وهو غطاء الرأس، والجيوب: جمع جيب، وهو فتحة الثوب من ناحية الرأس، والمراد ما يظهر منه الصدر، ومرطوهن: جمع مرط، وهو الإزار، والإزار هو الملاءة، فاختمرن بها: غطين وجوههن بالمروط.
فلا ينبغي التردد في ترك المحرمات، وينبغي المبادرة لفعل الطاعات، وهذه التقوى أحد أسباب الرزق، كما قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق/2،3.
ثالثاً:
إذا لم يستطع الموظف الخروج من الوظيفة بطرق مباحة سليمة في الأصل، وأرغم على البقاء فيها، فله أن يتوصل إلى الخروج منها بالحيلة، أو التورية، فإن لم ينفع: فيجوز له الرشوة، والكذب، وإثم ذلك على من اضطره إليه، وعلى من أخذ منه المال.
1. أما جواز الرشوة في هذه الحال:
أ. قال ابن الأثير الجزري رحمه الله:
" فالراشي: مَن يُعطي الذي يعينه على الباطل، والمرتشي: الآخذ، والرائش: الذي يسعى بينهما يستزيد لهذا ويستنقص لهذا، فأما ما يُعطى توصلاً إلى أخذِ حقٍّ أو دفع ظلمٍ: فغير داخل فيه، روي أن ابن مسعود أُخذ بأرض الحبشة في شيءٍ فأَعطى دينارين حتى خُلِّي سبيله، ورُوي عن جماعة من أئمة التابعين قالوا: لا بأس أن يصانع الرجل عن نفسه وماله إذا خاف الظلم " انتهى.
"النهاية في غريب الحديث" (2/226) .
ب. وقال الخطابي رحمه الله:
" إذا أَعطى ليتوصل به إلى حقه، أو يدفع عن نفسه ظلماً: فإنه غير داخل في هذا الوعيد [يعني: لعن الراشي] " انتهى.
"معالم السنن" (5/207) .
وانظر تفصيلاً أوفى في جوابي السؤالين: (60183) و (72268) .
2. وأما جواز الكذب:
قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله:
" واعلم أن الكذب قد يباح، وقد يجب، والضابط - كما في " الإحياء " -: أن كل مقصود محمود يمكن التوصل إليه بالصدق والكذب جميعاً: فالكذب فيه حرام، وإن أمكن التوصل بالكذب وحده: فمباح إن أبيح تحصيل ذلك المقصود، وواجب إن وجب تحصيل ذلك " انتهى.
"الزواجر عن اقتراف الكبائر" (2/196) .
رابعاً:
أما التقاعد الذي سيعطونك إياه في هذه الحالة، فإن كنت غير محتاج إليه، فالأولى لك التصدق به، وإن كنت محتاجا فنرجو أن لا يكون عليك حرج من الانتفاع به، ويكون عوناً لك على الاستقامة والتوبة من هذا العمل المحرم.
ونسأل الله تعالى أن ييسر لك الخير حيث كان.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6793)
حكم الاشتراك في موقع "أجلوكو"، وحكم المال المكتسب منهم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم المشاركة في مواقع "أجلوكو" وهو برنامج ربح عن طريق الإنترنت، ويمكنكم فهم طريقة الربح بقراءة هذا الكلام: " كيف تربح، الربح ناتج عن قناتين: القناة الأولى: هي تشغيلك للفيوبار 10 دقائق يوميّاً، أي: 5 ساعات شهريّاً، وهذه هي الفترة التي حددتها "أجلوكو" حاليّاً، القناة الثانية: وهي الأكثر ربحاً: هي استضافتك لأكبر عدد ممكن من المشتركين، حيث تربح من كل مشترك استضفته مبلغ في حدود 30 دولاراً، هذا بالإضافة إلى الأرباح الشهرية التي تحددها "أجلوكو" لكل مشترك حيث إن "أجلوكو" تخصص 90 % من أرباحها لأعضائها الذين هم نحن، وبالتالي فإن كل عضو في "أجلوكو" بالتأكيد سيربح، ولو على أقل تقدير 500 دولاراً". هذا في حال استضاف عدداً قليلاً من المشتركين، أما إذا كان المشترك نشطاً: فإن أرباحه الشهرية لا حدود لها فقد تكون 5000 دولاراً، أو 10000 دولاراً، أو أكثر، حسب نشاطه، وعدد المشتركين الذين قدمهم لـ "أجلوكو". فما حكم هذا المال؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إن المسلمَ عبدٌ لله تعالى، يعيش في هذه الدنيا ونصب عينيه أوامر ربه تعالى ليفعلها، ونواهيه عز وجل ليدع فعلها، ومن مقتضى العبودية: البُعد عن كل ما يسخطه تعالى من الأقوال والأفعال.
وربنا تعالى خلق كل ما في الأرض للإنسان، وأباح له التنعم بما فيها من خيرات، وما حذَّره منه قليل في مقابل ما أباحه له.
وقد أخبرنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أن العبد لا بدَّ وأنه مسئول يوم القيامة عن مالهِ من أين اكتسبه، وفيم أنفقه، ولذا فعلى العبد أن يعلم الكسب الحلال من الحرام، وأن يعلم مجالات الإنفاق المباحة من المحرمة؛ خشية أن يعرِّض نفسه لسخط ربه تعالى وعقابه.
وقد جُبلت النفوس على حب المال، وزيِّن للناس حب الذهب والفضة، ولكن عبودية المسلم لربه تعالى تأبى أن يكون عبداً للدرهم والدينار، وتأبى أن يحرص على تحصيل هذه الزينة والشهوة على حساب غضب الله تعالى وسخطه.
ثانياً:
مما اشتهر في هذه الأيام الدعوة للكسب السريع الهيِّن عن طريق موقع عالمي مشهور، وكل ما يطلبه منك هذا الموقع تنزيل برنامج خفيف المحمل، قليل الحجم، وتضعه في جهازك؛ ليتم به أمران:
الأول: أن تصبح بذلك عضواً في ذلك الموقع، فيتكثر بك أمام المواقع الأخرى، وأمام الشركات، وأصحاب البضائع.
والثاني: أن تدخل من خلاله لمواقع عالمية مشهورة تختص بالبحث – مثل "جوجل" -، أو ببيع الكتب – مثل "أمازون" -، فإذا دخلتَ على تلك المواقع العالمية المشهورة من خلال ذلك البرنامج السهل الخفيف: ذهبت عمولة معينة – وهي 10 سنتات – لذلك الموقع صاحب ذلك البرنامج الخفيف.
وهذا البرنامج عندما تنزله على جهازك فإنه يصبح ثابتاً في شاشة جهازك، وهو عبارة عن شريط تظهر فيه أسماء تلك المواقع العالمية المشهورة ليتم الدخول من خلاله لها، وتظهر فيه روابط إعلانية لشركات ومصانع ومؤسسات تسوق لبضائعها ومنتجاتها.
وهذا الموقع العالمي الذي يطلب منك تنزيل ذلك البرنامج ليصبح شريطاً في أسفل شاشتك هو: "أجلوكو" (Agloco) ، وذاك البرنامج الشريط هو ما يسمى "الفيوبار".
و"أجلوكو" هو اختصار جملة " المجتمع العالمي (A Global Community) ، وهي شبكة اقتصادية عالمية تم إنشاؤها في نوفمبر، سنة 2006 م.
والشركات التي ترغب في الإعلان عن منتجاتها أو بضائعها أو مخترعاتها إنما تبحث عن المواقع التي يقصدها أكبر عددٍ من المتصفحين، ولذلك تتنافس المواقع في جذب أكبر عددٍ منهم ليتم من خلال ذلك العدد جذب الشركات ومواقع الإعلان لهم.
وقد رأى أصحاب ذلك الموقع أن خير طريقة لجذب المتصفحين له هو وعدهم بأن يكون لهم نصيبٌ من الأرباح المجناة من تلك الشركات المعلنة عندهم، وهي تقول لمتصفحيها نحن نتكثر بكم، ونفيدكم بما نكسبه، ويعد أصحاب الموقع الأعضاء النشيطين بمزيد من الأرباح الشهرية، وذلك في حال نجاحهم بجذب متصفحين غيرهم، ينزلون ذلك البرنامج عندهم على أجهزتهم.
وهنا أمران مهمان لا بدَّ من الإشارة لهما:
الأول: أن الموقع "أجلوكو" لا يستوفي مبلغاً مقابل الاشتراك معهم.
والثاني: أنه لا يُلزم بالدخول على الصفحات التي تظهر روابطها على شريطهم.
هذا هو ملخص وخلاصة المسألة الوارد ذِكرها في السؤال، وأما حكمه من ناحية الشرع: فالذي يظهر لنا هو عدم جواز الاشتراك معهم للأسباب التالية:
الأول: أن المشترك معهم سيكون جزءً من هذا الموقع العالمي، بل قد يكون من أصحاب الأسهم – حيث وعدوا بإعطاء أرباح مكونة من مال وأسهم في الموقع -، ولا شك أن هذا الموقع سيحمل في طياته كثيراً من المخالفات الشرعية، مكتوباً، ومسموعاً، ومرئيّاً، فهم ليسوا من المسلمين الذين يعبدون الله، بل هم من عبيد الشهوات، وعبيد اليورو والدولار.
والثاني: أن الاشتراك معهم سيكون سبباً في إيصال روابط لمواقع وشركات تشتمل على المحرمات والمنكرات، فهناك مواقع إباحية فاسدة، وهناك مواقع للموسيقى والغناء، ومواقع للبورصات العالمية، والبنوك الربوية، ومواقع تعارف بين الجنسين، وصور، وأفلام فيها من الحرام الشيء الكثير، وكل ذلك ستظهر روابطه على جهازك، وإذا ضمن المسلم نفسه بعدم الدخول: فإنه لا يضمن غيره ممن يستعمل جهازه، مع أن الأصل أن اشتراكه في ذلك الموقع هو الذي دفع شركات الإعلان والمواقع ذات المحرمات والمنكرات للإعلان في موقع "أجلوكو"، وبالتالي وصلت الإعلانات – بما فيها من منكرات – لجهازك.
والعجيب أن ذلك البرنامج المسمى "الفيوبار" سيتعرف على ميول المتصفح بحسب المواقع التي يزورها، ومن ثم فإنه سيرسل لك روابط إعلانات تتوافق مع رغبتك، فلو كان المتصفح يدخل مواقع الغناء: فإنه ستأتيه روابط إعلانية لمواقع غنائية، وموسيقى، وهكذا لو دخل أحد المتصفحين موقعاً فاجراً يحوي صوراً وأفلاماً: فإنه ستأتيه روابط إعلانية تتوافق مع ما يدخله من تلك المواقع الفاسدة.
ولذلك: فإننا نرى حرمة الاشتراك في ذلك الموقع المسمى "أجلوكو"؛ لما يتسببه الاشتراك معهم في تقويته أمام شركات الإعلانات، وأمام الشركات والمواقع الراغبة في الإعلان؛ ولما يتسببه الاشتراك معهم في وصول إعلانات لمواقع تحوي المنكرات والمحرَّمات.
ونحذِّر المسلمين من الاغترار بدعايتهم بالكسب السريع، والحلال! ونحذِّرهم مما ينشرونه في دعايتهم من فتوى للشيخ الدكتور سامي السويلم حفظه الله، فهي لا علاقة لها بحقيقة عملهم، وفتواه حفظه الله كانت في مواقع تقدم عمولات مقابل تصفح الإعلانات لديها، وفي الفتوى ذاتها قوله حفظه الله: " وهذا النوع لا حرج فيه - إن شاء الله - بشرط أن تكون الإعلانات بعيدة عن المحاذير الشرعية، ولا تتضمن الدعاية لمحرم، أو منكر "! وأنَّى لموقع "أجلوكو" أن يمنع تلك المحرمات، والمنكرات من وجودها على أجهزة مشتركيه؟! وأخيراً نقول:
إن الله تعالى وسَّع لنا أبواب الرزق الحلال، وأكثر لنا من طرقه وسبُله، والمال الحلال يبارك الله تعالى فيه وإن كان قليلاً، والمال الحرام يمحقه ولو كان كثيراً.
ونسأل الله تعالى أن يغنينا بحلاله عن حرامه، وبفضله عمن سواه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6794)
اختلاف جودة شرح المدرس بين المدرسة والدرس الخصوصي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم التفريق بين حصة المدرسة وحصة الدرس الخصوصي من حيث إجادة الشرح للطلاب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب على المدرس أن يؤدي عمله المطلوب منه، وألا يقصر في الشرح والإيضاح، سواء كان درسه داخل المدرسة أو خارجها، وما يفعله بعض المدرسين من الإهمال في الشرح داخل المدرسة، وتجويده وإتقانه خارجها، هو من نوع من خيانة الأمانة، وغش الطلبة والمدرسة.
أما إذا كان يؤدي عمله بإتقان في الجهتين، لكن يزيد أحدهما عن الآخر جودة وإتقانا لعوامل خارجية، كطول الوقت، وقلة عدد الطلاب، أو جودة أذهانهم، أو تقارب فهمهم، ونحو ذلك، فلا حرج في ذلك.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6795)
تعقيب على فتوى عمل المحلل الرياضي
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في الموقع فتوى أنه لا يجوز العمل كمحلل رياضي، لماذا قلتم إنه يضيع عمره في التحليل ومعرفة تاريخ الأندية، ما وجه الحرمة في هذا إن كان محافظا على أمور دينه؟ وهل أيضا العمل كمدرس تربية رياضية حرام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نشكر لك نقدك ومراجعتك وحرصك على فهم المسائل وتبيُّنِ وجهها الصحيح.
ثم لا بد من بيان أن الفتوى السابقة في تحريم عمل " المحلل الرياضي " كانت مبنية على أساسين مهمين:
الأول: الفهم الصحيح لمقاصد الشريعة الخاصة، لأن حفظ العمر من الضياع، وصيانة الوقت من الهدر من أهم هذه المقاصد، حتى إن أقدام العباد لن تزول يوم القيامة حتى يسأل كل واحد منهم عن عمره مرتين: مرة عن عمره كله على سبيل العموم، ومرة أخرى عن أهم مرحلة من عمره وهي مرحلة الشباب.
روى ذلك الترمذي في سننه (2417) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
الثاني: تصور الواقع الغالب في مسألة " المحلل الرياضي "، حيث نجد الإغراق في الاهتمام بجميع أنواع الرياضات التي تعج بالمادية والإباحية، فتعرض فيها العورات، وتنكشف فيها المحرمات، وتغدو فيها المرأة جسدا مكشوفا للمتابعين والمحللين والمحكمين، فضلا عن الواقع الأليم الذي يعيشه شباب المسلمين من ضياع وفقدان الهوية والرسالة، ليكون المحلل الرياضي معولا في محو ذاكرة الأمة الحضارية وشغلها بالمظاهر المادية.
هذا ما أحببنا بيانه، ونسأل الله تعالى أن يهدينا وإياكم سبيل الهدى والرشاد.
أما عمل مدرس التربية الرياضية فهو جائز، لأن تقوية البدن ورفع ليقاته من الأمور المباحة، بل هي مطلوبة، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (106910) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6796)
أخذ الأجرة على أداء الشهادة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من أعطى إنساناً شهد له على حق، أو ساعده في قضية صحيحة، فأعطاه مبلغاً من المال علماً أن الشاهد أو الذي ساعده على الحق، لم يشترط أي شيء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"أداء الشهادة لا يجوز أخذ العوض (الأجرة) عليه، لأن الشهادة يجب أداؤها على من هي عنده لله سبحانه وتعالى، لأجل بيان الحق وإزالة الظلم، قال تعالى: (شُهَدَاءَ لِلَّهِ) النساء/135، وقال تعالى: (وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ) الطلاق/2، لا لأجل مطمع دنيوي، وقال تعالى: (وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) البقرة/283.
الذي عنده شهادة بحق يجب عليه أداؤها بدون مقابل وبدون أخذ عوض، لأن هذا عبادة أمر الله تعالى بها في قوله: (وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ) الطلاق /2، وقوله: (كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّه) النساء/135.
وأما من أعانك في خصومة، أو في قضية، فهذا إذا كان أعانك بمعنى أنه خاصم عنك، وتولى الخصومة وكيلاً ونائباً عنك، فلا مانع أن تعطيه شيئاً من المال مقابل تعبه، ومن ذلك ما يتقاضاه المحامون، الذين ينوبون عن المدعين ويخاصمون عنهم ويذهبون ويجيئون، فيأخذون في مقابل أتعابهم، لأنهم وكلاء عمن له قضية، أما الشهادة فلا يجوز أخذ مال عنها بحال.
كذلك الحاكم الذي يحكم بين الناس، لا يجوز له أن يأخذ على حكمه شيئاً منه، وإذا أخذ فهذا هو الرشوة التي حرمها الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأجمع العلماء على تحريمها، إنما كما ذكرنا يجوز للوكيل أو النائب في الخصومة أن يأخذ في مقابل تعبه، إذا شرط هذا، أو أراد من له قضية أن يرضيه بشيء من تعبه، والله أعلم" انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (1/80) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6797)
المتسولون، مَن يُعطى منهم، ومَن يُمنع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كثر موضوع المتسولين، وخاصة الأطفال، ويلجأ معظمهم إلى بعض الحيل حتى تعطيهم المال، مثلاً: يدَّعي بعضهم أنه أعمى ولا يرى، مع أن عينيه سليمتان، وهكذا، كيف أتعامل معهم؟ هل أعطيهم مالاً أم ماذا؟ مع العلم أني لا أعرف هل هم صادقون أم لا؟ ولا يمكنني التأكد هل هم فعلا يحتاجون إلى المال أم يلجئون إلى الحيل لجمع المال، وإذا ساعدت من هم محتالون - وأنا لا أعرف ذلك - هل آخذ ذنباً؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يجوز لأحدٍ أن يسأل الناس مالاً وهو غير محتاج، أو وهو قادر على التكسب، وقد أبيح لأصنافٍ أن يسأل الرجلُ منهم الناس، وهم: الفقير المُعدم، ورجل تحمل ديْناً، ورجل أصابته جائحة في ماله، وفي كل تلك الأحوال: لا يجوز السؤال بأكثر من الحاجة، وبشرط عدم وجود ما يملكه لدفع حاجته، وعدم قدرته على التكسب لقوام معيشته.
قال علماء اللجنة الدائمة:
يجوز سؤال الناس شيئاً من المال للمحتاج الذي لا يجد ما يكفيه، ولا يقدر على التكسب، فيسأل الناس مقدار ما يسد حاجته فقط، وأما غير المحتاج، أو المحتاج الذي يقدر على التكسب: فلا يجوز له المسألة، وما يأخذه من الناس في هذه الحالة حرام عليه؛ لحديث قبيصة بن مخارق الهلالي رضي الله عنه قال: تحملتُ حمالة، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله فيها، فقال: (أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها) ثم قال: (يا قبيصة، إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش - أو قال: سدادا من عيش - ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجا من قومه: لقد أصابت فلانا فاقة، فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش - أو قال: سداداً من عيش - فما سواهن من المسألة يا قبيصة فسحت يأكلها صاحبها سحتاً) رواه أحمد، ومسلم، والنسائي، وأبو داود؛ وحديث: (من سأل الناس تكثراً فإنما يسأل جمراً) ؛ وحديث: (إن الصدقة لا تحل لغني ولا لذي مرة سوي) رواه الخمسة إلا ابن ماجه والنسائي.
والواجب: مناصحته، وعلى العلماء بيان هذا للناس في خطب الجمعة وغيرها، وفي وسائل الإعلام، ونهر السائل المنهي عنه في قوله تعالى: (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ) الضحى/ 10 المراد به: زجره ورفع الصوت عليه، وهو يشمل السائل للمال، والسائل عن الأحكام الشرعية، لكن هذا لا يمنع إرشاد السائل المخطئ في سؤاله، ومناصحته بالحكمة والموعظة الحسنة.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ عبد العزيز آل شيخ، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (24 / 377) .
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله –:
ما حكم الدين في التسول؟ .
فذكر حديث قبيصة السابق، ثم قال:
" فهذا الحديث قد أوضح فيه النبي صلى الله عليه وسلم أنواع المسألة المباحة، وأن ما سواها محرم، فمن كان عنده ما يسد حاجته من راتب وظيفة، أو تجارة، أو غلة وقف، أو عقار، أو كسب يدوي من نجارة، أو حدادة، أو زراعة، أو نحو ذلك: حرمت عليه المسألة.
أما من اضطر إليها: فلا حرج عليه أن يسأل بقدر الحاجة، وهكذا من تحمل حمالة لإصلاح ذات البين، أو النفقة على أهله وأولاده، فلا حرج عليه أن يسأل لسد الغرامة.
" مجموع فتاوى ابن باز " (14 / 320) .
ثانياً:
ما نراه كثيراً في الشارع، أو في المساجد من متسولين يسألون الناس أموالهم: ليسوا جميعاً محتاجين على الحقيقة، بل قد ثبت غنى بعضهم، وثبت وجود عصابات تقوم على استغلال أولئك الأطفال للقيام بطلب المال من الناس، ولا يعني هذا عدم وجود مستحق على الحقيقة، ولذا نرى لمن أراد أن يعطي مالاً لأحد هؤلاء أن يتفرس فيه ليرى صدقه من عدمه، والأفضل في كل الأحوال تحويل هؤلاء على لجان الزكاة والصدقات لتقوم بعملها من التحري عن أحوالهم، ومتابعة شئونهم حتى بعد إعطائهم.
فمن علمتَه أنه ليس بحاجة، أو غلب على ظنك هذا: فلا تعطه، وإذا علمتَ أنه بحاجة، أو غلب على ظنك هذا: فأعطه إن شئت، ومن استوى عندك أمره: فلك أن تعطيه، ولك أن تمنعه.
ومن أعطى أحداً ممن يجوز له إعطاؤه ظانّاً أنه محتاج: فله الأجر على صدقته تلك، حتى لو تبين فيما بعد أنه غير محتاج، وحتى لو كان المال المُعطى له زكاة مال فإنها تجزئه ولا يُلزم بتكرار أدائها.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (قَالَ رَجُلٌ لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدِ سَارِقٍ فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ تُصُدِّقَ عَلَى سَارِقٍ فَقَالَ اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدَيْ زَانِيَةٍ فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى زَانِيَةٍ فَقَالَ اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى زَانِيَةٍ لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدَيْ غَنِيٍّ فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ تُصُدِّقَ عَلَى غَنِيٍّ فَقَالَ اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى سَارِقٍ وَعَلَى زَانِيَةٍ وَعَلَى غَنِيٍّ فَأُتِيَ فَقِيلَ لَهُ أَمَّا صَدَقَتُكَ عَلَى سَارِقٍ فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعِفَّ عَنْ سَرِقَتِهِ وَأَمَّا الزَّانِيَةُ فَلَعَلَّهَا أَنْ تَسْتَعِفَّ عَنْ زِنَاهَا وَأَمَّا الْغَنِيُّ فَلَعَلَّهُ يَعْتَبِرُ فَيُنْفِقُ مِمَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ) .
رواه البخاري (1355) ومسلم (1022) .
قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله –:
إذا غلب على ظن الإنسان أنَّ الذي أعطاه مستحق للزكاة: أجزأه، سواء كان متسولاً، أو كانت هيئته هيئة الفقير: فإنه يجزئه؛ حتى لو بان بعد ذلك أنه غني، فإنه يجزئ، ولهذا لما تصدق الرجل على غني وأصبح الناس يتحدثون: تُصدق الليلة على غني، قيل لهذا المتصدق الذي ندم على تصدقه على الغني: " أما صدقتك فقد قبلت "، والله عز وجل لا يكلف نفساً إلا وسعها، لا يلزمنا أن نبحث عن الإنسان حتى نصل إلى حد اليقين، هذا شيء متعذر، أو متعسر، إذا غلب على ظنك أن هذا من أهل الزكاة: فأعطه، وإذا تبين أنه ليس من أهلها: فزكاتك مقبولة، والحمد لله.
" اللقاء الشهري " (71 / السؤال رقم 9) .
وانظر أجوبة الأسئلة: (5154) و (46241) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6798)
حكم التدريس في مدرسة نصرانية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز التدريس في مدرسة كاثوليكية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يختلف الحكم الشرعي الذي نراه متجها بحسب حال المدرسة المقصودة بالسؤال:
1- فإذا كانت المدرسةُ مدرسةً دينيةً، بمعنى أنها أنشئت لتخريج القساوسة والرهبان والراهبات، وتعمل على تنشئة جيل جديد من هذه الطبقة من الناس، فلا نرى لك العمل فيها، ولا ننصحك إلا بالتورع والابتعاد عنها، ولو دعيت لتدريس العلوم الدنيوية الأخرى، لأنك بمشاركتك في العمل معهم تصبحين جزءا من مؤسستهم، فكأنك تساعدينهم على كفرهم الذي يريدون تعليمه هؤلاء الأبناء.
2- أما إذا كانت مدرسة نظامية عادية، ولكنها بإدارة نصرانية تعتني بتعليم الإنجيل، وتقتصر على ذلك: فهذه لا حرج عليك من العمل فيها، والانتظام في سلكها، مع التمسك والاحتفاظ بأوامر الله عز وجل، بالمحافظة على الحجاب الشرعي، وأداء العبادات في أوقاتها، والخلق الحسن، والتعامل الطيب، والابتعاد عن المناهي التي مِن أعظمها حب الكفار، والركون إليهم، والتشبه بهم.
وليكن حرصك في عملك معهم على نشر الحق والدعوة إليه، وتخليص من استطعت من ظلمات الجهل والشرك، إلا إذا كانت المدرسة تفرض عليكم شيئا من العبادات والتقاليد الدينية النصرانية، أو كانت مختلطة بين الرجال والنساء، أو خشيت على نفسك من الشبهات التي قد ترد من الاختلاط بالنصارى، فلا يجوز لك حينئذ العمل فيها، ولا الاستمرار بالمشاركة، بل يجب تركها وهجرها فرارا بدينك، وحفظا لنفسك أن يستزلها الشيطان بما يغوي به بني آدم.
يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) النور/21
ولا يفتوتنا التنبيه هنا إلى خطر هذه المدارس إذا فتحت في بلاد المسلمين، فهي حينئذ أداة استعمار خفي، وسبيل فساد ظاهر، صدرت فيه فتاوى العديد من العلماء والهيئات العلمية منذ بداية تأسيسها وافتتاحها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6799)
هل تتخلص من المال الذي أخذته من العمل الحرام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[طوال عملي في المصانع التابعة لشركات أجنبية، طوال 6 سنوات تقريبا، والمختلطة من حيث التوقيت في العمل، ومن حيث الجنسين وما يتبع ذلك من محادثات ومزح وما إلى ذلك ومشاهدة أشياء محرمة وفواحش تقع بين بعض الشبان وبعض الفتيات، وذلك على سبيل الصدفة، خصوصا عند العمل ليلا، وطبعا كنت أحصل على أجري كل شهر، والآن وقد تركت العمل منذ سنتين بقي لدي أشياء كنت قد اشتريتها من تلك الرواتب التي كنت أتقاضاها، منها آلة خياطة كنت أيضا أخيط عليها الملابس للفتيات، وقد كنت لا أهتم لاحتشام هذه الملابس، بل كنت أخيط كل ما تريده زبوناتي، ولكن الآن تبت إلى الله عز وجل، ولم أعد أفعل ذلك. سؤالي هو: ما حكم تلك الأموال التي كنت أتقاضاها، وما حكم ما بقي من الأشياء التي اشتريتها بذاك المال، وكيف أتصرف فيها، ومنها آلة الخياطة، وبعض الذهب، وبعض الأثاث والمفروشات؟ أفيدوني لما فيه مرضات الله سبحانه وتعالى عني؛ لأني أريد أن تكون توبتي خالصة لله، ونقية من كل شائبة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نحمد الله تعالى أَنْ مَنَّ عليك بالتوبة، ورزقك الإنابة، فوالله إن خير ما يكسبه المرء في دنياه صدق الرجوع إلى الله، ومن أراد الله به خيرا فتح له باب الذل والانكسار والافتقار، وأراه عيوب نفسه وجهلها وظلمها وتعديها حدوده، وألان قلبه إلى التوبة والاستغفار والندم على الذنب والتفريط.
فقد كان عملك في الأماكن المختلطة وفي صنع وإنتاج ما يستعمل على الوجه الحرام من المحرمات التي تمنعها الشريعة الإسلامية، حفظا للدين، وصيانة لمجتمعات المسلمين، والتزاماً بحدود الله، وتعظيماً لشرعه، ومعرفةً لقدره عز وجل.
قال ابن القيم في "الوابل الصيب" (ص/32) :
" وأما علامات تعظيم المناهي: فالحرص على التباعد من مظانها وأسبابها وما يدعو إليها، ومجانبة كل وسيلة تقرب منها، كمن يهرب من الأماكن التي فيها الصور التي تقع بها الفتنة خشية الافتتان بها، وأن يدع ما لا بأس به حذرا مما به بأس، وأن يجانب الفضول من المباحات حشية الوقوع في المكروهات، ومجانبة مَن يجاهر بارتكابها ويحسنها ويدعو إليها ويتهاون بها ولا يبالي ما ركب منها، فإن مخالطة مثل هذا داعية إلى سخط الله تعالى وغضبه، ولا يخالطه إلا من سقط من قلبه تعظيم الله تعالى وحرماته " انتهى.
ثانيا:
خياطة الملابس النسائية الفاضحة - لمن تلبسها في المعصية وتستعملها في الفتنة – من الأعمال المحرمة؛ لما فيها من الإعانة على المنكر، والواجب على المسلم تعظيم حدود الله فلا يرضى أن يعصى الرب تعالى من طريقه، ولا يقبل أن يكون من أعوان الشيطان وحزبه.
قال ابن تيمية في "شرح العمدة" (4/387) :
" وكل لباس يغلب على الظن أن يستعان بلبسه على معصية فلا يجوز بيعه وخياطته لمن يستعين به على المعصية والظلم، وكذلك كل مباح في الأصل علم أنه يستعان به على معصية " انتهى.
وقال أيضا – كما في "مجموع الفتاوى" (22/141) -:
" إذا أعان الرجل على معصية الله كان آثما؛ لأنه أعان على الإثم والعدوان، ولهذا لعن النبى صلى الله عليه وسلم الخمر، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه، وبائعها، ومشتريها، وساقيها، وشاربها، وآكل ثمنها.
وأكثر هؤلاء كالعاصر والحامل والساقي إنما هم يعاونون على شربها، ولهذا ينهى عن بيع السلاح لمن يقاتل به قتالا محرما: كقتال المسلمين، والقتال فى الفتنة " انتهى.
وقال ابن حزم في "المحلى" (7/522) :
" ولا يحل بيع شيء ممن يوقن أنه يعصي الله به أو فيه , وهو مفسوخ أبدا:
كبيع كل شيء يعصر ممن يوقن بها أنه يعمله خمرا. وكبيع المملوك ممن يوقن أنه يسيء ملكته. أو كبيع السلاح أو الخيل: ممن يوقن أنه يعدو بها على المسلمين. أو كبيع الحرير ممن يوقن أنه يلبسه , وهكذا في كل شيء ; لقول الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) .
والبيوع التي ذكرنا تعاون ظاهر على الإثم والعدوان بلا تطويل , وفسخها تعاون على البر والتقوى.
فإن لم يوقن بشيء من ذلك فالبيع صحيح ; لأنه لم يعن على إثم , فإن عصى المشتري الله تعالى بعد ذلك فعليه " انتهى باختصار.
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (2/73) :
" لا يجوز احتراف ما يؤدي إلى الحرام أو ما يكون فيه إعانة عليه , كالوشم: لما فيه من تغيير خلق الله، وككتابة الربا: لما فيه من الإعانة على أكل أموال الناس بالباطل، ونحو ذلك " انتهى.
ثالثا:
التوبة من المال الحرام شرطها التخلص منه، وذلك بصرفه في مصالح المسلمين، وفي أوجه البر المختلفة.
قال ابن تيمية – كما في "مجموع الفتاوى" (22/142) :
" ومن أخذ عِوضًا (أجرة) عن عين محرمة، أو نفع استوفاه، مثل: أجرة حَمَّال الخمر، وأجرة صانع الصليب، وأجرة البَغِيّ، ونحو ذلك، فليتصدق بها، وليتب من ذلك العمل المحرم، وتكون صدقته بالعوض (الأجرة) كفارة لما فعله؛ فإن هذا العوض لا يجوز الانتفاع به؛ لأنه عوض خبيث " انتهى.
وجاء في "الفروع" (2/666) لابن مفلح:
" والواجب في المال الحام التوبة وإخراجه على الفور " انتهى.
فالواجب عليكِ تقدير ما حصلته من أجرة خياطة ثياب النساء المتبرجات، ثم إخراجه للفقراء والمساكين رجاء تكفير الإثم والمعصية السابقة.
أما الأموال التي حصلتِها من العمل في المصنع – ومنها آلة الخياطة - فلا يجب عليك إخراجها ولا التخلص منها؛ لأن الحرام لم يتعلق بأصل العمل، بل بالاختلاط الذي صاحبَه، وهو أمر خارجٌ عن أصله، اللهم إلا إذا كان عمل المصنع في الحرام، كمصانع الخمور والدخان والآلات المحرمة، فيجب عليك حينذ إخراج الأجرة التي أخذتها منه.
وإن ضاق عليك الحال، ولم تتمكني من إخراج جميع المال الذي حصلته من خياطة الملابس المحرمة، فلا حرج عليك من إبقاء ما تحتاجين إليه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – كما في "مجموع الفتاوى" (29/308) :
" فإن تابت هذه البغي وهذا الخَمَّار وكانوا فقراء، جاز أن يُصرف إليهم من هذا المال قدر حاجتهم، فإن كان يقدر يتجر أو يعمل صنعة كالنسج والغزل، أعطي ما يكون له رأس مال " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6800)
يعمل في شركة تصنيع الأقراص المدمجة
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل رئيس حسابات بشركة تصنيع أسطمبات الأسطوانات المدمجة CD، وهذا الأسطمبات عليها برامج قد أعرفها أو لا، وقد يكون بها إسلاميات أو أغاني وأفلام أو ألعاب أطفال، هذا هو نشاط الشركة الأساسي، دون التفرقة فيما تحتويه الأسطوانة. فهل العمل بها حلال أم حرام أم به شبهة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز لك العمل في هذا المجال حتى تطمئن إلى أن الشركة تقتصر على إنتاج المباح من هذه الأسطوانات، ولا تتعامل مع المحرمات من المعازف والأفلام والبرامج الهدامة.
وإذا كنت تعلم أن الشركة تخلط في إنتاجها بين الحلال والحرام فلا يجوز لك العمل معها أيضا، كي لا تكون مشاركا لها في الإثم والمعصية.
وهو إثم عظيم، لأنه يحمل أوزار الناس الذين يستعملون هذه المحرمات، ويحمل وزر الفساد في الأرض بنشر الشر والباطل.
ولا يجوز أن يتساهل المسلم في هذه الأمور، فهي من أخطر ما يمكن أن يوجه إلى الأجيال، وأكثر ما يجب الحرص على تنقيته من الشوائب والحرام.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (2/73-74) :
" الأصل أنه لا يجوز احتراف عمل محرم بذاته , ومن هنا مُنِع الاتجارُ بالخمر، واحتراف الكهانة.
كما لا يجوز احتراف ما يؤدي إلى الحرام، أو ما يكون فيه إعانة عليه , كالوشم: لما فيه من تغيير خلق الله، وككتابة الربا: لما فيه من الإعانة على أكل أموال الناس بالباطل، ونحو ذلك " انتهى.
وجاء فيها أيضا (34/244-245) :
" طلب الحلال فرض على كل مسلم , وقد أمر الله تعالى بالأكل من الطيبات , فقال سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) البقرة/172 , وقال في ذم الحرام: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) البقرة/188 إلى غير ذلك من الآيات.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يربو لحم نبت من سحت إلا كانت النار أولى به)
– رواه الترمذي (614) وحسنه، وصححه الألباني في صحيح الترمذي - " انتهى باختصار.
وانظر جواب السؤال رقم: (3149) ، (11517) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6801)
حكم العمل في المحاكم والنيابات العامة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم العمل في المحاكم والنيابات العامة في الدول العربية، وخاصة الدول الخليجية، علماً أني متقدم إلى العمل في وظيفة " كاتب تحقيق " في إحدى النيابات؟ . أرجو من فضيلتكم الجواب مع ذكر العدد الأكبر من الأدلة الشافية؛ لأني والله في حيرة من أمري.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المحاكم نوعان: محاكم شرعية، ومحاكم نظامية (تحكم بالقوانين الوضعية) ، وهذه الثانية نوعان: نوع يحكم بغير ما أنزل الله في الأحكام والحدود، ونوع آخر يتعلق بأحكام وضعية إدارية ليس فيها مخالفة لما أنزل الله.
وحكم العمل في المحاكم والنيابات يعرف بمعرفة نوع تلك المحاكم، فإذا كانت المحكمة شرعية، أو نظامية لا تخالف أحكامها أحكام الشرع: فيجوز العمل فيها، موظفين، وقضاة، ونيابة.
وإذا كانت المحاكم نظامية تحكم في الدماء والأموال والأنفس بخلاف شرع الله تعالى: فلا يجوز العمل فيها، موظفاً ولا إداريّاً؛ لأنه يكون تعاوناً على الإثم والعدوان، والله تعالى يقول: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/ 2.
وإن كان سيعمل فيها قاضياً: فإنه يكون حاكماً بغير ما أنزل الله، وهو من كبائر الذنوب، وقد يصل بصاحبه للكفر المخرج من الملة.
وإذا كان عمله في النيابة العامة: فهو حرام أيضاً؛ لأنه سيحيل من ليس متهماً في الشرع للقضاء النظامي لمعاقبته، وسيطلب البراءة لمن يستحق الجلد أو الرجم أو القتل؛ لأنه ليس مداناً في القانون الوضعي، وهذه أفعال تضاد الشريعة، ولا يحل العمل فيها، ولا إعانة من يعمل فيها.
قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله:
" من أعظم ذلك وأظهرها معاندة للشرع، ومكابرة لأحكامه، ومشاقة لله ولرسوله: إيجاد المحاكم الوضعية التي مراجعها القانون الوضعي، كالقانون الفرنسي، أو الأمريكي، أو البريطاني، أو غيرها من مذاهب الكفار، وأي كفر فوق هذا الكفر؟! وأي مناقضة للشهادة بأن محمَّداً رسول الله بعد هذه المناقضة؟! " انتهى.
" تحكيم القوانين " (ص 7) .
وسبق أن بيَّنا في جواب السؤال رقم (974) تفصيل القول في الحكم بغير ما أنزل الله، وذكرنا في جواب السؤال رقم (22239) فتوى للشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في التفريق بين الأحكام الشرعية والأحكام الإدارية، ومنه يُعرف أنه لا يحل العمل بالمحاكم التي تحكم بما يُخالف حكم الله تعالى، دون غيرها مما يتعلق بالأمور الإدارية، وهي التي يراد بها ضبط الأمور وإتقانها على وجه غير مخالف للشرع.
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
" إذا كان في الاشتغال بالمحاماة أو القضاء إحقاق للحق، وإبطال للباطل شرعاً، ورد الحقوق إلى أربابها ونصر للمظلوم: فهو مشروع؛ لما في ذلك من التعاون على البر والتقوى، وإلا فلا يجوز؛ لما فيه من التعاون على الإثم والعدوان؛ قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/ 2 " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (1 / 793، 794) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6802)
حكم التوسط في بيع قرية سياحية
[السُّؤَالُ]
ـ[أمامي فرصة للتوسط في بيع قرية سياحية جاهزة للتشغيل، لو تم تشغيلها فسوف يأتي إليها السياح ويقدم لهم الخمر مع غيره من الأطعمة والأشربة، فهل يجوز أن أتوسط في صفقة بيع القرية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز التوسط في بيع القرى السياحية التي يُعلم أنها ستكون محلا للفسق والفجور واقتراف المنكرات، من الزنا وشرب الخمر والميسر والعريّ وغير ذلك من المحرمات؛ لما في ذلك من الإعانة على الإثم والمعصية، قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2، وقال صلى الله عليه وسلم: (وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ، لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا) أخرجه مسلم في صحيحه (4831) .
وكيف يرضى مسلم أن تقام في بلده وفي بلاد الإسلام مثل هذه القرى، التي هي أوكار للرذيلة، وبؤر للفساد، فضلا عن أن يعين على إنشائها، أو يتوسط في بيعها، بل الواجب عليه أن ينكر هذا المنكر، ويبرأ منه، ويسعى في تغييره وإزالته.
وقد سبق أن بينا حكم إنشاء هذه القرى والمشاركة في بنائها، في جواب السؤال رقم (82292) و (47513) .
واعلم أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، وأن متاع الدنيا زائل، ومالها ونعيمها فانٍ، وما عند الله باق.
وفقنا الله وإياك للعلم النافع والعمل الصالح، وأغنانا بحلاله عن حرامه، وبفضله عمن سواه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6803)
حكم دراسة المحاسبة والعمل كمحاسب في الشركات والمؤسسات المختلفة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أتابع دراستي في السنة الأخيرة من سلك الإجازة، شعبة الاقتصاد والتسيير، بحكم تخصصي فإن مجال عملي سيكون - بإذن الله - في الشركات والمقاولات، لكن المؤسف هنا أن هذه الشركات تتعامل أحيانا بل غالبا بالربا، كما أن أموالها مودعة لدى بنوك ربوية - لا يوجد عندنا بنك إسلامي - فعملي في هذه الشركات كمحاسب - مثلاً - يقتضي تسجيل عمليات ربوية، وحساب فوائد، كفوائد التأخير، وكتابة الشيكات، والكمبيالات التي قد تستعمل في خصم الديون إلى ما هنالك من العمليات المحرمة والمشبوهة، إضافة إلى استحالة أداء الصلاة في المسجد. 1- فبماذا تنصحونني؟ أن أعمل في هذه الشركات؟ هل أستمر في دراستي بعد الإجازة؟ أم أغير الوجهة اتقاء للشبهات؟ . 2. وهل العمل في هذه الشركات في وظيفة أخرى كتوزيع وبيع منتجاتها للبقالة جائز؟ . 3. أنا تركت كل امتحانات الدخول إلى مدارس كمدارس الشرطة مثلا وغيرها؛ لما فيها من ضياع حق الله، فهل أنا على حق؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله تعالى أن يوفقك، ويهديك، ويثيبك خيراً على ورعك، وتحريك الحلال في عملك وكسبك.
ولا مانع من دراسة علم " المحاسبة "، فإن جميع الشركات والمؤسسات تحتاج إلى هذا العلم، والاستفادة منه.
وجواز الدراسة لهذا العلم لا يعني أن يعمل المسلم محاسباً في البنوك الربوية، القائمة أعمالها على الحرام، أو في الشركات والمؤسسات والمصانع التي تخلط الحلال بالحرام في عملها ومالها؛ لما في كتابة الربا من الإثم، واستحقاق العقوبة؛ ولما فيه من التعاون على الإثم والعدوان، وكل ذلك من المحرمات.
فعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ) رواه مسلم (1598) .
قال النووي رحمه الله:
" هذا تصريح بتحريم كتابة المبايعة بين المترابيين، والشهادة عليهما، وفيه تحريم الإعانة على الباطل " انتهى.
" شرح مسلم " (11 / 26) .
وقال الصنعاني رحمه الله:
" أي: دعَا على المذكورِين بالإبعاد عن الرحمة، وهو دليل على إثم مَن ذُكر، وتحريم ما تعاطوه، وخصَّ الآكل لأنه الأغلب في الانتفاع، وغيره مثله، والمراد من " مُوكله ": الذي أعطى الربا؛ لأنه ما تحصل الربا إلا منه، فكان داخلاً في الإثم، وإثم الكاتب والشاهديْن: لإعانتهم على المحظور، وذلك إذا قصَدَا وعرَفَا بالربا " انتهى.
" سبل السلام " (3 / 66) .
فلا مانع من دراستك لعلم المحاسبة – ضمن الضوابط الشرعية -، ويجوز لك العمل بعدها في أماكن لا ترتكب فيها حراماً، كالمحاكم الشرعية، أو الشركات والمؤسسات ذات الأعمال الحلال، فإن لم تجد: فيمكنك العمل في قسم مباح – كتوزيع منتجات المصانع والشركات -، ولا يهم أن يكون أموال تلك الشركات في البنوك، أو أنها تقترض أو تُقرض بالحرام، والمهم في هذا الجانب هو حل عملك الذي تقوم به – كتوزيع منتجات مباحة -، وأن لا تكون المؤسسة قائمة على الحرام كالبنوك الربوية، ومصانع تصنيع الخمر، وما شابه ذلك.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
أعمل في وظيفة " محاسب " في إحدى الشركات السعودية التي تعمل في مجال التشغيل والصيانة، وقد اضطرت هذه الشركة لأخذ قروض من أحد البنوك الربوية، وهذه القروض بفوائد شهرية، وأنا بصفتي محاسب الشركة أقوم بإصدار الشيكات، وتسجيل المصروفات، والإيرادات في الدفاتر، ومن ضمنها تلك الفوائد كمصاريف على الشركة تضاف لحساب البنك، علما بأنني نصحت المدير، وقال: إنه مضطر لأخذ المبالغ من البنك، لدفع رواتب العمال، وشراء المواد المختلفة للمشاريع، وتسيير العمل، لقد اعترضت أنا على ذلك بشدة، ووعدت بالاستقالة، ولكن كما تعلمون أن إقامتي عليهم، وصرَّحوا بأنهم سوف لن يسمحوا لي بأن أنقل الكفالة لأعمل في مكان آخر، بل سوف يصدرون تأشيرة خروج نهائي بتسفيري إلى بلدي، ولا يخفى عليكم الفائدة الدينية والدنيوية التي أجدها في هذه البلاد بفضل الله سبحانه وتعالى، فقد منَّ الله علينا بالهداية في هذه البلاد، فلله الحمد والمنَّة، وسؤالي هو: ماذا أعمل الآن؟ هل أستمر في العمل والنصح مع استنكاري الشديد، أم أتقدم باستقالتي وأسافر إلى بلدي التي لا يخفى عليكم حالها دينيّاً ودنيويّاً؟ .
فأجابوا:
"العمل في الشركة المذكورة التي تتعامل بالاقتراض من البنك بالفائدة، مع تسجيلك لها في دفاتر الشركة: لا يجوز؛ لأن ذلك من كتابة الربا، وقد ثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم (لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء) ، وعليك بالبحث عن عمل آخر، وسوف ييسر الله أمرك إن شاء الله، قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) الطلاق/ 2، 3، يسَّر الله أمرك، وأصلح حال الجميع " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غيان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (15 / 27 – 29) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" لا يجوز العمل بالمؤسسات الربويَّة ولو كان الإنسان سائقاً أو حارساً؛ وذلك لأن دخوله في وظيفة عند مؤسسات ربويَّة يستلزم الرضى بها؛ لأن من أنكر الشيء لا يمكن أن يعمل لمصلحته، فإذا عمل لمصلحته كان راضياً به، والراضي بالشيء المحرم يناله من إثمه.
أما من كان يباشر القيد والكتابة والإرسال والإيداع وما أشبه ذلك: فهو لا شك أنه مباشر للحرام، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه، وقال: هم سواء. " فتاوى إسلامية " (2 / 401) .
وانظر أجوبة الأسئلة: (21113) و (26771) و (38877) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6804)
حكم العمل في مصانع إنتاج بناطيل الجينز والملابس القصيرة للنساء
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في شركة لإنتاج الملابس الجاهزة، وتقوم بعمل بنطلونات جينز حريمي، ولكننا نقوم بتصديرها إلى الخارج، ومن الممكن أن تباع داخليّاً في مصر، ولكن بيعها داخليّاً ليس أساس العمل، وبجانب إنتاج البنطلونات الجينز والشورتات الحريمي يكون هناك إنتاج ملابس للأطفال، ولكن الغالب على المصنع إنتاج البنطلونات الجينز، والقماش الحريمي حسب الطلبية، وأحيانا قليلة رجالي، فهل هذا العمل يعتبر حلالاً أم حراماً؟ وهل أتركة أم لا - مع العلم أنني أعمل في الإدارة المسئولة عن التعامل مع المستوردين الأجانب، وأقوم باستلام الطلبيات، ومواصفاتها، وإعطائها للعاملين -؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
تعاني المجتمعات من انتشار الفحش والمنكرات فيها، ومن المنكرات الظاهرة في تلك المجتمعات ظاهرة لباس النساء المخالف للشَّرع، سواء لضيقه وتجسيمه للعورة، أو لقصَره وإبانته عن أجزاء مثيرة من أجسادهن، أو لكونه شفافاً لا يستر ما تحته.
وهذه الملابس المحرَّم لبسها لا يتعلق إثمها بمن لبسها فقط، بل وبمن باعها لهن، وقبل ذلك بمن اشتراها للباعة، وقبل ذلك كله بمن صنعها وأنتجها لأولئك المشترين، وغير خافٍ على أحدٍ أنه يأثم كذلك من رخَّص لتلك المصانع بذلك الإنتاج، ومن رضي بوجوده، وساهم في الحفاظ عليه، وكل أولئك كانوا السبب في وجود ذلك المنكر على جسد تلك الفتاة أو المرأة، وسيحاسب هؤلاء جميعاً على أعمالهم وأفعالهم، كلٌّ بحسب جُرمه ومخالفته للشَّرع.
ولولا الترخيص لذلك المصنع لما عمل وأنتج، ولو العمَّال لما قام واشتغل، ولولا التجار لما وَجدت المتبرجة مكاناً تشتري فيه ذلك اللباس المحرَّم، فكان الجميع شركاء في انتشار الفاحشة والتبرج السافر، وشركاء في كل ما ترتب على ذلك من آثام النظر المحرَّم، والعلاقات الآثمة، وما ترتب عليه من فسادٍ للقلوب، والأخلاق، والدِّين.
ثانياً:
لا فرق بين تصنيع تلك الملابس الضيقة والقصيرة وبيعها للكفار أو للمسلمين، فالكفار مخاطبون بأحكام الشريعة، وهذه الملابس تنشر الفساد والمنكرات، وإن كان بيعها للمسلمات أشد إثماً.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
الرجاء من سماحتكم إفتاءنا في حكم بيع البناطيل الضيقة النسائية بأنواعها، وما يسمى منها بـ " الجنز "، و " الاسترتش " إضافة إلى الأطقم التي تتكون من بناطيل وبلايز، إضافة إلى بيع الأحذية النسائية ذات الكعب العالية، إضافة إلى بيع صبغات الشعر بأنواعها، وألوانها المختلفة، خصوصاً ما يخص النساء، إضافة إلى بيع الملابس النسائية الشفافة، أو ما يسمى بـ " الشيفون "، إضافة إلى الفساتين النسائية ذات نصف كم، والقصير منها، والتنانير النسائية القصيرة.
فأجابوا:
"كل ما يستعمل على وجه محرم، أو يغلب على الظن ذلك: فإنه يحرم تصنيعه، واستيراده، وبيعه، وترويجه بين المسلمين، ومن ذلك ما وقع فيه كثير من نساء اليوم - هداهنَّ الله إلى الصواب -: مِن لبس الملابس الشفافة، والضيقة والقصيرة، ويجمع ذلك كله: إظهار المفاتن والزينة، وتحديد أعضاء المرأة أمام الرجال الأجانب، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: (كل لباس يغلب على الظن أنه يستعان بلبسه على معصية: فلا يجوز بيعه، وخياطته لمن يستعين به على المعصية والظلم، ولهذا كره بيع الخبز واللحم لمن يعلم أنه يشرب عليه الخمر، وبيع الرياحين لمن يعلم أنه يستعين بها على الخمر والفاحشة، وكذلك كل مباح في الأصل علم أنه يستعان به على معصية) .
فالواجب على كل تاجر مسلم: تقوى الله عز وجل، والنصح لإخوانه المسلمين، فلا يصنع، ولا يبيع إلا ما فيه خير ونفع لهم، ويترك ما فيه شر وضرر عليهم، وفي الحلال غنية عن الحرام، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) الطلاق/ 2، 3، وهذا النصح هو مقتضى الإيمان، قال الله تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) التوبة/ 71، وقال عليه الصلاة والسلام: (الدين النصيحة، قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم) خرَّجه مسلم في صحيحه، وقال جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه: (بايعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم) متفق على صحته، ومراد شيخ الإسلام رحمه الله بقوله فيما تقدم: " ... ولهذا كره بيع الخبز واللحم لمن يعلم أنه يشرب عليه الخمر.. إلخ ": كراهة تحريم كما يعلم ذلك من فتاواه في مواضع أخرى " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (13 / 109 – 111) .
وانظر جواب السؤال رقم (5066) و (10436) .
واعلم أن المال المكتسب من هذا العمل مال محرَّم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الله إِذَا حَرَّمَ شَيْئاً حَرَّمَ ثَمَنَهُ) رواه أبو داود (3488) وصححه الألباني في " صحيج أبي داود ".
فتخلص من هذا العمل، وأطب مطعمك بطيب عملك، ونسأل الله تعالى أن يوفقك لذلك، وأن ييسر أمرك، ويفتح لك من خزائنه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6805)
حكم العمل في صنع تقارير صحفية مصورة وحكم المال المكتسب منه
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل كتقني صوت في هيئة إعلامية وطنية، حيث نقوم بالتحقيقات المصورة، ومعي في الفريق صحفي، ومصور، وإضائي، وقد منَّ الله عليَّ بالالتزام منذ عدة أشهر، والحمد لله، إلا أني أصبت بحيرة كبيرة بخصوص عملي، حيث إن التحقيقات المصورة التي تعرض في التليفزيون الوطني فيها الرياضة، والاقتصاد، والأخبار، إلا أنه في بعض الأحيان يطلبون منا تصوير بعض الحفلات، والمسرحيات، والعروض الموسيقية، مع العلم أنه توجد لجنة رقابة، إلا أني منذ التزامي أرفض دخول هذه المواقع، وأسلِّم أجهزتي إلى الصحفي ليقوم بعملي. سؤالي: هل عملي حلال أم حرام؟ كما أني جمعت بعض المال لكي أحج، وقد جمعت أكثره قبل التزامي، فهل مالي حلال أم حرام؟ وإن كان حراماً فهل يمكن أن أعطي المال لوالدتي كي تحج؟ وهل من طريقة لتطهير مالي إن كان عملي حراماً؟ هل يمكنني البقاء إلى أن أجد عملا آخر مع العلم أنه لا توجد لدينا قنوات دينية، والقنوات الأخرى حالتها بائسة وماجنة؟ أرجوكم أن ترشدوني، هل أعمل أم أبقى عاطلا - مع العلم أن والدتي ترفض قطعا أن أبقى عاطلا، ونصحتني بالصبر إلى أن يمنَّ الله عليَّ بعمل آخر -؟ أرجوكم أرشدوني، فقد كرهت نفسي، وعملي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نحمد الله تعالى أن منَّ عليك بالهداية، ونسأله تعالى أن يوفقك لمزيد من الهدى، وأن يثبت قلبك على الإيمان، وأن يطهر جوارحك من الآثام.
واعلم أخي الفاضل أن الدنيا مهما اتسعت لصاحبها فإن مصيره دار ضيقة وهي القبر، وأن النِّعم مهما عظمت فمصير بدنه أن يكون طعاماً للدود، واعلم أن الحياة الحقيقية هي الحياة في الآخرة، وأن الدار التي يحرص المسلم على سكناها هي الجنة، حيث لا هم ولا حزن، ولا مرض ولا ملل، يتقلب فيها بين نعَم الله تعالى وأفضاله.
ثانياً:
أما عملك الحالي: فإنك لا تشك أن فيه من الحرام الشيء الكثير، وهو كذلك، فكل تقرير تشارك في إعداده يحتوي على أمرٍ محرَّم منكر – كموسيقى، أو نساء متبرجات، أو دعوة لأمر محرَّم مخالف للشرع -: فلك نصيب من الإثم بقدر مساهمتك ومشاركتك في ذلك الإعداد، وهو من التعاون على الإثم والعدوان المنهي عنه في قوله تعالى (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/ 2.
وقد أمرنا الله تعالى أن نسعى في الأرض لطلب الرزق، لكنه حرَّم علينا الكسب من حرام، فكل عملٍ يساهم في ظهور المنكر وانتشاره بين الناس فهو عمل محرم ولا يخفى عليكم أن اعتياد الناس المحرمات كتبرج النساء والاختلاط والموسيقى.. وغير ذلك كثير إنما كان سببه الإعلام.
ثالثاًَ:
الذي ننصحك به هو أن تبحث عن مجال مباح في الوظيفة نفسها، ولا تتعجل تركها إذا وجدتَ مجالاً آخر لا حرج فيه شرعاً، ولو أدى هذا إلى أن تعمل في غير تخصصك، لكن إن وجدت باباً في تخصصك ويكون مجال العمل مباحاً: فانتقل إليه، فإن لم يتيسر لك ذلك، وضاقت عليك فرص الحصول على عمل مباح في قسمك أو في قسم آخر: فليس لك إلا ترك الوظيفة، محتسباً تركها لله تعالى، راجياً أن تكون طائعاً لربك في الابتعاد عن كل ما يسخطه عز وجل، وراجياً أن يكرمك الله في الدنيا والآخرة، واعلم أنك إن اتقيت ربَّك تعالى في نفسك ووظيفتك ومالك: فإن لك الوعد منه عز وجل بالخير في الدنيا والآخرة، كما قال (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق/ 2،3.
رابعاً:
أما المال الذي اكتسبته سابقاً: ففيه تفصيل:
1. إذا لم تكن تعلم أن عملك محرم: فالمال الذي اكتسبته منه وتجمع عندك حلال، لك التصرف فيه وفق شرع الله، وقد ذكرنا فتوى الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في حالة مشابهة في جواب السؤال رقم: (12397) .
2. وإذا كنتَ تعلم أن عملك محرماً: فإن عليك أن تقدِّر نسبة الحرام في عملك، فتخرجها من مجموع المال الذي تملكته منه، وتنفقها في وجوه الخير المختلفة، وتنتفع بالباقي فهو لك حلال، وذلك أن عملك ليس كله حراماً، ويرجع تقدير النسبة فيه إليك.
3. لا حرج عليك في إعطاء والدتك من المال الذي تنوي إنفاقه لتحج به – إن كان الأمر على الصورة الثانية -، ولا حرج عليها من قبوله، فالمال المحرَّم كسبه إنما يكون حراماً على كاسبه فقط لا على المنتقل إليه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6806)
عمل المحلِّل الرياضي والسياسي وغيرهما
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك بمحل عملي من يُدْعون بالمحللين الذين يقومون ببيع آرائهم مقابل الحصول على المال، فهل هذه المتاجرة بالمواهب العقلية أخلاقية أم أنها تجر إثماً؟ بما أنه عند إعطاء المحللين أموالاً كافية فإنهم يقومون بقول أي شيء أو التفكير فيه أو القيام به؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تختلف نظرة الناس للأحداث من شخص لآخر، وتتفاوت معلومات الناس من واحد لآخر، وعلى ضوء المعلومات وفهم واقعها يكون التحليل لتلك المعلومات وذلك الواقع، وقد كثرت الحاجة لمثل هؤلاء المحللين حتى أنشئت في كثير من الدول معاهد للأبحاث والدراسات، ومهمتها الاطلاع على المعلومات المتوفرة، وتحليل معانيها، وتقدم هذه الدراسات للدول والمؤسسات السياسية – كالوزارات -، ويستعان بمثل هؤلاء المحللين في القنوات الفضائية لإطلاع المشاهدين على آخر التطورات وتحليل واقعها.
وأما حكم عمل هؤلاء المحللين فإن ذلك يختلف تبعاً لطبيعة المادة التي يعكفون على تجميع معلوماتها وتحليل واقعها، ويختلف – أيضاً – باختلاف فعلهم من حيث الظن والتخرص، أو من حيث الجزم بوقوع شيء في المستقبل.
أما الناحية الأولى:
فلا يجوز أن يعمل المسلم كمحلل " رياضي " أو " فني "، ولا حرج في العمل كمحلل " عسكري " أو " سياسي " أو "اقتصادي".
أما المحلل الرياضي: فإنه من يتتبع الألعاب الرياضية المختلفة، ويدقق في أداء أصحابها، ويجمع معلومات حول اللاعب وناديه وتاريخه، ثم يخرج ليحلل أداء تلك الفرق، وأولئك اللاعبين، وقد عجبنا ممن خرج على الفضائيات واشتهر بتحليلاته الرياضية، وقد رأيناه أضاع عمره في تتبع المباريات، وأداء اللاعبين، وإنه ليذهل السامع والمشاهد لما يسمعه ويشاهده من وفرة معلوماته في المباريات، والأداءات، والنجاحات للنوادي واللاعبين، وكل ذلك في أمور لا تنفعه عند ربه تعالى، ولا تعلي درجته، ولا تكفر سيئاته، ولو أنه استثمر طاقته وجهده في العلم النافع المفيد لصار أعجوبة!
وقل مثل ذلك – بل هو أشد إثماً – في " المحلل الفني "، وهو الذي يتابع الأفلام أو المسرحيات أو الأغاني – بحسب تخصصه – ثم يبدأ بتحليل نجاح ذلك " الفيلم " أو انتكاس تلك المسرحية، ويحلل شخصية ذلك " الفنان " وتلك " المغنية " أو " الراقصة "! فكم سيكتسب مثل هؤلاء من آثام وذنوب مقابل ما يسمعونه ويشاهدونه؟! ثم يأتي التعظيم والمدح والثناء لأولئك الحثالات الذين فسدوا وأفسدوا، وضلوا وأضلوا بذكر أحوالهم، والدعوة للاقتداء بهم، واتخاذهم مثلاً أعلى!
وأما " المحلل العسكري " و " المحلل السياسي ": فإننا نرى أن الأصل في أعمالهم أنه مباح، وهم الذين يدرسون تاريخ الدول، والجيوش، والمعارك، ويقفون على حجم القوات العسكرية الغازية، أو المغزوَّة، وعلى واقع سياسات الدول وحكامها، ثم يعطي الواحد منهم نظرته لحقيقة الصراع، والنصح، والإرشاد، وتوقع ما يحصل.
وأما المحلل " المالي " أو " الاقتصادي " فيمكن أن يكون مباحاً إذا لم يكن يثني ويشجع على المساهمة في الشركات والمؤسسات الربوية أو ذات الأعمال المحرمة، ويحرم إذا كان يشجع على ذلك.
وأما الناحية الثانية:
ففي الحالات الجائزة للعمل كمحلل: لا يجوز لأحدٍ من أولئك أن يجزم بوقوع حدثٍ معيَّن؛ وذلك لأن هذا في علم الغيب، ولا يعدو دوره أن يكون في تحليل واقع الحدث السياسي أو العسكري، ثم تقديم النصح والتوجيه والإرشاد، ولا يحل له الجزم بحصول حدثٍ ما في المستقبل، وما أكثر ما رأينا بعض أولئك وقد جزم بانتصار ذلك الجيش، أو سقوط ذلك السياسي، ولم يحدث شيء مما قاله.
والمحلل لا يجوز له أن يعمل وفق نظرة غيره ممن يدفع له المال، وإلا كان كاذباً، أو شاهد زور، فهو يتكلم وفق معلوماته وفهمه لها، والأصل أن يكون بعيداً عن إملاءات الدول، أو المؤسسات الداعمة، أو الفضائيات، ومن خالف هذا الأصل فإنه فاقد المصداقية، ولم يعد يخفى على الناس مثل هذا الصنف من المحللين.
فأنت ترى أن المحلل له عمل ضخم يقوم به، من القراءة، والاطلاع، والجمع للمعلومات، وتحليلها، ومتابعتها، فإذا أخذ على ذلك أجراً: فهذا من المباح الحلال، على أن يلتزم ما ذكرناه من الصدق والأمانة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6807)
العمل في تدريب النساء على الرقص
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم مكان تعمل فيه النساء فقط لتدريب الرقص، مثل: الباليه والرقصات الأخرى كهواية وليس كحرفة للنساء؟ وما حكم المكسب من هذه الحرفة؟ مع العلم أن التدريب يكون على الأغاني، وإذا كان هذا المكسب حرامًا فماذا عليه أن يفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز أن يشتبه مسلمٌ يعيش في ديار الإسلام في حرمة العمل في أماكن رقص النساء وكشف العورات والوقوع في المنكرات، فإنَّ تحريمَ ذلك معلومٌ من الدين بالضرورة والبديهة، وإذا لم يكن ذلك الفعل حراما فما هو المحرَّمُ إذن؟!
ولا شك أنَّ مَن يتعرَّضُ لمثل هذه الأعمال إنما يتعرَّضُ لسخط الله وعقوبته ومقته وغضبه، إذ كيف يقتحم مثل هذه المعاصي ويجاهر بها على الملأ، بل ويساعد على نشرها وتعليمها والتدريب عليها، وهو يدرك في قرارة نفسه أن هذا العمل من وحي الشيطان ونتن تلك الحضارة الغربية المزعومة، التي تتخذ من العري والمجون شعارا لها، والله سبحانه وتعالى يمهل ولا يهمل، وقد أعد لمن ينشر الفسق والفساد في الأرض عذابا عظيما.
يقول الله عز وجل: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ. إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ. الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ. وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ. وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ. الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ. فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ. فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ. إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) الفجر/6-14
وهذه قضايا معلومة بداهة من الدين، لا تحتاج إلى إقامة برهان عليها، ومن يرضى بها أو يستحلها فهو على خطر عظيم، نسأل الله لنا ولكم السلامة والعافية.
وإذا كان كذلك فالكسب الذي يأخذه من يدرب النساء على الرقص المتعري، ويشارك في نشر الفساد والمعصية في الأرض كسب خبيث ومال حرام، لا يحل له أكله ولا أخذه ولا استعماله، بل يجب عليه أن يبادر إلى التوبة منه.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (23/10-11) :
" – إذا صحب - الرّقصَ أمر محرّم كشرب الخمر، أو كشف العورة ونحوهما، فيحرم اتّفاقًا ... ولا خلاف بين الفقهاء في عدم جواز الاستئجار على المنافع المحرّمة وغير المتقوّمة، فحيث كان الرّقص حرامًا لا يجوز الاستئجار عليه " انتهى باختصار.
والتوبة من المال المحرم لكسبه تكون بالتخلص منه في وجوه البر والخير، فيتصدق بجميع ماله الذي كسبه من الحرام، ولا حرج عليه في إبقاء ما نتج من ذلك المال الحرام بالتجارة المباحة، أو يبقي ما يسد حاجته حتى يجد عملا مباحا يكسب منه الكسب الطيب.
وقد سبق في موقعنا الحديث عن كيفية التوبة من المال الحرام في أجوبة الأسئلة الآتية:
(78210) ، (78289) ، (81915)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6808)
وجوب تحديد مدة الإيجار، وحكم تأجير إعلانات لمواقع مقابل كل ضغطة
[السُّؤَالُ]
ـ[يقوم الموقع بتأجير مكان في الصفحة للإعلانات للمواقع الأخرى، هل يشترط تحديد المدة، كأن أقول سأضع الإعلان عندي لمدة سنة؟ أم يجوز عدم التحديد؟ وأيضاً هل يجوز أن يكون الأجر متغيراً كأن يكون حسب عدد الزوار الذين يضغطون على الإعلان مثلا على كل ضغطة 1 ريال؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا حرج من تأجير مكان في الموقع للإعلان عن المواقع بشرط ألا يكون محتوى تلك المواقع محرماً، كمواقع التعارف بين الرجال والنساء، أو مواقع أغان وأفلام ومسرحيات محرَّمة، أو روابط صوتية ومرئية فاسدة، أو مواقع لأهل البدعة، وما يشبه ذلك: فلا يجوز الدعاية لهؤلاء، لأن في ذلك مشاركة لهم في الحرام الذي يدعون إليه.
قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/ 2.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا) رواه مسلم (2674) .
واحتساب ترك المحرَّم والمشتبه والمختلط مما يدل على قوة الإيمان واليقين، ومما يبشر صاحبه بالرزق الحلال والبركة والأجور العظيمة.
ثانياً:
أما مدة التأجير فمن شروط صحة عقد الإجارة: كون المدة معلومة، والأجرة معلومة.
قال ابن قدامة – رحمه الله -:
ولا خلاف بين أهل العلم في إباحة إجارة العقار , قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم , على أن استئجار المنازل والدواب جائز.
ولا تجوز إجارتها إلا في مدة معينة معلومة.
" المغني " (5 / 260) .
وقال – رحمه الله -:
الإجارة إذا وقعت على مدة: يجب أن تكون معلومة كشهر، وسنَة، ولا خلاف في هذا نعلمه.
" المغني " (5 / 251) .
ويجوز في عقد الإجارة، أن يتفق على أن كل يوم بكذا، أو كل شهر بكذا، من غير أن يحدد نهاية المدة، قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني": " من استأجر فرساً مدة غزوة كل يوم بدرهم فالمنصوص عن الإمام أحمد صحته، لأن عليا رضي الله عنه أجر نفسه كل يوم ولو بثمره، وكذلك الأنصاري ولم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم انتهى.
وعلى هذا، فإما أن تحدد في العقد مع الموقع المدة كاملة لشهر أو سنة مثلاً، وإما أن تحدد الأجرة لكل يوم – مثلا – وإن لم تحدد نهاية المدة.
ثالثاً:
وأما بالنسبة للتأجير بحسب عدد الضغطات على الإعلان: فالذي يظهر أنه لا بأس به.
على أن يُتفق على سعر الضغطة الواحدة، وعلى أن لا تتسبب في زيادة عدد الداخلين باستعمال برنامج، أو باستئجار من يفعل ذلك.
وهذا يشبه ما نقل عن الصحابة من عملهم في السقي كل دلو بتمرة.
فعن كعب بن عجرة قال: سقيت يهودي كل دلو بتمرة، فجمعتُ تمراً فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم ... .
قال الهيثمي رحمه الله:
رواه الطبراني في " الأوسط "، وإسناده: جيِّد.
" مجمع الزوائد ومنبع الفوائد " (11 / 230) .
وحسَّنه الألباني في " صحيح الترغيب والترهيب " (3271) .
وجهالة عدد الزوار عند عقد الإجارة لا يؤثر في صحة العقد؛ لأن مآل الجهالة إلى علم.
وعليه: فلو أجرتَ تلك المواقع المباحة شهريّاً أو سنويّاً بسعر ثابت: فجائز، ولو كان عقد الإجارة على حسب عدد زوار موقعهم المعلَن عنه في موقعك: فجائز، بشرط تحديد سعر الضغطة الواحدة، وبشرط آخر مهم: وهو أن لا تتسبب في كثرة عدد الزيارات لموقعهم عن طريق برنامج، أو عن طريق استئجار موقع آخر أو أشخاص ليقوموا بالدخول على الموقع المعلَن عنه؛ ليرتفع رصيدك في ذلك الموقع، فإن فعلتَ ذلك: أثمت، وكان ما استوفيتَه من مال مقابله من ذلك الموقع مالاً محرَّماً عليك، ووجب عليك إرجاعه لهم.
وقد رفعتْ شركات كثيرة على مواقع عالمية مشهورة يتهمونهم بتزوير نتائج زوَّار الإعلانات لديهم، وقد جاء في صحيفة " الجزيرة " العدد 113، الأحد 22 ربيع الأول 1426 هـ:
يُذكر أن تزوير إعلانات " الدفع مقابل كل ضغطة " يعدُّ مشكلة كبيرة تواجه صناعة البحث عبر الإنترنت، حيث يقوم بعض الناس - منهم منافسون، أو عاملون متضررون من شركاتهم - بالضغط أكثر من مرة بصورة متواصلة على الإعلانات؛ للعمل على زيادة قيمة فاتورة المعلن! وهو ما قد يكلِّف المعلنين كثيراً من الأموال، كما أنه من الصعب تعقب الفاعل، أو إيقافه.
وتشير إحصاءات مؤسسة " سيمبو " غير الربحية أن ما بين 36 و 58 % من المعلِنين يشعرون بالقلق الشديد إزاء عملية تزوير الإعلانات، ولكنهم لا يستطيعون دوماً تعقب الفاعل. انتهى
ولمزيد الفائدة راجع جواب السؤال (98817)
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6809)
يسأل عن الزواج من فتاة تعمل محاسبة في شركة للتبغ
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن لي الزواج من فتاة موظفة كمحاسبة في شركة التبغ، إنها فتاة ذات خلق، وترتدي الحجاب الإسلامي، وعفيفة، والله أعلم بما في الصدور.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الزواج – أخي الكريم – هو خطوة نحو السعادة في الدنيا، غير أن كثيرا من الناس يبتغي السعادة في الدنيا الفانية وينسى الآخرة الباقية، فلا يراعي في زواجه ما شرع الله تعالى، ولا يبتغي من زواجه إلا قضاء اللذة والشهوة، فلا يلتفت إلا إلى جمال المرأة التي يطلبها أو جاهِها أو مالِها، ويكون ذلك في أكثر الأحيان على حساب الدين.
ونحن نربأ بك – أخانا السائل – أن تكون من مثل هذه الزمرة.
فالمسلم بحاجة إلى من يُثَبِّتًُه ويُعينه على الاستقامة ولزوم طريق الخير والطاعة، وخيرُ معين على ذلك هو الزوجة الصالحة، التي تأمره بالخير وتنهاه عن الشر.
والمسلم بحاجة أيضا إلى أمٍّ كريمة صالحة، تقوم على شأن أولاده بالتربية والرعاية وغرس الأخلاق الفاضلة والقيم العظيمة، وتنشئهم على حسن العبودية لله تعالى، فتُعظِّمُ شعائر الله في قلوبهم، وتُنَمِّي دوافعَ الالتزام بالشرع في حياتهم، حتى ينالوا رضا الله في الدنيا والآخرة، وحتى يكونوا مشاعل خير وإصلاح في مجتمعاتهم.
هذا ما ينبغي عليك أن تَرقُبَه في المرأة التي تطلبها زوجة وصاحبة، وهذا ما يجب أن ترعاه في أمر خطبتك.
فتأمل - أخي الكريم - في حال هذه الفتاة التي تريد خطبتها:
فإذا وجدت فيها ما وصفنا لك فهي الغاية والمطلب، فأمسك بها ولا تُفَوِّتها على نفسك، وعلامةُ ذلك أنك إِن بَيَّنتَ لها حرمة التدخين وتعاطيه، وحرمةَ الإعانة عليه، والعملِ في شركات إنتاجه وتسويقه – فستستجيب لك، وستترك عملها وهي راضيةٌ مستبشرةٌ فرحةٌ بهداية الله لها، وتوفيقه إياها أن صرف عنها الرزق الحرام والكسب الخبيث.
نسأل الله أن يوفق هذه الفتاة لذلك.
أما إن رَفَضَت نصيحتَك، ولم تستمع لفتاوى أهل العلم التي تكاد تتفق على تحريم هذه الشجرة الخبيثة وتحريم العمل في إنتاجها، وأصرت على بقائها في عملها المحرم واختلاطها بالرجال الأجانب الذين يشاركونها في هذا الإثم، فلا نظن أنك سترى فيها حينئذ المواصفاتِ الصالحةَ التي تحدَّثنا عنها، وستدرك أن نصيحتنا – ولا بد – هي أن تترك تلك الخطبة إلى خطبة أخرى تُبنى على أساسِ الطاعةِ والتقوى والالتزام، وأن تجتنب الحديث مع تلك الفتاة، ولا تحاول الاتصال بها، فإن الحديث مع النساء إذا كان لغير حاجة من المحرمات.
والعمل في مصانع وشركات إنتاج التبغ والدخان أخطر من التدخين نفسه، وذلك أن المُنتِج للتبغ مُتنِجٌ للشر، ومُصَدِّر للخبث والضرر، وساعٍ في إفساد المجتمع بإفساد الصحة والعافية التي وهبها الله للإنسان، فيتحمَّل وزر كلِّ ضرر وكلِّ أذىً ينتشر في المجتمع بسبب التدخين، ولو كان عمله في قسم المحاسبة، فإن الشركة وحدة متكاملة، أصل عملها محرم، فيَحرُمُ كلُّ عملٍ يعين على الحرام.
ونحن ننتظر اليوم الذي تغدو فيه مصانع وشركات التدخين خاوية على عروشها، يهجرها كل مسلم غيور على دينه ونفسه ومجتمعه، ويصون نفسه أن تكون مِعول هدم ومصدر فساد.
فاحرص على نصح تلك الفتاة في هذا الأمر، وانقل لها الفتاوى المقررة في ذلك، ولا تطمع أنت ولا هي في ذلك الرزق الحرام، فالله سبحانه وتعالى يمحق الحرام ويبارك في الحلال، فإن استجابت فأقدم على الزواج بها، وإلا فسوف يغني الله كلا من سعته والله واسع حكيم.
وانظر أجوبة الأسئلة الآتية ففيها بيان حكم التدخين وخطورته (9083) ، (10922) ، (13254) ، (20757)
وانظر في بيان مواصفات الزوجة الصالحة جواب السؤال رقم (71225)
وفي موقعنا الكثير من الفتاوى التي تبين حرمة العمل فيما فيه إعانة على المنكر والحرام، انظر مثلا الأرقام (7432) ، (41105) ، (49829)
وفي ضوابط عمل المرأة أيضا: انظر (6666) ، (20140) ، (22397) ، (33710)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6810)
هل يجوز له الإشراف على بناء بيت لأناس اقترضوا من بنك بالربا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مهندس، لدي مكتب هندسي أعمل فيه، يأتيني أناس مقترضون من البنك بقروض ربوية، وهذه القروض لبناء مساكن، المهم: يُطلب مني أن أشرف على البناء الذي استقرضوا من أجله، أو يستشيرونني في أمر البناء، أو أي عمل يخص هذا البناء، سواء بمقابل، أو بدون مقابل أقوم به، فهل يلحقني إثم في ذلك، أو شجعت على الربا في عملي هذا؟ مع العلم كنت في السابق أرسم الخرائط التي على ضوئها يأخذ القرض، وأكتب التقرير عند انتهاء أي مرحلة من مراحل البناء ليؤخذ بها دفعات القرض، وعند سماعي فتوى من أحد أصدقائي بأني أكون أنا بمثابة كاتبه: أوقفت هذا الأمر، فهل عليَّ شيء؟ وإن كان عليَّ شيء: فما هو كفارته؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لسنا بحاجة لبيان حكم قرضهم الربوي، فهو واضح بيِّن، وقد وقع أصحابه في كبيرة من كبائر الذنوب، وعليك نصحهم وتذكيرهم بحرمة فعلهم، وضرورة التوبة منه.
وأما بالنسبة لسؤالك:
فيمكن لمهندس البناء أن يكون فعله محرَّماً، ويمكن أن يكون حلالاً:
فإذا صمم لهم البيت، أو خططه لهم لأجل الحصول على قرض ربوي: ففعله حرام، وهو متعاون على الإثم والعدوان؛ لأن فعله هنا له تعلق بالقرض الربوي، قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2.
وإذا كان التصميم أو التخطيط بعد حصولهم على القرض الربوي: فلا حرج على المهندس أن يصمم ويخطط ويشرف على البناء، ولو كانت أموال أصحابه أخذت بقرضٍ ربوي محرَّم؛ لأن القرض الربوي تعلق بذمة أولئك المرابين، لا بعين المال، وهو إنما يأخذ المال مقابل جهده وتعبه، وهكذا من باعهم أرضاً أو مواد بناء: فإنه لا حرج عليه أن يفعل ذلك؛ لأنهم جميعاً استوفوا المال مقابل ما بذلوه من بضائع ومواد، ولا تعلق لهم بالقرض الربوي.
وانظر جواب السؤال رقم (82277)
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6811)
هل يجوز الأكل في مطاعم تقدِّم الخمور والخنزير؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لنا دخول مطاعم تقدِّم الخمر والأكل فيها؟ علماً بأننا لا نرى الخمر، ولا نرى أحداً يشرب أمامنا، حيث إننا في فلسطين، في بيت لحم، وأكثر المطاعم هي للمسيحيين في المدينة، وخصوصاً في الأعياد تكون مطاعم المسيحيين مفتوحة ومطاعم المسلمين مغلقة، وصديقاتي يفضلن بعض المطاعم، ولكني اكتشفت أنها تقدم الخمر، فما رأيكم؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الأولى تسمية أولئك الكفار الذين جعلوا المسيح بن مريم إلهاً أو ابن الإله " نصارى "، كما سماهم الله تعالى في كتابه، فالمسيحيون هم أتباع المسيح عليه السلام الذين شهدوا له بالرسالة، ولربهم تعالى بالألوهية والربوبية.
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
شاع منذ زمن استخدام كلمة مسيحي , فهل الصحيح - يا سماحة الشيخ - أن يقال: " مسيحي "، أو " نصراني "؟ أفيدونا أثابكم الله.
فأجاب:
معنى " مسيحي ": نسبة إلى المسيح بن مريم عليه السلام , وهم يزعمون أنهم ينتسبون إليه، وهو بريء منهم , وقد كذبوا، فإنه لم يقل لهم إنه ابن الله، ولكن قال عبد الله ورسوله، فالأولى أن يقال لهم: " نصارى "، كما سماهم الله سبحانه وتعالى , قال تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ) الآية.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (5 / 416) .
ثانياً:
لا يجوز لكم دخول المطاعم التي تقدِّم في وجباتها أشياء محرمة كلحم الخنزير، أو الخمور؛ وذلك لعدة أسباب:
1. أن تلك المطاعم فيها منكرات ظاهرة، وليست ثمة ضرورة لدخول مكان يُعصى فيه الله تعالى بتقديم أطعمة وأشربة نصَّ الله على تحريمها، وأجمع المسلمون على القول بالحرمة.
2. الأصل في المسلم أن ينكر المنكر الذي يراه بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وإذا كنتم عاجزين عن الإنكار باليد واللسان: فإنكم غير عاجزين عن الإنكار بالقلب، ومن مقتضى الإنكار بالقلب: مفارقة مكان المعصية، وهذا لا يلتقي مع فعلكم في الذهاب والجلوس في مكان المعصية.
قال تعالى: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً) النساء/140.
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ) . رواه مسلم (49) .
3. أنكم قد تأكلون طعاماً لا تستطيعون الجزم بأنه حلال؛ وذلك من وجهين:
أ. تقديم لحوم غير مباحة في الشرع، أو وضع شيء من طعامهم وشرابهم المحرَّم في طعامكم المباح.
ب. عدم غسل أوانيهم التي يطبخون فيها لهم ولكم، وقد تكون تحتاج لغسل بسبب مخالطة المواد المحرمة أو النجسة لها.
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
ما حكم الأكل في آنية الكفار؟ .
فأجاب:
قال عليه الصلاة والسلام (لا تأكلوا في آنيتهم إلا أن لا تجدوا غيرها فاغسلوها وكلوا فيها) ، وقال عليه الصلاة والسلام ذلك من أجل أن يبتعد المسلم عن مخالطة الكفار , وإلا: فالطَّاهر منها طاهر, يعني: لو طهي فيها الطعام , أو غيره: فهي طاهرة , لكن النبي صلي الله عليه وسلم أراد أن لا نخالطهم , وألا تكون أوانيهم أواني لنا , فقال صلى الله عليه وسلم (لا تأكلوا فيها إلا ألا تجدوا غيرها فاغسلوها وكلوا فيها) , وكلما ابتعد الإنسان عن الكفار: فهو خير، ولا شك.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (15 / جواب السؤال رقم 1181) .
وانظر تفصيلاً وافياً لهذا في جواب السؤال رقم (65617) .
4. أن في تناولكم للطعام في تلك المطاعم تزكية لها، وقد يأتيها بعض المسلمين بناء على هذا فتضعف نفوسهم فيتناولون المحرمات فيها، أو – على الأقل – يظنون جواز الأكل والشرب في آنيتهم، أو بإضافة القليل من المحرمات في الطعام.
5. أن في الأكل في تلك المطاعم مخالطة للكفار، وتكثيراً لسوادهم.
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
ما هو رأي الدين في دخول " بار " يعني: مطعم ومشرب، يحتوي البار على المأكولات والمشروبات الروحية، وكان الهدف هو تناول الطعام فقط؟ .
فأجاب:
هذا السؤال يتضمن شقين:
الشق الأول: هذه التسمية الباطلة للشراب الخبيث، وهو الخمر، فإن تسميته بالشراب الروحي تسمية باطلة، فأي شيء هو للروح؟ بل هو الشراب الخبيث المفسد للعقل والدين والنفس، ولا ينبغي مثل هذا أن يُوصف بهذا الوصف الجذاب الذي يضفي عليه ثوب المشروعية، بل ثوب الترغيب والدعوة إليه، لهذا ينبغي أن نسميه الشراب الخبيث، بل هو أم الخبائث، ومفتاح كل شر.
والشق الثاني: دخوله هذا المطعم الذي تدار فيه كؤوس الخمر، وهذا لا يجوز، بل هو محرَّم؛ لأن الإنسان الذي يأتي إلى مكان يُعصى فيه الله عز وجل: فإنه يُكتب له مثل إثم الفاعل، قال الله تعالى: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ) .
ولكن إذا كنت في ضرورة - ولا أعتقد أن تكون في ضرورة - إلى أن تتناول طعامك من هذا المكان المشتمل على الخبائث: إن كنت في ضرورة: فاشترِ طعاماً، وابتعد عن هذا المكان، وكلْه، وإن كنتَ تجد طعاماً آخر من مكان آخر لا يشتمل على هذا الخبيث: فإن ذلك هو الواجب عليك.
" فتاوى نور على الدرب " / البيوع.
وبالنسبة لحال السائلة، فلا يظهر لنا أنها في حال الضرورة، بل ولا في حال الحاجة إلى هذه المطاعم، فما حاجة الإنسان – وهو في بلده – إلى الأكل من المطاعم، أصلا؟!
ثم إن قدر أن الإنسان خارج بيته، واحتاج إلى طعام، فيمكنه الاستغناء بشيء من المأكولات اليسيرة والتي تباع في البقالات العادية، يتقوت بها إلى أن يرجع إلى بيته، فيأخذ حاجته من الطعام!!
إن دين المسلم أعز عليه من كل غال ونفيس، ويبذل – دونه – روحه ودمه، فهل يليق به أن يجعله رهينة لكل عارض وشهوة يبحث – من أجلها- عن الترخص في دينه، او التلاعب بأحكامه، حتى ولو كان عارض الأنس مع الصديقات؟!
(تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) البقرة/229،
(ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) الحج/32.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6812)
العمل في جلي كؤوس الخمر ومطعم تشتم فيه الذات الإلهية
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم أنا أقيم في مدينة القدس في فلسطين , وقد عملتُ كعامل نظافة، وجلي للأطباق في مطعم صاحبه يهودي , ولا يخفى على فضيلتكم أنه قلما يوجد مطعم أو متجر عند اليهود يخلو من المسكرات، أو المعجنات، والفطائر المعجونة بالخمر، أو النبيذ، بالإضافة إلى غيره من المشروبات الساخنة والمأكولات العادية، وقد كنت أجتنب حمل هذه المسكرات خلال عملي حيث كان بعض المسلمين العصاة ممن يحملونها أو يشربونها يقومون بذلك , إلا أني كنت أقوم بجلي الكؤوس المستخدمة لشربها - بالطبع فإن الكؤوس لا تكون فارغة بل أقوم بسكب محتواها ثم جليها - كما أقوم بجلي الأدوات وتنظيف الآلات المستخدمة في تحضير تلك الأنواع من المعجنات. فأرجو من فضيلتكم حلماً على تساؤلاتي الآتية، وصدراً رحباً فيما يخص بعض الأمور المتعلقة بهذا الصدد: 1- هل جلي هذه الكؤوس أو الأدوات المستخدمة في تحضير المعجنات الآنف ذكرها جائز أم لا؟ . 2- هل يجوز العمل في أماكن تبيع المسكرات وعدم الإنكار على حاملها من المسلمين العصاة، على العلم أن الساكت عن الحق شيطان أخرس؟ بالإضافة إلى أنه لو لم يقم هذا الشخص العاصي بحملها أو في حال كان الآخرون ملتزمين فاني سأجبر على حملها أو ترك الوظيفة , فما السبيل للخلاص من هذه الحيرة؟ . 3- إن مما ابتليت به المجتمعات الإسلامية في هذا الزمان هو شتم الذات الإلهية والدِّين والرسول - عليه السلام -، وقد كان هؤلاء العصاة وغيرهم من اليهود يكثرون من هذا الفعل المشين أثناء فترة العمل – فلا حول ولا قوة الا بالله -، فهل يجوز لي البقاء في أماكن تواجد هؤلاء زمن الشتم - أي: فترة العمل - أم عليَّ ترك الوظيفة - علما بأنه قلما تجد شباباً ملتزمين في سوق العمل الحر، وكثيراً ما نواجه هذا الفلَتان الديني في شتى الأمكنة، حتى صار لكثير منَّا أمراً طبيعيّاً مستهجنين منكِره عليهم , لا بل والأدهى من ذلك اعتباره عنصريّاً أو متشدِّداً، ويقومون بفصله من العمل -؟ . 4- هل ما تقاضيته من أجر عن هذه الوظيفة هو أجر حلال أم حرام، وإن كان حراماً بالكلية أو الجزئية فماذا عليَّ فعله إذ أني لم أتصرف بهذا المال بعد؟ . 5- فيما يخص الصلاة , لم يكن هناك مكان لأصلي فيه إلا غرفة المخزن الذي يحوي بالطبع على الخمور , فهل كان جائزاً لي إقامة الصلاة في مكان كهذا أم لا , وإن لم يكن جائزاً فماذا ينبغي فعله؟ . أعتذر من فضيلتكم على هذه الإطالة , وأرجو منكم التفصيل الشرعي المثبت بالأدلة النقلية والعقلية في هذه الفتوى؛ لكيلا يبقى عندي أدنى شك أو ريب مما سألتزم به لاحقا , بالإضافة إلى توثيق اسم الجهة أو الشيخ المفتي الذي سيقوم بإصدار الفتوى , وجزاكم الله عني وعنكم خير الجزاء والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
من المحرَّمات القطعية في الإسلام: الخمر والخنزير، وقد ثبت تحريم شرب الخمر وأكل الخنزير بالكتاب والسنَّة والإجماع.
قال تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ... ) المائدة/من الآية 3.
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) المائدة/90.
والعمل في أماكن تبيع هذه المحرمات، أو في مطاعم في تقديمها، أو جلي الأواني والأكواب التي قدمت فيها: لا يحل أيضاً، وهو من المشاركين في الإثم، والمستحقين للعن؛ لأن اللعن ليس لشارب الخمر، بل ولحاملها أيضاً، والعمل في تلك الأماكن من التعاون على الإثم والعدوان، وهو محرَّم، كما قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/من الآية 2.
وهذه بعض الفتاوى في هاتين المسألتين:
1. سئل علماء اللجنة الدائمة:
نحن هنا في هولندا شباب مسلم، متمسك والحمد لله بدينه، ولكن الأعمال المتوافرة هنا كلها في الخمر والمطاعم التي تقدم لحوم الخنزير، إلى جانب اللحوم الأخرى، هل يجوز العمل في غسل الأواني التي يعد فيها لحم الخنزير، كعمل لكسب الرزق؟ أفيدونا أفادكم الله، ووفقنا الله وإياكم، وجزاكم الله خيراً.
فأجابوا:
لا يجوز لك أن تعمل في محلات تبيع الخمور أو تقدمها للشاربين، ولا أن تعمل في المطاعم التي تقدم لحم الخنزير للآكلين، أو تبيعه على من يشتريه، ولو كان مع ذلك لحوم أو أطعمة أخرى، سواء كان عملك في ذلك بيعاً، أو تقديماً لها، أم كان غسلا لأوانيها؛ لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان، وقد نهى الله عن ذلك بقوله: (وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) ، ولا ضرورة تضطرك إلى ذلك، فإن أرض الله واسعة، وبلاد المسلمين كثيرة، والأعمال المباحة فيها شرعا كثيرة أيضاً، فكن مع جماعة المسلمين في بلد يتيسر فيها العمل الجائز، قال الله تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ. وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) ، وقال سبحانه: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) .
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (14 / 414، 415) .
2. وفي جوابٍ آخر لمن يعمل في معمل لبيع لحم الخنزير، قالوا:
إذا كان الأمر كما ذكر: فإنه لا يجوز لك الاستمرار في العمل المذكور؛ لأنه من التعاون على الإثم والعدوان الذي نهى الله عنه بقوله: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) ، ونوصيك بالتماس عمل غير العمل المذكور (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) ، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (14 / 436، 437) .
ثانياً:
وأما ما تقاضيته من مال مقابل تلك الأعمال المحرَّمة: فما كنتَ تصرفتَ به وأنفقتَه: فليس عليك أن تخرج مقابله شيئا، وما كان منه عندك وبين يديك: فأنفقه في وجوه الخير ولا تنتفع به.
سئل علماء اللجنة الدائمة:
هناك رجل قد ذهب إلى إحدى الدول الأوربية، والتحق بعمل في أحد المطاعم التي تقدم لحم الخنزير للنصارى، وهو كان من الذين يقومون بطهي هذا اللحم، وقد حصل من هذا العمل على أموال، فما حكم الدين في هذا العمل؟ وما الحكم في هذه الأموال؟ وكيف يتصرف فيها؟ وإذا أهدى هذا الرجل لرجل آخر جزءً من هذا المال هل له أن يقبله منه أم هو مال حرام، لا يجوز له أن يقبله منه؟ .
فأجابوا:
هذا كسب محرم، يجب عليه أن يتوب إلى الله من العمل الذي كسبه منه، ويقلع عنه، ويندم على ما مضى، ولا يجوز له أن ينتفع بما بقى عنده منه، ولا أن يهديه.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (14 / 413، 414) .
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
ماذا عن الإخوة الذين تواجههم بعض الصعوبات من الأمريكيين أنفسهم ولا يوجد عملٌ إلاَّ عند هؤلاء، محل بيع الخمور، بيع خنزير، ماذا عن ماله الذي يتقاضاه من هذا العمل؟ .
فأجاب:
المال الذي يتقاضاه من هذا العمل حرام؛ لأن الله إذا حرَّم شيئاًَ حرم ثمنه، والواجب على المسلمين أن يتساعدوا فيما بينهم، ويجدوا لهذا الشخص عملاً تقوم به حياته.
" فتاوى المكتب التعاوني / جدة " (السؤال السادس) .
وانظر جواب سؤال رقم (78289) .
ثالثاً:
ولا يحل لك البقاء بين من يشتمون الذات الإلهية مع قدرتك على مفارقتهم، وعملك لو كان مباحاً ليس من الضرورات التي تبيح لك البقاء بينهم، فكيف وهو محرَّم أصلاً؟! .
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله -:
هل يجوز البقاء بين قوم يسبون الله عز وجل؟ .
فأجاب:
لا يجوز البقاء بين قوم يسبون الله عز وجل؛ لقوله تعالى: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً) النساء/140.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (2 / السؤال رقم 238) .
رابعاً:
وصلاتك في المستودع الذي يحتوي على خمور ليس فيها شيء، ولا شك أنه ليس هو المكان المناسب لأداء هذه العبادة العظيمة، ولكن الصلاة لا تبطل بهذا، وليس عليك إعادة ما سبق من الصلوات، وينبغي على المسلم تعظيم شأن الصلاة من حيث الاهتمام بإقامتها في أوقاتها، وأن يكون على أحسن حال، وأجمل ثياب، وأن يكون المكان الذي يصلي فيه نظيفاً طيِّباً، وإنما يكره هذا في حال الاختيار.
قال الإمام البخاري رحمه الله: " بَاب مَنْ صَلَّى وَقُدَّامَهُ تَنُّورٌ أَوْ نَارٌ أَوْ شَيْءٌ مِمَّا يُعْبَدُ فَأَرَادَ بِهِ اللَّهَ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُرِضَتْ عَلَيَّ النَّارُ وَأَنَا أُصَلِّي "
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " لم يفصح المصنف في الترجمة بكراهة ولا غيرها؛ فيحتمل أن يكون مراده التفرقة بين من بقي ذلك بينه وبين قبلته وهو قادر على إزالته، أو انحرافه عنه وبين من لا يقدر على ذلك؛ فلا يكره في حق الثاني، وهو المطابق لحديثي الباب، ويكره في حق الأول، كما سيأتي التصريح بذلك عن ابن عباس في التماثيل، وكما روى ابن أبي شيبة عن بن سيرين أنه كره الصلاة إلى التنور أو إلى بيت نار " انتهى.
"فتح الباري" (1/629) .
ولا شك أن شأن الخمر أخف مما يعبد من دون الله، ثم إن كون المنكر ونحوه في غير جهة القبلة، أخف ـ أيضا ـ من أن يكون في ناحية القبلة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6813)
التعامل مع شركة تبيع الذهب بنظام التسويق الهرمي
[السُّؤَالُ]
ـ[شركة تبيع الذهب فإذا اشترى منها قطعة من الذهب بمبلغ 800 دولار أصبح عضوا في الشركة فإذا جاء بستة مشتريين واشتروا من الشركة أصبح عضوا فعالا وله أرباح مستمرة من قبل الشركة على الدوام حسب مبيعاتها فهل يجوز المشاركة في هذه الشركة أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز الاشتراك في الشركات التي تقوم فكرتها على التسويق الهرمي، لاشتمال هذه المعاملة على القمار وأكل أموال الناس بالباطل، والتغرير بهم، وخداعهم لتحقيق أرباح وهمية، لا يحققها إلا النادر جدا من المشتركين في هذه الشركات، وقد سبق الكلام على ذلك مفصلا في جواب السؤال رقم (40263) ، (42579) ، (45898) .
ثم إن كانت الشركة تبيع الذهب، والذهب لا يصل للمشتري إلا بعد أيام من إجراء العقد، فهذا محذور آخر؛ فإنه يشترط في بيع الذهب بالنقود استلام الذهب والثمن في مجلس العقد، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ) رواه مسلم (2970) من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه.
والريالات والدولارات وغيرها من العملات أجناس مستقلة لها ما للذهب والفضة من الأحكام، فلا يجوز شراء الذهب بشيء من العملات إلا يدا بيد.
فإذا كان المشترك يسدد قيمة الذهب أولا، ثم يرسل له الذهب عن طريق البريد، أو شركات الشحن، فقد انتفى التقابض يدا بيد، فيكون هذا البيع محرما.
وبعض هذه الشركات تعطي خيار الشراء بالتقسيط، وهذا وجه آخر للتحريم؛ فإن الذهب لا يجوز بيعه بالتقسيط، بل يجب أن يباع يدا بيد كما سبق.
والحاصل: أن الشركات القائمة على نظام التسويق الشبكي أو الهرمي، لا يجوز الدخول فيها، لبناء معاملتها على القمار والميسر وأكل المال بالباطل، وتضمنها للربا، في حالة بيعها الذهب بالتقسيط، أو في حالة تأخر تسليم الذهب عن مجلس العقد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6814)
أخذ الأجرة على حلق اللحية حرام
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض أصحاب صالونات الحلاقة يحلقون لحى بعض الناس فما حكم المال الذي يأخذونه بسبب عملهم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
حلق اللحية وقصها محرم ومنكر ظاهر، لا يجوز للمسلم فعله ولا الإعانة عليه، وأخذ الأجرة على ذلك حرام وسحت، يجب على من فعل ذلك التوبة إلى الله منه وعدم العودة إليه، والصدقة بما دخل عليه من ذلك إذا كان يعلم حكم الله سبحانه في تحريم حلق اللحى فإن كان جاهلاً فلا حرج عليه فيما سلف وعليه الحذر من ذلك مستقبلاً؛ لقول الله عز وجل في أكلة الربا: (فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) البقرة/275.
وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (قصوا الشوارب وأعفوا اللحى خالفوا المشركين) ، وفي صحيح البخاري، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (قصوا الشوارب ووفروا اللحى خالفوا المشركين) وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (جزوا الشوارب وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس) فالواجب على كل مسلم أن يمتثل أمر الله في إعفاء لحيته وتوفيرها، وقص الشارب وإحفائه، ولا ينبغي للمسلم أن يغتر بكثرة من خالف هذه السنة وبارز ربه بالمعصية.
نسأل الله أن يوفق المسلمين لكل ما فيه رضاه: وأن يعينهم على طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يمن على من خالف أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بالتوبة النصوح إلى ربه والمبادرة إلى طاعته وامتثال أمره وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، إنه سميع قريب.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/8 ص / 372.(5/6815)
حكم عمل المرأة بدار العجزة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمرأة العمل في دار العجزة المختلطة بين الرجال والنساء والعاملة فيها تقوم بتغسيل الرجال والنساء العجزة وتغير الحفاظ لهم، وربما قدمت لهم المشروبات المحرمة ووجبات الخنزير، وهل للمرأة المسلمة أن تعمل في هذا المكان إذا تجنبت تقديم الكحوليات واللحوم المحرمة، مع العلم أنها لا يُسمح لها أن تلبس غير الإشارب على رأسها والقميص إلى الركبة مع البنطال بحجة الضرورة. والتي يفتي بها البعض لهن أن العمل بهذه الصورة أفضل من الوقوف أمام المؤسسة الاجتماعية التي تقدم المساعدات للأسير الغير عامل رب بيتها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أما عن تقديم الخمر والخنزير لنزلاء دار العجزة فلا شك في تحريمه وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم في الخمر عشرة ومنهم حاملها وساقيها، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ – رضي الله عنه - قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَمْرِ عَشْرَةً عَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَشَارِبَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةُ إِلَيْهِ وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَآكِلَ ثَمَنِهَا وَالْمُشْتَرِي لَهَا وَالْمُشْتَرَاةُ لَهُ) رواه الترمذي (1295) وأبو داود (3674) فلا يجوز حملها ولا أخذ الأجرة على ذلك، وقال النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا حَرَّمَ عَلَى قَوْمٍ أَكْلَ شَيْءٍ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ثَمَنَهُ) صححه الألباني رحمه الله في صحيح أبي داود رقم (2978) .
ومعلوم تحريم الخمر والخنزير في القرآن الكريم.
وبقي لدينا محذوران:
الأول: عدم اكتمال الحجاب الشرعي للمرأة المسلمة العاملة في هذه الدور.
والثاني: ما يترتب على تغسيل العجزة وتغيير حفاظاتهم من رؤية العورات ومسها وهذا جائز للضرورة ولكن لا أظنهم يولّون الرجال على الرجال، والنساء على النساء، بل الغالب أنهم يجمعون الجميع في مكان واحد وتعمل المرأة مع الجنسين والرجل مع الجنسين.
فانصح بعدم العمل في هذا المكان للمرأة المسلمة خصوصاً وأن هذا العمل غير محبوب لما فيه من ملابسة النجاسات، وأخذ المساعدات من المؤسسة الاجتماعية على ما فيه من غضاضة على المسلم في الأخذ من الكافر، إلا أنه أهون من العمل الذي فيه مخالفات شرعية.
نسأل الله أن يعز الإسلام والمسلمين والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/6816)
العمل في مصانع الخمر
[السُّؤَالُ]
ـ[سائل من جامبيا يسأل ويقول: ما حكم المسلم الذي يبيع الخمر أو المخدرات، وهل نسميه مسلما أم لا؟ وما حكم المسلم الذي يعمل في مصنع الخمر، وهل يجب عليه ترك عمله إذا لم يجد سواه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
بيع الخمر وسائر المحرمات من المنكرات العظيمة، وهكذا العمل في مصانع الخمر من المحرمات والمنكرات لقول الله عز وجل: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) ولا شك أن بيع الخمر والمخدرات والدخان من التعاون على الإثم والعدوان، وهكذا العمل في مصانع الخمر من الإعانة على الإثم والعدوان وقد قال الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ، إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) .
وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لعن الخمر وشاربها وساقيها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وبائعها ومشتريها وآكل ثمنها.
وصح عنه أيضا عليه الصلاة والسلام أنه قال: (إن على الله عهدا لمن مات وهو يشرب الخمر أن يسقيه من طينة الخبال) قيل يا رسول الله وما طينة الخبال؟ قال: (عصارة أهل النار أو قال عرق أهل النار) . أما حكمه فهو عاص وفاسق بذلك وناقص الإيمان وهو يوم القيامة تحت مشيئة الله إن شاء غفر له وعفا عنه وإن شاء عاقبه إذا مات قبل التوبة عند أهل السنة والجماعة لقول الله سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) .
وهذا الحكم إذا لم يستحلها، أما إن استحلها فإنه يكفر بذلك ولا يغسّل ولا يصلى عليه إذا مات على استحلالها عند جميع العلماء؛ لأنه بذلك يكون مكذبا لله عز وجل ولرسوله عليه الصلاة والسلام.
وهكذا الحكم فيمن استحل الزنا أو اللواط أو الربا أو غير ذلك من المحرمات المجمع عليها كعقوق الوالدين وقطيعة الرحم وقتل النفس بغير حق.
أما من فعلها أو شيئا منها وهو يعلم أنها حرام ويعلم أنه عاص لله بذلك فهذا لا يكون كافرا بل هو فاسق تحت مشيئة الله سبحانه في الآخرة إذا لم يتب قبل الموت كما تقدم في حكم شارب الخمر والله ولي التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز يرحمه الله، م/4، ص/433.(5/6817)
عمل المسلم طبيبا في جيش الكفار
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم العمل طبيبا في جيش الكفار في غير حالة الحرب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين حفظه الله ودار حوار هذا ملخّصه:
- الشيخ: للتمرن أم لماذا؟
- طبيبا يداوي مرضاهم، ولكن في غير حالة الحرب.
- الشيخ: وليسوا حربا على المسلمين؟
- من الممكن أن يحاربوا المسلمين في المستقبل.
الشيخ: المستقبل لا نقدّمه. (أي لا نعتمد عليه ولا نبني عليه) .
- السائل يقول: أعمل في مكان الجنود الذين فيه لا يقاتلون المسلمين، لكن من الممكن أن بعض الجيش يقاتلون في مكان آخر، ويمكن أن يحاربونا في المستقبل، لكن القاعدة العسكرية التي أعمل فيها الآن لا يحاربون المسلمين؟
الشيخ: لكن هل الأمة هذه (التي فيها الجيش) ممن يحارب المسلمين؟
- السائل يعمل في الجيش الأمريكي، مسلم يعمل في أمريكا؟
الشيخ - الله عز وجل يقول: " لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين "
- وإذا كانوا لم يُخرجونا ولكن ظاهروا على إخراجنا، في الآية التي بعدها؟
الشيخ: " إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ".
- فإذا ثبت لديه أن هؤلاء ظاهروا على إخراجنا مثلا، فهل العمل بالأجرة يدخل في البر والإحسان في الآية؟
الشيخ: يقينا من البر والإحسان، ما فيه شك.
- حتى لو كان يعمل بأجرة وليس متطوعا؟
الشيخ: نعم، لكن فيه انتفاعهم.
- ما خلاصة الجواب؟
الشيخ: هذا لا يجوز إلا إذا كانت الأمة هذه التي يعمل في جيشها لا تقاتل المسلمين.
- ولا تخرجهم ولا تظاهر على إخراجهم؟
الشيخ: نعم. أهـ والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(5/6818)
الراتب من عمل حصل عليه بشهادة مزورة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الراتب من عمل حصل عليه بشهادات خبرة مزورة ثم أتقن العمل بعد ذلك، فأول ما توظف بشهادات خبرة مزورة ثم بعد ستة أشهر أتقن العمل مثله مثل أي واحد عنده شهادات حقيقية، فراتبه بعد الإتقان ما حكمه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين حفظه الله فكان هذا الحوار:
الشيخ: أنا رأيي أنه لا بد أن يَختبر، إلا إذا كان غشّ في مادة من المواد التي لا علاقة لها في عمله.
سؤال: هذا مثلا طالب ثانوي زوّر شهادة جامعة - أربع سنوات -..؟
الشيخ: العبرة على السنة الأخيرة التي فيها الشهادة، يعني مثلا لو قدّرنا أنه غشّ في كل المستويات إلا الأخير كفى.
-: يعني أربعة والفصل الأخير لم يغش فيه؟
الشيخ: نعم، الذي هو يأخذ عليه الشهادة.
-: لو كانت الشهادة كلها - حسب سؤاله - أصلا مزورة، بمعنى انه لم يدرس جامعة أصلا؟ أو درس تخصصأ آخر - مثلا واحد درس تجارة وأتى لهم بشهادة كمبيوتر مزورة وأتقن العمل - حسب سؤاله - أنه أتقن العمل بعد ذلك، لكنه لم يغش في آخر فصل مثلا بل لم يدرس هذا التخصص أصلا؟
الشيخ: لا يجوز، لا بد الآن - مادام أنه أتقن العمل - لابد له أن يختبر.
-: طبعا الشركة لا علاقة لها بالجامعة، فتقصد أنه يخرج من العمل؟
الشيخ: يخرج من العمل أو إذا كان عنده استعداد الآن أن يقدم اختبار في المواد، أو إذا كانت الشركة لا يهمها أن يكون جامعيا أو غير جامعي فلابد أن يختبر في طبيعة العمل.
-: إذن يقول للشركة اختبروني؟
الشيخ: نعم، يقول: أنا أريد أن أتأكد من خبرتي، فأجروا لي اختبارا.
-: وليس اختبار الجامعة.
الشيخ: هم لا يهمهم جامعي أو غير جامعي.
-: هم مشترطون في الوظيفة أصلا أن يكون جامعيا وعنده شهادة في الكمبيوتر.
الشيخ: معناه شرطان، أن يكون جامعيا وأن يكون عنده خبرة في الكمبيوتر، معناه لابد أن يأخذ شهادة جامعة.
-: إذن لابد أن يقول لهم أنا زورت الشهادة، فتقبلوا بوضعي الآن بعدما أتقنت العمل أو أخرج.
يعني لابد أن يبين لهم.
الشيخ: نعم. أهـ، الله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/6819)
تحريم التجسس على الآخرين
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل في شركة وطلب مني المدير أن أخبره بما يقوله الموظفون عنه شخصيا على الرغم أن بعض ما يقولونه عنه صحيح فهل ما أقبضه من مكافأة للتجسس حلال أم حرام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز لك القيام بهذا العمل المحرم، لما يشتمل عليه من النميمة، والتجسس. والمكافأة الناتجة عن ذلك سحت محرم.
واعلم أن النميمة كبيرة من كبائر الذنوب، وهي نقل كلام الناس بعضهم إلى بعض على وجه الإفساد بينهم. وهذا هو المشهور من تعريف النميمة، وقد نقل ابن حجر الهيتمي هذا التعريف في كتابه " الزواجر عن اقتراف الكبائر " ثم قال: (وقال في الإحياء: ولا يختص بذلك، بل هي كشف ما يكره كشفه، سواء أَكرهه المنقول عنه أو إليه أو ثالث , وسواء كان كشفه بقول أو كتابة أو رمز أو إيماء , وسواء في المنقول كونه فعلاً أو قولاً أو عيباً أو نقصاً في المقول عنه أو غيره , فحقيقة النميمة إفشاء السر , وهتك الستر عما يكره كشفه , وحينئذ ينبغي السكوت عن حكاية كل شيء شوهد من أحوال الناس إلا ما في حكايته نفع لمسلم أو دفع ضر , كما لو رأى من يتناول مال غيره فعليه أن يشهد به , بخلاف ما لو رأى من يُخفي مال نفسه فذكره فهو نميمة وإفشاء للسر , فإن كان ما ينم به نقصا أو عيبا في المحكي عنه فهو غيبة ونميمة. انتهى) الزواجر، (الكبيرة الثانية والخمسون بعد المائتين: النميمة) .
ونقل عن الحافظ المنذري قوله: (أجمعت الأمة على تحريم النميمة وأنها من أعظم الذنوب عند الله عز وجل. انتهى) .
ومنه يعلم أن نقلك كلام الزملاء إلى المدير، إفشاء للسر، وسعي في الإفساد، ووقوع في هذه الكبيرة العظيمة من كبائر الذنوب، إضافة إلى التجسس المحرم.
وقد جاء في ذم النميمة، والتجسس، وتتبع العورات جملة من النصوص الكفيلة بزجر المسلم وردعه عن ارتكاب هذه المحرمات:
1- فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: " لا يدخل الجنة نمام ". وفي رواية: " قتّات " رواه البخاري (6056) ومسلم (105) .
والقتات هو النمام. وقيل: النمام الذي يكون مع جمع يتحدثون حديثا فينم عليهم. والقتات: الذي يستمع عليهم وهم لا يعلمون ثم ينم.
2- وفي الصحيحين من حديث ابن عباس قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم من بعض حيطان المدينة فسمع صوت إنسانين يعذبان في قبورهما فقال: " يعذبان وما يعذبان في كبير، وإنه لكبير، كان أحدهما لا يستتر من البول، وكان الآخر يمشي بالنميمة " (البخاري 216، ومسلم 292) .
3- وفي الصحيحين أيضا من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله إخوانا ". البخاري 5144، ومسلم 2563
قال النووي رحمه الله: (قال بعض العلماء: "التحسس " بالحاء: الاستماع لحديث القوم , وبالجيم: البحث عن العورات. وقيل: بالجيم: التفتيش عن بواطن الأمور , وأكثر ما يقال في الشر , والجاسوس صاحب سر الشر , والناموس صاحب سر الخير. وقيل: بالجيم أن تطلبه لغيرك , وبالحاء: أن تطلبه لنفسك. قاله ثعلب: وقيل: هما بمعنى (واحد) . وهو طلب معرفة الأخبار الغائبة والأحوال) انتهى.
4- وروى البخاري (7042) عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من تحلم بحُلم لم يره كلف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل، ومن استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون أو يفرون منه صب في أذنه الآنك يوم القيامة، ومن صور صورة عذب وكلف أن ينفخ فيها وليس بنافخ". والآنك: هو الرصاص المذاب.
[الْمَصْدَرُ]
(5/6820)
إيصال صاحب سيارة الأجرة الركاب إلى الأماكن المحرمة
[السُّؤَالُ]
ـ[يعمل أحد الاخوة سائقا لسيارة أجرة وهو بحاجة إلى إرشاد حول بعض الصعوبات التي يواجهها. فهو يقول مثلا أنه في كثير من الأحيان وبعد أن يركب الراكب السيارة ويقطع به جزءا من الرحلة، يطلب الراكب منه الوقوف قرب حانة بيع الخمور ليشرب. كما أن بعض الركاب يطلبون منه إيصالهم إلى أماكن غير مرغوب فيها مثل الملاهي الليلية وما شابهها. فهل يجوز العمل في وظيفة من هذا القبيل؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا السؤال التالي على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين:
أحد الإخوة في كندا يعمل سائقا لسيارة أجرة، ويقول إنه في كثير من الأحيان وبعد أن يركب الراكب السيارة ويقطع به جزءا من الرحلة، يطلب الراكب منه الوقوف قرب حانة بيع خمور ليشتري منها، كما أن بعض الركاب يطلبون منه إيصالهم إلى أماكن مثل الملاهي الليلية،فهل يجوز له أن يعمل في هذه الوظيفة أو يقبل بمثل هذه المشاوير؟
فأجاب حفظه الله:
لا، لا يجوز أن يقف عند بائع الخمر ليشتري للراكب ولا يجوز أن يأخذ أحدا إلى ملاهي محرمة، لقول الله تعالى: " وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ". والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين(5/6821)
معروض عليه عمل في بنك ربوي
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في مؤسسة لتطوير برامج الكمبيوتر. وقد عرضت عليَّ الشركة مؤخرا أن أذهب إلى XXX للعمل في عقد مدته عام واحد. وقد أبديت استعدادا للذهاب إلى هناك. لكني، وبعد عدة أيام، قيل لي بأني سأعمل في البنك XXX. أنا أعلم بأن العمل في مؤسسة تتعامل بالفوائد كالبنوك مثلا هو محرم. وقد أخبرني أحدهم بوجود بعض البنوك التي تقدم الخدمات المصرفية بطريقة إسلامية في XXX. أنا ليس عندي معلومات عن البنك. لقد تقدمت ببعض الأسئلة إلى بعض الجهات، لكني لم أحصل على رد منهم بعد.
أرجو أن تبين لي ما إذا كان يجوز لي أن أعمل في البنك XXX، أم لا. حيث أنه من المتوقع أن يتعامل ذلك البنك بالفوائد. وسأساعدهم في ذلك إن أنا عملت لهم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، الأمر كما ذكرت فالبنك المذكور يتعامل بالربا وننصحك بالابتعاد عن العمل فيه، ونسأل الله لك التوفيق وأن يثبتنا وإياك على دينه.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ سعد الحميد.(5/6822)
حكم زراعة الدخان
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الإسلام في زراعة الدخان وفي الأموال التي جمعها الفلاحون من بيعه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا تجوز زراعة الدخان ولا بيعه ولا استعماله، لأنه حرام من عدة وجوه لأضراره الصحيحة العظيمة ولخبثه، وعدم فائدته وعلى المسلم تركه والابتعاد عنه وعدم زراعته والاتجار به لأن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى اللجنة الدائمة ج13/62.(5/6823)
غش في اختبارات الشهادة الجامعية وتوظّف بها
[السُّؤَالُ]
ـ[جاء بشهادة جامعية مزورة تعين في العمل بناءً عليها، وآخر جاء بشهادة جامعية صحيحة لكن قد غش في بعض امتحاناتها، وآخر زوّر ورقة من متطلبات العمل كشهادة الخبرة، وقد عملوا وفهموا العمل تماماً، فماذا يفعل كل من أصحاب هذه الحالات وقد تابوا؟ علماً أن بعض الأعمال حكومية وبعضها شركات خاصة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب رحمه الله:
كل ما بُنِيَ على باطل فهو باطل، وعلى هؤلاء أن يعيدوا الامتحان في الشهادة التي بني عليها راتبه. ولكن إذا قُدِّرَ أن الشهادة الأخيرة ليس فيها غش وكانوا يغشون في المراحل التي قبلها فهذا أرجو الله أن لا يكون فيه بأس.
س: لكن الشهادة تمنح على جميع المقررات المدروسة خلال سنوات الدراسة.
ج: إذاً لا يجوز حتى يعيد الاختبار على وجه سليم.
س: الآن عملياً لو تقدم للجامعة وقال لهم أريد أن أعيد الاختبار لقالوا له إن النظام لا يسمح له بذلك؟
ج: إذاً يستقيل من العمل ثم يعمل على حسب الشهادة التي ليس فيها غش، كشهادة الثانوية مثلاً.
س: الآن هو يقول: أنا فهمت العمل تماماً، وخبرتي في العمل تؤهلني للعمل حتى بدون الشهادة؟
ج: إذاً يقدِّم للمسؤولين في المصلحة التي يعمل فيها، ويقول القضية كذا وكذا، فإذا أذنوا له بالاستمرار بناءً على أنه أجاد العمل، فأرجو أن لا يكون في هذا بأس.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/6824)
العمل في برامج يستفيد منها الكفار عسكرياً
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت الكثير من الأسئلة التي أجبت عليها ووصلت إلى قناعة بأرائك في المسائل المعقدة مثل الأمور التي تواجه الأمة في هذا الوقت فأسال الله أن يبسط رحمته عليك كما انك تساعد المسلمين بعلمك آمين
وسؤالي هو: هل يجوز للمسلم أن يسافر إلى بلاد الكفار لكي يتعلم العلوم الدنيوية؟
وهل يجوز لنا أن نساعد الكفار في إنتاج برامج قد تستعمل في أغراض عسكرية مع انهم في حالة سلم معنا؟ وهل المال الذي نحصل عليه مقابل هذا العمل حرام أم حلال؟
أرجو أن تجيب على سؤالي فأنا طالب مشتت جدا هل ما اعمله صواب أم خطأ
تحدثت مع بعض أصدقائي عن هذا فقالوا انه حلال لأننا لا نهتم بما سيعملونه في البرامج التي نعدها، نحن فقط نعمل واجبنا ونقبض عليه أجرا لم نكن نحلم فيه في أي بلد إسلامي]ـ
[الْجَوَابُ]
إن كانت علوماً دنيوية نافعة للمسلمين ولا يتهيأ تعليمها في بلاد المسلمين فلا بأس بالذهاب إلى ديار الكفار مع شرط أن يكون متديناً متعلماً حتى يسلم من الشهوات والشبهات.
ولا يجوز لنا أن نساعد أعداء الله في برامج قد يحصل منها الضرر والأذى على المسلمين ومزيد التسلط من الكافرين، قال تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) سواء هذا الضرر في المستقبل كما هو الحال في وقت السِّلم، أو في العاجل كما يقع من الكفار الحربيين، وأبواب الرزق الحلال متعددة وكثيرة، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الله بن جبرين(5/6825)
العمل في البنك الربوي بغير مباشرة للربا وإيداع الأموال فيه
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في البنك في إحدى الدول في قسم لا يتعامل بالمعاملات الربوية علماً بان البنك المركزي يتعامل بالفوائد وهو مؤسسه حكومية فما هو حكم العمل في البنك المذكور أرجو إفادتي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عملك في البنك حرام، حتى لو كنت في قسم لا يتعامل بالمعاملات الربويَّة، ويكفي أن " البنك المركزي " هو أم البنوك ورأسها، والعمل في الأقسام الأخرى إنما هو متمم ومكمل لأقسام الربا، ومن كلِّ الأقسام يتكون البنك بل كل المؤسسات الربوية.
بل إن العلماء أفتوا بعدم جواز العمل حارساً أو سائقاً في مثل هذه المؤسسات فكيف بالكاتب؟
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
لا يجوز العمل بالمؤسسات الربويَّة ولو كان الإنسان سائقاً أو حارساً؛ وذلك لأن دخوله في وظيفة عند مؤسسات ربويَّة يستلزم الرضى بها؛ لأن من أنكر شيئاً لا يمكن أن يعمل لمصلحته، فإذا عمل لمصلحته كان راضياً به، والراضي بالشيء المحرم يناله من إثمه.
أما من كان يباشر القيد والكتابة والإرسال والإيداع وما أشبه ذلك: فهو لا شك أنه مباشر للحرام، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه، وقال: هم سواء.
" فتاوى إسلامية " (2 / 401) .
وسُئلت اللجنة الدائمة عن رجل يعمل حارساً ليليّاً في أحد البنوك، وليس له علاقة في المعاملات، هل يستمر في عمله أو يتركه؟
فأجابت:
البنوك التي تتعامل بالربا لا يجوز للمسلم أن يكون حارساً لها؛ لأن هذا من التعاون على الإثم والعدوان، وقد نهى الله عنه بقوله: (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) .
وأغلب أحوال البنوك التعامل بالربا، وينبغي لك أن تبحث عن طريق حلال من طرق طلب الرزق غير هذا الطريق.
وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
" فتاوى إسلامية " (2 / 401، 402) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/6826)
العمل في مطاعم تقدم الخمور
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يعمل في مطعم يباع فيه الأشربة المحرمة بحيث إن هذا الإنسان يتجنب إحضار أو حمل هذه المشروبات إلى الزبائن، مع الاستمرار في خدمات الزبائن إذا ما طلبوا أطعمة أو مشروبات غير محرمة؟ مع العلم بأنني أمر على من يشرب وأرى من يقوم بخدمتها، والمكان واحد، وما حكم المسلم الذي يتاجر بها من أجل جذب الزبائن، وما حكم من يقدم لحم الخنزير للزبائن في حالة العمل في ذلك المطعم، كخدمة وعمل من أجل الرزق؟ وما حكم صاحب المطعم الذي يكون عنده لحم خنزير ويكسب منه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: يحرم العمل والتكسب بالمساعدة على تناول المحرمات من الخمور ولحوم الخنزير، والأجرة على ذلك محرمة، لأن هذا من التعاون على الإثم والعدوان، والله تعالى نهى عنه بقوله: (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) المائدة/2 وننصحك في البعد عن العمل في هذا المطعم ونحوه، لما في ذلك من التخلص من الإعانة على شيء مما حرمه الله.
ثانياً: يحرم على المسلم بيع المحرمات من الخنزير والخمر، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه) والأرزاق وجلب الزبائن بيد الله، وليست في بيع المحرمات، فعلى المسلم تقوى الله عز وجل بامتثال أمره واجتناب نهيه، (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً، ويرزقه من حيث لا يحتسب) الطلاق/2،3.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/6827)
حكم الإخراج السينمائي
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أود أن أصبح مخرجاً سينمائيّاً، فهل هذا يتعارض مع الشريعة الاسلامية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إن معرفة واقع السينما اليوم يسهِّل علينا تعريفك بحكم التأليف والإنتاج والتمثيل والإخراج السينمائي، فهو واقع مزرٍ، ولا يكاد يخلو فيلم سينمائي – عربي أو أجنبي – من نشر للفاحشة والرذيلة والجريمة، فالأفلام مليئة بمشاهد الحب والعري، وشرب الخمور، ومصادقة الأجنبيات وتقبيلهن والزنا بهن، مع ما فيها من نشر جرائم الاغتصاب والسرقة والقتل، وهو ما أثَّر في نفوس المشاهدين من الرجال والنساء والأطفال، وقد ذكر أهل الاختصاص في تقاريرهم ما ينبئ عن خطر هذه الأفلام السينمائية على الخلق والدين والمجتمع والأسرة.
ولذا كانت المساهمة في ظهور هذه الأفلام مشاركة في الإثم والعدوان، ولا يشك أحد له اطلاع على واقع هذه السينما في تحريم إنتاجها وتمثيلها وإخراجها.
وقد حاول بعض المفتين المعاصرين أن يضع ضوابط للسينما! لكنها أشبه ما تكون بالخيال، وهي بعيدة كل البعد عن الواقع العملي.
فقال صاحب كتاب " الحلال والحرام في الإسلام " – في ذِكر ضوابط السينما -:
1. أن تنزه موضوعاتها التي تعرض فيها عن المجون والفسق وكل ما ينافي عقائد الإسلام وشرائعه وآدابه.
2. أن لا تشغل عن واجب ديني أو دنيوي كالصلوات الخمس.
3. أن يتجنب مرتادها الملاصقة والاختلاط المثيرين بين الرجال والنساء الأجنبيات عنهم منعاً للفتنة ودرأ للشبهة. انتهى.
وقد ردَّ عليه كثيرون، ومنهم الشيخ صالح الفوزان حفظه الله فقال:
"والجواب عن ذلك من وجهين:
الوجه الأول: أن نقول: بعيد كل البعد أو قد يكون مستحيلاً في السينما أن تتوفر هذه الشروط التي ذكرها المؤلف وخلوها من هذه المحاذير لأنها لو خلت من هذه الأشياء وتمحضت للتوجيه النافع - على حد زعم المؤلف - لم يحصل الإقبال عليها من الناس ولم يكثر مرتادوها - ومهمة القائمين عليها استجلاب الناس إليها بشتى الوسائل ليحصلوا منهم على الكسب المادي لأنها أداة كسب في الغالب.
الوجه الثاني: لو فرضنا خلوها من هذه المحاذير - فإنها لا تخلو من عرض الصور المتحركة ومشاهدتها - ولا شك أن التصوير لذوات الأرواح واستعمال الصور المحرمة محرم، وقد امتنع النبي صلى الله عليه وسلم من دخول الكعبة حتى محى ما فيها من الصور وامتنع صلى الله عليه وسلم من دخول بيت عائشة رضي الله عنه من أجل نمرقة فيها تصاوير، وامتنع من دخول بيت علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما رأى فيه تصاوير، فدل ذلك على أنه لا يجوز مشاهدة الصور في البيت ولا في السينما ولا في غيرها ولا دخول مكان تعرض فيه.
وكشاهد على ما ذكرنا من أنه لا يمكن خلو السينما من المحاذير والشرور وأنها أداة شر: ننقل لك جملة من أقوال من عرفوا تلك الأضرار في السينما فحذروا منها:
قال في كتاب " النهضة الإصلاحية " صحيفة (357) وهو يعدد جملة من المنكرات قال: ومنها: وقوع نظر النساء على الصور المتحركة - السينما - ذلك أن تلك الشاشة البيضاء كما يسمونها لا تخلو أبدا من مناظر فاجرة تمثل الفسق والغرام والهيام المفرط الذي جاوز الحد، ومعروف أن النفوس مجبولة على التقليد، ولها من الإحساس ما يتحرك ويهيج إذا رأى المحرم المهيج، وأي مهيج أقوى وأشد من هاتيك المناظر المتعمدة المقصودة للتهييج، وكيف لا تسارع المرأة ناقصة العقل والدين كل المسارعة إلى تقليد ما ترى على الشاشة البيضاء من ترام في الأحضان وتضام وعناق وتقبيل وما يتلو ذلك.
إن من لا يقول إن المرأة تتأثر بهذه المناظر تأثراً خطراً يكون مريض العقل فاقد الإحساس عادم التقدير، لا أتردد أنا في ذلك، ولقد هيئت الفرص أن أتكلم في هذه النقطة مع سيدات ممن تعوَّدن الذهاب إلى حيث الصور المتحركة، فلم يترددن في موافقتي على أن تلك المناظر تؤثر عليهن كل التأثير، ولقد أخبرتني سيدة رأت في تلك الشاشة صورة حرب فيها كر وفر وتصادم وهجوم وطعن وضرب وإطلاق نيران وما إلى ذلك من فنون الحروب المهلكة تقول لي - وزوجها الذي يرغمها إلى الذهاب إلى تلك المناظر يسمع-: إني لم أقم من ذلك المكان بعد رؤية هاتيك الصور إلا وكلي رعب وفزع لا يتصل مني عضو بالآخر من شدة ما نزل من التأثر، وهي تريد أن تقول لي بتلك الحكاية: إن كل منظر مؤذ يؤثر في موضوعه فإذا كان على الشاشة صور غرامية أثرت في النفوس للحد الذي يفهمه من يعرف قوة الطبيعة الحيوانية في الإنسان. ا. هـ.
وجاء في " مجلة الأزهر " (26 - 442) ما نصه: (وبحْث مشكلة السينما في مصر متشعب النواحي فقد تبحث باعتبارها فنّاً من الفنون، أو صناعة من الصناعات، أو أداة ووسيلة حيوية لتوجيه الشعب وتثقيفه وإرشاده، وهي الناحية التي سنعرض لها هنا لنتبين إلى أي مدى استطاعت السينما أن تحقق هذه الوظائف القومية في المجتمع المصري، وإن من يتابع الأفلام المصرية ويشاهد منها الكثير والكثير - وهي وفيرة العدد - لَيخرج بحقيقة واحدة لا يستطيع عنها حوَلاً، وإن أكثر من المشاهدة والتدقيق وتعب في الفحص والاختبار، هذه الحقيقة الوحيدة هي: أن هذه الأفلام قد فشلت فشلاً ذريعاً في تقيق الأهداف المذكورة، وعجزت عجزاً تامّاً عن أداء الوظائف الحيوية في خدمة الإرشاد العام في المجتمع المصري، مؤثرة عناصر التجارة على عنصر التوجيه، ومطرحة لعنصر الفن، وضاربة الصفح إلا عن ابتزاز الأموال. ا. هـ.
وجاء في صحيفة (517) من المجلد (26) من تلك المجلة أيضا: (يندر أن يجد المدمن على مشاهدة الأفلام فيلما يخلو من قبلات، حتى لقد أصبحت من لوازم هذه الأفلام! إذا جلست في دار الخيالة تشاهد واحداً منها فلا بد أن تكون موطِّناً نفسك على أن تشهد منها الكثير والكثير بمناسبة وبغير مناسبة، بل إن الكثير من المراهقين والشبان والفتيات ليدخلون دور الخيالة ليشهدوا هذه الطبعات التي يحلمون بها ويشتاقون إلى ذوق أمثالها، وهنا بيت الداء ومبعث انتشاره. ا. هـ.
هذه شهادات ممن خبروا أضرار السينما وواقعها وما تجر على مشاهدها من أضرار وخسارة في الأخلاق والسلوك وأنها لا يمكن بحال خلوها من تلك المفاسد وأن القائمين عليها لا ينظرون في صالح الناس، وإنما ينظرون إلى ما يمكنهم من ابتزاز الأموال.
وبالجملة فلا خير فيها بوجه من الوجوه وإن زعم من زعم أنها أداة إصلاح وتوجيه.
خاتمة:
وأخيراً نقول: ليت فضيلة المؤلف التزم ما قرره في أول كتابه من قواعد كقوله: (ما أدى إلى الحرام فهو حرام) (اتقاء الشبهات خشية الوقوع في الحرام) (النية الحسنة لا تبرر الحرام) ليته التزم مقتضى هذه القواعد فأخلى كتابه من هذه الفتاوى التي خالف فيها الصواب، وقلد في غالبها الأقوال الشاذة التي لا تستند إلى دليل، ليته جعل كتابه مشتملاً على ما هو مفيد ونافع.
قال الأستاذ عبد الحميد طهماز في رده على المؤلف: ليت المؤلف وقف عند المبدأ الذي قرره في أول الكتاب أن الحلال ما أحله الله تعالى، والحرام ما حرمه الله تعالى، فلا يكون منه التفات إلى مثل هذه الآراء الضعيفة في ثبوتها.ا. هـ.
قال سليمان التيمي: لو أخذت برخصة كل عالم وزلة كل عالم اجتمع فيك الشر كله.
وقال المحقق العلامة ابن القيم في " أعلام الموقعين ": (1-10-11) ولما كان التبليغ عن الله سبحانه وتعالى يعتمد العلم بما يبلغ والصدق فيه لم تصلح مرتبة التبليغ بالرواية والفتيا إلا لمن اتصف بالعلم والصدق فيكون عالما بما يبلغ صادقا فيه ويكون مع ذلك حسن الطريقة مرضي السيرة عدلا في أقواله وأفعاله متشابه السر والعلانية في مدخله ومخرجه وأحواله. وإذا كان منصب التوقيع عن الملوك بالمحل الذي لا ينكر فضله ولا يجهل قدره وهو من أعلى المراتب السنيات. فكيف بمنصب التوقيع عن رب الأرض والسماوات. فحقيق بمن أقيم في هذا المنصب أن يعد له عدته وأن يتأهب له أهبته وأن يعلم قدر المقام الذي أقيم فيه ولا يكون في صدره حرج من قول الحق والصدع به فإن الله ناصره وهاديه وكيف وهو المنصب الذي تولاه بنفسه رب الأرباب. فقال تعالى (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ) وكفى بما تولاه الله بنفسه شرفا وجلالة. إذ يقول في كتابه: (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ) وليعلم المفتي عمن ينوب في فتواه وليوقن أنه مسئول غدا وموقف بين يدي الله. اهـ.
وإذ كان المؤلف قد بسط القول في جانب تحريم الحلال وحمل على الذين يحرمون من غير دليل وجب عليه أيضا أن لا ينسى خطورة الجانب الثاني وهو تحليل الحرام فهو لا يقل أهمية عن الجانب الأول والواقعون فيه أكثر والله تعالى قد نهى عن الجانبين على حد سواء فقال تعالى: (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ. مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) ومعلوم أن من قواعد الشريعة (اتقاء الشبهات خشية الوقوع في المحرمات) . و (إذا تنازع حظر وإباحة غلب جانب الحظر) مما يدل على خطورة الوقوع في الحرام.
هذا وأسأل الله لنا وللمؤلف ولجميع المسلمين التوفيق للعلم النافع والعمل الصالح وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه" انتهى.
"الإعلام بنقد كتاب الحلال والحرام في الإسلام" (التعقيب رقم 11) .
ثانياً:
من درَس الإخراج السينمائي، أو يستطيع دراسته دون التعرض للآثام والمحرَّمات: فإنه يستطيع جعل مهنته في أعمال مباحة، كإخراج الأفلام الوثائقية، والمقابلات واللقاءات والندوات، على أن يلتزم بكون المادة تخلو من حرام، كوجود ممثلات، أو معازف، أو دعوة إلى بدعة أو معصية، ويوجد في هذه الأيام مجال لمثل هذه العمل المباح مع قنوات فضائية تلتزم الضوابط الشرعية، مثل " قناة المجد "، فنرجو أن يكون العمل في هذا المجال خالياً من الإثم.
وعند الفتوى في موضوع السينما ذكرنا واقعها اليوم من حيث ممثليها ومادتها، وقلنا إنها تدعو إلى المحرمات، لكن لا يمنع هذا أن ندل على باب آخر للإخراج غير السينمائي، وهو ما ذكرناه من الأفلام الوثائقية واللقاءات وغيرها.
ونسأل الله تعالى أن يقي المسلمين شر أعدائهم، وأن يوفقهم لأحسن الأخلاق والأقوال والأفعال، ونرجو أن يبتعد من يرغب بمثل هذه الأعمال عن الفتن، والسعيد من وُعظ بغيره، والشقي من وُعظ الناس به، والسلامة لا يعدلها شيء.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6828)
عمل مفوضا لشركة لدى البنوك ثم تاب لكنه سلم العمل لشخص آخر ودربه عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في شركة تتعامل مع البنوك وكنت أنا المفوض من الشركة لدى البنوك، والحمد لله تبت من هذا العمل، ولكني سلمت عملي مع البنوك لشخص آخر سيتعامل هو بدلا منى مع البنك، فإن كان ما فعلت حراما فما علي؟ وهو يعمل الآن بما علمته من كيفية التعامل مع البنوك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التعامل مع البنوك الربوية إن اقتصر على الإيداع في الحساب الجاري بدون فوائد ربوية، لعدم وجود بنوك إسلامية، ولحاجة الشركات إلى هذا الإيداع، لحفظ المال، وتمكينها من التجارة، فلا حرج في ذلك.
وإن كان التعامل معها يشمل أمورا محرمة كالاقتراض منها مباشرة، أو تحت صور أخرى كالشراء عن طريقها، وفتح الاعتماد لديها، ونحو ذلك، فهذا التعامل محرم، ولا يجوز لأحد أن يمارسه، لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان، وشهود الربا وإقراره.
قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2.
وروى مسلم (1598) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ.
وعليه فإذا كان تعامل الشركة مع البنوك بهذه الصورة، فقد أحسنت في خروجك من هذا العمل، ونسأل الله تعالى أن يتقبل توبتك، وقد أخطأت في دلالة غيرك عليه، لأنه دلالة وإعانة على محرم، والواجب حينئذ هو بيان الحكم الشرعي لهذا الأخ ونصحه، مع التوبة إلى الله تعالى، فإن استجاب فالحمد لله، وإن لم يستجب فقد أديت ما عليك.
نسأل الله لك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6829)
هل يجوز العمل في توزيع الصحف في أمريكا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب جامعي عربي مسلم في الولايات المتحدة ومتزوج وأعمل في مركز لتوزيع الجريدة اليومية المحلية مؤقتا حتى أتخرج وأعود لبلدي حيث إنني وأهلي في حاجة ماسة للمال ومع ضآلة فرصة وجود عمل حلال في هذه البلاد. هل يجوز العمل في توزيع الجرائد؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الأصل الذي دلت عليه الأدلة أنه لا يجوز الإعانة على شيء من الحرام، بيعا أو حملا أو ترويجا ونحو ذلك؛ لقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2، ولما جاء من الأدلة في وجوب إنكار المنكر، وذم الساكت والمقر له، فكيف بالمعين عليه!
ولهذا صرح جماعة من أهل العلم بتحريم بيعِ كل ما يستعان به على المعصية، قال ابن قدامة: " وجملة ذلك ; أن بيع العصير لمن يعتقد أنه يتخذه خمرا محرم " ثم قال: " وهكذا الحكم في كل ما يقصد به الحرام , كبيع السلاح لأهل الحرب , أو لقطاع الطريق , أو في الفتنة , وبيع الأمة للغناء , أو إجارتها كذلك , أو إجارة داره لبيع الخمر فيها , أو لتتخذ كنيسة , أو بيت نار , وأشباه ذلك. فهذا حرام , والعقد باطل " انتهى من "المغني" (4/154) .
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (9/213) : " ذهب الجمهور إلى أن كل ما يقصد به الحرام , وكل تصرف يفضي إلى معصية فهو محرم , فيمتنع بيع كل شيء علم أن المشتري قصد به أمرا لا يجوز " انتهى.
ثانيا:
ولا يخفى أن الصحف في تلك البلاد تحتوى على أشياء مباحة، كبعض الأخبار أو المقالات أو الموضوعات العلمية، ولكنها مع ذلك تحتوي على كثير من المحرمات , كالصور العارية، والدعاية لأماكن اللهو والفجور وصالات القمار والخمر، وغير ذلك، وهذه المحرمات كثيرة وهي مقصودة لكثير ممن يشتري تلك الصحف، وما كان كذلك، لم يجز الإعانة على نشره.
واعلم أيها الأخ الكريم أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، فاطلب الرزق الحلال، وستجده بإذن الله.
وانظر جواب السؤال (89737) .
وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6830)
يعمل في مخزن وقد يطلب منه نقل لحم الخنزير إلى الشاحنات
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب مسلم أعمل في بلد غربي في مخزن لتوزيع المواد الغذائية على الأسواق والمحلات التجارية حيث نقوم بجمع هذه المواد وتعبئتها في الشاحنات لتحمل إلى الأسواق ومن بين المواد التي نجمعها الخضر والفواكه والألبان واللحوم.... وأحيانا نتصادف مع زبون يطلب لحم الخنزير أو مشتقاته فنكون مضطرين إلى جمعها وحملها على الشاحنات. سؤالي: ما رأي الشرع في عملي هذا؟ مع العلم أن فرص العمل المتوفرة في المطاعم والمقاهي بدورها تقدم أطباقا تحتوي علي لحم خنزير.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز بيع لحم الخنزير، ولا الإجارة على حمله، ولا الإعانة عليه بوجه من الوجوه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ) رواه البخاري (2082) ومسلم (2960) .
ولقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2، وكذا كل ما ثبت تحريمه، فلا يجوز الإعانة عليه، كتقديم الخمر، أو الميتة، أو لحم الحمر الأهلية، في المطاعم وغيرها.
قال الله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ) المائدة/3.
والواجب على المسلم أن يتقي الله تعالى، وأن يبحث عن الكسب الحلال، وأن يجتنب الكسب الحرام، فإن كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به، كما قال صلى الله عليه وسلم: (كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به) رواه الطبراني وأبو نعيم عن أبي بكر رضي الله عنه، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (4519) .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: عن العمل في المطاعم التي تقدم بها الخمور ولحم الخنزير.
فأجابوا: " يحرم العمل والتكسب بالمساعدة على تناول المحرمات من الخمور ولحوم الخنزير، والأجرة على ذلك محرمة؛ لأن هذا من التعاون على الإثم والعدوان، والله تعالى نهى عنه بقوله (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) وننصحك بالبعد عن العمل في هذا المطعم ونحوه؛ لما في ذلك من التخلص من الإعانة على شيء مما حرمه الله ".
فتاوى اللجنة الدائمة (13/49) .
والحاصل أنه لا حرج عليك في العمل في هذا المخزن، بشرط عدم الإعانة على شيء من الحرام، بيعا، أو جمعا، أو حملا، أو غير ذلك من صور الإعانة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6831)
هل يعطي عامل الهواتف إكرامية مع أنه يأخذ راتباً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الإكرامية لمن أدى خدمة لي مثل موظف تليفونات أصلح لي التليفون مع العلم بأنه يأخذ مرتباً ثابتاً من عمله، فهل يجوز لي أن أعطيه إكرامية أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز أن تُعطى إكرامية أو هدية لعاملٍ يأخذ على عمله راتباً. ودليل ذلك ما رواه البخاري (6578) ومسلم (1832) عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنْ الْأَسْدِ يُقَالُ لَهُ ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا لِي أُهْدِيَ لِي، قَالَ: فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ: مَا بَالُ عَامِلٍ أَبْعَثُهُ فَيَقُولُ هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي أَفَلا قَعَدَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ فِي بَيْتِ أُمِّهِ حَتَّى يَنْظُرَ أَيُهْدَى إِلَيْهِ أَمْ لا، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لا يَنَالُ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْهَا شَيْئًا إِلا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى عُنُقِهِ بَعِيرٌ أَوْ بَقَرَةٌ أَوْ شَاةٌ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: (اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ مَرَّتَيْنِ)
قال النووي – رحمه الله -:
" في هذا الحديث بيان أن هدايا العمال حرام، ولهذا ذكر في الحديث عقوبته وحمله ما أُهدي إليه يوم القيامة، وقد بين صلى الله عليه وسلم في نفس الحديث السبب في تحريم الهدية عليه وأنها بسبب الولاية، بخلاف الهدية لغير العامل، فإنها مستحبة، وحكم ما يقبضه العامل ونحوه باسم الهدية أنه يرده إلى مُهْديه، فإن تعذر: فإلى بيت المال ".
" شرح مسلم " (6 / 462) .
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فَرَزَقْنَاهُ رِزْقًا فَمَا أَخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ غُلُولٌ) . ومعنى الحديث: من جعلناه على عمل وأعطيناه على ذلك مالاً، فلا يحل له أن يأخذ شيئاً بعد ذلك، فإن أخذ فهو غلول، والغلول هو الخيانة في الغنيمة وفي مال بيت مال المسلمين.
رواه أبو داود (2943) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
ففي هذين الحديث دليل على أنه لا يجوز لمن كان موظفاً يأخذ راتباً من دائرته أن يقبل مالاً أو هدية من أحدٍ بسبب وظيفته، فإن فعل كان غلولاً.
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى: نحن موظفون حكوميون تأتينا في رمضان إكراميات وزكوات من بعض رجال الأعمال، ولا نستطيع التفرقة بين الزكوات والإكراميات لعدم علمنا بذلك.
والسؤال: إذا أخذنا هذه الأموال ونحن في غنى عنها وأنفقناها على الأرامل والأيتام والفقراء ما الحكم؟ وإذا أنفقنا منها على أسرنا وأكلنا منها، ما الحكم؟
فأجاب:
" هدايا العمال من الغلول، يعني: إذا كان الإنسان في وظيفة حكومية وأهدى إليه أحد ممن له صلة بهذه المعاملة فإنه من الغلول، ولا يحل له أن يأخذ من هذا شيئاً ولو بطيب نفس منه.
مثال ذلك: لنفرض أن لك معاملة في دائرة ما، وأهديت لمدير هذه الدائرة، أو لموظفيها هدية فإنه يحرم عليهم قبولها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن اللُّتْبيَّة على الصدقة فلما رجع قال هذا أهدي إلي وهذا لكم، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فخطب الناس وقال: (ما بال الرجل منكم نستعمله على العمل فيأتي ويقول: هذا لكم، وهذا أهدي إلي، فهلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى له أم لا)
فلا يحل لأحد موظف في دائرة من دوائر الحكومة أن يقبل الهدية في معاملة تتعلق بهذه الدائرة، ولأننا لو فتحنا هذا الباب وقلنا: يجوز للموظف قبول هذه الهدية: لكنا قد فتحنا باب الرشوة، والرشوة خطيرة جداً وهي من كبائر الذنوب، فالواجب على الموظفين إذا أهدي لهم هدية فيما يتعلق بعملهم أن يردوا هذه الهدية، ولا يحل لهم أن يقبلوها، سواء جاءتهم باسم هدية، أو باسم الصدقة، أو باسم الزكاة، ولاسيما إذا كانوا أغنياء، فإن الزكاة لا تحل لهم كما هو معلوم ".
" فتاوى الشيخ العثيمين " (18 / السؤال رقم 270) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6832)
هل يجوز له تأجير الشقة التي تساهم الحكومة بجزء من إيجارها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[تستأجر الحكومة لي شقة بـ 150 ألف درهم، وتستقطع مني 24 ألف، وأنا أستثمرها بـ 48 ألف أي: أؤجرها، هل هذا لا يجوز؟ وإذا لا يجوز هل أرجع المال الذي أخذته من المستأجر؟ - علما أن الإيجار في الباطن ممنوع -؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان نظام الحكومة لا يمنع من تأجير الموظف لشقته: فلا حرج عليك فيما فعلته؛ لأنك دفعت جزء من الأجرة ووهبتْ لك الحكومة الباقي، ومن حقك الانتفاع بالعين المؤجرة، ومن الانتفاع بها: أن تؤجرها.
وأما إذا كان هناك شرط في العقد بينك وبين الحكومة يمنعك من تأجير الشقة لغيرك: فلا يجوز التأجير؛ لأن المسلمين عند شروطهم، ويجب عليك الوفاء بالشرط.
ثم إذا كانت الحكومة لا تمنع الموظفين من تأجير شقته، فيبقى حق المالك، الذي يمنع المستأجر من التأجير، وهو ما يسمى "الإيجار في الباطن" فلابد من استئذان المالك وموافقته على ذلك.
وانظر جواب السؤال رقم (82568) .
وأما إعادة الإيجار إلى المستأجر فلا يلزمك ذلك، وإنما عليك التوبة إلى الله إذا كنت قد خالفت شرط الحكومة أو المالك، ولا تعد لمثل ذلك.
ونسأل الله تعالى أن يغنيك بحلاله عن حرامه، وبفضله عمن سواه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6833)
لديه مقهى إنترنت ويسأل عن كسبه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب مسلم والحمد لله، لدي محل تجاري للإنترنت، ولا أدري هل كل ما أكسب منه فيه شبهة أم ماذا؟ مع العلم بأني أريد أن أتزوج منه وأحج، إن شاء الله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
محل الإنترنت إذا أمكن ضبطه ومنع المنكر منه، فلا حرج في فتحه، والمكسب الناتج منه حلال. وأما إذا لم يمكن ضبطه، ولا التحكم فيه، بل صار رواده يستعملونه فيما حرم الله، من مطالعة الفساد، واقتراف الرذائل، كما هو الغالب على حال هذه المحلات وروادها، فلا يجوز فتحه، والكسب الناتج عنه محرم، وحينئذ يتعين عليك تحويل المحل إلى مشروع آخر، تسلم فيه من الإثم، وتجني منه الربح الحلال، الذي يكون عونا لك على الطاعة، من الحج والزواج وغيره.
وانظر جواب السؤال رقم (34672) .
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء سؤالا مفصلا عن مقاهي الإنترنت، يحسن إيراده هنا بنصه:
" س: مما يدور عنه الحديث الآن عن مقاهي الإنترنت التي انتشرت في الآونة الأخيرة، وبأعداد كبيرة، ما حكم الاستثمار والتجارة في هذه المقاهي؟ مع وجود بعض المضار والمحرمات الموضحة بالصور التالية:
الصورة الأولى: الانترنت يؤجر المستخدم جهاز الكمبيوتر بالساعة، مع أننا لا نعلم عن ما سوف يستعمل المستخدم الإنترنت، هناك عدة برامج ومواقع كثيرة يستطيع أن يتصفحها المستخدم، منها ما هو النافع والضار، ومن المواقع ما تستطيع مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية التحكم فيه وإلغاء الموقع، ولكن يوجد بعض المستخدمين من يستطيع الدخول للمواقع الممنوعة والمغلقة.
ملاحظة: لا نستطيع التحكم على البرنامج إلا بإلغاء الخدمة.
الصورة الثانية: هناك ما يسمى ببرنامج الميكروسوف شات، وهو للمحادثة والمراسلة، يتم من خلاله تحدث المستخدمين مع العبارات والألفاظ البذيئة والفاحشة، ويمكن من خلاله إرسال واستقبال بعض الصور والأفلام الخليعة، ومن الممكن أن يتحكم في إرسال الصور والأفلام واستقبالها فقط، ولكن يوجد من يستطيع أن يكسر التحكم بطرق ملتوية.
الجواب:
إذا كان هذه الأجهزة يتم لمستخدمها التوصل إلى أمور منكرة باطلة، تضر بالعقيدة الإسلامية أو يتم من خلالها الاطلاع على الصور الفاتنة والأفلام الماجنة، والأخبار الساقطة، أو حصول المحادثات المريبة، أو الألعاب المحرمة، ولا يمكن لصاحب المحل أن يمنع هذه المنكرات، ولا أن يضبط تلك الأجهزة، فإنه ـ والحال ما ذكر ـ يحرم الاتجار بها، لأن ذلك من الإعانة على الإثم والمحرمات، والله جل وعلا قال في كتابه العزيز: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثم وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2
وبالله التوفيق " انتهى من " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (26/284) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6834)
يعمل في تسويق برنامج لتداول الأسهم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أعمل في شركة تسوق برنامجا للتداول بالأسهم عبر الإنترنت، تمكِّن المستخدم من رؤية أسعار الأسهم والارتفاع والانخفاض للأسعار كافة، واتخاذ القرار على أساسها، ويقوم البرنامج بعرض جميع أسهم الشركات والبنوك سواء كانت ربوية أو غير ربوية، وعليه: أود معرفة إذا كان عملي في الشركة حلالاً أم حراماً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
القاعدة في مثل هذه المنتجات التي يمكن أن تُستعمل في الحلال كما يمكن أن تستعمل في الحرام: أنه يُرجع فيها إلى العلم واليقين من حال المشتري أو المستخدم لها.
فإن كان اليقين هو استعمالها في الحرام: فلا يجوز إنتاجها، أو بيعها حينئذ.
وإذا كان اليقين استعمالها في المباح: فلا خلاف في جواز إنتاجها وبيعها.
أما إذا اختلط الأمر، فلم ندرِ هل يستخدمها الناس في الحلال أم في الحرام، فيعمل هنا بغلبة الظن، فإذا غلب على ظن المنتج أو البائع أن المشتري سيستعملها في الحرام كان بيعها له حراماً، وإن غلب على الظن أنه سيستعملها في الحلال كان بيعها له حلالاً.
وللأسف فإننا لو تأملنا أسواق الأسهم في العالم العربي والإسلامي – فضلاً عن العالم الغربي – سنجد أن أكثر الأسهم المبيعة والمشتراة في تلك الأسواق هي أسهم لشركات محرَّمة كالبنوك وشركات التأمين والشركات المنتجة للمحرمات، وما كان منها يبيع ويشتري البضائع المباحة فإنها تأخذ القروض الربوية، وتستثمر أموالها في البنوك الربوية، وهي ما يسميها بعض المعاصرين " الشركات المختلطة "، وشركة أسهمها محرمة على القول الراجح.
ولذا فإنه لا يجوز لأحدٍ أن يعين هذه الأسواق على عملها؛ لما فيها من المحرمات القطعية، أو الحرام المختلط بالحلال، وما فيها من حلال فهو قليل جدّاً بالنسبة لذلك الحرام، وعليه: فلا نرى لك العمل في تسويق هذا البرنامج؛ لما فيه من التعاون على الإثم والعدوان، قال الله تعالى: (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثم وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/ 2.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" وكل لباس يغلب على الظن أنه يستعان به على معصية: فلا يجوز بيعه، وخياطته لمن يستعين به على المعصية والظلم " انتهى. " شرح العمدة " (4 / 386) .
وفي جواب السؤال رقم (11517) ذكرنا جواب الشيخ العثيمين رحمه الله حول حكم عمل برنامج كمبيوتر لشركة تستعمله في الحلال والحرام، فأجاب الشيخ:
" إذا كان الغالب على عمل الشركة الحرام: فلا يجوز له أن يفعل، وإذا كان الغالب عليها المباح: فيجوز أن يفعل، وإذا تساوى: لا يفعل؛ تغليباً لجانب الحظر " انتهى.
ولمزيد الفائدة راجع السؤال رقم (75007)
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6835)
حكم العمل في الصحف
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في إحدى الجرائد القومية في بلدي، والمفروض أنها بلد إسلامية، ولكن ليست كذلك، وأنتم تعرفون مدى النفاق والتضليل الحكومي في هذه الجرائد، وأعمل في القسم الخاص بتنفيذ صفحات هذه الجرائد، فهل راتبي هذا حلال - خاصة وأن فرص العمل في بلدي صعبة جدا، وأنا اضطررت أن أعمل فيها، فلم أكن أرضى بالعمل فيها في بداية الأمر -؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين، وأن يهدي أصحاب القنوات الإعلامية لما فيه خير العباد، وأن يعينهم على نشر الصدق والعفاف.
وللأسف! قلما تخلو صحيفة أو مجلة من محاذير شرعية توجب هجر بيعها وشرائها، ومن باب أولى هجر العمل فيها، ومن هذه المحاذير:
1. وجود الأبراج والتكهن لأصحابها، وهذا من كبائر الذنوب، وقد يصل بصاحبه للكفر.
2. وجود جداول ببرامج القنوات الفضائية، والغالب على هذه البرامج نشر المنكرات والفواحش.
3. وجود صور الفاتنات والفاجرات.
4. وجود الدعايات للبنوك والشركات التي تبيع المحرم وتصنعه.
5. وجود الرسوم الكاريكاتورية، وهي محرمة لأنها رسم باليد لذوات الأرواح في غالبها.
6. النفاق للسلطان والحكومات بمدحها وهي غير مستحقة.
7. التقول على الشرع بالفتاوى الباطلة، والطعن في الإسلام بالمقالات المنحرفة.
وغير ذلك من المحظورات والمحاذير الشرعية، وهي تقل وتكثر، وتقوى وتضعف بحسب الدولة ونظامها، وبحسب الصحيفة وإدارتها.
ولذا جاءت فتاوى أهل العلم بالمنع من بيع وشراء الصحف والمجلات التي تحوي بعض تلك المحاذير، فكيف إن اجتمع فيها عدة محاذير؟! وكيف إذا كان الأمر في حكم القيام على تنفيذ هذه الصحف وإخراجها؟! .
1. قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
لا يجوز لكم - ولا لغيركم - بيع الصحف والمجلات المشتملة على الصور النسائية، أو المقالات المخالفة للشرع المطهر؛ لقول الله سبحانه: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب) .
" فتاوى إسلامية " (2 / 371) .
2. وسئل الشيخ عبد الله بن جبرين – حفظه الله -:
أنا شاب عمري 21سنة توفي والدي، وعندي خمسة إخوان ووالدتي، وترك لنا محلات تجارية، ومن بينها مكتبة لبيع الصحف والمجلات، وكتب دينية ومصاحف، وفي المكتبة عامل غير مسلم، وأخبرت أخي الكبير أنه لا يجوز لهذا العامل أن يمس المصاحف والكتب الدينية، كما لا يجوز بيع المجلات التي فيها صور ورفض ما قلت له، فماذا أفعل؟ هل يجوز لي الجلوس مع إخوتي والأكل معهم؟
فأجاب:
نشكرك على ورعك وتحرجك عن الحرام أو عن المشتبه، وننصحك بأن تحاول إبعاد هذا الكافر، وستجدون مسلماً أميناً خيراً منه بكثير إن شاء الله.
فأما المجلات: فإذا كانت خليعة تدعو إلى التهتك والفجور: فحرام بيعها وربحها وتعاطي التجارة فيها، فإن كانت الصور التي بها عادية وهي خالية عن الدعارة والفساد: فلا بأس ببيعها ويكون البيع والثمن لما فيها من العلوم والفوائد والكلام المباح، وتكون الصور غير مقصودة لكم، وننصحك بالإقامة مع إخوتك والأكل معهم، ولا إثم عليك إن شاء الله.
" فتاوى إسلامية " (2 / 371، 372) .
3. وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – أيضاً -:
ما حكم الرسم (الكاريكاتيري) والذي يشاهد في بعض الصحف والمجلات ويتضمن رسم أشخاص؟
فأجاب:
الرسم المذكور لا يجوز، وهو من المنكرات الشائعة التي يجب تركها لعموم الأحاديث الصحيحة الدالة على تحريم تصوير كل ذي روح سواء كان ذلك بالآلة أو باليد أو بغيرهما.
ومن ذلك ما رواه البخاري في الصحيح عن أبي جحيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (لعن آكل الربا وموكله، ولعن المصور) ، ومن ذلك أيضاً ما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون) وقوله صلى الله عليه وسلم: (إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم) ، إلى غير ذلك الأحاديث الكثيرة في هذا الموضوع، ولا يستثنى من ذلك إلا من تدعو الضرورة إلى تصويره لقول الله عز وجل: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه) .
أسأل الله أن يوفق المسلمين للتمسك بشريعة ربهم والاعتصام بسنة نبيهم صلي الله عليه وسلم والحذر مما يخالف ذلك، إنه خير مسؤول.
" فتاوى إسلامية " (4 / 362، 363) .
4. وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
أقول للمسؤولين عن هذه الصحف: إنهم مسؤولون أمام الله عز وجل حينما يقفون بين يديه عز وجل، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، إن هؤلاء الذين ينشرون هذه المنكرات إنهم مسؤولون عن أي نتيجة تحدث من جراء ما نشروه، إن المجتمع إذا صار مجتمعاً بهيميّاً: فإنه لا يمكن أن يحق حقّاً ولا ينكر باطلاً، لا يمكن أن يخضع لأوامر الله فضلا عن أوامر عباد الله عز وجل، وبهذا تكون الفوضى التي لا حدود لها ... .
وقال:
ومن مفاسد هذه الصحف: ما يحصل للقلب من هيام في الحب وإغراق في الخيال الذي لا حقيقة ل، فهو كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب.
ومن مفاسد هذه الصحف والمجلات: أنها تؤثر على الأخلاق والعادات بما يشاهد فيها من صور وأزياء فينقلب المجتمع إلى مجتمع مطابق لتلك المجتمعات الفاسدة.
فيا أيها المؤمنون قاطعوا هذه الصحف والمجلات، لا تعينوا ناشريها على إثمهم؛ فإن شراءكم إياها إثراءٌ لهم وتقوية لرصيدهم المالي وإغراء لهم في نشرها وعلى ما هو أفظع من ذلك، فيكون المشترك والمشتري والقابل لها معيناً على الإثم والعدوان، وتذكروا يا أيها المؤمنون تذكروا قول الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم من ناراً وقودها الناس والحجار عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) اللهم هل بلغت؟ اللهم هل بلغت؟ اللهم هل بلغت؟ اللهم اشهد عليَّ بما أقول، واشهد على هؤلاء بما يسمعون، وإنه يجب عليكم وأقولها وأكررها: يجب عليكم أن تقاطعوا هذه الصحف والمجلات وأن تحرقوا ما كان موجوداً منها بين أيديكم حتى تسلموا من إثمها.
" فتاوى إسلامية " (4 / 381 – 383) باختصار.
5. وقال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
لا يجوز إصدار المجلات التي تشتمل على نشر الصور النسائية، أو الدعاية إلى الزنا والفواحش، أو اللواط، أو شرب المسكرات، أو نحو ذلك مما يدعو إلى الباطل ويعين عليه، ولا يجوز العمل في مثل هذه المجلات لا بالكتابة ولا بالترويج؛ لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان، ونشر الفساد في الأرض، والدعوة إلى إفساد المجتمع ونشر الرذائل وقد قال الله عز وجل في كتابه المبين: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب) .
" فتاوى إسلامية " (4 / 384) .
6. وسئل الشيخ عبد الله الجبرين – حفظه الله -:
فضيلة الشيخ، نأمل توضيح حكم الشرع فيما يعرض في بعض المجلات الساقطة بما يسمى بالبروج كبرج الثور وبرج العقرب وغيرها، ويزعمون بأن من ولد في برج الثور مثلاً سيحدث له كذا..، ويسافر إلى بلاد.. ونحوه مما فيه ادعاء علم الغيب، وكل برج له أحوال خاصة يتحدث بأصحابه؟
فأجاب:
البروج هي منازل الشمس وهي اثنا عشر برجاً، أقسم الله تعالى بقوله: (والسماء ذات البروج) ، وهي الحمل والثور والجوزاء والسرطان والأسد والسنبلة والميزان والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت، وهي أشهر عادية، ولا يعلم ما يحدث فيها إلا الله تعالى، فمن ادَّعى أنه يحدث في برج الثور كذا، أو في برج العقرب كذا: فهو ممن يدعي علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله تعالى، ولا يجوز التخرص بالنظر في الأنواء أو في البروج والمنازل إلا بما يفيد الإنسان إيماناً وإسلاماً، والله أعلم.
" فتاوى إسلامية " (4 / 386) .
7. وسئل علماء اللجنة الدائمة:
ما حكم من يسمح بدخول المجلات التي فيها صور ومقالات محرمة شرعاً إلى بيته وإلى أهله؟
فأجابوا:
لا يجوز للمسلم أن يُدخل في بيته مجلات أو روايات فيها مقالات إلحادية، أو مقالات تدعو إلى البدع والضلال، أو تدعو إلى المجون والخلاعة؛ فإنها مفسدة للعقيدة والأخلاق، وكبير الأسرة مسئول عن أسرته، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الرجل راع في بيته وهو مسئول عن رعيته) .
" فتاوى إسلامية " (4 / 387) .
8. وسئل الشيخ عبد الله الجبرين – حفظه الله -:
تمارس جريدة ### دوراً سيئاً في تشويه أخبار المسلمين، والكتم على قضاياهم، وتشويه صورة الإسلام، والنيل من قضايا الإسلام، ومعالجتها بطريقة لا تخدم المصلحة الإسلامية بحال من الأحوال، كما أنها تتابع أخبار الفنانين والفنانات من الكفار وغيرهم وتبرز صورهم، فما رأيكم في هذه الجريدة؟ وما حكم بيعها وشرائها وتوزيعها واقتنائها؟ .
فأجاب:
إذا كان الأمر كما ذكر أعلاه: فإن التعامل معها طريق لتشجيعها وترويجها وتمكينها مع ما فيها، وما تحدثه من الأضرار في المعتقد، لذلك أرى النهي عن اقتنائها وشرائها وتوزيعها، وأشير على كل ناصح أن يجتنب المساهمة فيها، أو النشر فيها؛ فإن ذلك ذريعة إلى إماتتها، وإخماد ذكرها، حتى تتغير عن هذا الأسلوب، وتستبدل خيراً من هذه الطريقة.
" فتاوى إسلامية " (4 / 388) .
والخلاصة:
أنك رأيت فتاوى أهل العلم، وما ذكروه من أسباب تحريم العمل في الصحف والمجلات التي تخالف الشرع، وكذا حكم بيعها وشرائها، ورأيت ما قدمناه في أول الجواب، وعليه: فيمكنك أن تتأمل تلك الفتاوى لترى مدى انطباقها على الجريدة التي تعمل بها، فإذا كانت هناك محاذير شرعية فيها: فلا تعمل بها، واتق الله تعالى في نفسك، واعلم أن الله تعالى قد وعدك خيراً إن اتقيته، وجاء في السنة ما يبشرك بخير إن تركت العمل فيها لأجل الله تعالى.
قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق/2،3، وقال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) الطلاق/4.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من ترك شيئاً لله عوَّضه الله خيراً منه) صححه الألباني رحمه في " حجاب المرأة المسلمة " (ص 49) .
وإذا رأيت أن قاءك فيها يمكنك من تغيير بعض هذه المنكرات أو تقليلها والأمر بالمعروف؛ وفتح المجال لأهل الاستقامة للكتابة فيها والدفاع عن الإسلام.... ونحو ذلك من المنافع، فنرجو أن يكون بقاؤك فيها خيراً وتثاب عليه وعلى ما تبذله من جهد في تقليل المنكرات إن شاء الله تعالى.
أما إذا كنت عاجزاً عن ذلك والصحيفة مليئة بالمنكرات فليس أمامك إلا تركها، والله تعالى يعوضك خيراً منها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6836)
حكم المتاجرة بمستحضرات التجميل ولوازم الكوافيرات
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تجوز التجارة في بيع لوازم الكوافيرات، وما يصاحبه من مستحضرات التجميل الأخرى؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
استعمال مساحيق التجميل له ما يبرره عند النساء، وهو أن تبدو المرأة أجمل مما لو لم تستعمله، لكن المرأة العاقلة لو علمت ما قد يسببه من أضرار لامتنعت من استعمالها.
فقد ذكرت التقارير الطبية أن هذه المساحيق الصناعية تسبب أمراضاً متعددة.
منها: أنها تؤدي إلى الضرر بأعصاب الوجه، واستعمالها المتكرر يسبب الحساسية وأضراراً يظهر تأثيرها على الجلد بعد الاستعمال المستمر ولفترة طويلة كالاحمرار والتورم ورشح الجلد.
وفي جواب السؤال رقم: (26799) نقلنا عن بعض الأطباء ضرر أحمر الشفاه، وفيه قوله: " وقد يُعرِّض الأحمر الشفاه للتورم أو تيبس جلدها الرقيق وتشققه لأنه يزيل الطبقة الحافظة للشفة ".
ومن هنا جاء ما قاله في مكانه، فقد نقلنا في جواب السؤال رقم: (26861) عن الشيخ عبد العزيز بن باز قوله:
المساحيق فيها تفصيل:
إن كان يحصل بها الجمال وهي لا تضر الوجه، ولا تسبب فيه شيئا فلا بأس بها ولا حرج، أما إن كانت تسبب فيه شيئا كبقع سوداء أو تحدث فيه أضرارا أخرى فإنها تمنع من أجل الضرر.
ومثل ذلك قاله الشيخ ابن عثيمين كما في جواب السؤال رقم: (26799) .
ولا تخلو كثير من تلك المساحيق من محرمات في المواد التي تحضر منها كالنجاسات وكالكحول، أو الأجِنَّة – وفي الغرب يتعمدون قتل الأجنة لتحضير المساحيق منها.
وإن الناظر في أحوال النساء في هذه الأيام ليعلم كم نجح الأعداء في تسويق بضائعهم السيئة على نساء المسلمين، ونظرة إلى إحصائيات شراء أدوات التجميل تكفي لمعرفة خطورة هذا الأمر، ففي عام 1997 م: أنفقت نساء الخليج حوالي ثلاث مليارات ريال على العطور فقط، وخمسة عشر مليون ريال على صبغات الشعر، وبلغت مبيعات أحمر الشفاه أكثر من ستمائة طن، فيما بلغت مبيعات طلاء الأظافر أكثر من خمسين طنا.
فكم تكون الحسبة لو أحصينا ما اشترته المسلمات في جميع أنحاء الأرض؟! وكم تكون لو أحصيناها الآن؟!
ويمكن للمرأة أن تستعمل مساحيق التجميل المصنعة من مواد طبيعية فتخرج بذلك من الضرر الذي تسببه تلك المواد، وتتزين لزوجها بشيء مباح دون ترتب آثار مَرَضِيَّة.
ومما ينبغي التنبه له، أن هذه المساحيق، لو أبيح للمرأة استعمالها، فإن حكم بيعها قد يختلف، لأن أكثر من يشتري هذه المواد هن المتبرجات ويستعملنها استعمالاً محرماً، حيث يظهرن بها في الشوارع والأسواق، وأمام الرجال الأجانب، والوسائل لها أحكام المقاصد.
ومن أعان تلك النسوة على هذا الاستعمال المحرم تصنيعاً أو استيراداً أو بيعا فقد أعان على انتشار تلك المنكرات وتلك المضار فهو شريك في الإثم والفعل، والله تعالى يقول:
(وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) (المائدة: 2)
فإذا خلت تلك المواد التجميلية من المضار وبيعت على من يستعملها استعمالاً مباحاً يقيناً أو على غلبة الظن: جاز البيع والشراء لتلك المواد، وإلا فيحرم بيعها وشراؤها.
وانظر تفصيل أهل العلم في جواب السؤال رقم: (41052) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6837)
فتاة تسأل عن حكم العمل في صالة قمار
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة أبلغ من العمر 23 سنة، ووجدت عملاً في كازينو فما حكم العمل في الكازينو ومعنى كازينو هي صالة قمار، وهى منتشرة جدا ببلدنا، حيث يوجد بكل فندق كبير صالة يعمل فيها مجموعة من الموظفين برواتب كثيرة جداً.
والعمل بالصالة متنوع:
1- الرسبشن: وهو الذي يقوم بأخذ صورة من الهوية الخاصة بالمقامر وعمل بعض الحجوزات وتقفيل الشهر بالحسابات فقط
2- ثم هناك آخرون يتعلمون القمار ويلعبون مع الزبائن لحساب الشركة، وهناك المشرفون على هؤلاء، وهناك العاملون في البار الذين يقدمون الطعام والشراب والخمور للزبائن، وهناك الأمن وعمال النظافة والعلاقات العامة المختصون بإحضار الزبائن.
أريد أن أعرف ما حكم عمل هؤلاء؟ مع مراعاة الظروف الاقتصادية التي نعيش فيها ومراعاة العدد الهائل المشتغل بها من شباب وشابات وارتفاع المرتبات.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا يشك مسلم في أن الله قد حرم الخمر والميسر، وجعل ذلك من كبائر الذنوب قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) المائدة/90 - 91.
ثانياً:
إذا حرم الله تعالى شيئاً حرم التعاون عليه، والمساعدة على فعله بأي طريقة كان هذا التعاون أو تلك المساعدة. قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2.
والقاعدة عند علماء الشرع " الوسائل لها أحكام المقاصد " فكل ما أدى إلى وجود الحرام وأوصل إليه فهو حرام.
ثالثاً:
لا يجوز للمسلم أن يوجد في مكان يُعصى الله تعالى فيه إلا مضطراً أو مكرهاً على ذلك، والواجب عليه أن ينكر ذلك المنكر ويغيره ويزيله، فإن لم يستطع وجب عليه مغادرة المكان، فالأصل في المسلم أن يهجر أماكن المعصية ويبتعد عنها، لا أن يساعد أهلها على معصية الله، فالبقاء في مثل هذه الأماكن يتنافى مع الأمر للمسلم بتغيير المنكر حين يراه، ويتنافى مع الأمر بهجر أماكن السوء والمعصية.
قال الله تعالى: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ) النساء/140.
قال القرطبي رحمه الله: (قوله تعالى: " فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره" أي غير الكفر. " إنكم إذا مثلهم " فدل بهذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي إذا ظهر منهم منكر؛ لأن من لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم، والرضا بالكفر كفر. قال الله عز وجل "إنكم إذا مثلهم" فكل من جلس في مجلس معصية، ولم ينكر عليهم يكون معهم في الوزر سواء.
وينبغي أن ينكر عليهم إذا تكلموا بالمعصية وعملوا بها فإن لم يقدر على النكير عليهم فينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية.
وقد روي عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أنه أخذ قوماً يشربون الخمر، فقيل له عن أحد الحاضرين: إنه صائم فحمل عليه الأدب (أي: ضربه تأديباً له) وقرأ هذه الآية: (إنكم إذا مثلهم) أي إن الرضا بالمعصية معصية " انتهى من تفسير القرطبي " (5 / 418) .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله:
" الإنكار بالقلب فرض على كل واحد، وهو بغض المنكر وكراهيته، ومفارقة أهله عند العجز عن إنكاره باليد واللسان "
" الدرر السنية في الأجوبة النجدية " (16 / 142) .
ثم إنه يخشى على من عمل في هذه الأماكن أن يضعف إيمانه، وأن تذهب الغيرة من قلبه، وربما دعاه الشيطان إلى مقارفة المعصية، وقد قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) النور/21.
رابعاً:
بناءً على ما سبق، لا يجوز لمسلم أن يعمل في هذه الصالة؛ لأنه بذلك يكون معينا على معصية الله وراضياً بها أو في حكم الراضي عنها، وذلك يشمل كل من يعمل في تلك الصالة، فيشمل من يلعب مع الزبائن أو يعلمهم أو يقوم بحراستهم أو خدمتهم أو يستقبلهم وغير ذلك من الوظائف، ولا يغتر المسلم بما يأخذه من مال فإنه مسئول يوم القيامة عن ماله من أين اكتسبه (أخذه) وفيما أنفقه.
وأغلى شئ عند المسلم دينه فيجب المحافظة عليه ولا يكون ممن باع دينه بمتاع حقير من الدينا سيزول عما قريب.
وهذا الحكم وهو تحريم العمل في تلك الصالات، في حقك أنت أيتها السائلة أشدّ تحريماً، هل تعرفين لماذا؟
لأنك امرأة!!! وقدرتك على التحمل والمقاومة أقل من الرجل، وطمع الفاسدين فيك أكثر. وكيف تأمن فتاة في عمرك على نفسها إذا وجدت بين هؤلاء المنحرفين في تلك الصالات بما يشوبها من خمر وسُكْر وشهوات؟!
فنوجو منك أيتها السائلة أن تخضعي لداعي الشرع والعقل، فلا تقربي تلك الأماكن، حفاظاً عليك وعلى أغلى ما تملكين.
وتذكري قول الله تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق/2- 3 وقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: (من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه) صححه الألباني، ولا تنسي أنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها عاجلاً أم آجلاً.
نسأل الله تعالى أن يعينك على ترك هذه الوظيفة طيبة بذلك نفسك وأن يخلف لك خيرا منها وأن يفتح عليك من خزائن جوده، وجزيل عطائه وأن يغنينا وإياك بحلاله عن حرامه وبفضله سبحانه عمن سواه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6838)
حكم العمل في مجال السياحة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل العمل بالسياحة حلال أم حرام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
السياحة الآن تعني التبرج والاختلاط والخمور والحفلات الماجنة ولعب القمار والشواطئ التي تُكشف فيها العورات، وفي بعض البلدان يضاف إلى ما سبق زيارة مساكن الكفار الذين نهينا عن الذهاب إليها وزيارتها إلا أن نكون باكين، وهذا كله مخالف للشرع داخل في التعاون على الإثم والعدوان، ومسبب للكسب الحرام.
قال الله تعالى: (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2.
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلاءِ الْقَوْمِ الْمُعَذَّبِينَ إِلا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَلا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ، أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ) رواه البخاري (423) ، (3380) ومسلم (2980) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" أن يصيبكم " أي: خشية أن يصيبكم , ووجه هذه الخشية: أن البكاء يبعثه على التفكر والاعتبار , فكأنه أمرهم بالتفكر في أحوال توجب البكاء من تقدير الله تعالى على أولئك بالكفر مع تمكينه لهم في الأرض وإمهالهم مدة طويلة ثم إيقاع نقمته بهم وشدة عذابه , وهو سبحانه مقلب القلوب فلا يأمن المؤمن أن تكون عاقبته إلى مثل ذلك، والتفكر أيضا في مقابلة أولئك نعمة الله بالكفر وإهمالهم إعمال عقولهم فيما يوجب الإيمان به والطاعة له , فمن مر عليهم ولم يتفكر فيما يوجب البكاء اعتبارا بأحوالهم فقد شابههم في الإهمال , ودل على قساوة قلبه وعدم خشوعه , فلا يأمن أن يجره ذلك إلى العمل بمثل أعمالهم فيصيبه ما أصابهم.
" فتح الباري " (1 / 531) .
ولو فرض أن السياحة في بلدك أو مؤسستك لا تدل السياح على أماكن الحرام ولا تعينهم عليه: فإنه يجوز لك العمل معهم.
فالذي يجب عليك فعله إن كنت تعمل في مؤسسات سياحية تقوم على نشر المنكرات والدلالة عليها: أن تبادر إلى الخروج من العمل بعد نصح القائمين عليه بتقوى الله واجتناب الحرام، وإن كنتَ لم تعمل بعدُ فلا تعمل معهم، واعلم أن ما عند الله خير وأبقى، ولا تُنبت جسدك وجسد أبنائك بالحرام، قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ. وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق/2- 3، وقد صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مَنْ تَرَكَ شَيْئاً لله عوَّضَه الله خَيْراً مِنْه) صححه الشيخ الألباني رحمه الله في " حجاب المرأة المسلمة " (ص 49) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6839)
هل يعمل في بقالة تبيع اليانصيب أم في محل يبيع الخمر والخنزير!؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أعيش في أمريكا، منذ شهرين وأنا أبحث عن عملٍ حلالٍ شرعاً، ولكن العرب الذين يعيشون في نفس المدينة إما يبيعون الخنزير أو الخمر، وفي نفس الوقت لا يمكنني الانتقال إلى مدينة أخرى لأن زوجتي طالبة في الجامعة، هل العمل في المطاعم التي تبيع الخنزير في هذه الحالة حرام؟ وقد وجدت عملاً في مدينة أخرى تبعد 20 ميلاً يتمثل في بقالة تبيع أيضاً أوراق اليانصيب، وأضطر إلى الرجوع إلى المنزل بعد منتصف الليل تاركاً زوجتي وابنتي وحدهما، وبحلول فصل الشتاء هذه الأيام تنزل درجة الحرارة إلى تحت الصفر، ويتكون الجليد والضباب مما يجعل الطريق خطرة، فهل العمل في محلات البقالة التي تبيع أوراق اليانصيب حرام؟ وأيهما أفضل في هذه الحالة: هل أعمل في المطاعم التي تبيع الخنزير المتواجدة في نفس المدينة التي أعيش فيها أم في محل البقالة الذي يبيع اليانصيب في المدينة الأخرى؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا أظنك – أخي السائل – تريد منّا أن نفاضل لك بين إثمين كبيرين عظيمين، إثم القمار والميسر في (اليانصيب) الذي نهى عنه الله سبحانه وتعالى في آيات تتلى إلى يوم القيامة حيث يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ) المائدة/90-91، وبين إثم بيع لحم الخنزير أو الخمر التي حرمهما الله سبحانه وتعالى أيضا.
أهذا هو ما يرضى به المسلم أن يؤول به الحال إلى التخيير بين كبائر الذنوب؟! وهل هذه هي الحياة التي يسعى في تحصيلها والتنعم بها؟! .
لا أظنك – أخي السائل – وأنت المسلم الكريم العزيز بإسلامه، القوي بإيمانه، ترضى أن تبيع المنكر العظيم الذي أفسد الأرض وملأها ظلما ومنكرا وفسادا، فالخمر أم الخبائث، والميسر أكل لأموال الناس بالباطل، والخنزير حرمه الله تحريما قطعيا، بل إن تحريم هذه الأمور من أبرز معالم شريعة الإسلام، فلا ينبغي لمسلم أن يتنازل حتى يبيع ما يغضب الرب سبحانه وتعالى.
نعم، لا يجوز في أي حال من الأحوال أن يبيع المسلم المنكرات على الناس، ولو على غير المسلمين؛ لأنه بذلك يكون مشاركا في نشر الإثم، ومعاونا في معصية الله تعالى ومخالفة أمره.
وفي موقعنا الكثير من الفتاوى التي تبين هذه المسألة، وتقرر تحريم مشاركة المسلم في بيع المحرمات، ولو على غير المسلمين، فانظر أجوبة الأسئلة: (1830) و (40651) .
ويمكنك الاتفاق – إن كنت لا بدَّ مقيماً في تلك البلاد – مع صاحب البقالة على عدم بيعك لليانصيب، وتكتفي ببيع ما فيها من مواد مباحة.
وما هذه الحال التي وصلت إليها – أخي الفاضل – من التفكير في هذه الأعمال المحرمة، وكذلك حال كثير من المسلمين في تلك البلاد إلا نتيجة طبيعية للإقامة بين الكفار، وفي دول الكفر، بعيدا عن بلاد المسلمين؛ فإن المجتمع الكافر لا تضبطه حدود، ولا يراعي لله أمراً ولا نهياً، أما مجتمعات المسلمين فهي محافِظة إلى قدرٍ كبير – بحمد الله – على حدود الله سبحانه وتعالى، ولذلك ننصحك بمراجعة الفتاوى المنشورة في موقعنا حول حكم الإقامة في بلاد الكفار، فانظر أجوبة الأسئلة: (13363) و (27211) .
وتذكر - أخي السائل - أن تقوى الله سبحانه هي خير خلف على المرء في دنياه وآخرته، فهي في الدنيا مصدر رزق للعبد كما قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) الأعراف/96،
وقال تعالى: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق/2-3، وهي في الآخرة كفارة للذنوب، ووقاية من عذاب الله تعالى، يقول عز وجل: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً) الطلاق/5.
والدنيا أيامها معدودة، والأجل آت قريب، ولا يدري المرء أفي يومه تقبضه الملائكة أم في غده، فكيف سيكون حال من قبضت روحه وهو مشتغل في بيع المحرمات، ولم يسمع نصحا ولم يلتفت إلى تذكير؟!
ولا نظنك أخي السائل إلا ممن يخاف عذاب الله وعقوبته، ولا ترضى أن يكون هذا حالك، والصبر مفتاح الفرج، فاجتهد في البحث عن عمل حلال طيب، وراجع نفسك في أمر إقامتك في تلك البلاد، ونسأل الله سبحانه لك الهداية والتوفيق للحق والخير.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6840)
يعمل في بنك ولا يلتزم بسعر صرف العملات المعطى له من الإدارة!
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في مصرف وأتاجر بالعملة الأجنبية، ولكن استشكل عليَّ مشكلة وهي أني أقوم ببيع العملة الأجنبية بسعر الصرف السابق ولا أعمل بالسعر الجديد المرسل إليَّ من الإدارة العامة للمصرف , حيث يتم إخطار سعر العملة الجديد عن طريق الهاتف ولا يوجد رسالة رسمية تبين سعر التداول بالعملة.
سؤالي:
ما حكم عملي هذا؟ حيث إني أريد إخراج زكاة مالي وأشك في أمر هذه الأموال التي أكسبها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سبق في هذا في الموقع فتاوى متعددة في حكم العمل في البنوك الربوية، وأنه حرام، ولا يجوز العمل بها، فانظر أجوبة الأسئلة: (21113) و (21166) و (26771) ، فسؤالك عن حكم العمل في البنك أولى من سؤالك عن حكم التصرف في سعر العملات.
ومع كونك آثماً في عملك في البنك فإنك آثم من وجه آخر، وهو الغش في العمل، وصرفك العملات بالسعر السابق مع أنك تعلم أنه قد تغير، ولا يجوز لك أن تستغل عدم معرفة من يتعامل معك بالسعر الجديد، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا) رواه مسلم (101) .
والمؤمن يعامل الناس بمثل ما يحب أن يعاملوه به، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ) رواه البخاري (13) ومسلم (45) .
ولا شك أنك ترى أن من عاملك بذلك أنه قد غشك وخدعك.
فعليك بالبحث عن عمل حلال، ولتكن صادقاً في تعاملاتك.
نسأل الله تعالى أن يكفينا بحلاله عن حرامه وبفضله عمن سواه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6841)
حكم المال الذي يأخذه محامٍ يدافع عن تجار مخدرات
[السُّؤَالُ]
ـ[عندنا شخصان قد ضبط بحوزتهم مخدرات وحشيش، ثم قام أحد المحامين بإخراجهم وتبرئتهم من هذا الجرم علماً أن هذه الجريمة واضحة وضوح الشمس والتهمة ثابتة وقاطعة جدّاً بحقهم.
السؤال:
ما حكم هذه الأموال التي حصل عليها هذا المحامي لقاء إخراجهم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سبق بيان حكم ممارسة مهنة " المحاماة " في فتوى في جواب السؤال رقم (9496) ، وذكرنا هناك تحريم حماية الشر والدفاع عن أهله من قبَل المحامين، وأن هذا من باب التعاون على الإثم والعدوان، والله تعالى حرَّم هذا التعاون فقال: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2.
وعليه: فالواجب على المحامي الذي دافع عن أولئك التجار الأشرار الذين يعيثون في الأرض فساداً ببيع المخدرات المحرمة أن يتوب إلى الله تعالى من فعله، وعليه أن يبادر لنصح أولئك الأشرار لا أن يسلك طريق تخليصهم من العقوبات المستحقة لهم، ويجب عليه أن يتراجع أمام القضاء عن تلك المرافعة الآثمة إن كان في الوقت متسع، وأن لا يقبل الاستمرار معهم إن استؤنف الحكم ضدهم.
وأما تلك الأموال التي أخذها منهم: فهي أموال محرمة؛ لأنه أخذها مقابل عمل محرم، لذا فالواجب عليه مع التوبة والاستغفار والعزم على عدم العود لهذا الفعل: الواجب عليه أن يبادر إلى التخلص من تلك الأموال، وتصريفها في وجوه الخير، وليعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) ، وليعلم أنه يطهر بذلك أمواله الحلال؛ لأن بقاء المال الحرام في يده قد يتسبب في إهلاك الأموال الحلال التي يملكها، ولا يجوز له إرجاعها لأولئك التجار، ونسأل الله أن يعوضه خيراً منها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6842)
معروض عليه عمل مغرٍ في مجال تطوير نوعية لحم الخنزير
[السُّؤَالُ]
ـ[تلقيت عرض توظيف بمميزات جيدة جدا من إحدى الشركات. وتتمثل وظيفتي في عمل أبحاث على أجنة الخنازير في مختبر الشركة. والهدف النهائي من هذه البحوث هو تحسين الإنتاج والنوعية الوراثية عند الخنازير (أي زيادة عدد الخنازير وأن تكون خصائص لحمها جيدة) لتقديمها للأسواق للاستهلاك الآدمي. أي أن مصدر راتبي سيكون من استهلاك الناس للحم الخنازير , المحرم شرعا. والسؤال هو: هل يعد المال الذي هذا يصدره حلال؟ وهل لي أن أقبل بالوظيفة؟ أم أرفض الطلب؟ سأقدر سرعة إجابتكم ليتسنى لي البت في الموضوع.
وجزاك الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
لحم الخنزير محرم على المسلم لقوله تعالى: {قل لا أجد فيما أوحي إلي محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميته أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجسٌ أو فسقاً أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغٍ ولا عادٍ فإن ربك غفورٌ رحيمٌ} [الأنعام / 145] .
وكذلك بيعه وشراؤه.
عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح وهو بمكة: " إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام، فقيل: يا رسول الله، أرأيتَ شحوم الميتة؛ فإنها تُطلى بها السفن وتدهن بها الجلود ويَستصبح بها الناس، فقال: لا، هو حرام، ثم قال رسول الله صلى عليه وسلم عند ذلك: قاتل الله اليهود إن الله تعالى لما حرم عليم شحومها جَمَلوه، ثم باعوه فأكلوا ثمنه ". رواه البخاري (2121) ومسلم (1581) .
فإذا حرم الله الشيء حرم ثمنه، وكذلك الوسيلة إلى الحرام حرام، والوسائل لها أحكام المقاصد، ولا يجوز للمسلم أن يساعد الفساق على فسقهم، بل يجب عليه ما استطاع أن يحول بينهم وبين فسقهم ويمنعهم من ذلك، لا أن يحسِّن لهم الحرام ويعمل على تطويره.
فهل تحب أن تكون أداة تحسين وتزيين وتشجيع للمحرمات فتساعد على نشرها وتناولها؟
أظنك تجيب: معاذ الله، إني لا أرضى لنفسي إلا ما يرضاه لها خالقها، ولن أعمل في باطل مثل هذا ولو دُفع لي مقابل ذلك ما دُفع والرزق بيد الله، فعليك بالبحث عن عمل آخر حلال، نسأل الله أن يكفينا بحلاله عن حرامه ويُغنينا بفضله عمن سواه.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/6843)
العمل في معهد للدراسات المصرفية الربوية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الشرع في العمل بوظيفة سكرتير لدى معهد للدراسات المصرفية وهو معهد يعني بتدريب موظفي البنوك فقط على كل ما يخص إدارة البنوك، علماً بأن دخل المعهد من البنوك الربوية حيث أنه يتقاضى أجرة في مقابل تدريب الموظفين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) المائدة/ 9 وعملك في هذا المعهد فيه معونة ظاهرة لهم على مواصلة عملهم في الربا، وهو من المحرمات في الإسلام بل في كل الشرائع، وقال صلى الله عليه وسلم: (لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: كلهم سواء) رواه مسلم
فعليك بالبحث عن عمل آخر، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إنك لن تترك شيئاً إتقاء الله عز وجل إلا آتاك الله خيراً منه) رواه أحمد
وقال عز وجل قبل ذلك: (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً، ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه) الطلاق /3-4 والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
المرجع: مسائل ورسائل /محمد المحمود النجدي ص30(5/6844)
العمل مهندس نظم معلومات في بنك ربوي
[السُّؤَالُ]
ـ[تقدم للزواج مني مهندس نظم يعمل في قسم الكمبيوتر لدى أحد البنوك. أودّ أن أعرف حكم قبول هذا العمل. أنا قلقة، هل هذا الكسب حلال أم حرام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان البنك المذكور ربويا فلا يجوز العمل فيه لحديث جَابِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ هُمْ سَوَاءٌ. " رواه مسلم في صحيحه 2995. ونسأل الله أن يعوّضكم خيرا
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/6845)
العمل في البنوك الربوية
[السُّؤَالُ]
ـ[عُرض علي عمل في البنك لست متأكداً من حكم العمل في البنك لأن البنوك تجني أرباحاً من الربا. أرجو إعلامي بحكم العمل في البنك هل هو جائز أم لا؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تجد الجواب في حديث جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ هُمْ سَوَاءٌ رواه مسلم رحمه الله في صحيحه رقم 1598
قال النووي رحمه الله في شرح الحديث:
هذا تصريح بتحريم كتابة المبايعة بين المترابيين والشهادة عليهما. وفيه: تحريم الإعانة على الباطل. والله أعلم.
ولا بدّ أنّ الموظف في البنك الربوي سيساهم بطريقة أو بأخرى في العملية الربوية ولو عمل حارسا للبنك، ولعل الله يهيّئ لك أيها الأخ المسلم - إذا صبرت - وظيفة حلالا، (ومن يتقّ الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/6846)
يعمل في مصنع ملابس نسائية ضيقة وقصيرة
[السُّؤَالُ]
ـ[يعمل في مصنع ملابس نسائية ضيقة وقصيرة، فهل يجوز له أن يعمل، أم أنه يشارك في الوزر؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا نص السؤال التالي على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين:
فأجاب حفظه الله بقوله: حرام عليه، لأنه تعاون على الإثم والعدوان؟
انتهى، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/6847)
عمل حماية لبرامج فيها منكرات
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض البرامج التي على الكمبيوتر تجعل على اسطوانة أو وسيلة لحفظ المعلومات، هذه الاسطوانة يمكن أن يعمل لها في الكمبيوتر حماية - الحماية عبارة عن برنامج آخر يلصق بها لا يستطيع أحد معه أن ينسخ من هذه النسخة بحيث تكون حماية للبرنامج
الأصلي -، وعملي يتعلق بعمل الحمايات - للشركات وأصحاب البرامج - فيأتي ضمن البرامج المعروضة عليّ برامج فيها موسيقى وبرامج لأهل البدع، فإذا قمت بالحماية من وجهة نظري فأنا أقلل من نسخ هذه البرامج لأنه لا يستطيع أحد أن ينسخ ولا بد أن يشتري النسخة الأصلية، فهل قيامي بعمل الحمايات لهذه البرامج المحتوية على منكرات هو عمل محرم أو مباح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله:
هذا ليس محرما، هذا قد يكون واجبا؛ لأنه يقلل من انتشارها.
سؤال:
وبناء عليه يجوز أن يأخذ أجرة على ذلك؟
الجواب:
نعم.
سؤال:
ولكن من الممكن أن يذهب صاحب البرنامج إلى شخص آخر غير السائل يعمل له هذه الحماية؟
الجواب (بالمعنى) :
ليس له شأن بالآخرين، يقوم هو بعمل الحماية.
سؤال:
ويأخذ الأجرة عليها؟
الجواب:
ويأخذ أجرة عليها. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/6848)
هل يصلح كمبيوتر به صور عارية
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول نعمل في ورشة كمبيوتر لإصلاح الأجهزة، أتي لنا بجهاز لإصلاحه؛ فاكتشفنا أنه مليء بالصور العارية، هل نرفض إصلاحه، أم نصلح الجهاز ونمسح الصور وننصح الشخص؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
وجهت هذا السؤال لشيخنا محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله:
أرى أن يقولوا للشخص نحن لا نصلحه؛ لأنهم لو أصلحوه ومحوا الصور وضع أشياء جديدة، فلا يصلحونه. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/6849)
يوصل زبائنه إلى أماكن معصية ويأخذ عمولة من أصحابها
[السُّؤَالُ]
ـ[أسكن في ألمانيا ولدي صديق يعمل سائق تاكسي، وقال: في كثير من الأحيان تأتينا طلبية تطلب إيصاله إلى أماكن دعارة، وعند الوصول إلى المكان وأخذ الأجرة من المستأجر للتاكسي، صديقنا صاحب التاكسي له الخيار أن ينزل ويأخذ من صاحب محل الدعارة بقشيش (إكرامية أو عمولة) وهي قيمة مرتفعة لا تقل على 30 يورو، وإذا صديقنا صاحب التاكسي أنزل الراكب وانصرف لا يأخذ شيئاً.
السؤال:
هل يجوز له أخذ هذا المبلغ (بقشيش، أو إكرامية أو عمولة) ولا يتركه لهم على أن يعطيه لصالح المسلمين ولا ينتفع به قياساً على أخذ الفوائد من البنوك الربوية وصرفها فيما ينفع المسلمين وليس لشخصه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
كان الواجب أن يكون السؤال عن حكم إيصال هؤلاء العصاة إلى أماكن المعصية، لا أن يكون السؤال عن حكم عمولة توصيلهم إلى أماكن الفواحش والمنكرات، وإنما حكم هذه العمولة تابع لحكم توصيلهم.
وقد سبق في جواب السؤال رقم (10398) تحريم توصيل العصاة إلى أماكن يعصون الله فيها، فيحرم على هذا السائق أن يوصل أحداً إلى مكان يجزم أو يغلب على ظنه أنه مكان معصية كأماكن الزنا والحانات والمسابح وغيرها.
وإذا فعل وأوصل أحداً إلى تلك الأماكن فإنه يكون شريكاً في آثامهم وجرائمهم، وهذا من التعاون على الإثم والعدوان، وقد قال الله تعالى: (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2.
وإذا فعله مع علمه فليسارع إلى التوبة والاستغفار والندم والعزم على عدم العود، ولا يلتفت لتلك الأموال الخبيثة التي يدفعها أصحاب تلك الأماكن الفاجرة، والفقراء في غنى عنها، وهذه الأماكن التي يُعصى الله تعالى فيها يجب على المسلم أن ينكر على أهلها؛ لقول رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ) رواه مسلم (49) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، فكيف يوجب عليه الشرع إنكار المنكر وهو يترجل من سيارته ويدخل لتلك الأماكن ليأخذ عمولة توصيل صاحب فاحشة ومنكرات ليفعلها عندهم؟! فلا هو بالذي غيَّر المنكر بيده ولا بلسانه ولا حتى بقلبه، وهذا أمرٌ خطير على صاحبه.
قال النووي رحمه الله:
" وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (فليغيره) فهو أمر إيجاب بإجماع الأمة، وقد تطابق على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الكتاب والسنة وإجماع الأمة وهو أيضا من النصيحة التي هي الدين ... .
واعلم أن هذا الباب أعني باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد ضَيِّع أكثرُه من أزمان متطاولة , ولم يبق منه في هذه الأزمان إلا رسوم قليلة جدّاً، وهو باب عظيم به قوام الأمر وملاكه، وإذا كثر الخبث عم العقاب الصالح والطالح، وإذا لم يأخذوا على يد الظالم أو شك أن يعمهم الله تعالى بعقابه (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) " انتهى.
" شرح مسلم " (2 / 22 – 24) باختصار.
ولا يحل لمسلم أن يتعمد فعل المحرم ليأخذ أموالهم ويصرفها في مصالح المسلمين، بخلاف من تاب من الربا أو الكسب الحرام فإن توبة مثل هؤلاء تقتضي صرف تلك الأموال في وجوه الخير.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6850)
عمل برنامج يستعمل في الحرام والحلال
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أصمم موقعا لشركة أو أعمل برنامج كمبيوتر لها، وأنا أعلم أن بعض أعمال هذه الشركة حلال، وبعضها حرام.
فهل يجوز لي أن أفعل ذلك، علما بأنني لن أباشر فعل الحرام بنفسي وإنما أقوم بتجهيز البرنامج أو أصمم الموقع فقط، وهم يستعملونه في أعمالهم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، فأجاب:
إذا كان الغالب على عمل الشركة الحرام؛ فلا يجوز له أن يفعل، وإذا كان الغالب عليها المباح؛ فيجوز أن يفعل، وإذا تساوى لا يفعل تغليبا لجانب الحظر. انتهى والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/6851)
العمل في جيش الدولة الذي يوجد به منكرات
[السُّؤَالُ]
ـ[أفيدوني عن حكم من يعمل بالجيش، وهذا مصدر رزقه، وتفرض عليه نظم الجيش وقوانينه أن يحلق لحيته، ويعظم بعضنا بعضا، كما تفعله الأعاجم، وأن نلقي التحية بكيفية ليست بالتي أمرنا بها الله ورسوله، وأن نعظم العلم، ونحكم ونحتكم فيما بيننا بشريعة غير شريعة الله (قوانين عسكرية) ، وإذا حاربت دفاعا عن الوطن، ولكن ليس تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، وشاء الله أن أقتل، فما حكمي من القرآن والسنة؟
وهل يمكن أن أحارب بنية مغايرة لنية الجيش الذي أحارب ضمن صفوفه؟ وإذا عملت ما قد سلف دفعا لأذى يمكن أن يلحق بي فهل أأثم بهذا؟ وهل يمكن لمسلم أن يعمل في الجيش بنية تعلم فنون القتال التي لا يمكن أن يتعلمها خارجه في ظروفنا الحالية؟
وأفيدوني عن طاعة الوالدين في هذا الأمر، إذا اختلفت وجهات النظر، في حالة إذا كان الوالدان لا يحتكمان لقرآن ولا لسنة، ولكن لتقاليد مجتمع وما اجتمع عليه الناس، ويعتبران أن الدين ليس سوى صلاة وصيام، وغير هذا فهو تطرف. وفقكم الله إلى ما فيه رضاه، وسدد خطاكم وحفظكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا: يحرم حلق اللحية، ويجب إعفاؤها.
ثانيا: لا تجوز تحية العلم.
ثالثا: يجب الحكم بشريعة الإسلام، والتحاكم إليها، ولا يجوز للمسلم أن يحيي الزعماء أو الرؤساء تحية الأعاجم، لما ورد من النهي عن التشبه بهم، ولما في ذلك من الغلو في تعظيمهم.
رابعا: من قاتل لإعلاء كلمة الله، والذود عن المسلمين، والحفاظ على بلاد المسلمين من العدو، فهو في سبيل الله، وإن قتل فهو شهيد؛ لأن العبرة بالمقاصد والغايات. ويمكن أن تنوي نية مغايرة لنية الجيش؛ كأن تنوي إعلاء كلمة الله بجهادك (ما دام الطرف الذي تقاتله يجوز قتاله شرعا) ، وإن كان غيرك ينوي خلاف ذلك، كالجهاد للوطن.
خامسا: طاعة الوالدين واجبة في غير معصية الله، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 12/22.(5/6852)
صاحب سيارة أجرة يأخذ بعض الناس إلى أماكن محرمة
[السُّؤَالُ]
ـ[أدرس وأعيش في أستراليا وأقود سيارات الأجرة جزءاً من الوقت. وأحياناً أوصل أشخاصاً إلى بارات أو نوادي أو حانات وأحياناً إلي بيوت دعارة وأحياناً آخذهم من أمام هذه الأماكن. فهل هذا حرام؟ ونحن لا نستطيع أن لا نأخذهم ونوصلهم طبقاً لقانون التاكسي كما تعرف. فما واجب المسلم تجاه ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك ان هذا يعتبر من التعاون على الإثم والعدوان، فننصحك ألا تأخذ هؤلاء إلى بيوت الدعارة، أو بيوت الفساد والمسكرات، وسوف تجد غيرهم، وسواء كان ذلك بحملك لهم من هذه الأماكن أو إليها، ومن يتق الله يجعل له مخرجا، فاطلب غيرهم من الأماكن الأخرى، وإذا قدّر أنك حملتهم وأنت لم تعرف هذا القصد فلا نقول أن الأجرة حرام عليك لأنها عوض تعبك، وأجرة سيارتك.
الشيخ عبد الله بن جبرين.
وإذا رأيت أنك ملزم بمحرّم في عملك فابحث عن عمل آخر، نسأل الله أن يجعل رزقنا حلالاً وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/6853)
عمل برامج كمبيوتر للبنوك الربوية
[السُّؤَالُ]
ـ[مهنتي مطوّر برامج. سؤالي هو: هل يجوز أن أطوّر برنامج لبنك ربويّ.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز لأنّ الله نهى عن ذلك بقوله: (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) ، ولا شكّ أنّ قيامك بعمل هذه البرامج فيه تسهيل وتمكين للبنك من مزاولة الأعمال الربوية واستعمال البرامج التي أعددتها لهم في هذا الشأن المحرّم، وفقنا الله وإياك لما يرضيه وباعد بيننا وبين ما يُغضبه وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/6854)
كسب المصور
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز العمل في معمل تصوير يرتاده غير المسلمين بحيث أستخرج لهم صور من أفلامهم وفيها ما فيها من الصور؟
أنا أعمل في هذا المعمل مفترضا أنه حلال، ولكن إذا كان هذا العمل حراما بناء على دليل شرعي، فهل لي الاستمرار فيه إلى أن أجد عملا آخر، أفتوني مأجورين..]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برقم " 6402 " ما يلي:
" تصوير ذوات الأرواح حرام والكسب حرام " انتهى.
والله عز وجل إذا حرّم شيئا حرم ثمنه، فالتصوير لذوات الأرواح حرام كما جاءت بذلك الأدلة الصحيحة، ومن ثم فإن كسبه خبيث لا يجوز أكله، ويستثنى من ذلك الصور للضرورات والحاجات كصور إثبات الشخصية وما يُستعمل لتتبع المجرمين ونحوها فيجوز القيام بذلك وأخذ الأجرة عليه، ويمكن للسائل أن يشتغل بتصوير ما ليس له روح، أو يسعى في كسب آخر، ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/6855)
يعمل في شركة بها مطعم يبيع الخمر ولحم الخنزير
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي يعمل في دولة غربية في شركة بيع الملابس النسائية والرجالية وأيضا ملابس الأطفال وكل مستلزمات المنزل والذهب أي كل شيء.
والسؤال هو: في الشركة قسم للطعام أي مطعم وفيه تباع لحوم الخنزير والخمر لكن زوجي يعمل في قسم الساعات والذهب، فهل يعتبر مرتبة حلال أم حرام؟ أرجو منكم التفصيل في ذلك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
سبق في كثير من الأجوبة بالموقع التحذير من الإقامة في دول الكفر، لما في ذلك من تأثير سلبي واضح على دين الرجل، فإنه يتعرض لشهوات وشبهات قد تكون سببا في فتنته عن دينه، نسأل الله السلامة. ويعتاد رؤية المنكرات ولا يستطيع إنكارها أو تغييرها، مما يقلل قبح هذه المنكرات في قلبه.
ولذلك: لا يجوز للمسلم أن يقيم في دول الكفر إذا كان يخشى على دينه.
وانظر السؤال رقم (38284) ، (13363) .
ثانياً:
إذا كان عمل زوجك في قسم الساعات والذهب، لا صلة له بالمطعم وما يباع ويفعل فيه من منكرات، فراتبه حلال، لأنه في مقابل عمل مباح، ولا يتحمل إثم الشركة فيما تبيعه من حرام.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يتعاملون مع اليهود معاملات مباحة، مع أن اليهود كانوا يتعاملون معاملات أخرى محرمة كالربا والرشوة وأكل أموال الناس بالباطل، وقد روى الطبراني عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فرأيته متغيرا فقلت: بأبي أنت، ما لي أراك متغيرا؟ قال: (ما دخل جوفي ما يدخل جوف ذات كبد منذ ثلاث) .
قال: فذهبت فإذا يهودي يسقي إبلا له فسقيت له على كل دلوٍ بتمرة فجمعت تمرا فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم. حسنه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" رقم (3271) . وانظر جواب السؤال (20732) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6856)
هل يطيع والده ويحلق اللحى في محله؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل في محل حلاقة، وهذا المحل ملك لوالدي، ولدي أخ منَّ الله عليه بالهداية ويعمل معي بالمحل وإنه الآن متزوج وإنه يرفض حلق اللحية للزبائن لأنه يرى أن هذا حرام شرعاً وأن المال الذي يأتي من حلق اللحية حرام , أنا أعزب أعيش مع والدي، كنت أرفض حلق اللحية للزبائن أولاً، لكن أبي ضغط عليَّ وأغلق المحل، وليس لدي عمل آخر , إن أخي مصر على عدم حلق اللحية فلا يعاني ضغطاً من أبي لأنه في بيت آخر، أنا مرتبط بتجهيز وأقساط فعدت لحلق اللحية وأنا أكرهها ليفتح أبي المحل، فماذا أفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد سبق في جواب السؤالين (1190) و (8196) حرمة حلق اللحية، وحرمة الإعانة على حلقها، سواء كان بفتح محل لحلق اللحى أم بغير ذلك.
وطاعة الوالدين وبرهما واجبة، إلا أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا طاعة في معصية الله) رواه البخاري (6830) ومسلم (1840) .
وعليه: فلا يجوز فتح محل لحلق اللحية، ويمكنك الاكتفاء بحلق وتقصير الشعر وحف الشوارب دون التعرض للحى الناس، وفي هذا جمع بين الأمرين: فتح المحل وعدم الوقوع في الحرام.
وليعلم والدك أن تحصيل الرزق يجب أن يكون وفق الشرع، وأن الله تعالى يبارك في المال الحلال القليل، ويمحق المال الحرام الكثير، وأنت لستَ مضطراً شرعاً للوقوع في هذه المعصية، وطاعة والدك ليست ملزمة لكَ لما فيها من الأمر بالمعصية.
فاستعن بالله تعالى ولا تستجب لما يدعوك إليه والدك، وابحث عن عمل آخر، أو ابق في محلك من غير أن تحلق اللحى، وسيجعل لك مخرجاً، ويرزقك من حيث لا تحتسب، كما قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) الطلاق/2، 3.
واقتد بأفعال خير القرون وهم صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، فما كانوا ليقدموا دنياهم على دينهم، ولا نفع الدنيا على خير الآخرة، وقد كانوا يسمعون الوحي ينهاهم عن الأمر الحبيب إلى نفوسهم فيسارعون إلى تركه، وكانوا يسمعون الأمر الثقيل على نفوسهم فيسارعون إلى فعله، وأهل المدينة كانوا أهل زرع، وكان لهم نفع في بعض عقودهم، فلما جاءهم النهي عن بعضها قال أحدهم: (نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمرٍ كان لنا نافعاً وطواعية الله ورسوله أنفع لنا) رواه البخاري (2214) ومسلم (1548) .
ولم يتردد الصحابة عندما حرمت الخمر عن الامتناع عن شربها والكأس في أيديهم، ولم يؤخروا كسر الجرار بل سارعوا إلى ذلك، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: " كنتُ أسقي أبا طلحة الأنصاري وأبا عبيدة بن الجراح وأبيّ بن كعب شراباً من فضيخ - وهو تمر - فجاءهم آتٍ فقال: إن الخمر قد حرِّمت فقال أبو طلحة: يا أنس قم إلى هذه الجرار فاكسرها، قال أنس: فقمت إلى مهراس لنا فضربتها بأسفله حتى انكسرت " رواه البخاري (6826) ومسلم (1980) .
وبمثل هذه الاستجابة سبق أولئك الكرام من جاء بعدهم، والواجب على المسلم أن لا يتردد في ترك ما هو عليه من مخالفة للشرع، وليعلم أن هذا مقتضى إيمانه الذي رضيه لنفسه، قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبِينًا) الأحزاب/36.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6857)
يشق عليه القيام للصلوات نظراً لظروف عمله وثقَل نومه
[السُّؤَالُ]
ـ[مواعيد عملي تحتم عليَّ أن أعمل طوال الليل وأن أنام بالنهار ويصعب عليَّ أن أقوم بالصلوات الأربعة الأخرى، نظراً للتعب في العمل فإني لا أستطيع القيام أثناء النوم والقيام بالصلاة ثم أنام مرة أخرى ولسبب آخر وهو أن " نومي ثقيل " وعندما أنام لا يستطيع أحد أن يوقظني من النوم، حتى لو أني نويت القيام للصلاة أثناء النوم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
كان بعض الصحابة رضي الله عنهم يعملون الأعمال الشاقة كالزراعة والرعي وجمع الحطب ونحو ذلك ولم يكونوا من المفرطين في صلاتهم، بل كانوا محافظين عليها ليس في وقتها وحسب بل وفي جماعة، وحافظوا على العبادة وطلب العلم، ولم تأت الرخصة لهم في ترك الصلاة من أجل العمل.
ولذلك فالواجب على أهل الأعمال وغيرهم أداء الصلوات في أوقاتها. وقد أثنى الله تعالى على المؤمنين بأنهم لا تشغلهم أعمالهم عن طاعة الله تعالى، فقال: (رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) النور/37-38.
ثانياً:
والنائم معذور وقت نومه، فإذا استيقظ وجب عليه أداء الصلاة بعد استيقاظه.
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: (مَن نسي صلاة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها) رواه البخاري (572) ومسلم (684) .
قال الشوكاني رحمه الله:
" الحديث يدل على أن النائم ليس بمكلف حال نومه وهو إجماع ...
وظاهر الحديث أنه لا تفريط في النوم سواء كان قبل دخول وقت الصلاة أو بعده قبل تضيقه وقيل: إنه إذا تعمد النوم قبل تضيق الوقت واتخذ ذلك ذريعة إلى ترك الصلاة لغلبة ظنه أنه لا يستيقظ إلا وقد خرج الوقت كان آثما , والظاهر أنه لا إثم عليه بالنظر إلى النوم ; لأنه فعله في وقت يباح فعله فيه فيشمله الحديث , وأما إذا نظر إلى التسبب به للترك فلا إشكال في العصيان بذلك " انتهى.
" نيل الأوطار " (2 / 33، 34) .
ثالثاً:
والواجب على النائم قبل نومه أن يحرص على الاستيقاظ في وقت الصلاة، وأن يأخذ بالأسباب التي تعينه على أداء الصلاة في وقتها، فإن فعل ولم يستيقظ فهو معذور لأنه أدى الذي عليه و (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) ، وقد حصل هذا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره.
فعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: سرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فقال بعض القوم: لو عَرَّست بنا يا رسول الله (أي: نزلت بنا آخر الليل حتى نستريح) ، قال: أخاف أن تناموا عن الصلاة، قال بلال: أنا أوقظكم، فاضطجعوا وأسند بلال ظهره إلى راحلته فغلبته عيناه فنام، فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم وقد طلع حاجب الشمس، فقال: يا بلال أين ما قلت؟ قال: ما ألقيت علي نومة مثلها قط، قال: إن الله قبض أرواحكم حين شاء وردها عليكم حين شاء، يا بلال قم فأذن بالناس بالصلاة، فتوضأ فلما ارتفعت الشمس وابياضت قام فصلى. رواه البخاري (570) ومسلم (681) وعنده: (احفظوا علينا صلاتنا) .
فالنبي صلى الله عليه وسلم قد أخذ بأسباب الاستيقاظ بجعله بلالاً لينبههم لصلاتهم، إلا أنه غلبته عيناه، فنام ونام القوم معه حتى طلعت الشمس ولم يكونوا مفرطين، ولذلك قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه ليس في القوم تفريط) .
وأما من سهر في عمل أو غيره ولم يأخذ بأسباب الاستيقاظ فصلَّى بعد الوقت: فيعتبر تاركاً للصلاة متعمداً، وهو غير معذور بنومه.
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
عمن يسهر ولا يستطيع أن يصلي الفجر إلا بعد خروج الوقت فهل تقبل منه؟ وحكم بقية الصلوات التي يصليها في الوقت؟
فأجاب:
" أما صلاة الفجر التي يؤخرها عن وقتها وهو قادر على أن يصليها في الوقت لأن بإمكانه أن ينام مبكراً فإن صلاته هذه لا تقبل منه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) رواه مسلم، والذي يؤخر الصلاة عن وقتها عمداً بلا عذر: قد عمل عملاً ليس عليه أمر الله ورسوله فيكون مردوداً عليه.
لكن قد يقول: إنني أنام، وقد قال النبي صلي الله عليه وسلم: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك) .
فنقول: إذا كان بإمكانه أن ينام مبكراً ليستيقظ مبكراً، أو يجعل عنده ساعة تنبهه، أو يوصي من ينبهه: فإن تأخيره الصلاة، وعدم قيامه يعتبر تعمداً لتأخير الصلاة عن وقتها، فلا تقبل منه " انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (12 / السؤال رقم 14) .
رابعاً:
وقد يكون الرجل ثقيل النوم، فهذا على حالين:
الحال الأولى: أن يكون ثقل نومه بسبب سهره في العمل أو في طلب العلم أو قيام الليل: فمثل هذا لا يجوز له أن يتسبب في تضييع الصلاة عن وقتها من أجل ما سبق، ويجب عليه أن يبحث عن عمل آخر لا يسبب له تضييع الصلوات، ما لا يجوز له الاشتغال بالنوافل أو حتى طلب العلم – وهو واجب في أصله – على حساب تضييع الصلوات، وترك الصلاة هنا يعتبر تعمداً؛ لأنه يستطيع تغيير العمل، ويستطيع ترك السهر.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
" الواجب على الإخوة الذين يخرجون إلى الرحلات أن يشكروا الله تعالى على هذه النعمة حيث جعلهم في رخاء ويسر من العيش، وفي أمن وأمان من الخوف، ويقوموا بما أوجب الله عليهم من الصلاة في أوقاتها، سواء صلاة الفجر أم غيرها، ولا يحل لهم أن يؤخروا صلاة الفجر عن وقتها بحجة أنهم نائمون، لأن هذا النوم لا يعذرون فيه غالباً لكونهم يستطيعون أن يكون لهم منبهات تنبههم للصلاة في وقتها، ويستطيعون أن يناموا مبكرين حتى يقوموا نشيطين " انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (12 / السؤال رقم 14) .
وأما الحال الثانية: أن يكون ثقل النوم طبعاً في الرجل، وليس له تعلق بسهر أو عمل، وقد عرف هذا عن بعض الأقوام والأشخاص، فإن كان كذلك: فهو معذور إن كان قد أخذ بالأسباب ولم يستيقظ.
فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ونحن عنده فقالت: يا رسول الله إن زوجي صفوان بن المعطل لا يصلي صلاة الفجر حتى تطلع الشمس، قال: وصفوان عنده، قال: فسأله عما قالت، فقال: يا رسول الله إنا أهل بيت قد عرف لنا ذاك لا نكاد نستيقظ حتى تطلع الشمس قال: (فإذا استيقظت فصلِّ) .
رواه أبو داود (2459) وصححه الشيخ الألباني في " إرواء الغليل " (7 / 65) .
والخلاصة:
أن الذي يظهر من حالك أن ثقل نومك له تعلق بالسهر، والسهر كان بسبب العمل وعليه: فلا يجوز لك البقاء في عملك هذا؛ لأنه يؤدي بك إلى ترك أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، فابحث عن عمل غيره يعوضك الله خيراً منه. وسترى التغير الطيب في دينك وجسمك ونفسيتك، أما الدين: فإن أداء الصلوات في أوقاتها من أعظم الواجبات، وتركه من أعظم المحرمات، وأما جسمك: فإن علماء الطب قد ذكروا مضار كثيرة لمن يعمل بالليل، وأن نوم النهار لا يعطي الجسم الراحة التي تحصل له من نوم الليل، وكل ما سبق يؤثر على نفسيتك تأثيراً سلبيّاً.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6858)
حصل على شهادته الجامعية بالواسطة وعمل بها فماذا يصنع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد كنت أدرس في إحدى الكليات الجامعية ولكن لم أتمكن من إتمام الدراسة ولقد حصلت على الشهادة عن طريق الواسطة، ثم تحصلت على عمل بهذه الشهادة، ولقد تزوجت من هذا العمل، وأصبح عندي طفلان.
وسؤالي هو:
ما هو الحكم الشرعي في هذا - علما بأني أتقن العمل بصورة ممتازة وتقارير الكفاءة من رئيس العمل ممتازة -؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
حصولك على الشهادة بالواسطة من غير استحقاق عمل محرَّم، وفيه وقوع في عدة محرمات، ومن توسط لك شريك في هذا العمل المحرَّم، وهذه المحرمات المترتبة على حصولك على هذه الشهادة بالواسطة هي:
أ. أنها شفاعة سيئة، قال اللَّهِ تعالى: (مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا) النساء/85.
كِفْلٌ: نَصِيبٌ، أي: من الإثم.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" الأجر على الشفاعة ليس على العموم بل مخصوص بما تجوز فيه الشفاعة، وهي الشفاعة الحسنة، وضابطها: ما أذن فيه الشرع دون ما لم يأذن فيه كما دلت عليه الآية , وقد أخرج الطبري بسند صحيح عن مجاهد قال: هي في شفاعة الناس بعضهم لبعض , وحاصله: أن من شفع لأحدٍ في الخير كان له نصيب من الأجر، ومن شفع له بالباطل كان له نصيب من الوزر " انتهى.
" فتح الباري " (10 / 451، 452) .
ب. الغش، وذلك بتقديم أوراق لا حقيقة لها.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من غشنا فليس منا) رواه مسلم (102) .
ج. التشبع بما لم يُعط، وذلك بادعائه أنه حاصل على شهادة، والواقع غير ذلك.
عن أسماء رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ) رواه البخاري (4921) ومسلم (2130) .
د. قول الزور وشهادة الزور.
عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئا فجلس فقال: ألا وقول الزور وشهادة الزور، ألا وقول الزور وشهادة الزور، فما زال يقولها حتى قلنا: ليته سكت) رواه البخاري (5631) ومسلم (87) .
هـ. الكذب على أصحاب العمل وعلى الناس.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان) رواه البخاري (33) ومسلم (59) .
و. أخذ حق غيره ممن كان حاصلاً على شهادة حقيقية من غير واسطة، وهذا فيه ظلم لهؤلاء وأخذ حقوقهم في الوظيفة بغير وجه حق.
عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرَّماً فلا تظالموا) رواه مسلم (2577) .
فأنت ترى عظَم هذا الفعل بكثرة ما فيه من معاصٍ، وبقدر ما ترتب عليه من مخالفات، فالواجب عليك – وعلى من توسط لك – التوبة الصادقة، وذلك بالندم على كان منك، والعزم على عدم العود لهذا الفعل، مع الاستغفار والقيام بالطاعات.
ثانياً:
وأما ما يتعلق بعملك وكسبك من هذا الشهادة فنرجو أن تكون توبتك كافية لِحِلِّ ذلك، ما دمت متقناً للعمل وتقوم به بصورة ممتازة.
وانظر جواب السؤال (69820) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6859)
هل يجوز له العمل في بيع تحف تتعلق بأعياد الكفار؟
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد مصنع لصنع التحف الزجاجية كحوامل العطور والشمعدانات وتصديرها للخارج، وعرض عليَّ بأن أكون مسؤولاً عن التصدير، ولكن المصنع يطلب مني في أعياد النصارى (الكريسماس) عمل بعض التحف الزجاجية الخاصة بعيدهم كالصلبان والتماثيل. فهل هذا العمل يجوز حيث إنني أخشى من الله بعد أن منَّ عليَّ ببعض العلم وبحفظ كتابه؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز لأحدٍ من المسلمين أن يشارك في أعياد الكفَّار، سواء بحضور أو تمكين لهم بإقامته أو ببيع مواد وسلع تتعلق بتلك الأعياد.
كتب الشيخ محمد بن إبراهيم ـ رحمه الله ـ إلى وزير التجارة قائلاً: من محمد إبراهيم إلى معالي وزير التجارة سلمه الله. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
ذُكر لنا أن بعض التجار في العام الماضي استوردوا هدايا خاصة بمناسبة العيد المسيحي لرأس السنة الميلادية، من ضمن هذه الهدايا شجرة الميلاد المسيحي، وأن بعض المواطنين كانوا يشترونها ويقدمونها للأجانب المسيحيين في بلادنا مشاركة منهم في هذا العيد.
وهذا أمر منكر ما كان ينبغي لهم فعله، ولا نشك في أنكم تعرفون عدم جواز ذلك، وما ذكره أهل العلم من الاتفاق على حظر مشاركة الكفار من مشركين وأهل كتاب في أعيادهم.
فنأمل منكم ملاحظة منع ما يرد بالبلاد من هذه الهدايا وما في حكمها مما هو خصائص عيدهم.
فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم " (3 / 105) .
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
بعض المسلمين يشاركون النصارى في أعيادهم، فما توجيهكم؟ .
فأجاب:
لا يجوز للمسلم ولا المسلمة مشاركة النصارى أو اليهود أو غيرهم من الكفرة في أعيادهم، بل يجب ترك ذلك؛ لأن " مَن تشبَّه بقوم فهو منهم "، والرسول عليه الصلاة والسلام حذرنا من مشابهتهم والتخلق بأخلاقهم، فعلى المؤمن وعلى المؤمنة الحذر من ذلك، ولا تجوز لهما المساعدة في ذلك بأي شيء لأنها أعياد مخالفة للشرع، فلا يجوز الاشتراك فيها، ولا التعاون مع أهلها، ولا مساعدتهم بأي شيء لا بالشاي ولا بالقهوة ولا بغير ذلك كالأواني وغيرها؛ ولأن الله سبحانه يقول: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب) فالمشاركة مع الكفرة في أعيادهم نوع من التعاون على الإثم والعدوان.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (6 / 405) .
وفي بيان لعلماء اللجنة الدائمة حول المشاركة باحتفالات الألفية قالوا:
سادساً: لا يجوز لمسلم التعاون مع الكفار بأي وجه من وجوه التعاون في أعيادهم ومن ذلك: إشهار أعيادهم وإعلانها، ومنها الألفية المذكورة، ولا الدعوة إليها بأية وسيلة سواء كانت الدعوة عن طريق وسائل الإعلام، أو نصب الساعات واللوحات الرقمية، أو صناعة الملابس والأغراض التذكارية، أو طبع البطاقات أو الكراسات المدرسية، أو عمل التخفيضات التجارية والجوائز المادية من أجلها، أو الأنشطة الرياضية، أو نشر شعار خاص بها. اهـ.
وعليه: فلا يجوز لك – أخي – المشاركة في صنع شيء يتعلق بأعياد الكفار، واترك هذه الوظيفة لله تعالى، وسيبدلك الله خيراً منها إن شاء.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6860)
حكم العمل في مؤسسة تقوم على صيانة البنك المركزي
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مهندس تخرجت منذ ما يقارب العامين، وبحثت عن عمل مناسب ولم أوفق في ذلك - ولله الحمد - أنا في حالة مادية جيدة وأعيش مع والدي، ولكن أرجو من الله أن يوفقني في عمل يرفع حمل التفكير في جلوس بلا عمل أو نفع.
الآن توفرت لي فرصة عمل في شركة خاصة تقوم بصيانة وتشغيل " البنك المركزي " عن طريق عقد سنوي وبراتب مناسب، فهل حكم العمل فيها كحكم العمل في البنوك؟ أرجو منكم إجابتي على هذا السؤال ... وماذا لو اشترطت على الشركة عدم العمل البنك المركزي وطلبت نقلي لمكان آخر، فهل يجري عليها نفس الحكم؟ علماً بأنني لم أباشر العمل حتى الآن.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز لك العمل في " البنك المركزي " لا مباشرة ولا في شركة تقوم بتشغيل أجهزته وصيانتها؛ لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان.
وهذه البنك المركزي هو المسؤول عن البنوك وتحديد فوائدها الربوية ويحاسب من يخالف أنظمتها ويسن لهم القوانين والأنظمة المخالفة لشرع الله عز وجل.
فإذا كنت تعمل في شركة صيانة وتشغيل فلا مانع أن تقوم بتشغيل وصيانة شركات ومؤسسات تعمل وفق المباح من أحكام الشرع، حتى ولو كانت شركتكم فيها فروع تقوم بتشغيل ما لا يحل لهم من المؤسسات والشركات، والمهم بالنسبة لك أن لا تقبل العمل في هذا الفرع، واطلب فرعاً آخر يقوم على تشغيل وصيانة ما هو مباح شرعاً.
وفي الموقع فتاوى متعددة في حكم العمل في البنوك الربوية، وفي مؤسسات تقوم على صيانة البنوك الربوية وعمل برامج لها، وقد ذكرنا فيها كلام أهل العلم في تحريم هذه الأعمال، وهو ما ينطبق تماماً – بل أشد – على المؤسسة الراعية لهذه البنوك.
وانظر أجوبة الأسئلة: (21113) و (21166) و (26771) – مهم -.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6861)
هل يعمل في الزراعة بقرض ربوي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[رجو الإجابة عن السؤال فأنا في حيرة من أمري:
إذا وضعت لنا الدولة برنامجاً فلاحيّاً بالمساعدة بقرض ربوي، وفي حالة المراقبة بعد انتهاء الموسم الفلاحي يمكن أن يقع إحدى الخيارات التالية:
1. إما أن لا أعاقب ولكنني أبقى بدون دخل، علماً أني أعيل عائلتي ولدي تعاونية فلاحية لكني لا أملك رأس المال لفلاحتها.
2. وإما أن يكون الضرر هو أن أخسر مصاريف تكوين الملف الإجباري بين 80 و 800 ريال سعودي لكن لا أخذ القرض.
3. وإما أن يكون العقاب هو تجريدي من ملكية الأرض تحت مبدأ الأرض لمن يخدمه
أجيبوني مأجورين على أساس أني أعرف العقاب القانوني مسبقاً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الربا من كبائر الذنوب، وقد جاء تحريمه في الكتاب والسنَّة وإجماع المسلمين.
قال الله تعالى: (وأحل الله البيع وحرم الربا) البقرة/275، وقال: (.. وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين، فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله، وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون) البقرة/279.
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال هم سواء " رواه مسلم (1598) .
وأنت غير ملزم بالدخول في برنامج الدولة، وبالتالي فلستَ ملزماً بالحصول على قرض ربوي حتى تقوم بالزراعة.
وفي حال ضيق أمر الزراعة عليك وتحتم الحصول على قرض ربوي: فيمكنك البحث عن مصدر آخر للرزق، والله تعالى يقول: (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً) الطلاق/2.
والضرر الذي يقع في الدنيا، لا يعادل ضرر الآخرة، وخسارة المال في الدنيا أهون من خسارة الدين.
وقد أمر الله تعالى المؤمنين بما أمر به المرسلين من تحري الحلال وأكل الطيبات فقال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) المؤمنون/51.
قال القرطبي:
سوَّى الله تعالى بين النبيين والمؤمنين في الخطاب بوجوب أكل الحلال وتجنب الحرام، ثم شمل الكل في الوعيد الذي تضمنه قوله تعالى: (إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) صلى الله على رسله وأنبيائه، وإذا كان هذا معهم فما ظن كل الناس بأنفسهم؟ .
" تفسير القرطبي " (12 / 128) .
وقد حثنا الشرع الحنيف على طلب الحلال وترك الحرام، وأعلمنا ربنا تعالى أنه هو الرزاق ذو القوة المتين يزرق من يشاء بغير حساب.
عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تستبطئوا الرزق، فإنه لم يكن عبد ليموت حتى يبلغه آخر رزق هو له، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب: أخذ الحلال، وترك الحرام ".
رواه ابن حبان (8 / 32) والحاكم (2 / 4) . وصححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (2607) .
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6862)
طبع كتاب لبنك فيه صور فما حكم المال؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنشأ شركة طباعة وتصميم وجاءه عقد مع بنك لطباعة كتاب، ثم اكتشف أنه يجب وضع صور في هذا الكتاب والصور حرام، وهناك مشكلة أخرى أنه علم أنه لا يجوز العمل مع شركة تتعامل بالربا وهذا البنك من هذا النوع، قال لأخيه بأنه لا يريد هذا العقد ولكن ابن عمه نبهه إلى أنهم إذا توقفوا الآن يستطيع البنك أن يرفع قضية ضدهم بالمحكمة ويتضرروا منها، اضطروا لإتمام العمل وله عدة أسئلة: بعد فترة قصيرة سيستلم قيمة العقد فهل يجوز له أن يأخذ من هذا المال مصاريفه التي أنفقها أثناء هذا العقد ورواتب العمال وفواتير الكهرباء والماء والهاتف؟ وماذا يفعل بالفائض من هذا المال هل يبني به مركزا إسلامياً أم يعطيه الفقراء أم في أمور الدعوة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان المقصود بقولك " والصور حرام " أي التصوير الفوتوغرافي، فقد سبق بحث هذه المسألة في إجابة السؤال رقم (13633) ورقم (10668) ورقم (7918) .
ورسم ذوات الأرواح باليد محرم. وراجع السؤال (39806) .
ولم تذكر في السؤال شيئا عن المادة التي يحتويها هذا الكتاب، فإن كان الكتاب دعاية لنشاط البنك الربوي فطباعته محرمة لما فيه من إعانة البنك على الربا، وقد قال الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) ، فلا يجوز أن تأخذ عليه مقابلاً البتّة، وتصدّق بجميع مدخوله في وجوه الخير.
وإن كانت مادة الكتاب مباحة وليس في طباعة الكتاب ما يعين البنك على نشاطه المحرّم، أو يعمل له دعاية مثلاً فأخرج من المال الذي تأخذه ما يطهره من أجرة طباعة الصور المحرّمة
ونسأل الله أن يعوضك خيرا، ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6863)
فتوى اللجنة الدائمة في شركة بزناس وهبة الجزيرة وشركات التسويق الهرمي
[السُّؤَالُ]
ـ[وردت إلى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء أسئلة كثيرة عن عمل شركات التسويق الهرمي أو الشبكي مثل شركة (بزناس) و (هبة الجزيرة) والتي يتلخص عملها في إقناع الشخص بشراء سلعة أو منتج على أن يقوم بإقناع آخرين بالشراء، ليقنع هؤلاء آخرين أيضاً بالشراء وهكذا، وكلما زادت طبقات المشتركين حصل الأول على عمولات أكثر تبلغ آلاف الريالات، وكل مشترك يقنع من بعده بالاشتراك مقابل العمولات الكبيرة التي يمكن أن يحصل عليها إذا نجح في ضم مشتركين جدد يلونه في قائمة الأعضاء، وهذا ما يسمي التسويق الهرمي أو الشبكي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أجابت اللجنة على السؤال السابق بالتالي:
أن هذا النوع من المعاملات محرم، وذلك أن مقصود المعاملة هو العمولات وليس المنتج، فالعمولات تصل إلى عشرات الآلاف، في حين لا يتجاوز ثمن المنتج بضع مئات، وكل عاقل إذا عرض عليه الأمران فسيختار العمولات، ولهذا كان اعتماد هذه الشركات في التسويق والدعاية لمنتجاتها هو إبراز حجم العمولات الكبيرة التي يمكن أن يحصل عليها المشترك، وإغراؤه بالربح الفاحش مقابل مبلغ يسير هو ثمن المنتج، فالمنتج الذي تسوقه هذه الشركات مجرد ستار وذريعة للحصول على العمولات والأرباح، ولما كانت هذه هي حقيقة هذه المعاملة، فهي محرمة شرعاً لأمور:
أولاً:
أنها تضمنت الربا بنوعيه، ربا الفضل وربا النسيئة، فالمشترك يدفع مبلغاً قليلاً من المال ليحصل على مبلغ كبير منه، فهي نقود بنقود مع التفاضل والتأخير، وهذا هو الربا المحرم بالنص والإجماع، والمنتج الذي تبيعه الشركة على العميل ما هو إلا ستار للمبادلة، فهو غير مقصود للمشترك، فلا تأثير له في الحكم.
ثانياً:
أنها من الغرر المحرم شرعاً، لأن المشترك لا يدري هل ينجح في تحصيل العدد المطلوب من المشتركين أم لا؟ والتسويق الشبكي أو الهرمي مهما استمر فإنه لا بد أن يصل إلى نهاية يتوقف عندها، ولا يدري المشترك حين انضمامه إلى الهرم هل سيكون في الطبقات العليا منه فيكون رابحاً، أو في الطبقات الدنيا فيكون خاسراً؟ والواقع أن معظم أعضاء الهرم خاسرون إلا القلة القليلة في أعلاه، فالغالب إذن هو الخسارة، وهذه هي حقيقة الغرر، وهي التردد بين أمرين أغلبهما أخوفهما، وقد نهى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الغرر، كما رواه مسلم في صحيحه.
ثالثاً:
ما اشتملت عليه هذه المعاملة من أكل الشركات لأموال الناس بالباطل، حيث لا يستفيد من هذا العقد إلا الشركة ومن ترغب إعطاءه من المشتركين بقصد خدع الآخرين، وهذا الذي جاء النص بتحريمه في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) النساء/29
رابعاً:
ما في هذه المعاملة من الغش والتدليس والتلبيس على الناس، من جهة إظهار المنتج وكأنه هو المقصود من المعاملة والحال خلاف ذلك، ومن جهة إغرائهم بالعمولات الكبيرة التي لا تتحقق غالباً، وهذا من الغش المحرم شرعاً، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (من غش فليس مني) رواه مسلم في صحيحه وقال أيضاً: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبيّنا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما) متفق عليه.
وأما القول بأن هذا التعامل من السمسرة، فهذا غير صحيح، إذ السمسرة عقد يحصل السمسار بموجبه على أجر لقاء بيع السلعة، أما التسويق الشبكي فإن المشترك هو الذي يدفع الأجر لتسويق المنتج، كما أن السمسرة مقصودها تسويق السلعة حقيقة، بخلاف التسويق الشبكي فإن المقصود الحقيقي منه هو تسويق العمولات وليس المنتج، ولهذا فإن المشترك يسوِّق لمن يُسوِّق لمن يُسوِّق، هكذا بخلاف السمسرة التي يُسوق فيها السمسار لمن يريد السلعة حقيقة، فالفرق بين الأمرين ظاهر.
وأما القول بأن العمولات من باب الهبة فليس بصحيح، ولو سُلِّمَ فليس كل هبة جائزة شرعاً، فالهبة على القرض ربا، ولذلك قال عبد الله بن سلام لأبي بردة رضي الله عنهما: (إنك في أرض، الربا فيها فاش، فإذا كان لك على رجل حق فأهدى إليك حمل تبن أو حمل شعير أو حمل قَتٍّ فإنه ربا) رواه البخاري في الصحيح.
والهبة تأخذ حكم السبب الذي وجدت لأجله، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام – في العامل الذي جاء يقول: هذا لكم وهذا أهدي إلي، فقال عليه الصلاة والسلام: (أفلا جلست في بيت أبيك وأمك فتنظر أيهدى إليك أم لا؟) متفق عليه.
وهذه العمولات إنما وجدت لأجل الاشتراك في التسويق الشبكي، فمهما أعطيت من الأسماء، سواء هدية أو هبة أو غير ذلك، فلا يغير ذلك من حقيقتها وحكمها شيئاً.
ومما هو جدير بالذكر أن هناك شركات ظهرت في السوق سلكت في تعاملها مسلك التسويق الشبكي أو الهرمي مثل شركة (سمارتس واي) وشركة (جولد كويست) وشركة (سفن دايموند) وحكمها لا يختلف عن الشركات السابق ذكرها، وإن اختلفت عن بعضها فيما تعرضه من منتجات.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.
[الْمَصْدَرُ]
الجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء فتوى رقم (22935) وتاريخ 14/3/1425هـ.(5/6864)
حكم العمل في شركة تبث قنوات فضائية
[السُّؤَالُ]
ـ[أبعث إليكم هذه الرسالة بعد أن ضاق صدري من هذه الأزمة، وهى: مكان العمل الذي أعمل فيه، وهى: قناة فضائية من قنواتها قناة: اقرأ الدينية التي تعرض برامج دينية، ولكن توجد قنوات مثل الموسيقى والأفلام العربية، ماذا أفعل وأنا شاب بفضل الله سبحانه وتعالى ملتزم وملتحي أنفّذ سنة النّبي صلى الله علية وسلم، وطبيعة عملي هو سنترال الشركة، أقوم بالرد على التليفونات ثم أحولها إلى الموظف، والعكس، ومع ذلك أقوم بالبحث عن عمل آخر، ولكني لم أجد، وفي قلبي قلق من هذه الوظيفة وكلما أسمع حديث النبي صلى الله علية وسلم لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع من ضمنها: المال. أقلق من شأن ذلك فأرجو منكم النّصيحة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله تعالى أن يوفقك لما فيه خير دينك ودنياه، ونسأل تعالى أن يرزقك رزقاً طيباً وأن يبارك لك فيه.
وعملك في هذه الشركة لا يجوز، وهو كسب محرَّم، فهي تدير قنوات الفجور والانحراف والضلال.
وقد نهى الله تعالى عن مباشرة الإثم ومخالطة الحرام، ونهي أيضاً عن الإعانة عليه.
قال الله تعالى:) قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) الأعراف/33، وقال: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2.
والمتأمل في أحوال هذه القنوات الهابطة ليعجب من جرأة هؤلاء على نشر الفاحشة ومحاربة الشرع والأخلاق الفاضلة، وكل انحراف تسببه هذه القنوات أو فتنة لدين أحد أو تضليل: فإن للقائمين عليها والعاملين بها نصيب من إثم ذلك
قال الله تعالى: (لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ) النحل/25.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " ... ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً ". رواه مسلم (2674) .
فالنصيحة لك هو ترك هذا العمل، والبحث عن عمل آخر حلال طيب، ولتصبر على ما ستلاقيه من تعب ونصَب؛ فسلعة الله غالية، وليس المهم هو العمل بل المهم هو أن يكون حلالاً، واحذر أن ينبت جسدك من السحت، واعلم أنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها، واقرأ هذا الحديث جيداً وتفكر فيه:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إنه ليس شيء يقربكم إلى الجنة إلا قد أمرتكم به وليس شيء يقربكم إلى النار إلا قد نهيتكم عنه، إن روح القدس نفث في روعي إن نفسا لا تموت حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعاصي الله؛ فإن الله لا يدرك ما عنده إلا بطاعته " – انظر " السلسلة الصحيحة " (2866) -.
واعلم أن الله تعالى قد أمر بالأكل من الطيبات، وأخبر أن المال الحرام مما يمنع من استجابة الدعاء:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم) ، وقال: (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم) ، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذِّي بالحرام فأنَّى يستجاب لذلك ". رواه مسلم (1015) .
فاستعن بالله تعالى، واحتسب الأجر من الله، ونسأل الله لك التوفيق.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6865)
هل يجوز بيع المحرمات كلحم الخنزير لغير المسلمين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في توكيل ملاحي وأقوم بخدمة السفن العابرة، ومعظم هذه السفن أجنبية والعاملون بها غير مسلمين، ويقوم صاحب الشركة ببيع لحم الخنزير لهذه السفن في بعض الأحيان، ثم يقوم بتوزيع أرباح هذا البيع علينا نحن الموظفين ونحن نقبلها على اعتبار أن بيع لحم الخنزير لغير المسلمين غير محرم، ولم يرد نص في القرآن ولا السنة لتحريم بيعه على غير المسلمين، وكذلك لأنه لا يصح أن نأخذ الخمر كقياس لأن لحم الخنزير متواجد من أيام الرسول عليه الصلاة والسلام، ولو أراد تحريمه ولعنه لفعل كما فعل بالخمر، ولكن هناك من بدأ يشككنا في مدى حلال هذه النقود فهل هي حلال أم حرام؟
وهل لأننا لا نشارك في البيع فإنه لا ضرر علينا من أخذ هذه الأرباح حيث إن صاحب العمل يعطيها لنا كصدقة، فهل يحق لنا قبول الصدقة ونحن نعرف أصلها؟؟ وهل ذكر الرسول عليه الصلاة والسلام أي حديث واضح وصريح ومؤكد يحرم فيه بيع لحم الخنزير لغير المسلمين، حيث إن لحم الخنزير لم يحرم على أهل الكتاب.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يجوز لأحد أن يفتي في دين الله تعالى بغير علم، ويجب أن يعلم خطورة فعله هذا، والله تعالى حرم ذلك بقوله: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) الأعراف/33
فلا يحل لأحد أن يقول: هذا حلال، وهذا حرام، وليس عنده دليل صحيح على ذلك، قال الله تعالى: (وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ) النحل/116
ثانياً:
بيع لحم الخنزير حرام سواء بيع لمسلم أو لكافر، والأدلة على ذلك:
قول الله تعالى: (قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ) الأنعام/145، وقد عَلَّمنا الرسول صلى الله عليه وسلم قاعدةً عظيمةً، فقال: (إن الله إذا حرَّم شيئاً حرَّم ثمنه) رواه أبو داود (3488) وصححه الشيخ الألباني في " غاية المرام " (318)
2- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح وهو بمكة: (إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام) . فقيل: يا رسول الله، أرأيت شحوم الميتة فإنها يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس؟ فقال: (لا، هو حرام) . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: (قاتل الله اليهود إن الله لما حرم شحومها جملوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه. رواه البخاري (1212) ومسلم (1581) .
جملوه: أذابوه.
قال النووي:
وأما الميتة والخمر والخنزير: فأجمع المسلمون على تحريم بيع كل واحد منها.
قال القاضي: تضمن هذا الحديث أن ما لا يحل أكله والانتفاع به لا يجوز بيعه , ولا يحل أكل ثمنه , كما في الشحوم المذكورة في الحديث.
" شرح مسلم " (11 / 8) .
قال ابن رجب الحنبلي – بعد أن ساق أحاديث في تحريم بيع الخمر -:
فالحاصل من هذه الأحاديث كلها: أن ما حرم الله الانتفاع به فإنه يحرم بيعه وأكل ثمنه كما جاء مصرحا به في: (إن الله إذا حرَّم شيئاً حرَّم ثمنه) ، وهذه كلمة عامة جامعة تطرد في كل ما كان المقصود من الانتفاع به حراما، وهو قسمان:
أحدهما: ما كان الانتفاع به حاصلا مع بقاء عينه، كالأصنام، فإن منفعتها المقصودة منها الشرك بالله وهو أعظم المعاصي على الإطلاق، ويلتحق بذلك كتب الشرك والسحر والبدع والضلال، وكذلك الصور المحرمة وآلات الملاهي المحرمة، وكذلك شراء الجواري للغناء ...
والقسم الثاني: ما ينتفع به مع إتلاف عينه، فإذا كان المقصود الأعظم منه محرّماً: فإنه يحرم بيعه، كما يحرم بيع الخنزير والخمر والميتة مع أن في بعضها - كأكل الميتة للمضطر ودفع الغصة بالخمر وإطفاء الحريق به والخرز بشعر الخنزير عند قوم والانتفاع بشعره وجلده عند من يَرَى ذلك - ولكن لما كانت هذه غير مقصودة لم يعبأ بها وحرم البيع، ولكن المقصود الأعظم من الخنزير والميتة: أكلها، ومن الخمر شربها، ولم يلتفت إلى ما عدا ذلك، وقد أشار صلى الله عليه وآله وسلم إلى هذا المعنى لما قيل له: أرأيت شحوم الميتة فإنها يطلي بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس؟ فقال: لا هو حرام ...
" جامع العلوم والحكَم " (1 / 415، 416) .
وقد سئلت اللجنة الدائمة: هل تجوز المتاجرة في الخمور والخنازير إذا كان لا يبيعها لمسلم؟
فأجابت: " لا يجوز المتاجرة فيما حرم الله من الأطعمة وغيرها، كالخمور والخنزير ولو مع الكفرة؛ لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه) ولأنه صلى الله عليه وسلم لعن الخمر وشاربها وبائعها ومشتريها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها وعاصرها ومعتصرها " اهـ.
فتاوى اللجنة الدائمة (13/49)
ثالثاً:
وأما قول السائل: (إن بيع لحم الخنزير لغير المسلمين غير محرم، ولم يرد نص في القرآن ولا في السنة لتحريم بيعه على غير المسلمين) ، فغير صحيح، فقد سبق أدلة القرآن والسنة وإجماع العلماء على تحريم بيع الخنزير، والأدلة بعمومها تدل على تحريم بيعه على المسلمين والكفار، لأن الأدلة دلت على تحريم بيعه تحريماً عاماً، ولم تفرق بين المسلمين وغيرهم.
بل لو قيل: إن المقصود من تحريم بيعه هو بيعه على الكفار أصالةً لم يكن ذلك بعيداً، لأن الأصل في المسلم أنه لن يشتري الخنزير، وماذا يفعل به، وهو يعلم أن الله حرَّمه؟!
وكذلك قوله: (إن لحم الخنزير متواجد من أيام الرسول صلى الله عليه وسلم، ولو أراد تحريمه ولعنه لفعل كما فعل بالخمر) غير صحيح.
لأنه لا يُشترط من تحريم الشيء أن يلعن الرسول صلى الله عليه وسلم مَنْ فَعَلَه، بل يكفي أنه ينهى عنه، أو يخبر أنه حرام. كما حرم بيع الخنزير
رابعاً:
وأما أخذكم هذه الأموال فالأجدر بكم بعد علمكم بأنه مال حرام التنزه والبعد عنه.
لاسيما وأخذكم هذا المال سيكون كالإقرار منكم لصاحب الشركة على هذا العمل، والواجب عليكم نصحه، والإنكار عليه ووعظه لترك هذا العمل المحرم، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه.
وأما ما أخذتم من هذه الأموال قبل علمكم بالتحريم، فلا حرج فيه إن شاء الله تعالى، قال الله تعالى في آيات تحريم الربا: (فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ) البقرة/275
راجع السؤال رقم (2429) و (8196)
نسأل الله تعالى أن يرزقكم حلالاً مباركاً فيه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6866)
ينوي العمل في شركة تنشيء برامج لبنوك ربوية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مهندس اتصالات وقد عرض علي عمل في إحدى شركات الاتصالات وهي تتعلق بمجال أمن الشبكات وهو مجال أستطيع من خلاله أن أخدم الدين، وبما أنه متعلق بأمان الشبكات لابد وأن تتخلله مشاريع لمصارف ربوية وهذه الشركة تعمل مشاريع لعدة مصارف وغير المصارف فهل يجوز لي العمل فيها؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز الإعانة على الربا بأي وجه من الوجوه، كتابة، أو شهادة، أو حراسة، أو برمجة، أو صيانة أجهزة أو غير ذلك من صور الإعانة، لقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة / 2
فإن استطعت أن تتجنب ذلك، كان عملك مباحا، وإلا فابحث عن عمل آخر مباح، وأيقن بأن الرزق من عند الله، وأنه يُنال بطاعته سبحانه، كما قال: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق / 2، 3
ومعلوم أن كثيرا من الشركات تتعامل بالربا، وأن من يحمل تخصصا كتخصصك قد يواجه شيئا من المصاعب في البحث عن العمل المباح، إلا أن ذلك لا يقارن بالإثم الكبير الذي يتحمله من يعين على ذنب توعد الله أهله بالحرب.
فاتق الله، واحذر عقابه، وأطب مطعمك، فإن كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به. [حديث رواه الطبراني وأبو نعيم في الحلية، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 4519] .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6867)
لم يجد عملاً إلا عمارة الكنائس
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مهندس مدني حديث التخرج ظللت أبحث كثيرا عن عمل فلم أجد إلى أن انتهى بي المطاف بعد ثلاثة أشهر في مكتب أحد أساتذتي المسيحيين والمشروع الموجود هو عمل أبحاث لمجمع الكنائس الأثرية بالمدينة لتدعيمها.
ربى ! ماذا أفعل؟ في أول خطوة في حياتي هل أظل بالبيت أم أعمل؟ عملت معه ثلاثة أشهر وبعدها تركته بعد أن اختنقت منه ومن العمل، وظللت أبحث كثيرا ووجدت عملا آخر، واستغنوا عنى بعد ثلاثة أشهر بدون إبداء أسباب واقعية، أخبرني هل أخطأت بتركي العمل الأول بعد أن رزقني به الله أم هو ابتلاء لي من عند الله؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ينبغي أن تحمد الله تعالى أن عافاك من هذا البلاء، وأنقذك منه في زمن الإمهال؛ فإن هذا العمل المتصل بإعمار الكنائس من أقبح الأعمال، لما فيه من الإعانة على أعظم المنكر وهو الكفر بالله تعالى وبرسوله صلى الله عليه وسلم.
وقد سئلت اللجنة الدائمة عن المسلم الذي وظيفته البناء، هل يجوز له أن يبني كنيسة، فأجابت:
"لا يحل لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبني كنيسة أو محلا للعبادة ليس مؤسسا على الإسلام الذي بعث اللهُ به محمداً صلى الله عليه وسلم؛ لأن ذلك من أعظم الإعانة على الكفر وإظهار شعائره، والله عز وجل يقول: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة /2.
وبالله التوفيق ".
"فتاوى اللجنة الدائمة" (14/482) .
كما أفتت اللجنة بتحريم العمل في حراسة الكنيسة، لما في ذلك من الإعانة على الإثم. "فتاوى اللجنة الدائمة" (14/481) .
فاحمد الله تعالى، وسله الرزق الطيب الحلال، واعلم أن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيرا منه، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) الطلاق /2-3.
فاجتهد في السعي عن عمل حلال، واسأل الله تعالى التوفيق، ولا تيأس.
ولا تنس أنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها عاجلاً أم آجلاً.
نسأل الله تعالى أن يفتح عليك من خزائن جوده، وجزيل عطائه، وأن يغنيك من فضله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6868)
حكم إصلاح الأجهزة التي تستخدم غالباً في المحرم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تصليح أجهزة التلفزيون والمسجلات والفيديو والريسيفر حلال أم حرام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه الأجهزة، تستعمل استعمالا مباحا، كما تستعمل استعمالا محرما، وهو الغالب، كمشاهدة صور النساء الكاسيات العاريات، أو استماع المعازف.
ولهذا لا يجوز تصليحها إلا لمن عُلم أو غلب على الظن أنه ممن يستعملها في المباح، أما من عُلم أو غلب على الظن أنه يستعملها في الحرام، فلا يجوز إعانته على تصليح جهازه؛ لقوله تعالى: (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة / 2.
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء، ما نصه:
(أنا أعمل مهندس إلكترونيات، ومن عملي إصلاح الراديو والتليفون والفيديو ومثل هذه الأجهزة، فأرجو إفتائي عن الاستمرار في هذه الأعمال، مع العلم أن ترك هذا العمل يفقدني كثيرا من الخبرة ومن مهنتي التي تعلمتها طوال حياتي، وقد يقع علي ضرر خلال تركها) .
فأجابت:
(دلت الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة أنه يجب على المسلم أن يحرص على طيب كسبه، فينبغي لك أن تبحث عن عمل يكون الكسب فيه طيبا. وأما الكسب من العمل الذي ذكرته فهذا ليس بطيب؛ لأن هذه الآلات تستعمل غالبا في أمور محرمة) .
انتهى من فتاوى اللجنة الدائمة 14/420
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6869)
فتح محل انترنت لا رقابة فيه على المستخدمين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم العمل والاستثمار في محلات الإنترنت مع العلم أن بعض رواد هذه الأماكن يقومون بالدخول إلى مواقع محرمة شرعا.... وكل ما أستطيع القيام به هو تعليق نصيحة أمام كل مستخدم للإنترنت أذكرهم فيها بحرمة هذه المواقع وحيث أن المستخدم يكون في مكان مفصول لضمان خصوصيته فإنني لا أستطيع مراقبة هؤلاء المستخدمين مائة بالمائة..... وهل أكون متحملا للذنب أم أن المستخدم نفسه هو الذي يكون المتحمل الوحيد لسوء أفعاله؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز العمل أو الاستثمار في مقاهي الإنترنت إلا في حال خلوها من المنكرات، ومن ذلك عدم تمكين الزائرين من الدخول إلى المواقع المحرمة، بحجبها عنهم، أو بطردهم عند الإصرار على استخدامها، وذلك لقول الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة / 2، وقوله: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) المائدة / 78، 79. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا " رواه مسلم 2674
وقوله: " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان " رواه مسلم 49
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: (والإنكار بالقلب فرض على كل واحد، وهو بغض المنكر وكراهيته، ومفارقة أهله عند العجز عن إنكاره باليد واللسان؛ لقول الله سبحانه: (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين) الأنعام / 68 ... )
انتهى نقلا عن: الدرر السنية في الأجوبة النجدية 16/142
فإذا لم يمكن ضبط هذا المقهى، ومنع المنكر منه، فلا يجوز فتحه، اتقاء للوقوع في الإثم والمعصية.
وإذا تركت هذا العمل تقرباً إلى الله وبعداً عما يريب فأبشر بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه)
نسأل الله أن ييسر لك التوفيق والبركة وأن يبدلك خيراً.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6870)
العمل في شركة تغش، وحكم العمل في شركة فيها أقسام مباحة وأخرى محرمة
[السُّؤَالُ]
ـ[يعمل في شركة وهذه الشركة تخلط الحرام بالحلال تبيع أشياء مسروقة وتغش فهل راتبه حلال؟ إذا ترك عمله فأي عمل آخر سيكون به محاذير شرعية فماذا يفعل؟ هل يستمر في عمله أم يتركه ويجوع أطفاله ولا يجد من يرعاهم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان عملك يتضمن معاونتهم بأي شكل من الأشكال في صورة من صور الغش أو السرقة فإنه لا يجوز، لقول الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة /2.
أما إذا كان عملك بعيدا عن أشكال المحرمات، ويوجد للشركة أقسام أخرى لا تتعامل بالحرام، فيجوز لك العمل في قسم المعاملات المباحة، بالشرط المذكور سابقا، وهو ألا يكون هناك إعانة على محرم.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" لا يجوز العمل بالمؤسسات الربويَّة ولو كان الإنسان سائقاً أو حارساً؛ وذلك لأن دخوله في وظيفة عند مؤسسات ربويَّة يستلزم الرضى بها؛ لأن من أنكر شيئاً لا يمكن أن يعمل لمصلحته، فإذا عمل لمصلحته كان راضياً به، والراضي بالشيء المحرم يناله من إثمه.
أما من كان يباشر القيد والكتابة والإرسال والإيداع وما أشبه ذلك: فهو لا شك أنه مباشر للحرام، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه، وقال: (هم سواء) . " فتاوى إسلامية " (2 / 401) .
والواجب عليك هو الإنكار على القائمين على الأقسام المحرمة ونصحهم بترك هذه المعاملات، والواجب عليك أيضاً إذا استطعت أن تنصح المشترين وتبين لهم العيوب الموجودة بالسلع التي يشترونها.
أما مسألة عدم وجود عمل آخر، فهذا غير صحيح، وهو وسوسة من الشيطان، وقد قال الله تعالى: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) . فالأعمال المباحة كثيرة، فعليك بالثقة بالله تعالى، والتوكل عليه، واجتناب الحرام.
أما كون الأطفال يموتون جوعا، فنسألك: هل الأفضل أن يموتوا جوعا - هذا على فرض موتهم -؟ أم أن تدخل النار من أجلهم؟!
ثم إن الله تعالى هو الذي خلقهم، وهو الذي تكفل برزقهم، كما قال تعالى: (وفي السماء رزقكم وما توعدون) ، وقال تعالى: (ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطأ كبيرا) ، وقد كتب الله تعالى رزق كل إنسان قبل أن يخرج من بطن أمه، فلا تخش من ذي العرش إقلالاً، ولكن اخش من نفسك الأمارة بالسوء، أن تجرك إلى الفتن والمعاصي، وتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يربو لحم نبت من سحت إلا كانت النار أولى به) رواه الترمذي برقم (614) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.
ومعنى (يربو) أي يزيد وينمو.
و (سحت) أي: حرام.
وإليك هذه المواقف من سيرة الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رحمه الله:
جاء إلى عمر بين عبد العزيز تفاحٌ لبيت مال المسلمين، فتناول ابنٌ له صغير تفاحةً منها، فانتزعها منه نزعاً شديداً، فذهب الولد إلى أمه يبكي، فأرسلت إلى السوق فاشترت له تفاحاً. فلما رجع عمر ودخل بيته وجد ريح التفاح، فقال: يا فاطمة، هل أخذت شيئاً من هذا المال؟ قالت: لا، وأخبرته أنها اشترت لابنها تفاحاً بمالها.
فقال عمر: والله، انتزعتها منه لكأنما انتزعتها من قلبي، لكن كرهت أن أضيع نفسي من الله بتفاحة من مال المسلمين.
"مناقب عمر بن عبد العزيز" لابن الجوزي (ص 190) .
ودخل عمر بن عبد العزيز على بناته بعد صلاة العشاء ليسلم عليهن، فلما أحسسنه وضعن أيديهن على أفواههن، وابتعدن عنه، فقال للحاضنة: ما شأنهن؟ فقالت: إنه لم يكن عندهن شيء يتعشينه إلا عدس وبصل، فكرهن أن تشم ذلك من أفواههن. فبكى عمر ثم قال لبناته: يا بناتي، ما ينفعكن أن تتعشين الألوان ويؤمر بأبيكن إلى النار. فبكين حتى علت أصواتهن.
"عمر بن عبد العزيز" للدكتور البرونو (142) .
وعوتب عمر بن عبد العزيز وهو يحتضر أنه ترك أولاده فقراء، فبعث إليهم وهم بضعة عشر ذكرا، فنظر إليهم فذرفت عيناه، ثم قال: أي بني، إن أباكم خُيِّر بين أمرين: بين أن تستغنوا ويدخل أبوكم النار، وأن تفتقروا ويدخل أبوكم الجنة، فكان أن تفتقروا ويدخل أبوكم الجنة أحب إليه من أن تستغنوا ويدخل النار. قوموا عصمكم الله.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6871)
بيع بطاقات أعياد النّصارى
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل محاسب. وفي العمل يوجد بطاقات عيد ميلاد المسيح عليها عبارات شركية مثل (عيسى هو الله - وهو يحبك) … الخ. إذا كان العميل يحضر لي هذه البطاقات فأبين له أنصحه) ، وأضع النقود في آلة التسجيل. فهل أنا كافر؟ أنا أكره الشرك، وأكره المسيحية، وأكره المسيحيين، فهل أنا كافر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما دمت مؤمنا كارها للشرك كارها لدين النّصارى فلست بكافر بل أنت مسلم ما دمت على التوحيد ولم ترتكب ما يُخرج من الدّين، ولكن لا بدّ أن تعلم أنّه لا يجوز لمسلم أن يعين الكفار بأي وسيلة على إقامة أعيادهم والاحتفال بها ومن ذلك بيع ما يستخدمونه في أعيادهم. قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية رحمه الله تعالى في كتابه العظيم اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم: " فأمّا بيع المسلم لهم في أعيادهم ما يستعينون به على عيدهم من الطعام واللباس والرّيحان ونحو ذلك أو إهداء ذلك لهم فهذا فيه نوع إعانة على إقامة عيدهم المحرّم. وهو مبني على أصل وهو: أنّه لا يجوز أن يبيع الكفّار عنبا أو عصيرا يتخذّونه خمرا. وكذلك لا يجوز أن يبيعهم سلاحا يقاتلون به مسلما. "
ثمّ نقل عن عبد الملك بن حبيب من علماء المالكية قوله: " ألا ترى أنّه لا يحلّ للمسلمين أن يبيعوا من النصّارى شيئا من مصلحة عيدهم؟ لا لحما ولا إداما ولا ثوبا ولا يُعارون دابّة ولا يعاونون على شيء من عيدهم لأنّ ذلك من تعظيم شركهم ومن عونهم على كفرهم.." الاقتضاء ص: 229، 231 ط. دار المعرفة بتحقيق الفقي.
نسأل الله أن يثبتك على الحقّ ويجنبّك الباطل ويرزقك من لدنه رزقا حسنا. وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/6872)
حكم حلق اللحية لرجل آخر
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلم ملتزم مطلق لحيتي أملك صالون حلاقة للرجال وهذه مهنتي وفي هذه المهنة أحلق اللحية للزبائن وأستخدم السشوار لكي أفرد شعر الزبائن فما حكم الدين في ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: يحرم على المسلم أن يحلق لحيته للأدلة الصحيحة على تحريم حلقها، ويحرم على غيره أن يحلقها له لما في ذلك من التعاون على الإثم، وقد نهى الله عن ذلك بقوله: (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)
ثانياً: يجوز لك أن تمشط شعر الرجل وتبسطه وتدهنه وتعطره ولا يجوز لك ذلك بالنسبة للنساء غير محارمك.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 5/145(5/6873)
تحديد أجرة الإعلان في المواقع بحسب عدد المتصفحين
[السُّؤَالُ]
ـ[بالنسبة لخدمة الإعلانات على الإنترنت فهناك موقع مثل جوجل يقوم بوضع الإعلانات على موقعك وأنت كصاحب موقع تأخذ مالاً مقابل كل مستخدم يضغط علي إعلان جوجل الموضوع في موقعك، والذي يوجه لموقع الشركة المعلنة، فمثلا إذا ضغط المستخدمون على 10 إعلانات أخذ من جوجل 10 دولار. فهل هذا يجوز؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا العقد الموصوف في السؤال عقد جعالة لا مانع منه شرعاً، إذا كانت هذه الإعلانات خالية من الحرام أو الإعانة عليه.
ومن صور الجعالة الجائزة التي ذكرها الفقهاء: أن يقول: (من رد بعيري الشارد فله كذا) ، والدليل على جواز الجعالة قول الله تعالى: (وَلِمَن جَاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ) يوسف/72، والإجماع منعقد على جوازها، حكى ذلك غير واحد من أهل العلم منهم ابن قدامة في المغني (6/20) ، حيث قال: ولا نعلم فيه مخالفا.
والجعالة نوع من الإجارة، ولكن يتسامح فيها ما لا يتسامح في الإجارة، فتصح الجعالة مع جهالة العمل المتعاقد عليه، كما في رد البعير الشارد، فقد يرده بعد عمل كثير أو قليل.
ومن ذلك: الصورة المسئول عنها، فإنك لا تدري كم من المستخدمين سيدخلون على هذا الإعلان.
فما دام قد حدد الأجر المادي مقابل دخول كل مستخدم، فلا مانع من ذلك شرعاً.
لكن يجب معرفة محتوى هذه الإعلانات حتى لا تكون إعلانات لأشياء محرمة، فحينئذ يحرم الإعلان عنها أو أخذ الأجرة على ذلك لقول تعالى: (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثم وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2.
ولمزيد الفائدة راجع جواب السؤال رقم (101806) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6874)
إذا عمل العمل قبل علمه بالجعل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم إذا عمل العمل ثم علم بقول الجاعل من فعل كذا فله كذا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا عمله قبل علمه بقول الجاعل من فعل كذا فله كذا لم يستحق ما سمي، ولكن من مكارم الأخلاق أنك تعطيه شيئاً يرضيه يكون مقارباً لأجرة هذا العمل أو أكثر.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله.(5/6875)
أحكام الجعالة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل لك أن تذكر نبذة عن أحكام الجعالة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تسمى الجعل والجعيلة أيضاً , وهي ما يعطاه الإنسان على أمر يفعله , كأن يقول: من فعل كذا؛ فله كذا من المال؛ بأن يجعل شيئاً معلوماً من المال لمن يعمل له عملاً معلوماً؛ كبناء حائط.
ودليل جواز ذلك قوله تعالى: (ولمن جاءَ بِهِ حِمل بعيرٍ وأنا به زعيم) يوسف/72؛ أي لمن دل على سارق صواع الملك حمل بعير , وهذا جعل , فدلت الآية على جواز الجعالة.
ودليلها من السنة حديث اللديغ , وهو في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي سعيد أنهم نزلوا على حي من أحياء العرب , فاستضافوهم , فأبوا , فلدغ سيد ذلك الحي , فسعوا له بكل شيء , فأتوهم , فقالوا: هل عند أحد منكم من شيء؟ قال بعضهم: إني والله لأرقي , ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا؛ فما أنا براق لكم حتى تجعلوا لنا جعلاً. فصالحوهم على قطيع من غنم , فانطلق ينفث عليه ويقرأ: (الحمد لله رب العالمين) ؛ فكأنما نشط من عقال , فأوفوهم جعلهم , وقدموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم , فذكروا ذلك له , فقال: (أصبتم، اقتسموا واجعلوا لي معكم سهماً) رواه البخاري (كتاب الإجارة/2276) .
فمن عمل العمل الذي جعلت عليه الجعالة بعد علمه بها؛ استحق الجعل؛ لأن العقد استقر بتمام العمل وإن قام بالعمل جماعة؛ اقتسموا الجعل الذي عليه بالسوية؛ لأنهم اشتركوا في العمل الذي يستحق به العمل العوض فاشتركوا في العوض , فإن عمل العمل قبل علمه بما جعل عليه؛ لم يستحق شيئاً لأنه عمل غير مأذون فيه , فلم يستحق به عوضاً , وإن علم بالجعل في أثناء العمل؛ أخذ من الجعل ما عمله بعد العلم.
والجعالة عقد جائز لكل الطرفين فسخها , فإن كان الفسخ من العامل؛ لم يستحق شيئاً من الجعل؛ لأنه أسقط حق نفسه، وإن كان الفسخ من الجاعل , وكان قبل الشروع في العمل؛ فللعامل أجر مثل عمله؛ لأنه عمله بعوض لم يسلم له.
والجعالة تخالف الإجارة في مسائل:
1- منها أن الجعالة لا يشترط لصحتها العلم بالعمل المجاعل عليه؛ بخلاف الإجارة؛ فإنها يشترط فيها أن يكون العمل المؤجر عليه معلوماً.
2- ومنها: أن الجعالة لا يشترط لصحتها العلم بمدة العمل المجاعل عليه بخلاف الإجارة؛ فإنها يشترط فيها أن تكون مدة العمل معلومة.
3- ومنها: أن الجعالة يجوز فيها الجمع بين العمل والمدة , كأن يقول: من خاط هذا الثوب في يوم , فله كذا , فإن خاطه في اليوم , استحق الجعل , وإلا فلا؛ بخلاف الإجارة؛ فإنه لا يصح فيها بين الجمع العمل والمدة.
4- ومنها: أن العامل في الجعالة لم يلتزم في العمل , بخلاف الإجارة؛فإن العامل فيها قد التزم بالعمل.
5- ومنها: أن الجعالة عقد جائز لكل من الطرفين فسخها بدون إذن الآخر , بخلاف الإجارة , فإنه عقد لازم , لا يجوز لأحد الطرفين فسخها؛ إلا برضى الآخر.
وقد ذكر الفقهاء رحمهم الله أن من عمل لغيره عملاً بغير جعل ولا إذن من صاحب العمل؛ لم يستحق شيئاً؛ لأنه بذل منفعة من غير عوض , فلم يستحقه , ولأنه لا يلزم الإنسان شيء لم يلتزمه؛ إلا أنه يستثنى من ذلك شيئان:
الأول: إذا كان العامل قد أعد نفسه للعمل بالأجرة كالدلال والحمال ونحوهما؛ فإنه إذا عمل عملاً بإذن يستحق الأجرة؛ لدلالة العرف على ذلك , ومن لم يعد نفسه للعمل , لم يستحق شيئاً , ولو أذن له؛ إلا بشرط.
الثاني: من قام بتخليص متاع غيره من هلكة؛ كإخراجه من البحر أو الحرق أو وجده في مهلكة يذهب لو تركه؛ فله أجرة المثل , وإن لم يأذن له ربه , لأنه يخشى هلاكه وتلفه على صاحبه , ولأن في دفع الأجرة ترغيباً في مثل هذا العمل , وهو إنقاذ الأموال من الهلكة.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " من استنقذ مال غيره استحق أجرة المثل , ولو بغير شرط , في أصح القولين , وهو منصوص أحمد وغيره ".
وقال العلامة ابن القيم رحمه الله: " فمن عمل في مال غيره عملاً بغير إذنه ليتوصل بذلك العمل إلى غيره أو فعله حفظاً لمال المالك وإحرازاً له من الضياع؛ فالصواب أنه يرجع عليه بأجرة عمله , وقد نص عليه أحمد في عدة مواضع " انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب الملخص الفقهي لفضيلة الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله آل فوزان.(5/6876)
لا يجوز استغلال أوقاف المسجد للحاجات الخاصة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يستطيع المسلم أن ينشئ ويدير متجراً على أرض تتبع أملاك المسجد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن كانت هذه الأرض التي يريد أن يبني عليها متجرا خاصا أرضا موقوفة للمسجد، يعني: أنها جزء من المسجد المعد للصلاة، أو من ملحقاته: فلا يجوز استغلالها في الحاجات الخاصة والأمور الشخصية بحال من الأحوال، بل ذلك من الجناية والعدوان في حق الله، وفي حق المسلمين.
وأما إذا كانت أرضا موقوفة للاستغلال والإنفاق على المسجد، فلا بأس بإنشاء المتاجر فيها، غير أنها لا تملك لمعين، بل تبقى وقفا للمسجد، وينفق ريعها الذي يتحصل منها على المسجد، أو غيره من سبل الخير، بحسب شرط الواقف.
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله:
" ما هو حكم البناء في سرحة المسجد للسكن فيها، علما بأن هذه السرحة قطعة من قاعة المسجد، وتؤدى فيها صلاة الجماعة، وإذا تم هذا البناء فما الواجب على مسئولي المسجد فعله؟
فأجاب رحمه الله:
" لا يبنى في أرض المسجد شيء، إذا كانت الأرض تابعة للمسجد فلا يبنى فيها، بل تبقى توسعة للمسجد يصلى فيها عند كثرة الناس، ولا يؤخذ منها شيء، بل تبقى سعة للمسجد، وإذا أريد شيء للإمام أو المؤذن أو المكتبة أو إنشاء حاجات للمسجد فتكون خارج المسجد، تبنى خارج المسجد، إذا وجد شيء، أو يشترى أرض يجعل فيها ذلك بواسطة أهل الخير، المقصود أن سرحة المسجد ورحبته تبقى سعة له " انتهى.
" مجموع فتاوى ابن باز " (30/83-84)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6877)
هل يجوز لهم بيع المسجد لمن يحتمل اتخاذه كنيسة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن نعيش في أحد المدن الأمريكية، ومنذ ما يزيد على 30 عاماً اشترى المسلمون كنيسة، وعدلوها لتصبح مسجداً , الآن نظراً لقدم البناية، وصغر مساحة المسجد: نريد بيعه، واستخدام قيمته في تكملة بناء مسجد أكبر في حي مجاور , المعضلة: أنه يغلب على ظننا أنه سيشتريه منَّا بعض النصارى، ثم يجعلونه كنيسة، وخاصة أصحاب كنيسة مجاورة للمسجد، يصدر منها أحياناً أصوات موسيقى عالية تسمع من داخل المسجد , ما هو حكم بيع المسجد لمن يرغب في جعله كنيسة؟ وهل فِعْل ذلك يعدُّ مِن معاونتهم على ما هم فيه من الشرك، والضلال؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
اتفق العلماء على حرمة بيع المسجد الذي لم تتعطل منافعه، ولم يهجره أهله، وأن من فعل ذلك فهو آثم، ولا يتملكه من اشتراه.
واختلفوا في حكم بيع المسجد الذي تعطلت منافعه، أو هجره أهله:
فذهب بعضهم إلى أنه يجوز بيع المسجد إذا كان ذلك هو حاله، وإذا بيع: فيصرف ثمنه إلى مسجد آخر، وإن كان قريباً من الأول فهو أفضل.
وهذا قول أبي حنيفة، وصاحبه أبي يوسف، وهو رواية عن الإمام أحمد، وهو الذي عليه مذهب الحنابلة.
وذهب آخرون إلى أنه لا يصح بيع الوقف بحال عموماً، والمسجد لا يكون إلا وقفاً، وعليه: فلا يصح عندهم بيعه، وإن تعطلت منافعه، وهجره المصلون.
وهو رواية أخرى عن أبي حنيفة، وهي المذهب عند الحنفية، وهو مذهب مالك، والشافعي، ورواية عن الإمام أحمد.
والقول بالجواز هو الأصح من القولين.
وانظر المسألة بتفصيلها، وترجيحها في جواب السؤال رقم: (103236) .
ثانياً:
إذا تقرر جواز بيع مسجد القديم ذاك: فهل يجوز لكم بيعه لمن يتخذه كنيسة، أو لإقامة محل يُعصى فيه الله تعالى، كخمارة، أو مؤسسة ربوية؟
والجواب: قطعاً لا يجوز؛ فالوسائل لها حكم الغايات، فالوسيلة إلى فعل المعصية تكون معصية، والوسيلة إلى فعل الطاعة تكون طاعة، ولذلك حرم بيع السلاح وقت الفتنة، وحرم بيع العنب لمن يعصره خمراً، ويقال هنا: يحرم بيع أرض للنصارى بقصد بنائها كنيسة، أو لليهود بقصد بنائها بيعة، ونحو ذلك، كما يحرم تأجيرهم دوراً لإقامة شعائر الكفر فيها.
وفي " الموسوعة الفقهية " (38 / 157، 158) :
نصَّ جمهور الفقهاء على أنّه يمنع المسلم من بيع أرضٍ أو دارٍ لتتّخذ كنيسةً:
قال الحنفيّة: إن اشتروا دوراً في مصرٍ من أمصار المسلمين فأرادوا أن يتّخذوا داراً منها كنيسةً، أو بيعةً، أو بيت نارٍ في ذلك لصلواتهم: منعوا عن ذلك.
وقال المالكيّة: يمنع - أي: يحرم - بيع أرضٍ لتتّخذ كنيسةً، وأجبر المشتري من غير فسخٍ للبيع على إخراجه من ملكه، ببيع، أو نحوه.
روى الخلال عن المروذيّ أنّ أبا عبد الله سئل عن رجلٍ باع داره من ذمّيٍّ وفيها محاريب فاستعظم ذلك، وقال: نصراني؟! لا تباع، يضرب فيها النّاقوس وينصب فيها الصلبان؟ وقال: لا تباع من الكافر، وشدّد في ذلك.
وعن أبي الحارث أنّ أبا عبد الله سئل عن الرّجل يبيع داره وقد جاء نصراني فأرغبه وزاده في ثمن الدّار , ترى أن يبيع منه وهو نصراني، أو يهودي، أو مجوسي , قال: لا أرى له ذلك , قال: ولا أرى أن يبيع داره من كافرٍ يكفر فيها بالله تعالى.
إذا اشترى أو استأجر ذمّي داراً على أنّه سيتّخذها كنيسةً: فالجمهور على أنّ الإجارة فاسدة , أمّا إذا استأجرها للسكنى، ثمّ اتّخذها معبداً: فالإجارة صحيحة , ولكن للمسلمين عامّةً منعه حسبةً. انتهى
ثالثاً:
المشتري من الكفار لا ندري ما يصنع بهذا المسجد إن اشتراه، فمتى يكون البيع له محرَّماً؟.
والجواب: أنه يكون محرَّماً في حال العلم باتخاذه له كنيسة، بتصريه، أو بقرائن قوية، أو بغلبة الظن الراجحة، وما عدا ذلك: فلا يحرم بيعه له.
قال أحمد الصاوي – رحمه الله -:
ويمنع أيضاً بيع التوراة، والإنجيل لهم؛ لأنها مبدَّلة، ففيه إعانة لهم على ضلالهم، وكما يُمنع بيع ما ذُكر لهم: يُمنع الهبة، والتصدق، وتمضي الهبة، والصدقة، ويجبرون على إخراجها من ملكهم كالبيع.
تنبيه: كذلك يُمنع بيع كل شيءٍ عُلم أن المشتري قصد به أمراً لا يجوز؛ كبيع جارية لأهل الفساد، أو مملوك، أو بيع أرض لتتخذ كنيسة، أو خمارة، أو خشبة لتتخذ صليباً، أو عنباً لمن يعصره خمراً، أو نحاساً لمن يتخذه ناقوساً، أو آلة حرب للحربيين، وكذا كل ما فيه قوة لأهل الحرب.
" بلغة السالك " (3 / 8) .
وقال ابن قدامة – رحمه الله -:
إذا ثبت هذا: فإنما يحرم البيع، ويبطل إذا علم البائع قصْد المشتري ذلك، إما بقوله، وإما بقرائن مختصة به تدل على ذلك، فأما إن كان الأمر محتملاً مثل أن يشتريها مَن لا يُعلم حالُه، أو من يَعمل الخل والخمر معاًً، ولم يلفظ بما يدل على إرادة الخمر: فالبيع جائز، وإذا ثبت التحريم: فالبيع باطل، ويحتمل أن يصح، وهو مذهب الشافعي ...
ولنا: أنه عقد على عين لمعصية الله بها فلم يصح، كإجارة الأمَة للزنا، والغناء ... .
" المغني " (4 / 306) .
والخلاصة:
أنه لا يحل لكم بيع المسجد إذا لم تتعطل منافعه، وأمكن الانتفاع به، ويحل لكم بيعه إن تعطلت منافعه، وصار مهجوراً من أهله، والنصيحة لكم: عدم بيعه، وإبقاؤه وقفاً، وجعله مكتبة، أو مؤسسة خيرية، في حال تعطله عنه الانتفاع به في الصلاة.
وإن لم يتيسر لكم هذا، وتعين عليكم بيعه: فيجوز لكم بيعه لنصراني وغيره، إلا إذا علمتم، أو غلب على ظنكم أنه سيحوله كنيسة ونحوها من دور الكفر: فلا يجوز لكم ذلك البيع، وعليكم تحري من يشتريه لاستخدام مباح، فإن جهلتم حال المشتري، ولم تعلموا نيته: فالبيع له جائز، والاحتياط: التورع بالتحري عن نيته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6878)
حكم تنمية مال الوقف
[السُّؤَالُ]
ـ[الوقف الذي فيه أضحية، والوكيل على هذا الوقف يرى وضعها في شركة مساهمة ليضحي من ريعه فهل يجوز؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا بأس من وضع هذا الوقف في شركة مساهمة لا تتعامل بالربا إذا كانت هذه الشركة مأمونة ويضحى من الريع، والله الموفق" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (20/21) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6879)
حكم نقل المصاحف من مسجد إلى مسجد إذا دعت الحاجة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز نقل المصاحف من مسجد صغير إلى مسجد كبير في مدينة أخرى، لعدم وجود مصاحف فيه، ولكثرة المصلين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا كان المسجد الصغير مستغنيا عن بعض المصاحف التي فيه، فلا بأس بنقل ما لا تدعو الحاجة إليه في ذلك المسجد إلى مسجد آخر محتاج إلى ذلك؛ إذ المقصود من ذلك انتفاع المصلين بهذه المصاحف, والأحوط استئذان الإمام في ذلك؛ لأنه أعلم بحاجة المسجد. والله الموفق" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (20/15) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6880)
حكم المصحف الموقوف إذا تلف أو تمزق.
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال: ما حكم المصحف الموقوف إذا تلف أو تمزق، وهل يجب ترميمه؟ أو إقامة بدل له؟ أو تركه بحاله؟ وهل يجوز إتلافه أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
أولاً: إذا تعرض المصحف لبعض التلف والتمزق، وكان بالإمكان إصلاحه وتجليده فهو أفضل وأحسن، ومن أعمال البر التي يؤجر عليها الإنسان.
إلا أن ذلك ليس من الواجبات الشرعية التي تلزم الواقف أو غيره من أفراد الناس، وإنما ينفق عليه من غلة المسجد إن كان للمسجد وقف خاص به ينفق منه على مصالحه، وإلا فالمسئول عن ذلك هو مديريات الأوقاف.
وذلك لأن الأوقاف التي ليس لها غَلة يُنفق عليها من بيت المال.
قال شيخ الإسلام عن نفقة السلاح الموقوف: " إنْ شَرَطَ لَهُ الْوَاقِفُ نَفَقَةً وَإِلَّا كَانَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ كَسَائِرِ مَا يُوقَفُ لِلْجِهَاتِ الْعَامَّةِ كَالْمَسَاجِدِ، وَإِذَا تَعَذَّرَ مَنْ يُنْفِقُ عَلَيْهِ بِيعَ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْوَاقِفِ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ ". انتهى "مجموع الفتاوى" (31 / 235) .
وقال في " كشاف القناع " (4 / 265) : " وَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْمَسَاكِينِ فَنَفَقَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَال، وإن تَعذَّرَ، بِيعَ ".
ثانياً: إذا صار المصحف الموقوف في حال يتعذر معها الانتفاع به بسبب تلفه وتمزقه، ففي هذه الحال يجوز إتلافه.
وللعلماء في كيفية إتلافه قولان:
فمنهم من يرى أن يدفن في التراب، وهو مذهب الحنفية والحنابلة.
قال الحصكفي من فقهاء الحنفية: " الْمُصْحَفُ إذَا صَارَ بِحَالٍ لَا يُقْرَأُ فِيهِ: يُدْفَنُ؛ كَالْمُسْلِمِ". انتهى من "الدر المختار" (1 / 191) .
وعلق على ذلك صاحب الحاشية بقوله: " أي يجعل في خرقة طاهرة، ويدفن في محل غير ممتهن، لا يوطأ ". انتهى
وقال البهوتي من الحنابلة: " وَلَوْ بَلِيَ الْمُصْحَفُ أَوْ انْدَرَسَ دُفِنَ نَصًّا، ذَكَرَ أَحْمَدُ أَنَّ أَبَا الْجَوْزَاءِ بَلِيَ لَهُ مُصْحَفٌ فَحَفَرَ لَهُ فِي مَسْجِدِهِ فَدَفَنَهُ ". انتهى "كشاف القناع" (1 / 137) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأما المصحف العتيق والذي تَخرَّق وصار بحيث لا ينتفع به بالقراءة فيه، فإنه يدفن في مكان يُصان فيه، كما أن كرامة بدن المؤمن دفنه في موضع يصان فيه ". انتهى "مجموع الفتاوى" (12/599) .
ومن أهل العلم من يرى أن المصحف التالف يُحرق بالنار، وهو قول المالكية والشافعية، وذلك اقتداءً بعثمان عندما أمر بحرق المصاحف الموجودة في أيدي الناس بعد جمع المصحف الإمام.
وقصة حرق عثمان للمصاحف رواها البخاري في صحيحه (4988) ومما جاء فيها: ( ... فَأَرْسَلَ عُثْمَانُ إِلَى حَفْصَةَ أَنْ أَرْسِلِي إِلَيْنَا بِالصُّحُفِ نَنْسَخُهَا فِي الْمَصَاحِفِ ثُمَّ نَرُدُّهَا إِلَيْكِ، فَأَرْسَلَتْ بِهَا حَفْصَةُ إِلَى عُثْمَانَ، فَأَمَرَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، فَنَسَخُوهَا فِي الْمَصَاحِفِ ... وَأَرْسَلَ إِلَى كُلِّ أُفُقٍ بِمُصْحَفٍ مِمَّا نَسَخُوا، وَأَمَرَ بِمَا سِوَاهُ مِنْ الْقُرْآنِ فِي كُلِّ صَحِيفَةٍ أَوْ مُصْحَفٍ أَنْ يُحْرَقَ) .
وعن مصعب بن سعد قال: " أدركت الناس متوافرين حين حرق عثمان المصاحف، فأعجبهم ذلك، لم ينكر ذلك منهم أحد ". رواه أبو بكر بن أبي داود في "كتاب المصاحف" (41) .
قال ابن بطال: " وفى أمر عثمان بتحريق الصحف والمصاحف حين جمع القرآن جواز تحريق الكتب التي فيها أسماء الله تعالى، وأن ذلك إكرام لها، وصيانة من الوطء بالأقدام، وطرحها في ضياع من الأرض ". انتهى من " شرح صحيح البخاري" (10/226) .
قال السيوطي: " إذا احتيج إلى تعطيل بعض أوراق المصحف لبلى ونحوه، فلا يجوز وضعها في شق أو غيره؛ لأنه قد يسقط ويوطأ، ولا يجوز تمزيقها لما فيه من تقطيع الحروف وتفرقة الكلم، وفي ذلك إزراء بالمكتوب ... وإن أحرقها بالنار فلا بأس، أحرق عثمان مصاحف كان فيها آيات وقراءات منسوخة ولم ينكر عليه ". انتهى " الإتقان في علوم القرآن" (2 / 1187)
ولكل من القولين – القول بالدفن والإحراق - وجه، ولذلك أي الأمرين فعل الإنسان فلا حرج عليه إن شاء الله تعالى، وإن كان القول بالإحراق أولى لثبوته عن الصحابة رضي الله عنهم.
قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ: " الطريقة الصحيحة عند تلف أوراق المصاحف هي دفنها في المسجد، وإذا تعذر ذلك فتدفن في موضع طاهر نظيف، ويجوز كذلك حرقها ". انتهى " الفتاوى" (13 / 84) .
وفي " فتاوى اللجنة الدائمة " (4/139) : " ما تمزق من المصاحف والكتب والأوراق التي بها آيات من القرآن يدفن بمكان طيب، بعيد عن ممر الناس وعن مرامي القاذورات، أو يحرق؛ صيانة له، ومحافظة عليه من الامتهان؛ لفعل عثمان رضي الله عنه ".
وقال الشيخ ابن عثيمين: " ولكن ينبغي بعد إحراقه أن يدق حتى لا يبقى قطع من الأوراق، لأن الإحراق تبقى معه صورة الحرف كما يشاهد كثيراً، فإذا دق وصار رماداً زال هذا المحذور ". انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (16 / 148) .
ومن الأشياء الموجودة الآن ويمكن استعمالها في إتلاف المصاحف " آلة تمزيق الورق" بشرط أن تكون دقيقة جداً بحيث لا تبقي شيئاً من الكلمات والحروف الظاهرة.
قال الشيخ ابن عثيمين: " التمزيق لابد أن يأتي على جميع الكلمات والحروف، وهذه صعبة إلا أن توجد آلة تمزق تمزيقاً دقيقاً جداً بحيث لا تبقى صورة الحرف، فتكون هذه طريقة ثالثة وهي جائزة ". انتهى "فتاوى نور على الدرب" (2 /384) .
وفي حال حرق المصحف الموقوف أو إتلافه فلا يلزم إقامة بدل عنه، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6881)
حكم الرجوع في الوقف
[السُّؤَالُ]
ـ[شخص وقف أرضاً واسعة جداً في حال صحته لتكون مقبرة ولكن لم يقبر فيها أحد إلى الآن وقد أحيل الشخص الواقف على التقاعد، وليس له أرضا غيرها سوى مسكن وله ولعياله فهل يجوز الرجوع فيها أو في بعضها أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا يجوز الرجوع فيما وقف من الأرض، ولا في بعضه لأنها خرجت من ملك الواقف بالوقف، إلا الانتفاع بها فيما جعلت له، فإن احتيج إليها في تلك الجهة للدفن فيها وإلا بيعت وجعل ثمنها في مقبرة في جهة أخرى، ولا يتصرف فيها إلا بمعرفة قاضي تلك الجهة التي فيها الأرض الموقوفة، وضعف حالك بعد إحالتك على التقاعد لا يبرر لك الرجوع في الوقف، والله سبحانه وتعالى يأجرك ويخلف عليك خيراً مما أنفقت. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
"فتاوى إسلامية" (3/23) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6882)
حكم أخذ بعض المواطنين من المصاحف التي توزعها الدولة على الحجاج
[السُّؤَالُ]
ـ[تقوم الدولة بتوزيع المصاحف على الحجاج، ولكن بعض المواطنين يأخذونها ويوزعونها على أقاربهم وأصدقائهم، فما حكم أخذ هذه المصاحف؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا يجوز أخذ المصاحف المخصص توزيعها على الحجاج من قبل الجهات المسؤولة؛ لأن هذا يفوت الغرض المقصود، وهو تزويد الحجاج بكتاب الله، حيث قد لا يتمكن من الحصول عليه في غير هذه الفرصة، ولأن هذه المصاحف صارت وقفا على الجهة التي خصصت لها، ولا يجوز صرف الوقف في غير ما خصص له، ولأن بإمكانك الحصول على المصاحف من الجهة التي توزعها على المواطنين. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ صالح بن فوزان الفوزان، الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (16/22) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6883)
ما هي الصدقة الجارية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف أمثلة بسيطة للصدقة الجارية، وفي أي باب أنفق مالي في رمضان أو غيره: إفطار الصائمين، أم كفالة اليتيم، أم رعاية دور المسنين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الصدقة الجارية هي الوقف، وهي الواردة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلاَّ مِنْ ثَلاَثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ) رواه مسلم (1631) .
قال النووي رحمه الله في شرح هذا الحديث:
" الصدقة الجارية هي الوقف " انتهى.
" شرح مسلم " (11/85) .
وقال الخطيب الشربيني رحمه الله:
"الصدقة الجارية محمولة عند العلماء على الوقف كما قاله الرافعي، فإن غيره من الصدقات ليست جارية.
"مغني المحتاج" (3/522-523) .
والصدقة الجارية هي التي يستمر ثوابها بعد موت الإنسان، وأما الصدقة التي لا يستمر ثوابها ـ كالصدقة على الفقير بالطعام ـ فليست صدقة جارية.
وبناء عليه: فتفطير الصائمين وكفالة الأيتام ورعاية المسنين - وإن كانت من الصدقات - لكنها ليست صدقات جارية، ويمكنك أن تساهم في بناء دار لليتامى أو المسنين، فتكون بذلك صدقة جارية، لك ثوابها ما دامت تلك الدار ينتفع بها.
وأنواع الصدقات الجارية وأمثلتها كثيرة، منها: بناء المساجد، وغرس الأشجار، وحفر الآبار، وطباعة المصحف وتوزيعه، ونشر العلم النافع بطباعة الكتب والأشرطة وتوزيعها.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ: عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ، وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ، وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ، أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ، أَوْ بَيْتًا لِابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ، أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ، أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ) رواه ابن ماجه (رقم/242) قال المنذري في " الترغيب والترهيب " (1/78) : إسناده حسن. وحسنه الألباني في " صحيح ابن ماجه "
وانظر جواب السؤال رقم (69884) و (43101) .
وينبغي للمسلم أن يعدد مصارف صدقاته، حتى يكون له نصيب من الأجر مع أهل كل طاعة، فتجعل جزء من مالك لتفطير الصائمين، وجزء آخر لكفالة اليتيم، وثالثاً لدار المسنين، ورابعاً تساهم به في بناء مسجد، وخامسا لتوزيع الكتب والمصاحف ... وهكذا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6884)
إذا لم يحدد المتبرع كمية الوقف فما العمل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا قال الواقف: أخرجوا من هذا الوقف تحية وطعمة ومات ولم يحدد كمية هذا الطعام، فكيف يقدره الناظر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا السؤال التالي على فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن جبرين فأجاب حفظه الله:
ينظر إلى العرف، يرجع إلى استعمال كلمة (طعمة) في تلك الأزمنة، الغالب أنهم يريدون بها الطعام في رمضان من تفطير وعشاء للصائمين ولو ثلاثة أو خمسة من المساكين الذين يحتاجون إلى تفطير من الصيام.
والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن جبرين(5/6885)
إذا زاد المال الموقوف عن الحاجة صرف في وقف آخر مماثل
[السُّؤَالُ]
ـ[اشترينا قطعة أرض لبناء مسجد لكن مؤخرا وجدنا أن هناك مسجدا مجاورا يكفي، فقررنا أن أن نبيع هذه الأرض ونبني المسجد في منطقة أخرى لكننا سنربح مبلغا زيادة حينما نبيع الأرض، هل يمكننا إعطاء المبلغ الزيادة فقط لأخينا الفقير مع عائلته وهم بأمس الحاجة للدعم المادي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا وقفت الأرض لبناء مسجد، أو كانت قد اشتريت بمال وُقف لأجل بناء المسجد، فإنه عند الاستغناء عنها بالمسجد المجاور، تباع ويجعل ثمنها في مسجد آخر، فإن زاد المال ولم يوجد مسجد آخر يوضع فيه – وهذا بعيد – صرف المال في المصالح العامة وعلى الفقراء.
وأما إذا كانت الأرض لم توقف للمسجد، وليست من مال موقوف لبناء المسجد، بل هي من صدقات عامة مثلا، فيجوز أن يصرف من ثمنها لأخيكم الفقير وعائلته.
والأصل في ذلك أن المال الموقوف يُصرف فيما وقف له، فإن تعذر الاستفادة منه، أو حصل الاستغناء عنه، صُرف في مثله.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: يوجد مسجد في الولايات المتحدة الأمريكية جُمع له مال وبني، وبقي من المال كثير، ويوجد في منطقة أخرى مسجد وحوله جالية إسلامية كبيرة , ويتطلب بناء مكتبة ومدرسة وبعض الملاحق، ويريد بعض القائمين عليه أخذ شيء من المال الموجود عند القائمين على المسجد الأول، ويمانع أصحاب المسجد الأول بحجة أن المال للمسجد الأول , ويقولون: إذا أفتى الشيخ عبد العزيز بن باز في جواز نقل المال من ذاك إلى هذا، فلا مانع لدينا من ذلك، فنرجو الإفادة عن ذلك؟
فأجاب: "إذا كان المسجد الأول الذي جمع له المال قد كمل واستغنى عن المال , فإن الفاضل من المال يصرف لتعمير مساجد أخرى، مع ما يضاف إليها من مكتبات ودورات مياه ونحو ذلك، كما نص على ذلك أهل العلم في كتاب الوقف؛ ولأنه من جنس المسجد الذي تبرع له، ومعلوم أن المتبرعين إنما قصدوا المساهمة في تعمير بيت من بيوت الله، فما فضل عنه يصرف في مثله، فإن لم يوجد مسجد محتاج صرف الفاضل في المصالح العامة لله والمسلمين، كالمدارس والصدقات على الفقراء ونحو ذلك، والله ولي التوفيق " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (20/14) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6886)
ماذا يفعلون بمبرد الماء الذي لم يعد يستعمل من أهل المسجد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم بيع برادة ماء كبيرة وضعت بجانب المسجد من الخارج، تبرع بها أحد الأشخاص وقفا للمسجد، ولم يستفد منها، وإنما هي معطلة، ولم يشرب منها أحد، وذلك لوجود برادة داخل المسجد، فيشرب منها الناس وتركوا الخارجية. فما الحكم في بيعها وأخذ القيمة وصرفها على متطلبات المسجد واحتياجاته، أو نقلها لأحد الأماكن ليتم الاستفادة منها، وذلك في حالة عدم بيعها؟ سوف تنقل لمكان يتجمع الناس فيه: (كوحدة عسكرية مثلاً) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب مراعاة قصد الواقف وشرطه، فلا يجوز التصرف في الوقف بخلاف ما قصده الواقف أو شرطه إلا عند الضرورة لذلك.
ومن الضرورة: أن يتعطل الوقف فلا يستفاد منه، وحينئذ ينقل إلى أقرب شيء يشابه ما قصده الواقف.
فما دامت هذه البرادة وقفها صاحبها على المسجد، ولم يمكن الاستفادة منها في ذلك المسجد بعينه، فإنها تنقل إلى مسجد آخر، يمكن الاستفادة منها فيه.
فإن لم يوجد مسجد يحتاج إليها فإنها تنقل إلى أي مكان يحتاج الناس إليها فيه، كالوحدة العسكرية أو غيرها.
وعلى هذا؛ فلا تنقل إلى الوحدة العسكرية إلا إذا لم يوجد مسجد يحتاج إليها.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يجوز نقل الوقف على المسجد، مثل الدولاب إذا ضيّق على المسجد وإذا لم يكن للمسجد حاجة إليه؟
فأجاب: " نعم. يجوز نقل الوقف إذا كان ذلك أصلح، فإذا استغني عن شيء بالمسجد كفراش أو دولاب أو غيره نقلناه إلى مسجد آخر بعينه إذا أمكن، وإن لم يمكن قمنا ببيع هذه الأشياء وأنفقنا ثمنها على المسجد، أما إذا كان من الأوقاف فإن الأوقاف هي التي تتصرف في ذلك وتفعل ما هو الأصلح" انتهى.
"لقاءات الباب المفتوح" (168) .
وينظر جواب السؤال (11247) و (50407) .
أما بيعها فلا يجوز ما دام يمكن الاستفادة منها في مكان آخر، لأن الواقف إنما قصد نفع الناس بهذا الماء البارد فلابد من مراعاة هذا القصد.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6887)
بنوا مسجدا كبيرا فهل يباع المسجد الصغير المجاور؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كان في قريتنا مسجد صغير لا يتسع للمصلين في القرية فتم بعون الله بناء جامع كبير وحديث بجانب المسجد القديم.. وسؤالي هو هل يجوز بيع المسجد القديم وتحويل ثمنه لمسجد آخر حتى لا ينقطع ثواب الواقف الأول أم هل يجوز تحويله إلى مسجد للنساء أو مركز تحفيظ نسائي؟ علما بأنه يوجد تحت الجامع الكبير مركز تحفيظ للأولاد، أم هل يجوز أن نصلي فيه الفروض والجديد للجمع والمناسبات؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل في هذا أن الوقف إذا تعطلت منافعه، مسجدا كان أو غيره، جاز بيعه ووضع ثمنه في مثله. وذلك كأن يرحل أهل المحل عن محلهم، ولا يبقى من يعمر المسجد، أو ينتقلوا إلى مسجد قريب أوسع، فيشرع حينئذ بيع المسجد الصغير، ووضع ثمنه في بناء مسجد آخر في مكان يحتاج فيه إلى مسجد، لكن ينبغي مراجعة الجهة المسئولة عن الأوقاف، أو مراجعة المحكمة الشرعية، لتتولي مسألة البيع، والإشراف على بناء المسجد الجديد.
قال ابن قدامة رحمه الله: " الوقف إذا خُرِّب , وتعطلت منافعه , كدار انهدمت , ولم تمكن عمارتها , أو مسجد انتقل أهل القرية عنه , وصار في موضع لا يصلى فيه , أو ضاق بأهله ولم يمكن توسيعه في موضعه، أو تشعب جميعه (أي: تصدعت جدرانه) ، فلم تمكن عمارته ولا عمارة بعضه إلا ببيع بعضه , جاز بيع بعضه لتعمر به بقيته.
وإن لم يمكن الانتفاع بشيء منه , بيع جميعه. قال الإمام أحمد: إذا كان في المسجد خشبتان , لهما قيمة , جاز بيعهما وصرف ثمنهما عليه، وقال أيضاً: يحول المسجد خوفا من اللصوص , وإذا كان موضعه قذرا. قال القاضي: يعني إذا كان ذلك يمنع من الصلاة فيه " انتهى من "المغني" (5/368) بتصرف.
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " وإذا تعطلت منفعة الوقف سواء كان مسجدا أو غيره جاز بيعه في أصح قوال العلماء, وتصرف قيمته في وقف آخر بدل منه مماثل للوقف الأول، حيث أمكن ذلك، وقد روي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أمر بنقل مسجد الكوفة إلى مكان آخر؛ لمصلحة اقتضت ذلك. فتعطل المنفعة أولى بجواز النقل، والمسألة فيها خلاف بين العلماء؛ ولكن القول المعتمد جواز ذلك؛ لأن الشريعة الإسلامية الكاملة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها, وتعطيل المفاسد وتقليلها, وأمرت بحفظ الأموال, ونهت عن إضاعتها، ولا ريب أن الوقف إذا تعطل لا مصلحة في بقائه، بل بقاؤه من إضاعة المال، فوجب أن يباع ويصرف ثمنه في مثله " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (20/11) .
وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: يوجد لدينا مسجد صغير بناه المسلمون قبل عشر سنين، وأصبح الآن يضيق بالمصلين، والرغبة الآن متجهة إلى توسعة المسجد، إلا أنه قد لا يتمكن من ذلك، ويريد شراء قطعة أرض كبيرة يقيم عليها المسجد ومدرسة لأبناء المسلمين ومرافق أخرى، ويسأل هل يجوز بيع أرض المسجد الحالي ليستعان بقيمتها في بناء المسجد الجديد؟
فأجابت: " إذا كان الأمر كما جاء في الاستفتاء من ضيق المسجد الحالي، وأنه لا مجال لتوسعته، وأن الضرورة تقضي بإيجاد مسجد واسع يسع المصلين ومدرسة لتعليم أولاد المسلمين، ومرافق تخدم ذلك، فإنه لا يظهر لنا مانع من بيع أرض المسجد الحالي وأنقاضه، والاستعانة بثمن ذلك في شراء الأرض الواسعة في المكان المناسب، وبناء المسجد والمدرسة ومرافقهما عليها، لما في ذلك من المصلحة العامة، لكن بشرط أن يتولى ذلك من تتوافر فيه الثقة والأمانة والدراية. وبالله التوفيق " انتهى.
عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. عبد الرزاق عفيفي.. عبد الله بن غديان ... عبد الله بن منيع ... "انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (16/38) .
وسئلت اللجنة أيضا عن بناء مسجد كبير بجوار مسجد قديم، وتحويل القديم إلى مدرسة لتعليم أبناء المسلمين؟
فأجابت: " لا مانع من إقامة المسجد الجديد، وتقويم المسجد القديم بواسطة أهل الخبرة بالسعر أرضا وبناية، وصرف قيمته في تعمير مسجد آخر في بلد محتاج إلى ذلك، وجعل مكانه مدرسة لتعليم العلوم الشرعية " انتهى.
عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. عبد الرزاق عفيفي.. عبد الله بن غديان ". "فتاوى اللجنة الدائمة" (16/60) .
وبناء على ذلك فيجوز هدم المسجد القديم، وبيع أنقاضه وأرضه، ووضع الثمن في بناء مسجد آخر.
كما يجوز تقويم المسجد بناء وأرضا، بواسطة أهل الخبرة، وصرف هذه القيمة في بناء مسجد آخر، وجعل المبنى القديم مركزا للتحفيظ النسائي.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6888)
لا تجب الزكاة في الأموال الموقوفة على جهة عامة
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل أوقف ماله على المساكين والفقراء، فهل في هذا المال زكاة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المال الموقوف على جهة عامة كالفقراء أو المساجد أو الغزاة أو اليتامى، ليس فيه زكاة؛ لأنه ليس له مالك معين.
قال النووي رحمه الله في " المجموع " (5 / 313) : " إذَا كَانَتْ الْمَاشِيَةُ مَوْقُوفَةً عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ كَالْفُقَرَاءِ أَوْ الْمَسَاجِدِ أَوْ الْغُزَاةِ أَوْ الْيَتَامَى وَشَبَهِ ذَلِكَ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا بِلَا خِلَافٍ , لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا مَالِكٌ مُعَيَّنٌ " انتهى.
وقال ابن مفلح في " الفروع " (2 / 337) : " وَلَا زَكَاةَ فِي وَقْفٍ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ، أَوْ عَلَى الْمَسَاجِدِ وَالْمَدَارِسِ ".
وقال البهوتي رحمه الله " في كشاف القناع " (2 / 171) : " وَلَا زَكَاةَ فِي السَّائِمَةِ وَغَيْرِهَا الْمَوْقُوفَةِ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ , كَالْمَسَاكِينِ أَوْ عَلَى مَسْجِدٍ ونحوه، كَمَدْرَسَةٍ؛ لِعَدَمِ مِلْكِهِمْ لَهَا " انتهى بتصرف.
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: هل تجب الزكاة في أموال المساجد الموقوفة؟
فأجابت: " لا تجب الزكاة في أموال الأوقاف على المساجد ونحوها قولا واحدا؛ لانتفاء الملك فيها " انتهى.
" فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء " (9 / 412) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6889)
له عدة أسئلة متعلقة بوفاة ابنه
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد توفي ابني الكبير رحمه الله غرقاً في البحر، وحينما صاح إخوته طلباً للنجدة وقفت واسترجعت ثم ذهبت إليه ولكني وجدته قد فارق الحياة، وكدت أن ألحق به لولا أن الله أنجاني من الغرق فخرجت مذهولا وأصيح في الناس طلباً للنجدة، ثم أخذت أدعو على الأولاد الذين كانوا معه بان الله يضيعهم كما ضيعوا ابني، ثم إن الله ربط على قلبي حينما أخرجناه من البحر وذهبنا به إلى المستشفي وقد كنت متيقناً من وفاته قبل الذهاب به إلى المستشفى. وكان عمر ابني رحمه الله تسعة عشر عاماً وخمسة أشهر حين وفاته. علماً أنني حرصت على تربيته تربية صالحة فكان من المحافظين على صلاة الجماعة في المسجد. وكان من طلاب حلقات التلاوة. وقد أدى فريضة الحج متمتعاً هذا العام. وقد صام يوم عاشوراء وكانت وفاته في الحادي عشر من صفر لهذا العام. وقد صلى الفجر يوم وفاته (يوم الخميس) جماعة. وكل من يعرفه يثني عليه خيرا فهل أعتبر هذه الأمور من المبشرات؟ وهل تعتبر وفاته يوم الخميس الساعة العاشرة صباحاً من الوفاة ليلة الجمعة؟ وهل علي إثم في دعائي على الأولاد الذين كانوا معه؟ علماً أنني كنت في حالة ذهول والله المستعان؟ مع يقيني أن الله أرحم به مني إلا أن البكاء يغلبني كلما تذكرته لاسيما وأنني كنت أخاف عليه وكان في السنة الأولى من الجامعة وكنت أخطط له ولمستقبله إلا أن قدر الله كان أسبق، فهل في بكائي عليه شيء؟ وكنت أمنع ابني من دخول الانترنت إلا في أوقات محددة وقد توفي وجواله مقطوع نظير استخدامه في الانترنت وكنت أقسو عليه أحيانا لهذا السبب، فهل علي إثم في ذلك؟ علماً بأنه كان باراً بي وبوالدته. هل يعتبر ابني وهو في هذا السن من الذين يشفعون لي ولوالدته؟ وهل أعتبر من المحتسبين إذا استرجعت حال صياح إخوته عليّ طلباً للنجدة؟ أزور قبره كل يوم جمعة ساعة الإجابة وأدعو له، فهل يعلم بزيارتي أم لا؟ وهل يشرع لي أن أسلم عليه باسمه كأن أقول السلام عليك يا بني أو السلام عليك يا فلان؟ وقفت له بعض المصاحف والكتب الدينية وسأقوم بمشيئة الله بوقف بئر أو مسجد له، فهل ينفعه ذلك؟ وهل لي أجر أنا في هذه الأعمال (الوقف الثابت والصدقات) ؟ أرجو معذرتي على كثرة الأسئلة وجزاكم الله خير الجزاء]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله سبحانه أن يغفر لابنك ويرحمه ويرفع درجته ويجمعه بسائر أهله في جنات النعيم.
وما ذكرته من حاله واستقامته وثناء الناس عليه، مع موته بالغرق هو من المبشرات والحمد لله، فإن الغرق شهادة كما أخبر صلى الله عليه وسلم. روى البخاري (2829) ومسلم (1914) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الشهداء خمسة: المطعون والمبطون والغرِق وصاحب الهدم والشهيد في سبيل الله) .
وروى البخاري (1367) ومسلم (949) عن أَنَس بْن مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: مَرُّوا بِجَنَازَةٍ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَجَبَتْ. ثُمَّ مَرُّوا بِأُخْرَى فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا، فَقَالَ: وَجَبَتْ. فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا وَجَبَتْ؟ قَالَ: (هَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا فَوَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، وَهَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ) .
ونسأل الله تعالى أن يجزيك خير الجزاء على تربيتك له، وسعيك في صلاحه، وأن يصلح لك سائر أولادك وأن يجعلهم قرة عين لك ولزوجك.
ثانيا:
ليلة الجمعة تبدأ من غروب شمس يوم الخميس، فلا تدخل الساعة العاشرة من صباح الخميس في ليلة الجمعة.
ثالثا:
لا إثم عليك في دعائك على الأولاد حال ذهولك، ولا في بكائك على ولدك عند تذكره، وقد روى البخاري (1303) ومسلم (2315) في قصة وفاة إبراهيم بن نبينا صلى لله عليه وسلم، قال أنس: ثُمَّ دَخَلْنَا عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِبْرَاهِيمُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَذْرِفَانِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَقَالَ: يَا ابْنَ عَوْفٍ، إِنَّهَا رَحْمَةٌ ثم قال: (إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ، وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبُّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ) .
رزقنا الله وإياك الصبر واحتساب الأجر.
ولا إثم عليك في التشديد عليه في دخول الإنترنت، بل هذا من حسن التربية، وإدراك المسئولية.
رابعا:
ثبت في السنة أن الصبيان يشفعون في آبائهم يوم القيامة، ومن ذلك:
عن أبي حسان قال: قلتُ لأَبِي هُرَيْرَةَ: إنَّه قَدْ مَاتَ لِي ابنانِ، فَمَا أَنْتَ مُحَدِّثِي عَنْ رَسُولِ اللهِ بِحَدِيْثٍ تُطَيِّبُ بِهِ أَنْفُسَنَا عَنْ مَوْتَانَا؟
قالَ: نَعَمْ، صِغَارُهُم دَعَامِيْصُ الجَنَّةِ، يَتَلَقَّى أَحَدُهُم أَبَاهُ - أَوْ قَالَ أَبَوَيْهِ - فَيَأْخُذُ بِثَوْبِهِ، - أَوْ قَالَ بِيَدِهِ - كَمَا آخُذُ أَنَا بِصَنَفَةِ ثَوْبِكَ هذا، فَلا يَتَنَاهَى حتى يُدخِلَه اللهُ وَأَبَاهُ الجَنَّةَ. رواه مسلم (2635) .
والدعاميص: جمع (دُعْمُوص) ، أَيْ صِغَار أَهل الجنة , وَأَصْل الدُّعْمُوص دُوَيْبَّة تَكُون فِي الْمَاء لَا تُفَارِقهُ , أَيْ أَنَّ هَذَا الصَّغِير فِي الْجَنَّة لَا يُفَارِقهَا.
وَقَوْله (بِصَنِفَةِ ثَوْبك) : أي طرف ثوبك.
ولا يتناهى: أي لا يتركه.
لكن من بلغ تسعة عشر عاما لا يعد صغيرا.
وثبت أن الشهيد يشفع في سبعين من أقاربه، فعن المقدام بن معدي كرب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (للشهيد عند الله ست خصال: يغفر له في أول دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين من أقاربه) رواه الترمذي (1663) وابن ماجه (2799) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وسبق أن الغريق شهيد، فيرجى لمن مات بالغرق أن ينال ثواب الشهيد، ويشفع في سبعين من أقاربه.
خامسا:
المقصود بالاحتساب هو احتساب الأجر عند الله تعالى، وعدم الجزع عند حلول المصيبة، والصبر عند الصدمة الأولى كما قال النبي صلى الله وسلم، فمن بلغه ما يسوءه فاسترجع وصبر واحتسب رجي له الأجر والثواب عند الله تعالى، وقد روى البخاري (6424) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: مَا لِعَبْدِي الْمُؤْمِنِ عِنْدِي جَزَاءٌ إِذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا ثُمَّ احْتَسَبَهُ إِلَّا الْجَنَّةُ) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في شرحه: " الْمُرَاد بِاحْتَسَبَهُ: صَبَرَ عَلَى فَقْده رَاجِيًا الْأَجْر مِنْ اللَّه عَلَى ذَلِكَ "
سادسا:
تخصيص زيارة القبور بيوم الجمعة لا أصل له، فلا تحرص على ذلك، وزره كلما تيسر من غير تحديد وقت معين.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: زيارة المقابر هل تختص بيوم معين كالعيدين والجمعة أو في وقت معين من اليوم أما أنها عامة؟ وماذا يجاب عما ذكر ابن القيم رحمه الله في كتاب الروح من أنها تزار في يوم الجمعة؟ وهل يعلم الميت بزيارة الحي له؟ ثم أين يقف الزائر من القبر؟ وهل يشترط أن يكون عنده أم يجوز ولو كان بعيداً عنه؟
فأجاب: " زيارة المقابر سنة في حق الرجال؛ لأنها ثبتت بقول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (زوروا القبور؛ فإنها تذكركم الآخرة) وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يزوروها. ولا تتقيد الزيارة بيوم معين، بل تستحب ليلاً ونهاراً في كل أيام الأسبوع، ولقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى البقيع ليلاً فزارهم وسلم عليهم. والزيارة مسنونة في حق الرجال، أما النساء فلا يجوز لهن الخروج من بيوتهن لزيارة المقبرة، ولكن إذا مررن بها ووقفن وسلمن على الأموات بالسلام الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم فإن هذا لا بأس به؛ لأن هذا ليس مقصوداً، وعليه يحمل ما ورد في صحيح مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها، وبه يجمع بين هذا الحديث الذي في صحيح مسلم والحديث الذي في السنن أن الرسول عليه الصلاة والسلام (لعن زائرات القبور) . وأما تخصيص الزيارة بيوم الجمعة وأيام الأعياد فلا أصل له، وليس في السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك.
وأما هل يعرف من يزوره فقد جاء في حديث صححه ابن عبد البر وأقره ابن القيم في كتاب الروح: (أن من سلم على ميت وهو يعرفه في الدنيا رد الله عليه روحه فرد عليه السلام) .
أما أين يقف الزائر؟ نقول: يقف عند رأس الميت مستقبلاً إياه، فيقول: السلام عليك ورحمة الله وبركاته، اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه، ويدعو له بما شاء ثم ينصرف، وهذا غير الدعاء العام، الذي يكون لزيارة المقبرة عموماً، فإنه يقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم " انتهى من "اللقاء الشهري" (2/8) .
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: عند زيارة القبور هل يشرع للزائر أن يصل إلى القبر الذي يقصد زيارته؟
ج: يكفي عند أول القبور، وإن أحب أن يصل إلى قبر من يقصد زيارته ويسلم عليه فلا بأس.
س: هل يعرف الميت من يزوره؟
ج: جاء في بعض الأحاديث (إذا كان يعرفه في الدنيا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام) ولكن في إسناده نظر، وقد صححه ابن عبد البر رحمه الله.
س: هل الموتى يعلمون بأعمال أقاربهم من الأحياء؟
ج: لا أعلم في الشرع ما يدل على ذلك " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (13/170) .
والحديث الذي أشار إليه الشيخ، ضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة برقم (4493) ولفظه: (ما من عبد يمر بقبر رجل كان يعرفه في الدنيا فسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام)
سابعا:
يشرع للزائر أن يسلم على الميت باسمه، فيقول: السلام عليك يا فلان.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وقد كان الصحابة يسلمون على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند قبره، وقد كان ابن عمر يقول: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبت. رواه مالك عن نافع عنه، ورواه أحمد وغيره " انتهى من "الرد على البكي" (1/256) .
ثامنا:
يجوز أن توقف لصالح ابنك مصاحف أو كتبا دينية، أو بئرا أو مسجدا، وذلك من العمل الصالح الذي يمتد به الثواب، ويعظم به الأجر.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: لي ابن وبنت توفيا رحمهما الله، وعندي قطعة أرض، هل يجوز أن أوقف لكل واحد منهما من كامل مالي عمارة هذه الأرض بيتين لكل واحد بيتا يكون ريعه يصرف لهما في أضحية وحج وأعمال البر بنظر الوكيل والثواب والأجر لهما؟ كما أن عندي بيتا أوقفته وقد أشركتهم في الثواب، ولكن أريد هذه الأرض أقسمها وأعمرها لكل واحد بيت خاص له، علما أن الورثة غير راضين بذلك، ويقولون: إنه لا يجوز، أرجو إفتائي جزاكم الله خيرا.
فأجابوا: " إذا كان الأمر كما ذُكر جاز وقف الأرض المذكورة لابنك وابنتك المتوفين، وصرف ريعها بعد عمارتها في أعمال الخير من الحج والأضحية والصدقة، وجعل ثواب ذلك لهما " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (16/116)
وإذا فعلت ذلك رُجي لك الثواب أيضا، لأنه هذا من الإحسان والبر والصدقة والمعروف.
وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6890)
جعلت بيتها وقفا قبل وفاتها فهل للورثة حق فيه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة توفيت ولديها 4 بنات , وأختان, وأخ لديه 6أبناء و6 بنات , وتركت بيتا ولكن هذا البيت قد جعلته وقفا خيريا (في سبيل الله) وذلك قبل وفاتها , فهل للورثة حق في التصرف في هذا البيت واعتباره إرثاً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كانت المتوفاة قد جعلت بيتها وقفا خيريا، في حال صحتها، فليس للورثة حق فيه، لأنه صار وقفا، لا يباع ولا يوهب ولا يورث، كما روى البخاري (2737) ومسلم (1633) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَصَابَ أَرْضًا بِخَيْبَرَ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَأْمِرُهُ فِيهَا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَصَبْتُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ لَمْ أُصِبْ مَالًا قَطُّ أَنْفَسَ عِنْدِي مِنْهُ، فَمَا تَأْمُرُ بِهِ؟ قَالَ: إِنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا، وَتَصَدَّقْتَ بِهَا. قَالَ: فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ، وَتَصَدَّقَ بِهَا فِي الْفُقَرَاءِ، وَفِي الْقُرْبَى، وَفِي الرِّقَابِ، وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَابْنِ السَّبِيلِ، وَالضَّيْفِ، لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ، وَيُطْعِمَ غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ) .
وأما إن كانت وقفت هذا البيت في مرض موتها، فإنه يأخذ حكم الوصية، والوصية لا تنفذ إلا في ثلث التركة، وما زاد على الثلث فإنه يتوقف على إجازة الورثة.
فإن كان البيت لا يزيد عن ثلث مالها، فجميعه وقف. وإن كان أكثر من الثلث، فإن الوصية تمضي فيما يعادل ثلث التركة، ويتوقف الباقي على موافقة الورثة، فإن لم يوافقوا فإنهم يقتسمونه ميراثاً.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (5/365) : " الوقف في مرض الموت , بمنزلة الوصية , في اعتباره من ثلث المال ; لأنه تبرع , فاعتبر في مرض الموت من الثلث , كالعتق والهبة وإذا خرج من الثلث , جاز من غير رضا الورثة ولزم , وما زاد على الثلث , لزم الوقف منه في قدر الثلث , ووقف الزائد على إجازة الورثة، لا نعلم في هذا خلافا عند القائلين بلزوم الوقف ; وذلك لأن حق الورثة تعلق بالمال بوجود المرض , فمنع التبرع بزيادة على الثلث" انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6891)
اشترط المتبرع بالوقف شرطاً محرماً فهل نوفي به؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعيش الآن في أوروبا وأنوي العودة لبلدي المغرب حال انتهائي من الدراسة، نمتلك بيتاً هناك وهو لوالدي، والدي مريض جدّاً بالسرطان ويشعر بأن نهايته اقتربت ويريد أن يتصدق صدقة جارية.
كانت عائلتي على مذهب الصوفية ولازال بعضهم كذلك، يظن والدي بأنه يُحسن إذا سمح للناس بأن يقوموا بالذكر في بيتنا على الطريقة الصوفيَّة، ويريدني أن أعده بأنني سوف أواصل على هذا بعد مماته.
كيف أقنع والدي بأن هذه التصرفات بدعة؟ إذا لم يقتنع فهل يجوز لي أن أخلف وعدي له بمنعي أولئك الناس من الحضور للبيت؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أن الصدقة الجارية هي من الباقيات الصالحات بعد وفاة صاحبها، ويجري له أجرها وهو في عالم الموت، ولذلك رغَّب الشرع بها، فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقةٍ جارية، أو علمٍ ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له ".
رواه مسلم (1631) .
لكن مما يؤسف له أن لا يوفَّق الإنسان لاختيار الصدقة الشرعية التي يجري له أجرها بعد موته، ومن ذلك ما يفعله بعض الناس من بناء الروابط والزوايا التي يقام فيه ذِكرٌ على غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم، بل فيه ما يصادم الشريعة ويضاد التوحيد من نحو الكلمات التي فيها ادعاء علم الغيب للأولياء وأنهم يتحكمون في الكون وأن الأنبياء – عليهم السلام – لهم تبع لهؤلاء الأولياء.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
وبالجملة: لا خلاف بين العلماء أن مَن وقف على صلاةٍ أو صيام أو قراءةٍ أو جهادٍ غير شرعي ونحو ذلك: لم يصحَّ وقفُه، بل هو يُنهى عن ذلك العمل وعن البذل فيه.
" مجموع الفتاوى " (31 / 37) .
وقال ابن القيم:
الوقف لا يصح إلا في قربة وطاعة لله ورسوله، فلا يصح الوقف على مشهدٍ ولا قبرٍ يسرج عليه ويُعظّم ويُنذر له ويُحج إليه ويُعبد من دون الله ويُتخذ وثناً من دونه، وهذا مما لا يُخالِف فيه أحدٌ من أئمَّة الإسلام ومن اتبع سبيلهم.
" زاد المعاد " (3 / 507) .
وأما طريقة الإقناع فترجع لحال الوالد ومدى قناعته بالتصوف ومقدار استيعابه لما يُقال له من العلم والأدلة، وننصح الأخت السائلة أن تُراعي هذا كله حين الكلام مع والدها، وأن تتلطف قدر المستطاع معه، وأن تبحث عن قريب منه عنده علم بالسنَّة يمكنه إقناعه بترك الوقف البدعي والوصية به.
فإن استنفذت الإمكانات جميعها في إقناع والدها في ترك الوصية والوقف البدعي هذا: فإنه يجوز لها أن تظهر موافقتها على شرطه ولا يلزمها أن توفي به - بل يجب عليها أن تمنع من إقامة هذه البدعة في بيتها بعد وفاة والدها، وقبله إن استطاعت – لأن من اشترط شرطاً محرماً فإنه لا يجوز الوفاء به لقول النبي صلى الله عليه وسلم:
( ... ما بال رجال يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله، ما كان من شرطٍ ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط قضاء الله أحق وشرط الله أوثق....)
رواه البخاري (2579) ومسلم (1504) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6892)
أوقف أرضا لتكون مسجدا ثم رجع عن ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[وعدنا شخص غني بمنح أرض له لبناء مسجد ثم جاء من يطلب منه جعلها مدرسة، فماذا يفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن كان الرجل منح قطعة الأرض بالفعل ليقام عليها مسجد فهي للمسجد، وليس له أن يرجع في منحته، وإن كان الذي حصل منه مجرد وعد بمنح قطعة الأرض ليقام عليها المسجد فخير له أن ينفذ ما وعد به وفاء بالوعد. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة فتاوى إسلامية 3/23(5/6893)
حكم الوقف المشتمل على منكر
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك قريب لي قد أوقف أرضا له بحيث تكون غلة الوقف يشترى بها ذبائح وتقام ولائم في شهر رجب من كل عام وتوزع الأطعمة على الفقراء في هذا الشهر وأنه هو الناظر على هذا الوقف وقد ترك صرف ريع الوقف العام الماضي ويسأل عن حكم هذا الوقف وإذا قيل بعدم جوازه فما العمل بريع الوقف في كل عام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فنقول لناظر الوقف: اشتر من غلة الوقف ذبائح ووزعها على الفقراء، ولا تخص هذا الذبح بشهر رجب بل اجعله في أي شهر، لأن الوقف إذا اشتمل على منكر؛ عُمِل به في غير هذا المنكر، والمحذور هنا هو تخصيصه الذبح بشهر رجب، فيُجتنب هذا، ويَذبح في أي شهر ويُوزِّع على الفقراء كما حدد الواقف. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ: خالد السبت(5/6894)
هل تعتبر ممتلكات الجمعيات الخيرية وقفاً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل سيارات مكتبات المساجد الخيرية وسيارات الجمعيات الخيرية تعتبر وقفاً أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا السؤال التالي على فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن جبرين فأجاب حفظه الله:
تعتبر، لذلك لا يجوز لصاحبها أن يستردها.
تكون أنت أوقفت هذه السيارة أو هذه الحافلة لنقل الطلاب أو لنقل الطالبات أو لنقل الأموات فليس لك أن ترجع فيها. وأجرك مستمر مادامت ينتفع بها.
[الْمَصْدَرُ]
فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن جبرين(5/6895)
هل يعطى وكيل ناظر الوقف من عائد الوقف؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا جعل لناظر الوقف نسبة خمسة بالمائة مثلاً وهو سيوكل مكتباً عقاريا لتحصيل الإيجار، فقال صاحب المكتب العقاري: أريد 2.5 بالمائة مقابل التحصيل، ثم هذا الناظر سيأخذ الأجرة ويقسمها في مصارف الوقف. فهل يعطى صاحب المكتب من عائد الوقف أم يُعطي من نسبة الناظر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا السؤال التالي على فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن جبرين فأجاب حفظه الله:
يعطى من نسبة الناظر، لأنك أنت أيها الناظر لك خمسة بالمائة سواء كنت أنت الذي تتولى ذلك أو وكلت غيرك، فإذا وكلت فإن وكيلك يقوم مقامك ويأخذ من نصيبك.
والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن جبرين(5/6896)
القبور وقف على من دفن بها
[السُّؤَالُ]
ـ[أسكن في بلد من بلاد المسلمين ولديّ قطعة أرض زراعية، ولما حفرتها وجدت في طرفها الشرقي بعض القبور القديمة ولا يوجد بها إلا بقايا عظام بائدة، وأنا بحاجة إلى هذه الأرض فما هو الحكم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تبين من كلامك أن الأرض التي سألت عنها مقبرة، وأن مزرعتك تحدها من الغرب، وليست من مزرعتك، وحيث وجدت بها عند حفرها قبورا بائدة، وفي القبور عظام باعترافك فليست ملك لك ولا حرما لمزرعتك بل هي وقف على من دفن بها ولا يحل لك ولا لغيرك تملكها أو الانتفاع بأرضها في سكنى أو زراعة او بناء أو نصب خيام أو نحو ذلك، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة. فتاوى إسلامية 3/20-21(5/6897)
حكم بيع أغراض المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[سجاجيد المسجد ومكيفاته القديمة هل يجوز بيعها وتكميل الثمن لشراء جديدة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا السؤال التالي على فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن جبرين فأجاب حفظه الله:
يجوز ذلك إذا تعطلت أو احتاجت إلى إصلاحات فإن أمكن إصلاحها واستمرارها وإلا بيعت وصرف ثمنها في مثلها ولو أقل، كما لو كانت المكيفات القديمة عشرة وبيعت ولم يشتر بثمنها إلا خمسة فإنه يفعل ذلك.
والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن جبرين(5/6898)
كم يأخذ ناظر الوقف مقابل عمله؟
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض المحاكم تجعل لناظر الوقف 10 بالمائة مقابل نظارة الوقف فإذا كان عائد الوقف مليون ريال سنويا فإن له 100000 منها فهل يجوز أخذ هذا المبلغ أم أنه كثير؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا السؤال التالي على فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن جبرين فأجاب حفظه الله بقوله:
إن كان قليلاً في تلك الأزمنة (يعني يوم أنه جُعل الشيء وقفاً) ، ولكنه أصبح كثيرا الآن فأرى أنه لا يستحل ذلك كله مقابل عمله قد يكون عمله قليلاً مثل الإشراف والتأجير وقبض الإيجار وصرفه وإعطائه لفلان أو لجهة خيرية، عليه أن يقتصر على قدر أجرة الآخرين. (فينظر، إذا جعل رجل على هذا الوقف ليقوم بما يقوم به الناظر من أعمال، فكم يأخذ من الأجرة فيأخذ مثله)
والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن جبرين(5/6899)
هل الأفضل ترميم الوقف أو بناء جديد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الأفضل ترميم وقف مهدم أو إقامة وقف جديد؟ وما هو أجر من أعاد وقفاً مهدماً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا السؤال التالي على فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن جبرين فأجاب حفظه الله:
نرى أنه إذا كان إصلاحه لا يكلف كثيراً فإن له أجراً على عمارته حتى ولو لم يكن من أهل الوقف، كما إذا رأى مسجداً قد تداعى للانهيار فعمره ولو كلفه مثل مسجد آخر أو نصف مسجد فإنه والحال هذه كأنه ساهم في عمارة مسجد وكذلك مدرسة خيرية أو وقف خيري (أعني عمارة موقوفة على جمعية خيرية أو ما أشبه ذلك) .
والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن جبرين(5/6900)
أحكام الوقف
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الحكم الإسلامي في مسألة الوقف؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الوقف هو تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة والمراد بالأصل: ما يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه كالدور والدكاكين والبساتين ونحوها , والمراد بالمنفعة: الغلة الناتجة عن ذلك الأصل كالثمرة والأجرة وسكنى الدار ونحوها.
وحكم الوقف أنه قربة مستحب في الإسلام , والدليل على ذلك السنة الصحيحة، ففي الصحيحين أن عمر رضي الله عنه قال: يا رسول الله! إني أصبت مالاً بخيبر لم أصب قط مالاً أنفس عندي منه؛ فما تأمرني فيه؟ قال: (إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها , غير أنه لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يورث) , فتصدق بها عمر في الفقراء وذوي القربى والرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل والضيف. وروى مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به من بعده , أو ولد صالح يدعو له) . وقال جابر: (لم يكن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذو مقدرة إلا وقف) .
وقال القرطبي رحمه الله: (ولا خلاف بين الأئمة في تحبيس القناطر والمساجد خاصة واختلفوا في غير ذلك) .
ويشترط أن يكون الواقف جائز التصرف؛ بأن يكون بالغاً حراً رشيداً فلا يصح الوقف من الصغير والسفيه والمملوك.
وينعقد الوقف بأحد أمرين:
الأول: القول الدال على الوقف؛ كأن يقول: وقفت هذا المكان أو جعلته مسجداً.
الأمر الثاني: الفعل الدال على الوقف في عرف الإنسان كمن جعل داره مسجداً , وأذن للناس في الصلاة فيه إذناً عاماً أو جعل أرضه مقبرة , وأذن للناس في الدفن فيها.
وألفاظ التوقيف قسمان:
القسم الأول: ألفاظ صريحة؛ كأن يقول: وقفت , وحبست وسبلت , وسميت.... هذه الألفاظ صريحة؛ لأنها لاتحتمل غير الوقف؛ فمتى أتى بصيغة منها؛ صار وقفًا، من غير انضمام أمر زائد إليه.
والقسم الثاني: ألفاظ كناية؛ كأن يقول: تصدقت، وحرمت، وأبدت ... سميت كناية لأنها تحتمل معاني الوقف وغيره؛ فمتى تلفظ بواحد من هذه الألفاظ؛ اشترط اقتران نية الوقف معه، أو اقتران أحد الألفاظ الصريحة أو الباقي من ألفاظ الكناية معه، واقتران أحد الألفاظ الصريحة؛ كأن يقول: تصدقت بكذا صدقة موقوفة أو محبسة أو مسبلة أو محرمة أو مؤبدة، واقتران لفظ الكناية بحكم الوقف؛ كأن يقول: تصدقت بكذا صدقة لا تباع ولا تورث.
ويشترط لصحة الوقف شروط، وهي:
أولاً: أن يكون الواقف جائز التصرف كما سبق.
ثانياً: أن يكون الموقوف مما ينتفع به انتفاعاً مستمراً مع بقاء عينه؛ فلا وقف ما لا يبقى بعد الانتفاع به؛ كالطعام.
ثالثاً: أن يكون الموقوف معيناً؛ فلا يصح وقف غير المعين؛ كما لو قال:
وقفت عبداً من عبيدي أو بيتاً من بيوتي.
رابعاً: أن يكون الوقف على بِر؛ لأن المقصود به التقرب إلى الله تعالى؛ كالمساجد والقناطر والمساكين والسقايات وكتب العلم والأقارب؛ فلا يصح الوقف على غير جهة بر؛ كالوقف على معابد الكفار؛ وكتب الزندقة , والوقف على الأضرحة لتنويرها أو تبخيرها، أو على سدنتها، لأن ذلك إعانة على المعصية والشرك والكفر.
خامساً: ويشترط في صحة الوقف إذا كان على معين أن يكون ذلك المعين يملك ملكاً ثابتاً لأن الوقف تمليك، فلا يصح على من لا يملك، كالميت والحيوان.
سادساً: ويشترط لصحة الوقف أن يكون منجزاًُ، فلا يصح الوقف المؤقت ولا المعلق، إلا إذا علقه على موته، صح ذلك، كأن يقولوا إذا مت فبيتي وقف على الفقراء، لما روى أبو داود: (أوصى عمر إن حدث به حدث، فإن سمغاً - أرض له - صدقة) واشتهر، ولم ينكر، فكان إجماعاً، ويكون الوقف المعلق على الموت من ثلث المال، لأنه يكون في حكم الوصية.
ومن أحكام الوقف أنه يجب العمل بشرط الواقف إذا كان لا يخالف الشرع , لقوله صلى الله عليه وسلم: (المسلمون على شروطهم , إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً) ولأن عمر رضي الله عنه وقف وقفاً وشرط فيه شرطاً , ولو لم يجب اتباع شرطه لم يكن فيه فائدة , فإذا شرط منه مقداراً أو شرط تقديماً لبعض المستحقين على بعض أو جمعهم أو اشترط اعتبار وصف في المستحق أو اشترط عدمه أو شرط النظر على الوقف وغير ذلك،لزم العمل بشرطه، ما لم يخالف كتاباً ولا سنة.
فإن لم يشترط شيئاً،استوى في الاستحقاق الغني والفقير والذكر والأنثى من الموقوف عليهم.
وإذا لم يعين ناظراً للوقف، أو عين شخصاً ومات، فنظر يكون للموقوف عليه إن كان معيناً، وإن كان الوقف على جهة كالمساجد أو من لا يمكن حصرهم كالمساكين، فالنظر على الوقف للحاكم يتولاه بنفسه، أو ينيب عنه من يتولاه.
ويجب على الناظر أن يتقي الله ويحسن الولاية على الوقف لأن ذلك أمانة أؤتمن عليها.
وإذا وقف على أولاده استوى الذكور والإناث في الاستحقاق؛ لأنه شرك بينهم، وإطلاق التشريك يقتضي الاستواء في الاستحقاق؛ كما لو أقر لهم بشيء؛ فإن المقر يكون بينهم بالسوية؛ فكذلك إذا وقف عليهم شيئاً , ثم بعد أولاده لصلبه ينتقل الوقف إلى أولاد بنيه دون ولد بناته لأنهم من رجل آخر فينسبون إلى آبائهم , ولعدم دخولهم في قوله تعالى: (يوصيكم الله في أولادكم) , ومن العلماء من يرى دخولهم في لفظ الأولاد؛ لأن البنات أولاده؛ فأولادهن أولاد أولاده حقيقة , والله أعلم.
ولو قال: وقف على أبنائي , أو بني فلان؛ اختص الوقف بذكورهم؛ لأن لفظ البنين وضع لذلك حقيقة , قال تعالى: (أم له البنات ولكم البنون) ؛ إلا أن يكون الموقوف عليهم قبيلة؛ كبني هاشم وبني تميم فيدخل فيهم النساء؛ لأن اسم القبيلة يشمل ذكرها وأنثاها.
لكن إذا وقف على جماعة يمكن حصرهم؛ وجب تعميمهم والتسوية بينهم , وإن لم يكن حصرهم واستيعابهم كبني هشام وبني تميم؛ لم يجب تعميمهم؛ لأنه غير ممكن وجاز الاقتصار على بعضهم وتفضيل بعضهم على بعض.
والوقوف من العقود اللازمة بمجرد القول , فلا يجوز فسخها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يورث) قال الترمذي: " العمل على هذا الحديث عند أهل العلم ".
فلا يجوز فسخه؛ لأنه مؤبد ولا يباع ولا يناقل به؛ إلا أن تتعطل منافعه بالكلية كدار انهدمت ولم تمكن عمارتها من ريع الوقف أو أرض زراعية خربت وعادت مواتاً ولم يمكن عمارتها بحيف ولا يكون في ريع الوقف ما يعمرها فيباع الوقف الذي هذه حاله ويصرف ثمنه في مثله؛ لأنه أقرب إلى مقصود الواقف , فإن تعذر مثله كاملاً؛ صرف ي بعض مثله , ويصير البديل وقفاً بمجرد شرائه.
وإن كان الوقف مسجداً , فتعطل في موضعه , كأن خربت محلته؛ فإنه يباع ويصرف ثمنه في مسجد آخر , وإذا كان على مسجد وقف زاد ريعه عن حاجته؛ جاز صرف الزائد إلى مسجد آخر؛ لأنه انتفاع به في جنس ما وقف له، وتجوز الصدقة بالزائد من غلة الوقف على المسجد على المساكين.
وإذا وقف على معين؛ كما لو قال: هذا على زيد، يعطى منه كل سنة مئة، وكان في ريع الوقف على هذا القدر؛ فإنه يتعين إرصاد الزائد، قال الشيخ تقي الدين رحمه الله: (إن علم أن ريعه يفضل دائما؛ وجب صرفه؛ لأن بقاؤه فساد له) .
وإذا وقف على مسجد، فخرب، وتعذر عليه من الوقف صرف في مثله من المساجد.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب الملخص الفقهي للشيخ صالح آل فوزان ص 158.(5/6901)
عمل حدائق للمسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[يعمد كثير من الذين يبنون المساجد إلى جعل مساحات مزروعة في أرض المسجد الموقوفة زينة لها وظلالاً. فهل يجوز هذا العمل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا السؤال التالي على فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن جبرين فأجاب حفظه الله:
إذا لم يكن فيه مضايقة للمصلين ولم يكن فيه صرف لغلة موقوفة على المسجد والمسجد بحاجة إليها أو هناك من يحتاج إليها فلا مانع أن تكون زينة وجمالاً.
والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن جبرين(5/6902)
أضاعت صندوق وقفٍ كان في عهدتها فهل تضمنه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم التصرف بالوقف مما يؤدي إلى ضياعه دون قصد؟ فقد وضع صندوق للتبرعات في مسجد الجامعة وقفاً لمن أراد الانتفاع به في جمع التبرعات لمن يحتاجها ومن ثم إعادته إلى المسجد مرة أخرى، وقد استخدمت هذا الصندوق للغرض الذي وقف له، ثم ضاع مني دون أن أجده فما عليَّ الآن؟ هل يجب عليَّ ضمان هذا الصندوق؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان هذا الصندوق قد ضاع منك من غير تفريط أو تقصير في حفظه فلا ضمان عليك، أما إذا كنت قصرت في حفظه فعليك ضمانه، وضمان الأموال التي كانت فيه، إن كان فيه أموال. لأنك كنت مؤتمنة على هذا الصندوق، والأمين لا يضمنه إلا بالتعدي أو التفريط. جاء في " الموسوعة الفقهية " (28 / 258، 259) :
" المشهور تقسيم اليد إلى قسمين: يد أمانة، ويد ضمان.
ويد الأمانة: حيازة الشّيء أو المال، نيابةً لا تملّكاً، كيد الوديع، والمستعير، والمستأجر، والشّريك، والمضارب، وناظر الوقف، والوصيّ.
ويد الضمان: حيازة المال للتّملّك أو لمصلحة الحائز، كيد المشتري والقابض على سوم الشّراء، والمرتهن، والغاصب والمالك، والمقترض.
وحكم يد الأمانة، أنّ واضع اليد أمانةً، لا يضمن ما هو تحت يده، إلاّ بالتّعدّي أو التّقصير، كالوديع.
وحكم يد الضّمان، أنّ واضع اليد على المال، على وجه التّملّك أو الانتفاع به لمصلحة نفسه، يضمنه في كلّ حال، حتّى لو هلك بآفة سماويّة، أو عجز عن ردّه إلى صاحبه، كما يضمنه بالتّلف والإتلاف.
فالمالك ضامن لما يملكه وهو تحت يده، فإذا انتقلت اليد إلى غيره بعقد البيع، أو بإذنه، كالمقبوض على سوم الشّراء، أو بغير إذنه كالمغصوب، فالضّمان في ذلك على ذي اليد، ولو انتقلت اليد إلى غيره، بعقد وديعة أو عاريّة، فالضّمان - أيضاً - على المالك " انتهى.
وعليه: فما دمت قد استعملت الصندوق فيما أوقف عليه، ولم يحصل منك تعدٍّ ولا تقصير ولا إهمال في حفظه والعناية به: فلا يلزمك ضمانه، ولو فعلت وأتيت بغيره أو أحسن منه فهو أطيب لك وأبعد لك عن الشبهة والقيل والقال فيك، وهو صندوقٌ لجمع التبرعات لا يكلفك كثيراً ولك فيه أجر، فاحرصي على الإتيان بصندوق آخر من غير إلزام.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6903)
الفرق بين الوقف والهبة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الوقف؟ وما هو الفرق بين الوقف الإسلامي وبين الهبة حسب المعجم القانوني للفاروقي "هي أموال ائتمان أو عهدة يحتفظ بها الوصي أو الأمين كي ترصد لغرض معين دون سواه") المعروفة في البلاد الغربية؟ وإلى أي مجال يمكن أن يستفيد غير المسلمين من الوقف؟ مثلا: هل يجوز أن نوفر منحا دراسية لغير المسلمين من أموال الوقف؟ هل تظن أن الوقف يمكن أن يدخل في النظام الاقتصادي أو بديلا لمساعدة الدول الإسلامية لتطوير نموها الاقتصادي؟ حسب رأيك, ما هي المشاكل المحتملة أو العقبات التي يجب مراعاتها عند إنشاء الوقف؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
_ الوقف تحبيس الأصل وعدم التصرف فيه ببيعٍ، ولا هبة، ولا إرث، ولا غيرها من أنواع التصرفات والعقود ليكون ريعُه وغلَّته تُصرف حسبما أراده الواقف من أعمال الخير والبر، ونحو ذلك.
_ وأما الهبة دفع مال على سبيل التمليك لمن ينتفع به ويتصرف فيه التصرف الكامل بأنواع العقود وسائر التصرفات.
والأمثل في الوقف أن يُصرف في أعمال البر، وإذا كانت المنح لغير المسلمين بقصد دعوتهم إلى الإسلام ورُجي وغلُب على الظن إسلامهم فلا بأس بذلك، لأنَّ الزكاة المفروضة إذا صرُفت للتأليف فمن باب أولى أن يُصرف ريع الوقف في مثل ذلك، لكن الأولى به المشاريع الخيرية لأنَّ نفعها متحقق لا متوقع.
ويمكنه أن يُدخل الوقف في تنشيط النظام الاقتصادي الإسلامي، بأن يتصرَّف في ريعهِ حسب ما تُجيزه الشريعة من عقودٍ لنمائه وعموم نفعه.
والمشاكل المتوقعة من الأوقاف تنشأ من الورثة، والأقارب حوله، وحول توزيع أرباحه على المستحقين.
[الْمَصْدَرُ]
عبد الكريم الخضير(5/6904)
هل يجوز إعارة الكتب التي بالمساجد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[الكتب الموجودة في مكتبات المساجد، هل يجوز إعارتها، التصرف بها، من يستعملها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الوقف من الصدقات الجارية التي يؤجر عليها أصحابها، وهو مما يلحق المؤمن أجره في قبره.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته: علماً علَّمه ونشره، وولداً صالحاً تركه، ومصحفاً ورَّثه، أو مسجداً بناه، أو بيتاً لابن السبيل بناه، أو نهراً أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته يلحقه من بعد موته) رواه ابن ماجه (242) ، وحسَّنه الألباني في "صحيح الترغيب" (77) .
ثانياً:
وأما إعارة هذه الكتب , فيرجع الأمر في ذلك إلى ما اشترطه الواقف لها (صاحبها المتبرع بها) إن كان أَذِنَ بإعارتها لمن يستفيد منها ثم يعيدها , أو لم يشترط ذلك لكن جرى العرف بإعارة الكتب الموقوفة على المساجد , ففي هاتين الحالتين لا بأس بإعارتها.
وعلى المسئول عنها أن يوثِّق هذه الاستعارة بكتابة اسم المستعير وتحديد تاريخ الاستعارة وإرجاع الكتاب.
ويجب على من استعار كتاباً أن يحافظ عليه من التمزيق والإساءة والكتابة عليه، ويجب الالتزام بتاريخ الإرجاع ليعطي الفرصة لغيره بأن يستفيد منه، فيزداد أجر الواقف له.
أما إذا اشترط عدم إعارتها , أو لم يشترط شيئاً , ولم يكن العرف المعمول به إعارتها , فلا يجوز إعارتها لأحد , ومن أراد الاستفادة منها قرأها في المسجد.
ثالثاً:
وأما التصرف بها فالواجب على المسئول عنها (ناظر الوقف) أن يعمل بما اشترطه الواقف لها , من حيث إعارتها أو عدم إعارتها , وغير ذلك من الشروط.
ولا يجوز له أن يمكن منها أطفالاً صغاراً أو من عُرِفَ بالإهمال وعدم المحافظة عليها , لأن ذلك تضييع للأمانة المسئول عنها.
وانظر تفصيلاً نافعاً في أحكام الوقف جواب السؤال رقم: (13720) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6905)
أوصى والدهم بوقف ولم ينفذوه
[السُّؤَالُ]
ـ[توفي والدي وترك للورثة أملاكاً إلا داراً واحدة حيث أوصى بجعلها وقفاً لله، وصرف إيجارها للفقراء والمحتاجين (كصدقة جارية) . لكن الورثة لم يعملوا بالوصية وباعوا حصصهم للأخ الأصغر، أما أنا الأخ الكبير فلم أبع حصتي خوفاً من الله تعالى، ولكن أخي الصغير يلح كثيراً عليَّ ويريد أن أبيعه حصتي أيضاً، فهل يجوز لي لأتخلص من هذه المشكلة أن أبيع حصتي وأن أدفع مبلغها إلى جهة خيرية أو لبناء مسجد (كصدقة جارية) لوالدي المرحوم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الوصية مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع، قال الله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) البقرة/180.
وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ عِنْدَ وَفَاتِكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ زِيَادَةً لَكُمْ فِي أَعْمَالِكُمْ) رواه ابن ماجه (2709) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه.
والوقف من أنواع الصدقة الجارية التي ينتفع بها الإنسان بعد موته، كما أخبر بذلك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله: (إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثَةٍ: إِلا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ) رواه مسلم (1631) .
ولا تجوز الوصية بأكثر من ثلث المال، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه لما أراد أن يوصي بماله كله: (الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ) رواه البخاري (2742) ومسلم (1628) .
فإذا كانت هذه الدار ثلث التركة أو أقل فهي كلها وقف، وإن كانت أكثر من الثلث، فالوقف منها ما يعادل ثلث التركة.
ثانياً:
الوقف لا يجوز بيعه، ولا تملكه والاستيلاء عليه. ولا يجوز للورثة إدخاله في التركة، وتقسيمه مع الميراث.
ففي حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لما أراد أن يوقف أرضاً بخيبر قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يُبَاعُ أَصْلُهَا، وَلا يُوهَبُ، وَلا يُورَثُ. . . الحديث) رواه البخاري (2764) ومسلم (1633) .
فعلى هذا، لا يجوز لك أن توافق أخيك على بيعها له - بل هذه الدار ليست ملكاً لك حتى تبيعها - وأنت الآن عقبة أمامهم فلا تتنازل، واستمر على الرفض، لعل الله أن يهديهم.
وبيع إخوتك لها من قبل لا يصح.
وعليك بنصحهم بتقوى الله تعالى، ويعيدوا ثمنها إلى أخيك الأصغر ويجعلوها وقفاً كما أوصى بذلك والدكم.
وخوِّفهم من عذاب الله تعالى، وعاقبة أكل المال الحرام، فإن كل جسد نبت من حرام فالنار أولى به.
نسأل الله تعالى أن يهديكم ويوفقكم لما فيه خيركم في الدنيا والآخرة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6906)
هل أعطى النبي صلى الله عليه وسلم وقفاً لتميم الداري في فلسطين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أعطى الخليل في فلسطين وقف لبني تميم وكتب لهم عقدا" بهذا وكان من الشهود عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأنهم ما يزالون يعيشون بالخليل ويتمسكون بحقهم في الوقف، فهل هذا صحيح؟ مع أن فلسطين لم تكن للمسلمين في ذلك الوقت؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جاء في عدة روايات أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع تميماً الداري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " بيت حبرون " وهي " الخليل " الآن.
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -:
تميم بن أوس بن خارجة أبو رقية الداري.
انتقل إلى الشام بعد قتل عثمان ونزل بيت المقدس وكان إسلامه سنة تسع.
قال يعقوب بن سفيان: لم يكن له ذَكَر، وإنما كانت له ابنة تسمى رقية.
وجاء من وجوه عديدة أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطعه بيت حبرون.
" تهذيب التهذيب " (1 / 449) مختصراً.
وجاء في معجم البلدان (2/212) :
" حَبْرُون اسم القرية التي فيها قبر إبراهيم الخليل عليه السلام بالبيت المقدس، وقد غلب على اسمها الخليل.
وقدم على النبي تميم الداري في قومه وسأله أن يقطعه حبرون فأجابه وكتب له كتابا نسخته:
بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما أعطى محمد رسول الله لتميم الداري وأصحابه: إني أعطيتكم بيت عينون وحبرون والمرطوم وبيت إبراهيم بذمتهم وجميع ما فيهم، عطية بت، ونفذت وسلمت ذلك لهم ولأعقابهم بعدهم، أبد الآبدين، فمن آذاهم فيه آذى الله، شهد أبو بكر بن أبي قحافة وعمر وعثمان وعلي بن أبي طالب " اهـ باختصار.
ولم تكن " فلسطين " يومئذٍ بأيدي المسلمين، بل كانت بأيدي الروم، فأقطعهم الرسول صلى الله عليه وسلم إياها بعد أن يفتحها الله عليه. فيكون هذا كالبشارة من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بفتحها.
ولما فتحت في عهد عمر وفّى بوعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأوقفها تميم على ذريته وعلى خيرات حددها، فهو أول وقف في الإسلام في أرض فلسطين، وقد ذكر المقدسي في كتابه " أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم ": " ... وجود دار ضيافة دائمة مع خباز وطباخ وخدام يقدمون العدس بالزيت لكل حاجّ أو زائر يمر بمدينة الخليل، وهذه الضيافة والإطعام من وقف تميم الداري رضي الله عنه ".
وقال القلقشندي:
قال الحمداني: وبلد الخليل عليه السلام معمور من بني تميم الداري رضي الله عنه وبيد بني تميم هؤلاء الرقعة التي كتبها النبي صلى الله عليه وسلم لتميم وإخوته بإقطاعهم بيت حبرون التي هي بلد الخليل عليه السلام وبعض بلادها.
" صبح الأعشى " (1 / 47) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6907)
يجوز نقل فرش مسجد قديم إلى مسجد آخر
[السُّؤَالُ]
ـ[قامت جماعة أحد المساجد بتجديد فرش المسجد ورمي الفرش القديم فاستأذنتهم بأخذه إلى مصلى المدرسة التي أدرس فيها فهل يجوز ذلك؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم. يجوز ذلك إن شاء الله تعالى
قال ابن قدامة: وما فضل من حصر المسجد وزيته ولم يحتج إليه جاز أن يجعل في مسجد آخر، أو يتصدق من ذلك على فقراء جيرانه وغيرهم....
قال أحمد في مسجد بني فبقي من خشبه شيء: يعان به مسجد آخر. أو كما قال.
وقال المروذي: سألت أبا عبد الله عن بواري المسجد إذا فضل منه الشيء أو الخشبة قال: يتصدق به. (المغني 6 / 219 – 220) بتصرف واختصار
وقال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله -:
نعم، يجوز نقل الوقف إذا كان ذلك أصلح، فإذا استغنى عن شيء بالمسجد كفراش أو دولاب أو غيره، نقلناه إلى مسجد آخر بعينه إذا أمكن، وإن لم يمكن قمنا ببيع هذه الأشياء وأنفقنا ثمنها على المسجد. أما إذا كان من الأوقاف فإن الأوقاف هي التي تتصرف في ذلك وتفعل ما هو أصلح. (لقاء الباب المفتوح 3/248) والله أعلم
ومصلى المسجد وإن لم يأخذ حكم المسجد، فهو يشبه المسجد إلى حد ما، فنقل الفرش إليه أولى من التصدق بها على الفقراء
والله أعلم.
وانظر سؤال رقم (11247) (13720) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6908)
هل يجوز نقل الكتب الموقوفة على مسجد لمسجد آخر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز نقل الكتب الموجودة في مسجد إلى مسجد آخر؟ كيف؟ ومن يحق له؟ هل هناك شروط؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الأصل أن الأشياء الموقوفة على مسجد معين لا تنقل إلى غيره , لأن صاحبها إنما أخرجها عن ملكه لهذا المسجد المعين , فلا يجوز أن تنقل إلى غيره.
ثانياً:
أجاز بعض العلماء – وهو الصحيح - نقلها إلى مسجد آخر بشرط: أن يكون نقلها أنفع من بقائها في ذلك المسجد.
كما لو كان المنتفعون من هذه الكتب في المسجد الثاني أكثر عدداً من المنتفعين بها في المسجد الأول.
أو كانوا مجموعة من الدعاة إلى الله وطلبة العلم , فيستفيدون ويفيدون غيرهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" ويجوز تغيير شرط الواقف إلى ما هو أصلح منه، وإن اختلف ذلك باختلاف الزمان , حتى لو وقف على الفقهاء. . . واحتاج الناس إلى الجهاد صرف إلى الجند " انتهى.
"الاختيارات" (ص 176) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن تغيير بعض الشروط التي اشترطها الواقف إلى ما هو أفضل:
" وهذه المسألة اختلف فيها العلماء فمنهم من يقول: إن الواقف إذا شرط شروطاً في الوقف ورأى الناظر أن غير هذا الشرط أنفع للعباد وأكثر أجراً فإنه لا بأس أن يصرفه إلى غيره.
ومنهم من منع ذلك وقالوا: إن هذا الرجل أخرج هذا الوقف عن ملكه على وجه معين فلا يجوز أن يُتَصرف في ملكه إلا حسب ما أخرجه.
وأما الذين قالوا بالجواز فيقولون: إن أصل الوقف للبر والإحسان فما كان أبر وأحسن فهو أنفع للواقف، واستدل هؤلاء بأن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه رجل عام الفتح , وقال: يا رسول الله إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس , فقال: (صلِّ ها هنا) , فأعاد عليه , فقال: (صلِّ ها هنا) , فأعاد عليه فقال: (صلِّ ها هنا) فأعاد عليه فقال: (شأنك إذاً) .
والوقف شبيه بالنذر، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أجاز للناذر أن ينتقل إلى الأفضل , فالواقف كذلك , وهذا القول هو الصحيح , أنه يجوز أن يغير شرط الواقف إلى ما هو أفضل، ما لم يكن الوقف على معيّن , فإن كان الوقف على معيّن لم يجز صرفه إلى جهة أفضل، لأنه معيّن فتعلق الحق بالشخص المعيّن , فلا يمكن أن يغير أو يحول " انتهى بتصرف.
"الشرح الممتع" (9/561,560) .
ثالثاً:
وأما من يحق له نقلها فهو ناظر الوقف (المسئول عنها) الذي تم تعينه من قبل الواقف لهذه الكتب , فإن لم يوجد , فيرجع في هذا إلى الجهة المسئولة عن هذه الكتب كوزارة الأوقاف في البلاد الإسلامية.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6909)
انتفاع الميت بالصدقة عنه
[السُّؤَالُ]
ـ[مات أبي رحمه الله وأريد أن أصنع صدقة جارية على روحه علها تزيد في حسناته وترفع درجاته عند مليكه مثل بناء مسجد أو طباعة كتاب علم ينتفع به المسلمون لكن أحد الشيوخ أفتانا بعدم جدوى ذلك لأنها ليست من ماله وأن الصدقة الجارية لابد أن تكون من صنع المرء بنفسه في حياته وقبل وفاته وتستمر معه بعد وفاته فهل كلام الشيخ صحيح؟
وإن لم يكن صحيحا فأفتوني وأشيروا عليّ بأفضل الطرق لنفع والدنا المتوفى. وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اتفق أهل العلم على أن الدعاء والاستغفار والصدقة والحج تصل للميت.
أما الدعاء والاستغفار فلقول الله تعالى: (والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل) وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء) .
وأما الصدقة فقد ثبت في الصحيحين عن عائشة: (أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم إن أمي افتلتت نفسها ولم توصي وأظنها لو تكلمت تصدقت أفلها أجر إن تصدقت عليها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم) رواه البخاري برقم 1388، ومسلم برقم 1004، وثبت في البخاري عن سعد بن عبادة: (أن أمه توفيت وهو غائب فقال: يا رسول الله إن أمي ماتت وأنا غائب فهل ينفعها إن تصدقت عنها فقال: نعم، فقال: أشهدك أن حائطي المخراف صدقة عنها) رواه البخاري برقم 2756.
وأما الحج فقد قال صلى الله عليه وسلم لمن سألته عن الحج: (أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته، قالت: نعم قال: فدين الله أحق بالقضاء) رواه البخاري برقم 6699، ومسلم برقم 1148.
ومما سبق تعلم أن الصدقة عن الميت تنفعه ويصل إليه ثوابها.
وقد روي حديث ضعيف في الصلاة عن الميت، وذكر الإمام مسلم في مقدمة صحيحه عن عبد الله بن المبارك أنه ضعف هذا الحديث ثم قال:
لَيْسَ فِي الصَّدَقَةِ (يعني عن الميت) اخْتِلافٌ اهـ.
قال النووي:
قَوْله: (لَيْسَ فِي الصَّدَقَة اِخْتِلافٌ) فَمَعْنَاهُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيث لا يُحْتَجُّ بِهِ , وَلَكِنْ مَنْ أَرَادَ بِرَّ وَالِدَيْهِ فَلْيَتَصَدَّقْ عَنْهُمَا فَإِنَّ الصَّدَقَة تَصِلُ إِلَى الْمَيِّتِ وَيَنْتَفِع بِهَا بِلا خِلَافٍ بَيْن الْمُسْلِمِينَ وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب. وَأَمَّا مَا حَكَاهُ أَقْضَى الْقُضَاةِ أَبُو الْحَسَن الْمَاوَرْدِيّ الْبَصْرِيّ الْفَقِيه الشَّافِعِيّ فِي كِتَابه الْحَاوِي عَنْ بَعْض أَصْحَاب الْكَلام مِنْ أَنَّ الْمَيِّت لا يَلْحَقُهُ بَعْد مَوْته ثَوَاب فَهُوَ مَذْهَبٌ بَاطِلٌ قَطْعًا وَخَطَأٌ بَيِّنٌ مُخَالِفٌ لِنُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاع الأُمَّة فَلا اِلْتِفَاتَ إِلَيْهِ وَلا تَعْرِيجَ عَلَيْهِ. وَأَمَّا الصَّلاة وَالصَّوْم فَمَذْهَب الشَّافِعِيّ وَجَمَاهِير الْعُلَمَاء أَنَّهُ لا يَصِلُ ثَوَابُهُمَا إِلَى الْمَيِّت إِلا إِذَا كَانَ الصَّوْم وَاجِبًا عَلَى الْمَيِّت فَقَضَاهُ عَنْهُ وَلِيُّهُ أَوْ مَنْ أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ فَإِنَّ فِيهِ قَوْلَيْنِ لِلشَّافِعِيِّ أَشْهَرُهُمَا عَنْهُ أَنَّهُ لا يَصِحّ وَأَصَحُّهُمَا عِنْد مُحَقِّقِي مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِهِ أَنَّهُ يَصِحّ. وَأَمَّا قِرَاءَة الْقُرْآن فَالْمَشْهُور مِنْ مَذْهَب الشَّافِعِيّ أَنَّهُ لا يَصِلُ ثَوَابُهَا إِلَى الْمَيِّت وَقَالَ بَعْض أَصْحَابه: يَصِل ثَوَابهَا إِلَى الْمَيِّت. وَذَهَبَ جَمَاعَات مِنْ الْعُلَمَاء إِلَى أَنَّهُ يَصِل إِلَى الْمَيِّت ثَوَاب جَمِيع الْعِبَادَات مِنْ الصَّلاة وَالصَّوْم الْقِرَاءَة وَغَيْر ذَلِكَ. . . ثم ذكر النووي أن الدُّعَاء وَالصَّدَقَة وَالْحَجّ يصِلُ ثوابها إلى الميت بِالإِجْمَاعِ اهـ بتصرف.
وقال في تحفة المحتاج (7/72) :
"وينفع الميت صدقة عنه ومنها وقف لمصحف وغيره وحفر بئر وغرس شجر منه في حياته أو من غيره عنه بعد موته" اهـ.
وأما أفضل الطرق لنفع والدك فعليك بالإكثار من الدعاء له، قال الله تعالى: (وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثَةٍ إِلا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ) رواه مسلم (1631) .
أما بالنسبة للصدقة فمن أفضل ما تبذل فيه الصدقات الجهاد في سبيل الله وبناء المساجد ومساعدة طلبة العلم بطباعة الكتب أو إعطائهم الأموال التي يحتاجون إليها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6910)
يريد أن يوقف مالاً لمن ليس له ذرية من المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يصح أن أوقف جزءاً من المال لمن ليس له ذرية من أموات المسلمين؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" إذا قصدت إهداء أجر هذا الوقف لمن مات من المسلمين وليس له ذرية فلا بأس إن شاء " اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
فضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم الخضير.(5/6911)
مشكلة مسجد يُزعم أنه بني على أرض وقف لمسجد آخر
[السُّؤَالُ]
ـ[لدينا مسجد بنته إحدى المؤسسات الخيرية على أرض اشترتها من شخص والمشكلة هنا أن بعض كبار السن يقول إن هذه الأرض التي بنى عليها المسجد هي وقف على مسجد آخر.
ونحب أن نعلمكم بالآتي:
1. أن الشخص الذي باع هذه الأرض على المؤسسة لديه وثائق معتمدة من قبَل المحكمة.
2. أن القائمين على وقف المسجد الذي يقال إن هذه الأرض له إلى الآن لم يطالبوا بهذه الأرض علما أن المسجد له أكثر من سنة منذ بداية تأسسيه.
3. أن كبار السن ليس لديهم أية وثائق تدل على أن هذه الأرض وقف على ذلك المسجد وإنما.
4. أن المؤسسة الخيرية التي بنت المسجد مستعدة لشراء الأرض من جديد إذا ثبت من قبل المحكمة أنها وقف لهذا المسجد.
5. أن المسجد الذي بني على هذه الأرض جامع لا يوجد في هذه القرية إلا مسجد آخر وهو تابع للصوفية مليء بالبدع ولا تقام فيه جمعة.
6. أن هذا المسجد ولله الحمد قائم على السنة.
والسؤال هنا:
ما حكم الصلاة في هذا المسجد؟ وما هو رأيكم في أولئك الذين يحذرون الناس من الصلاة في هذا المسجد بحجة أنه بني على أرض مشبوهة.أفيدونا أثابكم الله تعالى.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الصلاة في المسجد صحيحة، ولا التفات إلى ما يقوله بعض كبار السن عندكم من غير بيِّنة، وبناء على ما ذكرته تكون الوثائق التي عند من باعكم الأرض من البينات على صحة تملك صاحب الأرض لها إلا أن يتبيَّن غير ذلك، وعليه فكلام بعض كبار السن لا يقدم ولا يؤخر، لاسيما أن من هم قائمون على وقف تلك الأرض موجودون ولم يطالبوا بها.
فاستمِروا في الصلاة في المسجد، ولا تلتفتوا إلى كلامٍ يُلقى بلا بيِّنة شرعيَّة، وعلى من يحذِّر من الصلاة فيه أن يتقي الله ربَّه، ولا يردِّد كلام غيره ما دام يخالف الحقائق والبينات، وعليه أن يثبت كلامه ببينة شرعيَّة وإلا فلا يحل له ترك الصلاة في المسجد فضلاً عن تنفيره ومنعه من صلاة غيره فيه.
وقولكم في السؤال (أن المؤسسة الخيرية مستعدة لشراء الأرض إن ثبت أنها وقف) ، فالوقف لا يجوز بيعه، لكن إذا كان المسجد الموقوف عليه هذه الأرض غير محتاج إليها ومستغن عنها، جاز بذلها لمن يبني عليها مسجداً، وهو ما قد تم بالفعل، هذا إذا ثبت أنها وقف.
وفقكم الله لما فيه رضاه، ونسأله تعالى أن يتقبل منكم صالح أعمالكم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6912)
مات وترك مالا لم يزكه وفوائد ربوية
[السُّؤَالُ]
ـ[شاب لم يبلغ العشرين بعد ولديه أختان تكبرانه توفي والده وترك لهما ميراثا ولكن والده لم يكن يصلي إلا قليلا ولم يكن يخرج زكاة المال السنوية (2.5% من مجموع الأموال) وكان ينفق على أهل البيت من الفوائد البنكية الربوية والسؤال هو:
1- ما حكم زكاة المال التي لم تخرج لعدة سنوات؟
2- كيف يمكن التكفير عن تلك الفوائد المحرمة التي كان ينفق على أهل البيت منها لعدة سنوات؟
3- هذا الرجل ترك جزءا كبيراً من الميراث في صورة شهادات لها عائد ربوي كيف يمكن التخلص من هذه الشهادات المحرمة علما بأن الشاب لا خبرة له في إدارة الأموال في التجارة ولا حتى لديه وقت لهذا بسبب الدراسة؟ (هل يمكن وضعها في بنك إسلامي مثلا؟)
4- ما هي صور الصدقة الجارية المقبولة في عصرنا هذا؟
5- الوالد مات متأثرا بسرطان الكبد ولم تظهر عليه علامات سوء الخاتمة قبل موته مباشرة وكان يردد قبيل موته "الحمد لله" كثيرا , فهل هو شهيد لأنه مبطون؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان المتوفى قد تاب إلى الله تعالى من ترك الصلاة، وحرص على أدائها قبل موته، فيرجى أن يكون شهيدا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ الْمَطْعُونُ وَالْمَبْطُونُ وَالْغَرِقُ وَصَاحِبُ الْهَدْمِ وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " رواه البخاري (2829) ومسلم (1914) .
قال النووي رحمه الله: (وَأَمَّا (الْمَبْطُون) فَهُوَ صَاحِب دَاء الْبَطْن , وَهُوَ الإسْهَال. قَالَ الْقَاضِي: وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي بِهِ الاسْتِسْقَاء وَانْتِفَاخ الْبَطْن , وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي تَشْتَكِي بَطْنه , وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي يَمُوت بِدَاءِ بَطْنه مُطْلَقًا) انتهى من شرح مسلم.
1- والواجب إخراج زكاة ما عليه من السنين الماضية، وذلك بتقدير ما كان يملكه – في كل عام - من الأموال الزكوية المباحة، كالنقود والذهب، مما بلغ نصابا وحال عليه الحول - دون ما انضاف إليها من الفوائد الربوية المحرمة - فيُخرج عن ذلك ربع العشر أي 2.5 %، ثم يقدر ما بقي للعام الذي يليه ويخرج منه ربع العشر أيضاً وهكذا.
2- وما أكله الورثة من أموال الربى، يلزمهم التوبة منه، إذا كانوا عالمين بحرمته، وينبغي لهم الاجتهاد في الدعاء لوالدهم أن يتجاوز الله عنه، فإن أكل الربا كبيرة من كبائر الذنوب. وقانا الله والمسلمين ذلك.
3- وليس للورثة من الشهادات المذكورة إلا رأس المال، وأما الفوائد المحرمة فلا يجوز أخذها، فإن أبى البنك إلا أن يأخذها الورثة، فإنها تؤخذ من البنك وتعطى للفقراء والمساكين أو تصرف في مصالح المسلمين تخلصاً منها انظر السؤال رقم 20695.
وإذا وُجد بنك إسلامي، تنضبط معاملاته بالشرع، جاز استثمار المال عن طريقه.
والصدقة الجارية لها صور كثيرة منها بناء مسجد أو المساهمة في بنائه، أو شراء كتب لطلبة العلم الشرعي، أو شراء مصاحف توضع في مسجد، أو وقف بيت أو محل، على أن يصرف ريعهما على الفقراء أو الأيتام أو الأقارب أو طلبة العلم أو غيرهم حسبما يحدد الواقف، أو المساهمة بمال في بناء مستشفى خيري، ونحو ذلك، وتوجد في بعض البلدان هيئات مسئولة عن الوقف، يمكن الاتصال بها، وإنشاء الوقف أو المساهمة فيه عن طريقها.
وخير ما تنفعون به إباكم بعد موته الدعاء له، فاجتهدوا له في الدعاء بأن يتغمده الله برحمته الواسعة، ويتجاوز عن سيئاته.
نسأل الله تعالى أن يتقبل منك ويعينكم على بر والدكم.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6913)
الدية توزع على الورثة كسائر التركة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا مات رجل بحادث سيارة، وأخذت الدية من السائق لأنه كان هو المخطئ، فهل تقسم الدية على الورثة كالميراث؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
دية المقتول تقسم على ورثته كالميراث، وقد روى أبو داود (2927) أَنْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَقُولُ: الدِّيَةُ لِلْعَاقِلَةِ [العصبة] ، وَلَا تَرِثُ الْمَرْأَةُ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا شَيْئًا، حَتَّى قَالَ لَهُ الضَّحَّاكُ بْنُ سُفْيَانَ رضي الله عنه: كَتَبَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أُوَرِّثَ امْرَأَةَ أَشْيَمَ الضِّبَابِيِّ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا. فَرَجَعَ عُمَرُ. وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وروى أبو داود (4564) عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (قَضَى إِنَّ الْعَقْلَ [الدية] مِيرَاثٌ بَيْنَ وَرَثَةِ الْقَتِيلِ عَلَى قَرَابَتِهِمْ، فَمَا فَضَلَ فَلِلْعَصَبَةِ) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود.
فهذان الحديثان يدلان على أن دية المقتول تقسم على ورثته كسائر الأموال التي تركها.
ولهذا قال ابن قدامه رحمه الله: "ودية المقتول موزعة عنه، كسائر أمواله" انتهى.
"المغني" (9/184) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
من الجاري بقريتنا أنه إذا قتل رجل فإن ديته توزع كالآتي: ثلث لورثته، ثلث لأقاربه، ثلث لعامة الجماعة بصندوقهم، نرجو إفتاءنا هل هذا جائز أما لا؟
فأجابوا:
"توزيع الدية كما ذكر في السؤال غير جائز، والحكم الشرعي فيها أن توزع على ورثة الميت كسائر تركته بعد تسديد دينه إن كان مديناً، وتنفيذ وصيته الشرعية إن كان أوصى، فإن تنازل الورثة أو بعضهم عن شيء من ميراثه للأقارب أو للصندوق بعد سداد الدين وتنفيذ الوصية فهو جائز، بل من باب البر والإحسان، وإنما يعتبر التنازل من البالغ الراشد" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (16/435) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6914)
إذا كان المقتول عليه دين أو له وصية فلا يجوز لورثته أن يتنازلوا عن الدية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل لأولياء المقتول خطأ العفو عن الدية، والمقتول عليه دينٌ وله وصية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا كان المقتول عليه دين وله وصية فإنه لا يحل للورثة أن يتنازلوا عن شيء من الدية إلا بعد قضاء الدين والوصية؛ لأن حق الورثة لا يَرِدْ إلا بعد الدين والوصية، كما قال تعالى: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ) النساء/11.. (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ) النساء/12.. (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ) النساء/12.. (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ) النساء/12، وإذا تنازلوا فالتنازل غير صحيح، وإذا كان تنازلهم عند المحكمة يجب أن يرجعوا إلى المحكمة ويخبروا القاضي أن المقتول عليه دين وله وصية فيؤخذ الدين أولاً، ثم الوصية ثانياً، والباقي للورثة.
وأيضاً: لا بد أن يكون الورثة راشدين، أي: بالغين عاقلين، حسني التصرف، فإن كان فيهم قُصَّر فليس لأحدٍ من الورثة أن يتنازل عن حق هؤلاء القُصَّر إلا إذا ضِمِنَهُ لهم" انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
"لقاءات الباب المفتوح" (1/260) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6915)
حكم الإجهاض وطلاق الحامل والتضييق على الزوجة لتتنازل عن حقها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الدين في: زوج حاول إجهاض زوجته في شهرها الثاني لرغبته في تطليقها بإعطائها دواء لذلك رغماً عنها إلا أنه لم يتم إجهاضها؟ وهل ذلك حلال أم حرام؟ وما هي كفارة ذلك العمل؟ وهل يجوز تطليق الزوجة وهى حامل؟ وما الحكم أيضاً في إجبار الزوجة في التنازل عن حقوقها قبل طلاقها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
أولاً:
إجهاض الحمل لا يجوز سواء نفخت في الروح أم لا، غير أنه بعد نفخ الروح فيه تحريمه أشد ومن أمرها زوجها بالإجهاض فلا يحل لها أن تطيعه.
قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله:
أما السعي لإسقاط الحمل فلا يجوز ذلك ما لم يتحقق موته فإن تحقق ذلك جاز.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن إبراهيم " (11 / 151) .
قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
أولاً:
إجهاض الحمل لا يجوز، فإذا وجد الحمل فإنه يجب المحافظة عليه، ويحرم على الأم أن تضر بهذا الحمل، وأن تضايقه بأي شيء؛ لأنه أمانة أودعها الله في رحمها وله حق فلا يجوز الإساءة إليه أو الإضرار به أو إتلافه. والأدلة الشرعية تدل على تحريم الإجهاض وإسقاط الحمل.
وكونها لا تلد إلا بعملية ليس هذا مسوغًا للإجهاض، فكثير من النساء لا تلد إلا بعملية فهذا ليس عذراً لإسقاط الحمل.
ثانيًا: إذا كان هذا الحمل قد نفخت فيه الروح وتحرك ثم أجهضته بعد ذلك ومات: فإنها تعتبر قد قتلت نفسًا فعليها الكفارة وهي عتق رقبة، فإن لم تجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله، وذلك إذا مضت له أربعة أشهر، فإنه حينئذ يكون قد نفخت فيه الروح، فإذا أجهضته بعد ذلك وجبت عليها الكفارة كما ذكرنا، فالأمر عظيم لا يجوز التساهل فيه، وإذا كانت لا تتحمل الحمل لحالة مرضية: فعليها أن تتعاطى من الأدوية ما يمنع الحمل قبل وجوده، كأن تأخذ الحبوب التي تؤخر الحمل عنها فترة حتى تعود إليها صحتها وقوتها.
" المنتقى " (5 / 301، 302) . باختصار.
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية - رَحمه الله -:
عن رجل قال لزوجته: أسقطي ما في بطنك والإثم عليَّ، فإذا فعلتْ هذا وسمعتْ منه، فما يجب عليهما من الكفارة؟ .
فأجاب:
إن فعلتْ ذلك: فعليهما كفارة عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجدا فصيام شهرين متتابعين وعليهما غُرَّةٌ عبدٌ أو أَمَةٌ لوارثه الذي لم يقتله، لا للأب فإن الأب هو الآمر بقتله، فلا يستحق شيئًا.
وقوله (غُرَّةٌ عبدٌ أو أَمَةٌ) هذه هي دية الجنين، قيمة عبدٍ أو أمة ٍ. ويقدرها العلماء بعشر دية الأم.
وقد سبق ذِكر حكم الإجهاض في أكثر من جواب فانظر: (13317) و (42321) و (12733)
ثانياً:
وأما طلاق الحامل فهو طلاق سنة، وقد انتشر بين كثير من العامة أنه مخالف للسنة، وقولهم لا أصل له ولا دليل عليه.
وقد روى مسلم (1471) قصة طلاق ابن عمر لامرأته وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم (مُرْه فليراجعها ثم ليطلقها طاهراً أو حاملاً) .
قال ابن عبد البر:
وأما الحامل فلا خلاف بين العلماء أن طلاقها للسنة من أول الحمل إلى آخره لأن عدتها أن تضع حملها وكذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر أنه أمره أن يطلقها طاهرا أو حاملا ولم يخص أول الحمل من آخره.
" التمهيد " (15 / 80) .
وقد ذكرنا فتوى الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – في حكم طلاق الحامل في جواب السؤال رقم (12287) .
ثالثاً:
لا يحل للزوج أن يأخذ شيئًا من مال زوجته شيئاً إلا إذا طابت به نفسها ومنه مال مهرها إلا إن جاءت بفاحشة مبينة؛ لقول الله عز وجل: (فإن طبن لكم عن شيء منه نفسًا فكلوه هنيئًا مريئًا) [النساء / 4] ؛ ولقوله عز وجل: (وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) [النساء / 19] .
قال ابن قدامة:
وأجمعوا على تحظير أخذ مالها إلا أن يكون النشوز وفساد العشرة من قِبَلها، وحكى ابن المنذر عن النعمان أنه قال: إذا جاء الظلم والنشوز من قِبَله وخالعتْه: فهو جائز ماض وهو آثم لا يحل له ما صنع ولا يجبر على رد ما أخذه!
قال ابن المنذر: وهذا من قوله خلاف ظاهر كتاب الله، وخلاف الخبر الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وخلاف ما أجمع عليه عامة أهل العلم.
" المغني " (3 / 137) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (32/283) :
فلا يحل للرجل أن يعضل المرأة بأن يمنعها ويضيِّق عليها حتى تعطيه بعض الصداق، ولا أن يضربها لأجل ذلك، لكن إذا أتت بفاحشة مبينة: كان له أن يعضلها لتفتدي منه، وله أن يضربها، وهذا فيما بين الرجل وبين الله، وأما أهل المرأة فيكشفون الحق مع من هو فيعينونه عليه، فإن تبيَّن لهم أنها هي التي تعدت حدود الله وآذت الزوج في فراشه: فهي ظالمة متعدية فلتفتد منه. اهـ.
ومعنى الفاحشة المبينة المذكورة في قوله تعالى: (وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) [النساء / 19] الزنا وعدم الفقه، وسوء العشرة، كالكلام الفاحش وأذيتها لزوجها.
انظر تفسير السعدي ص242ـ.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6916)
هل يأخذون دية ميتهم من شركة التأمين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[تفرض الدولة في بلدنا تأمينا إجباريّاً على السيارات، ولا يستفيد منه صاحب السيارة بشيء، فإذا قامت هذه السيارة بضرب شخصٍ ما وأدى هذا الحادث لإصابته أو وفاته يقوم أهله برفع قضية على شركة التأمين ويؤدي هذا لتعويض أهل المصاب أو المتوفى، وهذا التعويض لا يتأثر به صاحب السيارة سلباً أو إيجاباً، فما الحكم في ذلك؟ مع العلم أن أهل المتوفى يعفون عن صاحب السيارة والدولة تحكم بالقوانين الوضعية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
التأمين التجاري من العقود المحرمة، وهو حرام بجميع صوره، ولا يجوز لأحد أن يشترك فيه إلا أن يضطر لذلك كأن يكون مكرهاً، وقد سبق بيان حكمه في جواب السؤال رقم
(8889) و (39474) فلينظرا.
ثانياً:
حرمة الاشتراك في التأمين لا تعني حرمة أخذ الحق من شركة التأمين إن التزمت بدفع الحق عمن وقع منه الحادث.
وعليه: فلا مانع من أخذ دية المقتول خطأً أو المصاب في الحادث من أي جهة أحيل عليها مستحقوها من قِبَل القاتل أو من القضاء، سواء كانت شركة تأمين أو غيرها؛ لأن مستحقي الدية أصحاب حق، وهم غير مسؤولين عن حلِّ معاملة الطرف الآخر مع شركة تأمينه.
وقد سألنا فضيلة الشيخ ابن جبرين عن أخذ التعويض من شركة التأمين، فأجاب: " يجوز ذلك، لأن هذه الشركات التزمت أنها تتحمل ما يحدث من هذا الإنسان الذي أمَّن عندها، ولا يتورع عن ذلك مادام أنهم ملتزمون بدفع التعويض، ولا يبقى على من ارتكب الحادث - في حال حصول وفاة - إلا كفارة القتل الخطأ، إذا كان الحادث بسبب خطأ منه ".
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6917)
أخذ الإرث من والده الكافرعلى أنه دية لقتله والدته
[السُّؤَالُ]
ـ[قتل والدي والدتي وأنا صغير حيث كنت آنذاك في 15 من عمري. والداي كافران, وعندما وقع القتل كنت على غير الإسلام أنا أيضا. لم يُسجن والدي بسبب جريمته , وهو الآن في أرذل العمر, وقد يموت قريبا. والدي يخطط في أن يترك لي مالا كثيرا. فهل يجوز لي قبول هذا المال؟ وهل تعتبر ديّة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا السؤال التالي على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله بقول:
إذا كان سيعطيك إياه على أنه دية فلا تأخذه لأنه كافر وأنت مسلم ولا يرث المسلم من الكافر، والدية من الإرث، وإذا كان سيعطيك إياه تطييباً لخاطرك فلا بأس أن تأخذه، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/6918)
قتل رجلاً ثم انتحر فهل لأولياء القتيل المظلوم حق مالي
[السُّؤَالُ]
ـ[قتل شخص آخر ثم نحر نفسه، هل لأولياء القتيل المظلوم أي حق مالي عند أولياء القاتل المنتحر؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله:
لأولياء المقتول الدية في مال القاتل إن كان له مال، فإن لم يكن له مال فما لهم على العاقلة (من حقّ) .
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(5/6919)
زوج يجبر امرأته على إسقاط الحمل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم في زوج حاول إجهاض زوجته في شهرها الثاني لرغبته في تطليقها بإعطائها دواء لذلك رغماً عنها إلا أنه لم يتم إجهاضها؟ وهل ذلك حلال أم حرام؟ وما هي كفارة ذلك العمل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إجهاض الحمل لا يجوز، سواء نفخت فيه الروح أم لا، غير أنه بعد نفخ الروح فيه تحريمه أشد.
ومن أمرها زوجها بالإجهاض فلا يحل لها أن تطيعه.
قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله:
أما السعي لإسقاط الحمل فلا يجوز ذلك ما لم يتحقق موته فإن تحقق ذلك جاز.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن إبراهيم " (11 / 151) .
وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
أولاً:
إجهاض الحمل لا يجوز، فإذا وجد الحمل فإنه يجب المحافظة عليه، ويحرم على الأم أن تضر بهذا الحمل، وأن تضايقه بأي شيء؛ لأنه أمانة أودعها الله في رحمها وله حق فلا يجوز الإساءة إليه أو الإضرار به أو إتلافه.
والأدلة الشرعية تدل على تحريم الإجهاض وإسقاط الحمل.
وكونها لا تلد إلا بعملية ليس هذا مسوغًا للإجهاض، فكثير من النساء لا تلد إلا بعملية فهذا ليس عذراً لإسقاط الحمل.
ثانيًا: إذا كان هذا الحمل قد نفخت فيه الروح وتحرك ثم أجهضته بعد ذلك ومات: فإنها تعتبر قد قتلت نفسًا فعليها الكفارة وهي عتق رقبة، فإن لم تجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله، وذلك إذا مضت له أربعة أشهر، فإنه حينئذ يكون قد نفخت فيه الروح، فإذا أجهضته بعد ذلك وجبت عليها الكفارة كما ذكرنا، فالأمر عظيم لا يجوز التساهل فيه، وإذا كانت لا تتحمل الحمل لحالة مرضية: فعليها أن تتعاطى من الأدوية ما يمنع الحمل قبل وجوده، كأن تأخذ الحبوب التي تؤخر الحمل عنها فترة حتى تعود إليها صحتها وقوتها.
" المنتقى " (5 / 301، 302) . باختصار.
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية - رَحمه الله -:
عن رجل قال لزوجته: أسقطي ما في بطنك والإثم عليَّ، فإذا فعلتْ هذا وسمعتْ منه، فما يجب عليهما من الكفارة؟ .
فأجاب:
إن فعلتْ ذلك: فعليهما كفارة عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجدا فصيام شهرين متتابعين وعليهما غُرَّةٌ عبدٌ أو أمَةٌ لوارثه الذي لم يقتله، لا للأب فإن الأب هو الآمر بقتله، فلا يستحق شيئًا اهـ.
وقوله: (غُرَّةٌ عبدٌ أو أمةٌ) هذه هي دية الجنين، قيمة عبد أو أمة، ويقدرها العلماء بعشر دية أمه.
وقد سبق ذِكر حكم الإجهاض في أكثر من جواب فانظر: (13317) و (42321) و (12733)
وأما كفارة ذلك، فحيث إن الحمل في الشهر الثاني أي قبل نفخ الروح فيه، ولم يتم إسقاطه فلا تجب بذلك كفارة، وإنما تجب التوبة إلى الله تعالى من هذا الفعل المحرم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6920)
معنى التعزير
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى الحكم بالقتل تعزيرا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
العقوبات في الشريعة الإسلامية ثلاثة أنواع:
1- القصاص: في جرائم القتل والتعدي على الأطراف والجنايات.
2- الحدود: وهي العقوبات المقدرة شرعا: كحد الزنى، وحد السرقة، ونحوهما.
3- التعزير: وهو التأديب على ذنوب لم تشرع فيها الحدود.
" الأحكام السلطانية " للماوردي (ص/236) .
فإذا ارتكب أحدهم مخالفة شرعية لم يرد الشرع بتقدير عقوبة خاصة بها، ورأى القاضي أنها من الخطورة بقدر بحيث تستحق العقوبة عليها، فإن له أن يعاقب هذا المتعدي بما يراه مناسبا لجرمه وذنبه، وهذا ما يسميه الفقهاء بـ " التعزير "، وله أحكام وتفصيلات كثيرة مذكورة في مطولات الفقه.
ولما كان مقصد التعزير هو التأديب، كان الأصل ألا يبلغ التعزير إلى حد القتل بحال من الأحوال، لكن لما رأى الفقهاء أن بعض الأدلة الصريحة من الكتاب والسنة تدل على إيقاع عقوبة القتل على هذا الوجه، كانت لهم بعض الاستثناءات التي تجيز القتل كعقوبة تعزيرية وليست حدية، وذلك لخطر بعض الجرائم العظيمة، ولتحقيق المصلحة العامة للدولة والمجتمع الإسلامي.
جاء في " الموسوعة الفقهية " (12/263) :
" الأصل: أنه لا يبلغ بالتعزير القتل، وذلك لقول الله تعالى: (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق) الأنعام/151، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة) متفق عليه.
وقد ذهب بعض الفقهاء إلى جواز القتل تعزيرا في جرائم معينة بشروط مخصوصة، من ذلك:
1- قتل الجاسوس المسلم إذا تجسس على المسلمين:
وذهب إلى جواز تعزيره بالقتل مالك، وبعض أصحاب أحمد، ومنعه أبو حنيفة، والشافعي، وأبو يعلى من الحنابلة، وتوقف فيه أحمد.
ومن ذلك:
2- قتل الداعية إلى البدع المخالفة للكتاب والسنة كالجهمية:
ذهب إلى ذلك كثير من أصحاب مالك، وطائفة من أصحاب أحمد.
3- وأجاز أبو حنيفة التعزير بالقتل فيما تكرر من الجرائم، إذا كان جنسه يوجب القتل، كما يقتل من تكرر منه اللواط أو القتل بالمثقل.
4- وقال ابن تيمية: وقد يستدل على أن المفسد إذا لم ينقطع شره إلا بقتله فإنه يقتل، بما رواه مسلم في صحيحه عن عرفجة الأشجعي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم، أو يفرق جماعتكم فاقتلوه) " انتهى.
قال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله:
" يظهر من مباحث القتل تعزيرا على سبيل الإجمال والتفصيل: أن القتل تعزيرا مشروع عند عامة الفقهاء، على التوسع عند البعض، والتضييق عند آخرين في قضايا معينة.
وأن القول الصحيح الذي يتمشى مع مقاصد الشرع وحماية مصالح الأمة وحفظ الضروريات من أمر دينها ودنياها: هو القول بجواز القتل تعزيرا حسب المصلحة، وعلى قدر الجريمة، إذا لم يندفع الفساد إلا به، على ما اختاره ابن القيم رحمه الله تعالى." انتهى.
" الحدود والتعزيرات عند ابن القيم " (ص/493)
وقال الشيخ عبد القادر عودة رحمه الله:
" الأصل في الشريعة أن التعزير للتأديب، وأنه يجوز من التعزير ما أمنت عاقبته غالباً، فينبغي أن لا تكون عقوبة التعزير مهلكة، ومن ثم فلا يجوز في التعزير قتل ولا قطع.
لكن الكثيرين من الفقهاء أجازوا ـ استثناءً من هذه القاعدة العامة ـ أن يعاقب بالقتل تعزيراً إذا اقتضت المصلحة العامة تقرير عقوبة القتل، أو كان فساد المجرم لا يزول إلا بقتله، كقتل الجاسوس والداعية إلى البدعة ومعتاد الجرائم الخطيرة.
وإذا كان القتل تعزيراً قد جاء استثناء من القاعدة، فإنه لا يتوسع فيه، ولا يترك أمره للقاضي ككل العقوبات التعزيرية، بل يجب أن يعين ولي الأمر الجرائم التي يجوز فيها الحكم بالقتل. وقد اجتهد الفقهاء في تعيين هذه الجرائم وتحديدها، ولم يبيحوا القتل إلا إذا اقتضت الضرورة ذلك، بأن كان المجرم قد تكررت جرائمه ويُئِس من إصلاحه، أو كان استئصال المجرم ضرورياً لدفع فساده وحماية الجماعة منه.
ويبيح الحنفيون عامة القتل تعزيراً ويسمونه القتل سياسة، ويرى بعض الحنابلة هذا الرأي وعلى الأخص ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، ويأخذ بهذا الرأي قليل من المالكية، ولكن أكثر الجرائم التي يبيح فيها الحنفية القتل تعزيراً، أو سياسةً، يعاقب عليها حداً أو قصاصاً في المذاهب الأخرى، فما يظن توسعاً في مذهب الحنفية من هذه الوجهة، هو توسع ظاهري في أكثر الحالات. فمثلاً يبيح الحنفية القتل تعزيراً في جريمة القتل بالمثقل، وفي جريمة اللواط، ولا يرون القتل قصاصاً في الحالة الأولى، أو حداً في الحالة الثانية، بينما يرى مالك والشافعي وأحمد قتل القاتل بالمثقل قصاصاً، وقتل اللائط والملوط به حداً، ويرى بعض الحنابلة والمالكية قتل الداعية إلى البدعة تعزيراً، بينما يراه غيرهم مرتداً بدعوته للبدعة فيقتل حداً.
والقتل تعزيراً بالشروط السابقة لا يمكن أن يكون إلا في جرائم تعزيرية محدودة العدد، وقد رأينا فيما سبق أن الشريعة جعلت القتل عقوبة في أربع جرائم من جرائم الحدود، وهي: الزنا، والحرابة، والردة، والبغي.
وجعلته عقوبة في جريمة واحدة من القصاص، وهي القتل العمد.
فإذا قدرنا أن الجرائم التعزيرية التي يمكن العقاب عليها بالقتل تصل إلى خمس جرائم أيضاً، كانت كل الجرائم المعاقب عليها بالقتل في الشريعة لا تزيد على عشر جرائم عند من يجيزون القتل تعزيراً، وكان عددها لا يزيد على خمس جرائم عند من لا يبيحون القتل تعزيراً، وتلك ميزة انفردت بها الشريعة الإسلامية من يوم نزولها، فهي لا تسرف في عقوبة القتل ولا تفرضها دون مقتض.
ونستطيع أن نحيط بمدى تفوق الشريعة في هذه الوجهة إذا علمنا أن القوانين الوضعية كانت إلى أواخر القرن الثامن عشر تسرف في عقوبة القتل إلى حد بعيد، بحيث كان القانون الإنجليزي ـ مثلاً ـ يعاقب على مائتي جريمة بالإعدام، والقانون الفرنسي يعاقب على مائة وخمس عشرة جريمة بالإعدام. " انتهى.
" التشريع الجنائي في الإسلام " (1/687-689) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6921)
تعريف العقوبة التعزيرية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي التعزيرات، ومتى تنفذ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
"التعزير" في اللغة مصدر من الفعل المضعف: عزَّر، بتشديد الزاي.
قال المرتضى الزبيدي:
" العَزْرُ: اللَّوْمُ، يُقَال: عَزَرَه يَعْزِرُه، بالكَسْر، عَزْراً، بالفَتح، وعَزَّرَهُ تَعْزِيراً: لامَهُ ورَدَّهُ " انتهى. " تاج العروس " (13/20) .
ثانيا:
التعزير شرعا: تختلف كلمة أهل الاصطلاح في تعريفه، على وجوه، منها ما يلي:
الحنفية:
قال الجرجاني وابن الهمام:
التعزير: هو تأديب دون الحد.
" التعريفات " (ص/55) ، " شرح فتح القدير " (5/112)
المالكية:
أما المالكية فلم نر لهم تعريفا للتعزير، لأنهم لا يعقدون للتعزير بابا ولا فصلا مستقلا، بل يدرجون أحكامه في أخريات (باب الشرب) مع أحكام الصيال والضمان ونحو ذلك.
لكن نستطيع أن نأخذ تعريفهم له من بيانهم لمواضع التعزير على ما ذكره خليل، وابن عرفة، فيقال:
التعزير هو التأديب لحق الله أو لآدمي غير موجب للحد.
" جواهر الإكليل " (2/396)
الشافعية:
قال الماوردي، وعنه نقل النووي:
التعزير: هو التأديب على ذنوب لم تشرع فيها الحدود.
" الأحكام السلطانية " (ص/236)
وقال الرملي:
التعزير: هو التأديب في كل معصية لله أو لآدمي لا حد لها ولا كفارة.
" نهاية المحتاج " (8/16)
الحنابلة:
اختلفت كلمة الحنابلة في حد التعزير على وجوه، منها: مثل تعريفه لدى الحنفية سواء، الثاني: تعريف بمطلق التأديب. الثالث: نحو تعريف الماوردي لدى الشافعية. الرابع: تعريف المجد ابن تيمية إذ يقول: التعزير: هو التأديب في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة.
فنخلص من هذه التعاريف أن نقول:
إن الفصل الأول من التعريف: وهو التأديب، محل اتفاق لدى الجميع في التعريف.
والفصل الثاني: وهو قولهم: في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة ينبغي أن يكون محل اتفاق أيضا.
فيكون التعريف المتفق عليه أن يقال:
التعزير هو: التأديب في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة.
هذه المباحث منقولة باختصار من كتاب " الحدود والتعزيرات عند ابن القيم "، للشيخ بكر أبو زيد رحمه الله (459-462) .
ثالثا:
أما في دواعي تنفيذ التعزير، فننقل فيه هنا ما جاء في " الموسوعة الفقهية " (12/257-258) :
" المعاصي التي شرع فيها التعزير:
المعصية: فعل ما حرم، وترك ما فرض، يستوي في ذلك كون العقاب دنيويا أو أخرويا.
أجمع الفقهاء على: أن ترك الواجب أو فع المحرم معصية فيها التعزير، إذا لم يكن هناك حد مقدر، ومثال ترك الواجب عندهم: منع الزكاة، وترك قضاء الدين عند القدرة على ذلك، وعدم أداء الأمانة، وعدم رد المغصوب، وكتم البائع ما يجب عليه بيانه، كأن يدلس في المبيع عيبا خفيا ونحوه، والشاهد والمفتي والحاكم يعزرون على ترك الواجب.
ومثال فعل المحرم: سرقة ما لا قطع فيه، لعدم توافر شروط النصاب أو الحرز مثلا، وتقبيل الأجنبية، والخلوة بها، والغش في الأسواق، والعمل بالربا، وشهادة الزور.
وقد يكون الفعل مباحا في ذاته لكنه يؤدي لمفسدة، وحكمه عند كثير من الفقهاء - وعلى الخصوص المالكية - أنه يصير حراما، بناء على قاعدة سد الذرائع، وعلى ذلك فارتكاب مثل هذا الفعل فيه التعزير، ما دام ليست له عقوبة مقدرة.
وقد اختلف في تعزير تارك المندوب، وفاعل المكروه، ففريق من الفقهاء على عدم جوازه؛ لعدم التكليف، ولا تعزير بغير تكليف. وفريق أجازه، استنادا على فعل عمر رضي الله عنه، فقد عزر رجلا أضجع شاة لذبحها، وأخذ يحد شفرته وهي على هذا الوضع، وهذا الفعل ليس إلا مكروها، ويأخذ هذا الحكم من يترك المندوب.
وقال القليوبي: قد يشرع التعزير ولا معصية، كتأديب طفل، وكافر، وكمن يكتسب بآلة لهو لا معصية فيها " انتهى باختصار.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6922)
قذف الزوج لزوجته لا يلغي النكاح بينهما
[السُّؤَالُ]
ـ[تفاقمت المشاكل بيني وبين زوجي في الفترة الأخيرة حيث يتهمني بالخيانة وهذا ما لم أفعله، كما أنه يسبني بأقبح الألفاظ، وهو مما ينكسر له قلبي. ولقد أخبرني أئمة المساجد في منطقتي وأهلي بأنه باتهامه لي بالزنا بلا بينة أو شهود لم أعد زوجته ولم يعد زواجنا صحيحا شرعا. فهل هذا الرأي صحيح؟ ... ]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الرأي الذي قيل لك غير صحيح، فقذف الزوج لزوجته بالزنا لا يترتب عليه فساد النكاح، لكن إذا طالبت الزوجة بحقها الشرعي في ذلك، (وهو إقامة حد القذف على الزوج) فيُلزم الزوج أحد أمرين: إما أن يأتي بأربعة شهود يشهدون على الزنا، وإما أن يلاعن زوجته، فإن لم يفعل واحدا من الأمرين استحق أن يجلد حد القذف، وحُكم بفسقه، وردت شهادته، وحد القذف أن يجلد ثمانين جلدة، كما قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ* إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ * وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ * وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ) النور/4-9.
وينظر في بيان صفة اللعان جواب السؤال رقم (101771) .
ثانياً:
الواجب على الزوج أن يتقي الله في نفسه، وأن يكف لسانه عن الكلام المحرم، من السب وغيره، وأن يعلم أنه محاسب مسؤول عن ذلك كله.
وينبغي أن تجدي الوسيلة المناسبة لنصحه وتذكيره، ولو بالاستعانة بأحد أصدقائه أو أقاربه، لعل الله أن يهديه ويرده إلى صوابه.
والزوج إن قامت لديه الشكوك في حال زوجته، ولم يجد بينة على زناها، ولم يكن هناك ولد يحتاج أن ينفيه باللعان، فإما أن يمسكها بالمعروف، ويحسن إليها، وإما أن يطلقها بالمعروف، فإن الله تعالى شرع الطلاق مخرجا للزوجين حين تسوء العلاقة بينهما، ولا يجوز له أن يمسكها ويؤذيها ويقترف الحرام بالسب والقذف والإهانة.
ولك أيتها الأخت الكريمة أن تطلبي الطلاق لما يلحقك من الضرر، فإن اخترت البقاء معه، ورضيت بالصبر، رجاء أن ينصلح حاله، فهذا لك، وأنت مأجورة إن شاء الله.
ونوصيك بالإقبال على الله تعالى، وسؤاله أن يهدي زوجك، وأن يصلح حالكما، فإن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6923)
قصة باطلة منسوبة إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه
[السُّؤَالُ]
ـ[أخبرني شخص أن عمر أو أبو بكر رضي الله عنهما قد جاء إلى علي رضي الله عنه وقت توليه القضاء، وقال: إنه رأى فلانا قد ارتكب الزنا، فما كان من علي إلا أن قال: إن لم يكن لديك أربعة شهود فالتزم الصمت ولا تنطق بشيء. فهل هناك ما يثبت صحة هذه الرواية؟ وهل هذا حديث صحيح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
أولاً:
من الأحكام المتفق عليها بين علماء المسلمين أن الزنا لا يثبت إلا بشهادة أربعة رجال؛ لقوله تعالى: (وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ) النساء/15، وقَوْله: (لَوْلاَ جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ) النور/13.
قال ابن المنذر: "وأجمعوا على أن الشهادة على الزنا أربعة لا يُقبل أقل منهم" انتهى.
"الإجماع " ص 42.
فإن نقص عدد الشهود عن أربعة، وجب عليهم السكوت، ولم يجز لهم اتهامه بالزنا، فإن تكلموا بذلك رُدت شهادتهم، وأُقيم عليهم حد القذف، لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً) النور/4.
ولما رواه النسائي (3469) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ شَرِيكَ بْنَ السَّحْمَاءِ بِامْرَأَتِهِ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ.
فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَرْبَعَةَ شُهَدَاءَ، وَإِلَّا فَحَدٌّ فِي ظَهْرِكَ) . وصححه الألباني.
قال ابن قدامة: "وإذا لم تَكمل شهود الزنا، فعليهم الحدُّ في قول أكثر أهل العلم" انتهى.
"المغني " (10 /175) .
وذلك حتى لا تُتَّخذ صورةُ الشهادة ذريعةً إلى الوقيعة في أعراض الناس.
ثانياً:
أما القصة التي أشرت إليها، فقد ذكرها أبو حامد الغزالي في كتابه "إحياء علوم الدين" (2/200) ، فقال:
"روى أن عمر رضي الله عنه كان يَعُسُّ [يطوف ليلاً] بالمدينة ذات ليلة، فرأى رجلاً وامرأةً على فاحشة.
فلما أصبح قال للناس: أرأيتم لو أن إماماً رأى رجلاً وامرأةً على فاحشة، فأقام عليهما الحد، ما كنتم فاعلين.
قالوا: إنما أنت إمام.
فقال علي رضي الله عنه: ليس ذلك لك، إذاً يقام عليك الحد، إن الله لم يأمن على هذا الأمر أقل من أربعة شهود.
ثم تركهم ما شاء الله أن يتركهم.
ثم سألهم، فقال القوم مقالتهم الأولى، فقال علي رضي الله عنه مثل مقالته الأولى" انتهى.
ثم قال أبو حامد الغزالي: "وهذا يشير إلى أن عمر رضي الله عنه كان متردداً في أن الوالي هل له أن يقضي بعلمه في حدود الله، فلذلك راجعهم ... خيفة من أن لا يكون له ذلك فيكون قاذفاً بإخباره، ومالَ رأى علي إلى أنه ليس له ذلك" انتهى.
وهذه القصة التي ذكرها الغزالي لم نقف عليها ـ بعد البحث ـ مروية بسندها، حتى نستطيع الحكم بصحتها، ومن المعروف أنَّ الغزالي ممن يتساهل في إيراد الأحاديث والروايات الضعيفة والموضوعة، خاصة في كتابه: " إحياء علوم الدين".
وقد سبق الكلام عن هذا الكتاب وما فيه من أغاليط في جواب السؤال (27328) .
وقد ورد عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ما يخالف هذا الأثر الذي ذكره الغزالي، وذكره السائل بمعناه.
فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: لَوْ رَأَيْتَ رَجُلًا عَلَى حَدٍّ: زِنًا أَوْ سَرِقَةٍ، وَأَنْتَ أَمِيرٌ، فَقَالَ: شَهَادَتُكَ شَهَادَةُ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ: صَدَقْتَ.
رواه البخاري معلقاً، ووصله عبد الرزاق في المصنف (8 / 340) ، وأشار ابن القيم إلى ثبوته في " الطرق الحكمية" صـ 168.
وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": "وقد جاء عن أبي بكر الصديق نحو هذا" انتهى.
فهذا يدل على أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا يريان أن الحاكم لا يحكم بما علمه ولم يشهد عليه شهود، وإنما يحكم بشهادة الشهود.
ولا نستبعد أن يكون أعداء الصحابة الذين يسمون بـ "الشيعة" أو "الرافضة" هم الذين يرجون لمثل هذه الروايات، حتى يثبتوا بها أن علياً أعلم من عمر رضي الله عنهما.
وعِلْمُ عليٍّ رضي الله عنه وفضله وحسن قضائه معلوم ظاهر، وأظهر منه: أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا أفضل منه وأعلم، وهذا لا ينكره إلا من طمس الله بصيرته، وأعماه عن نور الوحي.
قال ابن أبي العز في "شرح العقيدة الطحاوية":
"وَتَرْتِيبُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ فِي الْفَضْلِ، كَتَرْتِيبِهِمْ فِي الْخِلَافَةِ. وَلِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مِنَ الْمَزِيَّةِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنَا بِاتِّبَاعِ سُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَلَمْ يَأْمُرْنَا بالاقْتِدَاءِ فِي الْأَفْعَالِ إِلَّا بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقَالَ: (اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ) ، وَفَرْقٌ بَيْنَ اتِّبَاعِ سُنَّتِهِمُ وَالِاقْتِدَاءِ بِهِمْ، فَحَالُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَوْقَ حَالِ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ ...
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ تَقْدِيمُ عَلِيٍّ عَلَى عُثْمَانَ، وَلَكِنْ ظَاهِرُ مَذْهَبِهِ تَقْدِيمُ عُثْمَانَ عَلَى عَلِيٍّ. وَعَلَى هَذَا عَامَّةُ أَهْلِ السُّنَّةِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنِّي قَدْ نَظَرْتُ فِي أَمْرِ النَّاسِ فَلَمْ أَرَهُمْ يَعْدِلُونَ بِعُثْمَانَ.
وَقَالَ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ: مَنْ لَمْ يُقَدِّمْ عُثْمَانَ عَلَى عَلِيٍّ فَقَدْ أَزْرَى بِالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: (كُنَّا نَقُولُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيٌّ: أَفْضَلُ أُمَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَهُ - أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ) " انتهى.
وعلق الشيخ أحمد شاكر رحمه الله هنا بأن هذا الحديث الأخير رواه البخاري بلفظين آخرين، ولم يروه مسلم. وأن هذا اللفظ الذي ذكره ابن أبي العز رحمه الله هو لفظ أبي داود في سننه.
فرضي الله عن الصحابة أجمعين، وجعلنا ممن اتبعوهم بإحسان، (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6924)
حكم التهرب من دفع الغرامات والمخالفات المرورية
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أوقفت سيارتي في أماكن مخصصة تم منع الوقوف فيها، فإنه تفرض علي غرامة بسبب ذلك قد تصل إلى حوالي 100 دولار، وهذا مبلغ كبير جداً كي أدفعه. مع العلم أن الشارع خال من الناس ولا أسبب أي أذى لأحد. فهل يجوز لي أن أتجاهل دفعه، وهل من حقهم فرض مثل هذه الغرامات؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الغرامات التي تُفرَض على الناس بسبب مخالفة الأنظمة والقواعد المرورية تعد من باب التعزير بالمال.
وفي جوازه خلاف بين العلماء.
والذي نصره شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم جواز ذلك للأدلة الشرعية الكثيرة الدالة على ذلك.
ينظر: "مجموع الفتاوى" (28 /109) ، " الطرق الحكمية" صـ 386.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (21900) (69872) .
وبناء على ذلك؛ فلا يجوز لمن وقع في شيء من مخالفة هذه القواعد والأنظمة التهرب من دفع الغرامات المترتبة عليها.
ومن قرارات مجمع الفقه الإسلامي: "مما تقتضيه المصلحة سنُّ الأنظمة الزاجرة بأنواعها، ومنها: التعزير المالي لمن يخالف تلك التعليمات المنظمة للمرور؛ لردع من يُعرّض أمن الناس للخطر في الطرقات والأسواق من أصحاب المركبات ووسائل النقل الأخرى، أخذاً بأحكام الحسبة المقررة" انتهى.
ومن المعلوم أن أنظمة المرور تمنع من إيقاف السيارات في أماكن معينة منعاً لحدوث الحوادث، أو منعاً للزحام.. أو لغير ذلك من المصالح، والواجب التقيد بهذه الأنظمة حفاظاً على السلامة العامة.
وتقدير وجود الضرر في الوقوف في هذا المكان من عدمه لا يرجع فيه إلى الأفراد، وإنما يقدره أصحاب الشأن في هذه الأمور.
فمن خالف تلك الأنظمة وفرضت عليه الغرامة، فلا يجوز له التهرب منها، لأنه عقوبة فرضت عليه بحق.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6925)
عقوبة ترويج المخدرات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم الشرعي والقانوني في بيع وترويج المخدرات وحبوب الكابتجون؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
حرم الله تعالى الخمر وأمر باجتنابها، وبَيَّن أنها رجس من عمل الشيطان فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) المائدة/90، 91.
وبَيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن الخمر ملعون بائعها وشاربها وحاملها، كما جاء في الحديث الذي رواه أبو داود (3674) وابن ماجه (3380) عن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ، وَشَارِبَهَا، وَسَاقِيَهَا، وَبَائِعَهَا، وَمُبْتَاعَهَا، وَعَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا، وَحَامِلَهَا، وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ) . وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
ورواه الترمذي (1295) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَمْرِ عَشْرَةً: عَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا، وَشَارِبَهَا، وَحَامِلَهَا، وَالْمَحْمُولَةُ إِلَيْهِ، وَسَاقِيَهَا، وَبَائِعَهَا، وَآكِلَ ثَمَنِهَا، وَالْمُشْتَرِي لَهَا، وَالْمُشْتَرَاةُ لَهُ) .
والخمر: كل ما غطَّى العقل مما يحدث شيئاً من اللذة والنشوة. فيدخل في ذلك كل مسكر جامد وسائل.
ولا شك أن كثيرا من أنواع المخدرات أعظم ضررا وفتكا وخطرا من الخمر، ولهذا لزم التشديد في شأن مروجيها ومهربيها؛ لما ينبني على عملهم من الشر والفساد.
وقد صدر قرار من هيئة كبار العلماء بشأن ترويج المخدرات، وهذا نصه:
" الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإن مجلس هيئة كبار العلماء في دورته التاسعة والعشرين المنعقدة بمدينة الرياض بتاريخ 9 6 1407هـ وحتى 20 6 1407هـ وقد اطلع على برقية خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز - حفظه الله - ذات الرقم س 8033 وتاريخ 11 6 1407هـ والتي جاء فيها (نظراً لما للمخدرات من آثار سيئة، وحيث لاحظنا كثرة انتشارها في الآونة الأخيرة، ولأن المصلحة العامة تقتضي إيجاد عقوبة رادعة لمن يقوم بنشرها وإشاعتها، سواء عن طريق التهريب أو الترويج، نرغب إليكم عرض الموضوع على مجلس هيئة كبار العلماء بصفة عاجلة وموافاتنا بما يتقرر) .
وقد درس المجلس الموضوع وناقشة من جميع جوانبه في أكثر من جلسة، وبعد المناقشة والتداول في الرأي واستعراض نتائج انتشار هذا الوباء الخبيث القتال تهريباً واتجاراً وترويجاً واستعمالاً، المتمثلة في الآثار السيئة على نفوس متعاطيها، وحملها إياهم على ارتكاب جرائم الفتك، وحوادث السيارات، والجري وراء أوهام تؤدي إلى ذلك، وما تسببه من إيجاد طبقة من المجرمين شأنهم العدوان وطبيعتهم الشراسة وانتهاك الحرمات، وتجاوز الأنظمة وإشاعة الفوضى لما تؤدي إليه بمتعاطيها من حالة من المرح والتهيج، واعتقاد أنه قادر على كل شيء، فضلاً عن اتجاهه إلى اختراع أفكار وهمية تحمله على ارتكاب الجريمة، كما أن لها آثاراً ضارة بالصحة العامة، وقد تؤدي إلى الخلل في العقل والجنون، نسأل الله العافية والسلامة، لهذا كله، فإن المجلس يقرر بالإجماع ما يلي:
أولاً: بالنسبة للمهرب للمخدرات فإن عقوبته القتل، لما يسببه تهريب المخدرات وإدخالها البلاد من فساد عظيم لا يقتصر على المهرب نفسه، وأضرار جسيمة وأخطار بليغة على الأمة بمجموعها. ويلحق بالمهرب الشخص الذي يستورد أو يتلقى المخدرات من الخارج فيموّن بها المروجين.
ثانياً: أما بالنسبة لمروج المخدرات فإن ما أصدره المجلس بشأنه في قراره رقم (85) وتاريخ 11/ 11 /1401ـ كافٍ في الموضوع ونصه كما يلي: (الثاني: من يروجها سواء كان ذلك بطريق التصنيع أو الاستيراد بيعا وشراء أو إهداء ونحو ذلك من ضروب إشاعتها ونشرها، فإن كان ذلك للمرة الأولى فيعزر تعزيراً بليغاً بالحبس أو الجلد أو الغرامة المالية أو بهما جميعا حسبما يقتضيه النظر القضائي، وإن تكرر منه ذلك فيعزز بما يقطع شره عن المجتمع ولو كان ذلك بالقتل، لأنه بفعله هذا يعتبر من المفسدين في الأرض، وممن تأصل الإجرام في نفوسهم، وقد قرر المحققون من أهل العلم أن القتل ضَرْبٌ [أي: نوع] من التَعزير، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: " ومن لم يندفع فساده في الأرض إلا بالقتل قُتِل، مثل قتل المفرق لجماعة المسلمين الداعي للبدع في الدين ". إلى أن قال " وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل رجل تعمد الكذب عليه، وسأله ابن الديلمي عن من لم ينته عن شرب الخمر فقال: من لم ينته عنها فاقتلوه ". وفي موضع آخر قال رحمه الله في تعليل القتل تعزيراً ما نصه: " وهذا لأن المفسد كالصائل، وإذا لم يندفع الصائل إلا بالقتل قتل " انتهى.
ثالثاً: يرى المجلس أنه لابد قبل إيقاع أي من تلك العقوبات المشار إليها في فقرتي (أولاً) و (ثانياً) من هذا القرار استكمال الإجراءات الثبوتية اللازمة من جهة المحاكم الشرعية وهيئات التمييز ومجلس القضاء الأعلى، براءةً للذمة، واحتياطاً للأنفس.
رابعاً: لابد من إعلان هذه العقوبات عن طريق وسائل الإعلان قبل تنفيذها إعذاراً وإنذاراً. هذا وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
هيئة كبار العلماء " انتهى نقلاً: "فتاوى إسلامية" (3/379) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6926)
لا يثبت الزنا بالشهادة إلا إذا كان الشهود أربعة رجال
[السُّؤَالُ]
ـ[ذكرتم في إجابة السؤال رقم (72338) أن حد الاغتصاب هو حد الحرابة. مع أن الاغتصاب هو نوع من أنواع الزنا، وعليه فيطبق فيه حكم الزنا، لا سيما إذا لم يستخدم المغتصب أي نوع من أنواع الأسلحة. فما دليلكم على أن حد الاغتصاب هو حد الحرابة؟ وهل كان هدي الصحابة ضرورة أن يشهد أربعة شهود على الجريمة، وإذا كان كذلك فأنّى للمرأة أن تحضر الشهود؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
المغتصب إذا لم يحمل السلاح فإنه يحد حد الزنى، وهذا مضمون ما ذكرناه في السؤال رقم (72338) ، وفيه قولنا: " كون المغتصب عليه حد الزنا، هذا ما لم يكن اغتصابه بتهديد السلاح، فإن كان بتهديد السلاح فإنه يكون محارباً " انتهى.
وانظر جواب السؤال رقم (41682) .
ثانياً:
يشترط لإقامة حد الزنا: ثبوته، وذلك إما بشهادة أربعة رجال، أو بالإقرار، أو بظهور الحمل مع انتفاء الشبهة وانتفاء دعوى الغصب والإكراه على الراجح.
والدليل على اشتراط أربعة شهود: قوله تعالى: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ) النساء/15، وقوله: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) النور/4، وقوله: (لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ) النور/13.
وروى مسلم (1498) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ رضي الله عنه قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ وَجَدْتُ مَعَ امْرَأَتِي رَجُلًا أَؤُمْهِلُهُ حَتَّى آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ؟ قَالَ: (نَعَمْ) .
وثبوت الزنا بشهادة الشهود أمر متعذر؛ لأنه من الصعب أن يوجد أربعة يشهدون وقوع إيلاج الفرج في الفرج.
ولهذا قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ولم يثبت الزنا بطريق الشهادة من فجر الإسلام إلى وقته، وإنما ثبت بطريق الإقرار؛ لأن الشهادة صعبة، كما سيتبين إن شاء الله " انتهى من "الشرح الممتع" (14/257) .
ثم قال: " فلو قالوا: رأيناه عليها متجردين، فإن ذلك لا يقبل حتى لو قالوا: نشهد بأنه قد كان منها كما يكون الرجل من امرأته، فإنها لا تكفي الشهادة، بل لا بد أن يقولوا: نشهد أن ذكره في فرجها، وهذا صعب جدا، مثلما قال الرجل الذي شُهِدَ عليه في عهد عمر: لو كنت بين أفخاذنا لم تشهد هذه الشهادة، وأظن هذا لا يمكن، ولكن لا أدري هل يمكن بالوسائل الحديثة أم لا كالتصوير؟ الظاهر أنه لا يمكن أيضاً؛ لأن الذي تدركه الصورة تدركه العين، فإذا لم تدركه العين لم تدركه الصورة، ولهذا يقول شيخ الإسلام: إنه لم يثبت الزنا عن طريق الشهادة من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى عهده، وإذا لم يثبت من هذا الوقت إلى ذاك الوقت، فكذلك لا نعلم أنه ثبت بطريق الشهادة إلى يومنا هذا؛ لأنه صعب جدا.
فلو شهد الأربعة بأنهم رأوه كما يكون الرجل على امرأته، فإنه لا يحد للزنا، ولكن هل نقول: إن هذه تهمة قوية بشهادة هؤلاء الشهود العدول، فيعزر؟ نعم، فإذا لم يثبت الزنا الذي يثبت به الحد الشرعي، فإنه يعزر لأجل التهمة " انتهى من "الشرح الممتع" (14/271) .
والمغتصب إذا لم يقر بالزنا، ولم تقم البينة على زناه، فإن للحاكم أن يعزره إذا وجدت التهمة والقرائن على فجوره وفساده.
ولو قُدّر نجاته من العقوبة في الدنيا، فإن ذلك لا يلغي عقوبة الآخرة إلا أن يشاء الله تعالى.
ولله الحكمة التامة في ما شرع من اشتراط الشهود مع تعذر ذلك، والمراد عدم إشاعة هذه الفاحشة، فإن المنكر إذا تكرر ظهوره وكثرت فيه الدعاوى والإثباتات وتعددت الحالات فإنه يسهل على النفوس اقترافه.
قال في "الهداية": "ولأن في اشتراط الأربعة يتحقق معنى الستر وهو مندوب إليه والإشاعة ضده".
قال ابن الهمام في "فتح القدير" (5/214) : " أما إن فيه تحقيق معنى الستر فلأن الشيء كلما كثرت شروطه قلّ وجوده , فإن وجوده إذا توقف على أربعة ليس كوجوده إذا توقف على اثنين منها فيتحقق بذلك الاندراء " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6927)
قتل الساحر قد يكون ردة وقد يكون حداً
[السُّؤَالُ]
ـ[هل قتل الساحر ردة أو حداً؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"قتل الساحر قد يكون حداً، وقد يكون ردة بناءً على التفصيل في كفر الساحر، فمتى حكمنا بكفره فقتله ردة، وإذا لم نحكم بكفره فقتله حد.
وانظر جواب السؤال رقم (69914) .
والسحرة يجب قتلهم سواءً قلنا بكفرهم أم لا، لعظم ضررهم، وفظاعة أمرهم، فهم يفرقون بين المرء وزوجه، وكذلك العكس، فهم قد يعطفون فيؤلفون بين الأعداء، ويتوصلون بذلك إلى أغراضهم، كما لو سحر امرأة ليزني بها، فيجب على ولي الأمر قتلهم بدون استتابة ما دام أنه حد؛ لأن الحد إذا بلغ الإمام، لا يستتاب صاحبه، بل يقام بكل حال.
أما الكفر فإنه يستتاب صاحبه، وبهذا نعرف خطأ من أدخل حكم المرتد في الحدود، وذكروا من الحدود حد الردة؛ لأن قتل المرتد ليس من الحدود، لأنه إذا تاب انتفى عنه القتل، ثم إن الحدود كفارة لصاحبها، وليس بكافر، والقتل بالردة ليس بكفارة وصاحبه كافر لا يصلى عليه، ولا يغسل ولا يدفن في مقابر المسلمين.
فالقول بقتل السَحَرَةِ موافق للقواعد الشرعية؛ لأنهم يسعون في الأرض فساداً، وفسادهم من أعظم الفساد، وإذا قُتِلوا سلم الناس من شرهم، وارتدع الناس عن تعاطي السحر" انتهى.
"مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد صالح العثيمين" (2/179) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6928)
هل يجوز للحاكم أن يعطل بعض الحدود في بعض الأوقات؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للحاكم المسلم تعطيل بعض الحدود في أوقات كما فعل عمر رضي الله عنه عندما أسقط حد السرقة عام الرمادة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" الواجب على المسلمين أن يقيموا فرائض الله في حدوده، كما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو يخطب على منبر النبي صلى الله عليه وسلم حين ذكر رجم الزاني المحصن قال: (وإني أخاف إن طال بالناس زمان أن يقولوا: لا نجد الرجم في كتاب الله؛ فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله عز وجل) فبين أن هذا فريضة، ولا شك أنه فريضة، لأن الله أمر به فقال: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا) المائدة/38، وقال: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ) النور/2، وقال: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا) المائدة/33، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما أهلك من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) .
ولا يجوز أن تعطل هذه الحدود بأي حال من الأحوال، وما روي عن عمر رضي الله عنه أنه أسقط الحد عام المجاعة فإن هذا يحتاج إلى شيئين:
الشيء الأول: صحة النقل، فإننا نطالب من ادعى ذلك بصحة النقل إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
الأمر الثاني: أن عمر رضي الله عنه إنما رفع الحد من أجل الشبهة القائمة، فإن الناس في مجاعة، والإنسان قد يأخذ الشيء للضرورة إليه لا لتشبعٍ به، ومعلوم أن المضطر إلى الطعام يجب على المسلمين إطعامه؛ فخشي عمر رضي الله عنه أن يكون هذا السارق مضطراً إلى الطعام ومُنع منه، فتحين الفرصة فسرق، هذا هو اللائق بعمر رضي الله عنه إن صح الأثر المنسوب إليه في أنه أسقط أو رفع الحد: حد السارق عام المجاعة.
أما حكامنا اليوم فلا يوثق بدينهم، يعني أكثرهم لا يوثق بدينه، ولا يوثق بنصحه للأمة، ولو فتح الباب لقال هؤلاء الحكام – وأعني بذلك بعضهم – لقالوا: إقامة الحد في هذا العصر لا يناسب؛ لأن أعداءنا من الكفار يتهموننا بأننا همج، وأننا وحوش، وأننا نخالف ما يجب من مراعاة حقوق الإنسان؛ ثم يرفع الحدود كلياً كما هو الواقع الآن في أكثر بلاد المسلمين مع الأسف؛ حيث عطلت الحدود من أجل مراعاة أعداء الله.
ولهذا لما عطلت الحدود كثرت الجرائم وصار الناس – حتى الحكام الذين تابعوا الكفار في هذا الأمر – في حيرة ماذا يفعلون في هذه الجرائم " انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
"فتاوى علماء البلد الحرام" (ص 483، 484) .
وبيان هذا: أن من شروط وجوب إقامة الحد على السارق: ألا يكون له شبهة في المال المسروق، فعمر رضي الله عنه لم يقم الحد لأنه لم تتوفر فيه شروط وجوبه، والذي يسرق في زمن المجاعة له شبهة في هذا المال، فلم يسقط عمر رضي الله عنه الحد أو عطله بعد وجوبه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6929)
حكم تدخين أنواع الحشيشة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يحرم على تدخين الماريجوانا من حين لآخر وخاصة عندما أكون متوترا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحشيشة محرمة بجميع أنواعها الماريجوانا وغيرها.
قال العلامة ابن حجر الهيتمي في "الفتاوى الفقهية" (4/233) وهو يتحدث عن الحشيشة:
" والأصل في تحريمها ما رواه أحمد في مسنده وأبو داود في سننه بسند صحيح عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها قالت: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر) قال العلماء المفتر كل ما يورث الفتور والخدر في الأطراف، وهذا الحديث فيه دليل على تحريم الحشيش بخصوصه، فإنها تسكر وتخدر وتفتر، ولذلك يكثر النوم لمتعاطيها، وحكى القرافي وابن تيمية الإجماع على تحريمها، قال: ومن استحلها فقد كفر. قال: وإنما لم تتكلم فيها الأئمة الأربعة رضي الله تبارك وتعالى عنهم لأنها لم تكن في زمنهم، وإنما ظهرت في آخر المائة السادسة وأول المائة السابعة حين ظهرت دولة التتار " انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى الكبرى" (3/425) : " أكل هذه الحشيشة الصلبة حرام , وهي من أخبث الخبائث المحرمة , وسواء أكل منها قليلا أو كثيرا " انتهى.
وتعاطي المسكرات حرام مهما كانت طريقة التعاطي.
قال العلامة ابن قاسم الشافعي في "حاشيته على تحفة المحتاج بشرح المنهاج" (9/167) وهو يبين من هو شارب المسكر قال: " والمراد بالشارب المتعاطي، شرباً كان أو غيره، وسواء فيه المتفق على تحريمه والمختلف فيه، وسواء جامده ومائعه، مطبوخه ونيئه " انتهى.
والشريعة إنما حرمت تناول المخدرات والمسكرات لما فيها من أضرار بالغة على العقل والنفس والأسرة والمجتمع وقد بَيَّنا بعضا من تلك الأضرار في جواب السؤال رقم 66227.
أما التوتر والقلق فكن على يقين أن دواءه ليس في تدخين الحشيشة أو غيرها من المحرمات، فلم يجعل الله شفاء هذه الأمة فيما حرم عليها، ففي صحيح مسلم (3670) : أَنَّ طَارِقَ بْنَ سُوَيْدٍ الْجُعْفِيَّ رضي الله عنه سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَمْرِ، فَنَهَاهُ، أَوْ كَرِهَ أَنْ يَصْنَعَهَا، فَقَالَ إِنَّمَا أَصْنَعُهَا لِلدَّوَاءِ، فَقَالَ: (إِنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ، وَلَكِنَّهُ دَاءٌ) .
وإذا أردت طرد القلق عن نفسك فإننا نوصيك بجملة أمور منها:
1ـ كثرة الاستغفار بحضور قلب.
2- التوضؤ والصلاة فإنها من أعظم أسباب العون على الصبر على المكاره وطرد الغم.
3ـ كثرة ذكر الله تعالى، فإنه سبيل أكيد لحصول الطمأنينة والسكينة.
4ـ كثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ففي سنن الترمذي (2381) : قَالَ أُبَيٌّ رضي الله عنه: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ، فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي؟ فَقَالَ: (مَا شِئْتَ) قَالَ: قُلْتُ الرُّبُعَ؟ قَالَ: (مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ) قُلْتُ: النِّصْفَ؟ قَالَ: (مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ) قَالَ: قُلْتُ: فَالثُّلُثَيْنِ؟ قَالَ: (مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ) قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا. قَالَ: (إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ، وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ) . وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي.
هذا بالإضافة إلى اجتناب أسباب التوتر والقلق بقدر المستطاع، فإن كان مصدر ذلك القلق التوتر هموم مستقبلة كأسباب الرزق ونحوها، فعليك بحسن الظن بالله تعالى وصدق الاعتماد عليه، فقد قال جل شأنه: (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق/3.
وفقنا الله وإياك لكل خير
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6930)
أسباب عقوبة القتل في الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أعرف أسباب ومسوغات وشروط تطبيق حد الإعدام (القتل) في الإسلام.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عقوبة الإعدام (القتل) تثبت في حق الشخص إذا انطبقت عليه الأوصاف التالية:
1- المرتد، وهو من كفر بعد إسلامه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: " من بدل دينه فاقتلوه " رواه البخاري (6524) .
2- الزاني المحصن: وعقوبته الرجم بالحجارة حتى الموت.
والمحصن: هو من تزوج ووطيء زوجته في قبلها في نكاح صحيح، وهما حران عاقلان بالغان، فإذا زنى المُحصن أو زنت المُحصنة فإنهما يُرجمان حتى الموت؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة والثيب بالثيب جلد مائة والرجم " رواه مسلم (1690) .
ولما روى البخاري (2725) ومسلم (1698) عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني رضي الله عنهما أنهما قالا: " إن رجلا من الأعراب أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: أنشدك الله إلا قضيت لي بكتاب الله.
فقال الخصم الآخر - وهو أفقه منه - نعم فاقض بيننا بكتاب الله وأذن لي.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قل.
قال: إن ابني كان عسيفا على هذا (أي استأجره ليعمل عنده) فزنى بامرأته.
وإني أُخبرت أن على ابني الرجم، فافتديت منه بمائة شاة ووليدة.
فسألت أهل العلم فأخبروني أنما على ابني جلد مائة وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله؛ الوليدة والغنم رد، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام.
واغد يا أنيس (وهو أحد الصحابة) إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها.
قال فغدا عليها فاعترفت فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجمت.
والعسيف: الأجير.
3- القاتل عمدا: يقتل قصاصا إلا إن عفى عنه أولياء المقتول أو رضوا بالدية؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ) البقرة / 178 وقوله: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة / 179
ولقوله صلى الله عليه وسلم: " لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة" رواه البخاري (6484) ومسلم (1676) .
4- قاطع الطريق، وهو المحارب؛ لقوله تعالى: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) المائدة / 33.
5- الجاسوس. وهو من يتجسس على المسلمين وينقل أخبارهم إلى أعدائهم.
ودليل ذلك ما رواه البخاري (3007) ومسلم (2494) أن حَاطِب بْن أَبِي بَلْتَعَةَ كتب إِلَى أُنَاسٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا حَاطِبُ، مَا هَذَا؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لا تَعْجَلْ عَلَيَّ، إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ، وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا، وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ بِمَكَّةَ يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ، فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ مِنْ النَّسَبِ فِيهِمْ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي، وَمَا فَعَلْتُ كُفْرًا وَلا ارْتِدَادًا وَلا رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَقَدْ صَدَقَكُمْ. قَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ. قَالَ: إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَكُونَ قَدْ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ.
ووجه الاستدلال من الحديث إقرار النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمر على استحقاق حاطب القتل على هذا الفعل، غير أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخبره أن هناك مانعاً وهو أنه ممن شهدوا غزوة بدر.
قال ابن القيم في "زاد المعاد" (2/115) عن حديث حاطب بن أبي بلتعة:
استدل به من لا يرى قتل المسلم الجاسوس كالشافعي وأحمد وأبي حنيفة رحمهم الله، واستدل به من يرى قتله كمالك وابن عقيل من أصحاب أحمد رحمه الله وغيرهما، قالوا: لأنه علل بعلة مانعة من القتل غير موجودة وهي شهود بدر، ولو كان الإسلام مانعا من قتله لم يعلل بأخص منه وهو شهوده بدراً اهـ بتصرف.
وقال في موضع آخر من " زاد المعاد " (3/422) :
والصحيح أن قتله –يعني الجاسوس- راجع إلى رأي الإمام فإن كان قتله مصلحة للمسلمين قتله، وإن كان استبقاؤه أصلح استبقاه والله أعلم اهـ.
ويدخل فيما سبق: قتل تارك الصلاة والساحر والزنديق، لدخولهم تحت قوله صلى الله عليه وسلم " التارك لدينه المفارق للجماعة ".
وأما شروط تنفيذ هذه العقوبة، فكثيرة، ولكل جريمة شروطها الخاصة بها، وينظر تفصيلها في كتب الفقهاء.
ولمعرفة الحكمة من قتل المرتد والزاني المحصن، انظر السؤال رقم 20327
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6931)
الشهود الأربعة في حد الزنى فقط
[السُّؤَالُ]
ـ[أتساءل: ما هي الأمور المطلوبة من الأربعة الشهود في المحاكمة المقامة في محكمة إسلامية؟ وما المقصود من هذه المتطلبات؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الشهادة في الفقه الإسلامي إحدى بينات الإثبات، ذكرها الله عز وجل في كتابه الكريم في مواضع عدة، وأثبت الحكم بها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، ولها في كتب الفقه حظ وافر من الشرح والتفصيل والبيان.
والذي نحب التنبيه عليه في هذا الباب – مما يتعلق بالسؤال – أمور ثلاثة:
الأمر الأول:
أن نصاب الشهود المطلوب يختلف بحسب الأمر المشهود به، وليس ثمة عدد محدد لجميع أنواع الشهادة، فمن الأمور ما تقبل فيها شهادة عدل واحد، ومنها ما يشترط لها شاهدان، ومنها ما يشترط لها أربعة شهود. ولا شك أن هذا من كمال التشريع الإسلامي وحكمته البالغة، حيث روعيت فيه أقدار المواضيع من حيث الأهمية والخطورة والتأثير، ووضعت لها ما يناسبها في أبواب الشهادة ونصاب الشهود.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (26/226-229) :
" يختلف عدد الشهود في الشهادات بحسب الموضوع المشهود به:
أ - من الشهادات ما لا يقبل فيه أقل من أربعة رجال، لا امرأة بينهم، وذلك في الزنا، لقوله تعالى: (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء. .) الآية. وعن أبي هريرة أن سعد بن عبادة قال: يا رسول الله! إن وجدت مع امرأتي رجلا أأمهله حتى آتي بأربعة شهداء؟ قال: نعم. رواه مسلم.
ب - ومنها ما يقبل فيه شاهدان لا امرأة فيهما، وهو ما سوى الزنى من الحدود والقصاص، كالقطع في السرقة، وحد الحرابة، والجلد في الخمر، وهذا باتفاق الفقهاء.
وذهب جمهور الفقهاء إلى أن ما يطلع عليه الرجال غالبا، مما ليس بمال ولا يقصد منه مال: كالنكاح، والطلاق، والرجعة، والإيلاء، والظهار، والنسب، والإسلام، والردة، والجرح، والتعديل، والموت والإعسار، والوكالة، والوصاية، والشهادة على الشهادة، ونحو ذلك، فإنه يثبت عندهم بشهادة شاهدين لا امرأة فيهما. ودليلهم في ذلك أن الله تعالى نص على شهادة الرجلين في الطلاق والرجعة والوصية.فأما الطلاق والرجعة فقوله تعالى: (فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم) . وأما الوصية فقوله: (إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم) . وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في النكاح: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل) أخرجه البيهقي. وروى مالك عن الزهري أنه قال: " مضت السنة بأنه لا تجوز شهادة النساء في الحدود ولا في النكاح والطلاق " وقيس عليها ما شاركها في الشرط المذكور.
ج - وقال الحنفية: ما يقبل فيه شاهدان، أو شاهد وامرأتان هو ما سوى الحدود والقصاص سواء أكان الحق مالا أم غير مال، كالنكاح والطلاق والعتاق والوكالة والوصاية. ودليله قوله تعالى: (واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء)
وقصر الجمهور قبول شهادة الرجلين أو الرجل والمرأتين على ما هو مال أو بمعنى المال، كالبيع، والإقالة، والحوالة، والضمان، والحقوق المالية، كالخيار، والأجل، وغير ذلك.
د - ومنها ما تقبل فيه شهادة النساء منفردات، وهو الولادة والاستهلال والرضاع، وما لا يجوز أن يطلع عليه الرجال الأجانب من العيوب المستورة.
ولكنهم اختلفوا في العدد الذي تثبت به هذه الأمور من النساء على خمسة أقوال.
و ومنها ما تقبل فيه شهادة شاهد واحد، فتقبل شهادة الشاهد الواحد العدل بمفرده في إثبات رؤية هلال رمضان استدلالا بحديث ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: تراءى الناس الهلال، فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أني رأيته فصامه وأمر الناس بصيامه. رواه أبوداود. " انتهى باختصار.
الأمر الثاني:
أن شهادة الأربعة على وقوع الزنى يشترط فيه – زيادة على الإسلام والحرية والعدالة – الوصف بالمعاينة وصفا دقيقا، ولا يكفي وصف المشهد العام لاجتماع الرجل والمرأة الأجنبية ولو كانا عاريين، وهذا من خصائص هذه الشهادة أيضا.
يقول ابن رشد رحمه الله:
" وأما ثبوت الزنا بالشهود: فإن العلماء اتفقوا على أنه يثبت الزنا بالشهود، وأن العدد المشترط في الشهود أربعة بخلاف سائر الحقوق، لقوله تعالى: (ثم لم يأتوا بأربعة شهداء) وأن من صفتهم أن يكونوا عدولا، وأن من شرط هذه الشهادة أن تكون بمعاينة فرجه في فرجها، وأنها تكون بالتصريح لا بالكناية " انتهى.
"بداية المجتهد" (2/439) .
يقول الإمام الماوردي رحمه الله:
" أما صفة الشهادة في الزنا فلا يجزئ أن يقول الشهود: رأيناه يزني. حتى يصفوا ما شاهدوه من الزنا، وهو أن يقولوا: رأينا ذكره يدخل في فرجها كدخول المرود في المكحلة: لثلاثة أمور:
أحدها: أن النبي صلى الله عليه وسلم تثبت ماعزا في إقراره فقال: أدخلت ذلك منك في ذلك منها، كدخول المرود في المكحلة والرشا في البئر؟ فقال: نعم. فأمر برجمه.
فلما استثبته في الإقرار كان أولى أن يستثبت في الشهادة.
والثاني: أن الشهود على المغيرة بن شعبة بالزنا لما شهدوا به عند عمر رضي الله عنه، وهم أبو بكرة، ونافع، ونفيع، وزياد، فصرح بذلك أبو بكرة، ونافع، ونفيع، فأما زياد فقال له عمر: قل ما عندك، وأرجو أن لا يهتك الله صحابيا على لسانك. فقال زياد: رأيت نفسا تعلو، أو استا تنبو، ورأيت رجليها على عنقه كأنهما أذنا حمار، ولا أدري يا أمير المؤمنين ما وراء ذلك، فقال عمر: الله أكبر. فأسقط الشهادة ولم يرها تامة.
ولمعرفة براءة المغيرة بن شعبة من هذه التهمة انظر جواب السؤال رقم 120030
والثالث: أن الزنا لفظ مشترك. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: العينان تزنيان وزناهما النظر، واليدان تزنيان وزناهما اللمس، ويصدق ذلك ويكذبه الفرج.
فلذلك لزم في الشهادة نفي هذا الاحتمال بذكر ما شاهده من ولوج الفرج في الفرج " انتهى.
"الحاوي" (13/227) .
الأمر الثالث:
أن تخصيص الشهادة على الزنا بهذا التشديد فيه مزيد احتياط وصيانة للأعراض، كي لا يتساهل الناس في الطعن ولا في القذف.
وباشتراط البينة بهذا التدقيق لا يكاد حد الزنى يقام على أحد إن لم يعترف، ومن أقيم عليه بسبب مشاهدة أربعة رجال له هذه المشاهدة الدقيقة فذلك دليل على جرأة ووقاحة يستحق عليها العقوبة الرادعة.
يقول الإمام الماوردي رحمه الله:
" الشهادات تتغلظ بتغليظ المشهود فيه، فلما كان الزنا واللواط من أغلظ الفواحش المحظورة وآخرها، كانت الشهادة فيه أغلظ: ليكون أستر للمحارم، وأنفى للمعرة " انتهى.
"الحاوي" (13/226) .
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" والشهادة على الزنا لا يكاد يقام بها حد وما أعرف حدا أقيم بها وإنما تقام الحدود إما باعتراف وإما بحبل..".
"منهاج السنة النبوية" (6/95) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6932)
حكم أخذ الكتب خلسة من جده للاستفادة منها والاحتفاظ بها
[السُّؤَالُ]
ـ[لي جدٌّ بخيل بمالهِ.. وعنده شيءٌ من الكتب المفيدة التي اشتراها لما كان في مرحلة شبابه.. منها كتبٌ علميةٌ مفيدةٌ وبعضها منقطع من الأسواق ولا يوجد.. وأنا طالب علمٍ أريد الاستفادة منها وهو يمنعني من ذلك.. فهل يجوز لي أخذها خلسةً والاستفادة منها والاحتفاظ بها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز الاعتداء على مال الغير بالسرقة أو النهب أو الغصب أو أخذه من غير إذنه، ولو على سبيل الاستعارة، وحكم الكتب في ذلك حكم غيرها من الأموال، ولهذا أوجب جمهور العلماء قطع يد سارقها.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (9/98) : " فإن سرق مصحفا , فقال أبو بكر والقاضي: لا قطع فيه. وهو قول أبي حنيفة ...
واختار أبو الخطاب وجوبَ قطعه , وقال: هو ظاهر كلام أحمد , فإنه سئل عمن سرق كتابا فيه علم لينظر فيه , فقال: كل ما بلغت قيمته ثلاثة دراهم فيه القطع. وهذا قول مالك , والشافعي , وأبو ثور , وابن المنذر ; لعموم الآية في كل سارق ...
ولا خلاف بين أصحابنا في وجوب القطع بسرقة كتب الفقه والحديث وسائر العلوم الشرعية" انتهى باختصار.
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (34/193) : " ذهب المالكية والشافعية والحنابلة وأبو يوسف من الحنفية إلى إقامة الحد على من سرق كتبا نافعة , كالتفسير والحديث والفقه وغيرها من العلوم النافعة إذا بلغت قيمة المسروق نصابا" انتهى.
فليس لك أن تأخذ هذه الكتب خلسة، ولا أن تحتفظ بها، وإنما يلزمك الاستئذان، فإن أذن لك فبها ونعمت، وإلا فلا حق لك في أخذها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ) رواه أحمد (20172) وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (7662) .
وليس هذا هو الطريق الوحيد لطلب العلم، فيمكنك الاتفاق مع جدك أن تذهب إلى بيته وتقرأ هذه الكتب عنده، ولا تخرج بها.
أو تذهب إلى المكتبات العامة، وستجد فيها إن شاء الله من الكتب المفيدة الشيء الكثير.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6933)
من أتى بهيمة عزر وقتلت البهيمة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أكل لحم شاة اعتدى عليها شخص جنسيا؟ وهل يجوز شرب حليبها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
البهيمة التي يعتدى عليها بالوطء، تقتل، ولا يؤكل لحمها، فإن كانت للواطيء فهي هدر، وإن كانت لغيره لزمه ضمانها.
وأما الفاعل فإنه يعزّر، وقيل: يقتل؛ لحديث ورد في ذلك لكنه ضعيف.
روى الترمذي (1455) وأبو داود (4464) وابن ماجه (2564) عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ وَجَدْتُمُوهُ وَقَعَ عَلَى بَهِيمَةٍ فَاقْتُلُوهُ وَاقْتُلُوا الْبَهِيمَةَ) فَقِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: مَا شَأْنُ الْبَهِيمَةِ؟ قَالَ: مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ شَيْئًا، وَلَكِنْ أَرَى رَسُولَ اللَّهِ كَرِهَ أَنْ يُؤْكَلَ مِنْ لَحْمِهَا أَوْ يُنْتَفَعَ بِهَا وَقَدْ عُمِلَ بِهَا ذَلِكَ الْعَمَلُ. والحديث ضعفه أبو داود والطحاوي، وقال الترمذي عقبه: " وقد روى سفيان الثوري عن عاصم عن أبي رزين عن ابن عباس أنه قال: (من أتى بهيمة فلا حد عليه) حدثنا بذلك محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا سفيان الثوري، وهذا أصح من الحديث الأول، والعمل على هذا عند أهل العلم وهو قول أحمد وإسحاق ".
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (24/33) : " ذهب جماهير الفقهاء إلى أنه لا حد على من أتى بهيمة لكنه يعزر , لما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: من أتى بهيمة فلا حد عليه. ومثل هذا لا يقوله إلا عن توقيف , ولأن الطبع السليم يأباه فلم يحتج إلى زجر بحد. وعند الشافعية قول: إنه يحد حد الزنى وهو رواية عن أحمد , وعند الشافعية قول آخر: بأنه يقتل مطلقا محصنا كان أو غير محصن ... ومذهب جمهور الفقهاء (الحنفية والمالكية والشافعية) أنه لا تقتل البهيمة , وإذا قتلت فإنها يجوز أكلها من غير كراهة إن كانت مما يؤكل عند المالكية والشافعية , ومنع أبو يوسف ومحمد أكلها. وقالا: تذبح وتحرق. وأجازه أبو حنيفة , وقد صرح الحنفية بكراهة الانتفاع بها حية وميتة.
وذهب الحنابلة إلى أن البهيمة تقتل سواء كانت مملوكة له أو لغيره. وسواء كانت مأكولة أو غير مأكولة. وهذا قول عند الشافعية , لما روى ابن عباس مرفوعا قال: (من وقع على بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة) . وعند الشافعية قول آخر: إنها تذبح إن كانت مأكولة , وصرحوا بحرمة أكلها إن كانت من جنس ما يؤكل " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " فلو أولج الإنسان في بهيمة عزّر، وقتلت البهيمة على أنها حرام جيفة، فإن كانت البهيمة له فاتت عليه، وإن كانت لغيره وجب عليه أن يضمنها لصاحبها. وقيل إن من أتى بهيمة قتل لحديث ورد في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من وجدتموه على بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة) وهذا عام أخذ به بعض أهل العلم، وقالوا: إن فرج البهيمة لا يحل بحال، فيكون كاللواط، ولكن الحديث ضعيف، ولهذا عدل أهل العلم لمّا ضعف الحديث عندهم إلى أخف الأمرين، وهو قتل البهيمة، وأما الآدمي فلا يقتل؛ لأن حرمته أعظم، ولكن يعزر لأن ذلك معصية، والقاعدة العامة أن التعزير واجب في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة " انتهى من "الشرح الممتع" (14/245) .
وقال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (9/60) : " واختلف في علة قتلها , فقيل: إنما قتلت لئلا يعير فاعلها , ويذكر برؤيتها. وقد روى ابن بطة بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من وجدتموه على بهيمة فاقتلوه، واقتلوا البهيمة. قالوا: يا رسول الله ما بال البهيمة؟ قال: لا يقال هذه وهذه) . وقيل: لئلا تلد خلقا مشوها. وقيل: لئلا تؤكل. وإليها أشار ابن عباس في تعليله " انتهى.
وبهذا يعلم أن الشاة الموطوءة لا ينتفع بلبنها ولا تترك، بل تقتل ويتخلص منها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6934)
لم ينفرد عمر بن الخطاب بمعرفة آية الرجم
[السُّؤَالُ]
ـ[في صحيح البخاري في باب الأحكام أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (لولا أن يقول الناس عن آية الرجم لكتبتها بيدي) لماذا لا يعلم هذه الآية سوى عمر؟ وكيف نحاجج من يسأل ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
روى البخاري (6830) ومسلم (1691) عن ابن عباس رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب صعد المنبر فخطب الجمعة، وكان مما قال رضي الله عنه فقال: (إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، فَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةُ الرَّجْمِ، فَقَرَأْنَاهَا، وَعَقَلْنَاهَا، وَوَعَيْنَاهَا، رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ، فَأَخْشَى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: وَاللَّهِ مَا نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ، وَالرَّجْمُ فِي كِتَابِ اللَّهِ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أُحْصِنَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، إِذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ، أَوْ كَانَ الْحَبَلُ، أَوْ الِاعْتِرَافُ) . زاد أبو داود (4418) : (وَايْمُ اللَّهِ، لَوْلَا أَنْ يَقُولَ النَّاسُ: زَادَ عُمَرُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، لَكَتَبْتُهَا) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
هذا الحديث رواه البخاري في صحيحه في عدة مواضع: (6829) و (6830) في كتاب الحدود. و (7626) في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، وليس فيها اللفظ الوارد في السؤال (لولا أن يقول الناس.......إلخ) .
وقد ذكرها البخاري في كتاب الأحكام معلقة، بلا إسناد: قال عمر: لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبت آية الرجم بيدي.
ومثل هذا لا يقال فيه: رواه البخاري في صحيحه، إلا أن يقال مع ذلك: إنه رواه معلقاً، فيقال: رواه البخاري معلقاً.
وقد رواها أبو داود موصولةً وصححه الألباني كما سبق.
ثانياً:
يجاب على من يسألون: لماذا لم يعلم هذه الآية سوى عمر؟
بأن يقال: لم ينفرد عمر بن الخطاب رضي الله عنه بمعرفة هذه الآية، فقد ورد عن جماعة من الصحابة إثباتها.
روى ابن ماجه (1944) عن عائشة رضي الله عنها قالت: (لقد نزلت آية الرجم، وكانت في صحيفة تحت سريري) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه.
وروى الإمام أحمد (1214) عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه إثباتها، غير أن إسناده ضعيف.
وذكر الحافظ في "فتح الباري" أنه ورد إثبات هذه الآية عن أبي بن كعب وزيد بن ثابت رضي الله عنهما.
وقد أثبت عمر رضي الله عنه هذه الآية على المنبر في خطبة الجمعة، وكان حاضراً في تلك الخطبة علماء الصحابة وفقهاؤهم وكبراؤهم، وأقروه على إثبات هذه الآية، ولم ينكر عليه أحد منهم، فكيف يقال بعد ذلك: إنها لم يعلمها غير عمر؟!
ثالثاً:
آية الرجم مما يذكره العلماء في "أصول الفقه" من مبحث "النسخ" أنها مما نسخ لفظه وبقي حكمه، فلم تَعُدْ أية من القرآن الكريم، ولكن حكمها باقٍ لم ينسخ، ولعل هذا هو السبب الذي جعل عمر رضي الله عنه لا يكتبها في المصحف، لأنها لما نسخت تلاوتها لم تَعُدْ من القرآن فلا يجوز أن تكتب فيه.
وانظر: "المنتقي شرح الموطأ" حديث رقم (1560) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6935)
إذا تاب القاذف هل تقبل شهادته؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا تاب القاذف من القذف، واستقام، هل تقبل شهادته، أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
رتب الله تعالى على القذف ثلاث عقوبات، وهي: الحد، وعدم قبول الشهادة، والوصف بالفسق.
فقال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) النور/4-5.
أما الحد فقد أجمع العلماء على أن حد القذف ثمانون جلدة إذا كان القاذف حراً، رجلاً كان أم امرأة؛ لقول الله تعالى: (فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً) النور/4.
وأما عدم قبول شهادته، فقد اتفق العلماء على أن القاذف لا تقبل له شهادة ما دام لم يتب، لأنه ارتكب معصية كبيرة وهي القذف ولم يتب منها ففقد العدالة، والعدالة شرط لقبول الشهادة، ولأنه كاذب وفاسق بنص الآية الكريمة: (وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ) ، (لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُوْلَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمْ الْكَاذِبُونَ) النور/13.
والفاسق والكاذب لا تقبل له شهادة، لقول الله تعالى: (وَأَشْهِدُوا ذَوَى عَدْلٍ مِنْكُمْ) فيشترط في الشاهد أن يكون عدلاً، والفاسق والكاذب ليس عدلاً.
فإن تاب من القذف وكَذَّب نفسه، فذهب جمهور العلماء (مالك والشافعي وأحمد) إلى قبول شهادته، قالوا:
1- لأن التوبة تهدم ما كان قبلها من الذنوب، فإذا تاب فقد محي ذلك الذنب وأثره تماماً، وعدم قبول الشهادة من آثار ذلك الذنب.
قال الإمام الشافعي في "الأم" (7/94) :
"فإذا أكذب نفسه قبلت شهادته، وإن لم يفعل لم تقبل، حتى يفعل، لأن الذنب الذي ردت به شهادته هو القذف، فإذا أكذب نفسه فقد تاب" انتهى.
2- ولأن تأبيد عدم قبول الشهادة في الآية مقيد بما إذا استمر على الفسق، ولذلك ذكر بعدها الحكم عليه بالفسق: (وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ) فإذا زال عنه وصف الفسق زال عنه سبب رد شهادته.
3- أنه ورد عن عمر رضي الله عنه أنه قال لمن قذفوا المغيرة بن شعبة بعدما جلدهم الحد، قال: (من تاب قبلت شهادته) رواه البخاري تعليقاً مجزوماً به.
وتوبته: أن يكذب نفسه في اتهام المقذوف بالزنى، ولهذا جاء لفظ عمر عند ابن جرير: (من كذب نفسه قبلت شهادته) .
فإذا تاب القاذف واستقام قُبلت شهادته، كغيره من المسلمين العدول.
"المغني" (12/386) ، "المجموع" (22/98-101) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6936)
لا يجوز استبدال رجم الزاني بقتله بطريقة أخرى
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز تبديل رجم الزاني المحصن بالحجارة بقتله بالسيف أو بإطلاق النار؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب رجم الزاني المحصن المكلف حتى يموت اقتداءً بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم حيث ثبت عنه ذلك بقوله وفعله وأمره، فقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ماعزاً والجهنية والغامدية واليهوديين وثبت ذلك بأحاديث صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم وأجمع أهل العلم من الصحابة رضي الله عنهم والتابعين ومن بعدهم على ذلك، ولم يخالف في ذلك إلا من لا يعتد بخلافه، فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن ابن عابس رضي الله عنهما عن عمر رضي الله عنه أنه قال: (إن الله بعث محمداً بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل الله آية الرجم، فقرأناها وعقلناها ووعيناها، فرجم رسول الله ورجمنا بعده فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البيّنة أو كان الحبل أو الاعتراف ... ) إلخ.
وعلى ذلك لا يجوز استبدال الرجم بالقتل بالسيف أو إطلاق النار عليه لأن الرجم أشد نكالاً وتغليظاً وردعاً عن فاحشة الزنا الذي هو أعظم ذنب بعد الشرك، وقتل النفس التي حرّم الله، ولأن حد الزنا بالرجم للمحصن من الأمور التوقيفية التي لا مجال للاجتهاد والرأي فيها، ولو كان القتل بالسيف أو إطلاق النار جائزاً في حق الزاني المحصن لفعله الرسول صلى الله عليه وسلم ولبيّنه لأمته ولفعله صحابته من بعده رضي الله عنهم.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة (22/48-49) .(5/6937)
من ارتكب حداً في بلد لا يحكم بما أنزل الله، ماذا يفعل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا ارتكتب المسلم معصية فيها حد، كالزنى، وأراد أن يطهر نفسه بإقامة الحد عليه، ولكن حكومته لا تحكم بما أنزل الله، فماذا يفعل؟ وإذا طلب من بعض أقاربه أو أصدقائه أن يقيموا الحد عليه، فهل هذا صحيح، ويغفر له ذنبه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لا يُقِيمُ الْحَدَّ إلا الإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ , وَذَلِكَ لِمَصْلَحَةِ الْعِبَادِ , وَهِيَ صِيَانَةُ أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَأَعْرَاضِهِمْ. وَالإِمَامُ قَادِرٌ عَلَى الإِقَامَةِ لِشَوْكَتِهِ , وَمَنَعَتِهِ , وَانْقِيَادِ الرَّعِيَّةِ لَهُ قَهْرًا وَجَبْرًا , كَمَا أَنَّ تُهْمَةَ الْمَيْلِ وَالْمُحَابَاةِ وَالْتَوَانِي عَنْ الإِقَامَةِ مُنْتَفِيَةٌ فِي حَقِّهِ , فَيُقِيمُهَا عَلَى وَجْهِهِ فَيَحْصُلُ الْغَرَضُ الْمَشْرُوعُ بِيَقِينٍ " اهـ. "
الموسوعة الفقهية" (17/145) .
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (21/7) :
" ولا يقيم الحدود إلا الحاكم المسلم أو من يقوم مقام الحاكم، ولا يجوز لأفراد المسلمين أن يقيموا الحدود لما يلزم على ذلك من الفوضى والفتنة "
وجاء فيها أيضاً (21/5-6) :
" لا يقيم الحدود إلا السلطان المسلم أو من ينوب عنه، من أجل ضبط الأمن، ومنع التعدي، والأمن من الحيف (الظلم) ، وعلى العاصي الاستغفار والتوبة إلى الله والإكثار من العمل الصالح، وإذا أخلص لله في التوبة تاب الله عليه، وغفر له بفضله وإحسانه. قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الفرقان/67-70، وقال: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82، وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الإسلام يهدم ما كان قبله، والتوبة تهدم ما كان) اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6938)
هل هذا الحديث مخالف لمبدأ المساواة والعدل في الإسلام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة الحديث الذي رواه أبو داود وغيره ونصه: (أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم) لأنني قرأت أن بعض الناس شكك فيه لأنه يعارض القرآن الكريم وآياته الداعية إلى إقامة المساواة والعدل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي والبيهقي وغيرهم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود) وله طرق كثيرة لا تخلو من مقال، ولكنه بمجموعها يكون حديثاً حسناً.
ومعنى الحديث: استحباب ترك مؤاخذه ذي الهيئة إذا وقع في زلة أو هفوة لم تعهد عنه إلا ما كان حداً من حدود الله تعالى وبلغ الحاكم فيجب إقامته.
والمراد بـ (ذوي الهيئات) أهل المروءة والخصال الحميدة من عامة الناس، الذين دامت طاعتهم واشتهرت عدالتهم، ولكن زلت في بعض الأحايين أقدامهم، فوقعوا في ذنب وخطأ، ورد هذا المعنى العلامة ابن القيم رحمه الله قائلاً: إن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعبر عن أهل التقوى والطاعة والعبادة بأنهم ذوو الهيئات، ولا عهد بهذه العبارة في كلام الله ورسوله للمطيعين المتقين، والظاهر أنهم ذوو الأقدار بين الناس من الجاه والشرف والسؤدد، فإن الله تعالى خصّهم بنوع تكريم وتفضيل على بني جنسهم، فمن كان منهم مستوراً مشهوراً بالخير حتى كبا به جواده، وأديل عليه شيطانه فلا نسارع إلى تأنبيه وعقوبته، بل تقال عثرته ما لم يكن حداً من حدود الله فإنه يتعيّن استيفاؤه من الشريف كما يتعيّن أخذه من الوضيع، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرق لقطعت يدها) متفق على صحته، وهذا باب عظيم من أبواب محاسن هذه الشريعة الكاملة، وسياستها للعالم وانتظامها لمصالح العباد في المعاش والمعاد. انتهى كلامه.
وبما تقدم ذكره يتبيّن أن معنى الحديث ليس معارضاً لمبدأ المساواة والعدل في الإسلام وإنما فيه رفع المؤاخذة بالخطأ والذنب الذي ليس فيه حد إذا صدر عمن لم يكن من عادته ذلك، لم يترتب على ترك تعزيره مفسدة.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة (22/18-20) .(5/6939)
تاب من الزنى، فهل لا بد من إقامة الحد عليه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوج وزوجتي في بلدي، وأنا أعمل في دولة غربية من أجل المعيشة وتعليم أولادي ولكني اقترفت جريمة الزنا، وقد ندمت وتبت إلى الله، فهل يكفي ذلك أو لا؟ أو لا بد معه من إقامة الحد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أن الزنا من كبائر الذنوب، وإن من وسائله عري النساء واختلاط الرجال بالنساء الأجنبيات، وانحلال الأخلاق وفساد البيئة على العموم، فإذا كنت قد زنيت لبعدك عن زوجتك واختلاطك بأهل الشر والفساد ثم ندمت على جريمتك وتبت إلى الله توبة صادقة، فنرجو أن يتقبل الله توبتك، ويغفر ذنبك، لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الفرقان/68-70، وقد ثبت عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه في حديث بيعة النساء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب فهو كفارة له، ومن أصاب منها شيئاً من ذلك فستره الله فهو إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له)
لكن يجب عليك أن تهاجر عن البيئة الفاسدة التي تغريك بالمعاصي، وتطلب المعيشة في غيرها من البلاد التي هي أقل شراً منها، محافظةً على دينك، فإن أرض الله واسعة، ولن يعدم الإنسان أرضاً يكسب فيها ما كتب الله له من الأرزاق، ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة (22/41-42) .(5/6940)
هل للسارق أن يعيد تركيب يده المقطوعة بعملية جراحية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[في حالة تنفيذ عقوبة قطع اليد، هل يستحق المجرم استرداد اليد المقطوعة لتركيبها مرة أخرى بعملية جراحية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يحق للسارق استرداد يده المقطوعة، لما في ذلك من الذهاب بمعالم العقوبة على الجريمة، ويتبع ذلك إضعاف معنى الزجر والردع والعظة والاعتبار، وهو مناف لكمال الجزاء والنكال في وقوله تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) المائدة/38
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة (22/220) .(5/6941)
لماذا يقتل من كفر بعد إسلامه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[عقوبة المرتد هو القتل، فلماذا هذا التشدد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عقوبة المرتد عن دين الإسلام هي القتل، قال الله تعالى: (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) البقرة/217، وثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: (من بدّل دينه فاقتلوه) رواه البخاري في صحيحه، ومعنى الحديث: من انتقل عن دين الإسلام إلى غيره واستمر على ذلك ولم يتب فإنه يقتل، وثبت أيضاً عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيّب الزاني، المارق من الدين التارك للجماعة) رواه البخاري ومسلم.
وهذا التشديد في عقوبة المرتد لأمور عديدة منها:
1. أن هذه العقوبة زجر لمن يريد الدخول في الإسلام مصانعة أو نفاقاً، وباعث له على التثبت في الأمر فلا يقدم إلا على بصيرة وعلم بعواقب ذلك في الدنيا والآخرة، فإن من أعلن إسلامه فقد وافق على التزامه بكل أحكام الإسلام برضاه واختياره، ومن ذلك أن يعاقب بالقتل إذا ارتد عنه.
2. من أعلن إسلامه فقد دخل في جماعة المسلمين، ومن دخل في جماعة المسلمين فهو مطالب بالولاء التام لها ونصرتها ودرء كل ما من شأنه أن يكون سبباً في فتنتها أو هدمها أو تفريق وحدتها، والردة عن الإسلام خروج عن جماعة المسلمين ونظامها الإلهي وجلب للآثار الضارة إليها والقتل أعظم الزواجر لصرف الناس عن هذه الجريمة ومنع ارتكابها.
3. أن المرتد قد يرى فيه ضعفاء الإيمان من المسلمين وغيرهم من المخالفين للإسلام أنه ما ترك الإسلام إلا عن معرفة بحقيقته وتفصيلاته، فلو كان حقاً لما تحوّل عنه، فيتلقون عنه حينئذ كل ما ينسبه إليه من شكوك وكذب وخرافات بقصد إطفاء نور الإسلام وتنفير القلوب منه، فقتل المرتد إذاً هو الواجب؛ حماية للدين الحق من تشويه الأفّاكين، وحفظاً لإيمان المنتمين إليه وإماطة للأذى عن طريق الداخلين فيه.
4. ونقول أيضاً: إذا كانت عقوبة القتل موجودة في قوانين البشر المعاصرة حماية للنظام من الاختلال في بعض الأحوال ومنعاً للمجتمع من الانسياق في بعض الجرائم التي تفتك به، كالمخدرات وغيرها، فإذا وُجد هذا لحماية قوانين البشر فدين الله الحق الذي لا يأيته الباطل من بين يديه ولا من خلفه والذي كله خير وسعادة وهناء في الدنيا والآخرة أولى وأحرى بأن يُعاقب من يعتدي عليه، ويطمس نوره، ويشوه نضارته، ويختلق الأكاذيب نحوه لتسويغ ردته وانتكاسه في ضلالته.
فتاوى اللجنة الدائمة (21/231-234) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6942)
حكم القتل من أجل الشرف
[السُّؤَالُ]
ـ[أود معرفة حكم القتل من أجل الشرف وكيف يمكن الأخذ بهذه العقوبة طبقا لأحكام الشريعة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
قتل المسلم بغير حق أمر عظيم وجرم كبير، قال الله عز وجل: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) النساء/93. وروى البخاري (6355) عن ابن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما) .
وقد بين لنا النبي صلى الله عليه وسلم الأسباب التي بها يباح هذا الدم فقال: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمفارق لدينه التارك للجماعة) رواه البخاري (6370) ومسلم (3175) ، فتبين من هذا أن زنى الثيب هو أحد الأسباب المبيحة للقتل، لكن لا يقتل الزاني إلا بشرطين:
الأول: أن يكون محصنا (وهو المراد بالثيب في الحديث المتقدم) ، وقد بين العلماء معنى الإحصان هنا: قال زكريا الأنصاري رحمه الله في "أسنى المطالب" (4/128) : "المحصن ذكرا كان أو أنثى كل مكلف حر وطئ أو وطئت في قُبُلٍ في نكاح صحيح " انتهى باختصار.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الزاد (6/120) الطبعة المصرية: "فالإحصان شروطه خمسة:
1ـ الجماع 2ـ في نكاح صحيح 3ـ البلوغ 4ـ العقل 5ـ الحرية" انتهى.
الشرط الثاني: ثبوت الحد عليه بأربعة شهود رجال يشاهدون الفرج في الفرج، أو أن يقر على نفسه بالزنا مختارا غير مكره.
وإذا ثبت الحد عليه؛ فإنه لا يجوز لآحاد الناس أن يقيموا هذا الحد بأنفسهم، بل يجب الرجوع فيه إلى الحاكم أو من ينوب عنه، سواء كان في إجراءات الإثبات أو التنفيذ، لأن إقامة آحاد الرعية الحدود يؤدي إلى فساد واضطراب كبيرين.
قال ابن مفلح الحنبلي رحمه الله في "الفروع" (6/53) : "تحرم إقامة حد إلا لإمام أو نائبه".
وهذا محل اتفاق بين فقهاء الإسلام، كما ورد هذا في "الموسوعة الفقهية" (5/280) : "يتفق الفقهاء على أن الذي يقيم الحد هو الإمام أو نائبه، سواء كان الحد حقا لله تعالى كحد الزنى، أو لآدمي كحد القذف" انتهى.
والستر على من وقع في هذه الفاحشة ليتوب ويصلح عمله قبل الموت خير من فضحه فضلا عن قتله، وقد أعرض النبي صلى الله عليه وسلم عن ماعز رضى الله عنه بعد أن اعترف بالزنى وتركه حتى عاد مرارا فأقام عليه الحد.
وعلى هذا؛ فما يسمى القتل من أجل الشرف اعتداء وظلم، فإنه يقتل فيه من لا تستحق القتل، وهي البكر إذا زنت، فإن عقوبتها الشرعية الجلد والنفي سنة، وليست عقوبتها القتل، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام) رواه مسلم، فمن قتلها فقد قتل نفسا مؤمنة حرم الله تعالى قتلها، وقد ورد في ذلك الوعيد الشديد إذ قال سبحانه في سورة الفرقان: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا) الفرقان/68، 69.
وعلى فرض أنها تستحق القتل (إذا كانت ثيبا وزنت) فلا يقوم بذلك إلا الحاكم – كما سبق -.
ثم إنه في حالات كثيرة يتم القتل لمجرد الشبهة والظن، من غير تحقق وقوع الفاحشة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6943)
إذا اتهمت زوجها بالزنا هل لها أن تلاعنه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أود معرفة ما هو الإجراء الذي تتبعه المرأة التى تتهم زوجها بالزنا. هل عليها أن تقسم يمين اللعان على نفسها كما فى سورة النور؟ أم أن هذا يسري فقط على الزوج الذى يتهم زوجته؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اللعان إنما يشرع لأمرين:
الأول: إذا قذف الزوج زوجته بالزنا، ولم يأت بأربعة شهود، فله إسقاط حد القذف عنه باللعان.
والثاني: أن يريد نفي الولد عنه.
والأصل في ذلك قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ... الآيات) النور/6
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: " هذه الآية الكريمة فيها فَرَجٌ للأزواج وزيادة مخرج إذا قذف أحدهم زوجته، وتعسّر عليه إقامة البينة أن يلاعنها كما أمر الله عز وجل وهو أن يحضرها إلى الإمام فيدّعي عليها بما رماها به، فيحلفه الحاكم أربع شهادات بالله في مقابلة أربعة شهداء إنه لمن الصادقين أي فيما رماها به من الزنا، والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، فإذا قال ذلك، بانت منه بنفس هذا اللعان عند الشافعي وطائفة كثيرة من العلماء، وحرمت عليه أبداً، ويعطيها مهرها ويتوجب عليها حد الزنا، ولا يدرأ عنها العذاب إلا أن تلاعن فتشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين، أي فيما رماها به والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين، ولهذا قال: (ويدرأ عنها العذاب) يعني الحد (أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين * والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين) " انتهى.
وأما الزوجة فإذا قذفت زوجها بالزنا، ولم تأت بأربعة شهود، فإنها تحد حدّ القذف؛ لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) النور/4.
وهذه الآية تشمل قذف النساء والرجال سواء.
قال القرطبي رحمه الله في تفسيره: " ذكر الله تعالى في الآية النساء من حيث هنّ أهم، ورميهن بالفاحشة أشنع وأنكى للنفوس. وقذف الرجال داخل في حكم الآية بالمعنى، وإجماع الأمة على ذلك " انتهى.
وقال الماوردي في "الأحكام السلطانية" ص 287: " وإذا قذفت المرأة زوجها حُدَّت , ولم تلاعن " انتهى.
وإذا علمت المرأة بزنا زوجها، ولم يكن لديها البينة، وهي أربعة شهود، فإن عليها أن تنصحه وتذكره وتخوفه بالله تعالى، فإن استمر في غيه، فلتطلب الطلاق منه، أو تخالعه، لأنه لا خير لها في البقاء معه، ولما قد يترتب على مجامعته لها من مضرة عليها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6944)
اختراق مواقع البنوك وتحويل أموال منها هل تعدُّ سرقة توجب القطع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يعتبر اختراق مواقع البنوك عن طريق الإنترنت وتحويل مبالغ مالية من البنك إلى حساب المخترق , هل يعتبر ذلك سرقة؟ وهل يقام على المخترق حد السرقة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
السرقة حرام، بل هي من كبائر الذنوب، حتى قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ) رواه البخاري (5578) ومسلم (57) .
ولا شك أن اختراق مواقع البنوك وتحويل الأموال منها أمر محرّم، وأكل لأموال الناس بالباطل.
وأما كون ذلك يوجب قطع اليد، فالأمر في ذلك راجع إلى القاضي الشرعي الذي رفعت له القضية.
وقطع يد السارق لا بد له من شروط، منها أن يكون المال مسروقاً من حرز (وهو ما يُحفظ فيه المال عادة)
قال الإمام القرطبي رحمه الله: " اتفق جمهور الناس على أن القطع لا يكون إلا على مَن أخرج مِن حرزٍ ما يجب فيه القطع ...
الحزر هو: ما نُصب عادةً لحفظ أموال الناس، وهو يختلف في كل شيء بحسب حاله.
قال ابن المنذر: ليس في هذا الباب خبر ثابت لا مقال فيه لأهل العلم، وإنما ذلك كالإجماع من أهل العلم " انتهى.
" تفسير القرطبي " (6 / 162) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
ما هي شروط قطع اليد في السرقة؟ .
فأجابوا:
" يشترط لقطع يد السارق تسعة شروط:
1. السرقة، وهي: أخذ المال مختفياً، فإن اختطفه أو اختلسه: فلا قطع عليه.
2. أن يكون السارق مكلَّفاً، فلا يجب الحد على الصبي، ولا المجنون.
3. أن يكون المسروق نِصاباً، فلا قطع فيما دونه، والنصاب: ربع دينار من الذهب، أو ما قيمته ذلك من غيره.
4. أن يكون المسروق مما يتمول عادة.
5. أن يكون المسروق مما لا شبهة فيه.
6. أن يسرق مِن حرز.
7. أن يُخرجه مِن الحرز.
8. أن تثبت السرقة عند الحاكم بشهادة عدلين، أو إقرار من السارق.
9. أن يأتي مالك المسروق ويدعيه.
والنظر في هذه الشروط , وتنزيلها على السرقة راجع إلى القضاء الشرعي " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (22 / 223، 224) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6945)
عقوبة من حمل الخمر وأوصلها لغيره
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أعمل في إحدى الدول الأجنبية، والحمد لله وظيفتي جيدة. بالأمس جاء أحد الأشخاص لزيارة الشركة. وقام بجلب هدايا لي ولمديري ولأحد الأشخاص الذي يعمل معي, والهدايا كانت والعياذ بالله زجاجات خمر. أنا رفضت تماماً أن أقبل هذه الهدية، ولكن طلب مني أخذ هذه الزجاجات لأعطيها لمديري والموظف الآخر، مع العلم أن أيا منهما لم يكن موجوداً في الشركة في ذلك الوقت، والشخص الضيف لا يستطيع الصعود لكي يقوم هو بإيصالها. وقمت - والله كنت خائفا جدا - بنقلهم للأعلى. أرجو من حضرتكم إبلاغي بالحكم الشرعي وهل ينطبق علي الحديث. لعن الله شارب الخمر وحاملها ... إلى نهاية الحديث. (والله إني ندمان أشد الندم) ]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الخمر يحرم شربها وبيعها وحملها والإعانة عليها بأي وجه من الوجوه، لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) المائدة/90
وروى أبو داود (3674) وابن ماجه (3380) عن ابْنِ عُمَرَ قال قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ وَشَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ) . وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
ورواه الترمذي (1295) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَمْرِ عَشْرَةً عَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَشَارِبَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةُ إِلَيْهِ وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَآكِلَ ثَمَنِهَا وَالْمُشْتَرِي لَهَا وَالْمُشْتَرَاةُ لَهُ) .
وقد أحسنت في عدم قبول هذه الهدية الخبيثة، فهكذا فعل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كما في صحيح مسلم (1579) (إِنَّ رَجُلًا أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاوِيَةَ خَمْرٍ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ عَلِمْتَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَهَا؟ قَالَ: لَا. فَسَارَّ إِنْسَانًا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِمَ سَارَرْتَهُ؟ فَقَالَ: أَمَرْتُهُ بِبَيْعِهَا. فَقَالَ: إِنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا) .
لكنك أخطأت في حملها، وقبولها لغيرك، وكان الواجب عليك أن ترفض هذا، وأن تبين لهذا المهدي حرمة الخمر، وحرمة الإعانة عليها، وألا تخشى في الله لومة لائم.
والواجب عليك الآن أن تتوب إلى الله تعالى، وأن تعزم على عدم العود لذلك أبدا.
وعليك أن تنصح لمديرك ومن معه ألا يشربوا الخمر، وأن يحذروا سوء عاقبتها فإنها أم الخبائث.
عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إِنَّ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَهْدًا لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ قَالَ عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ أَوْ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ. " رواه مسلم (3732) .
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6946)
إذا كان شارب الخمر لا تقبل صلاته أربعين يوما فهل لا يقبل حجه أيضا
[السُّؤَالُ]
ـ[طلعت مع أصدقائي وشربت معهم خمر، وأنوي الحج هذه السنة , وسمعت أن الذي يشرب الخمر لا تقبل صلاته أربعين يوم ,, هل إذا حججت هذه السنة لن يقبل حجي بسبب فعلتي القبيحة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
شرب الخمر كبيرة من كبائر الذنوب، وقد جاء في وعيد من فعل ذلك أحاديث كثيرة تدل على عظم هذه الجريمة، وعظم عقوبتها عند الله، ومن ذلك عدم قبول الصلاة مدة أربعين يوما. وقد سبق بيان ذلك في الجواب رقم (20037) و (38145) و (27143) .
وذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الأمر ليس خاصا بالصلاة، بل لا تقبل العبادات الأخرى أيضا، نسأل الله العفو والعافية.
قال المباركفوري في تحفة الأحوذي "وَقِيلَ: إِنَّمَا خَصَّ الصَّلاةَ بِالذِّكْرِ لأَنَّهَا أَفْضَلُ عِبَادَاتِ الْبَدَنِ , فَإِذَا لَمْ تُقْبَلْ فَلأَن لا يُقْبَلُ غيرها من العبادات أَوْلَى" اهـ من تحفة الأحوذي بتصرف وكذا قال العراقي والمناوي.
وقد نبهنا في الأجوبة المحال عليها إلى أمرين:
الأول: أن عدم القبول، يعني عدم حصول الثواب، ولا يعني أن يترك الإنسان العبادة، بل إذا تركها فقد اقترف ذنبا آخر، وربما كان أعظم من شرب الخمر، كترك الصلاة.
ومن كان مستطيعا للحج، فإنه يجب عليه فورا، عند جمهور العلماء، ولا يجوز له تأخيره، فإذا أخره كان آثما.
الثاني: أن هذه العقوبة على شرب الخمر إنما هي في حق من لم يتب، أما من تاب وأناب إلى الله فإن الله يتوب عليه ويتقبل منه أعماله.
وبهذا تعلم أنه يجب عليك أن تتوب إلى الله تعالى، وأن تعزم على عدم العود لذلك أبدا. وينبغي أن تكثر من الأعمال الصالحة، ومنها الحج، فإن الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة، وإذا اجتمع الحج المبرور مع التوبة، كُفّرت جميع السيئات، صغيرها وكبيرها.
والحذر الحذر من هذه الرفقة السيئة التي جرّتك إلى هذه المعصية العظيمة، وأوقعتك في هذا الإثم الكبير، فبادر بنصحهم ودعوتهم للتوبة والرجوع إلى الله، فإن استجابوا وإلا ففر منهم فرارك من الأسد، فإن المرء يحشر مع من أحب يوم القيامة، وإن صحبة الفاجر لا يأتي من ورائها إلا الخسران والبوار، قال تعالى: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا) الفرقان/27- 29
نسأل الله تعالى أن يتوب عليك ويصفح ويتجاوز عنك وأن يهديك صراطه المستقيم، ويثبتك عليه، ويصرف عنك شياطين الإنس والجن.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6947)
تحصين المجتمعات من الزنا
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يتم إحضار أربعة شهود على الزاني والزانية، في الوقت الحاضر؟ وكيف تتم نصيحة شبابنا المسلم من هذا العمل القبيح؟ جزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد للَّه
أولا:
يعد العلماء في طرق ثبوت الزنا أربعة طرق:
1- الشهادة. 2- والإقرار. 3- وحمل من لا زوج لها ولا سيد. 4- وإذا تم لعان الزوج ولم تدافعه الزوجة.
ويشترط في الشهود على الزنا أن يكونوا أربعة ممن تجوز شهادتهم، يصفون الزنا بصريح لفظه – وهو أنهم رأوا ذكر الرجل في فرج المرأة -، فإن اكتفى بعضهم بالشهادة برؤيتهما متجردين من اللباس، أو وصفوا هيئة وحركة معينة، فلا يكفي ذلك لثبوت الزنا.
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (6/157) :
" يصفون الزنا بلفظ صريح بأن يقولوا: رأينا ذكره في فرجها. لا بد من هذا، فلو قالوا رأيناه عليها متجردين، فإن ذلك لا يقبل، حتى لو قالوا نشهد بأنه كان منها كما يكون الرجل من امرأته، فإنها لا تكفي الشهادة، لا بد أن يقولوا نشهد أن ذكره في فرجها، وهذا صعب جدا، مثلما قال الرجل الذي شهد عليه في عهد عمر، لو كنت بين الأفخاذ لن تشهد هذه الشهادة. ولهذا ذكر شيخ الإسلام في عهده أنه لم يثبت الزنا عن طريق الشهادة من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى عهد شيخ الإسلام ابن تيمية، وإذا لم يثبت من هذا الوقت إلى ذلك الوقت، فكذلك لا نعلم أنه ثبت بطريق الشهادة إلى يومنا هذا؛ لأنه صعب جدا " انتهى.
وليس هذا التشديد في أمر الشهادة على الزنا إلا لتحقيق مقصد أراده الشارع، وهو الستر على العباد، وعدم إشاعة الفاحشة، وتجنيب المجتمعات الاتهام في الأعراض والطعن في الأنساب.
يقول القرطبي رحمه الله في "الجامع لأحكام القرآن" (5/83) :
" جعل الله الشهادة على الزنا خاصةً أربعةً: تغليظاً على المدَّعِي، وسترا على العباد " انتهى
ويقول الشيخ عبد الرحمن السعدي في "تفسيره" (1/563) :
" (لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ) أي: هلا جاء الرامون على ما رموا به، (بأربعة شهداء) أي: عدول مرضيين. (فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ) وإن كانوا في أنفسهم قد تيقنوا ذلك، فإنهم كاذبون في حكم الله، لأن الله حرم عليهم التكلم بذلك من دون أربعة شهود، ولهذا قال: (فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ) ولم يقل (فأولئك هم الكاذبون) وهذا كله من تعظيم حرمة عرض المسلم، بحيث لا يجوز الإقدام على رميه من دون نصاب الشهادة بالصدق " انتهى.
وانظر جواب السؤال رقم (839) ، (6926)
ثانيا:
أما تحصين شبابنا ومجتمعاتنا من هذه الفاحشة المهلكة، فلا بد له من عمل عام تقوم عليه الدول والمجتمعات، وتتضافر له جهود الجهات المختلفة، فهي مسؤولية جماعية وليست فردية، ولا يمكن تحقيق سلامة المجتمعات إلا بتكامل الأخذ بالأسباب التي تحفظ من الزنا والولوغ فيه، ومن تلك الأسباب:
1- نشر التوعية العامة بعظم إثم الزنا، وأنه من الكبائر التي اتفق العقل والشرع على قبحه وشناعته وتحريمه، وبيان أنه سبب لهلاك الأمم وحلول المصائب والكوارث في الدنيا، وأن جزاءه النار يوم القيامة.
قال الإمام أحمد: ليس بعد قتل النفس أعظم من الزنا. "غذاء الألباب" (2/435)
يقول الله تعالى: (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً) الإسراء/32
يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي في "تفسيره" (1/457) :
" ووصف الله الزنى وقبحه بأنه (كَانَ فَاحِشَةً) أي: إثما يستفحش في الشرع والعقل والفِطَر؛ لتضمنه التجري على الحرمة في حق الله وحق المرأة وحق أهلها أو زوجها وإفساد الفراش واختلاط الأنساب وغير ذلك من المفاسد. وقوله: (وَسَاءَ سَبِيلا) أي: بئس السبيل سبيل من تجرأ على هذا الذنب العظيم " انتهى.
2- توعية الشباب بالآثار السيئة المترتبة على انتشار هذه الفاحشة، والتي يتهدد استقرار الأسر والمجتمعات، كانتشار الأمراض القاتلة، وظهور أولاد الحرام، وانهيار التكوين الأسري، وتشرد الأبناء، وتلقيهم السلوكات السيئة، وارتفاع معدلات الطلاق، وانتشار الجريمة، وغير ذلك، وهي آثار تعيشها المجتمعات التي تنتشر فيها الإباحية في أسوأ صورها، مما ينذر بانحلال مجتمعاتهم، وسقوط حضارتهم.
3- العمل على تيسير الطريق الشرعي للعلاقات الجنسية، بالزواج الحلال الطيب، وذلك بالترغيب فيه وبيان ندب الشريعة إليه، وأنه من سنن المرسلين، وأن من تزوج فقد استكمل نصف الدين، وأن له أجرا في إعفافه نفسه وزوجه.
4- ومن مسؤولية المجتمع في هذا السبيل إزالة العوائق التي تؤخر الزواج، فتعالج الفقر الذي قد يكون مانعا من الزواج، وتوفر الدعم المادي للشباب الذي لا يملك ما يعف به نفسه، حتى قال القرطبي في تفسير قوله تعالى: (وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) النور/32
" زوجوا من لا زوج له منكم، فإنه طريق التعفف " انتهى. (12/239) .
وفي كتاب "الأموال" لأبي عبيد القاسم بن سلام (251) أن عمربن عبد العزيز كتب إلى واليه بالعراق: أن انظر كل بكر وليس له مال فشاء أن تزوجه فزوجه وأصدق عنه.
ويقول ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (7/587) :
" يلزم الرجل إعفاف ابنه إذا احتاج إلى النكاح، وهذا ظاهر مذهب الشافعي " انتهى.
5- وأدنى ما يمكن أن يتحمله المجتمع والآباء تجاه هذه المسألة المهمة ترك المغالاة في المهور، أو التفاخر والمباهاة بتكاليف الزواج، أو السعي إلى التكسب منها.
خطب عمر بن الخطاب على المنبر فقال:
(أَلَا لَا تُغَالُوا بِصُدُقِ النِّسَاءِ – أي مهورهن - فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَكْرُمَةً فِي الدُّنْيَا أَوْ تَقْوَى عِنْدَ اللَّهِ لَكَانَ أَوْلَاكُمْ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَصْدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ وَلَا أُصْدِقَتْ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِهِ أَكْثَرَ مِنْ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً) رواه أبو داود (2106) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
ولا يختلف المصلحون في أن استغلال الآباء مهور البنات كان واحدا من أسباب انتشار الفساد والرذيلة في المجتمعات.
يقول وول ديورانت وهو يحكي أسباب انتشار الرذيلة في بعض المجتمعات الغربية في فترة من التاريخ في كتاب "مباهج الفلسفة" (127-128) :
" ولا نزاع في أن ذلك يرجع إلى حد ما إلى ما كان يقتضيه الآباء المغرمون ببناتهم من مهر غال ثمنا لعفتهن، وقت أن كان الزواج يشترى صراحة " انتهى.
6- ومن أهم ما يقي المجتمعات رذيلة الزنا إشاعة جو المحبة والمودة بين الأزواج، والحرص على سعادة الأسرة بالحب والاحترام والصدق والوفاء وأداء الحقوق والواجبات، فإن الأسرة السعيدة والزوجين المتفاهمين المتآلفين وقاءٌ للمجتمع من الانحراف والسقوط في الفواحش بحثا عن سعادة موهومة.
7- وأخيرا لا بد من العمل على تهيئة المناخ المحافظ الملتزم المتعلق بالله سبحانه وتعالى، والذي تختفي فيه مظاهر التبرج والسفور، وتستر فيه العورات، وتمنع فيه الخمور والمعازف التي هي رقية الزنا، فإن هذه الأمور هي الوقود التي تشعل نار الفاحشة، فإذا تخلص المجتمع منها فقد أمِن من النار.
ويمكن الاستفادة بأجوبة الأسئلة الآتية المنشورة في موقعنا (20161) ، (3234) .
ومن الكتب المفيدة في هذا الموضوع كتاب " التدابير الواقية من الزن ا" تأليف د فضل إلهي فيمكن الاستفادة منه والرجوع إليه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6948)
الزنا بالمحارم أعظم إثما وجرما
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حد زنا المحارم؟ وهل هناك توبة منه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الزنى بذوات المحارم أعظم إثما من الزنى بغير المحارم، لما فيه من القطيعة والأذى والاعتداء على الرحم المأمور بصلتها، ولهذا ذهب بعض العلماء إلى أن الزاني بالمحارم يقتل مطلقا، سواء كان محصنا أو غير محصن، وهي رواية عن أحمد رحمه الله. والجمهور على أنه يحد حد الزاني، فيرجم المحصن، ويجلد غير المحصن مائة جلدة، وإن كان إثمه أعظم.
وقال في "مطالب أولي النهى" (6/181) : " وزان بذات محرم كأخته كزان بغيرها ; لعموم الأخبار وعنه ; أي: الإمام أحمد: يقتل زان بذات محرم بكل حال أي: محصنا كان أو لا , قيل له: فالمرأة؟ قال: كلاهما في معنى واحد. والمذهب ما تقدم (يعني أن الزنا بذات المحرم كغيرها) " انتهى.
وقال ابن القيم رحمه الله عن وطء الأم والبنت والأخت: " فإن النفرة الطبيعية عنه كاملة، مع أن الحد فيه من أغلظ الحدود في أحد القولين وهو القتل بكل حال محصنا كان أو غير محصن، وهذه إحدي الروايتين عن الإمام أحمد، وهو قول إسحاق بن راهويه وجماعة من أهل الحديث. وقد روى أبو داود من حديث البراء بن عازب قال: لقيت عمى ومعه الراية فقلت له: إلى أين تريد؟ قال بعثني رسول الله إلى رجل نكح امرأة أبيه من بعده أن أضرب عنقه وآخذ ماله. [صححه الألباني في إرواء الغليل (2351) ] .
وفي سنن أبي داود وابن ماجه من حديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من وقع على ذات محرم فاقتلوه) . [ضعفه الألباني في ضعيف الجامع (5524) ] .
..... وقد اتفق المسلمون على أن من زنا بذات محرم فعليه الحد، وإنما اختلفوا في صفة الحد هل هو القتل بكل حال أو حده حد الزاني؟ على قولين، فذهب الشافعي ومالك وأحمد في إحدى روايتيه إلى أن حده حد الزاني، وذهب أحمد وإسحق وجماعة من أهل الحديث إلى أن حده القتل بكل حال " انتهى من "الجواب الكافي" ص (270) باختصار.
وقد اختار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله القول بقتل الزاني بذات المحرم بكل حال.
قال: " وظاهر كلام المؤلف أنه لا فرق بين الزنا بذوات المحارم وغيرهم، ولكن بذوات المحارم فيه القتل بكل حال، لحديث صحيح ورد في ذلك، واختار ذلك ابن القيم في كتاب الجواب الكافي على أن الذي يزني بذات محرم منه فإنه يقتل بكل حال.
مثلا: لو زنى بأخته والعياذ بالله أو بعمته أو خالته أو أم زوجته أو بنت زوجته التي دخل بها، وما أشبه ذلك فإنه يقتل بكل حال؛ لأن هذا الفرج لا يحل بأي حال من الأحوال، لأنه من محارمه، ولأن هذه فاحشة عظيمة , وورد في ذلك أيضا حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم في قتل من أتى محرما من محارمه، وهو رواية عن أحمد، وهي الصحيحة أن من زنى بذوات المحارم يقتل ولو كان غير محصن " انتهى من "الشرح الممتع" (6/132) ط. هجر.
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (24/20) : " يتفاوت إثم الزنى ويعظم جرمه بحسب موارده. فالزنى بذات المحرم أو بذات الزوج أعظم من الزنى بأجنبية أو من لا زوج لها , إذ فيه انتهاك حرمة الزوج , وإفساد فراشه , وتعليق نسب عليه لم يكن منه , وغير ذلك من أنواع أذاه. فهو أعظم إثما وجرما من الزنى بغير ذات البعل والأجنبية. فإن كان زوجها جارا انضم له سوء الجوار. وإيذاء الجار بأعلى أنواع الأذى , وذلك من أعظم البوائق , فلو كان الجار أخا أو قريبا من أقاربه انضم له قطيعة الرحم فيتضاعف الإثم. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه) . ولا بائقة أعظم من الزنى بامرأة الجار. فإن كان الجار غائبا في طاعة الله كالعبادة , وطلب العلم , والجهاد , تضاعف الإثم، حتى إن الزاني بامرأة الغازي في سبيل الله يوقف له يوم القيامة , فيأخذ من عمله ما شاء. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حرمة نساء المجاهدين على القاعدين كحرمة أمهاتهم , وما من رجل من القاعدين يخلف رجلا من المجاهدين في أهله فيخونه فيهم , إلا وقف له يوم القيامة فيأخذ من عمله ما شاء، فما ظنكم؟) رواه مسلم (1897) . أي: ما ظنكم أن يترك له من حسناته؟ قد حكم في أنه يأخذ ما شاء على شدة الحاجة إلى حسنة واحدة , فإن اتفق أن تكون المرأة رحما له انضاف إلى ذلك قطيعة رحمها , فإن اتفق أن يكون الزاني محصنا كان الإثم أعظم , فإن كان شيخا كان أعظم إثما وعقوبة , فإن اقترن بذلك أن يكون في شهر حرام , أو بلد حرام , أو وقت معظم عند الله كأوقات الصلوات وأوقات الإجابة تضاعف الإثم " انتهى.
ثانيا:
من ابتلي بشيء من ذلك فليبادر بالتوبة إلى الله تعالى، فإن التوبة تصح من كل ذنب مهما كان عظيما، قال تعالى: (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) التوبة/104.
وقال سبحانه: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ َعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الفرقان/68- 70. وقال تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82، وفي هذه الآية إرشاد إلى أن التائب ينبغي له أن يكثر من الأعمال الصالحة، وأن يسلك طريق الهداية، ويبتعد عن أسباب الغواية.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6949)
طلقها مقابل نصف المهر بعد أن قذفها فهل له الحق في هذا المال؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني فتاه ملتزمة، ولله الحمد، ولقد حدثت بيني وبين زوجي - الذي لي منه ابنة - مشكلة ذهبت بسببها إلى بيت والدي؛ حيث إنه شك فيَّ واتهمني في عرضي وشرفي بدون أي أسباب مقنعة، ثم يعتذر، ويرجع مرة أخرى للاتهامات، وتكرر ذلك منه عدة مرات؛ مما أكد لي أن به مرض الوسواس، فلم أعد أحتمل، فذهبت إلى أهلي، وبعد ذهابي إليهم مكثت عندهم أربعة أشهر، لم يزدد فيها زوجي إلا عناداً وإصراراً على موقفه بدون إثبات أي دليل ضدي، وبعدما ذهب إليه أخي للتفاهم معه وجده مصرّاً على موقفة، وأنه يطلب مني أن أستتاب، وازداد الموقف سوءًا بينهما، وأساء إلى والدي وإلى تربيته لي، عندها أصرَّ أخي ووالدي على طلاقي منه، وإلا فسوف يحيل مشكلتنا للقضاء، وعليه أن يثبت ما لديه من اتهامات ضدي، فطلب زوجي مقابل طلاقه لي نصف المهر، ولكن بعد فترة طلقني من غير أن نعطيه أي مبلغ، وسكت هو عن ذلك، ولم يعد يطالب مرة أخرى بالمال.
والآن، قد عوضني الله بزوج آخر ملتزم، ولله الحمد، وقد نبهني زوجي الثاني إلى أنه قد يكون لزوجي الأول مال لدي، وبسبب خشيتي من الحرام وأكل مال الناس وحقوقهم، أرجو إفتائي في هذا الأمر، مع العلم أنني لا أملك ذلك المال، وأنني لم أطالبه بأي مصاريف لابنته، وهو أحيانا يرسلها، وأحيانا لا يرسل، فهل له أي حق مالي عندي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
قذف الزوج زوجتَه واتهامها بشرفها من كبائر الذنوب، وهو موجب للحدِّ ورد شهادته، ولا بدَّ له من بينة شرعية لإثبات الفاحشة، أو يلاعن.
قال ابن قدامة – رحمه الله -:
إذا قذف زوجته المحصنة وجب عليه الحد , وحُكم بفسقه , وردِّ شهادته , إلا أن يأتي ببيِّنة أو يلاعن , فإن لم يأت بأربعة شهداء , أو امتنع من اللعان: لزمه ذلك كله، وبهذا قال مالك، والشافعي ...
[ويدل لذلك] : قول الله تعالى (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) ، وهذا عام في الزوج وغيره , وإنما خص الزوج بأن أقام لعانه مقام الشهادة في نفي الحد والفسق ورد الشهادة عنه.
وأيضا: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (البيِّنة وإِلاَّ حدٌّ في ظَهْركِ) ، وقوله لما لاعن: (عَذابُ الدنْيا أَهْونُ مِنْ عَذابِ الآخِرَة) ؛ ولأنه قاذف يلزمه الحد لو أكذب نفسه , فلزمه إذا لم يأت بالبينة المشروعة، كالأجنبي. " المغني " (9 / 30) .
وعليه: فالواجب على الزوج أن يتقي الله تعالى في نفسه وفي زوجته، وعليه أن يكف عن الكلام المسيء، والكلام على زوجته طعن في شرفه وعرضه هو، وعليه أن يكذِّب نفسه ويبرئ زوجته مما افتراه عليها، فإن لم يفعل فإنه مستحق لما رَّتبه الله تعالى على فعله من الحد ورد الشهادة والفسق، ولها حق طلب الطلاق منه، وعليه أن يؤدي لها حقوقها كاملة.
ثانياً:
التضييق على الزوجة باتهامها بالباطل وإيذائها وضربها لتتنازل عن مهرها أو عن شيء منه يسمى " العضل "، وهو محرَّم إلا أن تأتي بفاحشة مبينة، فإن فعل الزوج فإنه غير مستحق لما تتنازل عنه زوجته، ويجب عليه أن يرجعه لها، وإن رفض تطليقها فلها أن تفتدي نفسها منه وتتنازل عن مهرها أو أقل أو أكثر، فإن كان كاذبا ظالماً فما أخذه منها سحت وحرام، وإن كان صادقاً فما أخذه حلال له، على أن يُثبت ما يستوجب الحد بشهود أربعة أو ملاعنة، وهذا في حال أنه يشهر بها ويقذفها علانية، أما إذا رأى فاحشة عليها فيما بينه وبين ربه، فإن له أن يعضلها ليضيق عليها لتفتدي نفسها.
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
عن رجل اتهم زوجته بفاحشة؛ بحيث إنه لم ير عندها ما ينكره الشرع، إلا ادَّعى أنه أرسلها إلى عرس ثم تجسس عليها فلم يجدها في العرس، فأنكرت ذلك، ثم إنه أتى إلى أوليائها وذكر لهم الواقعة، فاستدعوا بها لتقابل زوجها على ما ذكر، فامتنعت خوفا من الضرب فخرجت إلى بيت خالها، ثم إن الزوج بعد ذلك جعل ذلك مستندا في إبطال، حقها وادعى أنها خرجت بغير إذنه، فهل يكون ذلك مبطلا لحقها، والإنكار الذي أنكرته عليه يستوجب إنكارا في الشرع؟ .
فأجاب:
قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) فلا يحل للرجل أن يعضل المرأة بأن يمنعها ويضيق عليها حتى تعطيه بعض الصداق، ولا أن يضربها لأجل ذلك، لكن إذا أتت بفاحشة مبينة كان له أن يعضلها لتفتدي منه، وله أن يضربها، وهذا فيما بين الرجل وبين الله.
وأما أهل المرأة فيكشفون الحق مع من هو، فيعينونه عليه فإن تبين لهم أنها هي التي تعدت حدود الله وآذت الزوج في فراشه، فهي ظالمة متعدية فلتفتد منه، وإذا قال إنه أرسلها لى عرس ولم تذهب إلى العرس فليسأل إلى أين ذهبت، فإن ذكر أنها ذهبت إلى قوم لا ريبة عندهم وصدقها أولئك القوم، أو قالوا لم تأت إلينا، وإلى العرس لم تذهب؛ كان هذا ريبة ن وبهذا يقوى قول الزوج.
وأما الجهاز الذي جاءت به من بيت أبيها، فعليه أن يرده عليها بكل حال، وإن اصطلحوا فالصلح خير.
ومتى تابت المرأة جاز لزوجها أن يمسكها ولا حرج في ذلك، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له.
وإذا لم يتفقا على رجوعها إليه فلتبرئه من الصداق وليخلعها الزوج؛ فإن الخلع جائز بكتاب الله وسنة رسوله كما قال الله تعالى (فان خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به) .
" مجموع الفتاوى " (32 / 283، 284) .
ثالثاً:
والذي يظهر لنا أنه لا حق له عندكِ، وأن ما طلبه من نصف المهر ليس حقّاً شرعيّاً له، ويبدو أنه راجع نفسه أو أن أحداً أخبره بذلك، ولذلك لم يطالب به، كما أنه قد يكون جعل نصف المهر مقابل رعايتك لابنته ونفقتك عليها.
وبكل حال: فهو لم يأتِ بشهود على ما قذفك به، ولم يلاعن، ولم يرَ شيئاً يجعله غير آثم بينه وبين ربه، وكل ذلك يجعل الحق لكِ لا له – بحسب سؤالك وما جاء فيه -، فليس له ما اشترطه من نصف المهر.
وبارك الله لك في زوجك الجديد الذي يسره الله لكِ؛ وجزاه خيرا على ما وجهك للسؤال والاستفسار عن حقوق زوجك الأول، وهو يدل على خلق عظيم ودين متين.
نسأل الله أن يجزيه خير الجزاء، وأن يجعله خير خلَفٍ لك ولابنتك، وأن يجمع بينكما في خير، وأن يرزقكما ذرية طيبة.
ونسأل الله تعالى أن يوفق زوجك الأول للتوبة الصادقة، وأن يشفيه إن كان مريضاً، وأن يخلف عليه خيراً.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6950)
حكم من تكررت منه الردة
[السُّؤَالُ]
ـ[تنص سورة النساء على أن الله لن يقبل إسلام من يكفر أكثر من 3 مرات، ولن يهديه، فهل يشمل ذلك ترك الصلاة على سبيل المثال 3 مرات؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد للَّه
القاعدة العظيمة التي يقررها الله سبحانه وتعالى في وحيه، ويذكر أنها قاعدة الحساب ومبدأ الثواب والعقاب، أن التوبة تَجُبُّ ما قبلها، وأن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن باب التوبة مفتوح لكل عبد، ولو وقع في الذنب والكفر مرّاتٍ ومرّاتٍ، فإنَّ كرمه سبحانه وتعالى ورحمته بعباده اقتضت أن تقبل توبة التائب ويغفر له ذنبه.
يقول الله عز وجل: (قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينِ) الأنفال/38
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ، وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلِهَا، وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ) رواه مسلم (121)
كما جاءت الآيات تدل على قبول توبة المرتد إذا عاد إلى الإسلام وصدقت توبته:
يقول سبحانه وتعالى: (كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ)
وبعد ذلك كله قال سبحانه: (إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ) آل عمران/86-89
أما من ارتد ثم ازداد كفرا وطغيانا، ولم يتب، ولم يرجع إلى الإسلام، فهذا هو الذي جاءت الآية في سورة النساء – التي قصدها السائل الكريم – وجاءت آية آل عمران أيضا بعدم قبول توبته.
يقول سبحانه وتعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْراً لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الضَّآلُّونَ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ) آل عمران/90-91
وقال سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْراً لَّمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً) النساء/137
يقول ابن كثير رحمه الله في "تفسير القرآن العظيم" (1/753) :
" يخبر تعالى عمن دخل في الإيمان ثم رجع عنه، ثم عاد فيه، ثم رجع واستمر على ضلاله، وازداد حتى مات، فإنه لا توبة بعد موته، ولا يغفر الله له، ولا يجعل له مما هو فيه فرجا ولا مخرجا ولا طريقا إلى الهدى، ولهذا قال: (لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا) قال ابن أبي حاتم.. عن ابن عباس في قوله تعالى: (ثم ازدادوا كفرا) قال: تمادوا على كفرهم حتى ماتوا. وكذا قال مجاهد " انتهى.
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (16/28-29) :
" وهؤلاء الذين لا تقبل توبتهم قد ذكروا فيهم أقوالا:
قيل لنفاقهم، وقيل: لأنهم تابوا مما دون الشرك ولم يتوبوا منه، وقيل لن تقبل توبتهم بعد الموت، وقال الأكثرون كالحسن وقتادة وعطاء الخراساني والسدى: لن تقبل توبتهم حين يحضرهم الموت، فيكون هذا كقوله (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ) النساء/18
وكذلك قوله (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْراً لَّمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً) النساء/137
قال مجاهد وغيره من المفسرين: (ازدادوا كفرا) ثبتوا عليه حتى ماتوا.
قلت (هو ابن تيمية) : وذلك لأن التائب راجع عن الكفر، ومن لم يتب فإنه مستمر، يزداد كفرا بعد كفر، فقوله: (ثم ازدادوا) بمنزلة قول القائل: ثم أصروا على الكفر، واستمروا على الكفر، وداموا على الكفر، فهم كفروا بعد إسلامهم، ثم زاد كفرهم وما نقص، فهؤلاء لا تقبل توبتهم، وهي التوبة عند حضور الموت؛ لأن من تاب قبل حضور الموت فقد تاب من قريب، ورجع عن كفره، فلم يزدد، بل نقص، بخلاف المصر إلى حين المعاينة " انتهى.
ولم يختلف أهل العلم في أن المرتد إذا صدقت توبته ورجع إلى الإسلام، فإن الله سبحانه وتعالى يقبله عنده ويغفر له ما قد مضى وسلف، وإن تكررت ردته.
هذا بالنسبة لما عند الله تعالى في الآخرة.
وأما بالنسبة لأحكام الظاهر في الدنيا فقد قال بعض أهل العلم بأن من تكررت ردته فإننا نقتله ولا نقبل توبته، فالخلاف بين أهل العلم هو في قبول التوبة من حيث أحكام الظاهر، وليس النسبة لما عند الله سبحانه وتعالى.
يقول ابن قدامة في "المغني" (12/271ط هجر) :
" وفي الجملة، فالخلاف بين الأئمة في قبول توبتهم في الظاهر من أحكام الدنيا وترك قتلهم وثبوت أحكام الإسلام في حقهم.
وأما قبول الله تعالى لها في الباطن، وغفرانه لمن تاب وأقلع باطنا وظاهرا، فلا خلاف فيه " انتهى.
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (16/30) :
" والفقهاء إذا تنازعوا فى قبول توبة من تكررت ردته أو قبول توبة الزنديق، فذاك إنما هو فى الحكم الظاهر؛ لأنه لا يوثق بتوبته، أما إذا قدر أنه أخلص التوبة لله فى الباطن، فإنه يدخل فى قوله: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر/53 " انتهى.
على أن الصحيح من قولي أهل العلم أن توبة من تكررت ردته مقبولة في أحكام الظاهر أيضا، وتجري عليه أحكام الإسلام، وهو قول جماهير أهل العلم: الحنفية والشافعية والمشهور عند المالكية، وآخر قولي أحمد بن حنبل.
انظر حاشية تبيين الحقائق (3/284) ، فتح القدير (6/68) ، الإنصاف (10/332-335)
تحفة المحتاج (9/96) ، كشاف القناع (6/177-178) ، "الموسوعة الفقهية" (14/127-128)
وعزا في المبسوط (10/99-100) لعلي وابن عمر عدم قبول توبة من تكررت ردته.
وعليه فإن توبة تارك الصلاة مقبولة إذا صدق، ولو تكرر منه الترك مرات كثيرة، ولكن على العبد أن يحذر، فقد تأتيه المنية قبل أن يوفق للتوبة، وقد يعجل الله تعالى عقوبته في الدنيا قبل الآخرة.
نسأل الله تعالى أن يرحمنا وإياكم برحمته الواسعة.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6951)
هل يجوز له قتل السحرة دون إذن ولي الأمر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ينتشر في بلادنا السحرة، ويؤذون الناس ويضرونهم، فهل يجوز قتلهم حتى نريح الناس من شرهم؟
مع العلم أن حكومتنا ترخص لهم في العمل وتأخذ منهم الضرائب.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إذا ثبت أن هذا الشخص يعمل بالسحر فالواجب قتله؛ دفعاً لضرره وشره عن الناس، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (13941) .
والواجب على من ولاه الله أمر العباد أن يحكم فيهم بما أنزل الله، قال تعالى: (وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ) المائدة /49، وقال: (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) المائدة/44، وفي آية أخرى قال: (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) المائدة /45، وفي آية ثالثة: (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) المائدة /47.
ولا يجوز أبدا إسقاط العقوبة الشرعية وإلغاؤها، وأقبح من ذلك وأشنع إقرار هذا العمل المحرم والترخيص للساحر أن يعمل بسحره مقابل دفعه الضرائب!! .
فهذا تضييع وخيانة للأمانة التي سيسأل عنها الحاكم يوم القيامة، يوم يعض على يديه ندماً، ولكن بعد فوات الأوان، قال تعالى: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً يَا وَيْلَتِي لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنْ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً) الفرقان /27-29
ثانياً:
إذا كان الحاكم لا يفعل ما وجب عليه من إقامة العقوبات الشرعية، فليس لأحد من عامة المسلمين أن يفعل ذلك؛ لأن العقوبة تحتاج أولاً إلى إثبات أن هذا الشخص يستحق هذه العقوبة، ثم تحتاج ثانياً إلى قوة لتنفيذها.
ولو فتح الباب للناس في إقامة العقوبات الشرعية لعَمَّت الفوضى في المجتمع، ولم يأمن أحد على نفسه وماله.
قال علماء اللجنة الدائمة:
والذي يتولى إثبات السحر وتلك العقوبة: هو الحاكم المتولي شؤون المسلمين؛ درءاً للمفسدة؛ وسداً لباب الفوضى.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (1 / 552) .
وقد نقلنا في جواب السؤال رقم (13941) عن الشيخ سليمان العلوان قوله:
وحين يثبت وصف السحر على شخص ما: فإنه يقتل وجوباً، فقد ثبت ذلك عن جماعة من الصحابة، ولكن ليس لآحاد الناس إقامة الحدود دون أمر السلطان أو من يقوم مقامه؛ لأنه يترتب على إقامة الحدود دون ولاة الأمور فساد وزعزعة للأمن وذهاب هيبة السلطان. انتهى.
وقد ذكرنا مسألة اشتراط السلطان في إقامة الحدود في جواب السؤال رقم (8980) ونقلنا هناك اتفاق العلماء على ذلك.
وعليك تحذير الناس من هذا الساحر، ومن الذهاب إليه، وبيان أن هذا الفعل قد يصل بصاحبه إلى الكفر والخروج من الإسلام.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6952)
هل له أن يأخذ مالاً مقابل ضربه وإهانته أمام الناس؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أتاني مال نتيجة ضربي بالحذاء أمام جمع كبير من الناس، وأقر هذا المال مجلس عرفي، فما حكم هذا المال؟ وهل لي أن أتصدق منه على الفقراء والمحتاجين؟ وهل يحق لي تصريف أمور معيشتي من هذا المبلغ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا حرج من التحاكم إلى تلك المجالس العرفية التي يعملها الناس لفض المنازعات والخصومات، بشرط أن يكون الحاكم فيها من أهل العلم بالشرع حتى يحكم بين الناس بما أنزل الله، لا بالأهواء والعادات والتقاليد التي كثيرا ما تكون مخالفة لحكم الله تعالى، فإن حكموا بما يوافق حكم الله فهو المطلوب، وإن حكموا بما يخالف حكم الله فلا عبرة بحكمهم، وهو حكم باطل، يجب رده، قال تعالى: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) المائدة/50.
ثانياً:
اختلف العلماء في حكم " اللطمة " و "اللكمة" ونحوها، هل توجب القصاص أم التعزير؟ فذهب جمهورهم إلى أنها توجب التعزير وليس فيها القصاص، والذي عليه الصحابة رضي الله عنهم، والمحققون من أهل العلم أنها توجب القصاص.
قال الإمام البخاري رحمه الله في كتاب الديات، تحت بَاب " إِذَا أَصَابَ قَوْمٌ مِنْ رَجُلٍ هَلْ يُعَاقِبُ أَوْ يَقْتَصُّ مِنْهُمْ كُلِّهِمْ؟ ":
"وَأَقَادَ (أي: اقتص) أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَعَلِيٌّ وَسُوَيْدُ بْنُ مُقَرِّنٍ مِنْ لَطْمَةٍ، وَأَقَادَ عُمَرُ مِنْ ضَرْبَةٍ بِالدِّرَّةِ، وَأَقَادَ عَلِيٌّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَسْوَاطٍ، وَاقْتَصَّ شُرَيْحٌ مِنْ سَوْطٍ وَخُمُوشٍ (أي: جروح) ". انتهى
وهذا القول هو الصحيح، ومن نقل الإجماع على خلافه فما أصاب، بل لو ادعى أحد إجماع الصحابة على هذا الحكم لم يكن ذلك بعيداً.
قال ابن القيم رحمه الله:
"وقد اختلف الناس في هذه المسألة - وهي القصاص في اللطمة والضربة ونحوها مما لا يمكن للمقتص أن يفعل بخصمه مثل ما فعله به من كل وجه - هل يسوغ القصاص في ذلك، أو يعدل إلى عقوبته بجنس آخر وهو التعزير؟ على قولين:
أصحهما: أنه شرع فيه القصاص، وهو مذهب الخلفاء الراشدين، ثبت ذلك عنهم، حكاه عنهم أحمد وأبو إسحاق الجوزجاني في " المترجم "، ونص عليه الإمام أحمد، قال شيخنا رحمه الله (أي: ابن تيمية) : وهو قول جمهور السلف.
والقول الثاني: أنه لا يشرع فيه القصاص، وهو المنقول عن الشافعي ومالك وأبي حنيفة وقول المتأخرين من أصحاب أحمد حتى حكى بعضهم الإجماع على أنه لا قصاص فيه! وليس كما زعم، بل حكاية إجماع الصحابة على القصاص أقرب من حكاية الإجماع على منعه؛ فإنه ثبت عن الخلفاء الراشدين، ولا يعلم لهم مخالف فيه.
ومأخذ القولين: أن الله تعالى أمر بالعدل في ذلك، فبقي النظر في أي الأمرين أقرب إلى العدل؟
فقال المانعون: المماثلة لا تمكن هنا، فكأن العدل يقتضي العدول إلى جنس آخر، وهو التعزيز؛ فإن القصاص لا يكون إلا مع المماثلة، ولهذا لا يجب في الجرح، ولا في القطع إلا إذا أمكنت المماثلة، فإذا تعذرت في القطع والجرح: صرنا إلى الدية، فكذا في اللطمة ونحوها لما تعذرت صرنا إلى التعزير.
وقال المجوزون للقصاص: القصاص في ذلك أقرب إلى الكتاب والسنة والقياس والعدل من التعزير، أما الكتاب فإن الله سبحانه قال: (وجزاء سيئة سيئة مثلها) وقال: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) ، ومعلوم أن المماثلة مطلوبة بحسب الإمكان، واللطمة أشد مماثلة للطمة، والضربة للضربة من التعزيز لها؛ فإنه (أي: التعزير) ضرب في غير الموضع، غير مماثل لا في الصورة ولا في المحل ولا في القدر، فأنتم فررتم من تفاوت لا يمكن الاحتراز منه بين اللطمتين، فصرتم إلى أعظم تفاوتا منه بلا نص ولا قياس.
قالوا: وأما السنة [فذكر ابن القيم رحمه الله عدة أحاديث فيها إثبات القصاص في مثل ذلك] ثم قال: ولو لم يكن في الباب إلا سنة الخلفاء الراشدين لكفى بها دليلا وحجة.
" حاشية ابن القيم على تهذيب سنن أبي داود " (7 / 336، 337) ، وانظر " الفتاوى الكبرى " (3 / 402) .
ثالثاً:
وإذا ثبت لك القصاص في الضربة التي وجهها لك الطرف الآخر: فإن لك أن تعفو عنه بالمجان إن رأيته ندم واستغفر واعتذر وصلح حاله، ولك أن تقتص منه بمثل ما فعل بك دون تعدٍّ ولا ظلم، ولك أن تعفو عن حقك في القصاص مقابل عوضٍ مادي، يحكم لك به القاضي الشرعي.
وإذا اقتصصتَ منه بمثل ما فعل بك فلا يجوز لك أن تأخذ مالاً مقابل الإهانة؛ لأنك أخذت حقك مماثلة، كما أن العوض الذي يُحكم لك به إنما هو مقابل الضربة لا مقابل الإهانة؛ لأن الإهانة ضرر معنوي، وهذا النوع من الضرر لا يجوز أخذ تعويض مالي مقابله، وعلى هذا عامة العلماء.
وقد جاء في قرار " مجمع الفقه الإسلامي " رقم 109 (3 / 12) بشأن موضوع " الشرط الجزائي " ما نصه:
"الضرر الذي يجوز التعويض عنه يشمل الضرر المالي الفعلي ... ولا يشمل الضرر الأدبي أو المعنوي" انتهى.
وقد جاء في " الموسوعة الفقهية " (13 / 40) تحت عنوان " التعويض عن الأضرار المعنوية ":
"لم نجد أحداً من الفقهاء عبَّر بهذا، وإنما هو تعبير حادث، ولم نجد في الكتب الفقهية أن أحداً من الفقهاء تكلم عن التعويض المالي في شيء من الأضرار المعنوية" انتهى.
والخلاصة:
أن حقك: القصاص، أو العفو بالمجان - وهو أفضل إن كان ظهر من ذاك صلاح أو ندم، أو أخذ عوض عن حقك مقابل الضربة، وإذا استوفيتَ حقك بالقصاص فلا حق لك بعد ذلك في المال، أما إذا كنت ستأخذ حقك مالاً فقط ـ وهو الظاهر من سؤالك، فلا حرج عليك من الانتفاع به لنفسك أو التصدق به.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6953)
حكم من قتل آخر دفاعاً عن نفسه ومات وهل عليه دية وكفارة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[توفي والدي وقد قتل نفساً دفاعاً عن نفسه، وقد قَبِل أهل المقتول بالدية، فما هي الكفارة؟ مع العلم أنه لم يصم شهرين أو يعتق رقبة أو يطعم مساكين، وإن لديه أبناء، ما الواجب عليهم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يجب على المسلم أن يدفع عن نفسه وأهله كل من يصول ويعتدي عليه، وليدفع بالأسهل، فإن لم يندفع الصائل إلا بالقتل: جاز للمصول عليه قتله، وليس عليه قصاص ولا دية ولا كفارة؛ لأن الشرع قد أذن له في قتله، والمقتول المعتدي متوعد بالنار، والمصول عليه إن قُتل فهو شهيد إن شاء الله، ولا فرق بين كون المعتدي مسلماً أو كافراً.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي؟ قَالَ: فَلَا تُعْطِهِ مَالَكَ، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي؟ قَالَ: قَاتِلْهُ، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي؟ قَالَ: فَأَنْتَ شَهِيدٌ، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ؟ قَالَ: هُوَ فِي النَّارِ. رواه مسلم (140) .
وعَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ) رواه الترمذي (1421) والنسائي (4095) وأبو داود (4772) وصححه الألباني في " إرواء الغليل " (708) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" السنة والإجماع متفقان على أن الصائل المسلم إذا لم يندفع صوله إلا بالقتل قتل، وإن كان المال الذي يأخذه قيراطا من دينار (يعني مقدار يسيرا) ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون حرمه فهو شهيد) …. فإن قتال المعتدين الصائلين ثابت بالسنة والإجماع " انتهى بتصرف.
" مجموع الفتاوى " (28 / 540، 541) .
وفي " الروض المربع " (ص 677) :
" ومن صال على نفسه أو حرمته كأمه وبنته وأخته وزوجته أو ماله آدميٌّ أو بهيمةٌ: فله - أي: للمصول عليه - الدفع عن ذلك بأسهل ما يغلب على ظنه دفعه به، فإذا اندفع بالأسهل حرم الأصعب لعدم الحاجة إليه.
فإن لم يندفع الصائل إلا بالقتل: فله - أي: للمصول عليه - ذلك أي: قتل الصائل، ولا ضمان عليه؛ لأنه قتله لدفع شره " انتهى.
وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
"ومن صال على نفسه من يريد قتله أو صال على حرمته كأمه وبنته وأخته وزوجته من يريد هتك أعراضهن، أو صال على ماله من يريد أخذه أو إتلافه؛ فله الدفع عن ذلك، سواء كان الصائل آدميّاً أو بهيمة، فيدفعه بأسهل ما يغلب على ظنه دفعه؛ لأنه لو منع من الدفع لأدى ذلك إلى تلفه وأذاه في نفسه وحرمته وماله؛ ولأنه لو لم يجز ذلك: لتسلط الناس بعضهم على بعض، وإن لم يندفع الصائل إلا بالقتل: فله قتله، ولا ضمان عليه؛ لأنه قتله لدفع شره، وإن قُتل المصول عليه: فهو شهيد لقوله عليه الصلاة والسلام: (من أريد ماله بغير حق فقاتل، فقتل؛ فهو شهيد) وروى مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: (جاء رجل، فقال: يا رسول الله، أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي ... وذكر الحديث المتقدم) .
" الملخص الفقهي " (2 / 443) .
ولا يجوز للمصول عليه أن يبادر بقتل الصائل إلا بعد أن يستنفذ وسائل دفعه، كتذكيره بالله تعالى، وتخويفه وتهديده، وطلب النجدة من الناس، أو الاستعانة بالأجهزة الأمنية، وله المبادرة بقتله إذا خشي أن يبادر المعتدي بقتله.
فعَنْ قَابُوسَ بْنِ مُخَارِقٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: الرَّجُلُ يَأْتِينِي فَيُرِيدُ مَالِي، قَالَ: ذَكِّرْهُ بِاللَّهِ، قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَذَّكَّرْ؟ قَالَ: فَاسْتَعِنْ عَلَيْهِ مَنْ حَوْلَكَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَوْلِي أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ؟ قَالَ: فَاسْتَعِنْ عَلَيْهِ بِالسُّلْطَانِ، قَالَ: فَإِنْ نَأَى السُّلْطَانُ عَنِّي؟ قَالَ: قَاتِلْ دُونَ مَالِكَ حَتَّى تَكُونَ مِنْ شُهَدَاءِ الْآخِرَةِ أَوْ تَمْنَعَ مَالَكَ.
رواه النسائي (4081) وصححه الألباني في " صحيح النسائي ".
ثانياً:
وهذا إذا ثبت أنه قتله دفاعاً عن النفس ببينة، كشهود يشهدون بذلك، أو صدقه أولياء المقتول أنه قتله دفاعاً عن النفس، أو وجدت قرائن قوية تدل على ذلك، كما لو كان المقتول معروفاً بالشر والفساد، وقد هدده ـ مثلا ـ بالقتل أمام الناس ونحو ذلك.
قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله:
"إذا كان هذا الشخص اعترف بالقتل وادعى أنه دفاعاً عن نفسه ولم يصدقه الولي: فإنه يجب القصاص، قال في " الإنصاف ": وهذا المذهب، وعليه الأصحاب، لكن إن كان القتيل معروفاً بالصيالة والفساد وكان ثمََّ قرائن تدل على ما ادعاه القاتل: فقد قال في " الإنصاف ": قال في " الفروع ": ويتوجه عدمه (يعني: القصاص) في معروف بالفساد، قلت: وهو الصواب، ويعمل بالقرائن" انتهى.
" مجموع فتاوى ابن إبراهيم " (11 / 255، 256) .
فعلى هذا، إذا كان والدك قتل هذا الرجل دفاعاً عن نفسه، فلا يلزمه شيء، لا كفارة ولا دية.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/6954)