|
المؤلف: الموقع بإشراف الشيخ محمد صالح المنجد - حفظه الله -
تم نسخه من الإنترنت: في 26 ذي القعدة 1430، هـ = 15 نوفمبر، 2009 م
[الكتاب مرقم آليا]
تنبيه: هذا الملف هو أرشيف لجميع المادة العربية بالموقع حتى تاريخ نسخه
وهذه المادة هي قسمان:
1- الفتاوى (عددها 15862) [وتجد رقم الفتوى في خانة الرقم، ورابطها أسفل يسار الشاشة]
2- الكتب والمقالات
أما بقية الأقسام، مثل (ملفات، تعرف على الإسلام، ... ) فهي عبارة عن انتقاءات من قسم الفتاوى، فلم نكررها
http://www.islamqa.com
تأتيه الرشوة دون طلب فيأخذها ويعطيها الفقراء
[السُّؤَالُ]
ـ[أخي يأتيه بعض الموظفين بأموال مكتسبة من حرام (رشوة) دون أن يطلب منهم أو يأمرهم بذلك. فيأخذها ويرسلها لمن يتخلص منها. - هل هي حلال عليه أن يتسلمها أصلا منهم؟ لأنه يبرر ذلك بأن ينتزعها منهم ويعطها للفقراء أفضل من أن يأكلوها. - هل الذي أرسلت إليه هذه الأموال حلال عليه؟ وماذا لو كانت أخته؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إن كان المقصود أن أخاك يأتيه من يدفع له الرشوة لتسهيل بعض الأمور، فيقبلها ثم يعطيها للفقراء، فقبوله للرشوة عمل محرم؛ لعموم الأدلة في تحريم الرشوة، ولما في ذلك من السكوت على المنكر وإقراره وإشاعته بين الناس، فإن الراشي يظن أن حاجته قد قضيت بالرشوة.
والواجب: رفض الرشوة وردها على صاحبها، والإنكار عليه، وبيان حرمتها، لا التظاهر بقبولها وأخذها.
وقد روى أحمد (6791) وأبو داود (3580) عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي) والحديث صححه الألباني في "إرواء الغليل" (2621) .
وإعطاء الرشوة للفقراء لا يبيح أخذها، وليس للإنسان أن يتعامل بالحرام ليتصدق أو يحسن، ويكفي لقبح هذا العمل أنه يقال: فلان يقبل الرشوة، ويقضي المصالح لأجلها.
وإن كان المقصود أن بعض الموظفين يأخذ الرشوة ثم يعطي جزءا منها لأخيك دون طلب منه، فيأخذها ويعطيها الفقراء، فهذا محرم كذلك؛ لما فيه من السكوت على الرشوة وإقرارها وقبولها في الظاهر، وقد يكون مراد الدافع لها هو هذا السكوت والمشاركة.
لكن إن جاء الموظف الذي قبل الرشوة وأراد التوبة والتخلص من المال الحرام فأعطاه لأخيك ليتخلص منه، فلا حرج في ذلك؛ لأنه إعانة على الطاعة.
ثانياً:
إذا تاب المرتشي وتخلص من المال الحرام، وأعطاه للفقراء والمساكين ونحوهم، فلا حرج عليهم في أخذه وهو حلال لهم؛ لأنهم أخذوه بوجه مشروع.
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (9/428) : " قال الغزالي: إذا كان معه مال
حرام وأراد التوبة والبراءة منه: فإن كان له مالك معين وجب صرفه إليه أو إلى وكيله
, فإن كان ميتا وجب دفعه إلى وارثه , وإن كان لمالكٍ لا يعرفه، ويئس من معرفته،
فينبغي أن يصرفه في مصالح المسلمين العامة , كالقناطر والمساجد , ونحو ذلك مما يشترك المسلمون فيه , وإلا فيتصدق به على فقير أو فقراء....
وإذا دفعه إلى الفقير لا يكون حراما على الفقير , بل يكون حلالا طيبا , وله أن
يتصدق به على نفسه وعياله إذا كان فقيرا , لأن عياله إذا كانوا فقراء فالوصف موجود
فيهم , بل هم أولى من يتصدق عليه , وله هو أن يأخذ منه قدر حاجته لأنه أيضا فقير.
وهذا الذي قاله الغزالي في هذا الفرع ذكره آخرون من الأصحاب , وهو كما قالوه ,
ونقله الغزالي أيضا عن معاوية بن أبي سفيان وغيره من السلف، وعن أحمد بن حنبل
والحارث المحاسبي وغيرهما من أهل الورع , لأنه لا يجوز إتلاف هذا المال ورميه في
البحر , فلم يبق إلا صرفه في مصالح المسلمين , والله سبحانه وتعالى أعلم " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6142)
حكم تخصيص الأولاد الذكور بأثاث المنزل
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن أخص أولادي الذكور ببعض أثاث المنزل مثل الثلاجات والمسجلات والأشياء المعمرة؛ كي تكون ملكا لهم بعد وفاتي؛ لأن البنات سبق وأن جهزتهن فهل هذا جائز أو لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"ليس لك ولا لغيرك تخصيص الذكور بشيء دون البنات، بل الواجب العدل بين الجميع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) ، ولا يجوز أن توصي بشيء للبنين دون البنات، إلا إذا كن رشيدات، ورضين بذلك فلا حرج في ذلك، والأحوط عدم الوصية للبنين ولو رضيت البنات؛ لأنهن قد يرضين حياء منك, وهن في الحقيقة لا يرضين بذلك, فالأحوط لك ألا تخص البنين أبدا حتى لو فرضنا أن البنات رضين بذلك؛ لأني أخشى أن يرضين بذلك مكرهات حياء منك، بل اجعل ما خلفك للجميع على قسمة الله سبحانه وتعالى، للذكر مثل حظ الأنثيين" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (20/54) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6143)
هل للأم أن تعطي جزءا كبيرا من مالها لإحدى بناتها المقدمة على الزواج؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ترك لنا والدنا بيت وقد قمنا ببيعه فاخذ كل منا نصيبه من الميراث ونحن 6 أخوات ووالدتنا فأرادت أمي أن تعطني جزءاً كبيراً من ميراثها لكي أتزوج به لان إخوتي قد ساعدهم أبى وكذلك تريد أن تعطي أختي الثانية لأنها لم تتزوج فهل ذلك حرام؟ وهل أمي عليها ذنب أرجو الرد.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب على الوالدين أن يعدلا في العطية بين أولادهما؛ لما روى البخاري (2586) ومسلم (1623) عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنِّي نَحَلْتُ [أي: أعطيت] ابْنِي هَذَا غُلَامًا كَانَ لِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَهُ مِثْلَ هَذَا؟ فَقَالَ: لَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَارْجِعْهُ) .
وفي رواية للبخاري (2587) : (فَاتَّقُوا اللَّهَ، وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلادِكُمْ) قَالَ: فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ.
ولمسلم (1623) : (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا بَشِيرُ، أَلَكَ وَلَدٌ سِوَى هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ: أَكُلَّهُمْ وَهَبْتَ لَهُ مِثْلَ هَذَا؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَلَا تُشْهِدْنِي إِذًا فَإِنِّي لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ) .
ولا فرق بين الأم والأب في ذلك، وينظر جواب السؤال رقم (67652) ، فيحرم عليها أن تفاضل بين أبنائها وبناتها إلا برضى الجميع.
وينبغي معرفة الفرق بين النفقة والعطية، فالنفقة تكون على قدر الحاجة، فمن احتاج للزواج مثلا، زوَّجه الأب، ولا يلزمه أن يترك مالا لمن لم يتزوج، بل لا يجوز له ذلك، لأن هذا سيكون من باب العطية لا من باب النفقة التي يحتاجها الابن.
وعليه؛ فإذا كنتِ مقبلة على الزواج، واحتجت إلى شيء من المال، فلأمك أن تعطيك قدر حاجتك، ولا يجب عليها أن تعطي باقي أخواتك مثل ما أعطتك، ولا يجب عليها أن تستأذنهن.
وأما أختك الأخرى، فلا تعطيها أمك شيئاً حتى تقبل على الزواج، وتحتاج إلى المال، فتعطيها بقدر حاجتها ولا تزيد على ذلك.
وينظر جواب السؤال رقم (119655) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6144)
هل تهدي الطيب لامرأة تخرج متعطرة به في الشارع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن تهدي علبة عطر لامرأة أخرى؟ علما بأن المرأة المهدى إليها تذهب إلى الشارع وهي متعطرة بهذا العطر، وهل يلحق صاحب الهدية إثم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إهداء الطيب إلى المرأة لا بأس به؛ لأن الهدية تجلب المودة والمحبة، وللمهدي أجر، وإذا استخدمت المرأة المهدى إليها هذا الطيب على وجه محرم فالإثم عليها، لكن إذا كانت المهدية قد عرفت أن المهدى إليها تستعمل من هذا الطيب في الخروج إلى السوق فلا يجوز ذلك لها؛ لأن ذلك من باب المعونة على الإثم والعدوان؛ وقد قال تعالى: (وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (20/62) .
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب
(5/6145)
قريبها يعمل في عمل محرم وأهداها مبلغا من المال
[السُّؤَالُ]
ـ[رزقني الله طفلة فأهداني أحد أقاربي مبلغا كبيرا من المال هذا القريب يعمل مهندس صوت في التليفزيون (يضبط الصوت في الأفلام وغيرها) 1-هل يجوز صرف هذا المال في أغراضي أم يجب علي التخلص منه في عمل خيري (صدقة أو إطعام طعام أو غيره من أعمال الخير) 2-زوجي مديون معسر فهل يجوز قضاء جزء من دينه بهذا المال؟؟ 3-هل يجوز قبول الهدية أصلا إذا كانت من مال حرام؟؟ 4-هل يجوز قبول الهدية من الكافر؟؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
المال الحرام نوعان: ما كان محرم العين كالمال المسروق والمغصوب، وهذا لا يجوز قبوله من أحد؛ لأنه يجب رده إلى أهله.
وما كان محرما لطريقة كسبه، كالمال المأخوذ من التعامل بالربا أو العمل في أعمال محرمة كالرشوة والغش وأجرة الغناء والرقص، ويدخل في ذلك ما ذكرت من العمل في ضبط الصوت في الأفلام والمسلسلات المحرمة. وهذا المحرم لكسبه حرام على كاسبه فقط، وأما من أخذه منه بوجه مشروع فلا شيء عليه، وإن كان الأولى التورع عنه، وتوقي أكله والانتفاع به، لا سيما إن كان تركه سوف يؤثر في صاحبه الأصلي، ويحمله على ترك هذا العمل.
صح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أنه سئل عمن له جار يأكل الربا، ويدعوه إلى طعامه؟
فقال: " أجيبوه؛ فإنما المهنأ لكم، والوزر عليه ". انتهى. جامع العلوم والحكم (71) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: رجلٌ علم أن مصدر أموال أبيه من الحرام، فهل يأكل من طعام أبيه؟ وإذا لم يأكل من طعام أبيه فهل يكون ذلك من العقوق؟
فأجاب: "الرجل الذي علم أن مال أبيه من الحرام إن كان حراماً بعينه، بمعنى: أنه يعلم أن أباه سرق هذا المال من شخص فلا يجوز أن يأكله، لو علمت أن أباك سرق هذه الشاة وذبحها فلا تأكل، ولا تُجِبْ دعوته، أما إذا كان الحرام من كسبه يعني: أنه هو يرابي أو يعامل بالغش أو ما يشابه ذلك، فكل، والإثم عليه هو.
، ودليل هذا: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أكل من مال اليهود وهم معروفون بأخذ الربا وأكل السحت، أهدت إليه يهودية شاةً في خيبر مسمومة ليموت، ولكن الله عصمه من ذلك إلى أجلٍ مسمى. ودعاه يهودي إلى خبز شعير وإهالة سنخة (أي: دهن متغير الرائحة) فأجابه وأكل، واشترى من يهودي طعاماً لأهله وأكله هو وأهله، فليأكل والإثم على والده " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (188/13) .
وعليه فلا حرج عليك في قبول هذا المال الذي جاءك من قريبك والانتفاع به.
وإذا أردت أن تتصدقي به على زوجك المعسر: فهو من أهل الصدقة، إذا كان مدينا معسرا، ويحل له الأخذ من صدقتك، سواء كانت الصدقة من هذا المال أو غيره.
قالت زينب، زوجة عبد الله بن مسعود، للنبي صلى الله عليه وسلم:
(يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّكَ؛ أَمَرْتَ الْيَوْمَ بِالصَّدَقَةِ، وَكَانَ عِنْدِي حُلِيٌّ لِي فَأَرَدْتُ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهِ، فَزَعَمَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّهُ وَوَلَدَهُ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَلَيْهِمْ؟
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَدَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ؛ زَوْجُكِ وَوَلَدُكِ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتِ بِهِ عَلَيْهِمْ) .
رواه البخاري (1462) ومسلم (1000) .
ثانيا:
يلزم صاحب المال الحرام أن يتوب إلى الله تعالى، وأن يتخلص من المال الحرام الباقي في يده، وذلك بصرفه في أوجه الخير، وإعطائه للفقراء والمساكين وأصحاب الديون ونحوهم، بنية التخلص لا الصدقة؛ لأن الله طيب لا يقبل إلا طيبا.
وعليه: فلو أن قريبك تخلص من هذا المال، وأعطاه لزوجك ليقضي به دينا، فقد أحسن في ذلك، ولزوجك قبوله. ولو أعطاه دون نية التخلص، أو أعطاك المال فأعطيته لزوجك، فلا حرج عليك في ذلك كما سبق؛ لأنكم أخذتموه بطريق مشروع وهو الهبة أو الهدية، والإثم إنما يلحق كاسبه.
ثالثا:
يجوز قبول هدية الكافر، تأليفا لقلبه وترغيبا له في الإسلام، أو برا وقسطا به لقرابة وجوار ونحوه، وقد قبل النبي صلى الله عليه وسلم هدية المقوقس، والشاة من اليهودية، وينظر تفصيل ذلك في جواب السؤال رقم (85108) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6146)
دفع أبوها أقساط الجامعة ثم ردت الجامعة الأقساط منحة لها فهل للأب أن يأخذها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالبة متفوقة في الجامعة وقد أعطتني الجامعة منحة تفوق فطلب أبي مني أن أدفعها كقسط للجامعة ثم تراجع عن طلبه ولم يعد لذكر مال المنحة كما كفلني، ثم تبين لي أن مال المنحة هو عبارة عن رسوم مستعادة أي أن المال الذي دفعناه كرسوم أعادته الجامعة لنا، ورأيت أن من الأمانة أن أخبر أبي فعندما أخبرته قال: إن المال من حقه، ولكني أظن المال من حقي، لأن الجامعة أعادت المال بسبب تفوقي كما أن بيني وبين الجامعة عقداً هو أنه مقابل كل سنة يعيدون رسومها أعمل أنا مقابلها سنة في الجامعة أو الحكومة في أي وظيفة يختارونها وفي أي مكان، وإذا لم أقبل ألزم بإعادة المال بالتالي أنا تعبت في الدراسة للحصول على مال المنحة، كما أنني أقدم للجامعة التزاما مقابل المال، أنا نويت إعطاء أبي المال ولكن أريد أن أعرف هل هذا المال هو حقي أم حقه؟ ملاحظة أبي غير محتاج فأملاكه تقدر بمليون دينار، وأنا ليس لي غير مال المنحة وقد أردته لأكمل به دراساتي العليا التي قال أبي إنه لن يضمن لي إكمالها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الأمر كما ذكرت، من أن والدك تكفل بدفع أقساط الجامعة وعدل عن مطالبتك بدفعها من المنحة التي ستعطى لك، ثم تبين أن المنحة هي إعادة رسوم الجامعة، فهذه المنحة حق لك، وما دفعه الأب سابقا: قد تبرع به دون نية الرجوع عليك أو مطالبتك به. إضافة إلى ما ذكرت من كون المنحة في مقابل العمل مستقبلا.
لكن ننبه على أن للأب أن يأخذ من مال ولده – ذكرا أو أنثى- ما يحتاج إليه ولا يضر الولد؛ لحديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما أَنَّ رَجُلا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي مَالا وَوَلَدًا، وَإِنَّ أَبِي يُرِيدُ أَنْ يَجْتَاحَ مَالِي، فَقَالَ: (أَنْتَ وَمَالُكَ لأَبِيكَ) رواه ابن ماجه (2291) وابن حبان في صحيحه (2 / 142) من حديث جابر، وأحمد (6902) من حديث عبد الله بن عمرو. وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه.
وروى أحمد عن عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: أَتَى أَعْرَابِيٌّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنَّ أَبِي يُرِيدُ أَنْ يَجْتَاحَ مَالِي، قَالَ: (أَنْتَ وَمَالُكَ لِوَالِدِكَ، إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلْتُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ، وَإِنَّ أَمْوَالَ أَوْلَادِكُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ، فَكُلُوهُ هَنِيئًا) .
وله طرق وشواهد يصح بها.
انظر: " فتح الباري " (5 / 211) ، و " نصب الراية " (3 / 337) .
ولكن هذا الأخذ مقيد بشروط بيَّنها أهل العلم:
أحدهما: أن لا يجحف بالابن , ولا يضر به , ولا يأخذ شيئا تعلقت به حاجته.
الثاني: أن لا يأخذ من مال ولده فيعطيه ولده الآخر.
الثالث: أن يكون الأب محتاجا للمال، فلا يجوز له أن يأخذ ما لا يحتاجه عند جمهور الفقهاء خلافا للحنابلة؛ لما روى الحاكم (2 / 284) والبيهقي (7 / 480) عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أولادكم هبة الله لكم (يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور) فهم وأموالهم لكم إذا احتجتم إليها) . والحديث صححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (2564) .
قال ابن قدامة رحمه الله: " ولأبٍ أن يأخذ من مال ولده ما شاء , ويتملكه , مع حاجة الأب إلى ما يأخذه , ومع عدمها , صغيرا كان الولد أو كبيرا , بشرطين:
أحدهما: أن لا يجحف بالابن , ولا يضر به , ولا يأخذ شيئا تعلقت به حاجته.
الثاني: أن لا يأخذ من مال ولده فيعطيه الآخر....
وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي: ليس له أن يأخذ من مال ولده إلا بقدر حاجته ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام , كحرمة يومكم هذا , في شهركم هذا) متفق عليه. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفسه) رواه الدارقطني؛ ولأن ملك الابن تام على مال نفسه , فلم يجز انتزاعه منه , كالذي تعلقت به حاجته " انتهى من "المغني" باختصار (5/395) .
وقد ذكرت أن والدك غير محتاج، وعلى هذا فلا يجوز له أن يأخذ من مالك شيئاً إلا برضاك.
ونشكر لك عزمك على إعطاء المال لوالدك، فإن هذا من البر والإحسان إليه، ونسأل الله تعالى أن يعوضك خيراً.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6147)
قسم قطعة أرض بين أولاده ولم يُسَوّ بينهم ثم مات فهل يعيدون قسمتها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أب له خمسة أبناء , اشترى أرضا بصك وسجلت باسمه، وفي حياته قسم الأرض إلى خمسة أقسام تقسيما عشوائيا بالحبل , غير متساو , لأبنائه الخمسة يصل الفرق بينها إلى خمسة وأربعين مترا ’ ودفع كل ابن له مبلغ ألفين ريال ثم بنى عليها الأبناء، وقد توفي ولم يفرغ كل واحد لأرضه , وظلت الأرض بصك واحد باسمه، والسؤال: الأرض والبناء بصك واحد معروضة للبيع بقيمة خمسة ملايين، واختلف الورثة في توزيع ثمن الأرض , بسبب تفاوت مساحات أرض كل واحد منهم، فهل يتم توزيع قيمة الأرض بالتساوي إرثا لتتحقق المساواة والعدالة، أم يعطى كل واحد مبلغه حسب مساحة أرضه، مع أن بين مساحاتها فروقا كبيرة , وتساوي المبلغ المدفوع لوالدهم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يجب على الأب أن يعدل بين أولاده في العطية؛ لما روى البخاري (2586) ومسلم (1623) عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي نَحَلْتُ ابْنِي هَذَا غُلَامًا كَانَ لِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَهُ مِثْلَ هَذَا) فَقَالَ: لَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَارْجِعْهُ) .
وفي لفظ لمسلم (1623) فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا بَشِيرُ أَلَكَ وَلَدٌ سِوَى هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ: أَكُلَّهُمْ وَهَبْتَ لَهُ مِثْلَ هَذَا؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَلَا تُشْهِدْنِي إِذًا، فَإِنِّي لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ) .
نحلت: أي: أعطيت، من النِّحلة، وهي العطاء.
قال الشوكاني رحمه الله: " وهذه الأحاديث تدل على وجوب التسوية، وأن التفضيل باطل، جور، يجب على فاعله استرجاعه، وبه قال طاوس، والثوري، وأحمد، وإسحق، وبعض المالكية، وذهب الجمهور إلى أن التسوية مستحبة فقط، وأجابوا عن الأحاديث بما لا ينبغي الالتفات إليه " انتهى من "الدراري المضية شرح الدرر البهية" (1/348) .
والعدل: أن يعطي للذكر مثل حظ الأنثيين، كما في قسمة المواريث، لأنه لا أعدل من قسمة الله تعالى.
وقد سبق بيان هذا في جواب السؤال (22169) .
ثانيا:
إذا مات الأب وقد فاضل في العطية، أو في توزيع التركة التي قسمها في حياته، لزم الورثة أن يقيموا العدل، ويقسموا التركة كما أمر الله.
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: هل يجوز للوالد أن يسجل مزرعة لأحد أولاده ويترك باقي الأولاد؟ والدي سجل لي مزرعة وترك أختي وأخاً صغيراً، هل أنا أتكفل بهؤلاء الأبناء أم أتركهما؟
فأجابت: "يجب على الوالد أن يسوِّي بين أولاده في العطية حسب الميراث الشرعي، ولا يجوز له تخصيص بعضهم دون بعض؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فعن النعمان بن بشير رضي الله عنه: (أن أباه أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني نحلت ابني هذا غلاما كان لي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكل ولدك نحلته مثل هذا؟ فقال: لا، فقال: فأرجِعْه) متفق عليه.
وعليه: فيجب على والدك أن يعدل العطية التي حصلت منه لبعض أولاده بأن يعطي كل واحد من أولاده مثل ما أعطى المذكور، أو يسترجع العطية منه، وإن كان والدك قد مات: فاقسم التركة بينك وبين بقية الورثة، حسب الحكم الشرعي" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز , الشيخ عبد الله بن غديان , الشيخ صالح الفوزان , الشيخ عبد العزيز آل الشيخ , الشيخ بكر أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (16/216) .
هذا بالنسبة للحكم الشرعي في هذه المسألة، أما مسألتكم فإنها خصومة، والذي يفصل فيها هو القاضي الشرعي، لأنه قد يكون حصل من الأبناء أو بعضهم ما يدل على رضاه بقسمة الوالد، فلا يكون من حقه الرجوع والمطالبة بإعادة القسمة.
والذي يمكنه الوقوف على ذلك والتقصي هو القاضي، فإن لم يمكن إنهاء المشكلة بينكم بالتراضي والمصالحة، فليس أمامكم إلا الذهاب إلى المحكمة الشرعية.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6148)
إعطاء هدية من المال عند الولادة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأي الشرع في نظركم فيما تفعله بعض النساء اليوم حيث إنها إذا رزقت إحدى صديقاتها بمولود تقوم بإعطائها بما يسمى بالحِفالة وهو عبارة عن مبلغ كبير من المال قد يثقل كاهل الزوج، ويسبب بعض المشاكل هل له أصل في الشرع؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"نعم، الهدية للمولد عند ولادته لا بأس بها في الأصل؛ لأن الأصل في الهدية بل وفي جميع المعاملات الحل والصحة، إلا ما قام الدليل على تحريمه.
فإذا جرت العادة بأن الناس إذا ولد لهم الولد أهدى إليه أقاربه شيئاً من المال، فلا بأس أن يفعل ذلك الإنسان تبعاً للعادة والعرف، لا تعبداً بذلك لله عز وجل، ولأنني لا أعلم شيئاً من السنة الآن على استحباب ذلك، لكنها عادة معروفة عند الناس اليوم ومألوفة، إلا أن هذه العادة إذا تضمنت ضرراً على أحدٍ فإن الضرر ممنوع، فلو كانت هذه العادة تثقل كاهل الزوج، بحيث تلح الزوجة على زوجها أن يعطيها هذا المال الذي يثقل كاهله لتؤديه لمن ولد لها الولد، فإن ذلك ينهى عنه، لما فيه من أذية الزوج وإحراجه، أما ما جرت به العادة من التهادي بالشيء اليسير الذي يجلب المودة والمحبة فلا بأس به " انتهى.
"نور على الدرب" للشيخ ابن عثيمين (ص34، 35) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6149)
إذا أسكن أحد الأبناء في شقة مجانا فهل يلزمه العدل مع بقية الأبناء
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي ابنتان وأربعة أبناء ذكور , تزوجت إحدى البنات وتزوج أحد الأبناء الذكور , بنيت 4 شقق للأبناء الذكور ليسكنوها مجاناً على أن يقوموا بإعطاء البنات حقهن من الإيجار على أساس للذكر مثل حظ الانثيين , الآن ابني المتزوج يسكن في إحدى هذه الشقق ويقوم بدفع ثلث الايجار لأخته المتزوجة فقط , ولكن هل يجب عليه دفع شيء لأخته الغير متزوجة وهي في إعالتي حالياً؟ وكذلك إخوانه الذكور الآخرين الذين في إعالتي حالياً أيضاً علماً أنهم سيحصلون على شقق مشابهة بعد زواجهم بإذن الله؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ينبغي التفريق بين النفقة والعطية، فالنفقة التي ينفقها الأب على أبنائه تختلف باختلاف حاجتهم، فنفقة الصغير ليست كنفقة الكبير، ونفقة من يدرس في المراحل الأولى ليست كنفقة من يدرس في الجامعة، ونفقة البنت ليست كنفقة الولد غالباً.
ومن ذلك: نفقة الزواج، فما ينفقه الأب على زواج أحد أبنائه لا يلزمه أن يعطي مثله لمن لم يتزوج؛ لأن هذا من باب النفقة التي تعطى من يحتاج لها فحسب، فإذا كبر آخر زوّجه، وهكذا.
وهذا يقال في المسكن أيضا، فإذا كان للأب مسكن، واحتاجه الابن المتزوج فإنه يعطى له من باب الانتفاع، لا التمليك، فتسد حاجته بذلك، وكذا لو احتاج سيارة مثلا، أعطيت له ليركبها، دون أن يملكها.
والمقصود: أنه يعطى كل ابن ما يحتاجه ويناسبه.
وأما العطية الزائدة على النفقة فهذه هي التي يجب فيها التسوية، ويحرم فيها تفضيل أحد الأبناء على الآخرين، فيسوَّى بين الأولاد الذكور، ويعطى الذكر مثل حظ الأنثيين.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله منبها على الفرق بين النفقة والعطية:
" فإذا فرضنا أن أحدهم في المدارس ويحتاج إلى نفقة للمدرسة من كتب ودفاتر وأقلام وحبر وما أشبه ذلك، والآخر لا يقرأ، وهو أكبر منه لكنه لا يحتاج، فهل إذا أعطى الأول يجب أن يعطي الثاني مثله؟
الجواب: لا يجب؛ لأن التعديل في الإنفاق يعني أن يعطي كل واحد منهم ما يحتاج إليه.
مثاله: لو احتاج الولد الذكر إلى غترة وطاقية قيمتهما مائة ريال، واحتاجت الأنثى إلى قروط في الآذان قيمتها ألف ريال، فما هو العدل؟
الجواب: العدل أن يشتري لهذا الغترة والطاقية بمائة ريال، ويشتري للأنثى القروط بألف ريال أضعاف الذكر عشر مرات، هذا هو التعديل.
مثال آخر: إذا احتاج أحدهم إلى تزويجه والآخر لا يحتاج، فما العدل؟
الجواب: أن يعطى من يحتاج إلى التزويج ولا يعطى الآخر، ولهذا يعتبر من الغلط أن بعض الناس يزوج أولاده الذين بلغوا سن الزواج ويكون له أولاد صغار فيكتب في وصيته: إني أوصيت لأولادي الذين لم يتزوجوا أن يُزَوًّج كل واحد منهم من الثلث، فهذا لا يجوز؛ لأن التزويج من باب دفع الحاجات، وهؤلاء لم يبلغوا سن التزويج، فالوصية لهم حرام، ولا تنفذ أيضا، حتى الورثة لا يجوز لهم أن ينفذوها إلا البالغ الرشيد منهم إذا سمح بذلك، فلا بأس بالنسبة لحقه في التركة " انتهى من "الشرح الممتع" (4/599) .
وينظر في وجوب التسوية بين الأولاد في العطية جواب السؤال رقم (22169) .
ثانيا:
ينبني على ما سبق، أن من تزوج من أبنائك، واحتاج إلى سكن، فلا حرج أن تأذن له بالسكن في إحدى الشقق، مع بقائها على ملكه، ولا يلزمه أن يعطي شيئا لإخوانه أو أخواته، كما لا يلزمك أن تعطيهم شيئا، ما داموا لا يحتاجون إلى مسكن، إما بسكناهم معك [في إعالتك] ، أو بسكن البنت مع زوجها.
فإن كان الابن غير محتاج للسكن، كان السماح له بالانتفاع بالشقة مجانا من باب العطية، فيراعى العدل حينئذ، بأن تعطي لبقية إخوانه مثل إيجار الشقة، أو يدفع الابنُ الأجرة وتكون لك، أو يعطي إخوانه جميعا حقهم من الأجرة.
وإن أردت تمليك الشقق لأبنائك، لزمك العدل بينهم، وجعل ما للذكر ضعف ما للأنثى، كما في الميراث، ومن الخطأ أن يملّك الابن الشقة مثلا، ثم يقال له: أعط إخوانك، أو أن يملّك الذكور، ويطلب منهم إعطاء الإناث؛ لأنهم قد يعطون وقد لا يعطون، وحاجة الابن للسكن – لو كان محتاجا – تندفع بالسماح له بالسكن، دون أن يملّك، فإذا أراد الأب التمليك، لزمه العدل، وينبغي أن يوثق ذلك منعا للنزاع والاختلاف بين الأولاد.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6150)
قال لزوجاته: كل واحدة لها بيتها، فهل يعد هذا هبة وتمليكا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[توفي والدي يرحمه الله وترك 3 زوجات و10أولاد و12 بنت، وله من البيوت أربع كل زوجة تسكن في بيت، والبيت الرابع كان يقيم فيه شقيقي، وبعد وفاة والدي يرحمه الله انتقل منه شقيقي، والآن يقيم فيه أحد إخواني من والدي، وكان والدي في حياته دائما يقول لأمي: (إن كل زوجة لها بيتها وأنتم - يقصد أمي- بيتكم هو بيت ولدكم - يقصد البيت الذي يسكنه أخي-، وهذا البيت - يقصد الذي تسكنه أمي- هو بيت الشركاء) ، فهل البيوت تعتبر هبة وهبها أبي لزوجاته أم تدخل ضمن الورث؟ وهل يحق لأمي البقاء في البيت الذي هي فيه أم لابد لها من الانتقال للبيت الذي أخبرها والدي بأنه لها، مع العلم بأن البيت الذي أخبر أبي بأنه لأمي أصغرها مساحة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
قول والدك: كل زوجة لها بيتها، قد يراد به الهبة والتمليك للعين، وقد يراد به تمليك الانتفاع فقط، والاحتمال الأول أقوى، لا سيما إذا كان له أملاك أخرى كثيرة، ستوزع على أولاده، فكأنه أراد حفظ حق الزوجات بجعل بيت لكل واحدة.
فعليكم بمراجعة الأمر، والنظر في القرائن التي تعين على تحديد مراد الوالد، وإن تراضيتم على إخراج البيوت الثلاث من التركة وجعلها للزوجات، فحسن.
ثانيا:
يلزم الزوج أن يعدل بين زوجاته في العطية، فإذا أعطى واحدة بيتا أعطى نظيره لزوجته الأخرى، وينظر جواب السؤال رقم (34701) .
وعليه؛ فكان يلزم الوالد – في حال هبته المنازل لزوجاته – أن يعطي لوالدتك بيتا مماثلا لبيوت زوجتيه، أو أن يعوضها عن النقص الحاصل في بيتها.
ثالثا:
إذا تبين لكم أن الوالد قد وهب هذه البيوت لزوجاته، فإن نصيب والدتك هو البيت الذي حدده ولو كان صغيرا، وأما البيت المشترك فهو جزء من التركة، والأفضل للزوجتين الأخريين أن يرضيا والدتك ويعوضانها عن النقص في بيتها، إحسانا للزوج، وتبرئة له من الجور في العطية.
ونسأل الله تعالى أن يعينكم على تحقيق العدل، والقيام بواجب البر.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6151)
يعطي المندوب مبلغا من المال ليشتري منه
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي عميل يشتري مني بضاعة وهو مندوب لدي مؤسسة، وأنا أبيعه البضاعة على أنه لو وجد هذه البضاعة بسعر ناقص أن يرد لي البضاعة أو أعمل له خصماً، أما إذا تساوى سعري وسعر السوق فأكون أنا الأولى بأن يشتري مني، على أن أعطيه مبلغاً من المال له، ولا تدخل في حساباته مع صاحب المؤسسة، أفتونا مأجورين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز إعطاء المندوب شيئا من المال، أو الهدايا له؛ لدخول ذلك في الرشوة، وهدايا العمال المحرمة، لأنه موظف في مؤسسته، وشراء البضاعة جزء من عمله الذي يتقاضى راتبا عليه، وهو وكيل عن مؤسسته فيما يشتريه، فكل ربح أو تخفيض يأتيه، يرجع إلى مؤسسه، ولا يحل له أن يأخذ منه شيئا.
روى أحمد والبيهقي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (هدايا العمال غلول) أي خيانة. والحديث صححه الألباني في صحيح الجامع رقم 7021.
و (العمال) هم الموظفون، فكل هدية تعطى للموظف بسبب وظيفته فهي خيانة محرمة.
وروى البخاري (7174) ومسلم (1832) عن أبي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه قَالَ: اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلا عَلَى صَدَقَةٍ فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي، فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: (مَا بَالُ الْعَامِلِ نَبْعَثُهُ فَيَأْتِي يَقُولُ: هَذَا لَكَ وَهَذَا لِي، فَهَلا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَيَنْظُرُ أَيُهْدَى لَهُ أَمْ لا؟ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا يَأْتِي بِشَيْءٍ إِلا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ، إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَتَيْ إِبْطَيْهِ: أَلا هَلْ بَلَّغْتُ ثَلاثًا) .
والرغاء: صوت البعير، والخُوار: صوت البقرة، واليُعار: صوت الشاة.
فيقال هنا: لو جلس هذا المندوب في بيته، ما أهديته ولا أعطيته شيئا، وإنما تعطيه لأجل أن يشتري منك لمؤسسته، وهذا قد يحمل الموظف على خيانة الأمانة، فيشتري ممن يعطيه ويمنحه، وإن كان ما عند غيره أفضل وأصلح، ولهذا سد الشرع هذا الباب، فلا يهدى للعامل، ولا يعطى شيئا له.
ومما يؤسف له انتشار هذه الرشاوى في هذه الأزمنة، وتوسع الناس في صورها، حتى انضاف إليها الغش والكذب، وأصبح البائع يكتب للمندوب سعرا كاذبا، وفاتورة زائفة، ليعينه على خيانة الأمانة وكسب الحرام، ليعتاد الشراء منه، فالواجب الحذر من عامة الصور التي تدخل في الرشوة وهدايا العمال المحرمة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6152)
اشترك مع أبيه في شراء منزل، فهل للأب أن يسكن الأخ الأصغر فيه بدون إذنه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أخي الأكبر ووالدي استهما على شراء منزل وكان لأخي النصيب الأكبر من هذا المنزل، واشتريا هذا المنزل بغاية أن يكون منزلاً لوالدي ووالدتي وأخي الأصغر الذي عمره الآن 30 عاماً، والآن يريد والدي أن يزوج أخي الأصغر ويسكنه وزوجته في نفس المنزل، هنا اعترض أخي الأكبر على ذلك وطالب أبي بأن عليه أولاً طلب إذنه بإسكان أخي الأصغر وزوجته في هذا المنزل، بينما أبي لا يرى أي حق لأخي الكبير في هذا الطلب على اعتبار قول النبي عليه الصلاة والسلام: (أنت ومالك لأبيك) ، وأن العائلة تساند بعضها، وأن أخي الأصغر سيكن معهم أيضاً لأجل رعايتهم (والدي 77 عاماً ووالدتي 71 عاماً) ، وليس عند أخي الأصغر سعة من المال ليسكن وحده، وعلى أثر هذه المشكلة لا يريد أبي أن يكلم أخي الأكبر والذي بدوره لا يريد ذلك أيضاً حتى يقر والدي بأن له الحق في طلبه. مع العلم أن أخي الأكبر له منزل غير هذا المنزل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ما قام به أخوك من مشاركة والده في شراء منزل يسكن فيه والداه، عمل صالح، يرجى له به الأجر والثواب عند الله، وهو يحتمل أمرين:
الأول: أن يكون فعل ذلك على سبيل الهبة والتبرع لوالده، فيكون البيت حينئذ ملكاً للوالد يتصرف فيه كما يشاء، وله أن يسكن أحد أبنائه فيه إذا كان محتاجاً لذلك.
الثاني: أن يكون فعل ذلك محتفظاً بنصيبه – أي: لم يهبه ولم يتبرع به لوالده -، فيبقى ملكاً له، لا يجوز لأحد أن يتصرف فيه إلا بإذنه، باستثناء ما للوالد من حق في ذلك كما سيأتي.
ثانياً:
للأب أن يأخذ من مال ولده ما يحتاج إليه؛ لحديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما أَنَّ رَجُلا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي مَالا وَوَلَدًا، وَإِنَّ أَبِي يُرِيدُ أَنْ يَجْتَاحَ مَالِي، فَقَالَ: (أَنْتَ وَمَالُكَ لأَبِيكَ) رواه ابن ماجه (2291) ، وابن حبان في صحيحه (2 / 142) ، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه.
وروى الإمام أحمد في مسنده برقم (6863) عن عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: أَتَى أَعْرَابِيٌّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ أَبِي يُرِيدُ أَنْ يَجْتَاحَ مَالِي، قَالَ: (أَنْتَ وَمَالُكَ لِوَالِدِكَ، إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلْتُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ، وَإِنَّ أَمْوَالَ أَوْلَادِكُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ، فَكُلُوهُ هَنِيئًا) .
وله طرق وشواهد يصح بها.
انظر: " فتح الباري " (5 / 211) ، و " نصب الراية " (3 / 337) .
ولكن هذا الأخذ مقيد بشروط بَيَّنها أهل العلم:
أحدهما: أن لا يجحف بالابن , ولا يضر به , ولا يأخذ شيئا تعلقت به حاجته.
الثاني: أن لا يأخذ من مال ولده فيعطيه الآخر.
الثالث: أن يكون الأب محتاجاً للمال، فلا يجوز له أن يأخذ ما لا يحتاجه عند جمهور الفقهاء؛ لما روى الحاكم (2 / 284) ، والبيهقي (7 / 480) عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أولادكم هبة الله لكم (يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور) فهم وأموالهم لكم إذا احتجتم إليها) . والحديث صححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (2564) .
قال ابن قدامة رحمه الله: " ولأبٍ أن يأخذ من مال ولده ما شاء , ويتملكه , مع حاجة الأب إلى ما يأخذه , ومع عدمها , صغيراً كان الولد أو كبيراً , بشرطين:
أحدهما: أن لا يجحف بالابن , ولا يضر به , ولا يأخذ شيئا تعلقت به حاجته.
الثاني: أن لا يأخذ من مال ولده فيعطيه الآخر. نص عليه أحمد؛ وذلك لأنه ممنوع من تخصيص بعض ولده بالعطية من مال نفسه , فلأن يمنع من تخصيصه بما أخذ من مال ولده الآخر أولى ...
وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي: ليس له أن يأخذ من مال ولده إلا بقدر حاجته ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام , كحرمة يومكم هذا , في شهركم هذا) متفق عليه.
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفسه) رواه الدارقطني؛ ولأن ملك الابن تام على مال نفسه , فلم يجز انتزاعه منه , كالذي تعلقت به حاجته " انتهى من "المغني" (5/395) .
وعلى هذا؛ فليس لوالدك أن يعطي شيئا من نصيب أخيك الأكبر لأخيك الأصغر، ولا أن يسكنه في البيت إلا بإذنه، وينبغي لأخيك أن يأذن بذلك ويرضى، لما في ذلك من مصلحة الوالدين، وصلة رحم أخيه وإحسانه إليه، والإذن بالسكنى ليس تمليكاً، بل هو إباحة للانتفاع، ويبقى ملك البيت مشتركاً بين الوالد والأخ الأكبر بقدر ما دفعا فيه من مال.
ثالثاً:
لا يجوز للأب أن يفاضل بين أبنائه في العطية، إلا بإذنهم، لكن إن كان أحدهم محتاجاً، جاز له أن يعطيه من باب النفقة لا العطية، كما لو احتاج أحدهم للسكن، فله أن يسكنه معه، أو يدفع له أجرة السكن.
قال ابن قدامة في "المغني" (5/388) : " فإن خصّ بعضهم لمعنى يقتضي تخصيصه , مثل اختصاصه بحاجة , أو زمانة , أو عمى , أو كثرة عائلة , أو اشتغاله بالعلم أو نحوه من الفضائل , أو صرف عطيته عن بعض ولده لفسقه , أو بدعته , أو لكونه يستعين بما يأخذه على معصية الله , أو ينفقه فيها , فقد روي عن أحمد ما يدل على جواز ذلك " انتهى.
وعليه؛ فلا حرج على والدك أن يخص أخاك الأصغر بأجرة السكن، أو بإسكانه معه في ملكه الخاص، ما دام لا يستطيع توفير السكن المناسب له، أو في ملكه المشترك بإذن أخيه الأكبر.
وينبغي أن تسعوا للتوفيق بين الوالد وأخيكم، ودعوتهما لما فيه الإحسان والبر والصلة.
ونسأل الله أن يوفق الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6153)
إعطاء الممرضة مالا أو ما يسمى بحلاوة المولود
[السُّؤَالُ]
ـ[في المستشفى بعد الولادة تأتي الممرضات إلى الأب ويقولون له ألف مبروك فيعطيهم الأب مبلغا من المال مثلا 5 جنيهات لكل ممرضة (وتسمى في العرف الشائع حلاوة وصول المولود بسلامة الله) ، فهل هذا جاز أو هل من السحت؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل جواز إعطاء الهدية للبشير، الذي يخبر بخبر سار كمولود أو قدوم غائب ونحو ذلك من الأخبار السارة.
وقد روى البخاري (4418) ومسلم (2769) في قصة توبة الله تعالى على كعب بن مالك رضي الله بعد تخلفه عن غزوة تبوك، قال كعب: فَلَبِثْتُ بَعْدَ ذَلِكَ عَشْرَ لَيَالٍ حَتَّى كَمَلَتْ لَنَا خَمْسُونَ لَيْلَةً مِنْ حِينَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَلَامِنَا، فَلَمَّا صَلَّيْتُ صَلَاةَ الْفَجْرِ صُبْحَ خَمْسِينَ لَيْلَةً، وَأَنَا عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِنَا، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عَلَى الْحَالِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ، قَدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ نَفْسِي، وَضَاقَتْ عَلَيَّ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، سَمِعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ أَوْفَى عَلَى جَبَلِ سَلْعٍ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ، أَبْشِرْ. قَالَ: فَخَرَرْتُ سَاجِدًا، وَعَرَفْتُ أَنْ قَدْ جَاءَ فَرَجٌ، وَآذَنَ [أي: أعلم] رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى صَلَاةَ الْفَجْرِ، فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا، وَذَهَبَ قِبَلَ صَاحِبَيَّ مُبَشِّرُونَ، وَرَكَضَ إِلَيَّ رَجُلٌ فَرَسًا، وَسَعَى سَاعٍ مِنْ أَسْلَمَ فَأَوْفَى عَلَى الْجَبَلِ، وَكَانَ الصَّوْتُ أَسْرَعَ مِنْ الْفَرَسِ، فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ يُبَشِّرُنِي نَزَعْتُ لَهُ ثَوْبَيَّ فَكَسَوْتُهُ إِيَّاهُمَا بِبُشْرَاهُ، وَاللَّهِ مَا أَمْلِكُ غَيْرَهُمَا يَوْمَئِذٍ، وَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ فَلَبِسْتُهُمَا وَانْطَلَقْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) الحديث.
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم في ذكر فوائد هذا الحديث:
" الرَّابِعَة وَالْعِشْرُونَ: اِسْتِحْبَاب التَّبْشِير بِالْخَيْرِ. الْخَامِسَة وَالْعِشْرُونَ: اِسْتِحْبَاب تَهْنِئَة مَنْ رَزَقَهُ اللَّه خَيْرًا ظَاهِرًا , أَوْ صَرَفَ عَنْهُ شَرًّا ظَاهِرًا. السَّادِسَة وَالْعِشْرُونَ: اِسْتِحْبَاب إِكْرَام الْمُبَشِّر بِخُلْعَةٍ أَوْ نَحْوهَا " انتهى.
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (8/94) : " وفي قصة كعب أنه لما جاءه البشير بالتوبة , نزع له ثوبيه وكساهما إياه نظير بشارته، ونقل الأبي عن القاضي عياض أنه قال: وهذا يدل على جواز البشارة والتهنئة بما يسر من أمور الدنيا والآخرة , وإعطاء الجُعْل [شيء من المال] للمبشر، وفي حديث كعب: مشروعية الاستباق إلى البشارة بالخير " انتهى.
فمن بُشِّر بمولود استحب له أن يعطي شيئا لمن بشره.
وعلى هذا؛ فلا حرج في إعطاء الممرضة شيئا من المال لأجل ذلك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6154)
الهدايا العينية إذا أخذها الموظف ووضعها في مقر العمل
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لموظف في شركة ما تتعامل مع شركات أخرى أن يأخذ هدية أثناء قيامه بعمله (مثل أن يهدى إليه قلم أو أجندة، عادة ما توزع على عمال تلك الشركة) ، شريطة أن لا ينتفع بها شخصيا ... كأن يضعها مثلا في مقر عمله ليستفيد منها الجميع.. مع العلم أنه ليس بإمكانه رفضها أو إعادتها خاصة إذا كان يجهل حكم الشرع أو نسيه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل في الهدايا التي تقدم للعمال أنها لا تجوز، والمفاسد المترتبة عليها كثيرة، سبق بيانها في جواب السؤال رقم (82497) و (87864) .
فإن أخذ الموظف الهدية ولم يمكنه رفضها، أو لم يمكنه إرجاعها بعد أخذها، فهي لصاحب العمل؛ لأن الموظف وكيل عنه في التصرف، فما جاء من هدية أو تخفيض فإنه يعود إلى موكله، إلا أن يأذن له في أخذها لنفسه، أو يأذن في تركها في الشركة ينتفع بها الموظفون.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6155)
وهب أولاده أرضاً وبنى لبعضهم بيوتاً ولم يفعل ذلك مع إحدى بناته!
[السُّؤَالُ]
ـ[حال حياة والدنا رحمه الله وهب قطعة من الأرض للأبناء، والبنات، والزوجة، ما عدا بنتاً واحدة (ميسورة الحال مقارنة بالآخرين) وقال: هذه الأرض لفلان، وفلان، وذكر أسماءهم (ماعدا البنت المذكورة) ، وبعد ذلك قام الوالد رحمه الله ببناء ثلاث فيلات من ماله الخاص لثلاثة من الموهوب لهم على جزء من الأرض الموهوبة (شارك أحدهم في سداد جزء من قيمة الفيلا المخصصة له) ، وخلال فترة البناء التي استمرت عدة سنوات كانت البنت التي لم تشملها الهبة على علم بذلك، ولم تعترض، وقام الثلاثة بالسكن في فيلاتهم بعد الانتهاء من أعمال البناء، وتم توزيع الثلاث قطع الأخرى على باقي الموهوب لهم تمهيداً للبناء عليها عندما يتيسر حالهم، علماً بأن الأرض تتسع لعدد (6) فيلات فقط بعدد الموهوب لهم. وبعد وفاة الوالد رحمه الله ترك الكثير من العقارات، والأموال النقدية والحمد لله، وانحصر ورثته في الزوجة، وولدين، وأربع بنات، (الزوجة 8 أسهم، كل ولد 14 سهماً، كل بنت 7 أسهم من عامة 64 سهماً) ، ولا خلاف مطلقاً على الأنصبة المذكورة في جميع أموال التركة، ولكن الخلاف حدث بشأن الأرض الموهوبة؛ لأن البنت التي لم تشملها الهبة تطالب الآن بنصيبها في الأرض الموهوبة بمقولة أن الوالد رحمه الله لم يسجل الأرض بأسماء الموهوب لهم، ولم يقل إنها لا تستحق شيئاً في تلك الأرض، وبالتالي فالهبة لا تسري عليها، وأن قبض الموهوب لهم للأرض والبناء على جزء منها قبل وفاة الأب لا يسري عليها، فما هو حكم الشرع الحنيف؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يجب على الأب أن يعدل فيما يعطي أولاده من الهدية أو الهبة.
فعَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه أَنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي نَحَلْتُ ابْنِي هَذَا غُلَامًا، فَقَالَ: (أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَ مِثْلَهُ؟) قَالَ: لَا، قَالَ: (فَارْجِعْهُ) رواه البخاري (2446) ومسلم (1623) .
" نحلت ": أي: أعطيت، من النِّحلة، وهي العطاء.
قال النووي رحمه الله:
وفي هذا الحديث: أنه ينبغي أن يسوي بين أولاده في الهبة، ويهب لكل واحد منهم مثل الآخر، ولا يفضل.
"شرح مسلم" (11/66) .
وقال الشوكاني رحمه الله:
وهذه الأحاديث تدل على وجوب التسوية، وأن التفضيل باطل، جور، يجب على فاعله استرجاعه، وبه قال طاوس، والثوري، وأحمد، وإسحق، وبعض المالكية، وذهب الجمهور إلى أن التسوية مستحبة فقط، وأجابوا عن الأحاديث بما لا ينبغي الالتفات إليه.
" الدراري المضية شرح الدرر البهية " (1/348) .
والعدل: أن يعطي للذكر مثل حظ الأنثيين، كما في قسمة المواريث، لأنه لا أعدل من قسمة الله تعالى.
وقد سبق بيان هذا في جواب السؤال (22169) .
ولا يمنع من وجوب التسوية في العطية كون أحد الأولاد غنيّاً، أو له وظيفة، أو كانت البنات متزوجات.
فقد سئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
لدي أولاد، وبنات، فهل يجوز لي أن أعطي البنات دون الأولاد، مع أن الأولاد في وظائف، ويعطونني، لكنني أرفض، والبنات متزوجات؟ .
فأجاب:
"النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالعدل في العطية بين الأولاد، قال صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) - رواه البخاري -، فلا يجوز للوالد أن يخصص بعض أولاده بعطية، ويترك الباقين، بل عليه أن يسوِّي بينهم في العطية، ويعدل بينهم؛ كما أمر الله تعالى بذلك، ولو كان بعضهم في وظائف، وبعضهم ليسوا موظفين؛ فالعدل واجب" انتهى.
"المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان" (3 / 333، السؤال رقم 496) .
فقد أخطأ والدكم رحمه الله لأنه لم يعط أختكم أرضاً كما أعطاكم جميعاً، وأخطأ حيث لم يبنِ لغير الثلاثة من أبنائه ما بنى لهم، وكان الواجب عليه العدل في هبة الأرض، وفي البناء الذي أقامه عليها.
وبما أن والدكم قد توفي: فإن الواجب عليكم الآن إشراك أختكم في جميع تركة والدكم، بما في ذلك ما وهبه لكم دونها، وكونها غنية لا يبيح لوالدكم حرمانها من العطية – كما سبق -، وسكوتها لا يعني قبولها، ويدل على ذلك مطالبتها بحصتها بعد وفاته؛ فإن من عادة الأولاد السكوت في مثل هذه الحال حياءً من والدهم، وليس رضاً بصنيعه.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة:
هل يجوز للوالد أن يسجل مزرعة لأحد أولاده ويترك باقي الأولاد؟ والدي سجل لي مزرعة وترك أختي وأخاً صغيراً، هل أنا أتكفل بهؤلاء الأبناء أم أتركهما؟ .
فأجابوا:
"يجب على الوالد أن يسوِّي بين أولاده في العطية حسب الميراث الشرعي، ولا يجوز له تخصيص بعضهم دون بعض؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فعن النعمان بن بشير رضي الله عنه: (أن أباه أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني نحلت ابني هذا غلاما كان لي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكل ولدك نحلته مثل هذا؟ فقال: لا، فقال: فأرجعه) متفق عليه.
وعليه: فيجب على والدك أن يعدل العطية التي حصلت منه لبعض أولاده بأن يعطي كل واحد من أولاده مثل ما أعطى المذكور، أو يسترجع العطية منه، وإن كان والدك قد مات: فاقسم التركة بينك وبين بقية الورثة، حسب الحكم الشرعي" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز , الشيخ عبد الله بن غديان , الشيخ صالح الفوزان , الشيخ عبد العزيز آل الشيخ , الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (16/216) .
فيجب تقسيم جميع التركة بما فيها الأراضي والأبنية الموهوبة من والدكم على جميع الورثة حسب القسمة الشرعية.
ويضاف لأخيكم الذي سدَّدَ جزءاً من قيمة الفيلا المخصصة له ما أنفقه من أموال، فتضاف إلى نصيبه من الميراث.
ثانياً:
ما أعطاه والدكم رحمه الله لوالدتكم من هبة: فإنها لا تُرجعه، ولا تضعه في التركة؛ لأن العدل إنما يجب في هبة الأولاد، ويجوز أن يخص الزوجة بشيء دون أولاده، فإن كانت قبضته في حياته فهو لها ولا يدخل في التركة، وإن كانت لم تقبضه فإنه يدخل في التركة ويقسم على جميع الورثة.
قال النووي رحمه الله في "روضة الطالبين":
وأما شرط لزوم الهبة فهو القبض، فلا يحصل الملك في الموهوب والهدية إلا بقبضهما. هذا هو المشهور.
وانظر: "الموسوعة الفقهية" (42/130، 131) .
ولا يشترط في القبض أن يكون قد سَجَّل الأرض رسمياً باسم والدتكم، بل يكفي أنه عَرَّفها حدودها، وصارت متمكنة من التصرف فيها.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6156)
جمع التبرعات لشراء هدايا للعوائل الفقيرة في الكريسمس
[السُّؤَالُ]
ـ[مدرستي فيها تقاليد في أعياد الميلاد فكل عام يقوم أحد الفصول بتولي أمر أسرة فقيرة يجمع لها التبرعات لشراء هدايا أعياد الميلاد ولكني رفضت ذلك لأن الأسرة حينما تتلقى هذه الهدايا تدعو "بارك الله في النصارى" فهل فعلي صحيح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يظهر أنك تعني ميلاد المسيح عليه السلام الذي تعظمه النّصارى وتتخذه عيداً. وأعياد النصارى من دينهم، وتعظيم المسلمين لأعياد الكفّار بإظهار الفرح والسرور وتقديم الهدايا هو من التشبُّه بهم، وقد قال صلى الله عليه وسلم (من تشبّه بقوم فهو منهم) . فيجب على المسلمين أن يحذروا من التشبه بالنصارى في أعيادهم، وفي العادات المختصة بهم، وقد أحسنت وأصبت حيث لم توافق على جمع التبرعات للأسر الفقيرة بمناسبة أعياد الميلاد، فاستقم على طريقك، وناصح إخوانك وبيِّن لهم أن هذا العمل لا يجوز فنحن المسلمين ليس لنا سوى عيد الفطر، وعيد الأضحى وقد أغنانا الله عن أعياد الكافرين بهذين العيدين. انتهى.
كتبه: الشيخ عبد الرحمن البراك
ونحن المسلمين إذا أردنا الصّدقة فإننا نبذلها للمستحقّين الحقيقيين ولا نتعمد جعْل ذلك في أيام أعياد الكفار بل نقوم به كلما دعت الحاجة وننتهز مواسم الخير العظيمة كرمضان والعشر الأوائل من ذي الحجّة وغيرها من المواسم الفاضلة التي تُضاعف فيها الأجور، وكذلك في أوقات العسرة كما قال الله تعالى: فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16) ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَءَامَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (18) سورة البلد
وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد
(5/6157)
هل يجوز أن يهب شقتين لابنتيه في حياته؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي طفلتان وأمتلك مبلغا من المال وسيارة وشقتين , فهل يجوز لي أن أكتب لكل طفلة شقة حال حياتي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز للرجل أن يهب بعض ماله لأولاده، كما يجوز أن يقسم تركته في حياته، بشرط ألا يقصد الإضرار بالورثة.
قال في " الإنصاف " (7/142) : " لا يكره للحي قسم ماله بين أولاده. على الصحيح من المذهب. وعنه: يكره. (يعني: عن الإمام أحمد قول آخر بالكراهة) قال في الرعاية الكبرى: يكره أن يقسم أحد ماله في حياته بين ورثته إذا أمكن أن يولد له" انتهى.
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة": " (16/463) : " ننصح والدك ألا يقسم ماله في حياته، فربما احتاج إليه بعد ذلك" انتهى.
ويشترط في الهبة أن تكون منجّزة، فتعطي لابنتيك الشقتين حال حياتك وصحتك، وتسجلهما باسميهما، لأن تعليق الهبة على الموت له حكم الوصية، ولا تجوز الوصية لوارث.
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: أنا عندي من الأولاد بنت واحدة، وأملك بيتا من طابقين، ولي إخوان، فهل أستطيع أن أمنح بنتي جزءا من البيت، أم هذه المنحة تؤثر على حق الورثة، وبالتالي تكون المنحة حراما؟
فأجابت: "إذا كان منحك للجزء من بيتك لابنتك منجّزا ولم تقصد حرمان بقية الورثة بأن قبضتْه في الحال، وملكت التصرف فيه- فلا بأس بذلك؛ لأن هذا من باب العطية، وإن كان منحك لها بالوصية فهذا لا يجوز؛ لأنه لا وصية لوارث، لما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا وصية لوارث) " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (16/213)
عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... عبد الرازق عفيفي ... عبد الله بن غديان ...
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6158)
حكم قبول المقرِض هديةً من المقترض
[السُّؤَالُ]
ـ[اقترض مني شخص مبلغاً من المال وأهداني هدية قبل أن يرد القرض إليّ، فما حكم قبولي لهذه الهدية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الشخص الذي اقترض منك قد جرت العادة قبل القرض أن يهدي لك هدية، كما لو كان صاحبك أو قريبك ونحو ذلك فلا بأس بقبول الهدية حينئذ لأنها ليست بسبب القرض.
أما إذا كان هذا الشخص لم تجر العادة بأن يهدي لك فلا يجوز لك قبولها لأنها قد تكون بسبب القرض، فإذا قبلتها تكون قد وقعت في الربا لأن القاعدة في القرض أن "كل قرض جَرَّ نفعاً فهو ربا" وهذا القرض قد جر لك نفعاً. ينظر السؤال (30842) ، (39505) .
وأيضاً: لأنه قد يكون دفعها إليك حتى تؤجل مطالبته بالدَّيْن، وهذا أيضاً من الربا.
وقد دل على ذلك ما رواه ابن ماجه (2432) عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي إِسْحَقَ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ الرَّجُلُ مِنَّا يُقْرِضُ أَخَاهُ الْمَالَ فَيُهْدِي لَهُ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا أَقْرَضَ أَحَدُكُمْ قَرْضًا فَأَهْدَى لَهُ أَوْ حَمَلَهُ عَلَى الدَّابَّةِ فَلا يَرْكَبْهَا وَلا يَقْبَلْهُ، إِلا أَنْ يَكُونَ جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ قَبْلَ ذَلِكَ) . حسنه شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى الكبرى" (6/159) .
ورَوَى ابْنُ سِيرِينَ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه أَسْلَفَ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ رضي الله عنه عَشَرَةَ آلافِ دِرْهَمٍ , فَأَهْدَى إلَيْهِ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ مِنْ ثَمَرَةِ أَرْضِهِ , فَرَدَّهَا عَلَيْهِ , وَلَمْ يَقْبَلْهَا , فَأَتَاهُ أُبَيٍّ , فَقَالَ: لَقَدْ عَلِمَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ أَنِّي مِنْ أَطْيَبِهِمْ ثَمَرَةً , وَأَنَّهُ لا حَاجَةَ لَنَا , فَبِمَ مَنَعْتَ هَدِيَّتَنَا؟ ثُمَّ أَهْدَى إلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَبِلَ.
قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: فَكَانَ رَدُّ عُمَرَ لَمَّا تَوَهَّمَ أَنْ تَكُونَ هَدِيَّتُهُ بِسَبَبِ الْقَرْضِ , فَلَمَّا تَيَقَّنَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِسَبَبِ الْقَرْضِ قَبِلَهَا , وَهَذَا فَصْلُ النِّزَاعِ فِي مَسْأَلَةِ هَدِيَّةِ الْمُقْتَرِضِ اهـ.
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ (3814) عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قال: أَتَيْتُ الْمَدِينَةَ فَلَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ لِي: إِنَّكَ بِأَرْضٍ الرِّبَا بِهَا فَاشٍ، إِذَا كَانَ لَكَ عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ فَأَهْدَى إِلَيْكَ حِمْلَ تِبْنٍ أَوْ حِمْلَ شَعِيرٍ أَوْ حِمْلَ قَتٍّ فَلا تَأْخُذْهُ فَإِنَّهُ رِبًا. و (القَتّ) نبات تأكله البهائم.
وقد ورد هذا المعنى عن جماعة من الصحابة، قال ابن القيم في "إعلام الموقعين" (3/136) : "وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَعْيَانِهِمْ (يعني الصحابة) كَأُبَيّ بن كعب وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمْ نَهَوْا الْمُقْرِضَ عَنْ قَبُولِ هَدِيَّةِ الْمُقْتَرِضِ , وَجَعَلُوا قَبُولَهَا رِبًا" اهـ.
وقال الشوكاني في "نيل الأوطار" (6/257) :
"وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْهَدِيَّةَ وَالْعَارِيَّةَ وَنَحْوَهُمَا إذَا كَانَتْ لِأَجْلِ التَّنْفِيسِ فِي أَجَلِ الدَّيْنِ (أي تأخير السداد) , أَوْ لأَجْلِ رِشْوَةِ صَاحِبِ الدَّيْنِ , أَوْ لأَجْلِ أَنْ يَكُونَ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ مَنْفَعَةٌ فِي مُقَابِلِ دَيْنِهِ فَذَلِكَ مُحَرَّمٌ ; لأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الرِّبَا أَوْ رِشْوَةٌ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لأَجْلِ عَادَةٍ جَارِيَةٍ بَيْنَ الْمُقْرِضِ وَالْمُسْتَقْرِضِ قَبْلَ التَّدَايُنِ فَلا بَأْسَ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِغَرَضٍ أَصْلا فَالظَّاهِرُ الْمَنْعُ لإِطْلَاقِ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ" اهـ.
وذهب بعض العلماء إلى جواز أخذ المقرِض الهدية من المقترض غير أن الأفضل له أن يردها تورعاً، قال ابن القيم في "إعلام الموقعين" (3/136) : "وَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهَدْيُ أَصْحَابِهِ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ" اهـ.
فإن قلت:
هل يوجد حل آخر غير رد الهدية وغير الوقوع في الربا؟
فالجواب: نعم، إن أبيت إلا قبولها فأمامك أحد خيارين: إما أن تكافئه عليها بمثلها أو أكثر، وإما أن تحتسبها من الدين، فتسقط قيمة الهدية من الدين الذي على صاحبك.
رَوَى سَعِيدٌ بن منصور فِي سُنَنِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: إنِّي أَقْرَضْت رَجُلا بِغَيْرِ مَعْرِفَةٍ فَأَهْدَى إلَيَّ هَدِيَّةً جَزْلَةً. قَالَ: رُدَّ إلَيْهِ هَدِيَّتَهُ، أَوْ احْسبهَا لَهُ.
وروى سعيد بن منصور أيضاً عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: إنِّي أَقْرَضْت رَجُلا يَبِيعُ السَّمَكَ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، فَأَهْدَى إلَيَّ سَمَكَةً قَوَّمْتهَا بِثَلاثَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا. فَقَالَ: خُذْ مِنْهُ سَبْعَةَ دَرَاهِمَ.
انظر: "الفتاوى الكبرى" لابن تيمية (6/159) .
قال الشيخ ابن عثيمين في " الشرح الممتع" (9/61) :
"فإن قال قائل: ما دامت المسألة حراماً فلماذا لا يردها أصلاً؟
قلنا: لأنه قد يمنعه الحياء والخجل وكسر قلب صاحبه من الرد، فنقول: خذها وانو مكافأته عليها بمثلها أو أكثر، أو احتسبها من دَيْنه، وهذا لا بأس به" اهـ بتصرف.
وما سبق من التحريم إذا كانت الهدية قبل وفاء القرض، فإذا كنت بعد الوفاء فلا بأس بقبولها.
قال الشيخ ابن عثيمين في " الشرح الممتع" (9/59) :
"إذا أعطى هدية بعد الوفاء قليلة أو كثيرة فإن ذلك جائز" اهـ.
وانظر: "المغني" (6/437) ، "الشرح الممتع" (9/59-61) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6159)
حكم قبول الهدية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لي قبول هدية على شكل سيارة ووشاح شفاف لا ألبسه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
فقد روى البخاري في صحيحه (1380) ومسلم في صحيحه أيضا (1731) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: (ما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا وسائل فخذه ومالا ـ أي إن لم يجئ إليك ـ فلا تتبعه نفسك ـ أي لا تطلبه ـ)
ومعنى مشرف: متطلع إليه
ومعنى سائل: أي طالب له.
وروى البخاري (2568) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(لَوْ دُعِيتُ إِلَى ذِرَاعٍ أَوْ كُرَاعٍ لَأَجَبْتُ وَلَوْ أُهْدِيَ إِلَيَّ ذِرَاعٌ أَوْ كُرَاعٌ لَقَبِلْتُ) .
وَالْكُرَاع مِنْ الدَّابَّة مَا دُون الْكَعْب.
قَالَ اِبْن بَطَّال رحمه الله ـ في "شرح صحيح البخاري": " هذا حض منه لأمته على المهاداة، والصلة، والتأليف، والتحاب، وإنما أخبر أنه لا يحقر شيئًا مما يُهدى إليه أو يدعى إليه؛ لئلا يمتنع الباعث من المهاداة لاحتقار المهدى، وإنما أشار بالكراع وفرسن الشاة إلى المبالغة في قبول القليل من الهدية، لا إلى إعطاء الكراع والفرسن ومهاداته؛ لأن أحدًا لا يفعل ذلك " انتهى.
قال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم: (واختلف العلماء فيمن جاءه مال هل يجب قبوله أم يندب؟ على ثلاثة مذاهب والصحيح المشهور الذي عليه الجمهور أنه يستحب) انتهى.
وبهذا يتبين لك أيتها الأخت أنه: إن جاءتك هذه الهدية دون أن تتطلع إليها نفسك قبل مجيئها إليك، فإنه يستحب لك قبولها، وأن هذا من عوامل زيادة الألفة وزيادة المحبة في قلوب المؤمنين، بعضهم لبعض؛ وهو مقصد شرعي عظيم، صرح به الحديث الآخر الذي رواه البخاري في الأدب المفرد (954) والبيهقي (12297) وغيرهما، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تَهَادَوْا تَحَابُّوا) ، وحسنه الألباني في صحيح الجامع وغيره.
وكون الوشاح شفافا لا يمنع من قبوله، لأنه يمكن الانتفاع به على وجه مباح؛ كأن يلبس مع ملابس تحته، أو تلبسه المرأة أمام زوجها، أو ينتفع به في غير اللباس من وجوه الانتفاع الممكنة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6160)
كيفية كتابة الوصية
[السُّؤَالُ]
ـ[قلبت صفحات القران الكريم بحثا عن كيفية كتابة الوصية , لكني وجدت الأمر معقدا بالنسبة لي. لهذا، فإني آمل أن تساعدني إن شاء الله. أرجو أن تتكرم وتبين لي: كيف يمكن لمسلمة متزوجة أن تكتب وصية إسلامية وحالها ما يلي:
لديها حساب توفير شخصي.
بيت واستثمارات عقارية أخرى , ويشاركها في ذلك زوجها.
مقتنيات شخصية مثل المجوهرات وما شاكل ذلك.
عندي زوج، ووالد، وإخوان، وأخوات، وأبناء وبنات إخواني الذكور والإناث. هل توضحوا لي كيف أوزع كل شيء؟ وهل أحتاج إلى توزيع كل شيء (ما أملك) إلى حصص؟ أم هل يمكنني إعطاء بعض الأشياء إلي بنات إخواني وأخوتي المقربات إلى قلبي لا لشيء إلا لأنني أود إعطائهم ذلك؟ وهل في ذلك العمل ما يتعارض مع ما جاء في القرآن؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هناك فَرْقٌ بين الوَصِيَّة والهِبَة، فالتبرع بالمال حال الحياة للغير يعتبر هبة، ولا يأخذ أحكام الوصية ولكن يَحْسُنُ التَّنْبِيه إلى أنه لا يجوز للشخص أن يَهَبَ لبعض أولاده ويترك بعضهم، أو يُفَضِّل بعضهم على بعض في الهبة، بل يجب العدل بينهم، لحديث النعمان بن بشير: أنّ أباه أتى به النبي صلى الله عليه وسلم، لمَّا نَحَلَهُ نِحْلَةً، لِيَشْهَدَ عليها النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أَكُلُّ وَلَدِكَ نَحَلْتَ مثل هذا؟ فقال: لا. فقال: أرْجِعْه. ثم قال: اتقوا الله واعدلوا في أولادكم) رواه البخاري (الهبة/2398) .
أما الوصية فهي الأمر بالتصرف بعد الموت أو التبرع بالمال بعد الموت.
والدليل على مشروعيتها الكتاب والسنة والإجماع، قال تعالى: (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين) البقرة /180، وقوله تعالى: (من بعد وصية يوصى بها أو دين) النساء /11.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أن الله تصدق عليكم بِثُلُثِ أموالكم عند وفاتكم زيادة في أعمالكم) رواه ابن ماجة (الوصايا/ 2700) وحسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة برقم 2190.
وأجمع العلماء على جوازها.
وتكون واجبة، بما يكون على الإنسان من الحقوق التي ليس فيها إثباتات، لئلا تَضِيع لقول النبي صلى الله عليه وسلم عليه وسلم: (ما حَقّ امرئ مسلم له شيء يوصي به يَبِيتُ ليلتين إلا وَوَصِيَّته عنده مكتوبة " رواه البخاري (الوصايا/2533) ، وتكون مُسْتحبة بأن يوصي الإنسان بشيء من ماله يُصْرَفُ في سبيل البر والإحسان، لِيَصِلَ ثوابه إليه بعد وفاته، فقد أذِنَ الله له بالتصرف عند الموت بِثُلُثِ المال.
وتجوز بحدود ثلث المال فأقل، وبعض العلماء يَسْتَحِبّ أن لا تَبْلُغَ الثُّلث، ولا تَصِحّ الوصية لأحد من الورثة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا وَصِيّة لوارث) رواه الترمذي (الوصايا/ 2047) وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم 1722، وإذا قصد الوصي المُضَارّة بالوارث، ومضايقتِه فإن ذلك يَحْرُم عليه لقول الله تعالى: (غير مُضَارّ) النساء /12، ويبدأ اعتبار الوصية بحال الموت، ويجوز للموصى الرجوع فيها ونقضها أو الرجوع في بعضها، وتنفيذ الوصية أمر مهم فقد أكد عليها الله عز وجل وقدمها في الذِّكر على غيرها وقد جاء الوعيد الشديد لمن بَدّلها، أما تَوْزِيع ممتلكات الشَّخص، فإنه لا يملك الحق في توزيعها بعد وفاته لأن حصة كل وارث قد بينها الله عز وجل وبين من يَرِثْ ومن لا يَرِث، ولا يجوز لأي شخص أن يَتَعَدَّى حدود الله لأن الله حذّر من ذلك فقال في سورة النساء: (يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (11) وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمْ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوْ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلَِ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12) تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (14) والله أعلم.
للاستزادة انظر كتاب الملخص الفقهي: صالح الفوزان 2/172-182
ولا مانع من إعطاء بنات وأبناء إخوانك وأخواتك ما شئت من مالك في حياتك، وبما أنهم ليسوا من أولادك فلا يجب إعطاؤهم بالتساوي، ويمكنك إعطاء من تحبِّين ومن شئت منهم وأصحاب الحاجات على حسب حاجتهم، واحرصي على إعطاء صاحب الدِّين الذي يستعين بالمال على طاعة الله، كما يجوز الوصية لهم بالثلث فأقل ما داموا ليسوا من الورثة. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد
(5/6161)
أهداها لتتزوجه فهل يطالبها بالهدية إن رفضت الزواج؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت مخطوبة وخطيبي قدم لي هدايا ومبلغا ماليا لأشتري شبكة ولأخصص الباقي للفسح (علما أنه ليس من بلدي) لكن حصل وأن رفضت الزواج منه وطلبت فسخ الخطوبة، أصر على استمرارها وفي الأخير طالبني باسترجاع كل ما قدمه لي، فهل يجب عليّ إرجاع الشبكة فقط؟ أم أرجع كل هداياه علما أنني لم أطالبه بتقديمها وأن بعضها استهلك؟ وهل أرجع المبلغ رغم أنه استفاد منه كذلك أثناء الفسح والسفر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من خطب امرأة ثم قدم لها هدايا لتتزوجه ثم أبت أن تتزوجه فإن له أن يطالبها بما قدم لها من الهدايا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "الفتاوى الكبرى" (5/472) : " ولو كانت الهدية قبل العقد وقد وعدوه بالنكاح فزوجوا غيره رجع بها " انتهى.
قال المردادي رحمه الله في كتابه "الإنصاف" (8 / 296) بعد أن نقل كلام شيخ الإسلام: " قلت: وهذا مما لاشك فيه ".
وقال العلامة الزركشي الشافعي في كتابه " المنثور في القواعد الفقهية " (3/269) : " إذا خطب امرأة فأجابته فحمل إليهم هدية ثم لم تنكحه فإنه يرجع عليها بما ساقه إليها لأنه لم يدفعه إلا بناءًعلى إنكاحه ولم يحصل " انتهى.
وبهذا يتضح أن على الأخت السائلة أن ترد إلى هذا الرجل كل ما أهداه إليها ما دامت هي التي رفضت التزوج به، فما كان موجودا من هداياه ردته وما كان قد تلف ردت مثله أو قيمته.
قال العلامة الجمل الشافعي في حاشيته على شرح منهج الطلاب (4/129) : " فيرجع به إن بقي وببدله عن تلف " انتهى.
وقال العلامة الصنعاني في " سبل السلام " (2/220) : " وما سلم قبل العقد كان إباحة فيصح الرجوع فيه مع بقائه إذا كان في العادة يسلم للتلف، وإن كان يسلم للبقاء رجع في قيمته بعد تلفه إلا أن يتمنعوا من تزويجه رجع بقيمته في الطرفين جميعاً " انتهى.
أي: إن امتنعوا من تزويجه يرجع بالقيمة إن كانوا قد أتلفوا ما أخذوه منه سواء مما كان يسلم للبقاء أو مما يسلم للتلف هذا عما أتلفته الأخت السائلة، أما ما أتلفه هو واستهلكه فليس له الرجوع عليها به.
وينبغي التنبه إلى أن الخاطب أجنبي عن المخطوبة فلا يجوز له الخلوة بها، ولا مصافحتها ولا الخروج معها.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6162)
حكم الهدية في الزيارة
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك عادة في بعض المناطق وهي إذا أتت المرأة لزيارة النساء الأخريات فإنها تعطيهن نقوداً أو هدية أخرى، وعندما تعود تلك النساء لزيارتها يعطينها نقوداً أو هدية أخرى مع العلم أن النقود قد تتساوى وقد تختلف، كذلك قيمة الهدية الأخرى. فما حكم ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا بأس بذلك، فهذا من باب الهدية وليس من باب المعاوضة، فإذا أعطتهم وقبلوا وقبضوا فهم بالخيار إن شاءوا سلموا لها شيئاً وإن شاءوا لم يسلموا وإن شاءوا سلموا أقل من ذلك أو أكثر. ما دام أنه لم يكن بينهم مشارطة وليس هناك معاوضة بل كل منهم يسلم باختياره ورغبته، فهذا جائز ولا بأس به والله أعلم.
فتاوى سماحة الشيخ عبد الله بن حميد رحمه الله ص22
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6163)
الإيجار المنتهي بالتمليك عن طريق الهبة
[السُّؤَالُ]
ـ[تم التعاقد على سلعة بتأجيرها من المؤجر لمدة ستين شهرا ويتم تحرير شيكات بكامل المدة وبالعقد ميزة هي: إذا تم السداد قبل اليوم الأول من كل شهر يحسب الشهر كأنه ثلاثة أشهر سداد ولو تم السداد بعد ذلك يعد شهرا واحدا، وعند نهاية السداد يتم تملك السلعة عن طريق الهبة. أرجو الإفادة عن شرعية هذا التعاقد وبعده عن الربا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
هذه المعاملة إحدى صور الإجارة المنتهية بالتمليك، وقد صدر قرار من مجمع الفقه الإسلامي بخصوصها، ونص على جواز أن يقترن بعقد الإجارة: " عقد هبة العين للمستأجر معلّقا على سداد كامل الأجرة، وذلك بعقد مستقل، أو وعد بالهبة بعد سداد كامل الأجرة " انتهى. وينظر نص القرار بتمامه في "فقه النوازل" للدكتور محمد حسن الجيزاني (3/301) .
وتعليق الهبة على شرط، صححه بعض أهل العلم، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. لكن يشترط أن يكون عقد الهبة مستقلا عن عقد الإجارة، فيُنص على إجارة السلعة بأجرة معلومة إلى زمن معلوم. ثم ينص على عقد الهبة المعلق، كأن يقال: يتفق الطرفان على أن الطرف الأول (الشركة مثلا) تهب الطرف الثاني (العميل) السلعة في حال سداده ما عليه من أقساط لديها.
كما يشترط أن تكون الإجارة حقيقية وليست ساترة للبيع، فيكون ضمان السلعة المؤجرة على المؤجر، لا على المستأجر، وكذلك نفقات الصيانة غير التشغيلية تكون على المؤجر لا على المستأجر طوال مدة الإجارة، وهذا بخلاف البيع، فإن الضمان فيه والصيانة كلها على المشتري لأنه يملك السلعة بمجرد العقد.
ثانيا:
ما ذكرته من أنه " إذا تم السداد قبل اليوم الأول من كل شهر يحسب الشهر كأنه ثلاثة أشهر سداد، ولو تم السداد بعد ذلك يعد شهرا واحدا) يعرف عند الفقهاء بضعْ وتعجّل، أي إذا تعجّل المدين في دفع ما عليه أسقط عنه جزء من الدين.
فأنت إذا سارعت بدفع القسط قبل موعده، أُسقط عنك قسطان من المبلغ الذي عليك.
وقد اختلف الفقهاء في صحة ذلك، والأكثرون على منعها؛ لشبهها بالربا. وذهب أحمد والشافعي في أحد قوليهما إلى الجواز، وهو القول الراجح، وانظر تفصيل ذلك في جواب السؤال رقم (13945) .
ومن قرارات مجمع الفقه الإسلامي: " الحطيطة من الدين المؤجل، لأجل تعجيله، سواء أكانت بطلب الدائن أو المدين، (ضع وتعجل) جائزة شرعاً، لا تدخل في الربا المحرم إذا لم تكن بناء على اتفاق مسبق " انتهى من مجلة مجمع الفقه (2/ 217) .
ومنه يعلم أن هذه الصورة (ضع وتعجل) لا تجوز؛ لوجود الاتفاق المسبق عليها عند العقد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6164)
قول أصحاب البرامج: إذا أعجبك البرنامج فيمكنك التبرع لصاحبه
[السُّؤَالُ]
ـ[بالنسبة لمن يصنع برامج الكومبيوتر هناك أنظمة لبيع هذه البرامج ومنها أن تجعل البرنامج مجانا لأي شخص كي يستخدمه وتضع عبارة مثلا مع البرنامج أنه إذا أعجبك البرنامج يمكنك التبرع لصاحب البرنامج على حساب ... وأيضا إذا كان موقعاً فيكتب من أراد التبرع للموقع..فهل هذا يعتبر بيعاً فاسداً أم تعتبر هبة أم يعتبر مما أخذ بسيف الحياء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه الصورة هبة مقيدة بقيد، وهذا القيد هو قوله: " إن أعجبك هذا البرنامج فبإمكانك أن تتبرع لمالكه " وهذا القيد صريح في أن هذا ليس بيعاً، لأن تسميته تبرعا يعني أن المالك لا يُلزم مستخدم البرنامج أن يدفع عوضا في مقابل الاستخدام.
وعليه؛ فإن هذا القيد جعل هذه المعاملة هبةً وقد تتحول الهبة إلى بيع، إذا اشترط المُهْدِي على المُهْدَى له أن يدفع له مالاً معيناً – مثلاً- مقابل هذه الهدية.
قال ابن قدامة في "المغني" (5/398) : " فإن شرط في الهبة ثوابا معلوما , صح. نص عليه أحمد ; وحكمها حكم البيع " انتهى.
وبهذا يتضح أنه لا حرج من استخدام هذا البرنامج بغير مقابل، وليس بيعا فاسدا، ولا هو من قبيل أخذ أموال الناس بسيف الحياء، إذ ليس هذا من مواطن الحياء، فمالك البرنامج لا يرى المستخدم ولا يعرفه، فلا يتصور أن يستحي منه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6165)
اشترى أرضا وكتبها باسم أمه فتنازع الورثة بعد موتها
[السُّؤَالُ]
ـ[تم الاشتراك بيني وبين أخي على شراء أرض في بلدنا وبالفعل تم شراء الأرض وتسجيلها باسم أمنا تفادياً للقوانين ولم نقصد هبتها وإعطاءها لوالدتنا، وبعد فترة توفيت والدتنا وتم الخلاف بيننا (أنا وأخي) من جهة وبين أختنا وزوجها من جهة أخرى حيث يطالبون بحصة أختي من الأرض على أنها جزء من إرث والدتنا. السؤال: هل تعتبر الأرض من إرث والدتنا؟ وهل يجوز لنا استرجاع الأرض؟ وكيف يتم لنا ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الأمر كما ذكر السائل من أن الأرض لم توهب ولم تعط للوالدة، وإنما جرى تسجيلها باسمها لسبب ما، فإن الأرض تبقى على ملكه هو وأخيه، ولا تدخل في تركة الأم، ولا تقسّم بين الورثة.
وإذا كانت الأخت تعلم بحقيقة الأمر، وأن الأرض لم توهب لأمها، فلا يجوز لها المطالبة بشيء منها.
ولو فرض أنها رفعت الأمر للمحكمة فقضت لها بشيء من الأرض اعتمادا على الأوراق المسجلة، لم يجز لها أخذ ذلك، فإن القضاء لا يبيح حراما، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ وَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلَا يَأْخُذْ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ) رواه البخاري (6967) ومسلم (1713) .
فهذا الحديث يدل على أن حكم الحاكم بناء على ما ظهر له من كلام الخصمين وأدلتهم لا يجعل الباطل حقاً، ولا الحرام حلالاً.
وقوله صلى الله عليه: (فإنما أقطع له قطعة من النار) أي: إن أخذها مع علمه بأنها حرام عليه دخل النار. فتح الباري.
فينبغي نصح هذه الأخت، وتخويفها بالله تعالى، وتحذيرها من أكل المال بالباطل، وتذكيرها بما جاء في وعيد من أخذ شبرا من الأرض بغير حق، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ ظُلْمًا فَإِنَّهُ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ) رواه البخاري (3198) ومسلم (1610) .
وينبغي عليكم أيضاً مراعاة حق الرحم والقرابة، وتقديم ذلك على متاع الدنيا الزائل، فإن كان بإمكانكم إعطاء الأخت ما تريد أو إرضاءها بشيء فافعلا ذلك ابتغاء ما عند الله تعالى، (وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى) القصص/60 نسأل الله تعالى أن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6166)
صديقه يعمل في المطار وسيحضر له تذكرة مجانا فهل يقبلها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أحد أصدقائي يعمل بالمطار ووعدني بأن يحضر لي تذكرة مجانا على حساب شركة الخطوط وأنا لا أعمل فيها فهل يجوز لي الاستفادة بهذه التذكرة أم لا؟ وإذا حجزها لي فماذا أفعل هل أردها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان صديقك سيحصل على التذكرة بطريق مباح، كأن تُهدى له من شركة الطيران، من غير أن يقع في كذب أو رشوة أو احتيال، فلا حرج عليك في قبولها منه.
وأما إن كان سيتوصل إليها بطريق محرم، فلا تقبلها، ولا تكن عونا له على الحرام.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6167)
تساعد والديها من راتبها دون علم زوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا سيدة متزوجة ولي 3 أطفال، اشتغل بشركة وأتقاضى مرتبا شهريا أشارك به في مصروف البيت، أي أساعد زوجي، سؤالي هو أن أبي يبلغ 84 من العمر، وأمي 76، وأنا ابنتهم الوحيدة، فأساعدهم من مرتبي الشهري دون علم زوجي، بالرغم من أنه لا يعارض في الأمر؛ فما حكم الشرع في ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا لم يكن هناك اشتراط من قِبل الزوج أن تعملي في مقابل مشاركتك بالراتب كله أو جزء منه، في مصروف البيت، فراتبك الذي تأخذينه، أو المبلغ المتبقي منه بعد القدر الذي اشترط زوجك أن تشاركي به،: ملكٌ لك، يجوز أن تتصرفي فيه بما يباح من أنواع التصرف، ولا يلزمك استئذان الزوج في ذلك، لكن إن فعلت تطييبا لخاطره، فهو أفضل.
ومساعدة الوالدين من أعظم أعمال البر والخير، وهي من صلة الرحم التي تزيد في العمر، وتبارك في الرزق، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ) رواه البخاري (5986) ومسلم (2557) .
وعلى ذلك، فلا حرج فيما تفعلينه من مساعدة والديك بجزء من راتبك، من دون علم زوجك، خاصة وأنت تقولين أنه لا يمانع من مثل ذلك، لكن لو رأيت أن إخباره بذلك يطيب خاطره فهو أفضل.
نسأل الله تعالى أن يأجرك ويثيبك على هذه المساعدة، وأن يبارك لك في مالك وعملك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6168)
إذا وهب لولده شيئا ثم مات قبل أن يحوزه الابن
[السُّؤَالُ]
ـ[عائلتي تتكون من أبي رحمه الله وأمي وأخي، قبل أن يتوفى أبي بسبع سنوات كتب لي أنا وأخي لكل واحد منا تنازلا عن 3 أفدنة من الأرض من إجمالي ما يملك وعددها 14 فدانا، فما حكم الشرع في ذلك؟ وهل هذا يجوز أو لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
للأب أن يهب أولاده ما يشاء بشرط أن يعدل بينهم في الهبة، وهو ما فعله والدك حيث أعطاك مثل ما أعطى أخاك.
ثانيا:
الهبة لا تملك ولا تلزم إلا بالقبض، في قول جمهور العلماء.
فإذا لم يقبض الولد الهبة ويحوزها لنفسه، ثم مات الأب، فإن الهبة تبطل، ويصير المال جزءا من تركة الميت، تقسم على جميع ورثته.
قال الإمام الشافعي رحمه الله في "الأم" (4/64) : " وإذا وهب الرجل لابنه جارية، فإن كان الابن بالغا لم تكن الهبة تامة حتى يقبضها الابن , وكذلك روي عن أبي بكر وعائشة وعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهم " انتهى.
وقبض الأرض يكون بحيازتها والتصرف فيها، وحيازة الأرض ـ إن كانت زراعية يكون بالعمل فيها أو تأجيرها لمن يزرعها، ونحو ذلك من التصرفات.
وحيازة الأرض غير الزراعية (كالتي تعد للبناء عليها) يكون بمجرد تسجيل ذلك ومعرفة حدودها.
وعلى هذا، فإن كنت قبضت هذه الأفدنة فهي لك الآن، وإن كان الأمر مجرد تسجيل تنازل من قبل الأب، مع حيازته للأرض وتصرفه فيها دونك، فالهبة لم تتم، وهذه الأرض تدخل في التركة، وتقسم على جميع الورثة، فلأمك منها نصيب.
وهذا يقال في حق أخيك أيضا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6169)
سيشتري هو وزوجته بيتا فهل يكتبه باسمه أو باسمها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي النية لشراء بناية عبارة عن ستة شقق لتأجيرها، فهل أسجلها باسمي أم باسم زوجتي. علما بأنني سوف أدفع نصف المبلغ وزوجتي سوف تدفع النصف الآخر، ولا مانع لدي أن تسجل البناية باسمها وهي لا تمانع بتسجيل البناية باسمي، ولكن من الناحية الشرعية ما الأفضل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
للزوج أن يهب من ماله لزوجته ما يشاء، وللزوجة أن تهب من مالها لزوجها ما تشاء، كما قال سبحانه: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا) النساء/4، فإذا طابت نفسك بهبة نصيبك لزوجتك، فسجل البناية باسمها، وتكون ملكاً خاصا لها.
وإن طابت نفسها بهبة نصيبها لك، فسجل البناية باسمك.
وإن رغب كل منكما في الاحتفاظ بنصيبه، فسجلاها شركة بينكما.
والمقصود أن التسجيل ينبغي أن يكون موافقاً لحقيقة الحال، هذا هو الأولى والأفضل، حفظاً للحقوق، ومنعاً للنزاع.
وإن اقتضى الأمر تسجيل البناية باسم شخص واحد، فللآخر أن يحتفظ بما يثبت حقه، بكتابة ورقة رسمية بذلك والإشهاد عليها.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6170)
كيف يكون العدل بين الأولاد في النفقة والهدية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يعدل الوالد في العطايا مع أولاده الذكور والإناث؟ وإذا كان أحد الأبناء يعمل مع والده في عمله، فكيف تكون معاملته؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" العدل بين الذكور والإناث بما عدل الله به عز وجل في قوله: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) النساء/11. فإذا أعطيت الذكر ريالين، أعط الأنثى ريالا , لكن العدل في النفقة أن تعطي كل واحد ما يحتاج إليه، قد تحتاج الأنثى إلى ثياب تساوي مائتي ريال، والذكر يحتاج إلى طاقية تساوي عشرة ريالات، على كل حال أعط هذا ما يحتاج وهذه ما تحتاج، كما أنه لو احتاج أحدهما إلى الزواج زَوِّجْه ولا تعط الآخرين مثله، إلا من بلغ حد الزواج فزَوِّجْه. هذه مسألة النفقة، العدل فيها أن تعطي كل واحد ما يحتاج.
وأما التبرع المحض فالعدل أن تعطي الذكر ضعف ما تعطي الأنثى كما قسم الله بينهما كذلك في الميراث.
أما من كان يشتغل مع أبيه في تجارته وفلاحته، فإذا تبرع بذلك وأراد ثوابه من عند الله، فثواب الآخرة خير، وإن قال: أنا أريد من الدنيا كما أن إخواني كل واحد منهم يشتغل لنفسه ويشتغل بماله، فهذا يجعل له والده؛ إما أجرة شهرية وإما نسبة من الأرباح؛ ولكن يَعُدُّه كأنه رجل أجنبي إذا كان مثله في الشهر يعطى مرتبا ألف ريال أعطاه ألف ريال في الشهر، وإذا كان يعطى من الربح أو ناتج الفلاحة الثلث أعطاه الثلث وهكذا بلا محاباة " اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله "لقاءات الباب المفتوح" (2/63)
(5/6171)
إذا أعطى ابنه سيارة فهل يلزمه أن يعطي لابنته أيضا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لي أختان , تزوجت إحداهما والأخرى مازالت في المدرسة. عندما تزوجت أختي ساعدها أبى ببيع شقة أخرى كان يمتلكها, وبعد سنوات قليلة فتح الله علينا, وأصبحتُ في سن الزواج وبدأ أبي يجهزني وأصبحت السيارة من الضروريات بالنسبة لي , وأهداني أبى سيارته , فهل هذا عدل؟ وإن كانت الإجابة بالنفي فهل يدفع أبى لأختي المتزوجة مبلغا من المال؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يجب العدل بين الأولاد في العطية، ويحرم تفضيل بعضهم على البعض، إلا أن يكون ذلك لمسوّغ شرعي من حاجة أو عذر، كما هو مبين في الجواب رقم (22169) .
والعطية هي ما يعطيه الوالد لأولاده على سبيل الهبة والهدية، وأما النفقة فتكون على قدر حاجة الولد، ولا يجب فيها التسوية، فمن احتاج إلى نفقة أخذها، ومن لم يحتج لم يأخذ. ومعلوم أن نفقة الصغير ليست كنفقة الكبير، ونفقة من يدرس في المراحل الأولى ليست كنفقة من يدرس في الجامعة، ونفقة البنت ليست كنفقة الولد غالبا. ومن ذلك نفقة الزواج أيضا، فتعطى لمن هو مقدم على الزواج، ولا يعطى مثلها لمن لم يتهيأ له.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " فإذا فرضنا أن أحدهم في المدارس ويحتاج إلى نفقة للمدرسة من كتب ودفاتر وأقلام وحبر وما أشبه ذلك، والآخر لا يقرأ، وهو أكبر منه لكنه لا يحتاج، فهل إذا أعطى الأول يجب أن يعطي الثاني مثله؟
الجواب: لا يجب، لأن التعديل في الإنفاق يعني أن يعطي كل واحد منهم ما يحتاج إليه.
مثاله: لو احتاج الولد الذكر إلى غترة وطاقية قيمتهما مائة ريال، واحتاجت الأنثى إلى قروط (الحلي الذي يجعل في الأذن) في الآذان قيمتها ألف ريال، فما هو العدل؟
الجواب: العدل أن يشتري لهذا الغترة والطاقية بمائة ريال، ويشتري للأنثى القروط بألف ريال أضعاف الذكر عشر مرات، هذا هو التعديل.
مثال آخر: إذا احتاج أحدهم إلى تزويجه والآخر لا يحتاج، فما العدل؟
الجواب: أن يعطى من يحتاج إلى التزويج ولا يعطى الآخر، ولهذا يعتبر من الغلط أن بعض الناس يزوج أولاده الذين بلغوا سن الزواج ويكون له أولاد صغار فيكتب في وصيته: إني أوصيت لأولادي الذين لم يتزوجوا أن يزوج كل واحد منهم من الثلث، فهذا لا يجوز؛ لأن التزويج من باب دفع الحاجات، وهؤلاء لم يبلغوا سن التزويج، فالوصية لهم حرام، ولا تنفذ أيضا، حتى الورثة لا يجوز لهم أن ينفذوها إلا البالغ الرشيد منهم إذا سمح بذلك فلا بأس بالنسبة لحقه في التركة " انتهى من "الشرح الممتع" (4/599) .
وبناء على ذلك: فإن كانت السيارة مما تحتاج إليها حاجة ظاهرة، وليس عندك ما تشتريها به، فهذا يدخل في النفقة، ولا يلزم أباك أن يعطي لأختك مثلها أو قيمتها. وإن كنت لا تحتاج إليها حاجة ماسة، أو كان لديك من الأموال ما تشتري به السيارة، فما يعطيه لك والدك هو من باب الهبة والعطية، فيلزمه حينئذ أن يعدل بين أولاده، ويعطي للبنت نصف ما أعطى للذكر، لأن العدل بينهم إنما يكون بالقسمة على حسب إرثهم، على الراجح من قولي العلماء.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6172)
إذا احتاج الأب للمال فهل يأخذ من مال ابنه المكتسب من مقهى؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن لأمي وأبي اللذين في أمس الحاجة إلى المال أن يأخذاه من عند أخي الذي يمتلك مقهى يتم فيها لعب الورق وتناول الشيشة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
للأب أن يأخذ من مال ولده، ما احتاج إليه، إذا كان لا يضر بالابن.
وذلك لما روى ابن ماجه (2291) وابن حبان في صحيحه (2/142) من حديث جابر، وأحمد (6902) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أَنَّ رَجُلا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي مَالا وَوَلَدًا وَإِنَّ أَبِي يُرِيدُ أَنْ يَجْتَاحَ مَالِي، فَقَالَ: (أَنْتَ وَمَالُكَ لأَبِيكَ) . والحديث صححه الألباني في صحيح ابن ماجه.
وهذا الأخذ مشروط بشروط بينها الفقهاء، قال ابن قدامة رحمه الله: " ولأبٍ أن يأخذ من مال ولده ما شاء , ويتملكه , مع حاجة الأب إلى ما يأخذه , ومع عدمها , صغيرا كان الولد أو كبيرا , بشرطين:
أحدهما: أن لا يجحف بالابن , ولا يضر به , ولا يأخذ شيئا تعلقت به حاجته.
الثاني: أن لا يأخذ من مال ولده فيعطيه الآخر. نص عليه أحمد، وذلك لأنه ممنوع من تخصيص بعض ولده بالعطية من مال نفسه، فلأن يمنع من تخصيصه بما أخذ من مال ولده الآخر أولى. وقد روي أن مسروقا زوج ابنته بصداق عشرة آلاف , فأخذها , وأنفقها في سبيل الله , وقال للزوج: جهز امرأتك.
وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي: ليس له أن يأخذ من مال ولده إلا بقدر حاجته ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام , كحرمة يومكم هذا , في شهركم هذا) متفق عليه " انتهى من "المغني" (5/395) .
وقد ورد ما يؤيد ما ذهب إليه الجمهور من اشتراط حاجة الأب، وهو ما رواه الحاكم (2 / 284) والبيهقي (7 / 480) عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أولادكم هبة الله لكم {يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور} فهم وأموالهم لكم إذا احتجتم إليها) . والحديث صححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (2564) .
فإذا احتاج الأب للمال فله أن يأخذ من مال ولده، فينفق على نفسه وعلى من يعول، بشرط ألا يضر بالابن وألا يأخذ شيئا تعلقت به حاجته، كسيارته التي يركبها ونحو ذلك. وانظر السؤال رقم (9594)
ثانيا:
شرب الشيشة محرم، والمال المكتسب منه محرم كذلك، لكن إذا كان في المقهى ما يباح أكله أو شربه، كالشاي والقهوة وما شابه ذلك، فالمال الذي يجنيه أخوك من المقهى يُعدّ مالا مختلطا، اجتمع فيه الحلال والحرام، وما كان كذلك فإنه يجوز للغير أن يأكل منه، وأن يتعامل مع صاحبه بالبيع والشراء وقبول الهبة ونحو ذلك، وإن كان الورع ترك معاملته والأخذ من ماله، لكن حيث كان الأب محتاجا لهذا المال فلا حرج عليه في الأخذ منه، مع نصح الابن بتقوى الله تعالى، وترك التعامل بالحرام.
قال الدسوقي رحمه الله: " اعلم أن من أكثر ماله حلال وأقله حرام، المعتمد جواز معاملته ومداينته والأكل من ماله، وأما من أكثر ماله حرام والقليل منه حلال فمذهب ابن القاسم كراهة معاملته ومداينته والأكل من ماله وهو المعتمد، وأما من كان كل ماله حرام وهو المراد بمستغرق الذمة فهذا تمنع معاملته ومداينته ويمنع من التصرف المالي وغيره " انتهى من "حاشية الدسوقي" (3/277) باختصار. وانظر السؤال رقم (45018) .
وانظر في حكم لعب الورق السؤال رقم (12567) ورقم (321) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6173)
حكم أخذ أبناء المجاهدين ممن حارب الاستعمار الفرنسي أموالاً من دولته
[السُّؤَالُ]
ـ[في أحد البلدان العربية الإسلامية تقوم الدولة بدفع منحة لبنات الذين شاركوا في الثورة إبان الاستعمار الفرنسي، وقتلوا في المعركة فهل هذه المنحة حلال؟ سواء كانت هذه المرأة بحاجة إليها أم لم تكن؟ وهل تعتبر من أكل أموال الناس الباطل؛ لأن في البلد محتاجين وفقراء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما قام به المسلمون من جهادٍ للاستعمار الفرنسي البغيض أمر جليل، ونسأل الله أن يرحم من قُتل منهم، وأن يتقبلهم من الشهداء.
وكلُّ من شارك في هذا الجهاد من المسلمين فإنه يستحق الثناء، وما تفعله الدولة من تكريمهم أو تكريم أبنائهم فهو من واجباتها تجاه هؤلاء الأبطال، وهم الذين يستحقون التكريم دون اللاعبين والممثلين والمغنين ممن تتسابق الدول – وللأسف – إلى تكريمهم وإغراقهم بالهدايا والعطايا.
وعليه: فليس هذا من أكل الأموال بالباطل، بل هو من واجبات الدولة، وعلى الدولة – كذلك – أن تهتم بالفقراء والمحتاجين، فتعطيهم وتكرمهم وتؤمن لهم العمل والرزق، فإن قصَّرت فلا يعني هذا تحريم ما يأخذه المجاهدون أو أولادهم منها.
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم من أعطاه الحاكم أو الدولة مالاً من غير سؤال منه ولا تطلع إليه، أَمَرَه بأخذه.
فإن كان محتاجا أنفقه على نفسه وأهله وانتفع به، وإن كان غنيا نفع إخوانه الفقراء والمحتاجين وتصدق عليهم، فيكون قد نفع إخوانه ونفع نفسه بثواب الصدقة.
روى البخاري (7164) ومسلم (1045) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعْطِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْعَطَاءَ (يعني: المال) ، فَيَقُولُ لَهُ عُمَرُ: أَعْطِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفْقَرَ إِلَيْهِ مِنِّي. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (خُذْهُ، فَتَمَوَّلْهُ، أَوْ تَصَدَّقْ بِهِ، وَمَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلا سَائِلٍ فَخُذْهُ، وَمَا لا فَلا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ) .
وعلى هذا؛ فهؤلاء المسئول عنهم يأخذون هذه الأموال، فإن كانوا في حاجة إليها، انتفعوا بها، وأنفقوا منها على أنفسهم وأهليهم، وإن كانوا أغنياء، لا حاجة لهم فيها، فإنهم يتصدقون بها، وتكون زاداً لهم إلى الآخرة، مع ما فيها من منفعةٍ لإخوانهم المحتاجين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6174)
إعطاء الهدية لمعلم القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يعد ما أقدمه إلى معلمة القرآن في المسجد من هدية يعد من الرشوة علما بأنه للتعيلم فقط لا من أجل الشهادة والعلامات لكن من باب الاحترام والتقدير فقط لا غير. وهي تقول: أخشى على نفسي من هذا الباب ولا تقبل من الدارسات شيئا. فما حكم الشرع في الموضوع؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الهدية لمعلم القرآن فيها تفصيل حاصله ما يلي:
أولا: إن كان المعلم يدرس جماعة من الطلاب، ويمنحهم الشهادات والعلامات (الدرجات) ، فلا يجوز له قبول الهدية من أحدهم، لما يفضي إليه ذلك غالبا من ميل القلب إليه، وتفضيله على غيره، وإفساد قلوب الآخرين عليه.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: بعض الطالبات تهدي لمعلمتها هدية في المناسبات، فمنهن من تدرّسها الآن، ومنهن من لا تدرّسها ولكن من المحتمل أن تدرسها في الأعوام المقبلة، ومنهن لا احتمال أن تدرسها كالتي تخرجت. فما الحكم في هذه الحالات؟
فأجاب:
الحالة الثالثة لا بأس بها، أما الحالات الأخرى فلا يجوز. حتى ولو كانت هدية لولادة أو غيرها، لأن هذه الهدية تؤدي إلى استمالة قلب المعلمة.
وسئل الشيخ ابن جبرين حفظه الله عن معلمة في مدارس تحفيظ القرآن التابعة للجماعة الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم لا تأخذ مقابل تدريسها أجرة، في نهاية العام الدراسي وبعد توزيعها الشهادات على الطالبات قد يقدمن لها هدية عبارة عن ذهب أو غيره ما حكم قبولها لهذه الهدية؟ ورفضها للهدية يكسر نفس الطالبات ويحز في نفوسهن خاصة وأنها قد قدمت لهن الهدايا.
فأجاب: إن كانت الطالبة قد أنهت الدراسة وسوف تغادر هذه المدرسة فتنتفي الرشوة هنا، أما إذا كانت العلاقة المدرسية ستبقى بينهما فيخشى أن هذه الهدية تسبب ميل المعلمة إلى هذه الطالبة والتغاضي عن أخطائها وعدم العدل بينها وبين غيرها.
ثانيا:
إذا لم يكن هناك عدد من الطلاب تجري بينهم المنافسة، ويتطلب تحقيق العدل بينهم، كأن يكون المعلم يدرّس طالبا بمفرده، فقد اختلف أهل العلم في إهداء الطالب إليه حينئذ، فمنهم من منعه استدلالا بحديث القوس، وهو ما رواه أبو داود (3416) عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: عَلَّمْتُ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ الْكِتَابَ وَالْقُرْآنَ، فَأَهْدَى إِلَيَّ رَجُلٌ مِنْهُمْ قَوْسًا، فَقُلْتُ: لَيْسَتْ بِمَالٍ، وَأَرْمِي عَنْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، لآتِيَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلأَسْأَلَنَّهُ، فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَجُلٌ أَهْدَى إِلَيَّ قَوْسًا مِمَّنْ كُنْتُ أُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْقُرْآنَ، وَلَيْسَتْ بِمَالٍ وَأَرْمِي عَنْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَالَ: إِنْ كُنْتَ تُحِبُّ أَنْ تُطَوَّقَ طَوْقًا مِنْ نَارٍ فَاقْبَلْهَا) . وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
ومنهم من أجازها إذا كانت عن طيب نفس من الطالب، واستدلوا بما يفيد جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن، كقوله صلى الله عليه وسلم في قصة اللديغ: (إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ) رواه البخاري (5737) ، وإذا جازت الأجرة فالهدية من باب أولى.
وحملوا حديث عبادة المتقدم (حديث القوس) على أنه كان في وقت حاجة الناس إلى من يعلمهم القرآن، حتى لا تتم المتاجرة بتعليم القرآن، فيُحْرم منه فقراء المسلمين، وقد يؤيد ذلك أن الحديث وارد في تعليم أناس من أهل الصفة، وأهل الصفة قوم فقراء كانوا يعيشون بصدقة الناس، فهم يستحقّون أن يعطوا المال لا أن يؤخذ منهم.
قال ابن مفلح رحمه الله في "الآداب الشرعية" (1/298) : " قال أصحابنا في المعلم: إن أُعطي شيئا بلا شرط جاز , وإنه ظاهر كلام أحمد , وكرهه بعض العلماء لحديث القوسين".
وفي "حاشية قليوبي وعميرة" (4/304) : " الإهداء للمفتي والمعلمِ ولو لقرآنٍ والواعظِ يندب قبوله إن كان لمحض وجه الله تعالى , وإلا فالأولى عدمه، بل يحرم إن لم يعلم أنه عن طيب نفس " انتهى.
وانظري في جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن جواب السؤال رقم (20100)
وبناء على ما سبق، فإن هذه المعلمة قد أخذت بالأفضل، وأحسنت في عدم قبول الهدية من الطالبات، فجزاها الله خيرا، وحقَّ لها أن تخشى على نفسها من قبول الهدية، فإن النفس مجبولة على التعلق بمن أحسن إليها، وهذا قد يدعو إلى الإيثار والتفضيل، شعر الإنسان أو لم يشعر.
نسأل الله لك التوفيق والسداد والعون على حفظ كتابه والعمل بما فيه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6175)
اقبل الهدية ولو كانت متواضعة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أهدى إلي شخص هدية ولم تعجبني، فهل يجوز أن أردها له وأقول إنها لم تعجبني، وإنها من نوعية أرخص مما نهديه عادة له؟ علماً بأنه موسر، ويمكنه أن يشتري هدية أغلى كثيرا من الهدية التي أهداها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد للَّه
التواضع من أحسن الخلال، وأكرم الخصال، وهو خلق الأنبياء والمرسلين، وشيمة الأولياء والصالحين، وذلك بلين الجانب للناس، وخفض الجناح لهم، والنزول عند حاجاتهم ورغباتهم.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(أَكمَلُ المُؤمِنِينَ إِيمَانًا أَحَاسِنُهُم أَخْلاَقًا، المُوَطَّؤُونَ أَكنَافًا، الذِينَ يَألَفُونَ وَيُؤلَفُونَ، وَلاَ خَيرَ فِي مَن لاَ يَألَفُ وَلاَ يُؤلَفُ)
أخرجه الطبراني في "الأوسط" (2/268) وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (751)
ومن أعظم سمات المتواضعين قبول الهدية مهما كان قدرها، وعدم النظر إلى قيمتها وقدرة من أهدى على شراء أفضل منها، بل ينبغي النظر إليها بعين الرضا والامتنان، واستشعار أن الهدية الحقيقية هي المحبة الباعثة عليها وليست في قيمتها.
وهذا سيد البشر، وخاتم الأنبياء والمرسلين، حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم، على عظم قدره، وجلالة شأنه، كان يقبل الهدية ولو كانت كراعا أو شربة لبن.
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(لَو دُعِيتُ إِلَى كُرَاعٍ لَأَجَبتُ، وَلَو أُهْدِيَ إِلَيَّ كُرَاعٌ لَقَبِلْتُ) رواه البخاري (5178)
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري" (9/245-246) :
" الكراع: هو مستدق الساق من الرِّجْلِ، ومن حد الرسغ من اليد، وهو من البقر والغنم بمنزلة الوظيف من الفرس والبعير، وقيل الكراع ما دون الكعب من الدواب، وقال ابن فارس: كراع كل شيء طرفه ...
وفي الحديث دليل على حسن خلقه صلى الله عليه وسلم، وتواضعه، وجبره لقلوب الناس، وعلى قبول الهدية، وإجابة من يدعو الرجل إلى منزله، ولو علم أن الذي يدعوه إليه شيء قليل، وفيه الحض على المواصلة والتحاب والتآلف وإجابة الدعوة لما قل أو كثر، وقبول الهدية كذلك " انتهى.
وقال العيني رحمه الله "عمدة القاري" (13 / 128) :
" وقال ابن بطال: أشار النبي صلى الله عليه وسلم بالكراع والفرسن إلى الحض على قبول الهدية ولو قلَّت؛ لئلا يمتنع الباعث من المهاداة لاحتقار المهدى إليه " انتهى.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت:
(كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقبَلُ الهَدِيَّةَ وَيُثِيبُ عَلَيهَا) رواه البخاري (2585)
بل كان قبول الهدية إحدى علامات نبوته لدى أهل الكتب السابقة، حتى عرفه بها سلمان الفارسي رضي الله عنه في قصة إسلامه، كما في "مسند" الإمام أحمد (5/441) ، وسبق ذكر القصة في موقعنا في جواب السؤال رقم (88651)
وقد أهدت أم الفضل للنبي صلى الله عليه وسلم شربة لبن فقبلها. كما في البخاري (1658) ومسلم (1123) ، وأهدى له أبو طلحة ورك أرنب فقبله. رواه البخاري (2572) ومسلم (1953) ، ولا تكاد تحصى المواقف التي قبل النبي صلى الله عليه وسلم فيها هدايا الناس ولو صغرت.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ:
(يَا نِسَاءَ الْمُسْلِمَاتِ! لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ) رواه البخاري (2566) ومسلم (1030)
فرسن الشاة: حافرها.
قال ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (10/445) :
" وقال الكرماني: يحتمل أن يكون النهي للمعطية، ويحتمل أن يكون للمُهدَى إليها.
قلت (أي ابن حجر) : ولا يتم حمله على المهدى إليها إلا بجعل اللام في قوله (لجارتها) بمعنى مِن، ولا يمتنع حمله على المعنيين " انتهى.
بل جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن رد الهدية:
فقد روى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(أَجِيبُوا الدَّاعِيَ، وَلا تَرُدُّوا الْهَدِيَّةَ، وَلا تَضْرِبُوا الْمُسْلِمِينَ)
رواه أحمد في "المسند" (1/404) وحسنه محققو المسند، وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (6/59)
يقول ابن حبان في "روضة العقلاء" (242) :
" زجر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الخبر عن ترك قبول الهدايا بين المسلمين، فالواجب على المرء إذا أهديت إليه هدية أن يقبلها ولا يردها، ثم يثيب عليها إذا قدر، ويشكر عنها " انتهى.
فعليك أخي السائل الكريم أن تقبل الهدية، ولا تنظر إلى قيمتها وقدرة المهدي على شراء أفضل منها، فقد يكون غفل عن شراء أفضل منها أو ضاق عليه الوقت أو لم يوفق في الاختيار أو غير ذلك من الأعذار التي هي من شأنه، وليس من شأنك أن تبحث عنها، واقتد في ذلك بنبيك الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك من محاسن الأخلاق ومكارم الشيم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6176)
حكم دفع الإكرامية والبقشيش للسباك والنجار وموظف الهاتف
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم إعطاء إكرامية لسباك أو نجار أو موظف في مصلحة التليفونات بعد قضاء مهمته سواء طلب هو أو أعطيته من نفسي دون أن يطلب مع العلم بأنه يأخذ مرتبا شهريا من المصلحة التي يعمل بها والتي ترسله لي؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه المسألة من المسائل المهمة التي عمت بها البلوى في هذه الأزمنة، حتى أصبح كثير من العمال لا يتورع عن سؤال ما يسمونه بالإكرامية، ومنهم من يراها حقا واجبا له، ومنهم من ينازع في قدرها إذا أعطيت له، مع ما يصحب ذلك من التهاون في أداء العمل عند الشعور بفقدان الإكرامية أو ضعفها، والنشاط في العمل عند من يبذل أكثر.
ومن تأمل ذلك وجد أن هناك مفاسد عدة تترتب على دفع هذه الإكراميات، ويمكن تلخيصها فيما يلي:
1- أن العامل إذا كان يتقاضى أجرا من الجهة التي أرسلته، فلا وجه لإعطاء الهدية له، بل ظاهر السنة تحريمه، فقد روى البخاري (7174) ومسلم (1832) عن أبي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه قَالَ: اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلا مِنْ بَنِي أَسْدٍ يُقَالُ لَهُ ابن اللُّتْبِيَّة عَلَى صَدَقَةٍ فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي، فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: (مَا بَالُ الْعَامِلِ نَبْعَثُهُ فَيَأْتِي يَقُولُ: هَذَا لَكَ وَهَذَا لِي، فَهَلا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَيَنْظُرُ أَيُهْدَى لَهُ أَمْ لا؟ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا يَأْتِي بِشَيْءٍ إِلا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ أَوْ شَاةً تَيْعَرُ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَتَيْ إِبْطَيْهِ أَلا هَلْ بَلَّغْتُ ثَلاثًا) .
والرغاء: صوت البعير، والخُوار: صوت البقرة، واليُعار: صوت الشاة.
فالفارق بين الهدية المحرمة، والهدية الجائزة: أن ما كان لأجل عمل الإنسان ووظيفته، فهو محرم، وضابطه أن ينظر الإنسان في حاله، لو لم يكن في هذا العمل، هل كان سيُهدى إليه؟ وهذا ما بينه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (فَهَلا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَيَنْظُرُ أَيُهْدَى لَهُ أَمْ لا) .
2- أن هذه الإكرامية تدعو العامل إلى محاباة الدافع، حتى قد يعطيه ما ليس من حقه، مما يعود بالضرر على صاحب العمل.
3- أنها تفسد قلب العامل على الآخرين الذين لا يدفعون له شيئاً، فلا يحسن العمل لهم، ويقصر في إكماله.
4- أنها تجرئ العامل على السؤال والطلب، وتعوده على انتظار الإكرامية واستشراف نفسه لها، فهي عادة سيئة، ينبغي القضاء عليها ومحاربتها، لأن الإسلام يدعو إلى عزة النفس وسموها وارتفاعها عن التطلع إلى ما في يد الآخرين، بل يحرّم المسألة إلا عند الضرورة، ولا يرضى أن تتحول هذه الشريحة الكبيرة من الأمة إلى متسولين، ولو كان تسولا مغلفا باسم الإكرامية أو العمولة.
وهذه المفاسد تعارضها مصلحة الإحسان إلى العامل والتصدق عليه إذا كان فقيراً، أو إجابة سؤاله كراهة رد السائل.
والقاعدة المقررة عند أهل العلم أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وعليه فلا يجوز دفع ما يسمى بالإكرامية، إلا في صورة ضيقة تخلو من هذه المفاسد، كأن يكون العامل قد فرغ من عمله، ولا يُتوقع أن يقوم بعمل آخر للدافع، فتنتفي شبهة الرشوة والمحاباة، فيجوز إعطاء شيء له من باب الإكرام أو المساعدة، على ما أفتى به بعض أهل العلم كما سيأتي، والأولى عدم ذلك؛ لأن مفسدة تعويده على الطلب والتطلع موجودة، وكذلك مفسدة إفساد قلبه على من لا يدفع.
ومن كلام أهل العلم في هذه المسألة:
1- ما جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (23/548) : ما حكم الشرع فيمن أُعطي له مال وهو في عمله بدون طلب منه أو احتيال لأخذ ذلك المال، مثال ذلك: العمدة أو شيخ الحارة (الحي) يأتيه الناس ليعطيهم شهادات؛ لأنهم من سكان حارته، ويعطونه فلوسا على ذلك ... فهل يجوز أخذ هذا، وهل يعتبر هذا المال حلالا؟ وهل يُستدل على جواز ذلك بحديث سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عبد الله بن عمر، عن عمر رضي الله عنهم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيني العطاء فأقول: أعطه من هو أفقر إليه مني، فقال: (خذه، إذا جاءك من هذا المال شيء وأنت غير مُشْرفٍ ولا سائل فخذه فتموله، فإن شئت تصدق به، وما لا فلا تتبعه نفسك) قال سالم: فكان عبد الله لا يسأل أحدا شيئا ولا يرد شيئا أعطيه متفق عليه.
الجواب: إذا كان الواقع ما ذكر فما يدفع لهذا العمدة حرام؛ لأنه رشوة. ولا صلة لحديث ابن عمر رضي الله عنهما بهذا الموضوع؛ لأنه في حق من أُعطي شيئا من بيت مال المسلمين من والي المسلمين دون سؤال أو استشراف نفس " انتهى.
2- وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: لدينا قصر أفراح، وفيه طباخون، وبعض الطباخين يطلب إكرامية بالإضافة إلى راتبه؛ فهل يجوز إعطاء العال مبلغًا من المال إكرامية؛ حيث إنه تعود أخذه من الناس؟
فأجاب: " إذا كان هناك عامل من العمال له راتب وله أجر مقطوع من صاحب العمل؛ فلا يجوز لأحد أن يعطيه؛ لأن هذا يفسده على الآخرين؛ لأن بعض الناس فقراء لا يستطيعون إعطاءهم؛ فهذا العمل سنة سيئة " انتهى من "المنتقى في فتاوى الشيخ الفوزان" ج 3 سؤال رقم (233) .
3- وسئل الشيخ عبد الرحمن البراك حفظه الله: ما حكم إعطاء عامل المطعم زيادة علماً أن بعض الفواتير بها بقشيش؟
فأجاب: " لا يجوز إعطاء العامل هذه الزيادة لأنها تعتبر رشوة منك للعامل حتى يعطيك من الخدمة أو الطعام أكثر مما يعطي غيرك ممن لا يدفع له هذه الزيادة، وليس للعامل أن يخص أحداً بمزيد خدمة، وعليه أن يعامل الناس معاملة واحدة. لكن.. إذا انتفت من هذه الزيادة شبهة الرشوة أو المحاباة فإنه لا حرج فيها حينئذ.
كما لو قصدت بها الإحسان إلى هذا العامل الضعيف المحتاج وأنت لن تتردد على هذا المطعم ". انتهى من السؤال رقم (21605)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6177)
حكم الهدية قبل قبضها وحوزها، وحكم تصرفات المريض
[السُّؤَالُ]
ـ[أبي كانت له خالة طلقت من زوجها ولم يكن لها أولاد، فكفلها أبي ما يقرب من عشرين عاماً حتى توفيت، وقبل وفاتها بعدة أعوام كتبت لأبي قطعة أرض زراعية كانت تملكها (مساحتها 14 قيراط) بعقود بيع وشراء (ولم تأخذ منه ثمنا) ، واعتبرت أن هذه الأرض نظير كفالته لها وتعويضاً له عن نصيبه في ميراث أمه (جدتي) والذي استولت عليه هذه الخالة وأخت لها بطريق التحايل – علماً بأن نصيب أبي في هذا الميراث لا يتجاوز 2 قيراط – أي: أنه أقل بكثير من الأرض التي كتبتها له، وعندما علم أبي بأمر هذه العقود أخذها ومزقها، فكتبتها خالته مرة ثانية وأخفتها مع أحد الناس، وأوصته أن يعطيها لأبي بعد وفاتها، وبعد عدة سنوات ماتت هذه الخالة ولم يكن لها ورثة إلا ابن عم واحد، وكان يعمل أجيراً في هذه الأرض، وجاء الرجل الذي معه العقود وسلمها لأبي، وفي جلسة عرفية اصطلح أبي مع ابن عم خالته (الوارث الوحيد لها) على أن يبقى الأخير أجيراً في الأرض كما هو على أن يتسلمها أبي بعد وفاته، ثم فوجئ أبي بعد ذلك بهذا الرجل يرفع عليه دعوى قضائية ليتسلم الأرض باعتباره الوارث الوحيد متهماً أبي بتزوير العقود التي معه، فأخذ العند أبي فدخل معه في القضية والتي انتهت بالحكم لصالح أبي بصحة العقود ونفاذ البيع مع استلام الأرض. ولي سؤالان: 1- هل يحل لأبي أن يأخذ هذه الأرض التي كتبت له بعقود بيع صورية مع وجود وريث شرعي؟ . 2- إذا حدث فعلا وأخذ أبي هذه الأرض فهل يحل لي أن آخذ نصيبي من الميراث من هذه الأرض بعد وفاة أبي؟ . أعتذر عن الإطالة، ولكن كان لا بد من ذكر الملابسات، وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه الخالة كانت تبرعت بهذه الأرض حال حياتها وصحتها ورشدها، وحينئذ، فلهذا التصرف حالان:
الأول: أن يكون غرضها أن التبرع ينفذ أثناء حياتها، ودون توقيف على موتها، وكان والدك قد قبل هذا التبرع، وحاز الأرض حيازة حقيقية؛ فهي هبة صحيحة لا شيء فيها من جهة الشرع؛ لأن الإنسان له حرية التصرف في ماله، ما لم يكن في ذلك إسراف أو تبذير، أو إنفاق في أوجه غير مشروعة، ولا يوجد ـ في هذه الحالة ـ شبهة الإضرار بالورثة؛ لأن المال ينتزع من المنفق في حياته، فما كان من ضرر فإنه سيعود عليه هو قبل غيره.
وفي هذه الحالة لا يجوز للورثة المطالبة بشيء مما تبرعت به المتوفاة؛ لأنه صار ملكاً خاصاً للموهوب لهم.
الثاني: أن يكون هذا التبرع لوالدك موقوفاً على موت الخالة؛ فهذا له حكم الوصية؛ وحينئذ فإن هذه الوصية صحيحة في حق والدك، لأنه ليس وارثا لخالته، وإنما الوارث ابن عمها، لكن لا يجوز أن يأخذ من هذه الوصية أكثر من ثلث التركة؛ فإن كانت قطعة الأرض تعدل ثلث التركة، أو أقل، نفذت الوصية كاملة، وإن كانت أكثر من ثلث التركة، أخذ منها ما يعدل الثلث، ورد الباقي على الوارث.
قال ابن قدامة – رحمه الله -:
والعطايا المعلقة بالموت كقوله " إذا مت فأعطوا فلاناً كذا، أو أعتقوا فلاناً " ونحوه: فوصايا حكمها حكم غيرها من الوصايا.
" المغني " (6 / 158) .
ثانياً:
ينبغي التنبه إلى مسألة مهمة، وهي أن في هذه التركة نصيبا لوالدك؛ حيث ذكرتَ أن خالته وأختها قد أخذا من نصيبه في الميراث أرضاً، فله في تركتها (1) قيراط، لأنها شريكة هي وأختها في الغصب.
وعليه: فينبغي لابن عمها ـ إذا قدر أنه أخذ التركة كاملة، ولم يحصل والدك على هذه الأرض التي كتبت له ـ أن يرجع الحق لوالدك، وهو – هنا – ليس فقط الأرض التي انتزعت منه غصباً وسلباً، بل وما نتج منها من مال أو أرض، فتحسبون ما أنتجته الأرض من ثمار بيعت، أو أجرة أخذت، ويدفع ذلك كله لوالدك إما مالاً وإما ما يقابله من العقار من الأرض أو غيرها.
وتجد تفصيل هذا الأمر في جواب السؤال رقم: (10323) .
ومن الجواب على السؤال الأول، يظهر الجواب عن السؤال الثاني، فيجوز لك أن تأخذ نصيبك من هذه الأرض، بعد وفاة أبيك، إذا كان ما أخذه فعلا هو في حدود حقه الذي أشرنا إليه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6178)
قبول الهدية المشروطة من غير المسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب مسلم أدرس في أمريكا، ونحن بصدد بناء مركز إسلامي في المدينة التي أقيم فيها، وقد تبرعت الجامعة بالأرض المراد إنشاء المركز عليها، وقد اشترطوا عدة شروط حيت يتم العقد الذي بموجبه نستلم الأرض ونبني عليها المركز، مما جعل بعض الأخوة يعارض قبول هذه الأرض
ومن هذه الشروط:
1- أن إدارة المركز تخضع لقوانين الولاية، ولقوانين الجامعة
2- أن الجامعة لها حق الرجوع في الهبة ونقل الملكية إلى الجامعة.
3- أن المركز لا يكون خاصاً بالمسلمين، بل يكون للمسلمين وغيرهم.
فهل يجوز قبول هذه الأرض الموافقة على هذه الشروط؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" إذا كان الأمر كما ذكر فلا يجوز قبول هذه الهبة، لما يترتب على تطبيق شروط العقد من المفاسد، من ذلك: خضوع إدارة المركز لضوابط وقوانين الجامعة، وهي مجهولة لمن قبل الهدية، وقد يكون منها ما يخالف الإسلام، وكذلك ما ذكر من خضوع المركز لقوانين الولاية ومعلوم أن قوانينهم منها ما يخالف الإسلام، وما جاء فيه أيضاً من أن المراكز للمسلمين وغيرهم كاليهود، وهذا يعني: أن المسلمين يقيمون مركزاً تقام فيه شعائر الدين النصراني واليهودي، وهذا سيحدث مشاكل كثيرة، وقد شرط فيه أيضاً: أن المانح له حق الرجوع في الهبة، ونقل الملكية إلى الجامعة ... إلى غير ذلك من الأمور التي اشتمل عليها العقد، وهي مخالفة للشريعة الإسلامية ". ا. هـ
وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة (16/178-179) .
(5/6179)
يرعى عمته ويقوم على شئونها فهل لها أن تهبه دون باقي إخوته؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لي عمة كبيرة في السن تملك قدراً من المال والعقار ورثتها عن والدها، ومنذ ما يقارب من خمسة عشر سنة قامت بتوكيلي رسميّاً في إدارة أموالها وممتلكاتها وكان ذلك بموافقة والدي، والجدير بالذكر أن عمتي قد عاشت حياة محافظة جدّاً، ولا تعرف الكتابة أو القراءة ولا تستطيع تدبير أمورها دون مساعدتي لها.
وطوال الفترة التي كنت وكيلا عنها كانت تعاملني وكأني ولدها الوحيد وكنت المتصرف في مالها والقائم على إدارة شئونها المعيشية والمرضية وغيره دون بقية إخوتي الاثني عشر الآخرين الذين لا يصلونها إلا في المناسبات الاجتماعية أو الدينية.
توفى والدي فأصبحت أنا وإخوتي الوارثين الشرعيين الوحيدين لها وقد استأذنتها بدون علم إخوتي أو موافقتهم في تسجيل أغلب ممتلكاتها من العقار والمال لي شخصيّاً والبعض الآخر لإحدى أخواتي وابنها الذي هو في الحقيقة زوج ابنتي لكونه يساعدني في تدبير حال معيشتها، وقد وافقتْ على ذلك وقمت بالتسجيل لنفسي ولأختي وابنها، إلا أن إخوتي الآخرين اكتشفوا ذلك مؤخراً وبدأ الجميع في توجيه اللوم لي واتهامي بالتعمد في الإضرار بالعمة وبهم من جراء هذه الفعلة واستغلال عدم أهلية العمة وعدم إدراكها بأمور الحياة وعدم معرفتها لقيمة أملاكها وإساءة استخدام الوكالة التي في حوزتي، إضافة إلى اتهامي بارتكاب مخالفة لحكم الله ورسوله.
فهل يعتبر ذلك تعديّاً على حكم الشرع الشريف فيما قمت به من عملية الهبة، علما أنها تمت بعلم عمتي وموافقتها عليها؟
وهل يجوز لإخواني الآخرين الاعتراض على هذه الهبة؟
أرجو منكم نصحي بما يجنبني التعدي على حدود الله إن كنت مخطأً لتدارك تصحيح ما قمت به والاستغفار منه قبل فوات الأوان.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
قيامك على شئون عمتك ورعايتك لها من الأعمال الصالحة التي تقربك إلى الله وتزيد في أجورك وتثقِّل موازينك، لكن ذلك مشروط باحتساب عملك لوجه الله تعالى، ولا حرج من أخذك أجرة المثل مقابل تلك الرعاية والعناية.
ولا يحل لك أخذ ما يزيد على هذا بالإحراج أو بالحيلة , قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) النساء/29، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه) رواه أحمد (20172) وصححه الألباني في " إرواء الغليل " (1459) .
كما لا يحل لك - ولا لها – قصد الإضرار بالورثة، سواء كان ذلك بالهبة أو الوقف في حال الحياة أو وصية بعد الموت لغير وارث؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) رواه أحمد وابن ماجه (2341) وصححه الألباني في " صحيح ابن ماجه "
قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله:
" وأما إن قصد المضارة بالوصية لأجنبي بالثلث فإنه يأثم بقصده المضارة، وهل ترد وصيته إذا ثبت بإقراره أم لا؟ حكى ابن عطية رواية عن مالك: أنها ترد، وقيل: إنه قياس مذهب أحمد " انتهى.
" جامع العلوم الحِكَم " (1 / 305) .
وقال الشيخ صدِّيق حسن خان رحمه الله:
" ومن وقف شيئا مضارة لوارثه كان وقفه باطلا , لأن ذلك مما لم يأذن به الله سبحانه , بل لم يأذن إلا بما كان صدقة جارية ينتفع بها صاحبها , لا بما كان إثما جاريا , وعقابا مستمرا , وقد نهى الله تعالى عن الضرار في كتابه العزيز عموما وخصوصا , ونهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم عموما , كحديث: (لا ضرر ولا ضرار في الإسلام) " انتهى.
" الروضة الندية " (2 / 154) .
ثانياً:
جاء في سؤالك قولك عن إخوتك فيما أنكروه عليك " واستغلال عدم أهلية العمة "! فإذا كان ما قالوه صحيحاً وأن عمتك ليست أهلاً للتصرف في المال , كما لو كانت غير عاقلة , أو كانت سفيهة تضيع الأموال: فإن ما قامت به من هبتك أموالها باطل شرعاً ولا يحل لك تملكه؛ لعدم أهليتها في التصرف في أموالها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" جميع الأقوال والعقود مشروطة بوجود التمييز والعقل، فمن لا تمييز له ولا عقل: ليس لكلامه في الشرع اعتبار أصلا , كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد , وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد ألا وهي القلب) فإذا كان القلب قد زال عقله الذي به يتكلم ويتصرف فكيف يجوز أن يجعل له أمر ونهي أو إثبات ملك أو إزالته، وهذا معلوم بالعقل مع تقرير الشارع له ... .
العقود وغيرها من التصرفات مشروطة بالقصود كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات) ، وقد قررت هذه القاعدة في كتاب " بيان الدليل على بطلان التحليل " وقررت أن كل لفظ بغير قصد من المتكلم لسهو وسبق لسان وعدم عقل: فإنه لا يترتب عليه حكم " انتهى.
" مجموع الفتاوى " (33 / 107) .
ثالثاً:
أما إذا كانت عمتك عاقلة رشيدة فإن تصرفها في أموالها بالهبة أو الصدقة أو غير ذلك: صحيح.
قال الشيخ عبد الله بن جبرين حفظه الله في حكم مطابق لمسألتنا:
" يجوز للزوج في صحته وحياته أن يهدي زوجته ما يشاء مقابل صبرها أو حسن خدمتها أو ما دخل عليه لها من مال أو صداق إذا لم يفعله إضراراً بالورثة الآخرين، ولا يتحدد ذلك بربع المال ولا غيره.
وهكذا بالنسبة للزوجة، لها أن تعطي زوجها ما شاءت من مالها أو صداقها؛ لقوله تعالى: (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) .
ولا يجوز ذلك في حال المرض؛ لكونه يُعتبر وصية لوارث " انتهى.
" فتاوى إسلامية " (3 / 29) .
وليعلم إخوتك أنه لا يجب على العمة أن تعدل في العطية بين أولاد أخيها، والعدل في العطية إنما يجب إذا كانت العطية للأولاد , أما غيرهم فلا يجب العدل بينهم في العطية.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
" يجوز للإنسان أن يفضِّل بعض ورثته على بعض إذا كان هذا التفضيل في حال صحته إلا في أولاده فإنه لا يجوز أن يفضل بعضهم على بعض " انتهى.
" فتاوى إسلامية " (3 / 30) .
وخلاصة الجواب:
إذا كانت عمتك عاقلة رشيدة ووهبتك هذه الأموال بمحض إرادتها ورضاها من غير إجبار منك أو احتيال , ولم تُرِدْ بذلك الإضرار بالورثة , فهذه الهبة صحيحة , وليست مخالفة للشرع.
أما إذا كانت غير رشيدة أو كانت الهبة بدون رضاها , أو أرادت الإضرار بالورثة , فهذه الهبة حرام ولا تصح , وأموالها ما زالت باقية في ملكها.
ولك في هذه الحالة أن تأخذ منها أجرة مقابل خدمتك لها وإدارتك لأموالها , على أن تكون هذه الأجرة على قدر العمل وليس مبالغاً فيها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6180)
تنازل عن حقٍّ ماليٍّ له فهل له الرجوع عن تنازله؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا سامح شخص شخصاً آخر على أمور مالية، فهل له بعد ذلك أن يقول له إنه غير مسامحه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من كان له حق عند غيره – سواء كان حقاًّ مالياً أم غيره – ثم تنازل عنه، فقد برئت ذمة الطرف الثاني، ولا يجوز للأول أن يرجع ويطالب بحقه السابق، أو يقول: إنه غير مسامحه.
قال ابن قدامة في "المغني" (8/250) :
" وإذا كان له في ذمة إنسان دين , فوهبه له , أو أبرأه منه , أو أحله منه , صح , وبرئت ذمة الغريم منه. . . وإن قال: تصدقت به عليك. صح. . . وإن قال: عفوت لك عنه. صح. . . وإن قال: أسقطته عنك. صح. . . وإن قال: ملكتك إياه. صح ; لأنه بمنزلة هبته إياه " انتهى باختصار.
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (1/144) :
" اتفق العلماء على عدم جواز الرجوع في الإبراء بعد قبوله لأنه إسقاط , والساقط لا يعود، كما تنص على ذلك القاعدة المشهورة " انتهى بتصرف يسير.
وقال في "الغرر البهية" (3/392) :
" يمتنع الرجوع في هبة الدين، لأنه لا بقاء له " انتهى بتصرف.
يعني: لأنه تبرأ منه ذمة المدين، فلا يعود مرة أخرى.
وفي "تحفة المحتاج" (6/310) :
" هبة الدين لا رجوع فيه جزماً " انتهى.
وإسقاط الحق بمنزلة الهبة، وقد حَرَّم الرسول صلى الله عليه وسلم الرجوع في الهبة، فقال: (العَائِد في هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَقِيءُ ثُمَّ يَعُودُ في قَيْئِهِ، لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ) رواه البخاري (2589) ، (6975) ومسلم (1622) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" قوله: (لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ) أي: لا ينبغي لنا معشر المؤمنين أنْ نتصف بصفةٍ ذميمةٍ، يشابهنا فيها أخسُّ الحيوانات، في أخسِّ أحوالها، قال الله سبحانه وتعالى: (لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلهِ المَثَلُ الأَعْلَى) النحل/60، ولعلَّ هذا أبلغ في الزجر عن ذلك وأدلُّ على التحريم، مما لو قال مثلاً: (لا تعودوا في الهبة) " انتهى.
" فتح الباري " (5 / 294) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6181)
شراء المهدي الهدية من المهدى له
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل أعطى أخاه سيارة هدية، فأراد الذي أُهدي إليه أن يبيع السيارة، فهل للذي أهدى السيارة أن يشتريها أم لا يحل له أن يشتريها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للمهدي أن يشتري ما أهداه لأخيه، فعن عمر رضي الله عنه قال: حملت على فرس في سبيل الله، فأضاعه صاحبه، فظننت انه بائعه برخص، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: " لا تبتعه وإن أعطاكه بدرهم، فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه " رواه البخاري (2623) ومسلم (1620) .
وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 16/184
(5/6182)
قبول هدية الكافر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للأخ المسلم قبول هدية أخيه الكافر والمشرك أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قبول المسلم هدية أخيه إذا كان كافراً أو مشركاً جائزة؛ لما في ذلك من تأليفه، لعل الله أن يهديه إلى الإسلام.
وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 16/183
(5/6183)
هل يجوز للزوج أن يعطي زوجته عطية دون باقي الورثة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ألا يحق للزوجة أن تطالب زوجها بأن يكتب لها من ممتلكاته التي من ماله الخالص نصفها، والزوج يرفض ذلك بحجة أن هذا تحايل على الشارع لمنع الإرث أن يصل لمن أوقفه الله سبحانه له؛ ولكوني قد ابتلاني ربى بعدم الإنجاب لمدة 19 سنة، مع موافقته على تخصيص شقة كهبة لي غير مشروطة، مع العلم أنى زوجته الوحيدة، ووالداه أحياء.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
وردنا منكِ سؤال برقم (72320) على أن زوجكِ قد وافق على كتابة الشقة باسمكِ، وأن والدتك قد رفضت كتابة الشقة باسم زوجك أو باسمكِ، وبينا أنه لا حرج على زوجك في ذلك، وأنه ليس من حق والدتك منعه من كتابة الشقة باسمك.
وعلى كل حال: بما أن زوجكِ ليس له زوجة أخرى يمكن أن يقع إشكال في أن يهبك ولا يهبها، فلا حرج عليه من أن يهبك إياها.
وأما كونه يكتب لك نصف ممتلكاته، فلا حرج عليه في ذلك، بشرط أن يفعل ذلك بنفس راضية من غير ضغط أو إلحاح منك، وأن لا يقصد بذلك التضييق على الورثة، لأن الرجل ما دام صحيحاً ليس مريضاً مرض الموت، له أن يهب من ماله لزوجته أو غيرها ما يشاء.
وعلى هذا، فليس لك الإلحاح على زوجك في كتابة بعض ممتلكاته باسمك، لأنه قد يفعل ذلك حياءً منك وهو غير راض، فيكون ذلك حراماً عليك.
والأفضل للزوج أن لا يفعل ذلك، لأن ذلك قد يوقع بينه وبين والديه خلافات، وتكون سببا في قطع الرحم، فالأولى إبقاء الأمر على ما هو عليه، مع أنه لا يُعلم من الذي سيرث من! والله أعلم.
ونسأل الله تعالى أن يرزقكِ الذرية الصالحة، وأن يجمع بينكِ وبين زوجك على خير.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6184)
قبول أموال الكفار
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلم وزوجتي نصرانية. وأسأل هل يجوز لي أن آخذ شيء من المال الذي ورثته زوجتي وأصرفه، حيث أني لم أرث المال أنا، ولأنها زوجتي والمال يخصها؟
إذا أوصت زوجتي بممتلكاتها لي – في حال موتها قبلي- فهل يجوز أن آخذ ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1. لا مانع من أخذ شيء من مال زوجتك الذي ورثته، بشرط أن يكون ذلك برضاها.
والله تعالى يقول: (فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً) النساء / 4.
قال القرطبي رحمه الله:
قوله تعالى فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا مخاطبة للأزواج ويدل بعمومه على أن هبة المرأة صداقها لزوجها بكرا كانت أو ثيبا جائزة وبه قال جمهور الفقهاء ... واتفق العلماء على أن المرأة المالكة لأمر نفسها إذا وهبت صداقها لزوجها نفذ ذلك عليها ولا رجوع لها فيه." تفسير القرطبي " (5 / 24، 25) .
وأموال الكفار عموماً إذا بذلت لمسلمٍ عن طيب نفس فليس في أخذها حرج:
فقد أكل النبي صلى الله عليه وسلم عند اليهود.
رواه البخاري (2424) ومسلم (4060) .
وأهدى له ملك أيلة – بلدة بساحل البحر – وكان كافراً بغلة بيضاء وبردةً.
رواه البخاري (1411) ومسلم (1392) .
وبذل عنه النجاشي مهر أم حبيبة وكان كافراً.
عن أم حبيبة أن رسول الله صلى اللهم عليه وسلم تزوجها وهي بأرض الحبشة زوَّجها النجاشي وأمهرها أربعة آلاف وجهزها من عنده وبعث بها مع شرحبيل بن حسنة ولم يبعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء وكان مهر نسائه أربع مائة درهم.
رواه النسائي (3350) – واللفظ له – وأبو داود (2086) والحاكم (2 / 181) وصححه وأقره الذهبي.
وغير ذلك كثير.
2. ووصيتها لك – وهي على دينها قبل موتها – بممتلكاتها يحل لك أيضا هذه الممتلكات، فالوصية غير الميراث، فلو لم توصِ وماتت فلا يحل لك أن ترث منها شيئاً.
قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم "
رواه البخاري (6383) ومسلم (1614) .
قال الإمام ابن عبد البر رحمه الله:
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا يرث المسلم الكافر " مِن نَقل الأئمة الحفاظ الثقات فكل من خالف ذلك محجوج به والذي عليه سائر الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار مثل مالك والليث والثوري والأوزاعي وأبي حنيفة والشافعي وسائر من تكلم في الفقه من أهل الحديث أن المسلم لا يرث الكافر كما أن الكافر لا يرث المسلم إتباعا لهذا الحديث وأخذا به وبالله التوفيق.
" التمهيد " (9 / 164) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6185)
هل الهدية لا تُهدى ولا تُباع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز بيع الهدية؟ حيث إن هناك مقولة بأن الهدية لا تهدى ولا تباع؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المقولة المشهورة بين كثير من الناس: " الهدية لا تُهدى ولا تُباع " مقولة غير صحيحة، ومخالفة للشرع، بل من تملَّك هدية بطريق شرعي فإن له الحق في التصرف بها بيعاً وإجارة وإهداءً ووقفاً، ولا حرج عليه في ذلك، ومن منع شيئاً من ذلك لم يُصب، وقد جاء في السنَّة النبوية الصحيحة ما يدل على هذا.
1- عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّ أُكَيْدِرَ دُومَةَ أَهْدَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَوْبَ حَرِيرٍ، فَأَعْطَاهُ عَلِيًّا، فَقَالَ: (شَقِّقْهُ خُمُرًا بَيْنَ الْفَوَاطِمِ) .
رواه البخاري (2472) ومسلم – واللفظ له - (2071) .
" أُكَيْدِرَ دُومَةَ ": هو أكيدر بن عبد الملك الكندي، واختلف في إسلامه والأكثر على أنه لم يُسلم.
" الخُمُر ": جمع خمار.
" الفواطم ": هن ثلاث: فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفاطمة بنت أسد , وهي أم علي بن أبي طالب , وفاطمة بنت حمزة بن عبد المطلب.
وفي الحديث أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أهدى ما أُهدي إليه، وعليه: فهو يدل على بطلان من منع من إهداء الهدية.
2- وعن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ قَالَ: أَخَذَ عُمَرُ جُبَّةً مِنْ إِسْتَبْرَقٍ تُبَاعُ فِي السُّوقِ، فَأَخَذَهَا فَأَتَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ابْتَعْ هَذِهِ تَجَمَّلْ بِهَا لِلْعِيدِ وَالْوُفُودِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لا خَلاقَ لَهُ) فَلَبِثَ عُمَرُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَلْبَثَ ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجُبَّةِ دِيبَاجٍ، فَأَقْبَلَ بِهَا عُمَرُ فَأَتَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ قُلْتَ إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لا خَلاقَ لَهُ، وَأَرْسَلْتَ إِلَيَّ بِهَذِهِ الْجُبَّةِ! فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (تَبِيعُهَا أَوْ تُصِيبُ بِهَا حَاجَتَكَ) . رواه البخاري (906) ومسلم (2068) .
وفي الحديث نصٌّ على جواز بيع الهدية، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر في الهدية التي أهداه إياها: " تبيعها ".
3- وعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَكُنْتُ عَلَى بَكْرٍ صَعْبٍ لِعُمَرَ، فَكَانَ يَغْلِبُنِي فَيَتَقَدَّمُ أَمَامَ الْقَوْمِ، فَيَزْجُرُهُ عُمَرُ وَيَرُدُّهُ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ فَيَزْجُرُهُ عُمَرُ وَيَرُدُّهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ: بِعْنِيهِ. قَالَ: هُوَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: بِعْنِيهِ. فَبَاعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (هُوَ لَكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، تَصْنَعُ بِهِ مَا شِئْتَ) . رواه البخاري (2010) .
(بَكر) : ولد الناقة أول ما يُركب.
صعب: كثير النفور.
فقول الرسول صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمر: (هُوَ لَكَ، تَصْنَعُ بِهِ مَا شِئْتَ) يدل على أن من أهدي إليه شيء فقد صار ملكاً له، يتصرف فيه كما يشاء، بالبيع أو الهدية أو غير ذلك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6186)
أعطت أمها أخاه عطايا دون باقي إخوته فهل تحل هذه العطية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قام والدي بكتابة البيت الذي قام ببنائه باسم أمي بدون أن تدفع له أي مال، وقد قامت أمي بكتابة شقة باسم أخي، وقد قام أخي بتشطيبها فقط، وأعطت له محلاً كبيراً يستنفع أخي بتأجيره لصالحه، كما أعطت له مكاناً يعمل به تحت السلم وقالت: إن هذه هبة لابنها وبعد وفاة والدي لم تقبل أن تعطيني أي شيء من المنزل وقالت: إنه مكتوب باسمها وليس لي حق فيه إلا بعد وفاتها مع العلم أن أبي لم يترك إلا أنا (بنت) وأخي وأمي، فما رأى الشرع في ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يجوز للزوج أن يهب لزوجته من ماله ما يشاء، ولا يجب العدل بينها وبين أولاده، لكنَّ ذلك مشروط بعدم قصد الإضرار بالورثة.
ثانياً:
أوجب الله تعالى على الآباء والأمهات العدل بين أبنائهم في العطية، فلا يحل لهما إعطاء واحد دون الباقين، فإن فعلوا؛ فإما أن يستردوا ما أعطوا، وإما أن يعطوا الباقين حتى يتحقق العدل.
وما فعلتْه أمكِ من إعطاء شقة ومحل ومكان آخر لأخيكِ هو من الأمور المحرَّمة، والواجب عليها أن تعدل بينكما.
فعن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن أباه أتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني نحلتُ ابني هذا غلاماً، فقال: أكلَّ ولدك نحلتَ مثلَه؟ قال: لا، قال: فارجعه. رواه البخاري (2446) ومسلم (1623) . وفي رواية للبخاري (2587) : (فَاتَّقُوا اللَّهَ، وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلادِكُمْ) قَالَ: فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ.
وقد سبق في جواب السؤال (67652) وجوب عدل الأم في العطية بين أولادها، وأن العدل بين الأولاد أن يعطى الذكر مثل حظ الأنثيين، لأنه لا أعدل من قسمة الله تعالى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6187)
هل يجب على الأم العدل في العطية بين أولادها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أعطي والدتي ألف ريال شهريا رغم عدم احتياجها للمال، وكان ذلك محاولة مني لرد جزء يسير من معروف الوالدين، وكانت تدخر هذا المبلغ، وبعد فترة بدأت في بناء منزل خاص بي وأصبحت في حاجة إلى المال، فأوقفت هذا المبلغ الشهري، ثم اقترحت والدتي أن أقتسم المال الذي يخصها أنا وأختي (متزوجة) ، حيث إن حالتها المادية ليست ميسورة، مع العلم أنه لي أخ وأخت غير أختي هذه (متزوجة أيضاً) ، وهما يعيشان في رغد وبحبوبة.
والسؤال:
هل يجوز لي أنا وأختي المحتاجة أن نقتسم هذا المال دون إعطاء الأخ الوحيد والأخت الأخرى؟ وإذا كان لا يجوز فكيف لوالدتي أن تقسم هذا المال؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أوجب الله تعالى العدل بين الأولاد ذكورهم وإناثهم في العطية.
فعن النعمان بن بشير أن أباه أتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني نحلتُ
(أي: وهبت) ابني هذا غلاماً، فقال: أكلَّ ولدك نحلتَ مثلَه؟ قال: لا، قال: فارجعه.
رواه البخاري (2446) ومسلم (1623) .
وإذا فضل الوالد بعض أولاد هـ بالعطية فالواجب عليه العدل بينهم، وذلك بأحد أمرين: أما أن يسترد الهدية، وإما أن يعطي الآخرين حتى يعدل بينهم.
انظر "الموسوعة الفقهية" (11/359) .
ثانياً:
" وَالأُمُّ فِي الْمَنْعِ مِنْ الْمُفَاضَلَةِ بَيْنَ الأَوْلادِ كَالأَبِ ; لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: (اتَّقُوا اللَّهِ , وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلادِكُمْ) . وَلأَنَّهَا أَحَدُ الْوَالِدَيْنِ , فَمُنِعَتْ التَّفْضِيلَ كَالأَبِ , وَلأَنَّ مَا يَحْصُلُ بِتَخْصِيصِ الأَبِ بَعْضَ وَلَدِهِ مِنْ الْحَسَدِ وَالْعَدَاوَةِ , يُوجَدُ مِثْلُهُ فِي تَخْصِيصِ الأُمِّ بَعْضَ وَلَدِهَا , فَثَبَتَ لَهَا مِثْلُ حُكْمِهِ فِي ذَلِكَ " انتهى. "المغني" (8/261) .
ثالثاً:
القسمة الشرعية في عطية الوالد لأولاده أن تكون حسب قسمة الميراث، للذكر مثل حظ الأنثيين، لأنه لا أعدل من قسمة الله تعالى.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "الاختيارات" (ص 184) :
" ويجب التعديل في عطية أولاده على حسب ميراثهم. وهو مذهب أحمد " انتهى.
وقال شريح القاضي لرجل قسم ماله بين أولاده: قِسْمَةُ اللَّهِ أَعْدَلُ مِنْ قِسْمَتِك , فَارْدُدْهُمْ إلَى قِسْمَةِ اللَّهِ وَفَرَائِضِهِ. رواه عبد الرزاق في مصنفه.
وقال عطاء: مَا كَانُوا يُقَسِّمُونَ إلا عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى.
انظر "المغني" (8/261) .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (16/197) :
" يلزم والدك إن أراد قسمة ماله أو بعض ماله بين أولاده أن يقسمه على الذكور والإناث، وفق المواريث الشرعية: للذكر مثل حظ الأنثيين " انتهى.
رابعاً:
إذا كان الأولاد كباراً راشدين فإنه يجوز للأب أو الأم إعطاء أحد أولادهم دونهم على أن يكون ذلك عن رضاً منهم ودون إحراج.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله:
" يجب على الوالد العدل بين أولاده ذكورهم وإناثهم حسب الميراث، ولا يجوز له أن يخص بعضهم بشيء دون البقية إلا برضى المحرومين إذا كانوا مرشدين، ولم يكن رضاهم عن خوف من أبيهم، بل عن نفس طيبة ليس في ذلك تهديد ولا خوف من الوالد، وعدم التفضيل بينهم أحسن بكل حال، وأطيب للقلوب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) متفق على صحته " انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (9/452) .
وقال الشيخ رحمه الله – أيضاً -:
" لا شك أن بعض الأولاد خير من بعض، هذا أمر معلوم، لكن ليس للوالد أن يفضل بسبب ذلك، بل يجب أن يعدل، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) ، فلا يجوز له تفضيل من أجل أن هذا أحسن من هذا وأبر من هذا، بل يجب أن يعدل بينهم، ونصيحة الجميع حتى يستقيموا على البر وعلى طاعة الله ورسوله؛ ولكن لا يفضل بعضهم على بعض في العطية، ولا يوصي لبعضهم دون بعض؛ بل كلهم سواء في الميراث والعطية على حسب ما جاء به الشرع من الميراث والعطية، يعدل بينهم كما جاء في الشرع، فللرجل مثل حظ الأنثيين، فإذا أعطى الرجل من أولاده ألفاً يعطي المرأة خمسمائة، وإذا كانوا مرشدين وتسامحوا، وقالوا: أعط أخانا كذا، وسمحوا سماحاً واضحاً، فإذا قالوا: نسمح أن تعطيه سيارة أو تعطيه كذا ... ويظهر له أن سماحهم حقيقة ليس مجاملة ولا خوفا منه، فلا بأس.
والمقصود: أن يتحرى العدل إلا إذا كان الأولاد مرشدين، سواء أكانوا ذكوراً أو إناثاً وسمحوا لبعضهم أن يعطوا شيئاً لأسباب خاصة، فلا بأس، فالحق لهم " انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (9/235) .
وعلى هذا؛ فالواجب على أمك أن تعدل بينكم في هذا المال، فتعطي الذكر مثل حظ الأنثيين، وإذا حصل تفضيل بعضكم على بعض برضىً من الآخرين فلا حرج إن شاء الله تعالى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6188)
اكتشف أن الهدية مسروقة
[السُّؤَالُ]
ـ[أهداني عمي كمبيوتر وبعد ذلك اكتشفت أن الجهاز مسروق وأن عمي اشتراه من الشارع. هل يمكن أن أبقي الكمبيوتر لأنه هدية من عمي أم أعيده إلى صاحبه حيث أني وجدت عنوانه في الكمبيوتر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز لك الاحتفاظ به ويجب إعادته إلى مالكه وهو أمانة في يدك إلى أن يعاد في أسرع وقت ولعمك أن يطالب البائع بالثمن لأنه باع ما لا يملك. والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
(5/6189)
إخفاء مصدر الدخل لطالب المساعدة الحكومية
[السُّؤَالُ]
ـ[أحصل على معونات مالية من الحكومة، فهل يجوز أن أخفي عنهم مصدر دخل آخر لي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كانوا يشترطون لإعطائك المعونة أن يعرفوا مصادر دخلك أو كم هو، فلا يجوز لك أن تُخفي ذلك عنهم. وكذلك إذا علم أنهم لا يُعطون إلا المحتاج وهو غير محتاج فلا يجوز أخذ تلك المعونة، والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
(5/6190)
إهداء الطالبة للمعلّمة
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الطالبات تهدي لمعلمتها هدية في المناسبات، فمنهن من تدرّسها الآن، ومنهن من لا تدرّسها ولكن من المحتمل أن تدرسها في الأعوام المقبلة، ومنهن لا احتمال أن تدرسها كالتي تخرجت. فما الحكم في هذه الحالات؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله بقوله:
الحالة الثالثة لا بأس بها، أما الحالات الأخرى فلا يجوز. حتى ولو كانت هدية لولادة أو غيرها، لأن هذه الهدية تؤدي إلى استمالة قلب المعلمة.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
(5/6191)
الهدايا المتبادلة بين المديرة والمدرّسات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الهدية بالنسبة لما تهديه المدرسات للمديرة كقيامها من مرض أو ولادة مع العلم أن المديرة تهدي للمدرسات في مثل هذه المناسبة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا السؤال على فضيلة العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب: إذا كانت هذه الهدايا متبادلة فلا بأس.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
(5/6192)
هل يقبل المعلم هدية الطالب
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أهدى إلى المقرئ أو المعلم من يقرأ عليه، ويتعلم ولولا الإقراء والتعليم لم يهد إليه، فهل يحل له قبولها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يحرم ذلك، والورع ترك قبولها. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى الإمام النووي ص 152
(5/6193)
ترغيب التجار بالتبرع بالإعلان عن محلاتهم
[السُّؤَالُ]
ـ[مراكز لتحفيظ القرآن الكريم تكتب إلى بعض التجار تطلب دعم المركز، ويذكرون في الخطاب أنهم سيضعون اسم المحل على أوراقهم ويعملون له نوعاً من الدعاية، فهل يجوز ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضت السؤال التالي على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله بقوله:
المحذور أن يُجعل قَصْد المتبرع الدنيا، فلا تُذكر هذه الجملة.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
(5/6194)
حكم مكافأة المأذون
[السُّؤَالُ]
ـ[نرجو إفتاءنا عن أعطية المأذون الذي يقوم بعقد النكاح هل تجوز أم لا؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن كان للمأذون عطاء من بيت المال لم يحل له أن يأخذ شيئاً ممن عقد لهم النكاح، وإن كان متبرعاً وأعطي من غير سؤال فلا حرج في ذلك، وإن أعطي بسؤال فلا أحب ذلك، ومن يستغن يغنه الله.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين لمجلة الدعوة العدد 1756 ص 37
(5/6195)
الفرق بين الوقف والهبة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الوقف؟ وما هو الفرق بين الوقف الإسلامي وبين الهبة حسب المعجم القانوني للفاروقي "هي أموال ائتمان أو عهدة يحتفظ بها الوصي أو الأمين كي ترصد لغرض معين دون سواه") المعروفة في البلاد الغربية؟ وإلى أي مجال يمكن أن يستفيد غير المسلمين من الوقف؟ مثلا: هل يجوز أن نوفر منحا دراسية لغير المسلمين من أموال الوقف؟ هل تظن أن الوقف يمكن أن يدخل في النظام الاقتصادي أو بديلا لمساعدة الدول الإسلامية لتطوير نموها الاقتصادي؟ حسب رأيك, ما هي المشاكل المحتملة أو العقبات التي يجب مراعاتها عند إنشاء الوقف؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
_ الوقف تحبيس الأصل وعدم التصرف فيه ببيعٍ، ولا هبة، ولا إرث، ولا غيرها من أنواع التصرفات والعقود ليكون ريعُه وغلَّته تُصرف حسبما أراده الواقف من أعمال الخير والبر، ونحو ذلك.
_ وأما الهبة دفع مال على سبيل التمليك لمن ينتفع به ويتصرف فيه التصرف الكامل بأنواع العقود وسائر التصرفات.
والأمثل في الوقف أن يُصرف في أعمال البر، وإذا كانت المنح لغير المسلمين بقصد دعوتهم إلى الإسلام ورُجي وغلُب على الظن إسلامهم فلا بأس بذلك، لأنَّ الزكاة المفروضة إذا صرُفت للتأليف فمن باب أولى أن يُصرف ريع الوقف في مثل ذلك، لكن الأولى به المشاريع الخيرية لأنَّ نفعها متحقق لا متوقع.
ويمكنه أن يُدخل الوقف في تنشيط النظام الاقتصادي الإسلامي، بأن يتصرَّف في ريعهِ حسب ما تُجيزه الشريعة من عقودٍ لنمائه وعموم نفعه.
والمشاكل المتوقعة من الأوقاف تنشأ من الورثة، والأقارب حوله، وحول توزيع أرباحه على المستحقين.
[الْمَصْدَرُ]
عبد الكريم الخضير
(5/6196)
هل يشرع الطواف أسبوعاً وأهداء ثوابه لآخر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يشرع الطواف بالبيت الحرام اسبوعا واهداء ثوابه لحي أوميّت؟. وما هي الأعمال التي يشرع إهداء ثوابها لشخص آخر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يشرع إهداء ثواب الأعمال للأحياء، لكن بالنسبة للأموات يشرع بما جاء به النص، وسيكون فيما يأتي تفصيل ذلك إن شاء الله.
1. أما إهداء ثواب الأعمال للأحياء: فإن الأصل في العبادات المنع والتحريم إلا بدليل من الشرع يجوز إنشاءها، وهذه كتب السنة والتراجم ليس فيها أن أحداً من سلف الأمة عمل عملاً ثم أهداه لأحدٍ من المسلمين لا لنبي ولا لصحابي.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله - وقد سأله سائل عن إهداء ثواب قراءة القرآن وصلاة النوافل لأمِّه التي لا تقرأ ولا تكتب -:
ليس هناك دليل شرعي على شرعية إهداء الصلاة والقراءة عن الغير سواء كان حيّاً أو ميتاً.
والعبادة توقيفية لا يشرع منها إلا ما دلَّ الشرع على شرعيته.
ولكن يشرع لك الدعاء لها والصدقة عنها، والحج عنها والعمرة إذا كانت كبيرة في السن لا تستطيع الحج والعمرة.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (9 / 321) .
2. وأما بالنسبة لإهداء ثواب الأعمال للأموات: فقد جاءت الشريعة بجواز بعض الأعمال، فيتوقف عندها ولا يصح قياس غيرها عليها، إذ الأصل في العبادات المنع إلا بدليل.
ومما جاءت الشريعة بجواز هبة ثوابه للأموات، أو انتفاع الأموات به من عمل الأحياء:
أ. الدعاء
قال تعالى {والذين جاءوا مِن بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان} [الحشر / 10] .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: نعى لنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم النجاشيَّ صاحب الحبشة يوم الذي مات فيه فقال: " استغفروا لأخيكم ".
رواه البخاري (1236) ومسلم (951) .
وعن عثمان بن عفان قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال: " استغفروا لأخيكم وسلُوا له بالتثبيت؛ فإنه الآن يُسأل ". رواه أبو داود (3221) .
والحديث: جوَّد إسناده النووي في " المجموع " (5 / 292) .
قال ابن القيم رحمه الله:
وقد دلَّ على انتفاع الميت بالدعاء: إجماع الأمة على الدعاء له في صلاة الجنازة.. وهذا كثير في الأحاديث بل هو المقصود بالصلاة على الميت، وكذلك الدعاء له بعد الدفن.. وكذلك الدعاء لهم عند زيارة قبورهم. " الروح " (118، 119) .
ب. قضاء الصوم الواجب على الميت من نذر أو كفارة أو ما شابه ذلك
عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " مَن مات وعليه صيام صام عنه وليُّه ". رواه البخاري (1851) ومسلم (1147) .
عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أمي ماتت وعليها صوم شهر، فقال: " أرأيتِ لو كان عليها ديْن أكنت تقضينه "؟ قالت: نعم، قال: فديْن الله أحق بالقضاء ". رواه البخاري (1817) ومسلم (1148) .
وفيه خلاف، حيث ذهب بعض العلماء إلى أنه لا يصام عن الميت إلا صوم النذر، لكن الصواب العموم.
قال الحافظ ابن حجر:
وقد اختلف السلف في هذه المسألة:
فأجاز الصيام عن الميت: أصحاب الحديث وعلق الشافعي في القديم القول به على صحة الحديث كما نقله البيهقي في " المعرفة "، وهو قول أبي ثور وجماعة من محدثي الشافعية وقال البيهقي في " الخلافيات ": هذه المسألة ثابتة، لا أعلم خلافاً بين أهل الحديث في صحتها فوجب العمل بها ثم ساق بسنده إلى الشافعي قال: كل ما قلت وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافه فخذوا بالحديث، ولا تقلدوني.
وقال الشافعي في الجديد ومالك وأبو حنيفة: لا يصام عن الميت.
وقال الليث وأحمد وإسحاق وأبو عبيد: لا يصام عنه إلا النذر، حملا للعموم الذي في حديث عائشة على المقيَّد في حديث ابن عباس.
وليس بينهما تعارض حتى يُجمع بينهما؛ فحديث ابن عباس صورة مستقلة سأل عنها من وقعت له، وأما حديث عائشة فهو تقرير قاعدة عامة، وقد وقعت الإشارة في حديث ابن عباس إلى نحو هذا العموم حيث قيل في آخره " فدين الله أحق أن يقضى ". " فتح الباري " (4 / 193، 194) .
وأما الحنفية: فاستدلوا بأحاديث ضعيفة في المنع من الصيام عن الميت، وقد ردَّ عليهم الحافظ ابن حجر في " الموضع السابق ".
وقد استدل بعضهم بحديث " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جاري، أو علم نافع، أو ولد صالح يدعو له " وهو في " صحيح مسلم " (1631) ، وقد ردَّ الإمام ابن القيم على من استدل به فقال:
وأما استدلالكم بقوله صلى الله عليه وسلم " إذا مات العبد انقطع عمله ": فاستدلال ساقط فإنه صلى الله عليه وسلم لم يقل (انقطع انتفاعه) ، وإنما أخبر عن انقطاع عمله، وأما عمل غيره: فهو لعامله، فان وهبه له: وصل إليه ثواب عمل العامل لا ثواب عمله هو، فالمنقطع شيء والواصل إليه شيء آخر، وكذلك الحديث الآخر وهو قوله " إن مما يلحق الميت من حسناته وعمله ": فلا ينفي أن يلحقه غير ذلك من عمل غيره وحسناته. " الروح " (ص 129) .
ت. قضاء الدَّيْن
عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتي بجنازة فقالوا: صلِّ عليها، فقال: هل عليه ديْن؟ قالوا: لا، قال: فهل ترك شيئا؟ قالوا: لا، فصلَّى عليه، ثم أتي بجنازة أخرى، فقالوا: يا رسول الله صلِّ عليها، قال: هل عليه ديْن؟ قيل: نعم، قال: فهل ترك شيئاً؟ قالوا: ثلاثة دنانير، فصلَّى عليها، ثم أتي بالثالثة، فقالوا: صلِّ عليها، قال: هل ترك شيئاً؟ قالوا: لا، قال: فهل عليه ديْن؟ قالوا: ثلاثة دنانير، قال: صلُّوا على صاحبكم، قال أبو قتادة: صلِّ عليه يا رسول الله وعليَّ ديْنُه، فصلَّى عليه. رواه البخاري (2169) .
ث. قضاء نذر الطاعة
عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن امرأة مِن جهينة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أمي نذرت أن تحج، فلم تحج حتى ماتت، أفأحجُّ عنها؟ قال: " نعم، حُجِّي عنها، أرأيت لو كان على أمكِ ديْن أكنت قاضية؟ اقضوا الله، فالله أحق بالوفاء ". رواه البخاري (1754) .
ج. الحج عنه
عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول: لبيك عن شبرمة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَن شبرمة؟ قال: قريب لي، قال: هل حججتَ قط؟ قال: لا، قال: فاجعل هذه عن نفسكَ، ثم حُجَّ عن شبرمة.
رواه أبو داود (1811) وابن ماجه (2903) - واللفظ له -.
والحديث: صححه الشيخ الألباني في " إرواء الغليل " (4 / 171) .
ح. ما يفعله أولاده من عملٍ صالح
قال الشيخ الألباني رحمه الله:
ما يفعله الولد الصالح مِن الأعمال الصالحة؛ فإن لوالديه مثلَ أجره، دون أن ينقص من أجره شيء؛ لأن الولد مِن سعيهما وكسبهما، والله عز وجل يقول {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} [النجم / 39] ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه ". أخرجه أبو داود (2 / 108) والنسائي (2 / 211) والترمذي (2 / 287) وحسَّنه.. وله شاهد من حديث عبد الله بن عمرو، رواه أبو داود وابن ماجه وأحمد (2 / 179، 204، 214) بسندٍ حسنٍ.
" أحكام الجنائز " (ص 216، 217) .
= وأما الصدقة وقراءة القرآن: فالصحيح أنه لا يصل شيء منه لعدم ورود الدليل، والأصل: المنع، وقد ذكر بعض العلماء الإجماع على وصل الصدقة عن الميت، لكن الصواب أن هناك اختلافاً بين العلماء في هذا.
أ. قال الإمام ابن كثير:
{وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} أي: كما لا يحمل عليه وزر غيره كذلك لا يحصل من الأجر إلا ما كسب هو لنفسه، ومن هذه الآية الكريمة استنبط الشافعي رحمه الله ومن اتبعه أن القراءة لا يصل إهداء ثوابها إلى الموتى لأنه ليس من عملهم ولا كسبهم ولهذا لم يندب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته ولا حثهم عليه ولا أرشدهم إليه بنص ولا إيماءة ولم ينقل ذلك عن أحد من الصحابة رضي الله عنه ولو كان خيراً لسبقونا إليه، وباب القربات يقتصر فيه على النصوص ولا يتصرف فيه بأنواع الأقيسة والآراء. " تفسير ابن كثير " (4 / 259) .
ب. قال الشوكاني:
وأحاديث الباب تدل على أن الصدقة من الولد تلحق الوالدين بعد موتهما بدون وصية منهما، ويصل إليهما ثوابها، فيخصَّص بهذه الأحاديث عموم قوله تعالى {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} [النجم / 39] ، ولكن ليس في أحاديث الباب إلا لحوق الصدقة مِن الولد، وقد ثبت " أن ولد الإنسان من سعيه " فلا حاجة إلى دعوى التخصيص، وأما مِن غير الولد: فالظاهر مِن العمومات القرآنية: أنه لا يصل ثوابُه إلى الميت فيوقَف عليها حتى يأتي دليل يقتضي تخصيصها.
" نيل الأوطار " (4 / 142) .
ج. وقال شيخ الإسلام رحمه الله:
ولم يكن من عادة السلف إذا صلوا تطوعاً أو صاموا تطوعاً أو حجوا تطوعاً أو قرؤوا القرآن؛ يهدون ثواب ذلك إلى أموات المسلمين، فلا ينبغي العدول عن طريق السلف فإنه أفضل وأكمل.
" الاختيارات العلمية " (ص 54) .
ولشيخ الإسلام رحمه الله قول آخر خالف فيه ما ذكره هنا، وقد وافقه ابن القيم، وردَّ عليهما الشيخ محمد رشيد رضا في " تفسير المنار " (8 / 254 - 270) .
ومن فتاوى اللجنة الدائمة:
السؤال الثالث من الفتوى رقم (2232)
س3: هل يصل ثواب قراءة القرآن وأنواع القربات إلى الميت؟ سواء من أولاده أو من غيرهم؟
لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما نعلم أنه قرأ القرآن ووهب ثوابه للأموات من أقربائه أو من غيرهم، ولو كان ثوابه يصل إليهم لحرص عليه، وبيَّنه لأمته لينفعوا به موتاهم، فإنه عليه الصلاة والسلام بالمؤمنين رؤوف رحيم، وقد سار الخلفاء الراشدون من بعده وسائر أصحابه على هديه في ذلك، رضي الله عنهم، ولا نعلم أن أحداً منهم أهدى ثواب القرآن لغيره، والخير كل الخير في اتباع هديه صلى الله عليه وسلم وهدي خلفائه الراشدين وسائر الصحابة رضي الله عنهم، والشر في اتباع البدع ومحدثات الأمور؛ لتحذير النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك بقوله: "إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة"، وقوله: "من أحدث في أمرنا هذا ماليس منه فهو رد" وعلى هذا لا تجوز قراءة القرآن للميت، ولا يصل إليه ثواب هذه القراءة بل ذلك بدعة.
أما أنواع القربات الأخرى: فما دلَّ دليل صحيح على وصول ثوابه إلى الميت وجب قبوله، كالصدقة عنه والدعاء له، والحج عنه، وما لم يثبت فيه دليل: فهو غير مشروع حتى يقوم عليه الدليل.
وعلى هذا لا تجوز قراءة القرآن للميت، ولا يصل إليه ثواب هذه القراءة في أصح قولي العلماء، بل ذلك بدعة.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
قلت: وقد سبق الكلام على الصدقة، وأن الأحاديث الواردة لا تشمل عموم الناس، بل هي خاصة في أولاد المُتوفَّى.
وأما الطواف الوارد في السؤال: فلا يشرع التطوع به وإهداء ثوابه للميت لعدم ورود الدليل، فإن كان طوافَ عمرة أو حج: فهو داخل فيهما ويجوز.
وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
أقوم أحياناً بالطواف لأحد أقاربي أو والديَّ أو أجدادي المتوفين، ما حكم ذلك؟ وأيضاً ما حكم ختم القرآن لهم، جزاكم الله خيراً.
فأجاب:
الأفضل ترك ذلك، لعدم الدليل عليه،.. .. أما الصلاة عنهم والطواف عنهم والقراءة لهم: فالأفضل تركه لعدم الدليل عليه.
وقد أجاز ذلك بعض أهل العلم قياساً على الصدقة والدعاء، والأحوط: ترك ذلك، وبالله التوفيق.
" فتاوى ابن باز " (8 / 344، 345) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
(5/6197)
إعطاء المال كهدية لحامل البطاقة البنكية
[السُّؤَالُ]
ـ[في سؤال 3402، بعض شركات البطاقات البنكية تعطي أموالاً كجوائز لمن يستعمل هذه البطاقات فهل هذه الجوائز حلال أم أنها ربا؟
هل يجوز شراء شهادات ثابتة - تستعمل الحكومة رأس المال في تجارة ومشاريع ويعطون نسبة ربح ثابتة مثلاً %6 فهل هذا الربح الثابت يعتبر من الربا؟
أرجو التوضيح على ضوء القرآن والسنة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: التعامل مع البنوك الربوية لا يجوز إلا لضرورة لأنه من التعاون على الإثم والعدوان، وبذلهم الجوائز للحث على التعاون معهم هو من باب التشجيع على الحرام ويأخذ حكمه، قال تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) .
ثانياً: الربح المضمون لا يجوز، إذ القاعدة الشرعية:.... والغنم مع الغرم. وإذا كانت الحكومة تقترض من الناس وتعطيهم نسبة ثابتة فهذه هي السندات الربوية المحرمة، ولا يجوز التعامل بها على الإطلاق. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
(5/6198)
حول تفضيل أحد الأولاد على الآخرين في العطاء
[السُّؤَالُ]
ـ[إن بعض الناس يمتاز أحد من أولاده بالبر والعطف على والديه، فيخصه والده بالبر والعطية من أجل ما امتاز به من البر فهل من العدل أن يعطى المتميز بالبر عوضاً عن بره؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لاشك أن بعض الأولاد خير من بعض هذا أمر معلوم لكن ليس للوالد أن يفضل بسبب ذلك بل يجب أن يعدل لقول النبي صلى الله عليه وسلم (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) فلا يجوز له تفضيل من أجل أن هذا أحسن من هذا وأبر من هذا، بل يجب أن يعدل بينهم ونصيحة الجميع حتى يستقيموا على البر وعلى طاعة الله ورسوله؛ ولكن لا يفضل بعضهم على بعض في العطية، ولا يوصي لبعضهم دون بعض؛ بل كلهم سواء في الميراث والعطية على حسب ما جاء به الشرع من الميراث والعطية، يعدل بينهم كما جاء في الشرع فللرجل مثل حظ الأنثيين، فإذا أعطى الرجل من أولاده ألفاً يعطي المرأة خمسمائة، وإذا كانوا مرشدين وتسامحوا، وقالوا أعط أخانا كذا، وسمحوا سماحاً واضحاً، فإذا قالوا: نسمح له أن تعطيه سيارة أو تعطيه كذا.. ويظهر له أن سماحهم حقيقة ليس مجاملة ولا خوفاً منه فلا بأس.
والمقصود أن يتحرى العدل إلا إذا كان الأولاد مرشدين سواء أكانوا ذكوراً أو إناثاً وسمحوا لبعضهم أن يعطوا شيئاً لأسباب خاصة، فلا بأس فالحق لهم.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/9 ص / 234.
(5/6199)
يريد فتح حساب يدخر فيه لكل ولد من أولاده
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد ادخرت مبلغا من المال. وعندي 4 أطفال وأريد أن أوفر بعض المال لكل واحد منهم، وقد خططت بصورة غير نهائية لأن أوفر بعض المال لاستخدامه في تعليمهم وتزويجهم. والفكرة التي في ذهني هي أن أفتح حسابا بنكيا لكل واحد منهم، وأودع مبالغ متساوية أو غير متساوية في حساب كل منهم.
ومن جهتي، فأنا أنوي اعتبار هذه المبالغ أموال لهم (يملكونها) . لكن لنفترض أني احتجت لمبلغ من المال في المستقبل لاستخدامه في مصروفات العائلة اليومية، وأنا أريد استخدامه في ذلك الغرض. وهذا بسبب قول مشهور (وليس عندي حديث أقدمه) أن هذه المبالغ المدخرة للأطفال هي من حق الأب. وبالمناسبة، فإن أبنائي لم يصلوا إلى سن البلوغ (أو الرشد) بعد، إلا واحدا منهم. أنا أعلم بأن علي أن أدفع الزكاة على هذه المبالغ.
وأسئلتي هي:
كيف أتمكن من تحقيق ما خططت له على أن يكون ذلك متفقا مع الدين؟ وهل الطريقة التي ذكرتها أعلاه مقبولة؟
هل يجوز لي أن استخدم المال كما بينت أعلاه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تستطيع أن تفتح حسابا بنكيا لكل واحد منهم، لكن بشرط العدل، فلا تفضل أحدهم على الآخر من الذكور ولا واحدة من الإناث على الأخرى، ويكون للذكر مثل حظ الأنثيين، وهذا أمر مهم يجب أن تتنبه له.
فإن احتجت شيئا من هذا المال فبإمكانك أن تأخذ منه ما تشاء، لكن مع مراعاة العدل بحيث يكون المبلغ المتبقي موزعا بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين، ولا تفضِّل أحداً على الآخر.
هذا مع مراعاة زكاته كلما مضى عليه عام، واحرص على أن تودعه في بنك لا يتعامل بالربا (إن وجد) حتى لا يستعينون به على معصية الله، ونسأل الله لك التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ سعد الحميد.
(5/6200)
حكم الرجوع في عطية الوالد لإبنه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للوالد استعادة ما سبق وأعطاه لابنه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز ذلك إذا رأى المصلحة في ذلك، واستطاع الابن ردها على والده لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لرجل مسلم أن يعطي العطية ثم يرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي لولده) رواه الإمام أحمد وأبو دواد والترمذي والنسائي وابن ماجه وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/9 ص/300.
(5/6201)
حكم التفضيل بين الأولاد في العطية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لي أن أخص أحد أولادي بهدية دون إخوانه، وماذا لو كان التخصيص هذا لسبب كحسن خلقه أو طاعته لوالديه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
وبعد: فقد اتفق العلماء على مشروعية العدل بين الأولاد في العطية فلا يخص أحدهم أو بعضهم بشيء دون الآخر.
قال ابن قدامة في المغني (5 / 666) : " ولا خلاف بين أهل العلم في استحباب التسوية وكراهة التفضيل.
ثم اختلفوا في حكم التفضيل بينهم على أقوال أقواها من جهة الدليل قولان ـ والله أعلم. وهما:
القول الأول:
أنه يحرم التفضيل مطلقا وهو المشهور عند الحنابلة (انظر كشاف القناع4/310، والإنصاف 7/138) وهو مذهب الظاهرية. (يعني سواء كان هذا التفضيل لسبب أو لغير سبب)
القول الثاني:
أنه يحرم التفضيل إلا إذا كان لسبب شرعي وهو رواية عن أحمد (الإنصاف 7/139)
اختارها ابن قدامة (المغني 5 /664) وابن تيمية (مجموع الفتاوى (31 /295) .
واستدل كلا الفريقين على تحريم التفضيل بما رواه البخاري (2586) ومسلم (1623) عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّهُ قَالَ إِنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنِّي نَحَلْتُ ابْنِي هَذَا غُلَامًا كَانَ لِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَهُ مِثْلَ هَذَا فَقَالَ لَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَارْجِعْهُ "
وفي لفظ لهما (خ 2587) (م 1623) عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ تَصَدَّقَ عَلَيَّ أَبِي بِبَعْضِ مَالِهِ فَقَالَتْ أُمِّي عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَانْطَلَقَ أَبِي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُشْهِدَهُ عَلَى صَدَقَتِي فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفَعَلْتَ هَذَا بِوَلَدِكَ كُلِّهِمْ قَالَ لَا قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا فِي أَوْلَادِكُمْ فَرَجَعَ أَبِي فَرَدَّ تِلْكَ الصَّدَقَةَ "
وفي لفظ لمسلم (1623) فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا بَشِيرُ أَلَكَ وَلَدٌ سِوَى هَذَا قَالَ نَعَمْ فَقَالَ أَكُلَّهُمْ وَهَبْتَ لَهُ مِثْلَ هَذَا قَالَ لَا قَالَ فَلَا تُشْهِدْنِي إِذًا فَإِنِّي لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ"
ووجه الدلالة من الحديث ظاهرة من وجوه:
الأول:أمره بالعدل والأمر يقتضي الوجوب.
الثاني: بيانه أن تفضيل أحدهم أو تخصيصه دون الباقين ظلم وجور، إضافة إلى امتناعه عن الشهادة عليه وأمره برده وهذا كله يدل على تحريم التفضيل.
واستدلوا أيضا بحجج عقلية فمنها:
ما ذكره ابن حجر في فتح الباري (5 /214) حيث قال رحمه الله: "ومن حجة من أوجب: أن هذا مقدمة الواجب لأن قطع الرحم والعقوق محرمان فما يؤدي إليهما يكون محرما والتفضيل مما يؤدي إلى ذلك ".
ويؤيد ذلك ما جاء في لفظ عند مسلم (1623) : " قَالَ فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي ثُمَّ قَالَ أَيَسُرُّكَ أَنْ يَكُونُوا إِلَيْكَ فِي الْبِرِّ سَوَاءً قَالَ بَلَى قَالَ فَلَا إِذًا "
ومنها أن تفضيل بعضهم على بعض يورث العداوة والبغضاء فيما بينهم، وأيضا فيما بينهم وبين أبيهم فمنع منه (المغني 5/664) وهو في معنى السابق.
واستدل أصحاب القول الثاني على جواز التفضيل لحاجة أو مصلحة أو عذر بما رواه مالك في الموطأ بسنده عن عائشة رضي الله عنهما الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ كَانَ نَحَلَهَا جَادَّ عِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ مَالِهِ بِالْغَابَةِ فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ وَاللَّهِ يَا بُنَيَّةُ مَا مِنْ النَّاسِ أَحَدٌ أَحَبُّ إِلَيَّ غِنًى بَعْدِي مِنْكِ وَلَا أَعَزُّ عَلَيَّ فَقْرًا بَعْدِي مِنْكِ وَإِنِّي كُنْتُ نَحَلْتُكِ جَادَّ عِشْرِينَ وَسْقًا فَلَوْ كُنْتِ جَدَدْتِيهِ وَاحْتَزْتِيهِ كَانَ لَكِ وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْمَ مَالُ وَارِثٍ وَإِنَّمَا هُمَا أَخَوَاكِ وَأُخْتَاكِ فَاقْتَسِمُوهُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ قَالَتْ عَائِشَةُ فَقُلْتُ يَا أَبَتِ وَاللَّهِ لَوْ كَانَ كَذَا وَكَذَا لَتَرَكْتُهُ إِنَّمَا هِيَ أَسْمَاءُ فَمَنْ الأُخْرَى فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ ذُو بَطْنِ بِنْتِ خَارِجَةَ أُرَاهَا جارِيَةً "
قال ابن حجر في الفتح (5 /215) إسناده صحيح.
ووجه الدلالة منه ما ذكره ابن قدامة: " يحتمل أن أبابكر خصها بعطية لحاجتها وعجزها عن الكسب، مع اختصاصها بالفضل وكونها أم المؤمنين وغير ذلك من فضائلها. (المغني 5 /665) بتصرف.
وأجيب عنه بما ذكره الحافظ في الفتح (5/215) قال: "قد أجاب عروة عن قصة عائشة بأن إخوتها كانوا راضين بذلك "
كتاب العدل بين الأولاد (22 وما بعدها) بتصرف.
وقد أطلق ابن القيم رحمه الله في إغاثة اللهفان (1 /540) القول بالتحريم وقال:" لو لم تأت السنة الصحيحة الصريحة التي لا معارض لها بالمنع منه لكان القياس وأصول الشريعة وما تضمنته من المصالح ودرء المفاسد يقتضي تحريمه."
وأطلق سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله المنع من تفضيل الأولاد بعضهم على بعض وأن العدل واجب بينهم ذكوراً وإناثاً حسب مواريثهم إلا إذا أذنوا وهم بالغون راشدون (الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة 3 /1115، 1116) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " لا يجوز للإنسان أن يفضل بعض أبنائه على بعض إلا بين الذكر والأنثى فإنه يعطي الذكر ضعف ما يعطي الأنثى لقول النبي صلى الله عليه وسلم " اتقوا الله واعدلوا في أولادكم " فإذا أعطى أحد أبنائه 100 درهم وجب عليه أن يعطي الآخرين مائة درهم ويعطي البنات 50 درهما، أو يرد الدراهم التي أعطاها لابنه الأول ويأخذها منه، وهذا الذي ذكرناه في غير النفقة الواجبة، أما النفقة الواجبة فيعطي كلا منهم ما يستحق فلو قدر أن أحد أبنائه احتاج إلى الزواج، وزوجه ودفع له المهر لأن الابن لا يستطيع دفع المهر فإنه في هذه الحال لا يلزم أن يعطي الآخرين مثل ما أعطى لهذا الذي احتاج إلى الزواج ودفع له المهر لأن التزويج من النفقة، وأود أن أنبه على مسألة يفعلها بعض الناس جهلا؛ يكون عنده أولاد قد بلغوا النكاح فيزوجهم، ويكون عنده أولاد آخرون صغار، فيوصي لهم بعد موته بمثل ما زوج به البالغين وهذا حرام لا يجوز لأن هذه الوصية تكون وصية لوارث والوصية لوارث محرمة لقوله صلى الله عليه وسلم: " إن الله أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث ". {أخرجه بهذا اللفظ أبوداود (3565) والترمذي (2 / 16) وغيرهما وحسن الألباني الإسناد بهذا اللفظ، وصحح لفظ " لا وصية لوارث " في الإرواء (6 / 87) } فإن قال أوصيت لهم بهذا المال لأني قد زوجت إخوتهم بمثله فإننا نقول إن بلغ هؤلاء الصغار النكاح قبل أن تموت فزوجهم مثلما زوجت إخوتهم فإن لم يبلغوا فليس واجبا عليك أن تزوجهم.
فتاوى إسلامية (3 / 30)
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
(5/6202)
هل يلبي الطبيب دعوات شركات الأدوية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طبيب. (وأسأل) هل يجوز لي أن أقبل الهدايا وأجيب الدعوات إلى الغداء التي يقدمها ممثلو الشركات الطبية. إنهم يقدمون هذه الأمور كي نختار ونرشح الأدوية التي تصنعها تلك الشركات بغض النظر عن الأسعار والنوعية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن كنت طبيبا تعمل لحسابك الخاص (عيادة تملكها) فيجوز لك إجابة دعوات هذه الشركات بشرط ألا يؤثر ذلك على نوعية الأدوية التي تصرفها للمرضى، وإنما تكتب للمريض الدواء الأفضل مع مراعاة السعر أو ترك حرية الاختيار له، وعليه فيكون حضورك لدعوات هذه الشركات من باب التعرف على ما عندهم من أدوية ونحو ذلك. وكذا إن كنت لا تعمل لحسابك الخاص، فإن كان حضورك للتعرف فقط فلا بأس، وأما إن كان ذلك سيجعلك متحيزا لشركة دون أخرى بسبب هذه الدعوات أو بسبب هدايا تقدم لك فلا. مع مراعاة أنك إذا كنت لا تعمل لحسابك الخاص ولك أثر على المستشفى الذي تعمل فيه بحيث يشترون نوعية الدواء الذي تنصحهم به، فالأولى الابتعاد عن هذه الدعوات براءة لذمتك.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ سعد الحميد
(5/6203)
والدها يطلب منها جزء من مهرها
[السُّؤَالُ]
ـ[فتاة مقبلة على الزواج وقد طلب منها والدها أن تعطيه شيئاً من المهر فهل تعطيه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم لها أن تعطي أباها شيئاً من المهر إذا كان في حاجة وإعطاؤها يكون أفضل، وإن كان غير محتاج فلا بأس أن تعطيه ما شاءت لأنها حرة رشيدة لها أن تتصرف بما تشاء.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى الشيخ محمد صالح العثيمين من مجلة الدعوة العدد 1823 ص 54.
(5/6204)
حكم أخذ ما يهدى إلى المسئولين في الشركات والدوائر
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا موظف أعمل في جهة حكومية، وأقوم في عملي بمراعاة ضميري، وأطبق القانون واللائحة والغرامات على جميع العملاء ولا أتنازل عن أي حق من حقوق المؤسسة التي أعمل بها، ولا أحابي ولا أتجاوز ولا أفضل عميل عن أخر، والكل يأخذ حقه.
فهل يجوز لي التعامل مع هذه الشركات في حياتي الخاصة، مع العلم انه عند التعامل معهم سوف يقومون بعمل تخفيضات وأسعار خاصة مختلفة عن باقي المتعاملين معهم وهذا بحكم علاقة شخصية بيني وبينهم وليست بحكم علاقة العمل، فهل في هذا التعامل شبهة، يجوز أم لا يجوز.
هل يجوز قبول دعايات تلك الشركات والمؤسسات التي نتعامل معها سواء كانت قيمة أو غير قيمة، مع العلم أن قبول هذه الهدايا لا يؤثر في أي تسهيلات أو التغاضي عن مخالفات لهم أو القيام بأي تسهيلات تخالف اللوائح أو القوانين.
وما حكم من هم في مناصب عليا يحصلون على هدايا أكثر قيمة من تلك الشركات مع العلم أنهم لا يتعاملون معهم ولا توجد علاقة بينهم ولا يعرف أحدهم الأخر فهل تقبل الهدية وتكون مشروعة ولا شبهة بها، مع العمل انه لو ترك هذا المسئول هذا المكان أو هذا المنصب لن يحصل على تلك الهدايا أو الدعايات لأنهم لا يعرفون كلاً منهم الأخر.
والمسئول الجديد هو الذي سيحصل على تلك الهدايا، أي أن الهدية تأتي لصاحب المنصب بغض النظر عن شخصيته. وما حكم عامة الناس أو الأفراد التي لا تتعامل مع تلك الشركات ويحصلون على تلك الهدايا بطريقة أو أخرى.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التعامل مع الشركات بحكم علاقة خاصة لا علاقة للعمل بها من قريب أو بعيد لا بأس به، وإن حصل مراعاة بسبب العلاقة الشخصية.
وقبول الهدايا من العملاء لا يجوز للعامل بل هو غلول كما جاء في الحديث، وما يرد للمسئول من هدايا بسبب العمل هي للعمل وليست له، فلا يجوز له أن يستأثر بشيء منها، بل عليه أن يتركها للعمل، لأنه لو جلس في بيته لم يحصل له شيء من ذلك والدليل على ذلك الحديث الصحيح عن الرجل الذي جاء بالهدية وهو عامل على الصدقة فأنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ: عبد الكريم الخضير.
(5/6205)
أخذ المدرسة هدية من الطالبات
[السُّؤَالُ]
ـ[معلمة في مدارس تحفيظ القرآن التابعة للجماعة الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم لا تأخذ مقابل تدريسها أجرة، في نهاية العام الدراسي وبعد توزيعها الشهادات على الطالبات قد يقدمن لها هدية عبارة عن ذهب أو غيره ما حكم قبولها لهذه الهدية؟ ورفضها للهدية يكسر نفس الطالبات ويحز في نفوسهن خاصة وأنها قد قدمت لهن الهدايا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن كانت الطالبة قد أنهت الدراسة وسوف تغادر هذه المدرسة فتنتفي الرشوة هنا، أما إذا كانت العلاقة المدرسية ستبقى بينهما فيخشى أن هذه الهدية تسبب ميل المعلمة إلى هذه الطالبة والتغاضي عن أخطائها وعدم العدل بينها وبين غيرها.
[الْمَصْدَرُ]
فضيلة الشيخ ابن جبرين
(5/6206)
أعطاه والده أكثر مما دفعه فهل يعتبر هذا من الربا
[السُّؤَالُ]
ـ[أحضر لوالدي أغراض البيت من جيبي الخاص، مثلا 150 ريال، وأنويها صدقه لكن أبي في بعض المرات يعطيني 200 ريال، ويقول لا تدفع من جيبك، فهل إذا أعطاني 200 ريال يعتبر ربا؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن بر الوالدين من أعظم أسباب دخول الجنة، ويا حَسرة، ويا خُسران من أدرك أبويه ولم يجعل بره بهما سبباً في دخول الجنة، قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (رَغِمَ أَنْفُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ قِيلَ مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا فَلَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ) رواه مسلم (2551) وانظر الأسئلة (22782 و 5326)
ومن أبواب البر التي يحتسب الإنسان أجره فيها عند الله تعالى، إنفاقه على والديه، وصلتهما من ماله، ولك بذلك أجر الصدقة إن شاء الله تعالى. قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا أَنْفَقَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ يَحْتَسِبُهَا فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ) رواه البخاري (55)
أما سؤالك، فإنك إذا اشتريت لأبيك أغراضا بـ 150 ريالا، فأعطاك 200، فلا حرج في ذلك، وهو متبرع لك بالزائد عما دفعت، ولا وجود للربا في هذه المسألة، بل لا تكاد المراباة تُتصَور بين الابن وأبيه، وكلاكما على خير إن شاء الله، فأنت أردت التبرع له بقيمة الأغراض، وهو تبرع لك بالمبلغ الزائد، ونسأل الله لكما الأجر والمثوبة وأن يبارك لكما في مالكما.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6207)
شراء الهدية من غير المهدي إليه
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل وهب لرجل سيارة بدون مقابل، وباعها الموهوب له على شخص آخر، وأراد صاحبها الأول أن يشتريها من الأخير الذي اشتراها، فهل هذا جائز؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز شراء الهبة في الصورة المذكورة، لأن الواهب اشتراها من غير الموهوبة له.
وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة (16/185) .
(5/6208)
هل يقبل المسلم الهدية من أخيه الكافر.
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم أخوين أحدهما مسلم والآخر مشرك وغني هل يجوز للأخ المسلم قبول هدية أخيه الكافر والمشرك هذا أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قبول المسلم هدية أخيه إذا كان كافراً أو مشركاً جائزة لما في ذلك من تأليفه، لعل الله أن يهديه للإسلام.
وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة (16/183) .
(5/6209)
هل يجوز أخذ الهدية من رجل يتعامل بالربا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن أقبل الهدية من شخص يتعامل بالربا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتعامل مع اليهود بالبيع والشراء، ويقبل منهم الهدية مع أنهم يتعاملون بالربا.
قال تعالى: (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً * وَأَخْذِهِمُ الرِّبا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ) النساء/160-161
ومع ذلك قَبِل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هديّتهم. قَبِل هدية المرأة التي أهدت الشاة بخيبر وعاملهم ومات ودرعه مرهونة عند يهودي.
والقاعدة في هذا: أن ما حَرُمَ لكسبه فهو حرام على الكاسب فقط، دون من أخذه منه بطريق مباح، فعلى هذا يجوز قبل الهدية ممن يتعامل بالربا وأيضاً يجوز معه البيع والشراء إلا إذا كان في هجره مصلحة، يعني في عدم معاملته وعدم قبول هديته مصلحة فنعم. فنتبع هذا ابتغاء للمصلحة، أما ما حرم لعينه فهو حرام على الآخذ وغيره، فالخمر مثلاً لو أهداه إليّ يهودي مثلاً أو نصراني ممن يرون إباحة الخمر فلا يجوز لي قبوله لأنه حرام لعينه ولو أن إنساناً سرق مال شخص وجاء إليّ فأعطاني إياه، فهذا المال المسروق يحرم عليّ أخذه لأنه حرام لعينه.
هذه القاعدة تريحك من إشكالات كثيرة، ما حرم لكسبه فهو حرام على الكاسب دون من أخذه بطريق الحلال إلا إذا كان في هجره وعدم الأخذ منه وعدم قبول هديّته وعدم المبايعة معه والشراء مصلحة تردعه عن هذا العمل فهذا يهجر من أجل المصلحة.
[الْمَصْدَرُ]
انظر " أسئلة الباب المفتوح " ج1ص76 للشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
(5/6210)
قبول الموظف الهدايا وانتفاع أولاده بها
[السُّؤَالُ]
ـ[أبي يعمل موظفا، بعض الناس يعطون له مالا أو هدية عينية في العمل، امتنع فترة عن أخذ تلك الأموال ولكن سرعان ما عاد إلى أخذها. ويقول لي أنا لا أفرق بين من يعطيني ومن لا يعطيني. ما موقفنا نحن من (ما ندخره من مصروفنا-طعامنا-ملابسنا-ذهبنا-الدعاء إلى الله) وهل عندما يأتي لنا بطعام هدية هل نأكل منه. وأجبرني مرة على أخذ ملابس من بعض هؤلاء الناس، فهل يجوز لي لبسها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز لأبيك قبول ما يُهدى إليه بسبب وظيفته، لما روى البخاري (6636) ومسلم (1832) عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَ عَامِلا فَجَاءَهُ الْعَامِلُ حِينَ فَرَغَ مِنْ عَمَلِهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي فَقَالَ لَهُ: " أَفَلا قَعَدْتَ فِي بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ فَنَظَرْتَ أَيُهْدَى لَكَ أَمْ لا " ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشِيَّةً بَعْدَ الصَّلاةِ فَتَشَهَّدَ وَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: " أَمَّا بَعْدُ فَمَا بَالُ الْعَامِلِ نَسْتَعْمِلُهُ فَيَأْتِينَا فَيَقُولُ هَذَا مِنْ عَمَلِكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي أَفَلا قَعَدَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَنَظَرَ هَلْ يُهْدَى لَهُ أَمْ لا فَوَ الَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لا يَغُلُّ أَحَدُكُمْ مِنْهَا شَيْئًا إِلا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى عُنُقِهِ إِنْ كَانَ بَعِيرًا جَاءَ بِهِ لَهُ رُغَاءٌ وَإِنْ كَانَتْ بَقَرَةً جَاءَ بِهَا لَهَا خُوَارٌ وَإِنْ كَانَتْ شَاةً جَاءَ بِهَا تَيْعَرُ فَقَدْ بَلَّغْتُ فَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ ثُمَّ رَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ حَتَّى إِنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى عُفْرَةِ إِبْطَيْهِ ".
(الرُّغَاء) بِالْمَدِّ صَوْت الْبَعِير.
(خُوَارٌ) صوت البقر.
(تَيْعِر) مَعْنَاهُ: تَصِيح , وَالْيُعَار: صَوْت الشَّاة.
(ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَتَيْ إِبِطَيْهِ) عُفْرَة الإِبِط هِيَ الْبَيَاض لَيْسَ بِالنَّاصِعِ.
فيقال لأبيك كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " أَفَلا قَعَدْتَ فِي بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ فَنَظَرْتَ أَيُهْدَى لَكَ أَمْ لا " لأنه لم تأتك هذه الهدية إلا للعمل الذي تتولاه.
وإذا كان الأمر كذلك، فهي من حق العمل، ليس له أن يتمولها لنفسه.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: (وهذا الحديث يدل على أن الواجب على الموظف في أي عمل من أعمال الدولة أن يؤدي ما وكل إليه، وليس له أن يأخذ هدايا فيما يتعلق بعمله، وإذا أخذها فليضعها في بيت المال، ولا يجوز له أخذها لنفسه لهذا الحديث الصحيح، ولأنها وسيلة للشر والإخلال بالأمانة) نقلا عن فتاوى علماء البلد الحرام ص 655
وقد روى أحمد والبيهقي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " هدايا العمال غلول " أي خيانة. والحديث صححه الألباني في صحيح الجامع رقم 7021
وقول أبيك إنه لا يفرق بين من يعطيه ومن لا يعطيه لا يرفع التحريم، إلا أنه لو أضر بمن لا يعطيه فقد ازداد إثما.
وجزمه بأنه لا يفرق بين المعطي وغيره محل نظر، فإن للهدية تأثيراً في القلب، فإن الإنسان مجبول على محبة من أحسن إليه، فقد تحمل هذه الهدية والدك على الميل مع صاحبها فيعطيه ما لا يستحقه، فليتق الله تعالى، وليزهد في هذا المتاع الفاني، وكل متاع الدنيا كذلك، فكيف إذا كان من الحرام!
وما جلبه من هذه الهدايا فلا يجوز لكم أخذه ولا الانتفاع به، لأنه مال محرم.
وما ادخرتموه من راتبه الذي يتقاضاه نظير عمله المباح، فلا حرج عليكم فيه.
والملابس التي أجبرك على أخذها، إن كان قد اشتراها بالثمن المعتاد فلا حرج عليك في لبسها، وإن كان قد أخذها هدية أو بثمن فيه محاباة، فلا تلبسيها، واجتهدي في نصح والدك، وتذكيره بخطورة المال الحرام، وحثه على سؤال أهل العلم ليزيلوا شبهته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6211)
قبول الهدية والتبرعات من مال حرام
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض المسلمين عندنا في بريطانيا جمعوا أموالهم من الحلال والحرام، وذلك أنهم تجار ومما يتجرون فيه الخمور ولحوم الخنازير، وهم على درجات متفاوتة في ذلك، فمنهم من أكثر ماله من الحرام، ومنهم من كسبه من الحرام قليل، فهل يجوز لنا نحن المسلمين مخالطتهم وأكل طعامهم إذا دعونا، وهل يحل لنا قبول تبرعاتهم من هذا المال لصالح المسجد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
عليك أن تنصح لهم وتحذرهم سوء عاقبة الاتجار في المحرمات، وكسب المال من الحرام، وتتعاون مع إخوانك من أهل الخير على تذكيرهم وإنذارهم باس الله وشديد عقابه من عصاه وحاربه بارتكاب المنكرات، وتعريفهم أن متاع الدنيا قليل، وأن الآخرة خير وأبقى، فإن استجابوا فالحمد لله، وهم بذلك إخوان لكم في الله، ثم انصحوهم برد المظالم إلى أهلها إن عرفوهم، وأن يتبعوا السيئة الحسنة، عسى الله أن يتوب عليهم، ويبدل سيئاتهم حسنات، وحينئذ يجوز لكم مخالطتهم مخالطة الإخوة، والأكل من طعامهم، وقبول تبرعاتهم في وجوه البر من بناء مساجد وفراشها ونحو ذلك، لأنهم بالتوبة ورد المظالم إلى أهلها حسب الإمكان يغفر لهم ما قد سلف، لقول الله عز وجل في المرابين (فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ) البقرة /275.
ثانياً:
إن أبوا بعد النصيحة والتذكير، وأصروا على ما هم فيه من المحرمات فإنه يجب أن تهجروهم في الله، وألا تستجيبوا لدعوتهم، وألا تقبلوا تبرعاتهم زجراً لهم وإنكاراً لمطالبهم ورجاء أن يرتدعوا ويرجعوا عما هم عليه من المنكرات.
وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
"فتاوى اللجنة الدائمة" (16/182-183) .
(5/6212)
أيهما أفضل الهدية أم الصدقة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الأفضل أن أتصدق بالمال على الفقراء والمحتاجين أو أعطيه هدية لأحد أقاربي أو أصدقائي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الفرق بين الصدقة والهدية:
أن الصدقة تُعطى للفقراء والمحتاجين لسد حاجتهم، ويقصد بها صاحبها وجه الله تعالى، من غير أن يقصد أن تكون في شخص معين، بل يعطيها لأي فقير أو مسكين.
وأما الهدية فلا يشترط أن تعطى للفقير، بل تُعطى للفقير والغني، والقصد منها التودد إلى المهدي إليه وإكرامه.
وكلاهما (الهدية والصدقة) عمل صالح يثاب عليه، لكن أيهما أفضل؟
قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى":
("الصَّدَقَةُ" مَا يُعْطَى لِوَجْهِ اللَّهِ عِبَادَةً مَحْضَةً مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ فِي شَخْصٍ مُعَيَّنٍ وَلا طَلَبِ غَرَضٍ مِنْ جِهَتِهِ ; لَكِنْ يُوضَعُ فِي مَوَاضِعِ الصَّدَقَةِ كَأَهْلِ الْحَاجَاتِ. وَأَمَّا " الْهَدِيَّةُ " فَيَقْصِدُ بِهَا إكْرَامَ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ ; إمَّا لِمَحَبَّةِ وَإِمَّا لِصَدَاقَةِ ; وَإِمَّا لِطَلَبِ حَاجَةٍ ; وَلِهَذَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ وَيُثِيبُ عَلَيْهَا فَلا يَكُونُ لأَحَدِ عَلَيْهِ مِنَّةٌ وَلا يَأْكُلُ أَوْسَاخَ النَّاسِ الَّتِي يَتَطَهَّرُونَ بِهَا مِنْ ذُنُوبِهِمْ وَهِيَ الصَّدَقَاتُ وَلَمْ يَكُنْ يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ لِذَلِكَ وَغَيْرِهِ. وَإِذَا تَبَيَّنَ ذَلِكَ فَالصَّدَقَةُ أَفْضَلُ ; إلا أَنْ يَكُونَ فِي الْهَدِيَّةِ مَعْنًى تَكُونُ بِهِ أَفْضَلَ مِنْ الصَّدَقَةِ: مِثْلَ الإِهْدَاءِ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَيَاتِهِ مَحَبَّةً لَهُ. وَمِثْلَ الإِهْدَاءِ لِقَرِيبِ يَصِلُ بِهِ رَحِمَهُ، وَأَخٍ لَهُ فِي اللَّهِ: فَهَذَا قَدْ يَكُونُ أَفْضَلَ مِنْ الصَّدَقَةِ) اهـ.
وعلى هذا، فإعطاؤك الهدية لأحد أقاربك قد يكون أفضل من الصدقة، لما فيه من صلة الرحم. وكذلك إذا أعطيتها صديقاً لك، لما فيها من توثيق عُرى المحبة بينكما، وقد قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: (تَهَادَوْا تَحَابُّوا) . رواه البخاري في "الأدب المفرد" وقال ابن حجر: إسناده حسن. وحسنه الألباني في صحيح الأدب المفرد (463) .
ومعنى الحديث: أن الهدية سبب لجلب المحبة وزيادتها.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6213)
لا بأس بقبول الهدية، ويُكافأ المهدي عليها
[السُّؤَالُ]
ـ[أرسل لي أحد أقاربي مبلغاً كبيراً من المال بمناسبة زواجي، يقصد به مساعدتي. هل أقبله أم أن العفاف أولى والاكتفاء بما أملك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
روى البخاري (2585) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ وَيُثِيبُ عَلَيْهَا.
(وَيُثِيب عَلَيْهَا) أَيْ يكافئ المهدِي فيعطيه بدلها، وأقله ما يساوي قيمة الهدية. قاله الحافظ في "الفتح".
فهذا الحديث يدل على أن قبول الهدية ومكافأة المهدي من هدي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وأَمَرَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكافأة من صنع إلينا معروفاً فقال: (مَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ) . رواه أبو داود (1672) . وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
(مَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا) : أَيْ: أَحْسَنَ إِلَيْكُمْ إِحْسَانًا قَوْلِيًّا أَوْ فِعْلِيًّا.
(فَكَافَئُوهُ) : أَيْ: أَحْسِنُوا إِلَيْهِ مِثْل مَا أَحْسَنَ إِلَيْكُمْ.
(فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُوه) أَيْ: بِالْمَالِ.
(فَادْعُوَا لَهُ حَتَّى تَرَوْا) : بِضَمِّ التَّاء أَيْ تَظُنُّوا، وَبِفَتْحِهَا أَيْ تَعْلَمُوا.
(أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ) : أَيْ: كَرِّرُوا الدُّعَاء حَتَّى تَظُنُّوا أَنْ قَدْ أَدَّيْتُمْ حَقّه.
ومن الدعاء أن تقول له: جزاك الله خيرا، روى الترمذي (2035) عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ صُنِعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَقَالَ لِفَاعِلِهِ: جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الثَّنَاءِ) . رواه الترمذي (2035) . وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
(فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الثَّنَاءِ) أَيْ: بَالَغَ فِي أَدَاءِ شُكْرِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ اِعْتَرَفَ بِالتَّقْصِيرِ وَأَنَّهُ مِمَّنْ عَجَزَ عَنْ جَزَائِهِ وَثَنَائِهِ فَفَوَّضَ جَزَاءَهُ إِلَى اللَّهِ لِيَجْزِيَهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى. قَالَ بَعْضُهُمْ: إِذَا قَصُرَتْ يَدَاك بِالْمُكَافَأَةِ , فَلْيَطُلْ لِسَانُك بِالشُّكْرِ وَالدُّعَاءِ اهـ من تحفة الأحوذي.
وسئلت اللجنة الدائمة عن مثل هذا السؤال، فأجابت:
"لا بأس بقبوله (مبلغ من المال هدية) دون استشراف نفس، ويُكافَؤ عليه إذا تيسر ذلك بما يناسب، أو يُدعى له لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ) رواه أبو داود والنسائي" اهـ.
فتاوى اللجنة الدائمة (16/171) .
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6214)
إذا أُهديت هدية هل أرد مثلها للمهدي
[السُّؤَالُ]
ـ[من عادت أهل قريتي أنه إذا حصلت مناسبة فإن الناس تهدي لصاحب المناسبة هدايا ونقود، والواجب عليه ردها لهم في مناسباتهم.
فما الحكم إذا وقعت مناسبة وليس بيده شيء، هل يجب عليه الإهداء لهم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يُستحب لمن أُهدي له شيء أن يرد مثل أو أفضل منه؛ (لقوله صلى الله عليه وسلم: " من صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تُكافئونه فادعوا له، حتى تروا أنكم كافأتموه " رواه أبو داوود والنسائي) ، لكن الواجب على أهل القرية ألا يُلزموا الفقير بأن يرد عليهم مثل هداياهم، بل المشروع أن يُهدي المسلم الهدية وهو لا ينتظر لها مقابلاً، بل ينتظر الثواب من الله سبحانه وتعالى، ومن أُهدي له شيء فلا يجب عليه أن يرد على المهدي شيئاً، وإن رد شيئاً فهو أفضل.
وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (16/172)
(5/6215)
أُعطي مالاً كمساعدة على الزواج فهل يقبله
[السُّؤَالُ]
ـ[أرسل إلي أحد أقاربي مبلغاً كبيراً من المال بمناسبة زواجي، يقصد به مساعدتي. هل أقبله أم أن العفاف أولى والاكتفاء بما أملك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا بأس بقبوله دون استشراف نفس، ويُكافأ عليه إذا تيسر ذلك بما يناسب، أو يُدعى له؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: " من صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تُكافئونه فادعوا له، حتى تروا أنكم كافأتموه " رواه أبو داوود والنسائي.
وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 16/171
(5/6216)
وجوب العدل بين الزوجات في العطية
[السُّؤَالُ]
ـ[لي زوجتان، وأريد أن اشتري ذهباً لإحداهما على سبيل الهدية. فهل يجوز لي ذلك؟ أم يكون هذا من عدم العدل بين الزوجات. مع العلم أنني غير مقصر في حقوق الزوجة الأخرى.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"من كان له زوجتان فأكثر فإنه يجب عليه أن يعدل بينهن، ولا يحل له أن يخص إحدى زوجاته بشيء دون الأخرى من النفقة والسكنى والمبيت، وقد جاء الوعيد الشديد فيمن كانت عنده امرأتان فلم يعدل بينهما، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كانت له امرأتان يميل لإحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة وأحد شقيه ساقط) . وفي رواية: (يجر أحد شقيه ساقطاً أو مائلاً) أخرجه الإمام أحمد في "المسند" (2/295، 347، 471) وأخرج النسائي وابن ماجة في سننهما نحوه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل) أخرجه أبو داود في سننه (2/601) ، وأخرج الترمذي في "الجامع" نحوه.
وفي هذه الأدلة دليل على توكيد وجوب العدل بين الضرائر، وأنه يحرم ميل الزوج لإحداهن ميلاً يكون معه بخس لحق الأخرى دون ميل القلوب، فإن ميل القلب لا يملك؛ ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي في القَسْم بين نسائه ويقول: (اللهم هذا قَسْمي فيما أملك، فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك) (يعني المحبة القلبية) .
وعلى ذلك لا يحل لهذا الزوج أن يخص زوجته بشيء مما يملكه دون الأخرى، فإذا وهب لإحدى زوجاته داراً ونحوها وجب عليه أن يسوي بين زوجاته في ذلك، فيعطي كل واحدة مثل ذلك أو قيمته، إلا أن تسمح الزوجة الثانية في ذلك" اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة (16/189) .
(5/6217)
حكم التبرع بالدم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم نقل الدم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أجاب الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله على سؤال بهذا الخصوص فقال:
الجواب عن هذا السؤال يستدعي الكلام على ثلاثة أمور:
الأول: من هو الشخص الذي يُنقل إليه الدم.
الثاني: من هو الشخص الذي يُنقل منه الدم.
الثالث: من هو الشخص الذي يعتمد على قوله في استدعاء نقل الدم.
أما الأول: فهو الشخص الذي يُنقل إليه الدم وهو من توقفت حياته إذا كان مريضا أو جريحا على نقل الدم.
الأصل في هذا قوله تعالى: (إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه) . وقال سبحانه في آية أخرى: (فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم) . وقال تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما ضطررتم إليه) .
وجه الدلالة من هذه الآيات أنها أفادت أنه إذا توقف شفاء المريض أو الجريح وإنقاذ حياته على نقل الدم إليه من (شخص) آخر بأن لا يوجد من (الأغذية والأدوية المباحة) ما يقوم مقامه في شفائه وإنقاذ حياته جاز نقل الدم إليه وهذا في الحقيقة من باب الغذاء لا من باب الدواء (واستعمال الغذاء المحرّم عند الضرورة جائز كأكل الميتة للمضطر) .
أما الثاني: فالذي ينقل منه الدم هو الذي لا يترتب على نقله منه ضرر فاحش لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) .
وأما الثالث: فهو أنّ الذي يُعتمد على قوله في استدعاء نقل الدم هو الطبيب المسلم. وإذا تعذر فلا يظهر لنا مانع من الاعتماد على قول غير المسلم يهوديا كان أو نصرانيا (أو غيرهما) إذا كان خبيرا بالطب ثقة عند الإنسان والأصل في ذلك ما ثبت في الصحيح أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استأجر رَجُلا مِنْ بَنِي الدِّيلِ هَادِيًا خِرِّيتًا وَهُوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ والْخِرِّيتُ الْمَاهِرُ بِالْهِدَايَةِ ومعرفة الطّرق. أخرجه البخاري 2104. فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم.
وفي الموضوع فتوى لهيئة كبار العلماء هذا نصّها:
أولا: يجوز أن يتبرع الإنسان من دمه بما لا يضره عند الحاجة إلى ذلك لإسعاف من يحتاجه من المسلمين.
الثاني: يجوز إنشاء بنك إسلامي لقبول ما يتبرع به الناس من دمائهم وحفظ ذلك لإسعاف من يحتاج إليه من المسلمين على أن لا يأخذ البنك مقابلا ماليا من المرضى وأولياء أمورهم عما يسعفهم به من الدماء ولا يتخذ ذلك وسيلة تجارية للكسب المادي لما في ذلك من المصلحة العامة للمسلمين.
[الْمَصْدَرُ]
المرجع: كتاب الاضطرار إلى الأطعمة والأدوية المحرمة للطريقي ص 169
(5/6218)
هل يدفع مالا للموظف ليعجل خروج المعاملة التي يحتاجها لزواجه
[السُّؤَالُ]
ـ[أرغب في تقديم مبلغ معين من المال لأحد موظفي الدوائر الحكومية لأجل إنهاء معاملة لي عندهم، حيث إن أوراق المعاملة بالوقت الرسمي تنتهي بعد سنة كاملة (الموعد) وبالمال تنتهي بعد عشرة أيام (الموعد) وأنا في أشد الحاجة لإنهاء هذه الأوراق بقصد الزواج ... أرجو الإفادة مع العلم أنني أشك بأنها حرام وتعتبر رشوة وأرغب بالسير بها، ومن ثم التكفير بنية صادقة (كفارة) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
دفع المال للموظف العامل في الدائرة لا يجوز، وهو من الرشوة وهدايا العمال المحرمة، والرشوة من أسباب خراب البلاد، وفساد العباد، وهي من كبائر الذنوب؛ لما رواه أحمد (6791) وأبو داود (3580) عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (2621) .
وما دام هذا هو وقت المعاملة، وليس التأخير ناتجا عن مماطلة الموظف وظلمه، فلا مسوغ لدفع المال، وعليك أن تصبر، أو تراجع المسؤول لعله يعجل إنهاء أوراقك.
ثانياً:
ليس لأحد أن يقترف ما حرم الله تعالى بزعم أنه سيتوب أو يكفّر؛ إذ ما يدريه أن الله سيمهله حتى يتوب، أو أنه سيقبل توبته، وليس للرشوة كفارة في الشرع.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6219)
هل يلزمه رد مصاريف السكن للشركة بعد أن بُذلت له هدية من المتعامَل معه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب مسلم، ذهبت في سفرة عمل إلى بلد بعيد , قد قدّمت لي الشركة مصاريف الإقامة في نُزُل، لكن عند وصولي إلى النزل: علمت أن السيد الذي تربطنا معه شراكة - وهو حريفٌ لنا في هذه البلدة - قد تكفل بمصاريف الإقامة في النزل، وقد أكد أن هذه هدية منه لي , حيث إنه يسكن هذا البلد، وأزوره للمرة الأولى، هل يجب عليّ إرجاع مصاريف الإقامة للشركة، مع العلم أن الهدية كانت لي، وليست للشركة ?.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
جاء في الحديث عَنْ أَبِى حُمَيْدٍ السَّاعِدِي رضي الله عنه قَالَ: اسْتَعْمَلَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً مِنَ الأَزْدِ يُقَالُ لَهُ ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا أُهْدِىَ لِي، قَالَ: (فَهَلاَّ جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ بَيْتِ أُمِّهِ، فَيَنْظُرَ يُهْدَى لَهُ أَمْ لاَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْهُ شَيْئًا إِلاَّ جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ، إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ أَوْ شَاةً تَيْعَرُ - ثُمَّ رَفَعَ بِيَدِهِ، حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَةَ إِبْطَيْهِ - اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ ثَلاَثًا) رواه البخاري (1429) ومسلم (1832) .
قال ابن حجر رحمه الله:
"بيّن له النبي صلى الله عليه وسلم أن الحقوق التي عمل لأجلها هي السبب في الإهداء له، وأنه لو أقام في منزله لم يُهد له شيء، فلا ينبغي له أن يستحلها بمجرد كونها وصلت إليه على طريق الهدية" انتهى.
"فتح الباري" (12/349) .
وعلى هذا، فالفارق بين الهدية المحرمة، والهدية الجائزة: أن ما كان لأجل عمل الإنسان ووظيفته بحيث لو لم يكن في هذه الوظيفة لم يُهْدَ إليه، فهو محرم عليه، ويجب عليه إما رده إلى المهدي، وإما إعطاؤه لصاحب العمل.
ثانياً:
هذه الإكرامية، وتلك الهدية، تدعو العامل إلى محاباة الدافع، حتى قد يعطيه ما ليس من حقه، أو يتهاون معه فيما فيه نفع للشركة التي يعمل بها، وكل ذلك يعود بالضرر على صاحب العمل.
وانظر جواب السؤال رقم: (82497) لمعرفة مفاسد الرشوة، والإكرامية، وأقوال العلماء في بيان حرمتها.
وقال النووي رحمه الله في شرح الحديث المتقدم:
"وفي هذا الحديث بيان أن هدايا العمال حرام، وغلول؛ لأنه خان في ولايته، وأمانته ... وقد بيَّن صلى الله عليه وسلم في نفس الحديث السبب في تحريم الهدية عليه، وأنها بسبب الولاية، بخلاف الهدية لغير العامل، فإنها مستحبة" انتهى.
"شرح مسلم" (12/219) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
"هدايا العمال من الغلول "، يعني: إذا كان الإنسان في وظيفة حكومية، وأهدى إليه أحدٌ ممن له صلة بهذه المعاملة: فإنه من الغلول، ولا يحل له أن يأخذ من هذا شيئاً، ولو بطيب نفس منه.
مثال ذلك: لنفرض أن لك معاملة في دائرة ما، وأَهديتَ لمدير هذه الدائرة، أو لموظفيها، هدية: فإنه يحرم عليهم قبولها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن اللُّتْبيَّة على الصدقة فلما رجع قال: "هذا أهدي إلي وهذا لكم"، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فخطب الناس وقال: (مَا بَالُ الرَّجُل مِنْكُم نَسْتَعْمِلُهُ عَلَى العَمَلِ فَيَأْتِي وَيَقُول: هَذَا لَكُم، وَهَذا أُهْدِيَ إِلَيَّ، فَهَلاَّ جَلَسَ في بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَيَنْظُر أَيُهْدَى لَهُ أَمْ لاَ؟) .
فلا يحل لأحدٍ - موظف في دائرة من دوائر الحكومة - أن يقبل الهدية في معاملة تتعلق بهذه الدائرة، ولأننا لو فتحنا هذا الباب وقلنا: يجوز للموظف قبول هذه الهدية: لكنَّا قد فتحنا باب الرشوة الذي يرشي بها صاحب الحق من يلزمه الحق، والرشوة خطيرة جدّاً، وهي من كبائر الذنوب.
فالواجب على الموظفين إذا أُهدي لهم هدية فيما يتعلق بعملهم: أن يردوا هذه الهدية، ولا يحل لهم أن يقبلوها، سواء جاءتهم باسم هدية، أو باسم الصدقة، أو باسم الزكاة، ولا سيما إذا كانوا أغنياء؛ فإن الزكاة لا تحل لهم، كما هو معلوم.
"مجموع فتاوى الشيخ العثيمين" (18/232) .
فالواجب على الأخ السائل: أن يُرجع ما أخذه من المال مقابل السكن في تلك الدولة، ويضعه في الشركة.
هذا، إذا كان هذا الشخص عميلاً للشركة، يبيع لها أو يشتري لها، أو يتوسط لها بين البائع والمشتري، أما إذا كان شريكاً في الشركة، فلا حرج من قبول هديته وأخذها، لأنه إنما يتصرف في مال الشركة التي يملكها، أو يملك بعضاً منها.
والله سبحانه نسأله أن يوفقنا وإياكم لأكل الرزق الحلال , وأن يجنبنا الوقوع في الحرام.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6220)
تأتيه الرشوة دون طلب فيأخذها ويعطيها الفقراء
[السُّؤَالُ]
ـ[أخي يأتيه بعض الموظفين بأموال مكتسبة من حرام (رشوة) دون أن يطلب منهم أو يأمرهم بذلك. فيأخذها ويرسلها لمن يتخلص منها. - هل هي حلال عليه أن يتسلمها أصلا منهم؟ لأنه يبرر ذلك بأن ينتزعها منهم ويعطها للفقراء أفضل من أن يأكلوها. - هل الذي أرسلت إليه هذه الأموال حلال عليه؟ وماذا لو كانت أخته؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إن كان المقصود أن أخاك يأتيه من يدفع له الرشوة لتسهيل بعض الأمور، فيقبلها ثم يعطيها للفقراء، فقبوله للرشوة عمل محرم؛ لعموم الأدلة في تحريم الرشوة، ولما في ذلك من السكوت على المنكر وإقراره وإشاعته بين الناس، فإن الراشي يظن أن حاجته قد قضيت بالرشوة.
والواجب: رفض الرشوة وردها على صاحبها، والإنكار عليه، وبيان حرمتها، لا التظاهر بقبولها وأخذها.
وقد روى أحمد (6791) وأبو داود (3580) عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي) والحديث صححه الألباني في "إرواء الغليل" (2621) .
وإعطاء الرشوة للفقراء لا يبيح أخذها، وليس للإنسان أن يتعامل بالحرام ليتصدق أو يحسن، ويكفي لقبح هذا العمل أنه يقال: فلان يقبل الرشوة، ويقضي المصالح لأجلها.
وإن كان المقصود أن بعض الموظفين يأخذ الرشوة ثم يعطي جزءا منها لأخيك دون طلب منه، فيأخذها ويعطيها الفقراء، فهذا محرم كذلك؛ لما فيه من السكوت على الرشوة وإقرارها وقبولها في الظاهر، وقد يكون مراد الدافع لها هو هذا السكوت والمشاركة.
لكن إن جاء الموظف الذي قبل الرشوة وأراد التوبة والتخلص من المال الحرام فأعطاه لأخيك ليتخلص منه، فلا حرج في ذلك؛ لأنه إعانة على الطاعة.
ثانياً:
إذا تاب المرتشي وتخلص من المال الحرام، وأعطاه للفقراء والمساكين ونحوهم، فلا حرج عليهم في أخذه وهو حلال لهم؛ لأنهم أخذوه بوجه مشروع.
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (9/428) : " قال الغزالي: إذا كان معه مال
حرام وأراد التوبة والبراءة منه: فإن كان له مالك معين وجب صرفه إليه أو إلى وكيله
, فإن كان ميتا وجب دفعه إلى وارثه , وإن كان لمالكٍ لا يعرفه، ويئس من معرفته،
فينبغي أن يصرفه في مصالح المسلمين العامة , كالقناطر والمساجد , ونحو ذلك مما يشترك المسلمون فيه , وإلا فيتصدق به على فقير أو فقراء....
وإذا دفعه إلى الفقير لا يكون حراما على الفقير , بل يكون حلالا طيبا , وله أن
يتصدق به على نفسه وعياله إذا كان فقيرا , لأن عياله إذا كانوا فقراء فالوصف موجود
فيهم , بل هم أولى من يتصدق عليه , وله هو أن يأخذ منه قدر حاجته لأنه أيضا فقير.
وهذا الذي قاله الغزالي في هذا الفرع ذكره آخرون من الأصحاب , وهو كما قالوه ,
ونقله الغزالي أيضا عن معاوية بن أبي سفيان وغيره من السلف، وعن أحمد بن حنبل
والحارث المحاسبي وغيرهما من أهل الورع , لأنه لا يجوز إتلاف هذا المال ورميه في
البحر , فلم يبق إلا صرفه في مصالح المسلمين , والله سبحانه وتعالى أعلم " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6221)
الفرق بين الرشوة والهبة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين الرشوة والهبة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الرشوة هي ما يدفعه الإنسان ليأخذ ما ليس من حقه، أو ليتهرب بها من حق عليه.
انظر: "الموسوعة الفقهية" (24/256) .
وقال ابن عابدين في "حاشيته" (5/362) :
"الرِّشْوَةُ مَا يُعْطِيهِ الشَّخْصُ الْحَاكِمَ وَغَيْرَهُ لِيَحْكُمَ لَهُ، أَوْ يَحْمِلَهُ عَلَى مَا يُرِيدُ" انتهى.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله:
"ذكر ابن عابدين رحمه الله في حاشيته: (أن الرشوة هي: ما يعطيه الشخص لحاكم أو غيره ليحكم له أو يحمله على ما يريد) ، وواضح من هذا التعريف أن الرشوة أعم من أن تكون مالا أو منفعة يمكنه منها , أو يقضيها له. والمراد بالحاكم: القاضي , وغيره: كل من يرجى عنده قضاء مصلحة الراشي , سواء كان من ولاة الدولة وموظفيها أو القائمين بأعمال خاصة كوكلاء التجار والشركات وأصحاب العقارات ونحوهم , والمراد بالحكم للراشي , وحمل المرتشي على ما يريده الراشي: تحقيق رغبة الراشي ومقصده , سواء كان ذلك حقا أو باطلا" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (23/223- 224) .
وإذا كان الإنسان لا يستطيع الوصول إلى حقه إلا بدفع الرشوة، جاز له بذلها لمن يوصل إليه حقه، ويكون ذلك حراما على الآخذ فقط، دون المعطي.
وانظر لذلك السؤال رقم: (87688) .
أما الهبة:
فهي دفع مال لمن ينتفع به على سبيل التمليك بلا عوض.
انظر: "فتح القدير" (9/19) ، "المغني" (5/379) .
وهي بمعنى الهدية، وقد يكون الباعث عليها: محبة الموهوب له، أو إرادة إكرامه، أو التودد إليه، أو الصدقة عليه، أو مكافأة له على إحسانه.
فليس المقصود من الهدية أو الهبة أخذ ما ليس من حقه، وبهذا يظهر الفرق بين الرشوة والهبة.
قال الشيخ ابن جبرين حفظه الله:
"الهبة مستحبة، وهي مشتقة من هبوب الريح، يقال: هبت الريح؛ وذلك لأن الريح خفيفة وهبوبها خفيف، ثم سميت الهبة بذلك لخفتها على مال الواهب. ويعرِّفون الهبة بأنها: تمليك عين بلا عوض، وتسمى هبة التبرع أو التبرر، وهو الذي لا يريد عليها عوضاً، وإنما يقصد بذلك التودد إلى الذي يهب له، ويقصد أن تحصل بينهما المودة والمحبة وصفاء القلوب.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويُثيب عليها، وكان يأكل من الهدية ولا يأكل من الصدقات والزكوات ونحوها، ويقول: (إنها لا تحل لآل محمد) ، أما الهدية فإنه كان يقبلها ويثيب عليها " انتهى باختصار.
audio.islamweb.net/audio/index.php?page=audioinfo&audioid=145645 - 50k –
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6222)
حكم إعطاء هدية لمسؤول في هيئة الحج ليدرج اسمه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لي أن أقدم هدية لمسؤول في هيئة الحج مقابل أن يظهر اسمي ضمن أسماء الحجاج بدون القرعة؟ علماً أن الهيئة لديها حق استثناء 40% من الأسماء الراغبين في الحج، وإنني سبق وأن قدمت في الماضي ولم يظهر اسمي، فهل يجوز لي أن أفعل ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للموظف أو المسؤول في هيئة الحج أن يقبل شيئاً من المال أو الهدايا ممن يريد إدراج اسمه في قائمة الحجاج؛ لأن ذلك من هدايا العمال المحرمة، بل الواجب عليه أن يقوم بعمله المنوط به، سواء كان اختيار الناس عن طريق القرعة أو وفق شروط معينة أو بلا شروط.
وقد روى البخاري (7174) ومسلم (1832) عن أبي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه قَالَ: اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلاً عَلَى صَدَقَةٍ فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي، فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: (مَا بَالُ الْعَامِلِ نَبْعَثُهُ فَيَأْتِي يَقُولُ: هَذَا لَكَ وَهَذَا لِي، فَهَلا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَيَنْظُرُ أَيُهْدَى لَهُ أَمْ لا؟ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا يَأْتِي بِشَيْءٍ إِلا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ، إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَتَيْ إِبْطَيْهِ: أَلا هَلْ بَلَّغْتُ؟ ثَلاثًا) .
والرغاء: صوت البعير، والخُوار: صوت البقرة، واليُعار: صوت الشاة.
وهذا المسؤول لو جلس فيه بيته ولم يكن له علاقة باختيار الحجاج لما جاء إليه شيء، ولا أهدى إليه أحد.
هذا بالنسبة للموظف المسؤول، وأما من يريد الحج، فإن خرج في القرعة، أو انطبقت عليه الشروط واستحق الذهاب، ثم حرم من ذلك، جاز له أن يبذل المال للوصول إلى حقه، مع حرمته على الآخذ. وينظر جواب السؤال رقم (72268) ورقم (87688) .
فإن لم تنطبق عليه الشروط، أو لم تدرجه الهيئة فيمن لها الحق في استثنائهم، فليس له أن يبذل الرشوة؛ لأنه لم يمنع من حق تعيّن له.
ولتعلم أيها الأخ الكريم أن الرشوة أمرها عظيم، وأنها محرمة على الدافع والآخذ، فلا يجوز الإقدام عليها، ولا التساهل في شأنها.
وقد روى أحمد (6791) وأبو داود (3580) عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي) والحديث صححه الألباني في "إرواء الغليل" (2621) .
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6223)
هل يقبل المساعدة من الدولة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز تقاضي بعض المال من الحكومة فيما يسمى بمساعدة العائلة أو الأطفال؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في قبول المساعدة من الدولة إذا كانت الشروط الموضوعة للمساعدة تنطبق عليك؛ كوجود عدد معين من الأطفال، أو كونك من أصحاب الدخل القليل ونحو ذلك، والممنوع هو التحايل أو الكذب للحصول على هذه المساعدات.
والأصل في قبول هذه الأموال: ما روى البخاري (7164) ومسلم (1045) عن عُمَرَ رضي الله عنه قال: كان رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِينِي الْعَطَاءَ، فَأَقُولُ: أَعْطِهِ أَفْقَرَ إِلَيْهِ مِنِّي، حَتَّى أَعْطَانِي مَرَّةً مَالًا، فَقُلْتُ: أَعْطِهِ أَفْقَرَ إِلَيْهِ مِنِّي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (خُذْهُ فَتَمَوَّلْهُ وَتَصَدَّقْ بِهِ، فَمَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلَا سَائِلٍ فَخُذْهُ، وَإِلَّا فَلَا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ) .
ولأنه مال تبرع به باذله من غير أن يلحق الآخذ ضرر ولا منقصة، فلم يكن عليه حرج في قبوله.
ولا فرق في ذلك بين أن تكون الحكومة مسلمة أو كافرة، ما لم يترتب على ذلك التنازل أو التخلي عن شيء من الدين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6224)
يدفع مالا لمسئول في الشركة ليسهل له قبول المشروع
[السُّؤَالُ]
ـ[صديقي له شركة إنشائية أسسها منذ ثلاث سنوات ولم يسبق له تنفيذ أي مشروع حتى الآن، وإنه حالياً بصدد توقيع عقد مع إحدى الشركات الكبرى لتنفيذ إحدى المشاريع، غير أن أحد الموظفين بتلك الشركة وباعتباره أحد المسئولين بها طلب نسبة من الأرباح وذلك نظير ما سوف يقوم به من تسهيلات ومتابعة لسير عمليات التنفيذ واستيفاء المخالصات عند إتمام المشروع. ومن خلال مناقشتي له تبين لي الآتي: - المسئول المذكور له قوة نفوذ وسلطة في منح العطاءات أو رفضها. - وأنه لو طلب منه عدم تقديم أي خدمات قد يمتنع تماماً من منح هذا العطاء. - ظروف تنفيذ خطوات المشروع تحتاج لوقفة تعاون من المسئولين بالشركة المانحة، وإلا ستكون عمليات تنفيذ المشروع معقدة للغاية. - عند مناقشة ذلك المسئول على كون ما طلبه قد يكون من الرشوة احتج بأن ما سيأخذه هو عوض على ما سيقوم به من مجهودات أثناء عمليات التنفيذ. - إن ما سيقوم به هذا المسئول من تسهيلات ومجهودات قد يدخل ضمن طبيعة عمله كموظف أو قد لا يدخل أو يكون بينهما. وبناءً على ما تقدم نرجو إفادتنا بحكم هذه المعاملة، وهل هي من الرشوة المنهي عنها؟ وإن كان كذلك فهل تقبل الشركة المنفذة هذا العرض لإمكان الاضطرار؟ وما نصيحتكم لكلا الطرفين وخاصة الموظف المسئول لكون الأمر - إن كان حراما - قد التبس عليه، حيث نحسبه على خير وأنه قد أدى مناسك العمرة منذ أيام قليلة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الموظف المسئول في الشركة، إن كان ما سيقوم به من تسهيلات ومتابعة وغيرها داخلا في عمله في الشركة، فلا يجوز له أن يأخذ من صاحبك شيئا؛ لأن ما يأخذه حينئذ يدخل في الرشوة وهدايا العمال المحرمة، ولا يجوز لصاحبك أن يعطيه شيئا، وليس هذا من الحق الذي يجوز دفع الرشوة لتحصيله، بل هذه معاملة محرمة جاء فيها لعن الطرفين، كما روى أحمد (6791) وأبو داود (3580) عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي) ، والحديث صححه الألباني في "إرواء الغليل" (2621) .
ولو قيل بجواز الرشوة هنا بزعم أن هذا من التوصل للحق، لجازت أكثر صور الرشوة، وعم الفساد والشر.
وإن كان هذا المسئول يعمل في قسم آخر لا علاقة له بهذه المشاريع، فلا حرج أن يدل الشركة على صاحبك، أو يدل صاحبك على الشركة، وييسر لهما التعاقد معا، مقابل مال يأخذه من الطرفين أو من أحدهما، بشرط ألا يكون له دور في تقديم صاحبك على من هو أفضل منه، أو إخباره بأمور العطاءات التي يمنع الإخبار بها كعروض أصحاب المشاريع الأخرى.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
" مما حرمه الإسلام , وغلظ في تحريمه: الرشوة , وهي دفع المال في مقابل قضاء مصلحة يجب على المسئول عنها قضاؤها بدونه، ويشتد التحريم إن كان الغرض من دفع هذا المال إبطال حق أو إحقاق باطل أو ظلما لأحد.
وقد ذكر ابن عابدين رحمه الله في حاشيته: (أن الرشوة هي: ما يعطيه الشخص لحاكم أو غيره ليحكم له أو يحمله على ما يريد) ، وواضح من هذا التعريف أن الرشوة أعم من أن تكون مالا أو منفعة يمكنه منها , أو يقضيها له، والمراد بالحاكم: القاضي , وبغيره: كل من يرجى عنده قضاء مصلحة الراشي , سواء كان من ولاة الدولة وموظفيها أو القائمين بأعمال خاصة كوكلاء التجار والشركات وأصحاب العقارات ونحوهم , والمراد بالحكم للراشي , وحمل المرتشي على ما يريده الراشي: تحقيق رغبة الراشي ومقصده , سواء كان ذلك حقا أو باطلا.
والرشوة - أيها الإخوة في الله - من كبائر الذنوب التي حرمها الله على عباده , ولعن رسوله صلى الله عليه وسلم من فعلها , فالواجب اجتنابها والحذر منها , وتحذير الناس من تعاطيها , لما فيها من الفساد العظيم , والإثم الكبير , والعواقب الوخيمة , وهي من الإثم والعدوان اللذين نهى الله سبحانه وتعالى عن التعاون عليهما في قوله عز من قائل: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة /2.
وقد نهى الله عز وجل عن أكل أموال الناس بالباطل , فقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) النساء /29، وقال سبحانه: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) البقرة /188، والرشوة من أشد أنواع أكل الأموال بالباطل " انتهى.
"مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز" (23/223-224) .
وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عن: أنا صاحب شركة بناء، ولي صديق مدير في مؤسة طباعة الكتب والكراريس المدرسية، وبحكم علاقته مع مسئولين في وزارة التعليم والمعارف، يستطيع الحصول على مشاريع في البناء لصالح الوزارة، وبحكم علاقتي به: فإنه يعرض عليّ العملَ في شكل عقد مضاربة أو قراض، فمنه المشروع وعلي العمل، إلا أن الإشكال في المسألة أن صاحبي لا يتحصل على المشروع إلا إذا دفع شيئا من المال حتى يكون المشروع من نصيبه، علما أنه لا ينافسه في أخذ المشروع أحد، ومن جهتي أنا كصاحب شركة إذا لم أتعامل معه أو مع غيره بهذه الطريقة فإن أعمالي وأشغالي ستتعطل. أفتوني في هذه المسألة جزاكم الله كل خير؟
فأجابت: " ما يعمله هذا الشخص الذي ذكرته هو من قبيل الرشوة المحرمة، والملعون من فعلها أو أعان عليها، فعليك بمناصحته ليترك هذا العمل، ولا يجوز لك قبول المقاولة على ما يحصل عليه من أعمال في مقابل هذه الرشوة؛ لأن هذا من التعاون على الإثم والعدوان، وأكل المال بالباطل " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (23/568) .
ثانيا:
الوسيط بين صاحبك وهذا المسئول، يحكم على عمله بناء على ما تقدم، فإن كان عمل المسئول محرما، كان عمل الوسيط محرما كذلك، وهو الرائش الذي ورد في بعض روايات الحديث.
وإن كان عمل المسئول جائزا، جاز عمل الوسيط؛ لأنه من الدلالة المباحة.
ونصيحتنا للجميع أن يتقوا الله عز وجل فيما أمر، والابتعاد عما نهى عنه وزجر، وليعلم الأخ السائل، والأخ الوسيط، وكل من له علاقة بذلك: أن الله عز وجل أكرم من أن يضيع من يتقيه ويخشاه، ويحرص على طلب الحلال، قال الله تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق /2-3.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن روح القُدُس [يعني: جبريل، عليه السلام] نفث في رُوعي: أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها، وتستوعب رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحمِلَّن أحدَكُم استبطاءُ الرزق أن يطلبه بمعصية الله، فإن الله تعالى لا يُنال ما عنده إلا بطاعته " رواه أبو نعيم في حلية الأولياء، من حديث أبي أمامة رضي الله عنه، وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6225)
يعطي المندوب مبلغا من المال ليشتري منه
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي عميل يشتري مني بضاعة وهو مندوب لدي مؤسسة، وأنا أبيعه البضاعة على أنه لو وجد هذه البضاعة بسعر ناقص أن يرد لي البضاعة أو أعمل له خصماً، أما إذا تساوى سعري وسعر السوق فأكون أنا الأولى بأن يشتري مني، على أن أعطيه مبلغاً من المال له، ولا تدخل في حساباته مع صاحب المؤسسة، أفتونا مأجورين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز إعطاء المندوب شيئا من المال، أو الهدايا له؛ لدخول ذلك في الرشوة، وهدايا العمال المحرمة، لأنه موظف في مؤسسته، وشراء البضاعة جزء من عمله الذي يتقاضى راتبا عليه، وهو وكيل عن مؤسسته فيما يشتريه، فكل ربح أو تخفيض يأتيه، يرجع إلى مؤسسه، ولا يحل له أن يأخذ منه شيئا.
روى أحمد والبيهقي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (هدايا العمال غلول) أي خيانة. والحديث صححه الألباني في صحيح الجامع رقم 7021.
و (العمال) هم الموظفون، فكل هدية تعطى للموظف بسبب وظيفته فهي خيانة محرمة.
وروى البخاري (7174) ومسلم (1832) عن أبي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه قَالَ: اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلا عَلَى صَدَقَةٍ فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي، فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: (مَا بَالُ الْعَامِلِ نَبْعَثُهُ فَيَأْتِي يَقُولُ: هَذَا لَكَ وَهَذَا لِي، فَهَلا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَيَنْظُرُ أَيُهْدَى لَهُ أَمْ لا؟ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا يَأْتِي بِشَيْءٍ إِلا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ، إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَتَيْ إِبْطَيْهِ: أَلا هَلْ بَلَّغْتُ ثَلاثًا) .
والرغاء: صوت البعير، والخُوار: صوت البقرة، واليُعار: صوت الشاة.
فيقال هنا: لو جلس هذا المندوب في بيته، ما أهديته ولا أعطيته شيئا، وإنما تعطيه لأجل أن يشتري منك لمؤسسته، وهذا قد يحمل الموظف على خيانة الأمانة، فيشتري ممن يعطيه ويمنحه، وإن كان ما عند غيره أفضل وأصلح، ولهذا سد الشرع هذا الباب، فلا يهدى للعامل، ولا يعطى شيئا له.
ومما يؤسف له انتشار هذه الرشاوى في هذه الأزمنة، وتوسع الناس في صورها، حتى انضاف إليها الغش والكذب، وأصبح البائع يكتب للمندوب سعرا كاذبا، وفاتورة زائفة، ليعينه على خيانة الأمانة وكسب الحرام، ليعتاد الشراء منه، فالواجب الحذر من عامة الصور التي تدخل في الرشوة وهدايا العمال المحرمة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6226)
دفع المال لتخليص المعاملة متى يكون من الرشوة ومتى لا يكون؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل محاسباً في إحدى شركات الشحن، واكتشفت لاحقاً أن الشركة التي أعمل بها تقوم بإعطاء رشاوى لبعض العملاء لديها لتخليص بعض الشحنات وما شابه ذلك، وأنا أعمل محاسباً في هذه الشركة، وأقوم بصرف هذه المبالغ للمدير لكي يعطيها للعملاء كرشاوى، واكتشفت هذا، فهل يوجد عليّ إثم؟ ، وماذا أفعل في هذه الحال؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا يجوز التعامل بالرشوة أخذا أو إعطاء، وهي من كبائر الذنوب؛ لما رواه أحمد (6791) وأبو داود (3580) عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي. صححه الألباني في "إرواء الغليل" (2621)
و"الراشي" هو معطي الرشوة، و"المرتشي" هو آخذها.
لكن يستثنى من ذلك:
1- ما إذا لم يستطع صاحب الحق أخذ حقه إلا بدفع رشوة، فقد نص العلماء رحمهم الله على جواز دفعه للرشوة حينئذ ويكون التحريم على الآخذ لها لا المعطي، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (70516) و (72268) .
فإذا كان تخليص الشحنات لا يمكن إلا بدفع المال، أو كان عدم الدفع يعني تأخير الشحنة وتضرر صاحب الحق، جاز دفع المال حينئذ، مع حرمته على الآخذ.
2- أن يدفع المال لرفع ظلم أو تخفيفه، كما لو دفعه لمن يرفع عنه الضرائب التي تفرض على المسلمين، فلا حرج في ذلك كما سبق في جواب السؤال رقم (39461) و (25758) .
3- أن يدفع المال لشخص أو مكتب يتولى الذهاب إلى الجهات المسؤولة، ويعمل على تخليص المعاملة، فهذا لا حرج فيه، وليس من الرشوة، بل هو من باب الإجارة.
ثانيا:
إذا كان ما يأخذه المدير يندرج تحت الأمور السابقة، فلا حرج عليك في صرف المال وتسجيله ونحو ذلك.
أما إن تبين أنه رشوة تدفع لتخليص أشياء ممنوعة، أو تدفع مع إمكان تخليص المعاملة بدونها من غير تأخير مضرّ، أو غير ذلك من الصور التي لا تندرج فيما سبق القول بجوازه، فلا يجوز لك أن تعين على صرفه أو تسجيله، لقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2.
وعليك أن تنصح مديرك وتبين له تحريم الرشوة على الدافع والآخذ، وتحريم الإعانة عليها.
واعلم أن من اتقى الله تعالى وقاه وكفاه، ومن تمسك بأمره، زاده من فضله، فلا يمنعنك هيبة الناس أن تقول بالحق إذا علمته.
روى الإمام أحمد (11030) والترمذي (2191) وابن ماجه (4007) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ خَطِيبًا فَكَانَ فِيمَا قَالَ: (أَلَا لَا يَمْنَعَنَّ رَجُلًا هَيْبَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ إِذَا عَلِمَهُ) والحديث صححه الألباني في صحيح ابن ماجه.
وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6227)
يعطيه خصما خاصا ليشتري منه لشركته
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل مدير مبيعات للرافعات الشوكية بشركة تويوتا، ولدي زبون من شركة أخرى اشترى رافعات قبل ذلك، وهو الآن يريد أن يشتري سيارة من نفس الشركة (تويوتا) ، وأنا أستطيع أن أجلب له خصماً خاصاً من قسم السيارات، علماً أن هذا يجعله يشتري مني رافعات في المستقبل، فهل تكون هذه المعاملة محرمة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن كان هذا العميل سيشتري السيارة لخاصة نفسه ـ وهو الظاهر من سؤالك ـ فإن هذا العمل لا يجوز؛ لأن جلبك له خصما خاصا من قسم السيارات قد يجعله يشتري منك رافعات في المستقبل، كما جزمت أنت به، لأن هذه المحاباة قد تكون على حساب الشركة التي يعمل بها؛ حيث يترك شراء الرافعات من شركة أخرى أعلى في الجودة، أو أقل في السعر، لكي يشتري منك، لما قدمته له من خدمة، فتكون خدمتك له على حساب مصلحة الشركة التي يعمل بها.
وهذا نوع من الرشوة المحرمة.
وإن كان سيشتري السيارة للشركة التي يعمل بها، فلا حرج في ذلك، لأن المستفيد من هذا الخصم هو شركته، وفي ذلك تنشيط للتعامل بين الشركتين، وسعي حميد لإيجاد روح التوافق والتلاؤم بينهما.
قال العلامة ابن باز رحمه الله:
" وهكذا كل مسلم ينصح في وظيفته التي عنده ويؤدي حقها حسب الطاقة , مع ملاحظة الأمانة وعدم تقديم من لا يستحق على من يستحق , وعدم أخذ الرشوة، بل يجب أن يؤدي عمله بالأمانة كما أمر الله على الوجه الذي يجب عليه؛ فيبدأ بالأهم فالأهم , ولا يحابي هذا دون هذا , ويعطل هذا ويقدم هذا، لهدية أو لصداقة , بل يجب أن ينصح لله ويؤدي الأمانة كما أمر الله ". انتهى
"مجموع فتاوى ابن باز" (9/60،61)
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: عن وسيط يعمل في شركة وله راتب ثابت في هذه الشركة، ويعمل وسيط بين هذه الشركة التي يعمل بها وشركة أخرى، ويشتري منها بعض الماكينات ويأخذ عمولة من الشركة التي تبيع الماكينات، مع العلم أنه لا يطلب بنفسه هذه العمولة، ولكن صاحب الشركة هو الذي يعطيها له بدون أن يطلب هذا الوسيط هذه العمولة، فهل تعتبر هذه العمولة شرعية؟
فأجابت:
" ما دام أن هذا الوسيط له راتب شهري في الشركة التي يعمل فيها، فأخذ عمولة من الشركة الثانية مقابل التعامل معها للشراء لصالح الشركة الموظف فيها لا يجوز؛ لأنه مظِنّة لهضم الشركة التي هو موظف فيها من جهة السعر، فلا يناقص فيه، ومن جهة جودة البضاعة التي يشتريها لها ". انتهى
"فتاوى اللجنة" (13/126) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6228)
هل يدفع مبلغا لأحد المكاتب ليخفف عنه الضرائب؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أمتلك 3 شاحنات نقل مياه، وتحصلت على شغل تابع للدولة، وعند نهاية كل شهر يقوم الموظف المسؤول بحساب عدد النقلات لكل شاحنة، وطلب منى التصديق عليها عند مصلحة الضرائب، ذهبت إلى مصلحة الضرائب فطلب مني فتح ملفات للشاحنات، وعلي دفع الضرائب من سنة صنع السيارة، أي أن الضرائب تفوق ثمن الشغل الذي اشتغلته، ويمكن تكون بنصف ثمن الشاحنة، المهم وجدت مكتب خدمات يقوم بهذا العمل بدون فتح ملفات، ويأخذ مبلغاَ زيادة على قيمة الضرائب على النقلات. فهل يجوز لي إتمام إجراءاتي مع هذا المكتب؟ مع العلم أني لا أنفي ولا أؤكد أنه يتعامل مع موظفي الضرائب.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سبق بيان حكم الضرائب، وأن الأصل فيها المنع؛ لأنها مكوس محرمة، في جواب السؤال رقم (39461) .
ولا حرج في التخلص منها بما لا يعود على الإنسان بضرر أكبر، ولو اقتضى الأمر دفع بعض المال.
وقد روى ابن أبي شيبة في مصنفه (5/233) عن القاسم بن عبد الرحمن أن ابن مسعود لما أتى أرض الحبشة أُخذ في شيء، فأعطى دينارين حتى أَخذ سبيله.
وقال تقي الدين السبكي رحمه الله: " والمراد بالرشوة التي ذكرناها ما يعطى لدفع حق أو لتحصيل باطل، وإن أعطيت للتوصل إلى الحكم بحق فالتحريم على من يأخذها كذلك, وأما من لم يعطها فإن لم يقدر على الوصول إلى حقه إلا بذلك جاز وإن قدر إلى الوصول إليه بدونه لم يجز. وهكذا حكم ما يعطى على الولايات والمناصب يحرم على الآخذ مطلقا ويفصل في الدافع على ما بَيَّنا " انتهى من "فتاوى السبكي" (1/204) .
وعليه؛ فلا حرج في تعاملك مع هذا المكتب، سواء كان يتعامل مع موظفي الضرائب أو لا، ما دمت لا تجد وسيلة للتخلص من الضرائب أو تخفيفها إلا ذلك.
وينظر جواب السؤال رقم (25758) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6229)
حصل على ترقية في عمله عن طريق الرشوة، فهل راتبه حرام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قضيتي أنني وظفت في مؤسسة إدارية في عام 2000 في غير المنصب الذي يوافق شهادتي الجامعية، وبمرور الوقت شاركت في مسابقات للترقية، للهروب من الضغط الذي كنت أعيشه من طرف رئيس المصلحة، إلا أن كل محاولاتي في الترقية باءت بالفشل، الى غاية 2002 حين عرض علي أحد الأصدقاء دفع مبلغ من المال مقابل الفوز بأحد المناصب من 50، وفعلت ذلك مرغما من جراء ما ذكرت لكم فضيلة الشيخ، وهذا بدون أن أطلب إزاحة أي شخص من الممتحنين، وكما أنوه أن كل الفائزين بهذه المناصب من أصحاب النفوذ!! في الأخير: هل المال الذي أجتنيه من هذا المنصب حرام. مع علمكم أنني تبت إلى الله توبة نصوحا، وتضرعت للمولى عز وجل بأن يبارك في مالي، وإنني أتصدق كل شهر بمبلغ من المال.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أن دفع الرشوة للحصول على وظيفة، محرم على الراشي والمرتشي والرائش، وهو الساعي بينهما، ولا يستثنى من ذلك إلا دفع الرشوة لأجل رفع الظلم، أو التوصل إلى حق إلى يمكن الوصول إليه إلا بالرشوة، فتجوز حينئذ للمعطي، وتحرم على الآخذ.
وراجع السؤال رقم (25758)
وما دامت الوظيفة مبنية على امتحان المتقدمين لها، فالرشوة هنا محرمة؛ لأنه لا فضل لك فيها على غيرك، ولم يتعين الحق لك حتى تبذل رشوة للوصول إليه.
وقد جاء في الرشوة من الوعيد ما يرهب العاقل من الإقدام عليها، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ) .
رواه أبو داود (3580) والترمذي (1336) وابن ماجه (2313) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وإذا كنت قد تبت إلى الله تعالى، وتتصدق ببعض المال، كما ذكرت، فلا حرج في بقائك في هذا المنصب بشرط أن تكون لديك الكفاءة للعمل فيه، لأن تولي غير الكفء هو من خيانة الأمانة، ولا يخفى ضرره على عامة الأمة.
وانظر جواب الأسئلة (26123) ، (60199) ، (69820) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6230)
الاستعانة بالواسطة للخروج من الجيش
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الواسطة حرام؟ بمعني لو أحد توسط لي أن أخرج من الجيش وأنا لا أصلح للدخول إلي الجيش نظراً لبعض الأمراض التي عندي، والتي هم ينصون عليها في القانون أن هذه الأشياء تخرج من الجيش ولكن الأطباء قد يدخلونني، مثل ضعف النظر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان النظام فعلاً يعفيك من دخول الجيش، فلا حرج في استعانتك بمن يسعى لإخراجك من منه، وإن كان الأمر يقتضي دفع مال ففيه تفصيل:
1- يجوز للوسيط أن يأخذ المال إذا لم يكن من طبيعة عمله النظر فيمن يصلح للجيش ومن يعفى منه، أما إذا كان ذلك من عمله، فلا يجوز له؛ لأنه من باب الرشوة وهدايا العمال المحرمة.
2- يجوز لك دفع المال إذا لم تتوصل إلى حقك إلا به، وفي حالة كون ذلك رشوة محرمة فالإثم على الآخذ فقط وليس عليك حرج إن شاء الله تعالى.
وينظر جواب السؤال رقم (26801) ، ورقم (72268) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6231)
هل يدفع رشوة لطبيب ليحصل على تقرير طبي يعفيه من العمل المحرَّم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[مشكلتي تتلخص في كوني قدمت استقالتي من عملي - " الجيش " -؛ وذلك للمحرمات التي فيه، من حلق للحية، والوقوف للضباط، وطاعتهم إجباراً، ولو في معصية الله، وعدم الأمر المعروف والنهي عن المنكر، وغيرها من المحرمات التي لا تخفى عليكم، إلا أن استقالتي رُدت إليَّ، فلم يبق لي سوى طريقتين للخروج وإلاَّ أنتظر ثلاث سنوات أُخر لتنتهي عقدتي، وأخرج بأمان، الطريقة الأولى: الفرار من الجندية، والذي سيترتب عليه سجني، وعدة مفاسد أخرى مع عائلتي، الطريقة الثانية: أن أعطي مبلغاً من المال إلى طبيب عسكري مقابل أن يعطيني شهادة طبية تثبت عدم قدرتي على العمل في الجندية، وبالتالي يقومون بإخراجي، وسيعطوني تقاعداً تبعاً للسبع السنوات التي عملتها معهم، وبعد تضييق الخناق علينا في العمل وإلزامنا بعدة ملزمات كعدم حضور حِلق الذكر وأشياء ما أنزل الله بها من سلطان أستحيي من ذكرها، وحذرونا من فعلها، وبالفعل طردوا أحد إخواننا الملتزمين، وبدؤوا بمطاردة الملتزمين، وذلك ببث الجواسيس، فاضطررت إلى عرض هذه الطريقة على شيخ أثق به فأفتاني بفعلها، فنسألكم أن تفيدونا في الموضوع.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
العمل في الوظائف - سواء الحكومية أو الخاصة – التي يُلزم الموظف فيها بترك واجب شرعي، أو وقوع في معصية: لا يجوز، وقد نوَّع الله تعالى أسباب الرزق وكثَّره، فلا يُعدُّ الموظف معذوراً بقبوله تلك الوظيفة والحال ما ذكرنا.
وإعفاء اللحية واجب شرعي، وحلقها محرم، وقد بيَّنا في جواب السؤال رقم (1189) حكم حلق اللحية وأن حلقها من المحرمات، وطاعة الله ورسوله تقدَّم على طاعة كل أحد، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وقد بيَّنا في جواب السؤال رقم (5481) حرمة حلق اللحية حتى بالنسبة لمن أراد أن يعمل طياراً.
وعلى المسلم أن يحرص على الجمع بين الوظيفة الحلال وإعفاء اللحية، فإن كان لا بد من أحد الأمرين فلا يقدِّم وظيفته على أمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، و" من ترك شيئا لله عوَّضه الله خيراً منه ".
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة: هل يجوز الدخول في أمر يتطلب الدخول فيه حلق اللحية وعدم التمكن من تأدية بعض الصلوات في أوقاتها، وطاعة الأوامر العسكرية فيما حرم الله؟ .
فأجابوا:
" لا يجوز للمسلم أن يدخل في أمر يستلزم هذه الأشياء أو بعضها؛ لأنها معاص لله ورسوله، وإن أجبر بدون اختياره وأدخل بقوة السلطان فالأمر ليس إليه، ونرجو أن يجعل الله له فرجاً ومخرجاً، فهو القائل سبحانه: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) الطلاق/1-2، والقائل سبحانه: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) الطلاق/4.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء" (1/534) .
وفي جواب السؤال رقم (8230) ذكرنا فتوى الشيخ ابن باز في حرمة حلق اللحية لمن يعمل في الجيش، وقال الشيخ - رحمه الله - فيها:
" فإذا كنت في عمل تلزم فيه بحلق لحيتك فلا تطعهم في ذلك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) ، فإن ألزموك بتركها: فاترك هذا العمل الذي يجرك لفعل ما يغضب الله، وأسباب الرزق الأخرى كثيرة ميسرة ولله الحمد، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه " انتهى.
وفي جواب السؤال رقم (8797) ذكرنا فتوى اللجنة الدائمة، وفيها:
" أولا: يحرم حلق اللحية، ويجب إعفاؤها.
ثانيا: لا تجوز تحية العلم.
ثالثا: يجب الحكم بشريعة الإسلام، والتحاكم إليها، ولا يجوز للمسلم أن يحيي الزعماء أو الرؤساء تحية الأعاجم؛ لما ورد من النهي عن التشبه بهم، ولما في ذلك من الغلو في تعظيمهم " انتهى باختصار.
ثانياً:
يجب على من دخل تلك الوظائف التي يرتكب فيها المعاصي والآثام أن يبادر للخروج منها، وليحتسب ذلك عند ربه تعالى، وقد كان السلف الصالح من الصحابة فمن بعدهم من القرون الفاضلة أكثر الناس التزاماً بالشرع، وتركاً للمحرَّم وإن كان لهم فيه نفع، أو كانت نفوسهم قد ألفته، كما هو حالهم عندما حرَّم الله عليهم الخمر، وعندما أوجب الله على النساء الحجاب الكامل.
1. عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كان أبو عبيدة بن الجراح وسهيل بن بيضاء وأبي بن كعب عند أبي طلحة، وأنا أسقيهم من شرابٍ حتى كاد يأخذ فيهم، فمرَّ بنا مارٌّ مِن المسلمين فنادى: ألا هل شعرتم أن الخمر قد حرمت؟ قال: فوالله ما انتظروا أن أمروني أن أكفِئ ما في آنيتك، ففعلت، فما عادوا في شيء منها حتى لقوا الله) رواه ابن حبان في " صحيحه " (12/184) حديث رقم: 5361.
2. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: (يَرْحَمُ اللَّهُ نِسَاءَ الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلَ، لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) شَقَّقْنَ مُرُوطَهُنَّ فَاخْتَمَرْنَ بِهَا) رواه البخاري (4480) .
والخُمُر: جمع خمار، وهو غطاء الرأس، والجيوب: جمع جيب، وهو فتحة الثوب من ناحية الرأس، والمراد ما يظهر منه الصدر، ومرطوهن: جمع مرط، وهو الإزار، والإزار هو الملاءة، فاختمرن بها: غطين وجوههن بالمروط.
فلا ينبغي التردد في ترك المحرمات، وينبغي المبادرة لفعل الطاعات، وهذه التقوى أحد أسباب الرزق، كما قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق/2،3.
ثالثاً:
إذا لم يستطع الموظف الخروج من الوظيفة بطرق مباحة سليمة في الأصل، وأرغم على البقاء فيها، فله أن يتوصل إلى الخروج منها بالحيلة، أو التورية، فإن لم ينفع: فيجوز له الرشوة، والكذب، وإثم ذلك على من اضطره إليه، وعلى من أخذ منه المال.
1. أما جواز الرشوة في هذه الحال:
أ. قال ابن الأثير الجزري رحمه الله:
" فالراشي: مَن يُعطي الذي يعينه على الباطل، والمرتشي: الآخذ، والرائش: الذي يسعى بينهما يستزيد لهذا ويستنقص لهذا، فأما ما يُعطى توصلاً إلى أخذِ حقٍّ أو دفع ظلمٍ: فغير داخل فيه، روي أن ابن مسعود أُخذ بأرض الحبشة في شيءٍ فأَعطى دينارين حتى خُلِّي سبيله، ورُوي عن جماعة من أئمة التابعين قالوا: لا بأس أن يصانع الرجل عن نفسه وماله إذا خاف الظلم " انتهى.
"النهاية في غريب الحديث" (2/226) .
ب. وقال الخطابي رحمه الله:
" إذا أَعطى ليتوصل به إلى حقه، أو يدفع عن نفسه ظلماً: فإنه غير داخل في هذا الوعيد [يعني: لعن الراشي] " انتهى.
"معالم السنن" (5/207) .
وانظر تفصيلاً أوفى في جوابي السؤالين: (60183) و (72268) .
2. وأما جواز الكذب:
قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله:
" واعلم أن الكذب قد يباح، وقد يجب، والضابط - كما في " الإحياء " -: أن كل مقصود محمود يمكن التوصل إليه بالصدق والكذب جميعاً: فالكذب فيه حرام، وإن أمكن التوصل بالكذب وحده: فمباح إن أبيح تحصيل ذلك المقصود، وواجب إن وجب تحصيل ذلك " انتهى.
"الزواجر عن اقتراف الكبائر" (2/196) .
رابعاً:
أما التقاعد الذي سيعطونك إياه في هذه الحالة، فإن كنت غير محتاج إليه، فالأولى لك التصدق به، وإن كنت محتاجا فنرجو أن لا يكون عليك حرج من الانتفاع به، ويكون عوناً لك على الاستقامة والتوبة من هذا العمل المحرم.
ونسأل الله تعالى أن ييسر لك الخير حيث كان.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6232)
يعطي موظف الشركة عمولة ليعقد لقاء بينه وبين المدير
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في وكالة للدعاية والإعلان أحيانا يأتيني موظف من الشركة ويعمل عندي بعض الأعمال وأنا أعرض عليه إذا أتاني بشغل الشركة أني أعطيه نسبة مثل ما أعطي المندوبين، مع العلم أنها لا تكون مناقصة بل لكي يعقد مع المدير لقاء بيني وبينه أو يقدم له أسعارنا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا لم تكن مناقصة، ولم يكن هذا الموظف مسئولاً عن البحث عن العروض والأسعار، فلا حرج أن تعطيه مبلغا من المال أو نسبة في مقابل دلالته وسمسرته.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن حكم البحث لمستأجر عن محلٍ أو شقةٍ مقابل أجرة يدفعها لمن حقق له طلبه.
فأجاب: " لا حرج في ذلك، فهذه أجرة وتسمى السعي، وعليك أن تجتهد في التماس المحل المناسب الذي يريد الشخص أن يستأجره، فإذا ساعدته في ذلك والتمست له المكان المناسب، وساعدته في الاتفاق مع المالك على الأجرة، فكل هذا لا بأس به إن شاء الله، بشرط ألا يكون هناك خيانة ولا خديعة، بل على سبيل الأمانة والصدق، فإذا صدقت وأديت الأمانة في التماس المطلوب من غير خداع ولا ظلم لا له ولا لصاحب العقار، فأنت على خير إن شاء الله " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (19/358) .
وينظر جواب السؤال رقم (45726) .
وأما إن كان الموظف مسئولاً عن البحث عن العروض والأسعار، فأخذه المال حينئذ يدخل في الرشوة وهدايا العمال المحرمة؛ لما روى البخاري (7174) ومسلم (1832) عن أبي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه قَالَ: اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلا مِنْ بَنِي أَسْدٍ يُقَالُ لَهُ ابن اللُّتْبِيَّة عَلَى صَدَقَةٍ فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا أُهْدِيَ لِي، فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: (مَا بَالُ الْعَامِلِ نَبْعَثُهُ فَيَأْتِي يَقُولُ: هَذَا لَكَ وَهَذَا لِي، فَهَلا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَيَنْظُرُ أَيُهْدَى لَهُ أَمْ لا؟ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا يَأْتِي بِشَيْءٍ إِلا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ، إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ وقال: أَلا هَلْ بَلَّغْتُ ثَلاثًا) .
والرغاء: صوت البعير، والخُوار: صوت البقرة، واليُعار: صوت الشاة.
وينظر جواب السؤال رقم (87864) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6233)
إذا تاب من الرشوة هل يرد الرشاوى لأصحابها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أخذت رشوة مبالغ نقدية وهدايا فكيف التوبة وما الحل في الفلوس والهدايا؟ وإذا تعذر إرجاع هذه الأشياء لصاحبها فما الحل؟ وإذا تصدقت بها فهل يجوز إخراج نقود بثمن الهدايا؟ وهل يمكن تزويج أحد الشباب من هذه النقود أو فتح مشروع لأحد الشباب المحتاجين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أخذ الرشوة عمل محرم، وهو من كبائر الذنوب، لما جاء فيه من الوعيد واللعن، فقد روى أبو داود (3580) والترمذي (1337) وابن ماجه (2313) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه قَالَ: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي) . وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (2621) .
والواجب على من وقع في الرشوة أن يتوب إلى الله تعالى، فيقلع عنها، ويعزم على عدم العود إليها، ويندم على ما فات.
وهل يلزمه رد الرشاوى إلى أصحابها؟ في ذلك تفصيل:
1- إن كان دافع الرشوة إنما دفعها ليتوصل بها إلى حق له، فيلزم رد ماله إليه؛ لأنه مال مأخوذ بالباطل والظلم والتعدي.
2- وإن كان قد دفع الرشوة ليتوصل بها إلى غير حقه، وقد حصل له ذلك، فإن الرشوة لا ترد إليه؛ حتى لا يجمع بين العوضين، بين الوصل إلى غرضه ومنفعته – التي لا تحق له – وبين عودة ماله إليه. ويلزم التائب حينئذ أن يتخلص من الرشاوى التي لا تزال بيده، بإنفاقها على الفقراء والمساكين أو في المصالح العامة ونحو ذلك من أوجه الخير.
قال ابن القيم رحمه الله: " إذا عاوض غيره معاوضة محرمة وقبض العوض، كالزانية والمغنى وبائع الخمر وشاهد الزور ونحوهم ثم تاب والعوض بيده.
فقالت طائفة: يرده إلى مالكه؛ إذ هو عين ماله ولم يقبضه بإذن الشارع ولا حصل
لصاحبه في مقابلته نفع مباح.
وقالت طائفة: بل توبته بالتصدق به ولا يدفعه إلى من أخذه منه، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو أصوب القولين ... ". انتهى من "مدارج السالكين" (1/389) .
وفي حال وجوب رد الرشوة إلى صاحبها، وتعذر الوصول إليه، لعدم العلم بمكانه، أو لوفاته وعدم العلم بورثته، بعد البحث والتحري، فإنك تتصدق بالمال على نية صاحبه.
والتخلص من الرشوة يكون بإعطائها للفقراء والمساكين وبذلها في المصالح العامة كما سبق، ولو أعطيتها لمن يحتاج إلى الزواج، ليستعين بها في زواجه، فهذا حسن، وكذلك لو أقمت بها مشروعا لأحد الشباب المحتاجين.
وما كان من الرشاوى العينية، فإنك تتخلص منه، أو تبيعه وتخرج ثمنه، ولو احتفظت به وأخرجت قيمته فلا بأس.
وإذا ترتب على أخذ الرشوة ضياع حق لإنسان، لزم رد الحق إليه أو التحلل منه، لأن الذنب إذا تعلق بحقوق العباد لم تتم التوبة منه إلا بذلك.
قال النووي رحمه الله: " قال العلماء: التوبة واجبة من كل ذنب، فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى لا تتعلق بحق آدمي فلها ثلاثة شروط: أحدها: أن يقلع عن المعصية. والثاني: أن يندم على فعلها. والثالث: أن يعزم أن لا يعود إليها أبدا. فإن فقد أحد الثلاثة لم تصح توبته.
وإن كانت المعصية تتعلق بآدمي فشروطها أربعة: هذه الثلاثة، وأن يبرأ من حق صاحبها، فإن كانت مالا أو نحوه رده إليه، وإن كانت حد قذف ونحوه مكّنه منه أو طلب عفوه، وإن كانت غيبة استحله منها " انتهى من "رياض الصالحين" ص 33.
وينظر جواب السؤال رقم (65649)
وفقنا الله وإياك لطاعته ومرضاته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6234)
دفع بعض الهدايا من أجل كسب المناقصة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز دفع بعض الهدايا أو الأموال من أجل الحصول على مناقصة أو مشروع؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" لا يجوز هذا العمل، أي الإهداء عند المناقصات والمشاريع لا من المعطي ولا من الآخذ، لأن هذا يؤدي إلى الغش، وإلى تقديم المهدي على غيره مع أن غيره أحق بالمشروع "
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ ابن عثيمين من فتاوى للتجار ورجال الأعمال ص (28) .
(5/6235)
حكم الهدية من مندوب شركات الأدوية للأطباء
[السُّؤَالُ]
ـ[بخصوص العمل كمندوب دعاية لشركات الأدوية، أصبحت الآن بعض الشركات أو معظمها يعمل بطريقة الهدية أو الرشوة، فيقدمون الهدايا للطبيب من أجل أن يكتب الداء الذي تنتجه الشركة. والمندوب أصبح يخشى على موقعه في الشركة إذا لم يفعل ذلك، كما أن كثيراً الأطباء لن يكتب دواءه للمريض بسبب عدم إحضار هدية، ويكتب دواء من يقدم له الهدية، وبالتالي يضطر المندوب إلى مجاراة الشركات الأخرى في مسألة الهدية هذه فما الحكم؟
هل هو مضطر بسبب خوفه على الوظيفة أم لا؟ وخصوصا ربما يكون عليه التزامات مادية يجب أداؤها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
مندوب الشركة الذي يقدم هدايا للأطباء من أجل ترويج أدوية تلك الشركة دون غيرها يعتبر رائشا وهذا الوسيط بين الراشي والمرتشي وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم هؤلاء الثلاثة فقال عليه الصلاة والسلام: (لعن الله الراشي والمرتشي والرائش) .
وبالله التوفيق
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى اللجنة الفتاوى الدائمة (23 / 571) .
(5/6236)
صديقه يعمل في المطار وسيحضر له تذكرة مجانا فهل يقبلها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أحد أصدقائي يعمل بالمطار ووعدني بأن يحضر لي تذكرة مجانا على حساب شركة الخطوط وأنا لا أعمل فيها فهل يجوز لي الاستفادة بهذه التذكرة أم لا؟ وإذا حجزها لي فماذا أفعل هل أردها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان صديقك سيحصل على التذكرة بطريق مباح، كأن تُهدى له من شركة الطيران، من غير أن يقع في كذب أو رشوة أو احتيال، فلا حرج عليك في قبولها منه.
وأما إن كان سيتوصل إليها بطريق محرم، فلا تقبلها، ولا تكن عونا له على الحرام.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6237)
الفرق بين الرشوة والوساطة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل حكم الرشوة يطابق حكم الوساطة في قضاء المصالح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الوساطة هي الشفاعة، وقد تكون شفاعة حسنة أو سيئة، والحسنة منها ما أعانت على الخير، وتُوصل بها إلى تحصيل المباح، دون اعتداء على حق آخرين، أو تقديم من لا يستحق التقديم.
والسيئة، ما أعانت على الشر، أو كانت وسيلة إلى الظلم، وتقديم من ليس أهلا، وهذه قد تكون مع دفع الرشوة للوسيط، وقد تخلو من ذلك.
وراجع السؤال رقم (26801) .
أما الرشوة فهي بذل المال الذي يتوصل به الإنسان إلى أخذ ما ليس له، كأن يرشي القاضي ليحكم له بالباطل، أو يرشي مسئولا ليقدمه على غيره، أو يعطيه ما لا يستحقه.
والرشوة من كبائر الذنوب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لعنة الله على الراشي والمرتشي) رواه ابن ماجه (2313) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه.
وراجع السؤال رقم (22452) ورقم (70367) .
ثانياً:
يجوز دفع الرشوة، إذا لم يتمكن الإنسان من الوصول إلى حقه إلى بها، وتكون حينئذ حراما على الآخذ دون المعطي.
قال ابن حزم رحمه الله: " ولا تحل الرشوة: وهي ما أعطاه المرء ليحكم له بباطل , أو ليولى ولاية , أو ليظلم له إنسان، فهذا يأثم المعطي والآخذ.
فأما من منع من حقه فأعطى ليدفع عن نفسه الظلم فذلك مباح للمعطي , وأما الآخذ فآثم " انتهى من "المحلى" (8/118) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " إذا أهدى له هدية ليكف ظلمه عنه أو ليعطيه حقه الواجب كانت هذه الهدية حراما على الآخذ , وجاز للدافع أن يدفعها إليه , كما كان النبي يقول: (إني لأعطي أحدهم العطية فيخرج بها يتأبطها نارا. قيل: يا رسول الله , فلم تعطيهم؟ قال: يأبون إلا أن يسألوني ويأبى الله لي البخل) . ومثل ذلك: إعطاء من أعتق وكتم عتقه , أو كان ظالما للناس فإعطاء هؤلاء جائز للمعطي , حرام عليهم أخذه.
وأما الهدية في الشفاعة , مثل: أن يشفع لرجل عند ولي أمر ليرفع عنه مظلمة , أو يوصل إليه حقه , أو يوليه ولاية يستحقها أو يستخدمه في الجند المقاتلة وهو مستحق لذلك , أو يعطيه من المال الموقوف على الفقراء أو الفقهاء أو القراء أو النساك أو غيرهم , وهو من أهل الاستحقاق , ونحو هذه الشفاعة التي فيها إعانة على فعل واجب , أو ترك محرم , فهذه أيضا لا يجوز فيها قبول الهدية , ويجوز للمهدي أن يبذل في ذلك ما يتوصل به إلى أخذ حقه أو دفع الظلم عنه , هذا هو المنقول عن السلف والأئمة الأكابر " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (4/174) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " أما الرشوة التي يتوصل بها الإنسان إلى حقه، كأن لا يمكنه الحصول على حقه إلا بشيء من المال، فإن هذا حرام على الآخذ وليس حرما على المعطي، لأن المعطي إنما أعطى من أجل الوصول إلى حقه، لكن الآخذ الذي أخذ تلك الرشوة هو الآثم لأنه أخذ ما لا يستحق " انتهى نقلا عن "فتاوى إسلامية" (4/302) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6238)
حكم أخذ مندوب المبيعات الهدايا والإكرامية
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في محل تجاري بائعا وأذهب كل يوم بسيارتي الخاصة أكثر من 20 كيلو لشراء بضاعة للمحل وحيث إن صاحب المحل لا يعطيني ما يكفي لقاء عملي هذا برغم عملي لديه أكثر من15سنة وبدون أي حقوق وهو يخصم من راتبي أكثر من مرة دون وجه حق فهو يعتقد أنه صاحب المال ويتصرف كيفما شاء، بعد هذا هل يحق لي أن آخذ ما يقدمه لي أصحاب المحلات التي أشتري منها كأن يقول: خذ هذه لك حق البنزين بعدما أشتري منه وبأقل سعر في السوق؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا يجوز لصاحب المحل أن يخصم من راتب الموظف بدون مسوغ شرعي؛ إذْ هذا من الظلم وأكل المال بالباطل.
وعلى العامل أن يطالب بحقه، وأن يسعى لرفع الظلم عنه بالوسائل المشروعة.
سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: عملت عند أحد الأشخاص، فلم يعطني أجري كاملا، بل يُبقى عنده جزءا من المال، فهل يجوز لي أن آخذ أي شيء من عنده بدون علمه يعادل أجري؟
فأجابوا: " لا يجوز لك أن تأخذ من صاحب العمل ما يعادل ما تبقى لك من الأجرة بدون علمه، ولكن لك الحق بأن تطالبه بما تبقى بالطرق المشروعة، ولو بالمرافعة إلى المحاكم " انتهى "فتاوى اللجنة الدائمة" (15/144) .
ثانيا:
الأصل في الهدايا التي تقدم للعمال أنها لا تجوز، والمفاسد المترتبة عليها كثيرة، سبق بيانها في الجواب رقم (82497) .
وهذه الهدايا التي تعطى للعامل المختص ببيع السلع وترويجها، أو جلبها وشرائها، لها صور متعددة، فمن ذلك:
1- تخفيض ثمن السلعة، أو إعطاء عينات مجانية مضافة لها، وهذا لا يجوز للعامل أن ينتفع به، بل يجب رده إلى صاحب المحل، لأن العامل وكيل عنه في التصرف، فما جاء من هدية أو تخفيض فإنه يعود إلى موكله، إلا أن يأذن له في أخذها لنفسه.
2- مبالغ يسيرة تعطى للعامل، وتسمى إكرامية، أو يقال له: هذا حق البنزين، ونحو هذا، وهذه الإكرامية لا يحق للعامل أخذها، وهي داخلة في هدايا العمال المنهي عنها، ويترتب عليها غالبا إخلال الموظف بعمله وأمانته، فلا يطلب الأحظ والأنفع للمحل، بل يشتري أو يبيع لمن يعطيه الهدية ويكرمه، حتى لو فرض أن العامل لا يقع في هذا المحذور الذي هو المحاباة والإخلال بمصلحة العمل، فليس له قبول الهدية؛ لأن الشريعة تراعي الغالب الأعم، وقد منعت ذلك سدا للذريعة.
وقد سئلت اللجنة الدائمة: وسيط يعمل في شركة، وله راتب ثابت في هذه الشركة، ويعمل وسيطا بين هذه الشركة التي يعمل بها وشركة أخرى، ويشتري لها بعض الماكينات، ويأخذ عمولة من الشركة التي تبيع الماكينات، مع العلم أنه لا يطلب بنفسه هذه العمولة، ولكن صاحب الشركة هو الذي يعطيها له بدون أن يطلب هذا الوسيط هذه العمولة، فهل تعتبر هذه العمولة شرعية؟
فأجابت: "ما دام هذا الوسيط له راتب شهري في الشركة التي يعمل فيها، فأخذ عمولة من الشركة الثانية مقابل التعامل معها للشراء لصالح الشركة الموظف فيها – لا يجوز؛ لأنه مظنة لهضم الشركة التي هو موظف فيها من جهة السعر فلا يستقصي فيه، ومن جهة جودة البضاعة التي يشتريها لها " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (15/147) .
ثالثا:
إذا قبل العامل شيئا من هذه الهدايا فيلزمه أن يردها على أصحابها، " فإن لم يتمكن من ذلك، فإنه يعطيها للجهة أو المؤسسة أو الشركة التي أهديت إليه الهدية بسببها " ينظر: "الحوافز التجارية التسويقية" ص 120، د. خالد بن عبد الله المصلح.
والحاصل: أنه يتعين عليك الامتناع عن قبول الهدايا والإكراميات، وفي حال قبولك لها يلزمك إعلام صاحب المحل ودفعها له إلا أن يأذن فيها لك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6239)
هل يرشي الشرطي لئلا يعطيه مخالفة على تكلمه بالجوال في السيارة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[في بلادنا إذا تكلمت بالهاتف النقال أثناء قيادة السيارة يخالفك شرطي المرور بمخالفة قدرها 500 دينار، فهل تعطي رشوة لإعفائك منها إذا كان معك مال أو لم يكن لديك مال مع العلم إذا لم يكن لديك مال فستسجن فماذا أفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جاءت الشرائع الربانية بحفظ الضرورات الخمس: الدين والعقل والنفس والمال والعرض، ومما لا شك فيه أن الالتزام بقواعد السير وأنظمة المرور مما يساهم في الحفاظ على النفس والمال، وعليه: فإن الشريعة الإسلامية تُلزم المسلمين بالالتزام بهذه القواعد والأنظمة، وخاصة أنه ليس فيها ما يخالف الشرع، إنما هي للحفاظ على أرواح الناس وممتلكاتهم.
وليست مخالفة هذه القواعد والأنظمة مما يعود ضرره على السائق وحده، بل إنه يتعدى ذلك إلى غيره من الناس، فالحوادث التي تحصل في الطرق نتيجة مخالفة تلك القواعد والأنظمة يكون فيها – غالباً – أطراف متعددة، وهذا يزيد من مسئولية المخالف ويشغل ذمته بأحكام متعددة كالدية والصيام وتعويض الضرر وغيرها.
وتعزير المخالف بدفع الغرامة المالية جائز شرعاً، وهو قول إسحاق بن راهويه وأبي يوسف صاحب أبي حنيفة، وابن فرحون من المالكية، وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، بل قد ذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه " الطرق الحكمية " أدلة كثيرة على جواز التعزير بالمال، ونقل كلام شيخ الإسلام فيه، ورد على من قال بنسخه.
وفي " حاشيته على تهذيب سنن أبي داود " (4 / 319) قال:
" وفي ثبوت شرعية العقوبات المالية عدة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يثبت نسخها بحجة وعَمِل بها الخلفاء بعده " انتهى
وينبغي أن تكون الغرامة معقولةً بحيث تحصل المصلحة المقصودة منها، وهي ردع الناس عن هذه المخالفة، ولا بأس بأن تكون مرتفعة بحسب طبيعة المخالفة وقوة أثرها على النفس والآخرين.
وانظر هذه المسألة في جواب السؤال رقم (21900) .
ومما لا شك فيه أن استعمال السائق للجوال أثناء قيادة السيارة مما يسبب حوادث قد تؤدي إلى إزهاق أرواح، فضلاً عن إتلاف أموال.
وقد تنادى العقلاء في كل أرجاء الأرض إلى ضرورة التشديد في العقوبة لمنع استعمال الجوال أثناء القيادة، وقد قامت أبحاث ميدانية في " بريطانيا " تبيَّن بها أن التأثير السلبي لاستعمال الجوال يفوق ما تحدثه الخمور من تأثير على قدرة السائق في التحكم بالسيارة!
وهذه الأبحاث بيَّنت أن قائد السيارة الذي يستعمل الهاتف الجوال أثناء القيادة أقل تحكماً بالقيادة بنسبة ثلاثين بالمائة بالمقارنة بمن يقودها وهو في حالة السكر!! أما بالمقارنة مع الشخص العادي فإن تحكم من يستعمل الهاتف الجوال أثناء القيادة أقل بنسبة خمسين بالمائة!
بل إن بعض الخبراء يقولون: إن استعمال السائقين للجوال أثناء قيادة سياراتهم حتى ولو كان عن طريق سماعات الأذن فإنه يضاعف احتمالات وقوع حوادث بنسبة 400 بالمائة!
وانظر تفصيل ذلك في " جريدة الوطن " القطرية، الأربعاء 20 / 7 / 2005.
والخلاصة: أن استعمال الهاتف الجوال أثناء قيادة السيارة سبب رئيس لحصول الحوادث، فترتيب عقوبة على هذه المخالفة سواء كانت بتغريم مال، أو السجن له ما يبرره، وعليه: لا يجوز لك دفع رشوة للشرطي حتى لا يوقع عليك هذه العقوبة، لأنك أنت المقصّر والمتعدي، إلا إذا كان الشرطيّ ظالماً، بحيث ادَّعى عليك شيئاً لم تفعله، فلا حرج في هذه الحالة إذا لم تستطع التخلص من ظلمه إلا بدفع رشوة له أو لغيره، وانظر بيان ذلك في جواب السؤال رقم (72268)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6240)
دفع الرشوة ليأخذ حقه
[السُّؤَالُ]
ـ[لي أعمال مع بعض الدوائر الحكومية، وإذا لم يأخذ الموظف رشوة فإنه يعطل أعمالي، فهل يجوز لي أن أعطيه رشوة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الرشوة من كبائر الذنوب، لما رواه أحمد (6791) وأبو داود (3580) عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي. صححه الألباني في "إرواء الغليل" (2621) .
و"الراشي" هو معطي الرشوة، و"المرتشي" هو آخذها.
فإذا استطعت إنهاء أعمالك من غير دفع للرشوة حرم عليه دفعها.
ثانياً:
إذا لم يستطع صاحب الحق أخذ حقه إلا بدفع رشوة فقد نص العلماء رحمهم الله على جواز دفعه للرشوة حينئذ ويكون التحريم على الآخذ لها لا المعطي، واستدلوا بما رواه أحمد (10739) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ أَحَدَهُمْ لَيَسْأَلُنِي الْمَسْأَلَةَ فَأُعْطِيهَا إِيَّاهُ فَيَخْرُجُ بِهَا مُتَأَبِّطُهَا، وَمَا هِيَ لَهُمْ إِلا نَارٌ، قَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَلِمَ تُعْطِيهِمْ؟ قَالَ: إِنَّهُمْ يَأْبَوْنَ إِلا أَنْ يَسْأَلُونِي، وَيَأْبَى اللَّهُ لِي الْبُخْلَ) صححه الألباني في صحيح الترغيب (844) .
فكان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي هؤلاء المال مع أنه حرام عليهم، حتى يدفع عن نفسه مذمة البخل.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " فأما إذا أهدى له هدية ليكف ظلمه عنه أو ليعطيه حقه الواجب كانت هذه الهدية حراما على الآخذ , وجاز للدافع أن يدفعها إليه , كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إني لأعطي أحدهم العطية ... الحديث) " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (4/174) .
وقال أيضا:
" قَالَ الْعُلَمَاءُ: يَجُوزُ رِشْوَةُ الْعَامِلِ لِدَفْعِ الظُّلْمِ لا لِمَنْعِ الْحَقِّ، وَإِرْشَاؤُهُ حَرَامٌ فِيهِمَا (يعني: أخذه للرشوة حرام) . . .
وَمِنْ ذَلِكَ: لَوْ أَعْطَى الرَّجُلُ شَاعِرًا أَوْ غَيْرَ شَاعِرٍ ; لِئَلا يَكْذِبَ عَلَيْهِ بِهَجْوٍ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ لِئَلا يَقُولَ فِي عِرْضِهِ مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ كَانَ بَذْلُهُ لِذَلِكَ جَائِزًا وَكَانَ مَا أَخَذَهُ ذَلِكَ لِئَلا يَظْلِمَهُ حَرَامًا عَلَيْهِ ; لأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ تَرْكُ ظُلْمِهِ. . .
فَكُلُّ مَنْ أَخَذَ الْمَالَ لِئَلا يَكْذِبَ عَلَى النَّاسِ أَوْ لِئَلا يَظْلِمَهُمْ كَانَ ذَلِكَ خَبِيثًا سُحْتًا ; لأَنَّ الظُّلْمَ وَالْكَذِبَ حَرَامٌ عَلَيْهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتْرُكَهُ بِلا عِوَضٍ يَأْخُذُهُ مِنْ الْمَظْلُومِ فَإِذَا لَمْ يَتْرُكْهُ إلا بِالْعِوَضِ كَانَ سُحْتًا " انتهى باختصار.
"مجموع الفتاوى" (29/252) .
وقال أيضا: (31/278) :
" قَالَ الْعُلَمَاءُ: إنَّ مَنْ أَهْدَى هَدِيَّةً لِوَلِيِّ أَمْرٍ لِيَفْعَلَ مَعَهُ مَا لا يَجُوزُ كَانَ حَرَامًا عَلَى الْمَهْدِيِّ وَالْمُهْدَى إلَيْهِ. وَهَذِهِ مِنْ الرَّشْوَةِ الَّتِي قَالَ فِيهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (لَعَنَ اللَّهُ الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي) .
فَأَمَّا إذَا أَهْدَى لَهُ هَدِيَّةً لِيَكُفَّ ظُلْمَهُ عَنْهُ أَوْ لِيُعْطِيَهُ حَقَّهُ الْوَاجِبَ: كَانَتْ هَذِهِ الْهَدِيَّةُ حَرَامًا عَلَى الآخِذِ وَجَازَ لِلدَّافِعِ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَيْهِ كَمَا، كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (إنِّي لأُعْطِي أَحَدَهُمْ الْعَطِيَّةَ فَيَخْرُجُ بِهَا يَتَأَبَّطُهَا نَارًا. قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلِمَ تُعْطِيهِمْ، قَالَ: يَأْبَوْنَ إلا أَنْ يَسْأَلُونِي، وَيَأْبَى اللَّهُ لِي الْبُخْلَ) .
وَمِثْلُ ذَلِكَ: إعْطَاءُ مَنْ كَانَ ظَالِمًا لِلنَّاسِ، فَإِعْطَاءُه جَائِزٌ لِلْمُعْطِي، حَرَامٌ عَلَيْهِ أَخْذُهُ.
وَأَمَّا الْهَدِيَّةُ فِي الشَّفَاعَةِ: مِثْلُ أَنْ يَشْفَعَ لِرَجُلِ عِنْدَ وَلِيِّ أَمْرٍ لِيَرْفَعَ عَنْهُ مَظْلِمَةً أَوْ يُوَصِّلَ إلَيْهِ حَقَّهُ أَوْ يُوَلِّيَهُ وِلَايَةً يَسْتَحِقُّهَا أَوْ يَسْتَخْدِمُهُ فِي الْجُنْدِ الْمُقَاتِلَةِ - وَهُوَ مُسْتَحِقٌّ لِذَلِكَ - أَوْ يُعْطِيَهُ مِنْ الْمَالِ الْمَوْقُوفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ الْفُقَهَاءِ أَوْ الْقُرَّاءِ أَوْ النُّسَّاكِ أَوْ غَيْرِهِمْ - وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ. وَنَحْوَ هَذِهِ الشَّفَاعَةِ الَّتِي فِيهَا إعَانَةٌ عَلَى فِعْلٍ وَاجِبٍ أَوْ تَرْكُ مُحَرَّمٍ: فَهَذِهِ أَيْضًا لا يَجُوزُ فِيهَا قَبُولُ الْهَدِيَّةِ وَيَجُوزُ لِلْمهْدِي أَنْ يَبْذُلَ فِي ذَلِكَ مَا يَتَوَصَّلُ بِهِ إلَى أَخْذِ حَقِّهِ أَوْ دَفْعِ الظُّلْمِ عَنْهُ. هَذَا هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ السَّلَفِ وَالأَئِمَّةِ الأَكَابِرِ " انتهى بتصرف يسير.
وقال تقي الدين السبكي رحمه الله: " والمراد بالرشوة التي ذكرناها ما يعطى لدفع حق أو لتحصيل باطل، وإن أطيت للتوصل إلى الحكم بحق فالتحريم على من يأخذها , وأما من يعطيها فإن لم يقدر على الوصول إلى حقه إلا بذلك جاز، وإن قدر إلى الوصول إليه بدونه لم يجز " "فتاوى السبكي" (1/204) .
وقال السيوطي في "الأشباه والنظائر" (ص 150) :
" القاعدة السابعة والعشرون: (ما حرم أخذه حرم إعطاؤه) كالربا، ومهر البغي , وحلوان الكاهن والرشوة , وأجرة النائحة والزامر.
ويستثنى صور: منها: الرشوة للحاكم , ليصل إلى حقه , وفك الأسير، وإعطاء شيء لمن يخاف هجوه " انتهى.
و"حلوان الكاهن": ما يأخذه الكاهن مقابل كهانته.
وقال الحموي (حنفي) في "غمز عيون البصائر":
" القاعدة الرابعة عشرة: (ما حرم أخذه حرم إعطاؤه) كالربا، ومهر البغي، وحلوان الكاهن، والرشوة، وأجرة النائحة والزامر , إلا في مسائل:
1- الرشوة لخوفٍ على ماله أو نفسه.
وهذا في جانب الدافع أما في جانب المدفوع له فحرام " انتهى بتصرف.
وجاء في "الموسوعة الفقهية":
" وفي "الأشباه" لابن نجيم (حنفي) , ومثله في "المنثور" للزركشي (شافعي) : ما حرم أخذه حرم إعطاؤه , كالربا ومهر البغي وحلوان الكاهن والرشوة للحاكم إذا بذلها ليحكم له بغير الحق , إلا في مسائل: في الرشوة لخوفٍ على نفسه أو ماله أو لفك أسير أو لمن يخاف هجوه " انتهى.
وقال الأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي: " إذا تعينت الرشوة دون غيرها سبيلاً للوصول إلى الغرض جاز الدفع للضرورة، ويحرم على الآخذ " انتهى.
والخلاصة: أنه يجوز لك دفع الرشوة ويكون التحريم على الموظف الذي يأخذها، لكن بشرطين:
1- أن تدفعها لتأخذ حقك أو لتدفع بها الظلم عن نفسك، أما إذا كنت تدفعها لتأخذ ما لا تستحق فهي حرام، ومن كبائر الذنوب.
2- ألا يكون هناك وسيلة أخرى لأخذ حقك أو دفع الظلم عنك إلا بهذه الرشوة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6241)
هل يعطي للموظف مالاً لينهي معاملته؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا موظف في شركة خاصة، وعملي هو تدوير المعاملات الخاصة بهذه الشركة، الموظفون في بلدنا حين تأتيهم المعاملة يقولون ارجع غداً وبعد غد، ولا يحتاج الأمر لأكثر من توقيعهم، فألجأ لإعطائهم شيئاً من المال ليقوموا بتوقيعها فوراً، وإلا سوف تتأخر كل معاملة أسبوعاً أو أكثر، وهذا يضر بمصالح شركتي التي أعمل فيها، علماً أن معاملاتي كلها ضمن النظام ولا مخالفة فيها، سألت عن ذلك فقيل لي: هذا ليس برشوة؛ لأنك تأخذ ما هو حق لك وتدفع عن نفسك الظلم، ولا تبطل حقّاً ولا تحق باطلاً، فما رأيكم؟ مع العلم أنني سأطرد من الشركة في حال رفضت الدفع لهؤلاء وتعطلت مصالح الشركة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب على الموظفين أن يتقوا الله تعالى في وظائفهم، وأن يؤدوها على الوجه المطلوب منهم دون تأخير أو تقصير، ولا يحل لهم قبول الهدايا من المراجعين ومن أصحاب المعاملات، وحرام عليهم تأخير المعاملات وعدم إنجازها إلا مقابل مالٍ يأخذونه، وليعلموا أن هذا المال سحت يأكلونه ويطعمونه أولادهم، وهي الرشوة التي لعن النبي صلى الله عليه وسلم آخذها.
فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: (لعن النبي صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي) . رواه الترمذي (1337) وصححه، وأبو داود (3580) وابن ماجه (2313) وصححه الألباني في سنن أبو داود.
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
"لا يحل لأحد موظف في دائرة من دوائر الحكومة أن يقبل الهدية في معاملة تتعلق بهذه الدائرة، ولأننا لو فتحنا هذا الباب وقلنا: يجوز للموظف قبول هذه الهدية لكنا قد فتحنا باب الرشوة، والرشوة خطيرة جدّاً، وهي من كبائر الذنوب، فالواجب على الموظفين إذا أُهدي لهم هدية فيما يتعلق بعملهم أن يردوا هذه الهدية، ولا يحل لهم أن يقبلوها، سواء جاءتهم باسم هدية، أو باسم الصدقة، أو باسم الزكاة، ولا سيما إذا كانوا أغنياء، فإن الزكاة لا تحل لهم كما هو معلوم" انتهى.
" فتاوى ابن عثيمين " (18 / 359، 360) .
وكما يحرم على الموظف قبول الرشوة وأخذها فإنه حرام - كذلك – على دافعها إلا أن يكون مضطراً بسبب حصول تأخير أو تعطيل في معاملته يؤدي إلى خسارة أو ضرر، ويكون الإثم على الآخذ دون الدافع، بشرط أن يكون صاحب المعاملة إنما يتوصل بذلك إلى حقه.
قال ابن الأثير رحمه الله:
"فأمّا ما يُعطى توصلاً إلى أخذ حق أو دفع ظلم فغير داخل فيه [أي في تحريم الرشوة] " انتهى.
" النهاية " (2 / 226) .
وقال الخطابي رحمه الله:
"إذا أَعطى ليتوصل به إلى حقه أو يدفع عن نفسه ظلماً فإنه غير داخل في هذا الوعيد " انتهى.
" معالم السنن " (5 / 207) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"ويجوز للمُهدي أن يبذل في ذلك ما يتوصل به إلى أخذ حقه أو دفع الظلم عنه، هذا هو المنقول عن السلف والأئمة الكبار" انتهى.
" مجموع الفتاوى " (31 / 287) .
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (72268) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6242)
الموظف إذا أعطاه المراجعون مالا بدون طلب منه فهل له أخذه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[صديقي شاب ملتزم ابتلي بالعمل في وزارة المالية، وهو في موقعه أثناء القيام بعمله يأتيه المراجعون وهو يعاجل خدمتهم وتيسير أمورهم، فإذا بهم يصرون ويلحون بشدة على إعطائه شيئاً من المال، وهو يرفض بشدة، والمراجع يصر حتى ينتبه الناس، والمراجع يقول: هذا مني عن طيب نفس، وأحياناً يلقون المال أمامه ويخرجون، وقد يشتد الأمر إلى الشجار بينهم، فماذا يفعل؟ هل يجوز له أخذ المال حلالاً طيباً أم أنه حرام عليه؟ وماذا يفعل بهذا المال؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للموظف أن يأخذ ما يهدى إليه من أجل العمل، لأن ذلك من الرشوة المحرمة، ولو لم يقصد هو ذلك؛ فإن المعطي – في الغالب – لا يعطيه إلا لأجل أن يسهل له الأمر أو يخصه بحسن معاملة في المرات القادمة.
وأما ما يهدى إلى الموظف لأجل قرابة أو صداقة، لا لأجل عمله، فهذا لا حرج فيه، وينبغي له قبوله، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، فإنه كان (يَقْبَلُ الهَدِيَّةَ وَيُثِيبُ عَلَيْهَا) . رواه البخاري (2585) ومعنى (يثيب عليها) : أي يجازي المهدي ويعطيه بدل هديته.
والفارق بين الهدية المحرمة، والهدية الجائزة: أن ما كان لأجل عمل الإنسان ووظيفته، فهو محرم، فينظر الإنسان في حاله، لو لم يكن في هذا العمل، هل كان سيُهدى إليه أم لا؟ وهذا ما بينه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (فَهَلا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَيَنْظُرُ أَيُهْدَى لَهُ أَمْ لا) فقد روى البخاري (7174) ومسلم (1832) عن أبي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ رضي الله عنه قَالَ: اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنْ بَنِي أَسْدٍ عَلَى صَدَقَةٍ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي. فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: (مَا بَالُ الْعَامِلِ نَبْعَثُهُ فَيَأْتِي يَقُولُ هَذَا لَكَ وَهَذَا لِي، فَهَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَيَنْظُرُ أَيُهْدَى لَهُ أَمْ لا؟! وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لا يَأْتِي بِشَيْءٍ إِلا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ، إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَتَيْ إِبْطَيْهِ: أَلا هَلْ بَلَّغْتُ ثَلاثًا) .
والرغاء: صوت البعير، والخُوار: صوت البقرة، واليُعار: صوت الشاة.
عُفْرَتَيْ إِبْطَيْهِ: أي بياض إبطيه.
فهذا الحديث الشريف يدل على تحريم ما يهدى للعمال، لأجل عملهم، وأن العامل يأتي يوم القيامة وهو يحمل ما أَخذ منها، ولو كان بعيرا أو بقرة أو شاة، عياذا بالله من ذلك.
وقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (23/548) ما نصه: " ما حكم الشرع فيمن أُعطي له مال وهو في عمله بدون طلب منه أو احتيال لأخذ ذلك المال، مثال ذلك: العمدة أو شيخ الحارة (الحي) يأتيه الناس ليعطيهم شهادات؛ لأنهم من سكان حارته، ويعطونه فلوسا على ذلك ... فهل يجوز أخذ هذا، وهل يعتبر هذا المال حلالا، وهل يُستدل على جواز ذلك بحديث سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عبد الله بن عمر، عن عمر رضي الله عنهم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيني العطاء فأقول: أعطه من هو أفقر إليه مني، فقال: (خذه، إذا جاءك من هذا المال شيء وأنت غير مُشْرفٍ ولا سائل فخذه فتموله، فإن شئت تصدق به، وما لا فلا تتبعه نفسك) قال سالم: فكان عبد الله لا يسأل أحدا شيئا ولا يرد شيئا أعطيه) متفق عليه.
الجواب: إذا كان الواقع ما ذكر فما يدفع لهذا العمدة حرام؛ لأنه رشوة. ولا صلة لحديث ابن عمر رضي الله عنهما بهذا الموضوع؛ لأنه في حق من أُعطي شيئا من بيت مال المسلمين من والي المسلمين دون سؤال أو استشراف نفس " انتهى.
والحاصل أن على صديقك أن يرفض أخذ هذه الأموال مهما ألح أصحابها في بذلها، وينبغي أن يفهمهم أن هذا لا يجوز له؛ وفي هذا تطييب لخاطرهم، وإشاعة لهذا الأمر الشرعي الذي جهله كثير من الناس.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6243)
هل يعطي مالا للشرطي ليعفيه من مخالفة المرور؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لدى سيارة أجرة وخالفني المرور لاختراقي الإشارة الحمراء من غير قصد، علما بأن هذه المخالفة إذا كانت متعمدة قيمتها 500 دينار، والغير متعمدة 150 دينارا تقريبا؟ السؤال هو: أن رجل المرور طلب منى أن أحضر له عشاء له مقابل أن يعطيني أوراق السيارة؟ فهل هذه رشوة أم مساعدة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التقيد بإشارات المرور واجب؛ لأنها وضعت للمصلحة العامة، من تنظيم السير، وحفظ النفوس والأموال، ولو سار الناس في الطرقات متجاوزين هذه الإشارات، لحصل لهم فساد كبير، كما هو مشاهد ومعلوم.
وقد أفتى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله بأنه لا يجوز قطع إشارة المرور، وجعل ذلك من طاعة ولي الأمر الذي تجب طاعته؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) النساء/178. "لقاءات الباب المفتوح" (3/178) سؤال رقم 1265.
وأما إلزام المخالف بغرامةٍ مقدرةٍ، فإنه من التعزير بالمال، وهو جائز عند كثير من العلماء، كأبي يوسف صاحب أبي حنيفة، وهو قول قديم للشافعي، وبه قال بعض المالكية، واختاره ابن تيمية وابن القيم، رحم الله الجميع.
قال ابن القيم: " وأما التعزير بالعقوبات المالية، فمشروع أيضا في مواضع مخصوصة في مذهب مالك وأحمد وأحد قولي الشافعي. وقد جاءت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه بذلك في مواضع: منها: أمره صلى الله عليه وسلم بكسر دنان الخمر وشق ظروفها. ومثل أمره لعبد الله بن عمر بأن يحرق الثوبين المعصفرين. ومثل أمره صلى الله عليه وسلم - يوم خيبر - بكسر القدور التي طبخ فيها لحم الحمر الإنسية، ثم استأذنوه في غسلها فأذن لهم. فدل على جواز الأمرين؛ لأن العقوبة لم تكن واجبة بالكسر. ومثل هدمه مسجد الضرار. ومثل تحريق متاع الغال (وهو الذي سرق من الغنيمة قبل قسمتها) . ومثل أخذه شطر مال مانع الزكاة، عزمةً من عزمات الرب تبارك وتعالى. ومثل أمره لابس خاتم الذهب بطرحه، فطرحه، فلم يعرض له أحد. ومثل قطع نخيل اليهود إغاظة لهم. ومثل تحريق عمر وعلي رضي الله عنهما المكان الذي يباع في الخمر. ومثل تحريق عمر قصر سعد بن أبي وقاص لما احتجب فيه عن الرعيّة. وهذه قضايا صحيحة معروفة، وليس يسهل دعوى نسخها. ومن قال: إن العقوبات المالية منسوخة، وأطلق ذلك، فقد غلط على مذاهب الأئمة نقلا واستدلالا، فأكثر هذه المسائل سائغ في مذهب أحمد وغيره، وكثير منها سائغ عند مالك. وفعلُ الخلفاء الراشدين وأكابر الصحابة لها بعد موته صلى الله عليه وسلم مبطل أيضا لدعوى نسخها، والمدعون للنسخ ليس معهم كتاب ولا سنة ولا إجماع يصحح دعواهم " انتهى باختصار من "الطرق الحكمية" ص 224.
فعلى القول بجواز التعزير بالمال، لا يجوز التهرب من دفع هذه الغرامة، ويكون العشاء المقدم للشرطي رشوة محرمة، لأنه يدفعها للشرطي ليسقط عن نفسه حقاً واجباً عليه.
وإنما الرشوة الجائزة: التي يضطر الإنسان لبذلها ليدفع عن نفسه ظلماً، لا يستطيع دفعه إلا بذلك.
وينظر جواب السؤال رقم (25758) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6244)
التغاضي عن الوزن في شركات الطيران وأخذ الدعايات
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل مسئولا في شركة طيران وأتغاضى عن الوزن الزائد لبعض الركاب لترغيبهم في السفر على هذه الخطوط لمصلحة الشركة لكي ينجذبوا للسفر عليها، فإذا زاد عن عشرين كيلو لا آخذ مقابلا لترغيبهم أن يكون زبائن للشركة وتأتيه دعايات من شركات أخرى؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما تتغاضى عنه من الوزن الزائد إن كان بعلم الشركة وإذنها وكانت تعتبره وسيلة لجذب الركاب فلا بأس بذلك، وإن كان اجتهادا شخصيا منك وتصرفا فرديا دون علمهم وإذنهم فلا تفعله لأنه ليس لك التغاضي عن حق غيرك. (قُرئ هذا الجواب على الشيخ محمد العثيمين فأقرّه)
وأما الدعايات الزهيدة كالمفكرات والتقاويم البسيطة ومساند الأكواب على الطاولات ونحوه من الأشياء اليسيرة التي توزعها الشركات دعاية لها عليها شعارها أو اسمها تعطى لك ولغيرك ولا تختص أنت بها بل توزع على الجميع يمكن أن تأخذها.
وأما إذا كنت مخصوصا بها أو كانت ذات قيمة فلا تأخذها إذا أعطوك إياها لأنها نوع من الرشوة وأنت لك راتب من الشركة تأخذه أجرة مقابل عملك وتعبك فلا تأخذ من غيرهم على عملك وكذلك ما كان بمعنى الهدية القيمة كالتخفيضات لا تقبلها واشتر ممن لا يعرفك، والضابط في هذا: أن تنظر لو كنت في غير هذا المكان الذي أنت فيه ولم تكن مسئولا في شركة الطيران أو كنت طالبا مثلا، أو كنت دون عمل، هل كانوا سيعطونك الهدية والتخفيض أم لا. وبناء عليه تعرف حكم أخذك لما تعطى. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
(5/6245)
الفرق بين الهدية والرشوة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أصدر طلبات شراء لمعهدنا، قرار الشراء تتخذه لجنة المشتريات كتحديد أي نوع والسعر وممن نشتري، عملي فقط هو طباعة طلب الشراء وإرساله إلى الشركة التي سنشتري منها. إذا أُعطيت هدايا مثل تقويم أو مفكرة أو قمصان فهل يجوز لي أن أقبل هذه الهدايا؟ أرجو التوضيح بالتفصيل ما الفرق بين الهدية والرشوة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا السؤال التالي على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين:
بعض الشركات توزع على موظفين في شركات أخرى لها علاقة بها دعايات، وبعض هذه الدعايات قد تكون لها قيمة كبيرة كساعة وقد تكون لبعضها قيمة بسيطة كقلم عادي ومفكرات وتقويمات للوقت أو قمصان عليها شعار الشركة فما حكم أخذ هذه الأشياء؟
لنفترض مثلا أن شركة تقوم بتسويق منتج معين كخشب أو غيره، فيذهبون إلى شركات المقاولات التي تشتري الأخشاب ويوزعون على موظفيها دعايات لشركة الخشب، بحيث يكون لشركة الخشب هذه سمعة وحضور في ذهن موظفي شركات المقاولات، وهذه الهدايا تتفاوت في القيمة، فهل يجوز لموظفي شركات المقاولات أخذ هذه الهدايا؟
فأجاب حفظه الله:
أنا أخشى أن يكون في هذا تلاعب في الأسواق أو خيانة من الذين أخذوا الجوائز، وأرى المنع من هذا.
سؤال: هل يمكن أن يقال إذا كانت هذه الهدايا توزعها الشركة دعايات لعامة الناس كالتقويمات مثلا -المطبوعة للأوقات - فإنهم يمكن أن يأخذوا، وإذا خصوهم بها أو كان لها قيمة فلا يأخذوها؟
الشيخ: هذا هو الذي نفتي به، لكن يخشى من التلاعب في الأسواق، يعني لو كانت - مثلا - شركة عاملة لك وأعطتك هدية كما تعطي سائر الناس فهذا لا بأس به لأنه ليس به ضرر على أحد، لكن إذا كان هذا الذي يُهدى إليه يذهب يتلقف الزبائن ويضيق على الآخرين فهذا يجب أن يمنع. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
(5/6246)
هل يجوز إعطاء العامل في المطعم زيادة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم إعطاء عامل المطعم زيادة علماً أن بعض الفواتير بها بقشيش؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سألت الشيخ عبد الرحمن البراك السؤال التالي فأجاب حفظه الله:
لا يجوز إعطاء العامل هذه الزيادة لأنها تعتبر رشوة منك للعامل حتى يعطيك من الخدمة أو الطعام أكثر مما يعطي غيرك ممن لا يدفع له هذه الزيادة , وليس للعامل أن يخص أحداً بمزيد خدمة، وعليه أن يعامل الناس معاملة واحدة.
لكن.. إذا انتفت من هذه الزيادة شبهة الرشوة أو المحاباة فإنه لا حرج فيها حينئذ.
كما لو قصدت بها الإحسان إلى هذا العامل الضعيف المحتاج وأنت لن تتردد على هذا المطعم.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
قاله الشيخ عبد الرحمن البراك بمعناه.
(5/6247)
صاحب مختبر تحليل يريد أن يعطي الأطباء نسبة ليرسلوا مرضاهم إليه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لصاحب مختبر تحاليل طبية أن يتفق مع الأطباء على أن يحولوا مرضاهم إليه على أن يكون لهم نسبة على هذه التحاليل؟
مع العلم أن هذه النسبة لن يتحملها المريض، بل سيكون ثمن التحليل هو نفس ثمنه في المختبرات الأخرى.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز لصاحب المختبر أن يعطي الطبيب الذي يحيل عليه المرضى للتحليل نسبة من المال لأن ذلك يعد من الرشوة المحرمة.
وبالله التوفيق
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء (23 / 566) .
(5/6248)
شركة أدوية تقدم رشوة للأطباء خوفاً من كساد منتجاتها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا صيدلي أعمل بإحدى شركات الأدوية كمندوب دعاية لأدوية تلك الشركة وحيث إننا نقوم بإهداء الأطباء بالمستشفيات والمستوصفات الخاصة والعامة هدايا مثل قلم أو ساعة مكتوب عليها اسم المنتج أو اسم الشركة الموزعة وذلك حتى يقوم الطبيب بوصف هذا الدواء أو الأدوية التي نقوم بتوريدها للمرضى علما بأن معظم الشركات المنافسة تقوم بذلك وبكثرة، حيث نجد أنفسنا مضطرين وإلا تعرضت المنتجات للكساد. وبهذا يكون المريض ضحية التنافس. فما حكم مثل هذا العمل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا العمل لا يجوز، ويعتبر رشوة محرمة لأنه يحمل الموظف على أن يحيف مع الشركة التي تهدي إليه ويترك الشركات الأخرى، وهذا فيه أكل للمال بالباطل، وفيه إضرار بالآخرين، فالواجب تجنبه والتحذير منه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الراشي والمرتشي.
نسأل الله العافية والسلامة. وبالله التوفيق.
من فتاوى اللجنة الدائمة (23/576) .
وهناك مفسدة أخرى أشار إليها السائل، وهي:
أن هذا التصرف قد يضر بالمريض، فقد يقدم الطبيب على كتابة هذا الدواء للمريض طمعاً في الهدية من الشركات المنتجة مع أن غيره قد يكون أنفع للمريض.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6249)
هل يأخذ مساعدة من الدولة بعد دفع رشوة للموظف المختص؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب من أسرة ضعيفة الحال وقد عرض علي في الآونة الأخيرة مبلغ مالي من جهة ضمانية في الدولة مع العلم أن هذه الدولة التي أنا أحد مواطنيها هي دولة ليست عادلة في توزيع الدخل على مواطنيها وقال لي الموظف المختص إنه يرغب في الحصول على جزء من هذا المبلغ، وأنبه على حضرتكم أن هذا المبلغ يمثل حلا وحلا جذريا لمشاكلي المالية والمادية من ديون ومستحقات والتزامات عديدة أفيدونا أفادكم الله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كانت الشروط التي وضعتها هذه الجهة الضمانية منطبقة عليك، وكان وصولك إلى هذا الحق لا يتم إلا بدفع مال إلى الموظف المختص، فلا حرج عليك في ذلك، ويكون الإثم على الموظف الذي أخذ ما لا يستحق.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (فأما إذا أهدى له هدية ليكف ظلمه عنه أو ليعطيه حقه الواجب كانت هذه الهدية حراما على الآخذ , وجاز للدافع أن يدفعها إليه , كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " إني لأعطي أحدهم العطية فيخرج بها يتأبطها نارا. قيل: يا رسول الله , فلم تعطيهم؟ قال: يأبوني إلا أن يسألوني ويأبى الله لي البخل ") انتهى من الفتاوى الكبرى 4/174
وقال تقي الدين السبكي رحمه الله: (والمراد بالرشوة التي ذكرناها ما يعطى لدفع حق أو لتحصيل باطل وإن أعطيت للتوصل إلى الحكم بحق فالتحريم على من يأخذها كذلك , وأما من يعطها فإن لم يقدر على الوصول إلى حقه إلا بذلك جاز، وإن قدر إلى الوصول إليه بدونه لم يجز. وهكذا حكم ما يعطى على الولايات والمناصب يحرم على الآخذ مطلقا ويفصل في الدافع على ما بينا) فتاوى السبكي 1/204
ويجب التنبه إلى أنه لا يجوز أخذ المال من هذه الجهة الضمانية ولا غيرها إذا كان قرضاً ربوياً مهما قلت الفوائد المضافة إليه.
راجع السؤال رقم (9054)
نسأل الله أن يرزقك من فضله، وأن يغنيك بحلاله عن حرامه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6250)
لا يجوز للطبيب أن يقبل هدية من شركات الأدوية
[السُّؤَالُ]
ـ[نظرا للتنافس الشديد بين شركات الأدوية المختلفة يأتي ممثلها ويوزع بعض الهدايا على الأطباء مثل قلم مكتوب عليه اسم المنتج أو ساعة أو مسجل.. إلخ مقابل أن يكتب الطبيب هذا الدواء للمريض، مع العلم أن هناك بنداًً في الشركة مخصص للدعاية. وأحيانا تعد الشركة الطبيب بهدية معينة مقابل كتابته لكمية محددة.
وأحياناً أخرى تعد الشركة الطبيب بهدية مقابل كتابته الدواء دون تحديد كمية. وأحيانا تكون الماد الفعالة واحدة -أي: لها جميعا نفس التأثير - ولكن تنتج الدواء عدة شركات بأسماء تجارية مختلفة، فيكتب الطبيب دواء المندوب الذي يزوره بصفة دورية ويحضر له الهدايا. فهل الدعاية بهذه الصورة حلال أم حرام، وما حكم هذه الهدية للطبيب؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للطبيب أن يقبل الهدايا من شركات الأدوية، لأن ذلك رشوة محرمة، ولو سميت بهدية، أو غير ذلك من الأسماء، لأن الأسماء لا تغير الحقائق، ولأن هذه الهدايا تحمله على الحيف مع الشركة التي تهدي إليه دون غيرها، وذلك يضر بالشركات الأخرى.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى اللجنة الدائمة (23 / 570) .
(5/6251)
التفصيل في حكم " عقود الصيانة " ومتى يكون لها حكم " التأمين التجاري "
[السُّؤَالُ]
ـ[بعدما سمعت أن بعض المشايخ أجازوا " التأمين التجاري " بحكم أنه يشبه حماية القوافل في الماضي: خطر في بالي هذا التساؤل: ما الفرق بين التأمين التجاري، وعقود الصيانة العامة؟ وأعني بعقود الصيانة: هي أنني صاحب منشأة حكومية - كوزارة التجارة مثلاً - أكتب عقداً مع شركةٍ ما للصيانة، أدفع لها سنويّاً مبلغاً وقدره مليون ريال – مثلاً -، ومقابل هذا المبلغ: أتكفل بصيانة الكهرباء، والسباكة، من ناحية أجور اليد فقط - وقد يكون حساب القطع عليهم، أو على شركة الصيانة -، طبعاً وقلْ مثل ذلك في صيانة أجهزة الحاسب الآلي للشركات الكبرى، أو البنوك، وقل مثله في عقود صيانة البرامج المحاسبية – مثلاً - ... إلخ. أرجو أن تكون الصورة وضحت. إذا كان هذا العقد جائزاً: فما الفرق بينه وبين عقد التأمين التجاري؟ شركة التأمين تأخذ مني مبلغًا مقابل أن تصلح لي سيارتي، وشركة الصيانة تأخذ من الوزارة مبلغًا مقابل إصلاح ما فسد في السباكة، والكهرباء. شركة التأمين لديها التزامات مالية - تكاليف قانونية، استئجار معارض، موظفون، معدات، وأجهزة ... إلخ -، وشركة الصيانة لديها التزامات مالية - تكاليف قانونية، موظفون، معدات، وأجهزة ... إلخ -. فما الفرق بينهما؟ هذا ما دار في نفسي من تساؤل. 1. هل هناك فرق دقيق بينهما لم أنتبه إليه يجيز عمل شركة الصيانة، ويحرم عمل شركة التأمين؟ . 2. إذا كان عمل شركة الصيانة حراماً: فمعناه أن كل مال تساهم به في هذه الشركة هو مال حرام، هل هذا صحيح؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"عقود الصيانة" من العقود المستحدثة، ولها عدة صور، ولهذا لا يصح أن تعطى حكماً واحداً، بل منها ما هو جائز، ومنها ما هو محرم.
ويمكننا جمع أشهر صور تلك العقود مع بيان أحكامها فيما يلي:
1. أن تتكفل الشركة البائعة للجهاز بالصيانة الدورية، أو بالصيانة في حال حدوث خلل فيه، وقد تكون الصيانة مجرد إصلاح، وقد تكون مع وضع قطع بديلة لما يتلف منها.
وحكم هذه الصور: الجواز، ويجوز للشركة البائعة أن ترفع سعر بيع الجهاز مقابل تلك الخدمة.
2. أن تتكفل "شركة صيانة" – وليست الشركة البائعة - بالفحص الدوري على الجهاز – أسبوعيّاً، أو شهريّاً – مقابل مبلغ معيَّن، ويُعرف في العقد عدد الأجهزة المراد فحصها وصيانتها، وتعرف نوعية الصيانة، ويكون العقد لمدة محدودة.
وحكم هذا العقد: الجواز، وهو في حقيقته عقد إجارة، ويشترط لجوازه – بالإضافة لما سبق – أن لا يشتمل عقد الفحص والصيانة على توفير قطع غيار لما يتلف من قطع الجهاز، بل تكون هذه القطع على صاحب الجهاز.
إلا إذا كانت المواد المستعملة في الصيانة يسيرة لا يُحسب لها حساب في العادة، أو كانت معروفة أنها من لوازم الصيانة: لم يكن ذلك بمانع من القول بجواز هذا العقد.
3. أن يشتمل عقد الصيانة مع الفحص الدوري على استبدال القطع التالفة بأخرى جديدة.
وحكم هذا العقد: التحريم؛ لأنه يشتمل على الغرر الفاحش، وهو عقد مقامرة، فقد يكون ثمن القطع الجديدة أضعاف قيمة عقد الصيانة، وقد لا تحتاج الأجهزة لتبديل قطع شيء منها، وصاحب الجهاز في هذه الحال إما أن يكون " غانماً "، أو " غارماً "، وهذا هو ضابط عقود المقامرة، فيغنم صاحب الجهاز في حال حصوله على قطع غيار بأكثر مما دفعه لشركة الصيانة، وقد يغرم بأن لا تحتاج أجهزته لقطع غيار، فيضيع عليه ما دفعه لهم.
وهذه الصورة من عقود الصيانة تشبه عقود التأمين التجاري المحرَّم.
4. أن يكون عقد الصيانة ليس دوريّاً، ولكن على حسب حصول الخلل في الأجهزة المعقود عليها، فإذا حصل خلل فيها: تمَّ استدعاء شركة الصيانة، وإن لم يحصل خلل: لا يأتي أحد لرؤيتها.
وحكم هذا العقد: التحريم، وهو عقد مقامرة، لأن صاحب الجهاز يكون غانماً إذا كثر تعطل الجهاز، ويكون غارماً إذا قل تعطله.
وهذه الصورة – أيضاً - من عقود الصيانة تشبه عقود التأمين التجاري المحرَّم.
وهذه بعض الفتاوى المتعلقة بعقود الصيانة:
1. قرار " مجلس مجمع الفقه الإسلامي ":
ففي قرار رقم: 103 (6/11) بشأن "عقد الصيانة" قال "المجمع":
الحمد لله رب العالمين، والسلام على سيدنا محمد، خاتم النبيين، وعلى آله، وصحبه، وسلم.
أما بعد:
فإن "مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي "المنبثق عن "منظمة المؤتمر الإسلامي" في دورة انعقاد مؤتمره الحادي عشر بالمنامة في دولة البحرين، من 25 - 30 رجب 1419 هـ (14 - 19 نوفمبر 1998) : بعد اطِّلاعه على الأبحاث المقدمة إلى "المجمع" بخصوص موضوع "عقد الصيانة"، واستماعه إلى المناقشات التي دارت حوله:
قرر ما يلي:
أولاً: عقد الصيانة هو عقد مستحدث مستقل تنطبق عليه الأحكام العامة للعقود، ويختلف تكييفه، وحكمه، باختلاف صوره، وهو في حقيقته عقد معاوضة، يترتب عليه التزام طرف بفحص وإصلاح ما تحتاجه آلة، أو أي شيء آخر، من إصلاحات دورية، أو طارئة، لمدة معلومة، في مقابل عِوض معلوم، وقد يلتزم فيه الصائن بالعمل وحده، أو بالعمل والمواد.
ثانياً: عقد الصيانة له صور كثيرة، منها ما تبين حكمه، وهي:
1. عقد صيانة غير مقترن بعقد آخر، يلتزم فيه الصائن بتقديم العمل فقط، أو مع تقديم مواد يسيرة لا يعتبر العاقدان لها حساباً في العادة.
هذا العقد يكيَّف على أنه عقد إجارة على عمل، وهو عقد جائز شرعاً، بشرط أن يكون العمل معلوماً، والأجر معلوماً.
2. عقد صيانة غير مقترن بعقد آخر، يلتزم فيه الصائن تقديم العمل، ويلتزم المالك بتقديم المواد.
تكييف هذه الصورة، وحكمها: كالصورة الأولى.
3. الصيانة المشروطة في عقد البيع على البائع لمدة معلومة.
هذا عقد اجتمع فيه بيع وشرط، وهو جائز، سواء أكانت الصيانة من غير تقديم المواد، أم مع تقديمها.
4. الصيانة المشروطة في عقد الإجارة على المؤجر، أو المستأجر.
هذا عقد اجتمع فيه إجارة وشرط، وحكم هذه الصورة: أن الصيانة إذا كانت من النوع الذي يتوقف عليه استيفاء المنفعة: فإنها تلزم مالك العين المؤجرة من غير شرط، ولا يجوز اشتراطها على المستأجر، أما الصيانة التي لا يتوقف عليها استيفاء المنفعة: فيجوز اشتراطها على أيٍّ من المؤجر، أو المستأجر، إذا عُيِّنت تعيُّناً نافياً للجهالة.
وهناك صور أخرى يرى " المجمع " إرجاءها لمزيد من البحث، والدراسة.
ثالثاً: يشترط في جميع الصور: أن تعيَّن الصيانة تعييناً نافياً للجهالة المؤدية إلى النزاع، وكذلك تبيين المواد إذا كانت على الصائن، كما يشترط تحديد الأجرة في جميع الحالات.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، وسلم.
"مجلة المجمع" (العدد الحادي عشر ج 2، ص 279) .
2. سئل الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله:
صاحب شركة صيانة سيارات يسأل عن عقد الضمان وصورته: أن يتعاقد صاحب شركة الصيانة مع صاحب معرض سيارات مستعملة، أو ما يسمَّى بصالات السيارات المستعملة، وخاصة المستوردة من الخارج، فيقوم صاحب الشركة بفحص السيارة، ويعطي شهادة ضمان على السيارة السليمة مدة محددة على حسب صلاحية السيارة، على أن يدفع صاحب المعرض - أو الصالة - مبلغاً مقطوعاً مرة واحدة، ويتكفل صاحب الشركة بضمان السيارة تلك المدة المحددة بحيث لو حصل للسيارة عطل: فإن مشتري السيارة من المعرض يرجع على صاحب الشركة الضامنة، فتقوم بإصلاح السيارة بدون دفع مال، بشرط أن لا يقوم المشتري عند حصول عطل بإصلاح السيارة في مكان آخر.
ويستثنى من الأعطال ما هو خارج عن الإرادة مثل حوادث السيارات.
فأجاب:
نرى أن مثل هذا لا يجوز؛ فإنه داخل في عمل " التأمين " الذي رَجَّح العلماء عدم جوازه؛ وذلك لأن صاحب المعرض - أو صاحب صالات السيارات - يدفع مبلغاً محدداً لشركة الصيانة، سواءً حصل أعطال، أو لم يحصل، فتارة لا يحصل تعطيل لهذه السيارات: فيأخذ صاحب شركة الصيانة ذلك المال من صاحب المعرض في غير مقابل، ولا يرد عليه شيئاً؛ حيث لا يحصل ما يحتاج إلى الإصلاح.
وأحيانًا قد يحصل تعطيل كثير في السيارات، ينفق عليها صاحب شركة الصيانة أموالًا طائلة أكثر مما دفعه له صاحب صالات السيارات المستعملة، فيتضرر صاحب الشركة، ثم إن هذا التعاقد، وهذا الضمان قد يسبِّب أن أكثر المشترين يتهورون، ويخاطرون في مسيرهم، فتكثر الحوادث، ويحصل أنواع التعطيل، وإذا نصحوا باستعمال الرفق يحتجون بأن السيارة مضمونة لمدةٍ محددة كسنَة، أو أكثر.
فعلى هذا نقول: إن على صاحب المعرض - أو ما يسمى بصالات السيارات المستعملة - سواءً مستوردة من الخارج، أو غير مستوردة: أن يفحص سياراته بنفسه، أو يستأجر عُمَّالًا يفحصونها، ويصلحون ما فيها من الأخطاء، ثم يبيعونها، ولا بأس أن يضمنوا للمشتري إصلاحها لمدة محددة، ولأشياء خاصة، باستثناء الحوادث المرورية، وما أشبهها.
" الفتوى رقم 816 " من موقع الشيخ رحمه الله.
http://ibn-jebreen.com/ftawa.php?view=vmasal&subid=816&parent=4193
وهذا الجواب ينطبق على الصورة الرابعة من صور عقود الصيانة.
والصورة التي ذكرها الشيخ في آخر جوابه أنها جائزة وهي عقد الصيانة من البائع نفسه، هي الصورة الأولى التي ذكرنا أنها جائزة.
3. وقال الشيخ سامي السويلم حفظه الله:
إذا كانت الشركة البائعة للأجهزة هي التي تقوم بالصيانة: فلا مانع من ذلك، ولا مانع من أن يختلف المبلغ المدفوع للصيانة تبعاً لاختلاف الخدمة ذاتها، أما أن تقوم شركات بالصيانة غير الشركات التي باعت السلعة: فلا يجوز؛ لأنه يكون صورة من صور التأمين التجاري المحرم، وبذلك يتبين حكم عقد الصيانة، فالضمان الذي تقدمه شركة الصيانة تابع للعمل الذي تقوم به، وهو عمل الصيانة الدورية، وهذه الصيانة الدورية من شأنها أن تقلل من احتمالات وقوع الخلل، ومن ثم تقلل من الحاجة للضمان ابتداء، أما إذا كان عقد الصيانة مجرد ضمان بلا عمل يدرأ الخطر: فهو تأمين تجاري بحت.
http://almoslim.net/node/54932
وبهذا يتبين أن من عقود الصيانة ما هو مباح جائز، ومنها ما يكون صورة من صور التأمين التجاري فيكون محرماً.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6252)
حكم الاشتراك في التأمين لدفع ضرائب التركة
[السُّؤَالُ]
ـ[في بعض الدول إذا مات الشخص توجب على الورثة أن يدفعوا ضرائب على ممتلكات الميت، فمثلاً إذا ترك الميّت أربعمائة ألف جنيه تأخذ الحكومة أربعين ألفاً تحت مسمى ضرائب التركة. وعليه؛ فإن التركة لا تقسم وفقاً للشريعة الإسلامية. السؤال هو: هل يجوز شراء تأمين ضرائب التركة؟ لأن هذا التأمين سيقوم بتغطية الضرائب المفروضة من الحكومة على تركة الشخص.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أن أخذ الضرائب على التركة وغيرها من ممتلكات الناس من الأمور المحرمة، ومن الظلم البين، وأكل أموال الناس بالباطل. وقد سبق بيان تحريم الضرائب في جواب السؤال رقم (39461) .
إلا أن هذا الظلم الواقع عليكم لا يبيح لكم الوقوع في الحرام الذي هو عقد التأمين المشتمل على الغرر الكثير والربا والميسر. كما سبق بيان ذلك في جواب السؤال (8889) .
وفي جواب السؤال رقم (89805) ذكرنا فتوى الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله أنه لا يجوز التعامل بالربا، من أجل دفع الضرائب من الفائدة الربوية.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6253)
طبيب يأمر بفحوصات زائدة إذا كان لدى المريض تأمين
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك طبيب بمجرد أن يعرف أن المريض لديه بطاقة تأمين فإنه يضاعف تكلفة الكشف ويقوم بوصف جميع أنواع الاختبارات، فهل يكون هذا المال حلالا أم حراما؟ كما أن التأمين الطبي إجباري في الإمارات العربية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الطبيب مطالب بالأمانة والنصح وعدم الغش في عمله، فلا يجوز له أن يصف للمرضى ما لا يحتاجونه من الدواء، أو الفحوصات، لأن ذلك من الغش المحرم، وإذا كان هذا يعود على المستشفى بالنفع المادي لكون الدواء يُشترى منها أو لكونها هي التي تجري الفحوصات والاختبارات، فما يجلبه لها من المال، مال محرم؛ لأنه أخذ بالغش والخداع.
وإذا كان الطبيب يأخذ من العمل نسبةً، مقابل هذه الكشوفات أو الفحوصات كان هذا المال حراماً عليه، لأنه اكتسبه بالغش.
ولا فرق في ذلك بين أن يكون المريض هو من يدفع المال، أو تكون شركة التأمين هي من تتولى ذلك، فإن شركة التأمين جهة يلزم الصدق معها وعدم الاحتيال عليها كما يلزم ذلك مع سائر الناس والجهات.
ومما يؤسف له أن ما ذكرته أصبح شائعا في هذه الأيام، وهو دليل على ضعف الدين، والاغترار بالحياة الدنيا وإيثارها على الآخرة، وإلا فالواجب أن يكون الطبيب صادقا أمينا مع المريض ومع جهة التأمين وغيرها، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) الأنفال/27، وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) النساء/29، وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي) رواه مسلم (101) .
وعلى المريض أن ينصح للطبيب إذا علم أنه يطلب ما لا يحتاجه من الفحوصات اعتمادا على وجود التأمين، فإن الدين النصيحة.
وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6254)
حكم العمل في إدارة التكافل التعاوني لبنك الجزيرة
[السُّؤَالُ]
ـ[تقدمت في إدارة التكافل التعاوني لبنك الجزيرة لوظيفة تسويق وبعد الاطلاع على تفاصيل الوظيفة وجدت أن بعض المشايخ يجيزها والبعض لا، فما رأيكم جزاكم الله خيراً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
التأمين التجاري محرم بجميع صوره، وقد سبق بيان ذلك، وبيان الفرق بين التأمين التجاري والتأمين التعاوني، وينظر جواب السؤال رقم (36955) .
ثانيا:
لم نقف على تفاصيل برنامج التكافل المعمول به في بنك الجزيرة، لكن أفاد الدكتور يوسف الشبيلي حفظه الله أنه تأمين تعاوني، فقد سئل عنه فأجاب: " هذا البرنامج في الحقيقة أنا طلبت من الإدارة الشرعية فيه ما يقارب السنة والنصف تقريراً عنه والوثائق الخاصة بهذا البرنامج، والحقيقة يتضمن نوعين من العقود: النوع الأول: عقد استثماري يكون الاستثمار للأموال المدخرة. والنوع الثاني: ادخاري كنوع من التأمين التكافلي. وفي الحقيقة أن التأمين أرى أنه تأمين تعاوني وليس تأميناً تجارياً، وقائم على مبدأ التكافل فيما بين حملة الوثائق، فأرى أنه جائز الدخول فيه سواء في برنامج الادخار أو في برنامج الاستثمار، لأنه حتى الاستثمار ليس فيه ضمان لرأس المال، ولا ضمان الربح، البنك يستثمر هذا المال في عقود مرابحات، بعد عدة سنوات يستعيد حامل الوثيقة أمواله التي دخل فيها، إما بربح أو خسارة، لكن كون البنك لا يدخل إلا في مرابحات فالخسارة تكاد تكون نادرة في مثل هذه الحالات" انتهى من "برنامج الجواب الكافي" بتاريخ 16 / 4 / 1430 هـ.
ثالثا:
يجوز العمل في بنك الجزيرة بشرط التقيد بقرارات اللجنة الشرعية، وينظر جواب السؤال رقم (81199)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6255)
حكم معالجة غير منتفع بالتأمين الصحي ببطاقة شخص آخر
[السُّؤَالُ]
ـ[أشتغل في شركة تخول لموظفيها الاستفادة من التأمين عن المرض عن طريق شركة تأمين خاصة، والعقد يشملنا أنا، وزوجتي، وأولادي. مرضت أخت زوجتي، وأرادت أن تنتحل اسم زوجتي لكي تتمكن من الاستفادة من هذا التأمين. هل يجوز هذا العمل؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التأمين التجاري (وهو الذي تقصد شركات التأمين من ورائه الربح) محرم بجميع صورة، سواء كان تأميناً صحياً أو تأميناً على الحياة أو الممتلكات.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (8889) و (10805) و (109250) .
وإذا التزمت الشركة التي يعمل بها الموظف بتكاليف علاجه هو وأسرته، ثم اشتركت هذه الشركة مع شركة تأمين تجاري، فلا حرج على الموظف من الانتفاع بهذا التأمين، والإثم في ذلك على من قام بالتعاقد مع شركة التأمين.
وأما علاج شخص ببطاقة شخص آخر فذلك لا يجوز لأنه يشتمل على عدة محاذير. ومنها:
1- أنه نوع من الكذب والتزوير.
2- احتمال حدوث وفاة لمتلقي العلاج، فهل سيتم استخراج شهادة وفاة باسم الشخص الآخر؟
3- الخلل في الملف الطبي للمريض؛ وذلك بإدخال أسماء أمراض في الملف الطبي للمنتفع، مما لا وجود له في الحقيقة، مما قد يترتب عليه مفاسد تشخيصية، وعلاجية في مستقبل الأيام.
4- احتمال كشف الأمر من قبل الجهات المعالِجة، مما يترتب عليه عقوبات على ذلك المزور.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
عندنا بعض المسلمين الذين يدرسون، أو الذين يعيشون في " أمريكا "، وأحوالهم المادية ضعيفة جدّاً، وأحياناً تصيبهم أمراض خطيرة، أو أمراض علاجها باهظ التكاليف، وهم لا يستطيعون تسديد هذا المبلغ للمستشفى، ولا يستطيع أحد، أو لا يريد أن يتحمل تكاليف هذا المريض، ففي هذه الحالة: هل يمكن لنا أن نساعده بأن نجعله يذهب إلى المستشفى باسمنا، يعني: كأنه الشخص الذي عنده " أنشورس "، ويتعالج به، أو نتركه هكذا بدون مساعدة؟ مثال على أن التكاليف باهظة: إذا نام شخص في المستشفى تحت الرعاية لمدة أسبوع: تأتي الفاتورة، وقيمتها أكثر من أربعة آلاف دولار.
فأجابوا:
"أولاً: التأمين الصحي من التأمين التجاري، وهو محرم.
ثانياً: إعطاء بطاقة التأمين لشخص آخر لم يسجل ليتعالج بها: فيه تزوير، وكذب، وهذا لا يجوز، ولكن يشرع لكم أن تساعدوه من أموالكم حسب المستطاع" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (15 / 298) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6256)
حكم الاشتراك في تأمين الراتب التقاعدي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الاشتراك في شركة تأمين على أساس أنني أدفع مبلغاً معيناً سنويا مثلا 7500 ريال لمدة 15 سنة , وبعد ذلك إما أن أحصل على راتب شهري ثابت من الشركة (1400 ريال شهريا) ولمدة 20 سنة ويبدأ الراتب الشهري بعد نهاية ال 15 سنة التي أقوم فيها بالدفع أو أحصل على مبلغ دفعة واحدة؟ علماً بأن ما أحصل عليه كدفعة واحدة أكبر من مجموع المبالغ التي أكون قد دفعتها خلال 15 سنة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما ذكرته صورة من صور التأمين التجاري المحرم، وهو قائم على الربا والغرر كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم (8889) .
ووجه الربا هنا: أن المعاملة عبارة عن نقود حاضرة بنقود مؤجلة مع زيادة، ففيها ربا الفضل والنسيئة معا.
وينبغي أن تعلم أنه لا وجه للحصول على ربح وزيادة ما لم يكن ذلك في عقد استثمار مشروع، ولذلك شروط أهمها: معرفة مجال الاستثمار - وكون الربح الذي تحصل عليه نسبة من الربح الإجمالي، لا مبلغا معينا – ولا يجوز أن تكون الأرباح التي تحصل عليها نسبة من رأس المال، ولا يجوز أيضاً أن يكون رأس المال مضموناً لك حتى لو خسرت الشركة.
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (114537) .
وجميع ذلك غير متوفر في مسألتك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6257)
هل له أن ينتفع بالتأمين الصحي الذي أجراه والده؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أعيش مع والدي وأنا تحت نفقتهم (طالب) . أبي مأمني (تأمين) صحيا فهل أنا آثم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التأمين التجاري محرم بجميع صوره، وذلك لما يشتمل عليه من الربا والميسر، وكلاهما حرام بنص الكتاب والسنة والإجماع، وقد بيَّنا حرمة الاشتراك الاختياري في هذا التأمين في أجوبة سابقة، وينظر جواب السؤال رقم (8889) ، ورقم (39474) .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: ما حكم الشرع في التأمين على الصحة، وذلك بأن يدفع المؤمن عليه مبلغاً شهريّاً، أو سنويّاً إلى شركة التأمين، مقابل أن تقوم الشركة بعلاج المؤمَّن عليه إذا دعت الحاجة إلى ذلك على حسابها، علماً بأنه إذا لم يكن هنالك حاجة لعلاج المؤمن عليه: فإنه لا يسترد ما دفعه من تأمين.
فأجابوا:
"إذا كان واقع التأمين الصحي كما ذكرت: لم يجز؛ لما فيه من الغرر، والمخاطرة، إذ قد يمرض المؤمِّن على صحته كثيراً، ويعالَج بأكثر مما دفع للشركة، ولا تلزمه الزيادة، وربما لا يمرض مدة شهر أو شهرين – مثلاً -، ولا يرد إليه مما دفعه للشركة، وكل ما كان كذلك: فهو نوع من المقامرة" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (15/296) .
ثانيا:
إذا كان التأمين في بلدك إجباريا، فلا إثم على والدك، والإثم على من وضع التأمين وألزم به.
ثالثا:
إذا كان التأمين اختياريا، فالواجب عليك نصح والدك وتذكيره بحرمة هذا التأمين، فإن استجاب فالحمد لله، وإن أصر، فلا حرج عليك في الاستفادة من التأمين، لأن المحرم لكسبه حرام على كاسبه فقط، وأنت إنما تأخذه من والدك بوجه مباح.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: أبي غفر الله له يعمل في بنك ربوي، فما حكم أخذنا من ماله وأكلنا وشربنا من ماله؟ غير أن لنا دخلاً آخر وهو من طريق أختي الكبيرة فهي تعمل، فهل نترك نفقة أبي ونأخذ نفقتنا من أختي الكبيرة مع أننا عائلة كبيرة، أم أنه ليس على أختي النفقة علينا فنأخذ النفقة من أبي؟
فأجاب: "أقول: خذوا النفقة من أبيكم، لكم الهناء وعليه العناء؛ لأنكم تأخذون المال من أبيكم بحق؛ إذ هو عنده مال وليس عندكم مال، فأنتم تأخذونه بحق، وإن كان عناؤه وغرمه وإثمه على أبيكم فلا يهمكم، فها هو النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قبل الهدية من اليهود، وأكل طعام اليهود، واشترى من اليهود، مع أن اليهود معروفون بالربا وأكل السحت، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام يأكل بطريق مباح، فإذا ملك بطريق مباح فلا بأس. انظر مثلاً بريرة مولاة عائشة رضي الله عنهما، تُصُدِّق بلحم عليها، فدخل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يوماً إلى بيته ووجد البُرمة -القدر- على النار، فدعا بطعام ولم يؤت بلحم، أتي بطعام ولكن ما فيه لحم، فقال: ألم أر البرمة على النار؟ قالوا: بلى يا رسول الله، ولكنه لحم تُصدق به على بريرة. والرسول عليه الصلاة والسلام لا يأكل الصدقة، فقال: (هو لها صدقة ولنا هدية) فأكله الرسول عليه الصلاة والسلام مع أنه يحرم عليه هو أن يأكل الصدقة؛ لأنه لم يقبضه على أنه صدقة بل قبضه على أنه هدية. فهؤلاء الإخوة نقول: كلوا من مال أبيكم هنيئاً مريئاً، وهو على أبيكم إثم ووبال، إلا أن يهديه الله عز وجل ويتوب، فمن تاب تاب الله عليه " انتهى من "اللقاء الشهري" (45/16) .
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (103919) ، و (103596) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6258)
الاستثمار في التأمين وفي التسويق عبر الإنترنت
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال: ما حكم خدمات التامين؟ هل من الجائز استثمار الأموال في سندات التأمين التي تكون موحدة فيما بينها على سبيل المثال (الأسواق المشتركة والعوائد التي ترتبط بشكل مباشر بتمويل السوق العادية) مع الاهتمام بالمدخرات من أجل متطلبات المستقبل؟ وما هو الحكم في المشاركة في التسويق عبر الإنترنت (وهو ما يسمي التسويق على المستوى العالمي أو التسويق المباشر) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
التأمين التجاري محرم بجميع صوره، ولهذا لا تجوز المشاركة فيه، ولا استثمار الأموال فيما يتعلق به من أسهم أو سندات وغيرها، وينظر جواب السؤال رقم (22933) .
ثانياً:
التسويق العالمي له صور متعددة، وكذلك التسويق عبر الإنترنت، ولا يمكن الحكم على شيء من ذلك إلا بعد الوقوف على صفته، وهناك ضوابط عامة نذكرها للفائدة:
1- لا يجوز شراء الذهب أو الفضة أو العملات بالأجل، بل يجب التقابض الفوري.
2- لا يجوز الاتجار في السلع المحرمة، كالخمر والخنزير.
3- لا يجوز شراء أسهم الشركات ذات النشاط المحرم، أو التي تتعامل بالربا وإن كان نشاطها مباحاً.
4- لا يجوز التعامل بالمارجن أو بالهامش، وينظر جواب السؤال رقم (106094) ورقم (93334) .
5- لا يجوز التعامل بالتسويق الشبكي أو الهرمي القائم على المقامرة، وينظر جواب السؤال رقم (97880) ورقم (96708) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6259)
شركة التأمين تطالبه أن يشهد على الحادث الذي رآه لتعوض المتضرر
[السُّؤَالُ]
ـ[وأنا مار في الطريق شاهدت حادث سيّارة، والآن شركة التأمين تطالبني أن أدلي بما رأيت لكي يصرفوا للمتضرر مبلغاً من الأقساط الناتجة من الدفعة الشهرية له، هل شهادتي حرام لما في التأمين من ربا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التأمين التجاري محرم بجميع صوره لقيامه على الربا والميسر، وقد سبق بيان هذا في جواب السؤال رقم (8889) .
ثانياً:
لا حرج عليك في الإدلاء بشهادتك التي يترتب عليها معرفة الحادث والوقوف على الجاني والمجني عليه وما يتصل بذلك؛ لأنها شهادة يتوصل بها إلى تحقيق العدل ورفع الضرر، بل يلزمك ذلك إذا لم يكن ثمة شاهدان غيرك، لقوله تعالى: (وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) البقرة/283.
قال ابن قدامة رحمه الله: " وتحمّل الشهادة وأداؤها فرض على الكفاية ; لقول الله تعالى: (وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا) ، وقال تعالى: (وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) . وإنما خص القلب بالإثم ; لأنه موضع العلم بها , ولأن الشهادة أمانة , فلزم أداؤها , كسائر الأمانات. إذا ثبت هذا , فإن دعي إلى تحمل شهادة في نكاح أو دين أو غيره , لزمته الإجابة. وإن كانت عنده شهادة فدعي إلى أدائها لزمه ذلك , فإن قام بالفرض في التحمل أو الأداء اثنان , سقط عن الجميع , وإن امتنع الكل أثموا , وإنما يأثم الممتنع إذا لم يكن عليه ضرر , وكانت شهادته تنفع , فإن كان عليه ضرر في التحمل أو الأداء , أو كان ممن لا تقبل شهادته , أو يحتاج إلى التبذل في التزكية ونحوها , لم يلزمه ; لقول الله تعالى: (وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ) . وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) . ولأنه لا يلزمه أن يضر بنفسه لنفع غيره. وإذا كان ممن لا تقبل شهادته , لم يجب عليه ; لأن مقصود الشهادة لا يحصل منه.
وهل يأثم بالامتناع إذا وجد غيرُه ممن يقوم مقامه؟ فيه وجهان: أحدهما , يأثم ; لأنه قد تعيّن بدعائه , ولأنه منهي عن الامتناع بقوله: (وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا) .
والثاني , لا يأثم ; لأن غيره يقوم مقامه , فلم يتعين في حقه , كما لو لم يدع إليها " انتهى من "المغني" (10/154) .
ولا يضرك دخول شركة التأمين في القضية والتزامها بتعويض المتضرر، فإن المخطئ يلزمه التعويض، والمجني عليه يستحق ذلك، ولا حرج عليه أن يأخذ التعويض من الجاني أو ممن التزم بالدفع عنه كشركة التأمين، فشهادتك هي لإثبات أصل الحق، ومعرفة الجاني من المجني عليه، وصفة الجناية إن أمكن.
والواجب أداء هذه الشهادة بالعدل، دون ميل لأحد المتخاصمين، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) المائدة/8.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6260)
هل يأخذ التعويض من شركات التأمين كاملاً أم بقدر ما دفع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت على موقعكم فتاوى كثيرة بخصوص التعويض من التأمين التجاري وحكم أخذ الدية منه: بعض الفتاوى تقول إنه لا يجوز الأخذ إلا بقدر ما دفع، والبعض الآخر يجوز أخذ كل ما يقره التأمين كفتوى العلامة ابن جبرين فما هو الحق في هذه المسألة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما اعتمده الموقع هو تحريم التأمين التجاري بجميع أنواعه، وأن من تعامل به لا يأخذ غير ما دفعه.
وأما من جُني عليه في نفس أو مال، ولزمه قِبَلَ الغير ديةٌ أو تعويض، فإن له أن يستوفي ذلك كاملاً، سواء دفعه الغير بنفسه أو عن طريق شركة التأمين؛ لأن مستحق الدية أو التعويض صاحب حق، وهو غير مسئول عن حلِّ معاملة الطرف الآخر مع شركة تأمينه.
فالصنف الأول – وهو المؤمّن في شركة التأمين – متعامل بعقد محرم، والصنف الثاني – المجني عليه - لا عقد له مع شركة التأمين، وإنما لديه حق عند من يتعامل بالتأمين.
وينظر الفتاوى التالية: (8889) - (70318) – (125801) – (103233) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6261)
الأدلة على تحريم التأمين التجاري
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد معرفة الأدلة التي يستفاد منها تحريم التأمين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التأمين التجاري الذي تجريه معظم شركات التأمين هو من العقود المحرمة، سواء كان تأميناً على الحياة أو الممتلكات...... أو غير ذلك، ويدل على حرمته مجموعة من النصوص والقواعد الشرعية، منها:
1- التأمين عقد من عقود الغرر، وعقود الغرر ممنوعة محرمة شرعاً.
روى مسلم (1513) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع الغرر) .
والغرر في اللغة هو الخطر الذي لا يُدْرى أيكون أم لا؟ كبيع السمك في الماء والطير في الهواء، فإن ذلك قد يحصل للمشتري وقد لا يحصل.
قال الأزهري: ويدخل في بيع الغرر: البيوع المجهولة.
"معجم مقاييس اللغة" (4/380 – 381) ، "لسان العرب" (6/317) .
وقال الخطابي رحمه الله:
"أَصْل الْغَرَر هُوَ مَا طُوِيَ عَنْك وَخَفِيَ عَلَيْك بَاطِنه. . . وَكُلّ بَيْع كَانَ الْمَقْصُود مِنْهُ مَجْهُولًا غَيْر مَعْلُوم أَوْ مَعْجُوزًا عَنْهُ غَيْر مَقْدُور عَلَيْهِ فَهُوَ غَرَر. . . وَأَبْوَاب الْغَرَر كَثِيرَة، وجماعها: ما دخل في المقصود منه الجهل" انتهى.
قال النووي رحمه الله:
"وَأَمَّا النَّهْي عَنْ بَيْع الْغَرَر فَهُوَ أَصْل عَظِيم مِنْ أُصُول كِتَاب الْبُيُوع , وَيَدْخُل فِيهِ مَسَائِل كَثِيرَة غَيْر مُنْحَصِرَة كَبَيْعِ الْمَعْدُوم وَالْمَجْهُول. . . وَنَظَائِر ذَلِكَ , وَكُلّ هَذَا بَيْعه بَاطِل لِأَنَّهُ غَرَر مِنْ غَيْر حَاجَة.
وَقَدْ يَحْتَمِل بَعْض الْغَرَر بَيْعًا إِذَا دَعَتْ إِلَيْهِ حَاجَة كَالْجَهْلِ بِأَسَاسِ الدَّار فَإِنَّهُ يَصِحّ الْبَيْعِ, لِأَنَّ الْأَسَاس تَابِع لِلظَّاهِرِ مِنْ الدَّار , وَلِأَنَّ الْحَاجَة تَدْعُو إِلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِن رُؤْيَته. . .
وَأَجْمَعُوا عَلَى بُطْلَان بَيْع الْأَجِنَّة فِي الْبُطُون وَالطَّيْر فِي الْهَوَاء. قَالَ الْعُلَمَاء: مَدَار الْبُطْلَان بِسَبَبِ الْغَرَر...." انتهى.
واتفق العلماء على أن الغرر الكثير لا يجوز، وأن القليل يجوز ويتسامح فيه، واختلفوا في أشياء من الضرر لترددها بين الكثير والقليل.
"بداية المجتهد" (2/187) ، ونحوه للنووي من شرح مسلم.
وعقد التأمين من العقود المشتملة على الغرر الكثير، ورجال القانون أنفسهم يقرون بأن عقد التأمين عقد احتمالي، وهذا هو معنى الغرر، لأن كلاً من المؤمِّن والمؤَّمن له لا يستطيع أن يعرف وقت العقد مقدار ما يعطي أو يأخذ، فقد يدفع المؤمَّن له قسطاً واحداً ثم تقع الكارثة فيستحق ما التزم المؤمِّن به، وقد لا تقع الكارثة مطلقاً فيدفع جميع الأقساط ولا يأخذ شيئاً.
2- عقود التأمين من القمار. والقمار هو الميسر، وقد حرمه الله تعالى بقوله: (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) المائدة/90.
ومعنى "القمار": أن يدفع الإنسان شيئاً من ماله على سبيل المخاطرة، فإما أن يربح أكثر منه، وإما أن يخسر المال الذي دفعه.
وانظر جواب السؤال رقم (89746) و (106601) .
وعقد التأمين عقد معلق على خطر تارة يقع، وتارة لا يقع، فهو قمار في المعنى.
لأن المؤمَّن له يخاطر بدفع مبلغ التأمين، فإما أن يأخذ أكثر منه، وإما أن يخسره، إذا لم يحصل الخطر المؤمن ضده.
فقد يدفع المؤمَّن له عشرين ويأخذ ألفاً، وقد يدفع ألفاً ويأخذ ألفاً، وقد يدفع ألفاً ولا يأخذ شيئاً إذا لم يقع الخطر المؤمَّن ضده.
أليس هذا مخاطرة ومقامرة؟!
3- التأمين يتضمن ربا النسيئة والفضل، وذلك في حالة التعويض.
روى مسلم (1587) عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ) .
ففي هذا الحديث دليل على أنه إذا باع الذهب بالذهب وجب في البيع التساوي والتقابض.
فيبيع جراماً بجرام من غير زيادة. ويجب التقابض في المجلس، فلا يجوز أن يتفرقا ولم يقبض كل منها حقه.
فإذا باع الذهب بذهب مع التفاضل فقد وقعا في ربا الفضل، وإذا لم يحصل تقابض فقد وقعا في ربا النسيئة أي التأخير. لتأخير القبض.
وإذا باع الذهب بالفضة وجب التقابض في المجلس، وجاز التفاضل في البيع.
فيبيع جرام الذهب بعشرة جرامات فضة مثلا، ولكن لا يجوز أن يتفرقا من غير أن يتم التقابض.
والأوراق النقدية تأخذ حكم الذهب والفضة في ذلك، فلا يجوز تبديل عملة بأخرى إلا إذا تم التقابض في المجلس، وإذا كانت العملة من جنس واحد، فيجب التماثل والتقابض، كما لو أبدل ذهباً بذهب.
والتأمين مشتمل على الربا بنوعيه: ربا الفضل وربا النسيئة.
وبيان ذلك: أن ما تدفعه شركة التأمين للمستأمن أو لورثته عند حصول الخطر المحدد في العقد، له ثلاث حالات: إما أن يكون أقل أو أكثر مما دفعه أو يكون مساوياً له.
وفي كل ذلك يكون دَفْعُ الشركةِ لصاحب الحق واقعاً بعد دفعه أقساط التأمين بفترة هي في الحقيقة مجهولة النهاية.
فحقيقة المعاملة: أنها بيع دراهم بدراهم إلى أجل.
فعند التساوي يكون فيه ربا النسيئة، وفي حالة الزيادة [أو النقص] يكون فيه ربا الفضل والنسيئة معاً، وكل منهما محرم بانفراده فيكف إذا اجتمعا.
4- التأمين من أكل أموال الناس بالباطل
وأكل أموال الناس بالباطل حرام.
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) .
والباطل هو كل طريق لم تبحه الشريعة فيدخل فيه السرقة والخيانة والغصب والقمار وعقود الربا والبيوع الفاسدة. قاله أبو حيان في تفسيره لهذه الآية.
وبيان اشتمال عقد التأمين على أكل المال بالباطل: أن مبلغ التأمين المدفوع للشخص المؤمَّن له إذا كان أكثر مما دفعه كما لو حدث الخطر بعد دفع قسط واحد، فبأي حق يستحق هذا المال؟
وإذا لم يحدث الخطر، فبأي حق تستحق شركة التأمين الأقساط التي دفعها المؤمَّن له بدون مقابل صحيح.
وقد أثبتت إحدى الإحصائيات لأحد الخبراء الألمان أن نسبة ما تدفعه شركات التأمينات إلى الأشخاص من تعويضات لا يساوي إلا 2.9% من إجمالي الأقساط المدفوعة.
فبأي حق تستحق الشركة هذه الأموال، ومقابل ماذا؟
5- في عقود التأمين إلزام بما لا يلزم شرعاً.
ففي عقود التأمين يتم إلزام شركة التأمين بالضمان، إذا حصل الخطر المؤمَّن ضده، فبأي حق يتم هذا الإلزام؟ فشركة التأمين لم تحدث الخطر، ولم تتسبب في حصوله، ولا حصل منها أي تعدٍ أو تقصير، فكيف تلزم بضمان ما لا يلزمها ضمانه شرعاً؟
6- التأمين له أضرار على الأفراد والمجتمع.
وإلى جانب ما سبق فإن التأمين لا يخلو من أضرار، أهمها:
استخفاف المؤمَّن لهم بالحفاظ على أموالهم من التعرض للمصائب، بل قد يتجاوزون ذلك إلى افتعال الحوادث وتفاقمها، وفي ذلك ضرر بالغ على الأفراد، كاستخفاف بعض السائقين المؤمَّن لهم على أنفسهم وعلى سياراتهم واستهانتهم بقوانين السير وأنظمته وما ينتج عن ذلك من تعريض أفراد المجتمع للأضرار دهساً وصدماً.
فكل سبب من هذه الأسباب كافٍ للدلالة على تحريم التأمين التجاري، وأن عقده عقد فاسد لا تبيحه الشريعة، وأنه من أكل الأموال بالباطل. فكيف إذا اجتمعت هذه الأسباب كلها؟!
ولذلك أفتى عامة العلماء المعاصرين بتحريم جميع أنواع التأمين التجاري، فقد صدر قرار هيئة كبار العلماء في بلاد الحرمين ومجلس المجمع الفقهي في جدة، بتحريم التأمين التجاري، وكذلك أصدر مجلس المجمع الفقهي بمكة، قراراً بتحريم التأمين التجاري بالإجماع، ولم يخالف إلا عضو واحد فقط من أعضاء المجمع.
وقد نقلنا كثيراً من هذه القرارات والفتاوى في إجابات متنوعة في موقعنا.
وانظر بحثاً مطولاً في التأمين التجاري في "أبحاث هيئة كبار العلماء" (4/33- 315) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6262)
حكم دفع التأمين الإلزامي على أقساط
[السُّؤَالُ]
ـ[عندنا في إيرلندا التأمين على السيارة إلزامي وهناك طريقتان لشراء التأمين: السداد بالكامل وهو أمر صعب لا نقدر عليه، أو السداد على دفعات 100 يورو كل شهر. ولكن إجمالي الأقساط يفوق بكثير السداد مرة واحدة بسبب الفائدة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يحرم التأمين التجاري بجميع أنواعه سواء كان على السيارة أو المنزل أو الحياة، لما فيه من الغرر والميسر، وإذا أُلزم به الإنسان ولم يمكنه التخلص منه جاز له فعله، والإثم على من ألزمه، وينظر جواب السؤال رقم (45918) .
وإذا كان هناك طريقتان لدفع التأمين، إحداهما نقداً والأخرى على أقساط، فلا حرج في الدفع على أقساط، ولو كان ذلك بزيادة على المبلغ الأصلي، لأن هذا ليس قرضاً حتى يقال الزيادة فيه تكون ربا.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6263)
حكم الاشتراك في التأمين الصحي
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مهندس ومشترك في مشروع التأمين الصحي الخاص بنقابة المهندسين بالقاهرة ... وقد علمت أن بعض أنواع التأمين محرمة وبعضها يدخل في نطاق التعاون المباح.... وأريد أن أعرف هل التأمين الصحي الذي أنا مشترك فيه يدخل في نطاق المباح أم المحرم..... نظام التأمين في النقابة كما يلي....يدفع العضو 75 جنيه مصري سنويا ... ويأخذ بقيمة ال75 جنية كوبونات يستطيع بها الكشف في عيادات الأطباء المشتركين في مشروع النقابة في جميع التخصصات الطبية ... وتبيح هذه الكوبونات الكشف 5 مرات خلال العام ... وإذا أراد العضو أن يكشف أكثر من هذه المرات يستطيع أن يشتري 5 كوبونات جديدة.....وإذا لم يستخدم العضو الكوبونات أو بعضها فإنه يحتفظ بها أو يمكنه أن يعيدها للنقابة لكن بدون استعادة قيمتها.....هذا بالنسبة للكشف الطبي....أما عن العمليات الجراحية أو التحاليل والأشعات فإن النقابة تشترك مع العضو بجزء من قيمتها أو بكامل القيمة (وهذا يتوقف علي نوع العملية وتكلفتها ودرجة الرعاية والمستشفي) كما أن نسبة مشاركة النقابة في كل عملية محددة سلفا....فمثلا تشترك النقابة في تكاليف عملية الولادة بنصف التكاليف ... وبعض العمليات لا تشترك فيها النقابة مطلقا مثل العمليات التجميلية.......... السؤال هو هل هذا التأمين بالكيفية التي وصفتها حلال أم حرام؟ وإذا كان هناك أي معلومة أخري ترغبون في معرفتها لكي تتمكنوا من تحديد مدي مشروعية هذا التأمين يمكنني أن أرسلها في سؤال لاحق بإذن الله وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عقود التأمين التجاري، ومنه التأمين الصحي الوارد في السؤال، تعد من الميسر المحرم؛ لاشتمالها على الجهالة والغرر، وحقيقتها قائمة على أكل أموال الناس بالباطل، والواجب على كل مسلم الابتعاد عن مثل هذه العقود الماحقة لكل بركة، المؤذنة بالخراب وضياع الحقوق.
فهذا التأمين التجاري يعد عقدا من عقود المعاوضات المالية الاحتمالية، المشتملة على الغرر كما أنه ضرب من ضروب المقامرة؛ لما فيه من المخاطرة في معاوضات مالية، ومن الغرم بلا جناية أو تسبب فيها، ومن الغنم بلا مقابل، أو مقابل غير مكافئ.
كما أن فيه أخذ مال الغير بلا مقابل، والأخذ بلا مقابل في عقود المعاوضات التجارية محرم؛ لدخوله في عموم النهي في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) النساء/29
كما أن فيه إلزاما بما لا يلزم شرعا؛ فإن شركة التأمين لم يحدث الضرر من ناحيتها، ولم تتسبب هي في حدوثه حتى تضمن هذا الضرر الذي لحق بالمُؤَمِّن. ولم تبذلك ـ كذلك ـ عملا تستحق به المال الذي حصلت عليه في هذه المعاوضة؛ فكان ما تأخذه أكلا للمال بالباطل.
راجع: "فتاوى اللجنة الدائمة" (15/246-248) (15/298) - "مجلة مجمع الفقه الإسلامي" (2/471) – "أبحاث هيئة كبار العلماء" (4/93-142)
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (15/297) :
" لا يجوز للمسلم أن يؤمّن على نفسه ضد المرض، سواء كان في بلاد إسلامية أم في بلاد الكفار؛ لما في ذلك من الغرر الفاحش والمقامرة " انتهى.
وقد نظر مجمع الفقه الإسلامي في دورته الأولى المنعقدة في 10 شعبان 1398هـ بمكة المكرمة بمقر رابطة العالم الإسلامي في موضوع التأمين بأنواعه المختلفة بعد ما اطلع على كثير مما كتبه العلماء في ذلك، وبعد ما اطلع أيضا على ما قرره مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية في دورته العاشرة بمدينة الرياض بتاريخ 4/4/97هـ. بقراره رقم (55) من التحريم للتأمين التجاري بأنواعه.
وبعد الدراسة الوافية وتداول الرأي في ذلك قرر مجلس المجمع الفقهي بالإجماع عدا فضيلة الشيخ مصطفى الزرقاء تحريم التأمين التجاري بجميع أنواعه سواء كان على النفس أو البضائع التجارية أو غير ذلك.
"مجلة مجمع الفقه الإسلامي" (2/471)
وقد سئل الشيخ ابن جبرين:
ما حكم التأمين الصحي؟ حيث إن الدولة تأخذ أو تقتطع جزءا من أجر العامل لصالح صندوق الضمان الاجتماعي (التأمين) بشكل إجباري، وما حكم استرجاع ثمن الأدوية من هذا الصندوق كتعويض؟
فأجاب:
" إن التأمين كله بدعة، وعمل حادث لا أصل له في الشرع، سواء التأمين على الأنفس عن الحوادث وللعلاج، أو على المال أو على السيارات أو على الأولاد، وذلك أنه داخل في الغرر، وأكل المال بالباطل، وقد قال الله تعالى: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) وهذا الوصف ينطبق على شركات التأمين، فإنها تفرض على الشخص ضريبة شهرية أو سنوية، وتأكلها سواء احتاج إليها الشخص أم لا، ولا تردها عليه، ولو دفعها عدة سنين ولم يحتج إليها، مما يحمل الكثير على التهور، والوقوع في الأخطار، لتدفع عنهم الشركة ما أخذت منهم، وفيه الغرر على الشركة، وعلى الأفراد، فعلى الإنسان أن يعتمد على الله، ويجتنب أسباب العطب والهلاك والتلف، ويحافظ على الصحة، ويحمي نفسه مهما استطاع، ليسلم من الأمراض ومن الحوادث والأعراض، فإذا أصابه شيء بقضاء وقدر فإن عليه الرضا بالقضاء، وعليه أن يفعل الأسباب المباحة في التداوي، ويصبر على تكلفة العلاج، فهو أيسر من فعله مع أهل التأمين بدفع أموال كثيرة، وقد لا يحتاج إلى الشركة فتذهب تلك الأموال بلا فائدة "
انتهى من موقع الشيخ ابن جبرين.
أما التأمين التعاوني: وهو الذي يتكون من تبرعات من المحسنين، ويقصد به مساعدة المحتاج والمنكوب، ولا يقصد منه الربح، أو المعاوضة المالية، فهذا مباح لا إشكال فيه؛ لأنه تبرع محض، داخل في قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2، وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم: (وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ) رواه مسلم (2699)
قال الشيخ ابن عثيمين:
التأمين التعاوني لا يقصد به المرابحة وإنما يقصد به التعاون على النكبات والحوادث.
وأما التأمين التجاري فالغرض منه المرابحة، وهو من الميسر الذي حرم الله عز وجل في كتابه، وقرنه بالخمر والأنصاب (أي الأصنام) والاستقسام بالأزلام " انتهى.
"فتاوى إسلامية" (3/4) .
وينظر: "فتاوى اللجنة الدائمة" (15/288-292) .
وللاستزادة: ينظر السؤال رقم: (36955) ، ورقم (109250) ،ورقم (4210) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6264)
تؤخذ منهم ضريبة ثم يسمح لهم في الاشتراك في التأمين الصحي دون رسوم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لنا أن نتقدم بطلب التأمين الصحي , مع العلم أننا نحصل عليه دون أن ندفع المال بشكل مباشر؟ فعندنا هنا , تقوم الدولة بأخذ الضرائب منا لدعم الناس الذين لا يستطيعون شراء الدواء، وتقديم الامتحانات المدرسية وذلك مجاناً , فيكون هذا التأمين الصحي ناتجاً عن هذه الضرائب. أرجو الانتباه الى أني سأكون غير قادر على دفع ثمن الأدوية أو أن أتقدم للامتحانات عندنا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التأمين التجاري قائم على الربا والغرر والمقامرة، وهو حرام بجميع صوره، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم (8889) و (39474) .
لكن إذا أجبر عليه الإنسان، فلا حرج عليه، والإثم على من ألزمه.
وإذا كنتم لا تدفعون مالا عند الاشتراك في التأمين، وإنما يؤخذ منكم المال في صورة ضريبة، وكانت هذه الضريبة إلزامية، فلا حرج حينئذ في الاستفادة من التأمين، وأنتم في حكم المجبرين عليه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6265)
أمَّنت شركته عند شركة تأمين ضد ضياع الأمتعة، فهل له أن يستفيد من هذا العقد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في شركة، حيث تدفع هذه الشركة مبلغاً محدداً لإحدى شركات التأمين، مقابل التأمين على الأمتعة للموظفين في حال إذا ضاعت خلال سفرياتهم، طبعاً أنا لا أدفع أي شيء لشركة التأمين، بل الشركة التي أعمل فيها هي من يفعل هذا، إلا أنه في حال ضاعت أمتعة أحد الموظفين: فإن عليه أن يقدِّم طلباً بتعويضه، وهذا ما حصل لي فعلاً، فقد ضاعت أمتعتي في إحدى السفريات، وتقدر هذه الأمتعة بخمسة آلاف دولار، فرفعت طلباً إلى شركتي، وهي بدورها رفعت الطلب إلى شركة التأمين، وتم إعطائي مبلغاً وقدره ألفا دولار، فما حكم هذا المال؟ وإذا كان غير حلال: هل يجوز أن أنفقه في وجوه الخير أو أن أعطيه أحد المساكين؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
التأمين التجاري محرم بجميع أنواعه؛ لأن عقوده تتضمن: الربا، والميسر، والغرر، وقد سبق بيان هذا في أجوبة متعددة، وانظر جوابي السؤالين: (39474) و (8889) .
والذي ينبغي عليك: أن تطالب شركة الطيران، أو مكتب السفريات المسؤول عن الأمتعة، وهذا في حال أن تكون شركة الطيران، أو مكتب السفريات هما المسؤولين عن ضياع الأمتعة.
أما إذا كانت الأمتعة قد ضاعت بسبب تفريط منك: فليس لك الرجوع إليهما للمطالبة بقيمة الأمتعة.
ثانياً:
إذا تم عقد التأمين فليس للمؤمِّن أن يأخذ من شركة التأمين إلا مقدار ما دفع من أقساط فقط، وقد سبق بيان هذا في جواب السؤال رقم (103233) ، (103919) .
وعلى هذا، فإن كان التعويض المدفوع لك بقدر الأقساط المدفوعة أو أقل، فهذا المال حلال لك، وإن كان أكثر فإنك تتصدق بالزائد في وجوه الخير المتنوعة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6266)
تقتطع الشركة جزءاً من راتبه لتوفر له مبلغاً كبيراً عند تقاعده
[السُّؤَالُ]
ـ[تقطع الشركة كل شهر جزءا من راتبي، وتستثمره في قطاعات مختلفة من ضمنها أسهم وسندات في البنوك وهو الغالب، ثم تعطي مبلغاً كبيراً من المال عند الخروج إلى المعاش، ما حكم ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه المعاملة محرمة، وسبب تحريمها أمران:
الأول: أنها صورة من صور التأمين التجاري، وقد سبق بيان حرمة الاشتراك في التأمين والتعامل به، في جواب السؤال رقم (8889) و (83035) .
ومن المحاذير التي يشتمل عليها التأمين التجاري وجعل العلماء يجزمون بحرمته، أنه مشتمل على الربا، وهو ظاهر جداً في هذه المعاملة، حيث يدفع الموظف ألفاً ـ مثلاً ـ ثم يأخذ إذا بلغ سن التقاعد ألفين.
الثاني:
أنه يتم فيه استثمار الأموال بطريقة محرمة، وهو استثمارها في أسهم البنوك وفي السندات.
والواجب على من أراد أن يستثمر مالاً أن يستثمره في مشروعات مباحة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به) رواه الطبراني، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4519) .
وكل إنسان سوف يُسأل يوم القيامة عن (ماله: من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه) رواه الترمذي (2417) ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وعلى هذا؛ فلا يجوز الاشتراك في هذه المعاملة، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه.
نسأل الله تعالى أن يغنينا بحلاله عن حرامه، وبفضله عمن سواه.
وينبغي أن يتنبه إلى أن هذا النظام إذا كان إجبارياً تفرضه الدولة، فلا إثم على الموظف في ذلك، لأنه أُدخل في هذه المعاملة بغير اختياره، والإثم في ذلك يقع على من ألزم الموظف بهذه المعاملة المحرمة، وعلى من شارك أو ساعد أو رضي باستثمار المال بطريق محرم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6267)
إذا غادر البلد وعليه دين هل يتركه ليقوم التأمين بسداده؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا استلمت قرضاً من البنك في بلد العمل، وبدأت في تسديده ثم أنهي عملي ورجعت إلى بلدي، وبقي القرض لم يسدد بكامله، لكن البنك لم يطلب مني أية تسوية للمبلغ الباقي باعتبار أن التامين هو الذي يتولى دفع ذلك المبلغ الباقي، فهل أنا خالص النية والذمة وأديت الأمانة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من أخذ قرضا من بنك أو غيره لزمه سداده، وحرم عليه التهرب منه أو المماطلة في أدائه، سواء بقي في البلد أو سافر منها؛ إذ لا تبرأ ذمته إلا بالسداد؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ) رواه البخاري (2287) ومسلم (1564) . والمطل: المماطلة، وقوله صلى الله عليه وسلم: (عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ) رواه أحمد (20156) ، وقال شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند: حسن لغيره.
فالواجب سداد القرض، إلا أن يكون القرض ربويا، فيلزم سداد الأصل فقط دون الفائدة، ويشرع التخلص من الفائدة بكل وسيلة لا تعود عليه بالضرر.
وأما التأمين: فإن كان تأمينا تعاونيا، جاز الاستفادة منه بحسب اللوائح المنظمة له، فإن كان المتّبع فيه سداد الديون عمن ترك العمل وغادر البلد، فلك الاستفادة من ذلك، وإلا لزمك سداد الدين بنفسك.
وإن كان التأمين تجاريا (وهو الذي تتعامل به شركات التأمين) ، فليس لك أن تستفيد منه إلا بقدر ما دفعت له من أقساط، وينظر: جوال السؤال رقم (39474) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6268)
عنده شركة استيراد وتصدير ومجبر على التأمين على البضائع
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي شركة استيراد وتصدير وبالنسبة للشركة فإنه يجب دفع تأمين على كل السلع المصدرة والمستوردة من المغرب. فما العمل؟ حيث إنه ليس لدينا شركات إسلامية. وهل يجوز التأمين عن سعر الصرف أو عن خطر عدم أداء الزبون ثمن السلعة أو تأمين على السلعة نفسها في حالة أخذها إلى المعرض؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التأمين التجاري حرام، لما فيه من القمار والغرر الفاحش، فالدافع لشركة التأمين يكون مخاطراً، إما أن يخسر الأموال التي دفعها، وإما أن يأخذ أكثر منها، وهذا هو القمار (الميسر) الذي حرمه الله عز وجل في القرآن: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ) المائدة/90، 91، وقد أفتى العلماء المعاصرون بحرمة التأمين التجاري لأنه من أنواع الميسر، فقد جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (15/297) :
"أ- لا يجوز للمسلم أن يؤمّن على نفسه ضد المرض، سواء كان في بلاد إسلامية أم في بلاد الكفار؛ لما في ذلك من الغرر الفاحش والمقامرة.
ب – لا يجوز أن يؤمّن المسلم على النفس أو على أعضاء الجسد كلا أو بعضا، أو على المال أو الممتلكات أو السيارات أو نحو ذلك، سواء كان ذلك في بلاد الإسلام أم بلاد الكفار؛ لأن ذلك من أنواع التأمين التجاري، وهو محرم لاشتماله على الغرر الفاحش والمقامرة" انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "التأمين معناه أن الشخص يدفع إلى الشركة شيئا معلوما شهريا أو سنويا من أجل ضمان الشركة للحادث الذي يكون على الشيء المؤمَّن.
ومن المعلوم أن الدافع للتأمين غارم بكل حال، أما الشركة فقد تكون غانمة، وقد تكون غارمة، بمعنى أن الحادث إذا كان كبيرا أكثر مما دفعه المؤمِّن صارت الشركة غارمة، وإن كان صغيرا أقل مما دفعه المؤمن أو لم يكن حادث أصلا صارت الشركة غانمة، والمؤمِّن غارم.
وهذا النوع من العقود أعني العقد الذي يكون الإنسان فيه دائرا بين الغُنْم والغُرْم، يعتبر من الميسر الذي حرمه الله عز وجل في كتابه، وقرنه بالخمر وعبادة الأصنام.
وعلى هذا؛ فهذا النوع من التأمين محرم. ولا أعلم شيئا من التأمين المبني على الغرر يكون جائزا، بل كله حرام، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع الغرر) " انتهى نقلا عن "فتاوى علماء البلد الحرام " (ص 652، 653) .
وإذا اضطررتم إلى دفع التأمين ثم حصل حادث فيجوز لكم أن تأخذوا من شركة التأمين بمقدار الأقساط التي دفعتموها، وما زاد عنها فلا تأخذوه، فإن ألزموكم بأخذه فإنك تتبرعون به في أوجه الخير.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6269)
ماذا يأخذ صاحب عقد التأمين عند تعويضات الكوارث
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن ملزمون من الناحية القانونية بالتأمين على المنازل في ولاية منيسوتا بدفع مبالغ على فترات منتظمة. وفي الفترة الأخيرة، دمرت العواصف منزلنا، فهل يحق لنا شرعا أن نطالب بمبلغ التأمين على المنزل أم يستحسن أن نتجنب ذلك حتى لا نشارك في نظام التأمين هذا إلا بأقل قدر ممكن؟ وجزاك الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا أكرهتم على عقد التأمين المحرم فيجوز لكم عند استلام تعويضات الكوارث المذكورة أخذ جميع ما دفعتموه سابقا وتصدّقوا بما زاد، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
(5/6270)
حكم الاكتتاب في شركات التأمين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الاكتتاب في شركات التأمين التالية: المتحدة للتأمين التعاوني، السعودية لإعادة التأمين، بوبا العربية]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه الشركات الثلاثة التي بدأ الاكتتاب فيها مؤخرا (بتاريخ 8 مارس 2008م) لم نقف على نشرتها، لكن نضع بين يديك حقيقة شركات التأمين في المملكة، وأنها قائمة على التأمين التجاري، بموجب اللائحة التي أصدرتها مؤسسة النقد العربي السعودي، والتي ألزمت الشركات أن تعمل بطريقة التأمين التجاري.
وفي هذا يقول الدكتور محمد العصيمي حفظه الله: " سبق أن بينتُ في هذا الموقع حكم التأمين التجاري وأن جماهير العلماء المعاصرين على تحريمه، ومنهم هيئة كبار العلماء في السعودية وغيرها من المجامع الفقهية. وحيث إن شركات التأمين لن تتمكن من ممارسة التأمين التعاوني الحقيقي بسبب اللائحة التي أصدرتها مؤسسة النقد العربي السعودي، والتي ألزمت الشركات أن تعمل بطريقة التأمين التجاري، وعليه، فلا يجوز الاكتتاب في شركات التأمين التي بدأ الاكتتاب بها هذا الأسبوع، ولا التي قبلها، ولا يجوز تداول أسهمها بعد التداول لا مضاربة ولا استثمارا. ولا يغيّر من الحكم كون الشركة سمت نفسها بالتعاونية أو الإسلامية؛ إذ الحكم ليس على الصورة بل على الحقيقة. ومن اكتتب في شيء منها جاهلا فعليه أن يخرج ما زاد عن رأسماله تطهيرا. وأما من تعمد ذلك فعليه التوبة والاستغفار والندم على فعله، وتطهير ما زاد عن رأس المال " انتهى من موقع الشيخ بتاريخ 20/5/2007 م:
http://www.halal2.com/ftawaDetail.asp?id=14314
وقال أيضا: " أما بعد: فإن شركات التأمين بالمملكة تخضع لنظام مراقبة شركات التأمين التعاوني الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/32) وتاريخ 2/6/1424هـ، وقد نص في مادته الأولى على أن يكون التأمين في المملكة تأمينا تعاونيا، وألا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية، إلا أن اللائحة التي أصدرتها مؤسسة النقد لتنفيذ هذا النظام تخالف هذه المادة من وجوه مما جعل التأمين المبين فيها تجارياً وليس تعاونياً. وجميع شركات التأمين المرخص لها بالعمل في المملكة – بما فيها الشركة المذكورة- ملزمة بالعمل وفق هذه اللائحة، مما يعني أن التأمين الذي تمارسه هو في حقيقته تأمين تجاري، وقد صدر قرار هيئة كبار العلماء بالمملكة بتحريم التأمين التجاري. وإني أناشد المسئولين بضرورة المبادرة إلى تعديل اللائحة التنفيذية لتتفق مع النظام الذي أصدره ولي الأمر؛ إذ من المسلّم به أن اللوائح تفسر الأنظمة ولا تخالفها، ولائحة التأمين هذه لا يشك أدنى متخصص في مخالفتها للمرسوم الملكي فضلاً عن مخالفتها للشريعة التي أسست عليها هذه الدولة المباركة " انتهى.
http://www.halal2.com/ftawaDetail.asp?id=12548
وقال الدكتور يوسف الشبيلي حفظه الله: " فإن شركات التأمين بالمملكة تخضع لنظام مراقبة شركات التأمين التعاوني الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/32) وتاريخ 2/6/1424هـ، وقد نص في مادته الأولى على أن يكون التأمين في المملكة تأمينا تعاونيا، وألا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية. إلا أن اللائحة التي أصدرتها مؤسسة النقد العربي السعودي لتنفيذ هذا النظام تخالف هذه المادة من وجوه مما جعل التأمين المبين فيها تجارياً وليس تعاونياً. " انتهى من موقع الشيخ:
http://69.20.50.243/shubily/qa/ans.php?qno=120
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6271)
تحتاج والدته إلى عملية مكلفة فهل يعالجها عن طريق التأمين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[والدتي تريد زيارتي في كندا لأجل العلاج وهى في الغالب تحتاج إلى عملية قد تكلف حدود عشرين ألف دولار وأنا مقتدر ماديا وهى لا تملك مالا فهل يجوز لها التسجيل في التأمين التجاري والحال ما ذكر حيث إن التامين يتكفل بجميع النفقات مقابل مبلغ ألف دولار ويغطى التكاليف حتى المائة والخمسين ألف دولار؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التأمين التجاري قائم على الربا والميسر وأكل المال بالباطل، ولهذا لا يجوز التعامل به، سواء كان تأمينا صحيا أو تأمينا على الممتلكات، وقد سبق بيان ذلك، في جواب السؤال رقم (4210) و (39474) .
وعلاجك لوالدتك هو من البر والإحسان الذي تؤجر وتثاب عليه، فاحتسب الأجر عند الله، وأنفق من مالك الذي أعطاك، واعلم أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، ومن أنفق في وجوه الخير كافأه الله بالمزيد، قال تعالى: (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) سبأ/39، وروى البخاري (1442) ومسلم (1010) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الْآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا) .
وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6272)
التأمين على الحياة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز التأمين على حياتي من أجل تأمين عائلتي ماديا بعد مماتي مع بيان أدلة جوابكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن التأمين على الحياة فقال:
التأمين على الحياة والمُمْتَلَكَات مُحَرَّم، لا يجوز، لِمَا فيه من الغَرَر والرِّبا، وقد حَرَّم الله عز وجل جميع المعاملات الربوية، والمُعَامَلاتِ التِي فيها الغَرَر، رَحْمَةً للأمّة، وحِمَايَةً لها مِمّا يَضُرها، قال الله تعالى: (وأحل الله البيع وحرم الربا) وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الغرر. وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى إسلامية 3/5.
(5/6273)
حكم العمل في شركة التأمين أو الشركات الوسيطة إذا أصبح التأمين إلزامياً
[السُّؤَالُ]
ـ[الآن سوف يصبح التأمين الصحي إلزاماً من الدولة لجميع الشركات والمؤسسات التي لديها عمالة، ولن يكون التأمين مباشرة بين الشركة أو المؤسسة وشركة التأمين، بل سيكون هناك شركة وسيطة بين المستفيد وشركة التأمين، وهو إلزامي من الدولة. والسؤال: ما حكم العمل في الشركات الوسيطة؟ فعملها تقديم العروض للمستفيد ومتابعة إجراءات صرف مبالغ التامين للمستفيدين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
التأمين الصحي محرم كغيره من أنواع التأمين التجاري، لقيامه على الغرر والميسر والربا، وهذا ما أفتى به كبار أهل العلم، وينظر جواب السؤال رقم (39474) ورقم (4210) .
وقد جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (15/277) نص قرار هيئة كبار العلماء في تحريم التأمين وبيان أوجه هذا التحريم:
"الأول: عقد التأمين التجاري من عقود المعاوضات المالية الاحتمالية، المشتملة على الغرر الفاحش؛ لأن المستأمن لا يستطيع أن يعرف وقت العقد مقدار ما يُعطِي أو يَأخذ، فقد يدفع قسطا أو قسطين، ثم تقع الكارثة، فيستحق ما التزم به المؤمِّن، وقد لا تقع الكارثة أصلاً، فيدفع جميع الأقساط، ولا يأخذ شيئاً، وكذلك المؤمِّن لا يستطيع أن يحدد ما يُعطي ويَأخذ بالنسبة لكل عقد بمفرده، وقد ورد في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن بيع الغرر.
الثاني: عقد التأمين التجاري ضرب من ضروب المقامرة؛ لما فيه من المخاطرة في معاوضات مالية، ومن الغرم بلا جناية أو تسبب فيها، ومن الغنم بلا مقابل، أو مقابل غير مكافئ، فإن المستأمن قد يدفع قسطا من التأمين، ثم يقع الحادث، فيغرم المؤمِّن كل مبلغ التأمين، وقد لا يقع الخطر، ومع ذلك يغنم المؤمِّن أقساط التأمين بلا مقابل، وإذا استحكمت فيه الجهالة كان قماراً، ودخل في عموم النهي عن الميسر في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ) المائدة/90، 91.
الثالث: عقد التأمين التجاري يشتمل على ربا الفضل والنسأ، فإن الشركة إذا دفعت للمستأمِن أو لورثته أو للمستفيد أكثر مما دفعه من النقود لها فهو ربا فضل، والمؤمِّن يدفع ذلك للمستأمِن بعد مدة من العقد، فيكون ربا نسأ، وإذا دفعت الشركة للمستأمِن مثل ما دفعه لها يكون ربا نسأ فقط، وكلاهما محرم بالنص والإجماع.
الرابع: عقد التأمين التجاري من الرهان المحرم؛ لأن كلا منهما فيه جهالة وغرر ومقامرة، ولم يبح الشرع من الرهان إلا ما فيه نصرة للإسلام، وظهور لأعلامه بالحجة والسنان. وقد حصر النبي صلى الله عليه وسلم رخصة الرهان بعوض في ثلاثة، بقوله صلى الله عليه وسلم: (لا سبق إلا في خف، أو حافر، أو نصل) وليس التأمين من ذلك، ولا شبيها به، فكان محرما.
الخامس: عقد التأمين التجاري فيه أخذ مال الغير بلا مقابل، وأخذ المال بلا مقابل في عقود المعاوضات التجارية محرم؛ لدخوله في عموم النهى في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) .
السادس: في عقد التأمين التجاري الإلزام بما لا يلزم شرعاً، فإن المؤمِّن لم يحدث الخطر منه، ولم يتسبب في حدوثه، وإنما كان منه مجرد التعاقد مع المستأمِن على ضمان الخطر على تقدير وقوعه، مقابل مبلغ يدفعه المستأمِن له، والمؤمِّن لم يبذل عملاً للمستأمِن، فكان حراماً" انتهى.
ثانياً:
إلزام الدولة بالتأمين لا يجعله مباحاً، وإنما يسقط الإثم عن الشخص الملزَم أو الشركة الملزَمة، وأما الشركة الوسيطة فإنما تعمل بمحض اختيارها، فيلحقها الإثم.
وكذلك العامل في شركات التأمين أو في الشركات الوسيطة، يعمل باختياره وإرادته، ولا يحل له هذا العمل؛ لأنه إعانة أو مباشرة للمعصية والإثم، وقد قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2.
وقد جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (15/251) : " أولا: التأمين التجاري بجميع أشكاله محرم؛ لما يشتمل عليه من الغرر والربا والجهالة والمقامرة وأكل أموال الناس بالباطل، إلى غير ذلك من المحاذير الشرعية.
ثانيا: لا يجوز للمسلم أن يشتغل في شركة التأمين بعمل كتابي وغيره؛ لأن العمل بها من التعاون على الإثم والعدوان، وقد نهى الله عنه بقوله تعالى: (وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6274)
حقيقة التأمين وحكمه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم التأمين التجاري المنتشر اليوم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1) جميع أنواع التأمين التجاري ربا صريح دون شك، فهي بيع نقود بنقود أقل منها أو أكثر مع تأجيل أحد النقدين، ففيها ربا الفضل وفيها ربا النسأ، لأن أصحاب التأمين يأخذون نقود الناس ويعدونهم بإعطائهم نقودا أقل أو أكثر متى وقع الحادث المعين المؤمن ضده. وهذا هو الربا، والربا محرم بنص القرآن في آيات كثيرة.
2) جميع أنواع التأمين التجاري لا تقوم إلا على القمار (الميسر) المحرم بنص القرآن: " يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون "
فالتأمين بجميع صوره لعب بالحظوظ، يقولون لك ادفع كذا فإن وقع لك كذا أعطيناك كذا، وهذا هو عين القمار، وإن التفرقة بين التأمين والقمار مكابرة لا يقبلها عقل سليم، بل إن أصحاب التأمين أنفسهم يعترفون بأن التأمين قمار.
3) جميع أنواع التأمين التجاري غرر، والغرر محرم بأحاديث كثيرة صحيحة، من ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحصاة، وعن بيع الغرر " رواه مسلم.
إن التأمين التجاري بجميع صوره يعتمد على الغرر، بل على الغرر الفاحش، فجميع شركات التأمين، وكل من يبيع التأمين يمنع منعا باتا التأمين ضد أي خطر غير احتمالي، أي أن الخطر لا بد أن يكون محتمل الوقوع وعدم الوقوع حتى يكون قابلا للتأمين، وكذلك يمنع العلم بوقت الوقوع ومقداره، وبهذا تجتمع في التأمين أنواع الغرر الثلاثة الفاحشة.
4) التأمين التجاري بجميع صوره أكل لأموال الناس بالباطل، وهو محرم بنص القرآن: " يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ".
فالتأمين التجاري بجميع أنواعه وصوره عملية احتيالية لأكل أموال الناس بالباطل، وقد أثبتت إحدى الإحصائيات الدقيقة لأحد الخبراء الألمان أن نسبة ما يعاد إلى الناس إلى ما أخذ منهم لا يساوي إلا 2.9%.
فالتأمين خسارة عظيمة على الأمة، ولا حجة بفعل الكفار الذين تقطعت أواصرهم واضطروا إلى التأمين اضطرارا، وهم يكرهونه كراهية الموت.
هذا طرف من المخالفات الشرعية العظيمة التي لا يقوم التأمين إلا عليها، وهناك مخالفات عديدة أخرى لا يتسع المقام لذكرها، ولا حاجة لذكرها فإن مخالفة واحدة مما سبق ذكره كافية لجعله أعظم المحرمات والمنكرات في شرع الله.
وإن مما يؤسف له أن بعض الناس ينخدع بما يزينه لهم ويلبسه عليهم دعاة التأمين كتسميته بالتعاوني أو التكافلي أو الإسلامي أو غير ذلك من المسميات التي لا تغير من حقيقته الباطلة شيئا.
وأما ما يدعيه دعاة التأمين من أن العلماء قد أفتوا في حل ما يسمى بالتأمين التعاوني فهو كذب وبهتان، وسبب اللبس في ذلك أنه قد تقدم بعض دعاة التأمين إلى العلماء بعرض مزيف لا علاقة له بشيء من أنواع التأمين وقالوا إن هذا نوع من أنواع التأمين وأسموه بالتأمين التعاوني (تزيينا له وتلبيسا على الناس) وقالوا إنه من باب التبرع المحض وأنه من التعاون الذي أمر الله به في قوله تعالى: " وتعاونوا على البر والتقوى "، وأن القصد منه التعاون على تخفيف الكوارث الماحقة التي تحل بالناس، والصحيح أن ما يسمونه بالتأمين التعاوني هو كغيره من أنواع التأمين، والاختلاف إنما هو في الشكل دون الحقيقة والجوهر، وهو أبعد ما يكون عن التبرع المحض وأبعد ما يكون عن التعاون على البر والتقوى حيث أنه تعاون على الإثم والعدوان دون شك، ولم يقصد به تخفيف الكوارث وترميمها وإنما قصد به سلب الناس أموالهم بالباطل، فهو محرم قطعا كغيره من أنواع التأمين، لذا فإن ما قدموه إلى العلماء لا يمت إلى التأمين بصله.
وأما يدعيه البعض من إعادة بعض الفائض، فإن هذا لا يغير شيئا، ولا ينقذ التأمين من الربا والقمار والغرر وأكل أموال الناس بالباطل ومنافاة التوكل على الله تعالى، وغير ذلك من المحرمات، وإنما هي المخادعة والتلبيس ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى رسالة (التأمين وأحكامه) وإنني لأدعو كل مسلم غيور على دينه يرجو الله واليوم الآخر أن يتقي الله في نفسه، ويتجنب كل التأمينات مهما ألبست من حلل البراءة وزينت بالأثواب البراقة فإنها سحت ولا شك، وبذلك يحفظ دينه وماله، وينعم بالأمن من مالك الأمن سبحانه.
وفقني الله وإياكم إلى البصيرة في الدين والعمل بما يرضي رب العالمين.
[الْمَصْدَرُ]
المرجع: خلاصة في حكم التأمين للشيخ الدكتور سليمان بن إبراهيم الثنيان عضو هيئة التدريس في كلية الشريعة بالقصيم.
(5/6275)
حكم الأسهم في شركه تأمين سيارات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الأسهم في شركه تامين سيارات وهل الأرباح التي أخدها حلال أم حرام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جميع صور التأمين التجاري المتعامل به الآن حرام لاشتماله على الربا والغرر.
راجع الأسئلة رقم (8889) ، (10805) .
وسئل الشيخ ابن جبرين عن حكم التأمين على السيارات.
فأجاب:
التأمين في نظري نوع من الغرر حيث إن الشركة قد تأخذ من بعض المُؤَمّنين أموالاً كل سنة ولا تعمل معهم شيئاً، ولا يحتاجون إليها في إصلاح ولا غيره، وقد تأخذ من البعض الآخر مالاً قليلاً وتخسر عليه الشيء الكثير. وهناك قسم من أهل السيارات قليل إيمانهم وخوفهم من الله تعالى فمتى أمّن أحدهم على سياراته فإنه لا يبالي بما حصل فيتعرض للأخطار ويتهور في سيره فيسبب حوادث ويقتل أنفساً مؤمنة، ويتلف أموالاً محترمة ولا يهمه ذلك حيث عرف أن الشركة سوف تتحمل عنه ما ينتج من آثار ذلك، فأنا أقول: إن هذا التأمين لا يجوز بحال لهذه الأسباب وغيرها سواء على السيارات أو الأنفس أو الأموال أو غيرها اهـ "فتاوى إسلامية" (3/5) .
وإذا كان هذا هو حكم التأمين فالمساهمة في شركاته حرام.
ولذلك قال علماء اللجنة الدائمة:
لا يجوز للإنسان أن يساهم في شركات التأمين التجاري؛ لأنَّ عقود التأمين المشتملة على الغرر والجهالة والربا محرَّمة في الشريعة الإسلامية اهـ.
"فتاوى إسلامية" (2 / 43) .
وعلى هذا فالأرباح المأخوذة من أسهم شركات التأمين حرام. وعلى المسلم الذي ابتلي وأخذ شيئاً من هذه الأرباح أن يتخلص منها، وينفقها في وجوه الخير.
والواجب على المسلم أن يتحرى الكسب الطيب الحلال، فإن كل جسم نبت من حرام فالنار أولى به.
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6276)
حكم الاشتراك في التأمين الصحي
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن مؤسسة طبية، نعمل في مجال تقديم خدمات علاجية لمرضى الشركات المتعاقدة معنا، ومن شروط التعاقد مع الشركات: أن يدفع المريض مبلغاً محدَّداً مقابل كل زيارة لدينا، تخصم من إجمالي مطالبتنا لشركته. السؤال: هل يجوز لنا شرعاً أن نلغي المبلغ الذي يدفعه المريض، ونتحمله نحن نيابة عنه، كمحاولة لجذب المرضى لنا، وتفضيلنا عن أي مقدم خدمة آخر؟ . علماً بأن هذه الشركات شركات تأمين تعمل في مجال تقديم خدمات علاجية لمنسوبي الشركات المتعاقدة معها، ومع غيرنا من المؤسسات الطبية المماثلة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عقود التأمين التجاري عقود مشتملة على المقامرة، وفيها جهالة ومخاطرة، ولهذا ذهب أكثر العلماء المعاصرين والمجامع الفقهية إلى تحريمه، ولم يشذ عن هذا إلا القليل، والحق ما ذهب إليه القائلون بالتحريم؛ لوضوح أدلتهم وقوتها.
وهذا في التأمين التجاري، وهو الذي يتداوله الناس في العالم غالباً، فيبرمون عقوداً مع شركات تأمين لتقوم بتغطية تكاليف الحوادث أو العلاج أو دفع الديات أو التأمين على البضائع أو السيارات000 وغيرها، وقد يكون المتفق مع تلك الشركات: حكوماتهم، أو مؤسساتهم، أو مصانعهم.
ووجه الحرمة في هذه العقود واضح بيِّن، فقد يدفع المشترك أقساطاً لتأمين الحوادث أو العلاج، فلا يمرض، ولا يحصل معه حادث، فتضيع أمواله التي دفعها لشركات التأمين، وعلى العكس فقد يدفع قسطاً أو قسطين ثم يمرض أو يحصل له حادث فيدفعون له أضعاف أضعاف ما أخذوه منه، وهذا هو القمار والجهالة والمخاطرة.
وما تفعلونه في مؤسستكم من أخذ جزء من التكاليف من المشترك نفسه، أو عدم الأخذ منه بالكلية: كل ذلك لا يؤثر في حكم التحريم.
سئل علماء اللجنة الدائمة:
ما حكم الشرع في التأمين على الصحة، وذلك بأن يدفع المؤمن عليه مبلغاً شهريّاً، أو سنويّاً إلى شركة التأمين، مقابل أن تقوم الشركة بعلاج المؤمَّن عليه إذا دعت الحاجة إلى ذلك على حسابها، علماً بأنه إذا لم يكن هنالك حاجة لعلاج المؤمن عليه: فإنه لا يسترد ما دفعه من تأمين.
فأجابوا:
"إذا كان واقع التأمين الصحي كما ذكرت: لم يجز؛ لما فيه من الغرر، والمخاطرة، إذ قد يمرض المؤمِّن على صحته كثيراً، ويعالَج بأكثر مما دفع للشركة، ولا تلزمه الزيادة، وربما لا يمرض مدة شهر أو شهرين – مثلاً -، ولا يرد إليه مما دفعه للشركة، وكل ما كان كذلك: فهو نوع من المقامرة" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (15 / 296) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة:
نحن كطلبة في أمريكا السفارة تؤمن لنا العلاج الصحي، وذلك بطريق التأمين لكل طالب (الأنشورس) ، يعني: تدفع لشركة التأمين مبلغا عن كل طالب، فكل طالب عنده بطاقة تأمين صحي، فما رأيكم في هذا الشيء، مع العلم بأن العلاج باهظ التكاليف؟ .
فأجابوا:
"التأمين الصحي من التأمين التجاري، وهو محرم" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (15 / 298 - 299) .
وأجابوا بالجواب نفسه عن نظام "رامتان" للخدمات الصحية، وعن نظام "مستشفى الثميري" بالجواب نفسه، وقد تعددت الطرق في تلك المؤسسات والشركات والمستشفيات، والحكم واحد؛ لأن أنظمتها اتفقت على احتواء عقودها على المقامرة والجهالة والمخاطرة.
انظر: " فتاوى اللجنة الدائمة " (15 / 303 – 307) و (15 / 317 - 321) .
وانظر أجوبة الأسئلة: (36955) و (83035) و (4210) و (8889) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6277)
موظف يتحرج من المشاركة في إنشاء فاتورة فيها قيمة التأمين على البضائع
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في شركة تستورد قطع غيار السيارات من ألمانيا، ووظيفتي تكمن في أنني أرسل عن طريق البريد الإلكتروني رسالة إلى الشركة الأجنبية أطلب فيها تزويدنا بعرض أسعار للبضائع المذكورة في الرسالة، ثم بعد ذلك: الشركة ترد علينا، فيقوم البائع باختيار البضائع ذات السعر المناسب، ثم أقوم بإرسال رسالة أخرى أقوم فيها بتأكيد البضائع التي نريدها، لكن المشكلة - وهو المقصود بالسؤال -: أن الشركة عندما ترسل الفاتورة إلى صاحب العمل عن طريق البنك: فإنها تكون مشتملة إجمالي البضاعة، مضافاً إليه قيمة " تأمين بحري "، فهل أتحمَّل أنا إثماً في ذلك؟ . والحالة الثانية: أن بعض الشركات لا تضيف مبلغ تأمين، ولكنها ترسل رسالة تقول: إن الباخرة تصل في يوم كذا، وعليكم الاهتمام بموضوع التأمين، وبحكم عملي أقوم بإرسال الرسالة عن طريق الفاكس إلى صاحب العمل في مكتبه. والحالة الثالثة: بعض الشركات لكي تعتمد الطلبية تطلب توقيع المندوب على صورة الطلبية وإرساله بالفاكس، فأقوم أنا بالتوقيع - بعد موافقة صاحب العمل - مع العلم أن إجمالي الفاتورة مضافاً إليه قيمة التأمين، فهل عليَّ إثم في ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عقود التأمين التجاري من العقود المحرَّمة؛ لما فيها من الغرر؛ والربا، والميسر، ولذا فلا يجوز لأحدٍ أن يؤمن على الحياة، أو على السيارة، أو ضد السرقة، أو الحريق، أو التلف، وغيرها من الأنواع الكثيرة.
وفي كثير من الأحيان تُلزِم الدولُ الشركات والمؤسسات والأفراد بإبرام عقود تأمين على السيارات، أو ضد التلف والفقدان، وما كان كذلك: فهو داخل في الإكراه، ولا إثم على من فعله، وإنما يبوء بإثم تلك العقود من ألزمهم بها.
وحتى تكون ذمة المؤمِّن سالمة من الإثم فإن عليه أن يختار الحد الأدنى من تلك العقود من حيث الرسوم والمنافع، وهذا طبيعة الأفعال المكره عليها، فلا يجوز – مثلاً – اختيار " التأمين الشامل " مع إمكانية اختيار " التأمين ضد الغير "، ومن المعلوم أن رسوم الأول أكثر من الثاني، ومنافعه كذلك أكثر.
وعليه نقول:
إذا كانت الدولة عندكم تلزمكم بالتأمين على البضائع المستوردة، أو دول الشركات المصدِّرة لكم تلزمهم بالتأمين: فلا حرج عليك من تقديم الفاتورة الإجمالية بما فيها قيمة التأمين لمدير الشركة، أو التوقيع عليها؛ وذلك لأنه أمر محتَّم عليكم، أو عليهم.
وإذا لم تكونوا ملزمين بالتأمين لا من دولتكم، ولا الطرف المصدِّر من دولتهم: فإن القيام بالتأمين في هذه الحال محرَّم، سواء كنتم أنتم من فعل أو هم، وعليه: فلا يجوز لك المساهمة في كتابة أو توصيل الفاتورة المشتملة على قيمة التأمين، ويكون ذلك من التعاون على الإثم والعدوان.
ونسأل الله أن يغنيك من فضله، وأن يوفقك لما فيه رضاه، وسؤالك هذا يدل – إن شاء الله – على ورع، وهو أمرٌ قلَّ نظيره إلا عند من رحم الله.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6278)
هل يوكل محامياً كافراً لاستحصال ماله من شركة التأمين
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب في أمريكا وحصل لي حادث منذ أسابيع وقدر الله أني أوذيت في ظهري ورقبتى (شد في العضلات حسب قول الدكتور ولكن لم يصور بالأشعة ظهري حتى يتأكد) . خطأ الحادث ليس مني؛ لذلك شركة تأمين المتسبب تتحمل مسؤولية سيارتي وعلاجي حسب القانون. ولقد اتصلت ثلاث مرات على شركة التأمين بشأن الألم في ظهري ورقبتي لكي أتعالج على حسابهم ولكنهم لم يردوا علي وكأنهم يماطلون ويحاولون التهرب! فهل يحق لي أن أوكل محامي كافر يأخذ منهم تعويض عن ما تسبب الحادث من أذى لي وتعطيل مصالحي؟؟ مع العلم أن المحامي ربما يأحذ تعويض منهم قد يصل أضعاف قيمة السيارة ولا أدري عن تكاليف العلاج (وهي غالية جدا في أمريكا) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز لك أن توكّل المحامي إذا كانت الشركة تماطل فعلا ولم تفِ بما التزمت به، وتكون تكاليف هذا المحامي عليها، وليس في ذلك ظلم لها في هذه الحال. لكن بالنسبة لتكاليف الحادث وعلاجك فلا تأخذ من هذه الشركة أكثر من المبالغ التي أعطيتها إياها طيلة فترة تأمينك معهم، لأن المبلغ الزائد يعتبر رباً لا يجوز لك أخذه. وكما أعلم فإن التأمين لديك إجباري، ولو كان اختياريا فلا يجوز لك الدخول في مثل هذه العقود من التأمين.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ سعد الحميد.
(5/6279)
ادّعى كذبا أن الحادثة إصابة عمل ليحصل على التأمين
[السُّؤَالُ]
ـ[وقعت لي حادثة خارج العمل، ولما عجزت عن تحمل مصاريف العلاج ادّعيت أنّ الحادثة من إصابات العمل، وبناء على ذلك دفعت الشركة مصروفات العلاج، وأنا نادم الآن، فماذا يلزمني؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يلزمك أن تخبر أهل الشركة بحقيقة الحال وتعرض عليهم ردّك ما صرفوا عليك من أجرة العلاج أو خصْمها من راتبك، فإن عفوا عنك - إن كان لهم الصلاحية - سقط الغُرْم وإلا فلا تبرأ ذمتك إلا باستباحتهم (والتحلل منهم) أو ردّ المصاريف إليهم، واستغفر ربك عن الكذب والظلم.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى إسلامية ابن جبرين /314
(5/6280)
الاشتراك في خدمة نقل السيارات المتعطلة في الطرقات بمقابل سنوي
[السُّؤَالُ]
ـ[لدينا فكرة إنشاء مشروع خدمي نبتغي فيه الربح في الدنيا والآخرة وهو باختصار: خدمة السيارات والأشخاص المتعطلين في الطرقات عن طريق عضوية بمبلغ معين يدفع كل سنة أو لمدة محددة. نقوم بسحبه من المكان الذي تعطل فيه إلى أقرب ورشة مجاناً، وإذا كان منقطعا من البنزين نوفر له كمية إلى أقرب محطة. بالإضافة إلى خدمات أخرى مثل إعطائه بطاقة عضوية خاصة له ويستطيع استخدامها لنفسه أو عائلته أو من يريد فلن نحرمه الأجر ولن نحجر واسعاً علماً أن هذه الطريقة سوف تقلل لدينا المشتركين، ولكن سنحتسب فيها الأجر. وأيضاً من الخدمات: العمل على توفير تخفيض لدى بعض الورش والفنادق ومحلات قطع الغيار والعديد من الخدمات إن شاء الله. سؤالي: لو اشترك معنا شخص وانتهت مدة العضوية ولم يستفد من خدماتنا عدا الخدمات التي قدمت له في البداية وانتهى اشتراكه. ما الحكم في مثل هذه الحالة؟ هل يجوز لنا أخذ المبلغ؟ علماً أننا قدمنا له أو سنقدم له خدمات في بداية اشتراكه مثل استخراج بطاقة العضوية التي تكلفنا مبلغا معينا وإعطائه بعض الخرائط المصورة للاستفادة منها وبعض الخدمات التي لا تحضرني الآن. وإذا كان هناك أي محظور شرعي فما هو؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ما ذكرته من اشتراك مجموعة من الناس في خدمة نقل السيارات المتعطلة في الطرق مقابل مبلغ مالي، يدفع سنويا أو خلال مدة محددة، هو صورة من صور التأمين التجاري، وهو عقد قائم على الغرر (الجهالة) ، وهو محرم، ووجه الغرر: أن الإنسان يدفع مبلغ الاشتراك وقد يستفيد منه في نقل سيارته حال تعطلها، مرة أو أكثر، وقد لا يستفيد منه شيئا، إذا لم تتعطل سيارته.
وفتاوى أهل العلم صريحة في تحريم هذا النوع من التأمين، وما شابهه من أنواع التأمين التجاري.
وينظر جواب السؤال رقم (8889)
ودفع المال للحصول على بطاقة التخفيض في الفنادق وغيرها، لا يجوز أيضا، لنفس العلة المذكورة وهي الغرر، فقد يستفيد الدافع من هذا التخفيض وقد لا يستفيد.
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عن بطاقة تخفيض يدفع لها اشتراك سنوي مقابل الحصول على التخفيض بنسبة معلومة في بعض الفنادق والمطاعم والمحلات والصيدليات.. وغيرها، فأجابت:
"بطاقة التخفيض المذكورة لا يجوز التعامل بها إصدارا واشتراكا لأمور عدة، منها:
أولا: اشتمالها على الغرر والمخاطرة؛ لأن دفع المبلغ مقابل الحصول عليها دفع بلا مقابل حقيقة، إذ قد تنتهي صلاحيتها ولم يستعملها حاملها، أو يكون استعماله لها لا يقابل ما دفعه من رسومها، وفي هذا غرر ومخاطرة، والله سبحانه يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) .
ثانياً: اشتمالها على الربا؛ لأن دفع مُصْدِرُها نسبة التخفيض لحاملها في حال امتناع صاحب المتجر عن التخفيض هو الربا المحرم، والتخفيض هنا قد يتجاوز رسم إصدار البطاقة، وقد أثبتت الوقائع حصول هذا فحصل غرم على مصدرها.
ثالثا: أن لها آثارا سالبة، ومنها: إثارة العداوة والبغضاء بين أصحاب المحلات المشتركين في التخفيض وغير المشتركين، برواج السلعة المخفضة وكساد غيرها من بضائع الذين لم يشتركوا في (دليل التخفيض) .
رابعا: ومن آثارها أيضا: دفع حاملها إلى الاسترسال في الشراء، لقاء التباهي بحملها والاغترار بالدعاية من ورائها، وفي هذا تصفية لمدخراته، وزيادة في الاستهلاك والإسراف فيه، فالبطاقة في حقيقتها تعود بتنامي المصاريف وزيادتها، لا بالتوفير وزيادة الادخار.
عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... عبد العزيز آل الشيخ ... عبد الله بن غديان ... صالح الفوزان ... بكر أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (14/15) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6281)
الانتفاع بالتأمين الصحي الذي تقدمه شركته مع اقتطاع جزء من راتبه
[السُّؤَالُ]
ـ[تعاقدت أحد المنشآت مع شركة للتأمين لتوفير الخدمات الطبية لموظفيها، وجعلت نوعية العلاج على فئات: أ- يتمتع بخدمات عالية ويدفع مبلغا شهريا ثابتا. ب- يتمتع بخدمات أقل ويدفع مبلغا شهريا ثابتا أقل من الفئة أ. ج- يتمتع بخدمات أقل ولا يدفع أي مبلغ شهري، وإنما يدفع نقدا 10% من تكلفة علاجه في كل مرة يراجع فيها المستشفى. مع ملاحظة أن المنشأة تدفع مبلغا سنويا لشركة التأمين يفوق بطبيعة الحال المبالغ التي تفرضها على موظفيها. فما حكم هذا بالنسبة للموظف؟ وهل هذه الفئات الثلاثة في الحكم سواء أم أن هناك فرقا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التأمين التجاري محرم بجميع أنواعه، لما فيه من الربا والميسر وأكل أموال الناس بالباطل، وقد سبق بيان هذا في جواب السؤال رقم (8889) .
لكن من أجبر على هذا التأمين، كالتأمين على الرخصة أو السيارة فلا إثم عليه.
وكذلك من التزمت له جهة العمل بالعلاج، وتعاملت مع شركة التأمين، ولم يدفع هو من راتبه شيئا، فلا حرج عليه في الاستفادة من العلاج؛ لأنها خدمة قدمت له بوجه مباح.
ولا يجوز أن يدفع شيئا من ماله يذهب إلى شركات التأمين.
وعليه؛ فالجائز من الحالات التي ذكرتها الحالة الأخيرة (ج) لأن الموظف لا يدفع فيها شيئا للتأمين، وإنما يدفع جزءا من تكلفة علاجه فقط.
وينظر: جواب السؤال رقم (103233) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6282)
شركته ملزمة بالتأمين الصحي فهل ينتفع بالعلاج؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا موظف في شركة تقوم بالتأمين على موظفيها إلزاميا (تأمينا صحيا) وتتحمل الشركة نفقات التأمين، حيث إننا لا ندفع شيئا قمت قبل فترة بإجراء عملية جراحية بمبلغ مرتفع دفعتها من مالي الخاص لخشيتي من حرمة التأمين، لكني آثرت أن أسأل لأتأكد عما إذا كان حكم العلاج على حساب التأمين حراما حتى في حالة أن الشركة هي التي تدفع قيمته؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التأمين التجاري قائم على الربا والغرر والمقامرة، وهو حرام بجميع صوره، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم (8889) و (39474) .
لكن إذا التزمت الشركة لموظفيها بالعلاج الصحي، فهذا يعتبر تحفيزا وترغيبا في العمل لديها، ولا حرج على الموظف في الانتفاع بهذا العلاج؛ لأنه أعطي له بسبب مباح، سواء قدمته الشركة بنفسها أو عن طريق التأمين، والإثم يقع على الشركة لا على الموظف.
وإذا كان التأمين إجباريا، فالإثم على من وضعه وألزم به، لا على الشركة.
وينظر جواب السؤال رقم (70318) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6283)
يخشى إذا لم يتعامل بالتأمين الصحّي أن يفلس
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا حكم الإسلام في الحصول على تأمين صحي في بلد مثل الولايات المتحدة؟
العلاج الصحي غالي جدا وإذا لم أحصل على التأمين الصحي فلن يعالجوني وإذا أردت أن ادفع لعلاجي فإنني سوف أفلس.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا السؤال التالي على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين:
العلاج الصحي في الولايات المتحدة حيث أقيم مرتفع جدا وإذا لم أحصل على التأمين الصحي فلن يعالجوني، وإذا أردت أن أدفع علاجي فسوف أفلس وربما أسجن، فهل هذا يعتبر عذرا في الدخول في التأمين الصحي الذي هو نوع من الميسر نظرا لأنه لا يوجد تأمين شرعي ولا قدرة لي على معالجة نفسي وأولادي وزوجتي في الحالة الاعتيادية الموجودة في بعض البلدان؟
فأجاب - حفظه الله - بما يلي:
مادام الرجل يعلم أن هذا من الميسر فإنه لا يحل لأنه من عمل الشيطان فليعتمد على الله ويتوكل عليه فإن من يتوكل على الله فهو حسبه، ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب، فلا يجوز له أن يدخل في التأمين. انتهى كلامه حفظه الله
وقد سبق بيان أنّ وجه كون التأمين الصحّي من الميسر أنّ الشّخص يدفع مبلغا من المال تمتلكه شركة التأمين فإذا مرض أو حصل له حادث استفاد وإلاّ ذهب ماله ثمّ قد تكون الاستفادة بمثل أو أقلّ أو أكثر مما دفع وفي هذا من الجهالة والغرر وأكل المال بغير حقّ أو الخسارة لأحد الطّرفين ما لا يخفى. وليت بعض المسلمين أو العقلاء يقومون بإنشاء مؤسسات تأمين تعاونية تقرّها الشّريعة الإسلامية، تكون فكرتها الأساسية أن يتضامن دافعوا الأموال لصندوق معيّن (لا يمتلكه طرف آخر) أنّه إذا حصل لأحدهم مرض أو حادث أنْ يعوّض برضاهم، ثمّ لا بأس أن يُعطى القائمون على هذا الصّندوق من الموظّفين رواتب، ولا بأس أن تستثمر الأموال شركة أخرى بنسبة معينة من الأرباح، والله الموفّق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
(5/6284)
هل ينتفع بالتأمين الصحي الذي تقدمه له الشركة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل في شركه خاصة وهذه الشركة لديها تأمين صحي في إحدى شركات التأمين التجاري، إذا تعالجنا أو لم نتعالج لا يخصم من راتبنا أي شيء، هل يجوز لي أن أستخدم هذا التأمين لي ولعائلتي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
توفير العلاج لك ولعائلتك يعتبر خدمة ومزية مقدمة من جهة العمل، وقد أعطيت لك بوجه مشروع، فلا حرج عليك في الانتفاع بها، سواء قدمتها الشركة بنفسها، أو عن طريق شركة التأمين، والإثم يقع على الشركة المتعاقدة، لا عليك.
وينظر: سؤال رقم (70318) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6285)
حكم التأمين على رخصة القيادة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم التأمين على رخصة قيادة السيارة، فإذا حصل حادث فإن شركة التأمين تتحمل للطرف الثاني الأضرار التي حصلت من هذا الحادث.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
وجه هذا السؤال للأستاذ الدكتور سعود بن عبد الله الفنيسان، عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً، فأجاب: " لا يجوز التأمين على الرخصة؛ لأنه تأمين على صاحبها عن الحوادث ضد الغير، وهذا النوع من التأمين من التأمين التجاري البحت المحرم شرعاً؛ لأنه مبني على الجهالة والغرر وأكل أموال الناس بغير حق، وفتاوى جمهور العلماء في المجامع الفقهية وهيئات الفتوى تحرم التأمين التجاري القائم اليوم في أغلب دول العالم، إذا كان اختيارياً لا يلزم به أحد من الناس، أما إذا كان التأمين إلزامياً وبغير رضا واختيار فيجوز التأمين على الرخصة مثلاً، فالإثم على من أجبر غيره عليه بناء على قاعدة (الضرورات تبيح المحظورات) ، وعلى الإنسان الذي أجبر على التأمين على الرخصة مثلاً، ألاَّ يأخذ أكثر مما دفع فيما إذا عوضته الشركة عما حصل عليه من ضرر اعتماداً على قاعدة (الضرورات تقدر بقدرها) ، وعلى المسلم أن يتحرى لدينه وعرضه فيبتعد عن الحرام أو ما فيه شبهة للحرام، كما ورد في حديث النعمان بن بشير: (إن الحلال بَيّن والحرام بَيّن، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام..) رواه البخاري (2051) ومسلم (1599) واللفظ له. والله أعلم " انتهى
ومن فتاوى أهل العلم في حكم التأمين على السيارات:
1- فتوى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، حيث سئل ما نصه: " ظهر حديثاً ما يعرف بالتأمين، التأمين على الأموال والتجارات والسيارات، وظهرت شركات في هذا، ويؤمنون على السيارات بمعنى: إذا صار للسيارة حادث يضمنون ثمنها ويضمنون لو صار هناك قتلى نتيجة الحادث فيدفعون الدية، فما توجيهكم حيث يسمونه بالتأمين التعاوني من باب التعاون، فما توجيهكم في هذا جزاكم الله خيراً؟
فأجاب: حسب ما ذكرت نرى أن هذا محرم، يعني: أن يدفع صاحب السيارة كل شهر كذا وكذا أو كل سنة كذا وكذا للشركة، وتقوم الشركة بضمان الحادث الذي ينتج من هذه السيارة، نرى أن هذا حراماً، وأنه من الميسر الذي قرنه الله بعبادة الأصنام وشرب الخمور قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) المائدة/90، ووجه ذلك: أن هذا المؤمِّن إذا دفع كل شهر خمسمائة ريال، كان عليه في السنة ستة آلاف ريال، ربما يحصل حادث في هذه السنة غرم بسببه عشرين ألف ريالاً، وربما لا يحدث شيء، فإن كان الأول يعني: حدث حادث غرم فيه عشرين ألف ريالاً صار المؤمَّن الذي دفع التأمين غانماً والشركة غارمة، وإن كان العكس بأن مضت السنة ولم يحدث حادث كانت الشركة غانمة والمؤمِّن غارم، وهذا هو الميسر تماماً، فهو حرام، فلا يجوز للإنسان أن يتعاطاه، ولا تغتر -أيها الإنسان- بعمل الناس فإن الله تبارك وتعالى يقول: (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) الأنعام/116. فنصيحتي لإخواني: أن يقاطعوا هذه التأمينات، وأما قولهم: إنه تأمين تعاوني، فهذا أكذب ما يكون، هل يمكن لأي إنسان لم يدخل في هذا التأمين أن يستفيد من هذه الجمعية؟ أبداً ما يستفيد، بل هو تأمين فيه ميسر وقمار " انتهى من "لقاءات الباب المفتوح" (158/23) .
2- فتوى الشيخ صالح الفوزان حفظه الله، حيث سئل: " ما هو الحكم الشرعي في التأمين وهو مثلاً أن يدفع الشخص مبلغًا من المال كل شهر أو كل سنة إلى شركة التأمين للتأمين على سيارته لو حصل حادث وتضررت منه فإنهم يقومون بتكلفة إصلاحها وقد يحصل وقد لا يحصل للسيارة شيء طول العام وهو مع ذلك ملزمٌ بدفع هذا الرسم السنوي فهل مثل هذا التعامل جائز أم لا؟
فأجاب: لا يجوز التأمين على السيارة ولا غيرها لأن فيه مغامرة ومخاطرة وفيه أكل للمال بالباطل والواجب على الإنسان أن يتوكل على الله تعالى وإذا حصل عليه شيء من قدر الله سبحانه فإنه يصبر ويقوم بالتكاليف التي تترتب عليه والغرامة التي تترتب عليه من ماله لا من مال شركة التأمين والله سبحانه وتعالى هو يعين على هذه الأمور وغيرها فلا يلجأ إلى شركات التأمين وما فيها من مخاطرة وأكل أموال الآخرين بالباطل علاوة على ذلك فإن أصحاب السيارات إذا أمّنوا على سياراتهم وعرفوا أن الشركة ستتولى دفع الغرامة فإن هذا يبعث على التساهل من قبلهم وعلى التهور في القيادة وربما يترتب على ذلك إضرار بالناس وبممتلكاتهم بخلاف ما إذا علم أنه هو سيتحمل وهو المسؤول فإنه يتحرز أكثر.
وقلنا إن في التأمين أكلاً للمال بالباطل لأن الغرامة التي تتحملها الشركة قد تكون أكثر مما دفع المساهم بأضعاف أضعاف - فيأكل أموال الناس بالباطل وربما لا يحصل على المساهم غرامة فتأكل الشركة ماله بالباطل " انتهى من "المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان"
والله ألم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6286)
إخفاء قيمة السيارة الحقيقية عند عقد التأمين
[السُّؤَالُ]
ـ[أعيش في بلد يفرضون على من يقود السيارة التأمين، فهل يجوز لي أن أكتب قيمة غير حقيقية للسيارة لتخفيف التأمين الذي يأخذونه مني بالإكراه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
بعد المناقشة مع فضيلة الشيخ العلامة محمد الصالح العثيمين خرجنا بما يلي: المفهوم من السؤال التأمين على حسب قيمة السيارة، أي بما تساويه عند عقد التأمين، والذي سيقوم به هذا الشّخص فيه نوع من الكذب ولكنّه لأجل التخلّص من شيء من الظّلم وهو إكراهه على عقد التأمين المحرّم فإذا كان لا يُلحق ضررا بنفسه لو فعل ذلك ولا بسمعة المسلمين فلا بأس أن يفعله اضطرارا والله تعالى أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
(5/6287)
المشاركة في نظام التقاعد الاختياري
[السُّؤَالُ]
ـ[جزاكم الله خيرا على علمكم النافع الذى تشركون فيه الأمة. لقد قرأت هذ الجواب الخاص بالتقاعد (42567) رجاء أرشدوني في هذا الأمر: أعيش بإنجلترا ولا أعمل بالحكومة بل أعمل بشركة برمجيات منذ مايقرب من 5 سنوات حيث يكون التقاعد اختياريا. ومنذ ذلك الحين وأنا لم أنضم لنظام التقاعد ولكنى بدأت مؤخرا فى التفكير هل أنضم أم لا. أنا لم أتعمق فى معرفة أين تستثمر أموال نظام التقاعد فرجاء أرشدونى ما الأكثر إرضاء لله 1- هل الانضمام لنظام التقاعد أم عدم الإنضمام. وسيكون الإيضاح فى هذه المسألة نافعا إن شاء الله. 2- أم هل من الأفضل لى معرفة أين تستثمر أموال التقاعد فإذا كانت تستثمر فى منتجات حلال فيكون من الأفضل الإنضمام لهذا النظام؟ تراودنى حيرة في هذا الأمر خاصة بعد قراءة تعليقات على التقاعد فى الرابط الموجود بالأسفل وأثناء انتظارى للحصول على فرصة لإرسال سؤالى إلى الإسلام سؤال وجواب "لا يتضمن هذا النظام أى نوع من القمار أو الفوائد لأن الربح هو مزيج من مساهمة الموظف (وهو هدية) والربح الذى يجنى من الإستثمار". http://forum.mpacuk.org/printthread.php?t=19201]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما ذكرناه في الجواب السابق رقم (42567) يفيد أن التأمين الاختياري هذا يشتمل على محظورين:
الأول: القمار والميسر، لأنه قد يشترك في هذا النظام عدة أشهر ثم يصاب بإعاقة أو يُتوفَّى، فيحصل هو أو ورثته على مال أكثر بكثير مما أُخذ منه، وقد يدفع كثيراً من الأقساط ويكون ما أخذه منهم أقل مما دفعه، وهذا هو الميسر.
والثاني: استثمار الأموال في الربا أو المحرمات، وهذا هو الغالب.
وعلى فرض أن المال سيستثمر استثمارا شرعيا، فإن المحذور الأول قائم.
والرابط الذي وضعته ليس متاحا للدخول.
وعلى فرض أن النظام سيقوم على شركة بين الموظفين والإدارة، فيشترط معرفة نوع الاستثمار، كما يشترط تحديد نسبة الربح، مثل أن يكون 10% أو 5% أو ما أشبه ذلك. وهذا سيخرج الموضوع عن التأمين تماما، فإن الشريك يستحق ربحه، تقاعد أو لم يتقاعد، وينتقل ماله إلى ورثته، قلّوا أم كثروا، صغارا كانوا أو كبارا.
ولعلك ترسل لنا بيانا وافيا عن هذا النظام ليتسنى لنا الحكم عليه.
هذا بالنسبة لنظام التقاعد الاختياري، وأما نظام التقاعد الإجباري، فالمكلف فيه معذور، لأنه يؤخذ منه بغير اختياره، ولهذا جوز كثير من أهل العلم الانتفاع بما يأتي من هذا النظام، واعتبروا الزيادة من الدولة داخلة فيما يجب عليها من رعاية الضعفاء والقيام عليهم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6288)
اشتراط البنك الإسلامي تأمينا تجاريا في عملية القرض الحسن!
[السُّؤَالُ]
ـ[يُفرض علينا تأمين تجاري شامل للحصول على قرض غير ربوي من أحد البنوك الإسلامية كيف أصنع مع هذا التناقض ?]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قيام البنك بإقراض الناس قرضا حسنا خاليا من الربا، عملٌ صالح يشكر ويؤجر عليه، وللبنك أن يطلب رهنا أو كفيلا، توثقة لدينه، وليس له أن يشترط تأمينا تجاريا محرما؛ لما في ذلك من إلجاء المقترض إلى الدخول في عقد التأمين المحرم، القائم على الربا والميسر، وراجع في حكم التأمين السؤال رقم (8889) ورقم (83035)
ولا يجوز لأحد الإقدام على هذا التأمين، لأجل القرض أو غيره،
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: قامت الحكومة مؤخرا بإلغاء الأرباح المفروضة على سلف المصرف العقاري، الفوائد الربوية، ولكنها اشترطت على من يريد الاستلاف من المصرف العقاري لبناء دار له أن يؤمن على داره لدى شركة التأمين، تأمين على المسكن، وذلك بأن يدفع مبلغا معينا من المال مرة واحدة فقط لشركة التأمين، يحق له لو تضرر السكن أن يطالب شركة التأمين بدفع مبلغ السلفة إلى المصرف العقاري. فهل يجوز أخذ سلفة المصرف العقاري على هذا الشرط، وإذا لم يجز ذلك على هذا الشرط، فهل يجوز أخذها على أن يوصي صاحب الدار المستلف ورثته من بعده ألا يأخذوا تعويض شركة التأمين، وإنما يجب عليهم هم دفع قيمة السلفة إلى المصرف العقاري، كما أنه هو لا يأخذ هذا التعويض لو بقي حيا؟
فأجابوا:
" هذا النوع من التأمين من التأمين التجاري، وهو محرم؛ لما يشتمل عليه من الغرر والربا والجهالة، ولا يجوز لك أن تقدم على أخذ القرض من البنك، مع الالتزام بشرط تأمين ما للمسكن الذي تريد أن تبنيه بقرض من بنك التسليف العقاري، وبالله التوفيق " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (15/254)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6289)
يعمل في شركة تتعامل بالتأمين
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في شركة شحن تقوم بالشحن لجميع أنحاء العالم وأخبرني المشرف على العمل أنه يجب أن أخبر العميل أنه يمكنه إضافة تأمين بمبلغ مقداره (3.5%) من قيمة الشحنة، لحماية شحناتهم، فإن وافق العميل أضغط على زر وينتهي الأمر في ثوان فهل هذا يجعل وظيفتي حراماً بسبب التأمين؟ وهل هذا ربا؟ وهل تحل علي لعنة الله؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
العمل في الشحن حلال إذا كانت البضائع المشحونة من المسموح به شرعاً، وليس من المحرمات كأن تكون خمراً أو لحم خنزير أو أي شيْ من المواد المحرمة من المطعوم أو المشروب والملبوس وغير ذلك.
ثانياً:
التأمين التجاري الذي تتعامل به شركات التأمين حرام. ومن أسباب تحريمه أنه يشتمل على الربا والميسر، وكلاهما حرام بالنص من القرآن والسنة وإجماع المسلمين. يراجع سؤال (8889) .
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
التأمين على الحياة والممتلكات: محرَّم شرعاً لا يجوز؛ لما فيه من الغرر والربا، وقد حرَّم الله عز وجل جميع المعاملات الربوية والمعاملات التي فيها الغرر، رحمةً للأمة وحمايةً لها مما يضرها، قال الله سبحانه وتعالى: (وأحلَّ الله البيع وحرَّم الربا) ، وصحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم أنه نهى عن بيع الغرر، وبالله التوفيق اهـ
" فتاوى إسلامية " (3 / 5) .
ثالثاً:
عَظَّمَ الله تعالى شأن الربا وتوعد عليه بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) البقرة.
وروى مسلم (1598) عَنْ جَابِرٍ قَالَ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ.
قال النووي:
هَذَا تَصْرِيح بِتَحْرِيمِ كِتَابَة الْمُبَايَعَة بَيْن الْمُتَرَابِينَ وَالشَّهَادَة عَلَيْهِمَا. وَفِيهِ: تَحْرِيم الإِعَانَة عَلَى الْبَاطِل اهـ
وضغطك على الزر لإمضاء عملية التأمين بمنزلة الكتابة فيدخل في الحديث السابق.
رابعاً:
لا يجوز للمسلم أن يعمل في شركة مجال عملها في الربا والمعاملات المحرمة، ولا يختص التحريم بكاتب الربا أو شاهده، بل يدخل في ذلك جميع الموظفين الذين يعملون بالشركة حتى البواب والحارس، لأن هذا فيه معاونة للشركة على ما تقوم به من أعمال محرمة، وقد قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2.
خامساً:
على المسلم أن يحرص على العمل الحلال، فإن أكل الحرام من موانع إجابة الدعاء، ومن أسباب دخول النار، فأي جسم نبت من حرام فالنار أولى به.
وإذا ترك المسلمُ الحرامَ طاعةً لله تعالى فإن الله تعالى يبدله ما هو أفضل منه، فإنه من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6290)
هل يستقيد الورثة من تعويض تأمين السيارة
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد توفى الله أخي في حادث سياره بعد اصطدام السيارة بجمل.والسيارة التي كان يقودها كانت مؤمنه تأمينا شاملا مع السائق وبعد وفاته فأن شركة التأمين تلزم أن تدفع الديه ومقدارها 150ألف درهم.
سؤالي هو:
كيف نتصرف في هذا الموقف وهذا المال؟ هل نقبل المال من شركه التأمين؟ وهل يجوز أن نتصدق به؟ هل يأخذه الورثه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان أخوك هو الذي أمن على السيارة فلا تأخذوا إلا مقدار أقساط التأمين التي دفعها، وتصدقوا بالباقي لأن عقد التأمين التجاري ميسر وغرر لا تجيزه الشريعة (انظر سؤال رقم 8889) .
ونسأل الله أن يغنينا بحلاله عن حرامه، وبفضله عمن سواه، والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد
(5/6291)
هل يجوز التأمين لدفع تكاليف الجنازة
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن جالية إسلامية صغيرة في لندن، وفي آخر اجتماع لنا ذكر العضو الممثل لنا أن نفقات الدفن قد ارتفعت بشكل كبير، وأن هناك احتمال كبير بأن أسرة الميت أو الشخص بمفرده لا يتمكن من دفع التكاليف، وفي مثل هذه الحالة، فإن علينا أن نشارك في تأمين لترتيبات الدفن. أرجو أن تبين لي الحكم في ذلك على وجه السرعة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التأمين وهو دفع مبلغ محدد معين في مقابل عمل مجهول لا يجوز للجهالة والغرر، لكن إذا تعاون المسلمون وتبرع الموسر منهم لغيره من الذين لا يجدون ما يدفعونه لمثل هذه الأعمال فمثل هذا يعتبر من التعاون على البر والتقوى المأمورون به شرعا، قال تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) . علما بأن التأمين إذا أكره عليه الإنسان ودفعه مكرها دون اختيار منه فإنه حينئذ لا إثم عليه.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الكريم الخضير.
(5/6292)
هل يأخذ التعويض من شركة التأمين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[تعرضت لحادث مرور أثناء ركوبي لسيارة أجرة، حيث انقلبت بنا عدة مرات، فتعرضتُ لكسر على مستوى العمود الفقري مما أدى ذلك إلى الإعاقة النصفية (الرجلين) الدائمة، وكما جرت العادة عندنا في الجزائر فإن شركة تأمين سيارة الأجرة تدفع للشخص المتضرر قيمة محددة من المال نظير هذا الضرر، ويكون موزعا إلى قسمين: قسم للمتضرر، وقسم ثاني للشخص الذي يتكفل به ويساعده في دفع كرسيه المتحرك، فما حكم هذا التعويض؟ وما حكم القسم الثاني من التعويض للشخص المساعد؟ وما حكم راتبي الشهري الذي أتقاضاه من شركة التأمين هذه - لأنني أصبحت في إجازة مرضية طويلة، والشركة هي الملزمة بدفع الراتب الشهري الذي كنت أتقاضاه لمَّا كنت أستاذاً، وهل يجوز لي أن أدفع أعباء المحامي - الذي وضعته ليساعدني في الأمور الإدارية قبل علمي بالحكم الشرعي - من هذا التعويض؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
عقود التأمين التجاري جميعها من العقود المحرَّمة، وهي تشتمل على الميسر، والغرر، وقد بيَّنا حرمة الاشتراك الاختياري فيها في جوابي السؤالين (8889) و (39474) .
ثانياً:
الأصل أن الذي ارتكب الحادث هو الذي يتحمل الضرر الناتج عنه، ويدفع هو التعويضات.
فإن كان قد تعاقد مع شركة تأمين لتتحمل هي الضرر، فلا حرج على صاحب الحق أن يأخذ حقه وتعويضه كاملاً من شركة التأمين، ولا علاقة لصاحب الحق بتحريم المعاملة بين من ارتكب الحادث وشركة التأمين، فله أن يأخذ حقه من كل من التزم به، وقد التزمت شركة التأمين بدفع هذا الحق.
وقد سبق في جواب السؤال (70318) فتوى الشيخ ابن جبرين بجواز ذلك.
وعليه:
فلا حرج عليك في أخذ قيمة الأضرار – ولو كانت شهرية – من شركة التأمين، وكذا أجرة المرافق والمعاون لك.
ونسأل الله لك الشفاء، والأجر على مصيبتك، والثواب في الآخرة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6293)
التأمين على نقل السيارة حال تعطلها على الخط السريع
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب مبتعث لتحضير دراسة جامعية في الخارج ولدي سيارة ليست بالجديدة وهي معرضة للتوقف في أي وقت مع العلم أن في هذه الدولة إذا تعطلت سيارتك لن يقف أحد لمساعدتك وخاصة في الطرق الخارجية مما يشكل خطر علي وعلى العائلة. وتوجد في هذه الدولة شركات تقوم بدفع ما يقارب مائتي ريال كعقد لمدة سنة تتعهد الشركة بالحضور لك عند طلبهم بالهاتف وإصلاح سيارتك إذا كان العطل بسيطا أو نقلها إلى اقرب نقطة أصلاح وحتى لو تعطلت سيارتك أكثر من مرة , وأيضا إذا لم تتعطل سيارتك خلال هذا العام فلا يحق لك المطالبة بأي مبلغ. ما حكم ذلك علما انه يسمى تأمين أو تغطية الأعطال أو BREAKDOWN COVER]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه صورة من عقد التأمين القائم على الغرر، وهو محرم، ووجه الغرر أن الإنسان يدفع هذا المبلغ (200 ريال) وقد يستفيد منه في نقل سيارته حال تعطلها، مرة أو أكثر، وقد لا يستفيد منه شيئا، إذا لم تتعطل سيارته.
وفتاوى أهل العلم صريحة في تحريم هذا النوع من التأمين، وما شابهه من أنواع التأمين التجاري.
لكن أمام المشكلة التي ذكرت، إن تيسر لك التعاقد مع شركة تقدم خدمات معلومة ثابتة كتغيير الزيت، وتقديم إرشادات عن السفر، والطرق، أو صيانة وفحص دوري، إضافة إلى قيامها بنقل السيارة عند حدوث العطل، فنرجو ألا يكون في ذلك حرج، وهو مخرج من المشكلة التي ذكرت.
ونسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6294)
تحريم التأمين التجاري بجميع صوره
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت أن التأمين حرام كان ذلك تعاونيا أو غيره ماذا أفعل وقد أمنت على سيارتي ورخصة قيادتي وفي نيتي التأمين على الصحة والحياة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
التأمين ينقسم إلى تجاري وتعاوني، وبينهما فروق موضحة في جواب السؤال رقم (36955) ، والتأمين التعاوني جائز إذا التُزمت فيه الضوابط المذكورة في الجوابين السابقين، لكنه نادر الوجود، وقد ادعت بعض الشركات أنها تلتزم بالتأمين التعاوني والواقع أن ما تقوم به لا يخرج عن التأمين التجاري.
ثانيا:
من أجبر وألزم بالتأمين على الرخصة أو السيارة، من قبل الدولة، فلا حرج عليه في التأمين حينئذ، ويقتصر على ما يدفع الضرر عنه، فليس له أن يؤمن تأمينا شاملا، مع وجود التأمين ضد الغير؛ لأن من قواعد الشريعة أن الضرورة تقدّر بقدرها. وانظر جواب السؤال رقم (45918) .
ثالثا:
لا يجوز التأمين الصحي ولا التأمين على الحياة، وراجع السؤال رقم (10805) ، (39474) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6295)
التأمين على البطاقة الائتمانية
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أردنا أن نحصل على بطاقة الائتمان مثل الفيزا، أو المساتر كارد، فإن التأمين عليها إجباري حتى إذا سرقت أو سرق بواسطتها مبالغ من الغير تكون مضمونة عند شركة التأمين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا تأمين محرم، ولا يجوز، وهو نوع من أنواع الميسر المحرم الذي حرمه الله في كتابه، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) المائدة/90
فشركة التأمين تأخذ مبلغ التأمين، فإذا سُرِقت البطاقة ضمنت المسروق، وإذا لم يحصل شيء أكلت المال.
وحصول السرقة من عدمه أمر مجهول، والمبلغ الذي سيسرق لو سرقت البطاقة أمر مجهول، فهذا غرر وجهالة واضحة.
وأخذهم المال إذا لم يحدث شيء هو أكل لأموال الناس بالباطل، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) النساء/29
هذا بالإضافة إلى أن أكثر البطاقات الائتمانية يوجد بها شروط محرمة ربوية وغيرها.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6296)
هل يأخذون دية ميتهم من شركة التأمين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[تفرض الدولة في بلدنا تأمينا إجباريّاً على السيارات، ولا يستفيد منه صاحب السيارة بشيء، فإذا قامت هذه السيارة بضرب شخصٍ ما وأدى هذا الحادث لإصابته أو وفاته يقوم أهله برفع قضية على شركة التأمين ويؤدي هذا لتعويض أهل المصاب أو المتوفى، وهذا التعويض لا يتأثر به صاحب السيارة سلباً أو إيجاباً، فما الحكم في ذلك؟ مع العلم أن أهل المتوفى يعفون عن صاحب السيارة والدولة تحكم بالقوانين الوضعية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
التأمين التجاري من العقود المحرمة، وهو حرام بجميع صوره، ولا يجوز لأحد أن يشترك فيه إلا أن يضطر لذلك كأن يكون مكرهاً، وقد سبق بيان حكمه في جواب السؤال رقم
(8889) و (39474) فلينظرا.
ثانياً:
حرمة الاشتراك في التأمين لا تعني حرمة أخذ الحق من شركة التأمين إن التزمت بدفع الحق عمن وقع منه الحادث.
وعليه: فلا مانع من أخذ دية المقتول خطأً أو المصاب في الحادث من أي جهة أحيل عليها مستحقوها من قِبَل القاتل أو من القضاء، سواء كانت شركة تأمين أو غيرها؛ لأن مستحقي الدية أصحاب حق، وهم غير مسؤولين عن حلِّ معاملة الطرف الآخر مع شركة تأمينه.
وقد سألنا فضيلة الشيخ ابن جبرين عن أخذ التعويض من شركة التأمين، فأجاب: " يجوز ذلك، لأن هذه الشركات التزمت أنها تتحمل ما يحدث من هذا الإنسان الذي أمَّن عندها، ولا يتورع عن ذلك مادام أنهم ملتزمون بدفع التعويض، ولا يبقى على من ارتكب الحادث - في حال حصول وفاة - إلا كفارة القتل الخطأ، إذا كان الحادث بسبب خطأ منه ".
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6297)
حكم الاشتراك في التأمين الإلزامي للفرد والاختياري للعائلة
[السُّؤَالُ]
ـ[أدرس في استراليا ويلزمون من جاء إلى هنا أن يقوم بإجراء تأمين فردي ولا يلزمونه بالنسبة إلى عائلته، فيقوم بعض الشباب بالتأمين على نفسه وعلى أفراد عائلته لأن ذلك أوفر مادياً، فهل هذا يجوز؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سألنا فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين
فقال: التأمين الإلزامي الذي لا مفرّ منه معذور من أُجبِر على المشاركة فيه، وأما غير الإلزامي فلا تجوز المشاركة فيه، ما دام من نوع التأمين التجاري، وهو ميسر محرّم اهـ.
وقد سبق بيان حكم التأمين في السؤال رقم (8889) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6298)
العمل في شركة التأمين
[السُّؤَالُ]
ـ[التأمين علي الحياة حلال أم حرام؟ وحكم العاملين في شركات التأمين علي الحياة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
التأمين على الحياة من أنواع التأمين التجاري، وهو محرم؛ لما فيه من الجهالة والربا والميسر، وأكل المال بالباطل. والعمل في شركات التأمين التجاري لا يجوز؛ لأنه من التعاون على الإثم، وقد نهى الله عن ذلك بقوله سبحانه: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة / 2.
راجع السؤال رقم (8889)
ثانياً:
الأجور والأموال التي اكتسبتها من العمل في تلك الشركة قبل علمك بالتحريم لا بأس من الانتفاع بها لقول الله تعالى: (فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ) البقرة / 275.
وأما ما أخذته من الشركة من أموال بعد علمك بالتحريم فعليك أن تتخلص منه لأنه مال محرم، وتنفقه في أوجه الخير والبر.
راجع السؤال رقم (33852) و (2492)
انظر فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 15/8
والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6299)
الانتفاع بالتأمين
[السُّؤَالُ]
ـ[في عام 96 ميلادي صدمتني سيارة وكنت سأقدم أوراقي إلى شركة التأمين ولكن لم أقدمها حتى حدث لي حادث آخر في عام 2001 ميلادي ولم يكن لي فيه تأمين ونتج من هذا الحادث إصابتي بشلل وأحتاج إلى علاج وأنا فقير جدا ولله الحمد وبما أني لم أترك وسيلة إلا وطرقتها فهل لي أن أقدم أوراقي إلى التأمين. ويعلم الله ما أنا فيه من الكرب والضيق فادعوا الله لي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أما بعد فنسأل الله تعالى أن يشفيك ويعافيك، ويفرج همك وكربك.
وإن كان المقصود من تقديم أوراقك إلى التأمين: أنك مشارك فيما يسمى بالتأمين الصحي، أو تنوي المشاركة فيه، فاعلم أن هذا التأمين محرم، وكذلك ما يسمى بالتأمين على الحياة، لاشتمال عقد التأمين في كل منهما على الغرر والمقامرة، وبهذا أفتى أهل العلم.
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (15/297) :
أ- لا يجوز للمسلم أن يؤمّن على نفسه ضد المرض، سواء كان في بلاد إسلامية أم في بلاد الكفار؛ لما في ذلك من الغرر الفاحش والمقامرة.
ب – لا يجوز أن يؤمّن المسلم على النفس أو على أعضاء الجسد كلا أو بعضا، أو على المال أو الممتلكات أو السيارات أو نحو ذلك، سواء كان ذلك في بلاد الإسلام أم بلاد الكفار؛ لأن ذلك من أنواع التأمين التجاري، وهو محرم لاشتماله على الغرر الفاحش والمقامرة. انتهى
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (التأمين معناه أن الشخص يدفع إلى الشركة شيئا معلوما شهريا أو سنويا من أجل ضمان الشركة للحادث الذي يكون على الشيء المؤمَّن.
ومن المعلوم أن الدافع للتأمين غارم بكل حال، أما الشركة فقد تكون غانمة، وقد تكون غارمة، بمعنى أن الحادث إذا كان كبيرا أكثر مما دفعه المؤمِّن صارت الشركة غارمة، وإن كان صغيرا أقل مما دفعه المؤمن أو لم يكن حادث أصلا صارت الشركة غانمة، والمؤمِّن غارم.
وهذا النوع من العقود أعني العقد الذي يكون الإنسان فيه دائرا بين الغنم والغرم، يعتبر من الميسر الذي حرمه الله عز وجل في كتابه وقرنه بالخمر وعبادة الأصنام.
وعلى هذا فهذا النوع من التأمين محرم. ولا أعلم شيئا من التأمين المبني على الغرر يكون جائزا، بل كله حرام لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم " نهى عن بيع الغرر") .
وقال:
(التأمين على الحياة غير جائز؛ لأن المؤمن على حياته إذا جاءه ملك الموت فلا يستطيع أن يحيله على شركة التأمين، فهذا خطأ وسفه وضلال وفيه اعتماد على هذه الشركة من دون الله، فهو يعتمد أنه إذا مات فالشركة ستضمن لورثته قوتهم ونفقتهم، وهذا اعتماد على غير الله.
وأصل هذه المسألة مأخوذ من الميسر، بل هي في الواقع ميسر، وقد قرن الله الميسر في كتابه بالشرك والاستقسام بالأزلام والخمر.
وفي التأمين إذا دفع الإنسان مبلغا من المال فقد يبقى سنوات طويلة يدفع ويكون غارما، وإذا مات عن قرب صارت الشركة هي الغارمة، وكل عقد دار بين الغنم والغرم فهو ميسر) انتهى نقلا عن فتاوى علماء البلد الحرام ص 652، 653
انظر السؤال: (10805) و (8889)
ثانياً:
إذا اضطررت إلى دفع التأمين ثم حصل حادث فيجوز لك أن تأخذ من شركة التأمين بمقدار الأقساط التي دفعتها، وما زاد عنها فإنك لا تأخذه فإن ألزموك بأخذه فإنك تتبرع به في أوجه الخير.
ونوصيك بتقوى الله تعالى، واللجوء إليه، والإكثار من دعائه، فإنه ما خاب من طرق باب الكريم سبحانه، ونذكرك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من نزلت به فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته ومن نزلت به فاقة فأنزلها بالله فيوشك الله له برزق عاجل أو آجل " رواه الترمذي (2326) وأبو داود (1645) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6300)
حكم شراء أسهم التعاونية للتأمين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم شراء أسهم الشركة التعاونية للتأمين التي طرحت أسهمها في السوق السعودية للأسهم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فنوجز الحكم الشرعي من خلال النقاط الآتية:
1- الحكم الشرعي للتأمين:
ذهب عامة العلماء المعاصرين إلى تحريم التأمين التجاري وجواز التأمين التعاوني، وقد أخذ بهذا القول معظم هيئات الفتوى الجماعية، كهيئة كبار العلماء بالمملكة، واللجنة الدائمة للإفتاء، ومجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، ومجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بجدة، وغيرها؛ لما يشتمل عليه التأمين التجاري من الغرر والمقامرة وأكل المال بالباطل، بخلاف التأمين التعاوني فإن مبناه على التكافل والتضامن. وإن الناظر بعين الإنصاف في واقع صناعة التأمين اليوم ليدرك ما في هذا القول من التوسط والاعتدال، ومدى موافقته لمقاصد الشريعة الإسلامية، بتحقيق مصالح الناس وسد حاجاتهم دون غبن أو ضرر. وإحصائيات التأمين أوضح شاهدٍ على ذلك، ففي نظام التأمين التجاري تتكدس الأموال الطائلة لدى شركات التأمين في مقابل تعويضات تعد يسيرة مقارنة بما تحققه من أرباح، مما نتج عنه استئثار الأقلية الثرية بمزايا التأمين وخدماته، بينما الأكثرية الفقيرة محرومة منها لكونها غير قادرة على تحمل أقساط التأمين. وقد أوهمت تلك الشركات الناس أن لا مجال لتفتيت المخاطر إلا بهذا الأسلوب، وهو أمر تكذبه تجارب التأمين التعاوني التي طبقت في عددٍ من الدول المتقدمة فكانت أكثر نجاحاً وتحقيقاً لأهداف التأمين من شركات التأمين التجاري.
2- الفرق بين التأمين التجاري والتأمين التعاوني:
في التأمين التجاري تتولى إدارة التأمين شركة لها ذمة مستقلة عن ذمم المؤمن عليهم، وتستحق هذه الشركة جميع أقساط التأمين في مقابل التزامها بدفع مبالغ التأمين عند استحقاقها، وما يتبقى لديها من فائض أقساط التأمين فإنها لا تعيده للمؤمن لهم، لأنها تعتبره عوضاً في مقابل التزامها بالتعويضات المتفق عليها، وإذا لم تفِ الأقساط المحصلة لدفع كل التعويضات فلا يحق لها الرجوع عليهم بطلب زيادة أقساط التأمين. وهذا هو عين المتاجرة بالغرر المنهي عنه، وأكل أموال الناس بالباطل.
بينما في التأمين التعاوني يجتمع عدة أشخاص معرضين لأخطار متشابهة، ويدفع كل منهم اشتراكاً معيناً، وتخصص هذه الاشتراكات لأداء التعويض المستحق لمن يصيبه الضرر، وإذا زادت الاشتراكات على ما صرف من تعويض كان للأعضاء حق استردادها، وإذا نقصت طولب الأعضاء باشتراك إضافي لتغطية العجز، أو أنقصت التعويضات المستحقة بنسبة العجز.
ولا مانع من أن يتولى إدارة التأمين التعاوني جهة مستقلة عن المؤمن لهم أنفسهم وأن تتقاضى أجوراً أو عمولات مقابل إدارتها للتأمين، ولا يمنع كذلك من أن تأخذ جزءاً من أرباح استثمارات أموال التأمين بصفتها وكيلاً عنهم في الاستثمار.
وبهذا يظهر أن شركة التأمين في كلا النوعين قد تكون كيانا منفصلا عن المؤمن لهم، كما أنها في كليهما قد تكون شركة ربحية – أي أنها تهدف إلى الربح-، ويظهر الفرق بين النوعين في أمرين أساسيين:
الفارق الأول: في التأمين التجاري هناك التزام تعاقدي بين شركة التأمين والمؤمن لهم، إذ تلتزم الشركة تجاه المؤمن لهم بدفع التعويضات، وفي مقابل ذلك تستحق كامل الأقساط المدفوعة. بينما في التأمين التعاوني لا مجال لهذا الالتزام، إذ إن التعويض يصرف من مجموع الأقساط المتاحة، فإذا لم تكن الأقساط كافية في الوفاء بالتعويضات طلب من الأعضاء زيادة اشتراكاتهم لتعويض الفرق، وإلا كان التعويض جزئياً بحسب الأرصدة المتاحة.
الفارق الثاني: لا تهدف شركة التأمين التعاوني إلى الاسترباح من الفرق بين أقساط التأمين التي يدفعها المؤمن لهم وتعويضات الأضرار التي تقدمها الشركة لهم، بل إذا حصلت زيادة في الأقساط عن التعويضات المدفوعة لترميم الأضرار ترد الزيادة إلى المؤمن لهم. بينما يكون الفائض في التأمين التجاري من استحقاق شركة التأمين في مقابل التزامها بالتعويض تجاه المؤمن لهم.
3- حكم الاكتتاب في التعاونية للتأمين:
من خلال دراسة القوائم المالية للسنوات الخمس الماضية للشركة الوطنية للتأمين التعاوني تبين عدم جواز الاكتتاب في هذه الشركة لما يأتي:
أولاً: أن عقد التأمين في الشركة من التأمين التجاري وليس التعاوني:
فمع أن الشركة قامت بفصل المركز المالي للمساهمين عن المركز المالي لأعمال التأمين –كما هو المعهود في التأمين التعاوني-، إلا أن نظام التأمين الذي تمارسه لا يعدو أن يكون تأميناً تجارياً، خلافاً لما يوحي به اسم الشركة، ويتضح ذلك من خلال النقاط الآتية:
أ. نص النظام الأساسي للشركة على أن يصرف فائض التأمين الذي يمثل الفرق بين مجموع الاشتراكات ومجموع التعويضات بإعادة 10% للمؤمن لهم، وأما الباقي وهو ما يعادل 90% من الفائض الصافي فيكون من نصيب المساهمين نتيجة تعريض حقوقهم لمخاطر التأمن. (المادة 43 من النظام الأساسي للشركة، والمادة70 من اللائحة التنفيذية لنظام مراقبة شركات التأمين التعاوني) . وهذا يعني أن نظام التأمين في الشركة قائم على الالتزام التعاقدي، فالأقساط يستحقها المساهمون عوضاً عن التزامهم بالتعويض، وهذا هو حقيقة التأمين التجاري. وما إعادة جزء من الفائض إلا محاولة لإضفاء الصبغة الشرعية على العقد. والواجب في التأمين التعاوني أن يكون جميع الفائض من نصيب المؤمن لهم، فيعاد إليهم أو يرحل في حساب احتياطيات عمليات التأمين.
ب. وتطبيقاً لما سبق فقد حققت الشركة فائضاً مالياً من عمليات التأمين في العام 2003 قدره (178.914.000-مائة وثمانية وسبعون مليون وتسعمائة وأربعة عشر ألف ريال) أعيد منها للمؤمن لهم (18.000.000 ثمانية عشر مليون ريال) أي ما نسبته 10% من الفائض، وأضيف المبلغ المتبقي بعد أخذ الاحتياطيات منه إلى إجمالي الفائض المتراكم، ليصل بذلك إجمالي الفائض المتراكم من عمليات التأمين لدى الشركة إلى (548.452.000-خمسمائة وثمانية وأربعين مليون وأربعمائة واثنين وخمسين ألف ريال) ووفقاً لما نص عليه النظام الأساسي للشركة فإن هذا الفائض يعد من نصيب المساهمين.
ث. ترتبط الشركة بعقود إعادة تأمين مع بعض شركات إعادة التأمين، وهي في الغالب شركات أجنبية وتقوم على طريقة التأمين التجاري. ومن اللافت للنظر أن مبالغ إعادة التأمين تمثل أكثر من نصف مجموع أقساط التأمين
ويتضح مما سبق أن أكثر من نصف مجموع أقساط التأمين تحول إلى خارج المملكة، وهو من طبيعة عقد التأمين التجاري.
ثانياً: استثمارات الشركة في بعض الأنشطة المحرمة:
حيث قامت الشركة باستثمار أموال المؤمن لهم في سندات محرمة، وبلغت قيمة هذه السندات في العام المالي2003 (430.525.000 أربعمائة وثلاثين مليوناً وخمسمائة وخمسة وعشرين ألف ريال) وهي تعادل ما نسبته 24% من إجمالي موجودات عمليات التأمين.
كما قامت الشركة باستثمار أموال المساهمين في سندات محرمة، بلغت قيمتها في العام المالي 2003 (34.981.000 أربعة وثلاثين مليوناً وتسعمائة وواحد وثمانين ألف ريال) . وهي تعادل حوالي 8% من إجمالي حقوق المساهمين.
وفضلاً عن ذلك فإن الشركة تمتلك 50% من إحدى شركات التأمين التجاري.
1. مقترحات لصيغة تأمين تعاوني تتفق مع الضوابط الشرعية، وتحقق أهداف التأمين:
أ. أن يتولى إدارة التأمين التعاوني شركة مساهمة، يكون للمساهمين فيها مركز مالي منفصل على وجه الحقيقة عن المركز المالي لعمليات التأمين.
ب. للشركة المساهمة أن تخصم جميع المصاريف الإدارية والتشغيلية من مجموع أقساط التأمين، وأن تتقاضى أجوراً مقابل إدارتها لعمليات التأمين بصفتها وكيلاً بأجر، ولها كذلك أن تستثمر أموال المؤمن لهم في استثمارات مباحة، وتستحق بذلك نسبة من أرباح تلك الاستثمارات بصفتها شريكاً مضارباً.
ت. على الشركة أن تتجنب الدخول في استثمارات محرمة كالسندات وغيرها، سواء أكان ذلك في الاستثمارات الخاصة بالمساهمين أم بالاستثمارات الخاصة بعمليات التأمين.
ث. التزام الشركة تجاه المؤمن لهم بالتعويض على نوعين؛ جائز وممنوع. أما الجائز فأن تلتزم الشركة بإدارة أعمال التأمين بأمانة واحتراف، ومتى قصرت في ذلك فإنها تتحمل تبعات ذلك التقصير والتعويض عنه. وأما الممنوع فأن تلتزم التزاماً مطلقاً بالتعويض سواء أكانت الأضرار من الشركة أم من غيرها، فهذا يتعارض مع قاعدة التأمين التعاوني. وبدلاً عن ذلك فللشركة أن تكّون احتياطيات من فائض أقساط التأمين، ولا تدخل هذه الاحتياطيات ضمن قائمة حقوق المساهمين بل تكون خاصة بأعمال التأمين.
ج. للشركة أن ترتبط بعقود إعادة تأمين لتفتيت المخاطر، بشرط أن تكون هذه العقود من قبيل التأمين التعاوني.
وختاماً نسأل الله تبارك وتعالى أن يوفق القائمين على الشركة لكل خير، وأن يهدينا وإياهم وجميع المسلمين إلى ما يحبه ويرضاه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
الموقعون:
1- د. محمد بن سعود العصيمي. مدير عام المجموعة الشرعية ببنك البلاد.
2- د. يوسف بن عبد الله الشبيلي. عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء بجامعة الإمام.
3- أ. د. سليمان بن فهد العيسى. أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
4- أ. د. صالح بن محمد السطان. أستاذ الفقه بجامعة القصيم.
5- د. عبد العزيز بن فوزان الفوزان. أستاذ مشارك بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
6- د. عبد الله بن موسى العمار. أستاذ مشارك بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6301)
الاقتراض ممن يشترط (التأمين على الحياة)
[السُّؤَالُ]
ـ[اعمل في شركه تعطي قرض إسكان بدون فوائد ربوية ولكن تشترط على الموظف أن يقوم بالتامين على الحياة وذلك لكي تأخذ الشركة حقها من شركه التامين في حال وفاة الموظف قبل تسديد القرض.
هل هذا القرض حلال أم حرام؟ أفتونا جزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أخذ القروض الحسنة الشرعية والتي لا يترتب عليها ربا: جائز، لكن لا يجوز أن يُربط ذلك بشروط غير شرعية، ومنه ما جاء في السؤال، فإن الذي يُعكر على القول بالجواز هو اشتراط الشركة على المقترض أن يؤمِّن على حياته، ومما لا شك فيه أن التأمين على الحياة – بل وكل أنواع التأمين – حرام وهو عقد ميسر.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله -:
التأمين على الحياة والممتلكات: محرَّم شرعاً لا يجوز؛ لما فيه من الغرر والربا، وقد حرَّم الله عز وجل جميع المعاملات الربوية والمعاملات التي فيها الغرر رحمة للأمة وحماية لها مما يضرها، قال الله سبحانه وتعالى: (وأحلَّ الله البيع وحرَّم الربا) ، وصحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم أنه نهى عن بيع الغرر، وبالله التوفيق.
" فتاوى إسلامية " (3 / 5) .
وعليه: فلا يجوز الاشتراك في برنامج قروض الإسكان الذي تشترط فيه الشركة على المنتفع أن يؤمن على حياته.
(وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق / 2، 3، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) الطلاق / 4، و " من ترك شيئاً لله عوَّضه الله خيراً منه ".
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6302)
لا يجوز لأمين الجمعية الخيرية أن يقترض لنفسه من مال الجمعية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شخص مؤتمن على بعض الأموال المتعلقة ببعض الجهات الخيرية, وقد أحتاج أحياناً لأخذ شيء من هذه الأموال ثم رد بدله في وقت وجيز, وذلك لأني إذا خرجت أحياناً ولم يكن معي نقودي الخاصة, أخذت من هذه الأموال ثم رددتها مباشرة, ولكني لا آخذها لأنه ليس عندي مال, بل آخذها لما ذكرت, فما حكم هذا العمل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز لأمين الجمعية الخيرية التصرف في مال الجمعية إلا في حدود مصلحتها، بمقتضى ما أقرته الإدارة، وكلفته به، وذلك لأن أمين الجمعية مؤتمن على ما تحت يده من المال، فيجب عليه رعايته وحفظه، ولا يتصرف فيه إلا في الحدود المسموح بها إداريا، وليس له أن يخالف ذلك، ولو كان شيئا يسيرا، فإن اليسير يجر إلى الكثير.
وقد ذكر العلماء رحمهم الله أن من صور التعدي في الأمانة التي يمكن أن يقع فيها المؤتمن: أن يستقرض من المال الذي ائتمن عليه.
فإن فعل ذلك كان متعدياً، ويجب عليه ضمان المال، حتى لو تلف المال بعد أن رده بدون تعدٍّ أو تفريط منه، فيجب عليه ضمانه، لأنه بتعديه في الأمانة أول مرة صار كالغاصب، فيلزمه ضمان المال.
انظر: "الإنصاف" (5/396) ، "كشاف القناع" (3/484) ، "أسنى المطالب" (2/122)
"الموسوعة الفقهية" (12/236-237)
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"الوكيل أمين؛ لأن العين حصلت بيده بإذن من الموكل، ومتى ترتفع الأمانة؟
ترتفع الأمانة إذا تعدى أو فَرَّط، وصارت يده غير أمينة.
مثال ذلك: أودعت شخصا عشرة آلاف ريال، وجعلها أمام عينه في الصندوق وبقيت في الصندوق لم يتصرف فيها، فهو الآن أمين؛ لأن الدراهم تحت يده بإذن من المالك.
هذا الرجل احتاج يوما من الأيام واستقرض هذه الدراهم، واشترى بها حاجة ثم ردها في يومها إلى الصندوق، فتزول أمانته؛ لأن يده صارت غير أمينة؛ لأنه تصرف في المال بغير إذن مالكه، وهذا من التعدي.
فإذا قال قائل: هو أخذ عشرة آلاف وردها في اليوم نفسه، وفي الصندوق نفسه؟
نقول: لكن ليس له حق أن يتصرف في عين مال الغير إلا بإذنه، وهذا لم يؤذن له.
ولو فرض أن هذا الصندوق احترق وتلفت الأموال التي فيه، ومن جملتها عشرة الآلاف، وذلك بعد أن تصرف فيها وردها فإنه يضمنها؛ لأنه صار غير أمين بتصرفه فيها، أما لو أبقاها ولم يتصرف فيها، ثم احترق الصندوق فليس عليه ضمان؛ لأنه أمين.
انتبه لهذه القواعد لأنها مفيدة جدا" انتهى.
"الشرح الممتع" (9/103) .
وقال أيضا رحمه الله:
"الأمين مؤتمن فلا يحل له أن يتجاوز ما ائتمن عليه" انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (234 /1) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
هل يجوز للموظف أن يقترض من مال صندوق الدائرة عن طريق المحاسب نظرا لاضطراره إلى ذلك ويستقطعه المحاسب من راتبه عند الصرف في نهاية الشهر الذي اقترض فيه؟
فأجابوا:
"إذا كان الواقع ما ذكر في السؤال، فإن هذا العمل لا يجوز؛ لأن أمين الصندوق ليس له التصرف في مال الدائرة المودع لديه، لأنه أمين، والأمين لا يتصرف فيما اؤتمن عليه، وعليه التوبة إلى الله وعدم العود لمثل هذا العمل " انتهى ملخصا.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (23 / 477-478)
وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
أنا أعمل في التجارة ويأتي إليَّ كثير من الإخوة المغتربين ويودعون عندي أموالاً نقدية لهم وحين يطلبونها أعطيهم إياها كاملة، ولكنني خلال فترة بقائها عندي أخلطها مع مالي وأشتغل بها لنفسي، فهل يجوز لي هذا التصرف إذا كان بدون إذنهم؟ وهل لهم نصيب من الربح مما ربحته أو مما ربحته ودائعهم أم لا؟
فأجاب:
"لا يجوز لك هذا التصرف لأنك مؤتمن وهذه ودائع في يدك الواجب عليك أن تحفظها وأن تحافظ عليها، أما إذا استعملتها فقد تعديت في الأمانة، ولو تلفت صار عليك ضمانها لأصحابها؛ لأنك قد تعديت فيها ولم تحفظها الحفظ اللازم.
وأما بالنسبة لما حصل من أرباح فأرباح أموالهم لهم ولك أجرة مثلك إلا إن سمحوا لك بها أو بشيء منها؛ لأن هذه مضاربة غير صحيحة، لأنها لم تكن برضى من الطرفين، والمضاربة إذا كانت غير صحيحة فإن ربحها يكون لصاحب المال ويكون للعامل أجرة مثله" انتهى.
"المنتقى من فتاوى الفوزان" (76/1) .
فالنصيحة لك أن تكف عن هذا التصرف المحرم، وتستغفر الله وتتوب إليه، وتعزم على عدم العودة لمثل ذلك مرة أخرى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6303)
لا يجوز لأمين الجمعية أن يقترض من مال الجمعية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أمينا لجمعية وكنت أتصرف في مالها يعني إذا احتجت مبلغا آخذه ثم أعيده متى سنحت الظروف، لذلك لكن كنت أسجل المداخيل والمصاريف. ما حكم ما فعلته؟ وماذا يجب علي أن أفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من ائتمن على مال فالواجب عليه ألا يتصرف في هذا المال إلا بما أذن له فيه.
فأمين الجمعية مؤتمن على حفظ المال الذي يدفع إليه، وعلى إيصاله إلى مستحقيه، فلا يجوز له الاقتراض منه.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: هل يجوز للموظف أن يقترض من مال صندوق الدائرة عن طريق المحاسب نظرا لاضطراره إلى ذلك ويستقطعه المحاسب من راتبه عند الصرف في نهاية الشهر الذي اقترض فيه؟
فأجابوا:
" إذا كان الواقع ما ذكر في السؤال، فإن هذا العمل لا يجوز؛ لأن أمين الصندوق ليس له التصرف في مال الدائرة المودع لديه، لأنه أمين، والأمين لا يتصرف فيما أؤتمن عليه، وعليه التوبة إلى الله وعدم العود لمثل هذا العمل " انتهى ملخصا.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (23 / 477-478) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
"مَن أُعطي شيئاً لعمل مشروعٍ معين فإنه لا يجوز له أن يتصرف فيه أبداً، بل لابد أن يصرفه فيما أُذِنَ له فيه؛ وذلك لأن الوكالة مقيِّدة للوكيل فيما وُكِّل له فيه، لا يزيد عليها ولا ينقص" انتهى.
"لقاء الباب المفتوح" (70/16) .
وسئل الشيخ الفوزان حفظه الله: أنا أعمل في التجارة ويأتي إليَّ كثير من الإخوة المغتربين ويودعون عندي أموالاً نقدية لهم وحين يطلبونها أعطيهم إياها كاملة، ولكنني خلال فترة بقائها عندي أخلطها مع مالي وأشتغل بها لنفسي، فهل يجوز لي هذا التصرف إذا كان بدون إذنهم؟ وهل لهم نصيب من الربح مما ربحته أو مما ربحته ودائعهم أم لا؟
فأجاب:
"لا يجوز لك هذا التصرف لأنك مؤتمن وهذه ودائع في يدك الواجب عليك أن تحفظها وأن تحافظ عليها، أما إذا استعملتها فقد تعديت في الأمانة، ولو تلفت صار عليك ضمانها لأصحابها؛ لأنك قد تعديت فيها ولم تحفظها الحفظ اللازم. وأما بالنسبة لما حصل من أرباح فأرباح أموالهم لهم ولك أجرة مثلك إلا إن سمحوا لك بها أو بشيء منها؛ لأن هذه مضاربة غير صحيحة لأنها لم تكن برضى من الطرفين، والمضاربة إذا كانت غير صحيحة فإن ربحها يكون لصاحب المال ويكون للعامل أجرة مثله" انتهى.
"المنتقى من فتاوى الفوزان" (76/1) .
فالواجب عليك: التوبة إلى الله تعالى مما فعلت، وكثرة الاستغفار، والعزم على عدم العودة لمثل ذلك مرة أخرى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6304)
هل له قتل الخيول بالسم لأنها تفسد زرعه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أحد أقربائي يملك قطعة أرض مزروعة بالقمح، وبعض الخيول تأتي لتأكل من هذا القمح لكونه في أرض مفتوحة، ولا يعرف لمن تعود ملكية هذه الخيول، وهو منزعج كثيراً من هذا العمل؛ لأن محصوله كله يذهب طعاما للخيول. اقترح عليه بعض الناس أن يسمم الفرس الذي يأتي ويأكل من محصوله، لكونها الطريقة الوحيدة التي يمكنه حماية محصوله من خلالها، خاصة وأن جميع أصحاب الخيول أنكروا أنهم يطعمون خيولهم من محصوله. فهل يحل له أن يسمم الحصان لأنه يضر بمحصوله الزراعي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
أولا ً:
الواجب على أهل الزرع حفظُ زرعهم وصيانته من المواشي والحيوانات خلال النهار، فإن قصروا في حفظه تَحمَّلوا نتيجة تقصيرهم.
والواجب على أهل المواشي والخيول والجمال حفظها في الليل، فإن قصروا في ذلك لزمهم ضمان ما أتلفته حيواناتهم ليلاً.
ويدل لذلك ما جاء عن مُحَيِّصَةَ أَنَّ نَاقَةً لِلْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ دَخَلَتْ حَائِطَ رَجُلٍ (بستان) فَأَفْسَدَتْهُ عَلَيْهِمْ، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عَلَى أَهْلِ الْأَمْوَالِ حِفْظَهَا بِالنَّهَارِ، وَعَلَى أَهْلِ الْمَوَاشِي حِفْظَهَا بِاللَّيْلِ) رواه أبو داود (3569) وصححه الألباني.
قال ابن قدامة المقدسي: "لأن العادة من أهل المواشي إرسالها في النهار للرعي، وحفظها ليلاً، وعادة أهل الحوائط [البساتين] حفظها نهاراً دون الليل، فإذا ذهبت ليلاً كان التفريط من أهلها، لتركهم حفظها في وقت عادة الحفظ، وإن أتلفت نهاراً كان التفريط من أهل الزرع، فكان عليهم" انتهى من "المغني" (10/351) .
وقال ابن عبد البر: "وخبر البراء بن عازب هذا في طرح الضمان عن أهل المواشي فيما أتلفت ماشيتهم من زروع الناس نهاراً، إنما معناه عند أهل العلم: إذا أُطلقت للرعي ولم يكن معها صاحبها، وأما إذا كانت ترعى ومعها صاحبها فلم يمنعها من زرع غيره، وقد أمكنه ذلك حتى أتلفته، فعليه الضمان؛ لأنه لا مشقة عليه في منعها" انتهى من "التمهيد" (11/88) .
وواضح من سؤالك وجود تقصير من صاحب الأرض في حفظ زرعه بترك الأرض مفتوحة من غير حراسة ولا تحويط.
ثانياً:
ما دخل من هذه الحيوانات إلى أرضك، فلك منعها وإخراجها حتى لا تفسد زرعك، ويكون ذلك بأسهل ما يمكن، وليس لك الاعتداء عليها بالقتل؛ لوجود وسائل أخرى يمكن من خلالها تفادي إفسادها، كالزجر، والضرب، وتسوير الأرض.
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عَنْ قَوْمٍ دَخَلَ فِي زَرْعِهِمْ جَامُوسَانِ، فَعَرْقَبُوهُمَا [أي قطعوا عروقهما] فَمَاتَا، وَقَدْ يُمْكِنُ دَفْعُهُمَا بِدُونِ ذَلِكَ، فَمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ؟
فَأَجَابَ:
"لَيْسَ لَهُمْ دَفْعُ الْبَهَائِم الدَّاخِلَةِ إلَى زَرْعِهِمْ إلَّا بِالْأَسْهَلِ فَالْأَسْهَلِ، فَإِذَا أَمْكَنَ إخْرَاجُهُمَا بِدُونِ الْعَرْقَبَةِ فَعَرْقَبُوهُمَا، عُزِّرُوا عَلَى تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَعَلَى الْعُدْوَانِ عَلَى أَمْوَالِ النَّاسِ بِمَا يَرْدَعُهُمْ عَنْ ذَلِكَ، وَضَمِنُوا لِلْمَالِكِ بَدَلَهُمَا.
وَعَلَى أَهْلِ الزَّرْعِ حِفْظُ زَرْعِهِمْ بِالنَّهَارِ، وَعَلَى أَهْلِ الْمَوَاشِي حِفْظُ مَوَاشِيهِمْ بِاللَّيْلِ، كَمَا قَالَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" انتهى من "مجموع الفتاوى" (30/377) .
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ: "هي كالصائل، يدفع بالأسهل فالأسهل" انتهى من "الفتاوى والرسائل" (8 / 108) .
فعلى هذا، على صاحب المزرعة أن يحفظ مزرعته بالنهار، ولا يحل له قتل الخيول التي تأكل منها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6305)
كفل كفالة غرمية ومات فهل يسدد ورثته؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كفل كفالة غرمية وسدد منها جزءا ومات، هل يلزم ورثته إخراج الباقي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، فأجاب حفظه الله:
نعم، لأن هذا ضمان.
سؤال:
فإذا انصرف صاحب الحق إلى مطالبة الشخص الأصلي المكفول؟
جواب:
صاحب الحق له أن يطالب من شاء، فإن طالب صاحب الحق الأصلي فله ذلك، وإن طالب الضامن فله ذلك. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
(5/6306)
لا زكاة في الأموال المرصودة تعويضا عن نزع ملكية الأرض
[السُّؤَالُ]
ـ[أخذت الدولة أرضاً لي من أجل إنشاء طريق، وتم تحديد التعويض مقابل نزع ملكية الأرض، ولكن هذا المبلغ لا أستطيع استلامه، إلا بعد مضي سنوات، فهل تجب علي الزكاة عنه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا زكاة عليك في هذا المال حتى تقبضه، فإذا قبضته، فإنك تحسب له حولاً من يوم قبضه، ثم تزكيه بعد سنة.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن مثل هذا السؤال، فأجاب: " العقار الذي نزعت ملكيته وتم تقدير قيمته ولكن مالكه لم يتمكن من قبضها بسبب غير عائد إليه، ليس عليه زكاة حتى يقبض قيمته ويستقبل بها حولا جديدا " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (14/41) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6307)
لا يجوز أخذ الأجرة على الكفالة
[السُّؤَالُ]
ـ[طلب مني أحد الأشخاص أن أكفله في شراء سيارة بالتقسيط فرفضت فقال لي أنا نويت أعطي من سيكفلني ألفين ريال فأخذتها منه وكفلته لحاجتي للفلوس، فهل هذا المبلغ حلال لي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز أخذ أجرة على الكفالة والضمان؛ لأن هذه الأجرة ستحول عقد الكفالة إلى عقد ربوي.
وبيان ذلك:
أن الكفيل ملزم بدفع الدين عن المكفول إذا لم يقم المكفول بالسداد، وفي حالة سداد الكفيل للدين فإنه يكون قرضا منه للمكفول، يلزمه سداده له، وسيضاف إلى ذلك الأجرة التي اتفقا عليها مقابل الكفالة، فيكون قرضا بزيادة، وهذا عين الربا.
قال ابن قدامة في "المغني" (6/441) :
"ولو قال: اكفل عني ولك ألف لم يجز ; لأن الكفيل يلزمه الدين , فإذا أداه وجب له على المكفول عنه, فصار كالقرض , فإذا أخذ عوضا صار القرض جارا للمنفعة , فلم يجز " انتهى باختصار.
وقال ابن جرير الطبري في "اختلاف الفقهاء" (ص9) : " ولو كفل رجل على رجل بمال عليه لرجل، على جُعل (أجرة) جعله له المكفول عليه، فالضمان على ذلك باطل" انتهى.
وجاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي بشأن خطاب الضمان، ما يلي:
" أولاً: إن خطاب الضمان بأنواعه الابتدائي والانتهائي لا يخلو إما أن يكون بغطاء أو بدونه، فإن كان بدون غطاء، فهو: ضم ذمة الضامن إلى ذمة غيره فيما يلزم حالاً أو مآلاً، وهذه هي حقيقة ما يعني في الفقه الإسلامي باسم: الضمان أو الكفالة.
وإن كان خطاب الضمان بغطاء فالعلاقة بين طالب خطاب الضمان وبين مصدره هي الوكالة، والوكالة تصّح بأجر أو بدونه مع بقاء علاقة الكفالة لصالح المستفيد (المكفول له) .
ثانياً: إن الكفالة هي عقد تبرع يقصد به الإرفاق والإحسان، وقد قرر الفقهاء عدم جواز أخذ العوض على الكفالة، لأنه في حالة أداء الكفيل مبلغ الضمان يشبه القرض الذي جر نفعاً على المقرض، وذلك ممنوع شرعاً.
وبناء على ذلك يتقرر ما يلي:
أولاً: إن خطاب الضمان لا يجوز أخذ الأجرة عليه لقاء عملية الضمان - والتي يُراعى فيها عادة مبلغ الضمان ومدته - وسواء أكان بغطاء أم بدونه.
ثانياً: إن المصاريف الإدارية لإصدار خطاب الضمان بنوعيه جائزة شرعاً، مع مراعاة عدم الزيادة على أجر المثل، وفي حالة تقديم غطاء كلي أو جزئي، يجوز أن يُراعى في تقدير المصارف لإصدار خطاب الضمان ما قد تتطلبه المهمة الفعلية لأداء ذلك الغطاء " انتهى من "قرارات مجمع الفقه الإسلامي" ص25.
وبناء على ذلك؛ فلا يحل لك أخذ هذا المال، ويجب عليك رده إلى صاحبه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6308)
تعطي الشركة لمن يشتري جوالا بطاقة سحب على جوال آخر
[السُّؤَالُ]
ـ[أقوم ببيع أجهزة موبايل لإحدى الشركات وفي إحدى المرات قامت الشركة بتوزيع بطاقة مع كل جهاز تخول صاحبها الدخول إلى سحب وبموجبه يربح الزبون ويشاركه في الربح صاحب نقطة البيع حيث يربح كل منهما جهاز موبايل فهل هذا الربح حلال؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين، سبق بيانهما في الجواب رقم (22862) ،
وقد ذكرنا أن الأقرب هو القول بالجواز بشرطين:
الأول: أن تباع السلعة بثمنها المعتاد، ولا يزاد في الثمن من أجل الجائزة، فإنْ رُفع السعر من أجل الجائزة: فهذا قمار ولا يحل.
الثاني: أن يشتري الإنسان السلعة للانتفاع بها، فإن اشتراها من أجل الجائزة فقط، وليس له غرض في السلعة، فإن هذا نوع من الميسر، ومن إضاعة المال.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6309)
هل يلزمها إعادة الإناء لأصحاب الشقة المفروشة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت مستأجرةً شقة مفروشة وقمت بإهداء الطعام لأحد المعارف لنا في إناء من أواني الشقة، ولا أذكر أنه أرجع لي الإناء، والعرف عندنا أنه يجب على المرء أن يعيد الإناء الذي أهدي فيه الطعام! وأنا الآن قد تركت الشقة، فهل علي أنا أم على معارفي إرجاع الإناء، أو تعويض ثمنه لأصحاب الشقة المفروشة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
استئجار الشقق المفروشة داخلٌ تحت أحكام عقد الإجارة التي بينها الفقهاء في كتبهم.
" هذا العقد يتكرر في حياة الناس في مختلف مصالحهم وتعاملهم اليومي والشهري والسنوي، فهو جدير بالتعرف على أحكامه، إذ ما مِن تعامُلٍ يجري بين الناس في مختلف الأمكنة والأزمنة، إلا وهو محكوم بشريعة الإسلام، وفق ضوابط شرعية ترعى المصالح وترفع المضار " انتهى من "الملخص الفقهي" (2/114)
ومن أحكام الإجارة التي بيّنها العلماء: أنه يجوز للمستأجر أن يعير ما استأجره، كما في "مغني المحتاج" (3/315) ويستعمله ثم يردّه.
وعلى هذا لا حرج عليك في إعارة هذا الإناء لمعارفك.
ثانيا:
الشقة المستأجرة أو غيرها مما يستأجره الناس أمانة في يد المستأجِر، ومعنى ذلك: أنه لا يضمن ما يتلف فيها بغير تعد ولا تقصير.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (1/27) :
" ولا خلاف في أن العين المستأجَرةَ أمانة في يد المستأجِر، فلو هلكت دون اعتداء منه أو مخالفة المأذون فيه إلى ما هو أشد، أو دون تقصير في الصيانة والحفظ، فلا ضمان عليه " انتهى.
انظر "بدائع الصنائع" (4/210) ، "المغني" (5/311)
فإذا ذهبت العين المستأجرة بتقصير أو تعدٍّ من المستأجِر فإنه يضمن مثلها إن كان لها مثل، أو قيمتها إن لم يكن لها مثل.
والذي يظهر من سؤال الأخت السائلة أنها كانت مقصِّرَةً في متابعة الإناء الذي أعارته معارفها، فكان عليها أن تطلبه من الذين استعاروه، فلما لم يحصل ذلك كان التقصير واقعا، والواجب عليها حينئذ ضمان الإناء لأصحاب الشقة المفروشة، فإما أن تتابع معارفها الذين أخذوا الإناء فتأخذه منهم وتعطيه أصحاب الشقة، أو تشتري لهم بدله مماثلا له، فإن لم يوجد تدفع لهم قيمته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6310)
حكم الكفالة المالية وهل تتأثر إذا انتقل الدين إلى دائن آخر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل أعطى كفالة مالية لشركة استقرضت من بنك تقليدي، ومع مرور الوقت اندمج البنك مع بنك آخر وانتقلت كل حقوق ومسؤليات البنك الأول إلى البنك الثاني، فهل يحق للبنك الجديد أن يطالب الكفيل بالمبلغ المكفول؟ بعبارة أخرى: هل تتأثر الكفالة مع تغير الدائن أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الكفالة المعطاة للشركة إن كانت كفالة قرض ربوي – وهذا هو الظاهر من كلامك، لأنك ذكرت أن البنك تقليدي، أي ربوي - فهي كفالة محرمة، وهي من التعاون على الإثم والعدوان، وقد نهى الله تعالى عن ذلك بقوله: (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْم وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2.
والواجب عليك أن تتوب إلى الله من فعلك، وأن تعزم أن لا تعود لمثله، ويجب عليك أن تنصح الشخص الذي كفلته أن يتخلص من قرضه ومعاملته المحرمة، كما يجب عليك أن تسحب كفالتك إن أمكنك ذلك.
أما إن كانت الكفالة شرعيَّة، وكانت المعاملة غير محرمة: فكفالتك له جائزة، بل هي من فعل الخير، ولك فيها أجر، وهي من الإحسان إلى الناس.
ثانياً:
المعروف في نظام الشركات – وهو غير مخالف للشرع – أنه في حال بيعها أو اندماجها مع أخرى أنه تنتقل بموجوداتها وذممها إلى الشركة الأخرى، وكل ما للشركة الأولى على الآخرين يصبح للشركة الثانية، وما على الأولى ينتقل ليصبح على الثانية.
وعلى هذا فللبنك الجديد أن يطالبك بالمال المكفول.
وفي القرض الربوي ليس له شرعاً أن يطالبك إلا برأس المال فقط، دون الفوائد الربوية، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ) رواه مسلم (1218) .
قال النووي في شرح مسلم: "قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرِّبَا: (أَنَّهُ مَوْضُوع كُلّه) مَعْنَاهُ الزَّائِد عَلَى رَأْس الْمَال كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى: (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوس أَمْوَالكُمْ) وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْته إِيضَاح , وَإِلَّا فَالْمَقْصُود مَفْهُوم مِنْ نَفْس لَفْظ الْحَدِيث , لِأَنَّ الرِّبَا هُوَ الزِّيَادَة , فَإِذَا وُضِعَ الرِّبَا فَمَعْنَاهُ وَضْع الزِّيَادَة , وَالْمُرَاد بِالْوَضْعِ الرَّدّ وَالْإِبْطَال" انتهى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6311)
الوديعة إذا هلكت بدون تعد لا تضمن
[السُّؤَالُ]
ـ[أردت السفر فحمّلني شخص مالا أمانة لإيصاله إلى قريب له، فاستولت عليه سلطات المطار التي لا تسمح بخروج مبلغ زائد على حد معين، وأخذوا مالا خاصا بي أيضا، فهل يجب علي تعويض صاحب المال؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المودع أمين وإذا هلك ما في يده بدون تعد فلا ضمان عليه فإذا كان الأمر كما ذكرت فلا يجب عليك رد بدله.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة
فتاوى إسلامية 3/7
(5/6312)
تحريم استعمال الأمانة بغير إذن صاحبها
[السُّؤَالُ]
ـ[ترك شخص سيارته عندي أمانة حتى يعود من سفره، فاضطررتُ لاستعمالها بدون أخذ إذن منه، فهل يجوز استعمالها مدة غيابه أم أعيدها لمكانها، مع العلم أني محتاج لاستعمالها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يحرم استعمالها بدون إذن، فإن العلماء قالوا: ويحرم التصرف في الأمانة بغير إذن صاحبها، وهذا يتنافى مع الأمانة التي ائتمنك عليها صاحبها، فلا يجوز لك أن تستعملها إلا بإذنه، فعليك أن تردها إلى مكانها وأن تحافظ عليها، وما فعلته من هذا الاستعمال هو استعمال في غير محله وأنت آثم إلا إذا سامحك صاحبها وأباحها لك فلا مانع حينئذ، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى سماحة الشيخ عبد الله بن حميد ص 196
(5/6313)
من سرق ماله الحرام هل يخرجه مرة أخرى
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل كان يملك أسهم بنوك ربوية فباعها وكسب منها وأخذ المال ووضعه في بيته، فدخل لص فسرق المال، ثم تاب الرجل، فهل يلزمه إخراج المال مرة أخرى؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله:
لا، ليس عليه شيء.
سؤال:
هل لأنه تاب؟
الجواب:
نعم.
سؤال:
إذن نقول بما أنه قد تاب فلا يلزمه إخراجه مرة أخرى.
جواب:
نعم فلا شيء عليه. أهـ. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح العثيمين
(5/6314)
استودع عنده شيئا في الحرم وتركه فماذا يفعل
[السُّؤَالُ]
ـ[استودع عنده حاج سجادة في الحرم أمانة، فقال سوف أذهب فأطوف وأرجع، فانتظره من الظهر إلى بعد العشاء فلم يأتي، فماذا يفعل بها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله:
يتصدق بها.
سؤال:
هل هذه لقطة الحرم؟
جواب:
هذه لشخص (معيّن) لكنه مجهول، فيتصدق بها عنه، وليست مثل لقطة الحرم، لأنّ اللقطة لا يُدرى لمن هي. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
(5/6315)
سرق مالا عاما فسرق منه
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل سرق شيئا من المرافق العامة في دولة كافرة، ثم سرق منه، فهل يجب عليه إخراجه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين فأجاب حفظه الله:
لا يغرمه وتكفيه التوبة. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الله بن جبرين
(5/6316)
حكم رفع سعر السلعة لزيادة مدة الضمان
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم رفع سعر السلعة لزيادة مدة الضمان؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا السؤال التالي على فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين فأجاب حفظه الله:
لا بأس به إذا كان عن تراض …. أما بيع كروت الضمان مستقلة فلا يجوز، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الله بن جبرين
(5/6317)
باب في أحكام الإتلافات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم إذا أتلف شخص مالاً لغيره؟ وهل يختلف الحكم إذا كان بقصد أو بدون قصد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن الله تعالى حرم الاعتداء على أموال الناس وابتزازها بغير حق , وشرع ضمان ما أتلف منها بغير حق , ولو عن طريق الخطأ. فمن أتلف مالاً لغيره , وكان هذا المال محترماً , وأتلفه بغير إذن صاحبه؛ فإنه يجب عليه ضمانه.
قال الإمام الموفق لا نعلم فيه خلافا وسواء في ذلك العمد والسهو والتكليف وعدمه وكذا من تسبب في إتلاف مال كما لو فتح بابا فضاع ما كان مغلقا عليه أو حل وعاء فانساب ما في الوعاء وتلف ضمن ذلك وكذا لو حل رباط دابة أو قيدها فذهبت وضاعت ضمنها وكذا لو ربط دابة بطريق ضيق فنتج عن ذلك أن عثر بها إنسان فتلف أو تضرر ضمنه لأنه قد تعدى بالربط في الطريق وكذا لو أوقف سيارة في الطريق فنتج عن ذلك أن اصطدم بها سيارة أخرى أو شخص فنجم عن ذلك ضرر ضمنه لما رواه الدارقطني وغيره من وقف دابة في سبيل المسلمين أو في سوق من أسواقهم فوطئت بيد أو رجل فهو ضامن وكذا لو ترك في الطريق طينا أو خشبة أو حجرا أو حفر فيه حفرة فترتب على ذلك تلف المار أو تضرره أو ألقى في الطريق قشر بطيخ ونحوه أو أرسل فيه ماء فانزلق به إنسان فتلف أو تضرر ضمنه فاعل هذه الأشياء في جميع هذه الصور لتعديه بذلك وما أكثر ما يجري التساهل في هذه الأمور في وقتنا وما أكثر ما يحفر في الطريق ويسد وتوضع فيه العراقيل وما أكثر الأضرار الناجمة عن تلك التصرفات دون حسيب أو رقيب حتى إن أحدهم ليستولي على الشارع ويستعمله لأغراضه الخاصة ويضايق المارة ويضر بهم ولا يبالي بما يلحقه من الإثم من جراء ذلك ومن الأمور الموجبة للضمان ما لو اقتنى كلبا عقورا فاعتدى على المارة وعقر أحدا فإنه يضمنه لتعديه باقتناء هذا الكلب وإن حفر بئرا في فنائه لمصلحته ضمن ما تلف بها لأنه يلزمه أن يحفظها بما يمنع ضرر المارة فإذا تركها بدون ذلك فهو متعد وإذا كان له بها بهائم وجب عليه حفظها في الليل من إفساد زروع الناس فإن تركها وأفسدت شيئا ضمنه لأن النبي صلى الله عليه وسلم: (قضى أن على أهل الأموال حفظها بالنهار وما أفسدت بالليل مضمون عليهم) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه، فلا يضمن صاحب البهيمة ما أتلف بالنهار إلا إن أرسلها صاحبها بقرب ما تتلفه عادة قال الإمام البغوي رحمه الله: " ذهب أهل العلم إلى ما أفسدت بالليل ضمنه مالكها لأن في العرف أن أصحاب الحوائط والبساتين يحفظونها بالنهار وأصحاب المواشي يحفظونها بالليل فمن خالف هذه العادة كان خارجا عن العرف هذا إذا لم يكن مالك الدابة معها هذا فإن كان معها فعليه ضمان ما أفسدته " انتهى وقد ذكر الله قصة داود وسليمان وحكمهما في ذلك فقال سبحانه: (وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين، ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما) , قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " صح بنص القرآن الثناء على سليمان بتفهيم الضمان بالمثل فإن النفش رعي الغنم ليلا وكان ببستان عنب فحكم داود بقيمة المتلف فاعتبر الغنم فوجدها بقر القيمة فدفعها إلى أصحاب الحرث وقضى سليمان بالضمان على أصحاب الغنم , وأن يضمنوا ذلك بالمثل , بأن يعمروا البستان حتى يعود كما كان , ولم يضيع عليهم مغله من حيث الإتلاف إلى حين العود , بل أعطى أصحاب البستان ماشية أولئك , ليأخذوا من نمائها بقدر نماء البستان , فيستوفوا من نماء غنمه نظير ما فاتهم من نماء حرثهم , واعتبر الضمانين فوجدها سواء , وهذا هو العلم الذي خصه الله به أثنى عليه بإدراكه " انتهى.
وإذا كانت البهيمة بيد راكب أو قائد أو سائق؛ ضمن جنايتها بمقدمها؛ كيدها وفمها , لا ما جنت بمؤخرها كرجلها؛ لحديث: (الرجل جبار) وفي رواية أبي هريرة: (رجل العجماء جبار) , والعجماء البهيمة , سميت بذلك لأنها لا تتكلم , وجبار- بضم الجيم -؛ أي: جناية البهائم هدر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (كل بهيمة عجماء كالبقر والشاة؛ فجناية البهائم غير مضمونة إذا فعلت لنفسها كما لو انفلتت ممن هي في يده وأفسدت؛ فلا ضمان على أحد , ما لم تكن عقوراً , ولا فرط صاحبها في حفظها في الليل أو في أسواق المسلمين ومجامعهم , وكذا قال غير واحد: إنه إنما يكون جباراً إذا كانت منفلتة ذاهبة على وجهها ليس لها قائد أو سائق؛ إلا الضارية) .
وإذا صال عليه آدمي أو بهيمة , ولم يندفع إلا بالقتل , فقتله؛ فلا ضمان عليه؛ لأنه قتله دفاعاً عن نفسه , ودفاعه عن نفسه جائز , فلم يضمن ما ترتب عليه ولأن قتله لدفع شره , ولأنه إذا قتله دفعاً لشره؛ كان الصائل هو القاتل لنفسه.
قال الشيخ تقي الدين: (عليه أن يدفع الصائل عليه , فإن لم يندفع إلا بالقتل؛ كان له ذلك باتفاق الفقهاء) .
ومما لاضمان في إتلافه: آلات اللهو , والصليب , وأواني الخمر , وكتب الضلال والخرافة والخلاعة والمجون؛ لما روى أحمد عن ابن عمر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يأخذ مدية , ثم خرج إلى أسواق المدينة , وفيها زقاق الخمر قد جلبت من الشام , فشققت بحضرته , وأمر أصحابه بذلك) . فدل الحديث على طلب إتلافها وعدم ضمانها , لكن لا بد أن يكون لإتلافها بأمر السلطة ورقابتها؛ ضماناً للمصلحة , ودفعاًُ للمفسدة.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب الملخص الفقهي للشيخ صالح آل فوزان ص 133
(5/6318)
أخذت خاتماً من أمها بغير إذنها وأضاعته
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد قمت في يوم من الأيام بأخذ خاتمٍ من أمي وهي لا تعلم وبالخطأ أضعته.. كانت تبحث عنه ولم أخبرها بأنني أخذته وأضعته..مع العلم أنني كنت في الثانية عشرة من عمري.. وأنا الآن نادمة أشد الندم على ذلك وأود أن أكفر عن ذنبي.. فماذا أفعل أفيدوني جزاكم الله خيراً]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فقد أخطأتِ في أخذكِ للخاتم دون إذن، وفي عدم إخبار والدتك بعد ضياعه، والواجب عليك الآن مصارحة والدتك وطلب العفو منها، وتعويضها خاتما مثل خاتمها، فإن من أخذ متاع غيره بلا إذن فهو غاصب، وعليه أن يضمن ما أخذه، وصغر السن دون البلوغ يرفع الإثم، ولكنه لا يُسقط الضمان، لما تقرر عند أهل العلم من أن الصبي يلزمه ضمان المتلفات وضمان النقص الذي يحصل في قيمة ما أخذه ثم أرجعه.
لكن إن غلب على ظنك أن مُصارحتها بذلك ستؤدي إلى قطيعة أو شقاق بينكما، فاكتف بإعطائها خاتماً، ولو كان على سبيل الهدية في الظاهر.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6319)
غرامة التأخير
[السُّؤَالُ]
ـ[أب مسلم يدفع رسوم مدرسة إسلامية، تأخر الوالد في دفع رسوم هذا الشهر فطلبت منه المدرسة أن يدفع غرامة تأخير فما حكم هذه الغرامة وما حكم غرامة التأخير عموماً؟
أليست نوعاً من الربا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز تأخير الحق والمماطلة في أدائه، ومن حَق من له المال المطالبة بماله ويفسخ العقد فيما بقي من وقته، إلا أنه لا يحل للمتضرر بالتأخير أن يأخذ زيادة على ماله إلا على سبيل الغرامة في عقود المقاولة، وهو ما يعرف بالشرط الجزائي إذا اتفقا على ذلك أو بأمر الحاكم الشرعي على سبيل الردع والزجر عن التساهل في حقوق الآخرين.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
(5/6320)
حكم التصرف في الوديعة واستثمارها
[السُّؤَالُ]
ـ[أودع عندي أحد الناس نقودا فاستفدت من هذه النقود واستثمرتها وعندما جاء صاحب المال رددت له ماله كاملا ولم أخبره بما استفدته من ماله.. فهل تصرفي جائز أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا أودع أحد عندك وديعه فليس لك التصرف فيها إلا بإذنه.. وعليك أن تحفظها فيما يحفظ فيه مثلها، فإذا تصرفت فيها بغير إذنه فعليك أن تستسمحه فإن سمح لك وإلا فأعطه ربح ماله أو اصطلح معه على النصف أو غيره والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا حرم حلالا أو أحل حراما.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ ابن باز رحمه الله، فتاوى إسلامية 3/7
(5/6321)
سافر صاحب السلعة دون أن يأخذ الثمن
[السُّؤَالُ]
ـ[اشتريت سلعة من شخص على أن أعطيه ثمنها بعد ذلك ثم سافرت، ولما عدت من سفري علمت بسفره هو ولم أجد له عنوانا، فتركت عنواني عند أصحابه، إلا انه لم يتصل، فماذا أفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب عليك ان تسأل معارفه وتبذل وسعك حتى تعرف عنوانه وترسل إليه المبلغ الذي لديك له أو تسافر إليه حتى تعطيه حقه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ". ولا يجوز لك التساهل في الأمر فإن عجزت ولم تعثر عليه فتصدق به عنه مضمونا عليه ومتى وجدته خيرته بين تسليم حقه فيكون لك أجر الصدقة وبين إعطائه الصدقة فيكون الأجر له لقول الله تعالى: " فاتقوا الله ما استطعتم " وقوله عز وجل: " لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ".
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ ابن باز رحمه الله
فتاوى إسلامية 3/11
(5/6322)
ضمان الأمانات
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كنت مسافراً وأعطاك شخص أمانة توصها لآخر عبارة عن مال أو شيء ما وفُقدت منك هذه الأمانة بسبب سرقة أو أمر لا تقدر عليه، فهل يجب عليك أن تعيد المبلغ أو الشيء الذي فقدته للشخص الذي حملك الأمانة؟ أرجو التوضيح.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
بالنسبة لهذه الأمانة الإنسان مؤتمن عليها، وإذا كان كذلك فإنه يجب عليه أن يحفظها، لان الله عز وجل يقول: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) النساء / 58 ومن أدائها حفظها؛ فلا بد أن يحفظها في حرزها.
فأن حفظها في حرزها التي تحرز فيه وتحفظ فيه ولم يتعدّ ولم يفرط - والتعدي فعل ما لا يجوز، والتفريط ترك ما يجب - ففي هذه الحال لا شيء عليه.
أما إذا فرط ولم يحفظها في حرزها، أو تعدى ووضعها في مكان لا يؤمن عليها مع قدرته أن يضعها في مكان يؤمن عليها فيه، أو تصرف فيها؛ أو استعملها ونحو ذلك، ثم بعد ذلك سرقت منه؛ فإنه يضمن.
فالضابط في ذلك هو التعدي والتفريط فإذا لم يتعدّ ولم يفرط لم يضمن.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ الدكتور خالد المشيقح
(5/6323)
هل يجوز أن يضمن شخصاً في قرض من البنك؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم الإسلام في ضمان أخ في قرض من البنك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان هذا القرض ربوياً (كما هو واقع أكثر البنوك) بمعنى أن البنك يأخذ عليه فائدة فإنه لا يجوز لك أن تضمن المقترض، لأن في ذلك إعانة للمتقرض والبنك على الربا الذي حرمه الله ورسوله وأجمع المسلمون على تحريمه.
سئل علماء اللجنة عن حكم كفالة المقترض من بنك ربوي فأجابوا:
إذا كان الواقع كما ذُكر من أخذ البنك فائدة على القرض: لم يجز للمدير ولا للمحاسب ولا لأمين الصندوق التعاون معهم في ذلك؛ لقوله تعالى: (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2؛ ولما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم " لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء ".
" فتاوى اللجنة الدائمة " (13 / 410) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6324)
حكم التعامل بخطاب الضمان
[السُّؤَالُ]
ـ[من الأمور المتعارف عليها في الأنظمة المالية اليوم أن التاجر إذا أراد أن يستورد بضاعة مثلا فإنه يطلب من البنك خطاب ضمان على مبلغ معيّن في حسابه أو من البنك ويأخذ البنك مقابلا على إعطائه خطاب الضمان فما حكم خطاب الضمان هذا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: إن خطاب الضمان بأنواعه الابتدائي والانتهائي لا يخلو إما أن يكون بغطاء أو بدونه، فإن كان بدون غطاء، فهو: ضم ذمة الضامن إلى ذمة غيره فيما يلزم حالاً أو مآلاً، وهذه هي حقيقة ما يعني في الفقه الإسلامي باسم: الضمان أو الكفالة.
وإن كان خطاب الضمان بغطاء فالعلاقة بين طالب خطاب الضمان وبين مصدره هي الوكالة، والوكالة تصّح بأجر أو بدونه مع بقاء علاقة الكفالة لصالح المستفيد (المكفول له) .
ثانياُ: إن الكفالة هي عقد تبرع يقصد به الإرفاق والإحسان، وقد قرر الفقهاء عدم جواز أخذ العوض على الكفالة، لأنه في حالة أداء الكفيل مبلغ الضمان يشبه القرض الذي جر نفعاً على المقرض، وذلك ممنوع شرعاً.
وبناء على ذلك يتقرر ما يلي:
أولاً: إن خطاب الضمان لا يجوز أخذ الأجرة عليه لقاء عملية الضمان - والتي يُراعى فيها عادة مبلغ الضمان ومدته - وسواء أكان بغطاء أم بدونه.
ثانياً: إن المصاريف الإدارية لإصدار خطاب الضمان بنوعيه جائزة شرعاً، مع مراعاة عدم الزيادة على أجر المثل، وفي حالة تقديم غطاء كلي أو جزئي، يجوز أن يُراعى في تقدير المصارف لإصدار خطاب الضمان ما قد تتطلبه المهمة الفعلية لأداء ذلك الغطاء. والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
قرارات مجمع الفقه الإسلامي ص25
(5/6325)
أخذ رسوم من الصبيان على مشاهدة الحيوانات والطيور
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مشرفة نشاط بأحد الدور النسائية وقد اقترحت علي الإدارة بعض الأنشطة التي يتم فيها أخذ بعض المال من الطالبات لحضور النشاط، مثلا يكون عندنا نشاط يباع فيه مجموعة من الطيور والحيوانات وتكون الطالبات مخيرات بين الشراء وعدمه لكن قبل أن يشاهدن ما يوجد بالقاعة يطلب منهن دفع مبلغ مالي مقابل الدخول علما بأن من الطالبات صغيرات لا يميزن مثل أربع وخمس سنوات هل هذا جائز أو يدخل في بيع المجهول؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا: اختلف الفقهاء في صحة بيع الصبي وشرائه، والراجح جواز ذلك في حالتين:
الأولى: أن يكون في الشيء اليسير، فيصح منه ولو كان دون التمييز.
الثانية: أن يكون بإذن وليه.
والشيء اليسير كالرغيف، وقطعة الحلوى، ونحو ذلك.
قال في "مطالب أولي النهى" (3/10) : " (إلا في) شيء (يسير) ; كرغيف , وحزمة بقل , وقطعة حلوى ونحوها ... وإلا (إذا أذن لمميز وسفيه وليهما) ; فيصح - ولو في الكثير - لقوله تعالى: وابتلوا اليتامى (ويحرم) إذن ولي لهما بالتصرف في مالهما (بلا مصلحة) ; لأنه إضاعة " انتهى.
وينظر: سؤال رقم (97489) .
وعليه فإذا كان ثمن هذه الطيور يسيرا، أو كان ذلك بمعرفة ولي أمر الصغيرة جاز بيعه لها.
ثانيا:
ما يؤخذ على دخول القاعة إن كان في مقابل الفرجة على الطيور والحيوانات: جاز؛ لأنها أجرة على منفعة، وهي المشاهدة والمتعة، كالرسوم التي تؤخذ على دخول حديقة الحيوان، على أن تكون المدة المتاحة للمتفرج معلومة من حيث العموم؛ لأن من شرط الإجارة العلم بالمنفعة المستأجرة.
وإن كان ما يؤخذ منهن لأجل التمكن من الشراء، ولا يحصل بالدخول مشاهدة واستمتاع، لم يجز؛ لأنه مال في غير مقابل.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6326)
صَادَر بحكم وظيفته رخاماً قبل ثلاثين سنَة على أن يتلفه ولم يفعل فهل يضمنه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[في عام 1401 هـ تقريباً كان عمري حينها في بداية العشرينات , وكنت أعمل في شركة للنظافة في مدينتي بجانب كوني طالباً بالجامعة , وكان العمل الموكَّل لي " فرقة للطوارئ " - حينها - لإزالة أي مخالفات، أو متروكات، بعد الكتابة عليها، بالإزالة خلال فترة محددة حسب تعليمات البلدية. وكان لي قريب يعمِّر عمارة , وخلال جولاتنا وجدتُ صناديق تحوي رخاماً , وكتبْتُ عليها: " تُرفع عن الشارع وإلا ستزال وتعدم "؛ حيث كنا أي مخلَّف نجده ولا يزيله صاحبُه: نزيله، ونرميه في مرمى البلدية العام. صاحب الرخام لم يَرفع الرخام من الشارع، وخطر ببالي بدلاً من دفنه بمرمى البلدية أن أعطيه لقريبي ليستفيد منه، وبالفعل عقب فوات المدة المقررة: رفعنا الرخام، وبدلاً من المرمى العام للبلدية: أوصلته لعمارة قريبي الذي سبق أن أبلغته بأن هناك رخاماً سأحضره له لو لم يرفعه صاحبه بعد رفعه , وللأمانة لأني أريد أن أقابل الله بعمل صالح: حضر صاحب البلاط لنا، وقدَّم شكوى، وهدَّد، وقلنا له: البلاط أُتلف. سؤالي: والله، ثم والله، ثم والله، لي فترة من الزمن وأمْر البلاط في بالي، فصاحب المنزل والله لا أعرف من هو , وأريد فتوى، هل تصرفي فيه شيء، وإن كان فيه: أريد أن أبرئ ذمتي قبل أن يأتي عليَّ يوم لا ينفع فيه الندم. القصة مرَّ عليها قرابة 30 عاماً، والصناديق والله لا أعلم إن كانت 4، أو أكثر، أو أقل. أفتوني، جزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
تعزير ولي الأمر المخالفين للأنظمة التي فيها منافع للناس، وتدفع عنهم الضرر – كأنظمة المرور، والأغذية -: لا حرج فيه، بل هو واجب عليهم إن لم يرتدع المخالفون إلا بذلك.
وهناك خلاف بين العلماء في جواز التعزير بالمال، والراجح: جواز التعزير بالمال، وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، وهو ما رجحه "مجمع الفقه الإسلامي"، كما تجده في أجوبة الأسئلة: (21900) و (130222) و (69872) و (72831) .
وعليه: فيجوز مصادرة البضاعة التي خالف صاحبها الأنظمة بوضعها في طريق الناس، أو باحتمال تسببها بأذى، أو ضرر، وكان قد أُنذر صاحبها بأنها ستصادر إن لم يرفعها من طريق الناس.
وعلى هذا، فلو صادرت هذه الصناديق وأتلفتها لم يكن عليك حرج، ولكنك أخذتها لنفسك، ولم تتلفها، وهذا اعتداء وغصب، فتكون ضامنا لهذا الرخام لصاحبه.
فيجب عليك البحث والسؤال عنه، عن طريق معرفتك بالبيت الذي أخذت الرخام من عنده، فإن وصلت إليه أو إلى ورثته فالواجب أن ترد إليهم قيمة هذا الرخام، وتطلب منهم العفو والمسامحة.
وإذا يئست من الوصول إليه فإنك تتصدق بقيمة هذا الرخام عنه.
وأما بخصوص تقدير كمية الصناديق: فإنك تبني على الأكثر، فإن ترددت في كونها ثلاثة أو أربعة: فاجعلها الأكثر، وهي أربعة.
وانظر لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم: (31234) .
ونسأل الله أن يتقبل توبتك.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6327)
شراء البيت عن طريق الإيجار المنتهي بالتمليك
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني أعيش في بريطانيا ومن المستحيل شراء منزل هناك إلا إذا كان لديك مبلغ كبير جدا من المال. وهناك الآن صكوك رهن حلال تعرض على المسلمين وأود أن أعرف هل هذا الأمر جائز. وطريقة المعاملة بهذه الصكوك هي أن البنك الإسلامي يقوم بدفع 80% من قيمة البيت وأقوم أنا بدفع قيمة20% ثم أقوم بالعيش في البيت وأدفع قسطا شهريا للبنك مقابل البيت وهذا القسط يتكون من جزأين جزء لسداد قيمة 80% التي يمتلكها البنك والجزء الآخر هو قيمة إيجار أدفعها للبنك لأنني أسكن في ملكه الذي تبلغ قيمته 80% كما أن قسط الإيجار يتكرر كل ستة أشهر يقوم البنك بعدها بالمراجعة وتوضع شروط إيجار جديدة للستة أشهر القادمة. ويظل الأمر هكذا لحين استكمال دفع القيمة الكاملة التي يملكها البنك وهي 80%. فهل يجوز هذا؟ هل يمكنكم أن تجيبوا علي هذا السؤال لأنني متزوج وبحاجة ماسة للبيت وليس أمامي سوى هذا الاختيار لتجنب الإيجار. وسوف أكون ممنونا جدا إذا ما أجبتموني. جزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي يفهم من السؤال أن البنك يقوم ببيع نصيبه من البيت لك، ويكون الثمن مقسطاً على دفعات شهرية، ومع ذلك يحتفظ البنك بملكيته للبيت حتى تمام سداد الأقساط، وخلال ذلك يقوم بتأجيرك نصيبه من البيت.
وبناء على ذلك فإنك تدفع مبلغاً شهرياً يكون جزء منه قسطاً لثمن البيت، وجزء منه مقابل استئجارك للبيت.
وهذه الصورة هي إحدى صور " الإجارة المنتهية بالتمليك "، وهي من الصور المحرمة لاشتمالها على جملة من المحاذير، وهي:
1- مخالفتها لمقتضى عقد البيع، حيث إن البيع يقتضي انتقال العين المبيعة للمشتري، وفي هذه الصورة يبقى البيت تحت ملكية البنك ولا ينتقل للمشتري.
ومن قرارات مجمع الفقه الإسلامي: " لا حق للبائع في الاحتفاظ بملكية المبيع بعد البيع ". "قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي صـ110".
2- توارد عقدان وهما البيع والإجارة على عين واحدة في نفس الوقت، وهما عقدان مختلفان، فالبيع يلزم منه انتقال العين بمنافعها إلى ملك المشتري، فضمانها عليه ومنافعها له، والإيجار يلزم منه أن تبقى العين في ملك صاحبها وينتفع المستأجر بالمنافع فقط، ولا تصرف له في العين.
وقد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي: " ضابط المنع [يعني: منع الإجارة المنتهية بالتمليك] : أن يرد عقدان مختلفان في وقت واحد على عين واحدة في زمن واحد " انتهى.
وينظر جواب السؤال: (97625) ، (125909) .
والمخرج من ذلك:
أن يبيعك البنك نصيبه من البيت بأقساط شهرية، ولو كانت زائدة عن السعر الذي اشتراه بها، ويجعل البيت رهناً حتى تسديد كامل الأقساط لضمان حقه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6328)
حكم التأجير المنتهي بالتمليك مع اشتراط الصيانة على المستأجر
[السُّؤَالُ]
ـ[ذهبت لشراء سيارة من أحد معارض السيارات، بنظام: "التأجير المنتهي بالتمليك" وكان من بنود العقد: أن نفقات الصيانة خلال مدة التأجير تكون على المستأجر، وليس على المعرض، فهل هذا جائز؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عقد الإجارة المنتهي بالتمليك، له صور، منها الجائز، ومنها الممنوع. ومن الصور الجائزة: أن يقترن بعقد الإجارة وعدٌ بالبيع، ثم إذا انتهت الإجارة أجرى الطرفان عقد البيع بما يتفقان عليه من الثمن، فهذا جائز.
ومنها: أن يقترن عقد الإجارة بعقد هبةٍ للعين معلقا على سداد كامل الأجرة، أو بوعدٍ بالهبة بعد سداد كامل الأجرة، فهذا جائز.
ويشترط في جميع الصور الجائزة أن تكون الإجارة حقيقية، غير ساترة للبيع , فيكون ضمان السلعة المؤجرة أي السيارة أو العقار على المؤجِّر (الشركة) ، لا على المستأجر، وكذلك نفقات الصيانة تكون على المؤجِّر لا على المستأجر طوال مدة الإجارة، وهذا بخلاف البيع، فإن الضمان فيه والصيانة كلها على المشتري، لأنه يملك السلعة بمجرد العقد، ويكون ضمانها عليه إذا استلمها.
وفي حال اشتمال العقد على تأمين العين المؤجرة فيجب أن يكون التأمين تعاونيا إسلاميا لا تجاريا، ويتحمله المالك المؤجر وليس المستأجر، سواء كان التأمين شاملا أو جزئيا؛ لأن ضمان العين المؤجرة عليه لا على المستأجر، ولا يضمنها المستأجر إلا إذا حصل منه تعدٍّ أو تقصير.
فتحصل من ذلك أنه يشترط لصحة العقد أمور:
1- أن يكون ضمان العين على المالك لا على المستأجر.
2- أن تكون الصيانة - غير التشغيلية - على المالك خلال مدة الإجارة كلها.
3- أنه لا يجوز إلزام المستأجر بالتأمين، بل التأمين على المالك.
وهذه الأمور جاء منصوصا عليها في قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي، وسبق نقله في جواب السؤال رقم (97625) .
ومما ورد فيه بشأن الصيانة: " تكون نفقات الصيانة غير التشغيلية على المؤجِّر لا على المستأجر طوال مدة الإجارة ".
وأما الصيانة التشغيلية، ويراد بها ما تحتاجه الآلة للاستمرار في العمل كالزيت ونحوه، فهذه تكون على المستأجر.
وقد ذهب بعض العلماء ـ وهو رواية عن الإمام أحمد، كما في "المغني" (5/311) – إلى أنه يجوز أن يشترط المؤجِّر على المستأجر أن يكون ضمان العين المؤجرة عليه، فلعل المعرض قد استفتى من أفتاه بهذا القول.
وهذا القول مخالف لما اعتمده مجمع الفقه الإسلامي كما سبق، ومخالف أيضا لما عليه جمهور الفقهاء.
قال في "درر الحكام شرح مجلة الأحكام" (1/514) : " إذا شرط الضمان على المستأجر في حال تعيب أو هلاك المأجور بلا تعد ولا تقصير، أو شرط رد المأجور إلى المؤجر بلا عيب تكون الإجارة فاسدة " انتهى.
وصرح المالكية أيضا بفساد الإجارة عند اشتراط الضمان على المستأجر. ينظر: "المدونة" (3/450) ، "بلغة السالك" (4/42) .
وقال في "المغني" (5/311) : " فإن شرط المؤجِّر على المستأجر ضمان العين , فالشرط فاسد ; لأنه ينافي مقتضى العقد. وهل تفسد الإجارة به؟ فيه وجهان , بناء على الشروط الفاسدة في البيع. قال أحمد فيما إذا شرط ضمان العين: الكراء والضمان مكروه. وروى الأثرم , بإسناده , عن ابن عمر , قال: لا يصلح الكراء بالضمان. وعن فقهاء المدينة أنهم كانوا يقولون: لا نكتري بضمان , إلا أنه من شرط على كري أنه لا ينزل متاعه بطن واد , أو لا يسير به ليلا , مع أشباه هذه الشروط , فتعدى ذلك , فتلف شيء مما حمل في ذلك التعدي , فهو ضامن , فأما غير ذلك , فلا يصح شرط الضمان فيه , وإن شرطه لم يصح الشرط " انتهى.
والعلة التي من أجلها حكم العلماء بفساد الإجارة إذا تم الاتفاق مع المستأجر على أن ضمان العين المستأجرة عليه: أن تكاليف هذا الضمان مجهولة، فقد يتكلف الكثير أو القليل من المال، أو لا يتكلف شيئاً، حسب الأعطال التي تحصل للسيارة، وهذه الجهالة تفسد العقد، لأن من شروط صحة عقد البيع ـ وكذلك الإجارة ـ: علم المؤجِّر والمستأجر بالأجرة المدفوعة.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (1/286) : "ولا يجوز اشتراط صيانة العين على المستأجر , لأنه يؤدي إلى جهالة الأجرة , فتفسد الإجارة بهذا الاشتراط باتفاق المذاهب" انتهى.
ولهذا، فالذي يظهر لنا رجحانه ـ والله أعلم ـ هو ما ذهب إليه جماهير العلماء، وهو المعتمد عند أئمة المذاهب الأربعة، وبه صدر قرار المجمع الفقهي: أن صيانة العين المستأجرة يجب أن تكون على المؤجِّر، ولا يجوز أن يلزم بها المستأجر، وهذا من الأمور التي تميز عقد الإجارة من البيع.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6329)
حكم الزيادة السنوية المركبة في عقد الإيجار محدد المدة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الزيادة المركبة السنوية 10% على عقد الإيجار محدد المدة لقطعة أرض لمدة عشر سنوات جائز شرعاً؟ مثال: قيمة الإيجار الشهري في السنة الأولى 500 جنيه. في السنة الثانية 550 جنيه. في السنة الثالثة 605 جنيه. في السنة الرابعة 665.5. وجزاكم الله خيرا وبارك فيكم ونفع بكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز أن تقع الإجارة على مدة لا تلي العقد مباشرة، كأن يتعاقدا الآن على إجارة الأرض سنة 1435 هـ مثلا، ويجوز أن يؤجره سنوات متعاقبة كل سنة بأجرة معينة كما ورد في السؤال، فيؤجره الأرض في السنة الأولى ب 500، ويؤجره السنة الثانية ب 550 وهكذا، وتعتبر كل سنة عقدا مستقلا.
قال في "كشاف القناع" (4/6) : "ولا يشترط أن تلي مدة الإجارة العقد , فلو أجره سنة خمسٍ في سنة أربع صح العقد، لأنها مدة يجوز العقد عليها مع غيرها , فجاز العقد عليها مفردة كالتي تلي العقد " انتهى بتصرف.
وجاء في "المعايير الشرعية" الصادرة عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية ص 138: " ويجب أن تكون الأجرة معلومة، ويجوز تحديدها بمبلغ للمدة كلها، أو بأقساط لأجزاء المدة، ويجوز أن تكون بمبلغ ثابت أو متغير بحسب أي طريقة معلومة للطرفين ".
والحاصل: أنه لا حرج في عقد الإجارة على الصفة التي ذكرت، وتكون لكل سنة أجرة أكثر من التي قبلها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6330)
هل يجوز أن يستأجر حصادا لغلته على النصف أو الربع منها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الشرع فيمن أعطى محصوله الزراعي- حبوب - جاهزا للحصاد، لشخص يحصده، على أن يتقاسما المحصول بالنصف أو باثلث او الربع-بالتراضي- 2-على من تجب زكاة المحصول: العامل أم صاحب المحصول؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل في الشروط الصحة، إلا شرطا أحل حراما أو حرما حلالا، وقد قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ) رواه أبو داود (3594) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".
فمن أعطى زراعته لمن يحصدها له، على أن له الربع أو النصف وما أشبه ذلك، على التراضي بينهما فلا حرج عليهما في ذلك.
قال شيخ الإسلام رحمه الله:
" ويجوز عنده – يعني الإمام أحمد - أن يدفع الحنطة إلى من يطحنها وله الثلث أو الربع، وكذلك الدقيق إلى من يعجنه، والغزل إلى من ينسجه، والثياب إلى من يخيطها، بجزء في الجميع من النماء " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (30/ 114)
وتجب الزكاة على صاحب الزرع في المحصول كله، وليس على من تولى الحصاد زكاة؛ فإنه أجير.
قال ابن مفلح رحمه الله:
" ولا ينقص النصاب بمؤنة حصاد ودياس وغيرهما منه، لسبق الوجوب ". انتهى.
"الفروع" (4/110) .
وقال البهوتي رحمه الله:
" ولا ينقص النصاب بمؤنة الحصاد ومؤنة الدياس وغيرهما، كالجذاذ والتصفية، من الزرع والثمر لسبق الوجوب ذلك؛ أي: لأنها تجب بالاشتداد وبدو الصلاح، وذلك سابق للحصاد والدياس والجذاذ ونحوهما " انتهى.
"كشاف القناع" (2/218) باختصار يسير.
وقال الحطاب، المالكي:
" يحسب عليه جميع ما استأجر به في حصاده ودراسه وجداده ولقط الزيتون؛ فإنه يحسب ويزكى عليه، سواء كان كيلا معينا، أو جزءا كالثلث والربع ونحوه ". انتهى.
"مواهب الجليل" (3/130) .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة:
زرعت قطعة أرض بمحصول الشعير، وبعد نباتها أعطيتها لشخص آخر يقوم بحصاد ذلك الزرع، مقابل ثلث الحصيلة من هذا الزرع، وكان المحصول 30 إردبا، أخذت أنا عشرين إردبا، وأخذ الحصّاد عشرة أرادب. فعلى من فينا تكون زكاة العشرة أرادب التي أخذها هو من زرعي مقابل الحصاد؟
فأجاب علماء اللجنة: " الزكاة تجب في المحصول كله، وتخرج من نصيب صاحب الزرع، وليس على الذي تولى الحصاد زكاة؛ لأنه أجير " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (9 / 247) .
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6331)
حكم أخذ المالك من المستأجر " السرقفلية " – بدل الخلو –
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو أن تجيبوا عن هذا السؤال؛ لأنه سؤال مهم، وغير مفهوم لدينا، وهو سؤال عن معاملة تجارية جارية في السوق، وتحت اسم " السرقفلية " وهو كالآتي: عقد بين المستأجر، وبين المالك للعقار , خلاصته: عقد إيجار لمدّة معلومة، قابل للتجديد تلقائيّاً برضى الطرفين , بأجرة محدّدة شهريّاً، مع مبلغ مقطوع، يدفع مرة واحدة معجّلاً. مثال ذلك: شخص استأجر فندقاً، أو محلاًّ تجاريّاً، أو سكناً، بأجرة شهرية، ولنقل مثلاً: " مائة ألف دينار " عن كل شهر، لمدّة عام واحد , مع مبلغ مقطوع، لدفعة واحدة معجَّلاً , ولنقل مثلاً: " خمسة ملايين ديناراً "، فهذا النوع من " السرقفلية ".]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لفظ " السرقفلية " ليست عربية، بل هي فارسية، وهي التي يُطلق عليها في بعض البلدان " بدل الخلو "، و " الفروغية "، و " نقل قدم "، وغير ذلك من المصطلحات، وهذا اللفظ يكثر استعماله في العراق.
قال الأستاذ إبراهيم فاضل الدبو - الأستاذ المساعد بكلية الشريعة بجامعة بغداد -:
ليست كلمة " السرقفلية " عربية بل هي كلمة فارسية، ترمز إلى ما تعارف في أيامنا الأخيرة بأن يتنازل المستأجر عما تحت تصرفه من إيجار المحل الذي يشغله إلى الآخر، ويتقاضى إزاء هذه العملية مقداراً من المال يتفق عليه الطرفان، وربما سمي ذلك في اللغة الدارجة: " الخلو "، وهو مأخوذ من تخلية ما تحت اليد إلى الغير.
" مجلة المجمع الفقهي " (العدد 4 / 1749) – ترقيم الشاملة -.
وما ذكره الأستاذ إبراهيم من كون هذه الكلمة تطلق على تنازل المستأجر ليس للحصر في معناها، ولكنها صورة من صور الخلو، وقد ذكر في بحثه أن الخلو قد يأخذه المالك من المستأجر.
فأنواع عقود بدل الخلو – السرقفلية – متعددة، فقد يكون الاتفاق بين المالك والمستأجر، وقد يكون بين المستأجر ومستأجر جديد.
والصورة التي جاءت في السؤال: هي أن يتفق المالك والمستأجر على أن يأخذ المالك مبلغاً متطوعاً عند العقد، ثم يأخذ بعد ذلك الأجرة كل شهر.
وهذه الصورة من صور الخلو جائزة إذا تم حساب هذا المبلغ المقطوع من الأجرة، بمعنى أنه إذا تم فسخ العقد بسبب قهري، كما لو هدم البناء، فإنه يتم توزيع هذا المبلغ على جميع المدة ويستحق المستأجر أن يسترد ما يقابل المدة المتبقية.
وقد صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي قرار بشأن حكم الخلو، ذكرناه في جواب السؤال رقم (1839) فليرجع إليه لمزيد الفائدة، ومما جاء فيه:
"إذا اتفق المالك والمستأجر على أن يدفع المستأجر للمالك مبلغاً مقطوعاً زائداً عن الأجرة الدورية - وهو ما يسمى في بعض البلاد خلواً - فلا مانع شرعاً من دفع هذا المبلغ المقطوع على أن يعد جزءاً من أجرة المدة المتفق عليها، وفي حالة الفسخ تطبق على هذا المبلغ أحكام الأجرة" انتهى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6332)
يشترك هو وعمال في شراء محل ويستخرج سجلا تجاريا باسمه ويأخذ منهم مبلغا شهريا
[السُّؤَالُ]
ـ[اتفقنا أنا ومجموعة من العمال على فتح محل تجاري حيث أدفع أنا نصف قيمة المحل ويدفعون هم النصف الباقي ثم يحضرون البضاعة، ويديرون المحل، ويقومون بدفع تكاليف نقل الكفالة وتجديد الإقامة وكافة المصاريف المتعلقة بالمحل، على أن أقوم أنا بمراجعة الدوائر الحكومية واستخراج السجل التجاري، وأن يدفعوا لي مبلغا شهريا، فما حكم هذه الشراكة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز أن تؤجر عليهم نصف المحل بما تتفقون عليه من أجرة شهرية أو سنوية.
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (109188) .
وأما المشاركة بالطريقة التي ذكرتها فلا تجوز، لأن الشريك إنما يستحق جزءاً من الأرباح يتم الاتفاق عليه، ولا يجوز أن يكون للشريك مبلغ مقطوع يأخذه كل شهر بقطع النظر عن الأرباح.
وانظر جواب السؤال رقم (122622) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6333)
حكم حجز الفنادق عن طريق مواقع في الإنترنت
[السُّؤَالُ]
ـ[مع تقدم التكنولوجيا في العالم , وجدت مواقع في الإنترنت تقوم بحجز الفنادق وتأجير السيارات بطريقه حديثه وهي كما يلي: 1/اختيار المدينة المراد حجز الفندق فيها وتاريخ الوصول. 2/تحديد المنطقة أو الحي. 3/اختيار درجة الفندق- 3نجمات 4 نجمات. 4/وضع السعر الذي يناسبك - مثلا60$ Name Your Price) . 5/ وضع كافة معلوماتك بما فيها رقم بطاقة الائتمان أو بطاقة الصراف. 6/في ثواني تكاد لا تتجاوز الدقيقة , يقوم الموقع بالمفاوضة مع الفنادق الذي يشمل مدى البحث. 6/إذا تمت الموافقة من قبل إحداها فإن الحجز يصبح فعالا.. وإذا لم تتم الموافقة لي الحق بزيادة سعر عرضي-على سبيل المثال 80$ ثم يقوم الموقع مرة أخرى بمفاوضة الفندق.. علما بأن السعر الذي أضعه أقل بكثير من السعر المعروض في موقع الفندق نفسه ... ولكن الفندق في الأساس يحدد عدد معين من الغرف لمثل هذه المواقع وتكون غالبيه نوافذ تلك الغرف تطل على مواقع غير جذابة بالإضافة إلى بعدها عن المصاعد. فيوافق على السعر المعروض له. فيتم اتفاق جميع الأطراف على السعر المراد.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يشترط لصحة إجارة العين كالدار والغرفة الفندقية والسيارة أن تكون معلومة إما بالرؤية، وإما بالوصف المزيل للجهالة، ومع التقدم الذي أشرت إليه يمكن اشتراط رؤية صورة حقيقية للغرفة أو السيارة أو معرفة نوع السيارة وموديلها.
ولا حرج فيما ذكرت من التعامل مع موقع يتولى حجز ما تريد من غرفة أو سيارة مقابل عمولة يأخذها منك أو من المؤجر، ولا فرق بين التعامل مع هذه المواقع والتعامل مع مكاتب الحجز.
ولا حرج أيضا في كون الانتفاع بالعين لا يقع عند العقد مباشرة بل يتأخر عنه مدة.
وقد قرر الفقهاء أنه يجوز استئجار العين مدة لا تلي العقد، كأن يتفقا في اليوم الأول من الشهر على استئجار الغرفة من اليوم العاشر إلى الخامس عشر مثلا.
قال في "كشاف القناع" (4/ 6) : "ولا يشترط أن تلي مدة الإجارة العقد , فلو أجره سنة خمسٍ في سنة أربع صح العقد لأنها مدة يجوز العقد عليها مع غيرها , فجاز العقد عليها مفردة كالتي تلي العقد سواء كانت العين المؤجرة مشغولة وقت العقد بإجارة أو رهن , أو غيرهما إذا أمكن التسليم عند وجوبه , أو لم تكن مشغولة لأنه إنما يشترط القدرة على التسليم عند وجوبه" انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6334)
اشترت سيارة عن طريق الإيجار المنتهي بالتمليك
[السُّؤَالُ]
ـ[اشتريت سيارة عن طريق الإيجار المنتهي بالتمليك منذ سنتين وبقي لها 3 سنوات وقد أفتاني شيخ بالجواز فماذا علي؟ علماً بان ظروفي المادية صعبة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الإيجار المنتهي بالتمليك له صور منها الجائز ومنها المحرم، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (125909) ورقم (99799) .
وإذا كنت قد استفتيت من أهل العلم من أجاز لك هذه المعاملة فلا حرج عليك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6335)
لا تترك المصالح العظيمة في الالتحاق بالجيش من أجل مفسدة سماع الموسيقى
[السُّؤَالُ]
ـ[يتحرج كثير من الطلبة العسكريين الذين مَنَّ الله عليهم بالالتزام من سماع الموسيقى، فكيف يتصرفون حيث إنه إجباري، أي: الموسيقى؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا شك أن الموسيقى في الجيش وغير الجيش من البلاء الذي أصيب به الناس اليوم، وصارت جزءاً من أعمال بعض الجهات، وهذا لا شك أنه جهل بالشريعة، أو تهاون أو تقليد لبعض من أجاز ذلك من أهل العلم، لأن من العلماء من أجاز المعازف بحجة أن حديثها الذي في البخاري فيه انقطاع كما يزعمون، ومن هؤلاء: ابن حزم، وبعض المعاصرين، فربما يعتمد بعض الناس على مثل هذه الأقوال الضعيفة، ويرى لنفسه حجة في هذا، لكننا نرى أن المعازف حرام، سواء في الجيش أو في غير الجيش، وأنه يجب على المسلمين أن يستغنوا بما أحل الله لهم عما حرم الله عليهم، وليست الشجاعة ولا الإقدام مبنية على هذا أبداً، الذي يملأ القلوب شجاعة وإقداما هو ذكر الله تعالى قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) الأنفال: 45، هذا هو الذي يملأ القلوب شجاعة وإقداماً.
ولكن على كل حال.. هؤلاء الإخوة الذين يكرهون الموسيقى أو العزف هم مأجورون على كراهتهم، ومثابون عند الله فإن قدروا على إزالتها أو تخفيفها فهذا هو المطلوب، وإن لم يقدروا فلا تترك المصالح العظيمة في الالتحاق بالجيش من أجل هذه المفسدة اليسيرة بالنسبة للمصالح، لأن الإنسان ينبغي له أن يقارن بين المصالح والمفاسد، وأهل الخير إذا تركوا مثل هذه الأعمال من أجل هذه المعصية بقيت لأهل الشر، وتعرفون خطورة الجيش فيما لو لم يوفق لأناس من أهل الخير، ولا أحب أن أعين بضرب الأمثلة لَمَّا استولى أهل الشر والفساد على الجيوش ووصلوا إلى سدة الحكم ماذا كان؟
كان من الشر والفساد ما الله به عليم، فأنا أحث إخواني الملتزمين خاصة أن يلتحقوا بالجيش، وأن يستعينوا بالله عز وجل في إصلاح ما أمكنهم إصلاحه، وهذه المفسدة - أعني مفسدة الموسيقى - أو العزف مفسدة لا شك فيها عندي، وان كان فيها اختلاف أشرت إليه قبل قليل، لكني أقول: هذه المفسدة تنغمر بجانب المصالح العظيمة الكبيرة في أن يتولى قيادة الجيش أناس أهل دين وصلاح" انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله.
انتهى من لقاءات الباب المفتوح (1/102) سؤال رقم 168.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6336)
حكم التعامل مع موقع PayPal
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم التعامل مع الموقع الإلكتروني PayPal للشراء عن طريق شبكة الإنترنت. علمًا بأن البطاقة الائتمانية المستخدمة في حساب PayPal هي بطاقة بنك الراجحي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" باي بال (PayPal) هو موقع ويب تجاري يسمح للمستخدم بتحويل المال عبر الإنترنت والبريد الإلكتروني لعناوين مخلتفة. كما يمكن للمستخدم إرسال المال المرسل إليه إلى الآخرين أو تحويله لحساب المصرف. تعد هذه الخدمة بديلة عن الطرق الورقية التقليدية كالشيكات أو الحوالات المالية.
ينفذ موقع باي بال عمليات الدفع لمواقع البيع، ومزادات الإنترنت، وغير ذلك، حيث هنالك أجراً إضافياً للموقع. في أكتوبر 2002 أصبح موقع باي بال شركة تابعة بالكامل لإي باي (eBay) . يقع مقر الشركة في كاليفورنيا، الولايات المتحدة الأمريكية.
ملاك حسابات باي بال يجب أن تكون أعمارهم 18 أو أكثر ولديهم بطاقة سحب أو بطاقة ائتمان أو حساب بنك وكذلك لديهم بريد إلكتروني " انتهى من موقع "ويكيبيديا، الموسوعة الحرة".
ولا حرج في التعامل مع هذا الموقع، ودفع عمولة له مقابل تقديم هذه الخدمة وهي نقل المال من المشتري إلى البائع وغيره، وواقع الحال أن الموقع لا يأخذ العمولة من المشتري، وإنما يأخذها من البائع، وقد يضيف البائع هذه العمولة على ثمن السلعة، ولا حرج في ذلك، لكن يجب أن يكون التعامل ببطاقة فيزا مشروعة، وينظر جواب السؤال رقم (118034) ورقم (112140) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6337)
هل يجوز تأجير الشقق لمن يركّب (الدش) ويستعمله؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أقوم بتأجير شقق مفروشة لطلبة الجامعة الوافدين والعوائل ويطلبون منى تليفزيون بدش ولكني أرفض ذلك الطلب وبالتالي ينصرفون فما حكم الاستجابة لطلبهم هذا؟ ولا يخفى عليكم فساد هذا الجهاز مع الدش.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من القواعد المقررة في الشريعة الإسلامية: أنه يحرم إعانة العاصي على معصيته، لقول الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ) المائدة/2.
قال الشيخ السعدي رحمه الله:
" (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ) وهو التجرؤ على المعاصي التي يأثم صاحبها (وَالْعُدْوَانِ) وهو التعدي على الخَلْق في دمائهم وأموالهم وأعراضهم، فكل معصية وظلم يجب على العبد كف نفسه عنه، ثم إعانة غيره على تركه" انتهى.
"تفسير السعدي" (ص/ 218) .
ولا شك أن أكثر الناس يستعملون (الدش) استعمالاً محرماً، فيشاهدون فيه الأفلام والمسلسلات، والغناء، وقد يشاهدون ما هو أقبح وأشد تحريماً، كما هو معلوم.
فإذا غلب على ظنك أن المستأجر سيستعمل الدش في هذه المحرمات فلا يجوز لك مساعدته على ذلك، وقد أحسنت برفضك طلبهم هذا.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله:
"قد شاع في هذه الأيام بين الناس ما يسمي (الدش) أو بأسماء أخرى، وأنه ينقل جميع ما يبث في العالم من أنواع الفتن والفساد والعقائد الباطلة والدعوة إلى أنواع الكفر والإلحاد، مع ما يبثه من الصور النسائية ومجالس الخمر والفساد وسائر أنواع الشر الموجودة في الخارج بواسطة التلفاز. وثبت لدي أنه قد استعمله الكثير من الناس، وأن آلاته تباع وتصنع في البلاد، فلهذا وجب عليّ التنبيه على خطورته ووجوب محاربته والحذر منه وتحريم استعماله في البيوت وغيرها وتحريم بيعه وشرائه وصنعته أيضاً، لما في ذلك من الضرر العظيم والفساد الكبير والتعاون على الإثم والعدوان ونشر الكفر والفساد بين المسلمين والدعوة إلى ذلك بالقول والعمل.
فالواجب على كل مسلم ومسلمة الحذر من ذلك والتواصي بتركه. والتناصح في ذلك عملاً بقول الله عز وجل: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) ويقول سبحانه: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ) ، وقوله عز وجل: (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) " انتهى.
"فتاوى إسلامية" (4 / 492) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"إذا كان عند الإنسان بيت أو استراحة أو خيمة وجاء إنسان يستأجرها منه وهو يعرف أنه سيضع فيها هذا الدش الذي دمر العقائد والأخلاق والعادات , فلا يجوز أن يؤجره , أما إذا استأجره على أنه يريد السكنى , والمؤجر لا يعلم، ثم بعد أن سكن وضع فيه الدش فالإجارة صحيحة، لكن إذا تم العقد – أي: إذا تمت المدة - يقول له: إما أن تخرج الدش، أو تخرج أنت.
وبالنسبة للمال فإن حرمت الإجارة فالمال حرام " انتهى.
"لقاء الباب المفتوح" (119 / 18) .
أما انصراف هؤلاء عن التأجير منك، فقد يكون من انصراف السوء عنك، ليحل محله الخير والبركة إن شاء الله؛ فقد قال الله عز وجل: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) الطلاق/2، 3.
نسأل الله تعالى أن يغنينا وإياك بحلاله عن حرامه ويغنينا بفضله عمن سواه.
وانظر لمزيد الفائدة إجابة السؤال رقم: (114010) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6338)
حكم تأجير السكن الذي توفره له الشركة
[السُّؤَالُ]
ـ[توفر لي الشركة مسكنا مفروشا مجهزا, ولا تأخذ منى أي نقود مقابل ذلك, وقد عرض عليا صديق أن يأتي ليسكن معي على أن يعطيني جزءا من بدل السكن التي تعطيه شركته التي يعمل بها (وهى شركة غير شركتي) ويوفر الجزء الباقي له, فهل هذا حرام أم حلال للطرفين في هذه الحالة وفى حالة إذا أعطاني بدل السكن كاملا ولن يوفر منه شيئا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما تقدمه بعض الشركات لموظفيها من مساكن يسكنون فيها، يقع على وجهين:
الأول: أن يتم فيه تمليك المنفعة للموظف، فيحق له أن يسكن في المنزل وأن يؤجره لغيره، أو أن يؤجر جزءا منه. والأصل في ذلك أن من ملك المنفعة جاز له أن ينتفع بها بنفسه أو بغيره ممن يستعملها نفس استعماله.
الثاني: أن يتم إباحة الانتفاع فقط، لا تمليك المنفعة، وحينئذ لا يحق للموظف أن يؤجر المنزل أو بعضه، وهذا كالسكن الممنوح من الجامعة لطلابها، فإنه من باب إباحة الانتفاع لا تمليك المنفعة، فلو استغنى عن السكن لم يكن له أن يؤجره لغيره.
وعليه؛ فإذا لم يكن أحد الاحتمالين منصوصا عليه في العقد فلابد من سؤال الشركة، فإن سمحوا بتأجير المسكن أو مشاركة الغير فيه فلا حرج، وإن منعوا فليس لك إسكان غيرك معك.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: معظم الشركات تقوم بمنح الموظف ميزات، ومن تلك
الميزات تقوم الشركة بتخيير الموظف بين أخذ سكن يسكن فيه هو وأسرته، أو ما يقابل ذلك من مال، وهو ما يسمى عند الشركات بـ "بدل سكن"، ومن أنظمة الشركات: أنها تمنع استخدام السكن إلا من قبل الموظف نفسه، وقد انتشر بين الموظفين الحاصلين على المساكن ظاهرة تأجير المساكن على أناس لا يعملون في الشركة. ما حكم هذه الأموال في هذه الحالة، هل هي أموال حرام أم حلال؟ نرجو من فضيلتكم توضيح الأمر لعموم البلوى به، والله يرعاكم ويسدد خطاكم. مع العلم أن هذا العمل مخالف لأنظمة الشركة، ويترتب عليه عقوبة.
فأجابوا:
"إذا كان نظام الشركة ينص على سكنى الموظف نفسه، ولا يحق له تأجيره على غيره، وقد اتفق معهم على ذلك - فلا يحل لمن أخذ سكنا من الشركة أن يؤجره على غيره؛ لأن هذا يخالف الشرط الذي بين الموظف والشركة. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
عبد العزيز بن عبد الله بن باز، عبد الرزاق عفيفي، عبد الله بن غديان، صالح الفوزان، عبد العزيز آل الشيخ، بكر أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (14/468) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6339)
هل يجوز أن يأخذ سمسرة من صاحب السيارة ليبيعها له؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قال لي صديق: أريد سيارة بالأجل هل تعرف أحدا؟ قلت: نعم، فذهبت إلى صاحب السيارة وقلت له: عندي لك زبون، ولكن أريد دلالة (سمسرة) من غير ما يعلم صاحبي ما حكم عملي هذا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا بأس بالدلالة - السعي - على البائع أو على المشتري؛ شرط الدلالة لا بأس به" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (19/31) .
وانظر جواب السؤال رقم (45726) فقد بَيَّنا فيه جواز أخذ السمسرة، بشرط أن يكون السمسار أمينا صادقا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6340)
إذا أجرت الشركة على العميل سيارة أو عقارا بعقد ينتهي بالبيع
[السُّؤَالُ]
ـ[انتشرت عندنا في تونس شركات تسمي نفسها شركات إيجار مالي تقوم خدماتها الأساسية على شراء السلعة التي يريدها الحريف (من سيارات وعقارات..) تسجلها باسم الشركة ثم تؤجرها له بمبلغ متفق عليه مسبقاً وبعقد محدد زمنياً ينتهي بالبيع، مع العلم أنها توظف عليه فوائد ولا يتسلم المؤجر له المال في يده بل تشتري الشركة السلعة باسمها ولا تنتقل الملكية إلى الحريف إلا بعد خلاص آخر قسط تم الاتفاق عليه في عقد الإيجار، فهل التعامل بهذه الصيغة حلال أم أنها تقع تحت طائلة الربا المقنع؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما ذكرته يندرج تحت ما يسمى بـ "الإجارة المنتهية بالتمليك"، ولها صور جائزة، وأخرى محرمة.
فإذا كان الشركة تؤجر السيارة مثلا على العميل إلى مدة معينة، ثم تنتقل ملكيتها للعميل تلقائيا دون إبرام عقد بيع جديد، بحيث تنقلب الإجارة في نهاية المدة بيعا تلقائيا، فهذه صورة محرمة.
وكذلك إذا أبرمت الشركة عقد إجارة مع العميل، وعقد بيع أيضا في نفس الوقت، فهذا لا يجوز؛ لأنه لا يجتمع عقدان متنافيان على سلعة واحدة في وقت واحد.
وأما الصور الجائزة: فمنها: أن يقترن بعقد الإجارة، وعدٌ بالبيع، ثم إذا انتهت الإجارة أجرى الطرفان عقد البيع بما يتفقان عليه من الثمن، فهذا جائز.
ومنها: أن يقترن عقد الإجارة بعقد هبةٍ للعين (السيارة مثلاً) معلقاً على سداد كامل الأجرة، أو بوعدٍ بالهبة بعد سداد كامل الأجرة، فهذا جائز.
ويشترط في جميع الصور الجائزة أن تكون الإجارة حقيقية، غير ساترة للبيع , فيكون ضمان السلعة المؤجرة أي السيارة أو العقار على المُؤَجِّر (الشركة) ، لا على المستأجر، وكذلك نفقات الصيانة تكون على المُؤَجِّر لا على المستأجر طوال مدة الإجارة، وهذا بخلاف البيع، فإن الضمان فيه والصيانة كلها على المشتري لأنه يملك السلعة بمجرد العقد.
جاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (1/286) :
"ولا يجوز اشتراط صيانة العين على المستأجر , لأنه يؤدي إلى جهالة الأجرة , فتفسد الإجارة بهذا الاشتراط باتفاق المذاهب" انتهى.
وقد صدر قرار من مجمع الفقه الإسلامي بخصوص الإجارة المنتهية بالتمليك، وبيان الصور الجائزة والممنوعة، وقد ذكرناه في جواب السؤال رقم (97625) .
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (14304) .
وإذا كانت الشركة تشترط دفعة مقدمة تحسم من الأجرة، فلا بأس، لكن لا يجوز لها أن تستولي على مقدم التأجير في حال عدم إكمال المستأجر المدة إلا عن المدة التي بقيت مع المستأجر فقط.
ونصيحتنا أن تأخذ صورة من عقد الشركة وتعرضه على أهل العلم المختصين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6341)
أحد المواقع يرسل حوالة مالية لمن يجيب على أسئلة معينة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما قولكم في حالة الكسب المادي من استخدام شبكة المعلومات (الإنترنت) حيث إنه يوجد بعض المواقع تطلب من المستخدم أن يجيب على مجموعة من الأسئلة المتنوعة والتي تفيد بحثا معينا يقوم عليه الموقع الإلكتروني، وهذا مقابل إرسال حوالة مالية إلى المستخدم؟ وعامة: ما حكم الشرع في عملية الكسب السريع والذي يتم بدون أي مجهود؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحكم على هذه المعاملة يتوقف على معرفة الأسئلة التي يوجهها الموقع للمشترك، ليتبين هل يستفيد منها حقا وهل هي استفادة في مجال مشروع أم لا، أم أنه يستفيد من دخول المتصفح أو تسجيله في الموقع، أو بيع بياناته لجهة أخرى، وكل ذلك موجود في الإنترنت.
فإذا كان موضوع الأسئلة مباحاً، ولم يترتب على ذلك إعانة الموقع على معصية ما، فلا حرج من الإجابة على الأسئلة، وأخذ المقابل المالي الذي يرسله الموقع.
وكذلك الكسب السريع، قد يكون مباحا وقد يكون محرما، بحسب العمل الذي نتج عنه الكسب.
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم 98817 ورقم 101806.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6342)
تأجير مساحات في الإنترنت لمن ينشئ فيها مواقع مباحة أو محرمة
[السُّؤَالُ]
ـ[مؤسسة تقوم بتأجير مساحات لمواقع الإنترنت، تؤجر المساحة ولا تصمم أو تقدم دعما فنيا، ثم مشتري المساحة يقوم بتصميم موقعه والذي قد يكون به بعض المخالفات الشرعية وقد يكون سالما من ذلك، وقد يكون دينيا أو ثقافيا أو صحيا وقد يكون به صور نسائية أو محادثة أو غناء وقد لا تعرف سلامة الموقع إلا بعد افتتاحه، حتى المواقع الطيبة ربما باع أصحابها لمن يضع بها أمورا محرمة، فهل يصح أو يجوز عملها؟ وهل يجب اشتراط خلو الموقع من المحرمات؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز تأجير المساحات في الإنترنت لمن ينشئ عليها مواقع تستعمل في المباح، ولا تتخذ للمعصية، وحيث إن المستأجرين متفاوتون، فمنهم من ينشئ موقعا نافعا، ومنهم من ينشئ موقعا مشتملا على شيء من الحرام كصور النساء أو أصوات المعازف، ومنهم من ينشئ موقعا هدفه المعصية والإثم كالمواقع الإباحية، ومواقع بيع الخمور، والقمار، ومواقع البنوك الربوية، فإن الضابط في هذه المسألة كما يلي:
1- لا يجوز تأجير المساحة لمن يتخذها للمعصية، ولا تصح الإجارة حينئذ، وينبغي أن يوضع شرط واضح بذلك، فإذا أخل المستأجر بالشرط، فسخ عقده، فلو استأجر مساحة لموقع صحي مثلا، ثم تبين أنه موقع لنشر الإباحة والمنكر، فالإجارة لا تصح وتفسخ.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " ولا يصح بيع ما قصده به الحرام، كعصير يتخذه خمرا، إذا علم ذلك , أو ظن. وقد قال الأصحاب: لو ظن المؤجر أن المستأجر يستأجر الدار لمعصية كبيع الخمر ونحوها لم يجز له أن يؤجره تلك الدار , ولم تصح الإجارة , والبيع والإجارة سواء " انتهى بتصرف من "الفتاوى الكبرى" (5/388) .
وقال في "مطالب أولي النهى" (3/607) : "ولا تصح إجارة دار لتجعل كنيسة أو بيعة أو صومعة , أو لبيع خمر وقمار ; لأن ذلك إعانة على المعصية قال تعالى: (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) . أو استؤجرت الدار لنحو زمر وغناء , وكل ما حرمه الشارع. وسواء شرط ذلك المحرم ; بأن شرط المستأجر جعلها له بعقد , أو لا ; بأن علم بقرائن ; لأنه فعل محرم , فلم تجز الإجارة عليه" انتهى بتصرف.
فمن غلب على الظن أنه يستعمل هذه المساحة في شيء محرم فلا يجوز التأجير له، لأنه إعانة له على المعصية.
ويدخل في المواقع المتخذة للمعصية والإثم: المواقع المعنية بنشر البدع والمذاهب المنحرفة، ومواقع البنوك الربوية كما سبق.
2- إذا كان المستأجر لا يتخذ الموقع للمعصية، وإنما يتخذه لغرض مباح في الظاهر، فلا حرج في تأجيره، ما لم يغلب على الظن أنه سيستعمله في الحرام، فلا يؤجر.
وإن استأجر شخص ما مساحة وأنشأ عليها موقعا مباحا، ليس القصد منه المعصية، لكنه وضع فيه شيئا من المنكرات كصور النساء، والأغاني ونحو ذلك، فالإجارة صحيحة، ويجب الوفاء له بمدة العقد، ثم لا يجدد له بعدها، وينبغي نصحه وتوجيهه فإن أزال المنكرات جدد له العقد.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله مبينا الفرق بين ما يُتخذ للمعصية، وما يتخذ لغرض مباح ثم تفعل فيه المعصية: " قوله: "لو استأجر من شخص داره ليقيم فيها شعائر النصارى، فَجَعَلها كنيسةً، فالإجارة حرام؛ لقوله تعالى: (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) المائدة/2، ومثل ذلك لو استأجرها لبيع الخمر أو الدخان أو القنوات الفضائية ... ولو أنه أجر شخصا بيتا ثم وضع فيه القنوات الفضائية، وصار يأتي بكل قناة فاسدة، فحكمه أنه إذا كان قد استأجر البيت لهذا الغرض فالإجارة محرمة وفاسدة، وإن استأجره للسكنى ثم وضع هذا فيه فلا بأس، ولكن إذا تم العقد أي إذا تمت مدة الإجارة يقول لهذا المستأجر: إما أن تُخرج هذه الآلة: القنوات الفضائية، وإما ألا أجدد لك العقد. وأما ما تم عليه العقد من قبل فإنه يجب إتمامه لقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) المائدة/1 " انتهى من "الشرح الممتع" (10/19) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6343)
أخذ الأجرة على دخول الأطفال للملاهي واللعب فيها
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد عندنا ساحات للأطفال يؤخذ منهم الدخولية للساحة، ثم يؤخذ أجر آخر لكل واحد يختار لعبة معينة فهل هذا حلال؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في أخذ أجرة معينة على دخول ساحات الأطفال، ثم أخذ أجرة على كل لعبة معينة، مع بيان الزمن الذي تستغرقه اللعبة، أو عدد الدورات ونحو ذلك مما يزيل الجهالة؛ لأن من شرط الإجارة العلم بالمنفعة المستأجرة.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6344)
إذا قال للسمسار: بع هذا بكذا وما زاد فهو لك
[السُّؤَالُ]
ـ[لو أن شخصاً يعمل كسمسار ووسيط عقارات، وكان وسيطاً بين بائع شقة ومشتري، وسأل صاحب الشقة تريد تبيعها بكم فقال: مائة ألف، فقال السمسار خلاص سأبيعها لك لكن الزيادة عن المائة ألف لي، وتم البيع - بأن أجلس السمسار كليهما وقال للمشتري اتفق مع البائع - بمائة وخمسة آلاف دون أن يعلم المشترى بهذا الاتفاق فما حكم المال المكتسب للسمسار (5000 جنيه) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج على السمسار في أخذ هذه الزيادة، سواء علم المشتري بها أم لم يعلم.
وذلك أن قول المالك للسمسار: بع هذا بكذا وما زاد فهو لك، مما رخص فيه جماعة من أهل العلم كما هو مذهب أحمد وإسحاق رحمهما، وهو مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما، وجعلوا ذلك شبيها بالمضاربة.
قال البخاري رحمه الله في صحيحه: " بَاب أَجْرِ السَّمْسَرَةِ، وَلَمْ يَرَ ابْنُ سِيرِينَ وَعَطَاءٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَالْحَسَنُ بِأَجْرِ السِّمْسَارِ بَأْسًا، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يَقُولَ بِعْ هَذَا الثَّوْبَ فَمَا زَادَ عَلَى كَذَا وَكَذَا فَهُوَ لَكَ، وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ إِذَا قَالَ: بِعْهُ بِكَذَا فَمَا كَانَ مِنْ رِبْحٍ، فَهُوَ لَكَ أَوْ بَيْنِي وَبَيْنَكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ) " انتهى.
وقال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (5/86) : " إذا قال: بع هذا الثوب بعشرة , فما زاد عليها فهو لك صح , واستحق الزيادة، وقال الشافعي: لا يصح.
ويدل لصحة هذا: أن ابن عباس كان لا يرى بذلك بأسا , ولأنه يتصرف في ماله بإذنه , فصح شرط الربح له , كالمضارب والعامل في المساقاة " انتهى.
فأجاز الإمام أحمد ذلك، وجعله شبيها بالمضاربة، وأما الجمهور فمنعوا ذلك لجهالة أجرة السمسار في هذه المسألة، فإنه لا يدرى كم سيأخذ.
والراجح جواز ذلك أخذا بما روي عن السلف في ذلك.
وينظر جواب السؤال رقم (95561) ، ورقم (9386) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6345)
يؤجر على العامل معدات المغسلة بأجرة شهرية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تأجير مغسلة لكوي الملابس بمبلغ ثابت شهري 6000 ريال أي من العامل جهده وخبرته ومن صاحب المحل المعدات، على أن يتقاضى العامل ما يحصل زيادة على 6000 ريال مع الدليل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في تأجير محل المغسلة، أو تأجير معداتها فقط، أو تأجير الاثنين معا، على العامل بهذا المبلغ وهو (6000 ريال) شهريا، أو أكثر أو أقل حسبما يتفقان؛ لأن هذا من الإجارة الجائزة شرعا، وتبقى المعدات ملكا لصاحبها ترجع إليه عند انتهاء عقد الإجارة، وعليه صيانتها طول المدة، لأنه المالك لها، وهي أمانة في يد العامل لا يضمن شيئا منها إلا إذا حصل منه عدوان أو تقصير، بأن حمل الآلات أكثر مما تحتمل، أو قصر في صيانتها وحفظها.
ويلزم العامل دفع الأجرة سواء عمل أو لم يعمل، وسواء ربح أو خسر، فهي إجارة شأنها شأن سائر الإجارات، كما لو استأجر دارا أو سيارة أو آلة حفر أو حصاد أو غيرها.
على أن هذه المعاملة يحتمل أن تكون مشاركة بين الطرفين (صاحب المغسلة والعامل) فتنطبق عليها أحكام المشاركات، لا أحكام الإجارة، والذي يحدد ذلك هو طبيعة الاتفاق الذي تم بين الطرفين، وقد أجبنا على أنه إجارة بناء على تصريح السائل، فإن رغب السائل أن يرسل لنا تفاصيل العقد حتى ينظر فيه، هل هو مشاركة أم إجارة، فالأمر إليه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6346)
أجر سكنا لشخص فوضع عليه الدش
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل في مسجد , وسكنت بعض غرفه , وأجرت الأخرى لشخص آخر منذ سنوات , ووضع دشا على السكن، فقلت له: إنه لا يجوز. فقال لي: إني لا أضعه إلا للمباريات وأخبار دولتي , فهل تبرأ ذمتي ببيان الحكم له , بحيث لو وضعت قنوات الفساد يكون الإثم عليه , أم لا بد من طرده إذا لم يستجب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا يجوز ولا يصح تأجير الدار لمن يتخذها محلا للمعصية كصالة للرقص، أو دارٍ للخنا، ونحو ذلك مما هو معصية لله تعالى؛ لأن ذلك من التعاون على الإثم والعدوان، وقد قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة /2.
وهذا بخلاف ما لو أجرها الإنسان لشيء مباح، كالسكنى، ثم صار هذا المستأجر يرتكب فيها المعصية، فالإجارة صحيحة، والإثم على مقترف المعصية، ولكن إذا كانت المعصية ظاهرة، فينبغي نصحه، وتهديده بعدم تجديد العقد له.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " تأجير المحلات والمستودعات لمن يبيع فيها أو يودع الأشياء المحرمة حرام؛ لأن ذلك من التعاون على الإثم والعدوان، الذي نهى الله تعالى عنه في قوله: (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2.
وكذلك تأجير المحلات لمن يحلقون اللحى؛ لأن حلق اللحى حرام، ففي تأجير المحلات له إعانة على المحرم وتسهيل لطريقه. وكذلك تأجير الأحواش والمنازل لمن يجتمعون فيها على فعل المحرم أو ترك الواجب، وأما تأجير البيوت للسكنى إذا فعل الساكن فيها معصية أو ترك واجبا فلا بأس به؛ لأن المؤجر لم يؤجرها لهذه المعصية أو ترك الواجب، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) انتهى نقلا عن "فتاوى علماء البلد الحرام" (ص 666) .
وقال الشيخ ابن عثيمين ـ أيضاً ـ رحمه الله مبينا الفرق بين ما يُستأجر للمعصية، وما يُستأجر لغرض مباح كالسكنى ثم تفعل فيه المعصية:
"لو استأجر من شخص داره ليقيم فيها شعائر النصارى، فَجَعَلها كنيسةً فالإجارة حرام؛ لقوله تعالى: (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) المائدة/2، ومثل ذلك لو استأجرها لبيع الخمر أو الدخان أو القنوات الفضائية ... ولو أنه أجر شخصا بيتا ثم وضع فيه القنوات الفضائية، وصار يأتي بكل قناة فاسدة، فحكمه أنه إذا كان قد استأجر البيت لهذا الغرض فالإجارة محرمة وفاسدة، وإن استأجره للسكنى ثم وضع هذا فيه فلا بأس، ولكن إذا تم العقد أي إذا تمت مدة الإجارة يقول لهذا المستأجر: إما أن تُخرج هذه الآلة القنوات الفضائية وإما ألا أجدد لك العقد. وأما ما تم عليه العقد من قبل فإنه يجب إتمامه لقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) المائدة/1" انتهى من "الشرح الممتع" (10/19) .
ثانيا:
ينبغي إحسان الظن بالمسلم، وعدم تتبع عوراته، فما دمت قد نصحته وبَيَّنَت له، وأخبرك أنه لا يرى فيه تلك المحرمات، فلا ينبغي لك التفتيش عن باطن أمره، والتجسس عليه، بل يوكل أمره إلى الله تعالى، فإن فعل محرماً كان إثم ذلك عليه وحده.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6347)
موظف في شركة تسمح بالإعلان عن المحرمات على صفحاتها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا عضو وكاتب في مجموعة بريدية مشهورة جدا، وهي تؤجر مساحة من صفحتها لموقع عالمي لينشر فيه ما أراد، وطبعا تأخذ على ذلك مقابلا ماديا، وذات مرة رأيت ضمن المساحة المخصصة لهذه الشركة دعاية أو إعلان لموقع كفري يتكلم عن السحر والكهانة، وسؤالي هو: هل علي ذنب أو تبعة في الاستمرار في الكتابة في هذه المجموعة البريدية الشهيرة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله لا حرج عليك في البقاء في عملك، فالإثم تتحمله الشركة وليس أنت، فأنت – وفقا لما جاء في السؤال – ليس لك دور في نشر الإعلانات المحرمة والمواقع الفاسدة، ولكن ذلك لا يعفيك من المسؤولية في مناصحة الشركة التي تعمل بها، وتذكيرهم بتقوى الله عز وجل، لعلَّهم يستجيبون لنصحك، فيصلحوا ما أفسدوا. وجزاك الله خيرا على حرصك وورعك واهتمامك بمعرفة الحكم الشرعي. وانظر جواب السؤال رقم: (31781) ، (98062) ، (107677) . والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6348)
بيع بطاقات الاتصال بالتقسيط
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز تقسيط بطاقات سوا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
بطاقات الاتصال هي أجرة مدفوعة مقدماً، تتيح للعميل الاستفادة من خدمات الاتصال بحسب قيمة البطاقة، فتكييفها الفقهي الظاهر أنها أجرة مدفوعة مقدما، وليست شراء نقد ولا دَيْناً.
ولهذا يجوز بيع هذه البطاقات بأكثر أو أقل من قيمتها التي يتم شحن الهاتف بها، ولو كانت نقوداً لكان ذلك من الربا.
وعليه، فلا حرج من بيع هذه البطاقات بالتقسيط، لأنه لا حرج من دفع الأجرة بالتقسيط.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6349)
حكم العمل في صيانة الجوالات وبيعها
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في مجال صيانة الموبايل (المحمول) . ولا أبيعه ولا أشتري ولا أحمّل أي نغمات أو صور عليه. مع العلم أني أصلح كافة الموبيلات (المحمول) سواء كانت بكاميرا أو غير كاميرا وأبيع قطعاً إلكترونية للموبيلات وأحوالي المادية ضعيفة جداً ولا أستطيع تغيير المهنة إلى شيء كمطعم أو مكتبة في هذا الوقت ويراوحني شك أن هذا المال الذي يأتيني من هذه المهنة حرام وينطبق عليها مثل صيانة التلفاز، لأنه أصبح هذا الوقت في بلدنا يستعملون المحمول للاتصال والنغمات والصور والفيديو , حتى إنه في يوم من الأيام تأتي إلي موبيلات تكون لا تعمل وعندما أصلحها أفاجئ بأن هذا الجوال يحوي في داخله أفلاما خليعة أو صوراً ماذا علي فعله بالوقت الحالي؟ أدّرس المهنة وأبيع قطعا إلكترونية فقط، أم أتابع في عملي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
بيع وصيانة الأجهزة التي تستعمل في الخير والشر، والمباح والحرام، فيه تفصيل:
أ- يجوز بيعها وصيانتها لمن عُلم أو غلب على الظن أنه يستعملها في المباح.
ب- لا يجوز بيعها ولا صيانتها لمن عُلم أو غلب على الظن أنه يستعملها في الحرام.
ج- إذا جهل الحال عُمل بالغالب، فإن كان الغالب في البلد استعمالها في المباح جاز، وإلا حرم.
والذي يظهر لنا أن الغالب في استعمال الهاتف المحمول هو الاستعمال في المباح بخلاف التلفاز، وعليه فلا حرج في صيانتك لهذه الأجهزة وبيع قطعها الداخلية وتدريب من يعمل في صيانتها مع مراعاة أمرين:
الأول: ينبغي التعامل مع الجهاز فقط، دون الشريحة أو بطاقة الذاكرة، وبهذا تسلم من النظر في محتوياتها والتعرض لذلك.
الثاني: في حال اطلاعك على ما هو منكر بيّن، من صور أو أفلام فإنه يجب إزالتها، إنكارا للمنكر، ولا عبرة برفض صاحب الجهاز، وعليك في هذه الحال أن تنصح صاحب الجهاز، وتبين له تحريم فعله هذا.
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم 34597 ورقم 85441
ونسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6350)
عقد إجارة أصدره بنك المغرب المركزي
[السُّؤَالُ]
ـ[أفتوني في صحة هذا العقد البنكي شرعاً (إجارة) هل هو جائز؟ وهذه شروط هذا العقد كما أصدرها البنك: 1. الإجارة: المادة الأولى: يقصد بالإجارة كل عقد تضع بموجبه مؤسسة للائتمان عن طريق الإيجار منقولات، أو عقارات، معلومة، ومحددة، ومملوكة لها تحت تصرف أحد العملاء لاستعمال مسموح به قانوناً. يمكن لعقد الإجارة أن يأخذ شكل إيجار بسيط؛ كما يمكن أن يكون مصحوباً بالتزام قاطع من المستأجر بشراء المنقول أو العقار المستأجَر بعد انقضاء مدة يتم الاتفاق عليها مسبقا. المادة 2: يجب أن تتم عملية الإجارة من خلال توقيع الطرفين على عقد يسمى " إجارة تشغيلية "، عندما يتعلق الأمر بإيجار بسيط، أو على عقد يسمى " إجارة واقتناء " عندما تكون الإجارة مصحوبة بالتزام قاطع بالشراء من طرف المستأجر. المادة 3: لا يجوز أن يكون الهدف من عقد الإجارة إيجار أموال معنوية (كبراءات الاختراع، وحقوق التأليف، والخدمات المهنية، وغيرها) أو حقوق استغلال موارد طبيعية (كالمعادن، والنفط، والغاز، والموارد الأخرى من هذا النوع) . المادة 4: ينبغي أن يحدد عقد الإجارة بشكل دقيق واجبات وحقوق كلا الطرفين، وكذا الشروط العامة المنظمة لعلاقاتهما، ويجب أن يتضمن بنوداً تحدد على الخصوص ما يلي: - نوع العملية (إجارة تشغيلية، أو إجارة واقتناء) . - تحديد المنقول، أو العقار المستأجَر، والهدف من استخدام المستأجِر له. - التزام المستأجر بشكل قاطع باقتناء المنقول، أو العقار، عندما يتعلق الأمر بعملية إجارة واقتناء. - قيمة الإيجار، وكيفيات الأداء، وتواريخ الاستحقاق. - مدة الإيجار. - مصاريف الإصلاح والصيانة. - مصاريف التأمين. - حالات فسخ العقد أو شروط تجديده.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
هذه المواد والبنود هي من إصدار " بنك المغرب المركزي "، وقد تمَّ إصدارها بعد إلحاح كثيرين على طلب إنشاء بنوك إسلامية، فلم يوافَق على طلبهم، وصدرت هذه المواد والبنود من البنك المركزي المغربي، موكِلاً مهمة تنفيذها والعمل بها للبنوك الربوية! وهو ما كان محط إنكار كثيرين من أهل العلم، وقد طالب هؤلاء العلماء بإنشاء بنوك إسلامية مستقلة عن الربوية، أو – على الأقل – إخضاع عمل البنوك الربوية في تنفيذ تلك المواد لرقابة شرعية.
وقد أوضحت مذكرة لـ " بنك المغرب المركزي ": أن إعداد عقود التمويلات السابق ذكرها قد تمَّ بناء على القواعد التي وضعتها " هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية " (AAOIFI) ، والتي يوجد مقرها بالبحرين، وتشمل هذه الهيئة في عضويتها 155 عضواً، من أكثر من 40 بلداً، وتناط بها مهمة إعداد وإصدار معايير المحاسبة، والمراجعة، والأخلاقيات، ومعايير التدقيق، والمعايير الشرعية للصناعة المصرفية والمالية الإسلامية.
ثانياً:
ما هو مذكور في تلك المواد يرى بعض المشتغلين بالعلم والفقه أنه جائز، وقد خالفهم آخرون ورأوا أن في بعضها مخالفةً للشرع، ومما نراه مخالفاً فيها:
1- " الإيجار المنتهي بالتمليك " وهو ما يسميه البنك: "إيجار واقتناء" أي أن عقد الإجارة سينتهي بتملك المستأجر ما كان استأجره، وهذا العقد غير جائز عند طائفة من الباحثين، والعلماء المحققين، ومنهم: هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية، وانظر كلامهم في جواب السؤال رقم: (14304) .
2- جميع صور التأمين التجاري محرمة، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (8889) فلا يجوز أن يشتمل عقد الإجارة على مصاريف التأمين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6351)
حكم تأجير الترخيص التجاري
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي ترخيص من الحكومة لممارسة التجارة، ونظرا لانشغالي في أمور أخرى فقد عرض علي أحد التجار من بلد آخر أخذ هذا الترخيص وفتح محل، تجاري على نفقته الخاصة في بلدي، ويدفع لي مقابل استخدام اسمي التجاري مبلغا متفقا عليه شهريا، فهل يجوز لي هذا الفعل؟ وإذا كان هذا الفعل لا يجوز فما الطريقة الجائزة شرعا لذلك؟ علما بأن الترخيص قد كلفني ماليا وبشروط محددة ولا يُعطى إلا لأبناء بلدي فقط.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي يظهر جواز بيع الترخيص التجاري أو تأجيره؛ لأن له قيمة مالية معتبرة في عرف التجار، ويحتاج استخراجه إلى وقت وجهد ومال، هذا من حيث الأصل.
لكن إذا كانت القوانين والأنظمة المعمول بها لا تسمح بذلك، فلا يجوز البيع أو التأجير؛ لما قد يؤدي إليه من منازعات وخصومات يصعب إثبات الحق فيها، ولما قد يلحق صاحب الترخيص من عقوبات وغرامات، من جراء فرض هذه العقوبات على المحل – لسبب ما – فتلحق به لأن الترخيص باسمه.
قال الشيخ محمد تقي العثماني في بحث له عن بيع الحقوق المجردة: " الواقع في هذه الرخصة أنها ليست عينًا مادية، ولكنها عبارة عن حق بيع البضاعة في الخارج أو شرائها منه، فيتأتى فيه ما ذكرنا في الاسم التجاري من أن هذا الحق ثابت أصالة فيجوز النزول عنه بمال. وبما أن الحصول على هذه الرخصة من الحكومة يتطلب كلا من الجهد والوقت والمال، ويمنح حاملها صفة قانونية تمثلها الشهادات المكتوبة، ويستحق بها التاجر تسهيلات توفرها الحكومة لحاملها، وصارت هذه الرخصة في عرف التجار ذات قيمة كبيرة يسلك بها مسلك الأموال، فلا يبعد أن تلتحق بالأعيان في جواز بيعها وشرائها، ولكن كل ذلك إنما يتأتى إذا كان في الحكومة قانون يسمح بنقل هذه الرخصة إلى رجل آخر، أما إذا كانت الرخصة باسم رجل مخصوص أو شركة مخصوصة، ولا يسمح القانون بنقلها إلى رجل آخر أو شركة أخرى، فلا شبهة في عدم جواز بيعها، لأن بيعه يؤدي حينئذ إلى الكذب والخديعة، فإن مشتري الرخصة يستعملها باسم البائع، لا باسم نفسه، فلا يحل ذلك إلا بأن يوكل حامل الرخصة بالبيع والشراء " انتهى من "مجلة مجمع الفقه الإسلامي" (5/3/2385) .
وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: يحدث الآن في دول الخليج وفي البحرين خاصة بأن يستخرج أبناء البلد سجلا تجاريا من السجل التجاري، يباح له به أن يمارس التجارة، ولكن الأمر يحدث عندما يؤجر صاحب السجل التجاري السجل نفسه لغيره ممن يستقدمهم من الهند، علما بأن الدولة لا تبيح لصاحب السجل أن يؤجره لغيره، وإنما ينتفع به صاحب السجل، فهل يجوز أخذ إجارة على السجل التجاري وهو ليس عينا ينتفع به المستأجر كالعقار أو الأرض الزراعية أو السيارة أو العربة؟
فأجابت: "لا يجوز أخذ الأجرة على السجل التجاري ممن استعمله عن طريق الاستئجار؛ لمنع الدولة لذلك، والدولة منعته لما يترتب على المنع من جلب المصالح ودرء المفاسد. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد الله بن غديان ... عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء" (15/71) .
وعليه؛ فإذا كان يسمح في بلدك ببيع هذا الترخيص أو تأجيره، فلا حرج عليك في ذلك.
وإن كان لا يسمح بذلك، فالبديل الشرعي أن تعقد عقد مشاركة بينك وبين ذلك الشخص، يكون من جهتك: الترخيص، ومبلغ من المال، والعمل الذي يتطلبه ذلك الترخيص كتخليص إجراءات من الدوائر الحكومية وغيرها.
ويكون من جهته: مبلغ من المال، والعمل في المحل.
وتتفقان على توزيع الأرباح، فيكون لكل منكما نسبة من الأرباح حسب ما تتفقان عليه، قليلاً كان أو كثيراً.
وأما الخسائر – في حالة حصولها – فتكون على نسبة رأس المال.
كما يجوز أن تؤجر عليه محلا برخصته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6352)
حكم تأجير النادي لتقام فيه أعراس محرمة، والأكل من مال صاحبه، ونصيحة له
[السُّؤَالُ]
ـ[والدي عنده نادي خاص بالأفراح والمناسبات، وغالباً ما يؤجره لأفراح متبرجة، وأفراح إسلامية، وليس عنده أي شروط، ولا بنود، بالإضافة أن البنود والشروط عند الإيجار أن الدي جي وتصوير الفيديو مع تأجير النادي، وفي نيته تغير نشاط النادي قريباً؛ لأنه شبه مقتنع أن الأفراح هذه حرام؛ لما يوجد فيها من رقص، واختلاط، وعري، وأغاني غير مشروعة، وإزعاج بعض الجيران، ولكن المشكلة هو أن الدخل الذي يأتي من النادي يوفر حاجات البيت من مصاريف، وتجهيز الأولاد، وهذا ما يجعله يرجع عن همته في تغيير نشاط النادي؛ ولأنه ليس عنده أي دخل آخر مشروع. فالسؤال: هل دخل النادي بهذا النشاط حرام أم حلال؟ وما حكم الأكل منه؟ وأسألك أن تتفضل بتوجيه رسالة، ونصيحة لوالدي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
للأسف صارت كثير من أفراح المسلمين الآن، تحتوى على معاصٍ كثيرة، كاختلاط الرجال بالنساء اختلاطاً مستهتراً، وتبرج النساء، وآلات المعازف والأغاني، وإزعاج الجيران بهذه الأصوات المحرمة، وتضييع الصلوات، وعدم الاهتمام بشأنها، وتصوير هذه الحفلات بالفيديو بما فيها من نساء متبرجات.
والواجب على المسلمين أن يعظموا حرمات الله تعالى، وأن تكون طاعة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم أحب إليهم من كل شيء.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
"وأما تصوير المشهد – أي: الأعراس - بآلة التصوير: فلا يشك عاقل في قبحه، ولا يرضى عاقل فضلاً عن مؤمن أن تُلتقط صور محارمه من الأمهات، والبنات، والأخوات، والزوجات، وغيرهن لتكون سلعة تُعرض لكل واحد، أو ألعوبة يتمتع بالنظر إليها كل فاسق.
وأقبح من ذلك: تصوير المشهد بواسطة الفيديو؛ لأنه يصوِّر المشهد حيّاً بالمرأى، والمسمع، وهو أمر ينكره كل ذي عقل سليم، ودين مستقيم، ولا يَتخيل أحدٌ أن يستبيحه مَن عنده حياء، وإيمان.
وأما الرقص من النساء: فهو قبيح، لا نفتي بجوازه؛ لما بلغنا من الأحداث التي تقع بين النساء بسببه، وأما إن كان من الرجال: فهو أقبح، وهو من تشبه الرجال بالنساء، ولا يخفى ما فيه، وأما إن كان بين الرجال والنساء مختلطين، كما يفعله بعض السفهاء: فهو أعظم، وأقبح؛ لما فيه من الاختلاط، والفتنة العظيمة، لاسيما وأن المناسبة مناسبة نكاح، ونشوة عرس" انتهى.
" فتاوى إسلامية " (3 / 186، 187) .
ثانياً:
لا يجوز لمسلم أن يبيع أو يؤجر ما يُعصى الله تعالى به، أو يُستعان به على معصية، لقول الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2.
فإذا كان المالك يعلم أن المستأجر سيستعمل هذا النادي في معصية الله ـ كما هو الغالب ـ كانت الإجارة محرمة، وكانت الأجرة مالاً حراماً، لا يجوز له الانتفاع به، بل يجب عليه أن يتخلص منه، وينفقه في أوجه البر والخير.
ينظر جواب السؤال رقم (103789) .
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
رجل عنده استراحة، وقد أجَّرها على أناس يستعملونها فيما حرم الله تعالى، ولم يشترط عليهم في العقد عدم استعمال ذلك، فما الحل؟ وإذا كان قد اشترط عليهم: فهل ينفسخ العقد ويحق له إخراجهم؟ وماذا عن قيمة الإيجار؟ .
فأجاب:
"إن كان يعلم، أو يغلب على ظنه أنهم سوف يستعملونها في معصية الله: فالعقد باطل، والأجرة ليست ملكاً له، وهم لا حق لهم بالانتفاع، وله أن يخرجهم فوراً.
وإذا كان لا يغلب على ظنه ذلك، جاءه قوم استأجروها، ولكن صاروا يعصون الله فيها: فهذا يجب إنظارهم إلى مدتهم؛ لأن عقد الإجارة عقد لازم، لكن عليه أن ينصحهم، وينهاهم عن المنكر، والأجرة التي أخذها: حلال له؛ لأنه لم يؤجرهم إياها ليعصوا الله فيها، ولا علم بذلك، ولا غلب على ظنه، لكن إن شرط عليهم ألا يستعملوا ذلك واستعملوه: وجب عليه فسخ الإجارة وجوباً، وله ما سبق الفسخ من الأجرة" انتهى باختصار.
" اللقاء الشهري " (39 / السؤال رقم 2) .
وانظر جواب السؤال رقم (105341) .
وأما بخصوص الأكل من مال أبيك، فقد سبق في جواب السؤال رقم (45018) .
أن المال المحرم لكسبه كالفوائد الربوية أو المأخوذ أجرة على عمل محرم يكون محرماً على من اكتسبه فقط. أما من أخذه منه بطريق مباح كنفقة الأولاد والأهل، أو الهدية وغير ذلك فلا حرج عليه.
وعلى هذا؛ فلا حرج عليك من الانتفاع بمال أبيك.
لكن إن رأيت أن امتناعك من الانتفاع به سيجعل والدك يتوب من ذلك الفعل المحرم، وجب عليك ذلك.
ثالثاً:
رسالتنا لوالدك:
اعلم يا عبد الله أن الدنيا فانية، وأنك لا شك ولا ريب ملاقٍ ربك، فماذا أنت قائل له، وأنت الذي تسببت في وجودٍ معاصٍ لا حصر لها، واكتسبت آثاماً عظيمة بتلك التأجيرات لذلك النادي الذي عُصي فيه الرب تعالى مرات ومرات؟! .
وقد يكون كثيرٌ من هذه المعاصي له أثر مستمر، من حب وغرام، وفتنة بين زوجين، وصدٍّ عن هداية، وآثام هذه المعاصي والمنكرات تبقى في صحيفتك حتى بعد موتك طالما تلك المعاصي وآثارها موجودة.
وقد وسَّع الله لك في الرزق الحلال، فلا حدَّ لما أباح الله تعالى من الأشياء ولا عد، فلم الدخول في مسالك الحرام، ولم السير على طريق الضلال، وأنت تعلم أن نهاية ذلك المسلك وذلك الطريق هو الإثم، والمعصية، والعذاب؟! فاتق الله تعالى واترك هذا العمل المحرَّم، واشكر نعمة الله عليك بما يحب الله ويرضى من الأفعال، ولا تؤجِّر هذا النادي لمن يستعمله بالحرام، وابحث عن طريقة يدر بها عليك دخلاً حلالاً طيباً يبارك له الله تعالى به.
واعلم أن من ترك شيئاً لله عوَّضه الله خيراً منه، فستجد سعادة في قلبك، وانشراحاً في صدرك إذا تركت هذا العمل المحرَّم، وقد يعوضك الله حتى من المال الحلال ما هو خير مما كان يأتيك من الحرام.
قال الله تبارك وتعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) الطلاق/2، 3
وقَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّكَ لَنْ تَدَعَ شَيْئًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا بَدَّلَكَ اللَّهُ بِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ مِنْهُ) رواه أحمد (22565) ، وصححه محققو مسند " أحمد بن حنبل " (38 / 170) .
ونسأل الله تعالى أن يشرح صدرك لقبول الحق، وأن يوفقك لما فيه رضاه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6353)
حكم استئجار شقة لسماع الأغاني ولعب الورق والتدخين، وحكم مديرها
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن مجموعة من الشباب، مستأجرين شقة في رمضان؛ لنتجمع؛ ونسهر فيها؛ ونلعب فيها الورقة، وبعض الشباب يدخنون الشيشة، ويسمعون الأغاني، والبعض يلعب الطاولة، وقررنا أن نستمر بعد رمضان، وهناك أحد الشباب يقوم بإدارة الشقة، وهناك بعض الشباب محافظون على الصلاة، ومنهم متكاسل، ومنهم لا يصلي، علما بأنه لا يوجد الزنى، ولا شرب الخمر في هذه الشقة، ويقوم كل واحد منا بدفع مبلغ معين كل شهر. السؤال: ما حكم هذه الشقة؟ وما حكم الشاب الذي يقوم بإدارة الشقة، علماً بأنه محافظ على الصلاة في جماعة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نشكر لك سؤالك واستفسارك عن حكم الشقة التي قمتم باستئجارها، وإن دلَّ سؤالكم على شيء فإنما يدل على خيرٍ وصلاح فيكم إن شاء الله.
وإن كان منا عتب عليكم قبل بيان الحكم الشرعي فهو أنكم بسهركم هذا إنما تضيعون أفضل سني عمركم قوة ونشاطاً، تضيعونها فيما لا فائدة منها على أقل الأحوال، وفي أسوئها أنكم تعصون الله تعالى فيها، فكان الواجب عليكم الالتفات إلى هذا السن، وهذه النعمة التي حباكم الله تعالى إياها، واستثمارها فيما يحب ربكم ويرضاه منكم من الأقوال والأفعال، واغتنام المسلم لصحته قبل سقمه، ولشبابه قبل هرمه، ولفراغه قبل شغله، ولحياته قبل موته: يدل على إيمان صادق، وعقل راجح، فبادروا إلى اغتنام صحتكم، وشبابكم، وفراغكم، وحياتكم، قبل أن تأتي ساعة الندم في الدنيا بفوات ذلك كله عليكم، أو في الآخرة – وهو أشد وأصعب – وليس هناك مجال لاستدراك ما فات من عمركم بعدها.
وكل إنسان سيسأل يوم القيامة بين يدي ربه: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه؟
فهل يسركم أن يكون جوابكم: كنا نسهر ونلعب ونلهو؟
وهل هذا الجواب سينجيكم يوم القيامة؟
ثانياً:
أما بخصوص حكم استئجار تلك الشقة: فإننا نرى أنه لا يجوز لكم أن تستأجروها؛ لأن اجتماعكم فيها هو على معاصٍ متعددة، من اللعب بالورق، إلى شرب الدخان والشيشة، إلى سماع الأغاني، وكل ذلك مما حرَّمه الله تعالى، وإذا أضيف إليه أنكم تفعلون ذلك في زمان فاضل وهو رمضان: كان الإثم أعظم، وخاصة في العشر الأواخر منه، حيث يتسابق الناس للاعتمار والاعتكاف والصلاة والدعاء، وأنتم – يا للأسف – تضيعون الساعات الفاضلة لا نقول فيما لا فائدة فيه، بل فيما فيه معصية ربكم تعالى.
فعليكم جميعاً ترك فعل تلك المحرمات في تلك الشقة وفي غيرها، وعليكم إعلان التوبة والمصالحة مع ربكم تعالى، وإدراك ما تبقى من أعماركم لتكونوا دعاة إلى هذا الدين، ولتكونوا حماة لهذه الشريعة المطهرة.
وانظر في تحريم الموسيقى والغناء جواب السؤال رقم: (5000) .
وانظر في تحريم اللعب بالنرد جوابي السؤالين (14095) و (22305) .
وفي تحريم الشيشة والدخان انظر جواب السؤال رقم: (45271) .
ثالثاً:
على الأخ الذي يدير الشقة أن يعلم أنه لا يحل له فعله ذاك، وأنه شريك فيما يُفعل في الشقة من معاصٍ وآثام، ولا يعفيه من الإثم كونه من المصلين في جماعة، وقد وقع هذا الأخ في مخالفات شرعية، ومنها:
1. الإعانة على الإثم والعدوان.
قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/ 2.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله:
"فكل معصية وظلم يجب على العبد كف نفسه عنه، ثم إعانة غيره على تركه" انتهى.
" تفسير السعدي " (ص 218) .
2. السكوت عن إنكار المنكر، وعدم هجر أصحابه.
قال الله تبارك وتعالى: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا) النساء/ 140.
قال القرطبي رحمه الله:
"فكل من جلس في مجلس معصية ولم ينكر عليهم: يكون معهم في الوزر سواءً، وينبغي أن ينكر عليهم إذا تكلموا بالمعصية وعملوا بها، فإن لم يقدر على النكير عليهم: فينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية" انتهى.
" تفسير القرطبي " (5 / 396) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6354)
هل يجوز أن يؤجر محلا مع بضاعته؟
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي بقالة وأجرتها على شخص بما فيها من معدات وبضائع وأستلم منه إيجارا شهريا، وأنا أتحمل إيجار المحل لصاحب العقار فهل علي زكاة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يجوز تأجير المحل بما فيه من معدات مقابل مبلغ شهري أو سنوي، وأما البضاعة التي تباع فلا يصح تأجيرها، لأن الإجارة إنما تكون فيما ينتفع به مع بقائه، كالأجهزة والمعدات والأرفف ونحوها، أما البضاعة فهي تباع ولا تبقى.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (5/317) : "تجوز إجارة كل عين يمكن أن ينتفع بها منفعة مباحة , مع بقائها بحكم الأصل , كالأرض , والدار , والعبد , والبهيمة , والثياب , والحبال , والخيام , والمحامل , والسرج , واللجام , والسيف , والرمح , وأشباه ذلك ".
ثم قال في (5/319) : " وما لا تجوز إجارته أقسام: أحدها ما لا يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه , كالمطعوم والمشروب , والشمع ليشعله ; لأن الإجارة عقد على المنافع , وهذه لا ينتفع بها إلا بإتلاف عينها " انتهى.
فلا تجوز إجارة البضاعة التي في المحل ويلزم المستأجر ردها لصاحبها، أو يشتريها منه، فيقال لصاحب المحل: َثِّمن هذه البضاعة، وبعها على المستأجر – إن رغب في ذلك – نقداً أو بالتقسيط.
أو تأخذ بضاعتك وتبيعها لمن شئت.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هناك معاملة انتشرت عند الكثير تسمى: بتجهيز المحلات؛ وصورتها: أن يأتي رجل إلى صاحب دكان كقطع غيار مثلاً أو ما شابه ذلك، فيقول له: سآخذ منك المحل ثلاث سنوات، وأعطيك كل شهر (10.000) ريال، وبعد ثلاث سنوات أردُّ إليك المحل بالبضاعة التي استلمتُها منك كاملة، فما حكم هذه المعاملة؟
الشيخ: الأغراض التي في المحل لِمَن؟
السائل: هي للمالك الأول، بدليل أنه سوف يردها إليه بعد ثلاث سنوات كاملة.
فأجاب: "هذا عقدٌ لا يصح -في الواقع-، إلا إذا قال: ثَمِّن الأغراض الموجودة الآن، وتكون في ملك الثاني، ويعطيه كل شهر (10.000) على أنها أجرة للمحل، وتكون الأعيان الموجودة فيه للمستأجر الأخير، لا للأول، مُلكاً له، له غنمها، وعليه غرمها، فهذا لا بأس به. أما ما ذكرتَ فلا يجوز؛ لأنه غرر واضح؛ لا ينطبق على المشاركات، ولا على الإجارة، ولا على البيع. فنرى أنها لا تجوز، والواجب على عامة الناس إذا حدثت مثل هذه المعاملات الجديدة أن يعرضوها على أهل العلم قبل أن يدخلوا فيها" انتهى. "لقاء الباب المفتوح" (44/10) .
ثانيا:
لا زكاة عليك في المحل والمعدات التي به، وإنما الزكاة في الأجرة التي تتسلمها، إذا بلغت نصابا بنفسها أو بما انضمت إليه من أموالك الأخرى، وحال عليها الحول، فتخرج حينئذ ربع العشر (2.5%) .
وأما إذا لم تدخر منها شيئا حتى يحول عليه الحول، فلا زكاة عليك فيها.
وإن كانت الأجرة تختلط بمالك، ولا تدري ما الذي حال عليه الحول منها، فإنك تنظر ما في بيدك من المال في نهاية الحول، فتزكيه، بالغا ما بلغ.
وأما البضاعة فإن بعتها على المستأجر فإنك تزكي هذه النقود إذا انتهى حول البضاعة، ولا تحسب لها حولاً جديدا من حين البيع، بل تكمل على حول البضاعة، وإن كان البيع بالتقسيط وصار الثمن دَيْناً على المشتري فقد سبق تفصيل القول في زكاة الديون في جواب السؤال رقم (1117)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6355)
التفصيل في حكم تأجير الاستراحات، وكسبها
[السُّؤَالُ]
ـ[أود بناء استراحة للمناسبات، بحيث يستأجرها الناس لإقامة حفلات الزفاف فيها، فما الحكم في ذلك إذا علمنا بأن الكثير من الناس في هذه الأيام يجلبون المعازف والموسيقى المحرمة، ويقومون بالرقص حتى ساعة متأخرة من الليل احتفالا بهذه المناسبات؟ وهل المال الذي أجنيه من هذه التجارة يعتبر حراماً؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا حرج على مالك صالة أفراح أو استراحة أن يؤجرها لمن يقيم بها حفلة زفاف، لكن لا يحل له أن يؤجرها لمن يعلم – أو يغلب على ظنه - أنهم يعصون الله تعالى فيها، بإقامة الحفلات المختلطة، واستعمال المعازف وآلات اللهو، وإزعاج الآخرين بالضجة والضوضاء، ومن أجَّرها لمثل هؤلاء: فإنه شريك لهم فيما يكتسبونه من آثام.
وإذا علمت أو غلب على ظنك أن من يريد استئجار هذه الاستراحة لا يريد أن يعصي الله تعالى فيها: فلا حرج عليك في تأجيره، ولو وقعت منه المعصية بعد ذلك فيها ولم تعلم عنها، أو لم تستطع منعها: فلا حرج عليك، ولا إثم.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
"كل شيء تؤجره لمحرَّم: فأنت شريك صاحبه في الإثم، وهو حرام عليك، حتى تأجير المكان للحلاَّق الذي يحلق اللحية: حرام، لكن لو أجرته لحلاق على أنه يحلق الرءوس، ثم رأيته يحلق اللحى: فهذا الإثم عليه هو؛ لأن هناك فرقاً بين من استأجر الشيء ليعصي الله فيه، وبين من استأجره فعصى الله فيه" انتهى.
" لقاءات الباب المفتوح " (43 / السؤال رقم 3) .
ثانياً:
إذا أجرت الاستراحة لمن تعلم منه – أو يغلب على ظنك – أنه يعصي الله تعالى فيها: فالإجارة باطلة، والكسب منها محرَّم.
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
رجل عنده استراحة، وقد أجَّرها على أناس يستعملونها فيما حرم الله تعالى، ولم يشترط عليهم في العقد عدم استعمال ذلك، فما الحل؟ وإذا كان قد اشترط عليهم: فهل ينفسخ العقد ويحق له إخراجهم؟ وماذا عن قيمة الإيجار؟ .
فأجاب:
"إن كان يعلم، أو يغلب على ظنه أنهم سوف يستعملونها في معصية الله: فالعقد باطل، والأجرة ليست ملكاً له، وهم لا حق لهم بالانتفاع، وله أن يخرجهم فوراً.
وإذا كان لا يغلب على ظنه ذلك، جاءه قوم استأجروها، ولكن صاروا يعصون الله فيها: فهذا يجب إنظارهم إلى مدتهم؛ لأن عقد الإجارة عقد لازم، لكن عليه أن ينصحهم، وينهاهم عن المنكر، والأجرة التي أخذها: حلال له؛ لأنه لم يؤجرهم إياها ليعصوا الله فيها، ولا علم بذلك، ولا غلب على ظنه، لكن إن شرط عليهم ألا يستعملوا ذلك واستعملوه: وجب عليه فسخ الإجارة وجوباً، وله ما سبق الفسخ من الأجرة" انتهى باختصار.
" اللقاء الشهري " (39 / السؤال رقم 2) .
وانظر جواب السؤال رقم (105341) .
فاتق الله في مشروعك هذا، ولا تحرص على الكسب دون الالتفات للحكم الشرعي، وظننا فيك أنك لم تسأل إلا لتطبق ما تعلمه من شرع الله، فاحرص على الكسب الحلال، وأجِّر من تعلم أو يغلب على ظنك أنهم يستعملون استراحتك في الحلال، وهم كثر إن شاء الله، وإن عُرفتَ بهذا التحري: فلعله يكون سبب ثقة الناس بك، ويزداد مالك الحلال، ويبارك الله تعالى فيها.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6356)
هل تتحمل وزر صديقاتها إذا اشتركت معهن في (النت) ؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا ومجموعة من جيراني مشتركين في خدمة ال DSL (النت) ، ندفع الاشتراك على أساس أننا شخص واحد، ولكل منا جهازه الكمبيوتر المستقل، وكل شخص منا يدخل الإنترنت، منا من يدخل على مواقع مفيدة، ومنا من يدخل على مواقع غير مفيدة والله أعلم. فما حكم اشتراكي معهم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كنت لا تدرين هل يدخلون مواقع محرمة أم لا؟ فالاشتراك معهم جائز، ولا يلحقك إثم لمجرد احتمال أنهم يدخلون مواقع محرمة، أما إذا كنت متأكدة، أو يغلب على ظنك أنهم يدخلون مواقع محرمة، فإنه يلحقك الإثم في ثلاث حالات:
الأولى: إذا كنت أنت صاحبة الاشتراك المسجل مع الشركة، ثم بعد ذلك رضيت أن يشاركك بعض من لا يتورعون عن دخول المواقع المحرمة، ففي هذه الحالة يلحقك الإثم والحرج، لأنك كنت السبب المباشر في إدخال الفساد إلى تلك البيوت.
الثانية: أن يتوقف اشتراك هؤلاء في الخدمة على اشتراكك معهم، فإن كان امتناعك عن الاشتراك معهم سيؤدي إلى عدم اشتراكهم، فلا يجوز لك الاشتراك معهم، لأنك بذلك تكونين معاونة لهم على الإثم، والله تعالى يقول: (لا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَان) المائدة/2.
الثالثة: إذا كانت الشركة تمنع هذا الاشتراك في الخدمة، وتشترط على جميع المستفيدين من خدمتها أن يكون الاشتراك فردياً، ففي هذه الحالة أيضا يلحقكم الإثم جميعا، فقد أخذتم خدمة ليست من حقكم، لأنها إجارة مشروطة، والمسلمون على شروطهم.
أما إن لم تكوني أنت صاحبة الاشتراك الأول، وكانت شروط مزود الخدمة لا تمنع هذا الاشتراك الذي تقومون به، فالذي يبدو لنا – والله أعلم – هو جواز اشتراكك مع جيرانك في هذه الشبكة، لأن القدر الذي تدفعينه من المال إنما هو مقابل استفادتك أنت من الخدمة، وبما أنك تدخلين على مواقع مفيدة، فلا حرج عليك إن شاء الله.
وليس لما تدفعينه دور في جلب الفساد لجيرانك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6357)
الاستفادة من اسم الصيدلي لاستخراج الترخيص مقابل راتب شهري
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم هذا العقد؟ اتفقت أنا وصيدلية على فتح صيدلية، منى رأس المال، ومنها الشهادة التي بواسطتها أستخرج الترخيص، وأتكفل بدفع راتب شهري معلوم. وهل يجوز لي أن أسمح بعمل الصيدلانية عندما تكون متحجبة ويظهر منها الوجه واليدان؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
اتفاقك مع طبيبة صيدلية على فتح صيدلية بحيث يكون منك رأس المال، ومنها الشهادة التي بواسطتها تستخرج الترخيص، مقابل راتب معلوم لها، مما يظهر لنا جوازه بشرط أن يكون القائم على العمل في الصيدلية من ذوي الاختصاص، والراتب المدفوع للصيدلية هو في مقابل الاستفادة من الترخيص المستخرج باسمها، وهو حق مادي يجوز الاعتياض عنه بيع أو إجارة فيما يظهر.
والمحذور أن يسند العمل في الصيدلية إلى غير المختص، مما يترتب عليه الجهل بالأدوية والخلط بينها وإدخال الضرر على الناس.
ثانيا:
عمل المرأة مع الرجال في مكان واحد مما يترتب عليه غالبا مفاسد ومحاذير، ولو كانت متحجبة، فإن الرجل يميل بطبيعته إلى المرأة، وتميل هي إليه كذلك، واجتماعهما لمدة طويلة يؤدي إلى سقوط الكلفة، والتساهل في النظر والمحادثة، وقد تقع الخلوة أيضا، وما هو أعظم من ذلك، ولهذا جاءت الشريعة بتحريم الاختلاط، وهذا من كمالها وسموها، وكونها مبنية على تحقيق المصالح ودرء المفاسد.
وقد سبق بيان هذا الأمر على وجه التفصيل في أجوبة أخرى، ينظر جواب السؤال رقم (1200) ورقم (97231) .
ولهذا ننصحك بعدم توظيف امرأة في مكان تختلط فيه بالرجال.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6358)
دلالة الغير على دراسات للجدوى على الإنترنت مقابل مال
[السُّؤَالُ]
ـ[أجد إعلانات على الإنترنت مثل: "معي 100 مليون وأريد فكرة لمشروع"، ويرد على صاحب الإعلان عدد كبير من المتواجدين على الموقع، ويبدو أنه يريد دراسات جدوى كثيرة، وفى رد لي عليه ذكرت له أنى أستطيع أن أدله على عدد كبير من دراسات الجدوى المتاحة لجميع الناس على الشبكة، فقال لي: " لو العدد كبير لك 3 مليون "، هل هذه الصفقة شرعية لو تمت؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في دلالة الغير على مشاريع تجارية مباحة، وعلى دراسات الجدوى المتعلقة بها، ولا حرج أن يأخذ أجرة على ذلك، فهذا من أجرة السمسار والدلال التي أجازها الفقهاء.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن حكم البحث لمستأجر عن محلٍ أو شقةٍ مقابل أجرة يدفعها لمن حقق له طلبه.
فأجاب: " لا حرج في ذلك، فهذه أجرة وتسمى السعي، وعليك أن تجتهد في التماس المحل المناسب الذي يريد الشخص أن يستأجره، فإذا ساعدته في ذلك والتمست له المكان المناسب، وساعدته في الاتفاق مع المالك على الأجرة، فكل هذا لا بأس به إن شاء الله، بشرط ألا يكون هناك خيانة ولا خديعة، بل على سبيل الأمانة والصدق، فإذا صدقت وأديت الأمانة في التماس المطلوب من غير خداع ولا ظلم لا له ولا لصاحب العقار فأنت على خير إن شاء الله" انتهى من فتاوى الشيخ ابن باز" (19/358) .
وينظر جواب السؤال رقم (45726) .
وينبغي الحذر من طرق الخداع التي تمارس عبر الإنترنت، فقد يشارك من يدعي أنه يملك المال ويبذل السعي، وغرضه أن يتصل الناس به، ويحصل على نسبة من أجرة الاتصال، إلى غير ذلك من صور الخديعة والمكر.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6359)
حكم التمويل العقاري عن طريق البنك العربي
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو إفادتي عن التمويل العقاري عن طريق البنك العربي حيث أقوم بالبحث عن عمارة ثم أخبر البنك بها فيقوم البنك بشرائها ومن ثم يؤجرها لي بعد أن وقعت له على وعد بأني سوف أستأجرها منه ثم يفرغها لي بعد عشرين سنة علما بأنه يأخذ علي فائدة وقدرها 4.75% عن كل سنة.فهل هذا جائز أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا حرج في دلالتك البنك على عمارة ليشتريها، ثم يبيعها عليك مقسطة، أو يؤجرها عليك.
ويشترط لصحة بيع البنك للعمارة أو تأجيرها أن يملكها ملكا تاما قبل البيع أو التأجير؛ لأنه لا يجوز للإنسان أن يبيع أو يؤجر ما لا يملك.
وللبنك أن يزيد في ثمن العمارة نسبة 4.75% أو أكثر، قبل بيعها عليك. وله أن يؤجرها عليك بالأجرة التي تتفقان عليها.
ثانيا:
عقد الإجارة المنتهي بالتمليك، له صور جائزة، وأخرى محرمة.
فإذا كان البنك سيؤجر عليك العمارة، كل شهر بكذا، مع وعد بتمليكك العمارة في نهاية المدة، فهذا جائز بشرط أن يكون عقد الإجارة عقدا حقيقيا، وليس ساترا للبيع، فيكون ضمان السلعة المؤجرة أي العمارة على المؤجر (البنك) ، لا على المستأجر، وكذلك نفقات الصيانة تكون على المؤجر لا على المستأجر طوال مدة الإجارة، وهذا بخلاف البيع، فإن الضمان فيه والصيانة كلها على المشتري لأنه يملك السلعة بمجرد العقد.
ويجوز أن يقترن بعقد الإجارة عقدٌ مستقل بالهبة معلق على سداد الأجرة كاملة، فيُنص على إجارة السلعة بأجرة معلومة إلى زمن معلوم. ثم ينص على عقد الهبة، كأن يقال: يتفق الطرفان على أن الطرف الأول (البنك) يهب الطرف الثاني (العميل) العمارة عند انتهاء المدة وسداد ما عليه من أقساط.
وقد صدر قرار من مجمع الفقه الإسلامي بخصوص الإجارة المنتهية بالتمليك، وبيان الصور الجائزة والممنوعة، ونص على جواز أن يقترن بعقد الإجارة: " عقد هبة العين للمستأجر معلّقا على سداد كامل الأجرة، وذلك بعقد مستقل، أو وعد بالهبة بعد سداد كامل الأجرة " انتهى.
وينظر نص القرار بتمامه في "فقه النوازل" للدكتور محمد حسن الجيزاني (3/301) .
وإذا اشترط البنك أن يكون ضمان العمارة أو صيانتها على المستأجر، كان العقد فاسدا، ولم تكن الإجارة حقيقية، ولم يجز لك الدخول في هذه المعاملة.
وإذا كان البنك يشترط دفعة مقدمة تحسم من الأجرة، فلا بأس، لكن لا يجوز للمالك أن يستولي على هذا المبلغ المقدم في حال عدم إكمال المستأجر المدة، وإنما يأخذ منه ما يقابل المدة التي استأجرها ثم يرد إليه الباقي.
ونصيحتنا أن تأخذ صورة من عقد البنك وتعرضه على أهل العلم المختصين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6360)
حكم العمل في تصميم المواقع
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في تصميم المواقع، علماً بأن المواقع التي أصممها لا تحتوي على صور نساء، ولا صور مخلة بالآداب الشرعية ونحوها، ولا أدخل لتصاميمي الموسيقى أو الأغاني، فقط أقوم بتصميم شكل الموقع، هل علي شيء في ذلك؟ والمال الذي أكسبه حلال أم حرام؟ وهل علي إثم إذا قام بعد ذلك العميل الذي قمت بتصميم الموقع له بوضع أشياء محرمة في موقعه من أغاني وصور ونحوها؟ وهل هناك حرج في إدخالي على التصميم صور الأطفال؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه من المسائل التي عم بها البلاء اليوم، نتيجة انتشار المعاصي، فتنوعت أساليب المحرمات وأدواتها، فلم يكد يسلم باب إلا وللشيطان فيه مدخل، حتى اختلط على المسلمين أمرهم، ولحقتهم المشقة في تحري الحلال واجتناب الحرام، والله سبحانه وتعالى حسيب المتقين، وكافي عباده المؤمنين، يرى منهم حبهم لطاعته وكرههم لمعصيته، وسيكافئهم بإذنه مغفرة وعفوا ورضوانا وإحسانا.
وفي قواعد البيع والإجارة الجائزة في الشريعة الإسلامية: كونها مما لا يُعصى الله تعالى بها، فلا تكون عوناً على معصية، ولا تؤدي إلى وقوعٍ في محرم؛ فالشريعة إذا حرمت شيئا، حرمت كل ما يؤدي إليه ويعين عليه، وأمرت بسد كل طريق يوصل إليه.
قال الله عز وجل: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/ 2.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله:
"فكل معصية وظلم يجب على العبد كف نفسه عنه، ثم إعانة غيره على تركه" انتهى.
"تفسير السعدي" (ص 218) .
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (3 / 140) :
"لا يصح عند جمهور الفقهاء بيع العنب لمن يتخذه خمرا , ولا بيع بندق لقمار , ولا دار لتعمل كنيسة , ولا بيع الخشبة لمن يتخذها صليبا , ولا بيع النحاس لمن يتخذه ناقوسا. وكذلك كل شيء علم أن المشتري قصد به أمراً لا يجوز" انتهى.
فإذا تيقن البائع أو المصمم أو المنتج أن ما صممه سيُستعمل في الحرام: فلا يجوز أن يبيعه أو ينتجه، وكذا الحكم إذا غلب على ظنه وإن لم يتيقن.
أما إن شك في الأمر، أو لم يعلم شيئا عن مآل استعمال ما سيبيعه وينتجه: فلا حرج عليه من بيعه وتصميمه، والإثم على من يستعمله في الحرام.
قال ابن حزم رحمه الله:
"ولا يحل بيع شيء ممن يوقن أنه يعصي الله به أو فيه , وهو مفسوخ أبدا: كبيع كل شيء يعصر ممن يوقن أنه يعمله خمراً، وكبيع المملوك ممن يوقن أنه يسيء ملكته، أو كبيع السلاح أو الخيل ممن يوقن أنه يعدو بها على المسلمين، أو كبيع الحرير ممن يوقن أنه يلبسه , وهكذا في كل شيء ; لقول الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) .
والبيوع التي ذكرنا: تعاون ظاهر على الإثم والعدوان بلا تطويل , وفسخها تعاون على البر والتقوى.
فإن لم يوقن بشيء من ذلك: فالبيع صحيح ; لأنه لم يعن على إثم , فإن عصى المشتري الله تعالى بعد ذلك فعليه (يعني: الإثم على المشتري فقط لا على البائع) " انتهى.
"المحلى" (7 / 522) .
وكذلك الحكم بالنسبة لك أخي السائل:
من جاءك وقد علمت أنه يريد تصميم موقع ليستعمله في الحرام: كالبنوك الربوية أو الصور الإباحية أو بيع المحرمات من خمر وخنزير ودخان أو مواقع الأفلام والموسيقى: فلا يجوز لك تصميم الموقع له، ولا يحل لك إعانته على المنكر الذي يريد، بل الواجب عليك نصحه وإرشاده وتذكيره بتقوى الله عز وجل.
أما إن لم تعلم شيئاً عن سبب طلب تصميم الموقع، أو كان الغالب استعمال الموقع في المباحات والأشياء النافعة: فلا حرج عليك من تصميمه وبيعه، ولو خلط صاحبه في استعماله بعض الحرام: فالأحكام الشرعية تبنى على الغالب وليس على القليل النادر.
وانظر إجابات الأسئلة: (22756) و (95029) و (98062) .
وأما حكم إدخال صور الأطفال على المواقع التي تصممها فلا يجوز ذلك، وقد سبق أن بينا تحريم التصوير، سواء كان مرسوما باليد أو ملتقطاً بالآلة (الكاميرا الفوتوغرافية) ، ولا يستثنى من هذا التحريم إلا ما تتعلق به حاجة أو ضرورة، كصور جواز السفر ونحو ذلك مما يحتاج إليه. وانظر جواب السؤال (20325) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6361)
حكم تأجير صالة الأفراح لمن يقيم فيها احتفالا مختلطا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تأجير صالات الأفراح، مع أن بعض الحفلات تكون غير منضبطة بأحكام الشرع؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز تأجير صالات الأفراح لمن يقيم بها حفلات مشتملة على المعاصي، كالاختلاط بين الرجال والنساء، أو الأغاني والمعازف المحرمة، ونحو ذلك من المعاصي، لقول الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2.
وقد ذكر العلماء رحمهم الله أنه يحرم تأجير البيت لمن يستعمله في معصية الله.
قال في "مطالب أولي النهى" (3/607) : "ولا تصح إجارة دار لتجعل كنيسة أو بيعة أو صومعة , أو بيت نار لتعبده المجوس , أو لبيع خمر وقمار ; لأن ذلك إعانة على المعصية قال الله تعالى: (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) . أو استؤجرت الدار لنحو زمر وغناء , وكل ما حرمه الشارع " انتهى بتصرف.
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (8/228) : " لما كان المقصود من عقد إجارة البيت هو بيع منفعته إلى أجل معلوم , اشتُرط في المنفعة ما يشترط في المعقود عليه في عقد البيع , وهو أن لا يمنع من الانتفاع بها مانع شرعي , بأن تكون محرمة كالخمر وآلات اللهو ولحم الخنزير. فلا يجوز عند جمهور الفقهاء إجارة البيت لغرض غير مشروع , كأن يتخذه المستأجر مكانا لشرب الخمر أو لعب القمار , أو أن يتخذه كنيسة أو معبدا وثنيا. ويحرم حينئذ أخذ الأجرة كما يحرم إعطاؤها , وذلك لما فيه من الإعانة على المعصية " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6362)
مطالبة المستأجر بمال مقابل إنهاء عقد الإجارة قبل وقته
[السُّؤَالُ]
ـ[استأجرت محلاً لمدة عشر سنوات، وبعد مرور ثلاث سنوات. جاءني صاحب المحل وطلب مني إلغاء عقد الإجارة وأترك المحل له. فهل يجوز لي أن أطالبه بمبلغ من المال تعويضاً لي عن ترك المحل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا تم عقد الإجارة فهو عقد ملزم للطرفين، لا يجوز لأحدهما فسخه أو إلغاؤه إلا برضا الطرف الآخر. وعلى هذا، فلست ملزماً بفسخ العقد، وترك المحل لصاحبه، بل لك الحق في إلزامه بالعقد الذي بينكما.
ولك أن تطالب بمبلغ من المال قلَّ أو كثر مقابل تنازلك عما تبقى لك من المدة، ولا حرج في ذلك.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
"إذا كان هذا المستأجر له مدة معينة، وجاءه صاحب الدكان يطلب منه الخروج قبل انتهاء هذه المدة: فلا حرج عليه أن يطلب عوضاً عن إسقاط حقه فيما بقي من المدة.
مثال ذلك: أن يكون قد استأجر هذا الدكان عشر سنين، ثم يأتيه صاحب الدكان بعد مضي خمس سنين، ويطلب منه أن يُفرِّغ الدكان له، فلا حرج على المستأجر حينئذٍ أن يقول: أنا لا أخرج وأدع بقية مدتي إلا بكذا وكذا؛ لأن هذا معاوضة على حق له ثابت بمقتضى العقد الذي أمر الله بالوفاء به في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) .
أما إذا كانت المدة قد انقضت، وكان بقاء المستأجر في هذا الدكان بمقتضى قانون من الدولة: فإنه لا يجوز له أن يمتنع من الخروج إلا بعوض، بمعنى: أنه لا يجوز له أن يطلب عوضاً عن الخروج من هذا الدكان الذي قد تمت مدته، بل يجب عليه أن يسلم الدكان إلى صاحبه بعد فراغ المدة، ولا يأخذ منه عوضاً على ذلك؛ لأن بقاءه في دكان بدون إذن مالكه مع انتهاء مدة الإجارة: ظلم له، والظلم محرم، كما قال الله تعالى في الحديث القدسي: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا) " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6363)
يتعاقد على دورات تدريبية ثم يتعاقد مع المحاضر وصاحب القاعة
[السُّؤَالُ]
ـ[أقوم بعمل دورات تعليمية وتدريبية للموظفين، وأقوم بعرض الدورات المقترحة، وأستلم من الشركات قائمة المتقدمين والمبالغ كاملة، ثم أقوم بالاتفاق مع المحاضر - الذي لا يعمل معي - وأدفع مستحقاته وتكاليف قاعة التدريس من المبالغ المستلمة؟ فما حكم ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
الإشراف على إقامة الدورات التعليمية والتدريبية بالطريقة التي ذكرتها وأخذ الأجرة مقدماً، لا حرج فيه، وهذا النوع من الإجارة يسميه العلماء: "إجارة عين موصوفة في الذمة"، وهي التي يكون المقصود فيها العمل المتفق عليه بين المؤجر والمستأجر، من غير اشتراط أن يقوم بالعمل شخص معين، وقد اتفق العلماء على جواز تقديم الأجرة كلها، بل بعضهم – كالشافعية – يوجب ذلك، ويجعله شرطاً لجوازها.
والله أعلم.
انظر "الموسوعة الفقهية" (32/286-287) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6364)
مطالبة المالك بمال مقابل تغيير عقد الإجارة لشخص آخر
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مستأجر لمحل في شركة، وقررت " تقبيل " المحل لشخص، ورفضت الشركة عملية " التقبيل " إلا بشرط أن ندفع لها 60.000 ريالاً بشيك مصدق، وهو عبارة عن 50% من قيمة الإيجار السنوي، وذلك تحت مُسمى " نسبة الشركة " لقاء التنازل، حيث إنه لا يتم كتابة أي عقد جديد للمستأجر الجديد إلا بعد أن تأخذ الشركة مبلغ 50 % من قيمة الإيجار السنوي، علماً بأن هذه الفقرة غير موجودة في العقود تماماً، بل يأخذون هذه الزيادات من ثغرة في العقد وهي: " التنازل، أو الإحالة ": وتنص على: " من المفهوم، والمتفق عليه صراحة: أنه لا يحق للمستأجر التنازل عن هذا العقد لأي طرف ثالث، سواء كان ذلك كليّاً، أو جزئيّاً...... دون إذن خطي مسبق من المؤجِّر ". إذا كان من حق الشركة أن تكتب هذا الشرط في العقد: فهل يترتب على هذا الشرط أي التزامات مالية؟ . وإذا أجَّرت الشركة المحل واستلمت أجرته السنوية كاملة: فما وجه الحق في أن تأخذ الشركة نصف الإيجار على كل عملية تقبيل؟ . علماً أن نسبة التقبيل الآن زادت من 50 % إلى 100 %، ثم إلى 200 % من قيمة الإيجار، يعني: إذا كان الإيجار للمحل 120.000 ريالاً فلا بد من دفع 240.000 ريالاً للشركة، فقط لقاء نقل العقد من المستأجر القديم إلى المستأجر الجديد. فما وجه الحق في أن تأخذ الشركة ضعف قيمة الإيجار على كل عملية تقبيل؟ علماً بأن هذه الزيادة - نسبة التقبيل - غير موجودة في العقود تماماً. فما رأيكم في هذا الموضوع؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
معنى التقبيل: أن يتنازل المستأجر عن المكان الذي استأجره لمستأجر آخر، يأخذ المحل بما فيه من بضائع ورفوف وغير ذلك، ويدفع ثمن هذه الأشياء للمستأجر الأصلي، ويدفع أجرة المحل للمالك.
وهذه المعاملة جائزة بشرط أن لا يكون المالك قد اشترط على المستأجر أن لا يتنازل لأحد، ولا يؤجر المحل لأحد. لأن الواجب الوفاء بهذا الشرط، لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) المائدة/1. ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (المسلمون على شروطهم) . رواه أبو داود (3594) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
"مَن استأجر عيناً: فله أن يؤجرها لغيره بمثل ما استأجرها به، أو بأكثر منها، أو بأقل، وبنفس مدة الإجارة المتفق عليها، ممن يقوم مقامه في الانتفاع، أو دونه، لا بأكثر منه ضرراً؛ لأنه يملك الانتفاع بالعين المؤجرة، فجاز له أن يستوفيها بنفسه، أو بغيره، إلا أن يشترط المؤجر المالك أن لا يؤجرها لغيره، أو أن لا يؤجرها لأصحاب مهن وحرف حددها، فهما على ما اشترطا" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ صالح بن فوزان، الشيخ الفوزان بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (15 / 88) .
وعلى هذا؛ فالمالك ليس ملزماً بتغيير العقد باسم المستأجر الجديد، بل له الحق في إلزام المستأجر الأول بإتمام العقد ودفع الأجرة إلى أن تنتهي المدة المتفق عليها.
وإذا طالب المالك بمبلغ من المال مقابل التنازل عن حقه في العقد الأول، وتغيير العقد باسم المستأجر الجديد، فله الحق في ذلك، قلَّ المبلغ الذي يطلبه أو كثر.
وانظر جواب السؤال رقم (105404)
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6365)
ادعى أنه اتفق مع أبيهم على أجرة معينة
[السُّؤَالُ]
ـ[كان والدي رحمه الله تعالى يملك حصة سهمية من قطعة أرض (تعادل 2200 سهم تقريباً) . في حوالي عام 1984م كلّف والدي زوجَ أختي بشراء الحصص السهمية الباقية (والتي تعادل 200 سهم) من أصحابها. وبما أن هذا الأمر كان على درجة كبيرة من الصعوبة حيث إن من يملكون ال 200 سهم التي لا يملكها والدي كثر، منهم من هم داخل سورية ومنهم من هم في دولة مجاورة ومنهم من توفي...... إلخ. وتشجيعاً من والدي رحمه الله لزوج أختي للقيام بهذه المهمة فإنه قطع عليه عهداً بأن كل حصة يشتريها له ويسجلها باسم والدي (زوج أختي هو من سيدفع ثمن هذه الحصة مع كل يترتب عليها من مصاريف) فإنه سيعطيه هذه الحصة بالإضافة إلى حصة إضافية مقابل أتعابه وذلك بعد أن يتم إفراز قطعة الأرض هذه والتنازل عن جزء منها للأملاك العامة والتي تعادل ثلث مساحة الأرض تقريباً. توفي والدي رحمه الله في عام 1996م بعد أن كان زوج أختي قد قام بشراء بعض الحصص وسجلها باسم والدي وطلبنا منه نحن عندها التوقف عن إتمام هذا الموضوع. والآن وبعد أن تم الانتهاء من هذا الأمر عن طريق القضاء أي قمنا بشراء جميع الحصص التي لا نملكها حدث خلاف بين إخوتي حول تقدير الحصة الإضافية التي وعد والدي رحمه الله بإعطائها لزوج أختي. منهم من يقول بأن والدي كان قد وعد زوج أختي بإعطائه الحصة التي يشتريها كاملة بعد تمام إفراز الأرض. بمعنى أنه عندما يشتري مترا مربعا مثلاً فإنه سيصبح بعد الإفراز ثلثي متر لأن ثلث المتر الباقي سيذهب للأملاك العامة (أي أن المتر المربع الواحد قبل الإفراز سيأخذه مترا مربعا واحداً بعد الإفراز وهكذا) ومن الإخوة من يقول غير هذا. زوج أختي يقول وقد أقسم أمامي على ذلك بأن والدي قد وعده بإعطائه الحصة قبل الإفراز حصة ونصفا بعد الإفراز (أي متر مربع واحد قبل الإفراز يأخذه مترا ونصفا بعد الإفراز) . كيف لنا أن نحل هذا الإشكال وليس منا من يستطيع الجزم بهذا الأمر، هل نأخذ بكلام زوج أختي وهل يعتبر هذا الوعد ذمة علينا الوفاء بها أم ماذا؟ علماً بأننا لا ننكر بأن زوج أختي قد قام بجهود كبيرة في متابعة هذا الأمر في دوائر الدولة المختلفة وبما أننا قد تحملنا الكثير من الأعباء المادية لإتمام هذا الأمر فقد قال زوج أختي بأنه سيتنازل لنا عن جزء من الحصة التي وعده والدي بإعطائها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
حيث حصل الاتفاق بين والدك وزوج أختك على أن كل حصة يشتريها ويسجلها باسم والدك فإنه سيعطيه هذه الحصة بالإضافة إلى حصة أخرى مقابل أتعابه، وأن زوج أختك قد قام بذلك، فإنه يلزم الوفاء له.
ولم يتضح لنا ما ذكرته بقولك: (زوج أختي هو من سيدفع ثمن هذه الحصة مع كل ما يترتب عليها من مصاريف)
فهل سيدفع هذا تبرعا، أو قرضا، أو على نية أن تصير الأرض له ولكنه يسجلها باسم والدك لسبب ما؟
ثانيا:
إذا كان زوج أختك يدعي أن الاتفاق تم على أنه يأخذ في مقابل المتر مترا ونصفا بعد الإفراز، وليس لديه بينة تشهد بذلك، وأنتم تدعون خلاف ذلك، فهذا مما يرجع فيه إلى القضاء وقد قال صلى الله عليه وسلم: (الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) رواه الترمذي (1341) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وروى مسلم (1711) عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ، وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) .
وعند البيهقي: (ولكن البينة على المدعي، واليمين على من أنكر) وصححه النووي في شرح مسلم، وابن حجر في بلوغ المرام.
هذا هو الأصل العام في باب الدعاوى، لكن ذهب كثير من أهل العلم إلى أن الأجير والمؤجر إذا اختلفا في قدر الأجرة ولا بينة لأحدهما فإنهما يتحالفان، فإن حلفا جميعا، فسخت الإجارة وكان للأجير أجرة عمله، يقدرها أهل الخبرة والأمانة، وإن امتنع أحدهما عن اليمين، قُضي بالحق لصاحبه.
والورثة يقومون مقام أبيهم المؤجر، والظاهر من سؤالك أنه لا يمكنكم الحلف على خلاف دعواه لعدم جزمكم بواقع الأمر، سواء طولب هو بالبينة فقط وعجز عنها، أو طولب بالحلف، وحينئذ فإما أن تعطوا زوج أختكم ما ادعى، وإما أن تصالحوه على شيء قريب يرضى به الجميع، وينبغي أن تراعوا جميعا ما بينكم من الصلة، وما بذله زوج أختك من الوقت والجهد، فليرفق كل طرف بالآخر، ولتتوصلا إلى شيء يرضى به الجميع. انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب
(5/6366)
اشترط عليه ألا يستعمل الأدوات الكهربائية في سكن الطلاب
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب في إحدى الدول الأوروبية مستأجر لغرفة تابعة لسكن الطلاب في الجامعة، في الشروط المفصلة لعقد الإيجار هناك شرط يمنع استخدام الأدوات الكهربائية غير تلك التي هي بالأساس مقدمة مع الغرفة بالإضافة لجهاز الكمبيوتر، وأنا عندي غسالة خاصة قبل أن أتأكد من هذا الشرط كنت أستخدمها وذلك بسبب الغلاء في تسعيرة الغسيل هنا، فسؤالي هو: هل يجوز استعمال أدوات كهربائية مع وجود هذا الشرط؟ علما أن هناك حاجة حقيقية لهذه الأدوات والمسئولون عن السكن لا يرضون أن يأخذوا زيادة في الأجرة مقابل السماح باستخدام هذه الأجهزة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا اشترط في عقد الإيجار عدم استعمال الأدوات الكهربائية غير المقدمة مع السكن، فيلزمك الوفاء بهذا الشرط، ولا يجوز لك استعمال الغسالة الخاصة بك، إلا إذا رضي المسئولون بذلك؛ لأن الأصل هو وجوب الوفاء بالعقود، والتزام الشروط. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) المائدة/1، وقال صلى الله عليه وسلم: (الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ) رواه أبو داود (3594) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وهذا الشرط الذي ذكرته يشترط غالباً في سكن الطلاب خوفاً من حصول مفسدة عظيمة، فنظراً لكثرة عدد الطلاب في السكن فلو سمح لكل واحد منهم أن يستعمل ما شاء من الأجهزة الكهربائية، لم تتحمل الأسلاك هذا الضغط العالي، مما يسبب انقطاع التيار كثيراً، وفي هذا ضرر على الطلاب، أو حصول حريق.
وهذا يؤكد عليك الالتزام بهذا الشرط.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6367)
الشركة تطالب من تعاقد معها
[السُّؤَالُ]
ـ[تم فتح خط هاتفي باسمي لحساب شخص آخر وذلك بعلمي ومعرفتي، وتقاعس هذا الشخص عن سداد الأقساط المستحقة لهذا الهاتف لصالح الدولة علماً بأنه لم يستعمله، فهل ذلك محرم وهل تطالني هذه الحرمة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
جرى العرف بأن من يكتب اسمه في أوراق العقود مع المؤسسات هو المتعاقد، وإذا كان كذلك فإنك أنت المتعاقد، ويلزمك الوفاء بهذا العقد، لأن الله تعالى أمر بالوفاء بالعقود، فقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) المائدة /1.
فيلزمك أن تسدد لهذه الجهة التي تعاقدت معها ما ترتب على العقد، ولا يجوز لك التهرب من ذلك.
ثم إن كنت قد مكنت هذا الشخص من المنفعة على أن يدفع هو الأقساط، فإن لك أن تطالبه أنت بهذه الأقساط.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6368)
مسائل في " خلو الرجل "، وكلمة لأصحاب العقارات للتخفيف على الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[ي متعلق بالسكن , إذ نظراً لارتفاع كلفته يلجأ العديد من الناس في " المغرب " لوسائل يخفضون بها أجرة الكراء , وهي كما يلي: " شراء مفتاح "، وهي دفع مبلغ مالي كبير لصاحب المنزل مقابل السكن بأجرة مخفضة، ويصبح المقرض بموجب العقد مالكاً لحق التصرف في المنزل، بحيث يمكنه إن أراد تغيير سكناه أن يسكِّن أي شخص يرد له المبلغ الذي دفعه لصاحب المنزل، أرجو إفادتي , هل هذه الطرق مشروعة لخفض كلفة الإيجار أم لا؟ وفي حالة النفي هل توجد وسيلة حلال تؤدي نفس الغرض؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1. الذي يظهر لنا أن ما يسميه السائل " شراء مفتاح " هو ما يسمى في بعض الدول " الخلو " أو " نقل قدم " أو " الفروغية "، وهو المال الذي يُدفع للمالك – أو للمستأجر بعقد شرعي – مقابل التمكين من العقار.
2. لا يُغيِّر دفع هذا المبلغ من طبيعة العقد، فهو لا يزال عقد إجارة.
3. لا ينبغي تسمية المال المدفوع قرضاً؛ لأنه لا يرده المالك إلى المستأجر، ولو كان قرضاً لكانت المعاملة محرَّمة؛ لأنه يصبح من القروض التي تجر منافع، وهي عقود ربوية بلا شك، وينطبق على ذلك القاعدة المتفق عليها " كل قرضٍ جرَّ نفعاً فهو رباً ".
4. يجوز للمستأجر أن يؤجر العقار بأقل أو أكثر من الأجرة التي تعاقد عليها مع المالك، وله أن يأخذ مقابل ذلك ما يسمى ب: "شراء المفتاح" أو "خلو الرجل" ما لم ينص العقد مع المالك على عدم ذلك.
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
"إذا استأجر إنسانٌ بيتاً، أو شقةً، أو معرضاً – مثلاً – مدة، وبقي له منها زمن: جاز له أن يؤجرها لمثله بقية تلك المدة بقليل، أو كثير، دون غبن.
أما إن كانت مدة إجارته قد انتهت: فليس له أن يؤجر ذلك البيت، أو الشقة، أو المعرض –مثلاً - أحداً إلا برضا المالك، وإلا كان ما أخذه من الأجرة محرَّماً، سواء كان قليلاً، أم كثيراً؛ لأن منافع البيت بعد انتهاء مدة الإجارة حق لمالك العين، فتصرف غيره فيها بغير رضاه: اعتداء على حقه، فكان ممنوعاً، وكان الكسب من ذلك من أكل أموال الناس بالباطل، لكن إذا كان المستأجر للمحل له مال في المحل، من فرش، أو ديكورات، أو مكيفات، أو إنارة، ونحو ذلك: فلا مانع أن يتفق المالك أو المستأجر الجديد مع مالكها على ثمن معلوم لتلك الأموال، ولا يسمَّى هذا " نقل قدم "، وإنما هو بيع لتلك الأشياء التي يملكها المستأجر، وإن لم يرغب المالك أو المستأجر الجديد شراءها: فعلى صاحبها أن ينقلها لانتهاء مدة إجارته" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (15 / 92) .
وسئل الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله: ما رأي الدين في المبالغ التي تدفع كخلو لإيجار الأماكن والمحلات، سواء من المؤجر للمستأجر أو من المستأجر للمؤجر؟ .
فأجاب:
"إذا استأجر الإنسان محلاً مدة معلومة: فله أن يسْكُنه تلك المدة، وأن يؤجِّره لغيره ممن هو مثله في الاستعمال، أو أقل منه؛ أي: أن له أن يستغل منفعة المحل بنفسه، وبوكيله.
أما إذا تمت مدته: فإنه يجب عليه إخلاء المحل لصاحبه الذي أجَّره إياه، ولا حق له في البقاء، إلا بإذن صاحبه، وليس له الحق في أن يمتنع عن إخلاء المحل إلا بأن يدفع له ما يسمى بـ " نقل القدم " أو " الخلو "؛ إلا إذا كان له مدة باقية فيه" انتهى.
" المنتقى من فتاوى الفوزان " (3 / 221 السؤال رقم 336) .
وانظر جواب السؤال رقم: (1839) ففيه قرار " مجمع الفقه الإسلامي " حول هذه المسألة بتفصيلات علمية.
والمرجو ممن وسَّع الله تعالى عليهم في المال والعقار أن يراعوا حال الناس، وضعفهم، وصعوبة الحياة، وقلة أو ندرة الحصول على أعمال تدر دخلاً يكفي الرجل وأسرته، وليعلموا أن ما يفعلونه من تخفيف الأجرة على المستأجرين يدخل في الإنفاق، والصدقات، والرحمة للخلق، وكل ذلك من أعظم الطاعات والأعمال الصالحة، وقد وعد الله تعالى أهلها بالخير والثواب في الدنيا والآخرة.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ) . رواه البخاري (4407) ومسلم (993) .
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما قال: قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمْ الرَّحْمَنُ ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ) . رواه الترمذي (1924) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ) . رواه مسلم (2699) .
نسأل الله تعالى أن يكتب لمن أنفق، وتصدَّق، ورحم: الأجرَ، والثوابَ، وأن يفرِّج عنهم وييسر لهم أمورهم في الدنيا والآخرة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6369)
حكم المساهمة في بناء صالة أفراح وقد تقام فيها حفلات غير منضبطة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم المساهمة في بناء قاعة أفراح (صالة) كتزويدهم بمواد البناء علماً أن بعض الحفلات التي تقام فيها لا تكون مضبوطة بأحكام الشرع، ويكون فيها مخالفات شرعية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قاعات الأفراح يستعملها الصالحون المنضبطون بأحكام الشرع، ويستعملها غيرهم، فيجب النظر إلى من سيستعملها، وبه يتضح حكم المساهمة في إنشائها وبنائها، فإن علمنا من حال صاحبها أنه لن يؤجرها لمن يعصي الله فيها فهذه لا إشكال في جواز بنائها والمساهمة فيه.
وإن علمنا من حال صاحبها أنه سيؤجرها لمن يعصي الله فيها إما بالاختلاط أو بالأغاني والمعازف المحرمة، أو بغير ذلك من أنواع المعاصي، فهذه أيضاً لا إشكال في تحريم بنائها والمساهمة فيه، لقول الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2.
وأما إن كان سيؤجرها من يراعي أحكام الشرع ومن لا يراعيها، فالحكم هنا للأكثر ـ حسب غلبة الظن ـ فإن كان الأكثر سيستعملها استعمالاً محرماً فلا يجوز المساهمة في بنائها، وإن كان الأكثر سيستعملها استعمالا مباحاً فلا حرج من بنائها، وإثم استعمالها المحرم يقع على من أجرها ومن عصى الله تعالى فيها، وإن استوي الاستعمالان، حرم بناؤها تغليباً لجانب التحريم.
ويمكن معرفة ذلك حسب حال أهل البلد وعاداتهم في الأفراح، وحسب حال صاحبها ومالكها.
والذي يظهر لنا من حال بلاد الحرمين الشريفين أن أكثر استعمال هذه الصالات يكون مباحاً، والحرام فيها قليل، وعلى هذا فلا حرج من بنائها.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6370)
حكم خياطة ما يعين على المعصية
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل خيَّاطة، وقد عملت أغطية لكراسي تستعمل في أعراس أغلبها ليست إسلامية، وفيها ما فيها من المنكرات والمحرمات , هل أنا آثمة في فعلي هذا؟ وهل المبلغ الذي تقاضيته في المقابل حرام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
خياطة الثياب والستائر والأغطية للاستعانة بها على المحرمات: لا تجوز، كخياطة الستائر لقاعات الرقص والغناء، أو خياطة ثياب الحرير للرجال، أو خياطة الألبسة الضيقة والمتكشفة لمن يعلم – أو يغلب على ظنه - أنها ستلبسه أمام الرجال الأجانب عنها، ونحو ذلك من صور الإعانة على فعل المحرم.
والقاعدة التي تجمعها هي: "تحريم بيع أو تصنيع أو الاستئجار على أي عمل يعين على معصية الله ".
دليل ذلك قول الله عز وجل: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/ 2.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله:
" (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) أي: ليُعن بعضكم بعضا على البر، وهو اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه، من الأعمال الظاهرة والباطنة، من حقوق الله، وحقوق الآدميين.
والتقوى في هذا الموضع: اسم جامع لترك كل ما يكرهه الله ورسوله، من الأعمال الظاهرة والباطنة.
وكلُّ خصلة من خصال الخير المأمور بفعلها، أو خصلة من خصال الشر المأمور بتركها: فإن العبد مأمور بفعلها بنفسه، وبمعاونة غيره من إخوانه المؤمنين عليها، بكل قول يبعث عليها وينشط لها، وبكل فعل كذلك.
(وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ) وهو التجرؤ على المعاصي التي يأثم صاحبها.
(وَالْعُدْوَانِ) وهو التعدي على الخَلْق في دمائهم، وأموالهم، وأعراضهم، فكل معصية وظلم يجب على العبد كف نفسه عنه، ثم إعانة غيره على تركه.
(وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) على من عصاه وتجرأ على محارمه، فاحذروا المحارم لئلا يحل بكم عقابه العاجل والآجل" انتهى.
"تفسير السعدي" (ص 218) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"إذا أعان الرجلَ على معصية الله: كان آثماً؛ لأنه أعان على الإثم والعدوان، ولهذا لعن النبي صلى الله عليه وسلم الخمر، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه، وبائعها، ومشتريها، وساقيها، وشاربها، وآكل ثمنها.
وأكثر هؤلاء كالعاصر والحامل والساقي إنما هم يعاونون على شربها، ولهذا ينهى عن بيع السلاح لمن يقاتل به قتالا محرما: كقتال المسلمين، والقتال في الفتنة.
ومن أخذ عِوضًا (الأجرة) عن عين محرمة، أو نفع استوفاه، مثل أجرة حَمَّال الخمر، وأجرة صانع الصليب، وأجرة البَغِيّ، ونحو ذلك: فليتصدق بها، وليتب من ذلك العمل المحرم، وتكون صدقته بالعوض (الأجرة) كفارة لما فعله؛ فإن هذا العوض لا يجوز الانتفاع به؛ لأنه عوض خبيث، ولا يعاد إلى صاحبه؛ لأنه قد استوفى العوض، ويتصدق به، كما نص على ذلك مَن نَصَّ من العلماء، كما نَصَّ عليه الإمام أحمد في مثل حامل الخمر، ونص عليه أصحاب مالك وغيرهم" انتهى.
" مجموع الفتاوى " (22 / 141 – 142)
ونقل في "شرح العمدة" (4 / 385 – 387) عن الإمام أحمد تحريم خياطة الثياب للجنود الظلمة، وأنه إذا فعل ذلك فقد أعانهم على الظلم.
ثم قال شيخ الإسلام:
"وكل لباس يغلب على الظن أن يُستعان بلبسه على معصية: فلا يجوز بيعه، وخياطته لمن يستعين به على المعصية والظلم، وكذلك كل مباح في الأصل علم أنه يستعان به على معصية" انتهى باختصار.
وعلى هذا؛ فما قمتِ به من خياطة أغطية لكراسي الأفراح التي ترتكب فيها المعاصي والآثام عملٌ محرم، وكسبكِ منه محرَّم أيضاً، والواجب عليكِ التوبة إلى الله تعالى منه، والتصدق بالأجرة التي أخذتيها مقابل هذا العمل المحرم.
ونسأل الله تعالى أن يخلف عليك خيراً، وأن يتقبل توبتك.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6371)
هل يجوز أن يعرض على موظف ترك عمله ليعمل معه براتب أكبر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[وجدت شخصاً متقنا لعمله يعمل لدى شركة وهو مستقر في عمله هذا، فهل يجوز لي أن أعرض عليه العمل لدى شركتي وذلك بأن أعرض عليه مرتباً أكثر من مرتبه في الشركة التي يعمل بها الآن، فهل هذا من البيع على بيع أخي المسلم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
روى البخاري (2139) ومسلم (1412) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يَبِيعُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ) .
وهذا الحديث يدل على تحريم بيع المسلم على بيع أخيه، ويدخل في ذلك الإجارة، لأنها بيع للمنافع، ولوجود علة التحريم، وهي حصول العداوة والبغضاء.
فلا يجوز للإنسان أن يؤجر على إجارة أخيه، مثل أن يأتي لعامل مستأجر بـ 100، فيقول: تعمل عندي بـ 150 مثلا.
فليس للمسلم أن يبيع على بيع أخيه أو يؤجر على إجارة أخيه؛ لأن هذا قد يدعو إلى الندم، ويوغر الصدر، وربما حمل الإنسان على طلب الحيلة لفسخ العقد مع الشركة التي يعمل بها، ويكون سببا لحصول العداوة والبغضاء والمنازعات بين المسلمين، وفيه اعتداء على الشركة التي يعمل بها هذا الموظف.
ومن كلام أهل العلم في إلحاق الإجارة بالبيع:
1- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " ومما هو كالبيع بطريق الأولى: إجارته على إجارة أخيه , مثل أن يكون الرجل مستقلا في داره حانوت (دكان) , وأهله قد ركنوا إلى أن يؤجروه السنة الثانية فيجيء الرجل فيستأجر على إجارته , فإن ضرره بذلك أشد من ضرر البيع غالبا , وأقبح منه أن يكون متوليا ولاية أو منزلا في مكان يأوي إليه أو يرتزق منه , فيطلب آخر مكانه والله أعلم " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (6/313) .
2- وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " لو استأجر على استئجار أخيه فما الحكم؟
الجواب: الحكم واحد (يعني: حرام كالبيع) ؛ لأن الإجارة بيع منافع " انتهى من "الشرح الممتع" (8/206) .
والمسألة لا تخلو من أربعة أحوال:
الأول: أن يكون عقد الإجارة الأول مع الشركة التي يعمل بها قائما، فيعرض عليه الآخر أن يفسخ عقده مع الشركة ليعمل عند الثاني، وهذا محرم.
الثاني: أن يكون العقد قائما، لكن يُعلم من حال العامل أنه غير راغب في عمله، وأنه يبحث عن غيره بعد انتهاء مدة العقد، أو أن الشركة لن تجدد له عقد العمل بعد انتهاء مدته، فلا حرج حينئذ في عرض العمل عليه ليلتحق به مستقبلا بعد انتهاء عقده مع الشركة التي يعمل بها.
الثالث: أن ينتهي عقد الإجارة، لكن يركن الطرفان (الموظف والشركة) إلى تجديده، فلا تجوز الإجارة على هذه الإجارة أيضا.
الرابع: أن ينتهي عقد الإجارة، ولا يحصل اتفاق أو ركون من الطرفين على تجديده، فلا حرج حينئذ في الإجارة الثانية.
وما قيل هنا في استئجار العامل، ينطبق على استئجار البيوت والمحلات وغيرها.
وبناء على ذلك؛ فإن كان الشخص الذي تريد جلبه للعمل معك، مستقرا في عمله، والشركة راكنة إلى بقائه وتجديد عقده، فلا يجوز أن تعرض عليه العمل معك بعد انتهاء عقده.
وإذا كان هو الذي يبحث عن عمل آخر أو أن الشركة لن تجدد له العقد فلا حرج عليك من أن تعرض عليه أن يعمل عندك بعد انتهاء عقده مع الشركة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6372)
استأجر شخصا لعمل محرم فهل يعطيه الأجرة أم يتصدق بها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[شخص مدين لآخر قام له بعمل محرم هل يجوز للمدين أن يؤدي ما بقي عليه من الدين مقابل العمل المحرم الذي قام له به الشخص الآخر؟ أم أن الدين يسقط عنه؟ مع العلم أنه لا يخشى أن يُرفع أمره إلى المحكمة والمبلغ يسير فهل يتحلل منه أو أنه يسقط عنه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان مقصودك أن شخصا استأجر غيره لعمل محرم، كأن يستأجره للعزف والزمر مثلا، أو ليشهد له زورا، أو ليضرب له بريئا، أو كمن يستأجر امرأة للزنا ونحو ذلك من الأعمال المحرمة، فهل يلزم المستأجر أن يدفع الأجرة أم لا؟ فالجواب: أنه لا يجوز أن يدفع له الأجرة على العمل المحرم، ويلزمه أن يتصدق بهذا المال، لئلا يجمع بين العوضين: المنفعة المحرمة، والمال.
قال زكريا الأنصاري رحمه الله في "أسنى المطالب" (1/569) : " وكما يحرم أخذ الأجرة على الحرام يحرم إعطاؤه ; لأنه إعانة على معصية، كأجرة الزمر والنياحة " انتهى.
وفي "المدونة" (3/437) : " قلت: أرأيت لو أن مسلما آجر نفسه من نصراني يرعى له خنازير فرعاها له فأراد أخذ إجارته؟ قال: قال مالك في النصراني يبيع من المسلم خمرا أرى أن يؤخذ الثمن فيتصدق به على المساكين أدبا للنصراني وتكسر الخمر في يد المسلم. قال ابن القاسم: وأنا أرى أن تؤخذ الإجارة من النصراني فيتصدق بها على المساكين ولا يعطاها هذا المسلم أدبا لهذا المسلم , ولأن الإجارة أيضا لا تحل لهذا المسلم إذا كانت إجارته من رعي الخنازير ... ويتصدق بالأجرة على المساكين ولا تترك الأجرة للنصراني مثل قول مالك في الخمر " انتهى مختصرا.
وفي "الموسوعة الفقهية" (1/290) : " الإجارة على المنافع المحرمة كالزنى والنوح والغناء والملاهي محرمة وعقدها باطل، لا يستحق به أجرة " انتهى.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن رجل حلق ذقنه عند الحلاق وقال: سوف أعطيك المال فيما بعد دينا عليّ، ثم هداه الله والتزم بأحكام الإسلام فهل يعطيه المال أم لا؟
فأجاب: " يقول له: أنا لن أعطيك إياه لأن هذا مقابل عمل محرم، ويتصدق به ".
وانظر جواب السؤال رقم (75072) .
ولو أن المستأجر دفع الأجرة، ثم تاب المغني أو شاهد الزور أو الزانية والمال في أيديهم، فإنه يلزمهم أن يتصدقوا به، ولا يردوه على المستأجر، في أصح أقوال العلماء، وقد سبق بيان هذا في جواب السؤال رقم (78289) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " ومن أخذ عوضا عن عين محرمة أو نفع استوفاه مثل أجرة حَمَّال الخمر وأجرة صانع الصليب وأجرة البغيّ ونحو ذلك فليتصدق بها، وليتب من ذلك العمل المحرم، وتكون صدقته بالعوض كفارة لما فعله، فإن هذا العوض لا يجوز الانتفاع به؛ لأنه عوض خبيث، ولا يعاد إلى صاحبه؛ لأنه قد استوفى العوض، ويتصدق به كما نص على ذلك من نص من العلماء، كما نص عليه الإمام أحمد في مثل حامل الخمر، ونص عليه أصحاب مالك وغيرهم " انتهى من "مجموع الفتاوى" (22/142) .
والحاصل: أن المستأجر يلزمه التصدق بالمال، ولا يجوز أن يعطيه لمن قام بالعمل المحرم، ويلزمهما التوبة إلى الله تعالى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6373)
تأجير المحل لمن يبيع فيه سلعا مباحة وأخرى تستعمل في الحلال والحرام
[السُّؤَالُ]
ـ[في البلد الكافر الذي أدرس فيه , أمي تؤجر محلا لجماعة كفار يبيعون العطور ومستحضرات التجميل, وأنا على يقين أن أغلب النساء يستخدمن هذه المستحضرات للسفور والتبرج ومن أجل الاختلاط مع الشباب, وقد قرأت في موقعكم هذا أنه إن كان بيع السلع تستخدم في فعل الحرام لا يجوز بيعها في هذه الحالة, وإني لا أعلم نسبة الكحول الموجودة في العطور التي تباع. وإذا عرضت الأمر على أمي , أنا متأكد أنها سوف تغضب وستنعتني بالتشدد, خاصةً أنها لا تصلي وليست في الإسلام كما ينبغي فلن تتفهم أهمية المسألة , وأخاف أن تنفر مني وأفشل في دعوتها, وستصبح مشكلة بيننا في الأسرة. المشكلة أيضاً أني أعيش في هذا البلد من مال هذا الإيجار, فماذا أفعل في هذه الحالة الصعبة؟ أجد صعوبة كبيرة في نهي هذا المنكر حتى أحس أني لا أستطيع فعل شيء. أرجوكم أن ترشدوني بإذن الله تعالى.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الأشياء التي يمكن استعمالها في الحلال والحرام، لا يجوز بيعها لمن يُعلم أو يغلب على الظن أن سيستعملها في الحرام، وإذا كنا لا ندري هل سيستعملها في الحلال أو الحرام، فلا حرج في بيعها عليه، لأن الأصل إباحة البيع وعدم تحريمه. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (75007)
ثانيا:
تأجير المحل لمن يبيع فيه سلعا مباحة كالعطور الرجالية مثلا، وسلعا أخرى تستعمل في الحلال والحرام، كمستحضرات التجميل، ينظر فيه إلى الغالب، فإن كان غالب السلع من النوع الثاني، والغالب في البلد استعمالها في الحرام، فإنه يمنع من تأجير المحل لمن هذا حاله؛ حتى لا يكون عونا على الحرام؛ لقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثم وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2.
وإن كان الغالب هو بيع السلع على الوجه المباح، جاز تأجير المحل، عملا بالغالب، ودفعاً للحرج والمشقة فإن كثيراً من أصحاب السلع لا ينفكون عن بيع أشياء تستعمل في الحلال والحرام.
ثالثا:
لا حرج في بيع العطورات الكحولية، لعدم الجزم بوجود الكحول المسكر فيها، أو بقائه على إسكاره.
وينظر جواب السؤال رقم (1365)
رابعا:
ينبغي أن تحسن إلى والدتك، وأن تسعى في دعوتها إلى الصلاة وتعليمها ما تجهل من أحكام الإسلام.
وإن رأيت أن الكلام معها في شأن هذا المحل سيسبب نفورها وبعدها، فلا تكلمها فيه، وليكن كلامك معها فيما هو أهم كالمحافظة على الصلاة باللين والرفق والموعظة الحسنة.
ولا حرج عليك في الاستفادة من مال والدتك، ولو كان تأجير المحل ممنوعا – بحسب التفصيل السابق – لأن ما حرم لكسبه فهو حرام على الكاسب فقط، وأما أنت فإن المال سيأتيك بطريق مباح وهو الهبة أو العطية من والدتك.
لكن اجتهد في نصحها ودلالتها على الخير، فإنها أحق الناس بصحبتك ودعوتك.
وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6374)
حكم تأجير جهاز كمبيوتر لتنزيل نغمات
[السُّؤَالُ]
ـ[سأقوم بإيجار جهاز كمبيوتر سيتم العمل به في إنزال نغمات، فهل هذا حرام أم حلال؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يحرم الاستماع إلى المعازف والنغمات الموسيقية، لأدلة كثيرة سبق بيانها في جواب السؤال رقم (5000) ، وما ثبت تحريمه لم تجز الإعانة عليه بوجه من الوجوه.
وعليه، فلا يجوز تأجير جهاز الكمبيوتر أو إعارته لمن يستعمله في إنزال النغمات.
وقد ذهب جمهور أهل العلم إلى أنه لا يجوز بيع أو تأجير ما يستعان به على المعصية؛ لقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2.
قال ابن قدامة رحمه الله: " وجملة ذلك ; أن بيع العصير لمن يعتقد أنه يتخذه خمرا محرم " ثم قال: "وهكذا الحكم في كل ما يقصد به الحرام , كبيع السلاح لأهل الحرب , أو لقطاع الطريق , أو في الفتنة , وبيع الأمة للغناء , أو إجارتها كذلك , أو إجارة داره لبيع الخمر فيها , أو لتتخذ كنيسة , أو بيت نار , وأشباه ذلك. فهذا حرام , والعقد باطل " انتهى من "المغني" (4/154) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " ولا يصح بيع ما قصده به الحرام كعصير يتخذه خمرا إذا علم ذلك كمذهب أحمد وغيره , أو ظن، وهو أحد القولين، يؤيده أن الأصحاب قالوا: لو ظن المؤجر أن المستأجر يستأجر الدار لمعصية كبيع الخمر ونحوها لم يجز له أن يؤجره تلك الدار , ولم تصح الإجارة , والبيع والإجارة سواء " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (5/388) .
وجاء في الموسوعة الفقهية: "ذهب الجمهور إلى أن كل ما يقصد به الحرام , وكل تصرف يفضي إلى معصية فهو محرم , فيمتنع بيع كل شيء علم أن المشتري قصد به أمرا لا يجوز " انتهى من "الموسوعة الفقهية الكويتية" (9/213) . والإجارة كالبيع كما سبق.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6375)
حكم الإجارة المنتهية بالوعد بالتمليك مع دفعة أولى ورسوم أخرى
[السُّؤَالُ]
ـ[شركة تؤجر سيارة وينتهي العقد بالتمليك الشركة قالت لي إنها تعطيني السيارة مع دفعة أولى ما يقارب عشرة آلاف ريال وأدفع شهريا ما يقارب ألف ومائتي ريال وأدفع لهم رسوم ما يقارب ألفين وثمانمائة ريال مع العلم أن سعرها الأصلي هو ستة وخمسون ألف وخمسمائة ريال ويكون السعر المحسوب علي ثمانية وسبعين ألف ريال مع العلم أنه لا يوجد دفعه أخيرة نهائيا، ووعدوني بعد الانتهاء بالتمليك فما حكم ما أفعله هل أقدم وآخذ السيارة أم لا لأني في حيرة من أمري؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إن كان المقصود أنك تشتري السيارة من الشركة بالأقساط، بحيث تدفع دفعة أولى تقارب العشرة آلاف، ثم تدفع أقساطا شهرية، فلا حرج في ذلك، لأنه بيع صحيح، ويترتب عليه دخول السيارة في ملكك من وقت العقد، لكن للشركة أن تمنعك من بيعها، وذلك بجعلها مرهونة لها حتى تسدد جميع الأقساط.
وهذا العقد لا علاقة له بموضوع الإجارة المنتهية بالتمليك. لكن لا يتضح هنا وجه أخذ الرسوم التي ذكرتها، وهي ما يقارب ألفين وثمانمائة ريال.
أما إذا كان العقد هو عقد إجارة للسيارة، كل شهر بكذا، مع وعد بتمليكك السيارة في نهاية المدة، فهذا جائز بشرط أن يكون عقد الإجارة عقدا حقيقيا، وليس ساترا للبيع، فيكون ضمان السلعة المؤجرة أي السيارة على المؤجر (الشركة) ، لا على المستأجر، وكذلك نفقات الصيانة غير التشغيلية تكون على المؤجر لا على المستأجر طوال مدة الإجارة، وهذا بخلاف البيع، فإن الضمان فيه والصيانة كلها على المشتري لأنه يملك السلعة بمجرد العقد.
ويجوز أن يقترن بعقد الإجارة عقد مستقل بالهبة معلق على سداد الأجرة كاملة، فيُنص على إجارة السلعة بأجرة معلومة إلى زمن معلوم. ثم ينص على عقد الهبة، كأن يقال: يتفق الطرفان على أن الطرف الأول (الشركة مثلا) تهب الطرف الثاني (العميل) السيارة عند انتهاء المدة وسداد ما عليه من أقساط.
وقد صدر قرار من مجمع الفقه الإسلامي بخصوص الإجارة المنتهية بالتمليك، وبيان الصور الجائزة والممنوعة، ونص على جواز أن يقترن بعقد الإجارة: " عقد هبة العين للمستأجر معلّقا على سداد كامل الأجرة، وذلك بعقد مستقل، أو وعد بالهبة بعد سداد كامل الأجرة " انتهى. وينظر نص القرار بتمامه في "فقه النوازل" للدكتور محمد حسن الجيزاني (3/301) .
وإذا اشترطت الشركة أن يكون ضمان السيارة أو صيانتها – غير التشغيلية – على المستأجر، كان العقد فاسدا، ولم تكن الإجارة حقيقية، ولم يجز لك الدخول في هذه المعاملة.
ويبقى مع هذا كله إشكال في الدفعة المقدمة، وإشكال في الرسوم التي تقارب الألفين والثمانمائة، فإن كانت الدفعة المقدمة ستحسم من الأجرة، فلا بأس، وإلا فلا بد من بيان وجه أخذها.
وأما الرسوم، فلا ندري وجه اشتراطها.
والذي ننصحك به أن تشتري سيارة بالتقسيط، من بائعها مباشرة، أو عن طريق ما يسمى بالمرابحة، فتشتريها عن طريق بنك الراجحي، بعد أن يشتريها هو من البائع، فهذا أسلم وأنفع لك، وتكون مالكا للسيارة بمجرد العقد، بخلاف مسألة الإجارة المنتهية بالتمليك، فإنك تظل مستأجرا إلى نهاية المدة، وقد تفي الشركة بوعدها في النهاية وقد لا تفي، مع احتمال وقوعك في الحرام عند عدم توفر شروط هذه المعاملة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6376)
استئجار خدمة توصيل الإنترنت شهريا مع استعمالها ساعات فقط
[السُّؤَالُ]
ـ[بالنسبة لخدمة الاتصال السريع بالإنترنت فإن شركة الاتصالات تأخذ أجرة شهرية على هذه الخدمة سواء قام العميل بتشغيل الإنترنت ساعة واحدة أو طوال الشهر بلا انقطاع، فهل هذا جائز؟ أم يجب أن تكون الأجرة على حسب الوقت الذي يستفيد منه العميل في هذه الخدمة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في الاشتراك في خدمة الاتصال السريع بالإنترنتDSL مقابل رسم شهري ثابت، سواء دخلتَ الإنترنت طوال ساعات اليوم أو ساعة منه أو لم تدخل أصلا؛ لأنه عقد إجارة على استعمال الخدمة لمدة شهر، ولا يشترط استيفاء المستأجر للمنفعة، بل يكفي أن يمكّن من ذلك، وتلزمه حينئذ الأجرة، ولو لم يستعملها أصلا، كمن استأجر داراً، إذا مُكّن من السكنى فيها، ولم يسكن، ومن استأجر سيارة ولم يستعملها، وهكذا.
قال في "منار السبيل" (1/294) في بيان ما تستقر به الأجرة: " وبانتهاء المدة إذا كانت الإجارة على مدة وسُلّمت إليه العين بلا مانع ولو لم ينتفع ".
وقال: " إذا مضى مدة يمكن استيفاء المنفعة فيها ولم تستوف، كما لو استأجر دابة ليركبها إلى موضع معين ذهابا وإيابا بكذا، وسلّمها له، ومضى ما يمكن ذهابه ورجوعه فيه على العادة ولم يفعل استقرت عليه الأجرة " انتهى.
لكن هذه المسألة ينظر إليها من جانب آخر، وهو أن الإنسان مأمور بحفظ ماله، ومنهي عن إضاعته، فإذا لم يكن لديك حاجة لدخول الإنترنت فترات طويلة، وكان الأوفر لك استعمال الخدمات الأخرى التي تبنى فيها التكلفة على قدر مدة الاستخدام، فهذا هو الأولى والأفضل، ولو كان بسرعة أقل.
وأيضا فهناك من يغريه وجود خدمة الـDSL بدخول الإنترنت فترات طويلة، مع عدم الحاجة لذلك، وهذا ضياع للمال ولما هو أعظم منه وهو الوقت، فينبغي الحذر من ذلك.
وفي الحديث الذي رواه الترمذي (2417) عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6377)
تعمل في الخياطة وتدل زبائنها على الشراء من بعض المحلات مقابل نسبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أختي تعمل في محل للخياطة، واتفقت هي والخياط مع بعض محلات بيع الأقمشة على أن يرسلوا بعض الزبائن لشراء أقمشة من محلاتهم ولهم نسبة. في البداية كانت النسبة محددة، ثم اتفقوا على أن تكون غير محددة لكنها في نفس القيمة تقريبا، فهل المال الذي يحصلون عليه حلال؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في الدلالة على بعض محلات الأقمشة، مقابل أجرة معلومة أو نسبة معينة مما اشتراه الزبون من هذه المحلات. وقد جوز الفقهاء أخذ الأجرة على الدلالة والسمسرة، ولا حرج أن تكون النسبة من ثمن المبيعات.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/131) : " يجوز للدلال أخذ أجرة بنسبة معلومة من الثمن الذي تستقر عليه السلعة مقابل دلالته عليها، ويستحصلها الدلال من البائع أو المشتري حسب الاتفاق من غير إجحاف ولا ضرر " انتهى.
وينظر جواب السؤال رقم (45726) .
ولا يجوز أن تكون الأجرة مجهولة؛ حتى لا يقع نزاع بين أختك وأصحاب المحلات؛ إذا أعطوها ما تراه دون ما تستحق، إلا إن تبرعت أختك بالدلالة بدون أجرة، ورأى صاحب المحل أن يكافئها على تبرعها، فله إعطاؤها ما شاء.
ويشترط لجواز هذه المعاملة ابتداء: الالتزام بالصدق والنصح للزبائن، فلا يجوز توجيههم إلى هذه المحلات، مع العلم بأن نفس القماش يوجد في محل آخر بسعر أرخص، أو يوجد ما هو أجود منه بنفس السعر.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6378)
استئجار منزل اشتراه صاحبه بقرض ربوي
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب موظف بإحدى الشركات وقد استأجرت شقة , وعلمت أن صاحبة البيت أخذت قرضا ربويا لشرائه , وثمن الكراء (الأجرة) أعلى من المبلغ الذي تدفعه للبنك , وبهذا فهي تدفع للبنك من المال الذي أعطيها وتربح ما تبقى. وغالب الظن أنها اشترت البيت كي تتاجر فيه بهذه الطريقة. سؤالي: هل كرائي عندها يعتبر من التعاون على الإثم أم هو حلال؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الاقتراض بالربا محرم تحريما شديدا؛ لما جاء في الربا من الوعيد الشديد، الذي يستوي فيه آكله وموكله وكاتبه، كما روى مسلم (1598) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ. وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ.
ومن اقترض بالربا، واشترى دارا أو متاعا، فله الانتفاع به بالسكنى أو البيع أو غير ذلك، مع وجوب التوبة إلى الله تعالى.
ولهذا؛ لا حرج عليك في الاستئجار منها، ولو كانت اقترضت المال بغرض الاتجار في الشقة أو التربح من ورائها، والإثم يقع عليها، لأنها هي التي تعاملت بالربا.
وانظر جواب السؤال رقم (22905) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6379)
الإيجار المنتهي بالتمليك عن طريق الهبة
[السُّؤَالُ]
ـ[تم التعاقد على سلعة بتأجيرها من المؤجر لمدة ستين شهرا ويتم تحرير شيكات بكامل المدة وبالعقد ميزة هي: إذا تم السداد قبل اليوم الأول من كل شهر يحسب الشهر كأنه ثلاثة أشهر سداد ولو تم السداد بعد ذلك يعد شهرا واحدا، وعند نهاية السداد يتم تملك السلعة عن طريق الهبة. أرجو الإفادة عن شرعية هذا التعاقد وبعده عن الربا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
هذه المعاملة إحدى صور الإجارة المنتهية بالتمليك، وقد صدر قرار من مجمع الفقه الإسلامي بخصوصها، ونص على جواز أن يقترن بعقد الإجارة: " عقد هبة العين للمستأجر معلّقا على سداد كامل الأجرة، وذلك بعقد مستقل، أو وعد بالهبة بعد سداد كامل الأجرة " انتهى. وينظر نص القرار بتمامه في "فقه النوازل" للدكتور محمد حسن الجيزاني (3/301) .
وتعليق الهبة على شرط، صححه بعض أهل العلم، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. لكن يشترط أن يكون عقد الهبة مستقلا عن عقد الإجارة، فيُنص على إجارة السلعة بأجرة معلومة إلى زمن معلوم. ثم ينص على عقد الهبة المعلق، كأن يقال: يتفق الطرفان على أن الطرف الأول (الشركة مثلا) تهب الطرف الثاني (العميل) السلعة في حال سداده ما عليه من أقساط لديها.
كما يشترط أن تكون الإجارة حقيقية وليست ساترة للبيع، فيكون ضمان السلعة المؤجرة على المؤجر، لا على المستأجر، وكذلك نفقات الصيانة غير التشغيلية تكون على المؤجر لا على المستأجر طوال مدة الإجارة، وهذا بخلاف البيع، فإن الضمان فيه والصيانة كلها على المشتري لأنه يملك السلعة بمجرد العقد.
ثانيا:
ما ذكرته من أنه " إذا تم السداد قبل اليوم الأول من كل شهر يحسب الشهر كأنه ثلاثة أشهر سداد، ولو تم السداد بعد ذلك يعد شهرا واحدا) يعرف عند الفقهاء بضعْ وتعجّل، أي إذا تعجّل المدين في دفع ما عليه أسقط عنه جزء من الدين.
فأنت إذا سارعت بدفع القسط قبل موعده، أُسقط عنك قسطان من المبلغ الذي عليك.
وقد اختلف الفقهاء في صحة ذلك، والأكثرون على منعها؛ لشبهها بالربا. وذهب أحمد والشافعي في أحد قوليهما إلى الجواز، وهو القول الراجح، وانظر تفصيل ذلك في جواب السؤال رقم (13945) .
ومن قرارات مجمع الفقه الإسلامي: " الحطيطة من الدين المؤجل، لأجل تعجيله، سواء أكانت بطلب الدائن أو المدين، (ضع وتعجل) جائزة شرعاً، لا تدخل في الربا المحرم إذا لم تكن بناء على اتفاق مسبق " انتهى من مجلة مجمع الفقه (2/ 217) .
ومنه يعلم أن هذه الصورة (ضع وتعجل) لا تجوز؛ لوجود الاتفاق المسبق عليها عند العقد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6380)
حكم تأجير المحل لفتح مقهى إنترنت
[السُّؤَالُ]
ـ[عندنا دكان نريد أن نؤجره إن شاء الله وقد جاءنا مستأجر يريد أن يفتحه مقهى للإنترنت والشبكات فهل هناك شيء إن أجّرناها له وأرجو توضيح الضوابط إن وجدت، وبشكل عام هل على من يؤجر دكانه التحقق من تفاصيل العمل الذي يريد أن يقوم به المستأجر في هذا الدكان وهل هو مسؤول عنه.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
عقد الإجارة من العقود الجائزة في الشريعة الإسلامية بإجماع المسلمين، وقد ذكر العلماء لصحة الإجارة شروطاً منها: كون المنفعة مباحة، فلا يجوز أن يؤجر بيتا لمن يجعله كنيسة، أو محلاً لمن يبيع فيه الخمر، فلو أجر لهذا الغرض لما صحت الإجارة؛ وذلك لأن المنفعة في هذه الإجارة ليست مباحة النفع.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " ولا يصح بيع ما قصده به الحرام كعصير يتخذه خمرا إذا علم ذلك، كمذهب أحمد وغيره , أو ظنّ، وهو أحد القولين، يؤيده أن الأصحاب قالوا: لو ظن الآجر أن المستأجر يستأجر الدار لمعصية كبيع الخمر ونحوها لم يجز له أن يؤجره تلك الدار , ولم تصح الإجارة , والبيع والإجارة سواء " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (5/388) .
وقال في "مطالب أولي النهى" (3/607) : " ولا تصح إجارة دار لتجعل كنيسة أو بيعة أو صومعة , أو بيت نار لتعبد المجوس , أو لبيع خمر وقمار ; لأن ذلك إعانة على المعصية قال تعالى: (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) . أو استؤجرت الدار لنحو زمر وغناء , وكل ما حرمه الشارع , وهو متِّجه. وسواء شرط ذلك المحرم ; بأن شرط المستأجر جعلها له بعقد , أو لا ; بأن علم بقرائن ; لأنه فعل محرم , فلم تجز الإجارة عليه ; ولمُكْرٍ [يعني: مؤجر] دارا منع مكتر [يعني: مستأجر] ذمي من بيع خمر بدار مؤجرة ; لأنه معصية " انتهى.
ثانياً:
محلات الإنترنت تستعمل في الخير والشر، وإن كان استعمالها في الشر أكثر، فإذا كان من يستأجر المحل حريصاً على ضبطه، ومنع المنكرات فيه، كمشاهدة المحرمات والدخول على المواقع السيئة، وشرب الدخان والشيشة، ولعب القمار، فهذا يجوز تأجير المحل له، والكسب الناتج من ذلك التأجير حلال.
وأما إذا عَلِم المؤجر أو غلب على ظنه، بما يراه من غالب حال الناس في بلده، أو حال من أراد أن يستأجر منه أنه لن يضبط المحل، ولن يمنع المنكرات فيه، أو أن ضبط ذلك يتعذر عليه، مع تعدد تقنيات وبرامج الاختراق، فلا يجوز تأجيره له، لما في ذلك من التعاون على الإثم والعداون، قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة / 2.
وانظر جواب السؤال رقم (82873) و (34672)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6381)
زيادة أجرة خياطة الثوب ونحوها على العروس دون غيرها
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أسألك عن أمر يخص العروس.. وهو أنها إذا ذهبت لخياطة ثيابها أو تصفيف شعرها ليلة زواجها فإن الخيّاطة أو المصففة تسأل هل أنتِ عروس أو لا؟ أي هل أنتِ تجهزين لزواجكِ؟ لأني إن كنت عروسا فسترفع السعر إلى الضعف.. وإن كنت غير عروس فالسعر ثابت تقريباً.. فهل يجوز لي أن أقول لها أني غير عروس وأنا في نفسي فعلاً لستُ عروساً في هذا الوقت الذي سألتني فيه بمعنى أن الزوج لم يدخل بي بعد..؟!]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تجوز الإجارة على خياطة الثوب أو تصفيف الشعر، بأجرة معلومة، يتفق عليها الطرفان، لا فرق في ذلك بين العروس وغيرها، وزيادة الأجرة على العروس فوق الأجرة المعتادة، دون زيادة في العمل، هو من استغلال حاجة الناس وأكل أموالهم بالباطل.
ولهذا لا حرج عليك في إخفاء كونك عروسا، والاتفاق مع الحائكة أو المصففة على أجرة معلومة في مقابل عمل معلوم.
ولك أن تستعملي التورية في جواب سؤالها، أو أن تقولي: لست عروسا، لأنه لم يتم الدخول بعد، قال ابن الأثير في "النهاية" (3/206) : " يقال الرجُل عَرُوس كما يقال للمَرْأة، وهو اسمٌ لهما عند دُخُول أحدُهما بالآخر " انتهى.
وقال في "لسان العرب" (6/136) : " والزوجان لا يُسمَّيان عَروسَيْن إِلا أَيام البناء واتخاذ العُرْسِ " انتهى.
ولمزيد الفائدة انظري السؤال رقم (11446)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6382)
حكم العمل مديراً لمطعم يبيع المحرمات
[السُّؤَالُ]
ـ[عرض علي حاليا وظيفة مدير قسم في أحد المطاعم؛ وقد كنت أتساءل عما إذا كان يحل لي قبول هذه الوظيفة أم يحرم على قبولها، وذلك لأن الطعام الذي يقومون ببيعه ليس حلالا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جزى الله الأخ السائل خيراً على تحريه في طلب الرزق الحلال، وهو إن استمر على ذلك سيظفر إن شاء الله بخيري الدنيا والآخرة، فإن الله تعالى يقول: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق2-3.
أما عن العمل في هذه الوظيفة فإنه حرام ما دام المطعم يبيع المحرمات، حتى وإن لم يباشر صاحب هذه الوظيفة البيع بنفسه، لأنه معين على الحرام، والله تعالى يقول: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2.
قال الإمام الجصاص في "أحكام القرآن" (2/429) : " وقوله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى} يقتضي ظاهره إيجاب التعاون على كل ما كان طاعة لله تعالى ; لأن البر هو طاعات الله. وقوله تعالى: {ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} نهي عن معاونة غيرنا على معاصي الله تعالى " انتهى.
فكما أن الله تعالى حَرَّم علينا أن نعصيه، حَرَّم علينا أن نعين العاصي على معصيته، وعملك مديراً لأحد الأقسام بهذه المطاعم، فيه إعانة على أكل الحرام، وتسهيله للراغبين فيه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6383)
يدير شركة استضافة وتبين أن صاحب الموقع يستخدمه لاستدراج النساء
[السُّؤَالُ]
ـ[أدير شركة لاستضافة المواقع الإلكترونية، وبعد شهرين من بيع أحد المواقع فوجئت بأن صاحبه يستخدم الموقع للتعرف على الفتيات للإيقاع بهن واعترف لي بأن له علاقات محرمة سابقة عن طريق الإنترنت. قمت بدعوة الأخ وأرسلت له بعض المواد الدعوية عل الله يصلح حاله ولكنه مصر على عمله. قمت بإيقاف الموقع وإغلاقه ووضع بعض المواد الدعوية على الموقع وكتبت رسالة تحذيرية عن نية صاحب الموقع حتى تأخذ الأخوات حذرهن. وهو يطالب الآن بما دفعه لي بداية الأمر السؤال: هل يتوجب علي إعادة ما دفعه صاحب الموقع من مال له أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الأمر كما ذكرت، فقد أحسنت في إغلاق الموقع ونصح الداخلين عليه، ونسأل الله أن يجزيك خيرا.
والأصل أن عقد الإجارة لازم للطرفين إلى تمام مدته، لكن إذا تبين أن المستأجر استأجر الخدمة لغرض محرم، فهذا يبيح فسخ العقد من جهتك.
وأما الأجرة المتفق عليها للاستضافة، فإنك تستحق منها ما يقابل المدة التي انتفع فيها بالموقع، وترد له الباقي.
وقد وجهنا هذا السؤال للشيخ الدكتور خالد المشيقح حفظه الله فأجاب: " نعم، إذا كان عمله هذا محرماً فإنكم تفسخون العقد لقول الله عز وجل: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) . وأما الأجرة التي دفع، فله قسط الأجرة، يعني إذا كان سكن النصف يأخذ النصف وهكذا " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6384)
اشتراط التأمين الشامل في عقود الإجارة المنتهية بالتمليك
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم شراء سيارة بنظام التأجير مع الوعد بالتملك؟ وهل يختلف الحكم إذا كان البائع (الوكيل) يشترط أن يتم التأمين على السيارة تأميناً شاملاً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
عقد الإجارة المنتهي بالتمليك، له صور، منها الجائز، ومنها الممنوع، ومن الصور الجائزة أن يكون هناك عقدان مستقلان، عقد الإجارة، مع وعد بالتمليك، ولا يتم التمليك إلا بعقد بيع مستقل بعد انتهاء عقد الإجارة، ويكون لكل من الطرفين حرية الاختيار في إنشاء هذا العقد أو عدم إنشائه.
وينظر جواب السؤال رقم (14304) .
وقد صدر عن مجمع الفقه الإسلامي قرار في هذا الشأن في دورته الثانية عشرة بالرياض من 25 جمادى الآخرة 1421هـ إلى غرة رجب 1421هـ (23-28 سبتمبر 2000م) .
وهذا نص القرار:
" قرار رقم: 110 (4/12) بشأن موضوع الإيجار المنتهي بالتمليك.
إن مجلس الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورته الثانية عشرة بالرياض في المملكة العربية السعودية من 25 جمادى الآخرة 1421هـ إلى غرة رجب 1421هـ (23-28 سبتمبر 2000) .
بعد اطلاعه على الأبحاث المقدمة إلى المجمع بخصوص موضوع (الإيجار المنتهي بالتمليك) . وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حول الموضوع بمشاركة أعضاء المجمع وخبرائه وعدد من الفقهاء.
قرر ما يلي:
الإيجار المنتهي بالتمليك:
أولا: ضابط الصور الجائزة والممنوعة ما يلي:
1- ضابط المنع: أن يرد عقدان مختلفان في وقت واحد على عين واحدة في زمن واحد.
2- ضابط الجواز:
* وجود عقدين منفصلين يستقل كل منهما عن الآخر زمانا، بحيث يكون إبرام عقد البيع بعد عقد الإجارة، أو وجود وعد بالتمليك في نهاية مدة الإجارة، والخيار يوازي الوعد في الأحكام.
* أن تكون الإجارة فعلية وليست ساترة للبيع.
3- أن يكون ضمان العين المؤجرة على المالك لا على المستأجر، وبذلك يتحمل المؤجر ما يلحق العين من غير ناشئ من تعد المستأجر، أو تفريطه، ولا يلزم المستأجر بشيء إذا فاتت المنفعة.
4- إذا اشتمل العقد على تأمين العين المؤجرة فيجب أن يكون التأمين تعاونيا إسلاميا لا تجاريا، ويتحمله المالك المؤجر وليس المستأجر.
5- يجب أن تطبق على عقد الإجارة المنتهية بالتمليك أحكام الإجارة طوال مدة الإجارة، وأحكام البيع عند تملك العين.
6- تكون نفقات الصيانة غير التشغيلية على المؤجر لا على المستأجر طوال مدة الإجارة.
ثانيا: من صور العقد الممنوعة:
1- عقد إجارة ينتهي بتملك العين المؤجرة مقابل ما دفعه المستأجر من أجرة خلال المدة المحددة، دون إبرام عقد جديد، بحيث تنقلب الإجارة في نهاية المدة بيعا تلقائيا.
2- إجارة عين لشخص بأجرة معلومة ولمدة معلومة مع عقد بيع له معلق على سداد جميع الأجرة المتفق عليها خلال المدة المعلومة، أو مضاف إلى وقت في المستقبل.
3- عقد إجارة حقيقي، واقترن به بيع بخيار الشرط لصالح المؤجر، ويكون مؤجلا إلى أجل محدد (هو آخر مدة عقد الإيجار) . وهذا ما تضمنته الفتاوى والقرارات الصادرة من هيئات علمية ومنها: هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية.
ثالثا: من صور العقد الجائزة:
1- عقد إجارة يمكن المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة مقابل أجرة معلومة في مدة معلومة، واقترن به عقد هبة العين للمستأجر معلقا على سداد كامل الأجرة، وذلك بعقد مستقل، أو وعد بالهبة بعد سداد كامل الأجرة (وذلك وفق ما جاء في قرار المجمع بالنسبة للهبة رقم (13/1/3) في دورته الثالثة) .
2- عقد إجارة مع إعطاء المالك الخيار للمستأجر بعد الانتهاء من وفاء جميع الأقساط الإيجارية المستحقة خلال المدة في شراء العين المأجورة بسعر السوق عند انتهاء مدة الإجارة (وذلك وفق قرار المجمع رقم 44 (6/5) في دورته الخامسة) .
3- عقد إجارة يمكن المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة مقابل أجرة معلومة، في مدة معلومة واقترن به وعد ببيع العين المؤجرة للمستأجر بعد سداد كامل الأجرة بثمن يتفق عليه الطرفان.
4- عقد إجارة يمكن المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة مقابل أجرة معلومة، في مدة معلومة، ويعطي المؤجر للمستأجر حق الخيار في تملك العين المؤجرة في أي وقت يشاء على أن يتم البيع في وقته بعقد جديد بسعر السوق (وذلك وفق قرار المجمع السابق رقم 44/6 (5)) أو حسب الاتفاق في وقته.
رابعا: هناك صور من عقود التأجير المنتهي بالتمليك محل خلاف، وتحتاج إلى دراسة تعرض في دورة قادمة إن شاء الله تعالى " انتهى.
ثانيا:
تبين من خلال قرار المجمع أنه في حال اشتمال العقد على تأمين العين المؤجرة فيجب أن يكون التأمين تعاونيا إسلاميا لا تجاريا، ويتحمله المالك المؤجر وليس المستأجر، سواء كان التأمين شاملا أو جزئيا.
والمقصود أنه لا يجوز إلزام المستأجر أو المشتري بالتأمين على العين المؤجرة أو المشتراة، بل هذا يتحمله المؤجر إن رغب في ذلك، لأن ضمان العين المؤجرة عليه لا على المستأجر، ولا يضمن المستأجر إلا إذا فرط أو تعدى.
فإذا شرط المؤجر على المستأجر التأمين، فالشرط فاسد، وهو كاشتراط الضما عليه من حيث المعنى، وهل يفسد العقد بذلك أو لا؟
قال في "المغني" (5/311) : " فإن شرط المؤجر على المستأجر ضمان العين , فالشرط فاسد ; لأنه ينافي مقتضى العقد. وهل تفسد الإجارة به؟ فيه وجهان , بناء على الشروط الفاسدة في البيع. قال أحمد , فيما إذا شرط ضمان العين: الكراء والضمان مكروه. وروى الأثرم , بإسناده , عن ابن عمر , قال: لا يصلح الكراء بالضمان. وعن فقهاء المدينة أنهم كانوا يقولون: لا نكتري بضمان , إلا أنه من شرط على كري أنه لا ينزل متاعه بطن واد , أو لا يسير به ليلا , مع أشباه هذه الشروط , فتعدى ذلك , فتلف شيء مما حمل في ذلك التعدي , فهو ضامن , فأما غير ذلك , فلا يصح شرط الضمان فيه , وإن شرطه لم يصح الشرط " انتهى.
وقال في "درر الحكام شرح مجلة الأحكام" (1/514) : " إذا شرط الضمان على المستأجر في حال تعيب أو هلاك المأجور بلا تعد ولا تقصير، أو شرط رد المأجور إلى المؤجر بلا عيب تكون الإجارة فاسدة " انتهى.
وصرح المالكية أيضا بفساد الإجارة عند اشتراط الضمان على المستأجر. ينظر: المدونة (3/450) ، بلغة السالك (4/42) .
وفي "الموسوعة الفقهية" (1/286) : " ولا يجوز اشتراط صيانة العين على المستأجر , لأنه يؤدي إلى جهالة الأجرة , فتفسد الإجارة بهذا الاشتراط باتفاق المذاهب. وإن سكن المستأجر , لزمه أجر المثل , وله ما أنفق على العمارة , وأجر مثله في القيام عليها إن كان فعل ذلك بإذنه , وإلا كان متبرعا " انتهى.
والحاصل: أن التأمين التجاري محرم، سواء كان الذي سيقوم به البائع أم المشتري، أما إذا كان التأمين تعاونيا إسلاميا، فهو جائز ويجب أن يقوم به البائع.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6385)
يدل غيره على شراء سلعة مقابل عمولة من البائع
[السُّؤَالُ]
ـ[أحد أصدقائي يعمل في مجال بيع الماكينات وقد باع ماكينة لأحد المصانع، وأعمل الآن بهذا المصنع لتشغيل تلك الماكينة. أحد أصحاب المصانع المنتجة لنفس المنتج الذي ينتجه المصنع الذي أعمل به طلب مني عنوان صديقي الذي باع لنا الماكينة لأنه يريد شراء مثلها. السؤال: هل أعطي له عنوان صديقي لشراء الماكينة؟ أنا خائف أن تكون خيانة لصاحب المصنع الذي أعمل فيه. (مع العلم أنه يوجد العديد من المصانع لديه هذه الماكينة) بمعنى أنه ممكن يحصل عليها من مورد آخر. (مع العلم أيضا أني سوف أحصل على مبلغ من المال من صديقي المورد فقط، مقابل هذا البيع) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي فهمناه من سؤالك أنك ستدل أحد المصانع على صديقك ليشتري منه ماكينة تنتج نفس المنتج الذي ينتجه المصنع الذي تعمل فيه، وأن هذه الماكينة متوفرة عند صديقك وعند غيره، وأنك ستأخذ مبلغا من المال مقابل هذه الدلالة، وهذا لا حرج فيه؛ لأنه من باب السمسرة، وليس فيه خيانة لصاحب العمل.
وأجرة السمسار (الدلال) يجوز أن تكون مبلغا محددا، ويجوز أن تكون نسبة من ثمن السلعة المباعة كـ 5% من ثمن السلعة ونحو ذلك.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/131) : " يجوز للدلال أخذ أجرة بنسبة معلومة من الثمن الذي تستقر عليه السلعة مقابل الدلالة عليها، ويستحصلها من البائع أو المشتري، حسب الاتفاق، من غير إجحاف ولا ضرر " انتهى.
وجاء فيها (13/130) أيضاً:
السؤال: أخذت زبونا إلى أحد المصانع أو المحلات لشراء بضاعة، فأعطاني صاحب المصنع أو المحل عمولة على الزبون. هل هذا المال حلال (العمولة) ؟ وإذا زاد صاحب المصنع مبلغا معينا على كل قطعة يأخذها الزبون، وهذه الزيادة آخذها أنا مقابل شراء الزبون لهذه البضاعة، فهل هذا جائز؟ إذا كان غير جائز فما هي العمولة الجائزة؟
الجواب: إذا كان المصنع أو التاجر يعطيك جزءا من المال على كل سلعة تباع عن طريقك؛ تشجيعا لك لجهودك في البحث عن الزبائن، وهذا المال لا يزاد في سعر السلعة، وليس في ذلك إضرار بالآخرين ممن يبيع هذه السلعة، حيث إن هذا المصنع أو التاجر يبيعها بسعر كما يبيعها الآخرون - فهذا جائز ولا محذور فيه.
أما إن كان هذا المال الذي تأخذه من صاحب المصنع أو المحل، يزاد على المشتري في ثمن السلعة، فلا يجوز لك أخذه، ولا يجوز للبائع فعل ذلك؛ لأن في هذا إضراراً بالمشتري بزيادة السعر عليه " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6386)
الأفضل للموظف أن يبادر إلى الصلاة بمجرد سماع الأذان
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الأفضل في حق الموظف المبادرة إلى الصلاة عند سماع الأذان , أو الانتظار لإنجاز بعض المعاملات؟ وما حكم التنفل بعد الصلاة بغير السنن الرواتب؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" الأفضل في حق جميع المسلمين المبادرة إلى الصلاة عند سماع الأذان؛ لأن المؤذن يقول: "حي على الصلاة " (أي: أقبل على الصلاة) ، والتثاقل عنها يؤدي إلى فواتها.
أما تنفل الموظف بعد الصلاة بغير السنن الرواتب فلا يجوز؛ لأن وقته مستحق لغيره بمقتضى عقد الإجارة أو الوظيفة , وأما السنة الراتبة فلا بأس بها لأنها ممن جرت العادة بالتسامح فيه من المسؤولين.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
"مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (15/32) .
(5/6387)
أعطته الذهب ليذيبه ويصنع منه حلى
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي ذهب قديم، أخذته إلى الصائغ بقصد صنع أسوار جديدة، فقال إنه سيذيبه، ويعيد تصنيعه، ويأخذ مبلغ الصنع فقط، أي: عمل يده، مع العلم أن الذهب القديم لما يقوم الصائغ بتذويبه ينقص منه (2غ إلى 3غ) بالتقريب، وبالتالي تصبح الأساور المصنعة من جديد أقل وزنا من الذهب الذي أعطيته له. أفيدوني بالجواب أثابكم الله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الصائغ سيقوم بصناعة ذهبك حليا حسب طلبك، فيأخذ أجرة على عمله، فلا بأس بذلك، أما إن كان سيصنع لك الحلي المطلوب من ذهب غير ذهبك، ويأخذ ذهبك مقابله مع الأجرة فهذا لا يجوز؛ لأنه لا بد من التساوي في المقدار إذا بيع الذهب بجنسه، مع التقابض في المجلس.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. فتاوى اللجنة الدائمة 13/503.
(5/6388)
هل يستأجر من الكفار؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لمسلم أن يستأجر عقارا من غير المسلم؟ في الولايات المتحدة يوجد أناس غير مسلمين أكثر مما يوجد مسلمون وللأسف فإنهم يعلقون الصليب ويظهرون التماثيل بداخل أو على ممتلكاتهم…إلخ وقد استأجرنا مكانا لإقامة حفل زفاف والحجرات التي استأجرناها والتي سنستخدمها لا توجد بها صور محرمة. ولكن الملاك/ أصحاب المكان لديهم بعض الأشياء المعروضة بداخل البناية. ولا أشعر بالارتياح لوجود هذه الأشياء ولكن وبالرغم من أن مجتمعنا المسلم كبير هنا إلا أن المسلمين لم يستثمروا أموالهم بعد في مثل هذه الأشياء (إيجاد أماكن لحفلات الزفاف مثلا) . ونقابل نفس المشكلة عندما نريد أن نستأجر شقة. (ونحن نجد ونرى هذه الصور أيضا في المدارس العامة , والمستشفيات…الخ) والمالك له الحق في وضع وإظهار ما يشاء في الجزء الخاص به من العقار وللمستأجر الحرية في وضع أشياء حلال في الجزء الذي قام باستئجاره. وأنا أريد من حفل الزفاف هذا أن يكون نموذجا مثالا للناس الذين تركوا في أغلب الأحيان الفصل بين النساء والرجال في حفلات الزفاف. وأنا لا يسعني أن أجعله مثالا سيئا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز للمسلم أن يستأجر عقارا من غير المسلم، وهكذا سائر المعاملات المباحة، من بيع وشراء ورهن وغيره، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يتعاملون مع اليهود وغيرهم، ومات النبي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعا من شعير.
رواه البخاري 2759.
وإذا خلت قاعة الاحتفال المستأجرة من الصور المحرمة لم يضرك كون المالك يضع في الجزء الخاص به شيئا منها أو من غيرها من المنكرات.
وينبغي للمسلمين أن يسعوا لامتلاك مكان خاص بهم، يقيمون فيه هذه المناسبات، على أن يكون مهيئا لفصل الرجال عن النساء، غير بعيد عن مسجد يؤدون فيه صلاة الجماعة عند حضور وقتها.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله السؤال التالي:
الذين يعيشون في بلاد الكفر في أمريكا وبريطانيا وغيرها يتعاملون مع الكفار، فما هو الحكم في ذلك؟
فأجاب الشيخ رحمه الله:
النبي صلى الله عليه وسلم مات ودرعه مرهون عند يهودي، والمحرم المولاة، أما البيع والشراء فما فيه شيء، اشترى صلى الله عليه وسلم من وثني أغناماً ووزعها على أصحابه صلى عليه وسلم، وإنما المحرم موالاتهم ومحبتهم ونصرهم على المسلمين، أما كون المسلم يشتري منهم ويبيع عليهم أو يضع عندهم حاجة فما في ذلك بأس، حتى النبي صلى الله عليه وسلم أكل طعام اليهود وطعامهم حل لنا كما قال سبحانه: (وطعام الذي أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم) المائدة / 5
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة 19/ 60
نسأل الله أن يوفقكم لذلك وأن يعينكم على ما أردتم من إقامة طاعته والبعد عن معصيته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6389)
مكافأة نهاية الخدمة لموظفي البنك
[السُّؤَالُ]
ـ[يسأل أحد الزملاء بأن أباه يعمل في بنك ربوي وهو على وشك التقاعد (نهاية الخدمة) وسوف تصرف له مكافأة نهاية الخدمة من أموال هذا البنك الربوي فما حكم هذه المكافأة؟ وما حكم الراتب الذي سوف يستلمه بعد في حال نهاية الخدمة التقاعد؟ (مع العلم بأن الراتب التقاعدي سوف يصرف له شهريا من صندوق التأمينات الاجتماعية، وهي مؤسسة تستلم من شركة التوظيف - البنك في حالتنا الحالية - ومن الموظف مبلغاً مقطوعاً إجبارياً شهريا من أجل دفع راتب تقاعدي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سألت شيخنا عبد العزيز بن باز - رحمه الله - عن مسألة مكافأة نهاية الخدمة لموظف البنك الربوي فأجابني بأنه يجوز له أن يأخذ المقابل عن المدة التي عمل فيها في البنك الربوي قبل العلم بالتحريم ولا يجوز له أن يأخذ عن المدة التي عمل فيها وهو عالم بالتحريم.
مثال: لو فرضنا أنه عمل لمدة (30) سنة في البنك وكان لا يعلم بحرمة عمله مدة (20) سنة منها، ثم علم بالحكم واستمر في العمل لمدة (10) سنوات فله أن يأخذ عن العشرين سنة ولا يأخذ عن العشر سنوات الأخيرة.
وأما بالنسبة لأولاده فيحل لهم أن يأخذوا ما يحتاجونه من والدهم وإن كان كسبه حراماً لأن نفقته عليهم واجبة والإثم عليه، ولكن ينصحونه ولا يتوسعون في الأخذ والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
(5/6390)
أخذ الأجرة على القراءة على المرضى
[السُّؤَالُ]
ـ[نسمع عن بعض المعالجين بالقرآن، يقرؤون قرآناً وأدعية شرعية على ماء أو زيت طيب لعلاج السحر، والعين والمس الشيطاني، ويأخذون على ذلك أجراً، فهل هذا جائز شرعاً وهل القراءة على الزيت أو الماء تأخذ حكم قراءة المعالج على المريض نفسه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في أخذ الأجرة على رقية المريض، لما ثبت في الصحيحين أن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم وفدوا على حي من العرب فلم يقروهم ولدغ سيدهم وفعلوا كل شيء؛ لا ينفعه، فأتوا الوفد من الصحابة رضي الله عنهم، فقالوا لهم: هل فيكم من راق فإن سيدنا قد لدغ؟ فقالوا: نعم، ولكنكم لم تقرونا فلا نرقيه إلا بجعل، فاتفقوا معهم على قطيع من الغنم، فرقاه أحد الصحابة بفاتحة الكتاب فشفى فأعطوهم ما جعل لهم، فقال الصحابة فيما بينهم: لن نفعل شيئاً حتى نخبر النبي صلى الله عليه وسلم فلما قدموا المدينة أخبروه بذلك فقال: (قد أصبتم) . ولا حرج في القراءة في الماء والزيت في علاج المريض والمسحور والمجنون، ولكن القراءة على المريض بالنفث عليه أولى وأفضل وأكمل، وقد خرج أبو داود رحمه الله بإسناد حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ لثابت بن قيس بن شماس في ماء وصبه عليه. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا بأس بالرقي ما لم تكن شركاً) وهذا الحديث الصحيح يعم الرقية للمريض على نفسه وفي الماء والزيت ونحوهما، والله ولي التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/9 ص/408.
(5/6391)
هل يعمل في شركة يديرها كافر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب مسلم والحمد لله أعمل في إحدى الدول العربية ومديري في العمل لا يصلي ويشاهد قنوات إباحية ويستمع إلى الغناء، وقد حدثته مرة في هذه الأمور وقد قال لي إنه يعلم أن الغناء حرام والقنوات الإباحية أيضاً، أما بالنسبة لموضوع الصلاة فأخبرني أنه مجرد كسل وشيطان يحاول التخلص منه وقد عرضت عليه أن أساعده ولكنه رفض ولا يزال لا يصلي ويستمع إلى الأغاني ويرى القنوات الإباحية فهل عملي معه حرام أو ما يرزقني الله من عملي معه حرام؟ نرجو الإفادة..]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا علاقة لكسبك ولا لعملك بحال مديرك الذي يترك الصلاة ويستمع ويرى المحرمات وعليك مواصلة النصح له دون القرب منه كثيراً لما يُخشى من تأثيره عليك.
كما أن عليك أن تطبق أحكام الشرع على مديرك إن ظل تاركاً للصلاة وذلك مثل عدم بدئه بالسلام وتحريم مودته القلبية، وقد سبق أن ذكرنا أكثر من مرة حكم ترك الصلاة وأنه كفر وردة.
قال الشيخ محمد الصالح بن عثيمين:
ننصح هذا الأخ الذي يعمل مع الكفار أن يطلب عملاً ليس فيه أحد من أعداء الله ورسوله ممن يدينون بغير الإسلام، فإن تيسر: فهذا هو الذي ينبغي، وإن لم يتيسر فلا حرج عليه لأنه في عمله وهم في علمهم، ولكن بشرط أن لا يكون في قلبه مودة لهم ومحبة وموالاة، وأن يلتزم ما جاء به الشرع فيما يتعلق بالسلام عليهم ورد السلام ونحو ذلك، وكذلك أيضاً لا يشيّع جنائزهم، ولا يحضرها، ولا يشهد أعيادهم، ولا يهنئهم بها. (مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين 3/39، 40) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6392)
تعليم المدرس للطلاب خارج المدرسة (الدروس الخصوصية)
[السُّؤَالُ]
ـ[يتساءل بعض الطلاب عن الاستعانة ببعض المدرسين لتدريسهم خارج المدرسة فيما لم يفقهوه مقابل مبلغ من المال، علماً بأن الطالب هو الذي يلح على المدرس في ذلك وهل يختلف الحكم إذا كان الطالب يدرس عند المدرس في نفس المدرسة؟ وهل هذا يتنافى مع قوله صلى الله عليه وسلم: (طلب العلم فريضة على كل مسلم) ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا بأس أن يستعين الطالب بالمدرس خارج غرفة التدريس في أن يعلمه ويفقهه في المواد التي يدرسها، سواء كان المدرس هو الذي يدرسه أو مع مدرس آخر، إلا إذا كانت التعليمات لدى المدرسة تمنع من ذلك، فعلى الطالب أن يلتزم بالتعليمات التي توجه إليه، أما إذا لم يكن هناك تعليمات تمنع فلا مانع من أن يكون بعض الأساتذة يدرسونه ويعلمونه في خارج أوقات الدراسة في بيته أو في المسجد ولا حرج في ذلك.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/8 ص 279.
(5/6393)
حكم الواسطة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الواسطة وهل هي حرام؟ مثلاً إذا أردت أن أتوظف أو أدخل في مدرسة أو نحو ذلك واستخدمت الواسطة فما حكمها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: إذا ترتب على توسط من شفع لك في الوظيفة حرمان من هو أولى وأحق بالتعيين فيها من جهة الكفاية العلمية التي تتعلق بها والقدرة على تحمل أعبائها والنهوض بأعمالها مع الدقة في ذلك فالشفاعة محرمة؛ لأنها ظلم لمن هو أحق بها وظلم لأولي الأمر وذلك بحرمانهم من عمل الأكفأ وخدمته لهم ومعونته إياهم على النهوض بمرفق من مرافق الحياة، واعتداء على الأمة بحرمانها ممن ينجز أعمالها ويقوم بشئونها في هذا الجانب على خير حال، ثم هي مع ذلك تولد الضغائن وظنون السوء، ومفسدة للمجتمع، وإذا لم يترتب على الوساطة ضياع حق لأحد أو نقصانه فهي جائزة بل مرغب فيها شرعاً ويُؤجر عليها الشفيع إن شاء الله، ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسان رسوله ما يشاء " البخاري/1342
ثانياً: المدارس والمعاهد والجامعات مرافق عامة للأمة يتعلمون فيها ما ينفعهم في دينهم ودنياهم ولا فضل لأحد من الأمة فيها على أحد منها إلا بمبررات أخرى غير الشفاعة، فإذا علم الشافع أنه يترتب على الشفاعة حرمان من هو أولى من جهة الأهلية أو السن أو الأسبقية في التقديم أو نحو ذلك كانت الوساطة ممنوعة لما يترتب عليها من الظلم لمن حُرِم أو اضطُر إلى مدرسة أبعد فناله تعب ليستريح غيره، ولما ينشأ عن ذلك من الضغائن وفساد المجتمع وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة (فتاوى إسلامية 4/300) `
(5/6394)
حكم تأجير بناء للبنك وهل قيمة الإيجار حلال؟
[السُّؤَالُ]
ـ[نؤجر مقرَّاً لأحد البنوك التي تتعامل بالربا، فهل الإيجار الذي نستلمه حلال؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
التعامل بالربا محرم، وهو من كبائر الذنوب، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278-279
ثانياً:
إذا ثبت تحريم التعامل بالربا، فإنه يحرم المعاونة عليه بأي نوع من أنواع المعاونة، وذلك لقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2
وعلى هذا فلا يحل لكم تأجير محل ليكون مقراً لبنك يتعامل الربا، لأن في ذلك إعانة للنبك على هذه الكبيرة، ألا وهي الربا، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم انه لعن آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه. وقال: هم سواء. رواه مسلم (1598)
قال النووي: فيه: تحريم الإعانة على الباطل اهـ.
وقال السندي: وإنما لعن الكل لمشاركتهم في الإثم اهـ.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
أملك مبنى، وتقدم أحد البنوك لاستئجاره، وحيث إن هذا البنك من البنوك التي تتعامل بالربا: فهل يجوز لي تأجير هذا البنك وأمثاله ممن يتعامل بالربا أم لا؟
فأجابوا:
لا يجوز ذلك؛ لكون البنك المذكور يستخدمها مقرّاً للتعامل بالربا المحرَّم، وتأجيرها عليه لهذا الغرض تعاونٌ معه في عمل محرَّم، قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2.
" فتاوى إسلاميَّة " (2 / 423، 424) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز:
والآيات والأحاديث الدالة على تحريم التعاون على المعاصي كثيرة، وهكذا تأجير العقارات لأصحاب البنوك الربوية لا يجوز للأدلة المذكورة.
" فتاوى إسلامية " (2 / 395) .
والأجرة التي تأخذونها من البنك مال حرام، عليكم التخلص منه بالصدقة في أوجه الخير المتنوعة. وعليكم المبادرة إلى ذلك، فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به) رواه الطبراني، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4519)
وأما ما أخذتموه من الأجرة قبل علمكم بتحريمها فهو حلال لكم، لقول الله تعالى لما نزل تحريم الربا: (فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ) البقرة/275
راجع السؤال رقم (2492) ، (8196)
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6395)
هل له أن ينقل الناس بسيارته الخاصة بأجرة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز نقل الناس في السيارة بالمقابل بدون رخصة سيارة أجرة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، يجوز للإنسان أن يحمل غيره على دابته أو سيارته إلى مكان معين، بأجرة يتفقان عليها عند العقد.
قال في "فتح القدير" (9/83) : "ويجوز استئجار الدواب للركوب والحمل ; لأنه منفعة معلومة معهودة " انتهى.
وفي "الموسوعة الفقهية" (1/302) : " إجارة وسائل النقل الحديثة: لم يتعرض الفقهاء الأقدمون لبيان أحكام استئجار وسائل النقل الحديثة من سيارات وطائرات وسفن كبيرة , وإنما تعرضوا لاستئجار الدواب والأشخاص والسفن الصغيرة. ويمكن تطبيق أحكام إجارة هذه الأشياء على وسائل النقل الحديثة , وإذا كان هناك اختلاف في بعض الأحوال , كاختلافهم في تعيين الراكب , فإن هذا يرجع فيه إلى العرف. فلا فرق بين شخص وآخر في استئجار سيارة أو طائرة , بخلاف الدابة , فإنها تتأثر بالأشخاص ضخامة ونحافة - وأما ما يصحبه الراكب من المتاع فمرجع ذلك إلى الشرط. فإن لم يكن فالحكم العرف. وأما استحقاق الأجرة , سواء على نقل الأشخاص أو الأمتعة , فالمرجع أيضا إلى الشرط. وإلا فالعرف " انتهى بتصرف.
وكون الإنسان لا يملك رخصة سيارة أجرة، لا يمنع من جواز أن يحمل غيره بأجرة كما سبق، لأنه مالك للعين ولمنفعتها وله أن يتصرف فيها بالبيع والإجارة وغيرها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6396)
حكم خياطة فساتين النساء وبعضهن متبرجات
[السُّؤَالُ]
ـ[أمي تعمل في مجال صناعة العباءات وملابس الأطفال وعندما سألتها عن العباءات خشية أن تكون مخالفة للشرع أخبرتني أنها تعمل في ملابس الأطفال فقط ثم عادت لتخبرني أن العباءات التي تعمل فيها غير مخالفة للشرع وقد نصحتها وما زلت أوصل النصيحة ثم علمت من طريق آخر غيرها أن صاحب العمل لا يهتم بكون العباءات غير مخالفة للشرع. سؤالي: كيف أتصرف مع أمي بدون أن أعقها؟ مع العلم أنها تنفق علي من هذه الأموال؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في صناعة الملابس وخياطتها، من عباءات وغيرها، بشرط ألا تكون مما يستعان به على المحرم، كالملابس التي تتبرج بها النساء، وتظهر زينتها أمام الرجال الأجانب عنها؛ لقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2.
وإذا كان اللباس مما يستعمل في الخير والشر، فتلبسه بعض النسوة في البيت، وتتبرج به أخريات، فإن عُلم حال المشتري، فلا إشكال، فيباع ويصنع لمن عُلم أنه يريده في الخير دون الشر. وأما إن جهل حال المشتري أو المستصنع، فيعمل الصانع أو البائع بما غلب على ظنه، فإذا غلب على ظنه أن المشتري سيستعمله في الحرام حرم عليه صنعه، وإن غلب على ظنه أنه سيستعمله في المباح، فلا حرج عليه في صنعه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "شرح العمدة" (4/386) : " وكل لباس يغلب على الظن أنه يستعان به على معصية، فلا يجوز بيعه وخياطته لمن يستعين به على المعصية والظلم " انتهى.
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/109) : " كل ما يستعمل على وجه محرم، أو يغلب على الظن ذلك، فإنه يحرم تصنيعه واستيراده وبيعه وترويجه بين المسلمين، ومن ذلك ما وقع فيه كثير من نساء اليوم هداهن الله من لبس الملابس الشفافة والضيقة والقصيرة، ويجمع ذلك كله: إظهار المفاتن والزينة، وتحديد أعضاء المرأة أمام الرجال الأجانب " انتهى.
فينبغي أن تنصح لوالدتك، وتبين لها التفصيل السابق، وأن المال الناتج عن صناعة ما هو محرم، مال خبيث لا خير فيه ولا بركة، وأنه يتعين الاكتفاء بصناعة ما هو مباح شرعا، والمرجو أنها ستستجيب لذلك، فإن أصرت على صناعة ما هو محرم، فلا حرج عليك في الأكل من طعامها والانتفاع بأموالها؛ لأنك إنما تأخذ الأموال بطريق مباح وهو النفقة، وتحريم هذه الأموال لا يتعلق بك، بل يتعلق بوالدتك فقط لأنها هي التي اكتسبتها بطريق محرم، مع التنبيه أن أموالها فيها الحلال والحرام، فليست كلها حراما، وهذا أيضا يؤيد جواز انتفاعك بهذه الأموال.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6397)
تريد الإدارة نقله إلى سكن آخر
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب أسكن في سكن جامعي ولهذا السكن فرعان منفصلان كل سكن في حي والإيجار على الطالب في السكن الأول يقدر بـ 1800 في السنة وفي السكن الآخر 1500 طبعا الدفع يكون مقدما أول السنة وتستلم بذلك سند قبض. بعد أن مضى الفصل الأول نزلت قرارات بنقل بعض الطلاب من السكن الأول إلى الثاني والعكس بغرض تحقيق التوازن بين السكنين، وللعلم فإن الطلاب موقعون في استمارة التسجيل على الالتزام بقرارات وأنظمة السكن. سؤالي: هل يجوز رفض النقل وهل يعتبر دفع الإيجار مقدما عقد مشروط بعدم الخروج أو النقل من السكن؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا كانت أنظمة السكن تتضمن النص على الحق في تحويل الطلاب من سكن إلى آخر، وكان السكن الثاني معلوما بالرؤية أو الوصف، وقد وقعتم على استمارة التسجيل، فيلزمك الانتقال، وفاءً بالشرط الذي تم عليه العقد، وهو شرط صحيح لأنه لا ينافي مقصود العقد ولا مقتضاه.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ) رواه الترمذي (1352) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وفي هذه الحالة يكون لك الحق في أخذ الفرق بين الأجرتين.
وأما إذا لم يكن قد تم الاتفاق على ذلك، فليس لهم الحق في نقل الطلاب إلى سكن آخر إلا بالتراضي، وذلك لأن عقد الإجارة من العقود اللازمة التي لا يملك أحد الطرفين فسخها أو تعديلها إلى برضى الطرف الآخر.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6398)
حكم الأجرة على الحوالة المصرِفية
[السُّؤَالُ]
ـ[ذهبت إلى مكتب للصرافة فى طرابلس، فطلبت منهم تحويل مبلغ 15000$ إلى دبي، فطلبوا مني أن أسلمهم المبلغ 15000$ بالإضافة إلى 150 دينار، على أساس أنها عمولة تحويل، فهل هذه معاملة جائزة؟ للأهمية يرجى إفادتنا بالإجابة بالتفصيل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
هذا النوع من الخدمات أو الأعمال المصرِفية يسمى بـ (الحَوَالة) ، ويعرِّفُها العلماء بأنها: الأمر الصادر من مصرِف أو مؤسسةٍ بناءً على طلب العميل إلى مصرِفٍ أو مؤسسةٍ أخرى، داخل البلد أو خارجه – وقد يكون فرعا للمصرِف نفسه – ليدفع ذلك المصرِفُ المحوَّلُ إليه مبلغًا معينًا من النقود إلى شخصٍ مُسَمًّى، وغالبا ما يصاحب عملية التحويل صرف النقود من عملة إلى أخرى.
وهذه الحوالة المصرفية ليست قرضاً من العميل للبنك، وليست حوالة بالمعنى الفقهي الاصطلاحي وهي نقل الدَّيْن من ذمة إلى أخرى، وقَصْدُ العميل من هذه العملية: نقل المال الذي بحوزته إلى المكان المعين، فيوكِّلُ المؤسسة بنقله، ويعطيها أُجرَةَ النقل.
قال الشيخ الدكتور يوسف الشبيلي حفظه الله:
"العمولة التي يدفعها العميل للبنك جائزة، فهي عوض عن توكله – أي: البنك – عن العميل في نقل نقوده إلى البلد الآخر، فنقل النقود هو المقصود بالعملية من بدايتها، وليست هذه العمولة مقابل الحوالة ولا القرض.
أما كونها ليست مقابل الحوالة: فلأن العميل لا يقصد التَّحَوُّلَ إلى البنك المحال عليه، يدل على ذلك أن الحوالة الشرعية فيها إرفاق بالمحيل، ولهذا يكون طلب التحويل منه، فهو الذي يطلب من الدائن التحول إلى المحال عليه، بينما في الحوالات المصرِفية يكون طلب التحويل من الدائن (المحال) .
وأما كونها ليست مقابل القرض؛ فلأن البنك هنا هو المقترض وليس المقرض، والعمولة المحرمة شرعا هي التي يأخذها المقرض.
وعليه: فإن العمولة التي يأخذها البنك مقابل التحويل جائزة، سواء أكانت بنسبة من المبلغ المحول أم بأجرة ثابتة" انتهى.
" فقه المعاملات المصرِفية " (32) .
وجاء في " قرارات مجمع الفقه الإسلامي " (1 / 88) الدورة التاسعة:
"الحوالات التي تقدم مبالغها بعملة ما، ويرغب طالبها تحويلها بنفس العملة: جائزة شرعاً، سواء أكان بدون مقابل أم بمقابل في حدود الأجر الفعلي....
وإذا كانت بمقابل: فهي وكالة بأجر، وإذا كان القائمون بتنفيذ الحوالات يعملون لعموم الناس، فإنَّهم ضامنون للمبالغ، جرياً على تضمين الأجير المشترك" انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6399)
هل يلزمها إعادة الإناء لأصحاب الشقة المفروشة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت مستأجرةً شقة مفروشة وقمت بإهداء الطعام لأحد المعارف لنا في إناء من أواني الشقة، ولا أذكر أنه أرجع لي الإناء، والعرف عندنا أنه يجب على المرء أن يعيد الإناء الذي أهدي فيه الطعام! وأنا الآن قد تركت الشقة، فهل علي أنا أم على معارفي إرجاع الإناء، أو تعويض ثمنه لأصحاب الشقة المفروشة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
استئجار الشقق المفروشة داخلٌ تحت أحكام عقد الإجارة التي بينها الفقهاء في كتبهم.
" هذا العقد يتكرر في حياة الناس في مختلف مصالحهم وتعاملهم اليومي والشهري والسنوي، فهو جدير بالتعرف على أحكامه، إذ ما مِن تعامُلٍ يجري بين الناس في مختلف الأمكنة والأزمنة، إلا وهو محكوم بشريعة الإسلام، وفق ضوابط شرعية ترعى المصالح وترفع المضار " انتهى من "الملخص الفقهي" (2/114)
ومن أحكام الإجارة التي بيّنها العلماء: أنه يجوز للمستأجر أن يعير ما استأجره، كما في "مغني المحتاج" (3/315) ويستعمله ثم يردّه.
وعلى هذا لا حرج عليك في إعارة هذا الإناء لمعارفك.
ثانيا:
الشقة المستأجرة أو غيرها مما يستأجره الناس أمانة في يد المستأجِر، ومعنى ذلك: أنه لا يضمن ما يتلف فيها بغير تعد ولا تقصير.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (1/27) :
" ولا خلاف في أن العين المستأجَرةَ أمانة في يد المستأجِر، فلو هلكت دون اعتداء منه أو مخالفة المأذون فيه إلى ما هو أشد، أو دون تقصير في الصيانة والحفظ، فلا ضمان عليه " انتهى.
انظر "بدائع الصنائع" (4/210) ، "المغني" (5/311)
فإذا ذهبت العين المستأجرة بتقصير أو تعدٍّ من المستأجِر فإنه يضمن مثلها إن كان لها مثل، أو قيمتها إن لم يكن لها مثل.
والذي يظهر من سؤال الأخت السائلة أنها كانت مقصِّرَةً في متابعة الإناء الذي أعارته معارفها، فكان عليها أن تطلبه من الذين استعاروه، فلما لم يحصل ذلك كان التقصير واقعا، والواجب عليها حينئذ ضمان الإناء لأصحاب الشقة المفروشة، فإما أن تتابع معارفها الذين أخذوا الإناء فتأخذه منهم وتعطيه أصحاب الشقة، أو تشتري لهم بدله مماثلا له، فإن لم يوجد تدفع لهم قيمته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6400)
الإيداع في البنك الربوي لضرورة حفظ المال
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت بعض إجاباتكم حول الربا ووجدت تناقضا تركني في حيرة من أمري قلتم لمن يريد أن يؤجر مبنى لبنك ربوي إن هذا حرام قطعا وقلتم للذي يودع أمواله في البنوك الربوية خوفا على ضياعها هذا عمل جائز علما أنه هو الآخر سيدخل في إطار موكل الربا وفي إطار التعاون علي الإثم والعدوان أرجو أن توضحوا لي فأنا أضع أموالي في بنك ربوي فلا يوجد في بلدي بنوك إسلامية ولا أستطيع أن أحكم هل هذا المال حلال أم حرام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
تأجير المحل أو البيت لمن يتخذه للمعصية، لا يجوز، ومن ذلك تأجير المبنى للبنك الربوي؛ لأنه من الإعانة الواضحة على الإثم والعدوان، لأن صاحب المبنى يعلم أن البنك قد استأجر هذا المكان ليتعامل فيه معاملات محرمة، كالربا وغيره.
قال البهوتي في "شرح منتهى الإرادات": (2/358) : " ولا تصح إجارة دار لتعمل كنيسة أو بيعة أو صومعة راهب أو لبيع خمر أو القمار ونحوه.
سواء شرط ذلك في العقد أو علم بقرينة ; لأنه فِعلٌ محرمٌ فلم تجز الإجارة عليه " انتهى باختصار.
ثانيا:
الإيداع في البنك الربوي محرم، سواء كان بفائدة أو بدون بفائدة؛ لأن البنك سيأخذ هذه الأموال ويقرضها بالربا.
إلا أن أهل العلم استثنوا حالة خاصة وهي ما إذا خاف الإنسان على ماله ولم يجد مكانا آمنا يحفظ فيه ماله، فإنه يجوز له الإيداع في البنك الربوي، من باب أن الضرورات تبيح المحظورات، وحينئذ يلزمه أن يودع في الحساب الجاري من غير فائدة لأن الضرورة تقدّر بقدرها، وهو مضطر إلى حفظ ماله، وليس مضطراً للتعامل بالربا.
وانظر لمعرفة شروط وضع الأموال في البنوك الربوية السؤال رقم (22392)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6401)
بعد أداء العمل طلب أجرة كبيرة
[السُّؤَالُ]
ـ[اتفقت مع أحد الأشخاص على أن يؤدي لي عملاً من الأعمال، ثم بعد ذلك طلب مني مبلغاً فاحشاً فأعطيته المبلغ الذي يأخذه عادة من قام بهذا العمل، فهل عليّ في ذلك شيء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
إذا كان هذا الرجل قد أعدّ نفسه للعمل لك ولغيرك فله أجر المثل، وليس له أكثر من ذلك، أما إذا كان لم يُعدّ نفسه للعمل، فالذي ينبغي أن تتصالح معه، وينبغي أن يكون هذا درساً لك بالنسبة للمعاملة مع الناس، وأن لا تتعامل مع أحد إلا بعد معرفة ما تتفقان عليه.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ ابن عثيمين فتاوى للتجار ورجال الأعمال ص31
(5/6402)
العمل في بناء وتشطيب الفنادق والقرى السياحية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مهندس معماري أعمل في مجال تشطيب الفنادق الفاخرة والقرى السياحية (من الداخل مثل الأبواب –السيراميك-الرخام- الفرش-الحوائط-الحمامات) مثلا تحتوى القرية السياحية على 48 فيلا غير المبنى الرئيسي ومبنيين ملحقين والحدائق إلخ.. ولكن لا أشطب الأماكن الحرام مثل الخمارات أو الديسكو وما إلى ذلك فهل هذا العمل حلال أم حرام؟ وإذا ذهبت بنية التعلم -مع العلم أنا حديث التخرج وهذا العمل يحتاج إلي فترة تدريب وخبرة - وأنا لا أمتلك التدريب أو الخبرة) وأخذ راتب في هذه الحالة حلال أم حرام؟ وهل هناك فرق إذا كان الفندق في المدينة، أو في مكان سياحي، كشرم الشيخ وما إلى ذلك؟ مثال: إذا كان هناك شقة يوجد بها غرفة للخمر فهل أشطب الشقة بدون الغرفة أم لا أشطب الشقة أصلا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سبق أن بينا حكم المشاركة في بناء القرى السياحية، التي تشتمل على الاختلاط والتبرج والفساد والخمور، وأن ذلك لا يجوز لما فيه من الإعانة على الإثم والعدوان، انظر جواب السؤال رقم (47513)
وهذا هو الأصل الذي تنبني عليه هذه المسائل، أنَّ كل ما كان فيه إعانة على الإثم والمعصية، فهو محرم، فلا يجوز العمل في تشطيب أو بناء صالة ديسكو أو مكان لشرب الخمر، أو صالة قمار، أو مرقص، والمشارك في ذلك مشارك في الإثم والمعصية، وكذلك لا يجوز بيع أو تأجير ما يستعمل في المعصية.
والذي يظهر أن هناك فرقا بين الفنادق المقامة في المدينة، وتلك التي تقام في القرى السياحية، فإن فنادق المدينة تتخذ عادة للسكنى والنزول بها للراحة، ولا يقصد بها المعصية في الغالب، بخلاف الفنادق المنشأة في القرى السياحية، فإن الظاهر من حال المسافرين إليها أنهم سافروا إليها من أجل ما يوجد في هذا المكان من فساد وانحلال.
وكذلك إذا كانت الشقة مشتملة على غرفة أعدت للاستعمال في الحرام، كشرب الخمر، فلا يجوز الإعانة على بناء أو تشطيب هذه الغرفة، ويجوز في الباقي؛ لأن الإجارة إذا كانت على منفعة مباحة، فهي جائزة، وإذا كانت على منفعة محرمة فهي محرمة.
وينبغي أن تعلم أيها الأخ الكريم أن أبواب الرزق الحلال كثيرة، وأن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، فأيقن بذلك، وابحث عن مرضاة الله تعالى في كل عمل، واتق الشبهات يسلم لك دينك وعرضك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6403)
هل للمستأجر أن يؤجر البيت الذي استأجره؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أقيم في الولايات المتحدة الأمريكية وأشار علي أحد الإخوة أن أقوم بتأجير غرفة والصالة بعد فرشها وذلك للمساعدة في الإيجار وعمل هامش ربح لي بعد سداد الإيجار الأصلي، هل هذا يجوز لي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يجوز لمن استأجر داراً أو غيرها أن يؤجرها أو جزءا منها لغيره، بنفس الأجرة التي استأجرها أو أزيد أو أقل؛ لأنه باستئجاره الدار قد ملك منفعتها، وله أن يتصرف فيها بالهبة أو التأجير أو غيره، بشرط أن يكون المستأجر الثاني مثله في استعمال البيت أو أقل منه، فلو استأجرها للسكنى فليس له أن يؤجرها لمن يتخذها مصنعا ونحوه.
وإلى هذا ذهب جمهور الفقهاء.
قال ابن قدامة رحمه الله: "ويجوز للمستأجر أن يُؤْجر العين المستأجرة إذا قبضها. نص عليه أحمد. وهو قول الشافعي وأصحاب الرأي.
ولا تجوز إجارته إلا لمن يقوم مقامه , أو دونه في الضرر".
إلى أن قال: "ويجوز للمستأجر إجارة العين , بمثل الأجر وزيادة. نص عليه أحمد. وبه قال الشافعي" انتهى من "المغني" (8/54- 56) .
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: "إذا استأجر إنسانٌ بيتاً، أو شقةً، أو معرضاً – مثلاً – مدة، وبقي له منها زمن: جاز له أن يؤجرها لمثله بقية تلك المدة بقليل، أو كثير، دون غبن " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (15 / 92) .
وقال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله: "إذا استأجر الإنسان محلاً مدة معلومة: فله أن يسْكُنه تلك المدة، وأن يؤجِّره لغيره ممن هو مثله في الاستعمال، أو أقل منه؛ أي: أن له أن يستغل منفعة المحل بنفسه، وبوكيله " انتهى.
" المنتقى من فتاوى الفوزان " (3 / 221 السؤال رقم 336) .
لكن. . إذا كان المالك قد اشترط عليك أنك لا تؤجرها وجب عليك الوفاء بهذا الشرط، لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) المائدة/1.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6404)
العمل في تحميل وتنزيل التلفزيونات واللاقطات
[السُّؤَالُ]
ـ[كثيراً ما يحدث خلافات وفتن بيننا نحن العمال وعملنا في السوق، وسبب هذا الخلاف: أنني أرفض تنزيل جهاز التلفزيون أو الدش عند قدوم السيارة، وفي بعض الأحيان تأتي السيارة فيها جهاز الثلاجة والمجمدات ومعها مادة جهاز التلفزيون، فما حكم تنزيل هذا الجهاز إذا كان السيارة فيها تلفزيون فقط؟ وما حكم تنزيل السيارة إذا كان معها عدد قليل من التلفزيون؟ مع العلم أن هذا العمل هو مصدر رزقي الوحيد، وفي حالة رفضي نزول التلفزيون يمنعوني من العمل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سبق في جواب السؤال رقم (39744) أن أجهزة التلفاز تستعمل في الخير والشر، وأن غالب استعمالها اليوم إنما هو في الشر، لذا كان بيعها وشراؤها وصيانتها حراماً، وأنه لا يجوز بيعها وشراؤها إلا لمن علم أو غلب على ظنه أنه يستعملها في المباح.
والحكم ذاته يكون في تحميلها وتنزيلها، ولا فرق، وخاصة إذا أضيف إليها " الدش "، ولا شك أنه إذا كان الغالب على استعمالها من الناس اليوم الإثم: فإنه لا يجوز الإعانة على هذا الإثم والمساعدة فيها، كالدلالة على محلاته، والدعاية لهم، ومنه: تحميلها وتنزيلها لمصانعها ومسوقيها وزبائنها الذين يشترونها.
ولا فرق بين كونها كثيرة أو قليلة، والله تعالى يقول: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ. وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) الزلزلة/7،8.
ولا ينبغي لك أن تقول إن هذا مصدر رزقك الوحيد؛ فمصادر الرزق كثيرة، والله تعالى يقول: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) الطلاق/2،3، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنك لن تدع شيئاً لله عز وجل إلا بدَّلك الله به ما هو خير لك منه) رواه الإمام أحمد، وصححه الألباني في " حجاب المرأة المسلمة " (47) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6405)
حكم الإجارة المنتهية بالتمليك
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم ما يفعله كثير من الشركات أو البنوك الآن من تأجير سيارة مدة سنة مثلاً بأجرة معلومة كل شهر، وبعد نهاية المدة تكون السيارة ملكاً للمستأجر، وإذا لم يكمل مدة الإجارة المتفق عليها تعود السيارة ملكاً للشركة أو البنك، وليس من حق المستأجر أن يسترد ما دفعه من أقساط.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه المعاملة تعرف باسم " الإجارة المنتهية بالتمليك " وقد اختلف فيها العلماء المعاصرون، وقد أصدر مجلس هيئة كبار العلماء بياناً في حكمها نصه:
" فإن مجلس هيئة كبار العلماء درس موضوع الإيجار المنتهي بالتمليك.. , وبعد البحث والمناقشة رأى المجلس بالأكثرية أن هذا العقد غير جائز شرعاً لما يأتي:
أولاً: أنه جامع بين عقدين على عين واحدة غير مستقر على أحدهما، وهما مختلفان في الحكم متنافيان فيه.
فالبيع يوجب انتقال العين بمنافعها إلى المشتري، وحينئذ لا يصح عقد الإجارة على المبيع لأنه ملك للمشتري، والإجارة توجب انتقال منافع العين فقط إلى المستأجر.
والمبيع مضمون على المشتري بعينه ومنافعه، فتلفه عليه، عيناً ومنفعة، فلا يرجع بشيء منهما على البائع، والعين المستأجرة من ضمان مؤجرها، فتلفها عليه، عيناً ومنفعة، إلا أن يحصل من المستأجر تعد أو تفريط.
ثانياً: أن الأجرة تقدر سنوياً أو شهرياً بمقدار مقسط يستوفي به قيمة المعقود عليه، يعده البائع أجرة من أجل أن يتوثق بحقه حيث لا يمكن للمشتري بيعه.
مثال لذلك: إذا كانت قيمة العين التي وقع عليها العقد خمسين ألف ريال وأجرتها شهرياً ألف ريال حسب المعتاد جعلت الأجرة ألفين، وهي في الحقيقة قسط من الثمن حتى تبلغ القيمة المقدرة، فإن أعسر بالقسط الأخير مثلاً سحبت منه العين باعتبار أنها مؤجرة ولا يرد عليه ما أخذ منه بناء على أنه استوفي المنفعة.
ولا يخفى ما في هذا من الظلم والإلجاء إلى الاستدانة لإيفاء القسط الأخير.
ثالثاً: أن هذا العقد وأمثاله أدى إلى تساهل الفقراء في الديون حتى أصبحت ذمم كثير منهم مشغولة منهكة، وربما يؤدي إلى إفلاس بعض الدائنين لضياع حقوقهم في ذمم الفقراء.
ويرى المجلس أن يسلك المتعاقدان طريقاً صحيحاً وهو أن يبيع الشيء ويرهنه على ثمنه ويحتاط لنفسه بالاحتفاظ بوثيقة العقد واستمارة السيارة ونحو ذلك.
والله الموفق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
وممن وقع على هذا البيان من هيئة كبار العلماء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ.
الشيخ صالح اللحيدان
د/ صالح الفوزان.
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6406)
العمل في مجال التخليص الجمركي وأجرة السمسرة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أعمل في مجال التخليص الجمركي أي أقوم بمتابعة إجراءات دفع الرسوم وإخراج البضائع من المرافئ إلى مستودعات التجار وأتقاضى أجراً مقابل ذلك.
منذ فترة عرض علي أحد الأشخاص أن أقوم بتسويق كمية 400 ألف طن من الإسمنت المستورد إلى التجار الذين يتعاملون معي مقابل نسبة من الأرباح (عمولة)
السؤال هل هذه النسبة حلال أم حرام؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يجوز العمل في مجال التخليص الجمركي، مقابل أجرة، بشرط أن تكون البضائع مما يباح الاتجار فيه.
ثانيا:
ما ذكرته من تسويق هذه الكمية من الإسمنت: إن كان أمراً مرخصاً مسموحاً به، فلا حرج عليك في تسويقه مقابل أجرة معلومة.
وعملك هذا لا يخرج عن كونه (سمسرة) أي: توسط بين البائع والمشتري. وقد سبق في جواب السؤال (45726) بيان جواز السمسرة، وأقوال أهل العلم فيها.
وإذا كنت تأخذ الإسمنت من صاحبه ونقوم ببيعه بنفسك إلى المشتري، فأنت وكيل للبائع، ولا حرج على الوكيل أن يأخذ أجراً مقابل عمله.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (7/204) :
" وَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِجُعْلٍ وَغَيْرِ جُعْلٍ (الجُعْل هو الأجرة) ; فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَكَّلَ أُنَيْسًا فِي إقَامَةِ الْحَدِّ , وَعُرْوَةَ فِي شِرَاءِ شَاةٍ بِغَيْرِ جَعْلٍ. وَكَانَ يَبْعَثُ عُمَّالَهُ لِقَبْضِ الصَّدَقَاتِ , وَيَجْعَلُ لَهُمْ عِمَالَةً (أجرة) . وَلِهَذَا قَالَ لَهُ ابْنَا عَمِّهِ: لَوْ بَعَثْتنَا عَلَى هَذِهِ الصَّدَقَاتِ , فَنُؤَدِّي إلَيْك مَا يُؤَدِّي النَّاسُ , وَنُصِيبُ مَا يُصِيبُهُ النَّاسُ. يَعْنِيَانِ الْعِمَالَةَ. رواه مسلم (1072) .
وَإِنْ وُكِّلَ فِي بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ , اسْتَحَقَّ الْأَجْرَ إذَا عَمِلَهُ " انتهى باختصار.
ولا حرج في كون أجرة السمسرة أو الوكالة نسبة معلومة.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله:
" لا بأس بالدلالة – السعي- على البائع أو على المشتري (والدلالة أو السعي هي أجرة السمسرة) ، شرطُ الدلالة لا بأس به " انتهى.
"فتاوى ابن باز" (19/31) .
وسئلت اللجنة الدائمة:
كثر الجدل حول مقدار السعي الذي يأخذه الدلال، فساعة (2.5) في المئة، وساعة (5) في المئة، فما هو السعي الشرعي، أو أنه حسب الاتفاق بين البائع والدلال؟
فأجابت:
" إذا حصل اتفاق بين الدلال والبائع والمشتري على أن يأخذ من المشتري أو من البائع أو منهما معاً سعياً معلوماً جاز ذلك، ولا تحديد للسعي بنسبة معينة، بل ما حصل عليه الاتفاق التراضي ممن يدفع السعي جاز، لكن ينبغي أن يكون في حدود ما جرت به العادة بين الناس مما يحصل به نفع الدلال في مقابل ما بذله من وساطة لإتمام البيع بين البائع والمشتري، ولا يكون فيه ضرر على البائع أو المشتري بزيادته فوق المعتاد " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (13/130) .
وجاء فيها أيضاً (13131) :
" يجوز للدلال أخذ أجرة بنسبة معلومة من الثمن الذي تستقر عليه السلعة مقابل دلالته عليها، ويستحصلها الدلال من البائع أو المشتري حسب الاتفاق من غير إجحاف ولا ضرر " انتهى.
وإذا كانت النسبة من الربح لا من ثمن السلعة، فقد نص فقهاء الحنابلة على جوازها، وأنها تشبه المضاربة، والمضاربة هي أن يعطي الرجل ماله لمن يتاجر فيه بنسبة من الربح.
انظر: "مطالب أولي النهى" (3/542) ، "كشاف القناع" (3/615) .
والحاصل أنه لا حرج عليك في أخذ النسبة (العمولة) المتفق عليها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6407)
يستأجر بيتا ثم يسترد ما دفع عند نهاية المدة
[السُّؤَالُ]
ـ[أقيم في شيناي بالهند، وأرغب في الحصول على مسكن عن طريق التأجير وذلك بدفع مبلغ إجمالي مقطوع لمدة 3 سنوات دون دفع أي مبلغ عن الإيجار خلال تلك المدة. وعند انتهاء مدة الإيجار فإن العين ستسلم للمالك وسيُعاد إليّ نفس المبلغ الإجمالي المقطوع. وبالإمكان أيضا تمديد الاتفاقية بموافقة الطرفين. ويجب أن تُدفع تكاليف صيانة الشقة شهريا. التعامل بهذه الطريقة مستخدم على نطاق واسع عندنا هنا. ويرى بعض العلماء أنه غير جائز وأنه يجب أن يُدفع مبلغ من المال كثمن للإيجار. وإذا أردنا الوفاء بهذا الشرط فبإمكاني دفع مبلغ اسمي صغير كإيجار. أرجو أن تذكر لي الحكم في هذه المسألة وفقا للكتاب والسنة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يجوز التعامل بهذه الطريقة، وهي صورة من صور القرض الربوي المحرم.
وبيان ذلك: أن حقيقة القرض هي: " دفع مال لمن ينتفع به ويرد بدله ".
والمال المدفوع للمالك سوف يرد بدله بعد انتهاء المدة المتفق عليها، فيكون هذا المال قرضا، وقد استفاد المقرِض من هذا القرض، واستفادته هي الانتفاع بالبيت حتى يُرد إليه ماله.
فتكون حقيقة هذه المعاملة أنها قرض جر نفعا، وقد اتفق العلماء على تحريم كل قرض جر نفعا للمقرِض، وأنه نوع من الربا.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (6/436) :
" وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف. قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المُسلف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية، فأسلف على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلك ربا. وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس وابن مسعود أنهم نهوا عن قرض جر منفعة " اهـ
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (4/64) :
" ومثال ما جَرَّ نفعا من الشروط في القرض: جاء رجل إلى شخص وقال: أريد أن تقرضني مائة ألف فقال: لكن أسكن بيتك لمدة شهر، فالقرض هنا جر نفعا للمقرض فهو حرام ولا يجوز. . .
لأن الأصل في القرض هو الإرفاق والإحسان إلى المقترض، فإذا دخله الشرط صار من باب المعاوضة، وإذا كان من باب المعاوضة صار مشتملا على ربا الفضل وربا النسيئة، فلما استقرض مني –مثلا- مائة ألف واشترطتُ عليه أن أسكن داره شهرا صار كأني بعت عليه مائة ألف بزيادة سكنى البيت شهرا، وهذا ربا نسئية لأن فيه تأخيرا في تسليم العوض، وربا فضل لأن فيه زيادة.
ولهذا قال العلماء: كل قرض جر منفعة فهو ربا " اهـ.
وجاء في الموسوعة الفقهية (3/266) :
شُرُوطُ صِحَّةِ الاسْتِدَانَةِ: الشَّرْطُ الأَوَّلُ: عَدَمُ انْتِفَاعِ الدَّائِنِ:
إنَّ انْتِفَاعَ الدَّائِنِ مِنْ عَمَلِيَّةِ الاسْتِدَانَةِ إمَّا أَنْ يَتِمَّ بِشَرْطٍ فِي الْعَقْدِ , أَوْ بِغَيْرِ شَرْطٍ , فَإِنْ كَانَ بِشَرْطٍ فَهُوَ حَرَامٌ بِلا خِلَافٍ. . . اهـ.
ثانياً:
ينبغي أن يعلم أن العبرة في العقود بمعانيها وحقائقها، فحقيقة هذه المعاملة – كما سبق – أنها قرض جر نفعا، وهذا نوع من الربا، وتسمية الناس لها إجارة لا يغير من حقيقتها شيئا، ولا يغير حكمها، كما أخبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن ناسا من أمته يشربون الخمر يسمونها بغير اسمها.
فالحذر الحذر من التحايل على الحرام، فإن دفع مبلغ صغير كأجرة لم يُحل هذا الحرام، لأنه يبقى المبلغ الكبير المدفوع قرضا جر نفعا.
فصاحب المال لم يدفع الجزء الأكبر من المال (القرض) والذي سيسترده إلا من أجل الانتفاع بالبيت، وصاحب البيت لم يدفع البيت للآخر للانتفاع به إلا مقابل القرض.
والله تعالى لا تخفى عليه خافية، وقد عاقب من استحل الحرام بالحيل بالعذاب العاجل، كما في قصة أصحاب السبت.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6408)
حكم استئجار من تضرب على الدف من النساء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل استقدام المطربة (الطقّاقة) لإحياء حفل الزواج مباح؟ مع وضع شروط بيننا وبينها بالالتزام بالغناء غير الفاحش، واستخدام الدف فقط، وعدم وضع سماعات خارجية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الأمر على ما ذكر في السؤال من الالتزام بالشروط الشرعية لاستخدام الدف في حفل الزفاف فلا بأس من استقدام (الدفّافة) أو (الطقّاقة) ودفع الأجر لها على عملها.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" أما دفع المال للدفّافات فلا بأس به؛ لأنه على عمل مباح، وأما دفعه للطبالات فلا يجوز؛ لأنه على عمل محرم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه) رواه ابن حبان (4938) وصححه الألباني في (غاية المرام/318) " انتهى.
"لقاء الباب المفتوح" (1/580) . وانظر: "اللقاء الشهري" (235) .
وهنا يجب التنبه إلى أن الضرب بالدف في النكاح ودفع الأجرة على ذلك مباح في الأصل، لكن قد يقترن به من الأمور المحرمة أو المكروهة ما يجعله منهياً عنه.
قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله:
" الدف في الأعراس مشروع لإظهار النكاح، فإذا كان يقع بسبب ذلك مفاسد أخرى فهو ممنوع " انتهى. "مجموع الفتاوى" (10/218) .
فمن ذلك: الرقص على هذه الدفوف.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" الرقص مكروه، ولاسيما إذا كان يخشى منه فتنة؛ لأنه أحيانا تكون الراقصة شابة جميلة ويثير رقصها الشهوة حتى عند النساء " انتهى.
"لقاء الباب المفتوح" (1/580) .
وانظر سؤال رقم (5000) , (9290) .
ومن ذلك أيضاً: الإسراف في الأجرة المدفوعة.
ينبغي أن تكون الأجرة المدفوعة لهذه (الدفّافة) معقولة، بعيدة عن الإسراف، فإن الله تعالى قد نهى عن الإسراف بقوله: (وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأنعام/141.
وقد يكون هذا الإسراف سبباً لمحق البركة من الزواج، فإنه روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أَعْظَمُ النِّسَاءِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُنَّ مَئُونَةً) رواه أحمد (24595) وصححه الحاكم وأقره الذهبي، وقال العراقي في "تخريج أحاديث الإحياء": إسناده جيد.
وضعفه الهيثميي في "مجمع الزوائد" (7332) . والألباني في السلسلة الضعيفة (1117) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6409)
تريد أن تأخذ كراسة خادمتها بدعوى أنها علمتها ما فيها
[السُّؤَالُ]
ـ[تعمل لدينا في المنزل خادمة، وهي غير مسلمة , وقد قامت الوالدة بتعلميها جميع وصفات الطعام حتى أتقنتها , وهي بدورها (أي الخادمة) دونت ما تعلمته في كراسة خاصة بها. السؤال: الآن الوالدة ترغب في أخذ الكراسة الخاصة بالخادمة دون علمها بحجة أنها هي التي علمتها، ولها الحق في أخذ ما قامت بتعليمها , هل يعتبر ذلك ظلما للخادمة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
استقدام الخادمات الكافرات واستئمانهن على البيوت والأولاد فيه خطر كبير على خلق ودين الأولاد.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى:
" أما استخدام الخادمات الكافرات سواء كن بوذيات أو نصارى أو غيرهما من أنواع الكفرة فلا يجوز في هذه الجزيرة، أعني الجزيرة العربية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم منع من ذلك وأوصى بإخراج الكفار من هذه الجزيرة؛ لأنها مهد الإسلام , ومطلع شمس الرسالة، فلا يجوز أن يجتمع فيها دينان، ولا يجوز أن يستقدم إليها كافر إلا لضرورة يراها ولي الأمر ثم يعاد إلى بلاده " انتهى.
"فتاوى ابن باز" (6/361) .
وقال الشيخ ابن عثيمين:
" لأن الكافرة لا ينبغي أن تبقى بين جنبيك في بيتك مع أهلك ومع أولادك، لو لم يكن في ضررها إلا أن أهل البيت يقومون للصلاة وهذه المرأة لا تصلي فيقول الصغار: لماذا لا تصلي هذه المرأة! وهم يحبونها، فيعتقدون حينئذ بعدم ضرورة الصلاة، هذا إن لم تكن تعلمهم دينها كما ذكر لنا من بعض الناس أنه سمع الخادمة وهي تلقن الصبيان الصغار أن عيسى هو الله عز وجل – نسأل الله العافية " انتهى.
لقاءات الباب المفتوح (3/53)
وانظر سؤال رقم (22980) , (26213) , (26282) , (31242) .
ثانيا:
نص العلماء على جواز أخذ الأجرة على تعليم الحرف الدنيوية، ولا شك أن طبخ الطعام وطرق إعداده من الحرف ذات الشأن الكبير في هذه الأيام.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (13/66) :
" لا خلاف بين الفقهاء في جواز الاستئجار على تعليم الحرف والصّناعات المباحة الّتي تتعلّق بها المصالح الدنيوية، كخياطة وحدادة وبناء وزرع ونسيج وغير ذلك " انتهى.
ثالثا:
بناء على ما سبق كان من الجائز شرعا لوالدتك أن تأخذ أجرة على تعليم الخادمة وصفات الطعام وطرق إعداده، لكن كان عليها أن تخبر الخادمة بذلك قبل البدء بالتعليم، أما والحال ما ذكر في السؤال فقد تعلمت الخادمة صنع الطعام برغبة والدتك واختيارها، وهي التي ساعدتها على ذلك بمحض إرداتها، فلا يجوز لها أخذ كراسة الخادمة التي دونت فيها ما تعلمته؛ فهي ملك لها، كتبتها بيدها واعتنت بها، وتعليم والدتك لها وقع على أنه تبرع محض.
فالحذر الحذر من استضعافها وأخذ ما هو حق لها ولو كانت غير مسلمة.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله (6/362) لمن استقدم خادمة كافرة وظلمها:
" الواجب عليك وعلى والدتك إعادتها إلى بلادها، ولا يجوز لك ولا لأمك أذاها، بل الواجب استخدامها بإحسان حتى ترد إلى بلادها؛ لأن الله عز وجل حرم الظلم على عباده مع الكفار
لقوله صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الظلم , فإن الظلم ظلمات يوم القيامة) رواه مسلم (2578) , ولقوله عليه الصلاة والسلام عن الله عز وجل أنه قال: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي , وجعلته بينكم محرما , فلا تظالموا) رواه مسلم (2577) " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6410)
هل يستأجر الشبكة ثم يعيدها إلى الصايغ لإتمام الخطوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[شاب مقدم على الزواج وليس معه ما يشترى به الشبكة , فاتفق مع خطيبته أن يحضروا الصايغ إلى المنزل إرضاءاً لأهلها ثم يرجع الشاب الشبكة للصايغ بعد الفرح بشهر على أن يدفع العريس للصايغ إيجار هذه الشبكة مدة هذا الشهر حسب تقدير الصايغ. فهل هذا يعتبر ربا أم ما وجه الحلال والحرام فيه علماً بأن الشاب متوقف زواجه على هذه الفتاة على هذه الشبكة بناءاً على رغبة أهلها أفادكم الله تعالى.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
سئلت اللجنة الدائمة عن مثل هذا السؤال، وهو تأجير الحليّ من الذهب والفضة لتلبسه المرأة عند الزواج ثم يعاد بعد أسبوعين مثلاً مع دفع الأجرة فأجابت:
الأصل جواز تأجير الحلي من الذهب والفضة بأحد النقدين أو غيرهما بأجرة ومدة معلومتين، يرد المستأجر الحلي بعد انتهاء مدة الإجارة ولا بأس بأخذ رهن في ذلك" اهـ. فتاوى اللجنة الدائمة (15/79-80)
والنقدان هما الذهب والفضة أي: يجوز أن تدفع الأجرة ذهباً أو فضة أو غيرهما كالأوراق النقدية التي يتعامل بها الناس الآن والله أعلم.
1- ثانياً: ينصح أولياء النساء بعدم المغالاة في المهور، وعدم تكليف الزوج ما يثقل عليه من المهر والشبكة والأثاث..إلخ، فهذه المغالاة مذمومة شرعاً. مع ما يترتب عليها من مفاسد وأضرار انظر السؤال رقم (12572) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6411)
ماذا يفعل مع هذا المستأجر الذي لا يريد الخروج من البيت؟
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن أسرة مات عائلهم، وقد ترك لنا من ضمن الميراث عقاراً , وهذا العقار به أناس يسكنونه منذ فترة طويلة وصلت إلى 18 عاما وبإيجار قيمته 40 جنيها مصريّاً، وهؤلاء السكان قد فتح الله عليهم بالخير الوفير حتى أصبح كل منهم يمتلك عقارا يخصه، فمنهم من كتب هذا العقار باسم أبنائه، ومنهم من كتبه باسم زوجته، ونحن في أشد الحاجة لهذه الشقق؛ فذهبت إليهم مستسمحاً في أن يتركوا الشقق، وشرحت لهم الظروف، فما وجدت منهم إلا الرفض ومنهم من طلب مني مبلغا من المال الباهظ نظير تركه للشقة، فحاولت معهم عدة مرات ولكن دون جدوى والقانون عندنا في صالحهم، وبعد ذلك طلبت منهم زيادة الإيجار حتى نستطيع سد حاجتنا المعيشية ولكن دون جدوى أيضا، فماذا أفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
مثل هذا الإشكال الحاصل بين المؤجر والمستأجر سببه هو عدم الالتزام بشرع الله تعالى عند توقيع العقد وإنشائه، ومما يخالف فيه الأكثرون ويسبب لهم متاعب ومشاكل هو عدم تحديد مدة لعقد الإيجار؛ إذ إن في تحديد المدة قطعاً للنزاع وحفظاً لحقوق كلٍّ من الطرفين، فيلتزم المؤجر بإبقاء المستأجر في العقار، ويلتزم المستأجر بدفع الأجرة لصاحب العقار طيلة المدة، ويُلزم بإنفاذ العقد ودفع الأجرة حتى لو لم يستعمله.
قال ابن قدامة:
ولا خلاف بين أهل العلم في إباحة إجارة العقار , قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم , على أن استئجار المنازل والدواب جائز.
ولا تجوز إجارتها إلا في مدة معينة معلومة , ولا بد من مشاهدته وتحديده , فإنه لا يصير معلوما إلا بذلك , ولا يجوز إطلاقه , ولا وصفه. وبهذا قال الشافعي. " المغني " (5 / 260) .
والصحيح أن المدة لا تتعين في فترة محدودة، بل يمكن أن تستمر أشهراً أو عشرات السنين مادام ذلك برضاً من الطرفين.
قال ابن قدامة:
الإجارة إذا وقعت على مدة يجب أن تكون معلومة كشهر وسنة. ولا خلاف في هذا نعلمه , لأن المدة هي الضابطة للمعقود عليه , المعرِّفة له , فوجب أن تكون معلومة , كعدد المكيلات فيما بيع بالكيل. " المغني " (5 / 251) .
وقال:
ولا تتقدر أكثر مدة الإجارة , بل تجوز إجارة العين المدة التي تبقى فيها وإن كثرت. وهذا قول كافة أهل العلم. ....لقول الله تعالى إخبارا عن شعيب عليه السلام , أنه قال: {على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك} , وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يقم على نسخه دليل. " المغني " (5 / 253) .
ثانياً:
وأما بالنسبة لموت المستأجر أو المؤجر قبل انتهاء المدة: فقد ذهب جمهور أهل العلم إلى أن العقد لا ينفسخ بموت واحد منهما، وخالف فيه الحنفية وبعض التابعين فقالوا: إن العقد ينفسخ إلا برضا ورثة المؤجر، وأن لهم المطالبة بإخلاء العقار المؤجَّر.
والصحيح هو قول الجمهور فالإيجار عقد لازم للطرفين خلال المدة.
وفي كتاب " الإجارة " من صحيح البخاري: قال البخاري - رحمه الله – مبوِّباً:
باب إذا استأجر أرضاً فمات أحدهما، وقال ابن سيرين: ليس لأهله أن يخرجوه إلى تمام الأجل، وقال الحكم والحسن وإياس بن معاوية: تمضى الإجارة إلى أجلها، وقال ابن عمر: أعطى النبي صلى الله عليه وسلم خيبر بالشطر فكان ذلك على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدراً من خلافة عمر ولم يذكر أن أبا بكر وعمر جددا الإجارة بعدما قبض النبي صلى الله عليه وسلم. انتهى
قال الحافظ ابن حجر:
قوله: " باب إذا استأجر أرضا فمات أحدهما " أي: هل تفسخ الإجارة أم لا؟ والجمهور: على عدم الفسخ، وذهب الكوفيون والليث إلى الفسخ ,....وقد اتفقوا على أن الإجارة لا تنفسخ بموت ناظر الوقف فكذلك هنا.
قوله: " وقال ابن سيرين: ليس لأهله " أي: أهل الميت.
" أن يخرجوه " أي: يخرجوا المستأجر ...
والغرض منه هنا الاستدلال على عدم فسخ الإجارة بموت أحد المتآجرين , وهو ظاهر في ذلك , وقد أشار إليه بقوله " ولم يذكر أن أبا بكر جدد الإجارة بعد النبي صلى الله عليه وسلم "
" فتح الباري " (4 / 463) .
ثالثاً:
وأما بالنسبة لما تصنعه مع المستأجرين الذين يرفضون الخروج، فنوصيك بما يلي:
1. أن تبيِّن لهم عدم شرعية العقد بينكما بسبب عدم تحديد مدة العقد، وقد سبق أن تحديد مدة الإجارة واجب من غير خلاف بين العلماء.
2. أن تعطيهم فرصة مناسبة ليخرجوا من العقار، ويكون تحديد هذه المدة بمثابة تصحيح الخطأ السابق ويكون عقداً جديداً بمدة محددة.
3. أن تبيِّن لهم حال رفضهم الخروج أنهم بذلك مغتصبون آثمون، وتبين لهم عاقبة الظلم وحكم المغتصبين.
4. أن توسط بعض العقلاء ممن يستطيعون التفاهم معهم، أو ممن لهم عليهم كلمة من أقربائهم أو معارفهم. ولك أن تتفق معهم على دفع مال إليهم حتى يخرجوا من الشقة، وهذا المال حرام عليهم يأكلون سحتاً، أما بالنسبة لك فإذا لم يستطع المظلوم أخذ حقّه إلا بدفع مال للظالم جاز له ذلك.
راجع السؤال رقم (40272)
5. فإن لم ينفع ذلك – أيضاً -: فأنت بين ثلاث خيرات: إما أن تدعوَ عليهم - ودعوة المظلوم مستجابة - وإما أن تعفو عنهم، أو تترك أمرهم إلى الله ليأخذ لك حقك منهم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6412)
حكم السمسرة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم السمسرة؟ وهل المال الذي يأخذه السمسار حلال؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" السمسرة: هي التوسط بين البائع والمشتري , والسمسار هو: الذي يدخل بين البائع والمشتري متوسطاً لإمضاء البيع , وهو المسمى الدلال , لأنه يدل المشتري على السلع , ويدل البائع على الأثمان " انتهى من "الموسوعة الفقهية" (10/151) .
والسمسرة يحتاج الناس إليها كثيراً، فكثير من الناس لا يعرفون طرق المساومة في البيع والشراء، وآخرون ليس عندهم قدرة على تمحيص ما يشترون ومعرفة عيوبه، وآخرون ليس عندهم وقت لمباشرة البيع والشراء بأنفسهم.
ومن هنا كانت السمسرة عملاً نافعاً، ينتفع به البائع والمشتري والسمسار.
ولا بد في السمسار من أن يكون خبيراً فيما يتوسط فيه بين البائع والمشتري، حتى لا يضر واحداً منهما بدعواه العلم والخبرة وهو ليس كذلك.
ولا بد أن يكون بأميناً صادقاً، لا يحابي أحدهما على حساب الآخر، بل يبين عيوب السلعة ومميزاتها بأمانة وصدق، ولا يغش البائع أو المشتري.
وقد نص جمع من الأئمة على جواز السمسرة، وجواز أخذ الأجرة عليها.
وسئل الإمام مالك رحمه الله عن أجر السمسار فقال: لا بأس بذلك. "المدونة" (3/466) .
وقال الإمام البخاري في صحيحه:
" بَاب أَجْرِ السَّمْسَرَةِ. وَلَمْ يَرَ ابْنُ سِيرِينَ وَعَطَاءٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَالْحَسَنُ بِأَجْرِ السِّمْسَارِ بَأْسًا.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لا بَأْسَ أَنْ يَقُولَ: بِعْ هَذَا الثَّوْبَ فَمَا زَادَ عَلَى كَذَا وَكَذَا فَهُوَ لَكَ.
وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: إِذَا قَالَ بِعْهُ بِكَذَا فَمَا كَانَ مِنْ رِبْحٍ فَهُوَ لَكَ، أَوْ بَيْنِي وَبَيْنَكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ.
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ) " انتهى كلام الإمام البخاري.
وقال ابن قدامة في "المغني" (8/42) :
" ويجوز أن يستأجر سمسارا , يشتري له ثيابا , ورخص فيه ابن سيرين , وعطاء , والنخعي. . . ويجوز على مدة معلومة , مثل أن يستأجره عشرة أيام يشتري له فيها ; لأن المدة معلومة , والعمل معلوم. . . فإن عَيَّنَ العملَ دون الزمان , فجعل له من كل ألف درهم شيئاً معلوما , صح أيضا. .
وإن استأجره ليبيع له ثيابا بعينها , صح. وبه قال الشافعي، لأنه عمل مباح , تجوز النيابة فيه , وهو معلوم , فجاز الاستئجار عليه كشراء الثياب " انتهى باختصار.
وسئلت اللجنة الدائمة عن صاحب مكتب تجاري يعمل وسيطاً لبعض الشركات في تسويق منتجاتها، حيث ترسل له عينة يقوم بعرضها على التجار في الأسواق، وبيعها لهم بسعر الشركة مقابل عمولة يتم الاتفاق عليها مع الشركة. فهل يحقه في ذلك إثم؟
فأجابت:
" إذا كان الواقع كما ذكر جاز لك أخذ تلك العمولة، ولا إثم عليك " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (13/125) .
وسئل الشيخ ابن باز عن حكم البحث لمستأجر عن محلٍ أو شقةٍ مقابل أجرة يدفعها لمن حقق له طلبه.
فأجاب:
" لا حرج في ذلك، فهذه أجرة وتسمى السعي، وعليك أن تجتهد في التماس المحل المناسب الذي يريد الشخص أن يستأجره، فإذا ساعدته في ذلك والتمست له المكان المناسب، وساعدته في الاتفاق مع المالك على الأجرة، فكل هذا لا بأس به إن شاء الله بشرط ألا يكون هناك خيانة ولا خديعة، بل على سبيل الأمانة والصدق، فإذا صدقت وأديت الأمانة في التماس المطلوب من غير خداع ولا ظلم لا له ولا لصاحب العقار فأنت على خير إن شاء الله " انتهى.
"فتاوى الشيخ ابن باز" (19/358) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6413)
هل يجوز أن يستأجر في محل شيشة لبيع المأكولات؟
[السُّؤَالُ]
ـ[توجد كافتريا في أحد الكازينوهات هل يجوز لي استئجارها من أجل بيع المأكولات - مع العلم بأن الكازينو مخصص لجلسات الشيشة والشاي - فما الحكم في ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي يظهر هو عدم جواز استئجارك ذلك المحل لتقديم الطعام والشراب؛ لأن شرب الشيشة محرَّم، لما فيه من تضييع للأموال، وإضرار المسلم بنفسه وبغيره ممن يستنشقون هذا الدخان الخبيث، راجع السؤال رقم (10922) و (7432)
والأصل في المسلم أن يهجر هذه أماكن المعصية ويبتعد عنها، لا أن يساهم في عونهم أو تقديم ما يبقيهم فيها كشراب أو طعام حلال، وفتح جزء في " الكازينو " لأجل تقديم الطعام لأولئك العاصين يتنافى مع الأمر للمسلم بتغيير المنكر حين يراه، ويتنافى مع الأمر بهجر أماكن السوء والمعصية.
قال الله تعالى: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ) النساء/140.
قال القرطبي - رحمه الله -:
قوله تعالى: (فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره) أي غير الكفر.
{إنكم إذا مثلهم} : فدل بهذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي إذا ظهر منهم منكر؛ لأن من لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم.
" تفسير القرطبي " (5 / 418) .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله:
الإنكار بالقلب فرض على كل واحد، وهو بغض المنكر وكراهيته، ومفارقة أهله عند العجز عن إنكاره باليد واللسان.
" الدرر السنية في الأجوبة النجدية " (16 / 142) .
بل الواجب على صاحب الملك أن لا يؤجر محلاته لأولئك الذين يتخذونها من أجل فعل المعاصي
سئل الشيخ عبد العزيز آل الشيخ:
والدي أوصى بثلث إيجار عمارة يملكها وهذه العمارة مؤجرة على محلات يبيع بعضها الدخان وأدوات شرب الشيشة وبها محل لبيع أشرطة الأغاني فهل تجوز هذه الوصية أم لا؟ علماً بأننا لا نملك غيرها؟ جزاكم الله خيراً.
فأجاب:
المطلوب منكم أن تخرجوا أولئك؛ لأن بيع الدخان والشيشة وأمثالها من الأغاني كلها أمور مخالفة للشرع، ولا يحل للمسلم أن يعين على الإثم والعدوان، وسيعوضكم الله خيراً إن شاء الله، وستستأجر إن شاء الله بما يغل غلاً ينفعكم وينفع الميت بإذن الله. اهـ
واعلم أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، وأن الرزق لا ينال بالمعصية، وقد قال سبحانه: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق/2، 3.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6414)
التوكيل في الشراء واستفادة الوكيل من العروض
[السُّؤَالُ]
ـ[هل لي أن أستأجر رجلا لي يشتري له سيارة من الخارج مقابل أجرة معينة، مع العلم أن البلد الذي ستشترى منه السيارة يفرض على المشتري ضريبة، إذا كان سيستعمل تلك السيارة في ذلك البلد. أما إذا كان سينقلها إلى بلده فله الحق في استرداد الضريبة بعد دفعها. للعلم يريد الوكيل أن يأخذ مبلغ الضريبة من غير استئذان الموكل. (صاحب المال) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه المعاملة لها صورتان:
الأولى: أن يشتري هذا الرجل السيارة لك، مقابل أجرة يتقاضها على عمله هذا، فهو وكيل ونائب عنك في الشراء، وحينئذ لا يحل له سوى الأجرة المتفق عليها، وما حصل من تخفيض في سعر السيارة، أو ما استرد من ضريبة عليها، أو ما أهدي للوكيل بسبب المعاملة، كل ذلك يرجع إليك (الموكل) إلا أن تطيب نفسك له بشيء من ذلك، لأن حقوق العقد إنما تتعلق بالموكل.
قال ابن قدامة: (قال أحمد في رواية مهنا: إذا دفع إلى رجل ثوبا ليبيعه , ففعل , فوهب له المشتري منديلا , فالمنديل لصاحب الثوب. إنما قال ذلك لأن هبة المنديل سببها البيع , فكان المنديل زيادة في الثمن , والزيادة في مجلس العقد تلحق به) انتهى من المغني 5/82
الصورة الثانية: أن يشتري الرجل السيارة، ثم يبيعها عليك، فله أن يزيد في ثمنها، وأن يضيف إليها الضريبة، سواء استردها أو لم يستردها، لكن لا يجوز لك الشراء منه، حتى يملك السيارة ملكا حقيقياً؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام " إذا اشتريت مبيعا فلا تبعه حتى تقبضه " رواه أحمد (15399) والنسائي (4613) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم: 342
وأخرج الدارقطني وأبو داود (3499) عن زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم " والحديث حسنه الألباني في صحيح أبي داود.
وفي الصحيحين من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه " [البخاري 2132، ومسلم 1525، وزاد: قال ابن عباس: وأحسب كل شيء مثله] أي لا فرق بين الطعام وغيره في ذلك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6415)
حكم استضافة مواقع تحتوي بعض أقسامها على الأغاني
[السُّؤَالُ]
ـ[أرغب في استضافة مواقع، وسيكون من شروط الاستضافة عدم وضع أي شي يخل بالشريعة الإسلامية، ولكن لا بد من أن يكون بين هذه المواقع أحد ما يضع في موقعه مثلاً قسما لبطاقات غنائية.. أو شيئا من هذا القبيل.. فهل يجب علي إلغاؤها.. أو نصحه فقط.. وإن رفض إلغاءها فهل يجب علي أن أزيلها؟ مع العلم أن هذا الشيء سيكون فيه ضرر على سمعة الاستضافة لدي.. أرجو التفصيل والتوضيح في هذا الشأن.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد أحسنت في اشتراط عدم وضع شيء يخل بالشريعة الإسلامية، ولو نصصت على أمثلة لذلك، كالموسيقى، وصور النساء، والأغاني، لكان أكمل وأتم؛ لأن بعض المتعاملين مع الإنترنت قد يجهلون أن هذه الأمور مخلة بالشريعة.
وسواء اشترطت هذا الشرط أم لم تشترطه، فإنه لا يجوز للمتعاقدين معك وضع شيء محرم، فإن معصية الله يجب تركها واجتنابها، ولا يتوقف ذلك على اشتراط من أحد، قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ) رواه البخاري (7288) ومسلم (1337) .
ولا يجوز لك أن تقر شيئاً محرماً، أو تكون عوناً لواضعه، فإن الله تعالى نهى عن ذلك بقوله: (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2.
والشرط الذي اشترطه إنما هو للتوكيد، وزيادة البيان.
وعليه، فمن وضع شيئاً محرماً وجب نصحه ومطالبته بحذف هذه الملفات، فإن استجاب، وإلا كان لك الحق في حذفها، وعدم تجديد العقد له.
ولا تخش من تشويه سمعتك، فحسبك أن تكون مرضيا مقبولا عند الله تعالى.
روى الترمذي (2414) عن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ الْتَمَسَ رِضَا اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ، وَمَنْ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ) . صححه الألباني في صحيح الترمذي.
وهو سبحانه بيده خزائن السموات والأرض (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) الطلاق/2، 3.
وقليل مباركٌ فيه خير من كثير ممحوق البركة.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6416)
من استؤجر على عمل، جاز له أن يستأجر غيره للقيام به
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز بيع المشاريع ? كأن يأخذ إنسان مشروعا باسمه من مؤسسة ما بـ 300 مليونا مثلا ويعطيه لأحد المقاولين لإنجازه بـ 250 مليونا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في بيع المشاريع، ومثلها من استؤجر لعمل ما من بناء أو غيره، لا حرج عليه أن يستأجر غيره للقيام بالعمل، ولكن بشرطين:
الأول:
أن لا تكون المؤسسة قد نصت في العقد على إلزام المتعاقد بالعمل بنفسه، وأن لا يبيع المشروع لغيره، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (المسلمون على شروطهم) رواه أبو داود (3594) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وقد سئلت اللجنة الدائمة عمن استأجر عمارة بمئة ألف وأجرها بمئة وخمسين، فهل يجوز ذلك؟
فأجابت:
" من استأجر عيناً فله أن يؤجرها لغيره بمثل ما استأجرها به أو بأكثر منها أو بأقل، وبنفس مدة الإجارة المتفق عليها ممن يقوم مقامه في الانتفاع أو دونه، لا بأكثر منه ضرراً، لأنه يملك الانتفاع بالعين المؤجرة، فجاز له أن يستوفيها بنفسه أو بغيره، إلا أن يشترط المؤجر المالك أن لا يؤجرها لغيره، أو لا يؤجرها لأصحاب مهن وحرف حددها، فهما على ما اشترطا " أ. هـ
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (مسألة: لو أن الإنسان استؤجر على عمل في الذمة بأن قيل له: نريد تنظيف هذا البيت كل يوم، ولك في الشهر مائة ريال، فاستأجر من ينظف البيت كل يوم لكن بخمسين ريال، فهل يجوز أو لا؟
الجواب:
نعم يجوز، هذا من جنس ما إذا قلنا: إنه يجوز أن يؤجر بقية المدة بأكثر من الأجرة، وعلى هذا عمل الناس اليوم، فنجد مثلا أن الحكومة تتفق مع شركة على تنظيف المساجد، فكل مسجد ينظف في الشهر بكذا وكذا، ثم إن هذه الشركة تأتي بعمال يقومون بما تم عليه العقد بأقل من ربع ما اتفقت الشركة مع الحكومة. فهذا موجود، إلا إذا كان الغرض يختلف بالنسبة للمستأجر، فإذا كان يختلف فلا يجوز.
مثال ذلك: إنسان استأجرته لينسخ لي زاد المستقنع (وهو كتاب فقه) ، والرجل أعرف أن خطه جيد، وأن خطأه قليل، فاستأجر هو إنسانا يخطه بأقل مما أجرته به، وهذا الشخص الذي استأجره المستأجر خطه جميل، فيقول العلماء: إنه لا يجوز) أ. هـ الشرح الممتع 4/327.
لأن العبرة في النسخ ليست بجمال الخط فقط، وإنما بجمال الخط ومراعاة قواعد الإملاء ووضع علامات الترقيم المناسبة كالنقطة والفاصلة ... وغير ذلك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6417)
هل يجوز استخدام خادم غير مسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يصح أن يتخذ المسلم خادما نصرانيا يقوم بالأعمال الوضيعة من غسل وتنظيف وطبخ.. إلخ وإذا كان الجواب بنعم فماذا جاء في الإسلام عن الخادم النصراني.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز للمسلم أن يتخذ خادما كافرا بشروط ومنها.
أن لا يُدخل على طعام المسلم نجاسة في طعامه وثيابه وغيرها.
وأن لا يطبخ له ما يحرم أكله كالخنزير.
وأن لا يحصل باستخدامه فتنة في الدّين كالإعجاب بالنصرانية أو تأثّر الأولاد المسلمين بطقوس الكفر التي ربما يمارسها هذا الخادم.
وأن لا يحصل افتتان به أو بها من جهة الشهوة والوقوع معه أو معها في الحرام كما يحدث لو تكشّفت الخادمة النصرانية أمام صاحب البيت المسلم وأولاده وكذلك افتتان زوجة صاحب البيت المسلمة بالخادم أو السائق.
وأن لا يكون ذلك في جزيرة العرب التي يحرم إقامة الكفار فيها.
وأن لا يظلمه ولا يبخسه حقّه ومن مفاسد ذلك تنفيره من دين الإسلام.
وعلى المسلم أن يحرص على استخدام المسلمين لأنهم أقلّ شرا في الجملة من الكفار وأبعد عن الوقوع وإيقاع الغير في المحرّمات والمحظورات المخالفة للشريعة، ثم لو كان عند المسلم خادم غير كافر فعليه أن يحرص على دعوته إلى الإسلام والاجتهاد في السعي لهدايته.
والدليل على جواز استخدام الكافر المأمون في الخدمة ودعوته إلى الإسلام ما رواه البخاري (1356) عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ غُلامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرِضَ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَقَالَ لَهُ: أَسْلِمْ. فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ: أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَأَسْلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنْ النَّارِ. والله ولي التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
(5/6418)
التفصيل في حكم " عقود الصيانة " ومتى يكون لها حكم " التأمين التجاري "
[السُّؤَالُ]
ـ[بعدما سمعت أن بعض المشايخ أجازوا " التأمين التجاري " بحكم أنه يشبه حماية القوافل في الماضي: خطر في بالي هذا التساؤل: ما الفرق بين التأمين التجاري، وعقود الصيانة العامة؟ وأعني بعقود الصيانة: هي أنني صاحب منشأة حكومية - كوزارة التجارة مثلاً - أكتب عقداً مع شركةٍ ما للصيانة، أدفع لها سنويّاً مبلغاً وقدره مليون ريال – مثلاً -، ومقابل هذا المبلغ: أتكفل بصيانة الكهرباء، والسباكة، من ناحية أجور اليد فقط - وقد يكون حساب القطع عليهم، أو على شركة الصيانة -، طبعاً وقلْ مثل ذلك في صيانة أجهزة الحاسب الآلي للشركات الكبرى، أو البنوك، وقل مثله في عقود صيانة البرامج المحاسبية – مثلاً - ... إلخ. أرجو أن تكون الصورة وضحت. إذا كان هذا العقد جائزاً: فما الفرق بينه وبين عقد التأمين التجاري؟ شركة التأمين تأخذ مني مبلغًا مقابل أن تصلح لي سيارتي، وشركة الصيانة تأخذ من الوزارة مبلغًا مقابل إصلاح ما فسد في السباكة، والكهرباء. شركة التأمين لديها التزامات مالية - تكاليف قانونية، استئجار معارض، موظفون، معدات، وأجهزة ... إلخ -، وشركة الصيانة لديها التزامات مالية - تكاليف قانونية، موظفون، معدات، وأجهزة ... إلخ -. فما الفرق بينهما؟ هذا ما دار في نفسي من تساؤل. 1. هل هناك فرق دقيق بينهما لم أنتبه إليه يجيز عمل شركة الصيانة، ويحرم عمل شركة التأمين؟ . 2. إذا كان عمل شركة الصيانة حراماً: فمعناه أن كل مال تساهم به في هذه الشركة هو مال حرام، هل هذا صحيح؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"عقود الصيانة" من العقود المستحدثة، ولها عدة صور، ولهذا لا يصح أن تعطى حكماً واحداً، بل منها ما هو جائز، ومنها ما هو محرم.
ويمكننا جمع أشهر صور تلك العقود مع بيان أحكامها فيما يلي:
1. أن تتكفل الشركة البائعة للجهاز بالصيانة الدورية، أو بالصيانة في حال حدوث خلل فيه، وقد تكون الصيانة مجرد إصلاح، وقد تكون مع وضع قطع بديلة لما يتلف منها.
وحكم هذه الصور: الجواز، ويجوز للشركة البائعة أن ترفع سعر بيع الجهاز مقابل تلك الخدمة.
2. أن تتكفل "شركة صيانة" – وليست الشركة البائعة - بالفحص الدوري على الجهاز – أسبوعيّاً، أو شهريّاً – مقابل مبلغ معيَّن، ويُعرف في العقد عدد الأجهزة المراد فحصها وصيانتها، وتعرف نوعية الصيانة، ويكون العقد لمدة محدودة.
وحكم هذا العقد: الجواز، وهو في حقيقته عقد إجارة، ويشترط لجوازه – بالإضافة لما سبق – أن لا يشتمل عقد الفحص والصيانة على توفير قطع غيار لما يتلف من قطع الجهاز، بل تكون هذه القطع على صاحب الجهاز.
إلا إذا كانت المواد المستعملة في الصيانة يسيرة لا يُحسب لها حساب في العادة، أو كانت معروفة أنها من لوازم الصيانة: لم يكن ذلك بمانع من القول بجواز هذا العقد.
3. أن يشتمل عقد الصيانة مع الفحص الدوري على استبدال القطع التالفة بأخرى جديدة.
وحكم هذا العقد: التحريم؛ لأنه يشتمل على الغرر الفاحش، وهو عقد مقامرة، فقد يكون ثمن القطع الجديدة أضعاف قيمة عقد الصيانة، وقد لا تحتاج الأجهزة لتبديل قطع شيء منها، وصاحب الجهاز في هذه الحال إما أن يكون " غانماً "، أو " غارماً "، وهذا هو ضابط عقود المقامرة، فيغنم صاحب الجهاز في حال حصوله على قطع غيار بأكثر مما دفعه لشركة الصيانة، وقد يغرم بأن لا تحتاج أجهزته لقطع غيار، فيضيع عليه ما دفعه لهم.
وهذه الصورة من عقود الصيانة تشبه عقود التأمين التجاري المحرَّم.
4. أن يكون عقد الصيانة ليس دوريّاً، ولكن على حسب حصول الخلل في الأجهزة المعقود عليها، فإذا حصل خلل فيها: تمَّ استدعاء شركة الصيانة، وإن لم يحصل خلل: لا يأتي أحد لرؤيتها.
وحكم هذا العقد: التحريم، وهو عقد مقامرة، لأن صاحب الجهاز يكون غانماً إذا كثر تعطل الجهاز، ويكون غارماً إذا قل تعطله.
وهذه الصورة – أيضاً - من عقود الصيانة تشبه عقود التأمين التجاري المحرَّم.
وهذه بعض الفتاوى المتعلقة بعقود الصيانة:
1. قرار " مجلس مجمع الفقه الإسلامي ":
ففي قرار رقم: 103 (6/11) بشأن "عقد الصيانة" قال "المجمع":
الحمد لله رب العالمين، والسلام على سيدنا محمد، خاتم النبيين، وعلى آله، وصحبه، وسلم.
أما بعد:
فإن "مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي "المنبثق عن "منظمة المؤتمر الإسلامي" في دورة انعقاد مؤتمره الحادي عشر بالمنامة في دولة البحرين، من 25 - 30 رجب 1419 هـ (14 - 19 نوفمبر 1998) : بعد اطِّلاعه على الأبحاث المقدمة إلى "المجمع" بخصوص موضوع "عقد الصيانة"، واستماعه إلى المناقشات التي دارت حوله:
قرر ما يلي:
أولاً: عقد الصيانة هو عقد مستحدث مستقل تنطبق عليه الأحكام العامة للعقود، ويختلف تكييفه، وحكمه، باختلاف صوره، وهو في حقيقته عقد معاوضة، يترتب عليه التزام طرف بفحص وإصلاح ما تحتاجه آلة، أو أي شيء آخر، من إصلاحات دورية، أو طارئة، لمدة معلومة، في مقابل عِوض معلوم، وقد يلتزم فيه الصائن بالعمل وحده، أو بالعمل والمواد.
ثانياً: عقد الصيانة له صور كثيرة، منها ما تبين حكمه، وهي:
1. عقد صيانة غير مقترن بعقد آخر، يلتزم فيه الصائن بتقديم العمل فقط، أو مع تقديم مواد يسيرة لا يعتبر العاقدان لها حساباً في العادة.
هذا العقد يكيَّف على أنه عقد إجارة على عمل، وهو عقد جائز شرعاً، بشرط أن يكون العمل معلوماً، والأجر معلوماً.
2. عقد صيانة غير مقترن بعقد آخر، يلتزم فيه الصائن تقديم العمل، ويلتزم المالك بتقديم المواد.
تكييف هذه الصورة، وحكمها: كالصورة الأولى.
3. الصيانة المشروطة في عقد البيع على البائع لمدة معلومة.
هذا عقد اجتمع فيه بيع وشرط، وهو جائز، سواء أكانت الصيانة من غير تقديم المواد، أم مع تقديمها.
4. الصيانة المشروطة في عقد الإجارة على المؤجر، أو المستأجر.
هذا عقد اجتمع فيه إجارة وشرط، وحكم هذه الصورة: أن الصيانة إذا كانت من النوع الذي يتوقف عليه استيفاء المنفعة: فإنها تلزم مالك العين المؤجرة من غير شرط، ولا يجوز اشتراطها على المستأجر، أما الصيانة التي لا يتوقف عليها استيفاء المنفعة: فيجوز اشتراطها على أيٍّ من المؤجر، أو المستأجر، إذا عُيِّنت تعيُّناً نافياً للجهالة.
وهناك صور أخرى يرى " المجمع " إرجاءها لمزيد من البحث، والدراسة.
ثالثاً: يشترط في جميع الصور: أن تعيَّن الصيانة تعييناً نافياً للجهالة المؤدية إلى النزاع، وكذلك تبيين المواد إذا كانت على الصائن، كما يشترط تحديد الأجرة في جميع الحالات.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، وسلم.
"مجلة المجمع" (العدد الحادي عشر ج 2، ص 279) .
2. سئل الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله:
صاحب شركة صيانة سيارات يسأل عن عقد الضمان وصورته: أن يتعاقد صاحب شركة الصيانة مع صاحب معرض سيارات مستعملة، أو ما يسمَّى بصالات السيارات المستعملة، وخاصة المستوردة من الخارج، فيقوم صاحب الشركة بفحص السيارة، ويعطي شهادة ضمان على السيارة السليمة مدة محددة على حسب صلاحية السيارة، على أن يدفع صاحب المعرض - أو الصالة - مبلغاً مقطوعاً مرة واحدة، ويتكفل صاحب الشركة بضمان السيارة تلك المدة المحددة بحيث لو حصل للسيارة عطل: فإن مشتري السيارة من المعرض يرجع على صاحب الشركة الضامنة، فتقوم بإصلاح السيارة بدون دفع مال، بشرط أن لا يقوم المشتري عند حصول عطل بإصلاح السيارة في مكان آخر.
ويستثنى من الأعطال ما هو خارج عن الإرادة مثل حوادث السيارات.
فأجاب:
نرى أن مثل هذا لا يجوز؛ فإنه داخل في عمل " التأمين " الذي رَجَّح العلماء عدم جوازه؛ وذلك لأن صاحب المعرض - أو صاحب صالات السيارات - يدفع مبلغاً محدداً لشركة الصيانة، سواءً حصل أعطال، أو لم يحصل، فتارة لا يحصل تعطيل لهذه السيارات: فيأخذ صاحب شركة الصيانة ذلك المال من صاحب المعرض في غير مقابل، ولا يرد عليه شيئاً؛ حيث لا يحصل ما يحتاج إلى الإصلاح.
وأحيانًا قد يحصل تعطيل كثير في السيارات، ينفق عليها صاحب شركة الصيانة أموالًا طائلة أكثر مما دفعه له صاحب صالات السيارات المستعملة، فيتضرر صاحب الشركة، ثم إن هذا التعاقد، وهذا الضمان قد يسبِّب أن أكثر المشترين يتهورون، ويخاطرون في مسيرهم، فتكثر الحوادث، ويحصل أنواع التعطيل، وإذا نصحوا باستعمال الرفق يحتجون بأن السيارة مضمونة لمدةٍ محددة كسنَة، أو أكثر.
فعلى هذا نقول: إن على صاحب المعرض - أو ما يسمى بصالات السيارات المستعملة - سواءً مستوردة من الخارج، أو غير مستوردة: أن يفحص سياراته بنفسه، أو يستأجر عُمَّالًا يفحصونها، ويصلحون ما فيها من الأخطاء، ثم يبيعونها، ولا بأس أن يضمنوا للمشتري إصلاحها لمدة محددة، ولأشياء خاصة، باستثناء الحوادث المرورية، وما أشبهها.
" الفتوى رقم 816 " من موقع الشيخ رحمه الله.
http://ibn-jebreen.com/ftawa.php?view=vmasal&subid=816&parent=4193
وهذا الجواب ينطبق على الصورة الرابعة من صور عقود الصيانة.
والصورة التي ذكرها الشيخ في آخر جوابه أنها جائزة وهي عقد الصيانة من البائع نفسه، هي الصورة الأولى التي ذكرنا أنها جائزة.
3. وقال الشيخ سامي السويلم حفظه الله:
إذا كانت الشركة البائعة للأجهزة هي التي تقوم بالصيانة: فلا مانع من ذلك، ولا مانع من أن يختلف المبلغ المدفوع للصيانة تبعاً لاختلاف الخدمة ذاتها، أما أن تقوم شركات بالصيانة غير الشركات التي باعت السلعة: فلا يجوز؛ لأنه يكون صورة من صور التأمين التجاري المحرم، وبذلك يتبين حكم عقد الصيانة، فالضمان الذي تقدمه شركة الصيانة تابع للعمل الذي تقوم به، وهو عمل الصيانة الدورية، وهذه الصيانة الدورية من شأنها أن تقلل من احتمالات وقوع الخلل، ومن ثم تقلل من الحاجة للضمان ابتداء، أما إذا كان عقد الصيانة مجرد ضمان بلا عمل يدرأ الخطر: فهو تأمين تجاري بحت.
http://almoslim.net/node/54932
وبهذا يتبين أن من عقود الصيانة ما هو مباح جائز، ومنها ما يكون صورة من صور التأمين التجاري فيكون محرماً.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6419)
زكاة المعاش المقبوض بأثر رجعي
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة عزباء أعيش مع 3 إخوة ذكور وأمي حفظها الله. أبي رحمه الله كان (ضابط سامي) بالجيش وتوفي سنة 2001، وبعد وفاته قام زملاء وأصدقاء أبي بتسوية أمور المعاش ورأس مال الوفاة (capital du décé) ، وأيضا التركة، وحسب قوانين بلدنا فقد قسم رأس مال الوفاة علينا بحسب الفروض الواجبة، لأمي الثمن والباقي قسم علي وعلى إخوتي للذكر مثل حظ الأنثيين، علما أن والدي أبي متوفيان قبله. وصرف معاش لأمي تقبضه كل شهر والحمد لله، ومؤخرا علمت أنه لي الحق في معاش يصرف لي، لكوني أنثى وعزباء وبدون مهنة (حاليا أنا متربصة للمحاماة، وليس لي أي دخل) ، وقيل لي: إذا سويت الأمور اللازمة لقبض هذا الراتب شهريا فإنه يرجع بأثر رجعي منذ وفاة أبي (سنة 2001) ، وبالتالي: أولا سأقبض ما فاتني من كسب منذ 2001، ثم أبدأ باستلام المعاش كل شهر. السؤال: 1- ما حكم رأس مال الوفاة؟ 2- ما حكم المعاش الذي صرف لأمي؟ 3- ما حكم المعاش الذي سيصرف لي؟ أحلال أم حرام؟ 4- إذا كان حلالا: هل تجب علي الزكاة فيه عند قبضي لما فاتني من كسب (وهو مبلغ كبير) وكيف أقدر زكاته؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
بالنسبة لرأس مال الوفاة، حسبما ورد في السؤال: فلا حرج في صرفه لمستحقه، وهو معونة مالية من الدولة، تمنح لمستحقيها حسب الشروط التي تضعها لذلك. ومثلها منح الشيخوخة والعجز ومعاش التقاعد والبطالة ونحو ذلك مما تصرفه الدولة لذوي الحاجات.
وهكذا الأمر بالنسبة للمعاش الذي تصرفه الوالدة، وكذا المعاش الذي ستصرفينه – إن شاء الله - لا حرج على المنتفع به، ما دام قد استوفى شروطه.
سئلت اللجنة الدائمة:
" كنت متطوعا بالقوات المسلحة المصرية، في الفترة من سبتمبر عام 1967م إلى يناير عام 1981م، ومكثت بها ثلاثة عشر عاما تقريبا، وكانوا يقتطعون جزءا من مرتب كل شهر للتأمينات والمعاشات، وهذا الأمر إجباري، وبعد أن من الله علي بفهم الإسلام قمت بتقديم استقالتي وقبلت بفضل الله عز وجل، ولكن أعطوني معاشا شهريا قدره 540 ر56 كل شهر، وقد ذكر لي بعض الإخوة أن هذا المعاش ربا، ويجب علي ترك هذا المعاش، فهل هذا الحكم صحيح أم لا، وما هو الحكم الشرعي الصحيح في هذا المعاش؟ "
فأجابت:
" إذا كان الواقع كذلك: جاز لك أخذ معاش التقاعد؛ لأنه مكافأة على الخدمة التي قمت بها مدة العمل في الحكومة ". انتهى. " فتاوى اللجنة الدائمة" (23/473) .
ثانيا:
عند قبضك المعاش بأثر رجعي، فالأحوط لك أن تخرجي منه زكاة سنة واحدة، لأنك لم تتمكني من قبضه، ولم يتحقق ملكك له قبل قبضه.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
هل في مال التقاعد الذي عند الدولة زكاة؟
فأجاب:
" التقاعد الذي يؤخذ من الراتب ليس فيه زكاة، وذلك لأن صاحبه لا يتمكن من سحبه إلا بشروط معينة، فهو كالدين الذي على المعسر، والدين الذي على المعسر لا زكاة فيه، لكن إذا قبضه فالأحوط أن يزكيه مرة واحدة لسنة واحدة " انتهى.
"مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (13 / 1589) .
وأما عن كيفية الحساب فهي بواقع (2,5%) من عموم المبلغ الذي تتسلمينه.
ثالثا:
من الواجب الانتباه إلى أن لا بد فيها من تحري الحق، وعدم تعدي حدود الله، وهي تحتاج إلى معرفة بشرع الله، وتفق واسع في دينه، حتى لا يقع صاحبها في الدفاع عن الباطل، أو مخاصمة الحق، من حيث لا يدري، وإن كان المعهود من حال هذه المهنة أنها تدخلها كثير من المحاذير.
وينظر جواب السؤال رقم: (75613) ، (112144) .
وأما بالنسبة للمرأة المسلمة: فإن طبيعة هذه المهنة تنافيها كثيرا؛ فهي تستوجب مخالطة الرجال بكثة، وربما كثر فيها السفر والانتقالات، إلى غير ذلك مما هو معلوم من حالها، وإن كان خطرها العقدي، في وقوع صاحبها في مخالفة شرع الله من حيث يعلم أو لا يعلم، هو أشد ذلك خطرا.
فالنصيحة للمرأة المسلمة أن تبحث عن عمل هو أنسب لطبيعتها، متى احتاجت إلى ذلك.
بل النصيحة لكل مسلم: ألا يقدم على تلك المهنة إلا بعد معرفة ما يلزمه من حكم الله في ذلك، والأدب الشرعي الواجب عليه في الاشتغال بها.
يراجع جواب السؤال رقم (97442) .
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6420)
يتقاضى منحة من الدولة لا يستحقها؛ لأن مسوغاتها لا تنطبق عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في إحدى الشركات، وقد كنت قدمت أوراقي إلى جهة عندنا تسمى (القوى العاملة) قبل تعييني بالشركة، وبعد مرور سنة على تعييني بهذه الشركة جاء اسمي من ضمن الباحثين عن العمل وطلبوا مني أوراقاً، فقدمت لهم ملف يحتوي على أوراق كلها بتاريخ قديم قبل تعييني بالشركة (وقد قدمتها بنية الحصول على وظيفة أفضل من الشركة التي أعمل بها) ولكن جاء قرار من الدولة بمنح هؤلاء الباحثين على العمل منحة كل حسب مستواه قبل توجيههم إلى أي عمل، فأصبحت آخذ راتبين: راتباً من الشركة التي أعمل بها، والمنحة التي تعطيها الدولة لهؤلاء الباحثين، حتى تم توجيهي إلى أمانة الأمن العام، عندها فضلت الشركة التي أعمل بها على أمانة الأمن العام، فذهبت إلى مكتب أحد الفروع لأقدم استقالتي فقال لي: "لا تقدم استقالتك؛ فقد لا تذهب إلى أمانة الأمن العام، وإذا تقدمت بأوراق التعيين فسيتوقف الراتب بعد شهرين" وبعد ثلاثة شهور تحديداً توقف الراتب من أمانة الأمن العام لمدة 5 شهور، ولكن الآن جاءت هذه الشهور الخمسة مع بعضها وهي الآن في حسابي، (مع قرار من أمانة الأمن العام بأن الإخوة الذين لديهم مؤهلات عالية يتم ردهم إلى أمانة القوى العاملة حتى يوجهوا من جديد إلى وظيفة أفضل) وأنا من ضمنهم. ما حكم الرواتب التي أخذتها من قبل؟ وكيف أتصرف في الرواتب التي في حسابي إذا كان حكمها حراماً؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان هذا الراتب الذي تعطيه الدولة، إنما تعطيه للباحثين عن العمل، الذين لم يجدوا عملاً، فهذا الراتب ليس من حقك، لأن شروط استحقاقه لا تنطبق عليك، ومن أخذ شيئاً من أموال بيت مال المسلمين وهو لا يستحقه فالواجب عليه أن يرده، فإن لم يستطع فإنه يتخلص منه بإنفاقه على الفقراء والمحتاجين أو في مصالح المسلمين العامة كبناء المساجد ونحوها.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله:
انتدبت أنا وزميلي إلى إحدى المناطق لمدة أربعة أيام، إلا أنني لم أذهب مع زميلي وبقيت على رأس عملي وبعد فترة استلمت ذلك الانتداب، فهل يجوز لي استهلاكه أم لا؟ وإذ كان لا يحل لي أخذه فهل يجوز صرفه في مستلزمات المكتب الذي أعمل فيه؟
فأجاب الشيخ:
"الواجب عليك رده؛ لأنك لا تستحقه لعدم قيامك بالانتداب، فإن لم يتيسر ذلك، وجب صرفه في بعض جهات الخير كالصدقة على الفقراء والمساهمة به في بعض المشاريع الخيرية، مع التوبة والاستغفار والحذر من العودة إلى مثل ذلك" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (19 / 343) .
وما أنفقته من هذا المال لا يلزمك رده، وإنما ترد الباقي معك فقط، وإذا كنت محتاجاً فلك أن تأخذ من هذا المال قدر حاجتك وتتخلص من الزائد، على ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله، وقد نقلنا كلامهما في جواب السؤال رقم (81915) .
ولك أن تستمر على طلبك الذي قدمته للقوى العاملة، ثم بعد ذلك تختار أي الوظيفتين تستمر فيها.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6421)
طبيب يأمر بفحوصات زائدة إذا كان لدى المريض تأمين
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك طبيب بمجرد أن يعرف أن المريض لديه بطاقة تأمين فإنه يضاعف تكلفة الكشف ويقوم بوصف جميع أنواع الاختبارات، فهل يكون هذا المال حلالا أم حراما؟ كما أن التأمين الطبي إجباري في الإمارات العربية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الطبيب مطالب بالأمانة والنصح وعدم الغش في عمله، فلا يجوز له أن يصف للمرضى ما لا يحتاجونه من الدواء، أو الفحوصات، لأن ذلك من الغش المحرم، وإذا كان هذا يعود على المستشفى بالنفع المادي لكون الدواء يُشترى منها أو لكونها هي التي تجري الفحوصات والاختبارات، فما يجلبه لها من المال، مال محرم؛ لأنه أخذ بالغش والخداع.
وإذا كان الطبيب يأخذ من العمل نسبةً، مقابل هذه الكشوفات أو الفحوصات كان هذا المال حراماً عليه، لأنه اكتسبه بالغش.
ولا فرق في ذلك بين أن يكون المريض هو من يدفع المال، أو تكون شركة التأمين هي من تتولى ذلك، فإن شركة التأمين جهة يلزم الصدق معها وعدم الاحتيال عليها كما يلزم ذلك مع سائر الناس والجهات.
ومما يؤسف له أن ما ذكرته أصبح شائعا في هذه الأيام، وهو دليل على ضعف الدين، والاغترار بالحياة الدنيا وإيثارها على الآخرة، وإلا فالواجب أن يكون الطبيب صادقا أمينا مع المريض ومع جهة التأمين وغيرها، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) الأنفال/27، وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) النساء/29، وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي) رواه مسلم (101) .
وعلى المريض أن ينصح للطبيب إذا علم أنه يطلب ما لا يحتاجه من الفحوصات اعتمادا على وجود التأمين، فإن الدين النصيحة.
وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6422)
حكم العمل في إدارة التكافل التعاوني لبنك الجزيرة
[السُّؤَالُ]
ـ[تقدمت في إدارة التكافل التعاوني لبنك الجزيرة لوظيفة تسويق وبعد الاطلاع على تفاصيل الوظيفة وجدت أن بعض المشايخ يجيزها والبعض لا، فما رأيكم جزاكم الله خيراً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
التأمين التجاري محرم بجميع صوره، وقد سبق بيان ذلك، وبيان الفرق بين التأمين التجاري والتأمين التعاوني، وينظر جواب السؤال رقم (36955) .
ثانيا:
لم نقف على تفاصيل برنامج التكافل المعمول به في بنك الجزيرة، لكن أفاد الدكتور يوسف الشبيلي حفظه الله أنه تأمين تعاوني، فقد سئل عنه فأجاب: " هذا البرنامج في الحقيقة أنا طلبت من الإدارة الشرعية فيه ما يقارب السنة والنصف تقريراً عنه والوثائق الخاصة بهذا البرنامج، والحقيقة يتضمن نوعين من العقود: النوع الأول: عقد استثماري يكون الاستثمار للأموال المدخرة. والنوع الثاني: ادخاري كنوع من التأمين التكافلي. وفي الحقيقة أن التأمين أرى أنه تأمين تعاوني وليس تأميناً تجارياً، وقائم على مبدأ التكافل فيما بين حملة الوثائق، فأرى أنه جائز الدخول فيه سواء في برنامج الادخار أو في برنامج الاستثمار، لأنه حتى الاستثمار ليس فيه ضمان لرأس المال، ولا ضمان الربح، البنك يستثمر هذا المال في عقود مرابحات، بعد عدة سنوات يستعيد حامل الوثيقة أمواله التي دخل فيها، إما بربح أو خسارة، لكن كون البنك لا يدخل إلا في مرابحات فالخسارة تكاد تكون نادرة في مثل هذه الحالات" انتهى من "برنامج الجواب الكافي" بتاريخ 16 / 4 / 1430 هـ.
ثالثا:
يجوز العمل في بنك الجزيرة بشرط التقيد بقرارات اللجنة الشرعية، وينظر جواب السؤال رقم (81199)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6423)
هل يختص مقام القضاء بقضاة المحاكم أو هو أعم من ذلك؟
[السُّؤَالُ]
ـ[الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (قاض في الجنة وقاضيان في النار) هل هم القضاة بالمحاكم المعنيون في الحديث، أو على أي شخص كرجل المرور عندما يحقق في حادث، أو رجل الشرطة عندما يحقق في جريمة، أو المدرس، وغيرهم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
القاضي في اصطلاح العلماء هو الذي يفصل في الخصومات، فيبين الحكم الشرعي ويلزم به.
فيقوم عمل القاضي على ركنين أساسيين، هما:
1- الإخبار بالحكم الشرعي في الواقعة.
2- الإلزام بتنفيذ الحكم الشرعي بقوة السلطان وهيبته.
فمن توفر فيه هذان الركنان فهو القاضي الذي ورد في النصوص، سواء كان معيناً في المحاكم أو المرور، أو اتفق الخصمان على التحاكم إليه وكان حكمه لازماً لهما.
قال ابن رشيد في تعريف القضاء:
"الإخبار عن حكم شرعي على سبيل الإلزام" انتهى.
"تبصرة الحكام" (1/12) .
وقال الخطيب الشربيني الشافعي رحمه الله:
" هو فصل الخصومة بين خصمين فأكثر بحكم الله تعالى، قال ابن عبد السلام: الحكم الذي يستفيده القاضي بالولاية هو إظهار حكم الشرع في الواقعة فيمن يجب عليه إمضاؤه فيه" انتهى.
"مغني المحتاج" (4/372) .
وقال البهوتي الحنبلي رحمه الله:
" هو الإلزام بالحكم الشرعي وفصل الخصومات " انتهى.
"كشاف القناع" (6/258) .
وعلى هذا، فالقاضي الذي ورد ذكره في النصوص، كحديث:
(الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ: وَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ، وَاثْنَانِ فِي النَّارِ، فَأَمَّا الَّذِي فِي الْجَنَّةِ فَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ، وَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَجَارَ فِي الْحُكْمِ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ قَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ) رواه أبو داود (3573) وصححه الألباني في "إرواء الغليل"، يشمل:
1- القضاة المعينون في المحاكم.
2- القاضي الذي اتفق الخصمان على التحاكم إليه والالتزام بقوله.
3- المدرس عندما يفصل بين طالبين متنازعين ويلزمهما بما يحكم به.
وكذلك يكون المدرس قاضياً وحاكماً بين الطلبة عند تصحيحه اختبارات الطلبة، وتقديره درجات الإجابة، وتقديره الدرجات التي يحصلون عليه مقابل أنشطتهم وسلوكهم.
قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله:
"إن الاختبارات حُكْمٌ حين التصحيح، فإن المعلم الذي يقدر درجات أجوبة الطلبة، ويقدر درجات سلوكهم هم حاكم بينهم؛ لأن أجوبتهم بين يديه بمنزلة حجج الخصوم بين يدي القاضي، فإذا أعطى طالباً درجات أكثر مما يستحق فمعناه أنه حكم له بالفضل على غيره مع قصوره، وهذا جور في الحكم، وإذا كان لا يرضى أن يقدم على ولده من هو دونه، فكيف يرضى لنفسه أن يقدم على أولاد من هو دونهم.
إن من الأساتذة من لا يتقي الله تعالى في تقدير درجات الطلبة، فيعطي أحدهم ما لا يستحق، إما لأنه ابن صديقه أو قريبه أو ابن شخص ذي شرف أو مال أو رئاسة، ويمنع بعض الطلبة ما يستحق إما لعداوة شخصية بينه وبين الطالب أو بينه وبين أبيه أو غير ذلك من الأسباب.
وهذا كله خلاف العدل الذي أمر به الله ورسوله، فإقامة العدل واجبة بكل حال على من تحب ومن لا تحب، فمن استحق شيئاً وجب إعطاؤه إياه، ومن لا يستحق شيئاً وجب حرمانه منه" انتهى.
"الضياء اللامع" (2/570، 571) .
4- مدير الشركة أو المؤسسة الذي يحكم للموظفين أو عليهم بما يستحقونه من تكريم ومكافآت أو عقوبات.
5- شرطي المرور الذي يحكم بين المتنازعين في حادث تصادم ـ مثلاً ـ فيحكم بأن الخطأ على فلان، أو أن نسبة الخطأ كذا ... فهذا قاضٍ، لأنه يحكم بين الخصمين ويلزمهما بحكمه.
أما الشرطي الذي يأتي إلى مكان الحادث ويسجل وصف الحادث في الأوراق، فهذا ليس قاضياً، ولكنه أقرب إلى الشاهد، فيجب عليه أن يشهد بالعدل، ولا يحابي أحداً، وإلا كان شاهداً بالزور، متسبباً في ضياع الحق على صاحبه، لأن الشرطي الذي سيحكم، سيحكم بناء على ما وصفه هذا الشاهد.
وأما الشرطي الذي يتولى التحقيق في الجريمة، فليس قاضياً، لأن حكمه بأن هذا هو الجاني ليس ملزماً، وليس من سلطته تنفيذ ما حكم به، بل هو كالمساعد للقاضي في الوصول إلى الحكم، فيحاول الوصول إلى تفاصيل الجريمة، وملابستها، ثم يضع ذلك بين يدي القاضي الذي يتولى الحكم.
والحاصل ... أن كل من حكم بين الناس وكان حكمه ملزماً لهم فهو القاضي، الذي إن كان حكمه مبنياً على الجهل والظلم فهو متوعد بأن يكون من أهل النار، وإن كان حكمه مبنياً على العلم والعدل فهو موعود بالجنة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6424)
حكم العمل بالبريد في بلاد الكفر في توزيع مجلات سيئة
[السُّؤَالُ]
ـ[أعيش في الدانمارك في أوروبا وأعمل في خدمة البريد هنا كساع للبريد مدة عام حتى الآن. وقد بدأت أشك في أن هذا الأمر حلال أم حرام لأننا نسلم مجلات ذات أفعال سيئة كما أننا نعطي معاملات تجارية لتلك المحلات التي تعمل في الحرام. وإنني حزين جدا لأنني لم أكن أعرف هذا من قبل فأنا والحمد لله أسعي دائما للطريق الصحيح. فهل يكون مالي حلال أم حرام؟ فإذا كان هذا حراما فماذا علي أن أفعل بما اكتسبته منهم من مال وماذا علي أن أفعل بما سوف أكسبه طوال الثلاثة أشهر القادمة التي سوف أضطر فيها للعمل معهم لإكمال مدة العقد. جزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا يجوز العمل في بيع أو شراء تلك المجلات السيئة، ولا التعاون على ذلك، أو الدعوة إليه، سواء كان ذلك بأجر، أو بغير أجر؛ لما تحويه تلك المجلات من المحرمات، كالصور الهابطة، والمقالات المخالفة لدين الله، والتي قد تكون مقالات إلحادية، ومشاركات كفرية، وخاصة في بلاد الكفر التي لا يدين أهلها دين الله، ولا يراعون لله حرمة، ولا يرجون لله وقارا.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
" الصحف التي بهذه المثابة: من نشر الصور الخليعة، أو سب الدعاة، أو التثبيط عن الدعوة، أو نشر المقالات الإلحادية، أو ما شابه ذلك: الصحف التي هذا شأنها يجب أن تقاطع، وأن لا تشترى، ويجب على الدولة إذا كانت إسلامية أن تمنعها؛ لأن هذه تضر المجتمع وتضر المسلمين، فالواجب على المسلم ألا يشتريها، وأن لا يروجها، وأن يدعو إلى تركها، ويرغب في عدم اقتنائها وعدم شرائها، وعلى المسؤولين الذي يستطيعون منعها أن يمنعوها، أو يوجهوها إلى الخير، حتى تدع الشر وتستقيم على الخير " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (8 / 176) .
ثانيا:
الواجب عليك التوبة من العمل في ذلك العمل، تلك الفترة التي قضيتها فيه، ولا يجوز لك بعد العلم بالتحريم أن تستمر في عملك هذا، ولا يجوز لك إكمال مدة العقد الباطل الذي عقدته معهم على هذا العمل المحرم، وأما حكم ما سبق منك من العمل من قبل أن تعلم بالتحريم، فنرجو أن يكون في محل العفو من الله تعالى. قال تعالى: (فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) البقرة/275.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في بيان فوائد هذه الآية:
" ومنها: أن ما أخذه الإنسان من الربا قبل العلم فهو حلال له بشرط أن يتوب وينتهي ".
"تفسير القرآن" (5/298) .
وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله عن شخص يعمل في بنك ربوي، وقد تزوج منه راتبه من ذلك البنك، ويتعيش منه؟
فقال رحمه الله:
" لا يجوز العمل في مثل هذا البنك، لأن العمل فيه من التعاون على الإثم والعدوان وقد قال الله سبحانه وتعالى (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) .
وفي الصحيح عن جابر بن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: (هم سواء) . رواه مسلم.
أما الرواتب التي قبضتها فهي حل لك إن كنت جاهلاً بالحكم الشرعي، لقول الله سبحانه:
(وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) .
أما إن كنت عالماً بأن هذا العمل لا يجوز لك: فعليك أن تصرف مقابل ما قبضت من الرواتب في المشاريع الخيرية، ومواساة الفقراء، مع التوبة إلى الله سبحانه، ومن تاب إلى الله توبة نصوحاً قبل الله توبته وغفر سيئاته، كما قال الله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) الآية.
وقال تعالى (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) " انتهى.
"فتاوى إسلامية" (2/874) .
ثالثا:
العقد الذي بينك وبينهم فيما بقي من هذه المدة: اجتهد في أن تتخلص منه بأي وسيلة تقدر عليها؛ فإن كان مسموحا لك بأن تستقيل: فقدم لهم استقالتك، وإن لم يكن ذلك مسموحا، فحاول أن تحصل على أي نوع من الإجازات، أو التعلل بظرف طارئ، أو نحو ذلك، ولو ترتب على ذلك خسارة مادية، أو غرامة مالية، فتحملها نظير تخلصك من هذا العمل المحرم.
واعلم أنه من اتقى الله يسر الله له أمره، وجعل له من كل ضيق وهم فرجا ومخرجا.
والله أعلم.
راجع إجابة السؤال رقم: (89737) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6425)
فتح حساب في البنك لتحويل الراتب
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا ذهبت لفتح حساب في بنك لضرورة ذلك حيث إن عملي يفرض علي ذلك لتحول راتبي عليه ... وفوجئت إن البنك أضاف علي مصاريف زيادة حيث ان الحساب الذي سيودع لي أقل من 5000 جنيه قالوا لي طالما أنه أقل من 5000 فإننا سنخصم كل 3 شهور 60 جنيه وهذه مصاريف زائدة جدا فطلبت منهم عمل حساب بفوائد، حيث إن الفوائد لكل 1000 جنيه 52 جنيه كل 3 شهور، فسوف يأخذون هم الفوائد، وسأدفع فقط 8 جنيه كل 3 شهور، ولا آخذ الفائدة أنا. فهل هذا يجوز أم أني ألغي الفائدة، وأدفع المبلغ من مالي؟ مع العلم أني لا أريد التعامل مع البنك، ولا أريد أن أدخر فيه أموالي لتصل 5000 جنيه، أنا سوف أستخدمه مجرد وسيلة أقبض منها راتبي كل شهر، ليس أكثر. أرجو الرد علي إجازة هذا العمل أم لا؟؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا كان فتح الحساب في هذا البنك لضرورة تحويل الراتب ونحوه، فإن ذلك جائز للضرورة؛ والمبلغ الذي يحصله البنك على ذلك لا شيء عليك في دفعه؛ لأنك إنما تدفعه أجرة للتحويل.
قال علماء اللجنة الدائمة:
" الإيداع في البنوك الربوية لا يجوز، وأما التحويل عن طريق البنك إذا جاء الطلب من الشركة ولم يكن هناك آخر غير البنك الربوي فيجوز التحويل عن طريقه للضرورة " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (13 / 372) ، وينظر أيضا: "فتاوى اللجنة الدائمة" (13 / 370) .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله:
" إذا دعت الضرورة إلى التحويل عن طريق البنوك الربوية فلا حرج في ذلك إنْ شاء الله؛ لقول الله سبحانه (وقد فصَّل لكم ما حرَّم عليكم إلا ما اضطررتم إليه) .
ولا شك أن التحويل عن طريقها من الضرورات العامة في هذا العصر.
فإنْ أمكن التحويل عن طريق البنوك الإسلامية، أو من طرق مباحة، لم يجز التحويل عن طريق البنوك الربوية، وهكذا الإيداع: إذا تيسر في بنوك إسلامية، أو متاجر إسلامية: لم يجز الإيداع في البنوك الربوية لزوال الضرورة " انتهى.
"فتاوى إسلامية" (2 / 879)
ثانيا:
لا يجوز فتح حساب ربوي في البنك، بغرض تسديد المصاريف التي يطلبها البنك، مقابل عمله، لأن تحريم الربا ليس لحق البنك، حتى نأخذ منه ونعطيه، إنما التحريم لأجل حق الله، سواء كنا سندفع له أو لا، وسواء كانت المعاملة الأصلية مباحة أو محرمة، فكل ذلك لا يبيح لنا أن نتعامل معه معاملة محرمة، لأجل أن ندفع له مصاريف المعاملة الأصلية.
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله:
هل يجوز أن أضع وديعة في البنك بفائدة؛ من أجل أن أدفع الضرائب المترتبة علي من تلك الفائدة؟
فأجاب: " لا يجوز هذا العمل؛ لأن هذه المعاملة معاملة ربوية لا يجوز فعلها؛ لقول الله سبحانه: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (19 / 211) .
وينظر: إجابة السؤال رقم: (20876) ، (102655) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6426)
كان يحرم بعض الموظفين من الزيادة أو الترقية فكيف يتوب؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ي هو عن رد المظالم إلى أهلها وهو الشرط الرابع من شروط التوبة , إذا كان الشخص الظالم لا يستطيع رد المظالم إلى أهلها مثلا كأن يكون رئيسا على موظفين وظلم أحدهم بحيث قلل الزيادة أو لم يمنحه الدرجة التي يستحقها وبعد ذلك تقاعد هذا الرئيس فهل له من توبة وإذا تاب كيف يرد إلى هذا الموظف حقه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يشترط لقبول التوبة من الذنوب المتعلق بحقوق العباد: رد المظالم لأهلها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لِأَخِيهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، مِنْ قَبْلِ أَنْ يُؤْخَذَ لِأَخِيهِ مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ أَخِيهِ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ) رواه البخاري (6534) .
فإن كان أخذ منه مالا غصبا أو حيلة، تحلل منه واستسمحه، أو رده إليه بأي وسيلة ممكنة، ولا يشترط إعلامه بذلك، فإن مات دفعه إلى ورثته.
وإن عجز عن الوصول إلى المظلوم، تصدق بالمال عنه.
وإن عجز عن دفع المال، ولم يمكنه التحلل من المظلوم، فليتب فيما بينه وبين ربه، ولعل الله أن يؤدي عنه يوم القيامة.
قال النووي رحمه الله في "روضة الطالبين" (11/ 246) : " وإن تعلق بها – أي: بالمعصية - حق مالي كمنع الزكاة والغصب والجنايات في أموال الناس: وجب مع ذلك –أي: مع التوبة - تبرئة الذمة عنه بأن يؤدي الزكاة ويرد أموال الناس إن بقيت ويغرم بدلها إن لم تبق أو يستحل المستحق فيبرئه.
ويجب أن يُعلم المستحق إن لم يعلم به وأن يُوصله إليه إن كان غائباً إن كان غصبه منه هناك، فإن مات سلَّمه إلى وارثه، فإن لم يكن له وارث وانقطع خبره: دفعه إلى قاضٍ تُرضى سيرته وديانته، فإن تعذر: تصدَّق به على الفقراء بنية الغرامة له إن وجده ...
وإن كان معسراً: نوى الغرامة إذا قدر فإن مات قبل القدرة: فالمرجو من فضل الله تعالى المغفرة.
قال النووي: قلت: ظواهر السنن الصحيحة تقتضي ثبوت المطالبة بالظلامة وإن مات معسراً عاجزاً إذا كان عاصياً بالتزامها.
فأما إذا استدان في مواضع يباح له الاستدانة واستمر عجزه عن الوفاء حتى مات أو أتلف شيئاً خطأ وعجز عن غرامته حتى مات: فالظاهر أن هذا لا مطالبة في حقه في الآخرة إذ لا معصية منه، والمرجو أن الله تعالى يعوِّض صاحب الحق ...
وأما الغيبة إذا لم تبلغ المغتاب: فرأيت في فتاوى الحناطي أنه يكفيه الندم والاستغفار، وإن بلغته … فالطريق أن يأتي المغتاب ويستحل منه، فإن تعذر لموته أو تعسر لغيبته البعيدة: استغفر الله تعالى، ولا اعتبار بتحليل الورثة، هكذا ذكره الحناطي " انتهى.
فالحقوق المادية يلزم ردها للمظلوم، والحقوق المعنوية يكفي فيها الندم والاستغفار إذا لم تبلغ المظلوم.
وما ذكرت من " تقليل زياة الموظف " أو عدم منحه الدرجة التي يستحقها فيه اعتداء مادي وهو حرمانه من مال كان يستحقه، وفيه اعتداء معنوي بتأخيره عن درجته.
وعليه؛ فيلزمك تجاه الحق المادي: التحلل من صاحبه، أو دفع المال إليه، وهو مقدار ما حرم منه بسبب ظلمك له.
ولك أن تستعين بمن يشفع لك عند المظلوم ويطلب العفو منه.
فإن عجزت عن الأمرين فأكْثِرْ من الندم والاستغفار، وسل الله تعالى أن يؤدي عنك يوم القيامة.
وأما الحق المعنوي، فإن كان لم يعلم بظلمك له، فيكفيك الندم والاستغفار، وإن كان قد علم به لزمك التحلل منه، ما لم تخش حدوث مفسدة أكبر إذا علم.
ونسأل الله أن يتقبل توبتك ويبرئ ذمتك ويعينك على طاعته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6427)
يقدم فاتورة مزورة ليحصل على بدل العلاج من الشركة
[السُّؤَالُ]
ـ[في الشركة التي أعمل فيها هناك مبلغ يسمى بدل علاج، يتقاضاه الموظف شهرياً إذا كان فعلاً قد خضع لفحص طبي، أو لديه فواتير طبية خلال الشهر أو العام، فيقوم بعرضها على الشركة فتقوم الشركة بعرض هذه الفواتير على شركة التأمين الصحية المنسقة معها، فتقوم هذه الشركة بدفع تكاليف هذه الفواتير. بعض الناس كحرص منهم على تقاضي هذا المبلغ، يقومون بتزوير بعض الفواتير، وحجتهم في ذلك أنهم قد يستخدمون هذه المبالغ في المستقبل، ولا يرون بأسا في ذلك. فهل يجوز لي أن أتبع هذه الطريقة، طالما أنني سأستخدم هذا المبلغ في المستقبل؟ وهل يشترط أن استخدمه في غرض طبي، أم إنه يجوز أن أستخدمه كذلك في أي شيءأخر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك في حرمة ما ذكرت من تزوير الفواتير؛ لما في ذلك من الغش والكذب وأكل المال بالباطل، ولا ندري كيف يشتبه أمر هذا الحرام على أحد، وانظر إلى استدراج الشيطان للإنسان، فيظن أولا سلامة عمله إذا استخدم المال في العلاج مستقبلا، ثم يتدرج به إلى الظن بجوازه إذا استخدمه في أموره الأخرى، وهكذا يصل به إلى استحلال هذا المال وأخذه مهما كان الدافع، وقد يستعين بغيره لإتمام التزوير فيحمل إثما آخر وهو دلالته على المعصية.
وظاهرٌ أن الشركة لم تعط المال لكل موظف، وإنما جعلت ذلك مشروطا لمن خضع للفحص الطبي، وأما من عافاه الله، فلا يحل له ذلك المال بوجه من الوجوه، ولو كان يحل له لما لجأ للكذب والتوزير.
ويكفي المسلم أن يعلم أن الغش من كبائر الذنوب، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي) رواه مسلم (101)
والواجب نصح من وقع في هذا بالتوبة، ورد المال إلى الشركة، والحذر من أكل المال الحرام، فإنه لا يربو جسد من سحت إلا كانت النار أولى به.
وينظر للفائدة: سؤال رقم (13710) ورقم (105403) .
أما إذا كان الموظف قد خضع ـ فعلا ـ لفحص طبي، وأعطته الشركة هذا المبلغ، بناء على ذلك، من غير غش منه ولا تحايل: فحينئذ قد تملك هذا المال الذي أعطي له، وله أن يصرفه فيما شاء من احتياجاته، حتى ولو لم يصرفه على العلاج والتداوي.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ـ كما في "الاختيارات"، للبعلي (105) :
" ويجوز أخذ الزكاة لمن يحتاج إليه في إقامة مؤنته، وإن لم ينفقه بعينه في المؤنة ".
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6428)
يعمل في شركة تخزين ملفات الشركات، ومن بينها شركات تأمين وبنوك ربوية
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في شركة عملها الرئيسي هو التخزين , تخزين ملفات ومستندات الشركات , ولكن من بين هذه الشركات يوجد بنوك وشركات تأمين , أنا أعمل في المخزن , أحمل الصناديق التي بها الملفات ويتم تخزينها وعند طلب أي صندوق أحضره , علما بأن كل عميل في الشركة له رقم معين، وأنا لا أعرف من العملاء إلا القليل , فما حكم عملي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
حيث إن هذا التخزين لملفات الشركات مما تعان به الشركات على أعمالها؛ لأن هذه الملفات – لا شك – تحتوي على كافة مصالحها من تعاقدات وحسابات ومستندات وغير ذلك مما لا تتم مصالحها إلا به.
وحيث إن من بين هذه الشركات شركات تأمين، وبنوك ربوية، فقيامك بعملك في تخزين الملفات يعد تعاونا مع شركات التأمين والبنوك الربوية على عملها المحرم، وقد قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2.
والواجب على المسلم أن يترك معصية الله تعالى، وألا يعين العاصي على معصيته، وقد ذكرت أنك لا تعرف من العملاء إلا القليل.
وعلى هذا، فلا يمكنك ترك العمل المحرم (وهو مساعدة شركات التأمين والبنوك الربوية) إلا بترك هذا العمل، لأنه اختلط فيه الحلال بالحرام، وأنت على يقين أنك تقع في الحرام.
ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه.
ونسوق إليك بعض فتاوى أهل العلم فيما يخص مسألتك؛ ليتبين لك أن أدنى تعاون مع هذه الهيئات الربوية هو من التعاون على الإثم والعدوان، وهو مما حرمه الله تعالى على عباده المؤمنين.
فقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: عن شخص يعمل حارساً في أحد البنوك.
فأجابت: "البنوك التي تتعامل بالربا لا يجوز للمسلم أن يكون حارسا لها؛ لأن هذا من التعاون على الإثم والعدوان، وقد نهى الله عنه بقوله: (وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) وأغلب أحوال البنوك التعامل بالربا" انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (15/43) .
وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء أيضا:
أعمل بوظيفة طابع آلة كاتبة، ويطلب مني في بعض الأحيان كتابة خطابات إلى بعض البنوك لتنفيذ بعض الأعمال المصرفية، مضمونها: أن الشركة تقرض البنك (أو تقترض منه) مبلغا بعمولة قدرها كذا بالمائة من قيمة القرض، فأرجو من سماحتكم إفادتي عن مدى شرعية عملي هذا بالنسبة لتحرير تلك الخطابات؟
فأجابت: "عملك كاتبا للمعاملات الربوية محرم، والمال الذي تأخذه مقابل ذلك سحت، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه) فالواجب عليك ترك هذا العمل، وفي الحلال غنية عن الحرام، ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه" انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (15/60) .
وسئلت اللجنة:
أنا موظف أعمل في شركة أرامكو، في قسم تملك البيوت، هذا القسم يعطي قروضا لبناء مساكن للموظفين، هذه القروض ربوية بنص فتوى منكم، عملي في هذا القسم في وحدة توزيع الأراضي، ولا علاقة لي بما يخص توقيع القروض أو الشهادة وما شابهها، فهل علي إثم من خلال عملي في هذا القسم الذي يمنح قروضا ربوية؟
فأجابت:
"إذا كان الواقع كما ذكر من عملك في توزيع الأراضي لا في القروض الربوية، فليس في عملك مباشرة للربا، ولكن فيه تعاون مع من يتعاملون بالربا ويباشرونه، وهذا لا يجوز؛ لما فيه من التعاون على الإثم والعدوان" انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (15/17-18) .
وورد إلى اللجنة هذا السؤال:
أعمل محاسبا في جريدة، والجريدة تنشر يوميا صفحة عن أخبار الممثلين والممثلات والمطربين والمطربات، فهل في راتبي شيء؟
فأجابت:
"الغالب في أخبار الممثلين والممثلات في فنهم وفي الحديث عن المطربين والمطربات في طربهم الشر والانحراف عن الجادة، وفي ذلك ترويج لفنون اللهو، وإشاعة للفتن والمغريات بالفواحش، ونشر للشر والفساد، وأمثال ذلك مما يدنس الهيئة، ويذهب بالكرامة والقيم الأخلاقية، ولا شك أن العمل في مثل هذا الميدان لا يجوز؛ لما فيه من التعاون على الإثم والعدوان، وعلى هذا لا يجوز اتخاذه طريقا للكسب، وطرق الرزق كثيرة، فليتق العبد ربه، قال الله تعالى (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) وقال سبحانه: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (15 / 52-53) .
وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
"التعامل بالربا محرم على الشركات وعلى البنوك وعلى الأفراد. ولا يجوز للمسلم أن يتوظف في المحلات التي تتعامل بالربا، ولو كان تعاملها به قليلاً، لأن الموظف عند هذه المؤسسات والمحلات الربوية يكون متعاونًا معهم على الإثم والعدوان - والمتعاون مع المرابين تشمله اللعنة لقوله صلى الله عليه وسلم: (لعن الله آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه) " انتهى.
"المنتقى من فتاوى الفوزان" (68/8) .
والله أعلم
ولمزيد الفائدة راجع إجابة السؤال رقم: (82886) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6429)
حديث (لا تمارضوا فتمرضوا)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة الحديث: (لا تمارضوا فتمرضوا، ولا تحفروا قبوركم فتموتوا) ؟ وما حكم من يتمارض ليأخذ ما ليس حقه في عمله كموظف حكومة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن أبي حاتم رحمه الله:
"سألت أبي عن حديث رواه عاصم بن إبراهيم الداري، عن محمد بن سليمان الصنعاني، عن منذر بن النعمان الأفطس، عن وهب بن منبه، عن عبد الله بن عباس، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تمارضوا فتمرضوا، ولا تحفروا قبوركم فتموتوا) .
قال أبي: هذا حديث منكر " انتهى.
"العلل" (2/321) .
وقال السخاوي رحمه الله:
"أسنده الديلمي من جهة أبي حاتم الرازي: حدثنا عاصم بن إبراهيم، عن المنذر بن النعمان، عن وهب بن قيس به مرفوعا. وعلى كل حال فلا يصح، وإن وقع لبعض أصحابنا، وأما الزيادة التي على ألسنة كثير من العامة فيه، وهي: (فتموتوا فتدخلوا النار) فلا أصل لها أصلا" انتهى.
"المقاصد الحسنة" (716) .
وقال الشيخ الألباني رحمه الله:
"منكر ... وعلته محمد بن سليمان هذا قال الذهبي في "الميزان": مجهول، والحديث الذي رواه منكر، يعني هذا" انتهى.
"السلسلة الضعيفة" (259) ، وانظر "الفوائد المجموعة" للشوكاني (262) ، "الأسرار المرفوعة" لعلي القاري (590) .
والتمارض: يعني التظاهر بالمرض مع أن الحقيقة السلامة منه، وهو من الكذب على الناس، ومن النفاق العملي الظاهر، ولا يجوز للمسلم أن يتظاهر بأمر مخالف للحقيقة.
وتشتد الحرمة إذا تظاهر بهذا المرض للوصول إلى مراده بالكذب والحيلة والتزوير، كحال أولئك العمال والموظفين الذين يتمارضون ليحصلوا على ما لا يستحقون من الأجازات أو التعويضات أو غيره، وكلها يأكلها أصحابها سحتا نسأل الله السلامة والعافية.
وقد سبق في موقعنا التحذير من هذا العمل في جواب السؤال رقم: (99359) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6430)
يعمل في مؤسسة ويطلب منه المشاركة في المناقصات بعطاءات وهمية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا محاسب أعمل في مؤسسة خاصة , نشاط هذه المؤسسة يعتمد على المناقصات التي تطرحها الحكومة , أريد أن أسأل فضيلتكم عن ثلاثة أمور: الأول: أنه أحيانا عندما نتقدم إلى إحدى المناقصات فإن مالك المؤسسة يأمرني بأن أكتب ليس عطاء المؤسسة وفقط بل عطاء المؤسسة ومؤسستين أخرتين بمعنى أن هناك عدد من المؤسسات لنا علاقة بهم يعطوننا أوراق عليها أختامهم وشعارهم ونكتب نحن قيمة العطاء ونتقدم لهم فمثلا يكون عطاءنا بمليون ريال مثلا ونكتب العطاءين الآخرين واحد مليون وربع والثاني مليون ونصف وبالتال نحصل نحن على المناقصة، وقد لا نحصل عليها نتيجة لتقدم أطراف أخرى لا علاقة لنا بهم. السؤال هو هل مشاركتي في هذا العمل حرام أم لا؟ الثاني: أن هذه المؤسسة التي أعمل بها تأخذ قروض ربوية من البنوك ولكنى لا أباشر هذا الموضوع إطلاقا ولكن هل عملي بهذه المؤسسة حرام أم لا؟ الأمر الثالث: علمت من مصادر مؤكدة أن صاحب المؤسسة يدفع رشاوى لبعض القائمين من الحكومة على تلك المناقصات ولكنى أيضا ليس لي علاقة من قريب أو من بعيد بهذا الأمر المهم عندي هو هل هذا الأمر يجعل عملي بهذه المؤسسة حرام أم لا؟ أرجو سرعة الرد لأنني بصدد اتخاذ قرار الاستمرار معهم أو تركهم , جزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا يجوز للمؤسسة أن تقدم عطاء عن مؤسسة أخرى على الصورة التي ذكرت؛ لأن ذلك غش وخداع يراد منه استقرار العطاء لها، وهو مخالف لنظام المناقصات ومعطل لفائدته، وكونه غشا وحراما لا يكاد يخفى على أحد.
وعليه؛ فلا يجوز لك القيام بهذا العمل، بل تقتصر على كتابة عطاء مؤسستك فقط.
ثانيا:
إذا كانت المؤسسة تقترض بالربا، فالإثم على مالكها ومن يباشر هذا الاقتراض أو يعين عليه تسجيلا وتقييدا.
وإذا كان عملك بعيدا عن ذلك، فلا حرج عليك، فإنه يجوز أن يعمل الإنسان عملا مباحا لدى من يتعامل بالربا.
فقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عن موظف يعمل بشركة تتعامل مع البنوك وتقترض منهم بالربا، وتعطي الموظفين الرواتب من تلك القروض الربوية.
فأجاب: "هل هذا الموظف يكتب العقود التي بين الشركة وبين البنوك؟
السائل: لا يكتب، بل هو أنا يا شيخ! (أي هو الموظف المسئول عنه) .
الشيخ: إذاً: أنت الآن لا تكتب الربا ولا تشهد عليه، ولا تأخذه ولا تعطيه، فلا أرى في هذا شيئاً، ما دام عملك سليماً فيما بينك وبين الشركة، فوِزْر الشركة على نفسها. إذا لم تكن تذهب إلى البنوك ولا توقع على معاملة البنوك فلا شيء عليك، فالمؤسسة هذه -أولاً- لم تُبنَ للربا، وليست مثل البنك الذي نقول: لا تتوظف فيه، فهي لم تؤسس للربا. ثانياً: إنك لم تباشر الربا لا كتابةً ولا شهادةً ولا خدمةً، عملك منفصل عن الربا " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (59/15) .
ثالثا:
إذا كان صاحب المؤسسة يدفع رشاوى لبعض القائمين من الحكومة على تلك المناقصات، ولا علاقة لك بذلك، فلا حرج عليك.
والحاصل: أنه يجوز لك العمل في هذه المؤسسة إذا لم تباشر شيئا من الحرام فيها، ولم تُعِنْ عليه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6431)
حكم عمل المرأة مرشدة سياحية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مرشدة سياحية أعمل بالسياحة أريد أن أعرف حكم الإسلام في عملي مع العلم أنا لا أجلس في مجالس خمر، ولا آخذ ربح منها، فكل علاقتي بالسائح الشرح للمادة العلمية فقط، فهل عملي حرام أم حلال؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الأصل هو قرار المرأة في بيتها وعدم خروجها منه إلا لحاجة؛ لقوله تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى) الأحزاب / 33، وهذا الخطاب وإن كان موجها إلى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، فإن نساء المؤمنين تبع لهن في ذلك، وإنما وجه الخطاب إلى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم؛ لشرفهن ومنزلتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأنهن القدوة لنساء المؤمنين.
وقد قال عليه الصلاة والسلام: (المرأة عورة، وإنها إذا خرجت استشرفها الشيطان، وإنها لا تكون أقرب إلى الله منها في قعر بيتها) رواه ابن حبان وابن خزيمة، وصححه الألباني في السلسة الصحيحة برقم (2688) .
وقال صلى الله عليه وسلم في شأن صلاتهن في المساجد: (وبيوتهن خير لهن) رواه أبو داود (567) ، وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وفي هذا حفظٌ للمرأة ولكرامتها وعرضها، وسدٌّ لباب الفتنة بها أو لها.
ثانياً:
يجوز للمرأة أن تخرج من بيتها للعمل، إذا توفرت الضوابط التالية:
- أن تكون محتاجة إلى العمل، لتوفير الأموال اللازمة لها، لكونها لا تجد من ينفق عليها.
- أن يكون العمل مناسبا لطبيعتها متلائما مع تكوينها وخلقتها، كالتطبيب والتمريض والتدريس والخياطة ونحو ذلك.
- أن يكون العمل في مجال نسائي، لا اختلاط فيه بالرجال الأجانب عنها.
- أن تكون المرأة في عملها ملتزمة بالحجاب الشرعي.
- ألا يؤدي عملها إلى سفرها بلا محرم.
- ألا يكون في خروجها إلى العمل ارتكاب لمحرم، كالخلوة مع السائق، أو وضع الطيب بحيث يشمها أجنبي عنها.
- ألا يكون في ذلك تضييع لما هو أوجب عليها من رعاية بيتها، والقيام بشئون زوجها وأولادها.
ثالثا:
العمل في الإرشاد السياحي يعني مرافقة السائحين ودلالتهم على الأماكن التي يرغبون في زيارتها، وهذا لا يسلم من محاذير بحسب اختلاف البلدان، ففي بعضها يحصل دلالة السائحين على حانات الخمور، أو الشواطيء الماجنة، أو مساكن الكفار ومعابدهم التي نهينا عن دخولها إلا أن نكون باكين، كما روى البخاري (4702) ومسلم (2980) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَصْحَابِه لما مَرَّ معهم على مساكن ثمود: (لَا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ، أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ) .
ولا يخفى أن الإعانة أو الدلالة على المعصية معصية؛ لقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2.
ويضاف إلى ذلك: ما في صحبة السائحين من رؤية العورات ومشاهدة المنكرات دون إنكار لها؛ إذ الغالب على هؤلاء السائحين عدم التورع عن كشف عوراتهم رجالا كانوا أو نساء، بل عدم التورع عن مقارفة المنكرات فيما بينهم.
وهذه المحاذير تحيط بعمل الرجل في هذا المجال، وتزيد عليه المرأة بمحذور آخر وهو مخالطتها للرجال، على فرض تقيدها بالضوابط التي ذكرناها أولا.
ولهذا نوصيك بتقوى الله تعالى، والحذر من التساهل في هذا الأمر، والبحث عن عمل مباح سالم من المحاذير.
ونسأل الله لنا ولك التوفيق والثبات.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6432)
تجبره إدارة عمله على لبس ثياب عليها صليب
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا موظف أعمل في مستشفى نصراني، وضْع الصليب على لباس العمل: إجباري، ما الحكم في ذلك؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم نقض صورة الصليب إن وجدها في ثوب، أو حصير، أو غيرهما، ولم يكن ليقرَّ وجود رمز لدين محرَّف يثبت صلب المسيح عيسى بن مريم عليه والسلام كذباً وزوراً، حتى صار ذلك الرمز مقدَّساً ومعظَّماً ومعبوداً عند تلك الطائفة.
فعن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَتْرُكُ فِي بَيْتِهِ شَيْئًا فِيهِ تَصَالِيبُ إِلَّا نَقَضَهُ) رواه البخاري (5608) .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
ما حكم لبس الملابس التي فيها صليب، ولم نعلم بوجوده عند شرائها، حيث إنه لا يكون على شكله المعتاد لنعلم به قبل شرائها، وإنما على أشكال غير معروفة وغير واضحة، ما حكم لبسها؟ .
فأجابوا:
"إذا علِم بوجود الصليب في الملابس بعد شرائها: فإنه تحرم الصلاة فيها، وتجب إزالة الصليب بما يزيل صورته، بحك، أو صبغ، أو نحو ذلك، ولما روى البخاري في " صحيحه " عن عمران بن حطان: أن عائشة رضي الله عنها حدثته: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يترك في بيته شيئاً فيه تصاليب إلا نقضه) " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (24/19) .
وكيف يرضى مسلم أن يضع على ثيابه صورة وثن يعبد من دون الله، ويشير إلى ديانة محرفة وعقيدة باطلة، أبطلها القرآن الكريم، (وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) النساء/157.
فالحكم الشرعي في لباسك واضح، بيِّن، وهو التحريم، وقد وعد الله المتقين بالفرج لكربهم، والرزق من حيث لا يحتسبون، فقال تعالى: ( ... وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق/ 2، 3.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6433)
هل يصح أن يكون راتبه نسبة من دخل المستوصف مع أجرة ثابتة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طبيب أسنان تعاقدت مع مستوصف للعمل معه بنسبة ثابتة 30% من دخل العيادة ولي بدل سكن ثابت وتذكرة طائرة، والسؤال: هل في هذا العقد ما هو حرام؟ وإذا كان الدخل قليلا مثلا 10000، آخذ 3000 نسبة، ويبقى له 7000، في هذه الحالة سيكون خاسرا، لأن هذا المبلغ لا يكفي لتسديد الالتزامات، من أجرة للمكان وممرضة ومواد وما إلى ذلك، فأكون ربحت وخسر هو، فما هو الحكم خاصة أنه لا يمكن أن تكون النسبة محددة من الربح لأن المصاريف مختلطة مع مصاريف المشفى. والسؤال الأخير: هل لي أن يعطيني راتبا عن إجازتي السنوية، مبلغا محددا أم لا؟ أرجو الإجابة مع الأدلة الشرعية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يشترط لصحة الإجارة أن تكون الأجرة معلومة، فإن كانت مبلغا محددا جازت اتفاقا.
وإن كانت نسبة ك 30% أو الربع أو الخمس مثلا، ففيها نزاع بين الفقهاء، والجمهور على أن ذلك لا يصح لجهالة ما سيأخذه العامل، وجوّز الحنابلة أن تكون الأجرة نسبة، وقاسوا ذلك على المساقاة والمزارعة.
وأما الجمع بين النسبة والأجرة الثابتة، فممنوع عند الأكثر، وروي عن أحمد رحمه الله الجواز، وهو قول بعض السلف.
قال ابن قدامة رحمه الله: " وإن جعل له مع ذلك [أي مع النسبة] دراهم معلومة: لم يجز. نص عليه. وعنه الجواز. والصحيح الأول. وقال أبو بكر: هذا قول قديم وما روي غير هذا فعليه المعتمد.
قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يقول: لا بأس بالثوب يدفع بالثلث والربع.
وسئل عن الرجل يعطي الثوب بالثلث ودرهم ودرهمين؟ قال: أكرهه؛ لأن هذا شيء لا يعرف. والثلث إذا لم يكن معه شيء نراه جائزا؛ لحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى خيبر على الشطر. قيل لأبي عبد الله: فإن كان النساج لا يرضى حتى يزاد على الثلث درهما؟ قال: فليجعل له ثلثا وعُشري ثلث ونصف عشر وما أشبه [أي يزاد له في النسبة ولا يعطى معها أجرا ثابتا] .
وروى الأثرم عن ابن سيرين والنخعي والزهري وأيوب ويعلى بن حكيم أنهم أجازوا ذلك " انتهى من المغني.
وينظر: شرح منتهى الإرادات (2/228) ، الإنصاف (5/454) .
فإذا كانت أجرتك (30%) من دخل العيادة، إضافة لبدل السكن وتذكرة الطائرة، فهذا من الجمع بين النسبة والأجرة الثابتة، وكذلك لو كان الراتب هو نسبة (30%) مع مبلغ محدد لشهر الإجازة.
والأحوط أن يكون الراتب مبلغا ثابتا فقط، أو نسبة فقط، وألا تجمع بينهما.
ثانيا:
إذا رضي صاحب العمل بهذه النسبة، واتفقتما عليها، فلا حرج عليك، ولعله يؤمّل أن يكون الدخل كبيرا فيتحقق الربح لكما معا، وأما أنه ربما يخسر في بعض الأحيان، فهذا الاحتمال وارد أيضا فيما إذا كانت أجرتك مبلغا ثابتا، في حين أن صافي الربح لا يغطي مثل هذا المبلغ.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6434)
لا يجوز للموظف أن يأخذ هدايا أو محاباة من عملاء شركته
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل بقطاع الدولة وأشرف على تنفيذ أعمال إنشاء مشروع (السؤال طلب من الشركة المنفذة للمشروع (جنسيتها أجنبية) بواسطة مديري وصفته مدير المشروع نقلي من مقر إقامتي حتى مكان المشروع والعودة والمسافة حوالي 50 كم فطلب مني إيجار تكسي لذلك تتكفل الشركة المنفذة للمشروع (جنسيتها أجنبية) قيمته ولكني اتفقت مع الشركة المنفذة للمشروع بأن أذهب وآتي إلى المشروع بواسطة سيارتي الخاصة وبمقابل ذلك أخذ ثمن ذلك بدلا من التاكسي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل في الهدية التي يتقاضاها الموظف بسبب وظيفته وعمله أنها حرام، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (هَدَايَا الْعُمَّالِ غُلُولٌ) رواه أحمد (23090) وصححه الألباني في "الإرواء".
وأرسل الرسول صلى الله عليه وسلم رجلاً على الصدقة، فجاء الرجل بمال وقال: هذا لكم، وهذا أُهدي لي، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (فَهَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَيَنْظُرُ أَيُهْدَى لَهُ أَمْ لَا) رواه البخاري (7174) ومسلم (1832) .
فهذا الحديث يبين سبب الهدية، وأنها بسبب عمله، وأنه لو لم يكن عاملاً من قبل الدولة لم يُهِدَ إليه شيء، ولهذا كانت محرمة.
انظر: "فتح الباري" (12/349) .
وهذا الاتفاق الذي تم بينك وبين الشركة المنفذة لا يعتبر هدية، ولكنه يشبه الهدية، لأن فيه محاباة لك، وتستفيد أنت منه مادياً.
وقد ذكر العلماء عدة مفاسد للإهداء للعمال من أجلها حَرَّم الشرع هذه الهدايا، منها:
أن هذه الهدية تؤثر في نفس العامل بلا شك، فتحمله على محاباة المهدي، فيعطيه ما ليس من حقه، أو يتغاضى له عن أشياء، مما يعود بالضرر على صاحب العمل.
وأنت تعمل مشرفاً على هذه الشركة، فيُخشى أن يجرك هذا الاتفاق معها إلى التساهل في القيام بعملك.
وقد جاء الشرع بمنع المفاسد، وسد أي طريق يوصل إليها.
ومما يؤكد منع مثل هذا الاتفاق: أنك تكره أن يطلع عليه الناس، ويعرفه المسؤولون عنك في شركتك وإدارتك، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ) رواه مسلم (2553) .
فالنصيحة لك: أن تستأجر تاكسي كما تم الاتفاق مع الشركة، وتتولى الشركة دفع أجرته.
وبهذا تسلم أنت من هذه الشبهة، ويكون هذا أقوى لك في القيام بالعمل، وتكتسب المصداقية، وتبعد نفسك عن الظنون والشكوك.
واعلم أن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه.
نسأل الله تعالى أن يوسع عليك رزقه ويبارك لك فيه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6435)
حكم العمل في البحث العلمي لتطوير أنظمة جديدة للاتصالات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم العمل في البحث العلمي لتطوير أنظمة جديدة للاتصالات ذات صبيب عال وجودة أفضل، علما أن نتائج هذه الأبحاث قد تنفذها شركات على أرض الواقع. وكما لا يخفى عليكم، فإن أنظمة الاتصالات كالهاتف والإنترنت والتخاطب المرئي، تستعمل في الحلال (صلة الرحم، قضاء حوائج الناس، طلب العلم، الدعوة إلى الله، المعلومات المفيدة، برامج القنوات المفيدة ... ) وفي الحرام (نشر عقائد أهل الباطل،تبادل الصور والأشرطة المحرمة، تسهيل العلاقات المحرمة بين الجنسين، برامج القنوات الخليعة ... ) . كما أن رفع الصبيب، ييسر جملة هذه الأمور، خيرها وشرها. فما حكم العمل في هذه الأبحاث، وهل إثم استعمالها في الحرام يعود على الباحث؟ وما هي القاعدة أو القواعد الفقهية في هذا الباب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أنظمة الاتصالات كالهاتف والإنترنت والتخاطب المرئي، تستعمل كما ذكرت في الحلال والحرام، والخير والشر، وما كان كذلك فإن القاعدة أنه لا يباع ولا يقدم لمن يُعلم أو يغلب على الظن أنه يستعمله في المعصية، ويراعى الغالب عند الجهل بحال المستخدم.
والأصل في ذلك قوله تعالى: (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2.
فلا تجوز الإعانة على فعل المعصية أو نشرها بين الناس.
وعليه؛ فإذا كان الغالب هو استعمال هذه الأنظمة في الشر لم يجز الإعانة على تطويرها، وإذا اشتبه عليك الأمر فاحتط لدينك، وابحث عما لا شبهة فيه؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ) رواه البخاري (52) ومسلم (1599) .
وقال صلى الله عليه وسلم: (دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لا يَرِيبُكَ) . رواه الترمذي (2518) والنسائي (5711) ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
ومن كلام أهل العلم في عدم بيع أو صناعة أو صيانة ما يعين على المعصية:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " كل لباس يغلب على الظن أن يستعان بلبسه على معصية فلا يجوز بيعه وخياطته لمن يستعين به على المعصية والظلم " انتهى من "شرح العمدة" (4/386) .
وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: أنا أعمل مهندس إلكترونيات، ومن عملي إصلاح الراديو والتليفون والفيديو ومثل هذه الأجهزة، فأرجو إفتائي عن الاستمرار في هذه الأعمال، مع العلم أن ترك هذا العمل يفقدني كثيرا من الخبرة ومن مهنتي التي تعلمتها طوال حياتي، وقد يقع علي ضرر خلال تركها.
فأجابت: " دلت الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة أنه يجب على المسلم أن يحرص على طيب كسبه، فينبغي لك أن تبحث عن عمل يكون الكسب فيه طيبا. وأما الكسب من العمل الذي ذكرته فهذا ليس بطيب؛ لأن هذه الآلات تستعمل غالبا في أمور محرمة " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (14/420) .
وجاء فيها أيضا (13/109) : " كل ما يستعمل على وجه محرم، أو يغلب على الظن ذلك، فإنه يحرم تصنيعه واستيراده وبيعه وترويجه بين المسلمين " انتهى.
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (82551) و (112163) و (123015) و (34597) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6436)
هل يجوز أخذ أجرة على تعليم العلم الشرعي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ينتقد صديقي الشيوخ، والأئمة؛ لأنهم يتلقون أجوراً، كما أنه يدّعى أنه ليس هناك دليل من القرآن والسنَّة على أن الصحابة كانوا يُعطُون أجوراً للأئمة، والشيوخ، لقيامهم بالدعوة، وعندما قلت له: إنه لزاماً على الأمَّة بأسرها أن تدعم من يقومون بالدعوة؛ لما يقضونه من وقت في القيام بهذا الفعل: قال: إنه ليس هناك دليل من القرآن والسنَّة على أن الصحابة قاموا بذلك , وهو يستخدم هذه الآيات لإثبات أن كسب الرزق من القرآن حرام: (وءامنوا بما أنزلتُ مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا وإياي فاتقون) البقرة/ 41 , (اتبعوا من لا يسألكم أجراً وهم مهتدون) يس/ 21، فهل يجوز اكتساب الأموال عن تدريس القرآن والحديث؟ برجاء تقديم بعض الأدلة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الأصل في العبادات أن لا يأخذ المسلم أجراً في مقابل القيام بها؛ ومن أراد بطاعته الدنيا: فليس له أجر عند الله، كما قال تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) هود/ 15، 16.
ثانياً:
إذا كانت العبادة متعدية النفع، بحيث ينتفع بها غير القائم بها، كالرقية بالقرآن أو تعليمه، أو تعليم الحديث، فإنه يجوز له أخذ الأجرة عليها عند جمهور العلماء، خلافاً لمتقدمي الحنفية، مقابل ما حصل للغير من منفعة، بالرقية أو التعلم.
وقد جاء في السنَّة النبوية ما يؤيد قول الجمهور:
فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ نَفَراً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَرُّوا بِمَاءٍ فِيهِمْ لَدِيغٌ، فَعَرَضَ لَهُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَاءِ فَقَالَ: هَلْ فِيكُمْ مِنْ رَاقٍ إنَّ فِي الْمَاءِ رَجُلاً لَدِيغًا؟ فَانْطَلَقَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ عَلَى شَاءٍ [أي: مجموعة من الغنم] ، فَبَرَأَ، فَجَاءَ بِالشَّاءِ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَكَرِهُوا ذَلِكَ، وَقَالُوا: أَخَذْتَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ أَجْراً؟ حَتَّى قَدِمُوا الْمَدِينَةَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخَذَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ أَجْراً، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ) رواه البخاري (5405) .
وأخرجه البخاري (2156) ومسلم (2201) من حديث أبي سعيد الخدري.
وقد بوب عليه النووي رحمه الله في شرحه لمسلم بقوله: " باب جواز أخذ الأجرة على الرقية بالقرآن والأذكار ".
وقال النووي رحمه الله في شرحه للحديث:
هذا تصريح بجواز أخذ الأجرة على الرقية، بالفاتحة، والذِّكر , وأنها حلال لا كراهة فيها , وكذا الأجرة على تعليم القرآن , وهذا مذهب الشافعي، ومالك، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، وآخرين من السلف , ومَن بعدهم.
" شرح النووي " (14 / 188) .
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
"يجوز لك أن تأخذ أجراً على تعليم القرآن؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم زوَّج رجلا امرأة بتعليمه إياها ما معه من القرآن، وكان ذلك صداقها، وأخذ الصحابي أجرة على شفاء مريض كافر بسبب رقيته إياه بفاتحة الكتاب، وقال في ذلك النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله) أخرجه البخاري ومسلم، وإنما المحظور: أخذ الأجرة على نفس تلاوة القرآن، وسؤال الناس بقراءته" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (15 / 96) .
وانظر فتاوى أخرى في جوابي السؤالين (20100) و (95781) .
ثالثاً:
أما ما استدل به صاحبك من الآيات: فلا يسلم له؛ لأن معنى الآيات يختلف عما استدل به من منع أخذ الأجرة على تعليم القرآن، والحديث، وغيرهما من العلوم الشرعية، ونحن لا ننكر أنه قد قال بعض أهل العلم بالمنع من أخذ الأجرة على تعليم القرآن والعلوم الشرعية استدلالاً بهذه الآيات ومثيلاتها، لكننا لا نسلم لهم بذلك الاستدلال، وبيان ذلك:
1. أما قوله تعالى: (وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ) البقرة/ 41: فإن الثمن هنا هو إرضاء العامة، وليس أخذ الأجرة على تعليمها.
قال الطاهر بن عاشور رحمه الله:
"وقوله: (لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً) البقرة/79: هو كقوله: (وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً) البقرة/41، والثمن المقصود هنا هو: إرضاء العامة، بأن غيّروا لهم أحكام الدين على ما يوافق أهواءهم، أو انتحال العلم لأنفسهم مع أنهم جاهلون، فوضعوا كتباً تافهة من القصص، والمعلومات البسيطة ليتفيهقوا بها في المجامع؛ لأنهم لما لم تصل عقولهم إلى العلم الصحيح، وكانوا قد طمعوا في التصدر والرئاسة الكاذبة: لفقوا نتفاً سطحية، وجمعوا موضوعات، وفراغات لا تثبت على محك العلم الصحيح، ثم أشاعوها، ونسبوها إلى الله، ودينه، وهذه شنشنة الجهلة، المتطلعين إلى الرئاسة عن غير أهلية، ليظهروا في صور العلماء لدى أنظار العامة، ومن لا يميز بين الشحم والورَم" انتهى.
" التحرير والتنوير " (1 / 577) .
وقال القرطبي رحمه الله:
"وقد اختلف العلماء في أخذ الأجرة على تعليم القرآن، والعلم؛ لهذه الآية، وما كان في معناها، فمنع ذلك الزهري، وأصحاب الرأي [الأحناف] ، وقالوا: لا يجوز أخذ الأجرة على تعليم القرآن؛ لأن تعليمه واجب من الواجبات التي يحتاج فيها إلى نية التقرب والإخلاص، فلا يؤخذ عليها أجرة، كالصلاة، والصيام، وقد قال تعالى: (وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً) . وأجاز أخذ الأجرة على تعليم القرآن: مالك، والشافعي، وأحمد، وأبو ثور، وأكثر العلماء؛ لقوله عليه السلام في حديث ابن عباس حديث الرقية: (إِنَّ أحقَّ مَا أَخَذْتُم عَلَيْهِ أَجْراً كِتَابُ الله) أخرجه البخاري، وهو نص يرفع الخلاف، فينبغي أن يعوَّل عليه.
وأما ما احتج به المخالف من القياس على الصلاة، والصيام: ففاسد؛ لأنه في مقابلة النص، ثم إن بينهما فرقاناً، وهو أن الصلاة والصوم عبادات مختصة بالفاعل، وتعليم القرآن عبادة متعدية لغير المعلِّم، فتجوز الأجرة على محاولته النقل، كتعليم كتابة القرآن.
وأما الجواب عن الآية: فالمراد بها: بنو إسرائيل، وشرع من قبلنا هل هو شرع لنا؟ ، فيه خلاف، وهو لا يقول به [يعني: أبا حنيفة رحمه الله] .
جواب ثان: وهو أن تكون الآية فيمن تعين عليه التعليم، فأبى حتى يأخذ عليه أجراً، فأما إذا لم يتعين: فيجوز له أخذ الأجرة، بدليل السنَّة في ذلك، وقد يتعين عليه إلا أنه ليس عنده ما ينفقه على نفسه، ولا على عياله، فلا يجب عليه التعليم، وله أن يُقبل على صنعته، وحرفته، ويجب على الإمام أن يعيِّن لإقامة الدين إعانته، وإلا فعلى المسلمين؛ لأن الصدِّيق رضي الله عنه لمَّا ولي الخلافة وعُيِّن لها: لم يكن عنده ما يقيم به أهله، فأخذ ثياباً وخرج إلى السوق فقيل له في ذلك، فقال: ومن أين أنفق على عيالي؟ فردوه، وفرضوا له كفايته.
وأما الأحاديث [يعني التي تمنع ذلك] : فليس شيء منها يقوم على ساق، ولا يصح منها شيء عند أهل العلم بالنقل، - وشرع في نقدها -.
وليس في الباب حديث يجب العمل به من جهة النقل" انتهى باختصار.
" تفسير القرطبي " (1 / 335، 336) .
2. وأما قوله تعالى: (اتبعوا من لا يسألكم أجراً وهم مهتدون) يس/ 21 ومثيلاتها من الآيات: فقد استدل بها بعض العلماء على المنع من أخذ الأجرة على تعليم القرآن، والعلم الشرعي، وأن هذا هو صفة المرسلين، وأتباعهم، والمنازعة في هذا الاستدلال حاصلة لا تُنكر، وذلك بحمل الآية على من تعيَّن عليه تبليغ الدعوة، وتعليم العلم، دون من لم يتعين عليه ذلك، كما يمكن حمل الآية وأخواتها على كراهة أخذ الأجرة على ذلك التعليم لمن كان غير محتاج، وهو ما ذهب إليه الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله، فإنه ساق عداً من الآيات التي تحمل معنى هذه الآية، ثم قال:
"ويؤخذ من هذه الآيات الكريمة: أن الواجب على أتباع الرسل من العلماء، وغيرهم: أن يبذلوا ما عندهم من العلم مجاناً، من غير أخذ عوَض على ذلك، وأنه لا ينبغي أخذ الأجرة على تعليم كتاب الله تعالى، ولا على تعليم العقائد، والحلال والحرام" انتهى.
" أضواء البيان " (2 / 179) .
ثم قال:
"الذي يظهر لي - والله تعالى أعلم -: أن الإنسان إذا لم تدعه الحاجة الضرورية: فالأولى له ألا يأخذ عوضاً على تعليم القرآن، والعقائد، والحلال والحرام؛ للأدلة الماضية، وإن دعته الحاجة: أخذ بقدر الضرورة، من بيت مال المسلمين؛ لأن الظاهر أن المأخوذ من بيت المال من قبيل الإعانة على القيام بالتعليم، لا من قبيل الأجرة.
والأولى لمن أغناه الله: أن يتعفف عن أخذ شيءٍ في مقابل التعليم للقرآن، والعقائد، والحلال والحرام" انتهى.
" أضواء البيان " (2 / 182) .
وهذا الذي اختاره الشيخ الشنقيطي رحمه الله، قد اختاره من قبله شيخ الإسلام ابن تيمية:
فقد سئل رحمه الله عن رجل امتنع من تعليم العلم الشرعي إلا بأجرة، فهل يجوز له ذلك؟
فأجاب: "الحمد لله، أما تعليم القرآن والعلم بغير أجرة فهو أفضل الأعمال وأحبها إلى الله، وهذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام، ليس هذا مما يخفى على أحد ممن نشأ بديار الإسلام، والصحابة والتابعون وتابعو التابعين وغيرهم من العلماء المشهورين عند الأمة بالقرآن والحديث والفقه إنما كانوا يعلمون بغير أجرة، ولم يكن فيهم من يعلم بأجرة أصلا.
(فإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه فقد أخذ بحظ وافر) والأنبياء صلوات الله عليهم إنما كانوا يعلمون العلم بغير أجرة، كما قال نوح عليه السلام: (وما أسألكم عليه من أجر أن أجرى إلا على رب العالمين) وكذلك قال هود وصالح وشعيب ولوط وغيرهم، وكذلك قال خاتم الرسل: (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُتَكَلِّفِينَ) وقال: (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً) .
وتعليم القرآن والحديث والفقه وغير ذلك بغير أجرة لم يتنازع العلماء في أنه عمل صالح، بل هو من فروض الكفاية، كما قال النبي في الحديث الصحيح: (بلغوا عنى ولو آية) وقال: (ليبلغ الشاهد الغائب) .
وإنما تنازع العلماء في جواز الاستئجار على تعليم القرآن والحديث والفقه على قولين مشهورين هما روايتان عن أحمد.
إحداهما: وهو مذهب أبى حنيفة وغيره، أنه لا يجوز الاستئجار على ذلك.
والثانية: وهو قول الشافعي أنه يجوز الاستئجار.
وفيها قول ثالث في مذهب أحمد: أنه يجوز مع الحاجة دون الغنى، كما قال تعالى في ولي اليتيم: (وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) .
ويجوز أن يعطى هؤلاء من مال المسلمين على التعليم، كما يعطى الأئمة والمؤذنون والقضاة، وذلك جائز مع الحاجة.
وهل يجوز الارتزاق مع الغنى؟ على قولين للعلماء ...
ومأخذ العلماء في عدم جواز الاستئجار على هذا النفع: أن هذه الأعمال يختص أن يكون فاعلها من أهل القُرَب بتعليم القرآن والحديث والفقه والإمامة والأذان لا يجوز أن يفعله كافر، ولا يفعله إلا مسلم بخلاف النفع الذي يفعله المسلم والكافر كالبناء والخياط والنسج ونحو ذلك، وإذا فعل العمل بالأجرة لم يبق عبادة لله، فإنه يبقى مستحقا بالعوض، معمولاً لأجله، والعمل إذا عمل للعوض لم يبق عبادة كالصناعات التي تعمل بالأجرة، فمن قال: لا يجوز الاستئجار على هذه الأعمال قال: إنه لا يجوز إيقاعها على غير وجه العبادة لله، كما لا يجوز إيقاع الصلاة والصوم والقراءة على غير وجه العبادة لله، والاستئجار يخرجها عن ذلك.
ومن جوز ذلك قال: إنه نفع يصل إلى المستأجر فجاز أخذ الأجرة عليه كسائر المنافع.
ومن فَرّق بين المحتاج وغيرهِ وهو أقرب قال: المحتاج إذا اكتسب بها أمكنه أن ينوي عملها لله، ويأخذ الأجرة ليستعين بها على العبادة، فإن الكسب على العيال واجب أيضا، فيؤدي الواجبات بهذا، بخلاف الغني لأنه لا يحتاج إلى الكسب، فلا حاجة تدعوه أن يعملها لغير الله، بل إذا كان الله قد أغناه، وهذا فرض على الكفاية، كان هو مخاطبا به، وإذا لم يقم إلا به كان ذلك واجبا عليه عينا، والله أعلم" انتهى باختصار.
"مجموع الفتاوى" (30/204) .
وعلى هذا، فيمكن القول: إنه ليس هناك دليل من الكتاب والسنَّة ينص على تحريم أخذ الأجرة على العبادة متعدية النفع لغير فاعلها، فأما الآيات: فكما رأينا فإنها ليست نصّاً في الحكم، وفي الاستدلال بها نزاع، وأما الأحاديث: فهي ضعيفة السند، ويمكن التحقق من ذلك بالنظر فيما أحلنا عليه من تفسير القرطبي.
مع التنبيه على أن الأفضل لمن أغناه الله تعالى أن يتنزه عن أخذ شيء من متاع الدنيا مقابل بذل ما أنعم الله تعالى به عليه من العلم الشرعي.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6437)
لا تترك المصالح العظيمة في الالتحاق بالجيش من أجل مفسدة سماع الموسيقى
[السُّؤَالُ]
ـ[يتحرج كثير من الطلبة العسكريين الذين مَنَّ الله عليهم بالالتزام من سماع الموسيقى، فكيف يتصرفون حيث إنه إجباري، أي: الموسيقى؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا شك أن الموسيقى في الجيش وغير الجيش من البلاء الذي أصيب به الناس اليوم، وصارت جزءاً من أعمال بعض الجهات، وهذا لا شك أنه جهل بالشريعة، أو تهاون أو تقليد لبعض من أجاز ذلك من أهل العلم، لأن من العلماء من أجاز المعازف بحجة أن حديثها الذي في البخاري فيه انقطاع كما يزعمون، ومن هؤلاء: ابن حزم، وبعض المعاصرين، فربما يعتمد بعض الناس على مثل هذه الأقوال الضعيفة، ويرى لنفسه حجة في هذا، لكننا نرى أن المعازف حرام، سواء في الجيش أو في غير الجيش، وأنه يجب على المسلمين أن يستغنوا بما أحل الله لهم عما حرم الله عليهم، وليست الشجاعة ولا الإقدام مبنية على هذا أبداً، الذي يملأ القلوب شجاعة وإقداما هو ذكر الله تعالى قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) الأنفال: 45، هذا هو الذي يملأ القلوب شجاعة وإقداماً.
ولكن على كل حال.. هؤلاء الإخوة الذين يكرهون الموسيقى أو العزف هم مأجورون على كراهتهم، ومثابون عند الله فإن قدروا على إزالتها أو تخفيفها فهذا هو المطلوب، وإن لم يقدروا فلا تترك المصالح العظيمة في الالتحاق بالجيش من أجل هذه المفسدة اليسيرة بالنسبة للمصالح، لأن الإنسان ينبغي له أن يقارن بين المصالح والمفاسد، وأهل الخير إذا تركوا مثل هذه الأعمال من أجل هذه المعصية بقيت لأهل الشر، وتعرفون خطورة الجيش فيما لو لم يوفق لأناس من أهل الخير، ولا أحب أن أعين بضرب الأمثلة لَمَّا استولى أهل الشر والفساد على الجيوش ووصلوا إلى سدة الحكم ماذا كان؟
كان من الشر والفساد ما الله به عليم، فأنا أحث إخواني الملتزمين خاصة أن يلتحقوا بالجيش، وأن يستعينوا بالله عز وجل في إصلاح ما أمكنهم إصلاحه، وهذه المفسدة - أعني مفسدة الموسيقى - أو العزف مفسدة لا شك فيها عندي، وان كان فيها اختلاف أشرت إليه قبل قليل، لكني أقول: هذه المفسدة تنغمر بجانب المصالح العظيمة الكبيرة في أن يتولى قيادة الجيش أناس أهل دين وصلاح" انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله.
انتهى من لقاءات الباب المفتوح (1/102) سؤال رقم 168.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6438)
موقف الإسلام من المهن والوظائف الدنيئة والمرموقة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يوجد في الإسلام أعمال، ووظائف حقيرة، وأعمال مرموقة؟ وهل حرص الإنسان على الطموح في أن ينال المناصب الرفيعة في عمله ضد الرضا؟ ومتى يتعارض الطموح مع الرضا؟ وهل حرص الإنسان على أن يعمل في وظائف ذات وجاهة في المجتمع يتعارض مع الزهد في الدنيا وعدم جعلها أكبر همه، أم أنه أمر عادى لا يمنعه الشرع؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
جعل الله هذه الدنيا مطية الآخرة؛ وسبباً يستعين بها الإنسان على أمر الآخرة؛ ولذلك بيَّن الله في كتابه أنه سخَّر الأرض وما فيها للإنسان، قال الله تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعاً) البقرة/29 , وقال تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) الملك/ 15.
قال ابن كثير رحمه الله:
أي: فسافروا حيث شئتم من أقطارها، وترددوا في أقاليمها، وأرجائها، في أنواع المكاسب، والتجارات.
"تفسير ابن كثير" (8/179) .
وكثير من الآيات والأحاديث جاءت بالحث على الكسب، والضرب في الأرض , وكل ذلك من أجل تحصيل المال، ليس لمجرد جمعه، بل ليكف به وجهه، ويصل به رحمه، ويستعين به على طاعة ربِّه.
قال ابن القيم رحمه الله - مبيِّناً فضل المال وأهميته -:
وقد سمَّى سبحانه المال خيراً في غير موضع من كتابه، كقوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ) البقرة/ 180، وقوله (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) العاديات/ 8 ... وأعلم الله سبحانه أنه جعل المال قِواماً للأنفس، وأمر بحفظه، ونهى أن يؤتى السفهاء من النساء والأولاد وغيرهم، ومدحه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ لِلْمَرْءِ الصَّالِحِ) – رواه أحمد بإسناد صحيح -، وقال سعيد بن المسيب: "لا خير فيمن لا يريد جمع المال من حلِّه، يكفُّ به وجهه عن الناس , ويصل به رحمه , ويعطي حقه"، وقال أبو إسحاق السبيعى: "كانوا يرون السعة [الغنى] عوناً على الدِّين"، وقال محمد بن المنكدر: "نعمَ العون على التقى: الغنى"، وقال سفيان الثورى: "المال في زماننا هذا سلاح المؤمن"، وقال يوسف بن سباط: "ما كان المال في زمان منذ خلقت الدنيا أنفع منه في هذا الزمان" ... .
وقد جعل الله سبحانه المال سبباً لحفظ البدَن , وحفظه سببٌ لحفظ النفس التي هي محل معرفة الله، والإيمان به , وتصديق رسله، ومحبته، والإنابة إليه، فهو سبب عمارة الدنيا، والآخرة ... .
ومن فوائد المال: أنه قِوام العبادات والطاعات، وبه قام سوق برِّ الحج والجهاد , وبه حصل الإنفاق الواجب والمستحب , وبه حصلت قربات العتق، والوقف، وبناء المساجد، والقناطر، وغيرها , وبه يتوصل إلى النكاح الذي هو أفضل من التخلي لنوافل العبادة , وعليه قام سوق المروءة , وبه ظهرت صفة الجود والسخاء , وبه وُقيت الأعراض , وبه اكتسبت الإخوان والأصدقاء , وبه توصل الأبرار إلى الدرجات العلى , ومرافقة الذين أنعم الله عليهم؛ فهو مرقاة يصعد بها إلى أعلى غرف الجنة , ويهبط منها إلى أسفل سافلين , وهو مقيم مجد الماجد، كان بعض السلف يقول: "لا مجد إلا بفعال , ولا فعال إلا بمال"، وكان بعضهم يقول: "اللهم إني من عبادك الذين لا يصلحهم إلا الغنى"، وهو من أسباب رضا الله عن العبد، كما كان من أسباب سخطه عليه.
"عدة الصابرين" (ص221 – 223) باختصار.
ولتحقيق هذه الغايات الشريفة للمال: عمل الأنبياء، والرسل بمهن، وحرَف، ووظائف مختلفة، ففي الحديث عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلاَّ رَعَى الْغَنَمَ) ، فَقَالَ أَصْحَابُهُ: وَأَنْتَ؟ فَقَالَ: (نَعَمْ، كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لأَهْلِ مَكَّةَ) رواه البخاري (2143) ، وكذا عملَ نبيُّنا محمد صلى الله عليه وسلم بالتجارة مع عِّه أبي طالب , ثم عمل في التجارة في أموال زوجه خديجة رضي الله عنها، كما هو مشهور في السيرة.
وفي الحديث عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (كَانَ زَكَرِيَّاءُ نَجَّاراً) رواه مسلم (2379) .
وقد أخبر الله تعالى عن عمل داود عليه السلام بقوله: (وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ) الأنبياء /80.
وعَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنِ الْمِقْدَامِ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَاماً قَطُّ خَيْراً مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ) رواه البخاري (1966) .
فداود عليه السلام كان نبياً وملكاً، أتاه الله ملكاً عظيماً، ومع ذلك كان عليه السلام يأكل من عمل يده، فكان يعمل الدروع من الحديد ويبيعها.
وقد أكد الإسلام مبدأ السعي في الأرض، وطلب الرزق، فعن ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: "كَانَ "ذُو الْمَجَازِ"، و "عُكَاظٌ" مَتْجَرَ النَّاسِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا جَاءَ الإِسْلاَمُ كَأَنَّهُمْ كَرِهُوا ذَلِكَ حَتَّى نَزَلَتْ (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ) فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ" رواه البخاري (1681) .
وقد نص الفقهاء والمحدثون على ذلك؛ فبوب البخاري في صحيحه في كتاب البيوع باب "الخروج في التجارة وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ) الجمعة/10"، ثم ذكر حديث أبي موسى الأشعري مع عمر وقول عمر: (أَلْهَانِى الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ) يَعْنِي: الْخُرُوجَ إِلَى تِجَارَةٍ. رواه البخاري (1956) ومسلم (2153) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
قَالَ اِبْن الْمُنَيِّر فِي "الْحَاشِيَةِ": غَرَضُ الْبُخَارِيِّ إِجَازَةُ الْحَرَكَاتِ فِي التِّجَارَةِ , وَلَوْ كَانَتْ بَعِيدَةً، خِلَافًا لِمَنْ يَتَنَطَّعُ وَلَا يَحْضُرُ السُّوقَ.
"فتح الباري" (4/349) .
وبوب البخاري - كذلك -: "باب التِّجَارَةِ فِي الْبَحْرِ" , و "باب ما قيل في الصواغ" , و "باب ذكر القين والحداد" , و "باب الخياط" , و "باب النساج"، و "باب النجَّار" ... إلخ.
وأراد البخاري بهذه التبويبات وأحاديثها: التدليل على مشروعية العمل، والاحتراف، والتمهن.
فما يظنه بعض الناس من أن الإسلام لا يحث على التكسب، والعمل، فهو ظن غير صحيح.
وما يظنه كثيرون في بعض المهن أنها دنيئة – كالنجارة، والحدادة، والرعي -: فغير صحيح، ويكفي لردِّه ثبوت هذه المهن، والأعمال لخيرة خلق الله، وهم الأنبياء، والرسل، عليهم السلام.
ثانياً:
لا يعارض الإسلام أن يكون الإنسان في مهنة مرموقة، ووظيفة حسنة، بل يشجع الإسلام على ذلك , وأن يكون الإنسان في أحسن مستوى، وأكمل حال , بل وأن يطلب الأفضل والأحسن، ويسعى لتحصيله، بشرط أن لا يؤثر ذلك على دينه، واستقامته، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الْمُؤْمِنُ الْقَوِىُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِى كُلٍّ خَيْرٌ) رواه مسلم (2664) ، و (خَيْر) نكرة تعم كل خير في الدنيا، والآخرة.
وقد كره الإسلام مزاولة بعض المهن الدنيئة , وأمر المسلم أن يترفع عنها , كما جاء في الحديث عَنِ ابْنِ مُحَيِّصَةََ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي إِجَارَةِ الْحَجَّامِ فَنَهَاهُ عَنْهَا فَلَمْ يَزَلْ يَسْأَلُهُ وَيَسْتَأْذِنُهُ حَتَّى قَالَ: (اعْلِفْهُ نَاضِحَكَ [البعير] وَأَطْعِمْهُ رَقِيقَكَ) رواه أبو داود (3422) والترمذي (1277) وحسَّنه.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة - كسب الحجام - فَذَهَبَ الْجُمْهُور إِلَى أَنَّهُ حَلَال ... وَقَالُوا: هُوَ كَسْب فِيهِ دَنَاءَة، وَلَيْسَ بِمُحَرَّمٍ، فَحَمَلُوا الزَّجْر عَنْهُ عَلَى التَّنْزِيه.
"فتح الباري" (4/459) .
وقال رحمه الله:
إِذْ لَا يَلْزَم مِنْ كَوْنهَا مِنْ الْمَكَاسِب الدَّنِيئَةِ أَنْ لَا تُشْرَع؛ فَالْكَسَّاحُ أَسْوَأ حَالًا مِنْ الْحَجَّام، وَلَوْ تَوَاطَأَ النَّاس عَلَى تَرْكِهِ لَأَضَرَّ ذَلِكَ بِهِمْ.
"فتح الباري" (4/324) .
وقال ابن قدامة رحمه الله:
وإنما كره النبي صلى الله عليه وسلم ذلك للحرِّ تنزيهاً؛ لدناءة هذه الصناعة، وأمرُه صلى الله عليه وسلم بإطعام الرقيق منها: دليل على الإباحة، فيتعين حمل نهيه عن أكلها على الكراهة دون التحريم.
"المغني" (6/133) .
فيتحصل من هذا: أنه يوجد مهَن، ووظائف، يمكن الاصطلاح عليها بأنها "دنيئة"، كالحجامة، وكجمع القمامة، والعمل في المجاري، ونحو ذلك.
وننبه هنا إلى أمور:
1- لا يعني أنها مهن دنيئة أنه يحرم العمل بها، وقد سبق بيان ذلك.
2- قد تكون هذه المهن مناسبة لبعض الأشخاص، لكونه لا يحسن غيرها ـ مثلاً ـ فعمله بها خير له من البطالة، وأخذ الصدقات من الناس.
3- لا شك أن المجتمع المسلم يحتاج لهذه المهن، وهي ضرورية، فعدم جمع القمامة لأيام قليلة يعني صعوبة الحياة في ذلك المجتمع، ويعني انتشار الأمراض والأوبئة، ولذلك يجب على الدولة الإسلامية أن تُكرم أهل هذه الوظائف بميزات تشجيعية، حتى لا ينقطع الناس عن العمل بها.
4- لا ينبغي تعيير من يعمل بهذه المهن أو إهانتهم، ممن قلَّت عنده فرص التعليم، أو كان ضعيف العقل، أو كانت له ظروف خاصة ألجأته إلى العمل في هذه المهن، فالعاملون بها بلا شك أفضل ممن يمد يده للناس، ويعرِّض وجهه للمذلة.
ثالثاً:
حث الإسلام على تحصيل الكمال الديني، أو الدنيوي لا يعارض الرضا بما قسم الله تعالى للإنسان؛ لأن من أسباب نيلها: بذل الأسباب , فمباشرة الأسباب التي خلقها الله بحكمته، وتدبيره: تُفضي في الأغلب الأعم إلى تحصيل مسبباتها.
وأما إذا طلبها الإنسان بغير ما أحله الله، كطلبها بمعصية، أو غش، أو تدليس وكذب، أو رشوة، وكان همه الأعظم تحصيل هذه المنافع الدنيوية من غير استثمارها في طاعة الله: فقد خالف الرضا بما قسم الله، ووقع في معصيته.
وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً عظيماً لحِرص الإنسان على المال، والجاه، ففي الحديث عن كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلاَ فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ) رواه الترمذي (2376) وصححه الألباني في "سنن الترمذي".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
ولا ريب أن الحرص، والرغبة في الحياة الدنيا , وفي الدار الدنيا، من المال، والسلطان: مضرٌّ، كما روى الترمذي عن كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلاَ فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ) وقال: حديث حسن صحيح.
فذم النبي صلى الله عليه وسلم الحرص على المال، والشرف - وهو الرياسة والسلطان - وأخبر أن ذلك يفسد الدِّين، مثل، أو فوق: إفساد الذئبيْن الجائعيْن لزريبة الغنم.
"مجموع الفتاوى" (20/142) .
وقال ابن القيم رحمه الله:
وإنَّما يُذم منه [المال] ما استخرج من غير وجهه , وصرف في غير حقه , واستَعْبَد صاحبه , وملَك قلبَه , وشغله عن الله، والدار الآخرة؛ فيذم منه ما يتوصل به صاحبه إلى المقاصد الفاسدة، أو شغله عن المقاصد المحمودة، فالذم للجاعل، لا للمجعول، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَالْقَطِيفَةِ وَالْخَمِيصَةِ) – رواه البخاري (2730) - فذمَّ عبدَهما، دونهما ... .
"عدة الصابرين" (ص221، 222) .
وأما الزهد في الدنيا: فلا يعارض طلب المال، والعمل بالوظائف المرموقة، وانظر في ذلك جواب السؤال رقم: (105352) .
وأخيراً ... يجب أن يعلم أن طلب الوظائف المرموقة، والمناصب العالية لا يجوز إلا لمن أخذها بحقها وأدى الحق الذي عليه فيها، أما من أخذها بغير حقها، أو لم يتق الله فيها، ولم يقم بالواجب عليها، بل أخذها وسيلة لظلم الناس وقهرهم، والاستعلاء عليهم، أو لجمع المال ولو من الحرام، فتلك المناصب والرياسة ستكون وبالاً على صاحبها يوم القيامة.
وفي هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (سَتَحْرِصُونَ عَلَى الْإِمَارَةِ وَسَتَكُونُ نَدَامَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رواه البخاري (7148) .
وروى مسلم (1825) عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي، قَالَ: فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي، ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّكَ ضَعِيفٌ وَإِنَّهَا أَمَانَةُ وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا) .
قال النووي رحمه الله "شرح صحيح مسلم":
"هَذَا الْحَدِيث أَصْل عَظِيم فِي اِجْتِنَاب الْوِلَايَات , لَا سِيَّمَا لِمَنْ كَانَ فِيهِ ضَعْف عَنْ الْقِيَام بِوَظَائِفِ تِلْكَ الْوِلَايَة , وَأَمَّا الْخِزْي وَالنَّدَامَة فَهُوَ حَقّ مَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لَهَا , أَوْ كَانَ أَهْلًا وَلَمْ يَعْدِل فِيهَا فَيُخْزِيه اللَّه تَعَالَى يَوْم الْقِيَامَة وَيَفْضَحهُ , وَيَنْدَم عَلَى مَا فَرَّطَ , وَأَمَّا مَنْ كَانَ أَهْلًا لِلْوِلَايَةِ , وَعَدَلَ فِيهَا , فَلَهُ فَضْل عَظِيم , تَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة كَحَدِيثِ: (سَبْعَة يُظِلّهُمْ اللَّه) ... وَغَيْر ذَلِكَ , وَإِجْمَاع الْمُسْلِمِينَ مُنْعَقِد عَلَيْهِ , وَمَعَ هَذَا فَلِكَثْرَةِ الْخَطَر فِيهَا حَذَّرَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا , وَكَذَا حَذَّرَ الْعُلَمَاء , وَامْتَنَعَ مِنْهَا خَلَائِق مِنْ السَّلَف , وَصَبَرُوا عَلَى الْأَذَى حِين اِمْتَنَعُوا" انتهى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6439)
حكم الطبيب الذي يفوت الصلاة بسبب انشغاله بالعمليات
[السُّؤَالُ]
ـ[طبيب يعمل بالعمليات الطارئة مما يؤدي أحياناً إلى انشغاله عن الصلاة حتى خروج الوقت، فماذا يصنع وقد قيل له: إنه في تلك الحالة عليه أن يؤدي الصلاة بأي طريقة، فما هي هذه الطريقة وفقكم الله؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الواجب على المسلم أن يصلي الصلاة في وقتها، ولا ينشغل عنها بشيء، اللهم إلا أن يكون شيئاً من الضرورات التي لا حيلة له فيها، مثل إنقاذ غريق من الغرق، إنقاذ أهل البيت من حريق، صد هجوم عدو يخشى منه، فهذا لا بأس أن تؤخر الصلاة لأجله ولو خرج وقتها، أما الأمور العادية التي لا خطر فيها لا يجوز تأخير الصلاة من أجلها.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم لما حاصر أهلُ مكة المدينةَ يوم الأحزاب أَخَّر صلاة الظهر والعصر إلى بعد المغرب، وفي رواية أخرى: (صلاة العصر إلى بعد المغرب) من شغله بالقتال، وثبت أن الصحابة لما حاصروا تستر وانفلق الفجر والقتال قائم والناس على الأسوار وعلى الأبواب أجلوا صلاة الفجر حتى فُتح لهم ثم صلوها ضحى لئلا يفوت الفتح، ولئلا يتراجع الكفار، فإذا كان مثل هذا جاز التأخير، فإذا وقع حريق، وكان فيه أناس من المسلمين فإنه يجوز لك أن تنشغل بإنقاذهم، ولو قدر أن فاتتك الصلاة في وقتها؛ لأن إنقاذ النفوس المسلمة المعصومة له أهمية عظيمة، ولأن هذا الخطر قد لا يُستدرك إلا لو أخر الصلاة، فتفوته المصلحة فجاز التأخير، فكما يؤخر الإنسان في الجمع للمرض والسفر، فجواز تأخيرها عن وقتها أو تأخير العصر عن وقتها أو الفجر عن وقته لإنقاذ غريق أو حريق أو نحو ذلك" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (2/758) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6440)
حكم عمل المحاسب فى شركه تصنع الملابس الحريمي
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل بأحد الشركات التي تقوم على تصنيع الملابس بجميع أنواعها، والغالب على الصناعة ملابس الحريمي والبناتي داخل البيت وخارجه، ويتم بيعها في محلات المصنع، والراتب يأتي من بيع المحلات لملابس المصنع ومصانع أخرى، فما حكم العمل محاسبا في هذه الشركة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في تصنيع الأشياء التي هي في أصلها مباحة، وإن كان لها استعمالات محرمة، كالملابس والمكياج والعطورات وغير ذلك.
والقاعدة في الأشياء التي تستعمل في الحال والحرام هو جواز بيعها إلا لمن عُلم أو غلب على الظن أنه يستعملها في الحرام، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (102214) ، (75007) ، (85000) .
وبناء على ذلك؛ فلا حرج عليك من العمل محاسباً في هذه الشركة، إلا إذا تبين لك أن أغلب الملابس إنما يشتريها من يستعملها في الحرام، ففي هذه الحال لا يجوز لك العمل معهم.
وعند الشك أو الجهل بحال المشترين، فالأصل جواز بيعها، ما دامت يمكن استعمالها في المباح.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6441)
هل له أن يخرج من مقر العمل في وقت الدوام بحجة وجود وقت فراغ؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا موظف في إحدى الشركات في مدينة الرياض، وأرسلت من قبل الشركة للتدريب في أحد فروعنا في الجبيل مع العلم أن المطلوب مني هو الاستفادة من الإخوة في الجبيل والتعلم والاستفادة فقط وليس مطلوبا مني أن أعمل عملا معينا ولكن إنما هو التدريب، علما أن الفترة المحددة لي في التدريب كثيرة جدا ولذلك يكون هناك وقت فراغ كبير جدا ولا أجد ما أعمله، فأقوم بالخروج من العمل أحيانا بل غالبا قبل الوقت المحدد للخروج وأذهب للمنزل وأستفيد من وقتي، فهل خروجي من عملي مبكرا في هذه الحالة المذكورة جائز وما هو تأثيره في الراتب من ناحية الحلال والحرام والبركة؟ وفي حالتي المذكورة أعلاه هل يجوز تصفح بعض المواقع المفيدة وكذلك قراءة الجريدة (استغلالا للوقت) أثناء وقت العمل؟ وفي كل الحالات أنا أتعلم وأستفيد من الإخوة في مقر التدريب وأحاول أن أعمل ما بوسعي وأعد تقاريري كاملة وبشكل جيد، أفيدونا مشكورين....]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للموظف أن يخرج من عمله قبل نهاية وقت الدوام الرسمي، لأن الراتب الذي يتقاضاه من الدولة هو مقابل بقائه في العمل المدة المتفق عليها، سواء كان هناك عمل أم لم يكن.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: النظام الذي هو الدوام الرسمي للدولة تجد البعض يأتي متأخراً نصف ساعة أو ينصرف من العمل قبل انتهاء الدوام بنصف ساعة، وأحياناً يتأخر ساعة أو أكثر، فما الحكم في ذلك؟
فأجاب: " الظاهر أن هذا لا يحتاج إلى جواب؛ لأن العوض يجب أن يكون في مقابل المعوض، فكما أن الموظف لا يرضى أن تنقص الدولة من راتبه شيئاً، فكذلك يجب ألا ينقص من حق الدولة شيئاً، فلا يجوز للإنسان أن يتأخر عن الدوام الرسمي، ولا أن يتقدم قبل انتهائه.
السائل: ولكن البعض يتحجج أنه لا يوجد عمل أصلاً؛ لأن العمل قليل؟
فأجاب الشيخ: المهم أنت مربوط بزمن لا بعمل، يعني: قيل لك: هذا الراتب على أن تحضر من كذا إلى كذا، سواء كان هناك عمل، أو لم يكن هناك عمل، فما دامت المكافأة مربوطة بزمن، فلا بد أن يستوفى هذا الزمن، يعني: أن يوفي هذا الزمن، وإلا كان أكلنا لما لم نحضر فيه باطلاً " انتهى.
"لقاء الباب المفتوح" (9/14) .
وسئل الشيخ ابن جبرين رحمه الله: هل يجوز للعامل أن يخرج وقت دوامه بصفة دورية بحجة أنه لا يوجد عمل يؤديه , برغم أن راتبه كبير نسبة للعمل القليل الذي يؤديه؟
فأجاب:
" لا يخرج الموظف من مقر عمله حتى ينتهي وقت الدوام ولو كان فارغاً وسواء كان راتبه كثيراً أو قليلاً , لكن إن عرض له عارض وحدث له أمر يضطره إلى الخروج كمرض أو شغل ضروري لا يجد من الخروج له بداً فله ذلك ثم يرجع بعد انتهائه من شغله؛ وذلك لأن وقته مملوك عليه للدولة أو للشركة التي يعمل فيها، إلا إن كان عمله ميداناً محدداً فله أن ينهى ذلك العمل المحدد ثم يذهب حيث يشاء " انتهى.
"فتاوى مهمة لموظفي الأمة" (ص 60) .
وعلى هذا، فيكون الوقت الذي خرجته قبل نهاية الدوام لا يحل لك أخذ ما يقابله من الراتب، لأنك لم تلتزم بما اتفقت مع الدولة عليه.
وأما تصفح بعض المواقع المفيدة عبر الإنترنت أو قراءة الصحف، فإن كان ذلك بعد إنهائك الأعمال المطلوبة منك، وكان استعمالك للأجهزة لا يعطل العمل فلا حرج من ذلك.
ولمزيد الفائدة انظر جواب السؤال: (126121) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6442)
المعاش الناتج عن عمل الأم في البنك الربوي هل يحل للأبناء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[تقيم زوجته مع أمها التي كانت تعمل في البنك في قسم البورصة وهي على المعاش وترفض أمها أن تنفق زوجته (ابنتها) فما العمل وهو لا يستطيع أن يأخذ زوجته معه ولا يستطيع أن يتركها في الشقة بمفردها ومعها طفلتهما الرضيعة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله لا يجوز العمل في البنوك الربوية، ولا يحل المال المكتسب من هذا العمل، إلا أن يكون العامل جاهلا بالتحريم فيعفى عما أخذه من مال، ويدخل في ذلك: مكافأة نهاية الخدمة، والمعاش المقتطع من راتبه، وأما مع العلم بالتحريم فلا يحل له شيء من ذلك. وينظر جواب السؤال رقم (12397) . وهذا المال المحرم بسبب العمل في البنك الربوي هو حرام على كاسبه فقط، ولا يحرم على من أخذه منه بوجه مباح، فلا حرج على البنت أن تأكل من هذا المال، والتورع عنه أولى، لا سيما إذا تضمن النصح والتنفير من الربا ومن المال المكتسب من طريقه. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: أبي غفر الله له يعمل في بنك ربوي، فما حكم أخذنا من ماله وأكلنا وشربنا من ماله؟ غير أن لنا دخلاً آخر وهو من طريق أختي الكبيرة فهي تعمل، فهل نترك نفقة أبي ونأخذ نفقتنا من أختي الكبيرة مع أننا عائلة كبيرة، أم أنه ليس على أختي النفقة علينا فنأخذ النفقة من أبي؟ فأجاب: " أقول: خذوا النفقة من أبيكم، لكم الهناء وعليه العناء؛ لأنكم تأخذون المال من أبيكم بحق؛ إذ هو عنده مال وليس عندكم مال، فأنتم تأخذونه بحق، وإن كان عناؤه وغرمه وإثمه على أبيكم فلا يهمكم، فها هو النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قبل الهدية من اليهود، وأكل طعام اليهود، واشترى من اليهود، مع أن اليهود معروفون بالربا وأكل السحت، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام يأكل بطريق مباح، فإذا ملك بطريق مباح فلا بأس. انظر مثلاً بريرة مولاة عائشة رضي الله عنهما، تُصَدِّق بلحم عليها، فدخل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يوماً إلى بيته ووجد البُرمة -القدر- على النار، فدعا بطعام، فأتي بطعام ولكن ما فيه لحم، فقال: ألم أر البرمة على النار؟ قالوا: بلى يا رسول الله، ولكنه لحم تُصدق به على بريرة. والرسول عليه الصلاة والسلام لا يأكل الصدقة، فقال: (هو لها صدقة ولنا هدية) فأكله الرسول عليه الصلاة والسلام مع أنه يحرم عليه هو أن يأكل الصدقة؛ لأنه لم يقبضه على أنه صدقة بل قبضه على أنه هدية. فهؤلاء الإخوة نقول: كلوا من مال أبيكم هنيئاً مريئاً، وهو على أبيكم إثم ووبال، إلا أن يهديه الله عز وجل ويتوب، فمن تاب تاب الله عليه" انتهى من "اللقاء الشهري" (45/16) . والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6443)
هل الجندي ليس عليه صلاة الجمعة والجماعة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الجندي أثناء عمله ليس عليه جمعة ولا جماعة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"هذا فيه تفصيل، الجندي إذا كان حارساً على شيء للدولة كأن يكون حارساً على سجن، أو حارساً على مال يُخشى عليه، أو على محل من المحلات يخشى أن تنتهك، فهذا ليس عليه جمعة ولا جماعة، بل يصلي فرداً.
أما الجندي إذا لم يكن حارساً على شيء ولا مريضاً فإنه عليه مثل ما على الناس، فعليه أن يصلي الجمعة والجماعة، فهذا الإطلاق ليس له وجه، الجندي مثل غيره، إلا إذا كان هناك عذر شرعي من مرض أو خوف إذا خرج إلى الجمعة والجماعة أو كان حارساً على شيء يُخشى عليه، كأن يكون حارساً على باب السجن، أو على أموال يحرسها يخشى عليها، أو ما أشبه ذلك من عذر" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (2/988) .
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
فتاوى نور على الدرب
(5/6444)
تعمل مديرة مدرسة فهل يجوز لها أن توظف الرجال؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في موقعك هذا أن المرأة ليس لها القوامة على زوجها، وعليه فإنه من غير المقبول أن يكون لها السلطة على الرجال، وهذا يعني أنه لا يمكن لها أن تكون رئيسة لدولة إسلامية. أنا امرأة متزوجة، وأنا أوافقك في ذلك. زوجي هو الرئيس الإداري لإحدى الشركات، ومع أنه جعلني مديرة على تلك الشركة لتصبح شركة خاصة محدودة، إلا أني "شريك موص (أو نائم) " أي أنه ليس لي أي دور فاعل فيها. لكني أعمل مديرة إدارة مدرسة خاصة، وأقوم بإدارة المدرسة شخصيا، وأقوم بتوظيف الموظفين اللازمين. وإلى الآن، فإن طاقم العمل الذي وظفته هم من النساء. هل يجوز لي أن أوظف الرجال؟ وهل سيتعارض ذلك مع الشريعة؟ وما هو الحكم إذا كان الموظف شخصاً هو على غير الإسلام؟ هل يجوز لي أن أوظف غير المسلمين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نرى أنها تقتصر بالنساء فيكون توظيفها واختيارها فيما يتعلق بالنساء، ترتيبهن وبيان أعمالهن وإرشادهن إلى ما يقمن به في الوظائف.
أما الرجال فتتركهم للرجال تتركهم لزوجها أو لغيره من الذين يعملون في هذه المدرسة أو في هذه الجامعة أو في هذه الإدارة، هم الذين يتولون توظيف الرجال وترتيبهم حتى لا تتداخل مع الرجال، ولا يلحقها لوم، وحتى لا تكون موالية لغير المسلمين.
وأنا أنصحها أنها لا توظف لا هي ولا زوجها أحداً من غير المسلمين لا رجالاً ولا نساءً إذا كانت تقدر على ذلك.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله
(5/6445)
عملها كشرطية يحتم عليها لبس قبعة في بعض المناسبات تكشف شعرها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة تخرجت من كلية الشرطة، وكما هو معلوم هناك زي رسمي لضابطات الشرطة، وهذا الزي يستر كل أجزاء الجسم ما عدا شعر الرأس فيتم تغطيته بقبعة فقط، ولكنى ألبس الحجاب، ولكن في بعض المناسبات يفرض علينا كشف الرأس وارتداء القبعة وأنا في حيرة من أمري إذا لم أمتثل لأوامر قوادي سأفقد عملي، فماذا علي أن افعل؟ وما الحكم الشرعي؟ وهل يجوز لي كشف شعر رأسي أحيانا في مثل هذه المناسبات؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لقد سرنا حرصك على الحجاب، وحرصك على معرفة أحكام دينك، ونسأل الله أن يوفقك لطاعته، وأن يأخذ بيدك إلى طريق جنته.
ثانياً:
لا حرج في عمل المرأة شرطية إذا كان عملها في محيط نسائي بعيد عن الاختلاط بالرجال، ولا يستلزم منها الوقوع في شيء من الحرام ككشف الشعر أو لبس ما يجسم العورة، والأصل هو قرار المرأة في بيتها وعدم خروجها للعمل إلا عند الحاجة؛ لقوله تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) الأحزاب/33.
وقد سبق بيان تحريم الاختلاط في العمل وغيره، وينظر جواب السؤال رقم (1200) ، ورقم (123692) ورقم (97231) .
وسبق بيان ما يشترط في لباس المرأة، وينظر جواب السؤال رقم (214) ورقم (6991) .
ثالثاً:
لا يجوز للمرأة أن تكشف شيئا من شعرها أمام الرجال الأجانب، ولا يعد العمل عذرا لها في ذلك، وعليها أن تبحث عن عمل آخر مباح تسلم فيه من ارتكاب المحظور.
والذي يفهم من سؤالك ومن حال بلدك أنك تعملين في مجال مختلط، ولهذا نصيحتنا لك أن تبحثي عن عمل آخر مباح، أو في دائرة من الشرطة خالية من الاختلاط، واعلمي أن أبواب الرزق واسعة، وأن من اتقى الله تعالى حفظه وأنعم عليه وزاده، كما قال سبحانه: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق/2،3.
وقال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) النحل/97،
ولا يجوز لأحد أن يستعجل الرزق المقدّر بارتكاب الحرام، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إن روح القدس نفث في روعي: أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها، وتستوعب رزقها، فاتقوا الله، وأجملوا في الطلب، ولا يحملنّ أحدَكم استبطاءُ الرزق أن يطلبه بمعصية الله، فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته) رواه أبو نعيم في الحلية، وصححه الألباني في صحيح الجامع (2085) .
فاحرصي أختنا الكريمة على حجابك، واحذري فتنة الاختلاط، واعلمي أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، ونحن لم ننصحك بهذا إلا حرصا عليك، وحبا لوصول الخير لك.
نسأل الله تعالى أن يوفقك ويحفظك وييسر أمرك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6446)
اشترطت عليها الجامعة ألا تعمل خارج الدوام ولو بدون أجر!
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في إحدى جامعات الدولة بعقد أجدده كل سنة وقد حدث في إحدى مرات التجديد / أي ليس من أول مرة/ أن طلبوا مني التوقيع علي تعهد بشكل إجباري / أي لن يجددوا عقدي ما لم أوقع التعهد/ ينص بعدم العمل لا داخل ولا خارج نطاق العمل لا بأجر أو بدونه، في الحقيقة أول ما قرأت العقد شعرت أنه غير منطقي ولقد وقعته مع أني في نفسي غير موافقة عليه / ولقد كنت أشتغل في عمل خاص في نفس الفترة / السؤال هو: بعد فترة انتابني شعور أني أخطأت الحكم وأنه كان علي الالتزام بالتعهد، فهل هناك كفارة علي للنكث بالتعهد وبخصوص الأشياء التي اشتريتها طول تلك الفترة هل هي حلال أم حرام؟ وما أفعل بها إن كانت حراماً؟ والأكثر من هذا قمت بشراء شفرة هاتف في تلك الفترة وكنت أعقد عليها صفقات حتى بعد انتهاء فترة التعهد / لأنهم قاموا به مرة واحدة فقط ثم تم إلغاؤه/ لأني كنت أترجم بحوث للطلبة وكانوا يحدثونني عن طريق تلك الشفرة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس لجهة العمل أن تشترط على الموظف ألا يعمل خارج دوامه؛ لأن هذا الشرط منافٍ لمقتضى حرية الإنسان وملكه لمنافعه، ما لم يؤد العمل الثاني إلى عجزه أو ضعفه عن أداء عمله الأول، فيلزمه حينئذ أن يختار أحد العملين حتى يؤدي المطلوب منه على وجهه الصحيح، وإلا كان خائناً للأمانة، غاشاً لجهة العمل.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (129882) .
وعليه؛ فإذا كنت قد قمت بعملك في الجامعة على الوجه الصحيح، ولم يؤثر عملك الخارجي عليه، فلا حرج عليك ولا يلحقك شيء.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6447)
عملها صياغة النشرات الدعوية وتقتبسها من غيرها
[السُّؤَالُ]
ـ[طبيعة عملي صياغة نشرات دينية وتوعوية لمركز إسلامي، ولكني غير مبدعة في الكتابة، فأضطر لأن أستفيد من الأشعار والكتابات الأدبية لشعراء وكتاب عدة وأقتبس التشبيهات والتراكيب البلاغية والعبارات الغريبة والألفاظ الجميلة وطرق العرض الإبداعية والجديدة وأحاول تغييرها قليلاً بإضافة وحذف بعض الكلمات لتتناسب مع موضوع النشرة التي أكتبها بحيث تكون المقالة بفقراتها عبارة عن تركيب مع تغيير ولا أضيف جملاً من عندي ألا نادراً، وتظهر المقالة مؤثرة جدا وتخدم الفكرة الأساسية، فهل تعتبر هذه سرقة ولا يجوز لي عمل ذلك، ظللت على هذه الحال أكثر من سنتين ولكني انتبهت الآن ولا أستطيع مصارحة أرباب العمل وزميلاتي بالحقيقة، فهل يعتبر الراتب الذي آخذه مالاً حراماً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في الاستفادة والاقتباس مما كتبه الآخرون من العبارات الجميلة، والألفاظ المنمقة، وطرق العرض الإبداعية على النحو الذي ذكرت، بحيث يخرج المقال مؤثراً متناسقاً، فلم يزل الكتاب يأخذ بعضهم من بعض. والبحث عن المادة، والتأليف بين الجمل والفقرات واختيار المناسب منها عمل يحتاج إلى جهد ووقت، ولعلك من خلال هذه الممارسة تصلين إلى مرحلة تستغنين فيها عن كثرة الاقتباس.
والممنوع في هذا المقام هو سرقة مقالات الآخرين أو نشراتهم أو سرقة أجزاء متكاملة منها، وأما اقتباس الجمل والكلمات من عدة مقالات، فلا يظهر أن ذلك يدخل في السرقة.
ومن المحظور كذلك: تشبع الإنسان بما لم يعط، وإيهام الزملاء بأن هذه الكتابة المؤثرة من إبداعه وإنتاجه، بل ينبغي أن يكون الإنسان صادقا مع نفسه وغيره، فيشير إلى أن جهده هو الجمع والتنسيق واختيار الكلمات والجمل المناسبة والاستفادة من أعمال الآخرين.
فعن أسماء رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ) رواه البخاري (5219) ومسلم (2129) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6448)
لديه مغسلة ملابس فهل يغسل ألبسة التبرج؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لمن عنده مغسلة للملابس أن يغسل الثياب التي لا يجوز لبسها؟ قد يكون صاحب هذه الملابس يتبع قولاً آخر يجيز له لبسها، أو قد تكون المرأة مثلاً لا تلبس هذا اللبس إلا أمام زوجها أو الرجل لا يلبسه إلا أمام زوجته، أو أن المرأة مثلاً تلبس بلوزة تحت الملابس التي تبدو عارية مثلاً أو شالاً فوقها، فإذا تركت غسل مثل هذه الملابس تورعاً مثلاً -كما فكرت سابقاً- فسأخسر الكثير من الزبائن وقد اضطر إلى إغلاق المحل، لأن الزبون مثلا إن جاءنا ومعه 5 ثياب و5 غتر ولباس واحد من الألبسة المذكورة أعلاه ورفضت أنا غسل هذا اللباس، فإنه لن يترك لي بقية القطع ويأخذ هذه القطعة إلى مغسلة ثانية، بل إنه سيأخذ جميع قطعه إلى مغسلة ثانية؛ لأن هذا أريح له من أن يتعامل مع مغسلتين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الغالب على أهل البلد استعمال الألبسة المذكورة على وجه مباح [كما هو الواقع في بلدكم] ، كلبسها داخل البيت، أو لبسها تحت ألبسة أخرى تسترها، فلا حرج في بيعها، وخياطتها، وغسلها، وكيها، ما لم يعلم أن فلانا من الناس يستعملها على وجه محرّم فلا يجوز إعانته على ذلك؛ لقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2.
وينظر جواب السؤال رقم (90193) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6449)
هل يجوز لموظف مستودع الأدوية أن يصرف منها للفقراء بدون علم المسؤولين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مساعد اجتماعي تم تعييني بمستودع للأدوية بمستشفى عمومي وقد أنيطت بي مهمة تزويد المستوصفات بالأدوية الكافية لسير عملها، غير أنه من حين لآخر تأتيني طلبات من مواطنين ذوي دخل محدود لا تسعفهم قدرتهم الشرائية على شراء الدواء فأجدني محرجا في ردهم دون تحقيق طلبهم وأكون مضطرا لتزويدهم من الأدوية التي اؤتمنت عليها وذلك من باب المساعدة بدون علم المسؤول المباشر، فما حكم الشرع في تصرفي هذا؟ علماً أنني لا أتقاضى عليه أي مقابل مادي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الموظف مؤتمن على ما تحت يده من أموال وأعمال، فلا يجوز له التصرف فيما تحت يده إلا بما حدد له فقط.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
كوني موظفا في مصلحة الزكاة والدخل؛ فهل يجوز لي مساعدة أشخاص من الناس في تقليل مبلغ الزكاة الذي يدفعونه لمصلحة الزكاة؟ مع علمي بأن الزكاة كاملة تدفع لفقراء ومساكين بمعرفة أصحاب هؤلاء الناس.
فأجابوا: " الموظف مؤتمن على عمله، والوظيفة أمانة، ويجب عليه تأدية الأمانة على الوجه الشرعي، ولا يجوز له الخيانة فيما أؤتمن عليه " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (9 / 431) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" الأمين مؤتمن فلا يحل له أن يتجاوز ما ائتمن عليه " انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (234 / 1) .
وعلى هذا، فلا يجوز لك صرف الأدوية لهؤلاء المرضى، لأنك لم يخول لك ذلك حسب النظام المعمول به.
ولكن.. إذا وجد في هؤلاء من هو محتاج أو مضطر للدواء ولا يستطيع شراءه، فأعطيته الدواء بإذن المسؤول المباشر عليك فنرجو أن لا يكون عليك حرج في ذلك، لأن هذا الفقير له حق في بيت المال.
لكن لا يكون ذلك إلا بإذن المسؤول حتى لا تكون الأمور فوضى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6450)
هل يعمل في قسم به امرأة ليحقق جملة من المصالح العامة
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل كمهندس في الصحة والبيئة والسلامة في شركة من أفضل شركات الغاز في دولة خليجية، ومشكلتي في البداية أنني أعمل مع امرأة نصرانية عربية وهي المسؤولة عن تطويري لأصبح في المستقبل خبير القسم إن شاء الله (وهذا ما قاله لي مدير القسم بأني سأصبح مكانها من 3 إلى 5 سنوات) الحمد لله يسر الله لي أن لا أقابلها إلا مرة في الأسبوع وهذا من رحمة الله بي ويعلم الله أني ما صبرت معها إلا أني أريد إخراجها من الشركة بدل أن أخرج ويحضروا كافراً آخر السؤال: هل أنا مأجور على ذلك في أن أبقى معها لإخراجها علما أنها ليست بالمرأة الفاتنة؟ وهل أبقى في العمل أم أخرج؟ سؤالي الآخر هو أني أحفظ من كتاب الله حوالي عشر أجزاء ولله الحمد وخاطبتني وزارة الأوقاف أكثر من مرة حتى أكون إماماً لأحد المساجد في المنطقة وكما تعلم في سؤالي الأول أني أشكو من المرأة التي أجالسها أسبوعياً فقط للخطط المستقبلية للقسم وسرد ما عملت في الأسبوع الماضي. فهل لي أن أصبح إماماً؟ لأني أخاف من النفاق بأن أكون إماماً وفي نفس الوقت تعمل في قسمي امرأة أفيدوني جزاكم الله خيراً]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يحرم الاختلاط بين الرجال والنساء في العمل والدراسة؛ لما يترتب على ذلك من مفاسد ومحاذير، وينظر: سؤال رقم (1200) و (97231) .
والرجل هو المطالب بالعمل والكد والإنفاق على أهله ومن يعول، واقتحام المرأة مجال عمل الرجال أمر حادث نتج عن التقليد المذموم لأهل الكفر والفسق ممن لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا إلا ما أشربته أهواؤهم، ولهذا يتعين السعي في منع هذا الاختلاط، وصرف النساء إلى الأعمال والمجالات الخاصة بهن.
وأمام ما ابتلي به المسلمون من هذه الفتنة لا يمكن القول بوجوب خروج الرجال الصالحين من أعمالهم ووظائفهم، وترك المجال للنساء، فإن هذا – لو أمكن تحقيقه – لأدى إلى مفاسد كثيرة قد تربو على مفسدة الاختلاط، والشريعة جاءت لتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، ولهذا أفتى جماعة من أهل العلم بجواز تولي بعض الوظائف الممنوعة لتخفيف الشر ما أمكن، وينظر أمثلة ذلك في جواب السؤال رقم (69859) .
ويبقى النظر في حال الموظف الذي يرخص له في البقاء في العمل المختلط، فإن هذا ينبني على حجم المصالح المرجوة، وعلى مقدرة الموظف على الالتزام بالضوابط الشرعية، والتحرز من المخالفات، وضبط النفس أمام الشهوات، ويختلف هذا باختلاف طبيعة الإنسان وسنّه وكونه عزبا أو متزوجا، ويختلف باختلاف القدر الموجود من الشر والفتنة.
وعليه نقول:
إن كانت المصالح المرجوة من بقائك في العمل وتوليك مهام الخبير مستقبلا، والاستغناء عن هذه الموظفة وعن غيرها من النساء، أمورا حقيقية ظاهرة، وكنت قادرا على ضبط نفسك وغض بصرك والتحرز من الخلوة، ولم تجد في قلبك ميلا لهذه المرأة أو غيرها، فلا حرج في بقائك في هذا العمل، وأنت مثاب على ما تنويه من الخير والإصلاح.
وإن كانت المصالح المرجوة ليست ظاهرة، أو لا أهمية لها، أو كنت ترى من نفسك ضعفا، وتخاف التأثر والميل، فلا شك أن السلامة والبعد أولى لك، بل هذا هو الأصل المعتمد في هذه المسألة.
ثانيا:
لا حرج في توليك الإمامة، ولعل الله أن ينفع بك أهل منطقتك، وأن تكون الإمامة عونا لك على الازدياد من الخير، والمحافظة على الآداب والفضائل، والتحرز عن النقائص والرذائل، فإن هذا المنصب الشريف له أهميته ومكانته، ويستوجب من صاحبه أمورا لا تطلب من غيره.
نسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6451)
ماذا يفعل إذا حصل على علاوة لا يستحقها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[تم إيقاف نوع من الطائرات الحربية التي كنت أعمل عليها وتم إيقاف علاوة بدل خطر على عموم العاملين على هذه الطائرة فمنهم من نقل إلى قاعدة أخرى ومنهم من عمل على طائرة أخرى وتم إرجاع هذه العلاوة لهم، والبقية تم ترشيحهم للدورة بالمملكة المتحدة ولكن قبل الدورة كان لا بد من أخذ ما يقارب سنة كدورة لغة إنجليزية، ولكن قبل هذه الدورة طالبنا جميعاً بعلاوة بدل خطر فتمت الموافقة على ثلاثة منا فقط وتم رفض البقية، وكنت أنا من ضمن الذين تم صرف بدل خطر لهم، وبقيت هذه العلاوة تصرف لي ولمدة سنة وهى مدة الدورة في اللغة الإنجليزية حيث إن النظام يمنع استلام هذه العلاوة خلال التدريب، وقد قدرت المبلغ بحوالي أربعة آلاف وثمانمائة ريال. أفيدوني هل هذا المبلغ يحل لي أم لا؟ وماذا علي أن افعل مع زملائي الذين حصلوا على ذلك المبلغ؟ وكيف أرجع المبلغ إذا لم يكن يحل لي؟ علما بأن هناك رقم حساب لبنك التسليف لإبراء الذمة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي يظهر لنا أنه لا حرج عليك من الانتفاع بهذا المال (العلاوة) لأنك ذكرت أن المسؤولين وافقوا على إعطائك هذه العلاوة.
وقد يكون النظام يسمح للمسؤولين في إعطاء هذه العلاوة لبعض من لا تنطبق عليه شروط استحقاقها، ولهذا وافقوا على إعطائك أنت وبعض أصحابك دون الآخرين.
أوالحاصل: أنك ما دمت حصلت على هذه العلاوة بموافقة المسؤولين فلا حرج عليك من الانتفاع بها.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6452)
حكم التحية العسكرية وتحية العلم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا من بلدٍ، الوظائف فيها قليلة، وأنا شهادتي ثانوية لا تسمح لي بالحصول على وظيفة أخرى , ولكنني حصلت على وظيفة في المؤسسة العسكرية , لكن هناك أمر، وهو ضرب التحية، هذا واجب في المؤسسة العسكرية , فهل يجوز لي العمل في هذه المؤسسة؟ ولكن عند ضرب التحية لا أضربها بقصد التعظيم , بل أقوم بها كنوع من التورية , هل يجوز ذلك؟ أرجو الرد على سؤالي بتفصيل تام لأنني سأتوظف بعد شهرين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التحية العسكرية التي تكون بين الجنود بعضهم البعض، وتكون بالإشارة باليد، هي تحية منهي عنها شرعاً، وإنما تحية المسلمين تكون بقول: السلام عليكم.
روى الترمذي (695) عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا، لَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ وَلَا بِالنَّصَارَى فَإِنَّ تَسْلِيمَ الْيَهُودِ الْإِشَارَةُ بِالْأَصَابِعِ، وَتَسْلِيمَ النَّصَارَى الْإِشَارَةُ بِالْأَكُفّ) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تسلموا تسليم اليهود، فإن تسليمهم بالرؤوس والأكف والإشارة) رواه النسائي "في عمل اليوم والليلة" (340) وأبو يعلى والطبراني في "الأوسط" وقال الحافظ في "الفتح" (11/12) : إسناده جيد، وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1783) .
وأما تحية العلم فهي بدعة محدثة، لا يجوز المشاركة فيها، في الجيش أو المدرسة أو غيرها كما بين أهل العلم.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: هل يجوز الوقوف تعظيما لأي سلام وطني أو علم وطني؟
فأجابوا:
" لا يجوز للمسلم القيام إعظاماً لأي علم وطني أو سلام وطني، بل هو من البدع المنكرة التي لم تكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا في عهد خلفائه الراشدين رضي الله عنهم، وهي منافية لكمال التوحيد الواجب وإخلاص التعظيم لله وحده، وذريعة إلى الشرك، وفيها مشابهة للكفار وتقليد لهم في عاداتهم القبيحة ومجاراة لهم في غلوهم في رؤسائهم ومراسيمهم، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن مشابهتهم أو التشبه بهم.
وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (1/235) .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود.
وسئلوا أيضاً (1/236) : ما حكم تحية العلم في الجيش وتعظيم الضباط وحلق اللحية فيه؟
فأجابوا:
" لا تجوز تحية العلم، بل هي بدعة محدثة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) رواه البخاري ومسلم.
وأما تعظيم الضباط باحترامهم وإنزالهم منازلهم فجائز، أما الغلو في ذلك فممنوع، سواء كانوا ضباطاً أم غير ضباط.
وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود.
وسئلوا أيضاً (1/236) : أفيدوني عن حكم من يعمل بالجيش المصري وهذا مصدر رزقه وتفرض عليه نظم الجيش وقوانينه أن يعظم بعضنا بعضا كما تفعله الأعاجم، وأن نلقي التحية بكيفية ليست بالتي أمرنا بها الله ورسوله، وأن نعظم علم الدولة ونحكم ونحتكم فيمنا بيننا بشريعة غير شريعة الله - قوانين عسكرية -.
فأجابوا:
" لا يجوز تحية العلم، ويجب الحكم بشريعة الإسلام والتحاكم إليها، ولا يجوز للمسلم أن يحيي الزعماء أو الرؤساء تحية الأعاجم، لما ورد من النهي عن التشبه بهم، ولما في ذلك من الغلو في تعظيمهم.
وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود.
وسئل الشيخ ابن جبرين حفظه الله: ما حكم وضع اليد على الرأس تحية للعلم كما يفعل في المدارس؟
فأجاب:
" نرى أن ذلك بدعة، وأن تحية المسلمين هي السلام، فالإشارة باليد تحية النصارى، كما ورد، فالإشارة باليد، أو الإشارة بالرأس، سلام أو تحية اليهود أو النصارى.
أما تحية المسلم فهي أن يقول: السلام عليكم.. وإن كان المسلم بعيدًا عنك فإن لك أن تشير برأسك مع تلفظك بالسلام، تقول: السلام عليكم، وتحرك رأسك، أو يدك علامة على أنك فطنت له، وسلمت عليه، فتجمع بين الأمرين، السلام الذي هو سنة المسلمين، والإشارة: التي هي علامة على أنك فطنت وسلمت.
ولا تكون الإشارة هي السلام فقط؛ فالتحية للعلم إذا كان العلم هو أحد الأعلام التي تنشر كاللواء، أو نحوه - فهذا لا يجوز؛ وذلك لأنه جماد، والتحية فيها شيء من التعظيم، والتعظيم لا يجوز للمخلوق، فما بالك بالجماد الذي لا ينفع ولا يسمع؟! وإذا كان هذا تعبيرًا عن التعظيم لهذا الجماد كان ذلك من الشرك.
وإن أراد بالعلم الشخص الذي يحمله، أو العامل ونحوه.. فتكون التحية بالسلام لا بغيره " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن جبرين".
وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: أنا مدير مدرسة، وقد أتاني تعميم من إدارة التعليم بوجوب إلقاء تحية العلم والوقوف له وإلقاء النشيد الوطني للطلاب، فما حكم هذا الفعل؟ وهل لي أن أطيع؟
فأجاب:
" هذه معصية بلا شك، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) فإذا أمكنكم تتخلص منها ولا تحضرها فافعل " انتهى من "موقع الشيخ على الإنترنت".
http://www.alfawzan.ws/AlFawzan/FatawaSearch/tabid/70/Default.aspx?PageID=6564
وقال الشيخ صالح الفوزان أيضا في الرد على أحد الكتّاب: " وأما تحية العلم، فالتحية تأتي بمعنى التعظيم، ولا تكون تحية التعظيم إلا لله، كما نقول في تشهدنا في الصلوات: (التحيات لله) أي: جميع التعظيمات لله سبحانه ملكاً واستحقاقاً، فهي تحية تعظيم وليست تحية سلام، فالله يُحيَّا ولا يسلم عليه، وتأتي التحية بمعنى السلام الذي ليس فيه تعظيم، وهذه مشروعة بين المسلمين، قال تعالى: (فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً) النور/61.
وقال تعالى: (وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا) النساء /86، وقال تعالى عن أهل الجنة: (تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ) ، وقال تعالى: (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ) .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم) .
فالسلام إنما يكون بين المسلمين، ولا يكون السلام على الجمادات والخرق ونحوها، لأنه دعاء بالسلامة من الآفات، أو هو اسم من أسماء الله يدعو به المسلم لأخيه المسلم عليه ليناله من خيراته وبركاته.
والمراد بتحية العلم الآن الوقوف إجلالاً وتعظيماً له، وهذا هو الذي أفتت اللجنة الدائمة بتحريمه لأنه وقوف تعظيم.
فإن قيل: إن في تحية لعلم احتراماً لشعار الحكومة.
فنقول: نحن نحترم الحكومة بما شرعه الله من السمع والطاعة بالمعروف والدعاء لهم بالتوفيق، واللجنة حينما تبين هذا للمسلمين إنما تبين حكماً شرعياً يجب علينا جميعاً حكومة وشعباً امتثاله، وحكومتنا - حفظها الله وبارك فيها - هي أول من يمتثل ذلك. هذا ما أردت بيانه خروجاً من إثم الكتمان " انتهى من جريدة الجزيرة عدد 11989 يوم الثلاثاء 20/6/1426هـ، ونشر بموقع" شبكة نور الإسلام".
http://www.islamlight.net/index.php?option=content&task=view&id=1722
وعليه؛ فإذا أردت العمل في الجيش فتجنب القيام بهذه التحية.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6453)
حكم أخذ الأجرة على تعبير الرؤى والمنامات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم أخذ الأجرة على تعبير الرؤى والمنامات؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز لمن أعطاه الله موهبة تعبير الرؤى والمنامات أخذ الأجرة على هذا العمل، وذلك لأمور:
أولاً:
أن تعبير الرؤى منفعة غير معلومة ولا منضبطة، والأجرة لا تكون إلا في مقابل عمل له منفعة مقصودة معلومة، وهو في ذلك يشبه القضاء.
قال ابن قدامة عن القضاء: "فأما الاستئجار عليه فلا يجوز، قال عمر رضي الله عنه: لا ينبغي لقاضي المسلمين أن يأخذ على القضاء أجرا، وهذا مذهب الشافعي، ولا نعلم فيه خلافا ... ؛ ولأنه عمل غير معلوم" انتهى.
"المغني" (11/377) .
ثانياً:
أقرب ما يقاس عليه تعبير الرؤى هو: الفتوى، وقد ذهب جمهور العلماء إلى منع المفتي من أخذ الأجرة على فتواه سواء كان الإفتاء في حقه فرض عين أو كفاية.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (32 /42) :
"وَأَمَّا الأُْجْرَةُ، فَلاَ يَجُوزُ أَخْذُهَا مِنْ أَعْيَانِ الْمُسْتَفْتِينَ عَلَى الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، قَال الْحَنَابِلَةُ: لأَِنَّ الْفُتْيَا عَمَلٌ يَخْتَصُّ فَاعِلُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْل الْقُرْبَةِ، وَلأَِنَّهُ مَنْصِبُ تَبْلِيغٍ عَنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَلاَ تَجُوزُ الْمُعَاوَضَةُ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ قَال لَهُ: لاَ أُعَلِّمُكَ الإِْسْلاَمَ أَوِ الْوُضُوءَ أَوِ الصَّلاَةَ إِلاَّ بِأُجْرَةٍ، قَالُوا: فَهَذَا حَرَامٌ قَطْعًا، وَعَلَيْهِ رَدُّ الْعِوَضِ، وَلاَ يَمْلِكُهُ، قَالُوا: وَيَلْزَمُهُ الإِْجَابَةُ مَجَّانًا لِلَّهِ بِلَفْظِهِ أَوْ خَطِّهِ إِنْ طَلَبَ الْمُسْتَفْتِي الْجَوَابَ كِتَابَةً، لَكِنْ لاَ يَلْزَمُهُ الْوَرَقُ وَالْحِبْرُ" انتهى.
وقال ابن القيم:
"أما أخذه الأجرة فلا يجوز له، لأن الفتيا منصب تبليغ عن الله ورسوله، فلا تجوز المعاوضة عليه" انتهى.
"إعلام الموقعين" (4/231) .
وتعبير الرؤى نوع من الإفتاء.
قال الشيخ السعدي:
"علم التعبير من العلوم الشرعية، ويثاب الإنسان على تعلمه وتعليمه، وتعبير المرائي داخل في الفتوى، لقوله للفتيين: (قُضِيَ الأمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ) وقال الملك: (أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ) وقال الفتى ليوسف: (أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ ... ) ، فلا يجوز الإقدام على تعبير الرؤيا من غير علم" انتهى.
"تفسير السعدي" (1/407) .
ثالثاً:
لا يصح قياس أخذ الأجرة على التعبير بأخذ الأجرة على الرقية؛ لأن الرقية من باب العلاج والمداواة، وهذه يصح الاستئجار عليها بالاتفاق.
رابعاً:
استدلال البعض على الجواز بما جاء في كتاب "مجمع الأنهر" (3/533) في الفقه الحنفي في معرض كلامه عن أخذ الأجرة على الطاعات قال: "بِخِلَافِ بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَأَدَاءِ الزَّكَاةِ وَكِتَابَةِ الْمُصْحَفِ، وَالْفِقْهِ وَتَعْلِيمِ الْكِتَابَةِ، وَالنُّجُومِ [أي علم معرفة دلالات النجوم على الجهات والأوقات] ، وَالطِّبِّ، وَالتَّعْبِيرِ، وَالْعُلُومِ الْأَدَبِيَّةِ، فَإِنَّ أَخْذَ الْأُجْرَةِ فِي الْجَمِيعِ جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ" انتهى.
فهذا الاستدلال غير دقيق؛ لأن المقصود تعليم "علم التعبير" لا تعبير الرؤى، بدليل قرنه بتعليم الفقه والكتابة والطب والعلوم الأدبية.
ويوضح ذلك ما جاء في "الفتاوى الهندية" (4/448) من كتب الحنفية من قوله: "وَلَوْ اسْتَأْجَرَ لِتَعْلِيمِ وَلَدِهِ الْكِتَابَةَ، أو النُّجُومَ، أو الطِّبَّ، أو التَّعْبِيرَ، جَازَ بِالِاتِّفَاقِ".
والفرق بين تعليم علم التعبير وتعبير الرؤى، كالفرق بين تعليم العلم الشرعي والإفتاء بالحكم الشرعي.
وقد سئل الشيخ ابن جبرين رحمه الله تعالى: ما حكم أخذ الأجرة لتعبير الرؤى؟
فأجاب:
"نرى أنه لا يجوز، وذلك لأن تعبير الرؤيا يعتمد الظن، ولا يجوز للمُعبِّر الجزم بالتعبي؛ لاحتمال أن يكون لها تعبير آخر غير ما يتبادر إلى ظن المعبر، فلا حاجة إلى أخذ الأجرة على ذلك". انتهى من موقع الشيخ.
http://ibn-jebreen.com/ftawa.php?parent=786&subid=711&view=vmasal
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6454)
يستخدم كلمة المرور الخاصة بجهازه في العمل للعمل على جهازه الخاص
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في شركة عمومية ولدي في مكتبي إنترنت مجانا ولي كذلك في البيت إنترنت ولكن بالاشتراك الشهري ولما تخلص المدة الاشتراكية في البيت وما عندي دراهم لكي أجدد المدة آخذ ال user name أو password الخالص بالعمل وأشتغل به في بيتي لمسائلي الشخصية. هل أنا آثم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان استخدامك لكلمة المرور الخاصة بجهازك في العمل للعمل على جهازك الخاص بك لا يؤثر على العمل بزيادة تكلفة، أو تعطيل الخط، أو تقليل سرعته فلا حرج من ذلك.
ولكن ... ينبغي أن يكون ذلك بإذن المسؤول في الشركة، لأنه يعد انتفاعاً بأموال الشركة، ولأن الموظفين قد يعملون جميعاً نفس العمل مما قد يؤثر على سرعة الخط في الشركة.
والأحوط لك: أن تمتنع من هذا، لكن إن فعلته أحيانا لحاجتك إليه، فلا يظهر لنا ما يحرمه.
ولمزيد الفائدة انظر جواب السؤال رقم: (99544) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6455)
شركة تقوم بحل الواجبات للطلبة بترخيص من الجامعة
[السُّؤَالُ]
ـ[نعمل بشركة لحل واجبات الطلبة لجامعة معينة وهذا بترخيص من الجامعة نفسها دون إجبار الطلبة على شراء واجباتهم من الشركة، فهل المال الذي نكتسبه من حل الواجبات هذا حرام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجبات أو المشاريع التي تطلب من الطلاب، الهدف منها تدريبهم على العمل، واختبار قدراتهم في ذلك، فيجب أن يقوم بها الطلاب أنفسهم، ولا يجوز إعدادها لهم، بمقابل أو بغير مقابل، لما في ذلك من الغش والكذب وإفساد النشء، وتخريج الضعفة الذين لا يستحقون التخرج.
ومثل هذه الواجبات لا يمكن للجامعة أن تسمح للطالب بشرائها بماله ثم تعطيه الدرجات والشهادة على ذلك.
وقد سبق بيان حرمة كتابة الأبحاث والأعمال للطلاب، في جواب السؤال رقم (95893) ورقم (104812) .
ولكن.. قد يكون قصد الجامعة من هذه الواجبات، مجرد جمع المادة العلمية الصحيحة للطلاب، على أن يقوم الطالب بعد ذلك بمراجعتها أو حفظها، لكون الاختبارات مثلاً ستكون من هذه الواجبات، فإن كان الأمر كذلك، فلا حرج عليكم في العمل الذي تقومون به، وما تكتسبونه من المال يكون حلالاً حينئذ.
وإن كان لديك مزيد إيضاح فاكتبه إلينا، ونسعد بتواصلك، ونسأل الله أن يوفقنا وإياك لطاعته ومرضاته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6456)
يريد أن يقصر من لحيته لشغل منصب كبير يخدم به المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن أن أقصر لحيتي من أجل الحصول على وظيفة رفيعة في الحكومة أستطيع من خلالها مساعدة إخواني المسلمين في بلدي. فالوظيفة تتمثل في منصب رفيع جدا وسلطة في سياسات البلد وخلال المقابلة ربما لا يقبلون بمسلم ذي لحية طويلة مثل لحيتي. أما إذا تم اختياري في هذا المنصب فإنه يمكنني مساعدة غيري من المسلمين في بلدي بشتى الطرق ويمكنني كذلك أن يكون لي سيطرة على صناع القرار. كما أنه في بلدي لا يوجد إلا القليل من المسلمين في هذه المناصب ولذلك فإن هذا المنصب سوف يمنحني الفرصة لمساعدة الدول الإسلامية النامية الاقتصادية الأخرى.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإعفاء اللحية وتوفيرها في عدة أحاديث، ومنها أخذ العلماء وجوب ترك اللحية على حالها وحرمة حلقها أو قصها وتقصيرها.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (75525) .
لكن إذا كان الأمر كما ذكرت من أن تقصير اللحية سيساعدك على تقلد منصب رفيع، تستطيع به أن تعين إخوانك المسلمين، وتؤثر على صناع القرار في بلدك، بما لا تستطيع فعله بغير تقصيرها، فإننا نرجو أن يجوز لك تقصيرها لهذا المقصد، ويقتصر في ذلك على قدر الحاجة.
سُئِلَ شَّيْخُ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن رجل متول ولاية ومطلوب منه أن يجمع أموالاً من الناس بالقهر والظلم وهو يستطيع تخفيض تلك الأموال إلى النصف، ولو ترك العمل، لجاء غيره وألزم الناس بالمال كله، بل ربما زاد عليهم الظلم، فهل يجوز له الاستمرار في عمله وولايته؟
فأجاب رحمه الله: " الحمد لله، نعم إذا كان مجتهدا في العدل ورفع الظلم بحسب إمكانه وولايتُه خير وأصلح للمسلمين من ولاية غيره واستيلاؤه على الإقطاع خير من استيلاء غيره كما قد ذكر، فإنه يجوز له البقاء على الولاية والإقطاع ولا إثم عليه في ذلك؛ بل بقاؤه على ذلك أفضل من تركه إذا لم يشتغل إذا تركه بما هو أفضل منه. وقد يكون ذلك عليه واجبا إذا لم يقم به غيره قادرا عليه. فنشر العدل بحسب الإمكان ورفع الظلم بحسب الإمكان فرض على الكفاية يقوم كل إنسان بما يقدر عليه من ذلك إذا لم يقم غيره في ذلك مقامه " انتهى من "مجموع الفتاوى" (30 / 356-357) .
وقد أجاز علماؤنا أشياء مثل هذا نظراً لما يترتب على ذلك من مصالح عظيمة، وقد ذكرنا فتويين للشيخين عبد العزيز بن باز ومحمد بن عثيمين رحمهما الله في ذلك في جواب السؤال رقم (34718) فراجعه فإنه مهم.
ومتى تمكنت من إعفائها وجب عليك إعفاؤها.
ونسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6457)
هل للمعلمة أن تعطي الطالبات أكثر مما يحق لهن من الدرجات؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تجاوز المعلمات في التصحيح بإعطاء الطالبات أكثر مما تستحق.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب على المعلمة أداء الأمانة التي اؤتمنت عليها من التدريس، والتقويم، والتصحيح، وفق الضوابط التي تحددها إدارة التعليم، وليس لها أن تبخس أحدا حقه، ولا أن تعطيه فوق ما يستحقه؛ لأن ذلك ظلم لغيره، وإخلال بالأمانة، وفتح لباب المحاباة والمجاملة والفوضى، وتسوية بين المجتهد المجد، والضعيف المقصر.
وما دامت الأسئلة محددة الدرجات، فالواجب إعطاء كل طالبة ما تستحق دون نقص أو زيادة.
قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) النساء/58.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "الواجب على المدرس أن يحكم بالعدل، قال الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا) أي: لا يحملكم بُغْض قوم على ألا تعدلوا (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) [المائدة:8] حتى إن العلماء قالوا: يجب على القاضي إذا تحاكم إليه خصمان أحدهما مسلم والثاني كافر أن يجلسهما منه مجلساً واحداً، فلا يقول للمسلم: تعال هنا وللكافر: اذهب هناك.
بل يجعلهما جميعاً أمامه، وأن يعدل بينهما في الكلام، فلا يغلظ الكلام للكافر ويرققه للمسلم، فلا يقول للمسلم: صبحك الله بالخير ولا يقوله للكافر، بل يجعلهما سواء في باب المحاكمة؛ لأن هذا هو العدل.
فهؤلاء التلاميذ إذا قدموا أجوبتهم فليَغُضَّ النظر عن كونه فلاناً أو فلاناً، ليصحح على ما كان أمامه من قول، إن صواباً فهو صواب، وإن خطأً فهو خطأ، كما أنه لا يجوز أن ينظر - إذا كان يعرف صاحب الجواب - إلى حال الطالب من قبل، هل هو فاهم أو غير فاهم؛ لأن بعض الناس أو بعض المدرسين يقَدِّر درجات التلاميذ على حسب ما كان يعرفه منهم، وهذا غلط، بل يجب أن يقدر الدرجات أو الترتيب على حسب ما رُفِع إليه في الجواب النهائي؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إنما أقضي بنحوِ ما أسمع) .
وكثيراً ما يكون الطالب جيداً، فيتوهم في الجواب أو في السؤال، فيفهم السؤال على أن السائل أراد به كذا، ويجيب بحسب هذا الفهم.
أو يتوهم في الجواب فيظن أن جواب هذا السؤال هو كذا وكذا، وهو غلط ...
فالمهم: أن الواجب على المدرس إذا قدمت إليه أوراق الإجابة، أن يصحح حسب الجواب بقطع النظر عن المجيب " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (21/25) .
وسئل رحمه الله: هل يجوز للمدرس أثناء تصحيح أوراق الطلبة أو أثناء الاختبار الشفوي أن يراعي سلوك الطلبة في الفصل، فإن كان جيداً زاد له الدرجات ونحو ذلك؟ وأيضاً هل يجوز في أعمال السنة أن يزيد المدرس الطلاب درجة أو درجتين خوفاً من الظلم أو نحو ذلك، لأنكم تعلمون أن الظلم ظلمات يوم القيامة، وأن دعوة المظلوم مستجابة، وأن كثيراً من المدرسين يظلمون الطلاب ظلماً كبيراً دون أن يشعروا، فيخاف المدرس من هذا؟
فأجاب: "هذا السؤال مهم بالنسبة للمدرسين، وأنا أعلم أنهم يجعلون درجات لسلوك الطالب وأخلاقه داخل المدرسة، فيجب على المدرس الذي يحدد هذه الدرجات أن يحكم بالعدل، وأن يتقي الله عز وجل، فإن كان أحد الطلبة أحسن سلوكاً وأخلاقاً فإنه يعطيه درجته التي يستحقها، وينقص من الطالب السيئ الأخلاق من درجات السلوك ما يستحقه، ولا يحابي في ذلك أحداً.
أما درجة العلوم والرياضيات والمستوى العلمي فلا يزيد فيها ولا ينقص منها نظراً لسلوك الطالب، وإنما يعطي كل طالب ما يستحقه من الدرجات أرأيت لو تحاكم رجلان إلى قاض أحدهما كافر والآخر مسلم فهل يهضم حق الكافر لأنه كافر؟ لا.
فمسألة الإجابة هي على حسب ما قدم لك من معلومات، سواءً كان سيئ الأخلاق أو حسن الأخلاق.
المسألة الثانية: إذا كان المدرس قد ظلم الطالب فهذا لا يخلو من حالين: الحال الأولى: أنه كان يظن حين معاملة الطالب أنه على صواب، وأنه مجتهد، وهذا الذي أداه إليه اجتهاده، مثل أن يوقفه في الفصل أو يضربه أو يطرده أو ما أشبه ذلك، لكنه في ذلك الوقت يرى أنه على صواب، ثم بعد التفكير يرى أنه أخطأ؛ فهذا ليس فيه ظلم، ولا يعاقب عليه الإنسان؛ لأنه في ذلك الوقت كان مجتهداً، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر) .
ولو أننا قلنا لكل متصرف في شأن غيره: إنه إذا أخطأ بعد اجتهاده تحمل هذا الخطأ ووقع عليه العقاب؛ ما قبل أحد أن يتصرف في شأن غيره، ولتعطلت مصالح العباد، لكن من رحمة الله أن المتصرف لغيره كولي اليتيم والوكيل وناظر الوقف وغيرهم، إذا تصرفوا وهم حين التصرف يرون أن هذا هو الصواب بدون تفريط منهم، ثم بعد هذا تبين خطؤهم؛ فإنه لا شيء عليهم، لا ضمان في الدنيا ولا إثم في الآخرة.
الحال الثانية: أن يعلم أنه قد ظلم الطالب ظلماً حقيقياً، وهو في ذلك الوقت يعرف أنه إنما عاقبه انتقاماً لنفسه فقط؛ فحينئذ يسترضي الطالب دون أن يزيد في درجاته وإنما يعطيه حقه فقط؛ لأنه إذا زاد في درجاته أوقع الظلم على الطلبة الآخرين، وحصل من ذلك تشويش، وربما أدى ذلك إلى فقدان الطلبة ثقتهم في معلميهم، وهذا من أخطر الأمور؛ لأن الطالب إذا فقد ثقته في معلمه لم يهتم بأوامره، ولم يستفد منه حتى وإن أظهر أنه يستمع إليه وينصت إلى شرحه" انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (49/10) .
وسئل أيضا رحمه الله: بالنسبة لتألف الطلاب في زيادة الدرجات هل هذا من باب تألف النبي صلى الله عليه وسلم بعض الأقوام بالإبل؟
فأجاب: لا، هذه خيانة، تأليف الطالب أن تعامله باللطف والإحسان والهدايا المشجعة وما أشبه ذلك، أما أن تعطيه درجات لا يستحقها فهذا خيانة، وظلم للتلاميذ الآخرين، ولو فتح هذا الباب لكان كل واحد يعطي الطلبة مائة بالمائة، لماذا يا رجل؟ قال: نؤلفهم.
لأن المسألة لها طرف آخر وهم بقية الطلاب، إذا أعطيته مثلاً مائة وهو يستحق خمسين وصاحبه الآخر يستحق ثمانين معناه: أنك ظلمت الثاني، جعلت هذا قبله وهو دونه في الدرجات" انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (230/20) .
والحاصل: أنه لا يجوز للمعلمة أن تعطي الطالبة أكثر مما تستحق من الدرجات، كما لا يجوز أن تنقصها من حقها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6458)
إذا اشترط عليه رب العمل ألا يعمل خارج الدوام
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا موظف في شركة نفط وطنية ومازلت موظفاً بها أتقاضى راتباً منها، وقد حصلت في العام الماضي على عمل مع شركة أوروبية تعمل في التنقيب عن النفط. يوجد في عقد العمل في كل من الشركتين فقرة تنص على: إخطار الشركة في حال العمل مع الغير، في عقد إحدى الشركتين وفقرة تنص: ألا يلتحق بخدمة رب عمل آخر أثناء استخدامه لدى الطرف الأول في عقد الشركة الأخرى، فضيلة الشيخ أعلم أنني مذنب في التحايل على الشركتين، ولكن الذي جعلني أقوم بهذا هو حوافز ومرتب الشركة الأجنبية أكثر بكثير من مرتب الشركة الوطنية ملاحظة: بعض مسئولي ومن ضمنهم مدير إدارتي يعلم أني أعمل عملاً خاصاً خارج الشركة ولكن لا يعلمون أنني موقع عقد مع شركة أخرى، أما بالنسبة للشركة الأجنبية لا تعلم عن عملي في الشركة الوطنية: الفقرة الثانية من المسألة لدينا هنا في بلدنا شهر من كل عام نلتحق به في المؤسسة العسكرية وهو ما يسمى بشهر الاحتياط بعد إتمام التدريب الإلزامي حيث تقوم الشركة بدفع قيمة مرتب هذا الشهر حسب القانون عندنا، وقد خصص لي شهر من كل عام ولكن في العام الماضي ادعيت للشركة الأجنبية أنني شهر احتياط في شهر آخر غير الشهر المخصص لي بدون أن ألتحق بالمؤسسة العسكرية وقد قبضت مرتب في هذا الشهر وفي شهر المخصص لي فعلياً لم ألتحق بالمؤسسة العسكرية والتحقت بالشركة الأجنبية بهذا أكون اشتغلت الشهر الذي كان علي عمله سابقاً ولكن الشركة لا يوجد لديها علم بالموضوع الأسئلة * ما هي الفتوى في مرتبات الفترة الماضية مع كل من الشركتين في الفقرة الأولى من المسألة حيث أني قد صرفت جزءً منها في ضمن تكاليف زواجي وأقرضت منها لأقاربي وذلك لإعانتهم أحدهم لشراء سيارة ليعمل عليها والآخر للزواج؟ * إذا كانت المرتبات السابقة حلالاً هل المرتب في المسألة الثانية حلال؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الموظف الذي يتقاضي راتبا مقابل عمله ساعات معينة يعتبر أجيرا خاصا في اصطلاح الفقهاء، وهو من كان نفعه مقدرا بالزمن، وليس لهذا الأجير أن يعمل في ساعات العمل لغير من استأجره، لكن له أن يعمل خارج هذا الوقت. فمن كان دوامه ثمان ساعات يوميا مثلا، ليس له أن يعمل خلال هذه الساعات لحساب أي جهة أخرى غير رب العمل، وله أن يعمل ما شاء خارج هذه الساعات، ولا يجوز أن يحجر عليه في ذلك، وإن شُرط عليه في العقد ألا يعمل، فهو شرط فاسد لا يلزمه الوفاء به؛ لأنه ينافي مقتضى حرية الإنسان وملكه لمنافعه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها في قصة بريرة: (خُذِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاءَ، فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ، فَفَعَلَتْ عَائِشَةُ، ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ، مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ، وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ، وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ) رواه البخاري (2168) ومسلم (1504) فلم يجعل النبي صلى الله عليه وسلم موافقتها على الشرط ملزما لها بالوفاء، لأنه شرط باطل.
وهذا ما لم يؤد العمل الثاني إلى عجزه أو ضعفه عن أداء عمله الأول، فيلزمه حينئذ أن
يختار أحد العملين حتى يؤدي المطلوب منه على وجهه الصحيح، وإلا كان خائناً للأمانة، غاشاً لجهة العمل.
وقد سئل الشيخ عبد الله بن جبرين حفظه الله: هل يجوز للعامل أن يعمل في يوم الجمعة مثلاً، أو في الليل، بعد أن انتهى من عمله مع كفيله؟ أم أن العقد يلزمه بعدم العمل؟
فأجاب: "لا مانع من عمله عند فراغه في الليل أو آخر كل نهار أو يوم الجمعة، بشرط أن لا يرهق نفسه إرهاقاً يُعجزه عن العمل اللازم له عند كفيله، أو يسبب له مللا يُقلل من إنتاجه، فإذا لم يكن كذلك: جاز أن يعمل ويتكسب، وله كسبه، ولا يحق للكفيل أن يمنعه من ذلك، كما لا يمنع الموظف الحكومي من العمل في منزله في بناء، أو سقي، أو حرث، أو إصلاح، أو شغل يدوي، أو شراء حاجة، أو حمل أو تنزيل، ويملك ما ينتجه من ذلك؛ لأنه تحصيله الذي حصل عليه من كد يمينه " انتهى من "فتاوى الحقوق" ص 84 جمع خالد الجريسي.
والحاصل: أن هذا الشرط الذي تشرطه بعض جهات الأعمال شرط غير صحيح، ولا يلزم الوفاء به، لأن الموظف حر، لا يجوز الحجر على منافعه بغير مقتضى شرعي.
ثانياً:
قد أخطأت في تحايلك على الشركة لقبض راتب الشهر الذي تقضيه في المؤسسة العسكرية، والحال أنك لم تذهب إليها، وهذا الراتب لا تستحقه إلا بشرط الذهاب إلى المؤسسة العسكرية، فما دمت لم تذهب فهذا المرتب ليس من حقك، فالواجب عليك التوبة من ذلك، ورد المال إلى الشركة؛ وعليك أن تجد الوسيلة الملائمة للرد، فقد يكون ذلك بالمصارحة، وقد يكون بإيداع المال في حساب الشركة أو بغير ذلك من الوسائل.
ونسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6459)
تقييد دوام العمل عند حضور الموظف إلى مقر عمله
[السُّؤَالُ]
ـ[هل أكتب وقت الحضور في سجل الدوام في المدرسة من لحظة خروجي من البيت إلى المدرسة أو من لحظة دخولي المدرسة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المحافظة على الدوام من الأمور المهمة؛ لأن الموظف يتلقى أجره عمله (الراتب) فيجب عليه أن يوفي عمله مقابل ما أخذه، وإلا كان ما أخذه أو بعضه حراماً عليه، والواجب على المسلم أن يتحرى المال الحلال حتى يطيب عيشه وتقبل دعواه.
ووقت الدوام يحسب من أول دخول الموظف مكان العمل إلى خروجه منه، ولم نجد أحداً من أهل العلم قال: إنه يُحسب من أول خروج الموظف من بيته.
وقد سئل الشيخ عبد العزيز رحمه الله:
موظف في إحدى الدوائر يحافظ على دوامه باستمرار، فإذا دخل سجل في دفتر الحضور وقت حضوره الذي جاء فيه، ولكن هناك مجموعة من زملائه يسجلون أوقاتاً خاطئة، فيحضر أحدهم الساعة السابعة مثلاً ويكتب السادسة والنصف، أو ما شابه ذلك، وبالتالي فإن هؤلاء الموظفين المخادعين يحصلون على مميزات وأمور؛ بسبب تزويرهم في التوقيع، ويحرم منها هذا؛ بسبب أنه حتى إذا تأخر سجل تأخره، فهل يصح أن يفعل مثلهم؟ وما موقفه منهم؟ وما حكم فعل المدير الذي يتساهل في هذه الأمور؟ وهل تعارفهم على ذلك واعتيادهم على ذلك يبيح هذا الفعل؟
فأجاب:
"الواجب على كل مسلم أداء الأمانة والحذر من الخيانة في العمل، وفي الحضور والغياب، وفي كل شيء، والواجب عليه أن يسجل الوقت الذي دخل فيه، والوقت الذي خرج فيه؛ حتى يبرئ ذمته، والواجب على المسؤول عنهم أن ينصحهم، ويوجههم إلى الخير، ويحذرهم من الخيانة. والله ولي التوفيق" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (19/355) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: في بعض الأحيان أخرج من عملي لأداء بعض الأعمال الخاصة وقت الدوام بدون علم المدير، كما أن زملائي ينصرفون قبل نهاية الدوام بنصف ساعة، وأقوم أنا بوضع كروتهم في المكينة الخاصة بذلك عند نهاية الدوام، فما هو حكم هذا العمل، وما هو توجيهكم لنا؟
فأجابوا:
"الموظف يجب عليه الحضور في مكان العمل كل وقت الدوام، ولو لم يكن عنده عمل، ولا يجوز له الانصراف إلا لأمر ضروري يسمح به النظام، ولا يجوز التزوير بإثبات الحضور والانصراف الرسمي وهو غير صحيح، فالواجب على السائل وعلى زملائه التوبة إلى الله والتقيد بأداء الواجب. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ صالح الفوزان ... الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ... الشيخ بكر أبو زيد
"فتاوى اللجنة الدائمة": (15/152) .
وبهذا تعلم أخي السائل أنه لا يجوز لك تسجيل وقت الحضور إلا من وقت دخولك مبنى عملك لا قبله.
ونسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6460)
يسهل القرض لعملاء المصرف مقابل مبلغ من المال
[السُّؤَالُ]
ـ[لي زميل ذكرت له أنني أعرف موظف المصرف الذي يحول راتبه عليه، وقلت له: أقدر أن أقدم لك عن طريق موظف البنك قرضاً تكميلياً وسوف تأتي الموافقة بس لابد منك عند انتهاء العملية دفع مبلغ وقدره 2000 ريال على أنها للموظف وقمت بأخذ أوراقه وذهبت بها إلى المصرف وقدمت له طلباً من غير ما يحضر هو معي فنزلت الموفقة على إقراضه فاتصلت به وقلت له إنك تستطيع أخذ قرض فهل تريد أن أكمل؟ قال: نعم، وقمت بإنهاء إجراءاته وهو في المنزل ونزلت الفلوس على حسابه، وذهبت إليه، فأعطاني مبلغ وقدرة 2500 ريال على أنها 2000 ريال لموظف البنك و500 ريال لي أنا فأخذتها كلها، علماً أنني مبين له أن 2000 ريال ليست لي، فهل يحق لي أخذها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إذا كانت الـ 2000 ريال سيأخذها موظف البنك فعلاً، فهذا قد يكون مباحا لكونه في مقابل ما بذله من جاهه، وقد يكون محرما لكونه رشوة، أو مأخوذا بالتزوير والكذب، والمسألة تدور بين الاحتمالات التالية:
1- إن كان موظف البنك يعتمد على جاهه ومنزلته، فيشفع عند المسؤولين، ثم يأخذ مقابلاً على ذلك، فهذا ما يعرف عند الفقهاء بثمن الجاه، وهو محل خلاف بينهم، فذهب بعضهم إلى جوازه، كما يفهم من كلام الشافعية والحنابلة، وذهب آخرون إلى منعه أو كراهته أو التفصيل في حكمه، وهي أقوال في مذهب المالكية.
قال في "مغني المحتاج" (شافعي) (3/35) : " قال الماوردي: ولو قال لغيره: اقترض لي مائة ولك علي عشرة فهو جعالة " انتهى. يعني: يجوز ذلك، والجعالة تشبه الأجرة، غير أنها تخالفها في بعض الأحكام.
وقال في "الروض المربع" (حنبلي) في باب القرض: " وإذا قال: اقترض لي مائة، ولك عشرة صح؛ لأنها في مقابلة ما بذله من جاهه " انتهى.
وقال في "الإنصاف" (حنبلي) (5/134) : " لو جعل له جُعْلاً على اقتراضه له لجاهه: صح. لأنه في مقابلة ما بذله من جاهه فقط " انتهى.
فإذا كان الموظف قد سهّل القرض لزميلك بهذا الطريق، فالذي يظهر أنه لا حرج عليه، كما أنه لا حرج عليك في أخذ الـ 500 ريال التي أعطيت لك.
2- وإن كان من عمل الموظف أن يقدم القرض لمن تنطبق عليه شروطه فأبى أن يقدمه إلا بأخذ مبلغ له، فهذه رشوة محرمة.
3- وإن كان يتوصل إلى إقراض زميلك عن طريق الكذب أو التزوير فعمله محرم، والمال الذي يأخذه لذلك محرم، ولا يجوز التوسط بينهما في هذه الحالة.
ثانياً:
أما إذا كانت هذه الـ 2000 ستأخذها أنت، وكذبت على صاحبك في إخباره بأنها لموظف البنك، فهذا كذب محرم، وهذا المبلغ لا يحل لك أخذه، والظاهر أن صاحبك لو علم أنها لك لم يعطك بعد ذلك 500 ريال، فكان الواجب عليك إخباره بحقيقة الأمر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ) رواه أحمد (20172) وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (7662) .
فعليك أن تصحح خطأك وتتوب من هذا الذنب وأكل المال الحرام، فتعيد هذه الـ 2000 إلى صاحبك، ولا حرج عليك أن تُعَرِّض له في الكلام، ولا تصرح له بأنك كذبت عليه، بل تقول له: إن موظف البنك لم يأخذها – مثلاً -، فإن أعطاك إياها أو شيئاً منها فلا حرج عليك من قبوله.
ثالثاً:
يشترط في هذا القرض أن يكون قرضا حسنا لا تترتب عليه فائدة ولا غرامة تأخير، وإلا كان قرضاً ربوياً لا يحل أخذه، ولا يحل التوسط في الحصول عليه، لا لك ولا لموظف البنك؛ لما فيه من الإعانة على كبيرة الربا التي لعن فاعلها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6461)
حكم العمل في تنسيق كوش العرائس
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لي أن أعمل في تنسيق كوش العرائس؟ هل ماله حلال؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
كوشة العرائس هي المنصة التي تجلس عليها العروس بمفردها أو مع زوجها، وهذه إن كانت في محفل يجتمع فيه الرجال النساء فهذا منكر يجب إنكاره، لما فيه من النظر المحرم غالبا، ولكونه من أسباب الفتنة والشر، فإن جلوس العروسين أمام الناس وقد أخذا زينتهما، يحمل على الإعجاب والتعلق بالعروس أو بزوجها.
قال علماء اللجنة الدائمة: " ظهور الزوج على المنصة بجوار زوجته أمام النساء الأجنبيات عنه اللاتي حضرن حفل الزواج، وهو يشاهدهن وهن يشاهدنه، وكل متجمل أتم التجميل، وفي أتم زينته ـ لا يجوز، بل هو منكر يجب إنكاره " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (19/120) .
والكوشة على هذا الوجه لا يجوز العمل في تنسيقها ونصبها.
وإن كانت الكوشة في محل خاص بالنساء تحضره العروس منفردة عن زوجها، فلا حرج. وكذا لو جلس العروسان مع محارم الزوج كأمه وعمته وخالته وأم الزوجة وجدتها فلا حرج أيضاً.
والحاصل: أنه يجوز لك العمل في تنسيق الكوش التي تستعمل استعمالاً مباحاً بعيداً عن الاختلاط المحرم، فإن علمت أو غلب على ظنك أنها ستستعمل استعمالاً محرماً لم يجز لك العمل في تنسيقها؛ لقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6462)
العمل في شركة تتعامل بالربا
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل بمهنة محاسب في شركة مقاولات لديها العديد من الفروع في جميع أنحاء المملكة ونشاط الشركة قائم على التعاملات المتمثلة فيما يلي: 1- يتم فتح ضمان بنكي عند استلام المشروع مقابل عمولات من البنك. 2- اعتمادات بنكية لصالح موردي الشركة لضمان حقوقهم مقابل عمولات من البنك. 3- قروض في صورة إعادة تمويل فواتير الاعتمادات مقابل نسبة ثابتة حسب سعر مؤسسة النقد بالإضافة إلى 3%: 4% حسب البنك. 4- يتم السحب على المكشوف مقابل نسبة على الرصيد المدين اليومي (حيث يقوم البنك بخصم فائدة مقابل السحب على المكشوف تحسب على أساس الرصيد اليومي مضروب في معدل ثابت 11% سنويا) . 5- تمويل المستخلصات للمشروعات لحين صرف الشيكات الخاصة بها مقابل نسبة يحددها البنك طبقا للسعر المحدد من قبل مؤسسة النقد بالإضافة إلى 3%: 4% حسب البنك. 6- بالنسبة للتعامل مع بعض مقاولي الباطن يتم التعامل معهم بإضافة نسبة 1% شهريا على الرصيد المكشوف لدى الشركة. والسؤال: ما هو حكم هذه التعاملات التي تقوم بها الشركة؟ وإذا كان الجواب عدم جواز هذه التعاملات: 1- ما حكم عملي في هذه الشركة حيث إنني أعمل محاسباً بعيداً عن هذه التعاملات علماً بأنه ليس لدي عمل بديل وعندي مسؤوليات كثيرة؟ 2- هل ينطبق الحكم على جميع العاملين في الشركة في مختلف التخصصات الوظيفية حيث يعمل لدى الشركة حوالي 7000 عامل تقريبا موزعون في الفروع والمواقع (مديرين، مهندسين، محاسبين، إداريين، معقبين، فنيين، مراقبين، عمال) ؟ 3- ما حكم المال الذي تم اكتسابه خلال فترة عملي بالشركة وهل يجوز المطالبة بمستحقاتي عن فترة عملي بها (مكافأة نهاية الخدمة – تذاكر سفر....إلى آخره) ؟ 4- توجيه نصيحة لصاحب العمل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إذا كان الأمر كما ذكرت فإن كثيرا من معاملات الشركة مع البنك قائمة على الربا المحرم، وعليه، فلا يجوز العمل في إجراء هذا الربا أو كتابته أو تسجيله؛ لما روى مسلم (1598) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ. وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ) .
وإذا كان عملك في المحاسبة لا يقتضي مباشرة الأعمال الربوية ولا الإعانة عليها، فلا حرج عليك في الاستمرار فيه، وهكذا المدراء والمهندسون والفنيون وغيرهم لا حرج عليهم في بقائهم في أعمالهم المباحة ولو كانت الشركة تتعامل بالربا.
فقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عن موظف يعمل بشركة تتعامل مع البنوك وتقترض منهم بالربا، وتعطي الموظفين الرواتب من تلك القروض الربوية
فأجاب: "هل هذا الموظف يكتب العقود التي بين الشركة وبين البنوك؟
السائل: لا يكتب، بل هو أنا يا شيخ! (أي هو الموظف المسئول عنه) .
الشيخ: إذاً: أنت الآن لا تكتب الربا ولا تشهد عليه، ولا تأخذه ولا تعطيه، فلا أرى في هذا شيئاً، ما دام عملك سليماً فيما بينك وبين الشركة، فوِزْر الشركة على نفسها. إذا لم تكن تذهب إلى البنوك ولا توقع على معاملة البنوك فلا شيء عليك، فالمؤسسة هذه -أولاً- لم تُبنَ للربا، وليست مثل البنك الذي نقول: لا تتوظف فيه، فهي لم تؤسس للربا. ثانياً: إنك لم تباشر الربا لا كتابةً ولا شهادةً ولا خدمةً، عملك منفصل عن الربا " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (59/15) .
ثانياً:
لا حرج في أخذك مكافأة نهاية الخدمة أو تذاكر السفر، وفي الانتفاع براتبك ما دام عملك خاليا من الحرام ومن الإعانة عليه.
ثالثاً:
ينبغي نصح صاحب العمل بتقوى الله تعالى والبعد عن الربا، والتعامل مع البنوك الإسلامية، والبحث عن طرق التمويل المشروعة وهي كثيرة، وسؤال أهل العلم عن معاملاته وما يحل منها وما يحرم، فإن المال الحرام أمره عظيم، وعاقبته سيئة، وهو سبب لعدم قبول الدعاء والأعمال الصالحة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) ، وَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) ، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ) رواه مسلم (1015) .
قال ابن رجب رحمه الله: " وفي هذا الحديث إشارة إلى أنه لا يقبل العمل ولا يزكو إلا بأكل الحلال، وأن أكل الحرام يفسد العمل ويمنع قبوله؛ فإنه قال بعد تقريره: (إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا) وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) والمراد بهذا: أن الرسل وأممهم مأمورون بالأكل من الطيبات التي هي الحلال وبالعمل الصالح، فما كان الأكل حلالا فالعمل الصالح مقبول، فإذا كان الأكل غير حلال فكيف يكون العمل مقبولا. وما ذكره بعد ذلك من الدعاء وأنه كيف يُتقبل مع الحرام فهو مثال لاستبعاد قبول الأعمال مع التغذية بالحرام) انتهى من "جامع العلوم والحكم" ص 100.
وقال صلى الله عليه وسلم: (كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به) رواه الطبراني وأبو نعيم عن أبي بكر، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (4519) .
ورواه الترمذي (614) من حديث كعب بن عجرة بلفظ: (إنّه لا يربو لحم نبت من سحت إلا كانت النار أولى به) .
وينبغي أن يعلم أن الرزق مقسوم مكتوب، فلا يستعجل في طلبه بطريق محرم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن روح القدس نفث في روعي: أن نفساً لن تموت حتى تستكمل أجلها، وتستوعب رزقها، فاتقوا الله، وأجملوا في الطلب، ولا يحملنّ أحدَكم استبطاءُ الرزق أن يطلبه بمعصية الله، فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته) رواه أبو نعيم في الحلية، وصححه الألباني في صحيح الجامع (2085) .
نسأل الله أن يوفق الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6463)
لكي تتقن التخصص لا بد من العمل في مستشفى مختلطة
[السُّؤَالُ]
ـ[عمل المرأة طبيبة في عيادتها للنساء ليس فيه اختلاط؛ ولكن لكي تتعلم التخصص الطبي نفسه وتصبح ماهرة فيه لابد من قضاء عدة سنوات بعد الكلية من التعلم في المستشفيات والذي لابد فيه من الاختلاط بالأطباء وملازمتهم حتى تتقن هذا التخصص، فهل ذلك يجوز باعتبار أنها ستعمل بعد ذلك في العيادة فقط بدون العمل في المستشفي؟؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك في الحاجة الماسة لوجود طبيبات ماهرات خاصة في التخصصات الطبية المتعلقة بالنساء، ومما يؤسف له أن أغلب المستشفيات لا تخلو من الاختلاط بين الرجال والنساء، وهذا من الأمور المحرمة التي سبق بيانها، كما في السؤال (69859) .
فإذا تعذر على المرأة تعلم التخصص الطبي الذي تحتاجه، أو يحتاجه الناس إلا في أماكن مختلطة؛ رخص لها في ذلك؛ شريطة أن تلتزم بالأحكام والآداب الشرعية من الحجاب الساتر، وغض البصر، وعدم الخلوة بأحد الرجال، والابتعاد عن المحادثات الجانبية التي تخرج عن طبيعة العمل، وعدم التبسط في الكلام مع الرجال.
على أن الذي ننصح به ابتداء: أن من لم يُبتل بهذه الدراسة، وما زال في الخيار، فإنه يتحرى أبعد الأمور عن المحاذير الشرعية، خاصة وأن مقدار الكفاية وسد الحاجة سوف يقوم به غيره، فعليه هو أن يحتاط لنفسه.
وأما من شرع في ذلك فعلاً، فنرجو أن لا يكون عليه حرج في إتمام ما بدأ، خاصة إذا كان قد قطع فيه شوطاً كبيراً.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6464)
العمل في صيانة الحاسب في مؤسسة تدعو لتنظيم النسل وتحارب الختان
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال: أنا فني في صيانة الحاسب الآلي في الاتحاد الدولي لتنظم الأسرة إقليم العالم العربي، وهذا الاتحاد يدعو الشباب والمتزوجين إلى تحديد النسل بالأدوية والطرق العلمية وإلى الإجهاض الآمن وإلى محاربة ختان البنات وإلى التثقيف والتوعية ضد الأمراض المنقولة جنسياً، سؤالي: هل عملي ومكسبي حلال أم حرام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يجوز للزوجين أن يتفقا على تأخير الإنجاب مدة معينة لضعف الزوجة أو مرضها ونحو ذلك، ولا يجوز قطع النسل نهائياً، ولا تحديده خوفاً من الفقر، كما لا يجوز إصدار قانون يلزم بذلك، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (32479) .
ثانياً:
لا يجوز إجهاض الجنين بعد نفخ الروح فيه، أي: بعد بلوغ أربعة أشهر من الحمل، وهو حينئذ قتل للنفس التي حرم الله إلا بالحق، ويجوز قبل ذلك إذا كان في إسقاطه مصلحة شرعية، أو دفع ضرر، كما لو ثبت تشوه الجنين.
وينظر جواب السؤال رقم (42321) .
ولا يجوز إجهاض الجنين الناتج عن الزنا، ولا الدعوة إلى ذلك؛ لما فيه من التشجيع على الحرام والتخفيف من تبعاته.
ثالثاً:
ختان الإناث مشروع، وهو دائر بين الوجوب والندب، ولا يُعلم عن أحد من الفقهاء القول بتحريمه، وقد سبق بيان ذلك مفصلا، مع بيان فوائده الصحية والطبية، وفتاوى أهل العلم في شأنه، انظر جواب السؤال رقم (60314) ورقم (45528) .
ولا وجه لمحاربة الختان الذي هو من سنن الفطرة، لكن ينبغي محاربة الطرق السيئة في إجرائه، كالختان المسمى بالفرعوني، وفيه يتم استئصال البظر كله، مما يكون له أثر سيء على المرأة.
رابعاً:
لا حرج في التوعية والتثقيف بأضرار الأمراض الجنسية، بشرط ألا يتضمن ذلك التهوين من الحرام والإغراء بارتكابه عند أخذ الحيطة.
وبناء على ما سبق، فإن كان ما يقوم به الاتحاد من أعمال يدخل في دائرة المشروع، فلا حرج من العمل فيه، في صيانة الأجهزة وغيرها. وإن كان ما يقوم به يدخل في دائرة الممنوع لم يجز العمل فيه لتحريم مباشرة المعصية أو الإعانة عليها، لقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2.
وعلى العبد أن يحتاط لدينه، وأن يحذر أكل المال الناتج عن العمل المحرم؛ فإنه (لا يربو جسد من سحت إلا كانت النار أولى) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم. رواه الترمذي (614) وصححه الألباني.
وقال صلى الله عليه وسلم: (كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به) رواه الطبراني عن أبي بكر رضي الله عنه، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4519) .
واعلم أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، ومن اتقاه رزقه وزاده.
نسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6465)
حكم تدقيق الحسابات وتسديد الفواتير الربوية لمن عزم على ترك الربا
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل بوظيفة لبعض الوقت أساعد أحد الأشخاص أصحاب الشركات، والوظيفة تتلخص في استلام البريد الذي يأتي لشركته وفرز البريد ومتابعة حساب البنك ودفع الفواتير المتعلقة بالشركة ومن ضمن هذه الفواتير فواتير لبطاقات الائتمان. كل ما أفعله هو دفع قيمة الفاتورة من حساب الشخص علماً بأنه هو صاحب البطاقات وهو صاحب المال. وللعلم إنه الآن لا يستخدم البطاقات ولكن فقط يسدد ما عليه حتى لا يستعملها لأنها أغرقته في الفوائد، فهل عملي معه يوقعني تحت طائلة المشاركة في الربا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
لجواب:
الحمد لله
أولاً:
يحرم التعامل بالربا قرضا أو اقتراضا، ويحرم التعامل ببطاقة الائتمان الربوية، وعلى من فعل ذلك أن يتوب إلى الله تعالى، ويوقف التعامل المحرم؛ لما في الربا من عظيم الإثم والجرم.
ولا يجوز الإيداع في البنك الربوي إلا لضرورة حفظ المال عند عدم وجود بنك إسلامي، ويقتصر حينئذ على الإيداع في الحساب الجاري.
وينظر جواب السؤال رقم (118034) ورقم (97530) .
ثانياً:
إذا كان هذا الشخص قد تاب إلى الله تعالى من التعامل بالربا عن طريق البنك، وبطاقات الائتمان، فلا حرج في متابعة حسابه وتسديد فواتيره؛ لأن هذا إعانة له على التخلص من تبعات الحرام.
وإذا كان مقيماً على الربا، فلا يجوز متابعة حسابه الربوي، سواء كان في الإيداع البنكي أو في بطاقة الائتمان، لما في ذلك من إقرار الربا والإعانة عليه.
وينظر جواب السؤال رقم (108105) ورقم (118189) .
ونسأل الله لك ولك التوفيق والسداد والسلامة من الربا والإعانة عليه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6466)
عمل عند والده بأجرة أخذ بعضها وكان يصرف من أمواله دون علمه
[السُّؤَالُ]
ـ[اشتغلت عند الوالد رحمه الله لمدة خمسة أشهر، وكان الاتفاق بيني وبين والدي أن أجرتي في الشهر مبلغ وقدره 2000 قبضت من والدي 1100. كنت أصرف من أموال والدي دون علمه وهي أقل من مجموع أجرتي الكاملة عنده. 1- هل علي أن أحصي هذه الأموال التي أخذتها دون علمه وأتصدق بها عن والدي. 2- أم أحصي هذه الأموال وأسدد بها من دين والدي لأنه مات وهو مديون. 3- أم أعتبر أني أخذت من أجرتي فلا شيء علي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إذا كان الأمر كما ذكرت من حصول الاتفاق بينك وبين والدك على العمل معه بأجرة لم تستوفها كاملة، ولم تتنازل عنها له، وكان ما أخذته من ماله دون علمه لا يخرج عن ذلك فلا شيء عليك.
وهذه المسألة لها شبه بما يذكره العلماء في مسألة "الظفر" أي: ظفر الإنسان بحقه الذي لم يستطع الوصول إليه.
قال الشنقيطي رحمه الله: " إنْ ظلمك إنسانٌ بأنْ أخذَ شيئاً مِن مالِك بغير الوجه الشرعي،
ولم يمكن لك إثباتُه، وقدرتَ له على مثل ما ظلمك به على علو وجهٍ تأمن معه الفضيحة
والعقوبة، فهل لك أنْ تأخذَ قدرَ حقِّك أو لا؟
أصحُّ القولين، وأجراهما على ظواهر النصوص وعلى القياس: أنْ تأخذَ قدرَ حقِّك مِن غيرِ زيادةٍ؛ لقوله تعالى: (فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ…) الآية، وقوله: (فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُم) ، وممن قال بِهذا القول: ابن سيرين، وإبراهيم النخعي، وسفيان، ومجاهد، وغيرهم.
وقالت طائفة من العلماء منهم مالك: لا يجوز ذلك، وعليه دَرَج خليل بن إسحاق المالكي في " مختصره " بقوله في الوديعة: وليس له الأخذ منها لمن ظلمه بمثلها، واحتج من قال بِهذا القول بحديث: (أَدِّ الأمَانَةَ إِلى مَنِ ائْتَمَنَكَ، وَلا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ) ا. هـ.
وهذا الحديث على فرض صحته لا ينهض الاستدلال به؛ لأنَّ مَن أخذَ قدرَ حقِّه ولم يزد عليه لم يخن مَن خانه، وإنما أنصف نفسه ممن ظلمه " انتهى من "أضواء البيان" (3/353) .
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (27068) .
وكان ينبغي أن تطالب أباك بأجرتك وألا تلجأ إلى الأخذ من ماله دون علمه إلا في حال امتناعه عن بذلها لك.
ثانياً:
إذا تبين أنك أخذت من ماله فوق أجرتك، لزم رد قدر الزائد إلى التركة، ومنها تسدد الديون، ولا وجه للتصدق بها عن والدك.
وهكذا من أخذ مال غيره فإنه يرده إليه إن كان حيا، وإلى ورثته إن كان ميتا، ولا يتصدق به عنه إلا في حال عجزه عن الوصول إليه أو إلى ورثته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6467)
ليس لك أن تبقى في عمل محرم لفقرك
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مغترب، وتركت الأهل والوطن للبحث عن لقمة العيش، كنت أعمل في شركة، وبعد فترة طلبت مني الشركة البحث عن كفيل للعمل لديه ونقل كفالتي؛ لأنها ستقوم بتصفية الشركة، وقد جلست مدة ثلاثة أشهر في البحث عن عمل آخر، وأخيراً بعد جهد وعناء ومشقة حصلت على عمل في جهة معينة، وقبل أن أتقدم لهذا العمل استخرت الله وصليت ركعتي الاستخارة وقبل أن يتم نقل الكفالة على هذه الجهة كان أمامي عقبات كثيرة جداً وكنت متوقعاً عدم نقل الكفالة، ولكن تسهَّلت الأمور بشكل لم أتوقعه وتم فعلاً نقل الكفالة، وبعد أن استلمت العمل قال الناس بأن العمل في مثل جهتك يُعدُّ حراماً، وطبعاً أنا لم أعرف ذلك نهائياً من قبل، وأنا حاليا مستقيل من عملي في بلدي، ومن هنا أنا لا أستطيع ترك هذا العمل أو نقل الكفالة على عمل آخر بسبب ليس في يدي، ولكن بسبب الأنظمة المتبعة، وليس لي إلا السفر نهائياً إلى بلدي، ما موقفي من هذا العمل؟ وما رأي سماحتكم في ركعتي الاستخارة؟ وكل ما أرجوه التكرم عليّ بإجابة واضحة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا ريب أن المؤمن يبتلى في هذه الدنيا، تارة بالأمراض وتارة بالحاجة والفقر، وتارة بتعسر الأعمال التي تعينه على لقمة العيش، وتارة بغير ذلك.
فالواجب على المؤمن عند الابتلاء التحمل والصبر ولزوم الحق والحذر مما حرم الله عزَّ وجلَّ، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ) .
فعليك يا أخي أن تشكر الله على ما يسر لك من النعمة والسراء، وأن تتحمل الصبر على ما يسوؤك من قلة العمل وصعوبة العمل أو صعوبة لقمة العيش أو غير هذا مما يسوء الإنسان، لابد من الصبر والتحمل وأما استخارتك في عمل اشتبه عليك أمره، هل تعلمه أو لا تعلمه فلا بأس؛ فالاستخارة مشروعة في الأمور التي تشتبه، كأن يريد السفر ويشتبه عليه السفر هل هو صالح أم لا فيستخير، أو يريد الزواج بامرأة من بني فلان فيستخير؛ هل زواجه بها مناسب وطيب أم لا، أو يريد معاملة إنسان في تجارة فيستخير هل معاملته مناسبة أم لا، لا بأس، فهذا العمل الذي استخرت فيه، إذا كان قد اشتبه عليك ولم تعلم أنه مناسب واستخرت الله جل وعلا أن يشرح صدرك لما يرضيه وأن يسهل لك هذا الأمر إن كان صالحاً مباحاً، هذا لا بأس به.
ثم إذا تبين لك بعد ذلك أن العمل غير صالح فلا مانع حينئذ من أن تستقيل وتُؤْثر ما عند الله، بل يجب عليك ذلك، ولكن بعد التثبت بعد سؤال أهل العلم، بعد التصبر، فإذا ظهر لك بالأدلة الشرعية أو بفتوى أهل العلم المعتبرين أن هذا العمل لا يجوز، كالعمل في بنوك الربا، وكالعمل في بيع الخمور وبيع التدخين أو حلق اللحى أو ما أشبه ذلك مما هو محرم، فإذا عرفت أن العمل محرم فاترك العمل، ويعطيك الله أبرك منه، يقول الله سبحانه: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) الطلاق/2، 3، ويقول سبحانه: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) الطلاق/4.
وجاء عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (من ترك شيئاً لله ـ وفي لفظ: من ترك شيئاً اتقاء الله ـ عوضه الله خيرا منه) .
فإذا كان هذا العمل اتضح لك بالأدلة الشرعية أو بفتوى أهل العلم المعتبرين أنه عمل لا يجوز فعليك أن تستقيل منه وتلتمس عملاً آخر، ولا تقول: أنا لا أستطيع، ليس لك أن تعيش من الحرام، بل عليك أن تلتمس الحلال ولو سألت الناس عند الضرورة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم لقَبِيصَةَ بْنِ مُخَارِقٍ لما سأله: (يَا قَبِيصَةُ، إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إِلَّا لِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ: رَجُلٍ تَحَمَّلَ حَمَالَةً فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا ثُمَّ يُمْسِكُ، وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ ـ أَوْ قَالَ: سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ ـ وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ ـ يعني حاجة ـ حَتَّى يَقُومَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَى مِنْ قَوْمِهِ: لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ) .
وإذا كنت لست من أهل الغنى السابق، بل أنت من أهل الحاجة، ولست من أهل الثروة، فأنت أعلم بنفسك، تحل لك المسألة من أجل الحاجة والفاقة، ولو ما شهد لك ثلاثة ما دمت تعلم أنك من أهل الفاقة، وليس عندك شيء يقوم بحالك، فلا مانع من أن تسأل ذوي الخير ومن تظن أنهم يستجيبون إما لإعطائك من الزكاة وإما مما أعطاهم الله من المال، حتى تجد ما يغنيك، ولا تلح، بل تسأل ما يسد الحاجة، ومتى حصل ما يسد الحاجة كففت عن السؤال إلى وقت آخر تحتاج فيه، مع طلب العمل والجد في طلب العمل وطلب الرزق بالوسائل والطرق التي تستطيعها مما أباح الله عز وجل، أما أن تبقى في عمل محرم لأنك فقير فليس لك ذلك " انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (3/1470 – 1473) .
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
فتاوى نور على الدرب
(5/6468)
حكم العمل في تدقيق حسابات العطور والمكياج
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لي العمل في تدقيق حسابات لفترة وجيزة حتى إنهاء عمل التدقيق اللازم في شركة عطور ومكياج أنا وبعض الإخوة المحاسبين وسوف أتقاضى مبلغاً من المال عند إنهاء التدقيق على هذه الحسابات، مع العلم أني قد بدأت العمل فعلاً من أسبوع وسوف أعمل حتى يتضح لي هل يجوز لي أم لا؟ وإن كان الجواب: لا يجوز، فماذا أفعل في المال الذي سوف أتقاضاه نظير هذا العمل؟ أفيدوني أفادكم الله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
العمل في تدقيق حسابات العطور والمكياج ينبني على حكم بيع هذه الأمور، وفي ذلك تفصيل سبق بيانه، وحاصلة:
1- أنه إن بيعت على من يغلب على الظن أنه يستعملها في التبرج المحرم فلا يجوز.
2- وإن بيعت على من يستعملها في التزين المباح فيجوز.
3- إن جُهل حال المشتري جاز البيع له، ما لم يكن الغالب في البلد الاستعمال المحرم.
والمحاسب ليس من طبيعة عمله النظر في حال المشتري، ولا يمكنه ذلك، ولهذا فالمدار على غالب الاستعمال، فإن كان الغالب شراء المكياج لاستعماله في المنازل وبين النساء، فلا حرج في العمل في تدقيق الحسابات المتعلقة به.
وإن كان الغالب استعمال المكياج في التبرج والظهور به أمام الرجال الأجانب، فلا يجوز الإعانة على ذلك بتدقيق الحساب أو غيره؛ لقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2.
وينظر جواب السؤال رقم (67745) ورقم (82338) .
وكان عليك ألا تباشر العمل حتى تعلم ما يحل منه وما يحرم، وإذا تبين أن عملك محرم، لم يجز لك الانتفاع بما بقي في يدك من المال الذي أخذته عليه، ويعفى عما أنفقته منه قبل علمك بالتحريم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6469)
يؤجر الفندق لمن يسدد ببطاقة الفيزا ويتأخر في مراجعة البنك الربوي لتحصيل ماله منه
[السُّؤَالُ]
ـ[والدي لديه فندق صغير وبفضل الله لا يوجد فيه المواد الكحولية أو ما شابه ذلك من المحرمات، غير أنه يقبل من الزبائن نظام الدفع بالبطاقة، وهو أن يقوم النزيل بدفع رسوم الغرفة عن طريق البطاقة التي لديه، ومن ثم يقوم والدي بالذهاب إلى البنك لأخذ هذا المبلغ كل شهر، وخلال هذه المدة (شهر) لابد وأن البنك يستخدمها في استثماراته الخاصة، والتي لا شك أنها تعتمد على الربا، وقد ناصحته بأن يذهب كل يوم لاستخلاص المبلغ من البنك، ولكنه لم يستمع لنصيحتي، فما رأي الشرع في ذلك؟ كما أني أعمل لديه في الفندق وأتقاضى أجراً على ذلك، فهل هذا حرام؟ أرجو التوضيح في كل ما سبق؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يجوز لصاحب الفندق وللبائع أن يتقاضى أجرته أو ثمن سلعته من العميل عن طريق البطاقة البنكية، أو بطاقة الفيزا، سواء كانت البطاقة مشروعة أو ممنوعة، أما المشروعة الخالية من المحاذير فأمرها واضح، وأما الممنوعة فلأن إثم الحرام فيها راجع على البنك والعميل، ولا علاقة للمؤجر والبائع بذلك؛ إذ لهما أن يؤجرا أو يبيعا لمن اقترض ماله بالربا، وإثم الربا على فاعله.
ثانياً:
لا يظهر لنا وجهٌ لإلزام والدك بتحصيل المال من البنك يوميا؛ أنه لا يخفى أن مراجعة البنك يومياً فيها شيء من المشقة، ولا يمكن الجزم بأن البنك يستفيد من مال والدك في التعاملات الربوية، لأن البنوك قد يكون لها بعض المعاملات المباحة، فإذا ما تعامل البنك بهذا المال في الربا فإثم ذلك يقع عليه لا على والدك، الذي يقصد حفظ المال، ولا يقصد – بالطبع – مساعدة البنك على الربا.
ثالثاً:
لا حرج في عملك في الفندق وتقاضيك الأجر على ذلك، سواء سلم تعامل والدك من الإعانة على الربا أو لم يسلم؛ لأن أجرتك إنما هي في مقابل العمل المباح الذي تقوم به.
ونسأل الله تعالى أن يوفقك ووالدك إلى كل خير وهدى وبر.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6470)
لا يجوز لك الإفطار بسبب العمل
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا من عائلة متوسطة الدخل، وأشتغل في العطلة بعمل شاق جداً لأساعد عائلتي في مصاريفها، ويوافق عملي هذا صيام رمضان، ولا أستطيع التوفيق بين عملي والصيام. فهل يجوز لي أن أصوم في غير رمضان لأستمر في عملي؟ أفيدونا أفادكم الله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الواجب على المؤمن إذا جاء رمضان أن يصوم رمضان، وإذا كان في أعمال شاقة فليخفف منها لأجل الصوم، وذلك بأن يعمل في الوقت الذي يناسبه في أول النهار، ثم يمسك عن العمل الذي يشق عليه حتى يكمل صيامه، فالله سبحانه وتعالى جعل ذلك الصيام فرضاً وركناً من أركان الإسلام الخمس.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ، وَحَجَّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) .
فالواجب على كل مسلم وعلى كل مسلمة صوم هذا الشهر، ويجب الحذر من كل ما يعوق من ذلك، والأعمال لا تنتهي ولها أوقات كثيرة، فبإمكان المؤمن أن يجعل عمله بالليل أو أول النهار حتى لا يشق عليه العمل في وسط النهار.
والمقصود: أنه عليك أن تعمل الأسباب التي تعينك على الجمع بين الأمرين؛ بين الصيام والعمل على وجه لا يضرك، هذا هو الواجب عليك، أما الإفطار فلا يجوز لك" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (3/1233) .
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
فتاوى نور على الدرب
(5/6471)
هل يجوز للداعية والمؤلف والمحاضر أخذ مال على أفعاله؟ وهل لهم أجور يوم القيامة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل أو امرأة يعملان في الدعوة، ويؤلفان الكتب، هل يجوز له أو لها أن يأخذا ربحاً على الكتب الدينية التي يكتبها - أو تكتبها هي - بعد تغطية كلفة الطباعة، أو أجراً على إلقاء محاضرة، أو تعليم أحدٍ دينَه؟ وهل ينقص من أجره يوم القيامة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أخذ الأجرة على كتابة الكتب الإسلامية، أو إلقاء المحاضرات النافعة، أو تعليم الدين: جائز، على القول الصحيح، ويقوى الجواز إذا وجدت الحاجة إلى المال.
ومن أدلة الجواز:
1. عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرُّوا بِمَاءٍ فِيهِمْ لَدِيغٌ فَعَرَضَ لَهُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَاءِ فَقَالَ: هَلْ فِيكُمْ مِنْ رَاقٍ إِنَّ فِي الْمَاءِ رَجُلًا لَدِيغًا فَانْطَلَقَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ عَلَى شَاءٍ [أي: قطيع من الغنم] فَبَرَأَ فَجَاءَ بِالشَّاءِ إِلَى أَصْحَابِهِ فَكَرِهُوا ذَلِكَ، وَقَالُوا: أَخَذْتَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ أَجْرًا؟! حَتَّى قَدِمُوا الْمَدِينَةَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخَذَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ أَجْرًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ) رواه البخاري (5405) .
ومعنى (مرُّوا بماء) أي: بقوم نازلين على ماء.
2. عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ: (أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: إِنَّهَا قَدْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَا لِي فِي النِّسَاءِ مِنْ حَاجَةٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: زَوِّجْنِيهَا قَالَ: أَعْطِهَا ثَوْبًا، قَالَ: لَا أَجِدُ قَالَ: أَعْطِهَا وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ، فَاعْتَلَّ لَهُ، فَقَالَ: مَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ؟ قَالَ: كَذَا وَكَذَا قَالَ: فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ) . رواه البخاري (4741) ومسلم (1425) .
ومعنى (فاعتل له) حزن وتضجر من أجله، أو: تعلل أنه لم يجده.
قال النووي رحمه الله:
وفي هذا الحديث: دليل لجواز كون الصداق تعليم القرآن، وجواز الاستئجار لتعليم القرآن، وكلاهما جائز عند الشافعي، وبه قال عطاء، والحسن بن صالح، ومالك، وإسحاق، وغيرهم، ومنَعَه جماعة، منهم: الزهري، وأبو حنيفة، وهذا الحديث مع الحديث الصحيح: (إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله) يردان قول مَن منع ذلك، ونقل القاضي عياض جواز الاستئجار لتعليم القرآن عن العلماء كافة سوى أبي حنيفة.
" شرح مسلم " (9 / 214، 215) .
وقد علَّلَ الحنفية منهم أخذ الأجرة على تعليم القرآن، بقولهم: لأن تعليم القرآن عبادة، وواجب شرعي، فلا يجوز أخذ الأجر عليه، وأباحوا أخذ الأجرة على الرقية.
قال ابن بطَّال رحمه الله:
وأما قول الطحاوي: إن تعليم الناس القرآن بعضهم بعضاً فرض: فغلط؛ لأن تعلم القرآن ليس بفرض، فكيف تعليمه؟! وإنما الفرض المتعين منه على كل أحد: ما تقوم به الصلاة، وغير ذلك: فضيلة، ونافلة، وكذلك تعليم الناس بعضهم بعضاً الصلاة ليس بفرض متعين عليهم، وإنما هو على الكفاية، ولا فرق بين الأجرة على الرقَى، وعلى تعليم القرآن؛ لأن ذلك كله منفعة.
وقوله عليه السلام: (إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله) هو عام يدخل فيه إباحة التعليم وغيره، فسقط قولهم.
" شرح صحيح البخاري " (6 / 405، 406) .
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
يجوز لك أن تأخذ أجراً على تعليم القرآن؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم زوَّج رجلا امرأة بتعليمه إياها ما معه من القرآن، وكان ذلك صداقها، وأخذ الصحابي أجرة على شفاء مريض كافر بسبب رقيته إياه بفاتحة الكتاب، وقال في ذلك النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله) أخرجه البخاري ومسلم، وإنما المحظور: أخذ الأجرة على نفس تلاوة القرآن، وسؤال الناس بقراءته.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (15 / 96) .
ثانياً:
أما نقصان أجر الآخرة بهذه الأجرة المأخوذة في الدنيا فلا يمتنع ذلك، ويكون ثواب من لم يأخذ أجرة أكمل وأعظم، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مَا مِنْ غَازِيَةٍ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُصِيبُونَ الْغَنِيمَةَ إِلَّا تَعَجَّلُوا ثُلُثَيْ أَجْرِهِمْ مِنْ الْآخِرَةِ وَيَبْقَى لَهُمْ الثُّلُثُ وَإِنْ لَمْ يُصِيبُوا غَنِيمَةً تَمَّ لَهُمْ أَجْرُهُمْ) رواه مسلم (1906) .
قال النووي رحمه الله:
"وَأَمَّا مَعْنَى الْحَدِيث: فَالصَّوَاب الَّذِي لَا يَجُوز غَيْره: أَنَّ الْغُزَاة إِذَا سَلِمُوا أَوْ غَنِمُوا يَكُون أَجْرهمْ أَقَلّ مِنْ أَجْر مَنْ لَمْ يَسْلَم , أَوْ سَلِمَ وَلَمْ يَغْنَم , وَأَنَّ الْغَنِيمَة هِيَ فِي مُقَابَلَة جُزْء مِنْ أَجْر غَزْوهمْ , فَإِذَا حَصَلَتْ لَهُمْ فَقَدْ تَعَجَّلُوا ثُلُثَيْ أَجْرهمْ الْمُتَرَتَّب عَلَى الْغَزْو , وَتَكُون هَذِهِ الْغَنِيمَة مِنْ جُمْلَة الْأَجْر , وَهَذَا مُوَافِق لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَة الْمَشْهُورَة عَنْ الصَّحَابَة كَقَوْلِهِ: (مِنَّا مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَأْكُل مِنْ أَجْره شَيْئًا وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَته فَهُوَ يَهْدُبُهَا) أَيْ: يَجْتَنِيهَا , فَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا هُوَ الصَّوَاب , وَهُوَ ظَاهِر الْحَدِيث , وَلَمْ يَأْتِ حَدِيث صَرِيح صَحِيح يُخَالِف هَذَا , فَتَعَيَّنَ حَمْله عَلَى مَا ذَكَرْنَا" انتهى.
ويمكن تقسيم المعلمين والمؤلفين والدعاة الذين يأخذون أجرة على مؤلفاتهم أو محاضراتهم ودروسهم إلى قسميْن:
1. أن يقصد أولئك بتلك الأجور والأموال الاستعانة بها على طاعة الله، ويكون قصدهم الأصلي نشر العلم، ورفع الجهل عن الناس، ورفع راية الإسلام في كل مكان، وأما ما يحصل من نفع دنيوي: فهو تبع لا أصل، فهؤلاء لهم أجر في الآخرة.
2. أن يقصد أولئك بنشر تلك الأعمال الكتابية، والقيام بالأعمال الدعوية، والتعليم: أن يقصدوا بذلك ما يترتب عليها من نفع دنيوي، ابتداءً، وانتهاءً، فيفعلوا هذه الأشياء من أجل المال، فهؤلاء لا ثواب لهم على تلك الأعمال، لأنهم إنما أرادوا بها الدنيا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
وجماع هذا: أن المستحب: أن يأخذ [يعني: المال] ليحج، لا أن يحج ليأخذ، وهذا في جميع الأرزاق المأخوذة على عمل صالح، فمن ارتزق ليتعلم، أو ليعلِّم، أو ليجاهد: فحسن، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مثل الذين يغزون من أمتي ويأخذون أجورهم مثل أم موسى ترضع ابنها، وتأخذ أجرها) ، شبههم بمن يفعل الفعل لرغبة فيه كرغبة أم موسى في الإرضاع، بخلاف الظئر المستأجر على الرضاع إذا كانت أجنبية.
وأما من اشتغل بصورة العمل الصالح لأن يرتزق: فهذا من أعمال الدنيا، ففرق بين من يكون الدين مقصوده والدنيا وسيلة، ومن تكون الدنيا مقصوده، والدين وسيلة، والأشبه: أن هذا ليس له في الآخرة من خلاق، كما دلت عليه نصوص، ليس هذا موضعها.
" مجموع الفتاوى " (26 / 19، 20) .
ويدل لهذا القول أحاديث، منها:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الدَّيْلَمِيِّ أَنَّ يَعْلَى ابْنَ مُنْيَةَ قَالَ: آذَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْغَزْوِ وَأَنَا شَيْخٌ كَبِيرٌ لَيْسَ لِي خَادِمٌ فَالْتَمَسْتُ أَجِيرًا يَكْفِينِي وَأُجْرِي لَهُ سَهْمَهُ، فَوَجَدْتُ رَجُلًا فَلَمَّا دَنَا الرَّحِيلُ أَتَانِي فَقَالَ: مَا أَدْرِي مَا السُّهْمَانِ وَمَا يَبْلُغُ سَهْمِي فَسَمِّ لِي شَيْئًا كَانَ السَّهْمُ أَوْ لَمْ يَكُنْ فَسَمَّيْتُ لَهُ ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ، فَلَمَّا حَضَرَتْ غَنِيمَتُهُ أَرَدْتُ أَنْ أُجْرِيَ لَهُ سَهْمَهُ فَذَكَرْتُ الدَّنَانِيرَ فَجِئْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ لَهُ أَمْرَهُ فَقَالَ: (مَا أَجِدُ لَهُ فِي غَزْوَتِهِ هَذِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِلَّا دَنَانِيرَهُ الَّتِي سَمَّى) رواه أبو داود (2527) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
قال الشيخ عبد المحسن العبَّاد حفظه الله:
أي: لا يُعطى شيئاً من الغنيمة؛ لأنه اتفق معه على هذا المقدار، وكذلك ليس له شيء في الآخرة؛ لأنه ما جاهد من أجل الله، وإنما خرج من أجل الأجرة.
" شرح سنن أبي داود " (13 / 439) ترقيم الشاملة.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَجُلٌ يُرِيدُ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَهُوَ يَبْتَغِي عَرَضًا مِنْ عَرَضِ الدُّنْيَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا أَجْرَ لَهُ) فَأَعْظَمَ ذَلِكَ النَّاسُ، وَقَالُوا لِلرَّجُلِ: عُدْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَعَلَّكَ لَمْ تُفَهِّمْهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ رَجُلٌ يُرِيدُ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَهُوَ يَبْتَغِي عَرَضًا مِنْ عَرَضِ الدُّنْيَا فَقَالَ: (لَا أَجْرَ لَهُ) فَقَالُوا لِلرَّجُلِ: عُدْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: (لَهُ لَا أَجْرَ لَهُ) .
رواه أبو داود (2516) وحسَّنه الألباني في " صحيح أبي داود ".
قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله:
وقد ذكرنا فيما مضى أحاديث تدل على أن من أراد بجهاده عرضاً من الدنيا أنه (لاَ أَجْرَ لَهُ) وهي محمولة على أنه لم يكن له غرضٌ في الجهاد إلا الدنيا.
" جامع العلوم والحكم " (1 / 17) .
وقال الشيخ عبد المحسن العبَّاد حفظه الله:
لأن الذي يدفعه للجهاد: هو أن يحصل عَرَضاً دنيويّاً، من غنيمة، أو أجرة، ولعل المقصود من ذلك: أن قصده الدنيا وحدها، ولا يريد إعلاء كلمة الله.
" شرح سنن أبي داود " (13 / 417) ترقيم الشاملة.
وانظر لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم (95781) و (134154) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6472)
هل يجوز أن يبيع مواد البناء للنصارى لبناء كنيسة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا رجل أعمال أتاجر في أدوات البناء، وقد طلب مني القائمون على إحدى الكنائس أن أمدهم ببعض المواد لإكمال بنائها، فهل هذا جائز؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا تجوز معاونة أهل الشرك على شركهم؛ فإن في ذلك نوع إقرار لهم بما يفعلونه من الشرك والكفر بالله العظيم، مع نوع موالاة ظاهرة، وضعف في المعاداة والمنابذة التي يجب أن يكون عليها المسلم تجاههم.
وقد أمر الله تعالى عباده المؤمنين بالتعاون على البر والتقوى، ونهاهم عن التعاون على الإثم والعدوان، فقال سبحانه: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2
وإذا كان المسلم منهيا عن معاونة المسلم على ما فيه معصية الله، فكيف بإعانة غير المسلم على الشرك بالله؟!
وقد كتب عمر رضي الله عنه حين صالح نصارى الشام كتاباً وشرط عليهم فيه أن لا يحدثوا في مدنهم ولا ما حولها ديراً ولا صومعة ولا كنيسة ولا قلاية لراهب، ولا يجددوا ما خرب من ذلك.
ولا يرفعوا أصواتهم بقراءتهم في كنائسهم في شيء من حضرة المسلمين.
"جامع الرسائل" (ص 104)
وجاء في "المدونة الكبرى" (4/150) :
" قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ , أَيَحِلُّ لَهُ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ فِي عَمَلِ كَنِيسَةٍ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: لَا يَحِلُّ لَهُ ; لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: لَا يُؤَاجِرُ الرَّجُلُ نَفْسَهُ فِي شَيْءٍ مِمَّا حَرَّمَ اللَّهُ. قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يُكْرِي دَاره وَلَا يَبِيعَهَا مِمَّنْ يَتَّخِذُهَا كَنِيسَةً , وَلَا يُكْرِي دَابَّتَهُ مِمَّنْ يَرْكَبُهَا إلَى الْكَنِيسَةِ " انتهى.
وجاء في "مواهب الجليل" (5/424) :
" أَنْ يُؤَاجِرَ الْمُسْلِمُ نَفْسَهُ لِكَنْسِ كَنِيسَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ , أَوْ لِيَرْعَى الْخَنَازِيرَ أَوْ لِيَعْصِرَ لَهُ خَمْرًا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ , وَيُؤَدَّبُ الْمُسْلِمُ إلَّا أَنْ يَتَعَذَّرَ بِجَهَالَةٍ " انتهى.
وقال الإمام الشافعي في "الأم" (4/225)
َ" أَكْرَهُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَعْمَلَ بِنَاءً أَوْ نِجَارَةً أَوْ غَيْرَهُ فِي كَنَائِسِهِمْ الَّتِي لِصَلَوَاتِهِمْ " انتهى.
وفي "حاشية الشبراملسي على نهاية المحتاج" (5/274) :
" لَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ ذِمِّيٍّ مُسْلِمًا لِبِنَاءِ كَنِيسَةٍ لِحُرْمَةِ بِنَائِهَا، وَإِنْ أُقِرَّ عَلَيْهِ " انتهى.
ونحوه في حاشية قليوبي (3/71)
وقال السبكي في "فتاويه" (2/369) :
" ِبنَاءَ الْكَنِيسَةِ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ , وَكَذَا تَرْمِيمُهَا وَكَذَلِكَ قَالَ الْفُقَهَاءُ: لَوْ وَصَّى بِبِنَاءِ كَنِيسَةٍ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ ; لِأَنَّ بِنَاءَ الْكَنِيسَةِ مَعْصِيَةٌ، وَكَذَا تَرْمِيمُهَا. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُوَصِّي مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا , وَكَذَا لَوْ وَقَفَ عَلَى كَنِيسَةٍ كَانَ الْوَقْفُ بَاطِلًا، مُسْلِمًا كَانَ الْوَاقِفُ أَوْ كَافِرًا. فَبِنَاؤُهَا وَإِعَادَتُهَا وَتَرْمِيمُهَا مَعْصِيَةٌ، مُسْلِمًا كَانَ الْفَاعِلُ لِذَلِكَ أَوْ كَافِرًا؛ هَذَا شَرْعُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " انتهى.
وقال الإمام أحمد في رواية إسحاق بن إبراهيم وقد سأله رجل بنّاء: أبني ناووسا (مقابر) للمجوس؟ فقال:
" لا تبن لهم " انتهى.
وقال أبو الحسن الآمدي: " لا يجوز أن يؤجر نفسه لعمل ناووس ونحوه رواية واحدة "
انتهى.
"أحكام أهل الذمة" (1/569) ، وانظر اقتضاء الصراط، لابن تيمية (244)
وسئل علماء اللجنة الدائمة:
المسلم الذي وظيفته بناء، هل يجوز له أن يبني كنيسة للكفار؟
فأجاب علماء اللجنة:
" لا يحل لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبني كنيسة أو محلا للعبادة ليس مؤسسا على الإسلام الذي بعث الله به محمدا؛ لأن ذلك من أعظم الإعانة على الكفر، وإظهار شعائره، والله عز وجل يقول: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2 " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (14/482)
وسئل الشيخ صالح الفوزان:
حصل وأن اشتغلت عاملاً في إحدى الكنائس بأجرٍ يومي، فما حكم هذا الأجر الذي أخذته أهو حلال أم حرام؟
فأجاب الشيخ:
" لا يجوز للمسلم أن يعمل في أماكن الشرك وعبادة غير الله عز وجل، من الكنائس والأضرحة وغير ذلك؛ لأنه بذلك يكون مقرًّا للباطل، ومعينًا لأصحابه عليه، وعمله محرم، فلا يجوز له أن يتولى هذا العمل، وما أخذته من الأجر، مقابلاً لهذا العمل: كسبٌ محرم، فعليك التوبة إلى الله سبحانه وتعالى، ولو تصدقت بهذا المبلغ الذي حصلت عليه لكان أبرأ لذمتك، ويكون دليلاً على صحة ندمك وتوبتك " انتهى.
"المنتقى من فتاوى الفوزان" (40/5)
راجع السؤال رقم (36524) ، (105458)
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6473)
تقدم لها شاب يعمل مخرجا لبرنامج منوع في التلفاز
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاه أبلغ من العمر 26 سنه.. تقدم لخطبتي شاب على خلق ودين كل صفاته جميلة طيب القلب وحنون لكن سبب ترددي بالارتباط فيه وتأخري بالرد على أهله هي وظيفته. هو مخرج برامج ومسابقات بالتلفزيون حاليا البرنامج الذي يخرجه صباحي يحتوي على فقرات متنوعة منها أخبار.. سياسة..صحة..رياضة..مقابلات ولا يخلو من مقاطع غنائيه من التراث ويحوي على الجنسين. سؤالي هل الراتب الذي يتقاضاه من هذه الوظيفة حلال أو حرام؟؟ هل ارتبط به؟ لأني بصراحة أتمناه كزوج بحكم القرابة التي بينا، كنت وأنا صغيرة معجبة به أو سأكون آثمة بهذا الارتباط وأكون عاصيه لربي؟ لولا المخافة من الله لم أهتم بالسؤال، ردك لي سيساعدني على اتخاذ القرار النهائي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
قد أحسنت في السؤال عن أمر دينك، والاهتمام بطيب مطعمك، والحرص على الزواج من الرجل الصالح، ونسأل الله تعالى أن ييسر لك ذلك.
ثانيا:
العمل في إخراج البرامج والمسابقات في التلفاز على النحو الذي ذكرت من وجود الاختلاط والأغاني والموسيقى، هو عمل مشتمل على الحلال والحرام، والخير والشر؛ لما ثبت من تحريم الاختلاط وتحريم المعازف وإظهار صور النساء، وما كان محرما لم يجز إخراجه ولا الإعانة عليه؛ لقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2، وقوله سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) النور/19، وقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا) أخرجه مسلم في صحيحه (4831) .
وينظر جواب السؤال رقم (1200) ورقم (5000) .
والراتب الناشئ عن القدر المحرم من العمل، راتب حرام كذلك.
وأما المسابقات فمنها المباح ومنها المحرم، فالمسابقات التي يدفع فيها المشترك شيئا من المال ولو ثمن الاتصال؛ تكون محرمة، وهي نوع من أنواع الميسر والقمار.
ثم لا يخفى أن العمل في هذه البيئة لا يخلو من منكرات أخرى، لوجود الاختلاط ومن يغلب عليه الفسق ورقة الدين.
ولهذا ينبغي نصح هذا الشاب، فإن تاب إلى الله تعالى وترك هذا العمل، وأقبل على عمل مباح، فلا مانع من الزواج منه، وإن استمر في عمله فلا خير لك فيه؛ لأن ماله يختلط فيه الحلال بالحرام، ولا يؤمن عليه الضعف والتغير بسبب المحيط الذي يعمل فيه.
ونسأل الله تعالى أن يرزقك الزوج الصالح والذرية الصالحة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6474)
يعمل ممرضا في مستشفى ويضطر إلى لمس النساء عند العلاج
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل ممرضاً في مصلحة للأمراض التنفسية في المستشفى, ويوجد بها الرجال في جانب والنساء في جانب آخر, حيث اضطر إلى لمس النساء المرضى لتلقي العلاج فقط بدون أي نية أخرى. ولا استطيع أن انتقل إلى مصلحة أخرى لان كل المصالح تعمل بنفس هذا النظام. السؤال: هل هذا حرام؟ وإذا كان حراما فهل راتبي حرام أيضا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل أن يكون علاج المرأة وتمريضها على يد طبيبة وممرضة، لما يقتضيه العلاج من نظر وفحص، لكن إذا لم توجد الطبيبة أو الممرضة، جاز أن يتولى ذلك رجل، ولا شك أن وجود الممرضات أمر سهل ميسور لو أراد القائمون على المستشفيات ذلك، ومما يحزن ويؤلم أن بعض المستشفيات يوكل فيها للمرضات تمريض الرجال، وللمرضين معالجة النساء، وهذا دليل على ضعف الدين، وعدم المراقبة، وعدم الاهتمام بأحكام الشرع.
ولهذا ننصحك بالسعي الحثيث ليقتصر عملك على تمريض الرجال فقط، ولو اقتضى ذلك الانتقال إلى مصلحة تقبل ذلك، فإن لم تجد فلا حرج عليك من الاستمرار في عملك، ومعالجة النساء، ولكن بشرط أن تتقيد بالضوابط الآتية:
2- ألا تنظر إلا لما تدعو إليه الحاجة، وأن تتقي الله تعالى في ذلك، وتوقن بأن الله يراك، ويحصي عملك.
3- ألا تمس شيئا من بدن المريضة من غير حائل، فتلبس قفازات اليد عند تمريض النساء دائما، وألا تمس مع ذلك إلا ما تدعو الحاجة إلى مسه.
4- أن يقتصر كلامك مع المريضة على قدر الحاجة.
5- عدم الخلوة مع المريضة في غرفة الفحص أو الأشعة أو غيرها، بل يلزم أن يكون معها محرمها، أو امرأة يحصل بوجودها الحشمة، كأمها مثلا، أو وجود غيرها من النساء المريضات.
وينظر جواب السؤال رقم (9989) ورقم (112061) .
ونسأل الله تعالى أن يعفو عنك، وييسر لك أمرك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6475)
حكم العمل في مجال السياحة كموظف للحجز
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم العمل في شركة سياحة أو شركة طيران كموظف حجز تذاكر طيران أو حجز بواخر؟ وما حكم العمل أيضا كمرشد سياحي؟ علما بأني خريج كلية سياحة وفنادق]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا حرج في العمل بمكاتب حجز تذاكر الطيران أو البواخر، إذا كان لا يعين على المنكر، ومن المنكر أن يبيع التذاكر لمن علم أو غلب على ظنه أنه ذاهب للحرام، كمن يذهب بعائلته لبلاد الكفر للتنزه والترفه، وكمن يذهب لأماكن الفساد كالملاهي والمناطق السياحية التي لا تخلو من منكر وفساد، كاختلاط الرجال بالنساء، وتناول المسكرات والمحرمات ونحو ذلك، لقول الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2.
ثانيا:
معلوم أن السياحة، بمعناها المعروف الآن، لا تخلو من الموبقات وكبائر الذنوب، من شرب الخمر، والعري والتفسخ، ونشر الرذيلة، وترك الصلوات..، وسائر البلايا التي يراها ويعلمها كل أحد سمع عن السياحة، وأما أن نقول: إذا كانت السياحة كذا، أو خلت من كذا من المنكرات؛ فسوف يكون كلاما نظريا، يتحدث عن سياحة أخرى سوى التي يعرفها الناس ويرونها الآن.
وليس من شك في أن العمل في مثل هذا المجال هو من التعاون على الإثم والعدوان، والركون إلى الفجرة والفساق، وأهل العصيان. وقد قال الله تعالى: (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ) هود/113.
قال الشيخ السعدي، رحمه الله:
" {وَلا تَرْكَنُوا} أي: لا تميلوا {إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} فإنكم، إذا ملتم إليهم، ووافقتموهم على ظلمهم، أو رضيتم ما هم عليه من الظلم {فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} إن فعلتم ذلك {وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ} يمنعونكم من عذاب الله، ولا يحصلون لكم شيئا، من ثواب الله.
{ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ} أي: لا يدفع عنكم العذاب إذا مسكم، ففي هذه الآية: التحذير من الركون إلى كل ظالم، والمراد بالركون، الميل والانضمام إليه بظلمه وموافقته على ذلك، والرضا بما هو عليه من الظلم.
وإذا كان هذا الوعيد في الركون إلى الظلمة، فكيف حال الظلمة بأنفسهم؟!! نسأل الله العافية من الظلم ". انتهى. "تفسير السعدي" (290) .
وأيضا فالسياحة قائمة في أساسها على التنقل بين الأماكن الأثرية التي تستهوي السياح، كديار ثمود، ومعابد الفراعنة ومقابرهم، وهذه أماكن عذاب ولعنة، لا يجوز الدخول فيها والتنزه عندها.
فعن ابن عمر رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا مَرَّ بِالْحِجْرِ قَالَ: (لَا تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ أَنْ يُصِيبَكُمْ مَا أَصَابَهُمْ) ثُمَّ تَقَنَّعَ بِرِدَائِهِ وَهُوَ عَلَى الرَّحْلِ. متفق عليه.
قال النووي رحمه الله:
" فِيهِ الْحَثّ عَلَى الْمُرَاقَبَة عِنْد الْمُرُور بِدِيَارِ الظَّالِمِينَ , وَمَوَاضِع الْعَذَاب , وَمِثْله الْإِسْرَاع فِي وَادِي مُحَسِّر لِأَنَّ أَصْحَاب الْفِيل هَلَكُوا هُنَاكَ , فَيَنْبَغِي لِلْمَارِّ فِي مِثْل هَذِهِ الْمَوَاضِع الْمُرَاقَبَة وَالْخَوْف وَالْبُكَاء , وَالِاعْتِبَار بِهِمْ وَبِمَصَارِعِهِمْ , وَأَنْ يَسْتَعِيذ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ " انتهى.
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة:
" ذكرت في آخر رسالتك أنك مدير السياحة في بلدك، فإذا كانت هذه السياحة مشتملة على تسهيل وتيسير فعل المعاصي والمنكرات والدعوة إليها، فإنه لا يجوز لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يكون عونا على معصية الله ومخالفة أمره، ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه" انتهى.
"فتاوى اللجنة" (26/224)
وسئلت اللجنة أيضا:
ما حكم السفر إلى البلاد العربية والإسلامية بهدف السياحة، مع العلم أننا لا نذهب إلى أماكن اللهو؟
فأجابت: " لا يجوز السفر إلى أماكن الفساد من أجل السياحة؛ لما في ذلك من الخطر على الدين والأخلاق؛ لأن الشريعة جاءت بسد الوسائل التي تفضي إلى الشر " انتهى.
"فتاوى اللجنة" (26/331)
والخلاصة:
أنه لا يجوز العمل في سياحة ولا غيرها، مما فيه تسهيل مقاصد أهل المعاصي، أو الرضا بمعاصيهم، وإعانتهم عليها، أو ترك الإنكار عليهم مع القدرة، بل من عجز عن تغيير المنكر، أو إنكاره، وجب عليه أن يفارق أهله، لا أن يصاحبهم، ويرشدهم إلى سبيله.
راجع إجابة السؤال رقم (82402) - (125799)
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6476)
هل يجوز أخذ الأجر على عمل إضافي لم يحصل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا موظف في شركة , وقد تلقيت وعداً من مديري المباشر بتحسين راتبي، ولكنه يحتاج إلى وقت، وعوضني بساعات عمل إضافية؛ علما بأنني لا أعمل إضافي؟ هل هذا الأجر عن العمل الإضافي حلال أم حرام؟ علماً أن المدير المباشر هو المسئول عن طلب الزيادة، والعمل الإضافي. وإذا كان حراماً؛ لقد مرت تقريبا سبعة شهور لهذا الموضوع؛ فما التصرف السليم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يقول الله تعالى: (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ) النساء/58
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَا مِن عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهَ رَعِيَّةً يَمُوتُ يومَ يَموتُ وهو غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إلاَّ حرَّم اللهُ عَلَيهِ الجنةَ) متفق عليه.
وقال أيضًا: (كُلُّكُم رَاعٍ، وكلُّكم مسئول عَن رَعِيَّتِهِ) متفق عليه.
وهذا يشمل الموظف والمدير أو الرئيس، فكل منهما راع فيما هو مكلف به من أموال الشركة، وهو مسئول عن ذلك يوم القيامة.
والشركة وإن كانت قد خولت للمدير المباشر صلاحية إقرار الأعمال الإضافية، مع إعطاء الأجور عليها، فهي لم تفعل ذلك إلا بالنظر إلى حاجتها إلى ذلك العمل الإضافي، فإذا لم يكن هناك حاجة إلى عمل إضافي، أو لم يكن هناك عمل إضافي من الأصل: فإن إعطاء المدير المباشر الموظفين الأجر، بدون استحقاق، غش وخيانة للأمانة، فلا يجوز تقاضي هذه الأجور؛ لأنها أجور على أعمال لم تتم.
وقد سئلت اللجنة الدائمة:
هل يجوز لي أخذ مكافأة خارج الدوام الرسمي، إذا حضرت للعمل خلال الفترة المسائية، وداومت الفترة المكلف بها، حتى ولو لم يكن لدي عمل؟
فأجابت اللجنة:
" إذا كنت تستطيع القيام بأعمال مكتبك الوظيفي وإنجازها خلال وقت الدوام الرسمي، ولا يوجد عمل تقوم به أثناء تكليفك بالعمل خارج الدوام الرسمي، فإنه لا يجوز لك قبول هذا العمل الإضافي، ولا يحل لك أخذ المال الذي يصرف لك من طريقه؛ لأن مكافأة العمل الإضافي خارج الدوام الرسمي تصرف لمن يؤدي عملا أثناءه، ولا يستطيع أداءه أثناء عمله الرسمي، وحيث إنك لم تؤد عملا أثناء تكليفك بالعمل الإضافي يبيح لك أخذ مكافأته: فإنه يجب عليك البعد عنه، براءة للذمة ما دام الواقع كما ذكرت " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (14/404 - 406)
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" أنا موظف حكومي ويتطلب العمل مني أحياناً عملا إضافيا , وقد قامت الدائرة التي أعمل فيها بتعميدي أنا وبعض وزملائي في العمل خارج وقت الدوام الرسمي ولمدة (45) يوماً , وقد كنت حريصاً على أن أحضر مع زملائي في العمل , ولكنهم لم يعلموني بذلك , ولما سألت أحدهم قال لي: لم يأت دورك بعد , حتى انتهت المدة المحددة , وصرف المبلغ لذلك العمل لي ولزملائي , وإنني في حيرة من أمري في هذا المبلغ أهو حلال أم حرام؟
علماً أن رئيسي في العمل المباشر ورئيس الدائرة: راضون عني في العمل , حيث إنني في نظرهم موظف نشيط، وقد يكون هذا المبلغ مكافأة لي على حرصي وعلى حسن عملي, حيث إن راتبي قليل , وإذا لم يكن هذا المبلغ حلالا فماذا أعمل به؟
فأجاب الشيخ:
" هذا السؤال يقع كثيراً , وأنا أسألكم الآن: هل هذا حق أو باطل؟ بمعنى: هل هذه المكافأة التي حصلت للإنسان على عمل معين؛ هل قام بهذا العمل أم لا؟
لم يقم بالعمل؛ إذا لم يقم بالعمل صار أخذ المال بغير حق , وأخذ المال بغير حق هو أكل المال بالباطل تماماً , مع ما في ذلك من خيانة للأمانة , حتى ولو وافق الرئيس المباشر على مثل هذا العمل فهو خائن , والمال ليس ماله - أعني الرئيس المباشر - حتى يتصرف به كيف يشاء.
وإنني بهذه المناسبة أحذر الرؤساء والمدراء الذين يعملون مثل هذا العمل , وأقول:
اتقوا الله فيما وليتم عليه , واتقوا الله أيضاً فيمن تحت أيديكم من الموظفين , لا تطعموهم ما لا يحل لهم , ولا تخونوا الدولة بأن تعطوا من لا يستحق ". انتهى مختصرا.
"لقاء الباب المفتوح" (114/22)
فالواجب على المسلم أن يتقي الله، وأن يحرص على أن يكون مطعمه ومشربه حلالاً، فالمال الحرام لا يبارك الله فيه ولا يهنأ صاحبه به، وقد روى مسلم (1015) عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه ذَكَرَ الرَّجُلَ "يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ. وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟ .
والمدير المباشر وإن كان هو المسئول عن طلب الزيادة والعمل الإضافي – كما يقول السائل – فهو مقيد باللوائح والأنظمة التي تنظم العمل بالشركة، والتي يجب عليه أن يخضع لها هو وكل من تحته من الموظفين، ما دام ذلك لا يخالف شرع الله.
ولا شك أن اللوائح في أي شركة تمنع من تحصيل أجور ودفع مرتبات على أعمال وهمية، أو أعمال لم تتم. وإنما الواجب عليه، والذي تسمح له الشركة: أن يسعى في زيادة راتبك، وأن يعجل به، ما دمت تستحق ذلك، لا أن يعطيك أجرا على عمل لم تقم به.
فعلى المدير المباشر ومرؤوسيه جميعا مراعاة ذلك، وعند خلافه: تجب التوبة والإقلاع عن هذه الخيانة، كما يجب رد المال المحصل بهذا السبيل غير المستقيم إلى الشركة؛ إذا أمكن له أن يفعل ذلك، تحت أي بند من البنود المتاحة.
فإن لم يتيسر ذلك: فبإمكانه أن يصرفه في مصلحة العمل، وأن يضعه في أي بند يحتاج إلى نفقة في الشركة.
فإن لم يتيسر له ذلك – وهو أمر مستبعد فيما يبدو لنا: فإنه يتصدق به على الفقراء والمساكين عن أصحابه.
وراجع إجابة السؤال رقم (111913)
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6477)
حكم توصيل خدمة الاتصالات والإنترنت للمطارات والمستشفيات والفنادق
[السُّؤَالُ]
ـ[أنوي إنشاء خدمة إنترنت، واتصالات لاسلكية في بعض الأماكن، مثل: المستشفيات، والمطارات، ومحطات القطار، والباصات، والفنادق ... إلخ، ولكن قبل البدء في مثل هذا المشروع أريد أولاً أن أعرف حكم الشرع فيه؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تختلف خدمة الاتصالات اللاسلكية عن خدمة الإنترنت؛ وذلك لأن غالب استعمال الاتصالات إنما هو في المباح من الأعمال، وليس فيها ما يحذر منه مشغل مثل هذه الخدمة.
أما خدمة الإنترنت فإنها تعرض ما فيه مجال للتحذير منه، فالإنترنت يعرض المكتوب، والمسموع، والمرئي، من كل شيء غث وسمين، كفر وإسلام، معصية وطاعة، ومن علم حقيقة المواقع التي تظهر في الإنترنت ظهر له الكم الهائل من الصفحات والمواقع والبرامج التي تعلن الكفر، والمعاصي، والآثام، وأن الخير الذي فيها قليل بالنسبة للشر الذي تحويه.
وانظر جواب السؤال رقم: (2467) و (21505) .
وعلى هذا، فإنشاء خدمة الاتصالات اللاسلكية: جائز.
وأما إنشاء خدمة الإنترنت: فمن حيث العموم نقول: إن الحكم يختلف باختلاف استعمال المستخدم المستفيد من هذه الخدمة، وهم على أحوال:
1. أن يُعلم – قطعاً، أو غالباً – أنهم يستخدمون هذه الشبكة العالمية في النافع، والمباح: فيجوز توصيل هذه الخدمة لهم.
2. أن يُعلم – قطعاً أو غالباً – أنهم يستخدمون هذه الشبكة العالمية في المحرمات، كالبنوك، ومقاهي الإنترنت: فلا يجوز توصيل هذه الخدمة لهم؛ لما فيها من التعاون على الإثم.
3. أن يستوي الأمر عند المستخدمين لها، أو لا يُعلم كيف يستخدمونها: فهنا يُنظر إلى الغالب من استعمال من يُراد توصيل تلك الخدمة لهم، فإن كان الغالب على استعمالهم النفع المباح: جاز توصيل الخدمة لهم، وإن كان الغالب على استعمالهم الضار المحرم: حرم توصيل الشبكة لهم.
وبالتأمل فيما ذكره الأخ السائل: لا نرى مانعاً من توصيل الخدمة لكل من الأماكن التالية:
المستشفيات، والمطارات، ومحطات القطار، والباصات، ونحوها.
ونرى المنع من توصيلها للفنادق، ونحوها.
والذي دعانا لهذا التفريق: الفرق في استعمال مريدي تلك الأماكن، واختلاف طبيعتها، فالأماكن الأولى هي أماكن خِدمية، ولا يتمكن المتصفح فيها من رؤية المواقع الشاذة المحرمة بسهولة؛ لوجود كثيرين حوله يشاهدونه، والحرص في تلك الأماكن يكون – عادة – على الأعمال المتعلقة بالحياة؛ لأن تلك الأماكن أماكن عمل، وحركة، وهذا بخلاف الفنادق، والشقق المفروشة؛ فإنها أماكن يخلو فيها المستخدم مع نفسه، وعادة ما يكون هؤلاء من أهل السياحة المحرمة، والذين يشبعون رغباتهم المحرمة في أماكن بعيدة عن مجتمعاتهم، ورقابة من يعرفونه من أهلهم وأقربائهم.
ومن أوجه التفريق أيضاً: أن الفنادق ـ غالباً ـ ما تحتوي على شرب الخمور والأطعمة المحرمة، والمسابح المختلطة، وقد يكون فيها ما هو أعظم من ذلك من المنكرات.
فلا يجوز معاونتهم وترغيب الزبائن في النزول عندهم بتوصيل الإنترنت لهم.
ونسأل الله تعالى أن يرزقك الرزق الحلال الكثير المبارك فيه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6478)
حكم تغيير تاريخ الميلاد ليظل في عمله
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما يقوم الشخص الذي تجاوز عمره 65 عاما بتغيير شهادة ميلاده بعمر اصغر من ذلك حتى يظل على راس عمله هل الراتب الذي يأخذه حرام]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز التلاعب في التاريخ المسجل في شهادة الميلاد للغرض المذكور؛ لما في ذلك من الغش والكذب والتحايل على الاستمرار في العمل بغير وجه حق.
فإذا كانت جهة العمل تشترط أن يقل سن العامل عن 65 عاما، لزم التقيد بالشرط وحرم التحايل لإسقاطه، وكذا لو كانت جهة العمل تسرّح من بلغ هذه السن، لزم إخبارها، وحرم خداعها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ) رواه أبو داود (3594) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
ولعموم الأدلة في تحريم الغش والكذب.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6479)
يعمل محاسبا ويطلب منه عمل سند صرف لرشاوى
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا اعمل محاسبا في إحدى شركات الشحن ونقل البضائع والسيارات من بلد إلى بلد آخر وخزينة الشركة أنا مسئول عنها وقد وكلت من قبل المدير بهذه العهدة وأقوم بالصرف والقبض وعمل العمليات المحاسبية اللازمة ولكن ما يريبني هو أمران: الأول: أن المدير في بعض الأحيان يطلب مني بعمل سند صرف بمبلغ معين وان أقوم بإعطائه له ومن ثم اكتشف أن هذا المبلغ الذي قمت أنا بصرفه من الخزينة أعطاه إلى احد الأشخاص كرشوة علي حد علمي وعلي حد قوله والله اعلم ومن ثم أقوم بعمل الإجراءات المحاسبية اللازمة بعد صرف المبلغ (كإدخال هذا المبلغ علي البرنامج المحاسبي على الكمبيوتر) وذلك لان أي عملية صرف أو قبض يجب أن ادخلها إلى البرنامج المحاسبي فهل يوجد علي إثم وهل يجب علي ترك العمل والبحث عن عمل آخر ثانيا: أن المدير في اغلب الأيام يطلب مني سلفة من الخزينة وأقوم بعمل سند صرف باسمه حتى يرجع هذا المبلغ من المال ولكن لقد زادت السلف بطريقة كبيره حيث بلغ المبلغ إلى الآلاف ولكن لا يتعدي العشرة آلاف ومع العلم بأن صاحب العمل لم أقل له من قبل بأن المدير يأخذ سلف فلا أعرف ماذا أفعل لاني عندما عملت في هذا العمل كان أول عمل لي في حياتي كمحاسب ولم أكن أعلم هل هذا صحيح أم لا وكنت اعتقد أنه أمر طبيعي لان المحاسبين الذين قبلي كانوا يفعلون هذه السلف للمدير ولكن لم تصل لهذا المبلغ الضخم. وهل إذا أردت أن اترك العمل هل يجب علي إرجاع هذه السلف قبل أن أترك العمل أم يمكن للمحاسب الذي يكون بدلا ويستلم عهدة الخزينة أن يقوم بالعمل علي هذا الأمر. هل أنا مذنب وماذا علي أن افعل وجزاكم الله عني وعن الأمة خيرا]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا يجوز التعامل بالرشوة أخذا أو إعطاء، وهي من كبائر الذنوب؛ لما رواه أحمد (6791) وأبو داود (3580) عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي. صححه الألباني في "إرواء الغليل" (2621) .
و"الراشي" هو معطي الرشوة، و"المرتشي" هو آخذها.
لكن يستثنى من ذلك:
1- ما إذا لم يستطع صاحب الحق أخذ حقه إلا بدفع رشوة، فقد نص العلماء رحمهم الله على جواز دفعه للرشوة حينئذ ويكون التحريم على الآخذ لها لا المعطي، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (70516) و (72268) .
فإذا كان تخليص الشحنات والبضائع لا يمكن إلا بدفع المال، أو كان عدم الدفع يعني تأخير الشحنة وتضرر صاحب الحق، جاز دفع المال حينئذ، مع حرمته على الآخذ.
2- أن يدفع المال لرفع ظلم أو تخفيفه، كما لو دفعه لمن يرفع عنه الضرائب التي تفرض على المسلمين، فلا حرج في ذلك كما سبق في جواب السؤال رقم (39461) و (25758) .
3- أن يدفع المال لشخص أو مكتب يتولى الذهاب إلى الجهات المسئولة [مثل مكاتب التعقيب، أو التخليص، في بعض الدول] ، ويعمل على تخليص المعاملة، فهذا لا حرج فيه، وليس من الرشوة، بل هو من باب الإجارة.
وعليه فإن كان ما يصرفه المدير داخلا في الأمور السابقة المباحة: فلا حرج عليك في كتابة سند الصرف وتسجيله. وإن كان رشوة محرمة لم يجز لك ذلك، وعليك أن تبين للمدير تحريم الرشوة وتحريم الإعانة عليها، وتمتنع من تسجيلها أو كتابتها، ولا حرج في بقائك في عملك ما دمت مجتنبا لهذا الحرام.
ثانيا:
إذا كانت السلفة التي يأخذها المدير تسجل عليه كسلفة، وكان صاحب العمل لا يمنع من ذلك: فلا حرج في إعطائه ما يريد.
وأما إن كانت لا تسجل كذلك، أو كان صاحب العمل يمنع أخذ هذه السلف، فلابد من إخباره والامتناع عن صرف المال إلا بإذنه.
وفي حال تركك العمل لا يلزمك إرجاع هذه السلف، بل يكفي أن تبين ذلك في أوراق الشركة حتى لا يضيع حق صاحب العمل.
ولا يلزمك ترك العمل إلا في حال إجبارك على إجراء المعاملة المحرمة، أما إذا توقف المدير بعد ذلك، أو علم صاحب العمل، فأقره، ولم يعترض: فلا بأس عليك في البقاء في العمل.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6480)
هل تترك العمل كمعيدة في الجامعة لأجل الاختلاط
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا اعمل معيدة بالجامعة. من قبل تعييني وأنا رافضة له، بسبب أنه عمل مختلط، وصعب فيه تجنب الرجال. وخاصة وأنه لا حاجة لي فيه ماديا أو أدبيا. ولكن أهلي أجبروني وأقنعوني بأنها فرصة وجود أفراد ملتزمين دينيا في أماكن مثل هذه بدلا من غيرهم، وأن اعتبر عملي طريقة للدعوة إلى الله. والآن، وبعد مرور أربعة أعوام، واكتشافي لحقيقة الأمر؛ فلم أتمكن من تجنب الاختلاط، ووجدت الغيبة ظاهرة أمام عيني، وقلة الإمكانيات للقيام بالبحث العلمي، واضطراري للخروج خارج مدينتي لإجراء التجارب في معمل يتوفر فيه الإمكانيات، مما يلزم سفري بدون محرم حيث إن زوجي مسافر، ووالدي وأخي ليس لديهم الوقت للسفر معي ... أريد أن أتقدم باستقالتي، وأعيش حياتي كامرأة مسلمة، نظم لها الإسلام حياتها ويسرها لها ... ولكن هناك صوتا يقول لا تنسحبي بدون الماجستير، حتى لا يقال: فشلت!! ولكني لا أجد من الحرج أن أقول: فشلت في أمر بحياتي؛ فليس على المرء أن ينجح دائما!! فما رأي فضيلتكم؛ هل أكمل المسير؟ أم انسحب بهدوء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله أن يبارك فيك ـ أيتها الأخت الكريمة ـ وأن يحفظك من الفتن، ما ظهر منها وما بطن، وأن يرزقنا وإياك الإخلاص لله، في السر والعلن، والثبات على صراطه المستقيم.
وقد سبق منا بيان أنه يحرم الاختلاط في العمل والدراسة وغيرهما؛ لما يترتب على ذلك من مفاسد ومحاذير لا تخفى، وينظر: سؤال رقم (112188) .
وتفكيرك في ترك العمل والبعد عن الاختلاط والتضحية بالوظيفة والمنزلة في سبيل تحصيل الدين يدل على رجاحة عقلك وحسن تفكيرك وإيثار الباقي على الفاني. ولا شك أن حفظ الدين مقدم على تحصيل المال والجاه، وكون الإنسان مطيعا لربه، حسن الصلة به، هو النجاح الحقيقي، فلا يضره أن يقال عنه غير ذلك. قال تعالى: (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) آل عمران/185
وليكن نصيبك من ربك، وحرصك على رضاه، كما قال القائل:
فَلَيتَكَ تَحلو وَالحَياةُ مَريرَةٌ وَلَيتَكَ تَرضى وَالأَنامُ غِضابُ
وَلَيتَ الَّذي بَيني وَبَينَكَ عامِرٌ وَبَيني وَبَينَ العالَمينَ خَرابُ
إِذا نِلتُ مِنكَ الوُدَّ فَالمالُ هَيِّنٌ وَكُلُّ الَّذي فَوقَ التُرابِ تُرابُ
وأما كلام الناس: فدعيهم ـ يا أمة الله ـ يتكلمون؛ ومتى كان الناس يتكلمون؟!
واعلمي ـ يا أمة الله ـ أنه:
(مَنْ الْتَمَسَ رِضَا اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ، وَمَنْ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ) ، كما قالت أمك: أم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها.
[سنن الترمذي (2414) ] .
ولا يجوز للمرأة أن تسافر بلا محرم؛ لما جاء من النهي عن ذلك، كما روى البخاري (1729) ومسلم (2391) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ فَقَالَ اخْرُجْ مَعَهَا) .
والحاصل أن عملك هذا قد اشتمل على أمرين محرمين، وهما الاختلاط، وما يقتضيه من السفر بلا محرم، وقد ذكرت أنه لا حاجة لك في هذا العمل، ماديا أو أدبيا.
وعليه فيلزمك تركه طاعة لله تعالى وابتغاء مرضاته، وينبغي أن تعلمي أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّكَ لَنْ تَدَعَ شَيْئًا اتِّقَاءَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا أَعْطَاكَ اللَّهُ خَيْرًا مِنْهُ) رواه أحمد (20739) وصححه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند.
وإنا لنرجو الله تعالى أن يبدلك من حلاوة الإيمان، ونعيم السكن في بيت الزوجية، وقرة العين بالزوج والولد: ما يعوضك عما بذلتيه لله، وينسيك ألم الصراع الذي تجدينه.
واعلمي أن قرار المرأة في بيتها، وقيامها على شئون زوجها وأولادها، عمل عظيم يحتاج إلى اجتهاد وبذل، كما إنه يحتاج إلى تحصيل العلم الشرعي النافع، وهو أمر يغفل عنه كثير من النساء، مع تنوع الوسائل المعينة على ذلك، عن طريق الإنترنت والقنوات وحلقات العلم في المساجد، وهو شرف لا يدانيه شرف، وحسب طالب العلم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَبْتَغِي فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضَاءً لِطَالِبِ الْعِلْمِ وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ حَتَّى الْحِيتَانُ فِي الْمَاءِ وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَ بِهِ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ) رواه الترمذي (2682) وأبو داود (3641) ، وابن ماجه (223) والحديث صححه الألباني في صحيح الترمذي.
نسأل الله تعالى أن يوفقك لطاعته ومرضاته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6481)
عقد عليها وله كسب محرَّم ويحكِّم عقله في النصوص ومعجب بنفسه فهل تفسخ النكاح؟
[السُّؤَالُ]
ـ[تم العقد من 3 أشهر، وعلمت بعدها أنه يقوم بعمل طباعة، وتطريز، على الملابس، لصور ذوات أرواح، وغيرها، فنهيتُه عن صور ذوات الأرواح، فاستجاب بعد فترة، ثم عاد مرة أخرى، مرجعاً ذلك إلى عدم اقتناعه، ولكنه يتركها من باب ترك الأولى، ولكنه أتى برجل ليقوم بهذا العمل بدلاً منه، فما حكم هذا المال؟ وهل عليَّ شيء إذا عاد للطباعة بيديه مرة أخرى؟ وهل يحق لي في هذه الحالة طلب الانفصال، علماً بأننا لا زلنا في فترة العقد، ولم يبنِ بي؟ . وأيضاً سؤال آخر: أراه متخاذلاً في طلب العلم الشرعي، ويحكِّم عقله دائماً في الأدلة، وعنده نوع من العجب بالنفس، وأخشى أن يثبطني بعد البناء عن الذهاب إلى الدور لتلقي العلوم الشرعية، أو للدعوة؛ لأنه لا يشعر بأهميتها على الوجه التام، فهل أستمر معه، علماً بأنني الآن في حالة ضيق شديد جدّاً منه، ولا أطيق التحدث معه بسبب عدم همته في الالتزام بشكل أفضل؟ ، وأيضاً: لأنه بصراحته الزائدة التي يظن ـ إن صح ـ قد أوقع بيني وبين أهله، رغم أنه لم يحدث شيء بيننا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
رسم ذوات الأرواح باليد، أو بآلة خياطة، على الثياب، والستائر، وغيرها: لا يجوز شرعاً، وقد نهى عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وتوعد بالعقوبة على فاعله.
ومن تكسَّب بهذا الفعل المحرَّم، فرسم لوحة لذات روح على ورق، أو طرَّز ثوباً بآلة، أو شكَّلها بطين، أو صنعها من خشب، وغير ذلك: فإنما يكسب سحتاً، ومالاً حراماً.
عن سعيد بن أبي الحسن قال: جاء رجل إلى ابن عباس فقال: إني رجل أصوِّر هذه الصور فأفتني فيها، فقال له: ادن مني، فدنا منه، ثم قال: ادن مني، فدنا حتى وضع يده على رأسه، قال: أنبئك بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كُلُّ مُصَوِّرٍ فِي النَّارِ يَجْعَلُ لَهُ [أي: يجعل الله له] بِكُلِّ صُورَةٍ صَوَّرَهَا نَفْساً فَتُعَذِّبُهُ فِي جَهَنَّمَ) .
وقال - أي: ابن عباس -: إنْ كنت لا بد فاعلا فاصنع الشجر وما لا نفس له.
رواه البخاري (2112) ومسلم (2110) .
ولا فرق بين أن يباشر صاحب المحل ذلك الرسم والتصوير بيده، أو يوكله لغيره ليقوم بهذا العمل، من حيث حرمة الكسب، ولو كان موظفاً في مصنع – مثلاً – ولم يباشر هو بنفسه الرسم على الملابس، أو التطريز، بل كان عمله خالياً من هذه المحرمات وغيرها: لكان كسبه حلالاً، وأما صاحب الشركة، أو المصنع، فعمل أي موظف عنده بشيء محرَّم يرجع كسبه للشركة أو المصنع: فإنما يبوء هو والموظف بالإثم، ويكون كسبهما محرَّماً.
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
أنا مقيم بالطائف، وأعمل في السوق في محل لبس نسائي، وفي بعض هذه الملابس صور، وأنا أعمل تحت كفالة المحل، وأنا كاره لهذه الصور، ومضطر أن أبيع هذه الملابس، فهل عليَّ إثم، علماً أنني لا أقدر أن أعمل غير هذا العمل؟ .
فأجاب:
أقول: إني أوجه النصيحة لصاحب المحل: أن لا يورد من الملابس ما ينافي الحشمة، أو الألبسة المشبوهة، وأن لا يورد ما فيه صور، حتى ولو كان للصغار , أنصحه وأؤكد عليه، وأخبره أن كل بيع محرَّم: فكسبه حرام , وإذا كان يأكل الحرام وتغذى بدنه به: كان حريّاً أن لا تُقبل دعوته، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم حين ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث، أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب! يا رب! ومطعمه حرام، وملبسه حرام، وغُذي بالحرام، قال النبي عليه السلام: (فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لَهُ؟) .
وكيف يرضى المؤمن أن يأكل الحرام وأن يغذِّي به نفسه، وأهله، وأولاده؟! فليتق الله، ولا يورد هذه الأشياء.
وأمَّا بالنسبة للعامل: فلا يحل له أن يبيع ما كان محرَّماً بيعه؛ لأن كل مَن أعان على المحرَّم: فهو آثم، قال الله عالى: (وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) ، ولمَّا كان الربا من أشد الكبائر، وأعظمها بعد الشرك لعن النبي آكل الربا، وموكِله، وشاهديه، وكاتبه، وقال: (هم سواء) .
" فتاوى نور على الدرب " (شريط رقم 373، الوجه: ب) .
ثانياً:
ما تذكرينه من صفات ذلك الزوج فإنه يستحق الوقوف معه، والتأني، فتحكيم عقله القاصر في النصوص الشرعية: ضلال، وهو دأب أهل البدع قديما وحديثاً، والغرور والعجب بالنفس أدواء مهلكة، فإذا أضيف إليها حرمة كسبه، ثم سوء تصرفه ـ على ما ذكرت ـ بالإيقاع بينك وبين أهله، فتدخلين في وسطهم بعلاقة مشوبة بالنفور، في أقل أحوالها، كل ذلك يجعلنا نقول لك ـ بصراحة: إن قرار البناء، وإتمام الزواج، يحتاج إلى توقف وتريث على الأقل؛ لأن الانتهاء من العقد قبل البناء أفضل منه بعده.
والذي ننصحك به هو ما يلي:
1. تكرار النصح والمناقشة معه للوصول إلى قناعة تامة إما بتركه لما هو فيه من معصية، وشبهة، وخطأ في المنهج، أو لتأكد ذلك عنده، وتثبيته عليه، فإن هداه الله للحق، وعلمت أن ذلك نابع عن تغير حقيقي، وليس مجرد مجاراة: فاستمري معه، ولك أجر هدايته، وإن أبى إلا الاستمرار على ما هو عليه: فلا خير فيه، وطالبيه بأن تفسخا النكاح بهدوء، ولينصرف كل إلى سبيله، وليبحث عن شبيهه؛ والانفصال الآن أفضل من الغد، أو من العيش في نكد.
وينظر تفصيل الخلع في جواب السؤال رقم: (26247) .
2. إيقاف أهلك على حقيقة وضعه وحاله، إن كانوا سيتفهمون معك معاناتك؛ وأن مثل هذا ليس هو الذي يمكن استمرار الحياة معه، فوقوف أهلك إلى جانبك مهم جدّاً.
3. ننصحك بالتروي والتمهل، واستخارة الله جل جلاله في ذلك، وصدق اللجوء إليه، والاستعانة بالناصح الأمين، ممن يعرفك ويعرفه، والاستنارة برأيه ونصيحته، قبل البت في إنهاء ما بينكما.
4. بذل سبل هدايته من طرفك، بدلالته على مواقع في الإنترنت موثوقة يقرأ فيها، وبدلالته على كتب وأشرطة وبرامج في الفضائيات الموثوقة لأهل السنَّة، فغالب هؤلاء يكون الخلل عندهم من مصادر التلقي من مراجعهم الفقهية والعقيدية، وقد يكون في اطلاعه على ما تقترحينه عليه سبيل هداية له.
5. هو الآن زوجك، فنرجو منك تحسين سلوكك معه، وإظهار المودة؛ من أجل هدف سامٍ غالٍ وهو هدايته مما هو فيه، ولا بأس من مشاركته فيما يقرأ، ويسمع؛ ليكون أدعى له للاستمرار في القراءة والسماع.
وبخصوص اختيار الزوج: فقد سبق منَّا بيان ذلك بكثير من التفصيل، فنرجو منك مراجعة أجوبة الأسئلة: (5202) و (6942) و (69964) و (8412) و (105728) .
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6482)
طبع لصديقه بحثاً فيه مخالفات للشرع لئلا ينفر منه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل في مجال كتابة الأبحاث العلمية، وقد أحضر لي صديق مسلم بحثاً مكتوباً له؛ لأقوم بكتابته على الحاسب، ثم طباعته، هذا البحث يتحدث عن أعمال أحد الأدباء النصارى، فلم يكن البحث يخلو في محتواه مما يخص عقائد النصارى، ونظرتهم إلى الله، والآلهة، وما إلى ذلك، وقد توسل لي أن أكتبه له بشدة، بسبب ضيق الوقت المقرر لتسليم البحث، فقبلتُ رغبة مني في أن أجعله يتقرب إليَّ أكثر، وأن أدعوه إلى الله، فهو شخص غير ملتزم، ولكنه ينظر إليَّ باعتباري مثالاً للشخص المسلم، فأنا أدعوه على فترات متباعدة، دون أن يشعر عن طريق ما أفعله أمامه، أو الطريقة التي أعامل بها من حولي؛ لأنه سريع النفور من الدعوة، ولو لم أكن قبلتُ بحثه: لقطع علاقته بي، فهل أنا على صواب؟ . وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان صاحبك قد علَّق على ما في بحثه هذا مما يخالف عقائد الإسلام، وبيَّن بطلانها فلا حرج من كتابة هذا البحث ونشره، لأنك بيَّنت أن هذا باطل.
وأما إذا كان البحث مجرد حكاية لما يقوله ذلك الأديب النصراني من غير بيان لما في كلامه من باطل، - وهذا هو الظاهر من سؤالك – فلا يجوز كتابة هذا البحث ولا نشره ولا مساعدته على ذلك.
وكيف يليق بمسلم أن يكتب بيده كلاماً فيه سب الله تعالى وتنقصه؟!
وأقل درجات إنكار المنكر: أن ينكر المسلم بقلبه، وذلك يتضمن كراهة لذلك المنكر وابتعاده عنه وعدم إقراره، وأما اعتذارك عن هذا بأنك أردت تأليف قلبه واستمرار دعوته، فهو اعتذار لا يبيح للمسلم كتابة أعظم المنكرات بيده، وهو الشرك، وقد نهى الله تعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم عن أقل مما فعلت، وكان مقصده من ورائه ما هو أعظم مما قصدت، قال الله تعالى: (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) الأنعام/ 52.
قال القرطبي رحمه الله:
" قوله تعالى: (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ) الآية، قال المشركون: ولا نرضى بمجالسة أمثال هؤلاء - يعنون سلمان، وصهيباً، وبلالاً، وخبَّاباً - فاطردهم عنك، وطلبوا أن يكتب لهم بذلك، فهمَّ النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، ودعا عليّاً ليكتب؛ فقام الفقراء، وجلسوا ناحية؛ فأنزل الله الآية، ولهذا أشار سعد بقوله في الحديث الصحيح: (فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع) .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم إنما مال إلى ذلك طمعاً في إسلامهم، وإسلام قومهم، ورأى أن ذلك لا يفوت أصحابه شيئاً، ولا ينقص لهم قدراً، فمال إليه، فأنزل الله الآية، فنهاه عما همَّ به من الطرد، لا أنه أوقع الطرد " انتهى.
" تفسير القرطبي " (6 / 431) .
وقد عاتب الله تعالى نبيَّه صلى الله عليه وسلم على فعلٍ أقلَّ من فعلك اجتهد فيه لتحصيل مصلحة عظيمة من أجل إسلام بعض رؤساء الجاهلية، فقال تعالى: (عَبَسَ وَتَوَلَّى. أَن جَاءهُ الأَعْمَى. وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى. أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى. أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى. فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى. وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى. وَأَمَّا مَن جَاءَكَ يَسْعَى. وَهُوَ يَخْشَى. فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى. كَلاَّ) عبس/ 1 – 11.
قال ابن كثير رحمه الله:
" ذكر غير واحد من المفسرين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوماً يخاطب بعض عظماء قريش، وقد طمع في إسلامه، فبينما هو يخاطبه، ويناجيه: إذ أقبل ابن أم مكتوم -وكان ممن أسلم قديماً - فجعل يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء، ويلح عليه، وودَّ النبي صلى الله عليه وسلم أن لو كفَّ ساعته تلك ليتمكن من مخاطبة ذلك الرجل؛ طمعاً، ورغبةً في هدايته، وعبس في وجه ابن أم مكتوم، وأعرض عنه، وأقبل على الآخر، فأنزل الله عز وجل: (عبس وتولى. أن جاءه الأعمى..) " انتهى.
" تفسير ابن كثير " (8 / 319) .
والذي كان ينبغي لك فعله أن تصدق معه، فتخبره بحكم فعلك لو وافقتَه في طباعة ذلك البحث، وحكم فعله هو في كتابته أصلاً، وبذا يحصل النفع التام، لك، فتسلم أنت من الإثم، وله، فلعله يعيد النظر فيما كتب، ويحذف ما فيه مخالفة للشرع.
ويكون ذلك برفق ولين حتى لا ينفر صاحبك، وتتمكن من الاستمرار من دعوته.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6483)
يريد أن يكمل دراسة الاقتصاد ويسأل عن العمل في بنك ربوي، وما هو البديل المباح؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب سنة أولى في الجامعة، تخصصي اقتصاد، وأعمال، ورياضيات، وأفكر - بإذن الله - أن أواصل مشواري المهني في مجال الاقتصاد، ولكنه قد نما إلى مسمعي أن هذا المجال حرام؛ لأنه يتعامل مع الربا، فهل حرام أن أعمل مثلاً في البنك الوطني في إنجلترا؟ وهل من الممكن أن تذكروا خمسة أعمال جائزة وليس فيها شبهة يمكن لمن هذا تخصصه أن يعمل فيها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لتعلم أخي السائل أن إقامة المسلم في دولة غير إسلامية ينطوي على مخاطر كثيرة على دين المسلم وأخلاقه، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها نهياً شديداً، ولجواز إقامة المسلم في تلك البلاد شروط ذكرها العلماء، من أهمها: أن يكون قادراً على إظهار دينه.
ولمزيد الفائدة يراجع جواب السؤال: (13363) و (14235) و (27211) .
ثانياً:
دراسة علم "الاقتصاد" لا بأس به، فإنه علم اجتماعي يبحث في سلوك الأفراد أو الفرد كمنتج أو مستهلك أو مدخر أو مستثمر.. إلخ. ويهدف إلى رفع الكفاءة الإنتاجية والاستغلال الأمثل للموارد المتاحة، وزيادة الإنتاج في المستقبل.
وكذلك علم "إدارة الأعمال" لا بأس به من حيث الأصل، فإنه علم وفن استخدام الموارد المتاحة، في مشروع أو تنظيم ما على أفضل الوجوه الممكنة كَمّا وكيفاً وتكلفةً وزمناً للوصول إلى أهداف محددة.
لكن هناك محاذير في طبيعة كثير من المواد الواقعة تحت بنود تلك الدراسات، وهي التي تتعلق بالربا، والسندات والتأمين، وغيرها، مما لا يجوز العمل به.
وهذا ما يجعل فرص العمل تضيق على من درس هذه العلوم، فأكثر المصانع، والشركات، والمؤسسات تتعامل بالربا، في إيداعها، واقتراضها، وإقراضها.
والربا قد صار ركناً أساسياً من أركان الاقتصاد المعاصر.
وقد سبق بيان تحريم العمل في البنوك الربوية، مهما كان هذا العمل بعيداً عن الربا، وانظر جواب السؤال رقم (26771) و (21113) .
وأما الشركات والمؤسسات التي لها بعض التعاملات المحرمة، غير أن نشاطها في الأصل مباح، فلا حرج من العمل فيها في قسم بعيد عن مباشرة الحرام أو الإعانة عليه.
وانظر جواب السؤال رقم (31781) .
وأما "الرياضيات" فتعلمها وتعليمها أسلم، حيث تختلف في طبيعتها عن "الاقتصاد" و "إدارة الأعمال"، وتختلف تبعاً لذلك طبيعة أعمال الخريجين من كل تخصص، وليس فيها مباشرة للربا أو معاونة عليه.
ومن الأعمال الشرعية التي نقترحها عليك مما يتعلق بالتخصصات المذكورة:
1. العمل في تدريس مادة "الرياضيات".
2. العمل في قسم من أقسام شركة أو مؤسسة نشاطها مباح، وإن كان لها بعض المعاملات المحرمة، كالربا وغيره، بشرط أن يكون هذا القسم الذي تعمل فيه لا علاقة له بالمعاملات المحرمة، ولا يعين عليها.
3. العمل في محل لـ " الصرافة "، بشرط الالتزام بالأخذ والإعطاء يداً بيد، دون تأخير.
4. العمل في أي قسم يتعلق بتخصصك إن كانت الشركة إسلامية، وتتحرى الحلال في عملها.
5. العمل في متابعة ومراجعة أعمال وأنشطة الشركات والمؤسسات ذات الأعمال المباحة.
كما يمكنك القيام بأعمال حرَّة، في البيع والشراء، دون ارتباط بمؤسسة، أو شركة، وهو خير من كل ما ذكرناه؛ لأنك تتحكم بعملك وموافقته للشرع.
ونسأل الله تعالى أن يرزقك رزقاً حسناً، وأن ييسر لك أمرك، ويوفقك لما فيه رضاه.
ولمزيد الفائدة حول دراسة المحاسبة والعمل بمجالها: انظر جواب السؤال رقم: (103181) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6484)
خطيبها يعمل في صيانة مركب سياحي
[السُّؤَالُ]
ـ[خطيب أختي يعمل مهندس صيانة على إحدى المراكب السياحية، وهي تسأل عما ستفعل معه وما هو قرارها في مستقبلها معه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
العمل في صيانة المراكب السياحية يختلف بحسب حال هذه المراكب، فإن كانت لمجرد النزهة ولا توجد عليها منكرات، فلا حرج في صيانتها. وإن كان المركب السياحي تمارس عليه المنكرات كالاختلاط أو شرب الخمر أو غير ذلك مما حرم الله، فلا يجوز العمل في صيانته؛ لما في ذلك من الإعانة على الإثم والعدوان، والسكوت على المنكر وعدم إنكاره، إضافةً إلى رؤية هذه المنكرات التي تظلم القلب، وتطمس البصيرة، وتجرئ على محارم الله.
قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2.
وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَراً فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِن لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ) رواه مسلم (49) .
والإنكار بالقلب يقتضي البعد عن المنكر، وعدم الإعانة عليه.
وإذا كان عمل الخاطب في هذا المجال المحرم، فينبغي نصحه وتذكيره بخطر المال الحرام وإثمه وسوء عاقبته، فإن استجاب فالحمد لله، وإن استمر في عمله فينبغي فسخ خطبته؛ لأن بقاءه في العمل المحرم يعني إطعام أهله من هذا الكسب الخبيث.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: (كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به) رواه الطبراني عن أبي بكر، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4519) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6485)
تخرَّج من تخصص " موارد مالية " ويشكو من عدم وجود فرص لعمل مباح
[السُّؤَالُ]
ـ[درست " إدارة أعمال " تخصص " موارد مالية " وعليه فأنا مؤهل للعمل في أي مكان يتعامل مع الأموال، كالبنوك - مثلاً -، ولكني بعد أن تخرجت انصدمت بأن هناك فتاوى تقول إن معظم البنوك تتعامل بالربا، وأنه لا يمكن العمل فيها، ليس ذلك فحسب، بل إن هناك الكثير من الشركات، والقطاعات تتعامل بالربا. سؤالي هو: هل أنتم متأكدون من هذه الفتوى؟ ما العمل إذن؟ أين نذهب بهذه المؤهلات والشهادات؟ هل ذهبت كلها أدراج الرياح، أم أنه يتوجب عليَّ بعد هذه السنوات من الدراسة أن أعمل نادلاً في أي مقهى؟ أنا أعلم أنكم ستقولون إن هناك بنوكاً إسلامية، ولكني أظن أن هذا غير موجود، وإنما مثل البنوك الإسلامية في هذه الأيام كمثل النبيذ الذي مر عليه ردح من الزمن ولكنه في قارورة جديدة؟ أرجو التوضيح.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نحتاج منك أن تخفف حدتك في الكلام، وتهون على نفسك، فلسنا نحن الذين أشرنا عليك بدخول الجامعة، ولا دراسة ذلك التخصص، ولا نحن الذين فرضنا هذه المناهج، ولا نحن الذين أغرينا البنوك والشركات والأفراد بالتعامل بالربا، وكان عليك أن تنظر أولاً أين تضع رجلك ثم تضعها، فكان عليك أن تسأل هذا السؤال قبل دخول الجامعة وتحديد التخصص.
ومع غضبك الواضح في رسالتك: إلا أننا أحببنا فيك حرصك على الالتزام بالحكم الشرعي، وإلا فما الذي يجعلك تراسل موقع فتاوى لتسأله عن حكم عملك المستقبلي لولا أنك تريد طيب المكسب، وحِلَّ اللقمة؟ فنرجو أن لا يخيب ظننا بك أنك تريد الحق، وتبحث عن مصدرٍ للكسب الحلال.
ثانياً:
نعم، نحن متأكدون من تحريم العمل في البنوك الربوية – في جميع أقسامها -، فلا يحل لمسلم أن يعمل في بنك ربوي، ولو كان يعمل حارساً للبنك.
وانظر جوابي السؤالين: (26771) و (21113) .
ولبيان حكم العمل محاسباً في الشركات والمصانع: انظر جوابي السؤالين: (112175) و (103181) .
ومما يدعو للأسف والحزن أن كل من تخرَّج من مثل تخصصك لا يجد عملاً حلالاً بسهولة؛ وذلك لكثرة وجود الربا في قطاعات كثيرة من أماكن العمل، حكومية كانت، أو خاصة.
وليست دراستك الجامعية بعذر لك حتى تباشر عملاً محرَّماً، فالواجب على المسلم أن يعتني ويهتم بأن يكون كسبه حلالاً لأن (كل جسد نبت من حرام فالنار أولى به) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
ولنذهب معك إلى أسوأ ما تتوقعه أنت: فلتذهب تلك الشهادات أدراج الرياح، والمهم أننا لا نغضب ربنا تعالى في أعمالنا، ولا نكسب اللقمة الحرام.
والإنسان إذا ترك الدنيا كلها ـ لو كانت له ـ وفاز بجنة الخلد، فهو بمنزلة من ترك حجراً لا قيمة له، وأخذ جوهرة هي أثمن وأنفس ما يكون، فهل يحق لهذا أن يحزن على ما تركه من الدنيا؟
ومع هذا، فهناك مجالات للعمل المباح بشهاداتك، فهناك "القنوات الفضائية الإسلامية" وهناك "البنوك الإسلامية" وهناك الشركات والمصانع والمؤسسات التي يملكها أهل الاستقامة ممن يتحرون الحلال في أعمالهم – وهم كثر ولله الحمد -، كما يمكنك العمل في " محل للصرافة "،.... إلخ. وهكذا في أعمال مباحة مثلها، لا تخرج عن تخصصك، ولا تضيع عليك سنوات دراستك في الجامعة.
ثالثاً:
قولك "أم أنه يتوجب عليَّ بعد هذه السنوات من الدراسة أن أعمل نادلاً في أي مقهى": يستحق وقفة معه.
فأهل الاستقامة يبحثون عن الأعمال المباحة، ولا تستهويهم المناظر والمظاهر على حساب دينهم والتزامهم بأمر ربهم تعالى، فربَّ عامل في محطة "بنزين"، أو "كهربائي" سيارات، أو "سائق أجرة" أقرب إلى الله من كثير ممن يجلس على مكتب "رئيس مجلس إدارة"، أو مكتب "مدير"، أو حتى "رئيس"، ودينار يكسبه أولئك من أعمالهم الحلال خير وأبرك من آلاف الدنانير التي يكسبها غيرهم ممن رضي العمل في وظيفة محرَّمة، فالعبرة بما يرضاه الله ويبارِك فيه، لا بما يَرضاه لك الناس، ويثنون عليك به، ولو كان مسبِّباً لسخط ربك، ولهذا لا تعجب إن علمتَ أن هناك أئمةً وعلماء في دين الله تعالى عُرفوا بمهنهم وأعمالهم، فمنهم من عمل في صناعة الأحذية! "الإسكافي"، ومنهم من عمل في تجارة الزيت، بل أنبياء الله ورسله وهم أشرف البشر، كانوا يعملون ليأكلوا من كسب أيديهم، فزكريا عليه السلام كان نجاراً، وداود عليه السلام ـ مع ما كان فيه من الملك ـ كان حداداً.
بل ما من نبي إلا رعى الغنم، كما روى البخاري (2143) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا رَعَى الْغَنَمَ) فَقَالَ أَصْحَابُهُ: وَأَنْتَ؟ فَقَالَ: (نَعَمْ كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لِأَهْلِ مَكَّةَ) .
وقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم أن يأكل الإنسان من عمل يده، روى البخاري (1966) عَنْ الْمِقْدَامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ) .
وقد ألَّف العلماء في بيان المكاسب الحلال، والحث عليها، والتحذير من الكسب الحرام مؤلفات كثيرة، منها: كتاب "الكسب" للإمام محمد بن الحسن الشيباني، وكتاب "الحث على التجارة والصناعة والعمل والإنكار على من يدعي التوكل في ترك العمل" للإمام الخلاَّل، وكتاب "البركة في فضل السعي والحركة " للإمام أبي عبد الله محمد بن عبيد الرحمن الوصابي الشافعي، وكتاب " تخريج الدلالات السمعية على ما كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحِرف والصنائع والعمالات الشرعية" لأبي الحسن الخزاعي التلمساني، وكلها مطبوعة.
ولمعرفة جملة كبيرة من العلماء نسبوا إلى حرفة أو مهنة: انظر كتاب "الطرفة فيمن نُسب من العلماء إلى مهنة أو حرفة" تأليف عبد الباسط بن يوسف الغريب.
وللوقوف على أنواع المكاسب المحرَّمة، وما هي مصادر كسب الصحابة؟ وما أفضلها؟ : انظر جواب السؤال رقم: (107144) .
والحاصل:
إما أن تعمل بشهادتك في مجال مباح، أو في غير مجالها – وكثيرون يفعلون ذلك – وهو مجال رحب واسع.
ونسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى، وأن ييسر لك عملاً حلالاً طيبا مباركاً فيه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6486)
حكم خروج الموظف أثناء عمله بعذر وبدون عذر
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسؤول مؤسسة تابعة للدولة وأخرج أحيانا من مكتبي لقضاء أموري الخاصة وليس لي مسؤول مباشر لأستأذنه بالخروج وخروجي يكون في وقت العمل وبدون تأثير على المؤسسة وبوجود الهاتف النقال يمكن الاتصال بي في أي وقت عند الحاجة في العمل، وغالبا ما أبقى بعض الوقت في مكتبي بعد نهاية العمل، فما هو الحكم الشرعي في الوقت الذي قضيته خارج مكتبي؟ أفتونا بارك الله فيكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يلزم الموظف الحضور والبقاء مدة العمل المتفق عليه، سواء كان لديه عمل أو لا؛ لأن الوظيفة أو عقد الإجارة متضمن لهذا، فالموظف أجير خاص، والأجير الخاص هو من قُدّر نفعه بالزمن فيلزمه تفريغ هذا الزمن للعمل فقط، ولأنه لو ترك الأمر لتقدير الموظف وقيل له إنه يحضر عند وجود العمل، لفشلت المؤسسات وتعطلت الأعمال لعدم إمكان ضبط الأمر.
هذا هو الأصل في الوظائف، فهي من باب الإجارة الخاصة المقدرة بالزمن.
لكن يستثنى من ذلك ما لو دعت الحاجة إلى خروج الموظف لعمل أو مصلحة يشق تأجيلها إلى ما بعد الدوام، فيخرج بإذن إدارته.
وإذا كان الحال كما ذكرت من كونك مسؤولا في المؤسسة فلا يوجد من تستأذنه، فنقول: يجوز أن تخرج للحاجة الماسة التي يشق تأخيرها إلى ما بعد الدوام، وينبغي أن تعتبر نفسك كأحد الموظفين، وألا تسمح لنفسك بأكثر مما تسمح به لهم، بل ينبغي أن تكون قدوة لغيرك، وأن تشدد على نفسك ما لا تشدده عليهم، والملاحظ في الواقع أن الموظفين إذا رأوا خروج رئيسهم، تساهلوا في الخروج، وتساهلوا في أداء العمل، وحصل بذلك فساد عام.
ولا يكفي وجود الهاتف النقال، ولا كونك تجلس بعد الدوام، لأن الحق يجب أداؤه في وقته لا خارج الوقت، وهذا من جملة الأمانات التي اؤتمن عليها الإنسان، سواء وجد المدير الذي يحاسبه أو لم يوجد، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) النساء/58.
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (1/673) : "يخبر تعالى أنه يأمر بأداء الأمانات إلى أهلها، وفي حديث الحسن، عن سمرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك) . رواه الإمام أحمد وأهل السنن، وهذا يعم جميع الأمانات الواجبة على الإنسان، من حقوق الله عز وجل على عباده، من الصلوات والزكوات، والكفارات والنذور والصيام، وغير ذلك، مما هو مؤتمن عليه لا يطلع عليه العباد، ومن حقوق العباد بعضهم على بعض كالودائع وغير ذلك مما يأتمنون به بعضهم على بعض من غير اطلاعِ بينةٍ على ذلك. فأمر الله عز وجل بأدائها، فمن لم يفعل ذلك في الدنيا أخذ منه ذلك يوم القيامة" انتهى.
وما ضاعت الأعمال ولا تعطلت إلا بسبب التساهل في خروج المدراء والمسؤولين، وعلى العكس من ذلك ترى المؤسسة التي يبكر مسؤولها في الحضور ولا يخرج منها إلا نادرا، ينضبط موظفوها، وتستقيم أعمالها.
وينبغي أن يعلم المسؤول أن من جملة أعماله المكلف به: الإشراف على الموظفين ومتابعتهم وتقييم عملهم وتوجيههم وإشعارهم برقابته ومحاسبته.
ولأهمية هذا الموضوع وكثرة السؤال عنه نضع جملة من فتاوى أهل العلم فيه:
1-سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: الموظفون المطالبون بدوام رسمي ويخرجون أثناء هذا الدوام لمزاولة البيع والشراء دون إذن، ما حكم عملهم ذلك؟
فأجابوا: "خروج الموظف أثناء عمله للبيع والشراء لا يجوز، سواء أذن له من قبل المسؤول عن عمله أم لا؛ لما في ذلك من أمر مخالفة ولاة الأمر. بمنع ذلك، ولما فيه من إضاعة عمله الذي اؤتمن عليه مما يترتب عليه إضاعة حقوق المسلمين المرتبطين بعمله، والإخلال بالقيام به على أكمل وجه، وقد روى أبو يعلى والعسكري عن عائشة ترفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه) وأخرج البيهقي والطبراني نحوه " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (23/415) .
2- وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: النظام الذي هو الدوام الرسمي للدولة تجد البعض يأتي متأخراً نصف ساعة أو ينصرف من العمل قبل انتهاء الدوام بنصف ساعة، وأحياناً يتأخر ساعة أو أكثر، فما الحكم في ذلك؟
فأجاب: "الظاهر أن هذا لا يحتاج إلى جواب؛ لأن العوض يجب أن يكون في مقابل المعوض، فكما أن الموظف لا يرضى أن تنقص الدولة من راتبه شيئاً، فكذلك يجب ألا ينقص من حق الدولة شيئاً، فلا يجوز للإنسان أن يتأخر عن الدوام الرسمي، ولا أن يتقدم قبل انتهائه.
السائل: ولكن البعض يتحجج أنه لا يوجد عمل أصلاً؛ لأن العمل قليل؟ الشيخ: المهم أنت مربوط بزمن لا بعمل، يعني: قيل لك: هذا الراتب على أن تحضر من كذا إلى كذا، سواء كان هناك عمل، أو لم يكن هناك عمل، فما دامت المكافأة مربوطة بزمن، فلا بد أن يستوفى هذا الزمن، يعني: أن يوفي هذا الزمن، وإلا كان أكلنا لما لم نحضر فيه باطلاً " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (9/14) .
3- وسئل أيضا رحمه الله: بعض الموظفين يترك دوامه فيخرج قبل انتهاء الدوام أو أثناء الدوام ويعود أو يتأخر عن موعد الدوام فما حكم ذلك؟
فأجاب: "لا يحل لموظف ن يخرج قبل انتهاء الدوام، ولا أن يتأخر عن بدء الدوام، ولا أن يخرج في أثناء الدوام, لأن هذا الدوام ملك للدولة يأخذ عليه مقابلاً من بيت المال, لكن ما جرت به العادة إذا دعت الحاجة إلى الخروج في أثناء الدوام واستأذن رئيسه أو مديره ولم يتعطل العمل بخروجه فأرجو أن لا يكون في ذلك بأس " انتهى.
4- وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: بعض الموظفين الذين تقل مراجعتهم من قبل الموظفين يخرجون ظهراً قبل نهاية الدوام لتناول طعام الغذاء مع زوجاتهم ثم يعودون ويبقون في مكاتبهم حتى نهاية الدوام..هل هذا الفعل جائز وما نصيحتكم لهم؟
فأجاب: "الموظف يجب عليه الحضور في مكان العمل من بداية وقت الدوام إلى نهايته، ولا يجوز له الخروج إلى بيته أو أعماله الخاصة في وقت الدوام بل يجب عليه البقاء في مكان العمل ولو كان المراجعون قليلين، لأن وقت الدوام ملك للعمل وليس ملكاً له, لأنه قد اشتري منه هذا الوقت بالراتب الذي يستلمه, فلا يجوز له أن يبخس شيئاً من الوقت لمصالحه الخاصة إلا بعذر يقره النظام الوظيفي " انتهى.
5- وسئل الشيخ ابن جبرين حفظه الله: هل يجوز للعامل أن يخرج وقت دوامه بصفة دورية بحجة أنه لا يوجد عمل يؤديه, برغم أن راتبه كبير نسبة للعمل القليل الذي يؤدية؟
فأجاب: "لا يخرج الموظف من مقر عمله حتى ينتهي وقت الدوام ولو كان فارغاً، وسواء كان راتبه كثيراً أو قليلاً, لكن إن عرض له عارض وحدث له أمر يضطره إلى الخروج كمرض أو شغل ضروري لا يجد من الخروج له بداً فله ذلك ثم يرجع بعد انتهائه من شغله، وذلك لأن وقته مملوك عليه للدولة أو للشركة التي يعمل فيها إلا إن كان عمله ميداناً محدداً فله أن يُنهي ذلك العمل المحدد ثم يذهب حيث يشاء، والله أعلم " انتهى من "فتاوى مهمة لموظفي الأمة".
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6487)
إمام المسجد يلزم المؤذن بدفع راتب الفراش بدلا من الفراش الذي لا يعمل!
[السُّؤَالُ]
ـ[استلمت مسجداً للعمل فيه كمؤذن ولكن عندما رغبت العمل فيه اشترط علي الإمام شروطا وهي: 1/ إعطاء الفراش البنغالي راتب شهري لا يزيد عن 800 ريال ولا ينقص عن 500 ريال من أصل المرتب وهو 1350 ريال. 2 / تحمل تجديد إقامته سنوياً بقيمة 300 ريال. 3 / تحمل تذاكر سفره إلى بلاده بقيمة 1300 ريال كل سنتين ونصف. 4 / عدم إخراج المستأجرين الذين في سكن المؤذن وقبول الإيجار وقيمته 18000ريال مع أن السكن يساوي إيجار 24000ريال تقريباً. مع العلم أن المسجد مسجل في وزارة الشؤون الإسلامية أي المسجد حكومي ويوجد فيه فراش سعودي يستلم راتبا كاملا ولا يعمل في المسجد ... فلماذا أتحمل كل هذه الشروط والالتزامات وهل من حق الإمام أن يشترط هذه الشروط مع العلم أنه موظف وأنا موظف؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا يحق للإمام أن يلزمك بما ذكرت، وهو موظف مثلك، لا سلطان له عليك في هذا، وعليك مراجعة إدارة المساجد.
ثانيا:
لا يجوز للمؤذن أن يأخذ راتبا على الأذان وهو لا يؤذن، كما لا يجوز للفراش أن يأخذ راتبا وهو لا يعمل، ولا يكفي أن يستأجر من يقوم بعمله، ما لم يراجع الجهة المسئولة في ذلك وتأذن له.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وقد كان بعض الناس المعينين على وظيفة "فراش المسجد" يستأجر مستخدماً أجنبياً بربع ما يقبض من مرتب، ويأكل الباقي بلا مقابل، والعياذ بالله، وقد ذكر شيخ لإسلام ابن تيمية رحمه الله أن مثل هذا من أكل المال بالباطل. وكان بعض مديري دوائر الأوقاف يقول: نحن لا يعنينا من يقوم بالعمل، المهم أن يحصل العمل. فسألت وكيل الوزارة إذْ ذَاك فأنكر هذا، وأن الوزارة لا تقره. لكن ينبغي أن يفرق بين أن يكون العامل المستأجر على كفالة هذا الفراش، فيجوز له تشغيله بهذا العمل، أو لا يكون، فلا يجوز " انتهى من "ثمرات التدوين".
وما ذكرته في سؤالك أعظم من هذا، فإن الفراش المذكور لا يستأجر عاملا من ماله، وإنما يريد تحميل غيره أجرة الفراش، وهذا من الظلم وأكل المال بالباطل، فيكون استلامه للراتب في مقابل لا شيء، نسأله الله العافية والسلامة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6488)
يعمل في مكان غير طاهر فهل يمسح قدميه ويصلي جالساً؟!
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في مكان غير طاهر مع غير المسلمين، ولا يوجد مكان للصلاة بالشكل الصحيح، أو الوضوء، كغسل القدمين – مثلاً -، فهل يجوز الصلاة جالساً، والمسح على القدمين؟ علماً أني حاولتُ ذلك لكن تمت العملية بدون الخشوع أو حتى اللذة الإيمانية المرجوة، الأمر الذي أشعر به حين أصلي في البيت، أو المسجد! . وما سبب فتور الرغبة في الصلاة حين أكون في البيت؟ وهل لزوجتي الحق في حثي على الصلاة؟ . أفيدوني، جزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
اعلم أنه ينبغي أن يكون العمل الذي تعمل فيه مباحاً، فاحذر أشد الحذر من الكسب المحرَّم من عملٍ محرَّم، وإنما دعانا لقول هذا: ما ذكرتَه من كون المكان غير طاهر، وإذا كنتَ تعمل في مطعم: فاحذر من طبخ الخنزير، أو الميتة، أو أن يكون المطعم يقدِّم الخمور.
وانظر جواب السؤال رقم: (125118) .
ثانيا:
لا يحل لمسلم أن يتيمم مع وجود الماء المقدور على استعماله، ولا أن يمسح على قدميه مع قدرته على غسلهما.
وعليك أخي السائل أن تحتاط لوضوئك، وأن لا تفرِّط فيه، ويمكنك الوضوء قبل مجيئك للعمل، كما يمكنك مغادرة العمل من أجل الوضوء، والصلاة، والمهم: أن عليك بذل الأسباب التي تتمكن من خلالها من القيام بالوضوء.
وإذا كان الأمر يتعلق بغسل الرجلين فقط: فإننا نفيدك بحلَّين شرعيين:
1. المسح على الجوارب، ويكون ذلك بتوضئك وضوءًا كاملاً في بيتك، ثم تلبس الجوربين على تلك الطهارة، ولك أن تمسح عليهما يوماً وليلة، وهكذا تصنع كل يوم.
2. غسل الرجلين غسلاً خفيفاً، وهو ـ عند بعض أهل العلم ـ معنى المسح، على قراءة الجر، في لفظة (وَأَرْجلكُم) الواردة في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) المائدة/ من الآية 6.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
ولفظ الآية لا يخالف ما تواتر من السنَّة؛ فإن المسح جنس تحته نوعان: الإسالة وغير الإسالة، كما تقول العرب: " تمسحت للصلاة "، فما كان بالإسالة فهو الغسل، وإذا خص أحد النوعين باسم الغسل فقد يخص النوع الآخر باسم المسح، فالمسح يقال على المسح العام الذي يندرج فيه الغسل ويقال على الخاص الذي لا يندرج فيه الغسل.
" منهاج السنة " (4 / 172) .
وقال:
وفي ذِكر المسح على الرجلين تنبيه على قلة الصب في الرجل فإن السرف يعتاد فيهما كثيراً.
" منهاج السنة " (4 / 174) .
فأصبحت الحلول المتوفرة لديك كثيرة، وهو ما يقطع عذرك في عدم الوضوء، أو عدم غسل الرجلين، فكن على تنبه مما ذكرناه آنفاً.
ثالثا:
لا يجوز لك صلاة الفريضة جالساً مع قدرتك على القيام؛ فإن القيام من أركان الصلاة المتفق عليها بين أهل العلم، وصلاتك جالساً مع تلك القدرة: يجعل صلاتك باطلة.
وانظر جواب السؤال رقم: (67934) .
وعليك ـ أخي المسلم ـ الاهتمام بصلاتك أعظم من اهتمامك بعملك وباقي شئون دنياك؛ فإن الدنيا لا تغني عن الآخرة شيئاً، ولا بدَّ لك من العمل على الأسباب التي تمكنُّك من الصلاة قائماً، ومن الصلاة على بقعة طاهرة؛ لأن هذا أيضاً من شروط صحة الصلاة، وإذا لم يوجد مكان طاهر في مكان عملك: فاخرج لغيره من الأماكن الطاهرة، ولا تفرِّط في أحكام الصلاة؛ فقد أمرك الله تعالى بإقامتها، ومن إقامتها: القيام بأركانها، وشروطها، وواجباتها.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
لقد شرع الله سبحانه وتعالى الطهارة لكل صلاة؛ فإن رفع الحدث، وإزالة النجاسة - سواء كانت في البدن، أو الثوب، أو المكان المصلَّى فيه -: شرطان من شروط الصلاة.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (12 / 235) .
رابعاً:
من عادة الناس في بيوتهم أن ينشغل المرء بالأهل والأولاد، ومتطلبات الحياة، لذا فإن من يصلي في بيته يشعر بالفرق الكبير العظيم بينه وبين الصلاة في بيت من بيوت الله، وإنه ليجد من النشاط في المسجد ما لا يجده في البيت، ومن أسباب ذلك غالباً:
1. الصلاة في المسجد جماعة، الصلاة منفرداً في البيت.
2. سماع القرآن من غيره في المسجد، والسماع أبلغ من القراءة في التأثر.
3. عدم وجود ملهيات البيت في المسجد، من أهل، وأولاد، وضوضاء.
4. ولا شك أن من يكون في ضيافة الله تعالى في بيته، ليس حاله كمن ليس كذلك.
خامساً:
ما تقوم به زوجتك ـ بارك الله فيها ـ من حثك على إقامة الصلاة، وأدائها في وقتها، وجماعة في المسجد: ليس فقط حقا لها، بل هو واجب عليها تجاهك؛ وقد أثنى نبينا صلى الله عليه وسلم على من توقظ زوجها لصلاة الليل، فكيف يكون الثناء لو كان ذلك حثّاً على صلاة الفرض؟! .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ فَصَلَّى وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ، رَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنْ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ وَأَيْقَظَتْ زَوْجَهَا فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ الْمَاءَ) .
رواه أبو داود (1308) والنسائي (1610) وابن ماجه (1336) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
قال شمس الحق العظيم آبادي – رحمه الله -:
والمراد: التلطف معها، والسعي في قيامها لطاعة ربها، مهما أمكن، قال تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى) ، وقال ابن الملِك: وهذا يدل على أن إكراه أحدٍ على الخير يجوز، بل يُستحب.
" عون المعبود " (4 / 135، 136) .
وأخيراً:
نشكر لك اهتمامك بالصلاة عمود الدين، وحرصك على معرفة أحكامها، وحرصك على أدائها كما شرعها الله تعالى، ونوصيك خيراً بها، وأن تظل على صلة بربك بصلاتك خاصة، وعموم طاعتك، واشكر لزوجتك حرصها على دينك، وعلى عدم التسبب بسخط الله، فمثل هذا الفعل منها يدل على قوة دين، ورجاحة عقل.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6489)
العمل في تنسيق حجز الفنادق للمسافرين في الداخل والخارج
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مصري وأعمل في المملكة العربية السعودية في شركة سياحة وأعمل كاستشاري سياحة وأتعامل مع السعوديين والعرب، وكل دوري هو تنسيق حجز الفنادق لهم سواء داخل المملكة أو خارجها. فسؤالي: هل في عملي هذا شيء؟ فكل ما أخشاه هو سفر هؤلاء الناس وأخاف أن يرتكبوا شيئاً من المخالفات ومعصية الله تبارك وتعالي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز العمل في تنسيق حجز الفنادق داخل المملكة وخارجها لمن يرغب في ذلك، إلا من عُلم أو غلب على الظن أن سفره للمعصية، أو كان الفندق مما عرف بالشر والفساد، فتحرم الدلالة عليه، كما تحرم إعانة مريد المعصية على معصيته؛ لقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2. أما مَنْ لا تعلم، ولم يغلب على ظنك أنه مسافر من أجل المعصية فلا حرج عليك أن تساعده في حجز الفندق، فإن كان قصده من ذلك المعصية فالإثم عليه وحده.
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم 117056 ورقم 82402
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6490)
مدرس عمل ساعات إضافية في عمل إداري فسجلها المدير ساعات تدريس
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مدرس قد عملت يوما في المؤسسة العلمية التي أعمل فيها ساعات إضافية في عمل إداري, وقدمت بعض الخدمات الأخرى لها وذلك بسبب نقص العمال لهذا العمل، فقام مدير هذه المؤسسة بتسجيل ساعات إضافية لي على أنها ساعات إضافية مدرسة للتلاميذ كي يتم صرفها لي ,إذ إنها لا تصرف لي كمدرس إلا إذا كانت كذلك، وقد حاك في نفسي كوني لم أحصل عليه إلا بالطريقة سالفة الذكر فهل هذا المال يحل لي في ضوء ما ذكرت؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كنت قد عملت هذه الساعات الإضافية، لنقص العمال، وقام المدير بتسجيلها ساعات تدريس إضافية؛ لعدم إمكان توفيتك حقك إلا بهذه الوسيلة، فلا يظهر لنا حرج في ذلك؛ لأنك مستحق للأجرة في مقابل عملك، وتصرف المدير منوط بالمصلحة، وهي متحققة هنا، وقد جرى العرف في كثير من المؤسسات بمثل هذا التصرف، ولو وقف المدير عند حدود التبويب القانوني لتعطلت كثير من الأعمال.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6491)
حكم العمل في "هيئة المحلَّفين" في محكمة غير شرعية في بلاد غير إسلامية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لشخص يعيش في بلاد غير مسلمة أن يعمل في " الهيئة القضائية " في إحدى المحاكم، وعلى وجه التحديد أن يكون عضواً من أعضاء " هيئة المحلفين "، وهم عبارة عن 12 شخصاً، يحددون ما إذا كان الشخص مذنباً أم لا، بعد الاستماع إلى الدعاوى والردود ... الخ؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحكم على الشخص المدان، والمعروضة قضيته على هيئة المحكمة بكونه مذنباً أو ليس بمذنب: يعدُّ حكماً، وقضاءً، ومن شرط الحكم والقضاء أن يكون مبنيّاً على كتاب الله، وسنَّة نبيه صلى الله عليه وسلم، حتى لو كان ذلك في الحكم على الكفَّار، أو فيما بينهم.
قال الله تعالى: (فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) المائدة/42.
وقال تعالى: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ) المائدة/49.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله:
" (وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزلَ اللَّهُ) هذه الآية هي التي قيل: إنها ناسخة لقوله: (فَاحْكُم بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ) ، والصحيح: أنها ليست بناسخة، وأن تلك الآية تدل على أنه صلى الله عليه وسلم مخيَّر بين الحكم بينهم، وبين عدمه، وذلك لعدم قصدهم بالتحاكم للحق، وهذه الآية تدل على أنه إذا حكم: فإنه يحكم بينهم بما أنزل الله، من الكتاب، والسنَّة، وهو القسط الذي تقدم أن الله قال: (وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ) ، ودلَّ هذا على بيان القسط، وأن مادته هو ما شرعه الله من الأحكام، فإنها المشتملة على غاية العدل، والقسط، وما خالف ذلك: فهو جور، وظلم" انتهى.
"تفسير السعدي" (ص 234) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"ليس لأحدٍ أن يحكم بين أحد من خلق الله، لا بين المسلمين، ولا الكفار، ولا الفتيان، ولا رماة البندق، ولا الجيش، ولا الفقراء، ولا غير ذلك، إلا بحكم الله، ورسوله، ومن ابتغى غير ذلك: تناوله قوله تعالى: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) ، وقوله تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن تيمية" (35/407، 408) .
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
"لا يجوز أن يعمل المسلم قاضياً إلا في المحاكم الشرعية، التي تطبق شرع الله في جميع أحكامها" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (12 / 136، 137) .
ولا يخفى على أحد أن مرجع الحكم على الناس في تلك البلاد المسؤول عنها، وفي كثير من البلاد الإسلامية – وللأسف – ليس هو الكتاب والسنَّة، وعليه؛ فسيكون الانطلاق من الحكم على الناس – مسلمين وكفاراً – إنما هو من القوانين الوضعية، والتي تضاد في تشريعاتها تشريعات رب العالمين.
وعلى هذا، فلا يجوز العمل في هيئة المحلفين، بل ولا في أي قسم من أقسام المحاكم التي تحكم بين الناس بغير شرع الله تعالى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6492)
حكم العمل في البنوك في غير أقسام الربا، والعمل عند مَنْ مصدر ماله فيه حرام
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل كموظف استشاري للرهن في بنك " أتش أس بي سي " في بريطانيا، ووظيفتي هي أنني أقوم بالتبيين للناس ما هو أفضل نسبة للربا، وما هو أفضل طريقة للرهن، أعرف أن هذا الأمر حرام , لكني سألت إمام المسجد عندنا فقال لي: " ابق في عملك حتى تجد عملا آخر "، فهل أستطيع أن أعمل في قسم الأمانات حيث إن المعاملات هناك شرعية , أم هذا يعد مساعدة على الإثم والعدوان؛ ذلك لحرمة البنوك ككل؟ . فهل أعمل معلِّما في مدرسة، مع العلم أن المدارس أيضاً تستدين المال، وتأخذ القروض؟ ، وما حكم من أخذ المال الحرام دون أن يعلم بحرمته؟ يعني: رجل ماله كله بالحرام مثل الخمر، والربا، وغيره , وأراد أن يشتري طعاماً من أحد المطاعم , فهل يكون المال الذي دفعه ثمناً للطعام حرام في حق البائع صاحب المطعم؟ وما حكم جمعيات، أو منظمات الزكاة التي تقوم بطلب الزكاة من أموال الناس , ولا يوجد عندها فكرة عن حل أو حرمة المال الذي يأتيها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
البنوك الربوية مؤسسات قامت على معصية هي من كبائر الذنوب، وهي الربا، فلا يجوز لأحدٍ من المسلمين إعانتها بشيء يقويها على عملها، ولا يجوز لأحدٍ أن يكون موظفاً فيها، ولو في قسم لا يباشر الربا المحرَّم؛ لأن المؤسسة تقوم على جميع موظفيها، وكافة أقسامها، وفي ذلك دعاية لها وتقوية لها، ومساعدة لها على التعامل بالربا.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
هل يجوز للإنسان العمل في بنك يتعامل بالربا، مع أنه لا يقوم في البنك بعمل ربوي، ولكن دخل البنك الكلي ربا؟ .
فأجابوا:
"لا يجوز لمسلم أن يعمل في بنك تعاملُه بالربا، ولو كان العمل الذي يتولاه ذلك المسلم في البنك غير ربوي؛ لتوفيره لموظفيه الذين يعملون في الربويات ما يحتاجونه، ويستعينون به على أعمالهم الربوية، وقد قال تعالى: (وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (15 / 41) .
وانظر جواب السؤال رقم: (26771) وفيه تحريم جميع أنواع الأعمال في البنوك، ولو كان الموظف سائقاً، أو حارساً، كما فيه بيان أنه لا فرق بين دولة مسلمة وكافرة في هذا الأمر.
واعلم أنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها، فلا تطلب رزقك بما حرَّم الله عليك، فاحرص على اللقمة الطيبة الحلال، والكسب المبارك المشروع، ولو تأخر حصولك على العمل المباح، وهذه الدنيا دار ابتلاء وامتحان، فاحرص على النجاح فيها؛ لتكسب أعلى وأرفع الدرجات في الآخرة.
وانظر – للمزيد حول هذا – جواب السؤال رقم: (110557) .
ثانياً:
يجوز لك العمل في مدرسة – موظفاً، أو مدرِّساً – ولو كانت المدرسة تقترض قروضاً ربوية.
وقد عرف اليهود بالربا، والرشوة، وأكل السحت، ولم يمنع هذا عليّ بن أبي طالب من العمل عندهم.
قال ابن قدامة رحمه الله:
"ولو أجَّر مسلمٌ نفسَه لذميٍّ لعملٍ: صحَّ؛ لأن عليّاً رضي الله عنه أجَّر نفسَه مِن يهوديٍّ يستقي له كل دلو بتمرة، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فلم ينكره" انتهى.
" المغني " (4 / 333) .
ثالثاً:
المال الحرام قسمان: حرام لذاته، كالمال المغصوب والمسروق، وحرام لكسبه، وهو ما يكسبه من يعمل في مكان محرَّم، أو يتاجر فيما لا يحل له.
فالمال المحرَّم لذاته يجب إرجاعه إلى صاحبه، ولا يجوز لمن علم أنه مغصوب أو مسروق أن يبيع به شيئا لسارقه، فإذا علم البائع أن المشتري سيشتري بالمال الذي سرقه فلا يجوز له أن يبيع له شيئاً.
أما المال المحرم لكسبه فهو حرام على من اكتسبه بطريق محرم فقط، أما من انتقل إليه هذا المال بطريق مباح، فلا حرج عليه من الانتفاع به، كمن أخذه على سبيل الهدية، أو أجرة على عمل مباح، أو ثمن شيء باعه له ... ونحو ذلك.
وعليه: فإذا كان المال حراماً لذاته: فلا يجوز لصاحب المطعم أن يبيع شيئاً لمن يشتري بذلك المال، وإذا لم يعرف حال المال الذي مع المشتري: فليس عليه شيء لو باعه، وليس من شرع الله تعالى سؤال المشترين من أين لك هذا المال، وكيف اكتسبته؟
وإذا علم صاحب المطعم أن المال الذي مع صاحبه كان كسبه له محرَّماً: جاز له بيع الطعام له من غير حرج.
ومثله يقال في الجمعيات التي تأخذ الزكاة من الناس، فما علمت أنه محرم لذاته لم تأخذه ابتداء، أو تأخذه وترده لأصحابه إن كانوا معلومين، أو تأخذه وتنفقه في وجوه الخير المتنوعة، إن لم يمكن رده إلى أصحابه، وما لم تعلم عن حاله: فالأصل براءة ذمة الناس، وأنهم يملكون ما في أيديهم من المال، وخاصة من جاء ليبذل زكاته، ولا يشرع لتلك الجمعيات أن تسأل المتصدقين عن مصدر الأموال التي يتصدقون بها.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6493)
يعمل في بيئة مختلطة في بلد كفر فهل يتركه ويأخذ معونة بطالة أم يستمر فيه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل نصف دوام، في بيئة مختلطة، ولا أريد أن أعمل دوام كامل لأسباب دينية، ولكن ما أجنيه من هذا العمل قليل، ولا يكفيني، فسجلت فيما يسمى " جوب سيكر الونس " وهو عبارة عن مبلغ تعطيه الحكومة للأشخاص العاطلين عن العمل لتغطية المصاريف الأساسية إلى أن يحصلوا على عمل، فهل يجوز لي أن أبقى في العمل المذكور؟ وهل يجوز لي كذلك أن آخذ هذا المبلغ من الحكومة حتى أجد عملاً ذا مردود طيب؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الواجب على المسلم أن يكتسب رزقه بيده، وأن يتعفف عن أموال الناس، وليس من سيما المسلم التطلع إلى ما في أيدي الناس من أموال، فضلا عن أخذها بغير وجه حق، وإذا كان المسلم يعيش في دولة غير إسلامية، تحتَّم عليه التعفف عن أموالهم أكثر، ولا ينبغي أن يذل نفسه بالمعونة التي تصرفها تلك الدول للعاطلين عن العمل، ولأن يعمل بتعب ومشقة خير له من أن يذل نفسه.
روى الخطيب البغدادي في " تاريخ بغداد " (10 / 160) عن علي بن الفضيل قال: سمعتُ أبي وهو يقول لابن المبارك: أنت تأمرنا بالزهد، والتقلل، ونراك تأتي بالبضائع من بلاد خراسان إلى البلد الحرام، كيف ذا؟ فقال ابن المبارك: يا أبا علي، إنما أفعل ذا لأصون به وجهي، وأُكرم به عرضي، وأستعين به على طاعة ربي، لا أرى لله حقَّا إلا سارعت إليه حتى أقوم به، فقال له الفضيل: يا ابن المبارك ما أحسن ذا إن تم ذا.
ثانياً:
أما بخصوص أخذ المعونة من الحكومة – مسلمة كانت أم كافرة – وأنت لا تستحقها، ولا ينطبق عليك الشروط الواجب توفرها: فإنها تكون من الأموال المحرَّمة، ويجب عليك اجتنابها.
وقد أمرنا الله تعالى بالوفاء بالعقود والعهود، حتى مع الكفار، فقال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ) المائدة/ 1، وبينك وبين الدولة عقد على استحقاق المال بشرط، فوجب انطباق الشرط عليك حتى يصير مالهم لك حلالاً.
فمن كان يعمل، وله راتب: فإنه لا يستحق من المعونة شيئاً، وإن كان لا يعمل مع توفر فرص عمل مباحة: كانت المعونة أيضاً عليه محرَّمة.
وبخصوص حالتك تحديداً: فإذا أردت أن يكون المال حلالاً: فاترك العمل المحرَّم؛ لينطبق عليك شرط تلك المعونة، ومن وجد عملاً في بيئة مختلطة، أو في مصنع خمور، أو مطعم يبيع اللحوم المحرَّمة: فهذا لا يعتبر واجداً لعمل؛ لأنه يحرم عليه الالتحاق به ولا حرج عليه من أخذ المعونة حينئذ، فهذا أخف من ارتكاب المحرم، أو احتمال الفتنة بالنساء.
وانظر جواب السؤال رقم: (112278) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6494)
استعمال سيارة العمل في الأغراض الشخصية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا موظف أعمل بإحدى الشركات الخاصة في قطاع الإشراف على مشاريع الشركة وشركتنا لديها سيارات خاصة بها وقد تم استئجارها من إحدى شركات تأجير السيارات وذلك لاستخدام شركتنا مع العلم بأن قيمة الإيجار المدفوع لشركة التأجير يشتمل على التأمين الشامل للسيارة لأي حادث لا قدر الله (مع تحفظنا على تأمين السيارة وذلك لحرمته الشرعية) ولكن هذا هو الوضع الخاص بسيارة الشركة، وعليه فاني أستفتيكم في حكم استخدام سيارة الشركة الخاصة بي استخداما شخصيا علما بأني سأدفع قيمة الوقود وغيار الزيت والفلتر وغسيل السيارة فقط من مالي الخاص لأنها من الأمور المستهلكة عند الاستخدام مع العلم بأنه ليس على شركتنا أي نفقات إضافية نتيجة استخدامي للسيارة استخداما شخصيا عدا ما ذكرته سابقا وحتى الحوادث يتم تغطيتها باستخدام التأمين وأضيف كذلك بأنه إذا تم استخدام السيارة للعمل فقط فإنها لن توفر على شركتنا أي مال بل وإن معدل استخدامها سيكون قليلا جدا ولا يستفاد فيها من قيمة الإيجار المدفوع للسيارة بل إن المستفيد الوحيد هو شركة تأجير السيارات مع العلم بأنها تأخذ قيمة إيجار كامل الفترة المستخدمة بغض النظر عن كمية الاستخدام مما يعتبر مصاريف لا يستفاد منها، وعليه نأمل أن تفيدونا وفقكم الله للخير عن الحكم الشرعي لهذه المسألة وإن كان الحكم الشرعي بالجواز مع أخذ الإذن من شركتنا، فهل يكتفي بأخذ الإذن من مدير إدارتنا فقط؟ مع العلم بأن له صلاحيات توزيع أو سحب السيارات وكذلك متابعتها، وفقكم الله للحق والصواب]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز استعمال أدوات العمل من سيارات وغيرها للأغراض الشخصية إلا بإذن صاحب العمل، أو من يملك صلاحية الإذن في ذلك.
فإن كان مديرك المباشر قد فُوض إليه التصرف في هذه السيارات، ويملك صلاحية إعطائها للموظف خارج الدوام، وقد أذن لك في ذلك على أن تتحمل مصاريف الوقود ونحوه، فلا حرج؛ لأنه مال للشركة، يحق لها أن تتصرف فيه بالتأجير والهبة وغير ذلك.
هذا إذا كنت تعمل في شركة خاصة كما ذكرت، وأما المؤسسات الحكومية، فلا يجوز استعمال أدواتها في الأغراض الشخصية ولو أذن رئيس العمل؛ لأنه لا يملك ذلك لنفسه فكيف يملكه لغيره، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم 47067.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6495)
العمل في تصميم المواقع الإلكترونية وبها روابط لأمور محرمة
[السُّؤَالُ]
ـ[عرض علي تصميم موقع ويب يهتم بشؤون الطلبة، ورغم أن معظم أركانه نبيلة، إلا أن هناك بعض الأركان فيها ميوعة، وقد أشرت إلى صاحب الموقع أني لن أطور الأركان المائعة، فقال: طور الأركان التي تناسبك وأنا سأقوم بالباقي. فكرت أن تكون الصفحة الرئيسية من تصميمي، وأن أجعل له روابط لأركانه (مواعيد، سهرات , سينما , تعارف , ... ) فهل هذا جائز؟ علما أني متحمس كثيراً للعمل، لكن قلبي غير مطمئن.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز العمل في تصميم المواقع الإلكترونية، بشرط خلو المواقع من المحرمات، والدعاية والترويج لها؛ لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان، ولما فيه من إقرار المنكر، والرضا به، بل والإعانة على وجوده وبقائه، وما كان كذلك فتحريمه لا يخفى؛ لقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2، وقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَراً فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِن لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ) رواه مسلم (49) .
فلا يجوز أن تضع في الموقع روابط لدور السينما أو مواعيد السهرات، ونحو ذلك مما فيه إعانة على المعصية، ولا أن تضع أركانا لهذه الأمور، ولو بدون تطوير.
وإنما يقتصر عملك على المباح فقط، مع نصح صاحب الموقع ألا يزيد عليه شيئا مما يغضب الله تعالى، فإن ذهب إلى غيرك ليضيف له هذه الأركان، أو عملها بنفسه، فلا إثم عليك، لكن لو تركت التعامل مع من تظن أنه سيزيد على تصميمك ويدخل عليه شيئا مما يعين على المنكرات، كان خيرا لك.
ولا تحملنك الرغبة في العمل على فعل ما يقدم لك من حلال وحرام، بل اتق الله تعالى، واعلم أن الرزق بيده، وأن الخير والفلاح في طاعته، وأن عاقبة الحرام إلى قلة وذلة.
نسأل الله تعالى لك العون والتوفيق والسداد والرشاد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6496)
كسب أموالا محرمة واشترى بها شقة فهل يتخلص منها
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أعمل في وظيفة قبل الزواج واكتسبت فيها بعض المال غير الحلال، وبعد فترة من الزمان جمعت هذه الأموال واشتريت شقة سكنية واشتركت في نصف سيارة نقل، وهذا كل ما أملكه، وبعد الزواج عاهدت الله أن لا أدخل في بيتي مالا حراما، وتركت العمل، وتبت، فماذا أفعل في الشقة والسيارة؟ فأنا أريد أن أطهر بيتي ومالي من الحرام، فماذا أفعل حتى يرضى الله عني ويتوب علي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نسأل الله تعالى أن يتقبل توبتك، وأن يرزقك الرزق الحلال الطيب.
واعلم أن من شروط التوبة: رد المظالم إلى أهلها، فإذا كان شيء من هذا المال أخذ بغير رضا، كالسرقة أو الغش والخداع، فيلزم رد المال إلى أصحابه، فإن لم يمكن الوصول إليهم أو إلى ورثتهم بعد البحث والتحري، فإنك تتصدق به على نية أنه لهم، فإن جاء صاحبه يوما من الدهر، فإنك تخيره بين رد المال إليه ويكون ثواب الصدقة لك، أو إمضاء الصدقة ويكون ثوابها له.
ثانيا:
أما إذا كانت الأموال المحرمة قد أخذت في معاوضات أو أعمال محرمة، على وجه التراضي، كثمن الخمر، وأجرة الغناء والزمر والكهانة وكتابة الربا وشهادة الزور ونحو ذلك من الأعمال المحرمة، ففيها تفصيل:
أ – فما كسبه الإنسان من ذلك وهو جاهل بتحريمه، فإنه له، ولا يلزمه التخلص منه؛ لقول الله تعالى في الربا بعد نزول تحريمه: (فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) البقرة/275.
ب- وإن كان يعلم تحريم هذا المال، لكنه أنفقه وذهب، فإذا تاب الإنسان فلا شيء عليه.
ج – إذا كان المال باقيا، فإنه يلزم التخلص منه بإنفاقه في وجه الخير، إلا إذا كان محتاجا فإنه يأخذ منه قدر الحاجة، ويتخلص من الباقي.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
أسأل سماحتكم عن فتوى شاعت بين الناس عن أحد العلماء، بأن الشخص إذا كسب مالا من صنع الخمر أو بيعه أو بيع المخدرات، وتاب إلى الله سبحانه وتعالى فإن هذا المال المكتسب عن طريق صنع الخمر أو بيعه أو بيع المخدرات وترويجها فإنه حلال.
فأجابوا: " إذا كان حين كسب الحرام يعلم تحريمه، فإنه لا يحل له بالتوبة، بل يجب عليه التخلص منه بإنفاقه في وجوه البر وأعمال الخير " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (14/33) .
قال ابن القيم رحمه الله: " إذا عاوض غيره معاوضة محرمة وقبض العوض، كالزانية والمغني وبائع الخمر وشاهد الزور ونحوهم ثم تاب والعوض بيده. فقالت طائفة: يرده إلى مالكه؛ إذ هو عين ماله ولم يقبضه بإذن الشارع ولا حصل لربه في مقابلته نفع مباح.
وقالت طائفة: بل توبته بالتصدق به ولا يدفعه إلى من أخذه منه، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو أصوب القولين ... " انتهى من "مدارج السالكين" (1/389) .
وقد بسط ابن القيم الكلام على هذه المسألة في "زاد المعاد" (5/778) وقرر أن طريق التخلص من هذا المال وتمام التوبة إنما يكون: " بالتصدق به، فإن كان محتاجا إليه فله أن يأخذ قدر حاجته، ويتصدق بالباقي " انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " فإن تابت هذه البَغِيّ وهذا الخَمَّار، وكانوا فقراء جاز أن يصرف إليهم من هذا المال قدر حاجتهم، فإن كان يقدر يتّجر أو يعمل صنعة كالنسيج والغزل، أعطي ما يكون له رأس مال " انتهى من "مجموع الفتاوى" (29/308) .
وعليه؛ فإن كنت بحاجة إلى الشقة ونصيبك من سيارة النقل، فنرجو أن يعفو الله عنك، ولا يلزمك التخلص من شيء من ذلك.
وعليك بالاجتهاد في الأعمال الصالحة والإكثار من الصدقة، فإن الله تعالى يقول: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6497)
حكم تملك وتأجير واستئجار صالونات تجميل النساء وحكم العمل فيها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز امتلاك الصالون النسائي أو العمل فيه؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صالونات تجميل النساء لا تخلو – غالباً – من مخالفات شرعية، فإذا خلت من تلك المخالفات: أبيح تملكها، وجاز العمل فيها، ومن تلك المخالفات:
1. عمل النمص للحواجب، والوشم في الجسم، والوصل للشعر بالباروكة.
2. استعمال مواد تجميل تحتوي على مواد كيميائية ضارَّة بالبدن.
3. تجميل المتبرجات، أو المحجبات حجاباً يكشف الوجه، وفي ذلك إعانة لهنَّ على معصيتهن في التبرج، وتسبب في إظهار الزينة المحرَّمة عليهن أمام الأجانب.
4. الاطلاع على العورات من خلال إزالة الشعر من مكان العورات، أو من خلال لبس ملابس العرس، والتي غالبا ما تكون فاضحة.
5. قص الشعر، أو صبغه، تشبهاً بكافرة، أو فاسقة.
6. استعمال الأظافر الصناعية، والرموش المستعارة.
7. وضع العطور ذوات الرائحة الفاتنة على النساء المتجملات.
8. قيام الرجال بتجميل النساء! وهذا منكر شنيع.
وهذه بعض فتاوى لعلماء اللجنة الدائمة فيما سبق ذِكره والتنبيه عليه:
1. سئل علماء اللجنة الدائمة:
تذهب بعض النساء إلى المشاغل النسائية التي يوجد بها عاملة كوافير، وتقوم هذه العاملة بحلق شعر المرأة الغير مرغوب فيه، بما في ذلك شعر العورة المغلظة! خصوصا ليلة زفافها، كما تقوم عاملة الكوافير بنمص شعر الوجه، ووصل شعر الرأس لمن ترغب في ذلك، فما حكم الشرع في هذا العمل؟ وجهونا، وبينوا لنا الحكم، أثابكم الله.
فأجابوا:
النمص وهو: إزالة شعر الحواجب، والوصل وهو: وصل شعر الرأس بشعرٍ آخر، كلاهما كبيرة من كبائر الذنوب، لعن النبي صلى الله عليه وسلم من فعلتهما، أو فعلت واحداً منهما، ولا يجوز كشف العورة إلا للزوج، قال تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ. إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) ، ومن حفظ الفرج: وجوب ستره، وتحريم النظر إليه، إلا لمن أحله الله له، أو عند الضرورة للعلاج الذي لا يمكن إلا بكشفها من أجله.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (17 / 131، 132) .
2. وقال علماء اللجنة الدائمة – أيضاً -:
لا يجوز استخدام الأظافر الصناعية، والرموش المستعارة، والعدسات الملونة؛ لما فيها من الضرر على محالها من الجسم، ولما فيها – أيضاً - من الغش، والخداع، وتغيير خلق الله.
الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (17 / 133) .
3. وقالوا – أيضاً -:
لا مانع من تزين المرأة لوضع المكياج على وجهها، والكحل، وإصلاح شعر رأسها، على وجه لا تشبه فيه بالكافرات، ويشترط – أيضاً - أن تستر وجهها عن الرجال الذين ليسوا محارم لها.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (17 / 129) .
4. وقالوا – أيضاً -:
الأصل: أنه لا يجوز للمرأة التطيب بما له رائحة عطرة إذا أرادت الخروج من بيتها، سواء كان خروجها إلى المسجد، أم إلى غيره؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة استعطرت ثم خرجت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية، وكل عين زانية) رواه أحمد والنسائي والحاكم من حديث أبي موسى رضي الله عنه.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (17 / 124، 125) .
فإذا خلت محلات التجميل من هذه المخالفات: جاز تملكها، والعمل فيها، وإلا حرُم تملكها، وتأجيرها، واستئجارها، وحرم العمل فيها.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6498)
أخذ الشفيع مالا في مقابل شفاعته بجاهه
[السُّؤَالُ]
ـ[فرص العمل في بلدنا ليست متاحة إلا إذا وجد شخص يساعدك لإيجاد ذلك العمل، ولكن مقابل مبلغ مادي فهل هذا حرام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا حرج في توسيط شفيع يساعدك على إيجاد وظيفة مباحة، ما لم يترتب على وساطته حرمان من هو أولى وأحق بالتعيين فيها من جهة الكفاية والقدرة، أو من جهة الأسبقية في التقديم، فإن ترتب على ذلك حرمان من هو أولى كانت وساطته محرمة، ولم يجز لك طلبها منه، وقد بَيَّنا حكم الواسطة في جواب السؤال رقم (26801) .
وأما إعطاء الشفيع مالا، ففيه تفصيل:
فإن كان يبذل مجهودا في البحث عن الوظيفة والدلالة عليها، فيجوز إعطاؤه أجرةً مقابل ذلك، كما هو الحال في مكاتب التوظيف.
وأما إن كان لا يبذل جهدا، وإنما يعتمد على جاهه ومنزلته، فهذا ما يعرف عند الفقهاء بـ "ثمن الجاه"، وهو محل خلاف بينهم، فذهب بعضهم إلى جوازه، كما يفهم من كلام الشافعية والحنابلة، وذهب آخرون إلى منعه أو كراهته أو التفصيل في حكمه، وهي أقوال في مذهب المالكية.
قال في "الروض المربع" في باب القرض: " وإذا قال: اقترض لي مائة، ولك عشرة صح؛ لأنها في مقابلة ما بذله من جاهه " انتهى.
ومثل ذلك في "مغني المحتاج" (3/35) .
وقال في "الإنصاف" (5/134) : " لو جعل له جُعلا (أي: أجرة) على اقتراضه له لجاهه: صح؛ لأنه في مقابلة ما بذله من جاهه فقط " انتهى.
وقال ابن قدامة رحمه الله: " قال [أي: الإمام أحمد] : ولو قال: اقترض لي من فلان مائة , ولك عشرة، فلا بأس , ولو قال: اكفل عني ولك ألف لم يجز؛
وذلك لأن قوله: اقترض لي ولك عشرة جعالة على فعل مباح , فجازت , كما لو قال: ابن لي هذا الحائط ولك عشرة، وأما الكفالة , فإن الكفيل يلزمه الدين , فإذا أداه وجب له على المكفول عنه , فصار كالقرض , فإذا أخذ عوضا صار القرض جارّا للمنفعة , فلم يجز " انتهى من "المغني" (4/214) .
ثانيا:
إذا كان للإنسان حقٌ ما في وظيفة أو غيرها، ولم يمكنه الوصول إليها إلا بدفع رشوة، جاز له ذلك، كما هو مبين في جواب السؤال رقم (72268) .
نسأل الله أن يوفقنا وإياك لطاعته ومرضاته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6499)
الاشتراك في موقع والضغط على الإعلانات الموجودة فيه بمقابل
[السُّؤَالُ]
ـ[هنالك شركات على الإنترنت تقوم بعمل إعلانات عن شركات أخرى وذلك بوضع إعلان عن هذه الشركات الأخرى في موقعها الشخصي على الإنترنت، وطريقة التحصيل من هذه الشركات يكون بعدد زيارة الأشخاص لمواقع هذه الشركات، وحتى تجمع شركة الإعلانات المال بسرعة فإنها تسمح للمستخدمين العاديين للإنترنت بأن يقوموا بعمل تسجيل لديها ومن ثم تقوم هذه الشركة (شركة الإعلانات) بإرسال إعلانات الشركات إلى هذا المستخدم الذي قام بالتسجيل لديها بحيث يضغط على الإعلان فتفتح له صفحة الويب الخاصة بكل شركة، وتجبر المستخدم على بقائه في الصفحة مدة ثلاثين ثانية على الأقل، وقد يستفيد المستخدم بهذا الإعلان بأن يقوم بالشراء مثلاً من منتجات هذه الشركات أو لا يشتري وتكون مجرد زيارة عادية، أما ما يعود على المستخدم الذي قام بزيارة هذه الإعلانات: فإن كل إعلان يقوم بفتحه يأخذ عليه 1 سنت من شركة الإعلانات وهكذا، لو قامت شركة الإعلانات بإرسال 10 إعلانات يومياً لهذا المستخدم فإنه بالضغط عليها يقبض 10 سنتات يومياً، ولأن المبلغ زهيد فان الشركة ترسل لك أيضاً رابطاً يمكنك إرساله إلى أصدقائك من المستخدمين بحيث لو قام أحد أصدقائك بالتسجيل في الشركة المعلنة عن طريقك أنت فإنك تأخذ عن كل ضغطة على إعلان من الضغطات التي يقوم بها صديقك سنتاً أيضاً، فلو كان لك 10 سجلوا عن طريقك تأخذ 10 سنتات لو قام كل منهم بالضغط على إعلان واحد فقط، ولو قام كل واحد منهم بالضغط على العشرة إعلانات فإنك تقبض 10 سنتات في 10 مستخدمين أي 1 دولار يومياً، والسؤال هو: هل يجوز لي كمستخدم أن أكسب المال بهذه الطريقة؟ مع العلم أن الشركات تعلم أن شركة الإعلانات تقوم بجذب المستخدمين لزيارة شركاتهم بهذه الطريقة وهي غير معترضة على ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز الدخول في هذه المعاملة إلا عند التأكد من سلامة المواقع المعلن عنها، وخلوها من المحرمات؛ لأن الضغط على الموقع، وكثرة الزائرين له، يعتبر دعاية ودعما له، ولا يجوز الإعلان والدعاية والإعانة على نشر المنكرات، لقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2، وقوله صلى الله عليه وسلم: (وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا) أخرجه مسلم في صحيحه (4831) .
فإذا كانت المواقع المعلن عنها مواقع مباحة فلا حرج في عملك هذا، إذا كانت الشركات تعلم أن الموقع يستعين بالمشتركين فيه للضغط والزيارة لها، وينظر جواب السؤال رقم (98527) ، وإذا كانت المواقع المعلن لها مواقع محرمة، كالمواقع الإباحية أو مواقع بيع الخمور، أو بنوك الربا، أو مواقع الميسر، أو مواقع التنصير أو غيرها من المواقع التي تقوم على نشر الحرام والترويج له، فلا يجوز عملك هذا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6500)
أخذ مكاتب الاستقدام مبلغاً من صاحب التأشيرة مقابل بيعها
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في مكتب استقدام، أي قائم على إنهاء إجراءات استقدام العمالة للمملكة، وقد يأتي عميل فيقول ابحثوا لي عن شخص يأتي على هذه التأشيرة بمهنة كذا، وأنا أريد مقابلا ماليا قدره كذا، فنقوم بإضافة مبلغ آخر على الذي طلب قد يتراوح بين خمسمائة إلى ألفي ريال، كمقابل للوساطة وطلبا للربح، علما بأن الحكومة تصدر التأشيرات لاستقدام العمالة، وليس لبيعها عليهم، فما رأي الشريعة في المبلغ الذي نضيفه على الثمن الذي يطلبه صاحب التأشيرة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أفتى أهل العلم بتحريم بيع الفيز؛ لما فيه من المخالفة لأنظمة الدولة، ولأنه من باب أخذ الأجرة على الكفالة، وهذا لا يجوز؛ لأن الكفالة عقد تبرع وإحسان.
وقد نقلنا فتوى علماء اللجنة الدائمة للإفتاء، وأخرى للشيخ ابن عثيمين رحمه الله في تحريم ذلك، في جواب السؤال رقم (101220) .
وعليه؛ فلا يجوز إعانة صاحب التأشيرة على بيعها، لأن ذلك من التعاون على الحرام، وقد قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2.
والواجب نصح صاحب التأشيرة حتى يترك هذا العمل المحرم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6501)
تتصل عليها زميلتها لتوقع لها الحضور عند تأخرها دون علم صاحب العمل
[السُّؤَالُ]
ـ[أحياناً تتصل بي إحدى زميلاتي بالعمل وتطلب مني التوقيع لها بالحضور لأسباب طارئة، ومن الممكن أن تتأخر أو لا تأتي مطلقًا، ولا يعرف صاحب العمل بهذا الموضوع، علماً بأنها تقول لي إنها ستتأخر وليست ستتغيب، فهل علي إثم في ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للموظف أو الطالب التوقيع بدلاً عن زميله؛ لما في ذلك من الكذب والغش لصاحب العمل والمدرسة والمدرس، ولما فيه من أكل المال بالباطل إذا كان يتقاضى أجراً، مقابل هذا العمل الذي تأخر عنه.
وليس لك أن تجاملي زميلتك في هذا الأمر، فإنك تقترفين الإثم، وتعينينها على الحرام، وتشاركين في الخداع والغش وخيانة الأمانة.
ولا فرق بين كونها أخبرتك أنها ستتأخر أو ستغيب، فليس لأحد أن يوقع الحضور عن أحد، وعليها أن تخبر صاحب العمل بتأخرها أو بغيابها، وأن تحذر من أكل المال الحرام، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به) رواه الطبراني عن أبي بكر، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4519) .
ومما يؤسف له أن هذه الظاهرة تنتشر بين كثير من المسلمين اليوم، مع ما فيها من الكذب والغش الواضح، ولهذا ينبغي إشاعة الحكم بتحريم ذلك، وإشاعة التحذير من المال الحرام.
نسأل الله أن يوفق الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6502)
تقتطع الشركة جزءاً من راتبه لتوفر له مبلغاً كبيراً عند تقاعده
[السُّؤَالُ]
ـ[تقطع الشركة كل شهر جزءا من راتبي، وتستثمره في قطاعات مختلفة من ضمنها أسهم وسندات في البنوك وهو الغالب، ثم تعطي مبلغاً كبيراً من المال عند الخروج إلى المعاش، ما حكم ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه المعاملة محرمة، وسبب تحريمها أمران:
الأول: أنها صورة من صور التأمين التجاري، وقد سبق بيان حرمة الاشتراك في التأمين والتعامل به، في جواب السؤال رقم (8889) و (83035) .
ومن المحاذير التي يشتمل عليها التأمين التجاري وجعل العلماء يجزمون بحرمته، أنه مشتمل على الربا، وهو ظاهر جداً في هذه المعاملة، حيث يدفع الموظف ألفاً ـ مثلاً ـ ثم يأخذ إذا بلغ سن التقاعد ألفين.
الثاني:
أنه يتم فيه استثمار الأموال بطريقة محرمة، وهو استثمارها في أسهم البنوك وفي السندات.
والواجب على من أراد أن يستثمر مالاً أن يستثمره في مشروعات مباحة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به) رواه الطبراني، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4519) .
وكل إنسان سوف يُسأل يوم القيامة عن (ماله: من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه) رواه الترمذي (2417) ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وعلى هذا؛ فلا يجوز الاشتراك في هذه المعاملة، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه.
نسأل الله تعالى أن يغنينا بحلاله عن حرامه، وبفضله عمن سواه.
وينبغي أن يتنبه إلى أن هذا النظام إذا كان إجبارياً تفرضه الدولة، فلا إثم على الموظف في ذلك، لأنه أُدخل في هذه المعاملة بغير اختياره، والإثم في ذلك يقع على من ألزم الموظف بهذه المعاملة المحرمة، وعلى من شارك أو ساعد أو رضي باستثمار المال بطريق محرم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6503)
حكم العمل في مقهى يسمح بشرب الدخان وتُعرض فيها مباريات كرة قدم
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال: طلب مني العمل في إدارة مقهى (كوفي شوب) بكتابة جميع تفاصيل الوجبات والعصيرات والمشروبات ونوعية الأجهزة المستخدمة، وعمل مثل "الدستور"، أو كتابة نظام لهذا المقهى على ورق، وذلك لنقل نفس النكهة والعمل والجودة عند فتح أي فرع لهذا المقهى، فما حكم العمل على هذه الوظيفة، مع العلم بأن المقهى يسمح بشرب الدخان داخله، وكذلك يوجد به بروجكتر لعرض مباريات كرة القدم المحلية والخارجية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
العمل في المطاعم والمقاهي لا حرج فيه من حيث الأصل؛ حيث يتم فيهما إعداد الطعام، والمشروبات، وتقديم ذلك للزبائن، وإنما يكون التحريم للعمل فيهما إذا احتوت تلك المحلات على ما لا يحل وجوده فيهما، ومن ذلك:
1. أن يتم تقديم مطعومات، ومشروبات محرَّمة شرعاً، كلحم الخنزير، والمشروبات المسكرة، أو يتم تقديم " الأرجيلة " [الشيشة] فيها.
2. أن يُعرض فيهما ما لا يحل عرضه من الأفلام، والأغاني، والمشاهد التي يكون فيها كشف عن العورات، كالمباريات، والمصارعة.
3. أن يُسمح للزبائن بشرب الدخان.
وبه يُعلم أن العمل في المقهى الوارد صفته في السؤال هو جائز من حيث الأصل، لكن مَنَع هذا الجواز تمكين الزبائن من مشاهدة المباريات، وفيها كشف للعورات، وكذا السماح بالدخان، والواجب على الإدارة منع هذه المحرمات، فإن لم تفعل، وجعلت السماح بها وسيلة لجذب الذبائن للمقهى، فإن العمل بهذا المقهى يكون حراماً.
وانظر في العمل في إدارة المقاهي: جواب السؤال رقم: (47396) .
وانظر في حكم مشاهدة المباريات الرياضية، ورؤية قنواتها: جوابي السؤاليْن: (95280) و (82718) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6504)
حكم العمل في البنك السعودي للاستثمار
[السُّؤَالُ]
ـ[معروض علي الآن وظيفة في البنك السعودي للاستثمار كمدير مبيعات (قروض شخصية) ، وذلك بأكثر من ضعف راتب ومزايا الوظيفة الحالية، وبعد السؤال اتضح أن جميع القروض يشرف عليها هيئة شرعية، أرجو منكم التكرم بإفادتنا بما ترونه حسب علمكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس لدينا اطلاع على النظام المعمول به في البنك المذكور، وقد وقفنا على سؤال موجه للدكتور محمد العصيمي حفظه الله عن حكم العمل في البنك السعودي في إدارة الفروع، وما البنوك الجائز العمل بها؟
فأجاب: "بل البنك ربوي، وعنده نافذة إسلامية، ولا يجوز لك العمل إلا فيما كان له صلة بالنافذة الإسلامية، مع اشتراط الالتزام بقرارات الهيئة الشرعية. وفقك الله " انتهى من موقع الشيخ
http://www.halal2.com/ftawaDetail.asp?id=408
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6505)
العمل في مكاتب تدقيق الحاسبات مع وجود ربا في حسابات الشركات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم العمل في مكاتب تدقيق الحسابات , علماً أن وظيفة المدقق هي مراجعة حسابات الشركة وقوائمها المالية التي من الممكن أن تحتوي على حسابات لأرصدة في البنوك أو فوائد ربوية، ولكن ليس هو من كتب هذه الفوائد أو يتعامل بها ولكنه فقط يراجع! وكل ذلك يكون من أجل إصدار تقرير عن مدى التزام تلك المنشأة بالمعايير الدولية بخصوص نتائج أعمالها وإصدار قوائمها المالية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز مراجعة الحسابات الربوية ولا تدقيقها؛ لما في ذلك من كتابة الربا والسكوت عنه وإقراره، وقد روى مسلم في صحيحه (1598) عن جابر رضي الله عنه قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا، ومؤكله، وكاتبه، وشاهديه. وقال: هم سواء.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: لدي مكتب محاسب قانوني، نقوم فيه بعمل مراجعة البيانات المالية للمؤسسات والشركات من واقع الدفاتر المحاسبية التي لدى المؤسسة، وذلك بغرض إظهار نتيجة المراجعة في نهاية السنة المالية في شكل ميزانيات وتقارير عن الوضع المالي للمؤسسة، لتقديمها عن طريق المؤسسة لإحدى الدوائر الحكومية، أو لأحد البنوك، أو لمصلحة الزكاة والدخل، وكذلك نقوم بعملنا خلال السنة للمراقبة على أموال المؤسسة من التلاعب والاختلاسات. ولدي بعض الأسئلة أرجو من سماحتكم الرد عليها:
1- قد يظهر لي بعض حسابات المؤسسات في بنود الميزانية حسابات مع البنوك، وتكون هذه الحسابات دائنة، أي مطالبة بها المؤسسة نتيجة لحصولها على قرض من هذا البنك أو نتيجة سحبها أكثر من رصيدها، مما يترتب عليه أن يقوم البنك بأخذ فوائد على ذلك، أي: ربا، وبطبيعة عملنا فإننا نقوم بإظهار هذا الحساب مع بقية الحسابات الأخرى في الميزانية، وذلك من واقع دفاتر وسجلات المؤسسة، وكشوف البنك، ولا نستطيع إسقاطه من بقية الحسابات، ويجب إظهاره لكي تعبر الميزانية عن الواقع الحقيقي للمؤسسة. فهل علينا إثم في ذلك، وهل نعتبر من الشاهدين على الربا؟
فأجابوا: "لا يجوز لك أن تكون محاسبا لما ذكرت في السؤال؛ لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان" انتهى. .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (15/20) .
وسئلوا أيضاً: ما المقصود بكاتب الربا في حديث جابر برواية مسلم قال لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء. فهل كاتب الربا هو كاتب تلك الواقعة فقط؟ أم ممكن يكون أي فرد آخر بعيد تماما عن المنشأة الربوية، إلا أنه بواقع عمله كمحاسب يقوم بجمع أرقام أو طرح أرقام في دفاتر أخرى غير المستندات الربوية، حيث يلزم ذلك، فهل يعتبر ذلك المحاسب كاتب ربا، أم اللفظ خاص بكاتب تلك الواقعة لا يتعدى لغيره ولا يتعدى اللعن لغيره؟
فأجابوا: "حديث لعن كاتب الربا عام، يشمل كاتب وثيقته الأولى، وناسخها إذا بليت، ومقيد المبلغ الذي بها في دفاتر الحساب، والمحاسب الذي حسب نسبة الربا وجمعها على أصل المبلغ، أو أرسلها إلى المودع ونحو هؤلاء. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (15/5) .
واعلم أن أبواب الرزق الحلال كثيرة، فابحث واجتهد، واحذر أكل المال الحرام فإنه لا ينبت جسد من حرام إلا كانت النار أولى به.
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6506)
هل يدخل في برنامج يطلع من خلاله على عورات النساء تسريعا في التخرج من أجل والده؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أدرس حاليا بالكلية، ويعاني والدي من مرض شديد، ولذلك فأنا بحاجة لأن أنتهي من دراستي سريعاً، وهناك برنامج يدعى " التصوير الطبي التشخيصي " يستخدم التقنية فوق الصوتية، كالسونار، يحقق لي هذا الهدف، لكن غالبية مستخدميه من النساء أثناء الحمل، وسأتعامل بشكل كبير مع الإناث، وأرى جهازهن التناسلي، فهل يحرم عليَّ ذلك لكوني ذكراً؟ والسبب الوحيد الذي يدفعني إلى اختيار هذا البرنامج هو أني بحاجة إلى برنامج يسرع الانتهاء منه للاعتناء بوالدي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا نرى لك الدخول في هذا البرنامج؛ لما فيه من الاطلاع على العورات من غير ضرورة، وقد قال الله تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) النور/30، وانظر جوابي السؤالين: (85622) و (5693) .
ولا يعد الإسراع في التخرج ضرورة، ولو كان من أجل خدمة والدك، فيمكنك التوفيق بين الأمرين بحسب الوسع والطاقة، ويمكنك توكيل من تراه مناسباً للقيام بهذه الخدمة، ولو بالاستئجار، إذا لم يكن من أهلك من يقوم بها مجانّاً.
ونحن نشكر لك حرصك على خدمة والدك، ونشكر لك تحريك الوقوف عند حدود الشرع، ونسأل الله تعالى أن يكتب لك أجر ذلك، ونسأل الله أن يكتب الشفاء العاجل لوالدك، وأن يجمع له بين الأجر والعافية.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6507)
حكم العمل في فرقة أفراح إسلامية
[السُّؤَالُ]
ـ[عرض علي العمل بفرقة أفراح إسلامية ماذا أفعل؟ وأنا محتاج للعمل بشكل ضروري؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز العمل في فرقة أفراح إسلامية، إذا خلا العمل من المحاذير الشرعية، وتقيد بالضوابط التالية:
1- أن يكون الإنشاد أمام الرجال فقط، ولا يجوز أن يكون في حضور النساء؛ لتحريم الاختلاط، ولما يؤدي إليه ذلك من الشر والفساد.
2- أن يكون الغناء بكلام مباح خال من المجون والخلاعة.
3- ألا يصاحب الإنشاد شيء من آلات المعازف، لا الطبل ولا الدف ولا غيرها، لتحريم استعمال آلات المعازف، وتحريم استعمال الدف للرجال على الراجح، وينظر في ذلك: سؤال رقم 5000 ورقم 5011 ورقم 20406 ورقم 9290
4- ألا يصاحب الإنشاد مؤثرات صوتية تشبه المعازف، سواء كانت بالكمبيوتر أو بغيره.
قال الشيخ الألباني رحمه الله: " بل قد يكون في هذا – [أي: الأناشيد]- آفةٌ أخرى، وهي أنّها قد تُلحَّن على ألحان الأغاني الماجنة، وتوقع على القوانين الموسيقية الشرقية والغربية التي تطرب السامعين وترقصهم، وتخرجهم عن طورهم، فيكون المقصد هو اللحن والطرب، وليس النشيد بالذات، وهذه مخالفة جديدة، وهي التشبه بالكفار والمجّان، وقد ينتج من وراء ذلك مخالفة أخرى، وهي التشبه بهم في إعراضهم عن القرآن وهجرهم إياه، فيدخلون في عموم شكوى النبي صلى الله عليه وسلم من قومه، كما في قوله تعالى: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا) الفرقان/30" انتهى من "تحريم آلات الطرب" (ص 181) .
ومعلوم أن الشرع حرم سماع آلات المعازف لما تحدثه أصواتها المطربة من تأثير في القلب، فتصيبه بالنفاق، ويهجر كلام الله، ولا يجد لذته إلا في هذه الأغاني، ومعلوم أن بعض هذه الإيقاعات أشد طرباً من المعازف، وتأثيرها في نفس السامع إن لم يكن أعظم من تأثير آلات المعازف، فليس بأقل منها، والشرع الحكيم لا يمكن أن يحرم شيئاً لمفسدته ثم يبيح ما هو مثله أو أعظم.
فهذه الإيقاعات إن كان صوتها كصوت آلات المعازف، فحكمها حكم آلات المعازف في التحريم.
5- ألا توضع صور المنشدين على أغلفة أشرطتهم! تشبهاً بالفساق من المغنين.
وينظر جواب السؤال رقم 91142.
فإذا خلا عمل الفرقة من هذه المحاذير فلا حرج عليك في العمل معها.
واعلم أن أبواب الرزق كثيرة، لكن يحتاج الأمر إلى سعي واجتهاد، فاستعن بالله ولا تعجز، ولا يحملنك استبطاء الرزق أن تطلبه بمعصية الله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن روح القدس نفث في روعي أن نفساً لن تموت حتى تستكمل أجلها، وتستوعب رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملنّ أحدَكم استبطاءُ الرزق أن يطلبه بمعصية الله، فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته) رواه أبو نعيم في الحلية، وصححه الألباني في صحيح الجامع (2085) .
نسأل الله أن ييسر أمرك، ويبارك في رزقك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6508)
هل يقصر لحيته ليعمل مدرسا لأبناء المسلمين في مدارس الغرب؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعيش في فلندا، وأنا معف للحيتي متبع لسنته صلى الله عليه وسلم، أطلب العلم عبر الأشرطة، وأتعلم التجويد عبر البالتوك. شرعت في تعليم الأطفال العلم الشرعي. طلب مني المسلمون العمل كمدرس لأطفالهم في مدرسة حكومية، كما طلبوا مني تقصير لحيتي كثيرا، وهم يرون أن ذلك من الحكمة للحصول على هذا العمل، ولا توجد أي معلومات أكيدة على أن اللحية قد تعيق حصولي على هذا العمل، وحيث إني خطيب جمعة فأخشى بتقصير لحيتي أن أكون مصدر فتنة لغيري، فأرجو منكم النصيحة والتوجيه.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لقد سرنا ما ذكرته من التمسك بالسنة، والاجتهاد في طلب العلم، والدعوة إلى الله تعالى، وتعليم أبناء المسلمين، ونسأل الله لك ولإخوانك التوفيق والعون والسداد.
وأما جواب ما سألت عنه، فالمطالبة والسعي في تعيين مدرس يدرس الدين الإسلامي للطلاب في المرحلة الابتدائية عمل عظيم مهم، لضرورة الحفاظ على دين النشء وهويتهم وانتمائهم، وهو مكمل للدور الأساس الذي ينبغي أن يكون في البيت والمسجد والمركز الإسلامي.
والأصل أنه لا يجوز حلق اللحية، كما لا يجوز تقصيرها على الراجح، لورود الأمر من الرسول صلى الله عليه وسلم بإعفائها وإرخائها وتوفيرها، وهذا يقتضي عدم أخذ شيء منها، وينظر جواب السؤال رقم (82720) .
ويتأكد إعفاء اللحية في حق من كان إماما أو خطيبا لأنه قدوة لغيره كما ذكرت، وإعفاؤك اللحية لا يتعارض مع قيامك بهذه المهمة، وقد أشرت إلى أنه ليس من المؤكد أن وجود اللحية يعيق الحصول على هذا العمل، وعلى فرض تحقق ذلك، فإن الأولى أن يقوم بهذا غيرك، وتبقى أنت في مجال الدعوة والخطابة مجتهدا قدر طاقتك في تطبيق الهدي النبوي، لأن المسلمين بحاجة إلى القدوة الصالحة التي يأتمون بها.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6509)
حكم فتح مكتب سفريات لبيع التذاكر
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في حملة للحج والعمرة بدولة الإمارات، ولدينا رحلات جوية إلى جدة والمدينة، فهل يجوز لنا أن نفتح مكتبا للسفريات تابعا للحملة، وذلك لتسهيل الحصول على التذاكر، مع العلم أنه بإمكاننا إصدار التذاكر إلى كل دول العالم، وهذا ما جعلني أرتاب في الأمر، ففكرت في أن نقتصر على إصدار التذاكر إلى الحرمين، ودول العاملين في البلد هنا إلى بلدانهم ذهاباً ورجوعاً، خاصة الآسيويين منهم. نرجو أن تفيدونا في هذا الأمر، وبارك الله فيكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في فتح مكتب للسفريات، إذا خلا عمله من الإعانة على المنكر، ومن ذلك: ألا يبيع التذاكر لمن عُلم أو غلب على الظن أنه ذاهب للحرام، وألا يحجز للمسافرين في الفنادق أو الملاهي أو الأماكن التي عرفت بالشر والفساد، والأصل في ذلك قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: الآن في الصيف تعرض مكاتب الخطوط للسفريات تذاكر بالتقسيط، تأخذ هذه المكاتب أو المقاعد تحجزها من الخطوط العامة وتزيد عليها مبالغ ثم تقسطها على من أراد أن يسافر، وهذا يكثر جداً في الصيف، فنريد الحق في ذلك جزاك الله خيراً؟
فأجاب: "الحق -إن شاء الله- أنه ما فيها شيء، لكن أقول: أصل السفر إلى البلاد الأوروبية، أو البلاد الغير أوروبية لكنها كلها خلاعة وفساد، الخمر في الأسواق يباع علناً، والنساء يتبرجن ويعرضن أنفسهن ليس بالقول ولكن بالفعل وما أشبه ذلك، أرى ألا يسافر أحد لهذا؛ لأنه سيخسر وقتاً، وسيخسر مالاً، وسيخسر ديناً، وسيخسر خلقاً، فهذا لا يحل له أن يسافر على هذا الوضع أصلاً، ثم يجب أن نعلم أن هذه المكاتب منها ما هو خبيث يسهل على السفهاء الأمر ويقول: نعطيك تذكرة مؤجلة لإغرائه على السفر، فينبغي لنا أن نقف ضد هذا الرأي، وإلا فإنه لا بأس أن الإنسان يؤجر شخصاً بمائة إن كان نقداً، وبمائتين إن كان مؤجلاً، ما فيه شيء، لكن أصل الغرض غرضٌ سيئ.
السائل: هل يجوز السفر؟ الشيخ: لا، أنا قلت: أصل السفر ما يجوز.
السائل: أجرة الراكب كيف يزيد عليها مبلغاً من المال؟
الجواب: ما فيه شيء، أنا جعلت المبلغ لأني أجلت الثمن الأجرة، مثلما لو قلت: هذا البيت أؤجره بألف ريال في السنة لمن أعطاني إياها نقداً، وبألف ومائتين لمن أعطاها بالتقسيط" انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (234/21) .
فلا حرج عليكم في فتح هذا المكتب وبيع التذاكر إلا لمن علمتم أو غلب على ظنكم أنه مسافر للفساد، أما من جهلتم حاله ـ وهذا هو الغالب ـ فلا حرج من بيع التذاكر له.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6510)
حكم الرهان على سباقات الخيل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم المراهنات على سباق الخيل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المسابقة بين الخيل جائزة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا سَبَقَ إِلا فِي نَصْلٍ أَوْ خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ) رواه الترمذي (1700) والنسائي (3585) وأبو داود (2574) وابن ماجه (2878) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
والسبق: العوض أو الجائزة.
والنصل: السهم. والخف: المقصود به البعير (الإبل) . والحافر: الخيل.
وهذا الحديث يدل على جواز بذل المال في مسابقة الخيل، سواء كان المال من أحد المتسابقين أو منهما معا على الراجح، أو من طرف خارجي كالدولة مثلا.
وهذا لا يدخل فيه مراهنات الناس على من يفوز من المتسابقين أو من يفوز من الخيل، فإن هذا قمار محرم، لا علاقة له بما أباحه الشرع من السباق.
وهذا الرهان المحرم منتشر في كثير من البلدان، وكم أدى إلى ضياع الأموال، وتبديد الثروات.
وإذا كان صندوق الشركة توضع فيه أموال الرهان المحرم، فلا يجوز العمل في هذا الصندوق، لما في ذلك من الإعانة على الميسر الذي حرمه الله وجعله قرينا للخمر، كما قال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) المائدة/90.
قال الشيخ عبد المجيد سليم رحمه الله: " ... ومنه يعلم أن الرهان المعروف الآن سواء كان رهانا على سباق الخيل أم غيره من أنواع الرهان من القمار المحرم شرعا الذي ليس هناك نصوص تبيحه، بل قد دلت النصوص التي ذكرناها على حرمته، وإنما حرم الشارع الميسر الشامل لأنواع الرهان الموجودة الآن لما يترتب عليه من المفاسد العظيمة التي نشاهدها كل يوم.
فقد أفضى إلى ضياع أموال كثيرة من المتراهنين، وخراب بيوت لأسر كريمة، كما حمل الكثير من المقامرين على ارتكاب شتى الجرائم من السرقة والاختلاس، بل والانتحار أيضا، فالمطلع على ذلك وغيره مما أدى ويؤدي إليه القمار يزداد إيمانا بأن من رحمة الله وفضله وباهر حكمته أن حرمه على عباده، كما حرم عليهم كثيرا من الأشياء لما يترتب عليها من المفاسد والمضار " انتهى من "فتاوى الأزهر".
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: لدينا مجموعة من الأشخاص يقومون بشراء المجلة الرياضية الصادرة عن جريدة (الشرق الأوسط) والقصد من ذلك: تعبئة كوبون بها، خاص بسباق الخيل، حيث يقومون بتحديد الفرس الفائز في السباق لكل شوط، ويعبئون عدة كوبونات من عدة مجلات بقصد الفوز بالجائزة، ويخسرون بذلك مبلغا من المال. نرجو من سماحتكم فتوى في ذلك، حيث إننا بحاجة لتلك الفتوى حتى يعلم هؤلاء الأشخاص الحكم الشرعي في هذا الأمر، وفقكم الله ونفع بعلمكم المسلمين.
فأجابوا: "هذا العمل لا يجوز؛ لأنه من الرهان المحرم الذي يدخل في الميسر، والله تعالى يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) .
وعليه فهو أكل للمال بالباطل، وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (15/224) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6511)
لا يجوز للطبيب إعطاء تصريح بحرق الجثة ولو لكافر
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل طبيبا بإحدى المستشفيات ويطلب منا أحيانا أن نعمل كأطباء مستقلين للمرضى الذين توافيهم المنية في المستشفى وتقضى الإجراءات بأن يقوم طبيب بملئ استمارة للجثث التي لن يتم دفنها بل سيتم إحراقها قبل أخذ الجثة للمحرقة، ويكون أحد الطبيبين هو الطبيب الذي كان مباشرا لحالة المريض، والطبيب الآخر هو الطبيب المستقل حيث نقوم بفحص الجثة ثم نقوم بإعطاء تصريح للحرق إذا رأينا هذا مناسبا فلدينا خطوط عريضة محددة نتبعها وأكون أنا الطبيب المستقل حينما يطلب منى ذلك، وهذا العمل اختياري وليس جزءا من وظيفتي ويدفع لي أجر مقابل القيام به، لكنى غير متأكد ما إذا كان يحل أم يحرم القيام بهذا العمل؛ لأن الجثة سيتم إحراقها، ولمزيد من التوضيح فليس الأطباء هم من يقررون حرق الجثة لكنها أسرة المتوفى التي تقرر ذلك، برجاء تقديم العون لإجلاء حيرتي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لقد كرم الله الإنسان وصانه حيا وميتا، فقال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ) الإسراء/70، وقال صلى الله عليه وسلم: (كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا) رواه أحمد (24730) وأبو داود (3207) وابن ماجه (1616) من حديث عائشة رضي الله عنها، وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
كما جاء النهي عن التمثيل بالميت.
ولاشك أن إحراق الميت أعظم من كسر عظامه، ومن التمثيل به.
وقد شرع الله لعباده الدفن، وعلمه ابن آدم الأول، كما قال سبحانه: (فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ) المائدة/31.
وعليه؛ فلا يجوز إحراق جثث الموتى ولو أوصوا بذلك، أو رغب أهاليهم في ذلك؛ لأن هذا من المنكر الذي لا يجوز فعله أو الإعانة عليه، والكفار مخاطبون بفروع الشريعة، فيحرم عليهم فعل ذلك أيضا، ولا يجوز أن يعانوا على فعله.
وبهذا يتبين أنه لا يجوز لك إعطاء تصريح بحرق الجثة ولو رغب ذووها في ذلك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6512)
اتخاذ سكرتيرة والاختلاط في العمل
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للزوج أن يعمل مع النساء في المكتب؟ هل يجوز للرجل أن يكون له سكرتيرة؟ ماذا يجب على الرجل فعله ليتجنب صحبة زميلات العمل إذا أراد أن يؤدي العمل المناط به؟ هل يوافق على عمل فيه اختلاط في بلد غير مسلم وقانون غير إسلامي؟ أم يجب أن يبحث عن شيء أفضل للرجل المسلم حسب تعاليم الشريعة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سبق أن ذكرنا في الجواب على السؤال رقم (1200) أدلة تحريم الاختلاط ومفاسده.
والأصل عدم بقاء المسلم في بلاد الكفر، ولا يجوز له الدراسة ولا العمل في بيئة مختلطة، كما لا يجوز له أن يكون له سكرتيرة لما في ذلك كله من مفاسد كثيرة واضحة ما عادت تخفى على أحدٍ.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
ما حكم معاملة النساء كالرجال في المصانع أو في المكاتب غير الإسلامية؟
فأجابوا:
"أما حكم اختلاط النساء بالرجال في المصانع والمكاتب وهم كفار في بلاد كافرة فهو غير جائز، ولكن عندهم ما هو أبلغ منه وهو الكفر بالله – جل وعلا – فلا يستغرب أن يقع بينهم مثل هذا المنكر، وأما اختلاط النساء بالرجال في البلاد الإسلامية وهم مسلمون: فحرام، وواجب على مسئولي الجهة التي يوجد فيها هذا الاختلاط أن يعملوا على فصل النساء على حدة والرجال على حدة، لما في الاختلاط من المفاسد الأخلاقية التي لا تخفى على من له أدنى بصيرة" انتهى.
"فتاوى إسلامية" (3/92، 93) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
هل يجوز العمل للفتاة في مكان مختلط مع الرجال؟ علماً بأنه يوجد غيرها من الفتيات في نفس المكان.
فأجاب:
"الذي أراه أنه لا يجوز الاختلاط بين الرجال والنساء بعمل حكومي أو بعمل في قطاع خاص أو في مدارس حكومية أو أهلية، فإن الاختلاط يحصل فيه مفاسد كثيرة، ولو لم يكن فيه إلا زوال الحياء للمرأة وزوال الهيبة للرجال، لأنه إذا اختلط الرجال والنساء أصبح لا هيبة عند الرجل من النساء، ولا حياء عند النساء من الرجال، وهذا (أعني الاختلاط بين الرجال والنساء) خلاف ما تقضيه الشريعة الإسلامية، وخلاف ما كان عليه السلف الصالح، ألم تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل للنساء مكاناً خاصاً إذا خرجن إلى مصلى العيد، لا يختلطن بالرجال، كما في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم حين خطب في الرجال نزل وذهب للنساء فوعظهن وذكرهن، وهذا يدل على أنهن لا يسمعن خطبة النبي صلى الله عليه وسلم، أو إن سمعن لم يستوعبن ما سمعنه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم ألم تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها، وخير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها) ، وما ذاك إلا لقرب أول صفوف النساء من الرجال فكان شر الصفوف، ولبعد آخر صفوف النساء من الرجال فكان خير الصفوف، وإذا كان هذا في العبادة المشتركة فما بالك بغير العبادة، ومعلوم أن الإنسان في حال العبادة أبعد ما يكون عما يتعلق بالغريزة الجنسية، فكيف إذا كان الاختلاط بغير عبادة، فالشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فلا يبعد أن تحصل فتنة وشر كبير في هذا الاختلاط.
والذي أدعو إليه إخواننا أن يبتعدوا عن الاختلاط، وأن يعلموا أنه من أضر ما يكون على الرجال كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء) ، فنحن والحمد لله - نحن المسلمين - لنا ميزة خاصة يجب أن نتميز بها عن غيرنا ويجب أن نحمد الله سبحانه وتعالى أن منَّ علينا بها، ويجب أن نعلم أننا متبعون لشرع الله الحكيم الذي يعلم ما يصلح العباد والبلاد، ويجب أن نعلم أن من نفروا عن صراط الله عز وجل وعن شريعة الله فإنهم على ضلال، وأمرهم صائر إلى الفساد، ولهذا نسمع أن الأمم التي يختلط نساؤها برجالها أنهم الآن يحاولون بقدر الإمكان أن يتخلصوا من هذا، ولكن أنى لهم التناوش من مكان بعيد، نسأل الله تعالى أن يحمي بلادنا وبلاد المسلمين من كل سوء وشر وفتنة" انتهى.
"فتاوى إسلامية" (3/93، 94) .
وعمل المرأة "سكرتيرة" لرجل، أشد خطورة من مجرد عملها في مكان تختلط فيه بالرجال، لأن عمل "السكرتيرة" يقتضي تعاملها مع رجل واحد باستمرار (وهو مديرها) وهذا يرفع الحياء والتكلف بينهما بمرور الوقت مما يؤدي إلى حصول ما لا تحمد عقباه.
فالواجب على الرجل – وكذلك المرأة – أن يبحث عن عمل لا اختلاط فيه (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) الطلاق/2، 3.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6513)
حكم العمل في شركة قانونية مجال عملها الأسواق المالية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن أعمل موظف تكنولوجيا المعلومات في شركة قانونية، تعمل أساساً في تعاملات السوق المالية، مثل عمليات الدمج، والشراء، والطلبات العامة الابتدائية، إضافة إلى أن الشركة قد يكون لديها تداولات في القرض، والفائدة، المتعلق بالأعمال. للاستزادة عن الشركة فهذا هو رابطها: ... .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأسواق المالية تعج بالمخالفات الشرعية، ويكثر فيها الوقوع في المحرمات، كبيع وشراء العملات، والذهب، من غير أن يتم التقابض من الطرفين، ومثل التعامل ببعض الأنظمة كنظام " فوريكس " و " مارجن " – ينظر حكمهما في جواب السؤال رقم (93334) -، والتعامل بهما من المحرمات، ومثل بيع وشراء أسهم شركات ومصانع تتاجر في الأشياء المحرمة، وبيع وشراء أسهم البنوك والمؤسسات الربوية الصرفة، وغير ذلك كثير.
والعمل في شركة أو مؤسسة تشرف على تعاملات الأسواق المالية، أو غيرها من أمكنة يُعصى فيها الله تعالى كالفنادق، والأماكن السياحية: لا يعفي الموظف من المشاركة في الإثم، وكونه أعان على الإثم والعدوان، وبخاصة من كان يباشر في وظيفته العمل على تنظيم وترتيب الأعمال المحرمة، أو الفوائد الربوية.
والله تعالى كما حَرَّم على المسلم أن يعصيه، حَرَّم عليه أيضاً أن يعين العاصي على معصيته، فقال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2.
ولذا فإننا من خلال النظر في طبيعة عمل الشركة: لا نرى أنه عمل مباح، بل هو محرَّم، وفيه مباشرة لكتابة الربا، وتدوين الإثم والمعصية، فيما يتعلق بعمل الشركة نفسها، ليس هذا فحسب، بل الشركة المسؤول عنها هي شركة قانونية، تراعي حماية مصالح منتسبيها، وتدافع عنهم، وتطالب بأموالهم، وقد تكون أموالاً ربوية صرفة، كما أن عملها لن يخلو من مخالفات أخرى بسبب طبيعة ترخيصها كشركة قانونية، وكل عملها نابع من القانون لا من الشرع، فكيف يكون عملاً حلالاً؟
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
"لا يجوز للمسلم أن يشتغل في بنك، أو مصرف، أو مؤسسة، أو شركة، أو عند فرد ممن يتعامل بالربا؛ لورود الأدلة الدالة على تحريم الربا، والإعانة عليه، والأعمال كثيرة، ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً، ولفظ الحديث: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا، وموكِله، وكاتبه، وشاهديه، وقال: هم سواء) رواه مسلم في صحيحه، وروى البخاري بعضه عن أبي جحيفة رضي الله عنه بلفظ: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا، وموكله، والواشمة، والمستوشمة، والمصوِّر) " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الله بن غديان.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (15 / 49) .
ولمعرفة حكم " المحاماة " والعمل في هذا المجال: انظر جوابي السؤالين: (9496) و (82799) .
فعليك أن تبحث عن وظيفة مباحة، وأن تترك التفكير في التوظف في تلك الشركة، ونسأل الله أن يعوضك خيراً تجده في إيمانك قوةً، وفي دنياك رزقاً حسناً.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6514)
مبتعث يريد التخلف في بلاد دراسته ويدفع غرامة التأخير فهل يجوز له؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طبيب موفد على حساب الدولة لنيل شهادة الدكتوراة، لمدة ثلاث سنوات، والمهم: أنه لدى عودتنا نتقاضى مبلغاً من المال لا يكفي لتغطية ربع النفقات الحياتية، وأنا ليس لدي بيت للسكن، فإذا عدت فلربما أمد يدي للناس للسؤال، خاصة وأن الراتب لا يكفي للمعيشة، فكيف سيكفي لإيجار السكن إضافة للمعيشة؟ . وسؤالي: هل عليَّ إثم إن أنا تأخرت عن عودتي بشكل مؤقت لمدة قد تصل لسنتين، أو ثلاث، حتى أستطيع أن أوفر مبلغاً بسيطاً من المال لتأمين - على الأقل - سكني عند عودتي؟ . وسؤال آخر: لو حصل وأنني أثناء فترة تخلفي قد حُكمت من قبَل الدولة بالغرامة المالية المترتبة على عدم عودتي: فهل إن قمت بتسديد المبلغ أبرئ ذمتي، وأبرأ نفسي من الإثم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ابتداءً لا يمكننا أن نقول بجواز مخالفتك للعهد والميثاق الذي بينك وبين الجهة الموفدة؛ لأن الالتزام بالعهود والمواثيق واجب شرعي، يحتِّم عليك الالتزام بها، وعدم نقضها، فضلاً عن تبييت ذلك قبل الإقدام على إبرامها.
وحقيقة الأمر: أنك قلت، ويجب عليك الصدق في القول، ووعدتَ، ويجب عليك الوفاء بالوعد، وأنك اؤتمنتَ، ووجب عليك أداء الأمانة على وجهها، وعاهدتَ، ويجب عليك الالتزام بالعهد، وعدم نقضه، وسواء كان كل ذلك بلسان مقالك، أم بلسان حالك، فالأمر سيان، ولا فرق بينهما.
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) التوبة/ 119.
وقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) النساء/ 58.
وقال تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) المؤمنون/ 8.
فاحذر أن تبيِّت نية التخلف عن الوفاء بالشروط بينك وبين الجهة الموفدة، واحتسب أجر استقامتك على شرع الله، وارج من الله أن يرزقك رزقاً حسناً بذلك.
قال الله سبحانه وتعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَّتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق/ 2، 3.
ثانياً:
هناك محذور آخر تقع فيه إذا لم تلتزم بالشروط الموثقة بينك وبين الجهة الموفِدة: وهو الضرر الذي توقعه عليهم جرَّاء تخلفك عن الرجوع إلى بلدك لتعمل معهم، وما أُنْفقت الأموال عليك في الابتعاث إلا من أجل أن تعمل معهم فور انتهائك من الدراسة، وأنت بتخلفك هذا تعطِّل عليهم تلك السنوات التي ستغيبها، وهو ضرر ولا شك وقع على تلك الجهة الموفدة، وأنت تتحمل تبعاته، وآثامه.
وهناك محذور ثالث، وهو إقامتك في بلد غير مسلم، وهو ما نهى النبي صلى الله عليه وسلم، وسبق أن قررناه في فتاوى متعددة، فانظر – مثلاً -: جوابي السؤالين: (38284) و (13363) .
فإذا كان يجوز لك البقاء هناك من أجل دراسة لا توجد في بلاد المسلمين: فإن العمل فيها ليس من الأعذار للبقاء هناك.
نسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6515)
يشتري أدوات للعمل ويسجل في الفاتورة أدوات أخرى فرارا من العهدة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم عمل فاتورة للبيع بسعر معين ولكن يكتب في الفاتورة أشياء أخرى غير التي اشتريت بنفس السعر، وذلك لأنها تعتبر عهد حكومية يجب الوفاء؟ بها مثلا: أخذ آلة حاسبة ولكن يكتب أشياء أخري غير الآلة في الفاتورة مثل أقلام وغيره.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فاتورة البيع مستند يفيد بيان السلعة المشتراة وثمنها، ولا يجوز أن يكتب فيها غير الواقع، لما في ذلك من الكذب، وما ينشأ عنه من الغش وأكل المال بالباطل.
فمن اشترى آلة حاسبة وجب أن يسجلها في الفاتورة كذلك، ولا يجوز أن يكتبها أقلاما مثلا، فرارا من عهدتها.
وما يفعله بعض الناس من تسجيل سعر زائد، أو سلعة وهمية، أو سلعة غير التي اشتراها، كل ذلك من المنكر الذي يجب محاربته، والتحذير منه، لأن انتشاره يعني خراب الذمم، وفساد الأعمال، وضياع الأموال.
ولا وجه للتخوف من تحمل عهدة الآلات والأدوات، فإن الموظف مؤتمن على ما تحت يده، فإن تلف شيء من ذلك فلا شيء عليه، ما لم يحصل منه اعتداء أو تقصير.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6516)
محاسب يُطلب منه تسجيل المال المأخوذ بالبطاقة الائتمانية التابعة لبنك ربوي
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل محاسبا في شركة مقاولات وصاحب الشركة لديه بطاقة ائتمان في بنك ربوي وقد يحتاج مني أن أدخل له مبالغه الذي تم صرفها بهذه البطاقة في جهاز الحاسب الآلي ثم بعد ذلك مراجعتها بكشف حساب البنك وأنا ليس لي علاقة بالتعامل مع البنك فهل يجوز لي فعل هذا العمل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
التعامل ببطاقة الفيزا الصادرة من البنك الربوي، يكتنفها محذوران:
الأول: أن لا يكون للعميل رصيد في البنك، فيسحب بالبطاقة ما يسمح له بسحبه من البنك، مقابل فائدة، وهذا قرض ربوي واضح.
الثاني: أن يسحب من رصيده، لكن يلتزم في عقد البطاقة بدفع غرامة في حال تأخره في السداد، وهذا شرط ربوي محرم، ولو غلب على ظنه أنه لن يتأخر.
وجوز الشيخ ابن عثيمين رحمه الله لمن احتاج هذه البطاقة، وغلب على ظنه أنه لن يتأخر في السداد، أن يتعامل بها، وينظر جواب السؤال رقم (3402) ، لكن إذا وجدت البطاقة الخالية من هذا الشرط، فلا يجوز الدخول في البطاقة المحرمة.
ثانيا:
لا يجوز كتابة الربا ولا تسجيله ولا الإعانة عليه؛ لقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2،
ولما روى مسلم (1598) عن جابر قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا، ومؤكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال: هم سواء) .
وإذا كان صاحب الشركة قد سحب المال دون أن يكون له رصيد، فقد وقع في القرض الربوي كما سبق، ولا يجوز لك تسجيل ذلك، ولا مطابقته مع كشف حساب البنك؛ لأن هذا من إقرار المنكر والإعانة عليه.
وأما إن كان يأخذ من رصيده، فالذي يظهر أنه لا حرج عليك في تسجيله، ومطابقته مع كشف حساب البنك، لأن المحرّم هنا هو ذلك الشرط الذي أخذه عليه البنك، وهو منفصل عن المعاملة، وأنت إنما تسجل أنه أخذ من ماله المودع في البنك، وينبغي أن تنصح صاحب الشركة بترك التعامل والإيداع في البنك الربوي.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6517)
حكم العمل في شركة نقل مستندات وطرود متنوعة
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أعمل في بنك ربوي لمدة 17 عاماً، وقد وفقني الله تعالى للبعد عن الربا، ولمستُ بنفسي تغييراً مذهلاً في حياتي، ولكن العمل الحلال صعب جدّاً في هذه الأيام، ولم أعثر على عمل منذ 2.5 سنة، وأعول أسرة من خمسة أفراد، والآن هل لي أن أتقدم للعمل في إحدى الشركات العالمية لنقل المستندات والطرود في وظيفة " إدارة مشاكل وشئون العملاء "، والمشكلة أن هذه الشركة تمنع نقل الخمور تماماً داخل حدود البلد الذي أعيش فيه، إلا أنه إذا رغب شخص في نقل زجاجة خمر - مثلاً - إلى بلد آخر: فإن الشركة تقوم بالنقل له، وأيضاً قد تستقبل الشركة طروداً من الخارج قد تحمل هذه المحرمات، وطبعاً سيكون من طبيعة عملي أن أحل المشاكل التي قد تطرأ أثناء عمليات النقل لحين الوصول للعميل. السؤال: هل أستمر في تقديم طلب العمل، أم أقوم بسحبه، علماً بأن نشاط الشركة الأساسي - كما ذكرت - هو نقل المستندات والطرود المختلفة من مكان لآخر؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
العمل في مؤسسات تنقل المستندات والطرود: مباح في ذاته، فإن تخصصت تلك المؤسسة في نقل المحرمات، كنقل مستندات بنوك ربوية، أو نقل الخمور، أو الأفلام، والأغاني: صار العمل فيها محرَّماً لذاته، وإن اختلط الحلال بالحرام: صار الحكم للغالب، مع وجوب تجنب مباشرة الأعمال المحرَّمة.
وعليه؛ فاستمرارك في تقديم طلب العمل في تلك الشركة مرتبط بالأعمال التي سيكون لك الإشراف عليها، وحل مشكلاتها، فما كان منها حراماً لم تقم به، وما كان منها لمستندات وطرود مباحة قمتَ به، فإن كان الأمر سيكون على هذا الشرط، وبذاك القيد: جاز لك التوظف بها، وإلا أثمتَ بقدر ما تباشره من أعمال محرَّمة فيها، كنقل الخمور واستقبالها، ونقل الأفلام والأغاني واستقبالها، ونقل مستندات الربا والتأمين واستقبالها، وهكذا في كل محرَّم يُرسل ويُستقبل في تلك الشركة لك دور في إرساله أو استقباله.
ولا شك أن نقل الخمور من المحرَّمات التي تدخل في التعاون على الإثم والعدوان، ويدخل صاحبها في اللعن الثابت في السنَّة الصحيحة، وهذه الحرمة تنسحب على كل ما حرَّمه الله تعالى.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
رجل لم يتيسر له العمل إلا في مصنع للخمور، أو مستودع لخزنه، أو في دكان أو حانوت لبيعه وتوزيعه، ما مصير المال الذي يكتسبه وينفقه على عياله الوفيري العدد؟
فأجابوا:
"لا يجوز للمسلم أن يشتغل في مصنع للخمور، أو مستودع لخزنه، أو في أي عمل من الأعمال المتعلقة بالخمور، والكسب الذي يتحصل عليه محرم، وعليه أن يبحث عن عمل يكون كسبه حلالاً، وأن يتوب إلى الله سبحانه مما سلف؛ لقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة /2؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الخمر، وشاربها، وساقيها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه، وبائعها، ومشتريها، وآكل ثمنها) – متفق عليه –" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (14 / 411) .
ولا فرق في هذا الحكم بين كون المنقول إليه كافراً أو مسلماً.
فقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
يوجد بعض المدرسين يطلبون من الطلبة بعض المشروبات المحرمة، فهل حملها إلى المدرس وهو كافر حرام أم لا؟ .
فأجابوا:
"لا يجوز للمسلم أن يقدم الخمر لمن يشربها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن حاملها والمحمولة إليه، ولأن هذا من التعاون على الإثم والعدوان الذي نهى الله عنه بقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة /2" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (22 / 97) .
وانظر – للفائدة – جواب السؤال رقم: (10398) .
وننصحك بالحرص على العمل الحلال، والبعد عن الحرام، ونرى أنه سيصعب عليك تجنب المحرمات في تلك الشركة، ونرجو أن يُكرمك الله تعالى بعظيم فضله بعمل خير منه، قال الله تعالى: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ * وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق/ 2، 3، وقد صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مَنْ تَرَكَ شَيْئاً لله عوَّضَه الله خَيْراً مِنْه) صححه الشيخ الألباني رحمه الله في " حجاب المرأة المسلمة " (ص 49) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6518)
حكم العمل في الشرطة
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل ضابطاً بالشرطة في إحدى البلاد العربية، والسؤال هو: هل يجوز أن أستمر في هذا العمل علماً بأن البلد تُحكم بقانون وضعي وأنا كضابط بالشرطة مطالب بتنفيذ هذا القانون؟ مع العلم بأن مجالات العمل كثيرة في الشرطة، فمنا من يكافح الدعارة، ومنا من يكافح المخدرات، وكثير من الأشياء الطيبة، ولكن كل هذا وفقاً وتحت مظلة القانون الوضعي، ومنا من هو يعمل بالسجون منفِّذاً للحكم الصادر من المحكمة وفقاً للقانون الوضعي. فهل يجوز لي أن أستمر في عملي؟ أم يجب عليَّ تركه؟ أم أتخير العمل ما استطعت إلى ذلك سبيلاً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
العمل في الشرطة كالعمل في الوظائف الأخرى، منه ما هو مباح، ومنه ما هو محرَّم، وإنما يختلف ذلك تبعاً لطبيعة المهام التي يقوم بها المنتسب لذلك العمل.
وفي كثير من الدول يتم – وللأسف – إلزام المنتسبين لهذا العمل بحلق لحاهم، وتحية العلم، وتعظيم من هو أعلى رتبة بالتحية الأعجمية ولو كان كافراً أو فاسقاً، وقد بينَّا تحريم ذلك في جواب الأسئلة: (5481) و (8230) و (8797) ، فلتنظر.
وأما بخصوص ذات العمل: فإن فيه – كما هو معلوم – ما هو ظلم، وما هو عدل، فمن كانت مهام عمله ملاحقة المجرمين والفاسقين وكف أذاهم عن الناس وإرجاع الحقوق إلى أهلها، ومنع الظالمين من التعدي على غيرهم: فلا شك في إباحة عمله، بل يؤجر إن أخلص النية لله تعالى بإرادته إقامة العدل، ومنع الظلم، ومن كانت مهام عمله سلب الناس أموالهم، والتعدي عليهم بالضرب، والتعرض لأعراضهم، وسجنهم بغير حق: فلا شك أن عمله – حينئذٍ – محرَّم، وهو من المفلسين الذين يلقون الله تعالى في الآخرة وللناس في ذممهم حقوق، يعطيهم الله تعالى إياها حسنات يأخذها من أولئك الظلمة، أو سيئات تؤخذ من المظلومين فتلقى عليهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"إذا كان ولي الأمر يستخرج من العمال ما يريد أن يختص به هو وذووه: فلا ينبغي إعانة واحد منهما؛ إذ كل منهما ظالم، كلص سرق من لص، وكالطائفتين المقتتلتين على عصبية ورئاسة، ولا يحل للرجل أن يكون عوناً على ظلم؛ فإن التعاون نوعان:
الأول: تعاون على البر والتقوى، من الجهاد، وإقامة الحدود، واستيفاء الحقوق، وإعطاء المستحقين، فهذا مما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومن أمسك عنه خشية أن يكون من أعوان الظلمة: فقد ترك فرضاً على الأعيان، أو على الكفاية، متوهماً أنه متورع، وما أكثر ما يشتبه الجبن، والفشل بالورع، إذ كل منهما كف وإمساك.
والثاني: تعاون على الإثم والعدوان، كالإعانة على دم معصوم، أو أخذ مال معصوم، أو ضرب من لا يستحق الضرب، ونحو ذلك: فهذا الذي حرمه الله ورسوله" انتهى.
" مجموع الفتاوى " (28 / 283) .
وينظر جواب السؤال رقم: (103412) .
ومثل هذا العمل يقال فيه:
إذا كان الداخل إلى هذا العمل قد دخل للدعوة إلى الخير، وتقليل الشر، ورفع الظلم عن المظلومين، وإسداء النفع إلى الناس بقدر الإمكان، فلا حرج في هذا العمل.
أما إذا كان الداخل إليه قد دخل لاستغلال المنصب في ظلم الناس، وجمع الأموال بغير حق، والاحتماء بهذه الوظيفة، وإقرار القوانين الوضعية، والدفاع عنها، أو الدفاع عن ظالم، أو الاعتداء على بريء.... ونحو ذلك من أوجه الظلم التي قد يقع فيها من يلتحق بهذا العمل، فلا شك أنه عمل محرم، ويخشى على صاحبه أن يأتي يوم القيامة مفلساً، لا حسنات له، وقد تحمل جبالاً من السيئات.
نسأل الله العفو والعافية.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6519)
هل يبقى عاطلا ويكتفي بمعونة الدولة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أقمت بفرنسا 3 سنوات في هذه المدة عملت على فترات متقطعة؛ في هذه البلاد لديهم قانون لفائدة العاطلين عن العمل الشرط فيه من عمل مدة 6 أشهر يتقاضى نسبة من أجره لمدة 7 أشهر، إن بقيت بدون عمل، وكان هذا حالي، فما الحكم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأولى بالمسلم أن يكون عزيزا بإيمانه، مستغنيا بماله، مترفعا عما في أيدي الناس، ولهذا جاءت الشريعة بالحث على طلب الرزق، ومدح من يعمل بيده، كما قال تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) الملك/15، وقال صلى الله عليه وسلم: (مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ) رواه البخاري (1966) .
وقال صلى الله عليه وسلم: (لأَنْ يَحْتَطِبَ أَحَدُكُمْ حُزْمَةً عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ أَحَدًا فَيُعْطِيَهُ أَوْ يَمْنَعَهُ) رواه البخاري (1968) .
فإذا لم تجد عملا، جاز أن تأخذ هذه الإعانة إن انطبق عليك الشرط.
واعلم أن الإقامة في بلاد الكفر لا تجوز إلا بشروط، سبق بيانها في جواب السؤال رقم 83912
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6520)
هل لهم المطالبة بمثل أجور زملائهم الذين هم على كفالة المؤسسة
[السُّؤَالُ]
ـ[السلام عليكم نحن مجموعة من الدعاة وطلبة العلم, نعمل كأئمة مساجد والتحقنا بعمل دعوي آخر في الفترة الصباحية من السابعة والنصف إلى الواحدة والنصف , ولنا زملاء على كفالة المؤسسة الدعوية يقومون بنفس عملنا إلا أن رواتبهم تزيد عن رواتبنا كثيرا, فطلبنا الزيادة لنتساوى أو نقارب زملاءنا خاصة مع موجة الغلاء الحاصلة, وتنظر المؤسسة إلى كوننا نأخذ راتبا على الإمامة " مع صغره" , والمؤسسة توفر لمن هم على كفالتها بدل سكن ولا تعطينا شيئا اعتمادا على أن المساجد بها مساكن للأئمة , ومع بدل السكن أو بدونه فرواتبنا تقل عن رواتبهم والإجازة السنوية التي نأخذها هي شهر واحد بخلاف زملائنا فهم يأخذون شهرا ونصفا, فهل من حقنا مطالبة هذه المؤسسة برفع رواتبنا ومنحنا نصف شهر إجازة أسوة بزملائنا حيث إننا نعمل مثلهم سواء بسواء؟ نرجو الجواب وجزاكم الله خيرا]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الأمر كما ذكرت من أنكم تعملون كعمل إخوانكم سواء بسواء، فإن من حقكم المطالبة بأن يكون لكم من الإجازة والراتب ما لهم، سواء بسواء، دون التفات لما تتقاضونه من راتب نظير عمل آخر، فإن مقتضى عقد الوظيفة أن يعمل الموظف ساعات معينة، يستحق مقابلها أجرا معلوما، وله أن يعمل خارج هذا الوقت ما شاء من العمل براتب وبغيره، بما لا يؤثر على عمله في وظيفته.
والعدل بين الموظفين، وتقليل التفاوت بين أجورهم، أساس متين لتحقيق النجاح، وإشاعة الطمأنينة، ونزع الأحقاد والضغائن، لا سيما إذا كان هذا في الأعمال الدعوية التي يتولاها من يُرجى فيه الخير والصلاح والوقوف عند حدود الشرع.
والحاصل أن لكم المطالبة برفع الرواتب والحصول على الإجازة التي يأخذها نظراؤكم في العمل، وعلى المؤسسة والقائمين عليها أن يراعوا تحقيق العدل وتقليل التفاوت ما أمكن، فإن في هذا الخير والفلاح والنجاح.
نسأل الله تعالى لنا ولكم التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6521)
مريض وورَّى في معاملة التوظيف أنه معافى فهل يترك وظيفته؟
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل يعمل الآن في وظيفة، ولم يصدق في سؤال: "هل يعاني من مرض مزمن"؟ عندما تقدم لهذا العمل، بل ورَّى بقوله " لم يعاني "؛ لأنه حقيقة لم يعاني، هو مصاب بفيروس التهاب الكبد فقط، وهو مرض مزمن، ولم يجد منه أية معاناة، فهل تنصحه بترك العمل، خاصة وأن صاحب العمل لو يعلم بمرضه ربما لا يسمح له بالبقاء في عمله؟ وهل تنفعه التورية أم أنه يعتبر غير صادق في بياناته؟ وهل يلزمه شيء في المدة السابقة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
جاءت الشريعة المطهرة بالأمر بكل خلُق قويم، وحذَّرت من كل خلق ذميم.
ومن الأخلاق القويمة التي أمر بها ربنا تعالى: الصدق، وحذرنا من ضده وهو الكذب.
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) التوبة/ 119.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنّ الصِدقَ يَهدي إلى البّر، وإنّ البرّ يهدي إلى الجَنّةِ، وإنّ الرجُلَ ليَصدُقُ حتّى يُكتَبَ عِندَ الله صِدّيقا، وإنّ الكَذِبَ يهدي إلى الفُجورِ، وإنّ الفُجورَ يَهدي إلى النّار، وإنّ الرَجُلَ ليَكذِبُ حتى يُكتَبَ عِندَ اللهِ كَذابا) رواه البخاري (5743) ومسلم (2607) .
ولعلَّك رأيت الكذب نافعاً لك، ورأيت الصدق مضرّاً لك، لذا فعلت ما فعلت من كتم المرض أن تدونه في معاملة التوظيف، وهو ما حذَّر منه سلف الأمة.
قال بعض الصالحين: عليك بالصدق حيث تخاف أن يضرك، فإنه ينفعك، ودع الكذب حيث ترى أنه ينفعك، فإنه يضرك.
فعلى المؤمن أن يزيِّن حياته بالصدق، والصادق لن تجده إلا متصفاً بصفات الكمال الأخرى.
قال ابن القيم رحمه الله:
"فالصدق بريد الإيمان ودليله ومركبه وسائقه وقائده وحليته ولباسه، بل هو لبه وروحه، والكذب بريد الكفر والنفاق ودليله ومركبه وسائقه وقائده وحليته ولباسه ولبه، فمضادة الكذب للإيمان كمضادة الشرك للتوحيد، فلا يجتمع الكذب والإيمان إلا ويطرد أحدهما صاحبه ويستقر موضعه" انتهى.
" زاد المعاد " (3 / 590) .
ثانياً:
التورية هي أن يُفهم المتكلمُ سامعَه شيئاً غير الذي في نفسه، ويكون الكلام محتملاً.
ولا يجوز للمسلم استعمال التورية إلا لتحقيق مصلحة شرعية، أو دفع مفسدة، أو لحاجة ماسة، ولا يحل له استعمالها في كل حين، ولا لأخذ ما ليس من حقه.
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: ما هي التورية؟ وما الفرق بينها وبين الكذب؟ .
فأجاب:
"التورية: أن يريد بلفظه ما يخالف ظاهره، والكذب: صريح في أنه تكلم بخلاف الواقع. السائل: السامع ربما يفهم شيئاً آخر.
الشيخ: لا يهم، هذا هو بُعد التورية، أن يفهم السامع من خطابك خلاف ما تريد، التورية قد يحتاج الإنسان إليها.
أما الظالم: فلا تصح توريته، ولا تحل، والحكم فيها أنها على حسب ما يعتقده خصمه، ولهذا جاء في الحديث: (يمينك على ما يصدقك به صاحبك) فإذا قال الظالم بهذا التأويل، لم ينفعه، والمظلوم ينفعه.
ومَن ليس بظالم ولا مظلوم: من العلماء من قال: إن التورية جائزة، ومنهم من قال: إنها غير جائزة، والراجح: أنها غير جائزة، وأن الإنسان يجب أن يكون صريحاً؛ لأن الإنسان إذا اعتاد التورية ثم ظهر الأمر على خلاف ما ظهر من كلامه: اتهمه الناس بالكذب، وأساءوا فيه الظن، لكن إذا كان مظلوماً: فهذه حاجة، والظلم قليل بالنسبة للحوادث.
والخلاصة: التورية للمظلوم: جائزة، وللظالم: غير جائزة، ولمن ليس ظالماً ولا مظلوماً: على خلافٍ بين العلماء، والراجح: أنها حرام" انتهى.
" لقاءات الباب المفتوح " (161 /السؤال رقم 9) باختصار.
وانظر جوابي السؤالين: (27261) و (45865) .
ثالثاً:
الظاهر أن صاحب العمل يسأل هذا السؤال حتى لا يكون الموظف مصاباً بمرض يُقعده عن وظيفته، أو يكثر من تأخره وغيابه، أو يؤثر في حسن أدائه للعمل.
وبما أنك تعلم أن صاحب العمل لو علم بإصابتك بهذا المرض فإنه لا يسمح لك بالبقاء فيه، فالذي ننصحك به هو مصارحة صاحب العمل بهذا المرض، ثم يقرر بعد ذلك ما يراه.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6522)
حكم عمل المرأة مذيعة في الإذاعة والتليفزيون
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم عمل المرأة مذيعة في الإذاعة أو التليفزيون؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
جاء الشرع بتدابير عديدة تحمي المجتمع من الفتن ومن انحلال الأخلاق، ولا شك أن خروج المرأة من بيتها ومخالطتها للرجال وتكسرها في الكلام مع كونها في أكمل ما يكون من الزينة، كل ذلك من أعظم أسباب الفتن، وفي هذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ) رواه البخاري (5096) . وقال صلى الله عليه وسلم: (فَاتَّقُوا الدُّنْيَا، وَاتَّقُوا النِّسَاءَ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ) رواه مسلم (2742) .
وإذا نظرنا إلى الواقع ازداد يقيننا بصدق الرسول صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، فالدول والمجتمعات ـ الإسلامية وغير الإسلامية ـ التي خرجت نساؤها وتبذلت واختلطت بالرجال لم تَجْنِ من وراء ذلك إلا الشر، والانحلال الخلقي، وكثرة اللقطاء.
وقد أشارت إحصائية حديثة إلى أنه للمرة الأولى في التاريخ تتجاوز نسبة المواليد غير الشرعيين في بريطانيا نسبة المواليد الذين ولدوا داخل مؤسسة الزواج، وفي هذا عبرة لمن يعتبر.
وفي أمريكا توضح الإحصائيات إلى أنه من 70-90% من الموظفات العاملات ارتكبت معهن فاحشة الزنا. "مجلة الدعوة" عدد (1783) .
وقد حَذَّر بعض العقلاء من ذلك، ولكن ... لا حياة لمن تنادي.
فقد قالت الكاتبة الإنجليزية الشهيرة (اللادي كوك) في جريدة (الأيكو) :
"على قدر الاختلاط تكون كثرة أولاد الزنا، ولا يخفى ما في هذا من البلاء العظيم على المرأة، فيا أيها الآباء لا يغرنكم بعض دريهمات تكسبها بناتكم باشتغالهن في المعامل ونحوها، ومصيرهن إلى ما ذكرنا، فعلموهن الابتعاد عن الرجال، إذ دلنا الإحصاء على أن البلاء الناتج من الزنا يعظم ويتفاقم حيث يكثر الاختلاط بين الرجال والنساء، ألم تروا أن أكثر أولاد الزنا أمهاتهن من المشتغلات في المعامل ومن الخادمات في البيوت ومن أكثر السيدات المعرضات للأنظار.
ولولا الأطباء الذين يعطون الأدوية للإسقاط لرأينا أضعاف ما نرى الآن" انتهى.
"الإسلام روح المدنية" لمصطفى الغلايينى (ص212) .
ثانياً:
جاء الإسلام وقد أمر المرأة بما هو أكمل في المحافظة على صيانتها وعفتها، وصيانة المجتمع مما قد يضره، ومن ذلك: أنه نهاها عن الجهر بالقول أمام الرجال الأجانب عنها، إلا إذا وجدت حاجة ملحة لذلك.
ففي صلاة الجماعة إذا أخطأ الإمام، ينبهه الرجال بالتسبيح، والنساء بالتصفيق، حتى لا تجهر بصوتها في مجمع الرجال، مع أنهم في عبادة عظيمة هي أعظم عبادات الإسلام.
والمرأة المحرمة بحج أو عمرة لا تجهر بالتلبية إلا بقدر ما تسمع رفيقاتها فقط.
ولا شك أن عمل المذيعة منافٍ لذلك أعظم المنافاة، إذ يسمعها آلاف أو مئات الآلاف من الرجال الأجانب عنها، من غير ضرورة ولا حاجة ماسة لذلك.
فقد رأينا وسمعنا المرأة مذيعة لنشرة الأخبار، ومقدمة برامج رياضية واقتصادية، ودينية، فما هو الداعي أو الضرورة لذلك؟ أليس هناك من الرجال من يقوم بذلك على وجه أكمل وأحسن؟
ثالثاً:
أما إذا نظرنا إلى عمل المرأة مذيعة في التليفزيون فهو يتضمن مجموعة من المخالفات الشرعية:
1- اختلاطها بالرجال الأجانب عنها، كالمصور، والمخرج، والمنتج ... وغيرهم من العاملين معها، بل قد تقع كثيراً في الخلوة المحرمة مع أحد هؤلاء.
2- ضرورة كشفها للوجه، مع تزينها وتجملها بأبهى ما تستطيع من الزينة، والله تعالى قد قال عن العجائز من النساء: (وَالْقَوَاعِدُ مِنْ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ) النور/60. فكيف يجوز للمرأة الشابة أن تظهر بكامل زينتها أمام مئات الآلاف من الرجال الأجانب عنها؟
3- تكسر كثير منهن في الكلام، وكلهن يكن جميلات الأصوات ـ فهذا من أساسيات اختيارها مذيعة ـ وجمال صوت المرأة يوقع في الفتنة، فكيف إذا انضم إليه تكسرها وميوعتها في الكلام، والله تعالى يقول: (فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) الأحزاب/32.
قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
"المرأة لا يجوز لها مخاطبة الرجال الذين ليسوا محارم لها إلا عند الحاجة، وبصوت ليس فيه إثارة، ولا تبسط في الكلام معهم زيادة عن الحاجة" انتهى.
"فتاوى المرأة المسلمة" (1/432) .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
هل يجوز للمرأة أن تعمل مذيعة يسمع صوتها الأجانب؟
فأجاب:
"إن المرأة في الإذاعة تختلط بالرجال بلا شك، وربما تبقى مع الرجل وحده في غرفة الإرسال، وهذا لا شك أنه منكر، وأنه محرم، وقد ثبت عن النبي الصلاة والسلام أنه قال: (لا يخلون رجل بامرأة) ولا يحل هذا أبداً، ثم إن المعروف أن المرأة التي تذيع تحرص على أن تجمل صوتها، وتجعله جذاباً فاتناً، وهذا أيضاً من البلاء الذي يجب تجنبه لما فيه من الفتنة. وف الرجال.. الشباب والكهول ما يغني عن ذلك، فصوت الرجل أقوى من المرأة وأبين وأظهر" انتهى.
"فتاوى المرأة المسلمة" (1/433، 434) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6523)
يعد الموظفين بالعفو عنهم إن صدقوا ثم يعاقبهم
[السُّؤَالُ]
ـ[نقوم في بعض الأحيان بالتحقيق في أخطاء تقع من بعض الموظفين ونعد بعضهم بوعود في حال اعترافهم وإقرارهم، وبعد ذلك لا نلتزم بما وعدناهم به ونطبق عليهم العقوبات والجزاءات الخاصة بتلك الأخطاء. فما حكم هذا العمل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"كان الواجب على الموظف النصح والإخلاص في عمله والبعد عن الغش والخيانة والغدر، ومتى وقع منه خطأ فلا يؤاخذ عليه، لقوله تعالى: (رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) البقرة/286، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان) .
أما إذا تعمدوا المخالفة وبدر منهم ما يخل بالعمل أو يخالف التعليمات فإن عليهم الاعتراف بالمخالفة، والإقرار بما صدر منهم، وعليه طلب العفو والصفح والالتزام بعدم العودة إلى مثل ذلك. ومتى تعهدوا بذلك فالصفح عنهم أولى إذا لم يكونوا أهل تساهل وكثرة مخالفة. ولكم تطبيق العقوبات والجزاءات على من تكررت منه المخالفات التي تخل بالعمل.
فأما أن تعدوهم وعداً بالعفو مقابل الاعتراف ثم تخلفون الوعد فإن هذا لا يجوز، لأنه كذب، وخلف للوعد، والكذب وخلف الوعد من صفات المنافقين. والله أعلم" انتهى.
فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين حفظه الله.
"فتاوى علماء البلد الحرام" (ص 342) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6524)
يستخدم عمال الشركة في أعماله الخاصة ويعطيهم الأجرة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم استخدام بعض عمال الشركة التي أعمل بها في القيام ببعض الأعمال الخاصة بي؟ علماً بأن ذلك يحدث خارج وقت الدوام وأدفع لهم أجرهم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا بأس بذلك، بشرط أن لا تكون الشركة تمنع عمالها من هذا الشيء" انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
"فتاوى علماء البلد الحرام" (ص 365) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6525)
يستخدم الموظفين في أعماله الخاصة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا رئيس في إحدى الدوائر الحكومية ولدي موظفون وسائقون، وفي بعض الأحيان أستخدم أحدهم في أعمال خاصة بي. فهل في هذا شيء علي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا يجوز لك أن تستخدم الموظفين والسائقين الذين هم تبع للدائرة الحكومية في مصالحك الخاصة، لأن هذا الاستخدام خارج عما خصصوا له من ناحية، واستغلال لموظفي الدولة لمصالحك الخاصة، وإذا كان عندك عمل خاص فاستأجر له على حسابك الخاص" انتهى.
فضيلة الشيخ صالح الفوزان حفظه الله.
"فتاوى علماء البلد الحرام" (ص 351) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6526)
يعمل في فندق ويريد أن يجمع بين صلاتي المغرب والعشاء
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل ليلا في باريس في فندق تكثر فيه الحركة ويتعذر علي أن أصلي في الوقت , وأريد أن أعرف هل من الممكن أن أجمع بين صلاتي المغرب والعشاء في وقت صلاة المغرب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اعلم أن المؤمن حقاً هو الذي يقدم أمر الله تعالى على كل ما سواه، وينقاد له طيبة به نفسه مطمئنة إليه، موقنة أن الخير كله في ذلك، وأن الشر كله في خلاف ذلك، فيقوم بأمر الله تعالى قدر استطاعته مستشعراً أن الله مطلع عليه مراقب له.
وليس المؤمن بالمتسيب الذي لا يقف عند حدود الله.
والصلاة هي أعظم أركان هذا الدين بعد التوحيد قد أوجبها الله تعالى على عباده، وحدد لها أوقاتاً تؤدى فيها في حال السعة والاختيار، ورخص في أن يقدم بعضها عن ذلك الوقت المحدد له، أو يؤخر عنه في حال الضرورة أو المشقة المعتبرة شرعاً، كالخوف والمرض والسفر والمطر ونحو ذلك، رفعاً للحرج عن عباده المؤمنين.
وعلى هذا فالواجب عليك أن تجتهد في أداء كل صلاة في وقتها، وتبين لجهة عملك أن هذا الوقت الذي تؤدي فيه هذه العبادة التي أوجبها الله تعالى عليك- والتي هي أهم أعمالك في حياتك- لن يتجاوز عشر دقائق بالكثير، لا يمكنك التنازل عنه ولا التفريط فيه.
فإن لم توافق جهة عملك على ذلك فعليك أن تبحث بحثاً جاداً عن عمل آخر تستطيع معه أداء ما أوجب الله تعالى عليك وإذا كنت مضطراً إلى هذا العمل، بحيث لا تجد ما تنفق به على نفسك وأهلك إن تركته، فلك أن تستمر فيه حتى تجد عملاً آخر لا يتعارض مع أداء الصلاة ولك في هذه الحال أن تجمع بين صلاتي المغرب والعشاء جمع تقديم فتصليهما معاً في وقت صلاة المغرب.
على أن يكون ذلك مؤقتاً حتى تتمكن من ترك العمل.
أما جعل جمع الصلاتين عادة مستمرة فهذا لا يجوز، لأنه خلاف المنقول عن الرسول صلى الله عليه وسلم من فعله، وحثه على أداء الصلوات في أوقاتها.
وننبه السائل أن العمل في الفنادق في عصرنا يشتمل على محاذير كثيرة، هذا إذا كان في بلاد الإسلام فكيف لو كان في بلاد الكفر!
فيكون كلامنا السابق بناءً على أن الفندق المذكور لا يشتمل على محاذير شرعية توجب عليك ترك العمل فيه، ولمعرفة ضوابط لك راجع جواب السؤال رقم (46704) .
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء:
إنه عرض علي العمل في فندق كمحاسب، ولحاجته إلى زيادة دخله فيرغب معرفة حكم العمل فيه، مع العلم أنه يقدم في هذا الفندق الخمر، وفيه حمامات السباحة التي يختلط فيها الرجال بالنساء وصالات الرقص الماجن.
فأجابت:
"لا يجوز العمل في الفنادق التي تعمل فيها المنكرات وتبيع المسكرات؛ لأن العمل فيها من التعاون على الإثم والعدوان، فعليك بالتماس العمل الحلال النزيه، وأبشر بالخير وحسن العاقبة؛ لقول الله سبحانه: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) الطلاق /2، 3. وقوله سبحانه (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) سورة الطلاق /4 وفقك الله ويسر أمرك. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... عبد الله بن غديان.... صالح الفوزان ... عبد العزيز آل الشيخ ... بكر أبو زيد
"فتاوى اللجنة الدائمة" (14/432) .
ولمعرفة حكم الإقامة في ديار الكفار راجع جواب السؤال رقم (12866) و (27211) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6527)
تصرف لهم الشركة بدل عمل إضافي مع أنهم لم يعملوا
[السُّؤَالُ]
ـ[إحدى الشركات يبقى من ميزانيتها مبالغ كبيرة تصرفها للعاملين لديها على أنها مكافأة عمل إضافي، ويوقع الموظفون على ذلك ويستلمونها بالتناوب كل سنة، مع أنهم لم يعملوا عملاً إضافياً. فهل يجوز أخذ هذه الأموال؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"على المسؤولين في هذه الإدارة أن لا يتلاعبوا بهذه الأموال، وأن يردوا ما فضل منها إلى الخزينة، وذلك لأنها صرفت لجهات فإذا لم تستغرقها تلك الجهات، فلا يجوز لهم أن يعطوها لمن لم يعمل، بل عليهم أن يردوها ولو لم تخرج لهم في السنة القادمة أو في السنوات الأخرى؛ وذلك لأنهم مؤتمنون علها، والمؤتمن عليه أن يؤدي أمانته التي أؤتمن عليها، وإذا احتاجوا إلى خارج دوام ضروري (عمل إضافي) عملوا بذلك وصرفوا قدر ما يستحقون.
وأما الموظفون فإذا عملت تلك الدائرة بهذا التنظيم، وصرف لهم فلهم أخذه، عملاً بما ورد في الحديث من قوله صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه: (ما جاءك من المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه، وما لا فلا تتبعه نفسك) " انتهى.
فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين حفظه الله.
"فتاوى علماء البلد الحرام" (ص 357) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6528)
يعمل في فندق ويريد أن يجمع بين صلاتي المغرب والعشاء
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل ليلا في باريس في فندق تكثر فيه الحركة ويتعذر علي أن أصلي في الوقت , وأريد أن أعرف هل من الممكن أن أجمع بين صلاتي المغرب والعشاء في وقت صلاة المغرب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اعلم أن المؤمن حقاً هو الذي يقدم أمر الله تعالى على كل ما سواه، وينقاد له طيبة به نفسه مطمئنة إليه، موقنة أن الخير كله في ذلك، وأن الشر كله في خلاف ذلك، فيقوم بأمر الله تعالى قدر استطاعته مستشعراً أن الله مطلع عليه مراقب له.
وليس المؤمن بالمتسيب الذي لا يقف عند حدود الله.
والصلاة هي أعظم أركان هذا الدين بعد التوحيد قد أوجبها الله تعالى على عباده، وحدد لها أوقاتاً تؤدى فيها في حال السعة والاختيار، ورخص في أن يقدم بعضها عن ذلك الوقت المحدد له، أو يؤخر عنه في حال الضرورة أو المشقة المعتبرة شرعاً، كالخوف والمرض والسفر والمطر ونحو ذلك، رفعاً للحرج عن عباده المؤمنين.
وعلى هذا فالواجب عليك أن تجتهد في أداء كل صلاة في وقتها، وتبين لجهة عملك أن هذا الوقت الذي تؤدي فيه هذه العبادة التي أوجبها الله تعالى عليك- والتي هي أهم أعمالك في حياتك- لن يتجاوز عشر دقائق بالكثير، لا يمكنك التنازل عنه ولا التفريط فيه.
فإن لم توافق جهة عملك على ذلك فعليك أن تبحث بحثاً جاداً عن عمل آخر تستطيع معه أداء ما أوجب الله تعالى عليك وإذا كنت مضطراً إلى هذا العمل، بحيث لا تجد ما تنفق به على نفسك وأهلك إن تركته، فلك أن تستمر فيه حتى تجد عملاً آخر لا يتعارض مع أداء الصلاة ولك في هذه الحال أن تجمع بين صلاتي المغرب والعشاء جمع تقديم فتصليهما معاً في وقت صلاة المغرب.
على أن يكون ذلك مؤقتاً حتى تتمكن من ترك العمل.
أما جعل جمع الصلاتين عادة مستمرة فهذا لا يجوز، لأنه خلاف المنقول عن الرسول صلى الله عليه وسلم من فعله، وحثه على أداء الصلوات في أوقاتها.
وننبه السائل أن العمل في الفنادق في عصرنا يشتمل على محاذير كثيرة، هذا إذا كان في بلاد الإسلام فكيف لو كان في بلاد الكفر!
فيكون كلامنا السابق بناءً على أن الفندق المذكور لا يشتمل على محاذير شرعية توجب عليك ترك العمل فيه، ولمعرفة ضوابط لك راجع جواب السؤال رقم (46704) .
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء:
إنه عرض علي العمل في فندق كمحاسب، ولحاجته إلى زيادة دخله فيرغب معرفة حكم العمل فيه، مع العلم أنه يقدم في هذا الفندق الخمر، وفيه حمامات السباحة التي يختلط فيها الرجال بالنساء وصالات الرقص الماجن.
فأجابت:
"لا يجوز العمل في الفنادق التي تعمل فيها المنكرات وتبيع المسكرات؛ لأن العمل فيها من التعاون على الإثم والعدوان، فعليك بالتماس العمل الحلال النزيه، وأبشر بالخير وحسن العاقبة؛ لقول الله سبحانه: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) الطلاق /2، 3. وقوله سبحانه (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) سورة الطلاق /4 وفقك الله ويسر أمرك. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... عبد الله بن غديان.... صالح الفوزان ... عبد العزيز آل الشيخ ... بكر أبو زيد
"فتاوى اللجنة الدائمة" (14/432) .
ولمعرفة حكم الإقامة في ديار الكفار راجع جواب السؤال رقم (12866) و (27211) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6529)
العمل في صندوق شركة متخصصة في سباق الخيل والكلاب
[السُّؤَالُ]
ـ[أود معرفة ما إذا كان يجوز العمل كأمين صندوق بشركة متخصصة في سباق الخيل والكلاب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سبق في جواب السؤال رقم (116866) أن المسابقة بين الخيل جائزة، ويجوز أن يدفع المتسابقون أو غيرهم مالاً (جائزة أو مكافأة) لمن يفوز بالسباق.
وبينا في جواب السؤال المذكور أنه لا يدخل في ذلك المراهنة على سباقات الخيل، فإن هذه المراهنة من القمار المحرم.
أما المسابقة بين الكلاب فلا تجوز بحال، لا بعوض ولا بغير عوض؛ لأنها ليست من الأصناف التي أباح الشرح أن يبذل فيها العوض، ولا يمكن قياسها وإلحاقها بذلك، بل المسابقة بينها نوع من اللهو والعبث وإضاعة المال.
ولأن اقتناء الكلاب لا يجوز إلا فيما رخص فيه الشرع، كما روى البخاري (5481) ومسلم (1574) عن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ رضي الله عنهما قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا إِلَّا كَلْبًا ضَارِيًا لِصَيْدٍ أَوْ كَلْبَ مَاشِيَةٍ فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ) .
وأما اقتناؤها للسباق بينها، فحرام، وبذل المال في سبيل تربيتها لذلك: سفه وتبذير.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " مما لا شك فيه أنه يحرم على الإنسان اقتناء الكلب إلا في الأمور التي نص الشرع على جواز اقتنائه فيها، فإن من اقتنى كلباً - إلا كلب صيد أو ماشية أو حرث - انتقص من أجره كل يوم قيراط، وإذا كان ينتقص من أجره قيراط فإنه يأثم بذلك، لأن فوات الأجر كحصول الإثم، كلاهما يدل على التحريم، أي [تحريم] ما رتب عليه ذلك.
وبهذه المناسبة فإني أنصح كل أولئك المغرورين الذين اغتروا بما فعله الكفار من اقتناء الكلاب، وهي خبيثة، ونجاستها أعظم نجاسات الحيوانات، فإن نجاسة الكلاب لا تطهر إلا بسبع غسلات إحداهما بالتراب. حتى الخنزير الذي نص الله في القرآن أنه محرم، وأنه رجس، فنجاسته لا تبلغ هذا الحد.
فالكلاب نجسة خبيثة ولكن مع الأسف الشديد نجد أن بعض الناس اغتروا بالكفار الذين يألفون الخبائث، فصاروا يقتنون هذه الكلاب بدون حاجة وبدون ضرورة. يقتنونها ويربونها وينظفونها مع أنها لا تنظف أبداً، ولو نظفت بالبحر ما نظفت، لأن نجاستها عينية، ثم هم يخسرون أموالاً كثيرة فيضيعون بذلك أموالهم، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال.
فأنصح هؤلاء المغترين أن يتوبوا إلى الله عز وجل، وأن يخرجوا الكلاب من بيوتهم، أما من احتاج إليها لصيد أو حرث أو ماشية فإنه لا بأس بذلك، لإذن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك " انتهى من "فتاوى إسلامية" (4/447) .
وحاصل الجواب: أن صندوق الشركة إذا كان لا يوضع فيه إلا مال المتسابقين على الخيل، فلا حرج في إدارته والعمل فيه. وإذا كان يوضع فيه أموال المتسابقين بالكلاب، أو أموال الرهان على سباقات الخيل والكلاب، فلا يجوز العمل فيه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6530)
حكم بناء المدن السياحية والمشاركة فيها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم قيام شركة مقاولات ببناء مدينة سياحية على البحر، روادها من السياح الأجانب، ومن المواطنين، وفيها الكثير من الأمور المحرمة، كالعري، والخمر، والفاحشة. وفيها أشياء مباحة، مثل: سوبر ماركت، عيادات طبية....إلخ.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
حَرَّم الله تعالى على الناس معصيته، وحَرَّم عليهم أن يتعاونوا على المعصية.
قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2.
وهذه القرى والمدن السياحية ـ وللأسف ـ صارت مرتعاً للكفار والفاسقين، الذين لا يراعون لله حرمة، ولا يرجون لله وقاراً، ولا يعظمون الله حق تعظيمه.
ففي هذه المدن: العري، ودور الملاهي بما فيها من رقص وخلاعة وانحلال، والفاحشة، والمجاهرة بشرب الخمور، وقد يكون في بعضها صالات الميسر.
وهذه كلها أمور محرمة، بل من كبائر الذنوب.
فلا يجوز لمن يؤمن بالله واليوم الآخر فعلها، ولا يجوز له المشاركة فيها أو معاونة من يقوم بها.
وكل معصية ترتكب في هذه المدن، فلمن أنشأها وعاون على إيجادها واستمرار عملها نصيب من الإثم فيها.
حتى الأماكن المباحة فيها كالعيادات الطبية والسوبر ماركت أو مواقف السيارات أو محلات غسيل الثياب، ونحو ذلك، فإنما أنشئت هذه الأماكن لتسهيل المعصية على العصاة، فلا تخلو من الإثم أيضاً.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
أعمل بالشركة العربية للإنشاء والتعمير (قطاع خاص) ، وتقوم الشركة حاليا بإنشاء مدينة سياحية تسمى ... وهي عبارة عن فيلات وشقق وشاليهات، وتطل على البحر مباشرة، بضاحية ... هذه القرية بنيت خصيصا لتستعمل كمصيف لرواد المنطقة، علماً بأنها تقع بين عدة مصايف أخرى، أو بمعنى أصح كل المنطقة الساحلية بضاحية ... تستعمل كمصايف، والناس عندنا الذين يستعملون هذه الأماكن في الصيف فقط لا يلتزمون بشرع أبداً، والدياثة صفة متأصلة فيهم، حيث إنهم يستحمون في البحر بما يسمى: (المايوه) سواء رجال، أو نساء، علماً بأن منطقة ... منطقة متطرفة عن ... والناس فيها أكثر انحلالا وعصيانا لله رب العالمين ...
والسؤال:
1. ما حكم بناء مثل هذه المدن أو القرى حيث استشرى الأمر.
2. ما حكم العاملين بهذه الشركات؟ علماً بأن للشركة مشروعات أخرى داخل البلد.
3. ما حكم العاملين بموقع العمل، سواء مهندسين، أو مقاولين، أو موظفين؟ .
4. ما حكم المهندس المعماري الذي يضع تصميم أمثال هذه المدن؟ .
فأجابوا:
"أولاً: إذا كان الواقع كما ذكر: يَحرم بناء هذه المدن؛ لما في ذلك من التمكين لأهل الفساد على فعله؛ والتعاون معهم على انتشاره.
ثانياً: لا يجوز للمسلم أن يعمل بهذه الشركات في إقامة هذه البيوت، أو المنشآت، وملحقاتها، سواء كان مقاولاً، أم مهندساً مشرفاً على التنفيذ، أو واضعاً للتصميم، أم عاملاً في البناء، أم مديراً للعمل، أم كاتباً ... إلى أمثال ذلك؛ لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان، وانتشار الشر والفساد" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (14 / 440، 441) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6531)
يعمل جابيا في شركة الكهرباء فهل يحق له تغيير العملة المتحصلة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[جابي كهرباء يسأل: شركة الكهرباء التي يعمل فيها تعتبر المائة دولار أربعمائة ريال (مثلاً) ، سواء دفع المشترك المائة دولار أو أربعمائة ريال نفس الشيء. أحيانا في السوق يكون سعر المائة دولار أربعمائة وثلاث ريالات أو أكثر، فهل يجوز للجابي أن يأخذ الدولارات من المشتركين ويصرفها بالريال، ويدفع للشركة عن كل مائة دولار أربعمائة ريال، ويأخذ الباقي له؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جابي الكهرباء والوكيل والمندوب ونحوهم مؤتمنون على ما بأيديهم من الأموال، وليس لهم التصرف فيها إلا بما أذن لهم صاحبها، وقد قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) النساء/58.
فالواجب عليهم أن يؤدوا المال إلى الشركة كما أخذوه من المشتركين، ولا يجوز لهم أن يغيروه من عملة إلى أخرى، فإن فعلوا ذلك، فهذه الزيادة حق للشركة، وليس لهم أن يأخذوا منها شيئاً.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6532)
العمل في شركة استثمارية يشارك البنك في رأسمالها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا الآن أعمل في بنك غير إسلامي وقد نويت تركه. أريد أن أسأل إذا كان علي تركه مباشرة أم بعد ما أجد بديلا؟ مع العلم أني متزوج وهناك مصاريف والتزامات ومعي مبلغ من المال لا أدري إلى متى يمكن أن يعيلني وليس لدي مصدر للمال غير الوظيفة, كما أن دراستي وخبرتي كلها هي في المجال المالي. أود أن أسأل أيضا عن مشروعية العمل في شركات الاستثمار التي بدأ إنشاؤها في الفترة الماضية. هذه الشركات لا تتعامل بالإقراض ولكن رأس مال بعض هذه الشركات يكون من البنوك كشريك في هذه الشركات. سؤالي الأخير حول ما أملكه من أسهم في بنك وماذا علي أن أفعل بهذه الأسهم علما بأنه تم شراؤها منذ مدة ولا أدري كم هو أصل المبلغ المستثمر]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا يجوز العمل في البنك الربوي، لأن العامل فيه إما أن يباشر الربا كتابة أو شهادة، وإما أن يعين على ذلك بوجه من الوجوه. وقد جاء في الربا من الوعيد ما لم يأت في غيره من الذنوب.
وقد أفتى كبار أهل العلم بتحريم العمل في البنوك الربوية، ولو كان العمل فيما لا يتصل بالربا كالحراسة، والنظافة، والخدمة.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (15/41) : " لا يجوز لمسلم أن يعمل في بنك تعامله بالربا، ولو كان العمل الذي يتولاه ذلك المسلم غير ربوي؛ لتوفيره لموظفيه الذين يعملون في الربويات ما يحتاجونه ويستعينون به على أعمالهم الربوية، وقد قال تعالى: (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَان) المائدة/2" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
وانظر جواب السؤال رقم (26771) .
وبناء على ذلك فالواجب عليك أن تبادر بترك هذا العمل المحرم، واعلم أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، وأن المال الحلال القليل يبارك الله تعالى فيه.
ثانيا:
أما العمل في الشركات التي يكون البنك الربوي شريكاً فيها، فهو جائز بشرط أن يكون العمل مباحاً لا علاقة له بالربا.
والأصل في جواز هذه المشاركة أمران: الأول: معاملة الصحابة رضي الله عنهم لليهود مع أكلهم الربا، وانتشاره فيهم.
الثاني: أن المال المحرم لكسبه (كالربا) حرام على كاسبه فقط، فلا حرج على من تعامل مع المرابي تعاملا مباحا من بيع أو شراء أو شركة.
والأولى أن يشارك الإنسان أصحاب الأموال المباحة الناتجة عن كسب طيب.
ثالثا:
لا يجوز شراء أسهم البنوك الربوية، وعلى من ابتلي بذلك أن يتخلص منها، وله رأس ماله.
ويمكنك معرفة رأس المال عن طريق سؤال البنك، فإذا أخذت قيمة الأسهم، احتفظت بأصلها، وتخلصت مما زاد على ذلك بإنفاقه في وجوه الخير والبر.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/508) : "المساهمة في البنوك أو الشركات التي تتعامل بالربا لا تجوز، وإذا أراد المكتتب أن يتخلص من مساهمته الربوية فيبيع أسهمه بما تساوي في السوق ويأخذ رأس ماله الأصلي فقط، والباقي ينفقه في وجوه البر، ولا يحل له أن يأخذ شيئاً من فوائد أسهمه أو أرباحها الربوية " انتهى.
نسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق والسداد والرشاد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6533)
حصل على ترقية في عمله عن طريق الرشوة، فهل راتبه حرام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قضيتي أنني وظفت في مؤسسة إدارية في عام 2000 في غير المنصب الذي يوافق شهادتي الجامعية، وبمرور الوقت شاركت في مسابقات للترقية، للهروب من الضغط الذي كنت أعيشه من طرف رئيس المصلحة، إلا أن كل محاولاتي في الترقية باءت بالفشل، الى غاية 2002 حين عرض علي أحد الأصدقاء دفع مبلغ من المال مقابل الفوز بأحد المناصب من 50، وفعلت ذلك مرغما من جراء ما ذكرت لكم فضيلة الشيخ، وهذا بدون أن أطلب إزاحة أي شخص من الممتحنين، وكما أنوه أن كل الفائزين بهذه المناصب من أصحاب النفوذ!! في الأخير: هل المال الذي أجتنيه من هذا المنصب حرام. مع علمكم أنني تبت إلى الله توبة نصوحا، وتضرعت للمولى عز وجل بأن يبارك في مالي، وإنني أتصدق كل شهر بمبلغ من المال.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أن دفع الرشوة للحصول على وظيفة، محرم على الراشي والمرتشي والرائش، وهو الساعي بينهما، ولا يستثنى من ذلك إلا دفع الرشوة لأجل رفع الظلم، أو التوصل إلى حق إلى يمكن الوصول إليه إلا بالرشوة، فتجوز حينئذ للمعطي، وتحرم على الآخذ.
وراجع السؤال رقم (25758)
وما دامت الوظيفة مبنية على امتحان المتقدمين لها، فالرشوة هنا محرمة؛ لأنه لا فضل لك فيها على غيرك، ولم يتعين الحق لك حتى تبذل رشوة للوصول إليه.
وقد جاء في الرشوة من الوعيد ما يرهب العاقل من الإقدام عليها، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ) .
رواه أبو داود (3580) والترمذي (1336) وابن ماجه (2313) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وإذا كنت قد تبت إلى الله تعالى، وتتصدق ببعض المال، كما ذكرت، فلا حرج في بقائك في هذا المنصب بشرط أن تكون لديك الكفاءة للعمل فيه، لأن تولي غير الكفء هو من خيانة الأمانة، ولا يخفى ضرره على عامة الأمة.
وانظر جواب الأسئلة (26123) ، (60199) ، (69820) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6534)
حكم العمل محاسباً في جريدة تنشر أخبار الممثلين والفنانين
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل محاسبا في جريدة، والجريدة تنشر يوميا صفحة عن أخبار الممثلين والممثلات والمطربين والمطربات، فهل في راتبي شيء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الغالب في أخبار الممثلين والممثلات في فنهم وفي الحديث عن المطربين والمطربات في طربهم الشر والانحراف عن الجادة، وفي ذلك ترويج لفنون اللهو، وإشاعة للفتن والمغريات بالفواحش، ونشر للشر والفساد، وأمثال ذلك مما يدنس الهيئة، ويذهب بالكرامة والقيم الأخلاقية، ولا شك أن العمل في مثل هذا الميدان لا يجوز؛ لما فيه من التعاون على الإثم والعدوان.
وعلى هذا لا يجوز اتخاذه طريقا للكسب، وطرق الرزق كثيرة، فليتق العبد ربه، قال الله تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) الطلاق/2، 3، وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (15/52) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6535)
حكم الاستثمار في مقاهي الإنترنت
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الاستثمار والتجارة في مقاهي الإنترنت؟ مع أنني لا أدري هل المستخدم سيدخل على مواقع مفيدة أو مواقع ضارة محرمة؟ وهناك برامج المحادثات التي تتم والتعارف فيها، وكثيراً ما تكون بين الجنسين، وقد يتم تبادل الصور الإباحية والأفلام والأغاني من خلالها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" إذا كانت هذه الأجهزة يتم لمستخدمها التوصل إلى أمور منكرة باطلة، تضر بالعقيدة الإسلامية، أو يتم من خلالها الاطلاع على الصور الفاتنة، والأفلام الماجنة، والأخبار الساقطة، أو حصول المحادثات المريبة، أو الألعاب المحرمة، ولا يمكن لصاحب المحل أن يمنع هذه المنكرات، ولا أن يضبط تلك الأجهزة – فإنه والحال ما ذكر يحرم الاتجار بها؛ لأن ذلك من الإعانة على الإثم والمحرمات، والله جل وعلا قال في كتابه العزيز: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ صالح الفوزان ... الشيخ بكر أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (26/284) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6536)
العمل في المحاماة في ظل القوانين الوضعية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متخرج من كلية الحقوق، والقوانين المعمول بها عندنا وضعية، وليست الشريعة الإسلامية، إلا في أشياء معينة كقضايا الميراث أو الأحوال الشخصية. فما حكم عملي في المحاماة في ظل هذه القوانين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يجب على حكام المسلمين أن يحكموا بشرع الله تعالى، ولا يحل لهم تنحية شرع الله وتطبيق قوانين من وضع البشر بدلاً منه، فإن هذا يهدم أصلاً من أصول هذا الدين، وهو أنه لا أحد أحسن حكماً من الله تعالى.
قال الله تعالى: (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) يوسف/40.
وقال: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) المائدة/50.
وقال: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) التين/8.
وللأسف عامة الدول الإسلامية ـ إلا ما ندر ـ أعرضوا عن شريعة الله، وأحلوا محلها شريعة الشيطان، متمثلة في القوانين الوضعية التي استوردوها من الغرب.
حتى صارت الأحكام الشرعية الربانية لا وجود لها في أكثر دول المسلمين، حتى المواريث والأحوال الشخصية، امتدت إليها أيدي العابثين وبدلوا فيه وغيروا. (فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ) البقرة/79.
ثانياً:
ليس عمل المحامي كله مخالفاً للشرع، فهناك الاستشارات القانونية، وصياغة العقود، ومجالس الصلح بين الناس، والقوانين التي لا تخالف الشريعة الإسلامية كالنظم الإدارية ونحوها.
حتى القوانين المخالفة للشريعة والتي تحكم بغير ما أنزل الله فصاحب الحق مضطر أن يتحاكم إليها لئلا يضيع حقه، فماذا يفعل من اعتدي على ماله أو عرضه، ولا سبيل له لأخذ حقه إلا عن طريق هذه القوانين الوضعية؟
فلا يمكن منع الناس من التحاكم إلى هذه القوانين، فإن ذلك يجعل الناس يأكل بعضهم بعضاً، وتصير البلاد فوضى، لا يأمن فيها أحد على نفسه أو ماله أو أهله أو حقه.
فلا حرج على صاحب الحق ـ من باب الضرورة ـ أن يتحاكم لتلك القوانين، ولكن إذا حكمت له بأكثر من حقه لم يجز له أخذ الزيادة.
وعلى هذا، ففي البلاد التي لا تحكم بشرع الله يحتاج الناس إلى المحامي الصادق الأمين الذي يتوكل عنهم في القضايا لاسترداد حقوقهم المغصوبة.
فلا حرج من العمل في مهنة المحاماة في تلك البلاد بشرط أن يكون المحامي أميناً صادقاً لا يترافع عن مبطل ظالم مستغلاً ثغرة في القانون الوضعي لإفلاته من العقاب، بل لا يترافع إلا عمن علم أن محق في خصومته.
وهذا يتطلب من المحامي أن يكون على علم بالشرع حتى يعرف به المحق من المبطل، وحتى يمكنه الإصلاح بين الناس وإبرام العقود الموافقة للشرع.
ولو ترك أهل الخير والصلاح العمل في مهنة المحاماة، لخلا الجو لهؤلاء الذي لا أمانة لديهم، ولعلك أخي السائل تعرف منهم الكثير.
نسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6537)
حكم جعل مدح النبي صلى الله عليه وسلم تجارة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم جعل مدح النبي صلى الله عليه وسلم تجارة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"حكم هذا محرم، ويجب أن يعلم بأن المديح للنبي صلى الله عليه وسلم ينقسم إلى قسمين:
أحدهما: أن يكون مدحاً فيما يستحقه صلى الله عليه وسلم بدون أن يصل إلى درجة الغلو، فهذا لا بأس به، أي: لا بأس أن يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم بما هو أهله، من الأوصاف الحميدة الكاملة في خلقه وهديه صلى الله عليه وسلم.
والقسم الثاني: من مديح الرسول صلى الله عليه وسلم قسم يخرج بالمادح إلى الغلو الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح ابن مريم، فإنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله) . فمن مدح النبي صلى الله عليه وسلم بأنه غياث المستغيثين، ومجيب دعوة المضطرين، وأنه مالك الدنيا والآخرة، وأنه يعلم الغيب وما شابه ذلك من ألفاظ المديح فإن هذا القسم محرم، بل قد يصل إلى الشرك الأكبر المخرج من الملة، فلا يجوز أن يمدح الرسول، عليه الصلاة والسلام، بما يصل إلى درجة الغلو لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
ثم نرجع إلى اتخاذ المديح الجائز حرفة يكتسب بها الإنسان فنقول أيضاً: إن هذا حرام ولا يجوز، لأن مدح الرسول صلى الله عليه وسلم بما يستحق وبما هو أهل له صلى الله عليه وسلم من مكارم الأخلاق والصفات الحميدة، والهدي المستقيم مدحه بذلك من العبادة التي يتقرب بها إلى الله، وما كان عبادة فإنه لا يجوز أن يتخذ وسيلة إلى الدنيا، لقول الله تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) هود/15، 16. والله الهادي إلى سواء الصراط" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (1/258) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6538)
هل تسجد على كرسي وتترك السجود على الأرض لعملها في معمل به جراثيم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة أعمل في مجال الأبحاث الطبية ويتطلب مني عملي ارتداء ملابس خاصة، كقناع الوجه ورداء عازل يغطي جميع ملابسي التي أرتديها وارتداء القفازات المطاطية وارتداء بوت خاص، وأحيانا يداهمني وقت الصلاة وأنا أجري تجربة معينة فأقف عند نقطة معينة للصلاة وأقوم بالصلاة وأنا أرتدي هذه الملابس وأستخدم الكرسي للجلوس عليه عند السجود، فأنا لا أستطيع السجود على الأرض لوجود الجراثيم الممرضة. وهذه الغرفة خاصة فلا يدخلها أحد غيري. فهل تكون صلاتي جائزة على هذه الحالة؟ ثم أرسلنا إلى السائلة لتوضيح بعض النقاط: 1- هل يمكن وضع شيء على الأرض يقيك من الجراثيم، وتتمكنين من السجود عليه؟ نعم يمكنني استعمال بعض الأغطية التي يوفرها لنا عملي لإجراء التجارب ولكني عندما أنتهي منها يجب التخلص منها في مكان خاص بالنفايات البيولوجية، وقد أحتاج لغطائين كل يوم، ولكن أليس من المفترض أن هذه الأغطية يوفرها عملي للاستعمال لأجل التجارب وأعتقد أن استعمالها لأمر شخصي لا يجوز ولهذا لا أحب استعمالها. رغم أنني اليوم استعملتها وكنت غاية في السعادة، قد أسأل مسئولي المباشر إذا كان بإمكاني استعمالها لهذا الغرض ولكني أعلم أنه ليس بيده شيء فهذه تعتبر ممتلكات الحكومة وهو مثلي موظف. 2- هل يمكن تغطية وجهك بالقناع أو غيره، والسجود به على الأرض؟ نعم يمكن ذلك ولكني سيظل هناك خوف داخلي، وصدقا هذا والله سيقطع علي خشوعي في صلاتي، التفكير بأنه قد يصلني شيء من هذه الجراثيم. 3- ألا يوجد متسع من الوقت للخروج من هذه الغرفة لأداء الصلاة التي لا تستغرق إلا نحو خمس دقائق؟ أحيانا يكون هناك متسع من الوقت ولكني صراحة قد يكون بسبب كسلي لأنني عند دخولي إلى الغرفة يجب أن أرتدي لباساً خاصاً وعند خروجي يجب علي التخلص منه قبل الخروج، ودخولي مرة ثانية يعني أن ألبس ذلك اللباس مرة أخرى، ولكن هذه أيضا ليست مشكلة وسوف أحاول قدر الإمكان أن أؤدي صلاتي على الشكل المقبول بإذن الله، ولكن أحيانا أخرى لا يمكنني الخروج وقد أستغرق في تجربتي أربع ساعات. 4- ما مدى إمكانية الجمع بين الصلاتين، بحيث يكون لديك وقت خارج هذه الغرفة، تتمكنين فيه من أداء الظهر والعصر معا، أو المغرب والعشاء معا؟ صراحة فيه إمكانية ولكني أحب دائما وأبدا أن أصلي الصلاة في وقتها ولهذا لا أجد ضرورة لجمع الصلاة إذ بإمكاني أن أصليها في أي مكان وعندنا في المستشفى التابع للجامعة مكان للعبادة يمكنني الذهاب إليه للصلاة. فاليوم مثلا صليت الظهر في غرفة الميكروبات والعصر في مكان العبادة. 5- مدى الحاجة والاضطرار إلى هذا النوع من العمل? أنا بعملي هذا أقدم خدمة لمئات الملايين من البشر المصابين بالفيروس الذي أدرسه والذي غالبا ما يؤدي إلى موت المصاب.. فأنا أحاول الوصول لعلاج فعال له يساعد هؤلاء ويخفف آلامهم، أعرف تماما خطورة الدراسة التي أقوم بها ولكن (قل لن يصيبنا إلاّ ما كتب الله لنا) أنا لا أسعى لمنصب ولا شهرة ولا أهتم بالمادة وهذه بالنسبة لي أمور سخيفة ولكني أسعى لمرضاة الله سبحانه وتعالى بكل عمل أقوم به بإذن الله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نشكر لك هذا التوضيح والبيان، ونسأل الله تعالى لك المزيد من التوفيق والعون.
ثانيا:
الصلاة أمرها عظيم، وشأنها كبير، وهي آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين، وقد أمر الله تعالى بالمحافظة عليها وأدائها في أوقاتها، كما قال سبحانه: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) النساء/103، وقال النبي صلى الله عليه وسلم وقد سئل أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ فَقَالَ: (الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا) رواه البخاري (527) ومسلم (85) .
وحذّر سبحانه من التفريط في الصلاة وتضييعها فقال: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) مريم/59.
قال ابن مسعود رضي الله عنه عن الغي: واد في جهنم، بعيد القعر، خبيث الطعم.
وقال تعالى: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ) الماعون/ 4، 5.
فالواجب أن يعتني الإنسان بصلاته، وأن يؤديها في وقتها إلا إذا وجد عذر يبيح له جمع الصلاتين.
والسجود ركن من أركان الصلاة لا يجوز للقادر أن يتركه، ولا تصح صلاة من تركه بغير عذر، وكذلك الجلوس بين السجدتين، والجلوس للتشهدين وللسلام، كل ذلك من أركان الصلاة التي لا تصح بدونها.
وقد تبين من كلامك وفقك الله أنه يمكنك وضع شيء على الأرض يقيك من الجراثيم، ويكفي أن يأذن لك المسئول المباشر باستعمال هذه الأغطية، وإذا كانت الحكومة توفر هذه الأغطية لعملك، فإن من مسؤوليات الحكومة أن توفر لك مكاناً آمناً تصلين فيه، لا سيما وعملك هذا من الأهمية بمكان، لتلك الحكومة ولغيرها، ولذلك لا نرى حرجاً من استعمال هذه الأغطية في الصلاة بعد إعلام المسئول المباشر بذلك.
فإن تعذر الحصول على هذه الأغطية، فنرى أن تضعي القناع على وجهك، وتحسني الظن بالله وتتوكلي عليه فإنه لن يصيبك مكروه إن شاء الله إلا إذا كان خوفك من الجراثيم في هذه الحالة خوفاً حقيقاً له أساس صحيح يبنى عليه، وليس مجرد وساوس أو مبالغة في الخوف والحذر.
وإذا وجدت فرصة للخروج من غرفتك لأداء الصلاة، ففي هذا خروج من الحرج كله، فلن تحتاجي إلى أغطية أو قناع، وما يلحقك من مشقة في ارتداء الملابس ونزعها، أمر ينبغي أن تصبري عليه، ولن يضيع أجرك عند الله تعالى.
وإذا قُدّر انشغالك بتجربة تستغرق وقت الصلاة، جاز لك جمع الصلاة إلى ما يجوز أن تجمع إليه، تقديما أو تأخيرا، ولا يخفى عليك أن ما يجوز جمعه هو الظهر مع العصر، والمغرب مع العشاء فحسب.
وصلاتك في هذه الحالة تعتبر في وقتها لأنه إذا وجد العذر الذي يبيح الجمع بين الصلاتين فإنه يجعل وقت الصلاتين وقتاً واحداً.
وبهذا يتبين لك أن جميع الأمور المذكورة من استعمال الأغطية والقناع والخروج من الغرفة والجمع بين الصلاتين، كل ذلك مقدم على ترك السجود على الأرض، بل لا نرى لك – والحال ما ذكرت- جوازَ ترك السجود على الأرض؛ لعدم وجود العذر الملجئ إلى ذلك.
واعلمي أن من اتقى الله تعالى وفّقه وسدده، ويسر له أمره، فإذا حرصت على أداء الصلاة كما أمرك الله، فستجدين السبيل إلى ذلك بإذنه سبحانه.
ونسأل الله أن يزيدك علما وفقها وهدى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6539)
تقدم لها شاب يعمل موظف استقبال في بنك ربوي
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة أبلغ من العمر 26 عاما، تقدم شاب لخطبتي وقد حصل توافق من جميع النواحي فهو على خلق ويصلي فروضه الخمسة، إلا أن الشاب يعمل في أحد البنوك الربوية، فهو يعمل في البنك كموظف استقبال فقط ولا يعمل أي معاملات مالية وعندما طلبنا منه ترك البنك قال: إنه لم يجد عملا غير هذا بسبب المعاملة السيئة لقبيلته في دولته، وهو حاليا يكمل دراسته ومقدم على وظيفة أخرى، أفتوني هل يجوز الزواج من هذا الشخص؟ وهل علي إثم إذا قبلت بهذا الشخص زوجا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز العمل في البنك الربوي، ولو في الحراسة أو الاستقبال أو الخدمة؛ لما فيه من الإعانة على بقاء البنك وانتظام عمله، وقد قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يجوز العمل في مؤسسة ربوية كسائق أو حارس؟
فأجاب: "لا يجوز العمل بالمؤسسات الربوية ولو كان الإنسان سائقا أو حارسا، وذلك لأن دخوله في وظيفة عند مؤسسات ربوية يستلزم الرضى بها، لأن من ينكر الشيء لا يمكن أن يعمل لمصلحته، فإذا عمل لمصلحته فإنه يكون راضيا به، والراضي بالشيء المحرم يناله من إثمه. أما من كان يباشر القيد والكتابة والإرسال والإيداع وما أشبه ذلك فهو لاشك أنه مباشر للحرام. وقد ثبت من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن آكل الربا، وموكله، وشاهديه، وكاتبه. وقال: هم سواء" " انتهى نقلا من "فتاوى إسلامية" (2/401) .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (15/41) : " لا يجوز لمسلم أن يعمل في بنك تعامله بالربا، ولو كان العمل الذي يتولاه ذلك المسلم غير ربوي؛ لتوفيره لموظفيه الذين يعملون في الربويات ما يحتاجونه ويستعينون به على أعمالهم الربوية، وقد قال تعالى: (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَان) المائدة/2.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. الشيخ عبد الرزاق عفيفي.. الشيخ عبد الله بن غديان.. الشيخ عبد الله بن قعود.
وبناء على ذلك، فإن ترك الخاطب عمله هذا، وانتقل إلى عمل مباح، وكان مرضي الدين والخلق، فلا مانع من قبوله، وإن استمر في عمله، فلا نرى لك الزواج منه؛ لأن العمل المحرم ينتج عنه كسب محرم، ولا يخفى ما لهذا الكسب المحرم من أثر عليك وعلى أولادك وبيتك، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به) رواه الطبراني وأبو نعيم عن أبي بكر، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4519) .
نسأل الله تعالى أن يرزقك الزوج الصالح والذرية الصالحة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6540)
العمل في تقدير قيمة السيارات للبنوك الربوية ولغيرهم
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في مجال بيع السيارات، وأحيانا كثيرة تقوم بعض البنوك الربوية بالاتصال معي لسؤالي والتأكد مني من أسعار بعض السيارات، وذلك للتأكد من سعرها الحقيقي، حتى يعرفوا كيف يعطوا الزبون القادم إليهم قرضاً لشراء تلك السيارة، وهم يثقون بي، ويعرفون أني لا أعطيهم إلا السعر الحقيقي لهذه السيارة، مع أني لا أتعامل معهم، فلذلك قررت أن أفتح مكتباً لتقدير السيارات، بحيث يأتي أي شخص، ويطلب مني تقدير سيارة يود شراءها على أن أعطيه كتاباً خطيّاً بذلك موجهاً لأحد من البنوك الربوية، وبالمقابل يعطيني أجري، فهل هذا جائز؟ وإن كان غير جائز فهل يجوز لي أن أجيب هذه البنوك عن أسعار السيارات إذا اتصلوا معي على الهاتف؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله تعالى أن يهديك لما فيه رضاه، وأن يوفقك لما فيه خير دنياك وأخراك، وأن يرزقك رزقاً حسناً طيِّباً مباركاً فيه.
ونشكر لك حرصك على تحري الكسب الحلال في وقت تكالب فيه الناس على الأعمال والوظائف غاضين الطرف عن حكم الشرع فيما يفعلون، إلا من رحم الله منهم.
وأما بخصوص ما سألتَ عنه:
1. التعاون مع البنوك الربوية بتقدير أسعار السيارات لها: لا يجوز؛ لأنه من التعاون على الإثم، وبفعلك هذا تصبح مساعداً على العقد الربوي المحرَّم الذي سيجري بين البنك وبين الطرف الآخر الراغب في الحصول على ذلك القرض، وقد حرَّمت الشريعة المطهرة الإثم، وحرَّمت الإعانة عليه.
قال الله تبارك وتعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/ 2.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله:
" (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ) وهو التجرؤ على المعاصي التي يأثم صاحبها.
(وَالْعُدْوَانِ) وهو التعدي على الخَلْق، في دمائهم، وأموالهم، وأعراضهم، فكل معصية وظلم يجب على العبد كف نفسه عنه، ثم إعانة غيره على تركه.
(وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) على من عصاه وتجرأ على محارمه، فاحذروا المحارم لئلا يحل بكم عقابه العاجل والآجل" انتهى.
" تفسير السعدي " (ص 218) .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
لدي مكتب متخصص في تحصيل الديون، وأقوم بتحصيلها مقابل أتعاب محددة أتقاضاها بموجب اتفاق مبرم مع صاحب الدين، فهل في هذا محذور؟ ثم إنه تتصل بي بعض البنوك لتطلب مني تحصيل ديونها لدى الغير، ويدفعون لي أتعابا إلا أنني لم أوافق حتى الآن؛ لأستنير برأيكم وتوجيهكم الشرعي؟ ثم هل يشترط أخذ الأتعاب من صاحب الدين قبل أو بعد استحصال مبلغه؟ وهل في تحديد نسبة مئوية من أصل المبلغ كأتعاب أي محذور؟
فأجابوا:
"إذا كانت الديون غير ربوية فلا بأس بأخذ الأجرة على تحصيلها لصاحبها ممن هي عليه، أما الديون الربوية: كمداينات البنوك التجارية، فلا يجوز للمسلم أن يسعى في تحصيلها، ولا أخذ الأجرة على ذلك؛ لأن هذا من التعاون على الإثم والعدوان، ومن إقرار المنكر.
ومبلغ الأجرة ووقت أخذها راجعان إلى ما يصطلح عليه الطرفان؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (المسلمون على شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا) " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (14 / 269،270) .
2. فتح مكتب لتقدير أسعار السيارات للراغبين بشرائها: جائز في الجملة، والحالات التي لا يجوز لك فيها تقدير أسعارها: هي تلك التي تحتوي على عقود محرَّمة كتلك التي تفعلها البنوك والمؤسسات الربوية بعد أخذها تقدير قيمة السيارات، وأما التعامل مع الراغبين بالشراء المباح من البائع نفسه دون وساطات البنوك ومثيلاتها: فلا بأس به، وهو من العمل المباح، ونبشرك بالخير العظيم والأجر الجزيل إن اتقيت ربك تعالى، وتركت العمل المحرَّم مع البنوك والمؤسسات الربوية، واقنع بما يأتيك من حلال ولو قلَّ، ولا تلتفت إلى الحرام وإن كثر وعظُم.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6541)
هل ننصحه بالسفر لبلاد الكفر ليتقوَّى ماديّاً ويرجع لبلده المسلم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أقيم في بلد عربي، والحالة المعيشية لنا لا تمكننا من بناء أسرة في ظل الفساد الخلقي الحاصل عندنا، إذ إنه من شبه المستحيلات أن نوفر مسكناً للزواج، والاستقرار في وقت كثر فيه الفحش، والعري، والإباحيات، وغلاء الأسعار، والكثير من الشباب يهاجر إلى أوروبا أو أمريكا لمواصلة الدراسات العليا، والعمل، والزواج، لتحسين ظروفنا المعيشية، والعودة بعد تكوين أنفسنا ماديّاً، ودراسيّاً للاستقرار في بلداننا، أو في البلدان العربية. هل يعتبر هذا من عدم التوكل على الله؟ أم أنه من باب الأخذ بالأسباب؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يجب على المسلم أن يعتقد اعتقاداً جازماً أن الله تعالى قد قدَّر عليه رزقه في الأزل، وأنه تعالى أمر ملائكته أن يكتبوا رزقه وهو في بطن أمه، وعليه أن يعتقد أنه لن تموت نفسٌ حتى تستوفي رزقها الذي قدَّره الله لها، كما تستوفي أجلها الذي كتبه الله لها، وبذلك جاءت النصوص النبوية الواضحة، وسيأتي ذِكرها بعد قليل.
ثانياً:
ننبه في هذا السياق إلى أمور غاية في الأهمية، منها:
1. ما قلناه آنفاً لا ينافي الأخذ بالأسباب في تحصيل الرزق، والمسلم مأمور ببذل الأسباب التي تأتي له بالمال، لكن لا ينبغي له الاتكال على هذه الأسباب وجعلها مسبِّبات للرزق! .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"فالالتفات إلى الأسباب: شرك في التوحيد، ومحو الأسباب أن تكون أسباباً: نقصٌ في العقل، والإعراض عن الأسباب المأمور بها: قدحٌ في الشرع، فعلى العبد أن يكون قلبُه معتمداً على الله، لا على سبب من الأسباب، والله ييسر له من الأسباب ما يصلحه في الدنيا والآخرة، فإن كانت الأسباب مقدورة له، وهو مأمور بها: فعَلَها مع التوكل على الله، كما يؤدي الفرائض، وكما يجاهد العدو، ويحمل السلاح، ويلبس جنَّة الحرب (الدرع) ، ولا يكتفي في دفع العدو على مجرد توكله بدون أن يفعل ما أمر به من الجهاد، ومَنْ تَرَكَ الأسباب المأمور بها: فهو عاجز، مفرِّط، مذموم" انتهى.
" مجموع الفتاوى " (8 / 528، 529) .
2. لا يجوز للمسلم سلوك الطرق المحرَّمة في تحصيل المال.
3. لا ينبغي للمسلم أن يعيش مع همِّ الرزق، وهمِّ تأمين المستقبل لأولاده – كما يقول كثيرون -، وينذر حياته من أجل هذا الأمر، ومثل هذا الأمر فيه مفسدتان:
أ. أنه يدل على خلل في اعتقاده بأن رزقه مكتوب لا ريب فيه.
ب. أنه قد يجعله يرتكب المحرَّمات من أجل تحصيل المال، كأن يأخذ المال بالربا، أو يعمل في أماكن لا يحل له العمل بها، أو يسافر إلى بلاد الكفر لأجل تحصيل المال.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
هل يعتبر قول المرأة العاملة أو اعتقادها: (أنها تعمل من أجل أن تؤمِّن مستقبلها، ومستقبل أبنائها فيما لو طلقت أو توفي زوجها، فهي لا تدري ما تأتي به الأيام من أمور) : هل يعتبر هذا من القدح في عقيدة القضاء والقدر لدى المسلم؟ .
فأجابوا:
"المسلم يؤمن بقضاء الله وقدره، وأن الله كتب رزقه عند نفخ الروح فيه وهو في بطن أمه، وأن رزقه آتيه لا محالة؛ لما ثبت عن عبد الله بن مسعود قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أحدكم يُجمع خلقه في بطن أمه - إلى قوله -: ثم يبعث الله ملكا بأربع كلمات، فيكتُب عملَه وأجلَه ورزقَه وشقي أو سعيد) الحديث – متفق عليه -؛ ولما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيها الناس اتقوا الله، وأجملوا في الطلب، فإن نفساً لن تموت حتى تستوفي رزقها، وإن أبطأ عنها، فاتقوا الله، وأجملوا في الطلب، خذوا ما حل ودعوا ما حرم) رواه ابن ماجه في " سننه " (ج 2 ص 725) ، ورواه ابن حبان في " صحيحه ".
واعتقاد ذلك والإيمان به لا ينافي أن يسعى الإنسان في طلب الرزق، وبذل الأسباب المشروعة في ذلك، مع عدم الاعتماد عليها، والاعتقاد بأن الرازق، والنافع، والضار: هو الله وحده سبحانه.
وما يجري على ألسن بعض الناس من قوله: " أؤمِّن مستقبلي، أو مستقبل أولادي ": فهذه الألفاظ التي يستعملها من يغلو في الاعتماد على النفس والمناصب والماديات وحدها.
فينبغي للمسلم أن يبتعد عن مثل هذه الألفاظ، التي تقدح في كمال توكله على الله، وفي كمال رجائه لله، وخوفه منه، وأن يلجأ إلى الله سبحانه ويتضرع بين يديه في الشدة والرخاء، مع الأخذ بالأسباب المشروعة، كما أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " 2 (2 / 505 – 507) .
ثالثاً:
السفر إلى بلاد الكفر محرَّم إلا لضرورة علاج، أو تجارة، أو دعوة، لما يؤدي إليه من مفاسد دينيَّة وأخلاقيَّة لا تخفى على أحد.
والذي يعيش في تلك الديار قد يحصِّل مالاً، لكن ذلك – في غالب الأحيان – سيكون على حساب شيء كثير من دينه وسلوكه، وإن نجا هو من ذلك فلن تنجو أسرته من بنين وبنات بسهولة، فهو يخاطر ويغامر، ولكن للأسف يخاطر ويغامر بدينه، وقلَّ من يسلم.
وبما أن الله تعالى جعل لكم باب رزق في بلاد عربية مسلمة: فأنتم في غنى عن ارتكاب محرَّم يُبعدكم عن ربكم تعالى، فالتزم التقوى، واحرص على الفضيلة، ولا تلتفت لبناء دنيا على حساب دين، ولا تعمِّر دنياك بخراب آخرتك.
واعلم أن كثيرين عضوا - ويعضون - أصابع الندم على ذهابهم لتلك البلاد، وعدم قدرتهم على الرجوع لبلادهم، إما فتنة بالحياة هناك والمال، وإما بسبب عجزه وضعفه بسبب كبر أولاده، وعدم القدرة على السيطرة عليهم، فانظر إلى الهالك كيف هلك ولا تسلك طريقه، وانظر إلى الناجي كيف نجا واحرص على المشي على طريقه.
سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
هل تجوز الهجرة إلى بلاد الكفر للعمل فيه، وهل يجوز أخذ جنسية غير جنسية إسلامية؟ .
فأجابوا:
"إذا أردت العمل وطلب الرزق: فعليك بالسفر إلى بلاد المسلمين لأجل ذلك، وفيها غنية عن بلاد الكفار؛ لما في السفر إلى بلاد الكفر من الخطر على العقيدة، والدين، والأخلاق، ولا يجوز التجنس بجنسية الكفار؛ لما في ذلك من الخضوع لهم، والدخول تحت حكمهم" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (12 / 58) .
وقد بيّنا في جوابي السؤالين (13342) و (59897) حكم السفر والإقامة في بلاد الكفر، فلينظرا.
ونسأل الله تعالى أن يرزقك رزقاً حسناً، وأن يوفقك لما فيه رضاه، وأن يثبتك على الحق، وأن يجمع شملك مع أسرتك على طاعته.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6542)
الحج بمال أخذه من العمل في شركة تنتج الدخان
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل مهندسا في شركه للأدخنة لإنتاج المعسل، وكذلك زوجتي تعمل بنفس الشركة، ويوجد جمعية لتيسير الحج قمت بالاشتراك فيها منذ فترة طويلة، والحمد لله أمكن لنا أن نخرج للحج السياحي، وليس لنا مورد آخر غير هذا المرتب من تلك الشركة وعمرنا تجاوز الخمسين الرجاء معرفة هل هذا حلال مع أنه كل دخلنا حلال من عملنا؟ وللعلم قد حصلت وزوجتي على تذاكر السفر للحج ولا يسمح بإرجاعها أرجو سرعة الرد وأرجو عدم التعجل بالتحريم ولله الأمر من قبل ومن بعد.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
شرب الدخان والشيشة محرم؛ لما فيهما من المضرة والخبث، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (45271) .
وما كان محرما شربه واستعماله، لم يجز تصنيعه ولا بيعه ولا الإعانة على ذلك.
وعليه فالعمل في شركة إنتاج المعسّل عمل محرم، والراتب الناشيء عنه محرم كذلك.
والواجب عليكما أن تتوبا إلى الله تعالى، بترك هذا العمل، والندم على ما فات، والعزم على عدم العود إليه.
وإذا كنت لا تعلم بأن شرب الدخان حرام، أو تقلد بعض المفتين المتساهلين في هذا، فنرجو ألا يكون عليك حرج فيما مضى، ويكون المال الذي معك حلالاً لك.
أما إذا كنت تعلم أن شرب الدخان محرم، فيلزمكم التخلص من هذه الأموال بإنفاقها في وجوه الخير والمصالح العامة للمسلمين، إلا أن تكون محتاجاً فتأخذ منها قدر حاجتك، وينظر جواب السؤال رقم (78289) .
ثانيا:
الواجب على من أراد الحج أَنْ تكون نفقته حلالاً طيبةً، ويُخشى على من حج بمال حرام ألا يتقبل الله تعالى حجه؛ لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلا طَيِّبًا) رواه مسلم (1015) .
لكن إذا كنتما حصلتما على رخصة الحج وتذاكر السفر التي لا يمكن إرجاعها، فنرى أن تحجا، وتعتبرا هذا المال قرضا، فتخرجا بدله حين يمنّ الله عليكما – ولو بعد مدة - وتصرفاه في وجوه الخير والبر، وبهذا يرجى قبول حجكما، مع التوبة إلى الله تعالى والعزم على ترك العمل المحرم.
ولا يخفي عليك أيها الأخ الكريم أن الرزق بيد الله تعالى، وأنه يعطي عباده الصالحين، ويرزق أولياءه المتقين، فليكن رجاؤك فيما عند الله عظيما، نسأل الله تعالى أن يتقبل توبتكما وحجكما، وأن يزيدكما من فضله وإحسانه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6543)
العمل في إدارة تشرف عليها وزارة وهذه الوزارة تشرف على الضرائب والجمارك
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم العمل في إحدى الإدارات الحكومية كتقني في الإعلام الآلي، وهي إدارة مكلفة بالتخطيط والتهيئة العمرانية لإقامة مختلف المشاريع السكنية والصناعية التي تنجزها الدولة لفائدة المواطنين، وهذه الإدارة أصبحت الآن تابعة لمديرية الميزانية بوزارة المالية بعدما كانت تابعة لوزارة التخطيط، مع العلم أن وزارة المالية تشرف على مديريات مختلفة من بينها مديرية أملاك الدولة ومسح الأراضي ومديرية الميزانية وكذلك مديرية الضرائب ومديرية الجمارك، فما حكم العمل والراتب وكل المنح التي أكسبها في هذه الإدارة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في عملك المذكور، ولا يضرك كون الإدارة تشرف عليها وزارة المالية التي تشرف على مديرية الضرائب والجمارك، فالمعتبر هو سلامة العمل التي تقوم به من المخالفات الشرعية، فإذا كان العمل مباحا جازت ممارسته، وحلّ راتبه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6544)
يعمل في مشروع إنشاء بنك ربوي ولو تركه ربما فصل من عمله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مهندس أعمل موظف في مكتب استشاري في القاهرة وقد أسند إلي المكتب منذ حوالي العام والنصف مهمة العمل في مشروع إنشاء بنك ربوي للأسف ولكني طلبت من المسؤول في المكتب أن يسند إلي العمل في مشروع آخر لأني أخشى أن يكون هذا العمل حراماً فأخبرني حينئذ أنه لا يوجد عمل آخر فسألته إن كان هناك مشروع سيبدأ في خلال شهور قريبة فقال لي لا. (علماً بأن مهمتي هي الفصل في مستحقات المقاول الذي قام بالبناء ولا تتعلق بالإشراف على العمل التنفيذي) . شعرت وقتها أني مضطر للعمل بالمشروع حيث إني متزوج وأب لثلاثة أولاد وليس لدي مصدر دخل آخر غير المرتب، وبدأت العمل في المشروع وظللت أبحث في المواقع الإسلامية على النت ما يفصل في مشروعية عملي هذا، وقد وجدت حكماً وقتئذ شعرت معه أنه قريب من حالتي وهي أن الحارس الذي يعمل في حراسة البنك الربوي يكون عمله جائزاً أو مكروهاً فقط وليس محرماً إن كان لا يجد عملاً آخر، فاطمأن قلبي وقتها واستمريت بعملي وأنا أحمد الله أني لم أغضبه. ولكن منذ حوالي ثلاثة أشهر تقريباً راودني إحساس بأن تلك الوظيفة يشوبها شيء فبدأت بإرسال الاستفتاءات للمواقع الإسلامية لكي أتيقن من هذا الخاطر وقد رد على سؤالي أحد المشايخ بأن عملي هذا يحرم. منذ ذلك الحين وأنا أشعر بالذنب وأن مالي يشوبه الحرام وهذا مالا أتحمله ولكن المشكلة أن طبيعة عملي تلك تجعل كل تفاصيل وخيوط العمل معي والمشروع قد أوشك على الانتهاء وأصبح موقف مكتبي حرج جداً في حال انسحابي من المشروع في تلك المرحلة الحرجة أمام مالك المشروع وبالتبعية موقفي أمام مكتبي سيكون أشد حرجاً وأنا الآن لا أعرف ما هو الحل الصحيح لتلك المشكلة والذي أسألكم لأجله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا يجوز العمل في إنشاء البنوك الربوية، ولا الإعانة على ذلك بوجه من الوجوه؛ تنفيذا أو إشرافا أو تخطيطا أو غير ذلك، لما تقرر في الشريعة من تحريم الربا ولعن فاعله وشاهده وكاتبه، والبنك الربوي مؤسسة تقوم على هذا الربا وترعاه وتنشره وتدعو الناس إليه، فإنشاء هذا البنك أعظم ولاشك من الوقوع في معاملة ربوية معيّنة، والقائمون على ذلك معرضون للعقاب الشديد، والحرب من الله ورسوله، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278-279.
وروى مسلم (1598) عن جابر قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا، ومؤكله، وكاتبه، وشاهديه. وقال: هم سواء.
وقد أفتى كبار أهل العلم بتحريم العمل في البنوك الربوية، ولو كان العمل فيما لا يتصل بالربا كالحراسة، والنظافة، والخدمة.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (15/41) : "لا يجوز لمسلم أن يعمل في بنك تعامله بالربا، ولو كان العمل الذي يتولاه ذلك المسلم غير ربوي؛ لتوفيره لموظفيه الذين يعملون في الربويات ما يحتاجونه ويستعينون به على أعمالهم الربوية، وقد قال تعالى: (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَان) المائدة/2" انتهى.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يجوز العمل في مؤسسة ربوية كسائق أو حارس؟
فأجاب: "لا يجوز العمل بالمؤسسات الربوية ولو كان الإنسان سائقا أو حارسا، وذلك لأن دخوله في وظيفة عند مؤسسات ربوية يستلزم الرضى بها، لأن من ينكر الشيء لا يمكن أن يعمل لمصلحته، فإذا عمل لمصلحته فإنه يكون راضيا به، والراضي بالشيء المحرم يناله من إثمه. أما من كان يباشر القيد والكتابة والإرسال والإيداع وما أشبه ذلك فهو لاشك أنه مباشر للحرام. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لعن آكل الربا، وموكله، وشاهديه، وكاتبه. وقال: هم سواء" انتهى نقلا عن "فتاوى إسلامية" (2/401) .
وبهذا تعلم أن عملك المذكور لا يجوز، وأنه يجب عليك الخروج منه، والتوبة إلى تعالى، والحذر من مقته وغضبه، وأن من أفتاك بأن عملك محرم قد أصاب.
ثانيا:
كون المشروع في مراحله الأخيرة، وكون خروجك سيسبب إحراجا للشركة، وربما أدى إلى فصلك من العمل، كل ذلك لا يبيح لك الاستمرار فيه، بل الواجب تركه، لان إنشاء البنك الربوي من أعظم المنكرات، كما عُلم مما سبق، وأبواب الرزق الحلال كثيرة، ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، فينبغي أن يعظُم توكلك على الله ورجاؤك فيما عنده وثقتك فيما أعده لعباده الصالحين المتقين، فإنه أخبر سبحانه أنه يحبهم، وأنه معهم، وأنه يرزقهم، وأنه يحسن إليهم، ويفرّج عنهم، وهو مالك الملك جل وعلا، لا تنزل قطرة من السماء إلا بأمره، ولا يأتيك درهم حتى يأذن فيه سبحانه، فَلِمَ تخاف؟ ومِمَّ تخاف؟!
قال الله سبحانه: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) الذاريات/22، 23، وقال سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) الذاريات/58، وقال تعالى: (مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) النحل/96، وقال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق/2، 3.
وقال صلى الله عليه وسلم: (إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها، وتستوعب رزقها، فاتقوا الله، وأجملوا في الطلب، ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله، فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته) رواه أبو نعيم في الحلية من حديث أبي أمامة، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 2085
فبادر بالتوبة والرجوع إلى الله، وأعلن براءتك من الربا والقائمين عليه، ثم إن وجدت عملا مباحا في شركتك فانتقل إليه، وإلا فابحث عن غيره، ولن تضيع، فإن الله سبحانه لا يضيع أجر المحسنين.
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد والرشاد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6545)
هل يوظف نساء لاستقبال المراجعين في المستوصف الطبي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي مستوصف طبي خاص، فهل يجوز لي أن أوظف نساء لاستقبال المراجعين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان سيتم فصل النساء عن الرجال في المستوصف، وتعمل هذه الموظفة في القسم النسائي، ولا تختلط بالرجال، ولا تستقبلهم، ولا تتحدث معهم، فلا حرج من عملها في هذا القسم.
أما إذا كانت ستستقبل الرجال والنساء، وتتحدث معهم، وتجلس بجوار الرجال العاملين معها في المستوصف، فإن عملها لا يجوز، لما يؤدي إليه هذا العمل من نزع الحياء عنها شيئاً فشيئاً، ولا بد، وتعريضها وتعريض الرجال العاملين معها وغيرهم للفتنة، والواجب: سد باب الفتنة، ودفعها قبل أن تقع، والبلاد التي اختلطت نساؤها برجالها في العمل - الإسلامية وغيرها – قد انتهى أمرها إلى ما هو معلوم من الشر والفساد، وكثرة اللقطاء وحالات الطلاق بسبب العلاقات المحرمة، والتي كان من أكبر أسبابها اختلاط النساء بالرجال.
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
هل يجوز العمل للفتاة في مكان مختلط مع الرجال - علماً بأنه يوجد غيرها من الفتيات في نفس المكان -؟ .
فأجاب:
" الذي أراه أنه لا يجوز الاختلاط بين الرجال النساء بعمل حكومي، أو بعمل في قطاع خاص، أو في مدارس حكومية، أو أهلية؛ فإن الاختلاط يحصل فيه مفاسد كثيرة، ولو لم يكن فيه إلا زوال الحياء للمرأة وزوال الهيبة من الرجال؛ لأنه إذا اختلط الرجال والنساء أصبح لا هيبة عند الرجال من النساء، ولا حياء عند النساء من الرجال، وهذا (أعني الاختلاط بين الرجال والنساء) خلاف ما تقتضيه الشريعة الإسلامية، وخلاف ما كان عليه السلف الصالح، ألم تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل للنساء مكاناً خاصاً إذا خرجن إلى مصلى العيد لا يختلطن بالرجال، كما في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم حين خطب في الرجال نزل وذهب للنساء فوعظهن وذكَّرهن، وهذا يدل على أنهن لا يسمعن خطبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أو إن سمعن لم يستوعبن ما سمعنه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ألم تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها، وخير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها) ؟ وما ذاك إلا لقرب أول صفوف النساء من الرجال فكان شر الصفوف، ولبعد آخر صفوف النساء من الرجال فكان خير الصفوف، وإذا كان هذا في العبادة المشتركة فما بالك بغير العبادة، ومعلوم أن الإنسان في حال العبادة أبعد ما يكون عما يتعلق بالغريزة الجنسية، فكيف إذا كان الاختلاط بغير عبادة؟ فالشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فلا يبعد أن تحصل فتنة وشر كبير في هذا الاختلاط، والذي أدعو إليه إخواننا أن يبتعدوا عن الاختلاط، وأن يعلموا أنه من أضر ما يكون على الرجال، كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء) .
فنحن والحمد لله - نحن المسلمين - لنا ميزة خاصة يجب أن نتميز بها عن غيرنا، ويجب أن نحمد الله - سبحانه وتعالى – أن منَّ علينا بها، ويجب أن نعلم أننا متبعون لشرع الله الحكيم، الذي يعلم ما يصلح العباد والبلاد، ويجب أن نعلم أن من نفروا عن صراط الله عز وجل وعن شريعة الله فإنهم على ضلال، وأمرهم صائر إلى الفساد، ولهذا نسمع أن الأمم التي كان يختلط نساؤها برجالها أنهم الآن يحاولون بقدر الإمكان أن يتخلصوا من هذا، ولكن أنَّى لهم التناوش من مكان بعيد، نسأل الله تعالى أن يحمي بلادنا وبلاد المسلمين من كل سوء وشر وفتنة " انتهى.
"فتاوى إسلامية" (3/93، 94) .
وقال الشيخ الفوزان حفظه الله:
" عمل المرأة يجب أن يكون في حدود المشروع، وأن يكون بعيداً عن الفتنة، وبعيداً عن الاختلاط بالرجال غير المحارم، فلا يكون كما عليه النساء الكافرات والمشتبهات بهن من نساء المسلمين، فيجب الابتعاد عن هذا العمل الذي يجر إلى الفتنة ويوقع في المحذور، تعمل المرأة ما يليق بها في غير فتنة ومع التحفظ والاحتشام " انتهى.
"المنتقى من فتاوى الفوزان" (4/28) .
فالاختلاط بين الرجال والنساء محرم، وفي جواب السؤال رقم (1200) ذكرنا الأدلة على ذلك من الكتاب والسنة، وبعض الدراسات المعاصرة التي تثبت خطورة الاختلاط وآثاره السيئة، حتى على الشريفات العفيفات.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6546)
حكم عمل المهندس يختلف باختلاف البناء القائم على تخطيطه وإنشائه
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل مهندس معماري في شركة، الآن لديها مشروع ذو مساحة كبيرة جدّاً (مدينة مصغرة في ضواحي العاصمة) ، تحتوي مرافق متنوعة جدّاً (سكنية وسياحية وتجارية وتعليمية وفولكلورية وعلاجية ... إلخ) ، وكما تعلمون فإنَّ المرافق السياحية وتلك المتعلقة بالبنوك الربويه ستقع فيها الكثير من المحرمات، وأن معظم شركات بلدي تقوم بتصميمها، ولكن - بحمد الله وفضله - أن الشركة التي أعمل بها تقدر المبدأ العقائدي الذي أعمل به وأحافظ عليه من خلال اليقين به، والبعد عن المحرمات (والله المستعان) ، فهم قد أشاروا أن أكون مسئولاً عن تصميم وإدارة بناء المرافق السكنية، والعلاجية في المشروع أعلاه دونما تدخُّل مباشر بأي محرمات - إن شاء الله -، مع العلم أن مساحة المرافق السكنية أكبر بكثير من المحرمة , والله أعلم , ما حكم عملي بالمشروع أعلاه كون المرافق الحلال ستبنى في تجمع عمراني واحد مع المرافق السياحية، والمرافق المحرمة؟ وهل يجوز تصميم الفنادق التي قد تكون في مشاريع ذات نفس الطبيعة (تجمع عمراني متنوع) ولكنها ذات أربع نجوم، أي: لا تقدم خمور ونزلاؤها من العائلات؟ وهل من الجائز القيام على تطوير أنظمة العمل والإدارة للمشاريع ومساعدتهم على إنشاء فرع للشركة في دولة مجاورة لمثل هذه الشركات التي تقوم بالأعمال الحلال والحرام بنفس الوقت دون التدخل المباشر بما هو حرام؟ نرجو النصيحة الشاملة حول أسس عمل المهندس في نطاق هذه النهضة العمرانية في المنطقة في ضوء اختلاط الحلال بالحرام كما في المثال أعلاه.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من يعمل في الهندسة تخطيطاً، أو إشرافاً، أو صيانة، لا يخلو عمله من ثلاث حالات:
الأولى: أن تكون مشاركته في أبنية محرمة، كالبنوك، ومصانع الخمور، والقرى السياحية، والكنائس، وما يشبه ذلك من أماكن المعصية أو الكفر، فحكم هذا الفعل واضح بيِّن، وهو التحريم، ونعني به تحريم جميع أنواع المشاركات في قيام بنائه، وهو داخل في التعاون على الإثم والعدوان، وقد نهى الله تعالى عنه فقال: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2.
وينظر تفصيل ذلك في جواب السؤال رقم: (47513) .
الثانية: أن تكون مشاركته في أبنية شرعية أو مباحة، كالمساجد، والمساكن، والفنادق التي لا تستعمل في معصية الله، وحكم هذا: الإباحة، ولا خلاف في ذلك بين أهل العلم.
والثالثة: أن تكون مشاركته في أبنية أو أمكنة تجمع الحلال والحرام، كبناء مدينة متكاملة، فيها المساجد والمساكن، وفيها الكنائس والبنوك وأماكن السياحة، وحكم هذا: أنه لا يحل له الاشتراك في تخطيط الأماكن المحرمة، ولا الإشراف عليها، ولا صيانتها، ويحل له ما كان منها أماكن وأبنية مباحة الإنشاء والوجود.
وانظر جواب السؤال رقم: (82292) .
وما قلناه عن عمل " المهندس " ينطبق على " المحاسب "، و " العامل "، وغيرهما ممن يعملون في القطاع العام أو الخاص، وممن يتعرضون في عملهم لمهام فيها حرام، مع كون أصل عملهم مباحاً، فلا حرج عليه من المشاركة في العمل المباح الذي لا حرام فيه، وعليه اجتناب العمل المحرم، فلا يشارك فيه بوجه من الوجوه، وإذا خشي ألا يتمكن من اجتناب الحرام، فالذي ينبغي له ترك هذا العمل، والبحث عن عمل حلال لا حرام فيه.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
أمامي فرصة للعمل في مكاتب المحاسبين والمراجعين الماليين، والتي تقوم - من بين أعمالها الطبيعية - بمراجعة وتسوية حسابات شركات التأمين، والبنوك الربوية، وغير الربوية، وكذا الإشراف على حسابات الملاهي، وشركات السياحة الفندقية، فهل يجوز لي شرعا التقدم لشغل وظيفة بها أحصل منها على راتب شهري؟ علماً بأن مؤهلي يتناسب مع تلك الوظيفة.
ملحوظة: ومعلوم لدي أن هذه المكاتب لا تقتصر أعمالها على شركات التأمين، والبنوك الربوية، والشركات السياحية، والملاهي، بل تشرف أيضا حسابيّاً على شركات الاستثمار التجارية، والمهن الحرة الشريفة البحتة، مثل: الأطباء، والمهندسين، والمعلمين، وذوي الحرف اليدوية، لذا أرجو إجابة فضيلتكم على سؤالي هذا حتى يطمئن قلبي وأقر بالاً.
فأجابوا:
"إذا كان واقع المكاتب التي تريد العمل بها كما ذكرت، من قيامها بمراجعة، وتسوية حسابات شركات التأمين، والبنوك الربوية، والإشراف على حسابات الملاهي: فلا يجوز لك العمل لديها في هذه الأمور؛ لأن العمل فيها تعاون مع أهلها على الإثم والعدوان، قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/ 2.
أما إن كان عملك سيكون في غير ما ذكر، من الأشياء المباحة، كحسابات أصحاب المهن الحرة، والأطباء: فلا بأس بذلك، والأولى الابتعاد خشية المشاركة في الأعمال المحرمة المذكورة آنفاً" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (15 / 6، 7) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6547)
هل يعمل طبيباً في مدينة سياحية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل طبيباً بشريّاً في مدينة الغردقة السياحية بمصر، في عيادة خاصة لي، وجميع المرضى الذين أقوم بالكشف عليهم هم من الأجانب الأوروبيين، والسائحين الذين يأتون إلى المدينة للسياحة، وأحصل على أجر هذا العمل من شركات التأمين على الصحة المسئولة عن تأمين هذه الأفواج السياحية في حاله تعرضهم للمرض خارج بلادهم. أفتوني أفادكم الله فيما يلي: 1. هل الإقامة في هذه المدينة حلال أم حرام؟ حيث إني سمعت أنه لا يجوز الإقامة في هذه المدن السياحية؛ لما هو معروف من حالها، وكثرة الملهيات بها، ولا الإعانة على إعمارها أصلاً، حتى وإن كنت بعيداً عن أماكن اللهو فيها. 2. هل هذا العمل حلال أم حرام؟ مع العلم أن كل المرضى هم من غير المسلمين الأجانب السائحين، ولكني أعمل كطبيب، وأجتهد في الالتزام بحدود الشرع في أداء مهنتي من تجنب الاختلاط، وكشف العورات إلاَّ عند الحاجة. 3. هل هذا المال الذي أحصل عليه من شركات التأمين الأجنبية نظير الخدمة حلال أم حرام؟ مع العلم أن هذا النظام للتأمين على الصحة لكل الأفراد القادمين هو المعمول به في كل البلدان الأوروبية، وهو الطريقة الطبيعية لديهم لدفع تكاليف العلاج. أرجو الإجابة على كل نقطة على حدة، وتوضيح الدليل الشرعي كي يطمأن قلبي إلى الحلال والحرام في عملي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نأسف أشد الأسف، ونحزن غاية الحزن أن يكون واقع القرى والمدن السياحية في كثير من بلاد المسلمين هو ما يُرى ويُسمع من حالها، فلا تكاد معصية ولا منكر لا يوجد بها، وكل ذلك بحماية الدولة ورعايتها، وليعلم القائمون على تلك القرى والمدن أنهم آثمون، وأن كل منكر يُفعل في تلك المدن والقرى فإنهم شركاء مع فاعله في الإثم، وكذا من حماها ورعاها وأعان على وجودها واستمرارها.
ثانياً:
العمل في تلك المدن والقرى السياحية لا يخلو – غالباً – من حالين:
الأولى: أن يكون العمل في تخطيطها، وإنشائها، وعمارتها، وصيانتها، وحراستها.
والثانية: أن يعمل المسلم فيها بائعاً في بقالة، أو موظفاً في دائرة، أو طبيباً في عيادة.
1. أما حكم أصحاب الحال الأولى: فإنه لا ينبغي التردد في حرمة تلك الأفعال، ودخول صاحبها في إيجاد المنكر وأماكن اللهو المحرَّم، وهم شركاء فيما يكون فيها من منكرات وآثام، وهو – أيضاً – من التعاون على الإثم والعدوان.
وقد سبق بيان تحريم ذلك في جواب السؤال رقم (112024) .
2. وأما حكم الحال الثانية: فهؤلاء وإن لم يكونوا سبباً في إيجادها: فإنهم سبب في استمرارها وقيامها بالمهام التي أنشئت من أجلها، فلولا هؤلاء لما استمرت تلك المدن والقرى السياحية؛ لأن روادها بحاجة لخدمات ليستمروا في لهوهم ومعاصيهم، فوجود البقَّال، والطبيب، ومحلات صيانة الأجهزة، ومحلات غسل الملابس وكيها، وغير ذلك، مما يعين هؤلاء على معاصيهم.
وهؤلاء - بالإضافة إلى كونهم سبباً في استمرار تلك القرى والمدن في أعمالها - فإنهم لا ينفكون عن رؤية المحرمات، من التبرج، والسفور، وشرب الخمور، وغير ذلك من المنكرات.
وقد سبق في جواب السؤال رقم (82402) بيان حكم العمل في مجال السياحة.
ثالثاً: نجيب على أسئلتك كلٌّ على حدة كما طلبت.
أما الإقامة في هذه المدن، فإن كانت لمشاركة أو معاونة لأهلها. فلا شك أنها حرام، لقول الله تعالى: (وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2.
وإن كانت الإقامة لعمل مباح كعلاج المرضى، أو البيع في محلات البقالة أو غسيل الثياب ونحو ذلك، فلا يخلو هذا العمل من محرم أيضاً، لأن فيه إعانة لهؤلاء العصاة على معصيتهم، وتسهيل المعصية لهم.
وأيضاً: لا يخلو المقيم في هذه الأماكن من رؤية المحرمات، فهل سينكرها وينكر على أهلها؟ أم يسكت، وقد يرضى بفعلهم.
وأما العمل في هذه المدن، فقد سبق الجواب عليه في النقطة السابقة.
وأما المال الذي تحصل عليه من شركات التأمين، فالتأمين التجاري بجميع صوره محرم، وهذا التحريم إنما هو للمتعاقدين (المؤمِّن، والشركة المؤمنة عليه) .
أما الطرف الثالث الذي يأخذ أجره من شركة التأمين، فالذي يظهر أن أجره حلال له، ولكن سبق أن هذا العمل فيه إشكال من وجه آخر وهو معاونة العصاة على معاصيهم.
والخلاصة:
نرى أن الله قد أكرمك بعمل شريف، وهو علاج المرضى، ونرى حرصك على تحري الحلال، فلا نظن فيك إلا خيراً، وهذه الأماكن المنكرة لا تليق بأهل الفضل والخير؛ لما فيها من فتن ومنكرات، والنفس ضعيفة لا تحتمل رؤيتها إلا مع فتنة ونقص إيمان، فلا نرى عملك في ذلك المكان لائقاً بك، فدعه لله، واحتسب تركه لله عز وجل، ونسأل الله أن يعوضك خيراً منه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6548)
هل يدفع رشوة لطبيب ليحصل على تقرير طبي يعفيه من العمل المحرَّم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[مشكلتي تتلخص في كوني قدمت استقالتي من عملي - " الجيش " -؛ وذلك للمحرمات التي فيه، من حلق للحية، والوقوف للضباط، وطاعتهم إجباراً، ولو في معصية الله، وعدم الأمر المعروف والنهي عن المنكر، وغيرها من المحرمات التي لا تخفى عليكم، إلا أن استقالتي رُدت إليَّ، فلم يبق لي سوى طريقتين للخروج وإلاَّ أنتظر ثلاث سنوات أُخر لتنتهي عقدتي، وأخرج بأمان، الطريقة الأولى: الفرار من الجندية، والذي سيترتب عليه سجني، وعدة مفاسد أخرى مع عائلتي، الطريقة الثانية: أن أعطي مبلغاً من المال إلى طبيب عسكري مقابل أن يعطيني شهادة طبية تثبت عدم قدرتي على العمل في الجندية، وبالتالي يقومون بإخراجي، وسيعطوني تقاعداً تبعاً للسبع السنوات التي عملتها معهم، وبعد تضييق الخناق علينا في العمل وإلزامنا بعدة ملزمات كعدم حضور حِلق الذكر وأشياء ما أنزل الله بها من سلطان أستحيي من ذكرها، وحذرونا من فعلها، وبالفعل طردوا أحد إخواننا الملتزمين، وبدؤوا بمطاردة الملتزمين، وذلك ببث الجواسيس، فاضطررت إلى عرض هذه الطريقة على شيخ أثق به فأفتاني بفعلها، فنسألكم أن تفيدونا في الموضوع.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
العمل في الوظائف - سواء الحكومية أو الخاصة – التي يُلزم الموظف فيها بترك واجب شرعي، أو وقوع في معصية: لا يجوز، وقد نوَّع الله تعالى أسباب الرزق وكثَّره، فلا يُعدُّ الموظف معذوراً بقبوله تلك الوظيفة والحال ما ذكرنا.
وإعفاء اللحية واجب شرعي، وحلقها محرم، وقد بيَّنا في جواب السؤال رقم (1189) حكم حلق اللحية وأن حلقها من المحرمات، وطاعة الله ورسوله تقدَّم على طاعة كل أحد، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وقد بيَّنا في جواب السؤال رقم (5481) حرمة حلق اللحية حتى بالنسبة لمن أراد أن يعمل طياراً.
وعلى المسلم أن يحرص على الجمع بين الوظيفة الحلال وإعفاء اللحية، فإن كان لا بد من أحد الأمرين فلا يقدِّم وظيفته على أمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، و" من ترك شيئا لله عوَّضه الله خيراً منه ".
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة: هل يجوز الدخول في أمر يتطلب الدخول فيه حلق اللحية وعدم التمكن من تأدية بعض الصلوات في أوقاتها، وطاعة الأوامر العسكرية فيما حرم الله؟ .
فأجابوا:
" لا يجوز للمسلم أن يدخل في أمر يستلزم هذه الأشياء أو بعضها؛ لأنها معاص لله ورسوله، وإن أجبر بدون اختياره وأدخل بقوة السلطان فالأمر ليس إليه، ونرجو أن يجعل الله له فرجاً ومخرجاً، فهو القائل سبحانه: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) الطلاق/1-2، والقائل سبحانه: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) الطلاق/4.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء" (1/534) .
وفي جواب السؤال رقم (8230) ذكرنا فتوى الشيخ ابن باز في حرمة حلق اللحية لمن يعمل في الجيش، وقال الشيخ - رحمه الله - فيها:
" فإذا كنت في عمل تلزم فيه بحلق لحيتك فلا تطعهم في ذلك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) ، فإن ألزموك بتركها: فاترك هذا العمل الذي يجرك لفعل ما يغضب الله، وأسباب الرزق الأخرى كثيرة ميسرة ولله الحمد، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه " انتهى.
وفي جواب السؤال رقم (8797) ذكرنا فتوى اللجنة الدائمة، وفيها:
" أولا: يحرم حلق اللحية، ويجب إعفاؤها.
ثانيا: لا تجوز تحية العلم.
ثالثا: يجب الحكم بشريعة الإسلام، والتحاكم إليها، ولا يجوز للمسلم أن يحيي الزعماء أو الرؤساء تحية الأعاجم؛ لما ورد من النهي عن التشبه بهم، ولما في ذلك من الغلو في تعظيمهم " انتهى باختصار.
ثانياً:
يجب على من دخل تلك الوظائف التي يرتكب فيها المعاصي والآثام أن يبادر للخروج منها، وليحتسب ذلك عند ربه تعالى، وقد كان السلف الصالح من الصحابة فمن بعدهم من القرون الفاضلة أكثر الناس التزاماً بالشرع، وتركاً للمحرَّم وإن كان لهم فيه نفع، أو كانت نفوسهم قد ألفته، كما هو حالهم عندما حرَّم الله عليهم الخمر، وعندما أوجب الله على النساء الحجاب الكامل.
1. عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كان أبو عبيدة بن الجراح وسهيل بن بيضاء وأبي بن كعب عند أبي طلحة، وأنا أسقيهم من شرابٍ حتى كاد يأخذ فيهم، فمرَّ بنا مارٌّ مِن المسلمين فنادى: ألا هل شعرتم أن الخمر قد حرمت؟ قال: فوالله ما انتظروا أن أمروني أن أكفِئ ما في آنيتك، ففعلت، فما عادوا في شيء منها حتى لقوا الله) رواه ابن حبان في " صحيحه " (12/184) حديث رقم: 5361.
2. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: (يَرْحَمُ اللَّهُ نِسَاءَ الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلَ، لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) شَقَّقْنَ مُرُوطَهُنَّ فَاخْتَمَرْنَ بِهَا) رواه البخاري (4480) .
والخُمُر: جمع خمار، وهو غطاء الرأس، والجيوب: جمع جيب، وهو فتحة الثوب من ناحية الرأس، والمراد ما يظهر منه الصدر، ومرطوهن: جمع مرط، وهو الإزار، والإزار هو الملاءة، فاختمرن بها: غطين وجوههن بالمروط.
فلا ينبغي التردد في ترك المحرمات، وينبغي المبادرة لفعل الطاعات، وهذه التقوى أحد أسباب الرزق، كما قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق/2،3.
ثالثاً:
إذا لم يستطع الموظف الخروج من الوظيفة بطرق مباحة سليمة في الأصل، وأرغم على البقاء فيها، فله أن يتوصل إلى الخروج منها بالحيلة، أو التورية، فإن لم ينفع: فيجوز له الرشوة، والكذب، وإثم ذلك على من اضطره إليه، وعلى من أخذ منه المال.
1. أما جواز الرشوة في هذه الحال:
أ. قال ابن الأثير الجزري رحمه الله:
" فالراشي: مَن يُعطي الذي يعينه على الباطل، والمرتشي: الآخذ، والرائش: الذي يسعى بينهما يستزيد لهذا ويستنقص لهذا، فأما ما يُعطى توصلاً إلى أخذِ حقٍّ أو دفع ظلمٍ: فغير داخل فيه، روي أن ابن مسعود أُخذ بأرض الحبشة في شيءٍ فأَعطى دينارين حتى خُلِّي سبيله، ورُوي عن جماعة من أئمة التابعين قالوا: لا بأس أن يصانع الرجل عن نفسه وماله إذا خاف الظلم " انتهى.
"النهاية في غريب الحديث" (2/226) .
ب. وقال الخطابي رحمه الله:
" إذا أَعطى ليتوصل به إلى حقه، أو يدفع عن نفسه ظلماً: فإنه غير داخل في هذا الوعيد [يعني: لعن الراشي] " انتهى.
"معالم السنن" (5/207) .
وانظر تفصيلاً أوفى في جوابي السؤالين: (60183) و (72268) .
2. وأما جواز الكذب:
قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله:
" واعلم أن الكذب قد يباح، وقد يجب، والضابط - كما في " الإحياء " -: أن كل مقصود محمود يمكن التوصل إليه بالصدق والكذب جميعاً: فالكذب فيه حرام، وإن أمكن التوصل بالكذب وحده: فمباح إن أبيح تحصيل ذلك المقصود، وواجب إن وجب تحصيل ذلك " انتهى.
"الزواجر عن اقتراف الكبائر" (2/196) .
رابعاً:
أما التقاعد الذي سيعطونك إياه في هذه الحالة، فإن كنت غير محتاج إليه، فالأولى لك التصدق به، وإن كنت محتاجا فنرجو أن لا يكون عليك حرج من الانتفاع به، ويكون عوناً لك على الاستقامة والتوبة من هذا العمل المحرم.
ونسأل الله تعالى أن ييسر لك الخير حيث كان.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6549)
العمل عند من يبيع الأدوية لمن يستعملها للسكر
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا هناك صاحب صيدلية يقوم بشراء عدد أكثر من المسموح به من الأدوية المهدئة، ومثل ذلك مما تسبب تحسين المزاج أو السكر إذا أخذت بجرعات كبيرة لبعض الأشخاص، فهل يعتبر العمل لديه حراما؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الدواء الذي يسكر إذا أخذت منه كمية كبيرة، يعتبر خمراً، فلا يجوز لمسلم شراؤه ولا بيعه ولا استعماله، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ) رواه أبو داود (3681) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وإذا كان البيع محرما، فالمال الناتج عنه محرم.
وأما العمل عند من هذا حاله، فيجوز بشرط عدم المشاركة له في بيع هذه الأدوية المحرمة.
وترك العمل عنده أولى؛ لكون ماله مختلطا، ولما في ذلك من الزجر له والإنكار عليه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6550)
عمل برنامجا استعملته المؤسسة في معاملة ربوية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مهندس في الإعلامية أعمل في شركة لإنتاج برامج الحاسوب. أنجزت برنامجا لمؤسسة حكومية، وهو عبارة عن وسيلة لتشجيع المواطنين لشراء آلة منزلية. ونظرا لغلاء هذه الآلة فإن المواطن يحصل عليها من المزود الذي بدوره يقدم للمؤسسة ملفا في الغرض، لتأذن لأحد البنوك بدفع الثمن له، ويحسب قرضا على ذمة المواطن المستفيد. وتقوم هذه المؤسسة بجمع الأقساط من المواطن مع فائدة ربوية لتغطية ذلك القرض. وكل هذا يتم بالبرنامج الذي قمت بإنجازه. أرجو منكم أن تفتوني إن كنت أعنتهم بهذا العمل على الربا وإن كان كذلك فماذا أفعل بأجرة ذلك العمل، علما بأني قد صرفت ما أخذته منها والباقي لم أستلمه بعد. وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان دور البنك في هذه العملية يقتصر على التمويل، في مقابل الفائدة، فهذه معاملة ربوية واضحة. وإذا كان البنك يشتري السلعة شراء حقيقيا، ثم يبيعها بالأقساط على المواطنين – بزيادة على الثمن الحال - فلا حرج في ذلك، على ألا يزيد البنك ـ مرة أخرى ـ في ثمن السلعة، إذا تأخر العميل في سداد شيء من الأقساط.
وفي حال كون المعاملة محرمة، فإن كنت تعلم ذلك أثناء عمل البرنامج، فقد أعنت على الربا، وعملك محرم، وما ترتب عليه من الأجرة فهو محرم كذلك، ويلزمك التوبة إلى الله تعالى، لكن ما صرفته من المال قبل التوبة لا يلزمك فيه شيء، وأما بقي فيلزمك التخلص منه بصرفه في أوجه الخير والبر. وانظر: سؤال رقم 78289
وإن كنت جاهلا بالتحريم، أو بما ستقدم عليه المؤسسة من العمل المحرم، فلا إثم عليك، ولك الانتفاع بالأجرة التي حددت لك، سواء ما صرفته، وما لم تستلمه بعد.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (14/33) : " أسأل سماحتكم عن فتوى شاعت بين الناس عن أحد العلماء، بأن الشخص إذا كسب مالا من صنع الخمر أو بيعه أو بيع المخدرات، وتاب إلى الله سبحانه وتعالى فإن هذا المال المكتسب عن طريق صنع الخمر أو بيعه أو بيع المخدرات وترويجها فإنه حلال، وحيث إن كثيرا من طلبة العلم يتساءل عن هذا فأحببنا أن نستفتي سماحتكم في هذا.
الجواب: إذا كان حين كسب الحرام يعلم تحريمه فإنه لا يحل له بالتوبة، بل يجب عليه التخلص منه بإنفاقه في وجوه البر وأعمال الخير " انتهى.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عن توبة المرابي [أي من يعمل في البنك الربوي] كيف تكون: هل يخرج من جميع ماله المحرم الذي اكتسبه، أم ماذا يصنع؟ حيث إني قرأت لأهل العلم كلاماً مختلفاً: منهم من قال: يتخلص مما في يده من المال المحرم إن كان عالماً بالحرمة، فإن لم يكن فلا يخرج شيئاً، ومنهم من قال: له كل ما في يده قبل التوبة تسهيلاً له في التوبة، ومنهم من قال: يتخلص من الربا كله؛ لأن الله يقول: (فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ) [البقرة:279] فما هو الحكم الذي تؤيده الأدلة جزاك الله عنا خيراً، ويسر لإخواننا طريق الخلاص من كل محرم؟
الجواب: الذي يظهر لي: أنه إذا كان لا يعلم أن هذا حرام، فله كل ما أخذ وليس عليه شيء، أو أنه اغتر بفتوى عالم أنه ليس بحرام فلا يخرج شيئاً، وقد قال الله تعالى: (فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ) [البقرة:275] . أما إذا كان عالماً فإنه يتخلص من الربا بالصدقة به تخلصاً منه، أو ببناء مساجد أو إصلاح طرق أو ما أشبه ذلك " انتهى من "اللقاء الشهري" (67/11) .
وهذا يقال في العمل الربوي وفي غيره من الأعمال المحرمة.
وفقنا الله وإياك لطاعته ومرضاته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6551)
أنواع المكاسب المحرَّمة، وما هي مصادر كسب الصحابة؟ وما أفضلها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أكملت دراستي العليا وحصلت على شهادة في " إدارة الموارد البشرية " تخصص إدارة موظفين، وهي شهادة متخصصة ضمن مجموعة شهادات MBA المرموقة. لكن بعد أن هداني الله تعالى إلى الالتزام بالإسلام أرى أن هذا المؤهل صار عديم النفع والجدوى للأسباب التالية: 1. فرص العمل المتاحة لهذا المؤهل تستلزم كلها كتابة الربا. 2. غالباً كافة وظائف الموارد البشرية تستدعي تعيين موظفين جدد من كلا الجنسين، وهذا يعني مقابلة المرأة دون محرم في أول مقابلة تجرى مع المتقدم للعمل، وأيضا بعد توظيفها وارد الاجتماع معها، والخلوة دون محرم من أجل تقييم الأداء، وغير ذلك من أغراض وظيفتي في الموارد البشرية. 3. كافة أماكن العمل ذات أقسام الموارد البشرية - دون استثناء واحد في بلدنا - مختلطة فتُظهر النساء أمام الرجال جمالها. فهل يجوز لي العمل في هذه الوظيفة على أمل الالتزام فيها بأخلاق الإسلام، ولأكون قدوة وداعياً لزملائي إلى الدين؟ أم ينبغي لي البعد تماما عن هذه الوظيفة ودراسة مهارات أخرى وإن كانت أقل راتباً أو أدنى منزلة لكن لا تقودني إلى هذه الشرور. إن كان الحل الأخير هو الصواب: فرجاء ضرب بعض أمثلة على الوظائف التي تكون فيها هذه الفتن أقل ما تكون، ورجاء أيضا ضرب أمثلة لي كيف كان الصحابة يكتسبون قوتهم، كما ذكر لي أيضاً بعض الناس أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم قد فضَّل التجارة على العمل أجيراً، فهل لهذا القول من مستند أو دليل؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
من الأعمال ما يكون محرَّماً لذاته، كالعمل في البنوك الربوية، أو محلات بيع الخمور، ومنها ما يكون محرَّماً لما يكون في بيئته من مخالفات للشرع كالاختلاط بين الرجال والنساء، أو الاشتراط عليه بلباس محرَّم أو على هيئة مخالفة للشرع كحلق اللحية، وكلا النوعين من الأعمال لا يجوز للمسلم أن يمارسه.
وهذه الأعمال التي هي من النوع الثاني تتفاوت بينها في الحرمة، فأعظمها إثماً ما كان فيه كتابة للربا، ثم ما كان فيه بيع أو صناعة لمحرمات، ثم ما كانت بيئته محرَّمة، وهذا الأخير لا ينبغي التهاون فيه؛ لما له من أثر على دين وسلوك العامل، وخاصة فتنة النساء التي كانت أول فتنة بني إسرائيل، وهي أضر فتنة على الرجل المسلم، كما أخبر بذلك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
وإذا كان اختلاط النساء بالرجال أمراً واقعاً في بلادكم ولا تكاد تجد عملاً يخلو من ذلك، ورأيت وجودك في هذه الأماكن مفيداً، وأنك تستطيع أن تزيل بعض النكرات، وتقلل من بعضها الآخر، وتنصح الموظفين الذين تحت مسؤوليتك، وتأمرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر بحسب استطاعتك، وأخذت الاحتياطات والتدابير التي تجنبك فتنة النساء، كالتعجيل بالزواج، - إن كنت غير متزوج – وعدم النظر إليهن، ولا الخلوة بهن، وتستطيع عند حاجة العمل إلى الجلوس مع بعض الموظفات أن تترك باب المكتب مفتوحاً، ولا تجلس قريباً منها،.... إلخ.
فنرى أن وجودك في العمل، تحقق فيه بعض المصالح الشرعية، وتقلل المفاسد، خيرٌ من إخلاء الأعمال من الصالحين، وتركها لمن لا يراعي الدين، ولا الأحكام الشرعية، فيعم بذلك الفساد ويزداد، وتصعب محاربته، وكم من مدرس أو أستاذ في الجامعة درَّسوا في جامعات مختلطة ونفع الله بهم كثيراً، ودفع بهم فساداً كثيراً.
فنرجو من الله تعالى أن تكون واحداً من هؤلاء المصلحين.
ومع ذلك. . فإن رأيت بعد التحاقك بالعمل أنك لا تستطيع المحافظة على دينك، وأنك تُجر إلى المحرمات شيئاً فشيئاً، فليس أمامك سبيل إلا ترك العمل فوراً، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، كمال قال الرسول صلى الله عليه وسلم.
ثانياً:
أما أعمال الصحابة رضي الله عنهم التي كانوا يكسبون منها رزقهم: فهي كثيرة، ومتنوعة، ومنها: التجارة، كأبي بكر الصدِّيق، وعثمان بن عفَّان، وعبد الرحمن بن عوف، رضي الله عنهم، ومنها: الزراعة، سواء كانوا ملاَّكاً لمزارع، أو عمَّالاً فيها، وكان يكسب من هذا الباب طوائف من المهاجرين والأنصار، ومنها: الأعمال المهنية، كالحدادة والنجارة وغيرهما، ومنها الوظائف التي تتعلق بالدولة: كالتعليم، والعمل على الزكاة، والقضاء وما يشبهها، ومنها: المكاسب من الجهاد، كالغنائم.
لكن البون شاسع بين طبيعة الحياة، والمهن والصناعات يومئذ، وبين ذلك كله في يوم الناس هذا، ولكل حادث حديث كما يقولون.
ثالثاً:
أما تفضيل النبي صلى الله عليه وسلم للتجارة على عمل اليد: فلا يثبت - فيما نعلم -، وفي المسألة خلاف بين العلماء، فبعضهم ذهب لتفضيل التجارة، وآخرون لتفضيل الزراعة، وطائفة ثالثة ذهبت لتفضيل العمل من كسب اليد كالصناعة ونحوها.
وقد ورد في فضل العمل في التجارة حديث لكنه لم يثبت، وهو ما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (تسعة أعشار الرزق في التجارة) ، وانظر " السلسلة الضعيفة " (3402) .
وأما ورد في تفضيل العمل من كسب اليد (الصنائع) والتجارة: فهو ما رواه رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ رضي الله عنه قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ اْكَسْبِ أَطْيَبُ؟ قَالَ: (عَمَلُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ، وَكُلُّ بَيْعٍ مَبْرُورٍ) رواه أحمد (17265) وحسَّنه محققو المسند، وصححه الألباني في " صحيح الترغيب " (1691) .
وعَنْ الْمِقْدَامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ) .
رواه البخاري (1966) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
"وقد اختلف العلماء في أفضل المكاسب، قال الماوردي: أصول المكاسب: الزراعة، والتجارة، والصنعة، والأشبه بمذهب الشافعي أن أطيبها: التجارة، قال: والأرجح عندي: أن أطيبها الزراعة؛ لأنها أقرب إلى التوكل.
وتعقبه النووي بحديث المقدام [الذي سبق] ، وأن الصواب: أن أطيب الكسب: ما كان بعمل اليد، قال: فإن كان زرَّاعا: فهو أطيب المكاسب؛ لما يشتمل عليه من كونه عمل اليد؛ ولما فيه من التوكل؛ ولما فيه من النفع العام للآدمي، وللدواب؛ ولأنه لا بد فيه في العادة أن يؤكل منه بغير عوض.
قلت: وفوق ذلك من عمل اليد: ما يُكتسب من أموال الكفار بالجهاد، وهو مكسب النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، وهو أشرف المكاسب؛ لما فيه من إعلاء كلمة الله تعالى؛ وخذلان كلمة أعدائه؛ والنفع الأخروي.
قال: ومن لم يعمل بيده: فالزراعة في حقه أفضل؛ لما ذكرنا.
قلت: وهو مبني على ما بحث فيه من النفع المتعدي، ولم ينحصر النفع المتعدى في الزراعة، بل كل ما يُعمل باليد فنفعه متعدٍّ؛ لما فيه من تهيئة أسباب ما يحتاج الناس إليه.
والحق: أن ذلك مختلف المراتب، وقد يختلف باختلاف الأحوال، والأشخاص.
والعلم عند الله تعالى" انتهى. " فتح الباري " (4 / 304) .
وعلى هذا، فقد تكون الزراعة أفضل في حق من يتقنها أكثر من غيرها، والصناعة أفضل في حق شخص آخر، وثالث يجيد التجارة فتكون أفضل له من غيرها.
فلينظر كل إنسان فيما يناسبه من الأعمال وما يتقنه، وليجتهد في نفع نفسه والمسلمين بهذا العمل، والله تعالى الموفق.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6552)
يعمل في شركة كثيراً من دخلها من المكوس
[السُّؤَالُ]
ـ[وجدت عملا في دائرة حكومية وعلمت يقينا أن الموارد المالية لهذه الدائرة تتكون في غالبيتها "أكثر من 90 بالمائة" من المكوس، فهل يجوز لي أن أعمل فيها فأتقاضى راتبي بالضرورة من هذه الميزانية، وما الحكم العام في هذه المسألة بمعنى حكم العمل في عمل مشروع عند من ماله حرام، وهل يختلف الأمر بين أن يكون صاحب العمل هو الدولة أو أحد مؤسساتها وبين أن يكون شخصا أو شركة خاصة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
سبق في الموقع بيان حكم المكوس، وأنها محرمة؛ لقول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) النساء/29، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه) رواه أحمد وصححه الألباني في الإرواء (1459) .
وللفائدة راجع جواب السؤال رقم (25758) .
ثانياً:
بالنسبة لعملك، فإذا كان عملك فيه إعانة على أمر محرم كالمكوس أو غيرها، فهذا لا يجوز؛ لقول الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة /2.
أما إذا كان عملك بعيدا عن المحرمات، ويوجد للدائرة أقسام أخرى لا تتعامل فيها بالحرام، فيجوز لك العمل في تلك الأقسام المباحة، وما أخذته من الراتب مقابل ذلك العمل المباح، فليس عليك فيه شيء.
وللفائدة راجع جواب السؤال رقم (31781) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6553)
الاستفادة من الخبرة التي اكتسبها في العمل المحرم
[السُّؤَالُ]
ـ[عملت في الجمارك، وقد سمعت بحرمة هذا العمل بسبب المكوس، لكنني استمريت فيه مدة، لأني كنت مترددا ثم اطمئن قلبي فتركت العمل، والآن أسأل: هل يجوز لي استعمال الخبرة المكتسبة في هذا العمل للاسترزاق بها في عمل مشروع، كأن يوظفني من يعمل في الاستيراد والتصدير، لأقوم له بجمركة السلع، التي هي سلع مشروعة، بمعنى آخر هل يجوز الانتفاع بهذه الخبرة المكتسبة من عمل حرام، في عمل مباح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج عليك في الاستفادة من هذه الخبرة، واستعمالها في العمل المباح.
وهكذا لو كان الإنسان يتاجر بالمحرمات، واستفاد خبرة في التجارة وإدارة المال، فإنه لا حرج عليه أن يستعمل هذه الخبرة في المشاريع المباحة، وقد جاءت الشريعة بالأمر بترك الربا والغش والتدليس وغير ذلك من المحرمات، ولم تحجر على أحد من هؤلاء التائبين – ولا غير التائبين - أن يتعاملوا بالمباح مستفيدين من تلك الخبرات.
وأما العمل في الجمارك فسبق بيان حكمه في الجواب رقم (39461) .
ونسأل الله تعالى أن يتقبل توبتك، ويحسن عاقبتك، ويرزقك من فضله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6554)
حكم عمل مدرس التربية الرياضية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أسمع كثيرا من المشايخ يتحدثون عن اللعب أو الرياضة، وقرأت في موقعكم أنه لا يجوز العمل كمحلل رياضي، فهل لا يجوز العمل كمدرس ألعاب في المدارس، مع الرغم أن ممارسة الرياضة ليست في جميع الأوقات، ولا تتعارض مع أوقات الصلاة أو العبادات؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تعليم رياضة الأبدان الموجود في المدارس اليوم من المِهَن المباحة، بشرط أن يحرص المدرس على اجتناب المحذورات التي تقع كثيرا في هذا المجال: كالاختلاط، وكشف العورات، وتضييع الصلوات، والإغراق في ممارستها حتى تطغى على الواجبات الأخرى.
بل إن لمعلم التربية الرياضية دورا كبيرا في التأثير في نفوس الطلاب وسلوكهم وأخلاقهم، فهو قريب منهم بحكم ممارسته معهم ما يحبون، وبإمكانه استغلال مكانته في قلوبهم لتعليمهم الخلق الحسن والتعامل الطيب، والأخذ بأيديهم للمحافظة على الصلوات والواجبات عملا وتطبيقا وممارسة، فضلا عن الفوائد البدنية والصحية والنفسية التي يجنيها الطلاب من هذه المادة، إذا أخلص المعلم في عمله، ولم يُقَصِّر في رعاية حق الله تعالى وحق الناس عليه.
قال الشيخ ابن عثيمين – كما في "اللقاء الشهري" (14/سؤال رقم/6) :
" أدعو إخواني الذين يمارسون هذه الرياضة، أدعوهم إلى التمسك بالدين، وإن كنت أعلم أن فيهم - ولله الحمد - من هو متمسك تماماً، لكن أحب أن يكونوا دعاة لإخوانهم الآخرين في التمسك بدين الله عز وجل، وإقامة الصلاة جماعة في أوقاتها، واللباس الساتر، ونرجو لهم التوفيق لما فيه الخير والصلاح " انتهى.
وقال الشيخ ابن جبرين:
" القصد من الرياضة تمرين الجسم على الحركة والقوة والمناعة، والقدرة الكبيرة على الحمل للأثقال، والصبر على المشاق؛ فإن الإنسان قد يحتاج إلى نفسه في بعض الأحيان، فمتى كان عنده مناعة وقوة بدنية استطاع المشي على قدميه ولو يومًا أو أيامًا، واستطاع أن يحمل على رأسه متاعه وقوته وغذاءه، فينجو من الهلاك؛ فقد حدث أن قومًا تعطلت بهم سيارتهم في صحراء، والبلاد تبعد عنهم يومًا وليلة، ولم يكن منهم ذو قدرة على إنقاذ نفسه، فماتوا في موضعهم وهم نحو الأربعين إنسانًا، فلذلك نرى الحكومات تدرب جنودها وعمالها وشبابها على المشي والسعي وحمل الأثقال، والصبر على الجوع ونحوه، فهذه فائدة الرياضة البدنية، وهي ما يعود على اللاعب من تمرين بدنه على الحركة وتجشم المشقة، فأما مقابلة اللاعبين، والتفكه بالنظر إلى بعضهم، سواء في الإذاعة المسموعة أو المرئية، أو ما ينشر عنهم من الأخبار، فأرى أن ذلك لا أهمية له، بل هو إضاعة للوقت، وتفويت للثروة المالية، وخسران مبين، رغم ما فيه من المفاسد والتحاسد والمنافسة وقطع المسافات وكثرة النفقات، مع أنها لا تعود على الناظر بفائدة؛ فإن كونه يذهب لمشاهدة المباريات، ويحجز مكانًا بدراهمه، ويجلس في الانتظار ثم النظر عدة ساعات، ثم يتعرض عند الانتهاء والرجوع للزحام والمخاطرة، والوقوع أحيانًا في الحوادث المرورية ونحو ذلك، فكل ذلك مفاسد وأضرار وأخطار عارية عن الفائدة، فماذا يعود عليه من تسريح نظره وتقليب أحداقه في أولئك اللاعبين، وفي قراءته لتلك الصحف التي تعتني بأخبارهم، فيبذل فيها أثمانا طائلة، ويمضي وقتا طويلا في القراءة وتتبع الأخبار.
فننصح المدرب والرياضي أن يحث الطلاب من هواة الرياضة على دخول الميادين والمسابقة والتعلم، وأن يحذرهم من إضاعة الوقت في القراءة والسماع والرؤية، وتتبع الأخبار التي لا أهمية لها، وبذلك يرشدهم إلى النافع والبعد عن الضار، ولا يجوز مدح الكفار وإطراؤهم إذا برزوا في الميادين وتفوقوا في الرياضة، وإنما علينا أن نتنافس في ما ينفعنا في دنيانا وأخرانا، والله أعلم " انتهى.
نقلا من موقعه:
http://www.ibn-jebreen.com/book.php?cat=6&book=2&toc=71&page=66&subid=18502
إذًا فممارسة الرياضة النافعة باعتدال واقتصاد مع المحافظة على الآداب الشرعية لا حرج فيها، وكذلك لا حرج في تعليمها والتدريب عليها.
وبهذا يظهر الفرق بين المحلل الرياضي، ومدرس التربية الرياضية، فالمحلل أضاع وقته ووقت غيره فيما لا فائدة فيه، بل قد يكون في عمله تعظيم للكفار ومدح لهم، مما يغري الصغار بتقليدهم واتخاذهم قدوة.
وأما مدرس التربية الرياضية، فهو يبني أجسام الطلاب، وهم يستفيدون بذلك في أمور دينهم ودنياهم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6555)
تعاقدت على العمل لمدة سنتين وألغي بعد سنة ولا زال راتبها مستمرا
[السُّؤَالُ]
ـ[قبل عام واحد تعاقدت مع التربية والتعليم بعقد مدته سنتين من أجل القيام بعمل بديلة معلمة، ولكن بعد سنة تم إلغاء عقدي من قبل المندوبية التابعة لها، وظل الراتب الخاص بستة الأشهر ينزل في حسابي رغم أني لا أعمل، وظل اسمي في إدارة التعليم أني على رأس العمل رغم إنهاء المندوبية لعقدي وراجعت ولم أجد أي تجاوب من قبل المسئولين، هل يحق لي أخذ الراتب أم لا؟ لأنه تم حرماني من تجديد العقد بوضع اسمي على رأس العمل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج عليك في أخذ الراتب إذا كان إلغاء العقد من جهتهم، ولم يكن منك امتناع عن العمل أو تقصير فيه، والأصل في ذلك أن عقد الإجارة عقد لازم، وأن الأجير يستحق الأجرة خلال المدة المتفق عليها، ولو لم يكلّف بعمل، أو استغنت عنه الجهة المؤجرة ما دام مستعداً للعمل غير ممتنع عنه.
قال في "المقنع": " والإجارة عقد لازم من الطرفين. ليس لأحدهما فسخها , وإن بدا له قبل تقضّي المدة , فعليه الأجرة " انتهى.
وقال في "الشرح الكبير" (14/436) : " الإجارة عقد لازم يقتضي تمليك المؤجر الأجر، والمستأجر المنافع، فإذا فسخ المستأجر الإجارة قبل انقضاء مدتها وترك الانتفاع اختيارا منه، لم تنفسخ الإجارة، وتلزمه الأجرة " انتهى.
وعليك مراجعة إدارة التعليم للنظر في تجديد العقد، وما يتعلق بذلك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6556)
العمل في البنك الربوي بدون راتب للتدرب على نظام الحاسب والشبكات
[السُّؤَالُ]
ـ[أتعلم حاليا على نظام للحاسوب مستخدم للشبكات ... ولكن تنقصني الخبرة ... سألت فقيل لي بأن البنوك تستخدم هذا النظام ... فهل يجوز شرعا التدرب (دون أجر) في البنوك على الأمور التقنية ... وهل يجب البحث عن مصدر بديل في حالة وجوده (علما أنه من الصعب إيجاد مصدر آخر للتدريب) ... أم لا حرج في ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
البنوك الربوية لا يجوز العمل فيها، بأجر أو بغير أجر؛ لأن العامل فيها إما أن يباشر الربا كتابة أو شهادة، وإما أن يعين على ذلك بوجه من الوجوه، والبنك الربوي محل من محلات المنكر العظيم، تقترف فيه كبيرة من كبائر الذنوب، ولا يؤمن على من يجلس في هذا المكان أن تحل به اللعنة التي توعد الله بها أصحاب الربا، كما لا يؤمن على من تدرب في هذا المكان أن تدعوه النفس الأمارة بالسوء إلى مواصلة العمل فيه؛ لما يجده من المغريات.
ولهذا نقول: لا يجوز العمل ولا التدرب في البنك الربوي، وعليك أن تبحث عن مكان آخر خالٍ من الإثم، وستجد بإذن الله.
نسأل الله تعالى لك التوفيق والتسديد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6557)
العمل في برمجة برامج لتسيير سوبر ماركت من مبيعاته الخمر
[السُّؤَالُ]
ـ[أتممت دراستي منذ مدة قصيرة واشتغلت كمبرمجة بشركة فرنسية لها فرع إدارة أعمال بالمغرب وقد كنت في فترة تدريب كي أبدء العمل في 15/08/2007 المشكلة تكمن في أني علمت اليوم فقط إني سأشتغل على برمجة برامج لتسيير سوبر ماركت من ضمن منتجاته الخمر أخبروني أنه لا علاقة لي ببيع الخمر فهو من ضمن منتجات الشركة ويباع في فرنسا أنا فقط ستصلني معلومات وأرقام وغيره وأنا علي تنسيقها حسب المطلوب مني وهي لمختلف المنتجات الغذائية أرجو إفادتي هل علي حرج في البقاء أم علي ترك العمل؟ مع العلم أني وقعت وثيقة تلزمني بأداء راتب 3 أشهر إن قررت ترك العمل، فهل بإمكاني إن كان علي ترك العمل أن أعمل لمدة 3 أشهر كي أدفع للشركة مستحقاتها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الخمر لا يجوز شربها، ولا حملها، ولا بيعها، ولا شراؤها، ولا الإعانة عليها بأي وجه من الوجوه، كتقييدها في الدفاتر، أو تسجيلها في الحاسب ونحو ذلك، لما جاء فيها من الوعيد، واللعن، كما روى أبو داود (3674) وابن ماجه (3380) عن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ وَشَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
فإذا كان من مهام عملك كتابة أو تنسيق ما يتعلق بالخمر، فلا يجوز لك ذلك.
لكن. . إن استطعت أن تعملي، وتتجنبي ما يتعلق بالخمر بحيث يقوم به غيرك، فلا حرج.
ولا يجوز لهم أن يلزموك بدفع راتب ثلاثة أشهر، لأن تركك للعمل إنما هو بسببهم، فهم الذين اجترؤوا على حرمات الله تعالى، وبارزوه بمعصيته.
فإن لم تجدي وسيلة للتخلص منهم، ولم يكن عندك مال تدفعين منه هذا المبلغ، وكان يترتب على ذلك مضرة كبيرة كالسجن، فأنت مضطرة، ولا حرج عليك في العمل معهم ثلاثة أشهر. وإن كان لا يترتب على عدم دفعك المال مضرة كبيرة، فلا تعملي معهم، لأنك غير مضطرة حينئذ.
ونسأل الله تعالى أن يمن عليك بالرزق الحلال، والعمل النافع، وأن يزيدك علما وهدى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6558)
العمل في البنك الأهلي التجاري
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد حصلت على عرض وظيفة في البنك الأهلي التجاري في قسم تكنولوجيا المعلومات، ولكنني محتار فيما إذا كان البنك الأهلي إسلاميا أم لا؟ وهل العمل فيه حلال ومباح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سئل الشيخ الدكتور محمد العصيمي حفظه الله: ما هي البنوك التي يجوز العمل بها؟
فأجاب: "يجوز العمل في البنك الإسلامي الذي يعمل حسب القواعد التي وضعتها له الهيئة الشرعية، مثل بنك الراجحي وبنك البلاد.
ويجوز العمل في البنوك الآخذة بالتحول إلى بنك إسلامي مثل الجزيرة والأهلي ولكن بشرط التقيد بقرارات الهيئة الشرعية في البنك. أما العمل في بنك ربوي فلا يجوز حتى لو كان العمل في مجال مباح. والله أعلم " انتهى باختصار.
وقال أيضا: " البنوك التجارية أقسام: بنوك إسلامية، وبنوك ربوية، وبنوك آخذة في الأسلمة، وبنوك تفتح نوافذ إسلامية.
1- فأما البنوك الإسلامية فيجوز العمل فيها لعموم الناس حسب قرارات الهيئة الشرعية. ومن كان عنده علم شرعي يستطيع به أن يرجح المسائل الفقهية، فهذا لا يجوز له أن يعمل إلا فيما يترجح عنده صحته من ناحية الدليل.
2- وأما البنوك الربوية فلا يجوز العمل فيها.
3- وأما البنوك الآخذة في الأسلمة بجدية، فيجوز العمل فيها إن كانت تطبق قرارات الهيئة الشرعية بجدية ولا تغرر بالناس، وأنصح المتقدمين للعمل بها أن يشترط لنفسه ذلك الشرط في عقد العمل.
4- وأما البنوك الربوية التي تفتح نوافذ إسلامية فيحرم العمل في الجانب الربوي منها. أما الجانب المتعلق بالنوافذ الإسلامية فيعتمد على المصلحة الشرعية في ذلك. فمن نظر إلى أن ذلك إعانة لهم على التعاملات الإسلامية وإكسابا لهم بمهاراته وفنونه، أجاز ذلك. ومن العلماء من ينظر إلى أن العمل عندهم يكسبهم الشرعية عند الناس، ويزيل الحاجز النفسي بين الناس وبين هذه البنوك، بل ويلبس على الناس الموقف الشرعي الصحيح.
والحقيقة أن ذلك يختلف من وقت إلى آخر. ففي بدايات العمل المصرفي الإسلامي يجب تشجيع التجارب في المنتجات الإسلامية حتى تؤتي أكلها، وتنضج التجربة. وبعد وجود بنوك إسلامية كافية في البلد فليس من المناسب تجويز عمل الناس في البنوك التجارية الربوية بحجة النوافذ الإسلامية، خاصة إذا قرر البنك أنه سيعمل على الخطين الإسلامي والربوي وأعلن ذلك للناس. والله أعلم " انتهى من "موقع الربح الحلال".
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6559)
اختلاف جودة شرح المدرس بين المدرسة والدرس الخصوصي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم التفريق بين حصة المدرسة وحصة الدرس الخصوصي من حيث إجادة الشرح للطلاب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب على المدرس أن يؤدي عمله المطلوب منه، وألا يقصر في الشرح والإيضاح، سواء كان درسه داخل المدرسة أو خارجها، وما يفعله بعض المدرسين من الإهمال في الشرح داخل المدرسة، وتجويده وإتقانه خارجها، هو من نوع من خيانة الأمانة، وغش الطلبة والمدرسة.
أما إذا كان يؤدي عمله بإتقان في الجهتين، لكن يزيد أحدهما عن الآخر جودة وإتقانا لعوامل خارجية، كطول الوقت، وقلة عدد الطلاب، أو جودة أذهانهم، أو تقارب فهمهم، ونحو ذلك، فلا حرج في ذلك.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6560)
استخدام أدوات المدرسة لأغراض شخصية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم استخدام أدوات المدرسة لأغراض شخصية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
استخدام أدوات العمل لأغراض شخصية له حالان، الأولى: أن يستخدمها على وجه لا تستهلك فيه كالأدوات الهندسية (المسطرة، والفرجار ونحو ذلك) ، أو جهاز الكمبيوتر، أو استخدام اشتراك الإنترنت الذي لا تزيد تكلفته بزيادة الاستعمال، ونحو ذلك، فهذا الاستعمال جائز إذا كان على الوجه المعتاد الذي لا يضر الجهاز المستعمل.
الثانية: أن يستخدمها على وجه تستهلك فيه، كالأوراق أو الحبر والأقلام ونحو ذلك، فهذا لا يجوز للموظف استعماله.
وينظر جواب السؤال (95389) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6561)
موظف يتحرج من المشاركة في إنشاء فاتورة فيها قيمة التأمين على البضائع
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في شركة تستورد قطع غيار السيارات من ألمانيا، ووظيفتي تكمن في أنني أرسل عن طريق البريد الإلكتروني رسالة إلى الشركة الأجنبية أطلب فيها تزويدنا بعرض أسعار للبضائع المذكورة في الرسالة، ثم بعد ذلك: الشركة ترد علينا، فيقوم البائع باختيار البضائع ذات السعر المناسب، ثم أقوم بإرسال رسالة أخرى أقوم فيها بتأكيد البضائع التي نريدها، لكن المشكلة - وهو المقصود بالسؤال -: أن الشركة عندما ترسل الفاتورة إلى صاحب العمل عن طريق البنك: فإنها تكون مشتملة إجمالي البضاعة، مضافاً إليه قيمة " تأمين بحري "، فهل أتحمَّل أنا إثماً في ذلك؟ . والحالة الثانية: أن بعض الشركات لا تضيف مبلغ تأمين، ولكنها ترسل رسالة تقول: إن الباخرة تصل في يوم كذا، وعليكم الاهتمام بموضوع التأمين، وبحكم عملي أقوم بإرسال الرسالة عن طريق الفاكس إلى صاحب العمل في مكتبه. والحالة الثالثة: بعض الشركات لكي تعتمد الطلبية تطلب توقيع المندوب على صورة الطلبية وإرساله بالفاكس، فأقوم أنا بالتوقيع - بعد موافقة صاحب العمل - مع العلم أن إجمالي الفاتورة مضافاً إليه قيمة التأمين، فهل عليَّ إثم في ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عقود التأمين التجاري من العقود المحرَّمة؛ لما فيها من الغرر؛ والربا، والميسر، ولذا فلا يجوز لأحدٍ أن يؤمن على الحياة، أو على السيارة، أو ضد السرقة، أو الحريق، أو التلف، وغيرها من الأنواع الكثيرة.
وفي كثير من الأحيان تُلزِم الدولُ الشركات والمؤسسات والأفراد بإبرام عقود تأمين على السيارات، أو ضد التلف والفقدان، وما كان كذلك: فهو داخل في الإكراه، ولا إثم على من فعله، وإنما يبوء بإثم تلك العقود من ألزمهم بها.
وحتى تكون ذمة المؤمِّن سالمة من الإثم فإن عليه أن يختار الحد الأدنى من تلك العقود من حيث الرسوم والمنافع، وهذا طبيعة الأفعال المكره عليها، فلا يجوز – مثلاً – اختيار " التأمين الشامل " مع إمكانية اختيار " التأمين ضد الغير "، ومن المعلوم أن رسوم الأول أكثر من الثاني، ومنافعه كذلك أكثر.
وعليه نقول:
إذا كانت الدولة عندكم تلزمكم بالتأمين على البضائع المستوردة، أو دول الشركات المصدِّرة لكم تلزمهم بالتأمين: فلا حرج عليك من تقديم الفاتورة الإجمالية بما فيها قيمة التأمين لمدير الشركة، أو التوقيع عليها؛ وذلك لأنه أمر محتَّم عليكم، أو عليهم.
وإذا لم تكونوا ملزمين بالتأمين لا من دولتكم، ولا الطرف المصدِّر من دولتهم: فإن القيام بالتأمين في هذه الحال محرَّم، سواء كنتم أنتم من فعل أو هم، وعليه: فلا يجوز لك المساهمة في كتابة أو توصيل الفاتورة المشتملة على قيمة التأمين، ويكون ذلك من التعاون على الإثم والعدوان.
ونسأل الله أن يغنيك من فضله، وأن يوفقك لما فيه رضاه، وسؤالك هذا يدل – إن شاء الله – على ورع، وهو أمرٌ قلَّ نظيره إلا عند من رحم الله.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6562)
هل دفاع المحامي المسلم عن المظلوم الكافر يعد مناقضاًَ للولاء والبراء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في مكتب للمحاماة، وتردنا قضايا، ومعاملات تابعة لشركات أجنبية، وأيضاً أفراد أجانب، وغالباً ما يكونون غير مسلمين، فهل يجوز الدفاع، والترافع عنهم في مواجهة المسلمين؟ وهل في ذلك موالاة لهم؟ وهل يجوز العمل في بقية أعمالهم مثل عمل إجراءات تأسيس فروع لشركاتهم هنا في المملكة؛ لأنني أخشى أن يكون عملي ومصدر رزقي محرَّماً؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" المحاماة " وكالة بالخصومة، واشتقاقها من الحماية، فمن عمل بها ليكون نصيراً لأصحاب الحقوق لاسترجاع حقوقهم، أو لرفع الضرر عنهم: فعمله مباح، ولا حرج فيه، وله أن يستوفي مقابله مالاً.
ومن عمل بالمحاماة دفاعاً عن باطل، ونصرةً لظالم: فعمله محرَّم ولا يحل له، وما يكسبه من مال بسببه: فهو سحت، لا يحل له أكله.
قال الله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً) النساء/105.
قال الشيخ السعدي رحمه الله: " أي: لا تخاصم عن مَن عرفت خيانته، من مدعٍ ما ليس له، أو منكرٍ حقا عليه، سواء علم ذلك أو ظنه.
ففي هذا دليل على تحريم الخصومة في باطل، والنيابة عن المبطل في الخصومات الدينية والحقوق الدنيوية.
ويدل مفهوم الآية على جواز الدخول في نيابة الخصومة لمن لم يعرف منه ظلم ".
تفسير السعدي (199) .
عَنْ يَحْيَى بْنِ رَاشِدٍ قَالَ: جَلَسْنَا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَخَرَجَ إِلَيْنَا فَجَلَسَ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ فَقَدْ ضَادَّ اللَّهَ وَمَنْ خَاصَمَ فِي بَاطِلٍ وَهُوَ يَعْلَمُهُ لَمْ يَزَلْ فِي سَخَطِ اللَّهِ حَتَّى يَنْزِعَ عَنْهُ وَمَنْ قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ أَسْكَنَهُ اللَّهُ رَدْغَةَ الْخَبَالِ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ)
وفي رواية: (وَمَنْ أَعَانَ عَلَى خُصُومَةٍ بِظُلْمٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) .
رواه أحمد (5362) وأبو داود (3597) وغيرهما، وصححه الألباني في صحيح الجامع.
وسواء كان المظلوم مسلماً أم كافراً فلا فرق، فالمهم أن يكون صاحب حقِّ، وليس الدفاع عن صحاب الحق الكافر ضد المسلم الظالم من مخالفة الولاء والبراء في شيء، فقد أمرَ المسلمون بأداء الحقوق لأهلها، وبالشهادة بالحق، ولو على النفس، أو الوالدين.
وسواء كان أصحاب الحق أفراداً أم شركات، فلا فرق.
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) المائدة/ 8.
قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله: " أي: لا يحملنكم بغض قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا؛ كما يفعله من لا عدل عنده ولا قسط، بل كما تشهدون لوليكم، فاشهدوا عليه، وكما تشهدون على عدوكم فاشهدوا له، ولو كان كافرا أو مبتدعا، فإنه يجب العدل فيه، وقبول ما يأتي به من الحق، لأنه حق لا لأنه قاله، ولا يرد الحق لأجل قوله، فإن هذا ظلم للحق ".
تفسير السعدي (224) .
وقال تعالى: (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى) الأنعام /152
قال ابن كثير رحمه الله: " يأمر تعالى بالعدل في الفعال والمقال، على القريب والبعيد، والله تعالى يأمر بالعدل لكل أحد، في كل وقت، وفي كل حال ". تفسير ابن كثير (3/365) .
والعبرة في حل العمل وحرمته: طبيعة القضية، فلا يحل الدفاع عن مجرم، أو مرتكب لمعصية من أجل تبرئته، ولا يجوز المحاماة عن شركات أو مؤسسات تعمل بأمور محرَّمة، كما لا يجوز للمحامي السعي في ترخيص تلك الشركات والمؤسسات من أجل العمل بين الناس، إذا كانت أعمالها محرَّمة.
قال علماء اللجنة الدائمة:
إذا كان في الاشتغال بالمحاماة، أو القضاء إحقاق للحق، وإبطال للباطل شرعاً، ورد الحقوق إلى أربابها، ونصر للمظلوم: فهو مشروع؛ لما في ذلك من التعاون على البر والتقوى، وإلا فلا يجوز؛ لما فيه من التعاون على الإثم والعدوان، قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/ 2.
الشيخ عبد العزيز بن باز. الشيخ عبد الرزاق عفيفي.الشيخ عبد الله بن غديان الشيخ عبد الله بن قعود
" فتاوى اللجنة الدائمة " (1 / 792، 793) .
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
ما حكم الشريعة الإسلامية في حرفة المحاماة؟ .
فأجاب:
لا أعلم حرجاً في المحاماة؛ لأنها وكالة في الدعوى، والإجابة، إذا تحرى المحامي الحق، ولم يتعمد الكذب كسائر الوكلاء.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (23 / 221) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
إذا كان المحامي يريد إيصال الحق إلى أهله: فلا بأس أن يمارس هذه المهنة، وإن كان يريد أن يغلب الناس في قوله ومحاماته بالحق أو بالباطل: فهذا حرام.
" لقاءات الباب المفتوح " (33 / السؤال رقم 2)
وسئل - رحمه الله -:
ما حكم المحاماة في الإسلام؟ .
فأجاب:
المحاماة في الإسلام إذا كان الإنسان يريد إحقاق الحق، وإبطال الباطل: فهي خير، ومأمور بها؛ لما فيها من إزالة الظلم عن المظلوم، ومعاونة صاحب الحق على حقه.
وأما إذا كان الإنسان يحامي بالباطل، بأن يكون كلامه هو المنتصِر: فهذا حرام، فهي ترجع إلى نية المحامي.
" لقاءات الباب المفتوح " (134 / السؤال رقم 16)
وانظر أجوبة الأسئلة: (82799) و (9496) و (21262) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
(5/6563)