حكم الجهاد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يعتبر الجهاد فرض عين علينا الآن وقد انتهكت حقوق المسلمين عن طريق الغزو الأجنبي أو غيره؟ وما هو الحكم في القاعدين الذين لا يملكون حيلة، غير أنهم لو استنفروا لأجابوا، ولجاهدوا في سبيل الله، وإنما حبستهم تلك الظروف التي تعانيها الأمة الإسلامية، من أن الحكم فيها لغير الله، مع الأدلة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الجهاد لإعلاء كلمة الله، وحماية دين الإسلام، والتمكين من إبلاغه ونشره، وحفظ حرماته فريضة على من تمكن من ذلك وقدر عليه، ولكنه لا بد له من بعث الجيوش، وتنظيمها؛ خوفا من الفوضى، وحدوث ما لا تحمد عقباه؛ ولذلك كان بدؤه، والدخول فيه من شأن ولي أمر المسلمين، فعلى العلماء أن يستنهضوه لذلك، فإذا ما بدأ واستنفر المسلمين، فعلى من قدر عليه أن يستجيب للداعي إليه، مخلصا وجهه لله، راجيا نصرة الحق، وحماية الإسلام، ومن تخلف عن ذلك مع وجود الداعي، وعدم العذر؛ فهو آثم.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 12/12.(5/4838)
هل يجوز لها أن تعمل مربية لبنت تعمل أمها في " كازينو "؟
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة مسلمة تقيم في أمريكا، تعمل مربية وحاضنة لطفلة صغيرة أثناء غياب جدتها في العمل، وجدتها هي المسئولة عنها. وهي التي تدفع المال للمربية، وقد علمت مؤخراً أن أم الطفلة تعمل في "كازينو" وعملها فيه هو غسل الأواني فقط لا غير، ولها عدة أسئلة: 1. هل هذا العمل كله في حد ذاته لا يجوز الاستمرار فيه؟ . 2. وهل المال التي تقبضه منها هو مال حرام؟ ، تقول هي: لما علمت بالأمر لم تتصرف بالمبلغ الأخير الذي حصلت عليه من هذه المرأة حتى تسأل ما حكم الشرع في هذا؟ 3. تقول: وإذا كان هذا المال حراماً ماذا تعمل بالذي ما زال محفوظاً عندها؟ وماذا عليها فيما أخذته سابقا قبل أن تعلم بالحقيقة؟ . 4. أيضاً تقول: إن " الجدَّة " هي التي تدفع هذا المبلغ المالي لهذه المسلمة؛ لأن هذه الجدة هي التي تحضن حفيدتها، وتقوم بمصالحها ورعايتها. 5. أيضاً تقول: إن كانت هذه المرأة المسلمة محتاجة للضرورة لهذا العمل، ولهذا الدخل المالي، فهل لها أن تأخذه؟ وتستمر في هذا العمل أم لا؟ . مع العلم أني حاولت كثيراً دعوة هذه الجدة إلى الإسلام، ولكن دون جدوى.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نقول للأخت المسئول عنها:
زادكِ الله حرصاً وتفقهاً في دينكِ، وشكر لكِ تحرِّيكِ الحلال من الرزق، ونسأل الله أن يتم عليك نعمه، ويزيدك من فضله، ونفصل لها في الجواب فنقول:
أولاً:
لا يجوز للمسلم الإقامة في بلاد الكفار إلا لعذر شرعي – كعلاج ودعوة وتجارة -؛ لما في ذلك من خطورة على دين المسلم، وعلى أسرته إن كان له زوجة وأولاد، ولا يستطيع المسلم أن يربي أولاده التربية الإسلامية الصحيحة، ولا أن يؤدي الأمانة على وجهها، وهو مستقر في تلك البلاد، ولا يعدُّ العمل من الأعذار التي تبيح لأحدٍ من المسلمين الإقامة في بلاد الكفر، ويتأكد النهي والمنع والمفسدة في حال كون المقيم والعامل هناك امرأة.
سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
ما حكم العمل في دول الكفر، كدول أوربا وأمريكا؟ وهل يتغير الحكم لو عمل عند مسلم في مؤسسات مسلمة، ولكن في نفس البلد الكافر؟ .
فأجابوا:
" يجب على المسلم أن يهاجر من ديار الكفر إلى ديار الإسلام؛ محافظة على دينه؛ وتكثيراً لجماعة المسلمين؛ وليتعاون معهم على إقامة شعائر الإسلام، وسيجد لنفسه - بإذن الله - طرقاً عدة للكسب والمعيشة المباركة بين المسلمين، مع الأمن على دينه إن اتقى الله، قال الله تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق/ 2،3.
ومِن هذا يُعلم أن عمل المسلم في بلاد الكفر - وهو يقوى على الهجرة منها إلى بلاد الإسلام -: لا يجوز، سواء كان عمله في محل كافر أم مسلم، إلا أنَّ عمله في محل كافر أشدُّ منعاً؛ لما يتوقع في ذلك من مزيد الخطر والذل، لكن إذا كان عالِماً وله نشاط في الدعوة إلى الإسلام، ويرجى أن يتأثر الكفار بدعوته، وتقوم به الحجة عليهم، ولا يُخشى عليه فتنة في دينه أو نفسه: فله أن يقيم بينهم للقيام بواجب الدعوة إلى الله، ونشر الإسلام.
ومن كان مستضعفا لا يقوى على الهجرة: فهو معذور في إقامته بين الكفار، وعلى إخوانه المسلمين أن يساعدوه ليتمكن من الهجرة إلى بلد يأمن فيه على دينه " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (14 / 475، 476) .
وينظر جوابي السؤالين: (38284) و (13363) .
ثانياً:
إذا أبى المسلم إلا الإقامة في بلاد الكفر، أو كان لا يستطيع الخروج منها لعذرٍ شرعي: فإنه إن تمكن من ترك العمل عند الكفار فهو أولى، وليُعلم أن عمله يكون محرَّماً – سواء كان عند مسلم أم عند كافر - إن كانت طبيعته محرَّمة، كأن يعمل في محل لبيع الخمور، أو في فندق تشتمل خدماته على المحرمات، أو في بنوك ربوية، أو شركات تعمل في مجالات تنشر الفساد والمعاصي والموبقات، كما لا يجوز أن تكون بيئة العمل مختلطة رجالاً ونساءً.
ومن عمل عند كافرٍ في عمل مباحٍ: فماله حلال، ولو كان أجيراً عند كافرٍ، مع أن الأولى أن لا يفعل ذلك.
قال ابن قدامة رحمه الله:
" ولو أجَّر مسلمٌ نفسَه لذميٍّ لعملٍ: صحَّ؛ لأن عليّاً رضي الله عنه أجَّر نفسَه مِن يهوديٍّ يستقي له كل دلو بتمرة، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فلم ينكره " انتهى " المغني " (4 / 333) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة:
ما حكم مَن يشتغل عند شخص غير مسلم، هذه النقود التي يقبضها مِن عنده هل هي حلال أم حرام؟ .
فأجابوا:
" تأجير المسلم نفسه للكافر: لا بأس به إذا كان العمل الذي يقوم به مباحاً: كبناء جدار، أو بيع سلعة مباحة، أو ما أشبه ذلك من الأعمال المباحة؛ لأن عليّاً رضي الله عنه أجَّر نفسه ليهودي بتمرات على نضح الماء ل من البئر، فعن ابن عباس رضي الله عنهما (أن عليّاً رضي الله عنه أجَّر نفسه من يهودي يسقي له كل دلو بتمرة) أخرجه البيهقي وابن ماجه " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (14 / 486) .
وبخصوص عملك في رعاية وعناية حفيدة تلك الجدة: فالذي يظهر لنا هو أن عملكِ مباح، وأن المال الذي كسبتِه قديما وحديثاً حلال لكِ، وبخاصة أن عملك لا يتطلب الخروج من المنزل، ولا الاختلاط بالرجال، ولا الذل للكفار، بل أنتِ آمنة مستقرة في بيتك، وهم الذين يُحضرون ابنتهم عندك، وأما إن كنتِ أنتِ التي تذهبين إليهم: فلتحذري من وجود الرجال الأجانب عنك، وما فيه من مفاسد ومحرَّمات، ولتحذري من الخلوة مع أحدهم؛ فهو من المحرَّمات، واحرصي على أن يكون الأمر على الصورة الأولى، وهي أنهم هم الذين يحضرون ابنتهم إلى بيتكِ.
واحرصي وإستمري على دعوة الجدة وابنتها للإسلام، قال تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) فصلت/ 33، وقَالَ سَهْلٌ بْنُ سَعْد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ٍ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَم) رواه البخاري (2847) ومسلم (2406) .
ونوصيكِ بإتقان عملك، حتى تكوني أنموذجاً للمسلم الذي يؤدي الأمانة على وجهها، وإن كنَّا نرى لك عدم البقاء في تلك الديار، كما سبق وذكرنا في أول الجواب، لكن هذا لا يمنعنا من ذِكر حكم عملك، ولا يمنع من نصحك وتوجيهك للأصلح لك ولدينك.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4839)
حكم الإسلام في الدفاع عن النفس
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو رأي الإسلام في الدفاع عن النفس؟ أهو من الحقوق؟ وهل توجد شروط لهذا الحق؟ وهل يتناول القرآن موضوع الدفاع عن النفس؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
حفظ النفس والعرض والعقل والمال والدين من الضرورات الشرعية المعروفة، وهي الضرورات الخمس المعروفة عند المسلمين، فيجب على الإنسان أن يحافظ على نفسه، ولا يجوز أن يتعاطى ما يضره، ولا يجوز له أيضا أن يمكّن أحدا من أن يُضرّ به، فإذا صال عليه إنسان أو سبع أو غيرهما وجب عليه الدفاع عن نفسه أو أهله أو ماله، فإن قتل فهو شهيد،والقاتل في النار.
وإذا كان الضرر المترتب على هذا الظلم شيئا يسيرا، وتركه لله، لاشك أن الله سوف يعوضه عنه ما لم يكن سببا في زيادة هذا الظلم عليه أو على غيره.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ: عبد الكريم الخضير.(5/4840)
الفرق بين الجهاد والقتال، وأنواع الجهاد في سبيل الله
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين الجهاد والقتال؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الجهاد أعم من القتال، فالجهاد يكون باللسان، ويكون بالسنان - وهو القتال -، ويكون بالمال، وتحت كل مرتبة مراتب متعددة.
فالجهاد باللسان منه جهاد الكافرين، ومنه جهاد المنافقين، ومنه جهاد أهل البدع، ومنه جهاد أهل الضلال والشهوات.
وأما القتال فلا يكون إلا بالسنان، فمنه قتال الكفار، ومنه قتال البغاة، ومنه قتال الخوارج.
وأعظم أنواع القتال قتال الذين كفروا؛ فإن الله جل وعلا أمر بقتالهم والتنكيل بهم، قال تعالى: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) التوبة/29، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً) التوبة/123 أي: شدة.
وجهاد الكفار بالسنان نوعان: جهاد طلب، وجهاد دفع.
- فجهاد الطلب أن نغزو الكفار في ديارهم حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون.
قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلا بِحَقِّ الإِسْلامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ) رواه البخاري (25) ومسلم (20)
وليس المقصود من هذا النوع قتال الكفار وأخذ أموالهم، بل شُرِع الجهاد لحكم ومصالح عظيمة، قد سبق ذكرها في السؤال (34647)
والنوع الثاني وهو جهاد الدفع: فإذا داهم العدو بلدا إسلاميا، أو قاتل العدو إحدى البلاد الإسلامية، فالجهاد حينئذ واجب، فإن قامت الكفاية بأهل تلك البلاد، فَبِها ونِعْمَت، فالبقية يساندونهم بالمال والدعاء، وإن لم تقم الكفاية بأهل تلك البلاد، وجب على من قرب منهم أن يقوم معهم، كلٌّ على قدر طاقته، فهذا بماله، وهذا بلسانه، وهذا بنفسه وسلاحه.
والله أعلم راجع السؤال (20214) (34830) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4841)
الحيلة والخداع في الحرب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يُجيز الإسلام الحيلة والخداع في الحروب؟ وهل مثل ذلك الغدر والخيانة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فقد حرم الله تعالى الغدر وذمَّ فاعله فقال تعالى: " الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون " الأنفال 56.
وقال صلى الله عليه وسلم: " لكل غادر لواء يوم القيامة يُعرف به " رواه البخاري (6966) ومسلم (1736) .
وأخرج البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: " أربع خلال من كنَّ فيه كان منافقاً خالصاً إذا حدَّث كذب وإذا وعد أخلف وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر ومن كان فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها " رواه البخاري (3878) ومسلم (58) .
وعن مالك قال: بلغني أن عبد الله بن عباس قال: ما ختر قوم بالعهد إلا سلط الله عليهم العدو. الموطأ / باب ما جاء في الوفاء بالعهد.
ومع هذا التنفير من الغدر جَوَّزَ الشرع الخداع في الحرب لتحقيق الظفر قال النووي: اتفق العلماء على جواز خداع الكفار في الحرب كيف أمكن الخداع إلا أن يكون فيه نقض عهد أو أمان فلا يحل.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " الحرب خدعة " رواه البخاري (3029) ومسلم (58) ، ومن أخطر عناصر الخديعة مفاجأة العدو وأخذه على غِرَّة قبل أن يستعد للقتال فعندما أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتوجه إلى مكة لفتحها أمر المسلمين أن يتجهزوا دون أن يبوح لأحد بقصده إلا بعد التحرك نحو مكة وبعد أن أخذ كل الاحتياطات لمنع وصول الأخبار إلى المشركين.
وكان صلى الله عليه وسلم يبعث بسرايا كثيرة فيوصيهم بالسير ليلاً والاستخفاء نهاراً حتى يباغتوا عدوهم.
ومع جواز الخداع في الحرب نقول: إن الإسلام قد بلغ شأواً عالياً في الالتزام بالوفاء بالعهد في استعمال هذه المعاريض والحيل الحربية ومن روائع الأمثلة:
أن عمر بن الخطاب كتب إلى عامل جيش كان بعثه: " قد بلغني أن رجالاً منكم يطلبون العلج (وهو الكافر غير العربي) حتى إذا اشتد في الجبل وامتنع يقول: لا تخف فإذا أدركه قتله، وإني والذي نفسي بيده لا يبلغني أن أحداً فعل ذلك إلا ضربت عنقه ".
وعن أبي مسلمة قال: قال عمر بن الخطاب والذي نفسي بيده لو أن أحدكم أشار إلى السماء بإصبعه إلى مشرك ثم نزل إليه على ذلك ثم قتله لقتلته به.
فالإسلام حرم الغدر، والغدر ليس من أبواب الحيلة والخداع الجائز في الحروب.
فالشريعة الإسلامية فرقت بين ما يجوز من وسائل الحيلة وما ينطوي على الغدر ونقض العهد.
أنظر العلاقات الخارجية في دولة الخلافة 197.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/4842)
هل يتعطل الجهاد إذا لم يوجد خليفة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن أن نشارك في الجهاد إذا لم يكن لدينا خليفة ينظمنا أو ليس لنا قوة على القتال؟
هل يجب أن نتصرف كالرسول صلى الله عليه وسلم ونمتلك الصبر والثقة بالله قبل الحصول على القوة لنقاتل الكفار؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الجهاد في سبيل الله تعالى ذروة سنام الإسلام وشعيرة ظاهرة من شعائر الدين لا يتوقف على وجود إمام.. لكن من المعلوم بداهة أن الجهاد يحتاج إلى إعداد وترتيب ووجود قائد للجيش وتراعى في ذلك المصالح والمفاسد وهذا مسلك العدل بين من تهوّر ولم ينضبط بضوابط الشرع وأحكامه وبين من أهمل هذه الشعيرة وعطلها علماً وعملاً..
والواجب التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع شؤونه ومن ذلك إعداد العدة والقوة..
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد آل عبد اللطيف(5/4843)
لماذا فتح المسلمون الأندلس؟
[السُّؤَالُ]
ـ[فهم شخص يهودي من آية في القرآن الكريم أن الإسلام ينهى عن اعتراض الناس في ديارهم، فلماذا في السابق كانت هناك فتوحات إسلامية؟ خاصة عندما ذهب الفارس الإسلامي طارقُ بن زياد لفتح الأندلس، مع أن سكانها كانوا في ديارهم، وقال طارق بن زياد لجنوده: البحر من خلفكم، والعدو أمامكم. أرجو من فضيلتكم توضيح ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأندلس حلقة من حلقات التاريخ الإسلامي العظيم، بل هي منارة في تاريخ البشرية كلها، حيث كانت مصدر العلم والمعرفة في الأرض لقرون متطاولة، تعلمت منها أوروبا كلها دروس الحضارة والمدنية، وكان فتحها - بلا شك – من أعظم أحداث القرن الهجري الأولى (92هـ الموافق 711م) ، وكان ذلك العهد أزهى وأرقى عهود بلاد الأندلس منذ بدء التاريخ ولعله إلى آخر الزمان.
ولأهمية هذا الموضوع، كان لا بد من بيان بعض الأمور المهمة المتعلقة بهذا الحدث العظيم:
أولا:
إن أهم مقاصد الجهاد التي شرع من أجلها تبليغ رسالة التوحيد، بكسر جميع الطواغيت التي تحول بينها وبين الناس، ودعوة الناس إلى الإسلام من غير إكراه ولا إجبار، بل عن طواعية واختيار.
يقول الله تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ) البقرة/193
قال قتادة رحمه الله: " حتى لا يكون شركٌ، "ويكون الدين لله": أن يقال: لا إله إلا الله، عليها قاتل نبيُّ الله، وإليها دعا. " تفسير الطبري (3/567) .
ثانيا:
كانت " الأندلس " واسمها القديم " أيبيرية " خاضعةً للإمبراطورية الرومانية، وفي مطلع القرن الخامس الميلادي – أي حوالي عام 410 م اجتاحتها قبائل " القُوط " الأريوسية المذهب، وأسسوا فيها دولةً قُوطِيَّة عاصمتها " طليطلة ".
ومن هنا نفهم أن شعوب " الأندلس " الأصلية من الكنعانيين الكاثوليك كانت - قبل الفتح الإسلامي - خاضعة للنفوذ القوطي، وتكوَّنَ سكانها من طبقات أربعة متناقضة متصارعة: طبقة القوط الحكام المستعمرين، وطبقة الأعيان الرومانيين ومعهم الإقطاعيون ورجال الدين، وطبقة اليهود، وطبقة الشعب العامل من سكان البلاد الأصليين.
فهي بلاد محتلة مضطهدة أصلا، ولم تكن تحت حكم سكانها الأصليين، ولم يكن المسلمون هم المبتدئين للاحتلال، إنما خلصوا البلاد من احتلال ظالم إلى بلد مسلم يختار أهله عقيدة المسلمين، وينتسبون إلى دولتهم.
ثالثا:
زيادة على الاحتلال الذي فرضته القبائل القوطية الغربية على بلاد الأندلس، كان التسلط والظلم والاضطراب سمةً بارزة في فترة حكمهم التي امتدت نحو ثلاثة قرون.
يقول حسين مؤنس في كتابه "فجر الأندلس" (ص/8،18-19) :
" لكن سلطانهم لم يستقر في البلاد أول الأمر بسبب ما ثار بينهم وبين أهل البلاد من منازعات دينية، وبسبب ما شجر بين أمرائهم من خلافات، ولهذا ظلت البلاد طوال القرن السادس نهبا للحروب الأهلية، وما ينجم عنها من الفوضى وسوء الحال ... - حتى كان آخر حكام القوط – واحد اسمه " رودريكو " (لذريق) ... والظاهر الذي لا تستطيع المناقشة إخفاءه أن الرجل كان يشعر باضطراب الأمر عليه، وأنه ظل حياته متخوفا من وثبة تكون من أحد أعدائه الكثيرين؛ لأن هؤلاء الأعداء لم يكونوا أولاد " غيطشة " وحدهم – الذين استولى " لذريق " على ملكهم – بل كانوا في واقع الأمر جلة الشعب الإيبيري الروماني واليهود، أي معظم أهل البلاد التي اقتحمها القوط عليهم " انتهى باختصار.
وقد حاول كثير من المؤرخين الأسبان أن يدافعوا عن دولة القوط - تعصبا منهم في رفض الوجود الإسلامي في تلك البلاد - إلا أن كتب التاريخ مليئةٌ بالأدلة على ما ذكره الأستاذ حسين مؤنس في شأن رفض أهل البلاد حكم القوطيين، حتى نقل في (ص/10) عن " رفائيل بالستيروس " المؤرخ الإسباني قوله: إن العرب لو لم يتدخلوا في سنة 711هـ في شؤون الجزيرة، ويضعوا نهاية لهذا العصر المضطرب، لَبَلَغَ القوطُ بإسبانيا مبلغا من السوء لا يسهل تصوره.
رابعا:
لما اشتد ظلم حكام القوط في تلك البلاد، وضاق الشعب بهم، أرسلوا إلى المسلمين يطلبون منهم تخليصهم والنجاة بهم، فقد أجمعت المصادر العربية على ذكر إرسال حاكم " سبتة " واسمه " يوليان " أو جوليان " إلى موسى بن نصير يطلب منه دخول البلاد وتخليصهم من شر " لذريق "، كما تذكر كثير من المصادر إرسال أبناء " غيطشة " إلى موسى بن نصير يستنجدون به على مَن غصبهم ملك أبيهم، بل إن المصادر التاريخية الغربية تنسب إلى اليهود المضطهدين في " الأندلس " من قبل القوط استنجادَهم بِمَن وراء البحر من " الأفارقة " أو " المسلمين " ليخلصوهم من ظلم " لذريق " وأعوانه، وهو أمر وإن أنكره بعض المؤرخين، غير أن المتفق عليه بينهم أن اليهود تعرضوا في تلك الفترة إلى اضطهاد كاد يفنيهم ولا يبقي لهم أثرا. انظر "فجر الأندلس" لحسين مؤنس (ص/14)
وفي النصوص الباقية الموروثة كثير من الأدلة على أن الأندلسيين استقبلوا المسلمين استقال الفاتحين، ومن ذلك:
يقول صاحب كتاب "أخبار مجموعة في فتح الأندلس" (ص/24) متحدثاً عن الخدمات التي قدمها بعض الإسبان لموسى بن نصير:
" فلما نزل الجزيرة، قيل له: اسلك طريقه، قال: ما كنت لأسلك طريقه. قال له العلوج الأدلاء: نحن ندلك على طريق هو أشرف من طريقه، ومدائن هي أعظم خطباً من مدائنه، لم تُفتح بعد، يفتحها الله عليك إن شاء الله " انتهى.
ويقول أيضاً:
" ثم سار إلى مدينة قرمونة، فقدَّم إليها العلوج الذين معه، وهي مدينة ليس بالأندلس أحصن منها، ولا أبعد من أن ترجى بقتال أو حصار، وقد قيل له حين دنا منها: ليست تُؤخذ إلا باللطف، فقدَّم إليها علوجاً ممن قد أمنه واستأمن إليه، مثل " يليان "، ولعلهم أصحاب " يليان "، فأتوهم على حال الأفلال، معهم السلاح، فأدخلوهم مدينتهم، فلما دخلوها بعث إليهم الخيل ليلاً، وفتحوا لهم الباب، فوثبوا على حراسه، ودخل المسلمون قرمونة " انتهى.
بل إن بعض أساقفة النصارى شاركوا في مساعدة المسلمين على الفتح، منهم " أوباس " أسقف " إشبيلية " كما في كتاب "العرب لم يغزوا الأندلس" (ص/187)
وينقل صاحب كتاب "تاريخ النصارى في الأندلس" (ص/45) عن ما جاء في سيرة القديس " سانت ثيودارد" رئيس أساقفة " أربونة " الذي عاش حوالي سنة (266هـ) أنه لما دخل المسلمون لأول مرة إلى " لانجدوك "، انحاز اليهود إليهم، وفتحوا لهم أبواب مدينة
" طولوشة ".
والمسلمون يؤمنون بأن نصرة المظلوم وإحقاق العدل والسلم من أعظم مقاصد الجهاد في الشريعة الإسلامية، دليل ذلك ما وقع في "سيرة النبي صلى الله عليه وسلم " من " حِلف الفضول "، حيث تعاهدت القبائل على كف الظالم ونصرة المظلوم ولو كان كافرا.
يقول الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه "العلاقات الدولية في الإسلام" (83) :
" الإسلام ينظر إلى الرعايا الذين يُحكَمون بالظلم ويُقيدون في حرياتهم نظرة رحيمة عاطفة، ينصرهم إذا استنصروه، ويرفع عنهم نير الطغيان إن هم استعانوا به " انتهى.
وذلك ما شهد به بعض اليهود حين أدركوا عظيم الفضل الذي أسداه المسلمون لهم في توفير حياة كريمة، وحرية لم يشهدوا لها مثيلا عبر تاريخ وجودهم في أوروبا كلها.
يقول حاييم الزعفراني اليهودي في كتابه "ألف سنة من حياة اليهود في المغرب" (ص/13) :
" لقد عرفت اليهودية الأندلسية في مجموعها حياة أكثر رخاء، وأكثر اطمئناناً، كما لم تعرفها في مكان آخر " انتهى.
ويقول نسيم رجوان - رئيس تحرير جريدة اليوم الإسرائيلية -:
" كان اليهود قد عانوا خلال قرون الكثير من الشقاء والبؤس، حيث كان الملوك الإسبان القساة الغلاظ بعيدين كل البعد عن الشفقة والرحمة. وعندما دخل المسلمون إسبانيا لم يكتفوا بتحرير اليهود من الاضطهاد، ولكنهم شجَّعوا بينهم نشر حضارة كانت توازي بخصبها وعمقها أشهر الحضارات في مختلف العصور " انتهى نقلا عن كتاب "أهل الكتاب في المجتمع الإسلامي" (ص/49)
سادسا:
ويُتَوَّجُ ما سبق بالقطع واليقين، حين نستحضر أن فتح تلك البلاد لم يستغرق إلا نحو ثلاثة سنين (92هـ - 95هـ) وصل فيها المسلمون إلى فرنسا، ولم يشارك فيه إلا بضعة آلاف من الجنود، مما يقطع لك بأن الأمر لم يكن فتحا عسكريا بالقدر الذي كان فتحا فكريا وعقائديا، آمن فيه سكان " الأندلس " بعقيدة المسلمين، واختاروا – عن حب وطواعية – التسليم لهذا الدين الجديد، والتخلص من طغيان الكنيسة والإقطاع الذي كان سائدا قبل المسلمين، وقد كتب في ذلك واحد من أشهر المؤرخين الإسبان، واسمه " اغناسيو أولاغي " كتابا اشتهر في السبعينيات اسمه " الثورة الإسلامية في الغرب "، ترجمه واختصره الأستاذ المؤرخ المحقق " إسماعيل الأمين " تحت عنوان " العرب لم يغزوا الأندلس "، طباعة " رياض الريس للكتب والنشر "، أراد فيه المؤلف بيان أن التحول إلى الإسلام في الأندلس لم يتم إلا عبر حركة الأفكار وتصارعها، ثم هيمنة ما يسميه المؤلف بالفكرة/القوة، التي شكلت عصب الحضارة العربية الإسلامية في ثلاثة أرباع العالم يومها، ورغم ما في الكتاب من مغالاة في نقد كل ما اشتهر في تاريخ الأندلس، إلا أن الذي يهمنا فيه بعض النصوص التي توحي بأن دخول الإسلام الأندلس لم يكن اعتراضا وقهرا، بل كان فتحا للقلوب وتنويرا للعقول، وليتحمل القارئ الكريم طول النص المنقول، فإنه من أبدع النصوص التي كتبها أعداء الإسلام في أمر يثيره كثير من الحاقدين:
جاء في (ص/55- 66) :
" هكذا يتضاءل الغزو الأجنبي إلى حادث عرضي في حرب أهلية، فهل يبقى من صلة بين هذا الحدث العسكري من جهة، وبين اعتناق الأيبيريين الإسلام، ثم نشوء حضارة إسلامية في أيبيريا من جهة ثانية؟
في الأبحاث المتعلقة بخرافة الغزو جاءت الأرقام دقيقة، وصل طارق بسبعة آلاف رجل لهزيمة رودريك، وجاء موسى بن نصير على رأس ثمانية عشر ألف رجل ليخضع الأيبيريين لسلطانه، أحدث خمسةٌ وعشرون ألف رجل هذا التحول الهائل في اللاتينية والمسيحية والزواج الأحادي، في ضربة واحدة بدَّل الأيبيريون أعرافهم وتقاليدهم وديانتهم، بعد هذا الإنجاز العظيم يبادر العرب دون أي تعزيز لقواتهم ومواقعهم إلى غزو فرنسا!
مع ذلك يبقى من المطلوب تفسير كيف يمكن أن تتم عملية تحويل شعوب أيبيريا المحصَّنة جغرافيا وطبيعيا بهذه السرعة، ومن قبل حفنة ممن نسبت إليهم المجزات، خصوصا أن الأيبيريين والغزاة لم يكونا من أصل مشترك.
من البديهي أن جيشا من هذا النوع كان سيذوب بين الجموع إذا ما خاطر بنفسه وتوغل في عمق البلاد، هذا فضلا عن أن الأيبيريين خلال تاريخهم الطويل لم يكونوا شعبا مسالما في مواجهة مثل هذا النوع من الأحداث، ألم يكن من الممكن أن ينظموا حرب "العصابات" التي كانوا قد قدموا وصفتها إلى العالم بأكمله؟!
ماذا فعل الأيبيريون في هذه الأثناء؟ بعد سنة 711م لم يحدثنا التاريخ عنهم، مع هذا فإن عشرة ملايين نسمة – على أقل تقدير – لم يختفوا هكذا بضربة سحرية في تلك الحقبة السعيدة، لم يكن هناك وسائل إبادة جماعية، وكان يلزم الفاتحون الكثير من الوقت والعمل لجزر هذا العدد بالسيف، لا يمكن لأودية "أشتورش" الصغيرة استقبال هذا العدد من اللاجئين، يكفي هذه الأودية أنها شكلت حصنا للمتمردين القلائل الذي سيشكلون فيما بعد نواة المملكة المسيحية، هكذا تم إخفاء عشرة ملايين من الأيبيريين من صفحات التاريخ، فإذا كان اجتياح أرض مسيحية من قبل " الكفار " قد بدا بهذه الضخامة، بماذا يمكننا إذن أن نصف اعتناق شعبها الإسلام، وتمثله الحضارة العربية الإسلامية؟ إما أن يكونوا جميعهم قد قتلوا، وإما تم استرقاقهم عبيدا، أو لجؤوا إلى الجبال، أو ببساطة قد تم تجاهل وجودهم من قبل المؤرخين.
لماذا وكيف اعتنقت الجماعات الإنسانية التي كانت متمركزة في المقاطعات البيزنطية في آسيا ومصر وأفريقيا الشمالية وشبه جزيرة أيبيريا إيمانا جديدا ومفهوما جديدا للوجود؟
قد يسهل تحويل خرافة الغزوات العربية المستحيلة جغرافيا وتاريخيا إلى حقيقة، ولكننا لا يمكننا أن ننكر أن حضارةً عربية إسلامية قد امتدت في جميع هذه الأصقاع.
يصاب الباحثون بالدهشة حين يعرفون من خلال الروايات عدد الغزاة: خمسة وعشرون ألف رجل أهلكوا عشرة ملايين!!
في الواقع استمرت عملية اعتناق الدين الإسلامي واكتملت خلال قرنين أو ثلاثة قرون، فكان اعتناقا كاملا أو نهائيا، لم يترك سوى بعض الجزر التي بدا وجودها مشكوكا فيه.
كيف إذًا يمكن تفسير هذه العودة عن المسيحية واعتناق الإسلام بقوة السلاح؟
وماذا كانت نتيجتها؟
بعض المؤرخين قَبِلَ الإجابة التقليدية الجاهزة عن هذه الأسئلة، وبعضهم الآخر أصيب بتشوش فكري.
لم يتمكن هؤلاء من فهم كيفية خضوع شعوب مصر والمقاطعات البيزنطية لما يسمونه بـ "قوانين البدو"، لقد أثبت " كزافيي بلان هول " في كتابه " العالم الإسلامي " أن الإسلام كان دائما دين المدن، مع هذا لنفترض أنهم أُخضعوا بالقوة من قبل جماعات البدو، فلماذا تنازلوا لهؤلاء البدو عن كامل حضارتهم؟
كانت المقاطعات البيزنطية تتمتع بحياة مدنية متقدمة، وكانت المدن المزدهرة كبيرة، كان عدد سكان أنطاكيا حوالي 300 ألف نسمة، وكان من بين الأربع مائة أسقفية بيزنطية ثلاث مائة وواحد وسبعون أسقفية موجودة في آسيا، من هنا تظهر أهمية النصر الإسلامي على المستوى الفكري.
هل يتعين علينا أن نتصور أن أبناء المدن قد فُتنوا بمدنية أولئك المتدفقين من تلك الوحشة الواسعة؟ يبدو الأمر مستحيلا إذا لم يكن لدى هؤلاء البدو غير السيف.
التعصب الديني وسوء الفهم الناتجان أحيانا عن انعدام الوعي وأحيانا عن الإرادة الواعية والمتعاظمان مع الزمن أخفيا - تحت جملة من الأكاذيب والخرافات - قسما هاما من تاريخ انتشار الإسلام على طول السواحل الشرقية والجنوبية للبحر المتوسط، وانسجاما مع مفهوم بدائي للتاريخ فسرت التحولات الروحية والاجتماعية والثقافية العملاقة في القرنين السابع والثامن - في عالمي الشرق والبحر المتوسط - كنتيجة لغزوات عسكرية فرضت اللغة والحضارة والدين بالسيف المعقوف!!
الإكراه لا يفسر كل شيء.
في الواقع: إن المؤرخين قد خلطوا بين انتشار الأفكار العبقرية التي تحملها حضارة ما، وبين القدرات العسكرية التي لا تسمح إلا بنشوء إمبراطوريات وقتية تزول مع الزمن.
لقد خلطوا بين القوة العقلية والقوة المادية.
نستنتج من دراسة الحركات المشابهة أن انتشار الإسلام كان نتيجة الفكرة/القوة، وليس نتيجة للقدرة على الهجوم العسكري المسلح، فمثلما سيطرت " الهيلينية " فيما مضى، ويسيطر الغرب اليوم، فإن سيطرة الإسلام لا يمكن أن تكون إلا ثمرة لحركات أفكار/قوة.
أما الاستمرار في الاعتقاد بأن شعوبا تزدهم (أي تغزوهم) في بلادها حضارة هادمة، قد تركت معتقداتها وغيرت عاداتها لأن حفنة من الفرسان الميامين قهرتها عسكريا، فلا يوحي إلا بمفهوم صبياني سخيف للحياة الاجتماعية.
يجب أن يتقلص الجانب العسكري من الأحداث إلى دور ثانوي يتعلق بتفاصيل طرائف الحياة الشخصية. يجب فهم المشكلة في المجال الفكري والثقافي.
لم يكن هناك عدوان عسكري، بل أزمة ثورية، ودعوة حملها الفقهاء وليس الجنرالات.
إن العلماء وحدهم يدركون حركة الشعوب ويقدرون على قيادتها، أما السيادة العسكرية فلا يمكن أن تستمر ثمانية قرون في الأندلس، وإلى الأبد في مساحات شاسعة من العالم " انتهى باختصار.
(من المراجع التاريخية المستفاد منها: "البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب" لابن عذاري المراكشي (2-9) ، "نفح الطيب" للمقري 1/229-263 وغيرها) .
وفي موقعنا بعض الإجابات المتعلقة بموضوع الجهاد، يمكنكم مراجعتها، وهي:
(21961) ، (26125) ، (34647) ، (43087)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4844)
معاملة الأسرى في الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يعامل أسرى الحرب في الإسلام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
دين الإسلام دين رحمة وعدل، أمرنا بالدعوة إلى دين الله بالتي هي أحسن، وترغيب الناس في الدخول في هذا الدين العظيم، فإن أصر بعض الناس على رفض دين الله وقام في وجه الحكم بما أنزل الله في الأرض وحاربوا الدعوة إلى الله فإننا نخيرهم بين ثلاثة أشياء:
إما الإسلام، فإن أبوا فالجزية (وذلك بأن يدفعوا مبلغاً معيناً للمسلمين مقابل أن يبقوا في أرضهم ويقوم المسلمون بحمايتهم) فإن أبوا فحينئذٍ لم يبق لهم إلا الطريق الذي اختاروه لأنفسهم وهو القتال وإعمال السيف في رقاب الذين آذوا المسلمين وعرقلوا سير الدعوة الإسلامية ووقفوا حجر عثرة في طريق المسلمين لأن ذلك يجعل المسلمين أعزة، والأعداء أذلة حتى إذا أثخناهم في المعركة قتلاً وجرحاً، وتم لنا الرجحان عليهم رجحنا الأسر - المعبر عنه بشدِّ الوثاق -؛ لأنه يكون حينئذٍ من الرحمة الاختيارية وتكون الحرب ضرورة تُقدر بقدرها وليس المراد بها سفك الدماء، وحب الانتقام.
فإذا استولى المسلمون عليهم وساقوهم إلى المكان المُعدّ لهم فإنه لا ينبغي لهم أن يؤذوهم أو يُعذبوهم بضرب أو جوع أو عطش أو تركهم في الشمس أو البرد أو لسعهم بالنار المُحرقة، أو تكميم أفواههم وآذانهم وأعينهم ووضعهم في أقفاص الحيوانات، بل رفق ورحمة، وإطعام وترغيب في الإسلام.
فهذا ثمامة بن أثال – سيد بني حنيفة – جئ به أسيراً، فرُبط بسارية المسجد، فجاء إليه الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: ماذا عندك يا ثمامة؟
قال: عندي يا محمد خير، إن تقتل تقتل ذا دم – أي أستحق القتل لأني قتلت من المسلمين -، وإن تُنعم تُنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل تُعط منه ما شئت فتركه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثلاثة أيام وفي كل يوم يأتي إليه فيسأله مثل هذه الأسئلة ويجيبه ثمامة بمثل إجابته تلك، وبعد اليوم الثالث أمر بفك أساره، فانطلق إلى نخلٍ قريب من المسجد فاغتسل ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، ثم قال: يا رسول الله: والله ما كان على الأرض أبغض إلى من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إليَّ، والله ما كان من دين أبغض إليَّ من دينك فأصبح دينك أحب الدين كله إليَّ، والله ما كان من بلد أبغض إليَّ من بلدك فأصبح بلدك أحب إليَّ، وإن خيالتك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى؟
فبشره رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأمره أن يعتمر، فلما قدم مكة قال له قائل: صبوت؟
فقال: لا، ولكني أسلمت مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولا والله لا يأتينكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
فتأمل رحمك الله هذه القصة، وكيف أثرت المعاملة الحسنة في ثمامة إلى أن اقتادته إلى الإسلام، وما كان ذلك ليحصل لولا توفيق الله ثم المعاملة الكريمة التي لقيها ثمامة.
أما في كتاب الله فقد قال الله تعالى في الأبرار: {ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكورا} قال ابن كثير – رحمه الله -: "قال ابن عباس كان أسراهم يومئذ مشركين ويشهد لهذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه يوم بدر أن يكرموا الأسارى فكانوا يقدمونهم على أنفسهم عند الغداء ... قال مجاهد هو المحبوس أي يطعمون الطعام لهؤلاء وهم يشتهونه ويحبونه. انتهى
حكم ربط الأسرى: من المعلوم أن الأسرى لو تمكنوا من الفرار لما ترددوا لأنهم قد يخافون من نهاية مصيرهم، ولا يعلمون ماذا سيقابلهم، لذلك أُمر المسلمون بربط الأسير، وشدِّ يديه إلى عنقه خوفاً من فراره وهو أمرٌ لا يزال سارياً ومعروفاً لدى الناس جميعاً.
ويبدو أن الحكمة من مشروعية الأسر كسر شوكة العدو ودفع شرِّه بإبعاده عن ساحة القتال لمنع فاعليته وأذاه، فضلاً عن توفير أسباب افتكاك أسرى المسلمين بمن عندنا.
حبس الأسرى ...
وحبس الأسير سياسة لاستبانة الأصلح: فلإمام المسلمين حبس الأسرى حتى يرى فيهم وجه المصلحة، فإما أن يقبل فيهم الفداء بالمال، أو يبادلهم بأسرى مسلمين، أو يُطلقهم منّاً بلا مقابل أو يوزعهم على المسلمين رقيقاً وسبياً، أو يقتل الرجال دون النساء واأولاد لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن قتلهم.
والغاية من حبس الأسير هي الاحتراز والتحفظ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يوصي بهم خيراً، بينما كان الروم ومِن قبلهم الآشوريون والفراعنة يَسمِلُون عيون الأسرى (أي يفقأون أو يكحلون أعينهم بالمسامير المحمَّاة) ويسلخون جلودهم ويُطعمونها الكلاب، حتى فضَّل الأسرى السجناء الموت على الحياة.أحكام السجن ومعاملة السجناء في الإسلام لحسن أبي غدة 256.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/4845)
إذا كان لديه مال يكفي للحج أو الهجرة الواجبة فأيهما يقدم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا توفر لي مال يكفي للحج الواجب أو الهجرة من بلد كافر وتبرج عظيم ... إلى بلاد إسلام فماذا أختار؟ مع العلم أن والدي مقيمان الآن في هذا البلد الكافر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الحج واجب على الفور في أصح قولي العلماء، ومعنى ذلك: أنه يجب على المكلف الحج بمجرد التمكن من فعله، ولا يجوز له تأخيره من غير عذر، وراجع السؤال رقم (41702)
ثانيا:
الهجرة من بلاد الكفر تكون واجبة أو مستحبة بحسب حال الإنسان، فإن قدر على إظهار دينه، وأمن الفتنة على نفسه، لم تجب عليه الهجرة، وإن لم يقدر على إظهار دينه، أو خشي الفتنة على نفسه، وجبت.
وإذا وجبت الهجرة، ولم يجد الإنسان مالا ليهاجر ويحج، فالهجرة مقدمة، لأن الحج لا يجب إلا عند وجود نفقة زائدة على الحوائج الأساسية، والهجرة الواجبة تدخل في الحوائج الأساسية، فتقدم على الحج.
وأيضا: تأخير الهجرة بعد وجوبها ضرر على المسلم في دينه، وأما الحج فيجوز تأخيره بعذر، ولا ضرر في ذلك.
وهذا الكلام إنما يتصور في حال وجوب الهجرة في وقت الحج، وإلا فإن وجبت الهجرة قبل الحج، تعين فعلها، ثم إن جاء الحج، وتوفر المال، وجب، وإن لم يكن مال لم يجب.
ونسأل الله تعالى أن يحفظك بحفظه، وأن يثبتك على طاعته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4846)
بعض أحكام الجهاد ودرجات الشهداء وحياتهم بعد الموت
[السُّؤَالُ]
ـ[نرجو من فضلتكم إفادتنا وبشيء من التفصيل حول موضوع " الجهاد في سبيل الله " وذلك من خلال المحاور التالية: 1. مفهوم الجهاد لغة وشرعاً؟ 2. الشهادة لغة وشرعاً؟ 3. درجات الشهداء وأنواعها؟ 4. حياة الشهداء عند ربهم؟ 5. تأثير إذن الإمام في إعلان الجهاد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الجهاد لغةً: بذل واستفراغ ما في الوسع والطاقة من قول أو فعل.
وشرعاً: بذل الجهد من المسلمين في قتال الكفار لإعلاء كلمة الله.
انظر " النهاية في غريب الحديث " لابن الأثير الجزري (1 / 319) ، و " المصباح المنير " (1 / 112) و"أهمية الجهاد" للدكتور علي بن نفيع العلياني.
ثانياً:
الشهادة لغةً: تطلق على عدة معان: الخبر القاطع , والحضور والمعاينة والعلانية , والموت في سبيل الله.
وشرعاً: من مات من المسلمين في قتال الكفار وبسببه، ويلحق به في أمور الآخرة أنواع كما سيأتي بيانه.
انظر " الموسوعة الفقهية " (26 / 214 و 272) .
ثالثاً:
الشهداء أقسام:
قال النووي رحمه الله:
" واعلم أن الشهيد ثلاثة أقسام:
أحدها: المقتول في حرب الكفار بسبب من أسباب القتال، فهذا له حكم الشهداء في ثواب الآخرة وفى أحكام الدنيا، وهو أنه لا يغسل ولا يصلى عليه.
والثاني: شهيد في الثواب دون أحكام الدنيا، وهو المبطون والمطعون وصاحب الهدم ومن قتل دون ماله وغيرهم ممن جاءت الأحاديث الصحيحة بتسميته شهيداً، فهذا يغسل ويصلى عليه , وله في الآخرة ثواب الشهداء، ولا يلزم أن يكون مثل ثواب الأول.
والثالث: من غلَّ في الغنيمة وشبهه ممن وردت الآثار بنفي تسميته شهيداً إذا قتل في حرب الكفار، فهذا له حكم الشهداء في الدنيا فلا يغسل ولا يصلى عليه , وليس له ثوابهم الكامل في الآخرة " انتهى.
" شرح النووي على مسلم " (2 / 164) .
درجات الشهداء:
مرتبة الشهداء مرتبة عظيمة تلي مرتبة النبيين والصدِّيقين:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" وقد قال تعالى (فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين) وهذه الأربعة هي مراتب العباد، أفضلهم: الأنبياء ثم الصديقون ثم الشهداء ثم الصالحون " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (2 / 223) .
وقد جعل الله تعالى الجنة درجات، وللمجاهدين منها مائة درجة كما جاء في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، فالشهداء ليسوا في منزلة واحدة بل يتفاوتون في منازلهم.
قال ابن حجر رحمه الله بعد أن عدَّد الشهداء غير من قتل في المعركة:
" وقد اجتمع لنا من الطرق الجيدة أكثر من عشرين خصلة ... .
قال ابن التين: هذه كلها ميتات فيها شدة، تفضَّل الله على أمة محمد صلى الله عليه وسلم بأن جعلها تمحيصاً لذنوبهم، وزيادة في أجورهم، يبلغهم بها مراتب الشهداء.
قلت (ابن حجر) : والذي يظهر أن المذكورين ليسوا في المرتبة سواء، ويدل عليه ما روى أحمد وابن حبان في صحيحه من حديث جابر والدارمي وأحمد والطحاوي من حديث عبد الله بن حبشي وابن ماجه من حديث عمرو بن عنبسة (أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أي الجهاد أفضل؟ قال: من عُقر جوادُه وأُهريق دمه) " انتهى.
" فتح الباري " (6 / 43، 44) باختصار.
وقد ورد في السنة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يبيِّن هذا التفاوت بين الشهداء , ومن ذلك:
أ. عَنْ نُعَيْمِ بْنِ هَمَّارٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الشُّهَدَاءِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: (الَّذِينَ إِنْ يُلْقَوْا فِي الصَّفِّ لا يَلْفِتُونَ وُجُوهَهُمْ حَتَّى يُقْتَلُوا , أُولَئِكَ يَنْطَلِقُونَ فِي الْغُرَفِ الْعُلَى مِنْ الْجَنَّةِ , وَيَضْحَكُ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ , وَإِذَا ضَحِكَ رَبُّكَ إِلَى عَبْدٍ فِي الدُّنْيَا فَلا حِسَابَ عَلَيْهِ) .
رواه أحمد (21970) ، وصححه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة " (2558) .
ب. عَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ السُّلَمِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْقَتْلى ثَلاثَةٌ: رَجُلٌ مُؤْمِنٌ قَاتَلَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا لَقِيَ الْعَدُوَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى يُقْتَلَ , فَذَلِكَ الشَّهِيدُ الْمُفْتَخِرُ فِي خَيْمَةِ اللَّهِ تَحْتَ عَرْشِهِ , لا يَفْضُلُهُ النَّبِيُّونَ إِلا بِدَرَجَةِ النُّبُوَّةِ، وَرَجُلٌ مُؤْمِنٌ قَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا جَاهَدَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا لَقِيَ الْعَدُوَّ قَاتَلَ حَتَّى يُقْتَلَ مُحِيَتْ ذُنُوبُهُ وَخَطَايَاهُ , إِنَّ السَّيْفَ مَحَّاءُ الْخَطَايَا , وَأُدْخِلَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شَاءَ , فَإِنَّ لَهَا ثَمَانِيَةَ أَبْوَابٍ , وَلِجَهَنَّمَ سَبْعَةَ أَبْوَابٍ , وَبَعْضُهَا أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ، وَرَجُلٌ مُنَافِقٌ جَاهَدَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ حَتَّى إِذَا لَقِيَ الْعَدُوَّ قَاتَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى يُقْتَلَ فَإِنَّ ذَلِكَ فِي النَّارِ , السَّيْفُ لا يَمْحُو النِّفَاقَ) .
رواه أحمد (17204) وجوَّد إسنادَه المنذري في " الترغيب والترهيب " (2 / 208) وحسنه الألباني في " صحيح الترغيب " (1370) .
ج. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُبْشِيٍّ الْخَثْعَمِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ: أَيُّ الْجِهَادِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: (مَنْ جَاهَدَ الْمُشْرِكِينَ بِمَالِهِ وَنَفْسِهِ) قِيلَ: فَأَيُّ الْقَتْلِ أَشْرَفُ؟ قَالَ: مَنْ أُهَرِيقَ دَمُهُ وَعُقِرَ جَوَادُهُ. رواه أبو داود (1449) والنسائي (2526) . وصححه الألباني في " صحيح الترغيب " (1318) .
د. عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب , ورجل قام إلى أمام جائر فأمره ونهاه , فقتله) رواه الحاكم وصححه الألباني في "السلسة الصحيحة" (374) .
رابعاً:
وأما حياة الشهداء عند ربهم فهي حياة برزخية، يُكرمهم فيها ربهم بنعيم الجنة، وهم متفاوتون فيها بتفاوت أعمالهم في الدنيا ونياتهم.
قال الله تعالى: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ. فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ. يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ) آل عمران/ 169-171.
وقال تعالى: (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ) البقرة/154.
قال الشيخ ابن عثيمين:
" والمراد: أحياء عند ربهم، كما في آية آل عمران؛ وهي ياة برزخية لا نعلم كيفيتها؛ ولا تحتاج إلى أكل، وشرب، وهواء، يقوم به الجسد؛ ولهذا قال تعالى: (ولكن لا تشعرون) أي: لا تشعرون بحياتهم؛ لأنها حياة برزخية غيبية؛ ولولا أن الله عزّ وجلّ أخبرنا بها ما كنا نعلم بها ...
ومن فوائد الآية: إثبات حياة الشهداء؛ لكنها حياة برزخية لا تماثل حياة الدنيا؛ بل هي أجلّ، وأعظم، ولا تعلم كيفيتها " انتهى.
" تفسير سورة البقرة " (2 / 176، 177) .
وقال ابن رجب الحنبلي رحمه الله تحت باب " في ذكر محل أصحاب أرواح الموتى في البرزخ " -:
" وأما الشهداء: فأكثر العلماء على أنهم في الجنة، وقد تكاثرت بذلك الأحاديث:
ففي صحيح مسلم (1887) عن مسروق قال: سألْنا عبدَ الله بن مسعود عن هذه الآية (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) قال: أما إنا قد سألنا عن ذلك فقال: (أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل) . . . .
وخرج الإمام أحمد وأبو داود والحاكم – وحسَّنه الألباني في " صحيح الترغيب " (1379) - من حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة , وتأكل من ثمارها , وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش , فلما وجدوا مأكلهم ومشربهم ومقلبهم قالوا: من يبلغ عنا إخواننا أنا أحياء في الجنة نرزق , لئلا ينكلوا عن الحرب , ولا يزهدوا في الجهاد , قال: فقال الله تعالى: أنا أبلغهم عنكم فأنزل الله تعالى: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون)) .
وخرَّج الترمذي والحاكم - وصححه الألباني في " صحيح الترغيب " (13762) - من حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رأيت جعفر بن أبي طالب ملكاً يطير في الجنة مع الملائكة بجناحين) " انتهى.
" أهوال القبور " (ص 92 – 104) ط دار الكتاب العربي.
خامساً:
وأما استئذان الإمام في الجهاد، فقد سبق في جواب السؤال (69746) أن الكفار إذا هاجموا المسلمين، صار الجهاد فرض عين، وحينئذ لا يشترط إذن الإمام.
أما الجهاد الذي يقصد منه الفتح ونشر الإسلام فلا بد فيه من إذن الإمام.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4847)
تريد النصيحة للمسلمات اللاتي يعشن في الغرب
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة مسلمة أعيش في دولة أجنبية مع زوجي لطلب العيش، أرجو أن تذكروا الالتزامات والقواعد والواجبات التي يجب على المرأة المسلمة الالتزام بها وتحافظ عليها؛ وذلك لكثرة عدد المسلمات في الدول الأجنبية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1. أول ما يجب عليكم هو ترك تلك الديار الكافرة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بَرِئ ممن أقام بين أظهر المشركين، ولذلك فإنه يحرم عليكم البقاء في بلاد الكفر، وخاصة أنكم فيها من أجل العمل، وليس هذا من الأعذار الشرعية التي تجيز لكم البقاء فيها.
انظر السؤال (13363) و (27211) عن تحريم الإقامة في بلاد الكفر، وشروط جواز ذلك في بعض الحالات.
2. وعليكم أن تختاروا من البلاد الإسلامية الأقرب إلى الستر والعفاف والاستقامة على الدين، ومن المعلوم أن البلاد الإسلامية تتفاوت فيما بينها في هذه الأمور، وليست كل البلاد يمكنكم الإقامة فيها – للأسف – بل يتبع هذا لجنسيتكم وقوانين البلد.
3. فإن لم يحصل منكم مغادرة لتلك البلاد: فعليكن بتقوى الله تعالى، والاستقامة على أمره عز وجل في كل شئونكن، وأول ذلك: الحرص على أسركن من التفكك والضياع في تلك البلاد التي تساهم في هذا، فيجب عليكن الاهتمام بأولادكن ذكوراً وإناثاً وتربيتهم تربية إسلامية وربطهم بالتاريخ الإسلامي وتعليمهم الأحكام الشرعية، وتقوية اللغة العربية عندهم.
4. يجب أن يكون مكان سكن الأسر المسلمة بعيداً عن أماكن الفجور والانحلال، ولا بدَّ من اجتماع الأسر المسلمة المحافظة في مكان واحد من أجل أن يقوِّي أحدهم الآخر، ويعين بعضهم بعضاً على طاعة الله تعالى، ويساهمون بالتالي في حسن تربية أنفسهم وأبنائهم.
5. يحرم عليكن ترك الحبل على غاربه في علاقات أولادكم بأولاد الكفار، ولا يجوز لكم تمكينهم من مشاهدة البرامج والأفلام الهابطة التي تدمر الأخلاق، كما يجب الاهتمام بقراءاتهم ومراقبتها حتى لا تضل أفكارهم أو يفقدوا دينهم.
6. ينبغي أن يكون لكم في أسرتكم أوقات محددة ولو كانت قصيرة تلتقي فيها الأسرة جميعها لمتابعة بعضهم بعضا، وللوقوف على مشاكل كل واحد من الأسرة قبل تفاقمها وصعوبة أو استحالة حلها.
7. كما يجب عليكن حسن اختيار الصحبة للأسر التي تختلطون بها؛ خشية أن يكون لبعضهم تأثير سلبي على أفراد أسرتكم فتضيع جهودكم في التربية والتوجيه.
8. عليكن تبغيض هذه الحضارة وأخلاقها في نفوس أولادكم، وإعلامهم بمخالفتها للشرائع والفطَر السليمة، وضرب الأمثلة على ذلك، وربطهم بالحضارة الإسلامية وأخلاقها، وتنبيههم على أن بقاءكم في تلك الديار لن يطول.
9. وعليكن بكثرة زيارة البلد الله الحرام مكة المكرمة، فاحرصوا على الحج كل عام، وعلى العمرة أكثر من مرَّة في العام الواحد إن تيسر تقويةً لإيمانكم وتعليقاً لقلوب أولادكم بالإسلام والمسلمين، وللأسف نرى تقصيراً واضحاً من الجاليات المسلمة في بلاد الكفر في هذا الجانب.
10. تكوين مكتبة إسلامية من كتب وأشرطة وأقراص إسلامية لربط أفراد الأسرة بدينهم، وتسهيل الرجوع إلى معرفة الأحكام الشرعية، وإغلاق طرق التضليل التي تساهم في تجهيلهم وإفسادهم، وحبذا أن يكون لقناة " المجد " حضور في بيوتكم لما تقدمه من علم نافع، ولحرصهم أن لا يكون فيها نساء ولا موسيقى، وكذا ربطهم بالمواقع المفيدة في الإنترنت.
والحقيقة أن النصائح كثيرة، وكثرتها إنما هو بسبب كثرة ما في تلك الديار الكافرة من ضلال وانحلال وتفسخ وتهتك، وتحتاج كل جوانب الحياة لنصح وتوجيه وإرشاد، ولكن ما قلناه أولاً يوفر كثيراً من النصائح وهو الخروج من تلك الديار إلى بلاد الإسلام، ومن بقي في تلك الديار فليعلم أن الله تعالى سائله عن رعيته يوم القيامة، فليعد للسؤال جواباً، ونسأل الله تعالى أن يسهل لكم الخروج من تلك الديار، وأن يثبتكم على الإسلام والهداية والتوفيق والرشاد، وأن يصلح لكم ذريتكم، ويجعلهم دعاة للإسلام.
ونرجو الرجوع إلى السؤال رقم (4237) : ففيه زيادة بيان حول المحافظة على الأبناء وأفكارهم في الغرب.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4848)
مقاطعة بضائع الكفار المحاربين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من العادة إباحة التعامل مع اليهود، أو شركات يملكها اليهود أو مساهمين يهود، أو شركات لها فروع في إسرائيل، إلخ.؟
مؤخرا ً كثير من المسلمين يقولون إنه حرام التعامل مع اليهود على الإطلاق. لحسب معلوماتي المحدودة، حتى عندما قاتل المسلمون اليهود في عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم، لم يمنع التعامل معهم، وعندما توفي كان درعه مرهوناً عند يهودي على دَيْن. الرجاء إعلامنا بالموقف الصحيح لهذه القضية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: الأصل هو جواز التعامل بالبيع والشراء مع اليهود وغيرهم، لما ثبت من تعامل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه مع يهود المدينة بالبيع والشراء والقرض والرهن وغير ذلك من المعاملات المباحة في ديننا.
وهؤلاء اليهود الذين تعامل معهم النبي صلى الله عليه وسلم كانوا من أهل العهد، ومن نقض العهد منهم فقد قُتِلَ أو أُخرِجَ، أو تُرِكَ لمصلحة.
على أنه قد ثبت ما يدل على جواز البيع والشراء مع الكفار المحاربين.
قال الإمام البخاري رحمه الله:
بَاب الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ مَعَ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْحَرْبِ.
ثم روى (2216) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ مُشْرِكٌ بِغَنَمٍ يَسُوقُهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَيْعًا أَمْ عَطِيَّةً أَوْ قَالَ أَمْ هِبَةً؟ قَالَ: لا، بَلْ بَيْعٌ، فَاشْتَرَى مِنْهُ شَاةً.
وقال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم (11/41) :
وقد أجمع المسلمون على جواز معاملة أهل الذِّمَّة، وغيرهم من الكفَّار إذا لم يتحقَّق تحريم ما معه، لكن لا يجوز للمسلم أن يبيع أهل الحرب سلاحاً وآلة حرب، ولا ما يستعينون به في إقامة دينهم. . . اهـ.
وقَالَ اِبْنُ بَطَّالٍ: مُعَامَلَةُ الْكُفَّارِ جَائِزَةٌ , إِلا بَيْعَ مَا يَسْتَعِينُ بِهِ أَهْلُ الْحَرْبِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ اهـ.
ونقل في " المجموع" (9/432) الإجماع على تحريم بيع السلاح لأهل الحرب.
والحكمة من ذلك واضحة، وهي أن هذا السلاح يقاتلون به المسلمين.
ثانياً: لا شك في مشروعية جهاد أعداء الله المحاربين من اليهود وغيرهم، بالنفس والمال، ويدخل في ذلك كل وسيلة تضعف اقتصادهم وتلحق الضرر بهم، فإن المال هو عصب الحروب في القديم والحديث.
وينبغي على المسلمين عموما التعاون على البر والتقوى ومساعدة المسلمين في كل مكان بما يكفل لهم ظهورهم وتمكينهم في البلاد وإظهارهم شعائر الدين، وعملهم بتعاليم الإسلام وتطبيقهم للأحكام الشرعية وإقامة الحدود، وبما يكون سببا في نصرهم على القوم الكافرين من اليهود والنصارى وغيرهم، فيبذل جهده في جهاد أعداء الله بكل ما يستطيعه، وقد قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ) . رواه أبو داود (2504) صححه الألباني في صحيح أبي داود.
فعلى المسلمين أن يساعدوا المجاهدين بكل ما يستطيعونه، وبذل كل الإمكانيات التي يكون فيها تقوية للإسلام والمسلمين، وعليهم أيضاً جهاد الكفار بما يستطيعونه من القدرة، وعمل كل ما فيه إضعاف للكفار أعداء الدين، فلا يستعملونهم كعمال بالأجرة كُتَّاباً أو محاسبين أو مهندسين أو خُداما بأي نوع من الخدمة التي فيها إقرار لهم وتمكين لهم بحيث يجمعون أموال المسلمين ويحاربونهم بها.
والحاصل:
أن من قاطع بضائع الكفار المحاربين وقصد بذلك إظهار عدم موالاتهم، وإضعاف اقتصادهم، فهو مثاب مأجور إن شاء الله تعالى على هذا القصد الحسن.
ومن تعامل معهم متمسكاً بالأصل وهو جواز التعامل مع الكفار – لاسيما بشراء ما يحتاج إليه – فلا حرج عليه إن شاء الله تعالى، ولا يكون ذلك قدحاً في أصل الولاء والبراء في الإسلام.
وقد سئلت اللجنة الدائمة: ما حكم ترك المسلمين التعاون بينهم بأن لا يرضى ولا يحب أن يشتري من المسلمين، ويرغب في الشراء من الكفار، هل هذا حلال أم حرام؟
فأجابت:
الأصل جواز شراء المسلم ما يحتاجه مما أحل الله له من المسلم أو من الكافر، وقد اشترى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من اليهود، لكن إذا كان عدول المسلم عن الشراء من أخيه المسلم من غير سبب من غش ورفع أسعار ورداءة سلعة إلى محبة الشراء من كافر والرغبة في ذلك وإيثاره على المسلم دون مبرر فهذا حرام لما فيه من موالاة الكفار ورضاء عنهم ومحبة لهم، ولما فيه من النقص على تجار المسلمين وكساد سلعهم، وعدم رواجها إذا اتخذ المسلم ذلك عادة له، وأما إن كانت هناك دواع للعدول من نحو ما تقدم فعليه أن ينصح لأخيه المسلم بترك ما يصرفه عنه من العيوب، فإن انتصح فالحمد لله، وإلا عدل إلى غيره، ولو إلى كافر يحسن تبادل المنافع ويصدق في معاملته " اهـ. "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/18) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4849)
هل يشترط إذن الإمام للجهاد في سبيل الله؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يشترط إذن الإمام للجهاد في سبيل الله؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سبق في جواب السؤال رقم (20214) حكم الجهاد وأنواعه، وفيه أنه يكون فرض عين إذا هجم العدو على المسلمين، ففي هذه الحال يجب قتالهم على كل مسلم، ولا يشترط إذن الإمام حينئذٍ.
أما الجهاد الذي يقصد منه الفتح، ودعوة الكفار إلى الإسلام، وقتال من أبى الخضوع لحكم الله، فهذا لا بد فيه من إذن الإمام، وبذلك تنضبط الأمور.
قال ابن قدامة رحمه الله:
" وأمر الجهاد موكول إلى الإمام واجتهاده، ويلزم الرعية طاعته فيما يراه من ذلك " انتهى.
"المغني" (10 / 368) .
وإذن الإمام مانع من الفوضى التي يمكن أن تنشأ من إعلان بعض المسلمين الحرب على أعداء الله دون تقدير لظروفهم وقوتهم وقوة عدوهم.
قال علماء اللجنة الدائمة:
" الجهاد لإعلاء كلمة الله وحماية دين الإسلام والتمكين من إبلاغه ونشره وحفظ حرماته فريضة على من تمكن من ذلك وقدر عليه، ولكنه لا بد له من بعث الجيوش وتنظيمها خوفاً من الفوضى وحدوث ما لا تحمد عقباه؛ ولذلك كان بدؤه والدخول فيه من شأن ولي أمر المسلمين، فعلى العلماء أن يستنهضوه لذلك، فإذا ما بدأ واستنفر المسلمين فعلى من قدر عليه أن يستجيب للداعي إليه مخلصاً وجهه لله، راجياً نصرة الحق، وحماية الإسلام، ومن تخلف عن ذلك مع وجود الداعي وعدم العذر: فهو آثم " انتهى.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (12 / 12) .
واجتماع الناس من قبَل الإمام يزيدهم قوة، فضلاً عن التزامهم بالواجب الشرعي في طاعته فيما لم يخالف فيه شرع الله، وبذلك يكون المسلمون المجاهدون صفّاً واحداً يجتمعون على نصرة الدين وحماية شرع الله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين , بل لا قيام للدين ولا للدنيا إلا بها، فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع , لحاجة بعضهم إلى بعض , ولا بد لهم عند الاجتماع من رأس , حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم) رواه أبو داود من حديث أبى سعيد وأبى هريرة , وروى الإمام أحمد في المسند عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلا أمروا عليهم أحدهم) فأوجب تأمير الواحد في الاجتماع القليل العارض في السفر تنبيهاً بذلك على سائر أنواع الاجتماع؛ ولأن الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , ولا يتم ذلك إلا بقوة وإمارة، وكذلك سائر ما أوجبه من الجهاد والعدل وإقامة الحج والجمع والأعياد ونصر المظلوم وإقامة الحدود , لا تتم إلا بالقوة والإمارة , ولهذا روي " أن السلطان ظل الله في الأرض "، ويقال: " ستون سنة من إمام جائر أصلح من ليلة واحدة بلا سلطان " والتجربة تبين ذلك " انتهى.
" مجموع الفتاوى " (28 / 390، 391) .
وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله:
" لا يجوز غزو الجيش إلا بإذن الإمام مهما كان الأمر؛ لأن المخاطب بالغزو والجهاد هم ولاة الأمور وليس أفراد الناس , فأفراد الناس تبع لأهل الحل والعقد , فلا يجوز لأحد أن يغزو دون إذن الإمام إلا على سبيل الدفاع، إذا فاجأهم عدو يخافون شره وأذاه فحينئذ لهم أن يدافعوا عن أنفسهم , لتعين القتال إذًا.
وإنما لم يجز ذلك لأن الأمر منوط بالإمام , فالغزو بلا إذنه افتيات عليه , وتعد على حدوده , ولأنه لو جاز للناس أن يغزوا بدون إذن الإمام لأصبحت المسألة فوضى , كل من شاء ركب فرسه وغزا , ولأنه لو مكن الناس من ذلك لحصلت مفاسد عظيمة , فقد تتجهز طائفة من الناس على أنهم يريدون العدو وهم يريدون الخروج على الإمام , أو يريدون البغي على طائفة من الناس , كما قال الله تعالى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا) الحجرات/9، فلهذه الأمور الثلاثة ولغيرها – أيضاً – لا يجوز الغزو إلا بإذن الإمام " انتهى.
" الشرح الممتع " (8 / 22) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4850)
هل يحرم القتال إذا كان مقابل كل شخص أكثر من عشرة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[حينما يكثر عدد المعاندين والكافرين في الجهاد كثرة تزيد عن مائتين مقابل عشرين من المسلمين. لا يجوز أن نشارك في الحرب لأن الله تبارك وتعالي عين عددا في الحرب. هل هذا صحيح أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا خلاف بين الفقهاء في وجوب الثبات في الجهاد، وتحريم الفرار؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) الأنفال/15، 16، وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) الأنفال/45.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ. وذكر منها: وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ) رواه البخاري (2560) ومسلم (129) .
إلا أنه يستثنى من ذلك ثلاثة مواضع:
الأول: أن يكون الفرار تحرُّفا لقتال، ويأتي بيان التحرّف.
الثاني: أن يكون الفرار تحيزا إلى فئة من المسلمين، ولو بَعُدَت.
الثالث: أن يزيد عدد الكفار على ضعف المسلمين، فيجوز الفرار حينئذ. وهذا ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من أهل المذاهب الأربعة، واستدل الجمهور بقوله تعالى: (الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) الأنفال/66.
فلا يجوز لعشرة أن يفروا من عشرين، ولا لمائة أن يفروا من مائتين، فإن زاد الكفار عن الضعف جاز الفرار.
وهذا تخفيف من الله تعالى، وهو نسخ لوجوب مصابرة العشرين للمائتين، والمائة للألف، الوارد في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ) الأنفال/65.
وقول السائل: إنه لا يجوز أن نشارك في الحرب حينئذ، غير صحيح. ففرق بين قولنا: يجوز الفرار، وقولنا: يجب الفرار أو يحرم القتال. فلو أن المسلمين ثبتوا مع أضعافهم جاز ذلك، وهذا ما كان عليه حال المسلمين في أكثر معاركهم، لا سيما المعارك العظيمة الفاصلة كالقادسية واليرموك.
وينبغي التنبه إلى أنه إن هجم العدو على بلاد المسلمين، وجب الدفع، ولو كان الكفار أضعاف المسلمين، ولا يجوز الفرار حينئذ إلا للتحرف لقتال أو التحيز إلى فئة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وقتال الدفع: مثل أن يكون العدو كثيرا لا طاقة للمسلمين به، لكن يُخاف إن انصرفوا عن عدوهم عطف العدو على من يخلّفون من المسلمين. فههنا قد صرح أصحابنا بأنه يجب أن يبذلوا مهجهم ومهج من يخاف عليهم في الدفع حتى يَسْلَموا. ونظيرها: أن يهجم العدو على بلاد المسلمين وتكون المقاتِلة أقل من النصف، فإن انصرفوا استولوا على الحريم، فهذا وأمثاله قتال دفع، لا قتال طلب، لا يجوز الانصراف فيه بحال، ووقعة أحد من هذا الباب " انتهى من "الاختيارات الفقهية" ص 258
وإليك كلاما نافعا لابن قدامة رحمه الله، يبين هذه المسألة، ويوضح معنى التحرّف والتحيز، قال رحمه الله: "إذا التقى المسلمون والكفار وجب الثبات، وحرم الفرار، بدليل قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار) الآية. وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون) وذكر النبي صلى الله عليه وسلم الفرار يوم الزحف، فعده من الكبائر ...
وإنما يجب الثبات بشرطين: أحدهما: أن يكون الكفار لا يزيدون على ضعف المسلمين، فإن زادوا عليه جاز الفرار، لقول الله تعالى: (الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين) . وهذا إن كان لفظه لفظ الخبر، فهو أمر ... قال ابن عباس: نزلت: (إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين) فشق ذلك على المسلمين حين فرض الله عليهم ألا يفر واحد من عشرة، ثم جاء تخفيف فقال: (الآن خفف الله عنكم) إلى قوله: (يغلبوا مائتين) فلما خفف الله عنهم من العدد، نقص من الصبر بقدر ما خفف من العدد. رواه أبو داود.
وقال ابن عباس: من فر من اثنين فقد فر، ومن فر من ثلاثة فما فر.
الثاني: أن لا يقصد بفراره التحيّز إلى فئة، ولا التحرف لقتال، فإن قصد أحد هذين: فهو مباح له؛ لأن الله تعالى قال: (إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة) . ومعنى التحرّف للقتال: أن ينحاز إلى موضع يكون القتال فيه أمكن، مثل أن ينحاز من مواجهة الشمس أو الريح إلى استدبارهما، أو من نزلة إلى علو، أو من معطشة إلى موضع ماء، أو يفر بين أيديهم لتنتقض صفوفهم، أو تنفرد خيلهم من رجالتهم، أو ليجد فيهم فرصة، أو ليستند إلى جبل، ونحو ذلك مما جرت به عادة أهل الحرب ...
وأما التحيز إلى فئة: فهو أن يصير إلى فئة من المسلمين ليكون معهم، فيقوى بهم على عدوهم، وسواء بعدت المسافة أو قربت. قال القاضي: لو كانت الفئة بخراسان والفئة بالحجاز، جاز التحيز إليها، ونحوه ذكر الشافعي، لأن ابن عمر روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إني فئة لكم، وكانوا بمكان بعيد منه، وقال عمر: أنا فئة كل مسلم، وكان بالمدينة وجيوشه بمصر والشام والعراق وخراسان. رواهما سعيد.
وقال عمر: رحم الله أبا عبيدة لو كان تحيز إلي لكنت له فئة ".
ثم قال ابن قدامة رحمه الله: "وإذا كان العدو أكثر من ضعف المسلمين، فغلب على ظن المسلمين الظفر، فالأولى لهم الثبات؛ لما في ذلك من المصلحة، وإن انصرفوا جاز؛ لأنهم لا يأمنون العطب، والحكم عُلق على مظنته، وهو كونهم أقل من نصف عددهم، ولذلك لزمهم الثبات إذا كانوا أكثر من النصف وإن غلب على ظنهم الهلاك فيه.
ويحتمل أن يلزمهم الثبات إن غلب على ظنهم الظفر؛ لما فيه من المصلحة.
وإن غلب على ظنهم الهلاك في الإقامة، والنجاة في الانصراف، فالأولى لهم الانصراف، وإن ثبتوا جاز، لأن لهم غرضا في الشهادة، ويجوز أن يغلبوا أيضا" انتهى من "المغني" (9/254) .
وكلامه الأخير واضح في جواز القتال مع القلّة، بل ومع غلبة الظن بحصول الهلاك، خلافا لما ظنه السائل.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4851)
ما معنى اتخاذ الكفار أولياء؟ وحكم مخالطة الكفار
[السُّؤَالُ]
ـ[ورد في القرآن أنه لا يجوز لنا اتخاذ الكفار أولياء، لكن ماذا يعني ذلك؟ أقصد إلى أي حدٍّ؟ هل يجوز لنا التعامل معهم؟ أنا أدرس، فهل يجوز لنا لعب كرة السلة معهم؟ هل يجوز أن نتحدث معهم فيما يتعلق بالسلة وما إلى ذلك؟ هل يجوز أن نصاحبهم طالما أنهم أبقوا أمور اعتقاداتهم لأنفسهم؟ .
أسأل عن ذلك لأني أعرف شخصاً يصاحبهم بمثل هذه الطريقة وتواجده معهم لا يؤثر على اعتقاده، لكني مع ذلك أقول له: " لماذا لا تبقى مع المسلمين بدلا من هؤلاء؟ " وهو يرد قائلا: إن أغلب - أو العديد - من المسلمين يشربون الخمر ويتناولون المخدرات في أماكن تجمعهم، كما أن لهم صديقات، وهو يخاف من أن معاصي هؤلاء المسلمين قد تغويه، لكنه متأكد تماما أن كفر الكفار لن يغريه لأنه شيء لا يُعتبر مغريا بالنسبة له، فهل تواجده ولعبه وحديثه حول أمور الرياضة مع الكفار يعتبر " من اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين "؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
حرم الله تعالى على المؤمنين اتخاذ الكافرين أولياء، وتوعد على ذلك وعيداً شديداً.
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) المائدة/51.
قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله:
" ذكر في هذه الآية الكريمة أن من تولى اليهود والنصارى مِن المسلمين فإنه يكون منهم بتوليه إياهم، وبيَّن في موضع آخر أن توَلِّيهم موجب لسخط الله، والخلود في عذابه، وأن متوليهم لو كان مؤمناً ما تولاهم، وهو قوله تعالى: (تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) المائدة/80، 81.
ونهى في موضِع آخر عن تَوليهم مبيناً سبب التنفير منه، وهو قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنْ الآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ) الممتحنة/13.
وبيَّن في موضع آخر أن محل ذلك فيما إذا لم تكن الموالاة بسبب خوف، وتقية، وإن كانت بسبب ذلك فصاحبها معذور، وهو قوله تعالى: (لا يَتَّخِذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً) آل عمران/28. فهذه الآية الكريمة فيها بيانٌ لكل الآيات القاضية بمنع موالاة الكفار مطلقاً وإيضاحٌ؛ أن محل ذلك في حالة الاختيار، وأما عند الخوف والتقية فيرخص في موالاتهم، بقدر المداراة التي يكتفي بها شرهم، ويشترط في ذلك سلامة الباطن من تلك الموالاة، ومن يأتي الأمور على اضطرار فليس كمثل آتيها اختياراً.
ويفهم من ظواهر هذه الآيات أن من تولى الكفار عمداً اختياراً رغبة فيهم أنه كافر مثلهم " انتهى.
"أضواء البيان" (2 / 98، 99) .
ومن صور مولاة الكفار المحرمة: اتخاذهم أصدقاء وأصحاباً، ومخالطتهم في الطعام واللعب معهم.
وفي جواب السؤال رقم (10342) نقلنا عن الشيخ ابن باز قوله:
" ليس الأكل مع الكافر حراماً إذا دعت الحاجة إلى ذلك أو المصلحة الشرعية، لكن لا تتخذوهم أصحاباً فتأكل معهم من غير سبب شرعي أو مصلحة شرعية ولا تؤانسهم، وتضحك معهم، ولكن إذا دعت إلى ذلك حاجة كالأكل مع الضيف أو ليدعوهم إلى الله ويرشدهم إلى الحق أو لأسباب أخرى شرعية فلا بأس.
وإباحة طعام أهل الكتاب لنا لا يقتضي اتخاذهم أصحاباً وجلساء ولا تقتضي مشاركتهم في الأكل والشرب من دون حاجة ولا مصلحة شرعية ". انتهى.
وسئل الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله:
عن حكم مخالطة الكفار ومعاملتهم بالرفق واللين طمعاً في إسلامهم؟
فأجاب:
لا شك أن المسلم يجب عليه أن يبغض أعداء الله ويتبرأ منهم؛ لأن هذه هي طريقة الرسل وأتباعهم، قال الله تعالى: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) الممتحنة/4. وقال تعالى: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الأِيمَانَ وَأَيََّهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) المجادلة/22.
وعلى هذا لا يحل لمسلم أن يقع في قلبه محبة ومودة لأعداء الله الذين هم أعداء له في الواقع، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ) الممتحنة/1.
أما كون المسلم يعاملهم بالرفق واللين طمعاً في إسلامهم وإيمانهم: فهذا لا بأس به؛ لأنه من باب التأليف على الإسلام، ولكن إذا يئس منهم عاملهم بما يستحقون أن يعاملهم به، وهذا مفصل في كتب أهل العلم ولاسيما كتاب " أحكام أهل الذمة " لابن القيم رحمه الله ". انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (3 / السؤال رقم 389) .
ثانياً:
وأما قول هذا القائل: إنه لا يخالط العصاة من المسلمين خوفا من أن تغويه معاصيهم، وأما الكفار فإن كفرهم لن يغريه.
فجوابه أن يقال:
أما عدم مخالطته لأهل المعاصي من المسلمين فَلَنِعْمَ ما فَعَلَ، إذا لم يكن قادراً على نصيحتهم، ونهيهم عن المنكر، وخاف على نفسه من الوقوع في معاصيهم واستحسانها.
وأما مخالطته للكفار، فليست العلة في منع مخالطة الكفار هي الخوف من الوقوع في الكفر فقط، بل مِنْ أظهرِ عِلَلِ هذا الحكم: عداوتُهم لله ورسوله والمؤمنين، وقد أشار الله تعالى إلى هذه العلة بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ) الممتحنة/1.
فكيف يليق بمسلم أن يصاحب عدو الله وعدوه ويصادقه؟!
ثم مِنْ أين يأمَنُ هذا مِنِ استحسانِ طريقتهم ومذهبهم؟ وقد وقع كثير من المسلمين في الكفر والإلحاد وارتدوا عن الإسلام بسبب مصاحبتهم للكفار، وإقامتهم في بلدانهم. فبعضهم تَهَوَّدَ، وبعضهم تَنَصَّر، وبعضهم اعتنق مذاهب فلسفية ملحدة.
نسأل الله أن يثبتنا على دينه.
وانظر جواب السؤال رقم (2179) ففيه إيضاح القاعدة العظيمة: " تحريم موالاة الكفّار " وفيه ذِكر صور كثيرة من تلك الموالاة المحرَّمة.
وفي جواب السؤال رقم (43270) تجد حكم القول بأن أخلاق الكفّار أفضل من أخلاق المسلمين، وفيه النقل عن الشيخ ابن باز بتحريم هذا القول.
وفي جواب السؤال رقم (26118) ، (23325) بيان تحريم مصاحبة الكافر ومصادقته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4852)
هل يسافر لدول الكفر أم يعمل في مدينة سياحية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب بكلية التجارة السنة الرابعة، وأود أن تنتهي فترة الدراسة بأسرع ما يمكن لتحقيق هدفين:
1. تلبية متطلبات عائلية هامة وعاجلة.
2. البدء في مشروع حياتي ...
وأمامي الآن عرضان:
1. العمل ابتداء من الصيف المقبل (بعيداً عن تخصصي) بمنطقة سياحية ساحلية – بمرتب مُغري.
2. السفر لأي دولة غربية حيث أنوي إكمال دراسة معتمدة، وفي نفس الوقت أعمل أي عمل لسداد تكاليف هذه الدراسة بالإضافة إلى تحقيق الهدف.
أرجو نصيحتكم في اختيار أحد الأمرين مع اعتبار أن المشكلة المشتركة بين هذين الأمرين أنني شاب أعزب وأخشى على نفسي الفتنة لكني أتساءل كيف يعيش الشباب المسلمون الملتزمون في المجتمعات الغربية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نشكر لك حرصك على تحري العمل الحلال وطلب المشورة، وكذا حرصك على أهلك في تلبية مطالبهم، ونسأل الله تعالى أن يوفقك لما فيه خيرك وسعادتك في الدنيا والآخرة.
ثانياً:
بما أن دراستك في " كلية التجارة " فإن عليك تحري الوظيفة المباحة؛ لأن فرص العمل الحلال لمثل هذه التخصصات قليلة، فإن عامة الشركات والمؤسسات الآن تتعامل بالربا أو التأمين أو غير ذلك من المعاملات المحرمة، مما يجعل عمل المحاسب فيها نوعاً من معاونتهم على الإثم والعدوان.
ثالثاً:
السفر إلى الدول الغربية محفوف بالمخاطر على دين المرء وخلقه، وقَلَّ من سافر إلى هناك وحافظ على دينه ولم يضيعه، بسبب ما تعج به تلك البلاد من أفكار ومذاهب باطلة، وانحراف في السلوك والأخلاق لا يخفى على أحد، حتى صار بعض عقلائهم يحذرونهم من عاقبة هذا.
ولذلك كان من محاسن شرعنا الحكيم أن حرم على المسلم الإقامة في بلاد الكفر، وقد سبق بيان ذلك في عدة أجوبة، منها: (10338) ، (14235) .
ومن اضطر أو احتاج إلى السفر إلى هذه البلاد فلا بد من توفر شروط حتى يكون سفره مباحا، وأهم ذلك: أن يكون على علم يقي به نفسه من الشبهات، وأن يكون على دين وتقوى يقي به نفسه من الشهوات، وقد يتعين عليه أن يصطحب معه زوجته إذا كان لا يعصم نفسه من الشهوات إلا بهذا.
وقد ذكرت أنك أعزب، وتخاف على نفسك الفتنة فلا ينبغي لك الإقدام على مثل هذا الأمر والمخاطرة بدينك.
رابعاً:
وأما العمل في مكان في منطقة سياحية ساحلية بعيد عن تخصصك فهو بلا شك خير من ذهابك إلى تلك البلاد الكافرة، لكن يجب عليك التنبه لما يلي:
1 - أن تكون طبيعة العمل حلالاً.
2- أن تكون بعيداً عن مواطن الفتنة، كأن يكون العمل فيه اختلاط، أو أن تكون طبيعة المنطقة فيها فسق وفجور لكونها سياحيَّة.
3- أن لا يكون عملك فيه إعانة لبعض هؤلاء السياح على ما يفعلونه من منكر، فإنك بذلك تكون شريكاً لهم في الإثم.
فإذا خلا العمل من هذه المحظورات فلا حرج فيه إن شاء الله تعالى.
ونسأل الله لك التوفيق والسداد.
وأما سؤالك: كيف يعيش الشباب المسلمون الملتزمون في المجتمعات الغربية؟
فلا شك أنهم يعانون كثيراً، وكثير منهم ندم على قدومه إلى تلك البلاد، وتجد كثيراً من مشكلاتهم في أسئلتهم الواردة إلى هذا الموقع، مع أننا لا ننكر أن منهم من هو متمسك بدينه، بل بعضهم كان السفر خيراً له، غير أن هؤلاء قلة قليلة.
نسأل الله تعالى أن يثبتنا والمسلمين حتى نلقاه على دينه.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4853)
متى يُقتل غير المسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت أن قتل المسلم في الدين الإسلامي يعد معصية كبيرة بالمقارنة مع قتل غير المسلم. لكن عند الموت، فإن المسلم يدخل الجنة بينما يدخل غير المسلم النار.
إن قتل غير المسلم فيه حرمان له من إمكانية دخوله في الإسلام للأبد، وحكم عليه بدخول النار.
أليست تلك (قتل غير المسلم) معصية عظيمة إذن؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قتل غير المسلم إذا كان مُعاهدا معصية وكبيرة من كبائر الذنوب، فقد روى البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال صلى الله عليه وسلم: " من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة وإنّ ريحها يوجد من مسيرة أربعين يوما ". وأما الكافر الحربي غير المعاهد وغير الذمّي فالمسلم مأمور بقتله لقوله تعالى: (قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة) وهذا إنما يكون في الجهاد مع إمام من أئمة المسلمين أو من ينوب عنه.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الكريم الخضير.(5/4854)
صحة حديث قتال اليهود
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هذا الحديث صحيح " أنه سيأتي يوم ينتصر فيه المسلمون على اليهود، حتى الحجر الذي يختفي فيه يهودي يتكلم وينادي بأنه تحتي يهودي فاقتله "؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " تقاتلكم اليهود فتسلطون عليهم ثم يقول الحجر يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله " (رواه البخاري برقم 3593) ، وعن ابن عمر أيضاً رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " تقاتلكم اليهود فتسلطون عليهم حتى يقول الحجر يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله " رواه أحمد والترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح. وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ينزل الدجال بهذه السبخة بمر قناة فيكون أكثر من يخرج إليه النساء، حتى إن الرجل ليرجع إلى حميمه وإلى أمه وابنته وأخته وعمته يوثقها رباطاً مخافة أن تخرج إليه ثم يسلط الله المسلمين عليه فيقتلونه ويقتلون شيعته حتى إن اليهودي ليختبئ تحت شجرة أو حجر فيقول الحجر أو الشجرة للمسلم هذا يهودي تحتي فاقتله " رواه أحمد في مسنده وكذا رواه ابن ماجه عن أبي أمامة الباهلي عن النبي صلى الله عليه وسلم في شأن المسيح الدجال. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 3/91(5/4855)
هل يشترط وجود الإمام للقيام بالجهاد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يشترط وجود الإمام للجهاد دفعاً وطلباً، فقد ذكر الإمام عبد الرحمن بن حسن رحمه الله، أنه لم يشترطه أحد من أهل العلم، فهل علمتم أحداً اشترطه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس هو من شروط الجهاد لا دفعاً ولا طلباً، أما الدفع فهذا واضح لأن العدو إذا داهم البلاد يجب على كل من قدر على دفعه حتى النساء يجب عليهن أن يقاتلن، كما ذكر الفقهاء ذلك، لأن هذا واجب على الأعيان، والإمام يكون للتنظيم، فإذا وجد فهو خير وحسن، وإذا لم يوجد فإنه يجب على المسلمين القتال.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الله الغنيمان.(5/4856)
هل تجب الهجرة على من أسلم في بلاد الكفار
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من أسلم في بلاد الكفار هل يشمله حديث (أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين) وتجب عليه الهجرة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من أسلم من أهل بلاد الكفر ولم يتمكن من إظهار دينه والقيام بشعائر عبادته، أو خاف على نفسه الفتنة في الدين، ولم يستطع حماية عرضه فإنه يجب عليه الهجرة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين)
أما إن كان قادراً على إظهار دينه، وإقامة الشعائر، وقدر على الهجرة، فإنه تستحب له الهجرة في هذه الحالة لا تجب.
قال ابن قدامة رحمه الله تعالى في كتاب المغني: فتستحب له ليتمكن من جهادهم (يعني الكفار) ، وتكثير المسلمين ومعونتهم. اهـ
وأما إن كان قادراً على إظهار الدين، وأمن الفتنة، ويقوم بالدعوة إلى الله عز وجل وتعليم المسلمين أمر دينهم فإنه يبقى ولا يهاجر؛ لأن بقاءه فيه مصلحة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لمالك بن الحويرث رضي الله عنه لما جاء عند النبي صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه وجلسوا عند النبي صلى الله عليه وسلم ثم رأى اشتياقهم لأهليهم فأمرهم بالرجوع وتعليم من وراءهم فقال: (ارجعوا إلى أهليكم فعلموهم) رواه البخاري (6008) ومسلم (674) ، وروى البخاري (1452) ومسلم (1865) عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ رضي الله عنه أَنَّ أَعْرَابِيًّا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْهِجْرَةِ، فَقَالَ: وَيْحَكَ، إِنَّ شَأْنَ الْهِجْرَةِ لَشَدِيدٌ، فَهَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَهَلْ تُؤْتِي صَدَقَتَهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَاعْمَلْ مِنْ وَرَاءِ الْبِحَارِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَنْ يَتِرَكَ مِنْ عَمَلِكَ شَيْئًا.
قال النووي رحمه الله:
(لَنْ يَتِرَكَ مِنْ عَمَلِكَ شَيْئًا) مَعْنَاهُ: لَنْ يُنْقِصك مِنْ ثَوَاب أَعْمَالك شَيْئًا , حَيْثُ كُنْت , قَالَ الْعُلَمَاء: وَالْمُرَاد بِالْبِحَارِ هُنَا الْقُرَى , وَالْعَرَب تُسَمِّي الْقُرَى الْبِحَار , وَالْقَرْيَة الْبُحَيْرَة. قَالَ الْعُلَمَاء: وَالْمُرَاد بِالْهِجْرَةِ الَّتِي سَأَلَ عَنْهَا هَذَا الأَعْرَابِيّ مُلازَمَة الْمَدِينَة مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَرْك أَهْله وَوَطَنه، فَخَافَ عَلَيْهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلا يَقْوَى لَهَا، وَلا يَقُوم بِحُقُوقِهَا , وَأَنْ يَنْكُص عَلَى عَقِبَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ شَأْن الْهِجْرَة الَّتِي سَأَلْت عَنْهَا لَشَدِيد وَلَكِنْ اِعْمَلْ بِالْخَيْرِ فِي وَطَنك، وَحَيْثُ مَا كُنْت فَهُوَ يَنْفَعك , وَلا يُنْقِصك اللَّه مِنْهُ شَيْئًا اهـ.
فالهجرة تدور على القدرة على إظهار الشعائر الدينية والتعبد، فإن لم يستطع وخشي الفتنة وجبت الهجرة، وإن استطاع أن يظهر الشعائر وتمكن من الهجرة استحبت، وإن تمكن من إظهار الشعائر وكان يقوم بالدعوة وتعليم المسلمين بقي والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم، وفقنا الله جميعاً لما يحب ويرضى..
وانظر السؤال رقم (13363) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4857)
الجهاد بالمال واجب على الأغنياء
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة مسلمة عندي أموال كثيرة والحمد لله، فهل يجب عليّ أن أدفع من هذه الأموال للمسلمين المضطهدين الذين يحاول الأعداء احتلال أرضهم وقتلهم كما في الشيشان وفي فلسطين وغيرهما من بلاد المسلمين؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب على المسلمين مساعدة إخوانهم المضطهدين في كل مكان، قال الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) الحجرات /10. وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لا يَظْلِمُهُ وَلا يُسْلِمُهُ) . رواه البخاري (2442) ومسلم (2580) . وزاد مسلم في حديث آخر (2546) : (وَلا يَخْذُلهُ) .
قال الحافظ:
(وَلا يُسْلِمُهُ) أَيْ لا يَتْرُكُهُ مَعَ مَنْ يُؤْذِيه وَلا فِيمَا يُؤْذِيه , بَلْ يَنْصُرُهُ وَيَدْفَعُ عَنْهُ. . . وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ وَاجِبًا وَقَدْ يَكُونُ مَنْدُوبًا بِحَسَبِ اِخْتِلاف الأَحْوَالِ اهـ.
وقَالَ فِي النِّهَايَةِ: أَسْلَمَ فُلانٌ فُلانًا إِذَا أَلْقَاهُ فِي التَّهْلُكَةِ , وَلَمْ يَحْمِهِ مِنْ عَدُوِّهِ اهـ من تحفة الأحوذي.
وقال النووي:
(لا يَخْذُلهُ) قَالَ الْعُلَمَاء: الْخَذْل تَرْك الإِعَانَة وَالنَّصْر , وَمَعْنَاهُ إِذَا اِسْتَعَانَ بِهِ فِي دَفْع ظَالِم وَنَحْوه لَزِمَهُ إِعَانَته إِذَا أَمْكَنَهُ , وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْر شَرْعِيّ اهـ.
والجهاد في الشيشان وفلسطين ونحوهما من البلاد الإسلامية المحتلة أو التي يحاول الكفار احتلالها والاستيلاء عليها من باب جهاد الدفع. وقد سبق بيان حكمه في إجابة السؤال رقم (34830) .
وإذا لم يستطع الرجل نصرة إخوانه المسلمين بنفسه فإنه يلزمه أن ينصرهم ويجاهد معهم بماله إن كان غنياًّ.
وكذلك المرأة يجب عليها الجهاد بمالها.
والجهاد بالمال قرين الجهاد بالنفس في كتاب الله.
قال تعالى: (انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُون َ) التوبة /41.
وقال: (لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيما ً) النساء /95.
وقال: (الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) التوبة/20.
وقال: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) الحجرات /15.
وروى أبو داود (2504) عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ) . صحيح أبي داود (2186) .
قال الصنعاني في "سبل السلام" (4/87) :
الْحَدِيث دَلِيل عَلَى وُجُوب الْجِهَاد بِالنَّفْسِ، وَهُوَ بِالْخُرُوجِ وَالْمُبَاشَرَة لِلْكُفَّارِ , وَبِالْمَالِ وَهُوَ بَذْله لِمَا يَقُوم بِهِ مِنْ النَّفَقَة فِي الْجِهَاد وَالسِّلَاح وَنَحْوه , وَبِاللِّسَانِ بِإِقَامَةِ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ وَدُعَائهُمْ إِلَى اللَّه تَعَالَى، وبالأصوات عند اللقاء وَالزَّجْر وَنَحْوه مِنْ كُلّ مَا فِيهِ نِكَايَة لِلْعَدُوِّ اهـ.
وقال الشوكاني في "نيل الأوطار" (8/29) :
فيه دليل على وجوب المجاهدة للكفار بالأموال والأيدي والألسن. وقد ثبت الأمر القرآني بالجهاد بالأنفس والأموال في مواضع، وظاهر الأمر الوجوب اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في: الاختيارات" ص 530:
"ومن عجز عن الجهاد ببدنه وقدر على الجهاد بماله وجب عليه الجهاد بماله، فيجب على الموسرين النفقة في سبيل الله.
وعلى هذا: فيجب على النساء الجهاد في أموالهن إن كان فيها فضل، وكذلك في أموال الصغار إن احتيج إليها كما تجب النفقات والزكاة. فأما إذا هجم العدو فلا يبقى للخلاف وجه، فإن دفع ضررهم عن الدين والنفس والحرمة واجب إجماعاً اهـ.
والنفقة في سبيل الله من أفضل الصدقات، وقد وعد الله تعالى صاحبها ثواباً جزيلاً، فقال: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) البقرة /261.
قال السعدي رحمه الله:
"مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله" أي: في طاعته ومرضاته، وأولاها إنفاقها في الجهاد في سبيله "كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة" وهذا إحضار لصورة المضاعفة بهذا المثل الذي كأن العبد يشاهده ببصره، فيشاهد هذه المضاعفة ببصيرته فيقوى شاهد الإيمان مع شاهد العيان فتنقاد النفس مذعنة للإنفاق سامحة بها مؤملة لهذه المضاعفة الجزيلة والمنة الجليلة "والله يضاعف" هذه المضاعفة "لمن يشاء" أي: بحسب حال المنفق وإخلاصه وصدقه وبحسب حال النفقة وحلها ونفعها ووقوعها موقعها ويحتمل أن يكون "والله يضاعف" أكثر من هذه المضاعفة "لمن يشاء" فيعطيهم أجرهم بغير حساب "والله واسع" الفضل واسع العطاء فلا يتوهم المنفق أن تلك المضاعفة فيها نوع مبالغة لأن الله تعالى لا يتعاظمه شيء ولا ينقصه العطاء على كثرته ومع هذا فهو "عليم" بمن يستحق هذه المضاعفة ومن لا يستحقها فيضع المضاعفة في موضعها لكمال علمه وحكمته" اهـ.
نسأل الله تعالى أن ينصر المسلمين على عدوهم.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4858)
من عقوبات ترك الجهاد في سبيل الله
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك عقوبة معينة يستحقها من ترك الجهاد في سبيل الله؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ورد في الأمر بالجهاد في سبيل الله، والترهيب من تركه الكثير من الآيات والأحاديث.
وإذا ترك المسلمون الجهاد في سبيل الله، وآثروا حياة الدعة والراحة، وركنوا إلى الدنيا، أصابهم الذل والهوان، وفسدت أمورهم، وعرضوا أنفسهم لمقت الله تعالى وغضبه. وتعرض الإسلام للضياع، وطغيان الكفر عليه. ولذلك كان ترك الجهاد من كبائر الذنوب.
قال ابن حجر في "الزواجر":
(الكبيرة التسعون والحادية والثانية والتسعون بعد الثلاثمائة ترك الجهاد عند تعينه، بأن دخل الحربيون دار الإسلام أو أخذوا مسلماً وأمكن تخليصه منهم. وترك الناس الجهاد من أصله. وترك أهل الإقليم تحصين ثغورهم بحيث يخاف عليها من استيلاء الكفار بسبب ترك ذلك التحصين) اهـ.
ولذلك صار معلوما ومقررا عند الصحابة أنه لا يقعد عن الجهاد إذا كان فرض عين إلا ضعيف معذور أو منافق، وهذا ما يحكيه كعب بن مالك رضي الله عنه حين تخلف عن تبوك: (فَكُنْتُ إِذَا خَرَجْتُ فِي النَّاسِ بَعْدَ خُرُوجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطُفْتُ فِيهِمْ أَحْزَنَنِي أَنِّي لَا أَرَى إِلَّا رَجُلًا مَغْمُوصًا عَلَيْهِ النِّفَاقُ، أَوْ رَجُلًا مِمَّنْ عَذَرَ اللَّهُ مِنْ الضُّعَفَاءِ) . رواه البخاري (4066) ومسلم (4973) .
وقد بينت تلك الأدلة بعض ما يترتب عليه من عقوبات، فمنها:
1- ترك الجهاد سبب للهلاك في الدنيا والآخرة.
أما في الدنيا فإن الجبان الرعديد يكون ذليلاً مستعبداً تابعا غير متبوع. وأما في الآخرة فترك الجهاد سبب لعذاب الله تعالى.
قال الله تعالى: (وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) البقرة/195.
روى الترمذي (2972) عَنْ أَسْلَمَ أَبِي عِمْرَانَ قَالَ: كُنَّا بِمَدِينَةِ الرُّومِ فَأَخْرَجُوا إِلَيْنَا صَفًّا عَظِيمًا مِنْ الرُّومِ، فَحَمَلَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى صَفِّ الرُّومِ حَتَّى دَخَلَ فِيهِمْ، فَصَاحَ النَّاسُ وَقَالُوا: سُبْحَانَ اللَّهِ! يُلْقِي بِيَدَيْهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ! فَقَامَ أَبُو أَيُّوبَ الأَنْصَارِيُّ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ تَتَأَوَّلُونَ هَذِهِ الآيَةَ هَذَا التَّأْوِيلَ، وَإِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةَ فِينَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، لَمَّا أَعَزَّ اللَّهُ الإِسْلامَ، وَكَثُرَ نَاصِرُوهُ، فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ سِرًّا دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أَمْوَالَنَا قَدْ ضَاعَتْ، وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعَزَّ الإِسْلامَ، وَكَثُرَ نَاصِرُوهُ، فَلَوْ أَقَمْنَا فِي أَمْوَالِنَا فَأَصْلَحْنَا مَا ضَاعَ مِنْهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرُدُّ عَلَيْنَا مَا قُلْنَا (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) فَكَانَتْ التَّهْلُكَةُ الإِقَامَةَ عَلَى الأَمْوَالِ وَإِصْلاحِهَا، وَتَرْكَنَا الْغَزْوَ. فَلَمْ يَزَلْ أَبُو أَيُّوبَ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى دُفِنَ بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ. وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
قال في "تحفة الأحوذي":
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِإِلْقَاءِ الْأَيْدِي إِلَى التَّهْلُكَةِ هُوَ الإِقَامَةُ فِي الأَهْلِ وَالْمَالِ وَتَرْكُ الْجِهَادِ اهـ.
2- ترك الجهاد سبب للذل والهوان.
روى أبو داود (3462) عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلا لا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلا لا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلا لا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ) . صححه الألباني في صحيح أبي داود.
ولقد صدق رسولنا صلى الله عليه وسلم، فإن الناظر إلى أحوال المسلمين اليوم يرى أنهم قد فرطوا في دينهم تفريطا عظيما. . فأكلوا الربا، وركنوا إلى الدنيا، وتركوا الجهاد في سبيل الله. فماذا كانت النتيجة؟!! ألزمهم الله الذل في أعناقهم، فهم يلجأون إلى الشرق أو الغرب خاضعين ذليلين يطلبون منهم النصر على الأعداء، وما عرف أولئك أن الذل لا يرفع عنهم حتى يرجعوا إلى دينهم كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.
وصدق الله العظيم: (بَشِّرْ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمْ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا) النساء/138-139.
3- وترك الجهاد سبب لنزول العذاب في الدنيا والآخرة.
روى أبو داود (2503) عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ لَمْ يَغْزُ، أَوْ يُجَهِّزْ غَازِيًا، أَوْ يَخْلُفْ غَازِيًا فِي أَهْلِهِ بِخَيْرٍ، أَصَابَهُ اللَّهُ بِقَارِعَةٍ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ) . حسنه الألباني في صحيح أبي داود.
والقارعة هي الدَاهِيَة المُهْلِكَة التي تأتي فجأة , يقال: قَرَعَهُ أَمْرٌ إِذَا أَتَاهُ فَجْأَة.
وقال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلا قَلِيلٌ (38) إِلا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) التوبة/38-39.
"وليس العذاب الذي يتهددهم هو عذاب الآخرة فقط، بل عذاب الدنيا والآخرة، عذاب الذل الذي يصيب القاعدين عن الجهاد، عذاب الحرمان من الخيرات التي يستفيد منها العدو الكافر ويحرمها أهلها، وهم مع ذلك كله يخسرون من النفوس والأموال أضعاف ما يخسرون في الجهاد، ويقدمون على مذابح الذل أضعاف ما تتطلبه منهم الكرامة لو قدموا لها الفداء، وما من أمة تركت الجهاد إلا ضرب الله عليها الذل فدفعت مرغمة صاغرة أضعاف ما كان يتطلبه منها جهاد الأعداء" اهـ. الظلال (3/1655) .
وقال السعدي رحمه الله ص (532) :
(يا أيها الذين آمنوا) ألا تعملون بمقتضى الإيمان، ودواعي اليقين، من المبادرة لأمر الله، والمسارعة إلى رضاه، وجهاد أعدائه لدينكم، فـ (مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثّاقلتم إلى الأرض) أي: تكاسلتم، وملتم إلى الأرض والدعة والكون فيها.
(أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة) أي: ما حالكم إلا حال من رضي بالدنيا، وسعي لها، ولم يبال بالآخرة فأنه ما آمن بها.
(فما متاع الحياة الدنيا) التي مالت بكم، وقدمتموها على الآخرة (إلا قليل) أفليس قد جعل الله لكم عقولاً، تزنون بها الأمور وأيها أحق بالإيثار؟
أفليست الدنيا ـ من أولها إلى آخرها ـ لا نسبة لها في الآخرة.
فما مقدار عمر الإنسان القصير جداً من الدنيا، حتى يجعله الغاية، التي لا غاية وراءها فيجعل سعيه، وكده وهمه وإرادته لا يتعدى الحياة الدنيا القصيرة المملوءة بالأكدار المشحونة بالأخطار.
فبأي رأي رأيتم إيثارها على الدار الآخرة، الجامعة لكل نعيم التي فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، وأنتم فيها خالدون. فوالله ما آثر الدنيا على الآخرة من وقر الإيمان في قلبه، ولا من جزل رأيه، ولا من عُدَّ من أولى الألباب، ثم توعدهم على عدم النفير فقال:
(إلا تنفروا يعذبكم عذاباً أليماً)
في الدنيا والآخرة، فإن عدم النفير في حال الاستنفار من كبائر الذنوب الموجبة لأشد العقاب، لما فيه من المضار الشديدة فإن المتخلف قد عصى الله تعالى، وارتكب لنهيه، ولم يساعد على نصر دين الله، ولا ذَبَّ عن كتاب الله وشرعه، ولا أعان إخوانه المسلمين على عدوهم، الذي يريد أن يستأصلهم، ويمحق دينهم، وربما اقتدى به غيره من ضعفاء الإيمان، بل ربما فَثّ في أعضاد من قاموا بجهاد أعداء الله، فحقيق بمن هذا حاله أن يتوعده الله بالوعيد الشديد، فقال: (إلا تنفروا يعذبكم عذاباً أليماً ويستبدل قوماً غيركم ولا تضروه شيئاً) فإنه تعالى متكفل بنصرة دينه وإعلاء كلمته، فسواء امتثلتم لأمر الله أو ألقيتموه وراءكم ظهرياً.
(والله على كل شيء قدير) لا يعجزه شيء أراده، ولا يغالبه أحد اهـ.
نسأل الله تعالى أن يرد المسلمين إلى دينهم رداً جميلاً. وأن يرفع عنهم الذل والهوان.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4859)
حكم الجهاد للمرأة
[السُّؤَالُ]
ـ[مهم جدا حيرني ما هو حكم الجهاد للمرأة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الجهاد غير واجب على المرأة، قال ابن قدامة رحمه الله: (ويشترط لوجوب الجهاد سبعة شروط ; الإسلام , والبلوغ , والعقل , والحرية , والذكورية , والسلامة من الضرر , ووجود النفقة. فأما الإسلام والبلوغ والعقل , فهي شروط لوجوب سائر الفروع , ولأن الكافر غير مأمون في الجهاد , والمجنون لا يتأتى منه الجهاد والصبي ضعيف البنية , وقد روى ابن عمر , قال: {عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة , فلم يجزني في المقاتلة} . متفق عليه. ......وأما الذكورية فتشترط ; لما روت عائشة , قالت {: يا رسول الله , هل على النساء جهاد؟ فقال: جهاد لا قتال فيه ; الحج , والعمرة} . ولأنها ليست من أهل القتال ; لضعفها..) انتهى من المغني 9/163
وحديث عائشة رضي الله عنها رواه أحمد (25361) وابن ماجه (2901) وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه.
وهل تخرج المرأة لمساعدة المجاهدين ومداواة الجرحى؟
قال السرخسي في شرح السير الكبير (1/184) : (باب قتال النساء مع الرجال وشهودهن الحرب. قال: لا يعجبنا أن يقاتل النساء مع الرجال في الحرب ; لأنه ليس للمرأة بنية صالحة للقتال , كما أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله:" هاه , ما كانت هذه تقاتل". وربما يكون في قتالها كشف عورة المسلمين , فيفرح به المشركون وربما يكون ذلك سببا لجرأة المشركين على المسلمين , ويستدلون به على ضعف المسلمين فيقولون: احتاجوا إلى الاستعانة بالنساء على قتالنا , فليتحرز عن هذا , ولهذا المعنى لا يستحب لهم مباشرة القتال , إلا أن يضطر المسلمون إلى ذلك , فإنّ دفع فتنة المشركين عند تحقق الضرورة بما يقدر عليه المسلمون جائز بل واجب. واستدل عليه بقصة حنين.
وفي أواخر تلك القصة: " قالت أم سليم بنت ملحان , وكانت يومئذ تقاتل شادة على بطنها بثوب: يا رسول الله أرأيت هؤلاء الذين فروا منك وخذلوك , فلا تعف عنهم إن أمكنك الله منهم , فقال صلى الله عليه وسلم: يا أم سليم عافية الله أوسع , فأعادت ذلك ثلاث مرات , وفي كل ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: عافية الله أوسع ". وفي المغازي أنها قالت: ألا نقاتل يا رسول الله هؤلاء الفرارين فنقتلهم كما قاتلنا المشركين؟ فقال صلى الله عليه وسلم: عافية الله أوسع. وأية حاجة إلى قتال النساء أشد من هذه الحاجة حين فروا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلموه , وفي هذا بيان أنه لا بأس بقتالهن عند الضرورة ; لأن الرسول لم يمنعها في تلك الحالة , ولم ينقل أنه أذن للنساء في القتال في غير تلك الحالة.
قال: ولا بأس بأن يحضر منهن الحرب العجوز الكبيرة فتداوي الجرحى , وتسقي الماء , وتطبخ للغزاة إذا احتاجوا إلى ذلك , لحديث عبد الله بن قرط الأزدي قال: كانت نساء خالد بن الوليد ونساء أصحابه مشمرات , يحملن الماء للمجاهدين يرتجزن , وهو يقاتل الروم , والمراد العجائز , فالشواب يمنعن عن الخروج لخوف الفتنة , والحاجة ترتفع بخروج العجائز. وذكر عن أم مطاع , وكانت شهدت خيبر مع النبي صلى الله عليه وسلم قالت: رأيت أسلم (وهي قبيلة من قبائل العرب) حيث شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يلقون من شدة الحال فندبهم إلى الجهاد فنهضوا. ولقد رأيت أسلم أول من انتهى إلى الحصن فما غابت الشمس من ذلك اليوم حتى فتحه الله علينا.
ففي هذا بيان أنها كانت خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يمنعها من ذلك فعرفنا أنه لا بأس للعجوز أن تخرج لإعانة المجاهدين بما يليق بها من العمل والله الموفق) انتهى.
وقال في كشاف القناع (3/62) : ((و) يمنع (نساء) للافتتان بهن , مع أنهن لسن من أهل القتال , لاستيلاء الخور (أي الضعف) والجبن عليهن ; ولأنه لا يؤمن ظفر العدو بهن , فيستحلون منهن ما حرم الله تعالى قال بعضهم: (إلا امرأة الأمير لحاجته) لفعله صلى الله عليه وسلم. (و) إلا امرأة (طاعنة في السن لمصلحة فقط كسقي الماء ومعالجة الجرحى) لقول الربيع بنت معوذ: " كنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم نسقي الماء ونخدمهم , ونرد الجرحى , والقتلى إلى المدينة " رواه البخاري وعن أنس معناه رواه مسلم ; ولأن الرجال يشتغلون بالحرب عن ذلك , فيكون معونة للمسلمين وتوفيرا في المقاتلة) .
وهذا كله ما لم يتعين الجهاد بأن دهم العدو بلد المسلمين، فإنه يجب الجهاد على كل قادر رجلاً كان أم امرأة، فتخرج المرأة بغير إذن زوجها، قال الكاساني الحنفي رحمه الله: (فأما إذا عم النفير بأن هجم العدو على بلد , فهو فرض عين يفترض على كل واحد من آحاد المسلمين ممن هو قادر عليه ; لقوله سبحانه وتعالى (انفروا خفافا وثقالا) قيل: نزلت في النفير. وقوله سبحانه وتعالى (ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه) ....) انتهى من بدائع الصنائع 7/98.
وجاء نحو هذا في الشرح الصغير من كتب المالكية (2/274) : أن الجهاد إذا تعيّن بأن هجم العدو على بلاد المسلمين فإنه يجب على كلّ قادر عليه من الرجال والنساء.
وخلاصة الجواب:
أن الجهاد لا يجب على المرأة في الأصل، إلا نه عند الضرورة، كما لو هجم الكفار على بلاد المسلمين فإنه يجب عليها الجهاد، وحينئذ عل حسب قدرتها واستطاعتها، فإن كانت غير مستطيعة فلا يجب عليها لقول الله تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا) سورة البقرة/286
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4860)
والدها يرفض الخاطب لأنه مجاهد وقد يموت في المعركة
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أتزوج برجلٍ يعد نفسه للذهاب إلى الجهاد في غضون سنوات، لكن عندما ذكرت أمره لوالدي رفض؛ لأنه يقول بأنه لا يستطيع أن يراني أرملة في حياته، أنا أعي عواقب الزواج بشخصٍ قد يموت في المعركة (ومن منظور دنيوي: أي: أني سأعيش بدون زوج لأشهر كل مرة " يذهب فيها للجهاد "، وهناك احتمال كبير بأن أصبح أرملة، إلخ) ، لكن الأجر هو أعظم بكثيرٍ من المنافع الدنيوية.
وعليه، فهل يجب عليَّ أن أطيع والدي؟ وهل سبب رفضه مقبول إسلاميّاً لأن يرفض هذا الخاطب، وأنا أكثر من موافقة على أن أصبح زوجة لمجاهد؟ أرجو المساعدة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
فإن النكاح رابطة شرعية شريفة حث عليها ديننا في مواضع من كتاب الله وسنة رسوله، وإن من المهم في هذه الرابطة حسن اختيار الزوج أو الزوجة، فقد قال عليه الصلاة والسلام: " تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك " رواه البخاري (4802) ومسلم (1466) ، وقال مخاطباً ولي المرأة: " إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض " – رواه الترمذي (1084) وابن ماجه (1967) – وصححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (1022) -.
ثم إن الجهاد من أعظم أبواب الخير وهو ذروة سنام الإسلام، وأهله هم من خيرة عباد الله، ومن حزبه المفلحين، وفضل الجهاد والمجاهدين مما يطول ذكره.
ثانياً:
الذهاب للجهاد لا يعني الموت المحقق، فإن الله قد خلق الخلائق وقدر أزراقها وآجالها، وإنه لمن العجب أن يظن المسلم أن ذهاب المجاهد إلى أرض المعركة يعني أنه سيقتل فيها، ويظن أنه إن لم يجاهد فسينجو من الموت، وهذا ظن خاطىء فالذهاب إلى الجهاد لا يعجِّل ساعة الإنسان، وعدم الذهاب لا يؤخرها، وقد يعيش الإنسان عمره كله في الجهاد ولا يُقتل فيه، ومن أحسن الأمثلة على ذلك: الصحابي الجليل خالد بن الوليد – رضي الله عنه – والذي قضى كثيراً من عمره في ساحات القتال ثم كان موته على فراشه، بينما آلاف الناس يموتون في كل لحظة في بيوتهم أو متاجرهم أو في الشوارع، قال الله عز وجل: {ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون} النحل / 61، وقال تعالى: {وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير} لقمان / 34.
وقد أخبر الله تعالى عن مثل من يظن هذا الظن وردَّ عليهم.
قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم والله يحيي ويميت والله بما تعملون بصير} آل عمران / 156.
قال ابن كثير:
ينهى الله تعالى عباده المؤمنين عن مشابهة الكفار في اعتقادهم الفاسد الدال عليه قولهم عن إخوانهم الذين ماتوا في الأسفار والحروب لو كانوا تركوا ذلك لما أصابهم ما أصابهم فقال تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم} أي: عن إخوانهم {إذا ضربوا في الأرض} أي: سافروا للتجارة ونحوها {أو كانوا غزى} أي: كانوا في الغزو {لو كانوا عندنا} أي: في البلد {ما ماتوا وما قتلوا} أي: ما ماتوا في السفر وما قتلوا في الغزو، وقوله {ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم} أي: خلق هذا الاعتقاد في نفوسهم ليزدادوا حسرة على موتاهم وقتلاهم.
ثم قال تعالى ردّاً عليهم {والله يحيي ويميت} أي: بيده الخلق، وإليه يرجع الأمر، ولا يحيا أحد ولا يموت أحد إلا بمشيئته وقدره، ولا يزاد في عمر أحد ولا ينقص منه شيء إلا بقضائه وقدره.
" تفسير ابن كثير " (1 / 420) .
وقال:
أي: كما أن الحذر لا يغني من القدَر، كذلك الفرار من الجهاد وتجنبه لا يقرب أجلاً ولا يُبعده، بل الإحياء المحتوم والرزق المقسوم مقدَّر مقنَّن لا يُزاد فيه ولا ينقص منه كما قال تعالى {الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا قل فادرؤا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين} ، وقال تعالى {وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة} ، وروينا عن أمير الجيوش ومقدَّم العساكر وحامى حوزة الإسلام وسيف الله المسلول على أعدائه أبي سليمان خالد بن الوليد رضي الله عنه أنه قال - وهو في سياق الموت -: " لقد شهدت كذا وكذا موقفاً، وما من عضوٍ من أعضائي إلا وفيه رمية أو طعنة أو ضربة وها أنا ذا أموت على فراشي كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء "، يعني: أنه يتألم لكونه ما مات قتيلاً في الحرب، ويتأسف على ذلك، ويتألم أن يموت على فراشه.
" تفسير ابن كثير " (1 / 300) .
ثالثاً:
ومما تقدم يتبين خطأ ما قاله والدك من أنه لا يريد أن يراك أرملة في حياته، إذ لو قدر الله ذلك لحصل حتى لو تزوجت من غير المجاهد، فرفضه لأنه يعد نفسه للجهاد ليس له مسوغٌ شرعاً، أما إن كان هناك أسباب أخَ تتعلق بخلُقه ودينه: فيمكن للوالد أن يردَّ هذا الزوج.
رابعاً:
والنصيحة لك أن تطيعي والدكِ، وليس لك أن تتزوجي من غير إذن الوليِّ، فقد أبطل الشرع الحكيم زواج المرأة من غير إذن الولي.
أ. عن أبي موسى قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا نكاح إلا بولي ".
رواه الترمذي (1101) وأبو داود (2085) وابن ماجه (1881) .
والحديث: صححه الشيخ الألباني رحمه الله في " صحيح الترمذي " (1 / 318) .
ب. عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن دخل بها فلها المهر لما استحل من فرجها، فإن لم يكن لها ولي فالسلطان ولي من لا ولي له.
رواه الترمذي (1102) وأبو داود (2083) وابن ماجه (1879) .
والحديث: حسَّنه الترمذي وصححه ابن حبان (9 / 384) والحاكم (2 / 183) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4861)
هل انتشر الإسلام بالسيف؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل انتشر الإسلام بالسيف؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سبق في السؤال رقم (34830) أن الجهاد نوعان: جهاد طلب، وجهاد دفع.
ولا شك أن جهاد الطلب كان له أثر كبير في نشر الإسلام، ودخول الناس في دين الله أفواجا.
ولذلك ملئت قلوب أعداء الإسلام رعباً من الجهاد.
جاء في مجلة العالم الإسلامي الإنجليزية: إن شيئاً من الخوف يجب أن يسيطر على العالم الغربي، ولهذا الخوف أسباب منها أن الإسلام منذ ظهر بمكة لم يضعف عددياً بل دائما في ازدياد واتساع. ثم إن الإسلام ليس ديناً فحسب، بل إن من أركانه الجهاد اهـ.
وقال روبرت بين: إن المسلمين قد غزوا الدنيا كلها من قبل وقد يفعلونها مرة ثانية اهـ.
وقد أراد المستشرقون الطعن في الإسلام بأنه انتشر بالسيف.
وألف المستشرق توماس أرنولد كتابه (الدعوة إلى الإسلام) يهدف منه إلى إماتة الروح الجهادية عند المسلمين، وبرهن بزعمه على أن الإسلام لم ينتشر بالسيف، وإنما انتشر بالدعوة السلمية المتبرئة من كل قوة.
وقد وقع المسلمون في الفخ الذي نُصِبَ لهم، فإذا سمعوا من يتهجم على الإسلام بأنه انتشر بالسيف من المستشرقين، قالوا: أخطأتم واسمعوا الرد عليكم من بني جلدتكم، فهذا توماس يقول كذا وكذا.
وخرج الانهزاميون من المسلمين يدافعون عن الإسلام، وأرادوا تبرئة الإسلام من هذه الفرية على زعمهم، فنفوا أن يكون الإسلام انتشر بالسيف، ونفوا مشروعية الجهاد في الإسلام إلا على سبيل الدفاع فقط، وأما جهاد الطلب فلا وجود له عندهم. وهذا خلاف ما قرره أئمة الهدى علماء المسلمين، فضلا عن مخالفته للقرآن والسنة.
قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (28/263) :
"فالمقصود أن يكون الدين كله لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الله اسم جامع لكلماته التي تضمنها كتابه، وهكذا قال الله تعالى: (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط) فالمقصود من إرسال الرسل وإنزال الكتب أن يقوم الناس بالقسط في حقوق الله وحقوق خلقه ثم قال تعالى: (وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب) فمن عدل عن الكتاب قوم بالحديد، ولهذا كان قوام الدين بالمصحف والسيف. وقد روى عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نضرب بهذا يعنى السيف من عدل عن هذا يعنى المصحف اهـ.
وقال ابن القيم رحمه الله في "الفروسية" (ص 18) :
(وبعثه الله تعالى – يعني النبي صلى الله عليه وسلم - بالكتاب الهادي، والسيف الناصر، بين يدي الساعة حتى يعبد سبحانه وحده لا شريك له، وجعل رزقه تحت ظل سيفه ورمحه. . . فإن الله سبحانه أقام دين الإسلام بالحجة والبرهان، والسيف والسنان، كلاهما في نصره أخوان شقيقان اهـ.
وهذه بعض أدلة الكتاب والسنة والتي تدل دلالة بينة واضحة على أن السيف كان من أهم الأسباب التي أدت إلى انتشار الإسلام:
1- قال الله تعالى: (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) الحج /40. وقال: (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) البقرة /251.
2- وأمر الله تعالى بإعداد العدة لمجاهدة الكفار وإرهابهم، قال تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ) الأنفال /60.
فلو كان الإسلام لا ينتشر إلا بالدعوة السلمية فقط، فمم يخاف الكفار؟ أمن كلام يقال باللسان فقط؟ وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نصرت بالرعب مسيرة شهر) وهل يرعب الكفار أن يقال لهم أسلموا، فإن لم تسلموا فأنتم أحرار فيما تعتقدون وتفعلون. أم كان يرعبهم الجهاد وضرب الجزية والصغار. مما يحملهم على الدخول في الإسلام لرفع ذلك الصغار عنهم.
3- وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو الناس إلى الإسلام دعوة مقرونة بالسيف، ويأمر بذلك قواده، لعل الناس إذا رأوا القوة وجد المسلمين في الدعوة إلى دينهم تزول عنهم الغشاوة.
روى البخاري (3009) ومسلم (2406) عن سَهْل بْنَ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ: لأُعْطِيَنَّ الرَّايََ غَدًا رَجُلا يُفْتَحُ عَلَى يَدَيْهِ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَبَاتَ النَّاسُ لَيْلَتَهُمْ أَيُّهُمْ يُعْطَى فَغَدَوْا كُلُّهُمْ يَرْجُوهُ فَقَالَ أَيْنَ عَلِيٌّ فَقِيلَ يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ فَبَصَقَ فِي عَيْنَيْهِ وَدَعَا لَهُ فَبَرَأَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ فَأَعْطَاهُ الراية. فَقَالَ: أُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا؟ فَقَالَ: انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلامِ، وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ، فَوَاللَّهِ لأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ.
فهذه دعوة إلى الله سبحانه مقرونة بقوة السلاح.
وروى مسلم (3261) عَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، ثُمَّ قَالَ: اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، اغْزُوا، وَلا تَغُلُّوا، وَلا تَغْدِرُوا، وَلا تَمْثُلُوا، وَلا تَقْتُلُوا وَلِيدًا، وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلاثِ خِصَالٍ أَوْ خِلالٍ فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلامِ فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ. . . فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَسَلْهُمْ الْجِزْيَةَ، فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ. . . الحديث.
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر أمراءه أن يدعو الكفار إلى الإسلام وهم يرفعون السيوف فوق رؤوسهم، فإن أبوا الإسلام دفعوا الجزية وهم أذلة صاغرون، فإن أبوا فما لهم إلا السيف (فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ) .
4- وقال صلى الله عليه وسلم: (بُعِثْتُ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللَّهُ وَحْدَهُ، لا شَرِيكَ لَهُ، وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي، وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي، وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ) أحمد (4869) . صحيح الجامع (2831) .
وكون السيف والقوة من أسباب انتشار الإسلام، هذا لا يعيب الإسلام، بل هو من مزاياه ومحاسنه أنه يلزم الناس بما فيه نفعهم في الدنيا والآخرة، وكثير من الناس يغلب عليهم السفه وقلة الحكمة والعلم، فلو تُرِك وشأنه لعمي عن الحق، ولانغمس في الشهوات، فشرع الله الجهاد لرد هؤلاء إلى الحق، وإلى ما فيه نفعهم، ولا شك أن الحكمة تقتضي منع السفيه مما يضره، وحمله على ما فيه نفعه.
وروى البخاري (4557) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) قَالَ: خَيْرَ النَّاسِ لِلنَّاسِ [أي كنتم أنفع الناس للناس] تَأْتُونَ بِهِمْ فِي السَّلَاسِلِ فِي أَعْنَاقِهِمْ، حَتَّى يَدْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ. وهل يؤتى بالناس في السلاسل من غير جهاد؟ !
وهذا مما يُمدح عليه الإسلام ولا يذم، فعلى الانهزاميين (أن يتقوا الله في مسخ هذا الدين، وإصابته بالهزال بحجة أنه دين السلم والسلام. نعم، إنه دين السلم والسلام، ولكن على أساس إنقاذ البشرية كلها من عبادة غير الله، وإخضاع البشرية كافة لحكم الله، إنه منهج الله وليس منهج عبد من العبيد ولا مذهب مفكر من البشر حتى يخجل الداعون إليه من إعلان أن هدفهم الأخير هو أن يكون الدين كله لله. إنه حين تكون المذاهب التي يتبعها الناس مذاهب بشرية من صنع العبيد وحين تكون الأنظمة والشرائع التي تصرف حياتهم من وضع العبيد أيضاً فإنه في هذه الحالة يصبح لكل مذهب ولكل نظام الحق في أن يعيش داخل حدوده آمنا ما دام أنه لا يعتدي على حدود الآخرين ويصبح من حق هذه المذاهب والأنظمة والأوضاع المختلفة أن تتعايش وألا يحاول أحدها إزالة الآخر. فأما حين يكون هناك منهج إلهي وشريعة ربانية وإلى جانبه مناهج ومذاهب من صنع البشر فإن الأمر يختلف من أساسه، ويصبح من حق المنهج الإلهي أن يجتاز الحواجز البشرية ويحرر البشر من العبودية للعباد. . .) فقه الدعوة لسيد قطب (217-222) . بتصرف يسير.
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (12/14) : "الإسلام انتشر بالحجة والبيان بالنسبة لمن استمع البلاغ واستجاب له، وانتشر بالقوة والسيف لمن عاند وكابر حتى غُلِب على أمره، فذهب عناده فأسلم لذلك الواقع" اهـ.
تنبيه:
يجب أن يعلم أنه ليس معنى الجهاد في سبيل الله لدعوة الناس إلى الإسلام وإزالة معالم الشرك من الوجود، ليس معنى هذا أن الإسلام يكره الناس على الدخول فيه، كلا، فإن الله تعالى يقول: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) البقرة/256.
ولذلك من رفض من المشركين الدخول في الإسلام تُرِكَ ودينَه، ولكن بشروط نعقدها معه، وهو ما يسمى بـ "عقد الجزية" أو "عقد الذمة".
فلليهودي أن يبقى على يهوديته في دولة الإسلام، وكذلك النصراني وغيرهم من أهل سائر الأديان.
وتاريخ المسلمين شاهد على بقاء غير المسلمين في دولة الإسلام من غير أن يكرهوا على تغيير دينهم. وقد اعترف بذلك كثير من المستشرقين أنفسهم.
قال المستشرق الألماني أولرش هيرمان:
" الذي لفت نظري أثناء دراستي لهذه الفترة – فترة العصور الوسطى- هو درجة التسامح التي تمتع بها المسلمون، وأخص هنا صلاح الدين الأيوبي، فقد كان متسامحاً جداً تجاه المسيحيين.
إن المسيحية لم تمارس الموقف نفسه تجاه الإسلام " انتهى.
(العالم) ، العدد 290، السبت 2 سبتمبر 1989م.
وقال هنري دي كاستري (مفكر فرنسي) :
"قرأت التاريخ وكان رأيي بعد ذلك أن معاملة المسلمين للمسيحيين تدل على ترفع في المعاشرة عن الغلظة وعلى حسن مسايرة ولطف مجاملة وهو إحساس لم يشاهد في غير المسلمين آن ذاك" انتهى.
وقال ول ديورانت (فيلسوف ومؤرخ أمريكي) :
"كان أهل الذمة المسيحيون، والزردشتيون، واليهود، والصابئون يستمتعون في عهد الخلافة الأموية بدرجة من التسامح لا نجد نظيرًا لها في المسيحية في هذه الأيام. فلقد كانوا أحرارًا في ممارسة شعائر دينهم، واحتفظوا بكنائسهم ومعابدهم.. وكانوا يتمتعون بحكم ذاتي يخضعون فيه لزعمائهم وقضاتهم وقوانينهم" انتهى.
وقال الدكتور جورج حنا من نصارى لبنان:
"إن المسلمين العرب لم يعرف عنهم القسوة والجور في معاملتهم للمسيحيين بل كانوا يتركون لأهل الكتاب حرية العبادة وممارسة طقوسهم الدينية، مكتفين بأخذ الجزية منهم" انتهى.
وأما إكراه النصارى للمسلمين على تغيير دينهم، وقتلهم وتعذيبهم إن رفضوا ذلك، فشواهده من التاريخ القديم والمعاصر واضحة للعيان، وما محاكم التفتيش إلا مثال واحد فقط من هذه الوقائع.
ولعلنا نبين ذلك في أجوبة أخرى إن شاء الله.
ونسأل الله تعالى أن يعز دينه، ويعلي كلمته.
انظر: "التسامح في الإسلام بين المبدأ والتطبيق" للدكتور شوقي أبو خليل، "الإسلام خواطر وسوانح".
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4862)
حكم من يموت دفاعاً عن وطنه من غير المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يموت دفاعاً عن وطنه من غير المسلمين فهل يعتبر شهيداً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من قتل في سبيل الله فهو شهيد ومعنى (في سبيل الله) أنه يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا، هذا هو حد شهيد المعركة كما بينه النبي صلى الله عليه وسلم.
فقد روى البخاري (3126) ومسلم (1904) عن أَبُي مُوسَى الأَشْعَرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ أَعْرَابِيٌّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُذْكَرَ وَيُقَاتِلُ لِيُرَى مَكَانُهُ مَنْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ: "مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ".
وروى مسلم (1915) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا تَعُدُّونَ الشَّهِيدَ فِيكُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ قَالَ إِنَّ شُهَدَاءَ أُمَّتِي إِذًا لَقَلِيلٌ قَالُوا فَمَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ مَاتَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ مَاتَ فِي الطَّاعُونِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ مَاتَ فِي الْبَطْنِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَالْغَرِيقُ شَهِيدٌ ".
فجمع النبي صلى الله عليه وسلم بين شهيد المعركة، وبين من يلحق به في فضل الشهادة.
قال النووي رحمه الله: (قال العلماء: المراد بشهادة هؤلاء كلهم غير المقتول في سبيل الله أنهم يكون لهم في الآخرة ثواب الشهداء وأما في الدنيا فيغسلون ويصلى عليهم وقد سبق في كتاب الإيمان بيان هذا والشهداء ثلاثة أقسام شهيد في الدنيا والآخرة وهو المقتول في حرب الكفار وشهيد في الآخرة دون أحكام الدنيا وهم هؤلاء المذكورون هنا، وشهيد في الدنيا دون الآخرة وهو من غل (أي سرق) في الغنيمة أو قُتل مدبرا (أي: وهو يفر من القتال) انتهى.
والشهادة منزلة عالية، لا تكون إلا لأهل الإيمان.
وأما من بلغته دعوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ولم يؤمن به فهو كافر بالله، من أهل النار سواء قتل في المعركة أو مات على فراشه، يهودياً كان أو نصرانياً أو غيرهما من ملل الشرك والكفر، والنصارى يكفرون لتكذيبهم النبي صلى الله عليه وسلم، ولدعواهم ألوهية المسيح عيس ابن مريم عليه السلام، ودعواهم أن الله اتخذ صاحبة وولداً تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً.
قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً) النساء /105-151.
وقال: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) التوبة / 30.
وقال: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرائيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) المائدة / 72
وقال: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) المائدة / 73
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ) . رواه مسلم (153) .
وهذا الكلام الذي سبق هو في أحكام الآخرة إذا قُتل، أما في أحكام الدنيا فإذا قام أحد من غير المسلمين بالمشاركة بالدفاع عن بلاد المسلمين دون تقديم أي تنازلات من المسلمين عن الحق فلا بأس أن يُشكر ويكافأ على ذلك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4863)
عليه دين لشخص فهل يذهب للجهاد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان الشخص لا يملك مالاً للسفر للجهاد وعليه ديون لمسلم آخر، فهل لا يزال الجهاد فرضاً عليه؟
إذا حصل هذا الشخص على بعض المال وكان الجهاد ضرورة في ذلك الوقت فهل يجب عليه أن يسدد القرض أولاً أم يذهب للجهاد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إذا كان الجهاد فرض عين في حالة من الحالات المعروفة، فمن عليه دين يخرج للجهاد ولا يجب عليه أن يستأذن صاحب الدَّين.
وإذا كان الجهاد فرض كفاية كجهاد طلب الأعداء فإنه لا يجوز الخروج إلا بإذن صاحب الدَّين، فإن أَذِن له خرج، وإن لم يأذن لم يخرج، إلا إن ترك وفاء لدينه أو وثقة بِرَهْن أو أقام ضامناً فلا يلزم إذن المدين.
ولمعرفة حكم الجهاد ومتى يكون فرض عين، ومتى يكون فرض كفاية يراجع السؤال رقم (34830)
قال ابن قدامة رحمه الله في المغني (13/28) : " وَمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ حَالٌّ أَوْ مُؤَجَّلٌ , لَمْ يَجُزْ لَهُ الْخُرُوجُ إلَى الْغَزْوِ إلا بِإِذْنِ غَرِيمِهِ , إلا أَنْ يَتْرُكَ وَفَاءً , أَوْ يُقِيمَ بِهِ كَفِيلا , أَوْ يُوَثِّقَهُ بِرَهْنٍ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. . .
ودليل ذلك أَنَّ رَجُلا جَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ , إنْ قُتِلْت فِي سَبِيلِ اللَّهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا , تُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ؟ قَالَ: نَعَمْ , إلا الدَّيْنَ , فَإِنَّ جِبْرِيلَ قَالَ لِي ذَلِكَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ولأَنَّ الْجِهَادَ تُقْصَدُ مِنْهُ الشَّهَادَةُ الَّتِي تَفُوتُ بِهَا النَّفْسُ، فَيَفُوتُ الْحَقُّ بِفَوَاتِهَا.
وَأَمَّا إذَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْجِهَادُ , فَلا إذْنَ لِغَرِيمِهِ ; لأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِعَيْنِهِ , فَكَانَ مُقَدَّمًا عَلَى مَا فِي ذِمَّتِهِ , كَسَائِرِ فُرُوضِ الأَعْيَانِ. . .
وَإِنْ تَرَكَ وَفَاءً , أَوْ أَقَامَ كَفِيلا , فَلَهُ الْغَزْوُ بِغَيْرِ إذْنِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِيمَنْ تَرَكَ وَفَاءً , لأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حَرَامٍ أَبَا جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ خَرَجَ إلَى أُحُدٍ , وَعَلَيْهِ دَيْنٌ كَثِيرٌ , فَاسْتُشْهِدَ , وَقَضَاهُ عَنْهُ ابْنُهُ بِعِلْمِ النَّبِيِّ , وَلَمْ يَذُمَّهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى ذَلِكَ , وَلَمْ يُنْكِرْ فِعْلَهُ , بَلْ مَدَحَهُ , وَقَالَ: (مَا زَالَتْ الْمَلائِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا , حَتَّى رَفَعْتُمُوهُ) . وَقَالَ لابْنِهِ جَابِرٌ: أَشَعَرْت أَنَّ اللَّهَ أَحْيَا أَبَاك , وَكَلَّمَهُ كِفَاحًا! " اهـ. بتصرف واختصار
وجاء في الموسوعة الفقهية (16/135) :
" وَأَمَّا إذَا تَعَيَّنَ الْجِهَادُ فَلا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ لا إذْنَ لِغَرِيمِهِ " اهـ.
ثانياً:
وأما إذا كان المدين معه من المال ما يفي بالدين، فهل يقدم الخروج للجهاد، أو وفاء الدين.
فجواب ذلك: إذا كان الجهاد فرض كفاية فإنه يقدم وفاء الدين.
وأما إذا كان الجهاد فرض عين فله حالان:
1- إذا تعيّن الجهاد لكونه حضر الصف، أو حصر العدو بلده فإنه يقدم الجهاد.
2- إذا تعين الجهاد لكون الإمام طلب منه الخروج للجهاد فإنه يقدم وفاء الدين.
قال شيخ الإسلام في "الاختيارات" (ص 308) :
" سُئِلْت عَمَّنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَهُ مَا يُوفِيه وَقَدْ تَعَيَّنَ الْجِهَادُ، فَقُلْت:
مِنْ الْوَاجِبَاتِ مَا يُقَدَّمُ عَلَى وَفَاءِ الدَّيْنِ كَنَفَقَةِ النَّفْسِ وَالزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ الْفَقِيرِ، وَمِنْهَا مَا يُقَدَّمُ وَفَاءُ الدَّيْنِ عَلَيْهِ كَالْعِبَادَاتِ مِنْ الْحَجِّ وَالْكَفَّارَاتِ , وَمِنْهَا مَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ إلا إذَا طُولِبَ بِهِ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ , فَإِنْ كَانَ الْجِهَادُ الْمُتَعَيِّنُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ كَمَا إذَا حَضَرَهُ الْعَدُوُّ أَوْ حَضَرَ الصَّفَّ قُدِّمَ عَلَى وَفَاءِ الدَّيْنِ كَالنَّفَقَةِ وَأَوْلَى، وَإِنْ كَانَ اسْتِنْفَارٌ (يعني طلب الخروج للجهاد من الإمام) فَقَضَاءُ الدَّيْنِ أَوْلَى، إذْ الإِمَامُ لا يَنْبَغِي لَهُ اسْتِنْفَارُ الْمَدِينِ مَعَ الاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ، وَلِذَلِكَ قُلْت: لَوْ ضَاقَ الْمَالُ عَنْ إطْعَامِ جِيَاعٍ وَالْجِهَادِ الَّذِي يَتَضَرَّرُ بِتَرْكِهِ قَدَّمْنَا الْجِهَادَ وَإِنْ مَاتَ الْجِيَاعُ،.....
وَقُلْت أَيْضًا: إذَا كَانَ الْغُرَمَاءُ يُجَاهِدُونَ بِالْمَالِ الَّذِي يَسْتَوْفُونَهُ فَالْوَاجِبُ وَفَاؤُهُمْ لِتَحْصِيلِ الْمَصْلَحَتَيْنِ: الْوَفَاءِ وَالْجِهَادِ. وَنُصُوصُ الإِمَامِ أَحْمَدَ تُوَافِقُ مَا كَتَبْتُهُ " اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4864)
هل يهاجر إلى المدينة النبوية كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[من السنة الهجرة إلى بلد إسلامي، فهل يجوز الانتقال من بريطانيا إلى المدينة النبوية في السعودية، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تجب الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام لمن لم يقدر على إظهار دينه، قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) النساء/97.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ) . رواه أبو داود (2645) . وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وأما من كان قادرا على إظهار دينه فلا تجب عليه الهجرة.
انظر السؤال (13363) .
وإذا رأى أن بقاءه في بلاده أنفع لقيامه بواجب الدعوة إلى الله وإرشاد الناس، وكان آمناً على دينه فإن إقامته فيها أفضل من الهجرة منها.
انظر السؤال (47672) .
ولا يشترط في الهجرة أن تكون إلى المدينة النبوية، بل إلى أي بلد إسلامي يستطيع المسلم أن يقيم شعائر دينه، ويأمن فيه على دينه.
وانظر تفصيل الهجرة إلى بلاد الإسلام في أجوبة الأسئلة: (3225) و (7191) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4865)
مناصرة المسلمين المستضعفين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم المساعدة المادية والبدنية لإخواننا في الشيشان؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سُئل الشيخ محمد ابن عثيمين - رحمه الله - عن هذا الموضوع فقال:
" من استطاع أن يساعدهم بالنفس والمال فليفعل ".
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى(5/4866)
هل من قتل في حرب مع الشيوعيين يعتبر شهيداً
[السُّؤَالُ]
ـ[تحدث من حين لآخر اشتباكات ومعارك بين الجيش XXX الذي يضم أعداداً من المسلمين والعصابات الشيوعية في أنحاء متفرقة XXX، وتسفر هذه المعارك عن قتلى من الطرفين. ما حكم قتلى المسلمين الذين يحاربون العصابات الشيوعية في صفوف الجيش التايلاندي، وهل يمكن أن نعتبرهم شهداء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أمرهم إلى الله الذي يعلم نياتهم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء أي ذلك في سبيل الله؟ فقال: " من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله عز وجل " متفق على صحته (البخاري 1/40، مسلم 3/1513) .
وعلى ذلك يعتبر شهيدا من كان قتاله في سبيل الله لإعلاء كلمة الله.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 12/23.(5/4867)
حكم الجهاد بالنفس
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الواجب على كل مسلم أن يخرج للجهاد؟ أم أن الجهاد مستحب وليس بواجب؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الجهاد بالنفس هو ذروة سنام الإسلام، وعده بعض العلماء الركن السادس من أركان الإسلام.
وقد تقاعس المسلمون عن الجهاد منذ أزمان متطاولة، فاستحقوا أن يعاقبهم الله تعالى بالذلّ والصغار المضروب عليهم، ولن يرفع ذلك الذل والصغار عنهم حتى يرجعوا إلى دينهم، كما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلا لا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ) . رواه أبو داود (2956) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
ومن عجائب الأمور أننا أصبحنا في زمن نرى فيه أناساً من المسلمين، يستحون أن يذكروا آيات الجهاد وأحاديثه أمام أصدقائهم من الكفار!! وتحمّر وجوههم خجلاً من ذكر أحكام الجزية والاسترقاق وقتل الأسرى. . . وودوا لو محوا تلك الآيات والأحاديث من القرآن والسنة حتى لا ينتقدهم العالم المتخلف في مبادئه، الذي يزعمون أنه متحضر!! وإذا لم يستطيعوا محوها، عمدوا إلى تأويلها وتحريفها ولي أعناقها حتى توافق أهواء ساداتهم. ولا أقول حتى توافق أهواءهم، "فإنهم أضعف من أن تكون لهم أهواء، وأشد جهلاً، بل أهواء سادتهم ومعلميهم من المبشرين والمستعمرين أعداء الإسلام". عمدة التفسير (1/46) .
ونتيجة لذلك لا تكاد تسمع اليوم إلا رنين العبارات الآتية: السلام العالمي. . التعايش السلمي. . الحدود الآمنة. . النظام الدولي الجديد. . ويلات الحروب.
وصار من يعلن اليوم آيات الجهاد وأحاديثه متهما بشتى الاتهامات. فهم. . إرهابيون. . متطرفون. . أعداء السلام. . مصاصون للدماء. . يريدون القضاء على حضارة القرن العشرين.
هذا هو الواقع التعيس الذي تعيشه الأمة الإسلامية اليوم. وذلك بسبب تقاعسنا عن نصرة ديننا، والقيام بما أوجب الله علينا.
وقد أوجب الله تعالى علينا نصر دينه، وإظهار حجته، وجهاد أعدائه.
فما أكثر الآيات الآمرة بجهاد المشركين وقتالهم حتى يكون الدين كله لله، والمصرحة بوجوبه وكتابته وفرضيته، قال الله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) البقرة /216.
حكم الجهاد
وقد ذكر العلماء رحمهم الله حكم الجهاد، فذكروا أن الجهاد نوعان:
1- جهاد الطلب والابتداء
وهو تطلب الكفار في عقر دارهم ودعوتهم إلى الإسلام وقتالهم إذا لم يقبلوا الخضوع لحكم الإسلام.
وهذا النوع فرض كفاية على المسلمين، قال الله تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) الأنفال /39. وقال تعالى: (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) التوبة /5. وقال تعالى: (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) التوبة /36. وقال تعالى: (انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) التوبة /41.
وعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلا بِحَقِّ الإِسْلامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ) . رواه البخاري (24) ومسلم (29) .
وروى مسلم (3533) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ بِالْغَزْوِ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ) .
فكل هذه النصوص - وغيرها كثير في الكتاب والسنة - تفرض على المسلمين جهاد الكفار ابتداءً. وقد أجمع العلماء على أن جهاد الكفار، وتطلبهم في عقر دارهم، ودعوتهم إلى الإسلام، وجهادهم إذا لم يقبلوه أو يقبلوا الجزية، فريضة محكمة غير منسوخة.
قال شيخ الإسلام (28/349) :
فكل من بلغته دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى دين الله الذي بعثه به فلم يستجب له فإنه يجب قتاله حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله اهـ.
وقال ابن عطية (2/43) : واستمر الإجماع على أن الجهاد على أمة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرض كفاية، فإذا قام به من قام من المسلمين يسقط عن الباقين اهـ.
2-جهاد الدفاع:
فإذا نزل الكفار ببلاد المسلمين واستولوا عليها، أو تجهزوا لقتال المسلمين فإنه يجب على المسلمين قتالهم حتى يندفع شرهم، ويُرد كيدُهم. وجهاد الدفاع فرض عين على المسلمين بإجماع العلماء.
قال القرطبي رحمه الله في "تفسيره: (8/15) :
"إذا تعين الجهاد بغلبة العدو على قطر من الأقطار، أو بحلوله بالعقر فإذا كان ذلك وجب على جميع أهل تلك الدار أن ينفروا، ويخرجوا إليه خفافا وثقالا، شبابا وشيوخا، كلٌّ على قدر طاقته، من كان له أب بغير إذنه، ومن لا أب له. ولا يتخلف أحدٌ يقدر على الخروج من مقاتل أو مُكَثِّر، فإن عجز أهل تلك البلدة عن القيام بعدوهم كان على من قاربهم وجاورهم أن يخرجوا، على حسب ما لزم أهل تلك البلدة، حتى يعلموا أن فيهم طاقةً على القيام بهم ومدافعتهم، وكذلك كل من علم بضعفهم عن عدوهم، وعلم أنه يدركهم ويمكنه غياثهم لزمه أيضا الخروج إليهم، فالمسلمون كلهم يد على من سواهم، حتى إذا قام بدفع العدو أهل الناحية التي نزل بها العدو عليها واحتل بها سقط الفرض عن الآخرين. ولو قارب العدوُ دارَ الإسلام ولم يدخلوها لزمهم أيضاً الخروجُ إليه حتى يظهر دين الله، وتحمى البيضة، وتحفظ الحوزة، ويُخزى العدو، ولا خلاف في هذا" اهـ.
وقال شيخ الإسلام (28/358-359) :
فأما إذا أراد العدو الهجوم على المسلمين فإنه يصير دفعه واجبا على المقصودين كلِّهم، وعلى غير المقصودين لإعانتهم، كما قال الله تعالى: (وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ) الأنفال /72. وكما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بنصر المسلم. . وهذا يجب بحسب الإمكان على كل أحد بنفسه وماله. . كما كان المسلمون لما قصدهم العدو عام الخندق لم يأذن الله في تركه لأحد. . بل ذم الذين يستأذنون النبي يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا. فهذا دفع عن الدين والحرمة والأنفس وهو قتال اضطرار اهـ
هذا حكم الجهاد بالنفس في الإسلام، جهاد طلب لدعوة الكفار إلى الدخول في هذا الدين، وإخضاعهم لحكم الإسلام أذلة صاغرين، وجهاد دفاع عن دين المسلمين وحرماتهم.
نسأل الله تعالى أن يرد المسلمين إلى دينهم رداًّ جميلاً.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4868)
الحكمة من مشروعية الجهاد
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا يجاهد المسلمون؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فرض الله تعالى على المسلمين الجهاد في سبيله، وذلك للمصالح العظيمة المترتبة عليه، ولما في تركه من أضرار ومفاسد سبق ذكر بعضها في السؤال رقم (34830) .
فمن الحكم في مشروعية الجهاد في سبيل الله:
1- الهدف الرئيس للجهاد هو تعبيد الناس لله وحده، وإخراجهم من العبودية للعباد إلى العبودية لرب العباد.
قال الله تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلا عَلَى الظَّالِمِينَ) البقرة /193. وقال: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) الأنفال /39.
وقال ابن جرير:
فقاتلوهم حتى لا يكون شرك، ولا يعبد إلا الله وحده لا شريك له، فيرتفع البلاء عن عباد الله من الأرض، وهو الفتنة ويكون الدين كله لله، وحتى تكون الطاعة والعبادة كلها خالصة دون غيره اهـ.
وقال ابن كثير:
أمر تعالى بقتال الكفار حتى لا تكون فتنة أي شرك ويكون الدين لله أي يكون دين الله هو الظاهر على سائر الأديان اهـ.
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلا بِحَقِّ الإِسْلامِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ) رواه البخاري (24) ومسلم (33) .
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (بُعِثْتُ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللَّهُ وَحْدَهُ، لا شَرِيكَ لَهُ) . رواه أحمد (4869) . وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (2831) .
وقد كان هذا الهدف من الجهاد حاضراً في حس الصحابة رضي الله عنهم أثناء معاركهم مع أعداء الله، روى البخاري (2925) عَنْ جُبَيْرِ بْنِ حَيَّةَ قَالَ بَعَثَ عُمَرُ النَّاسَ فِي أَفْنَاءِ الأَمْصَارِ يُقَاتِلُونَ الْمُشْرِكِينَ ... فَنَدَبَنَا عُمَرُ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْنَا النُّعْمَانَ بْنَ مُقَرِّنٍ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِأَرْضِ الْعَدُوِّ وَخَرَجَ عَلَيْنَا عَامِلُ كِسْرَى فِي أَرْبَعِينَ أَلْفًا، فَقَامَ تَرْجُمَانٌ فَقَالَ: لِيُكَلِّمْنِي رَجُلٌ مِنْكُمْ. فَقَالَ الْمُغِيرَةُ: سَلْ عَمَّا شِئْتَ. قَالَ: مَا أَنْتُمْ؟ قَالَ: نَحْنُ أُنَاسٌ مِنْ الْعَرَبِ، كُنَّا فِي شَقَاءٍ شَدِيدٍ، وَبَلاءٍ شَدِيدٍ، نَمَصُّ الْجِلْدَ وَالنَّوَى مِنْ الْجُوعِ، وَنَلْبَسُ الْوَبَرَ وَالشَّعَرَ، وَنَعْبُدُ الشَّجَرَ وَالْحَجَرَ، فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الأَرَضِينَ، تَعَالَى ذِكْرُهُ وَجَلَّتْ عَظَمَتُهُ، إِلَيْنَا نَبِيًّا مِنْ أَنْفُسِنَا نَعْرِفُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ، فَأَمَرَنَا نَبِيُّنَا رَسُولُ رَبِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُقَاتِلَكُمْ حَتَّى تَعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ أَوْ تُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ، وَأَخْبَرَنَا نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رِسَالَةِ رَبِّنَا أَنَّهُ مَنْ قُتِلَ مِنَّا صَارَ إِلَى الْجَنَّةِ فِي نَعِيمٍ لَمْ يَرَ مِثْلَهَا قَطُّ، وَمَنْ بَقِيَ مِنَّا مَلَكَ رِقَابَكُمْ.
وتلك حقيقة كان يعلنها الصحابة وقادة المسلمين في غزواتهم.
وقال ربعي بن عامر لما سأله رستم أمير جيوش الفرس: ما جاء بكم؟ فقال: الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله.
ولما بلغ عقبة بن نافع طنجة أوطأ فرسه الماء، حتى بلغ الماء صدرها، ثم قال: اللهم اشهد أني قد بلغت المجهود، ولولا هذا البحر لمضيت في البلاد أقاتل من كفر بك، حتى لا يعبد أحدٌ من دونك.
2- رد اعتداء المعتدين على المسلمين.
وقد أجمع العلماء على أن رد اعتداء الكفار على المسلمين فرض عين على القادر عليه.
قال الله تعالى: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) البقرة /190.
وقال تعالى: (أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ) التوبة/13.
3- إزالة الفتنة عن الناس.
والفتنة أنواع:
الأول: ما يمارسه الكفار من أشكال التعذيب والتضييق على المسلمين ليرتدوا عن دينهم. وقد ندب الله تعالى المسلمين للجهاد لإنقاذ المستضعفين، قال تعالى: (وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا) النساء /75.
الثاني: فتنة الكفار أنفسهم وصدهم عن استماع الحق وقبوله، وذلك لأن الأنظمة الكفرية تفسد فطر الناس وعقولهم، وتربيهم على العبودية لغير الله، وإدمان الخمر، والتمرغ في وحل الجنس، والتحلل من الأخلاق الفاضلة، ومن كان كذلك قَلَّ أن يعرف الحق من الباطل، والخير من الشر، والمعروف من المنكر. فشرع الجهاد لإزالة تلك العوائق التي تعوق الناس عن سماع الحق وقبوله والتعرف عليه.
4- حماية الدولة الإسلامية من شر الكفار.
ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل رؤوس الكفر الذي كانوا يألبون الأعداء على المسلمين، ككعب بن الأشرف، وابن أبي الحقيق اليهوديين.
ومن ذلك: الأمر بحفظ الثغور (الحدود) من الكفار، وقد رغب النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فقال: (رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا) البخاري (2678) .
5- إرهاب الكفار وإذلالهم وإخزاؤهم.
قال تعالى: (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمْ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) التوبة /14-15. وقال: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) الأنفال /60.
ولذلك شرع في القتال ما يسبب الرعب في قلوب الأعداء.
سئل شيخ الإسلام رحمه الله هل يجوز للجندي أن يلبس شيئا من الحرير والذهب والفضة في القتال أو وقت يصل رسل العدو إلي المسلمين؟
فأجاب: الحمد لله، أما لباس الحرير لإرهاب العدو ففيه للعلماء قولان أظهرهما أن ذلك جائز، فإن جند الشام كتبوا إلى عمر بن الخطاب إنا إذا لقينا العدو ورأيناهم قد كَفَّرُوا أي غطوا أسلحتهم بالحرير وجدنا لذلك رعبا في قلوبنا، فكتب إليهم عمر: وأنتم فَكَفِّرُوا أسلحتكم كما يكفرون أسحلتهم. ولأن لبس الحرير فيه خيلاء، والله يحب الخيلاء حال القتال، كما في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن من الخيلاء ما يحبه الله، ومن الخيلاء ما يبغضه الله، فأما الخيلاء التي يحبها الله، فاختيال الرجل عند الحرب، وأما الخيلاء التي يبغضها الله فالخيلاء في البغي والفخر) . ولما كان يوم أحد اختال أبو دجانة الأنصاري بين الصفين فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنها لمشية يبغضها الله إلا في هذا الموطن اهـ. مجموع الفتاوى 28/17.
6- كشف المنافقين.
قال الله تعالى: (فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنْ الْمَوْتِ) محمد/20.
فإن المسلمين في حال الرخاء والسعة، قد ينضم إليهم غيرهم ممن يطمعون في تحقيق مكاسب مادية، ولا يريدون رفع كلمة الله على كلمة الكفر، وهؤلاء قد يخفى أمرهم على كثير من المسلمين، وأكبر كاشف لهم هو الجهاد، لأن في الجهاد بذلا لروح الإنسان وهو ما نافق إلا ليحفظ روحه.
وكان كشف المنافقين إحدى الحكم الجليلة التي أرادها الله عز وجل مما حصل للمؤمنين يوم أحد.
قال الله تعالى: (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنْ الطَّيِّبِ) آل عمران/179. قال ابن القيم: أي ما كان الله ليذركم على ما أنتم عليه من التباس المؤمنين بالمنافقين، حتى يميز أهل الإيمان من أهل النفاق، كما ميزهم بالمحنة يوم أحد، وما كان الله ليطلعكم على الغيب الذي يميز به بين هؤلاء وهؤلاء، فإنهم متميزون في غيبه وعلمه، وهو سبحانه يريد أن يميزهم تمييزا مشهودا، فيقع معلومُه الذي هو غيبٌ شهادةً اهـ.
7- تمحيص المؤمنين من ذنوبهم.
أي: تنقيتهم من ذنوبهم، وتخليصهم منها.
قال الله تعالى: (وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) آل عمران/140-142.
8- الحصول على الغنائم.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (بُعِثْتُ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللَّهُ وَحْدَهُ، لا شَرِيكَ لَهُ، وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي، وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي، وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ) أحمد (4869) . صحيح الجامع (2831) .
قال الحافظ:
وَفِي الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى حِلِّ الْغَنَائِمِ لِهَذِهِ الأُمَّةِ، وَإِلَى أَنَّ رِزْقَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُعِلَ فِيهَا لا فِي غَيْرِهَا مِنْ الْمَكَاسِبِ، وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إِنَّهَا أَفْضَلُ الْمَكَاسِبِ اهـ.
وقال القرطي:
فجعل الله رزق نبيه صلى الله عليه وسلم في كسبه لفضله، وخصه بأفضل أنواع الكسب، وهو أخذ الغلبة والقهر لشرفه اهـ.
وقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر لملاقاة قافلة أبي سفيان.
قال القرطبي: ودل خروج النبي صلى الله عليه وسلم ليلقى العير على جواز النفير للغنيمة لأنها كسب حلال وهو يرد ما كره مالك من ذلك إذ قال ذلك قتال على الدنيا اهـ.
وقال الشوكاني: (قال ابن أبي جمرة: ذهب المحققون إلى أنه إذا كان الباعث الأول قصد إعلاء كلمة الله لم يضره ما ينضاف إليه) اهـ.
9- اتخاذ شهداء.
قال الله تعالى: (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ) آل عمران/140-141.
(فالشهادة عند الله من أعلى مراتب أوليائه، والشهداء هم خواصه والمقربون من عباده، وليس بعد درجة الصديقية إلا الشهادة، وهو سبحانه يحب أن يتخذ من عباده شهداء، تراق دماؤهم في محبته ومرضاته، ويؤثرون رضاه ومحابه على نفوسهم، ولا سبيل إلى نيل هذه الدرجة إلا بتقدير الأسباب المفضية إليها من تسليط العدو) اهـ. قاله ابن القيم في "زاد المعاد".
فأين هذه الحكمة العظيمة الجليلة من هؤلاء الذين ينفرون المسلمين من الجهاد، ويخوفونهم منه، ويصورون الجهاد على أنه موت، وترمل للنساء، ويتم للأطفال؟!
10- إخلاء العالم من الفساد
قال الله تعالى: (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) الحج/40.
وقال: (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) البقرة /251.
قال مقاتل:
لولا دفع الله المشركين بالمسلمين، لغلب المشركون على الأرض فقتلوا المسلمين، وخربوا المساجد اهـ
قال شيخ الإسلام في الجواب الصحيح: 2/216:
فيدفع بالمؤمنين الكفار، ويدفع شر الطائفتين بخيرهما، كما دفع المجوس بالروم النصارى، ثم دفع النصارى بالمؤمنين أمة محمد اهـ.
وقال السعدي: لفسدت الأرض باستيلاء الكفرة والفجار، وأهل الشر والفساد اهـ.
هذه بعض الحكم الجليلة من مشروعية الجهاد.
نسأل الله تعالى أن يرد المسلمين إلى دينهم رداًّ جميلاً. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4869)
هل تجب الهجرة على من لا يأمن على دينه
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان الإنسان لا يستطيع أن يأمن على نفسه وعلى دينه من الفتن في بلده، فهل في هذه الحالة تكون الهجرة فرض على المسلم، وإلى أين يهاجر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الواقع ما ذكر، من أن المسلم لا يستطيع أن يأمن على نفسه وعلى دينه من الفتن في بلده؛ شرع له الهجرة منها - إذا استطاع - إلى بلد يأمن فيها على نفسه ودينه.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 12/51.(5/4870)
تسلية من فاته الجهاد لأجل بر أمه
[السُّؤَالُ]
ـ[نفسي لا تطيق القعود عن الجهاد، وأمي ترفض ذهابي. أوصني جزاك الله خيراً، كما أني لم أقدم للإسلام شيئاً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لعل الاشتغال بالدعوة يعوضك شيئاً مما فاتك من أمر الجهاد، وتذكّر أنك لم تتخلف عن الجهاد كسلاً وإنما لطاعة والديك وهو أمر واجب، وتذكّر أن بر الوالدين فيه أجر عظيم
ولا تنس قوله صلى الله عليه وسلم: (من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه) مسلم 3532.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/4871)
هل تأخذ المرأة المقاتلة من غنائم الحروب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تأخذ المرأة المسلمة من غنائم الحروب كما يأخذ الرجل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أجاب الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين عن هذا السؤال بما يلي: المرأة في الأصل لا تتولى القتال كالرجال فلا تقارع بالسيوف أو الرماح ولا تركب الأفراس وتلاحق الكفار، وإنما كانت تسقي العطشى وتداوي المرضى والجرحى من المسلمين، ولذلك لا يقسم لها من الغنائم سهام كالرجال وإنما يُرضخ لها كعطية بدون إسهام، أما إذا قُدِّر أنها قاتلت بالأسلحة الحديثة وكان لها تأثير فإنها تُلحق بالرجال، إن أُسهم لمن هو مثلها أُسْهم لها، وإن رُضِخ لهم رُضِخ لها مثلهم، وإن أُعطي الرجال مكافأة أو سَلَباً أو تعويضا فهي كذلك، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين(5/4872)
حكم الاستئذان في الذهاب إلى الجهاد
[السُّؤَالُ]
ـ[متى يجب على الشخص أن يستأذن والديه في الذهاب للجهاد؟ هل الإذن مطلوب إذا كان الوالدان لا زالا صغيرين أو غنيين ويملكان الكثير من المال؟ هل لا يزال يحتاج الإذن؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل في الجهاد أنه فرض كفاية إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين، فإذا كان فرض كفاية فإن الاستئذان قبل الذهاب إليه واجب على المجاهد، فيجب عليه أن يستأذن والديه إذا كانا مسلمين سواء كانا غنيين أم لا وسواء استغنيا عنه أم لا؛ لأن النصوص الواردة صريحة وواضحة في وجوب الاستئذان ومنها ما جاء في الصحيحين عن عبد الله بن عمرو أن رجلا استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في الجهاد فقال: " أحي والداك؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد "، وروى الإمام أحمد وأبو داود وابن حبان عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد رجلا هاجر من اليمن لوالديه، " قال له: أذنا لك؟ قال: لا، قال: ارجع إليهما فاستأذنهما فإن أذنا لك فجاهد وإلا فبرهما ".
هذا إذا لم يتعين الجهاد ويصبح فرض عين، فإذا أصبح الجهاد فرض عين فإن الاستئذان لا يجب لأن فروض الأعيان لا يستأذن أحد فيها، ويكون الجهاد فرض عين إذا حضر في ساحة القتال، أو إذا دهم العدو بلاد المسلمين، أو إذا عينه الإمام، أو استنفره للقتال، أو يتعين عليه بالواقع كأن يحسن نوعا من العلوم القتالية أو الأسلحة مما يحتاج المجاهدون إليه ولا يحسنه غيره. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/4873)
حكم غنائم المعارك التي يخوضها المسلمون
[السُّؤَالُ]
ـ[في موقف يكون المسلمون مشتركون في الجهاد ضد معتدين مثلما حدث في البوسنة، حينما يقاتل المجاهدون فإنهم يأسرون أرضاً ومغانم، مال، أسلحة الخ حينما نتكلم من الناحية الإسلامية فإن السرقة في الإسلام حرام ولكن هل هذه سرقة؟ إذا لم تكن كذلك حينئذ:
كيف يجب أن يستخدم هذا المال؟ من يستطيع أن يستخدمه؟ هل يجب أن يوزع؟ إلى من؟
ماذا يقصد بالخمس؟ جزاك الله خير.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
شرع الله تعالى الجهاد في سبيله لغايات ومقاصد عظيمة، منها نشر هذا الدين، وتعريف الناس به وبحقيقة الغاية التي من أجلها خلقهم الله تعالى، ومنها ردُّ ودفع عدوان أعداء هذا الدين الذين يحاربونه لإطفاء نوره، ويسعون للقضاء عليه وعلى أهله، والأصل فيه قوله تعالى (أُذِنَ للذين يقاتَلون بأنهم ظلموا وإنَّ الله على نصرهم لقدير، الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله) [سورة النور] . وإنَّ ما يحدث في البوسنة وكوسوفا والشيشان ونحوها من بلاد الإسلام هو مما أخبر الله تعالى عنه بقوله عن الكفار (ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء) وقال تعالى (وودوا لو تكفرون) وقال سبحانه (ودَّ كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق) وقال تعالى (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) .
وكذلك فإن القتال الدّائر بين المسلمين والكفّار هو من التدافع الذي هو من سنن الله الكونية وقد ذكرها الله بقوله: (فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وءاتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251) سورة البقرة، وكذلك في قوله: (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) سورة الحج
وقتال المسلمين اليوم لأعدائهم من الصرب والروس وغيرهم من الكفرة ما هو إلا ردٌ للعدوان والبغي والظلم، وهو من جهاد الدّفع المشروع وتنطبق عليه أحكام الجهاد في الإسلام، وما يأخذه المسلمون في هذه الحروب من أموال وأسلحة وآلات وأمتعة وعقارات ونحوها هي في الجملة للمسلمين، وهي مال حلال لهم كما قال تعالى (فكلوا مما غنتم حلالاً طيباً) والمقصود بالغنيمة هي هذه الأموال النقدية والعينية ونحوها مما ينتفع به التي يأخذها المجاهدون في سبيل الله في حربهم مع الكفار. وليس هذا من باب السرقة أبداً، وذلك لعدة أمور:
1 - أن السرقة هي أخذ مال على وجه الاختفاء من حرزه بغير حق، وهذا مخالف له تماماً، إذ أن أموال الجهاد من الفيء والغنيمة تؤخذ من الكفار بحقّ وهو الإذن الشرعي فيه بإباحته لنا بقوله تعالى (فكلوا مما غنتم حلالاً طيباً) ولفعله صلى الله عليه وسلم في حروبه وجهاده مع الكفار، وسلبه لأمتعتهم وأموالهم.
2 - أن السرقة تكون في الأموال المعصومة المحترمة، وأموال الكفار المحاربين ليست معصومة ولا محترمة.
3 - أن أقل ما يقال فيه أن هذا من باب الأخذ بالمثل، وذلك لأن المسلمين هناك أخذت أموالهم وهضمت حقوقهم وسلبت ديارهم، فهذا من استرداد حقوقهم وما اغتصب من أيديهم، وهو من باب إرجاع الحق لهم، والله تعالى يقول (ولمن انتصر من بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل) أي إثم وجناح (إنما السبيل على الذين يظلمون الناس بغير حق) . إذ عُلِمَ هذا فإن جميع الأموال التي يحصل عليها المجاهدون في حربهم مع الكفار تسمى شرعاً (غنيمة) و (فيئا) والفرق بينهما أن الأول يكون في المال الذي أُخِذَ بقتال، وأما الثاني فيكون مما أخذَ بدون قتال أي تركه الكفار وانهزموا أو استسلموا دون معركة ولا عمليات عسكرية، والواجب الشرعي في الغنيمة هو أن يقوم الإمام أو أمير المجاهدين أو المسؤول والقائد فيهم بجمعها وتقسيمها إلى خمسة أقسام، قسم منها يوزّع على الجهات التي ذكرها الله تعالى في قوله (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) وأما الأربعة أقسام الأخرى فتوزع بين المجاهدين المقاتلين الذين شاركوا في القتال، وذلك بإعطاء سهم للراجل وللفارس ثلاثة أسهم؛ (سهم له وسهمان لفرسه وهذا إذا استعملت الخيل في القتال) . ويكون هذا المال حلالا طيبا لجيش المسلمين قد أباحه الله تعالى لهم بقوله (فكلوا مما غنتم حلالاً طيباً) .
وأما المقصود بالخمس فهو ما أشارت إليه الآية الكريمة وهي مصرف هذه القسم الأول
وهم:
1 - سهم لله ولرسوله: يصرف في مصالح المسلمين العامة، من غير تعيين، لأن الله جله له ولرسوله صلى الله عليه وسلم، والله ورسوله غنيان عنه، فعلم أنه لعباد الله، فإذا لم يعين الله له مصرفاً، دلَّ على أن مصرفه للمصالح العامة. (تفسير ابن سعدي 3 / 169) .
2 - سهم منه لقرابة النبي صلى الله عليه وسلم وآل بيته الكرام من بني هاشم وبني المطلب، ويستوي فيه غنيهم وفقيرهم، ذكرهم وأنثاهم.
3 - اليتامى: وهم الذين فقدوا آباءهم وهم صغار دون البلوغ.
4 - الفقراء المحتاجون.
5 - ابن السبيل وهو المسافر المنقطع الذي يحتاج إلى مال ليرجع إلى بلده.
وقال بعض المفسرين (إن خمس الغنيمة لا يخرج عن هذه الأصناف، ولا يلزم أن يكونوا فيه على السواء، بل ذلك تبع للمصلحة) وهذا ما رجحه الشيخ ابن سعدي رحمه الله.
ولمزيد من الفائدة انظر تفسير ابن كثير (2 / 269) وزاد المعاد لابن القيم (3/ 100 - 105) .
والله تعالى اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/4874)
هل يعتبر قتال الجندي في الجيش النظامي للكفار جهادا
[السُّؤَالُ]
ـ[إن شاء الله سوف ألتحق بالجيش في الشهور القليلة القادمة، واحتمال - وهذا في علم الغيب ولكني أقدره أن يقع في أي وقت - أن تقوم الحرب بين المسلمين واليهود، فإذا قدر الله لي أن أكون من جنده المقاتلين لأعدائه اليهود فكيف أقاتل اليهود؟ بحيث إذا كتب لي الموت أن أكون شهيدا في سبيل الله، ولا أكتب شهيدا في سبيل الوطن، أو شهيدا في سبيل غير الله، حيث أن القتال سوف يكون لاسترداد أرض، أو لهوى بعض الناس، وليس لإعلاء كلمة الله (والعياذ بالله) ، فكيف أقاتلهم لإعلاء كلمة الله، وكيف تكون نيتي لكي استشهد في سبيل الله؟ وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا قدر لك أن تكون جنديا، في جيش يقاتل اليهود أو غيرهم من الكفار؛ فأخلص قلبك لله في قتالك إياهم، واقصد بذلك نصرة الإسلام والمسلمين، وأن تكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الكفر هي السفلى، بهذا يكون قتالك في سبيل الله؛ فقد ثبت أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل للذكر، والرجل يقاتل ليرى مكانه؛ فأي ذلك في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله " متفق على صحته من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه. (البخاري 3/206، مسلم 3/1512-1513) وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 12/25.(5/4875)
يريد الهجرة إلى بلاد المسلمين وأبواه يرفضان
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا يجب على الشخص الذي يتوق للهجرة من بلاد الكفر ولكن أبواه لا يريدان أن يهاجرا ويمنعانه من الهجرة؟
هل يجوز أن يهاجر بنفسه وهذا يتطلب أن يترك والديه على اعتبار أن هذا أقل الضررين بالإضافة إلى أنه طاعة للخالق في معصية للمخلوق؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين فأجاب بأنّه إذا كان الولد يحتاج إليه أبواه، وكان مستطيعا لإظهار دينه في بلاد الكفر فيجوز بقاؤه هناك، والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(5/4876)
هل يجوز للمرتهن الانتفاع بالرهن؟
[السُّؤَالُ]
ـ[رهن شخصٌ عندي قطعةً من الأرض لمدة ثلاث سنوات، وخلال هذه السنوات قمت بحرثها وزراعتها فهل الارباح الناتجة عن ذلك تُعد رباً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
انتفاع المرتهن بالرهن: إذا كان بغير إذن الراهن فلا يجوز بحال؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ) رواه أحمد (20172) وصححه الألباني في "الإرواء" (5/279) .
ولقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ) .
رواه مسلم (2564) .
ثانيا:
فإذا أذن الراهن للمرتهن بالانتفاع: فإن كان الدين دين قرض لم يجز للمرتهن الانتفاع بالرهن، وإن أذن الراهن؛ لأنه قرض جر نفعا فهو ربا.
قال البيهقي رحمه الله في "السنن الصغرى" (4 / 353) :
" روينا عن فضالة بن عبيد، أنه قال: كل قرض جر منفعة فهو وجه من وجوه الربا. وروينا عن ابن مسعود، وابن عباس، وعبد الله بن سلام، وغيرهم في معناه، وروي عن عمر، وأبي بن كعب، رضي الله عنهما " انتهى.
ثالثا:
إذا لم يكن الدين الذي رهنت فيه الأرض قرضا، كأن يكون ثمن مبيع أو أجرة دار ونحو ذلك، وأذن مالك الرهن (المدين) للمرتهن (الدائن) في الانتفاع به: فلا حرج عليه في ذلك.
جاء في "المدونة" (4/149) :
" قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْمُرْتَهِنَ , هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِطَ شَيْئًا مِنْ مَنْفَعَةِ الرَّهْنِ؟ قَالَ: إنْ كَانَ مِنْ بَيْعٍ فَذَلِكَ جَائِزٌ , وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مِنْ قَرْضٍ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ يَصِيرُ سَلَفًا جَرَّ مَنْفَعَةً. قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟ قَالَ: نَعَمْ ... " انتهى.
وقال ابن قدامة رحمه الله:
" ما لَا يَحْتَاجُ إلَى مُؤْنَةٍ , كَالدَّارِ وَالْمَتَاعِ وَنَحْوِهِ , فَلَا يَجُوزُ لِلْمُرْتَهِنِ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِغَيْرِ إذْنِ الرَّاهِنِ بِحَالٍ. لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا ; لِأَنَّ الرَّهْنَ مِلْكُ الرَّاهِنِ , فَكَذَلِكَ نَمَاؤُهُ وَمَنَافِعُهُ , فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ أَخْذُهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ , فَإِنْ أَذِنَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ فِي الِانْتِفَاعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ , وَكَانَ دَيْنُ الرَّهْنِ مِنْ قَرْضٍ , لَمْ يَجُزْ ; لِأَنَّهُ يُحَصِّلُ قَرْضًا يَجُرُّ مَنْفَعَةً , وَذَلِكَ حَرَامٌ. قَالَ أَحْمَدُ: أَكْرَهُ قَرْضَ , الدُّورِ , وَهُوَ الرِّبَا الْمَحْضُ. يَعْنِي: إذَا كَانَتْ الدَّارُ رَهْنًا فِي قَرْضٍ يَنْتَفِعُ بِهَا الْمُرْتَهِنُ.
وَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ بِثَمَنِ مَبِيعٍ , أَوْ أَجْرِ دَارٍ , أَوْ دَيْنٍ غَيْرِ الْقَرْضِ , فَأَذِنَ لَهُ الرَّاهِنُ فِي الِانْتِفَاعِ , جَازَ ذَلِكَ " انتهى.
"المغني" (4/250) .
رابعا:
يشترط في الانتفاع بالرهن، على الوجه السابق، ألا يكون هذا الانتفاع في مقابل تأخير مدة سداد الدين، فإن كان انتفاعه بالرهن في مقابل ذلك لم يجز للمرتهن الانتفاع بالرهن، لأنه يكون ـ حينئذ ـ من باب: قرض جر نفعا.
سئلت اللجنة الدائمة:
رجل عليه دين لرجل آخر، رهن المدين به قطعة أرض فهل لرب الدين أن ينتفع بتلك الأرض المرهونة بالزراعة أو الإيجار أو نحوها؟
فأجابت اللجنة:
" إذا كان المرهون مما لا يحتاج إلى مؤونة وعناية، كالمتاع والعقارات من الأراضي والدور، وكانت مرهونة في دين غير دين قرض، فإنه لا يجوز للمرتهن أن ينتفع بها بالزراعة أو الإيجار، إلا بإذن الراهن؛ لأنه ملكه فكذلك نماؤه من حق الراهن، فإن أذن الراهن للمرتهن بالانتفاع بهذه الأرض ولم يكن الدين دين قرض، جاز انتفاع المرتهن بها ولو بغير عوض، ما لم يكن ذلك في مقابل تأخير مدة وفائه، فإن كان انتفاعه بالرهن في مقابل ذلك لم يجز للمرتهن الانتفاع به.
أما إن كانت هذه الأرض المرهونة رهنت في دين قرض، فإنه لا يجوز للمرتهن الانتفاع بها مطلقا؛ لكونه قرضا جر نفعا، وكل قرض جر نفعا فهو ربا بإجماع أهل العلم " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (14 / 176-177)
خامسا:
إن كان الانتفاع بالرهن بغير إذن مالكه، أو كان بإذنه لكن الدين الذي بينهما عبارة عن قرض، على ما سبق، أو كانت مقابل تأخير مدة الوفاء بالدين: لم يجز أخذ شيء من غلة هذه الأرض، أو الانتفاع بشيء من ربحها.
فإن كان المرتهن ـ الذي في يده الرهن ـ قد قام بحرثها وزراعتها: فإنه يحسب من غلتها وثمرتها: أجرة المثل، على حرثه وزرعه، وما بقي من ذلك يرده على مالك الأرض، أو يخصم من دينه.
وينظر: جواب السؤال: (105457) .
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4877)
اشتركت معه زوجته في بناء البيت بالثلث فهل يكتبه باسمها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا موظف وزوجتي موظفة ومنذ زواجنا لم نكن نفصل بين أموالنا فهي مشتركة تماما وقمنا بشراء أرض وبنينا فوقها بيتا لنا. وتم كتابة الأرض باسمي فأصبح المنزل بعد ذلك باسمي أيضا علما بأن مساهمتها في المنزل والأرض حوالي الثلث. ولأن ذلك اتفاق بيني وبينها فقط، فأرجو من فضيلتكم أن تفيدوني بأفضل طريقة شرعية لإثبات نسبة ملكيتها في العقار (الثلث) . فهل يمكن شرعا أن أجعل ما في الصك مشترك بيني وبينها بالنسبة التي ذكرتها (الثلث مقابل الثلثين) . علما بأن لدينا 3 أولاد وبنت كما أن زوجتي لا تطالبني حاليا بأي شي إلا أنني أسأل عن ذلك إبراءً لذمتي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما دمتما قد اتفقتما على أن يكون لها من العقار بمقدار ما أنفقت وهو الثلث، فينبغي تسجيل ذلك وإثباته في الأوراق الرسمية حفظاً للحقوق.
وعلى هذا، فينبغي أن تجعل ما في الصك مشتركاً بينك وبين زوجتك بالنسبة التي ذكرتها، فيكون لك الثلثان، ولها الثلث.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
أنا رجل طاعن في السن، وسبق لي أن اشتريت قطعة أرض بمبلغ قدره خمسة وثمانون ألف ريال، ولي ولدان ذكران، وقمت أنا وأبنائي الأولاد بعمارتها سواء، ودفعنا مبلغ التعمير سواء، فدفعت أنا مبلغا وقدره مائتان وسبعة عشر ألف ريال، ودفعوا هم الاثنان مبلغا وقدره مائة وخمسة وسبعون ألف ريال. سؤالي: هل يجوز لي أن أكتب لهم بأنهم شركاء بالنصيفة بمبلغهم الذي دفعوه؟ علما بأنني راض بذلك، علما أن لي غيرهم بنات.
فأجابوا:
"إذا كان الأمر كما ذكر فلا مانع من أن تكتب العمارة بينك وبين أبنائك، وأنهم شركاء لك فيها على قدر ما دفعوا لك من المال، غير متبرعين به لك" انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (14 / 303-304)
وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
نحن سبعة أشقاء، أربع إناث وثلاثة ذكور، وقد منَّ الله علينا بشراء قطعة أرض زراعية، فجمعنا كل ما نملك، حتى أخذنا حلي نسائنا ودفعناها ثمنًا لها، ومن حرصنا على رضا والدنا سجلنا باسمه نصف هذه المساحة، وقد توفي، ولم نعط أخواتنا البنات شيئًا منها، وهن لم يطلبن شيئًا؛ لعلمهن بظرف شرائها والظروف المعيشية، ولم نعط نساءنا شيئًا أيضًا، وذلك عن طيب نفس منهن، فما رأيكم في أخواتي أولاً؟ وكذلك في نسائنا هل لهن حق على ذلك أم لا؟
فأجاب:
"أما بالنسبة للأخوات: فإن كان تسجيلكم نصف الأرض لوالدكم بمعنى أنكم أعطيتموه هذا النصف: فإنه حينئذ يكون تركة له تورث عنه لأولاده الذكور والإناث ولمن ترك من الورثة على فرائض الميراث التي شرعها الله، فتكون تركة تقسم على ورثته، ومن ورثته: أخواتكم، فلهن نصيب في هذه الأرض على حسب الميراث من نصيب والدهن.
أما بالنسبة لزوجاتكم: فإذا كن أيضًا قد اشتركن معكم في شرائها، ودفعن الحلي على أنه اشتراك معكم في شرائها؛ فيكون لهن نصيب في هذه الأرض، أما إذا كن دفعن هذا الحلي من باب الهبة لكم، وإعانة لكم على شرائها: فهي من اختصاصكم" انتهى.
"المنتقى من فتاوى الفوزان" (54/2) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4878)
هل يسقط وجود جائع واحد في المسلمين حق الملكية الفردية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ (أيما أهل عرصة - منطقة أو حي سكن - أصبح فيهم امرؤ جائعاً، فقد برئت منهم ذمة الله ورسوله) ثم هذا الحديث الخطير في مدلوله: (إذا بات المؤمن جائعاً فلا مال لأحد) ويعلق الدكتور علي البارودي على هذا الحديث في كتابه " دروس في الاشتراكية العربية " بقوله: " إنه ما دام في المجتمع جائع واحد أو عارٍ واحد فإن حق الملكية لأي فرد من أفراد هذا المجتمع لا يمكن أن يكون شرعياً، ولا يجب احترامه، ولا تجوز حمايته، ومعنى ذلك أن هذا الجائع يسقط شرعية حقوق الملكية إلى أن يشبع ". وقد حدث في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن أصاب بعض المسلمين عطش شديد، فمروا على بئر، ولكن أصحابه رفضوا أن يشربوا منه، فلما وفدوا على عمر بالأمر فقال: هلا وضعتم فيهم السلاح. ومشهور بيننا قول الصحابي أبو ذر الغفاري: عجبت لمسلم لا يجد قوت يومه ولا يخرج على الناس شاهرا سيفه!]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
حق الملكية الفردية من أركان قواعد الاقتصاد الإسلامي، امتاز به عن النظام الاشتراكي الذي خالف الفطرة والعقل والشرع حين ألغى هذا الحق، وامتاز به أيضاً عن النظام الرأسمالي حين أطلق العنان للحرية الفردية حتى أصبحت غولاً يأكل الأخضر واليابس.
وقد حاول بعض الناس في القديم والحديث التنظير للاشتراكية من خلال نصوص الشريعة، والتأصيل لمبادئها من خلال بعض الأحاديث والآثار التي أساؤوا فهمها.
والعلة التي أصابت هذا المنهج في التفكير فلبَّست عليه فهمَ حقيقة النظام الاقتصادي الإسلامي: هي إخراج النصوص عن سياقها وإطارها المقيد، ونقلها إلى الإطار العام والتقعيد المطلق المناقض لقواعد الاقتصاد الإسلامي.
فمثلاً:
الحديث الوارد في السؤال، وهو حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أَيُّمَا أَهْلُ عَرْصَةٍ أَصْبَحَ فِيهِمْ امْرُؤٌ جَائِعٌ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُمْ ذِمَّةُ اللَّهِ تَعَالَى) رواه أحمد في " المسند " (8/482) .
أولاً:
هذا الحديث ضعيف، فقد قال أبو حاتم في " العلل " (2/238) : منكر. وكذا قال الشيخ الألباني في " ضعيف الترغيب " (1/275) ، وقال محققو المسند بإشراف الشيخ شعيب الأرنؤوط: " إسناده ضعيف لجهالة أبي بشر " انتهى. وينظر: المسند (8/486) – ط الرسالة ـ.
ثانياً:
غاية ما في الحديث الحث على إطعام الجائع والإحسان إلى الفقير، وليس فيه من قريب ولا من بعيد إلغاء حق الملكية الفردية إلغاء تاماً، كما هي النظرة الاشتراكية، وكما فهم بعض الناس خطأ وأشكل عليهم الأمر.
ومثله الآثار التي ذُكرت في السؤال، يرويها الحنفية، ومنهم أبو يوسف القاضي في كتاب "الآثار" (رقم/899) عن أبي حنيفة النعمان رحمه الله، عن الهيثم: أن قوماً مروا بماء، فسألوا أهلها: أين البئر؟ فأبوا أن يدلوهم، وأبوا أن يعطوهم الدلو. فقالوا: ويحكم، إن أعناقنا وأعناق ركابنا قد كادت تقطع عطشاً، فأبوا أن يعطوهم أو يدلوهم، فذكروا ذلك لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: ألا وضعتم فيهم السلاح.
فهي – رغم أنها مرسلة منقطعة – إنما جاءت تبين حكما مخصوصاً في حالة مقيدة، فيما إذا اضطر المسلم، فلم يجد طعاماً ولا شراباً وأشرف على الهلاك، فله حينئذ – وحينئذ فقط – أن يأكل من أموال المسلمين القادرين ولو بغير رضاهم، ولو اضطره الأمر إلى مقاتلتهم على سد ضرورته بالسلاح، أما أن يُستدل بهذا الأثر على إلغاء حق الملكية مطلقاً فهذا أيضاً فهم خاطئ للنصوص.
وأما حديث: (إذا بات المؤمن جائعاً فلا مال لأحد) فليس هو بحديث أصلاً، ولا وجود له في كتب السنة والآثار.
ونحن نعلم أن بعض الناس يورد الكلام الوارد في السؤال على محمل حسن، وليس دعوة منه إلى الاشتراكية الكاملة.
جاء في " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " رحمه الله (7/394) :
" إنكار النظام الاشتراكي في العراق: برقية:
فخامة رئيس الجمهورية أخذ الله بيده إلى الحق:
إن الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة تستنكر ما أصدرته الحكومة العراقية من القرارات الاشتراكية , وتضم صوتها إلى صوت علماء العراق وغيرهم من العلماء في إنكار النظام الاشتراكي , وتؤكد بأنه نظام كفري يصادم نظام الإسلام ويناقضه , وتنصح حكومة العراق بالرجوع إلى نظام الإسلام وتطبيقه في البلاد , لكونه أعدل نظام وأصلح تشريع عرفته البشرية , وهو كفيل بتحقيق العدالة الاجتماعية السليمة، وحل للمشاكل الاقتصادية وغيرها , وإيصال حق الفقير إليه على خير وجه إذا أخلص المسلمون في تطبيقه. والإسلام يحرم على المسلم دم أخيه وماله وعرضه، ويعطيه حرية التصرف الكامل في ماله في ظل الحكم الشرعي , وتصرح تعاليمه بأن ما يزعمه بعض الناس من أن النظام الاشتراكي مستمد من روح الإسلام زعم باطل، لا يستند لأي أساس من الصحة " انتهى.
ومن أراد المزيد فليرجع إلى كتاب " حكم الإسلام في الاشتراكية " للشيخ عبد العزيز البدري رحمه الله.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4879)
هل يجوز لهم بيع المسجد لمن يحتمل اتخاذه كنيسة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن نعيش في أحد المدن الأمريكية، ومنذ ما يزيد على 30 عاماً اشترى المسلمون كنيسة، وعدلوها لتصبح مسجداً , الآن نظراً لقدم البناية، وصغر مساحة المسجد: نريد بيعه، واستخدام قيمته في تكملة بناء مسجد أكبر في حي مجاور , المعضلة: أنه يغلب على ظننا أنه سيشتريه منَّا بعض النصارى، ثم يجعلونه كنيسة، وخاصة أصحاب كنيسة مجاورة للمسجد، يصدر منها أحياناً أصوات موسيقى عالية تسمع من داخل المسجد , ما هو حكم بيع المسجد لمن يرغب في جعله كنيسة؟ وهل فِعْل ذلك يعدُّ مِن معاونتهم على ما هم فيه من الشرك، والضلال؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
اتفق العلماء على حرمة بيع المسجد الذي لم تتعطل منافعه، ولم يهجره أهله، وأن من فعل ذلك فهو آثم، ولا يتملكه من اشتراه.
واختلفوا في حكم بيع المسجد الذي تعطلت منافعه، أو هجره أهله:
فذهب بعضهم إلى أنه يجوز بيع المسجد إذا كان ذلك هو حاله، وإذا بيع: فيصرف ثمنه إلى مسجد آخر، وإن كان قريباً من الأول فهو أفضل.
وهذا قول أبي حنيفة، وصاحبه أبي يوسف، وهو رواية عن الإمام أحمد، وهو الذي عليه مذهب الحنابلة.
وذهب آخرون إلى أنه لا يصح بيع الوقف بحال عموماً، والمسجد لا يكون إلا وقفاً، وعليه: فلا يصح عندهم بيعه، وإن تعطلت منافعه، وهجره المصلون.
وهو رواية أخرى عن أبي حنيفة، وهي المذهب عند الحنفية، وهو مذهب مالك، والشافعي، ورواية عن الإمام أحمد.
والقول بالجواز هو الأصح من القولين.
وانظر المسألة بتفصيلها، وترجيحها في جواب السؤال رقم: (103236) .
ثانياً:
إذا تقرر جواز بيع مسجد القديم ذاك: فهل يجوز لكم بيعه لمن يتخذه كنيسة، أو لإقامة محل يُعصى فيه الله تعالى، كخمارة، أو مؤسسة ربوية؟
والجواب: قطعاً لا يجوز؛ فالوسائل لها حكم الغايات، فالوسيلة إلى فعل المعصية تكون معصية، والوسيلة إلى فعل الطاعة تكون طاعة، ولذلك حرم بيع السلاح وقت الفتنة، وحرم بيع العنب لمن يعصره خمراً، ويقال هنا: يحرم بيع أرض للنصارى بقصد بنائها كنيسة، أو لليهود بقصد بنائها بيعة، ونحو ذلك، كما يحرم تأجيرهم دوراً لإقامة شعائر الكفر فيها.
وفي " الموسوعة الفقهية " (38 / 157، 158) :
نصَّ جمهور الفقهاء على أنّه يمنع المسلم من بيع أرضٍ أو دارٍ لتتّخذ كنيسةً:
قال الحنفيّة: إن اشتروا دوراً في مصرٍ من أمصار المسلمين فأرادوا أن يتّخذوا داراً منها كنيسةً، أو بيعةً، أو بيت نارٍ في ذلك لصلواتهم: منعوا عن ذلك.
وقال المالكيّة: يمنع - أي: يحرم - بيع أرضٍ لتتّخذ كنيسةً، وأجبر المشتري من غير فسخٍ للبيع على إخراجه من ملكه، ببيع، أو نحوه.
روى الخلال عن المروذيّ أنّ أبا عبد الله سئل عن رجلٍ باع داره من ذمّيٍّ وفيها محاريب فاستعظم ذلك، وقال: نصراني؟! لا تباع، يضرب فيها النّاقوس وينصب فيها الصلبان؟ وقال: لا تباع من الكافر، وشدّد في ذلك.
وعن أبي الحارث أنّ أبا عبد الله سئل عن الرّجل يبيع داره وقد جاء نصراني فأرغبه وزاده في ثمن الدّار , ترى أن يبيع منه وهو نصراني، أو يهودي، أو مجوسي , قال: لا أرى له ذلك , قال: ولا أرى أن يبيع داره من كافرٍ يكفر فيها بالله تعالى.
إذا اشترى أو استأجر ذمّي داراً على أنّه سيتّخذها كنيسةً: فالجمهور على أنّ الإجارة فاسدة , أمّا إذا استأجرها للسكنى، ثمّ اتّخذها معبداً: فالإجارة صحيحة , ولكن للمسلمين عامّةً منعه حسبةً. انتهى
ثالثاً:
المشتري من الكفار لا ندري ما يصنع بهذا المسجد إن اشتراه، فمتى يكون البيع له محرَّماً؟.
والجواب: أنه يكون محرَّماً في حال العلم باتخاذه له كنيسة، بتصريه، أو بقرائن قوية، أو بغلبة الظن الراجحة، وما عدا ذلك: فلا يحرم بيعه له.
قال أحمد الصاوي – رحمه الله -:
ويمنع أيضاً بيع التوراة، والإنجيل لهم؛ لأنها مبدَّلة، ففيه إعانة لهم على ضلالهم، وكما يُمنع بيع ما ذُكر لهم: يُمنع الهبة، والتصدق، وتمضي الهبة، والصدقة، ويجبرون على إخراجها من ملكهم كالبيع.
تنبيه: كذلك يُمنع بيع كل شيءٍ عُلم أن المشتري قصد به أمراً لا يجوز؛ كبيع جارية لأهل الفساد، أو مملوك، أو بيع أرض لتتخذ كنيسة، أو خمارة، أو خشبة لتتخذ صليباً، أو عنباً لمن يعصره خمراً، أو نحاساً لمن يتخذه ناقوساً، أو آلة حرب للحربيين، وكذا كل ما فيه قوة لأهل الحرب.
" بلغة السالك " (3 / 8) .
وقال ابن قدامة – رحمه الله -:
إذا ثبت هذا: فإنما يحرم البيع، ويبطل إذا علم البائع قصْد المشتري ذلك، إما بقوله، وإما بقرائن مختصة به تدل على ذلك، فأما إن كان الأمر محتملاً مثل أن يشتريها مَن لا يُعلم حالُه، أو من يَعمل الخل والخمر معاًً، ولم يلفظ بما يدل على إرادة الخمر: فالبيع جائز، وإذا ثبت التحريم: فالبيع باطل، ويحتمل أن يصح، وهو مذهب الشافعي ...
ولنا: أنه عقد على عين لمعصية الله بها فلم يصح، كإجارة الأمَة للزنا، والغناء ... .
" المغني " (4 / 306) .
والخلاصة:
أنه لا يحل لكم بيع المسجد إذا لم تتعطل منافعه، وأمكن الانتفاع به، ويحل لكم بيعه إن تعطلت منافعه، وصار مهجوراً من أهله، والنصيحة لكم: عدم بيعه، وإبقاؤه وقفاً، وجعله مكتبة، أو مؤسسة خيرية، في حال تعطله عنه الانتفاع به في الصلاة.
وإن لم يتيسر لكم هذا، وتعين عليكم بيعه: فيجوز لكم بيعه لنصراني وغيره، إلا إذا علمتم، أو غلب على ظنكم أنه سيحوله كنيسة ونحوها من دور الكفر: فلا يجوز لكم ذلك البيع، وعليكم تحري من يشتريه لاستخدام مباح، فإن جهلتم حال المشتري، ولم تعلموا نيته: فالبيع له جائز، والاحتياط: التورع بالتحري عن نيته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4880)
الحكمة من مشروعية الرهن
[السُّؤَالُ]
ـ[ما السبب في ضرورة الرهن في الإسلام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الرَّهْنُ فِي الشَّرْعِ: الْمَالُ الَّذِي يُجْعَلُ وَثِيقَةً بِالدَّيْنِ، لِيُسْتَوْفَى مِنْ ثَمَنِهِ إنْ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ.
والرهن جائز بالكتاب والسنة والإجماع.
أما الكتاب؛ فقوله تعالى: (وَإِنْ كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ) البقرة/283،
وأما السنة؛ فقد ثبت: (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرَى طَعَامًا مِنْ يَهُودِيٍّ إِلَى أَجَلٍ وَرَهَنَهُ دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ) رواه البخاري (2068) ومسلم (1603) .
وأجمع العلماء على جواز الرهن في الجملة.
وانظر: "المغني" (4/215) ، "بدائع الصنائع" (6/145) ، "مواهب الجليل" (5/2) ، "الموسوعة الفقهية" (23/175-176) .
واتفق الفقهاء على أن الرهن من الأمور الجائزة وأنه ليس بواجب.
قال ابن قدامة في "المغني" (4/215) :
"الرَّهْنُ غَيْرُ وَاجِبٍ. لَا نَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا" انتهى.
فللدائن أن لا يأخذ رهناً من المدين.
والحكمة من تشريع الرهن: أنه من الوسائل التي يستوثق بها صاحب الدين من دينه، فكما أمر الله توثيق الدين بالكتابة، أمر كذلك بتوثيقه بالرهن.
فإذا جاء وقت سداد الدين، وامتنع المدين من سداد الدين، أو عجز، فإن الرهن يباع ويأخذ الدائن حقه، وإن بقى من الثمن شيء رده إلى صاحبه (المدين) .
والرهن من محاسن هذه الشريعة، لأن فيه مصلحة للدائن والمدين معاً.
وبيان ذلك: أن الدائن يستوثق من حقه، فيكون هذا مشجعاً له على إقراض أخيه المسلم، فيستفيد من ذلك المقترض، لأنه سيجد من يقرضه.
وإذا منع الرهن، فقد يمتنع كثير من الناس من الإقراض خوفاً على أموالهم من الضياع.
وانظر: "الشرح الممتع" (9/121) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4881)
حكم مشاركة المسلم للنصراني أو غيره في التجارة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمسلم أن يكون شريكاً للنصراني في تربية الأغنام أو تجارتها أو أي تجارة أخرى؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"اشتراك مسلم مع نصراني أو غيره من الكفرة في المواشي أو في الزراعة أو في أي شيء آخر، الأصل في ذلك جوازه إذا لم يكن هناك مولاة، وإنما تعاون في شيء من المال كالزراعة أو الماشية أو نحو ذلك، وقال جماعة من أهل العلم: بشرط أن يتولى ذلك المسلم، أي: أن يتولى العمل في الزراعة، أو في الماشية المسلم، ولا يتولى ذلك الكافر لأنه لا يؤمن.
وهذا فيه تفصيل؛ فإن كانت هذه الشركة تجر إلى مولاة، أو لفعل ما حرم الله، أو ترك ما أوجب الله حرمت هذه الشركة لما تفضي إليه من الفساد، أما إن كانت لا تفضي لشيء من ذلك، والمسلم هو الذي يباشرها، وهو الذي يعتني بها حتى لا يخدع فلا حرج في ذلك.
ولكن بكل حال فالأولى به السلامة من هذه الشركة، وأن يشترك مع إخوانه المسلمين دون غيرهم، حتى يأمن على دينه ويأمن على ماله، فالاشتراك مع عدو له في الدين فيه خطر على خلقه ودينه وماله، فالأولى بالمؤمن في كل حال أن يبتعد عن هذا الأمر، حفظاً لدينه، وحفظاً لعرضه، وحفظاً لماله، وحذراً من خيانة عدوه في الدين، إلا عند الضرورة والحاجة التي قد تدعو إلى ذلك، فإنه لا حرج عليه بشرط مراعاة ما تقدم.
أي: بشرط أن لا يكون في ذلك مضرة على دينه أو عرضه أو ماله، وبشرط أن يتولى ذلك بنفسه، فإنه أحوط له، فلا يتولاه الكافر، بل يتولى الشركة والأعمال فيها المسلم، أو مسلم ينوب عنهما جميعاً" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (1/294) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4882)
التعامل مع وسيط تعاملاته مشبوهه
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك شخص صديق لصاحب الشركة التي أعمل بها يمتلك قاعدة علاقات كبيرة من جميع المستويات في القطاعين الخاص والعام. ويقوم هذا الشخص بإحضار مناقصات لشركتنا لكي نقدم عرض أسعار لهذه الجهات ومن خلالها ويقوم هو بمتابعة هذه المناقصات ونقل أسئلة العميل واستفساراته وتعديلاته على المناقصة من جميع النواحي التقنية والمالية والمواصفات والشروط والأحكام وغيرها ونقوم نحن بدورنا بتعديل عرضنا ويقوم هو بدوره بتقديم المناقصة عن طريقنا وفي أحيان أخرى نقدمها نحن بأنفسنا مباشرة وبالتنسيق معه. وعطفاً على ما تم ذكره أعلاه يكون دوره كدور البائع والمسوق لنا، فعليه نعطيه نسبه من مربح المناقصات حسب الاتفاق الذي يتم على كل مناقصة، وفي أحيان نتناصف الربح بيننا وبينه. مشكلتي أنني يراودني الشك كلما جلست معه من طريقة طرحه وكلامه بأن علاقاته الداخلية مع المؤسسات والقطاعات التي يعرفها ليست نزيهة. وفي أحيان أخرى يلمح أنه يعرف شخص بالمكان الفلاني سوف يساعده بالمناقصة وسوف يتفاهم هو معه عن طريق أنه سوف يعطيه حصة من نصيبه ونحن ليس لنا دخل بشيء. سؤالي: هل يجوز شرعاً التقديم على هذه النوعية من المناقصات عن طريق هذا الشخص مع أنه لا يعمل في أي من القطاعات التي قدمنا كموظف ولا يعمل عندنا ومع علمنا من بعض كلماته وتلميحاته بأنه يعرف أشخاص يساعدونه بالداخل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان هذا الوسيط يقتصر عمله على إحضار المناقصات للشركة، ومتابعتها من النواحي التقنية والمالية والمواصفات والشروط والأحكام وغيرها، فلا حرج في التعامل معه.
وأما إذا كان يستعين بماله أو جاهه أو معارفه وعلاقاته لإرساء المناقصة على شركتكم، فلا يجوز التعامل معه في هذه الحال.
وما ذكرته من قرائن تشير إلى وجود شبهة في تعاملاته، توجب عليكم مزيداً من التحري عن هذا الشخص، وأخذ الحيطة الزائدة عند التعامل معه.
والواجب عليكم في هذا أن تعملوا بما يغلب على ظنكم، فإن غلب على ظنكم أن الرجل يعمل بطرق ملتوية غير شرعية فلا يجوز لكم التعامل معه، والواجب عليكم التوقف عن تقديم المناقصات عن طريقه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4883)
منحتهم الحكومة أرضا ودفع أخوهم الرسوم وأخذها وقد وافق بعضهم مجاملة
[السُّؤَالُ]
ـ[تم منحنا قطعة أرض من الحكومة باسم والدنا وإخوتي الأربعة وتم دفع الرسوم الحكومية بواسطة أحد الإخوة ومن ثَمَّ تم الاتفاق على التنازل عن ملكية الأرض لهذا الأخ إلا أن أحد الإخوة وافق مجاملة على هذا التنازل، فهل تجوز هذه المعاملة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كانت الأرض ممنوحة باسمكم جميعا، وكانت بثمن أقل من سعرها في السوق، وتنازل الجميع للأخ الذي دفع الرسوم، فلا حرج في ذلك إذا كانوا بالغين راشدين، ومن عُلم رفضه لذلك أو قبوله بسيف الحياء فلابد من تعويضه عن حقه - ويقدّر هذا الحق بواسطة أهل الخبرة -، أو يحتفظ بنصيبه من الأرض ويدفع قسطه من الرسوم.
وذلك أنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه، فما أُخذ بسيف الحياء فهو حرام.
قال صلى الله عليه وسلم: (لا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ) رواه أحمد (20172) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (7662) .
وينظر في تحريم ما أخذ بسيف الحياء: "تحفة المحتاج" (6/317) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4884)
هل يستخرج أوراقا لشخص تفيد ملكيته لأراضٍ مهملة تابعة للدولة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[توجد أرض مهملة في مكان ناءٍ في المدينة تابعة للدولة ولا أحد مستفيد منها، هل يجوز أن أستخرج أوراقاً تفيد بتبعية هذه الأرض لشخص ما بحيث يمكنه أن يبيعها ويستفيد منها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأراضي التي لا مالك لها، والخالية عن "الاختصاصات" - والاختصاصات: كمجاري السيول، ومواضع الحطب، ومواضع المراعي، والمصالح العامة - يملكها الشخص بالإحياء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ) رواه أبو داود (3073) ؛ والترمذي (1378) وحسنه الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام (897) وذكر له طرقا أخرى في "الفتح" (5/19) ثم قال: " وفي أسانيدها مقال لكن يتقوى بعضها ببعض "، وينظر: "إرواء الغليل" (5/553) .
وإحياء الأرض يكون بوضع سور عليها، أو بحفر بئر فيها واستخراج الماء منه، أو بإجراء عين إليها.
قال في "زاد المستقنع": " ومن أحاط مواتا، أو حفر بئرا فوصل إلى الماء، أو أجراه إليه من عين ونحوها، أو حبسه عنه ليزرع فقد أحياه " انتهى. وينظر: "الشرح الممتع" (10/329) .
فإذا كان هذا الشخص قد أحيا الأرض على النحو السابق، فإنه يجوز أن تستخرج له أوراقا تفيد ملكيته لها.
وإذا لم يكن أحياها لم يجز؛ لما فيه من الكذب وشهادة الزور وأكل المال بالباطل.
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (26344) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4885)
حكم قراءة الفاتحة على نية التوفيق في الخطبة أو الشراكة أو غير ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز قراءة الفاتحة على نية التوفيق: 1- عند الاتفاق على الشراكة في أمر ما. 2-عند الخطبة. 3- في المعاملات التجارية. 4- في باقي الحالات؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا تشرع قراءة الفاتحة عند الاتفاق على الشراكة في أمر ما أو عند الخِطْبة أو في المعاملات التجارية أو غير ذلك من الأمور، بل هذا من البدع المحدثة، ولم يكن من فعل سلفنا الصالح، من الصحابة والتابعين، ولو كان خيراً، لكانوا أسبق الناس إليه.
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء (19/146) :
"قراءة الفاتحة عند خِطْبة الرجل امرأة أو عقد نكاحه عليها بدعة" انتهى.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
قراءة الفاتحة عند عقد الزواج حتى قد أصبح البعض يطلق عليها قراءة الفاتحة وليس العقد فيقول قرأت فاتحتي على فلانة هل هذا مشروع؟
فأجاب: "هذا ليس بمشروع، بل هذا بدعة، وقراءة الفاتحة أو غيرها من السور المعينة لا تقرأ إلا في الأماكن التي شرعها الشرع، فإن قرأت في غير الأماكن تعبداً فإنها تعتبر من البدع، وقد رأينا كثيراً من الناس يقرؤون الفاتحة في كل المناسبات حتى إننا سمعنا من يقول: اقرءوا الفاتحة على الميت، وعلى كذا وعلى كذا، وهذا كله من الأمور المبتدعة ومنكرة؛ فالفاتحة وغيرها من السور لا تقرأ في أي حال وفي أي مكان وفي أي زمان إلا إذا كان ذلك مشروعاً بكتاب الله أو بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإلا فهي بدعة ينكر على فاعلها" انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (10/95) .
والمشروع فيما يتعلق بأمر الزواج أو غيره من الأمور التي يريد الإنسان فعلها أن يستشير أهل الخبرة والمعرفة، ثم إذا هم بالأمر استخار الله تعالى، ثم يعزم على ما يريد فعله.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4886)
يشتري السلع وقت توفرها ثم يبيعها إذا ارتفع سعرها، فهل هذا احتكار؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد وجد بعض الناس عندنا يحتكرون السلع الاستهلاكية وقت الوفرة خاصة ثم يقومون بتخزينها حتى تتصاعد أسعارها ويغلو ثمنها فيبيعونها بما يشتهون. فبماذا ينصح الإسلام مثل هؤلاء؟ وما موقف الشرع من كسبهم هذا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"المحتكر هو الذي يشتري السلع وقت مضايقة الناس، وقد جاء في الأحاديث لعن ذلك والوعيد فيه والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطِئٌ) وقال: (مَنْ احْتَكَرَ فَهُوَ خَاطِئٌ) يعني فهو آثم.
قال العلماء: هم الذين يشترون السلع من الطعام ونحوه مما يحتاجه الناس في وقت الشدة ويخزنه ليشتد الغلاء حتى يبيع بأكثر، هذا لا يجوز، وهو منكر وصاحبه آثم، ويجب على ولي الأمر إذا كان في البلاد ولي أمر ينفذ أمور الشرع أن يمنعه من ذلك، وأن يلزمه بيع الطعام بسعر المثل. بسعر الوقت الحاضر الموجود في الأسواق ولا يمكنه من خزانته، هذا إذا كان في وقت الشدة.
أما الذي يشتري الطعام أو غير الطعام مما يحتاجه الناس في وقت الرخاء وكثرته في الأسواق وعدم الضرر على أحد ثم إذا تحركت السلع باعه مع الناس بدون أن يؤخره إلى شدة الضرورة، بل متى تحركت وجاءت الفائدة باعه فلا حرج عليه. وهذا عمل التجار من قديم الزمان وحديثه" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (3/1442) .
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
فتاوى نور على الدرب(5/4887)
حكم الاشتراك في الجمعية التي يجريها الموظفون
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الاشتراك في الجمعية التي يجريها الموظفون، بحيث يدفع كل واحد منهم مبلغاً معيناً كل شهر، وكل واحد من المشتركين يأخذ هذا المبلغ حسب الترتيب المتفق عليه، حتى يأخذ كل واحد منهم بمقدار ما دفع من غير زيادة ولا نقصان؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه المعاملة التي يتعامل بها الناس ويسمونها "الجمعية" يرى أكثر علمائنا المعاصرين أنها جائزة، بل كانت موجودة قديماً، وذكرها بعض العلماء ونصوا على أنها جائزة، وكانت تسمى قديماً بـ "الجمعة" باعتبار أنهم يجمعون المال كل جمعة.
قال القليوبي في حاشيته (2/258) :
"الجمعة المشهورة بين النساء بأن تأخذ امرأة من واحدة من جماعة منهن قدراً معيناً في كل جمعة أو شهر، وتدفعه لواحدة بعد واحدة إلى آخرهن جائزة، كما قاله الولي العراقي" انتهى.
وقد صدر بجوازها قرار بالأكثرية من هيئة كبار العلماء، وكذلك أفتى بجوازها الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ محمد بن عثيمين رحمهما الله.
وقد خالف في ذلك بعض العلماء كالشيخ صالح الفوزان حفظه الله، فقد ذهب إلى تحريم هذه المعاملة في كتابه " البيان لأخطاء بعض الكتَّاب " (ص 377 - 380) .
نص مجلس هيئة كبار العلماء:
"الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير الخلق أجمعين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فقد نظر مجلس هيئة كبار العلماء في دورته الرابعة والثلاثين المنعقدة في مدينة الطائف ابتداء من 16 / 2 / 1410 هـ، إلى 26 / 2 / 1410 هـ في الاستفتاءات المقدمة من بعض الموظفين مدرسين وغيرهم إلى سماحة الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد والمحالة من سماحته إلى المجلس عن حكم ما يسمى بجمعيات الموظفين وصورتها: "أن يتفق عدد من الموظفين يعملون في الغالب في جهة واحدة مدرسة أو دائرة أو غيرهما على أن يدفع كل واحد منهم مبلغاً من المال مساوياً في العدد لما يدفعه الآخرون، وذلك عند نهاية كلِّ شهرٍ ثم يدفع المبلغ كله لواحدٍ منهم، وفي الشهر الثاني يدفع لآخر، وهكذا حتى يتسلم كلُّ واحدٍ منهم مثل ما تسلمه مَن قبله سواء بسواء دون زيادة أو نقص".
كما اطلع على البحث الذي أعده فضيلة الشيخ عبد الله بن سليمان المنيع في حكم القرض الذي يجر نفعاً، ثم جرت مداولات ومناقشات لم يظهر للمجلس بعدها بالأكثرية ما يمنع هذا النوع من التعامل، لأن المنفعة التي تحصل للمقرِض لا تنقص المقترض شيئاً من ماله، وإنما يحصل المقترض على منفعةٍ مساويةٍ لها، ولأن فيه مصلحة لهم جميعاً من غير ضرر على واحدٍ منهم أو زيادة نفع لآخر، والشرع المطهر لا يرد بتحريم المصالح التي لا مضرة فيها على أحدٍ بل ورد بمشروعيتها.
وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه" انتهى.
مجلة البحوث الإسلامية (27 / 349، 350) .
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن حكمها، فقال:
"ليس في ذلك بأس، وهو قرض ليس فيه اشتراط نفع زائد لأحد، وقد نظر في ذلك مجلس هيئة كبار العلماء فقرر بالأكثرية جواز ذلك، لما فيه من المصلحة للجميع وبدون مضرة ... والله ولي التوفيق" انتهى.
فتاوى إسلامية (2/413) .
وسئل عنها الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله، فقال:
"لا بأس , الجمعية معناها: أن يجتمع مثلاً هؤلاء الموظفون ويقولون: نريد نقتطع من راتب كل واحد منا ألف ريال , نعطيه للأول , والشهر الثاني للثاني , والشهر الثالث للثالث، حتى تدور عليهم كلهم، هذا لا بأس به ولا حرج" انتهى.
"لقاءات الباب المفتوح".
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4888)
رهنه أرضاً زراعية يستفيد منها حتى يسدد له الدَّين
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي أرض رهنتها لرجل بمبلغ ألف جنيه، بحيث يستغلها ويأخذ غلتها كاملة حتى أرد إليه مبلغ الألف جنيه وبالتالي يرد علي أرضي، فهل هذه الصورة من الرهن جائزة، وما الصورة الشرعية للرهن؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الرهن جائز، لأن الله جل وعلا قال: (فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ) البقرة/283، فإذا اقترضت من زيد أو عمرو ألف جنيه أو أقل أو أكثر، ورهنته أرضاً أو سيارة أو سلاحاً أو غير ذلك فلا بأس، ولكن ليس له أن يستغل ذلك زيادة على حقه، بل الغلة تكون لك، ولكن يمكنه أن يستغلها بالأجرة، وتسقط الأجرة من الدين، أو يسلمها لك، فالأرض تكون مرهونة عنده، وتؤجرها عليه بأجرة معلومة تخصم من الدين.
أما أن يستغلها في مقابل إنظاره لك وتركه المال عندك حتى توفيه، فهذا قرض جر منفعة فلا يجوز، وهذا شبيه بمن اقترضت منه ألفاً على أن تعطيه ألفاً ومائة أو ألفاً ومائتين، فلا يجوز وهو من الربا، فإذا استغل الأرض في الزراعة ونحوها بدون أجرة فلا يجوز؛ لأن معناه الاستفادة من هذه الأرض في مقابل القرض الذي أعطاك، فهو مثل لو أعطيته زيادة مائة أو مائتين أو أكثر أو أقل، فكله ربا" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (3/1457) .
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
فتاوى نور على الدرب(5/4889)
رهن ساعته عند البائع ولم يأت في موعد السداد
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي محل فجاء بعض الزبائن وأخذ مني شيئاً وترك عندي ساعته هنا لوقت محدد، وجاء الموعد ولم يأتيني فاحتجت للساعة ولبستها، فهل علي إثم في ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الواجب عليك أن تصبر حتى يأتي صاحب الساعة فيعطيك حقك فإن شق عليك ذلك ولم ترض بالصبر فإنك تبيعها بالمزاد العلني في السوق بأقصى ما تساوي، ثم تأخذ حقك وتحفظ الباقي إلى صاحبه، فإن أتى يوماً من الدهر أعطيته حقه وإن طال الزمن ولم تعرفه ولم تتمكن من إرسال حقه إليه تصدقت به على بعض الفقراء بالنية عن صاحبه، هذا هو الطريق الشرعي في هذه المسألة" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (3/1457) .
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
فتاوى نور على الدرب(5/4890)
إذا لم تكف أموال المفلس لسداد دينه فالباقي دين عليه لا يسقط بالإفلاس
[السُّؤَالُ]
ـ[في القانون الأمريكي يقوم الشخص الذي عليه ديون ولا يستطيع أن يسددها بالحصول على مذكرة من المحكمة تسمى مذكرة الإفلاس (حتى ولو كانت هذه الديون المستحقة لأصحابها من الربا) ، وفي هذه المذكرة يقوم المدين بكتابة كل الديون المستحقة لأصحابها الدائنين بالإضافة إلى كتابة اسم كل دائن على حدة، ويقوم المدين بإعطاء الدائن وثائق تشتمل على الدخل الذي يتقاضاه والذي يشير إلى عدم مقدرته على سداد هذه الديون. ويقوم المدين كذلك بكتابة كل الأصول والممتلكات التي يمتلكها، وتقوم المحكمة بالتحفظ والحجز على هذه الممتلكات ثم بيعها في مزاد علني لمن يشتريها بأعلى سعر، وللمدين أن يستثني بعض الأصول والممتلكات من هذه العملية أي لا تقدم للبنك للتحفظ عليها، وبعد ذلك يتم توزيع المال الذي جاء من المزاد على عدد الدائنين بناء على المبلغ المستحق لكل دائن بحسب الأولوية. وفي أغلب الأوقات فإن المال الذي تم تحصيله من المزاد لا يكون كافياً لسداد كل الدين المستحق للدائنين، إلا أن المحكمة تخلي ساحة المدين من كافة المسؤوليات القانونية حتى يتمكن من سداد أي أرصدة متبقية عليه. وعلى ضوء ما سبق، هل يكون واجباً على المدين المسلم سداد الدين أو الرصيد الذي لم تتمكن المحكمة من سداده (فيما عدا الربا) ، حتى ولو كانت الأصول والممتلكات التي تم أخذها لسداد الديون عبارة عن متجر أو سوق وقيمته أعلى مما تم الحصول عليه من المزاد؟ وهل لو تم تسليم هذا المتجر للمحكمة فهل سيتبقى مال كاف لسداد كافة الديون المستحقة لأصحابها؟ وعلى أية حال فإن كل مدين يعلم يقيناً أن هذا سيكون هو الدخل الوحيد لهم عندما يتم عمل الإجراء السالف الذكر عن طريق المحكمة وهو إشهار الإفلاس.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يحسن التعرف على بعض أحكام الحجر في الشريعة الإسلامية ثم نتعرض لما ذكر في السؤال.
فالإِْفْلاَسُ مَعْنَاهُ فِي الاِصْطِلاَحِ: أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ الَّذِي عَلَى الشَّخْصِ أَكْثَرَ مِنْ مَالِهِ.
فإذا كان المدين كذلك، وكانت الديون حالَّة (غير مؤجلة) وطلب الغرماء (الدائنون) من الحاكم أن يحجر عليه، وجب على الحاكم أن يحجر على أمواله، ويمنعه من التصرف فيها، ويترتب على هذا الحجر أحكام:
1- منع المدين من التصرف في ماله.
2- تعلق حق الغرماء بهذا المال.
3- من وجد من الغرماء عين ماله عند المفلس فهو أحق به من غيره من الغرماء، كما لو كان أعطاه قرضاً، أو باعه سلعة بالتقسيط، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَدْرَكَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ رَجُلٍ أَوْ إِنْسَانٍ قَدْ أَفْلَسَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ) رواه البخاري (2402) ومسلم (1559) .
4- أن للحاكم أن يبيع ماله ويعطي للغرماء حقوقهم.
ودليل ذلك: أن معاذ بن جبل رضي الله عنه كان عليه ديون، فكلم غرماؤه الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك، فحجر عليه وباع ماله. رواه البيهقي والحاكم، وهو حديث مختلف فيه، صححه ابن كثير في "إرشاد الفقيه" (2/48) ، وضعفه الألباني في "إرواء الغليل" (1435) .
ويُترك للمفلس من ماله: ما يحتاج إليه ولا يستغني عنه مثل: الثياب، والكتب، والبيت الذي يسكنه، وآلات الصنعة، والقوت الضروري، ورأس مال التجارة.... إلخ
ويؤخذ الزائد عن حاجته من هذه الأشياء، ويترك له ما يكفيه بلا زيادة.
وذهب بعض العلماء (الإمامان مالك والشافعي) إلى أنه إذا كان يقيم في بيت يملكه فإنه يؤخذ منه ويُباع، ويُستأجر له بيت يسكنه.
وإذا باع الحاكم ماله فإنه لا يقسمه على الغرماء بالتساوي، وإنما على نسبة ديونهم، فلو كان أحدهما له ألف والآخر له خمسمائة، فيقسم المال بينهما: لصاحب الألف: الثلثان، ولصاحب الخمسمائة: الثلث.
قال الحافظ في الفتح:
" َذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ مَنْ ظَهْر فَلَسُهُ فَعَلَى الْحَاكِمِ الْحَجْر عَلَيْهِ فِي مَالِهِ حَتَّى يَبِيعَهُ عَلَيْهِ وَيَقْسِمَهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ َلَى نِسْبَةِ دُيُونِهِمْ " انتهى.
وهذا؛ إذا لم يكف المال جميع الديون، فإن كفى أخذ كل دائن حقه بلا زيادة، ثم رُدَّ الباقي ـ إن بقي شيء ـ إلى المفلس، لأنه حقه.
فإذا كان ماله لا يكفي الديون كلها، فإنه يوزع الموجود على الدائنين، وتبقى سائر حقوقهم دَيْناً عليه، متى قدر أن يقضيها وجب عليه ذلك.
انظر: "المغني" (4/265-266) – "المجموع" (13/278-284) (طبعة دار الفكر) – "المبسوط" (24/156-166) – "فتح الباري" (5/66) (دار المعرفة - بيروت، 1379) - "الموسوعة الفقهية" (5/246، 301 - 322) – "الشرح الممتع" (9/78-81) .
وعلى هذا، فقول السائل: هل يكون واجباً على المدين المسلم سداد الدين أو الرصيد الذي لم تتمكن المحكمة من سداده؟
فالجواب: نعم، ويبقى ديناً عليه في ذمته حتى يتمكن من سداده.
قال ابن قدامه رحمه الله في "المغني" (6/581) :
"وإذا فُرِّق مال المفلس وبقيت عليه بقية وله صنعة فهل يجبره الحاكم على إيجار نفسه ليقضي دينه؟ على روايتين...." انتهى. ثم ذكر القولين بأدلتهما، ولم يصرح بالراجح منهما، غير أنه يظهر من كلامه أنه يميل إلى القول بأن الحاكم يجبره على العمل ليقضي دينه.
فعلى كلا القولين: يستفاد من هذا: أن باقي حق الغرماء لا يزال متعلقاُ بذمته.
ثم قال ابن قدامة (6/582) :
"وإن فُكَّ الحجر عليه [يعني: بعد بيع ماله] لم يكن لأحد مطالبته ولا ملازمته حتى يملك مالاً...." انتهى.
فيستفاد منه أيضاً: أن ما بقي من حق الغرماء لم يسقط، بل لا يزال دَيناً عليه.
وقول السائل: حتى ولو كانت الأصول والممتلكات التي تم أخذها لسداد الديون عبارة عن متجر أو سوق وقيمته أعلى مما تم الحصول عليه من المزاد؟
فالجواب:
أن الواجب على الحاكم ألا يبيع ممتلكات المفلس إلا بثمن المثل، فلا يبيعها بأقل من ذلك.
انظر: "الموسوعة الفقهية" (5/318) .
ولما كانت هذه القضية منظورة في بلاد غير إسلامية، فمن الطبيعي أن يكون لهم قوانينهم وأنظمتهم التي يتحاكمون إليها ويحكمون بها، وتكون مخالفة لما شرعه الله عز وجل.
ولهذا؛ لا ينبغي للمسلم أن يتساهل في الإقامة في تلك البلاد، إلا أن يكون مضطراً لذلك، لأنه سيخضع لتلك القوانين، شاء أم أبى.
تنبيه:
المديونية الربوية لا يجوز القيام بسدادها، فليس عليه إلا دفع رأس المال فقط، إلا إذا أُكره على دفعها وهُدِّد بالسجن ونحوه فلا حرج عليه، ويكون مكرهاً، مع وجوب التوبة إلى الله من الاقتراض بالربا.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4891)
تقسيم القانونيين العقود إلى مكتوبة وشفهية تقسيم صحيح عند الفقهاء
[السُّؤَالُ]
ـ[درست في مادة القانون أن العقود نوعان: عقود مكتوبة، وعقود شفوية، أو عن طريق المشافهة، فهل لهذين العقدين أصل في الدين الإسلامي؟ أرجو الإجابة في ضوء الكتاب والسنة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تقسيم العقود إلى عقود مكتوبة وعقود شفهية تقسيم صحيح المضمون، فالعقد – من هذه الحيثية - إما أن ينعقد بالإيجاب والقبول الشفهيين من غير كتابة، وهذا هو العقد الشفهي. وإما أن يزيد المتعاقدان العقد توثيقا بكتابته وتدوين بنوده وشروطه، وهذا هو العقد المكتوب.
وقد تكلم فقهاؤنا رحمهم الله حول توثيق العقود بالكتابة، وكان أصل استدلالهم على ذلك بما أمر الله سبحانه وتعالى به في كتابه الكريم من كتابة الديون – سواء كانت في عقد قرض محض أو بيع إلى أجل - فقال عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ) البقرة/282.
كما استدلوا على ذلك بما فعله النبي صلى الله عليه وسلم مع العدَّاء بن خالد، فقد روى الترمذي في باب ما جاء في كتابة الشروط، حديث رقم: (1216) عن عبد المجيد بن وهب قال: (قال لِي الْعَدَّاءُ بْنُ خَالِدِ بْنِ هَوْذَةَ: أَلَا أُقْرِئُكَ كِتَابًا كَتَبَهُ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: قُلْتُ: بَلَى. فَأَخْرَجَ لِي كِتَابًا: هَذَا مَا اشْتَرَى الْعَدَّاءُ بْنُ خَالِدِ بْنِ هَوْذَةَ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اشْتَرَى مِنْهُ عَبْدًا أَوْ أَمَةً، لَا دَاءَ، وَلَا غَائِلَةَ، وَلَا خِبْثَةَ، بَيْعَ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمَ)
قال الترمذي: حسن غريب. وقال الذهبي في " المهذب " (4/2094) : ما أرى بهذا الإسناد بأسا. وقال الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " (12/367) : إسناده حسن وله طرق. وحسنه الألباني في " صحيح الترمذي ".
كما يمكن التوسع في الاستدلال على أصل كتابة العقود في السنة النبوية بما ورد من كتب النبي صلى الله عليه وسلم المعاهدات مع قريش وغيرهم، وكتب عقود الصلح والأمان، وكتب أيضا صلى الله عليه وسلم ما أعطى لبعض أمراء الأعراب من القطائع العظيمة ونحو ذلك من كتبه صلى الله عليه وسلم.
يقول الدكتور مصطفى الزرقا رحمه الله:
" النطق باللسان ليس طريقا حتمية لظهور الإرادة العقدية بصورة جازمة في النظر الفقهي، بل النطق هو الأصل في البيان، ولكن قد تقوم مقامه كل وسيلة أخرى اختيارية أو اضطرارية مما يمكن أن تعبر عن الإرادة الجازمة تعبيرا كافيا مفيدا.
وعلى هذا أقر الفقهاء أنه يقوم مقام النطق في الإيجاب والقبول إحدى وسائل ثلاث أخرى، وهي: الكتابة، وإشارة الأخرس , والتعاطي " انتهى.
" المدخل الفقهي العام " (ص/411)
وقد ذكر الفقهاء لتوثيق العقود منافع وفوائد من أوجه كثيرة، منها:
1- صيانة الأموال، وقد أمرنا بصيانتها ونهينا عن إضاعتها.
2- قطع المنازعة، فإن الوثيقة تصير حكما بين المتعاملين، ويرجعان إليها عند المنازعة، فتكون سببا لتسكين الفتنة، ولا يجحد أحدهما حق صاحبه مخافة أن تخرج الوثيقة وتشهد الشهود عليه بذلك، فينفضح أمره بين الناس.
3- التحرز عن العقود الفاسدة؛ لأن المتعاملين ربما لا يهتديان إلى الأسباب المفسدة للعقد، ليتحرزا عنها، فيحملهما الكاتب على ذلك إذا رجعا إليه ليكتب.
4- رفع الارتياب، فقد يشتبه على المتعاملين إذا تطاول الزمان مقدار البدل ومقدار الأجل، فإذا رجعا إلى الوثيقة لا يبقى لواحد منهما ريبة.
انظر: " الموسوعة الفقهية " (14/135)
والحاصل: أن توثيق العقود بالكتابة ركن من أركان نظرية العقود في الشريعة الإسلامية، اقتضى ذلك من الفقهاء المعاصرين والمختصين بالقانون تقسيم العقود من هذه الحيثية إلى عقود مكتوبة وعقود شفهية، وهو تقسيم صحيح المضمون من هذا الاعتبار: الكتابة من عدمه، وإن كانت الكتابة وصفا لا يتعلق بالعقد ذاته، وإنما بإحدى عوارض العقد، ولكن التقسيم بالعارض الأساسي أو الثانوي تقسيم صحيح.
وللتوسع يمكن مراجعة كتاب: " المدخل الفقهي العام " (ص/631) فقد ذكر تصنيف العقود بأنواعها المختلفة، وإن كان لم يذكر هذا التقسيم: عقود مكتوبة، وعقود شفهية، كما يمكن مراجعة بحث في مجلة الجامعة الإسلامية، العدد/110، بعنوان: كتابة العدل ولاية التوثيق في المملكة العربية السعودية، للدكتور عبد الله الحجيلي.
كما يمكن في موقعنا مراجعة الجواب رقم: (364)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4892)
كان قد استأجر أشرطة فيديو لأفلام محرَّمة وتوفي فماذا يصنع أهله بها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[شاب استأجر أشرطة فيديو أفلام بوليسية، وترفيهية، وهو من الشباب الطيبين، ثم توفي، فماذا نفعل بهذه الأشرطة؟ هل نتلفها؟ أو نرجعها إلى أصحابها؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله أن يرحم ذلك الشاب، وأن يعفو عنه، ولا شك أنه أخطأ باستئجار تلك الأفلام، ورؤيتها، ومن المعلوم أنه لا تخلو تلك الأفلام والمواد من منكرات تُسمع، وتُرى.
وبخصوص إرجاعها لأصحابها: فإنه لا يجوز لكم فعل ذلك؛ لأنها مواد تشتمل على منكرات، وتساهم في إفساد الناس، لكن ليس لكم أن تتلفوا تلك الأشرطة بالكلية، وإنما تتلفون ما فيها من مواد منكرة، ويكون من حق تلك المحلات الحصول على أشرطتهم إما فارغة، وإما عليها مواد شرعية، أو مباحة.
وإذا كنتم تصرفتم بتلك الأشرطة إرجاعاً لها لأصحابها: أثمتم، وإن أتلفتموها بالكلية: ضمنتم، لكن الضمان يكون على الأشرطة وهي فارغة من تلك المواد المحرمة، فيقدِّر أهل الخبرة ثمنها وهي على حالها تلك – بدون تلك المواد التي فيها – وتدفعونها لأصحاب المحلات التي استأجر ميتكم منها.
والعلماء رحمهم الله بينوا أنه لا ضمان على من " كسر " مواد اللهو، كالعود، وغيره؛ لأنه مال " غير محترم " فلا ضمان على من كسره؛ لأنه لا يسحق التقويم، لكنهم قالوا بالضمان على من " أتلفه "؛ لأنه يمكن الاستفادة من خشب تلك الآلة الموسيقية – مثلاً -، وهكذا يقال في الأشرطة التي عليها مواد محرَّمة، فإن موادها تشطب، دون إتلاف عينها.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – في سياق بيان ما لا ضمان فيه من المحرَّمات -:
قوله: " وكسر مزمار " يعني: كما لا يضمن كسر المزمار؛ لأن هذا من باب تغيير المنكر، وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده) – رواه مسلم -، ولأن هذه الآلة لا يجوز الإقرار عليها، وكسرها: وسيلة إلى ذلك، ولكن إتلافه: يضمن؛ لأن إتلافه غير كسره؛ لأن كسره يمنع من استعماله في المحرم، ولكن تبقى مادة هذا المزمار ينتفع بها في إيقاد نار، إذا كان من خشب، أو في صنع قدور، وأوانٍ إذا كان من حديد، أما إتلافه بالكلية: فمعناه: أنه أزال عين هذا الشيء، وإزالة عينه أكثر من إزالة وصفه الذي يصح أن يكون به مزماراً، ولذلك قال المؤلف: " وكسر مزمار ".
" الشرح الممتع على زاد المستقنع " (10 / 219، 220) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4893)
حكم قسائم الشراء المجانية التي تقدمها المحلات التجارية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز إعطاء عملاء المحل التجاري قسائم بقيمة نقدية (50 دولار مثلاً) بحيث يمكن العميل أن يصرفها عند أحد الشركاء الآخرين (محال تجارية أخرى أو خدمية) ؛ ثم أقوم بالتسديد للشريك بنسبة (مثلا 50%أو 95% من قيمة القسيمة) حسب العقد المبرم بين محلي التجاري والشركاء الآخرين. وهل يجوز إنشاء شركة خاصة تضم جميع الشركاء يكون عملها إدارة مثل هذه العملية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
أولاً:
يجوز لصاحب المحل التجاري أن يقدم لعملائه قسائم شراء مجانية بسبب شرائهم من محله التجاري أو بسبب بلوغ مشترياتهم حداً معيناً.
ولا بد أن تكون هذه القسائم مجانية لا يدفع العميل أي مقابل لها، ولا يُزاد عليه في ثمن السلعة المشتراة بسبب القسيمة المقدَّمة له.
وفي هذه الحال تعد هذه القسائم في حكم الهدية من صاحب المحل التجاري لهذا العميل، وهي مباحة لخلوها من الغرر والجهالة.
وإذا كان العميل سيستفيد من هذه القسيمة في أماكن أخرى فلا حرج في ذلك، إذا كان صاحب المحل سيقوم بتسديد القيمة أو جزءاً منها حسب الاتفاق المبرم بينه وبين هذه المحلات.
ثانياً:
حكم إنشاء شركة للقيام بتنظيم مثل هذا الأعمال، كإصدار القسائم، وعمل تنظيم للشركات والمحلات المشاركة فيها، بحيث يستطيع العميل الاستفادة منها جميعا، مع أخذ الشركة نسبة معينة من هذه المحلات، والقيام بتصفية الحسابات بين هذه المحلات [المُصْدِر للقسيمة والبائع] فلا حرج في ذلك.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4894)
وقفات شرعية مع الأزمة المالية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو تعليقكم فضيلة الشيخ محمد المنجد بخصوص ما حصل من الأزمة المالية]ـ
[الْجَوَابُ]
بسم الله الرحمن الرحيم
وقفات شرعية مع الأزمة المالية
مما لا يخفى على أحد أن الأزمة المالية اليوم تعصف بالعالم شرقاً وغرباً، فهي حدثٌ عظيم أقضَّ مضاجع السَّاسة وأصحاب القرار وأرباب الفكر والاقتصاد، وهي خطبٌ جسيم، له تعقيداته وتداعياته المتعددة، يوضح ذلك الاضطراب الكبير الذي يعيشه الاقتصاديون والسياسيون، وكثرة الكتابات، وتباين التحليلات، فهم في أمر مريج، وقد أقبل بعضهم على بعض يتلاومون فيمن يتحمل مسؤولية ما حدث.
وهذه الأزمة تستوجب وقفاتٍ لبيان بعض الجوانب الشرعية المهمة المتعلقة بها:
1- الأزمة حقيقية: تهاوت فيها بنوك كبرى ومؤسسات مالية، وانحدرت فيها البورصات العالمية، وتبخرت تريليونات، وطارت مليارات من أسواق المال، وهوت دول في العالم إلى الحضيض، وملايين فقدوا أموالهم إما على هيئة أسهم، أو مدخرات أو استثمارات، وتآكلت من استثمارات الشعب الأمريكي في البورصات المالية بمقدار 4 تريليون دولار، وصارت هذه الأزمة أشبه بتسونامي يعصف باقتصاديات الكثير من الدول.
2- فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ: الاقتصاد والمال هما القاعدة الأساس للمجتمع الغربي، ولما ركنوا إليها وتركوا شريعة الله (فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ) .
وها نحن نرى اليوم تدميراً كبيراً يُطبق عليهم، فأمسى البناء الاقتصادي الذي تفاخروا به وظنوا أنه يمنعهم ويحميهم سبباً لاضطرابهم وفساد أمرهم، فجاءهم البلاء من فوقهم ومن أسفل منهم، وكانوا يظنون نظامهم المالي محكماً ولكن جاءهم من جهته ما لم يكونوا يحتسبون (وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ)
3- قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ: كما أن للمصائب والكوارث أسباباً مادية معروفة، فإن لها أسباباً شرعية كذلك، ووجود الأسباب المادية لا يتنافى مع الأسباب الشرعية.
فالظلم والبغي والذنوب والمعاصي وأكل الحقوق كلها أسباب لنزول المصائب بالناس، على مستوى الأفراد والجماعات، بل على العالم كله أحياناً، كما نشهده في هذه الأزمة التي تنطوي على كوارث يتبع بعضها بعضاً، (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) ، (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) .
وفي الحديث الصحيح: (إذا ظهر الزنا والربا في قرية، فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله) أخرجه الطبراني في الكبير وصححه الألباني في صحيح الجامع (679) .
فلم يكن ما نزل بالقوم آفة سماوية، وإنما بلاء أصابهم بذنوبهم وبما كسبت أيديهم.
4- الله يُمهل ولا يُهمل: فقد أمهلهم وهم يتعاملون بالربا، ويأكلونه أضعافًا مُضاعَفة، ويحاربونه تعالى على مر السنين، حتى أخذهم بالنقص والبوار، كما فعل مع فرعون وقومه من قبل: (وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) .
وقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ، حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ) ، ثُمَّ قَرَأَ: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) متفق عليه.
فلا يظنن ظانٌ أنَّ الله في عليائه وكبريائه وجبروته يترك هؤلاء يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق، ويكفرون به، ويقترفون كل كبيرة، ثم لا يُنزل بهم بطشه وعقوبته وعذابه.
5- مصير الباطل إلى ضعف واضمحلال: فمهما علا وارتفع فهناك يوم سينخفض فيه ولا بد، سنةٌ من سنن الله لا تتبدل ولا تتغير (حَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يَرْتَفِعَ شَيْءٌ مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا وَضَعَهُ) البخاري (2872)
لقد تبوّأ الغربيون ذروة الاقتصاد عالمي، وقالوا:" من أشدّ منّا قوّة؟ فأنزلهم الله تعالى من صياصيهم وقلاعهم المالية، وقذف في قلوبهم الهلع والرعب، وأظهر زيف ادعاءاتهم.
6- انكسار منسأة العالم الغربي: لقد أكلت سوسة الربا والمحرمات المالية منسأة العالم الغربي، الذي كان يتظاهر أمام الناس بأنه قويٌ معتدل، بينما هو يستند على عصاً منخورة، فلما خر تبينت الجن والإنس والشرق والغرب أنَّ البناء خاو والأساس متهالك لايمكن إنقاذه وإعادته، وقد صرح وزير المالية الألماني "بير شتاينبروك" قائلا: "إن العالم لن يعود أبداً إلى ما كان عليه قبل الأزمة ".
7- حرب الله على أهل الربا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ... ) .
وهذه الحرب تتجلى اليوم بصورها المتنوعة: على الأعصاب والقلوب..على البركة والرخاء..على المال والقوة.. على السعادة والطمأنينة.
إنها حرب القلق والخوف..الساحقة الماحقة من جراء النظام الربوي المقيت..والمسعرة حتى الآن؛ تأكل الأخضر واليابس.
وهاهم اليوم يصابون بالاكتئاب والقلق والإحباط والانهيارات النفسية جراء الأزمة المالية، حتى قالت العالمة النفسية الأمريكية " نانسي موليتور": " لم أشهد يوماً طوال ممارستي هذه المهنة منذ عشرين عاماً، ما يشبه ذلك، إن مستوى القلق يحطم كلَّ الأرقام القياسية".
ووصل الأمر إلى حالات قتل وانتحار نتيجة ضغوط الأزمة.
8- (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا) : والمحق حسي ومعنوي، فيذهب ببركة المال فلا ينتفع به صاحبه، أو يذهب بالمال كليةًَ كما سمعنا عن تبخر ترليوني دولار في خمسة أيام من أموال مصلحة التقاعد الأمريكية ... وقد أدت الأزمة حتى الآن إلى اختفاء 16 بنكا من الساحة، من بينها بنك "إندي ماك" الذي يستحوذ على أصول بقيمة 32 مليار دولار، وودائع تصل إلى 19 مليار دولار.
بل طالتْ عملية الإفلاس سبعة بنوك كبرى في أوروبا.
ويتوقع بعض المحللين أن يتم إغلاق ما يقرب من 110 بنكا، تصل قيمة أصولها إلى حوالي 850 مليار دولار بحلول منتصف العام القادم.
9- المرابي يعاقب بنقيض قصده: (وما أَتْيتُم مِن رِباً لِيَرْبُوَ في أَمْوال النَّاسِ فَلاَ يَرْبُو عِنْد الله) وفي الحديث الصحيحَ: (مَا أَحَدٌ أَكْثَرَ مِنْ الرِّبَا إِلَّا كَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهِ إِلَى قِلَّةٍ) رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
وقد ظهر للناس من ذلك صور كثيرة، منها أن خسائر 10 أثرياء بريطانيين بلغت 40 مليار دولار،، كما أن أحد المرابين الكبار تناقصت ثروته خلال أربعة أشهر بمعدل 7 ملايين في كل ساعة، وفي روسيا بلغت خسائرُ رجال الأعمال نحو 230 بليون دولار، ويمثل هذا المبلغ نحو 62 % من مجموع ثروات الأثرياء الروس!! فكيف حسرة أمثال هؤلاء
10- تزاوج الربا والميسر نذير خراب ودمار: وكانت من نتيجة هذا التزاوج إعلان أكبر المصارف الأمريكية إفلاسها، كمصرف "ليمان براذرز"، ومصرف "أنتجرتي"، و"واشنطن ميوتشوال"، وانهيار أكبر شركة تأمين (AIG) التي دفعت (11) بليون دولار من التعويضات, وتكبدت أكبر خسائر في تاريخها الذي يمتد إلى تسعين عاما!!.
وأصبح ما بين (2-3) ملايين أمريكي يواجهون خطر فقدان منازلهم، بسبب عدم قدرتهم على دفع الأقساط الشهرية.
ومع هذه الآثار يطالبنا بعض من في قلبه مرضٌ بالتأمين على الأرصدة ضد مخاطر الإفلاس!!
11-جزاء الطمع: الطمع والجشع، والخداع، والتدليس في العقود، مع التغرير بالناس، واستغلال حاجتهم.. أسبابٌ لها تأثيرها الواضح في الأزمة، فقد توسعت بعض هذه البنوك في الإقراض لأكثر من (60) ضعف حجم رؤوس أموالها الحقيقية، طمعاً في الأرباح الكثيرة.
وقد علقت بعض صحفهم على هذه الأزمة بقولها: " لوموا الطمع".
12- مخاطر التعامل بالأرصدة الوهمية: فقد أظهرت الأزمة الفارق الكبير بين القطاع العيني من السلع والخدمات والمنتجات الحقيقية، وبين المشتقات المالية المعاصرة كالنقود الإلكترونية، والسندات المالية، والبطاقات الائتمانية على نقود وهمية..والأرصدة الإلكترونية التي لا وجود لها إلا في ذاكرة الحواسيب ... تكتسب قيمتها من ضمان البنوك لها، فإذا فقدت الثقة في هذه البنوك والمؤسسات زالت قيمتها.
فماذا يفعلون بعد أن تبخرت الأرقام الفلكية للمليارات والترليونات التي كانت تتراقص على شاشات البورصات.
13- الاقتصاد الحر والفشل: هذه الأزمة أكبر دليل على فشل نظرية الاقتصاد الحر، فترك الباب مفتوحا على مصراعيه؛ ليتصرّف الفرد كما يشاء، دون قيود وضوابط لتصرفاته الاقتصادية لتنمية المال، أدى إلى تضخّم رؤوس المال لدى فئة من المجتمع.. فعُدِم التوازن وظهرت الطبقية بآثارها المخالفة لقول الله تعالى: (كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأغْنِيَاءِ مِنْكُمْ) .
ورغم الحرية المزعومة وجدنا في حلولهم للأزمة تدخل الدولة بسلطتها لتأميم المصارف والمؤسسات المالية، وضخ الأموال لشراء الأصول، وتغيير الأنظمة، وتقييد حريات الملاك، من أجل حماية المؤسسات الاقتصادية من الانهيار.
14- تهالك المبادئ الرأسمالية: فقد أبانت هذه الأزمة عن فشل النظام الرأسمالي وعجزه عن تحقيق الأمان المالي والتوازن والعدالة الاجتماعية والاقتصادية بين فئات المجتمع المختلفة.
ولطالما تباهى الغرب بنظامه المالي، وزعم أنه أكمل ما وصلت إليه البشرية حتى قال فوكو ياما: إن المجتمع الأمريكي هو ذروة كمال البشرية، وقمة نضج الإنسانية، وليس بعده شيء.
واليوم يعترف قادة الغرب بفشل نظامهم المالي حتى وصفوه بالبالي والمهترئ.
وحتى قال الرئيس الفرنسي ساركوزي: "إننا في حاجة إلى إعادة بناء النظام النقدي والمالي العالمي من جذوره".
وتداعوا إلى قمة تجمع قادة الدول الكبرى لوضع نظام عالمي مالي جديد قبل نهاية العام.
15- أين المغترون بالنظام الاقتصادي العالمي: الذين ظنوا أنهم يأوون إلى ركن شديد، وقالوا: النظام المالي العالمي محكم لا يتطرق إليه الخلل ... ثم تبين أنهم يسيرون وراء سراب لا حقيقة له، وأنهم انخدعوا بمظاهر مزيّفة، لا تستحق الإشادة ولا التمجيد.
ولقد كان في تأخر السقوط حكمةٌ بالغةٌ من الابتلاءِ والإملاء للظالمين والمغترين بهم وكشف للمنافقين والمفتونين بمناهج غير المسلمين
16- ثم نُكسوا على رؤوسهم: فبعدما تجاوز العالم هول الصدمة الأولى للانهيار المالي خرج بعض المنافقين ومتعصبة الرأسمالية ليدافعوا عن نظامهم المالي البالي، زاعمين أن الخلل ليس فيه، وإنما في سوء تطبيقه ونقصان بعض القيود فيه، وأنه لا يحتاج إلى تغيير وإنما يحتاج بعض التعديلات فقط وهذه مكابرة لا يستفيد أصحابها من الأحداث والعبر، (وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ) ، (وَمَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ) .
17- خطورة وضرر فصل الاقتصاد عن الإسلام: لطالما نادى المنافقون بضرورة الفصل بين الاقتصاد والدين، ولسان حالهم يقول كما قال قوم شعيب: (يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) .
ما للدين وسلوك الناس الشخصي وتصرفهم في أموالهم، وحياتهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية وأسلوب الإنتاج، وطرق التوزيع؟
لقد أبانت هذه الأزمة أن الاقتصاد إذا ابتعد عن أحكام الشريعة وقواعدها تخبط في الظلمات، وأورث الكوارث والأزمات.
18- القواعد الشرعية المالية صِمَام أمان للاقتصاد: ولما تجاوز القوم هذه القواعد الشرعية في التعاملات المالية وتعدوا حدود الله وانتهكوا حرماته من خلال: الإقراض والاقتراض بالربا، وبيع الديون، والبيوع الوهمية، والبيع قبل القبض، وبيع ما لا يملك، وبيع الغرر والجهالة، والتعامل بالميسر والتأمين.. تسبب ذلك في نكبتهم وسقوط شركاتهم وبنوكهم..وبلغ حجم المشتقات المالية المشؤومة الهالكة المهلكة في العالم أكثر من 600 تريليون دولار.
19- الأساس السليم يورث بناء سليما: (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) .
فلا اقتصاد بلا نور الوحي، وليس كما ينادى المنافقون بأنه" لا اقتصاد بغير بنوك، ولا بنوك بغير ربا".
20-فرصة ذهبية للدعوة: ما حدث يعد فرصة عظيمة لأتباع النظام الاقتصادي الإسلامي ليبينوا أنه النظام الوحيد الناجح، والذي يحقق ما يحتاجه العالم.
ولقد بدأ الغربيون أنفسهم يدركون هذه الحقيقة، إذ دعت كبرى الصحف الاقتصادية في أوروبا لتطبيق الشريعة الإسلامية في المجال الاقتصادي للتخلص من براثن النظام الرأسمالي الذي يقف وراء الكارثة الاقتصادية التي تخيم على العالم.
حتى كتب أحدهم متسائلاً: "هل تأهلت وول ستريت لاعتناق مبادئ الشريعة الإسلامية؟ ".
وقالت "سواتي تانيجا" إحدى خبيرات المال في أوروبا: " إن الأزمة المالية بأمريكا تعطي فرصة ذهبية للاقتصاد الإسلامي المنافي للتعاملات الربوية".
21- تهيؤ الأنظمة السياسية والمالية لتقبل النظام الإسلامي: بعد أن كان محارباً من قبل، وقد صدر مؤخرا كتاب للباحثة الإيطالية "لووريتا نابليوني" بعنوان "اقتصاد ابن آوى" أشارت فيه إلى أهمية التمويل الإسلامي، وقالت: "المصارف الإسلامية يمكن أن تصبح البديل المناسب للبنوك الغربية ".
وبعض المصارف العربية بدأت تفكر جدياً بوقف عدد من التعاملات المصرفية ذات الثقافة الغربية الدخيلة كعمليات البيع على المكشوف، وبيع بالدين، والبيع متعدد الخيارات "الأُبشنز".
والمؤسف أنهم لم يفكروا بذلك إلا بعد أن اعتمده الغرب اتباعاً لهم حذو القذة بالقذة.
22- استثمار الأزمة في إيصال الحق للناس: إن من واجب الخبراء الماليين الإسلاميين أن يستخرجوا مفردات النظام المالي الإسلامي من القرآن والسنة ويقدموه للبشرية نظاماً مالياً كاملاً مستقلاً، لا تابعاً ولا ترقيعياً.
فليس النظام الإسلامي هو الخالي من الربا فقط، ولا المقتصر على أحكام دون أخرى، ولا المشتمل على منتجات غربية بطلاء الأسلمة، بل هو نظام كامل مستقل يحقق مقاصد الشريعة والعدل في التعاملات المالية كافة.
23- ظهور حكمة الله في التشريع: فقد استبان لكل من له قلب ونظر بعين اليقين أن الله تعالى لا يشرع شيئاً إلا وفيه مصلحة العباد، ولا يحرم شيئاً إلا وفيه ضررهم في الدنيا والآخرة.
وهذه الأزمة المالية قد أوضحت بجلاء أضرار الربا والمخالفات المالية، فسبحان من حرمها وغلّظ تحريمها!!
وليس مستغرباً أن يكتب رئيس تحرير مجلة "تشالينجز" قائلا: "لو حاول القائمون على مصارفنا احترام ما ورد في القرآن من تعاليم وأحكام وطبقوها، ما حل بنا ما حل من كوارث وأزمات".
24- الشفاء والعلاج لا يكون بما حرَّم الله: فالأموال المخصصة لإنقاذ المصارف وانتشال النظام المالي بزعمهم مصدرها الاستدانة الربوية، أو الظلم بزيادة الضرائب، أو طبع المزيد من العملة بغير رصيد المؤدي للتضخم، وقد ذكرت صحيفة "لو باريزيان" الفرنسية أن الحكومة الفرنسية ستقدم (10.5) مليار يورو إلى 6 من المصارف بفائدة مقدارها 8% وهي قروض بالربا أيضاً من بنوك ودول أخرى.
ولسان حالهم يقول: وَداوِني بِالَّتي كانَت هِيَ الداءُ.
25- القوة المادية عند غير المؤمنين تغرُّهم وتُطغيهم: وتقودهم إلى الاستكبار في الأرض، واستعباد الآخرين، وتنسيهم قوة الله، وتجعلهم يكفرون به، ويجحدون بآياته.
وهذا هو المرض الخطير الذي أصاب قوم عاد، (فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) .
وكم من الأمم والأقوام المتجبرين في الماضي والحاضر يتصرفون بالمنطق ذاته، وسيهلكهم الله كما أهلك قومَ عاد!.
وكفار اليوم ليس لديهم حصانة من بطش الله: (أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ) .
26- عاقبة الظلم والبغي والتكبر وخيمة: فالظالم والباغي والمتكبر في الأرض بغير الحق لا يسلم من سوء العقاب ولا يفلح (إنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) ، (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ) .
وهاهي أقوى دولة في العالم اليوم بحاجة إلى المساعدة وتريد الاقتراض بأي وسيلة، بعد أن أنفقت في حربها الظالمة على العراق أكثر من (700) مليار دولار باعتراف بعض ساستهم، وقدر بعض باحثيهم أن كلفة مغامراتهم العسكرية في العالم بلغت (3) تريليون دولار.
27- سنة الله مع الأمم الظالمة واحدة: (وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ) ، (وَتِلْكَ القُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِداً) ، (وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ)
وكلمة "قارعة" نكرة تفيد العموم، فتعم كل قارعة، فقد تكون مسموعة كالصواعق والعواصف، وقد تقرع القلوب بالرعب والذعر والهلع كالانهيارات والأزمات المالية.
إنه رعب صامت على الشاشات!!.
كتب أستاذ علم السياسة والاقتصاد البريطاني "جون غري" مقالا في صحيفة "ذي أوبزيرفر تحت عنوان "لحظة الانكسار في سقوط قوة أميركا" قال فيه: "إن حقبة الهيمنة الأميركية قد انتهت" وكذلك نادى الساسة الروس وغيرهم.
28- شؤمُ المعصية يعم: وهذا ظاهر في الأضرار التي لحقت بالاقتصاديات العالمية كافة، ويؤكده قول الأمين العام للأمم المتحدة: "الأزمة المالية تهدد معيشة مليارات الأشخاص عبر العالم".
وفي رسالة بعثت بها منظمة الأغذية والزراعة "الفاو" إلى 34 ألف لجنة للأمن الغذائي في أنحاء العالم، تقول فيها: " إن انهيار أسواق المال في العالم سيتمخض عن مجاعة حقيقية تنال 36 بلدا في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية بحلول 2009"..
وقد بلغت خسائر البورصات العالمية قرابة (3) تريليون دولار، وتبخرت (155) مليار دولار من بورصات الخليج في أسبوع.
وحذر رئيس منظمة العمل الدولية من فقدان حوالي 20 مليون شخص وظائفهم بحلول نهاية العام القادم على خلفية الأزمة.
وصدق الله إذ يقول: (واتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) .
وكان من حكمة الله في ذلك تبغيض أصحاب مركز الزلزال المالي في قلوب أهل الأرض كافة باعتبارهم المسؤولين عن هذه الكارثة.
29- لله الحكمة البالغة: في قضاءه وقدره، فتقديره سبحانه مبني على حكمته، وعدله، ذلك تقدير العزيز العليم.
ولا يخرج شيء في الكون عن مقتضى حكمته، فهو الحكيم الخبير.
ومن حكمته سبحانه جعل المصائب والكوارث سبباً للاتعاظ والتذكر والرجوع إليه، (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) ، وقال: (لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) .
فمن الناس من يرجع إلى الله بسبب هذه الأزمة، وكثير حقَّ عليه العذاب، لا يتوب ولا يؤوب: (فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) .
30- الملك الحقيقي لله: وقد استخلف الناس في هذا المال، فما شاء أبقاه وما شاء أخذه، يغني من يشاء ويفقر من يشاء، ويعطي من يشاء ويمنع من شاء، وفي هذه الأزمة درس للمغترين والمغرورين السائرين على قول قارون: (إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي) ، الذين نسوا أن الله قادر على أخذهم وأخذ أموالهم وثرواتهم فجأة.
31- الإنسان هلوع جزوع: أبانت هذه الأزمة عن مدى الهلع والجزع الذي أصاب الناس كما قال تعالى: (إِنَّ الإنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا، إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا، وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا، إِلا الْمُصَلِّينَ) .
فإذا أصابه المكروه جزِع، ويئس، وقنط (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نزعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ) .
وقد نتج عن هذه الأزمة: حالات انتحار وقتل.. سكتات قلبية ودماغية.. جلطات وأمراض مزمنة.. وانهيارات عصبية وأزمات نفسية.. وانتهت بعض الدراسات إلى أن 57% من المتعاملين بالبورصة يصابون بالأمراض "النفس جسدية"، وفي تصريح لمنظمة الصحة العالمية: " الأزمة المالية ستزيد الاضطرابات العقلية في العالم".
أما المؤمن فحاله مختلفة تماما: (عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ) مسلم (2999) .
32- شدة تعلُّق الإنسان بالمال: وقد كانت هذه الأزمة مثالا واضحا للحقيقة التي ذكرها الله بقوله: (وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا) أي: حباً كثيرًا شديداً.
وقوله: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) .
وكان من تأثير هذا الأمر أن أقدم بعض من خسر ماله على الانتحار، لأن المال كان كل شيء في حياته، فلما فقده لم يعد عنده للاستمرار في الحياة دافع، فأقدم على الانتحار بعد أن صار عبدا للدينار والدرهم والدولار، وهذا من نتائج تعلُّق القلب بغير الله.
33- ضعف التوكل على الله في أمر الرزق والمعاش، لقد كشفت هذه الأزمة عن مدى القلق الشديد على المستقبل، نتيجة للخوف من عدم القدرة على توفير الاحتياجات الأساسية، والتخلُّص من تبعات الديون.
ولو آمن الناس بقوله تعالى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا) ، وبقوله: (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) لرزقهم رزقاً حسناً سهلاً ميسوراً مضموناً كما يرزق الطير.
34- في ذهاب أموال الجبابرة عبرة تذكِّر بموقف الفريقين من الطاغية قارون: وذلك لما خرج على الناس بأبهى زينته: (قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) .
وكذلك يقول المغترون في كل زمان، وأما أهل العلم والإيمان فيقولون: (وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ) .
فلما خسف الله به الأرض، كانت النتيجة: (وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) .
35- تقلب حال الدنيا وزوالها: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ) .
فالدنيا ظل زائل، نعيمها يبور، وزخرفها زور (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) .
(وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) ، (وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ) أي: محل الإقامة ومنزل السكون والاستقرار.
والدنيا خضرة حلوة، تغر أهلها، ولما ظن الكفار أن أموالها دائمة لهم بعدما نجحوا في التجارات والصناعات وتقدموا في الآلات والمخترعات، أتاهم أمر الله بغتة كما قال عز وجل: (حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) .
وقال سبحانه: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ، كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) .
36- قصور البشر في التحليل وتوقع الأزمات: فقد كانت بعض دراسات استشراف المستقبل عند الغرب تبشر باستمرار الازدهار وتحسن أوضاع الأسواق، بل إن أحد مراكز الاستشراف تنبأ بأن عام 2009 سيكون عام ازدهار اقتصادي.
وتوقع بنك "مورجان ستانلي" الأمريكي أن يبلغ سعر برميل النفط 150 دولار، وقالوا: انتهى عصر النفط الرخيص، وتوقع آخرون بلوغه 200دولار للبرميل.
ومع تقدم العلوم الرياضية، والنظريات الاحتمالية، واختراع الحواسيب التي تقوم بالتحليل وحساب نتائج المعادلات الصعبة، ظن بعض الغربيين أن ذلك كاف في الحكم على المستقبل ومعرفته بدقة، فاتكأوا كثيرا على نتاج أبحاثهم، فكانت هذه الأزمة مخيبة لتوقعاتهم ودراساتهم، صادمة ودافعة لهم للاعتراف بقصورهم وعجزهم واعترافهم بأنهم سيعيدون حساباتهم ويعدِّلون توقعاتهم. وصدق الله القائل: (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا) ، (يعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ) .
على أن بعض عقلائهم قد حذروا من هذه الانهيارات وأسبابها، ولكن لم تلق تحذيراتهم آذانا مصغية، إلا بعد فوات الأوان، وبعد أن لم يعد الإنقاذ بالإمكان.
وختاماً: نسأل الله تعالى أن ينصر دينه، ويعلي كلمته، ويعز الإسلام والمسلمين، ويذل المنافقين والكافرين، ويعوض من أصيب من المسلمين خيراً، ويعظم لهم أجراً، ويوفقنا جميعا لما يحب ويرضى.
وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ.
يليه الجزء الثاني إجراءات وعلاجات في الأزمة المالية.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/4895)
كان يتصدق على الناس فخرج من عمله وكثرت ديونه فهل يطلب ممن أعطاهم مساعدته؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت موظفاً بشركة كبيرة، وكان راتبي ودخلي مرتفعاً جدّاً، وكنت قد نويت أن أخرج مبلغاً ماليّاً شهريّاً من راتبي، وبالفعل كنت أقوم بذلك بطريقة معينة، يعني: كنت أستدين مبلغاً كبيراً من المال، وأسدده بالتقسيط من راتبي، ولم يكن ذلك يزعجني، وقد كنت أستدين حتى تكون مساعدتي للفقير مجزية، كأن أزوِّج أحداً، أو أساعد إحدى العوائل في شراء منزل، وهكذا، واستمررت على هذه الطريقة مدة 5 سنوات، وفي آخر مرة اضطررت لأن أترك العمل، فلم أستطع تسديد ديوني بالشكل المتناسق الذي كنت قد تعودت عليه، فبدأ الدائنون يطالبوني بالمال، وعندما علم أهلي بذلك أنبوني على أن ما فعلته لا يجوز، وأنه يجب عليَّ أن أطالب من ساعدته ببعض المال حتى أسدد ديوني، وأنا لا أريد فعل ذلك، وأريد أن أسددها بنفسي، ولكن مع الوقت، فهل عليَّ إثم إذا أخرت سداد الدين لبعض الوقت، مع العلم أني أمر بضائقة مالية كبيرة في الوقت الحالي؟ فما يجب عليَّ أن أفعل؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يعوضك خيراً مما أنفقت، وأن يعجل لك قضاء ديونك.
وقد أحسنت بنيتك الطيبة في إعانة الآخرين، وحرصك على أن تكون الأعطية مجزية.
وأما استدانتك من أجل ذلك، فكان هذا غير لازم لك، ولكنك فعلته إحساناً إلى الناس، وكنت تظن أنك قادر على سداد تلك الديون.
ولذلك لا نرى لأحد أن يلومك على ذلك، ولا تندم على شيء فعلته لله ولم تكن متعدياً فيه ولا مقصراً.
والواجب على الدائنين إمهالك حتى تكون قادراً على قضاء الدَّين، قال الله تعالى: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) البقرة/ 280.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله:
" أي: وإن كان الذي عليه الدين معسراً، لا يقدر على الوفاء: وجب على غريمه أن ينظره إلى ميسرة، وهو يجب عليه إذا حصل له وفاء بأي طريق مباح: أن يوفي ما عليه، وإن تصدق عليه غريمه - بإسقاط الدين كله، أو بعضه -: فهو خير له " انتهى.
" تفسير السعدي " (ص 959) .
ونبشرك بأن الله تعالى قد وعد مَنْ يأخذ أموال الناس يريد أداءها: أنه تعالى يعينه على سداده في الدنيا، أو يؤديها عنه في الآخرة، بإسقاط الإثم، وإرضاء المدين.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ) . رواه البخاري (2257) .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
" ولكن بشرى للإنسان: أنه إذا أخذ أموال الناس يريد أداءها: أدى الله عنه، وإذا أخذها يريد إتلافها: أتلفه الله، فإذا أخذت أموال الناس بقرضٍ، أو ثمن مبيع، أو أجرة بيت، أو غير ذلك، وأنت تريد الأداء: أدَّى الله عنك، إما في الدنيا يعينك حتى تسدد، وإما في الآخرة، صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، أما المتلاعب بأموال الناس، والذي يأخذها، ولا يريد أداءها، ولكن يريد إتلافها: فإن الله يتلفه، والعياذ بالله " انتهى.
" شرح رياض الصالحين " (6 / 32) .
ثانياً:
أما ما اقترحه عليك أهلك من مطالبة مَن كنت ساعدته في سالف الأيام: فهو اقتراح في غير محله، وقد يكون ذلك نوعاً من الرجوع في الصدقة، وأنت أخرجت هذا المال لله، فلا يجوز لك الرجوع فيه.
فعَنْ عُمَرَ بنِ الخطَّاب رضي الله عنه أَنَّهُ حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَوَجَدَهُ عِنْدَ صَاحِبِهِ وَقَدْ أَضَاعَهُ وَكَانَ قَلِيلَ الْمَالِ فَأَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: (لَا تَشْتَرِهِ وَإِنْ أُعْطِيتَهُ بِدِرْهَمٍ ولا تعُد في صدقتك فَإِنَّ مَثَلَ الْعَائِدِ فِي صَدَقَتِهِ كَمَثَلِ الْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ) .
رواه البخاري (1419) و (2841) ومسلم (1620) و (1622) .
ومطالبة أولئك الذين أحسنتَ إليهم بشيءٍ مما بذلته لهم: هو من الأذى الذي نهى الله تعالى عنه، والذي يسبب بطلاناً للصدقة، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى) البقرة/ 264.
قال ابن كثير رحمه الله:
" يمدح تعالى الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله، ثم لا يُتبعون ما أنفقوا من الخيرات والصدقات منّاً على مَن أعطوه، فلا يمنُّون على أحد، ولا يمنُّون به، لا بقول، ولا فعل.
وقوله: (وَلاَ أَذَى) أي: لا يفعلون مع مَن أحسنوا إليه مكروهاً يحبطون به ما سلف من الإحسان " انتهى.
" تفسير ابن كثير " (1 / 693) .
واستعن بالله ربك على أداء ديونك، ونسأل الله لك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4896)
هل يجوز شراء بيت عن طريق الدخول في قرعة مع دفع رسوم غير مستردة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز امتلاك بيت بشرط أن يدفع الشخص مبلغاً مقدَّماً، ورسوماً محددة للدخول فيما يشبه القرعة، ففي حال كانت القرعة من نصيب الشخص: فإنه يدفع بقية الفلوس المفترض أن يدفعها كقيمة لهذا البيت، أما في حالة أن القرعة لم تكن من نصيب الشخص: فإنهم يعيدون له المبلغ الذي دفع مقدَّماً فقط، ولا يعيدون رسوم القرعة؟ . لم أُقدم على مثل هذه العملية؛ لأني شعرت أنها نوع من المقامرة، فهل شعوري هذا صحيح؟ أرجو تزويدي بالإجابة؛ لأن هناك كثيراً من الأشخاص انخرطوا في مثل هذا العمل. ولكم أن تراجعوا هذا الرابط في حال أردتم أن تتأكدوا من الشرط المذكور.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
توقفك عن الاستمرار في تلك العملية هو الصواب، بل هو الواجب، لأن الدخول في تلك القرعة بدفع الرسوم التي لا تسترد: هو دخول في عقد " ميسر " – مقامرة -، وضابط " الميسر ": هو ما يدخل فيه الإنسان على سبيل المخاطرة بالمال، فإما أن يخسر هذا المال، وإما أن يربح.
وبالنظر فيما ذكرته يتبين أن الذي لا ترسو عليه القرعة يخسر ما دفعه من الرسوم، وإن خرج اسمه في القرعة كان رابحا – أي: في شراء البيت -، وبهذا يتبين حرمة الدخول في هذه المعاملة.
وهذه المعاملة تشبه الدخول في المناقصات الحكومية، أو الخاصة، التي يدفع فيها رسوم للاشتراك، وغالباً ما يؤخذ من الداخلين في المناقصات مبالغ أكثر من قيمة دفتر الشروط والمواصفات الذي يُعطى لهم – وقد منع " مجمع الفقه الإسلامي " استيفاء أكثر من ثمن " دفتر الشروط " الذي يحتوي على الشروط والمواصفات للعمل المراد القيام به، وقد ذكرنا نص القرار في جواب السؤال رقم: (2150) وفيه:
" لا مانع شرعاً من استيفاء رسم الدخول - قيمة دفتر الشروط بما لا يزيد عن القيمة الفعلية - لكونه ثمناً له ".
فالذي ننصحك به هو عدم شراء بيت بهذه الطريقة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4897)
اخترع منتجا وباعه لوسيط ليبيعه على شركته دون علمها
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل مهندسا لدي إحدى شركات خدمات النفط منذ 10 سنوات. وظيفتي الأساسية هي صيانة معدات الشركة وإعطاء الدعم الفني. ولكن أضيفت إلي وظائف أخري إضافية لي علي مدار السنوات العشر. وشركتي تعاملني كأي شخص آخر بل أقل وذلك لأني لا أطالب بزيادات في مرتبي كالآخرين ولكني أنتظر تقييم الشركة لي وذلك لم يحدث إلا مرة أو مرتين. بدأت أكتشف اختراعات لشركتي ووعدت أكثر من مرة أني سأكافأ ولكن هذا لم يحدث, علي العكس كنت أوبخ لأني طلبت مكافأت. اختراعات كثيرة وتطوير هائل ولكن لا فائدة وكل ما آخذه هو الدعم المعنوي فقط. إلي أن توصلت إلي اختراع ولكني هذه المرة لم أعطه إلى شركتي مباشرة ولكني أعطيته إلي شركة وسيطة حتى تقدمه باسمها إلى شركتي نظير عمولة اتفقت مع هذه الشركة الوسيطة أن تأخذها, بعد أن تحصل ثمن الاختراع المباع لشركتي. وهذا الاختراع موجود منه في أمريكا ولكنه غالي الثمن بنسبة 50% علي الأقل. وشركتي استفادت جدا من هذا المنتج. سؤالي هو هل ما فعلته حلال أم حرام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
حق الاختراع والابتكار والتأليف ونحوه، ملك لصاحبه، وله أن يعتاض عنه؛ لجريان العرف على أن هذه الحقوق لها قيم مالية في السوق.
وقد صدر من مجمع الفقه الإسلامي قرار بهذا الخصوص، ونصه:
" إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت من 1-6 جمادى الأول 1409هـ الموافق10-15 كانون الأول (ديسمبر) 1988م،
بعد اطلاعه على البحوث المقدمة من الأعضاء والخبراء في موضوع الحقوق المعنوية، واستماعه للمناقشات التي دارت حوله، قرر ما يلي:
أولاً: الاسم التجاري، والعنوان التجاري، والعلامة التجارية، والتأليف والاختراع أو الابتكار، هي حقوق خاصة لأصحابها، أصبح لها في العُرف المعاصر قيمة مالية معتبرة لتموّل الناس لها. وهذه الحقوق يعتد بها شرعاً، فلا يجوز الاعتداء عليها " انتهى من مجلة المجمع الفقهي (ع 5، ج 3ص 2267) .
ثانيا:
إن كان وصولك إلى هذا الاختراع، لم تعتمد فيه على شيء من منتجات الشركة، ولم تقتطع فيه وقتا من ساعات العمل المطلوبة منك في الشركة، بأن كان اشتغالك بالاختراع خارج وقت العمل، أو في الوقت الذي لا تكلف فيه بعمل، فهذا حق خالص لك كما تقدم، ولا حرج عليك في بيعه لشركتك، أو لشركة وسيطة تبيعه على شركتك.
وأما إن كان هذا على حساب عملك في الشركة، أو اعتمدت فيه على مواد الشركة ومنتجاتها ومعاملها، فقد أسأت لتقصيرك في عملك، ولاستعمالك أغراض الشركة في غير ما وضعت له، ويلزمك تعويض الشركة عما لهم من حق، والأَصل: مصارحتهم، والاتفاق معهم على أخذ ما يقابل جهدك واختراعك، فإن خشيت مفسدة باعترافك هذا، أو غلب على ظنك أن الشركة لن تعطيك شيئا، فاعمل على إيصال الحق لهم بأي وسيلة ممكنة بعد تقدير هذا الحق بالاستعانة بأهل الخبرة في ذلك.
وحق الشركة هذا – إن ثبت – لا يجوز التعدي عليه بحجة أن الشركة لم تزد في راتبك، أو لم تقدر عملك واجتهادك، فإن الظلم لا يقابل بمثله، وينبغي أن تسعى لتحسين وضعك في الشركة بالوسائل المشروعة كالمطالبة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4898)
هل يجوز للمضارب أن يأخذ راتباً شهريّاً من مال المضاربة؟ وذِكر بعض شروطها
[السُّؤَالُ]
ـ[في المضاربة يتم تقسيم الأرباح بين الممول والمشغل حسب النسبة المتفق عليها بينهما، والسؤال: هل يجوز شرعاً أن يتفق الطرفان على أن يتقاضى المشغل راتباً شهريّاً ثابتاً إضافة للنسبة المتفق عليها؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المضاربة – وتسمى في كتب الفقه " القِراض " – عقد شراكة بين صاحب المال بماله، وبين العامل بها بعمله، ومن شروط هذه المضاربة حتى تكون صحيحة: أن لا يُضمن رأس المال لصاحبه، ولا يُعطى صاحب المال مبلغاً ثابتاً، بل له نسبة من الأرباح بحسب ما يتفقان عليه، والعامل بالمال قد أخذ مقابل عمله تلك النسبة المتفق عليها بينه وبين صاحب المال.
لذا فقد أجمع العلماء على عدم جواز أخذه مبلغاً ثابتاً مقابل عمله مع نسبته في الربح؛ لأنه قد لا يُنتج المال إلا ما يأخذه هو، فيكون رابحاً دون صاحب المال، ولو كان هو شريكاً بماله: فله أن يأخذ مقابل عمله إن هو عمل بنفسه، سواء هو أو شريكه، وهذا الذي قلناه لا نعلم خلافاً فيه بين أهل العلم.
وهذه طائفة من أقوال العلماء تبين شروط المضاربة، وأن ما جاء في السؤال من أخذ المضارب راتباً شهريّاً هو مما يفسد هذا العقد:
أ. قال الشيخ سيد سابق – رحمه الله -:
ويشترط في المضاربة الشروط الآتية:
1. أن يكون رأس المال نقداً، فإن كان تِبراً، أو حُليّاً، أو عروضاً: فإنها لا تصح، قال ابن المنذر: " أجمع كل من نحفظ عنه أنه لا يجوز أن يجعل الرجل ديْناً له على رجل مضاربة " انتهى.
2. أن يكون معلوماً؛ كي يتميز رأس المال الذي يتجر فيه من الربح الذي يوزع بينهما حسب الاتفاق.
3. أن يكون الربح بين العامل وصاحب رأس المال معلوماً بالنسبة، كالنصف، والثلث، والربع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم " عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها ".
وقال ابن المنذر: " أجمع كل من نحفظ عنه على إبطال القِراض إذا جعل أحدهما أو كلاهما لنفسه دراهم معلومة " انتهى.
وعلة ذلك: أنه لو اشترط قدراً معيناً لأحدهما: فقد لا يكون الربح إلا هذا القدر، فيأخذه من اشترط له، ولا يأخذ الآخر شيئاً، وهذا مخالف المقصود من عقد المضاربة الذي يراد به نفع كلٍّ من المتعاقدين.
4. أن تكون المضاربة مطلقة، فلا يقيد رب المال العامل بالاتجار في بلد معين، أو في سلعة معينة، أو يتجر في وقت دون وقت، أو لا يتعامل إلا مع شخص بعينه، ونحو ذلك من الشروط؛ لان اشتراط التقييد كثيراً ما يفوِّت المقصود من العقد، وهو الربح.
فلابد من عدم اشتراطه، وإلا فسدت المضاربة.
وهذا مذهب مالك والشافعي.
وأما أبو حنيفة وأحمد: فلم يشترطا هذا الشرط وقالا: " إن المضاربة كما تصح مطلقة: فإنها تجوز كذلك مقيدة ".
...
وليس من شروط المضاربة بيان مدتها؛ فإنها عقد جائز يمكن فسخه في أي وقت.
وليس من شروطها أن تكون بين مسلم ومسلم، بل يصح أن تكون بين مسلم وذمي.
" فقه السنة " (3 / 205 – 207) .
ب. قال الكاساني الحنفي – رحمه الله – في بيان شروط عقد المضاربة -:
ومنها: أن يكون المشروط لكل واحد منهما من المضارب ورب المال من الربح جزءاً شائعاً، نصفاً، أو ثلثاً، أو ربعاً , فإن شرطا عدداً مقدراً بأن شرطا أن يكون لأحدهما مائة درهم من الربح، أو أقل، أو أكثر، والباقي للآخر: لا يجوز , والمضارب فاسدة؛ لأن المضاربة نوع من الشركة، وهي الشركة في الربح , وهذا شرط يوجب قطع الشركة في الربح؛ لجواز أن لا يربح المضارب إلا هذا القدر المذكور، فيكون ذلك لأحدهما دون الآخر , فلا تتحقق الشركة , فلا يكون التصرف مضاربة، وكذلك إن شَرَطا أن يكون لأحدهما النصف، أو الثلث، ومائة درهم، أو قال إلا مائة درهم: فإنه لا يجوز؛ لأن المضاربة نوع من الشركة، وهي الشركة في الربح، وهذا شرط يوجب قطع الشركة في الربح؛ لجواز أن لا يربح المضارب إلا هذا القدر المذكور، فيكون ذلك لأحدهما دون الآخر، فلا تتحقق الشركة، فلا يكون التصرف مضاربة.
" بدائع الصنائع " (6 / 85، 86) .
ج. وقال الشيرازي الشافعي – رحمه الله -:
ولا يجوز أن يختص أحدهما بدرهم معلوم ثم الباقي بينهما؛ لأنه ربما لم يحصل ذلك الدرهم، فيبطل حقه، وربما لم يحصل غير ذلك الدرهم، فيبطل حق الآخر.
انظر " المجموع شرح المهذب " (14 / 366) .
وانظر جواب السؤال رقم: (114537) .
والخلاصة: أنه لا يجوز للعامل المضارب أن يكون له راتب شهري، وأنه ليس له إلا النسبة المتفق عليها بينه وبين صاحب المال.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4899)
حكم بطاقات التخفيض
[السُّؤَالُ]
ـ[يوزع هنا في دولة الكويت لطلاب الجامعات بطاقات خصومات تتراوح نسبته بين 5 إلى 25% وتكون على الكثير من الأماكن مثل المطاعم ـ محلات الألبسة- المكتبات ---إلخ لكن مع ملاحظة أن الحصول على هذه الخصومات يكون عن طريق شراء بطاقة لهذه الخصومات ثمنها 5 دنانير، وهناك من قال إن هذا الثمن هو كمصروف دعاية أو نفقات للشركة التي تقوم بتوزيع هذه البطاقات، فهل يجوز شراء هذه البطاقة واستعمالها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
بطاقات التخفيض التي تصدرها شركات الدعاية والإعلان والتسويق، أو شركات السياحة والسفر، أو بعض المراكز التجارية، وتمنح حاملها حسماً معيناً من أسعار السلع والخدمات لدى مجموعة من الشركات والمؤسسات وغيرها، هذه البطاقات تنقسم إلى قسمين:
الأول: بطاقات يتم الحصول عليها بمقابل مادي عن طريق الاشتراك السنوي.
الثاني: بطاقات مجانية، يتم الحصول عليها عن طريق الإهداء للمشتري تشجيعاً له على التعامل معهم، وقد تُمنح مجاناً لمن بلغت مشترياته حداً معيناً.
أمَّا البطاقات التي يتم الحصول عليها بمقابل مادي فهي محرمة؛ لاشتمالها على عدد من المحاذير الشرعية، ومن ذلك:
1- الجهالة والغرر، لأن المشتري يدفع مبلغاً من المال ثمناً للبطاقة، بهدف الحصول على التخفيض، وهذا التخفيض لا تُعرف حقيقته ومقداره، فقد لا يستعمل البطاقة، وقد يستعملها فيحصل على تخفيض أقل مما دفع أو أكثر، وقد (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ) . رواه مسلم (1513) ، وهو كل بيع فيه جهالة.
2-أن هذه المعاملة قائمة على المخاطرة، وتدور بين الغرم والغنم، فيخاطر المشترى بالثمن الذي يدفعه مقابل الحصول على البطاقة، ثم إما أن يكون غانماً إذا حصل على تخفيض أكثر مما يدفع، وإما أن يكون خاسراً، إذا كان التخفيض أقل مما دفع، وهذه حقيقة الميسر الذي حرمته الشريعة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون) . المائدة/90.
3- في هذه البطاقات تغريرٌ بالناس، وخداعٌ لهم، وابتزازٌ لأموالهم؛ فأكثر هذه التخفيضات الموعود بها وهميّة غير حقيقية.
وكثير من أصحاب هذه المحلات يرفعون الأسعار، ثم يوهمون صاحب البطاقة أنهم قد حسموا له من الثمن، وحقيقة الأمر أن الحسم تم على الزيادة التي رفعوها عن سائر المحلات.
4-أن هذه البطاقات كثيراً ما تكون سبباً للنزاعات والمخاصمات، لأن الجهة التي قامت على إصدار البطاقة لا تستطيع إلزام المراكز والشركات والمؤسسات بنسبة التخفيض المتفق عليها، فيؤدي ذلك إلى نزاعات وخلافات.
وما كان سبباً للخلاف والنزاع والبغضاء فإن الواجب منعه، كما قال تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) . المائدة/91
5- في هذا النوع من بطاقات التخفيض إضرارٌ بالتجار الذين لم يشاركوا في برنامج التخفيض.
" فتداول البطاقة المذكورة يجر إلى إحداث العداوة والبغضاء بين أصحاب المحلات، المشتركين في التخفيض وغير المشتركين، حيث تَنفُق سلع محلات التخفيض، وتكسد بضائع الذين لم يشتركوا في التخفيض ". "فتاوى اللجنة الدائمة" (14/10) .
6-ما يدفعه المشترك من رسوم لهذه البطاقات ليس له مقابل حقيقي، ولو أنه طلب من صاحب المحل تخفيض السعر له فقد يحصل على التخفيض الموعود به أصحاب البطاقات أو قريباً منه، وبذلك يكون المال الذي دفعه ثمناً للبطاقة بدون مقابل، وهو من أكل أموال الناس بالباطل، وذلك منهي عنه بنص القرآن: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) .
وقد صدر عن المجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي في دورته الثامنة عشرة قرار بتحريم التعامل بهذه البطاقات، ومما جاء فيه: " بعد الاستماع إلى الأبْحاثِ المقدَّمة في الموضوع والمناقشات المستفيضة قرَّر: عدم جواز إصدار بطاقات التخفيض المذكورة أو شرائها، إذا كانت مقابل ثمن مقطوع أو اشتراك سنوي؛ لما فيها من الغرر؛ فإن مشتري البطاقة يدفع مالاً ولا يعرف ما سيحصل عليه مقابل ذلك؛ فالغرم فيها متحقق يقابله غنم مُحتمل ".
وكذلك صدرت عن اللجنة الدائمة للإفتاء فتوى بتحريم التعامل بهذا النوع من بطاقات التخفيض، وبه أفتى كل من الشيخين: ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله تعالى.
ينظر: "فتاوى اللجنة الدائمة" (14/6) ، "فتاوى ابن باز" (19/58) .
وأما البطاقات المجانيّة التي تقدم للمشتري من غير مقابل، فلا حرج في استعمالها والاستفادة منها، لأن منح البطاقة مجاناً يجعلها من عقود التبرعات، والغرر [الجهالة] في عقود التبرعات معفو عنه.
والحاصل على البطاقة المجانية إن لم يستفد منها في التخفيض لم يخسر شيئاً.
وبذلك صدر قرار المجمع الفقهي الذي جاء فيه: " إذا كانت بطاقات التخفيض تصدر بالمجان من غير مقابل، فإن إصدارها وقبولها جائز شرعاً؛ لأنه من باب الوعد بالتبرع أو الهبة ".
وللاستزادة ينظر:
"بطاقة التخفيض حقيقتها التجارية وأحكامها الشرعية" للشيخ بكر أبو زيد.
"الحوافز التجارية التسويقية وأحكامها في الفقه الإسلامي" للدكتور خالد المصلح.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4900)
حكم مشاركة المسلم في التجارة مع الكافر والفاسق
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن أشترك مع كافر أو فاسق في التجارة؟ وإذا كنتُ شريكاً في التجارة مع رجل مسلم فاسق، أو كافر، ثم انسحبت لكن بقي رأس مالي عنده على أساس يسدد لي المال نقداً بدل البضاعة في المستقبل، فهل عليَّ زكاة مالي الذي يتجر فيه، علماً بأني لا أحصل على أي فائدة من ذلك المال، أم الزكاة على شريكي؟ علماً بأن شريكي لا يدفع الزكاة، أو أنه قد يدفع الزكاة لكن في غير مصاريف الزكاة، فإذا لم يدفع زكاة ذلك المال فهل عليَّ زكاة ذلك؟ وأيضاً قررنا أن يسدد لي الدَّين الذي عليه بأن نبني بناية لنؤجرها، ففي هذه الحال كيف يكون الزكاة؟ يعني: أني لا أحصل الدَّين الذي على شريكي نقداً، بل عند سداد الدَّيْن الذي عليه سيذهب ذلك المال مباشرة في تكلفة البناية، نرجو منكم التوضيح.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
مشاركة المسلم للكافر والفاسق في التجارة أو العمل جائزة، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم " خيبر " اليهود أن يعملوها، ويزرعوها، ولهم شطر ما يخرج منها. رواه البخاري (2366) .
فهذه مشاركة بين النبي صلى الله عليه وسلم واليهود على العمل في الأرض، فالعمل من اليهود، والأرض من النبي صلى الله عليه وسلم، والزرع الناتج يقسم مناصفة.
والحديث بوَّب عليه البخاري في كتاب الشركة من صحيحه بقوله: " باب مشاركة الذمي والمشركين في المزارعة ".
ثانياً:
مشاركة المسلم للكافر تكون ممنوعة إذا كانت ستؤدي إلى موالاة الكافر ومحبته.
والذي ينبغي أيضاً إذا كانت المشاركة في التجارة أن يتولى المسلم التجارة بنفسه، أو يكون رقيباً على معاملات الكافر أو الفاسق، حتى لا يتعاملا بالربا أو غيره من المحرمات.
قال الشيخ صالح الفوزان في " الملخص الفقهي " (2 / 124) :
"وتجوز مشاركة المسلم للكافر بشرط أن لا ينفرد الكافر بالتصرف، بل يكون بإشراف المسلم؛ لئلا يتعامل الكافر بالربا، أو المحرمات إذا انفرد عن إشراف المسلم" انتهى.
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: هل يجوز للمسلم أن يكون شريكاً للنصراني في تربية الأغنام، أو تجارتها، أو أي تجارة أخرى؟
فأجاب:
"فإن اشتراك مسلم مع نصراني، أو غيره من الكفرة في المواشي، أو في الزراعة، أو في أي شيء آخر: الأصل في ذلك: جوازه إذا لم يكن هناك موالاة، وإنما تعاون في شيء من المال، كالزراعة، أو الماشية، أو نحو ذلك، وقال جماعة من أهل العلم: بشرط أن يتولى ذلك المسلم، أي: أن يتولى العمل في الزراعة، أو في الماشية: المسلم، ولا يتولى ذلك الكافر؛ لأنه لا يؤمن.
وهذا فيه تفصيل: فإن كانت هذه الشركة تجر إلى موالاة، أو لفعل ما حرم الله، أو ترك ما أوجب الله: حرمت هذه الشركة؛ لما تفضي إليه من الفساد، أما إن كانت لا تفضي لشيء من ذلك، والمسلم هو الذي يباشرها، وهو الذي يعتني بها، حتى لا يخدع: فلا حرج في ذلك.
ولكن بكل حال: فالأولى به السلامة من هذه الشركة، وأن يشترك مع إخوانه المسلمين، دون غيرهم، حتى يأمن على دينه، ويأمن على ماله، فالاشتراك مع عدو له في الدين: فيه خطر على خلُقه، ودينه، وماله، فالأولى بالمؤمن في كل حال أن يبتعد عن هذا الأمر؛ حفظاً لدينه، وحفظاً لعِرضه، وحفظاً لماله، وحذراً من خيانة عدوه في الدين، إلا عند الضرورة والحاجة التي قد تدعو إلى ذلك، فإنه لا حرج عليه بشرط مراعاة ما تقدم.
أي: بشرط أن لا يكون في ذلك مضرة على دينه، أو عرضه، أو ماله، وبشرط أن يتولى ذلك بنفسه؛ فإنه أحوط له، فلا يتولاه الكافر، بل يتولى الشركة، والأعمال فيها: المسلم، أو مسلم ينوب عنهما جميعاً" انتهى.
" فتاوى نور على الدرب " (1 / 377، 378) .
ثالثاً:
خروجك من الشركة وبقاء نصيبك فيها دَيناً على شريكك، يقطع علاقتك بالشركة، فلا زكاة عليك فيما يتعلق بمال الشركة.
وإنما عليك زكاة هذا الدَّين الذي لك عند شريكك، حتى وإن كنت ستبني به بناية.
فما دام الدين في ذمة شريكك، فعليك زكاته، وزكاة الدين فيها تفصيل ذكرناه في جواب السؤال رقم (1117) ، وخلاصته:
إن كان شريكك غنياً باذلا للدين فعليك أن تزكيه كلما مر عليه الحول، وإن كان فقيراً أو معسراً أو ماطلاً، فالأحوط أن تزكيه عن سنة واحدة إذا قبضته، حتى ولو مر عليه عند شريكك عدة سنوات.
وانظر جواب السؤال (119047) ، فهو شبيه بسؤالك.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4901)
حكم استعمال شبكة الإنترنت في المسجد لأغراض شخصية
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن مجموعة من الشباب نقوم على إدارة نشاط جامع من جوامع مدينة الرياض، ومن ضمن هذه المناشط: تهيئة البث عبر الشبكة للدروس الملقاة في الجامع، من خلال شبكة الإنترنت، وربط برنامج الحلقات، وأدائها اليومي بالجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم المشرفة على الجامع، وهذا البث عبر الشبكة والمناشط يتم تمويلها وسداد رسومها من فواتير، واشتراكات، وأجهزة، من أوقاف الجامع التي أوقفت لدعم مناشط الحلقات، وتعلمون أن رسوم اشتراك الإنترنت يدفع شهريّاً، سواء تم استخدامه من قبل المشترك (الجامع) أو لا، فقيمته ذاهبة، ولو لم يستخدم من قبل أحد، وهناك فترات يكون فيها إنترنت الجامع غير مستخدم، في خارج أوقات الدروس مثلا، وفي غير فترة دراسة طلاب الحلقة، فهل يجوز لمنسوبي الجامع استخدام هذه الشبكة واستعمالها لأغراضهم الشخصية، كتصفح مواقع الإنترنت، ورسائلهم البريدية الخاصة بهم، علماً أن ذلك يتم بواسطة أجهزتهم الحاسوبية الخاصة بهم لا بأجهزة الجامع نفسه؟ وإن كان الجواب: عدم الجواز , فهل يحق لهم دفع أجرة من قبل هذا الإداري لمشرف الحلقات، والقائم على الوقف نظير هذا الاستخدام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
شكر الله لكم جهودكم، وأثابكم على ما تقدمونه من خدمة للمسلمين.
وبخصوص السؤال: فالذي نراه: هو جواز استعمال الشبكة في أموركم الشخصية، لكن تلك الإباحة مشروطة بشروط، وهي:
1. أن يكون ذلك التصفح لمواقع شرعية نافعة، بعيدة عن القيل والقال، والفتن، والمحرمات.
2. أن يكون ذلك التصفح لتلك المواقع النافعة، أو البريد الخاص: في الأوقات التي لا يستعمل فيها الإنترنت من قبل الجامع أو الجمعية.
3. أن يتم ذلك من خلال أجهزتكم الخاصة، لا من أجهزة المسجد.
4. أن لا يؤثر الاستعمال على الشبكة في مزيد من التكاليف، فبعض الاشتراكات تُعطى حدّاً أعلى للتحميل، فإذا زاد عن ذلك: دفعوا رسوماً إضافية، فإن كان استعمالكم ضمن الحد المسموح، أو ليس هناك حدٍّ أصلاً: فيجوز، وإلا فعليكم دفع ما تسببتم به من رسوم إضافية على شبكة المسجد.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4902)
هل يجوز لهذا البنك أن يخصم 5 ريال مقابل رسوم بطاقة الصراف الآلي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي حساب في أحد البنوك السعودية، هل يحق للبنك خصم رسوم بطاقة صراف آلي؟ وهم يخصمون رسوم حساب جاري بشكل شهري بعذر أن الحساب منخفض الرصيد، قبلُ كان ألف ريال واليوم يقولون: ألفا ريال الحد المسموح لكي يتم الخصم، رسوم الحساب الجاري 2.5 ريال، ورسوم بطاقة الصراف 5 ريال، الخصم بشكل إجمالي 7.5 ريال، والحساب فيه أكثر من ألف ريال، وهو البنك الوحيد الذي نرى منه الأمور هذه، أما البنوك الأخرى فلم تفعل ما ذكر سوى الرسوم للحساب الجاري المنخفض فقط، فما الحكم في خصم رسوم بطاقة الصراف، هل يحق لهم الخصم أم لا؟ وتنفيذ القرارات دون علم العميل أو الإعلان عنها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من حيث الأصل: يجوز لمُصْدِر بطاقة الصراف استيفاء الرسوم المناسبة مقابل تقديمه خدمات تلك البطاقة، وإدارة شئونها، لكنَّ ذلك مرتبط بأمرين:
1. أن يكون مسموحاً له استيفاؤها وفق النظام العام المسؤول عن شؤون البطاقات.
2. أن يُعلَم العميل بهذا الخصم قبل استيفائه منه.
وبالنظر في النظام المسؤول تبين أنه قد اشترط على البنوك عدم استيفاء رسوم من زبائن البطاقات، وقد تفاجأ الزبائن بخصمها دون إشعار سابق.
وقد سألنا الشيخ عبد الرحمن الأطرم حفظه الله في يوم 29 من رجب 1429 هـ عن هذه المسألة، فقال:
"يجوز لهم شرعاً استيفاء تلك الرسوم، ومثلها مثل الـ 2,5 ريال رسوم الحسابات المنخفضة، لكنَّ ذلك ممنوع عليهم نظاماً، وهو استغلال" انتهى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4903)
متى تُدفع لليتامى أموالهم
[السُّؤَالُ]
ـ[متى يجوز لولي اليتامى أن يدفع إليهم أموالهم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أما أموال اليتامى فإنه لا يجوز لوليهم أن يدفعها لهم إلا إذا أنس منهم الرشد وذلك بحسن تصرفهم في الأحوال وعدم إنفاقهم لها في محرم، وليس وقت دفعها لهم البلوغ وإنما إيناس الرشد بعد البلوغ قال تعالى: (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم) ومنتهى اليتم البلوغ يكون (البلوغ) بأمور هي إنبات الشعر الخشن حول الفرج وبلوغ خمسة عشر سنة وإنزال المني يقظة أو مناماً والمرأة مثل الرجل إلا أنها تزيد بنوعين هما الحيض والحمل، قال في المقنع 2/139: (والبلوغ يحصل بالاحتلام أو بلوغ خمسة عشر سنة أو إنبات الشعر الخشن حول القبل وتزيد الجارية بالحمل والحيض والحمل دليل على إنزالها) .
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن إبراهيم في الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة ج/3 ص 1129(5/4904)
أعطته الشركة مالا للعلاج زائدا عن الكلفة الفعلية
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد تعرضت لحادث , وقد تم كسر كتفي في هذا الحادث.... والحمد لله تم علاجي على حسابي الخاص..... وطلبت مني الشركة التي أعمل بها إحضار فاتورة بالمبلغ الذي سددته لترد لي هذا المبلغ الذي دفعته ... وفي ذلك الوقت كنت لم أنته من العلاج الطبيعي ... وطلبت من المركز الذي أتعالج فيه تحديد المبلغ الذي دفعته وعمل فاتورة به ... وأيضاً تحديد المبلغ الذي سوف أدفعه في المرات القادمة وعمل فاتورة به لأني في ذلك الوقت لم أنته من العلاج الطبيعي بالكامل ... وأخذت الفاتورة وأعطيتها لشركتي ودفعوا لي المبلغ 240 جنيه مصري تكاليف العلاج.... 165 جنيه قد دفعتها بالفعل للمركز من قبل.. و75 جنيه مفترض أن أدفعها في المرات القادمة للمركز الطبي لاستكمال بقية العلاج الطبيعي وبالفعل ذهبت مرتين ودفعت للمركز 15 جنيه ثمن المرتين ... ثم شعرت بتحسن ولم أذهب للمركز بعد ذلك وتبقى لي مبلغ 60 جنيه فماذا أفعل؟ هل يجوز لي أخذ هذا المبلغ بالرغم أن الشركة التي أعمل بها أعطتني للعلاج فقط؟ أم أستكمل العلاج بهذا المبلغ وأدفعه للمركز الطبي بالرغم أني شفيت؟ (المركز هو الذي حدد هذا المبلغ الذي سوف أحتاجه لاستكمال علاجي) أم أرد المبلغ للشركة التي أعمل فيها؟ لكن سوف يكون الموقف محرجاً لي، لأن المفترض عندما طلبت منهم رسوم العلاج وأعطيتهم الفاتورة التي تثبت ذلك فهم يعتقدون أني بالفعل قد دفعت كل المبلغ للمركز من قبل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يلزم رد المال الزائد إلى الشركة، لأنها إنما بذلته لكونه ثمن العلاج.
وهذا الإحراج لا يبيح لك أن تأخذ المال، ولا أن تعطيه للمركز في مقابل علاج لا تحتاج إليه، بل ترده على الشركة كما سبق.
ولا يشترط أن ترده بنفسك، بل المهم هو إيصال المال إلى الشركة بأي طريقة.
وانظر جواب السؤال رقم (47086) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4905)
النظر إلى الأجنبية للحاجة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للرجل النظر إلى المرأة الأجنبية، سواء المحجبة أو غير المحجبة؟ والنظر ليس بشهوة، بل هو لقضاء مصلحة، مثل البيع والشراء أو سؤال أو غير ذلك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل الذي جاءت به الشريعة هو المنع من النظر إلى النساء عموما، والحث على غض البصر وحفظ القلب عن التطلع إلى صور النساء وعوراتهن، ومراعاة العفاف والحياء في علاقة كل من الجنسين بالآخر.
ومع ذلك فقد راعت الشريعة اختلاف الظروف والأحوال، وقيام الحاجات التي تقتضي التوسع في هذا الباب، إلا أنه ينبغي التفريق بين المرأة المحجبة، وغير المحجبة، في أحكام النظر:
فالمرأة غير المحجبة قد كشفت جزءًا من عورتها المُحرَّمَة كالشعر والنحر والساعد، وهذه عورات باتفاق العلماء، وقد حرم الله تعالى في كتابه النظر إلى عورات النساء ومواضع الزينة منهن، فقال عز وجل: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ. وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) النور/30-31
ففي هذه الآية الكريمة نص على وجوب غض البصر عن عورات النساء ومفاتنهن، فلا ينبغي للمسلم أن يتجاوز الحد الذي حده الله سبحانه، كما يفعل بعض الناس – هداهم الله – حين يجالسون النساء المتبرجات، أو يحادثونهن، أو يجرون معهن المقابلات وقد اتخذن كامل زينتهن، وقد يزيدون إلى ذلك ضحكا ومزاحا، ولا يرون فيما يصنعون بأسا، فليعلم هؤلاء جميعا أن الله عز وجل لا يرضى أن تنتهك حرمته مجاهرة، ولا أن تتخذ الأحكام الشرعية هزؤا وامتهانا، فكيف إذا أصبح التبرج ظاهرة لا يستنكرها كثير من الناس؟! تلك هي الانتكاسة الحقيقية في الدين والخلق والإيمان، نسأل الله تعالى لنا ولكم السلامة والعافية.
يقول ابن القطان الفاسي رحمه الله:
" إن كانت هذه الأجنبية – أي غير المحرم – كبيرة، وهي مسلمة، فلا خفاء بتحريم النظر من الأجنبي إلى ما عدا وجهها وكفيها وقدميها: كالصدر والبطن والعنق والشعر وما فوق السرة والظهر، هذه مواضع لا يجوز له النظر إلى شيء منها أصلا، وهذا مما لا خلاف فيه " انتهى.
"أحكام النظر" (ص/143)
أما المرأة المحجبة التي كشفت وجهها فقط، فهذه – رغم أنها خالفت الحكم الشرعي الراجح المقتضي لوجوب تغطية وجه المرأة – إلا أن قيام الحاجة إلى تعامل الرجال معها: من بيع، وشراء، ومساعدة، وتعليم، وعلاج، وشهادة، وخطبة، ونحو ذلك، يقتضي جواز النظر بقدر الحاجة إلى وجهها، بشرط ألا تصحبه شهوة، ولا تُخشى منه الفتنة، فإن الحاجة تنزل منزلة الضرورة، والضرورات تبيح المحظورات. انظر "الأشباه والنظائر" للسيوطي (ص/88)
يقول الإمام النووي رحمه الله:
" إذا كانت حاجة شرعية فيجوز النظر، كما في حالة البيع، والشراء، والتطبب، والشهادة ونحو ذلك، ولكن يحرم النظر في هذه الحال بشهوة، فإن الحاجة تبيح النظر للحاجة إليه، وأما الشهوة فلا حاجة إليها " انتهى.
"شرح مسلم" (4/31)
ويقول الإمام الرملي الشافعي رحمه الله:
" (ويباح النظر) للوجه فقط (لمعاملة) : كبيع، وشراء، ليرجع بالعهدة ويطالب بالثمن مثلا، (أو شهادة) تحملا وأداء لها وعليها " انتهى.
"نهاية المحتاج" (6/198)
وقد سبق تفصيل الحالات التي تجيز النظر إلى الأجنبية، في جواب السؤال رقم: (2198)
أما المرأة غير المحجبة فالواجب دائما التباعد عن النظر إليها إلا للضرورة، ولا يتوسع فيها كما هو في شأن المرأة المحجبة، فالمتبرجة قد كشفت أجزاءً من عورتها لم يرد في الشريعة جواز كشفها بحال من الأحوال باتفاق العلماء، أما المحجبة فقد كشفت ما توسعت الشريعة في كشفه – وهو الوجه – في أحوال مخصوصة باتفاق العلماء، ثم إن الخلاف في كشفه معتبر بين أهل العلم، وإن كانت ممن يتدين بجواز ذلك، فلا إثم عليها في كشفه، إن شاء الله.
وفرقٌ ظاهرٌ بين الحالتين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4906)
أخذت منحة من أجل الدراسة وهي عازمة على تركها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالبة بجامعة بفرنسا ومقيمة مع أهلي. وأنا لم أعد أرغب في إكمال دراستي لكن رغم ذلك قمت بالتسجيل في الجامعة. وقد تم منحي إعانة شهريّة من قٍبل التعليم العالي بفرنسا لقضاء الاحتياجات الدراسيّة.لكني منذ بداية العام لم أذهب للجامعة إلا مرات معدودة وأنا عازمة على ترك الدراسة نهائيا ولا أنوي إلا حضور الاختبارات حتى لا يقع سحب المنحة مني فما حكم أخذ هذه المنحة مع العلم أني أعطيتها بصفة قانونية وأني أصرف أغلبها لمساعدة أهلي وأحبابي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الأمر كما ذكرت من أنك أعطيت المنحة بصفة قانونية، فلا حرج عليك في أخذها ولو كنت عازمة على ترك الدراسة نهائيا، ما دمت لم تتركيها بالفعل.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4907)
حكم التهنئة بابتداء العام الهجري
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم التهنئة بمناسبة العام الهجري الجديد بقول كل عام وأنتم بخير أو بالدعاء بالبركة وكأن يرسل رسالة يدعو فيها للمرسل إليه بالخير والبركة في عامه الجديد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ما حكم التهنئة بالسنة الهجرية وماذا يرد على المهنئ؟
فأجاب رحمه الله:
إن هنّأك احد فَرُدَّ عليه ولا تبتديء أحداً بذلك هذا هو الصواب في هذه المسألة لو قال لك إنسان مثلاً نهنئك بهذا العام الجديد قل: هنئك الله بخير وجعله عام خير وبركه، لكن لا تبتدئ الناس أنت لأنني لا أعلم أنه جاء عن السلف أنهم كانوا يهنئون بالعام الجديد بل اعلموا أن السلف لم يتخذوا المحرم أول العام الجديد إلا في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. انتهى
المصدر إجابة السؤال رقم 835 من اسطوانة موسوعة اللقاء الشهري والباب المفتوح الإصدار الأول اللقاء الشهري لفضيلته من إصدارات مكتب الدعوة والإرشاد بعنيزة.
وقال الشيخ عبد الكريم الخضير في التهنئة بدخول العام الهجري:
الدعاء للمسلم بدعاء مطلق لا يتعبد الشخص بلفظه في المناسبات كالأعياد لا بأس به لاسيما إذا كان المقصود من هذه التهنئة التودّد، وإظهار السرور والبشر في وجه المسلم. قال الإمام أحمد رحمه الله: لا ابتدئ بالتهنئة فإن ابتدأني أحد أجبته لأن جواب التحية واجب وأماالابتداء بالتهنئة فليس سنة مأمورا بها ولا هو أيضا مما نهي عنه.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4908)
خدعه وأخذ المال ليستثمره ولم يفعل
[السُّؤَالُ]
ـ[لي صديق وكيل مكتب لجامعة أهلية طلب مني مبلغ 10000 عشرة آلاف دولار ليستثمرها بالجامعة على شكل نظام تسجيل الطلاب وسيكون لي بعد 6 أشهر أرباح.. وقال لي إن الربح مضمون لأن الموضوع ليس شراء وبيعاً.. بل تسجيل طلاب، كونه مندوب الجامعة وله نسبة من الربح.. فقرر أن يمنحني أرباحاً رمزية كل شهر حتى يأتي الموعد كما ذكرت بعد (6) أشهر وسيقوم بخصم المبلغ الذي أعطاه كل شهر كأرباح من أصل الربح الكامل ... وقد قام بتسديد قسط كبير من الفلوس إلى الجامعة كمستحقات عليه لرئاسة الجامعة وصلنا نهاية الشهر السابع.. أخبرته أن الموعد انتهى أخبرني بأنه لم يكتمل الموضوع.. اصبر، أصبحنا الشهر التاسع ومجموع ما أخذته حوالي أقل من 900 دولار.. كأرباح شهرية كل شهر أقل أو أكثر من مائة دولار..وبقى أصل المبلغ الذي هو عشرة آلاف دولار لديه.. في شهر آب جاء أخوه من الخارج وقال لي إن شقيقه شخص كذاب وكل سنة عندما يأتي للإجازة يسدد عنه ديونه المتراكمة.. تعهد أخاه بتسديد المبلغ وقال اتركه.. وأنا سوف أسدد نيابة عنه وأعطاني جزء 2000 دولار كدفعة أولى لحين تسديد الباقي.. ولم نستلم المبلغ الكامل إلى الآن. ادعى الأول الذي أخذ الفلوس.. أنه أنا وهو آثمين لأننا تعاطينا بالربا.. فأجبته: إن لم تكن لديك القابلية على استثمار الفلوس لماذا أخذتها وأنت تعرف أنه لا وجود للأرباح ولا تستطيع السداد سؤالي: 1- هل صحيح أنني آثم؟ 2- الأرباح (900) دولار التي استلمتها دفعات شهرية كأرباح تعتبر ربا حسب ادعائه؟ 3- المبلغ الذي عنده قد حال عليه الحول هل عليه زكاة؟ وكم؟ علما بأني لم أستلمه إلى الآن. 4- ما هو الإثم الذي ارتكبه هو ويعلم مسبقا بأنه لن يستطيع السداد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب على المسلم أن يتحرى جيدا في الجهات التي يستثمر فيها أمواله، وألا يبذل أمواله إلا بعد الاستيثاق والتأكد من تلك الجهات، وأنها جهات موثوقة، فإن لم يتبين له الأمر فبقاء أمواله في حوزته خير من تعريضها للضياع. وراجع جواب السؤال رقم (34808) .
حيث كثر في الآونة الأخيرة أناس يجيدون التحيل على الناس بأخذ أموالهم بدعوى استثمارها، إلا أن الواقع والنهاية تكون مؤلمة، فكم من بيوت هدمت بسبب ضياع هذه الأموال ودفعها لمن لا أمانة لهم ولا دين، ولا هَمَّ لهم إلا جمع المال ولو بالحرام وأكله بالباطل.
أما السؤال عن الصورة المذكورة فإن الأصل مشروعية المضاربة الجارية على قواعد الشرع، البعيدة عن التعامل في المحرمات، والتي تقوم على الشركة بين من يمول بالمال ومن يقوم بعمل معين، ويكون الربح بينهما حسب ما يتفقان عليه، وفي حال الخسارة تكون الخسارة على صاحب المال ما لم يتعد العامل أو يفرط، كما يخسر العامل عمله ولا يضمن شيئا من رأس المال إلا بالتعدي أو التفريط.
فلِلشركة في الإسلام صور كثيرة، وما ذكرته أخي السائل يعتبر من صور الشركة الجائزة في الإسلام، بشرط كون العمل المُضارَب عليه مباحا (العمل المذكور في السؤال غير واضح) .
فالمضاربة جائزة بإجماع المسلمين وقد نقل الإجماع على ذلك ابن المنذر وغير واحدٍ من أهل العلم.
قال ابن رشد رحمه الله: "ولا خلاف بين المسلمين في جواز القراض [المضاربة] ، وأنه مما كان في الجاهلية فأقره الإسلام" انتهى. "بداية المجتهد" (1 / 1003) .
وقال ابن قدامة رحمه الله: "وأجمع المسلمون على جواز الشركة في الجملة". "المغني" (5/3) .
كما أن الواجب في المضاربة أن يتم تحديد الربح بالنسبة، كالنصف أو الثلث أو الربع....
ولا يمكننا الحكم على عملك هل هو محرم أم لا؟ أو هو ربا أم لا؟ ونحن لا نعلم حقيقة العمل الذي اتفقتما عليه، وهل كنت تعلم هذا العمل أم أن صاحبك خدعك.
وعلى كل حال، فإن كان صاحبك أخذ المال للمضاربة فعلاً، فإنك تحسب نصيبك من الأرباح، ثم تخصم منه ما أخذته (900) دولار، ثم تطالب بباقي حقك في رأس المال والأرباح.
أما إن كان صاحبك لم يضارب وإنما خدعك بهذا الكلام فإنك تحسب ما أخذته كل شهر (900دولار) وتضيف إليها ما أخذته من أخيه (2000) دولار ثم تطالب بالباقي (7100 دولار) .
أما زكاة المبلغ المتبقي عنده، فهو في حكم الدين عند المعسر أو المال المفقود ولا تجب فيه الزكاة عن المدة التي كان فيها عند المدين، ثم إذا استلمته حسبت له حولاً من يوم استلامه، والأحوط أن تزكيه يوم قبضه عن سنة واحدة، ولو مضى عليه عند المدين عدة سنوات.
وانظر جواب السؤال رقم (1117) و (1346) .
وأما الإثم الذي تعرض له صاحبك، فلا شك في تحريم الخداع والغش، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا) رواه مسلم (294) .
وإذا أخذ الإنسان المال من الناس وهو عازم على عدم رده، فهو متوعد بوعيد شديد، قَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ) رواه البخاري (2387) .
قال الحافظ ابن حجر حمه الله تعالى:
" (أَتْلَفَهُ اللَّه) ظَاهِره أَنَّ الْإِتْلَافَ يَقَعُ لَهُ فِي الدُّنْيَا وَذَلِكَ فِي مَعَاشِهِ أَوْ فِي نَفْسِهِ. وَهُوَ عَلَمٌ مِنْ أَعْلَام النُّبُوَّة لِمَا نَرَاهُ بِالْمُشَاهَدَةِ مِمَّنْ يَتَعَاطَى شَيْئًا مِنْ الْأَمْرَيْنِ.
وَقِيلَ: الْمُرَاد بِالْإِتْلَافِ عَذَاب الْآخِرَة " انتهى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4909)
هل له أن يستفيد من مساعدة الضمان الاجتماعي، وهو من آل البيت؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يحق لي أن أستفيد من مساعدة الضمان الاجتماعي، مع العلم أني يرجع نسبي لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وما هو حكم الراتب الذي تصرفه التأمينات الاجتماعية؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
مؤسسة الضمان الاجتماعي في بلاد الحرمين الشريفين هي مؤسسة تُعنى بالفقراء والمحتاجين، وتقدِّم لهم المساعدات، وهي مؤسسة حكومية غير ربحية، بخلاف مؤسسات الضمان في عامة البلدان.
ويجوز لمن كان محتاجاً، وتنطبق عليه الشروط التي وضعتها الدولة لمن يحق له الاستفادة من أموال " الضمان الاجتماعي ": يجوز له أن يستفيد منها، ويأخذ منها ما تصرفه له الدولة، حتى لو كان من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما الممنوع في حقهم هو أخذ مال الزكاة الواجبة، وليس مال صدقة التطوع.
وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
نحن أسرة متوسطة الحال، ومن أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولدينا وثائق تثبت ذلك، وقد بلغ والدي سن الستين، حيث تنطبق عليه شروط الالتحاق بالضمان الاجتماعي، وقد طلبنا من الوالد الاستفادة من الضمان الاجتماعي، لكنه رفض؛ لأن هناك حديثا عن الرسول صلى الله عليه وسلم ينص على عدم إعطاء الزكاة والصدقة لأهل بيته، وسؤالي هل يعتبر الضمان الاجتماعي في حكم الصدقة أم لا؟ .
فأجاب:
"إذا توافرت في والدك الشروط المعتبرة فيمن يستفيد من مصلحة الضمان الاجتماعي: فإنه يحل له أخذ ذلك؛ لأنه مساعدة من بيت المال للفقراء الذين تتوافر فيهم الشروط المطلوبة، وليس هو من الزكاة حسب إفادة الجهة المسئولة عن ذلك" انتهى.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (14 / 315) .
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى:
نحن ممن ينتسب إلى بني هاشم، ويوجد من بيننا محتاجون، وفقراء، ومساكين، بل من أفقر الناس، ولا يوجد لديهم ما ينفقون سوى " الضمان الاجتماعي " للعجزة، وكبار السن فقط، فهل يجوز إعطاؤهم الصدقة، سواء كانت هذه الصدقة من هاشمي مثلهم، أو من غير هاشمي؟ وما الحكم إذا أعطيت لهم؟ .
فأجاب:
"إذا كانت الصدقة صدقة تطوع: فإنها تُعطى إليهم، ولا حرج في هذا، وإن كانت الصدقة واجبة: فإنها لا تعطى إليهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما هي أوساخ الناس) ، وبنو هاشم شرَّفهم الله عز وجل بألا يأخذوا من الناس أوساخهم، أما صدقة التطوع: فليست وسخاً في الواقع، وإن كانت لا شك تكفر الخطيئة، لكنها ليست كالزكاة الواجبة، ولهذا ذهب كثير من العلماء إلى أنهم يعطون من صدقة التطوع، ولا يعطون من الصدقة الواجبة" انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (18 / جواب السؤال رقم 613) .
بل حتى الزكاة يجوز أن تُدفع لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم في حال عدم أخذهم من سهم الغنائم، كما هو الحال في وقتنا الحالي، بشرط أن لا يتوفر لهم مصدر آخر غير الزكاة.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (111802) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4910)
الشرط الجزائي في العقود، متى يصح ومتى لا يصح؟
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي شركة استيراد وتصدير، أستورد بضاعة من الخارج، وأبيعها على التجار في الداخل. ما حكم العقد الجزائي الذي يجبر الزبون بدفع تعويض إذا تأخر عن تسديد ثمن السلعة، وكذلك لتعويض الربح المتوقع في بعض الحالات؟ وإذا ما تم هذا العقد الجزائي علي هل يحل لي أن أقوم بشرطه على زبوني أيضا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الشرط الجزائي في العقود المالية جائز ما عدا العقود التي يكون الالتزام الأصلي فيها دَيْناً. فلا يجوز مثلاً أن يُشترط على من اشترى سلعة بالتقسيط أن يدفع شيئا زائدا على هذا الثمن إن تأخر في السداد، لأن هذه الزيادة ستكون زيادة على الدَّيْن، وهذا ربا صريح، أما ما عدا الدَّيْن من الحقوق والالتزامات، فيجوز الشرط الجزائي فيها للتعويض عن الضرر، الواقع فعلا. جاء في قرار "مجمع الفقه الإسلامي" بشأن موضوع الشرط الجزائي:
"أولاً: الشرط الجزائي في القانون هو اتفاق بين المتعاقدين على تقدير التعويض الذي يستحقه من شُرِط له عن الضرر الذي يلحقه إذا لم ينفذ الطرف الآخر ما التزم به، أو تأخر في تنفيذه.
ثانيًّا: يؤكد المجلس قراراته السابقة بالنسبة للشرط الجزائي الواردة في قراره في السَّلَم رقم 85 (2 / 9) ، ونصه: (لا يجوز الشرط الجزائي عن التأخير في تسليم المُسْلَم فيه؛ لأنه عبارة عن دَيْن، ولا يجوز اشتراط الزيادة في الدين عند التأخير) ، وقراره في الاستصناع رقم 65 (3/7) . ونصه: (يجوز أن يتضمن عقد الاستصناع شرطًا جزائيًّا بمقتضى ما اتفق عليه العاقدان ما لم تكن هناك ظروف قاهرة) ، وقراره في البيع بالتقسيط رقم 51 (2 / 6) ونصه: (إذا تأخر المشتري (المدين) في دفع الأقساط بعد الموعد المحدد فلا يجوز إلزامه أي زيادة على الدين، بشرط سابق، أو بدون شرط، لأن ذلك ربا محرم) .
ثالثًا: يجوز أن يكون الشرط الجزائي مقترنًا بالعقد الأصلي، كما يجوز أن يكون في اتفاق لاحق قبل حدوث الضرر.
رابعًا: يجوز أن يشترط الشرط الجزائي في جميع العقود المالية ما عدا العقود التي يكون الالتزام الأصلي فيها دينًا؛ فإن هذا من الربا الصريح.
وبناء على هذا، فيجوز هذا الشرط – مثلاً في عقود المقاولات بالنسبة للمقاول، وعقد التوريد بالنسبة للمورد، وعقد الاستصناع بالنسبة للصانع (البائع) ، إذا لم ينفذ ما التزم به، أو تأخر في تنفيذه.
ولا يجوز – مثلاً– في البيع بالتقسيط بسبب تأخر المدين عن سداد الأقساط المتبقية، سواء كان بسبب الإعسار، أو المماطلة، ولا يجوز في عقد الاستصناع بالنسبة للمستصْنِع (المشتري) إذا تأخر في أداء ما عليه.
خامسًا: الضرر الذي يجوز التعويض عنه يشمل الضرر المالي الفعلي، وما لحق المضرور من خسارة حقيقية، وما فاته من كسب مؤكد، ولا يشمل الضرر الأدبي أو المعنوي.
سادسًا: لا يعمل بالشرط الجزائي إذا أثبت من شُرط عليه أن إخلاله بالعقد كان بسبب خارج عن إرادته، أو أثبت أن من شُرط له لم يلحقه أي ضرر من الإخلال بالعقد.
سابعًا: يجوز للمحكمة بناء على طلب أحد الطرفين أن تعدل في مقدار التعويض إذا وجدت مبررًا لذلك، أو كان مبالغًا فيه" انتهى من "قرارات المجمع" (ص371) طبعة وزارة الأوقاف القطرية.
وبمثل هذا قالت هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية، إذ جاء في مجلة البحوث الإسلامية (2/143) بعد مناقشة البحوث حول الشرط الجزائي:
" فإن المجلس يقرر بالإجماع: أن الشرط الجزائي الذي يجري اشتراطه في العقود شرط صحيح معتبر يجب الأخذ به، ما لم يكن هناك عذر في الإخلال بالالتزام الموجب له يعتبر شرعًا، فيكون العذر مسقطًا لوجوبه حتى يزول. وإذا كان الشرط الجزائي كثيرًا عرفًا بحيث يراد به التهديد المالي، ويكون بعيدًا عن مقتضى القواعد الشرعية، فيجب الرجوع في ذلك إلى العدل والإنصاف على حسب ما فات من منفعة أو لحق من مضرة. ويرجع تقدير ذلك عند الاختلاف إلى الحاكم الشرعي عن طريق أهل الخبرة والنظر، عملاً بقوله تعالى: (وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) وقوله سبحانه: (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) وبقوله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) وبالله التوفيق، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
وبهذا يتبين أن المشتري له أن يشترط عليكم شرطاً جزائياً إذا تأخرتم عن تسليم السلعة في الوقت المتفق عليه، ولكن ليس لكم أن تشترطوا هذا الشرط عليه إن تأخر في سداد باقي الثمن، ولكم أيضاً أن تشترطوا هذا الشرط الجزائي على الشركة المُصَدِّرة لكم إن حصل منها إخلال بالعقد المتفق عليه بينكم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4911)
عقد مشاركة أصدره بنك المغرب المركزي
[السُّؤَالُ]
ـ[أفتوني في صحة هذا العقد البنكي شرعاً (مشاركة) هل هو جائز؟ وهذه شروط هذا العقد كما أصدرها البنك: المشاركة: المادة 5: - يقصد بالمشاركة كل عقد يكون الهدف منه اشتراك مؤسسة الائتمان بمساهمة في رأسمال شركة موجودة، أو قيد الإنشاء، من أجل تحقيق الربح. - يشارك الطرفان في تحمل الخسائر في حدود مساهمتهما، وفي الأرباح حسب نسب محددة مسبقاً بينهما. - يمكن للمشاركة أن تتخذ إحدى الصيغتين الآتيتين: 1. المشاركة الثابتة: حيث تبقى مؤسسة الائتمان والعميل شريكين داخل الشركة إلى حين انقضاء مدة العقد. 2. المشاركة المتناقصة: حيث تنسحب مؤسسة الائتمان من رأسمال الشركة تدريجيّاً حسب مقتضيات العقد. المادة 6: لا يجوز امتلاك مساهمات من نوع المشاركة إلا في شركات الرساميل. المادة 7: يجب أن يحدد عقد المشاركة بشكل دقيق واجبات وحقوق كل طرف من الطرفين، وكذا الشروط العامة التي تنظم علاقاتهما. وينبغي أن يتضمن شروطا تحدد على الخصوص: - نوع عقد المشاركة. - هدف عملية المشاركة. - مبلغ رأس المال، والنسبة المئوية التي يملكها كل طرف. - مدة عملية المشاركة. - كيفيات توزيع الأرباح حسب النسب المتفق عليها. - الضمانات الممنوحة - إن اقتضى الحال - لمؤسسة الائتمان، من طرف العميل الذي يتولى وحده تسيير الشركة، وذلك لتغطية الخسائر الناتجة عن الإهمال والأعمال المماثلة الأخرى. - شروط وكيفيات حل المشاركة، وتوزيع الأصول. - كيفيات استرجاع مؤسسة الائتمان لمساهمتها في حالة المشاركة المتناقصة. - تغيير مواد القانون الأساسي للشركة لمطابقته مع بنود عقد المشاركة. المادة 8: لا يجوز أن يشمل عقد المشاركة شرطاً يضمن لأحد الأطراف قيمة مساهمته في رأس المال بغض النظر عن نتائج الشركة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه المواد والبنود من إصدار " بنك المغرب المركزي "، وقد أوضحت مذكرة لـ " بنك المغرب المركزي ": أن إعداد هذا العقد قد تمَّ بناء على القواعد التي وضعتها " هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية " (AAOIFI) ، والتي يوجد مقرها بالبحرين، وتشمل هذه الهيئة في عضويتها 155 عضواً، من أكثر من 40 بلداً، وتناط بها مهمة إعداد وإصدار معايير المحاسبة، والمراجعة، والأخلاقيات، ومعايير التدقيق، والمعايير الشرعية للصناعة المصرفية والمالية الإسلامية.
وهذا العقد عليه ملاحظة، تتعلق بـ "المشاركة المتناقصة" فهذه المشاركة ليست مباحة على إطلاقها، بل لا بدَّ من شروط تتوافر فيها حتى تكون مباحة، وقد صدر قرار من مجلس " مجمع الفقه الإسلامي " فيه بيان هذه الشروط، وهذا نص القرار.
"قرار رقم: 136 (2 / 15) : بشأن المشاركة المتناقصة وضوابطها الشرعية:
إن مجلس " مجمع الفقه الإسلامي الدولي "، المنبثق عن " منظمة المؤتمر الإسلامي "، المنعقد في دورته الخامسة عشرة بمسقط - سلطنة عُمان - من 14 إلى 19 المحرم 1425هـ، الموافق 6 - 11 آذار (مارس) 2004 م.
بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع " المشاركة المتناقصة وضوابطها الشرعية "، وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله:
قرر ما يأتي:
1. المشاركة المتناقصة: معاملة جديدة، تتضمن شركة بين طرفين في مشروع ذي دخل، يتعهد فيها أحدهما بشراء حصة الطرف الآخر تدريجياً، سواء كان الشراء من حصة الطرف المشتري في الدخل، أم من موارد أخرى.
2. أساس قيام المشاركة المتناقصة: هو العقد الذي يبرمه الطرفان، ويسهم فيه كل منهما بحصة في رأس مال الشركة، سواء أكان إسهامه بالنقود، أم بالأعيان، بعد أن يتم تقويمها، مع بيان كيفية توزيع الربح، على أن يتحمل كل منهما الخسارة - إن وجدت - بقدر حصته في الشركة.
3. تختص المشاركة المتناقصة بوجود وعد ملزم من أحد الطرفين فقط، بأن يتملك حصة الطرف الآخر، على أن يكون للطرف الآخر الخيار، وذلك بإبرام عقود بيع عند تملك كل جزء من الحصة، ولو بتبادل إشعارين بالإيجاب والقبول.
4. يجوز لأحد أطراف المشاركة استئجار حصة شريكه بأجرة معلومة، ولمدة محددة، ويظل كل من الشريكين مسؤولاً عن الصيانة الأساسية بمقدار حصته.
5. المشاركة المتناقصة مشروعة إذا التُزم فيها بالأحكام العامة للشركات، وروعيت فيها الضوابط الآتية:
أ. عدم التعهد بشراء أحد الطرفين حصة الطرف الآخر بمثل قيمة الحصة عند إنشاء الشركة؛ لما في ذلك من ضمان الشريك حصة شريكه، بل ينبغي أن يتم تحديد ثمن بيع الحصة بالقيمة السوقية يوم البيع، أو بما يتم الاتفاق عليه عند البيع.
ب. عدم اشتراط تحمّل أحد الطرفين مصروفات التأمين، أو الصيانة، وسائر المصروفات، بل تحمَّل على وعاء المشاركة بقدر الحصص.
ج. تحديد أرباح أطراف المشاركة بنسب شائعة، ولا يجوز اشتراط مبلغ مقطوع من الأرباح، أو نسبة من مبلغ المساهمة.
د. الفصل بين العقود والالتزامات المتعلقة بالمشاركة.
هـ. منع النص على حق أحد الطرفين في استرداد ما قدمه من مساهمة (تمويل) " انتهى.
فإن توفرت هذه الشروط في العقد كان جائزا، وإن اختل منها شرط لم يجز ادخول فيما يسمى بـ "المشاركة المتناقصة".
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4912)
هل يأخذ أكثر من الدَّيْن تعويضاً عن تأخيره؟
[السُّؤَالُ]
ـ[اشترى منى شخص مصنع علف صغير ب 14000 جنيه وكتب على نفسه إيصال أمانة على بياض، يُدفع بعد تركيب المصنع عنده وتشغيله، وبالفعل تم ذلك، والمصنع يعمل عنده منذ شهور، ويتهرب من الدفع، وقد شكوته للمحكمة. السؤال: هل يجوز كتابة مبلغ أكبر من 14000 في إيصال الأمانة تعويضا على التأخير والضرر؟ مع العلم أنه ميسور الحال، والمصنع يعمل ويكسب جيدا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يجوز لك أن تكتب أكثر من المبلغ المذكور على سبيل أن الزيادة تعويض عن التأخير، لأن هذا يكون صورة من صور الربا، وقد حرمه الله تعالى تحريماً قطعياً: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) البقرة/275، ولعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه. وقال: هم سواء. رواه مسلم.
وجاء في قرارات "المجمع الفقهي": "إذا تأخر المشتري المدين في دفع الأقساط عن الموعد المحدد فلا يجوز إلزامه أي زيادة على الدين بشرط سابق، أو بدون شرط، لأن ذلك ربا محرم" انتهى من "مجلة المجمع الفقهي" (6/1/445-448) .
ثانياً:
إذا امتنع المدين من سداد الدَّيْن، وكان مليئاً قادراً على السداد، فإنه يتحمل جميع ما أنفقه الدائن من أجل تحصيل دَيْنه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"وإذا كان الذي عليه الحق قادراً على الوفاء، ومطل صاحب الحق حقه، حتى أحوجه إلى الشكاية، فما غرمه بسبب ذلك فهو على الظالم المبطل، إذا كان غرمه على الوجه المعتاد " انتهى من "مجموع الفتاوى" (30/24) .
وعلى هذا، لك أن تزيد على المبلغ المذكور ما أنفقته من أموال من أجل تحصيله، كأتعاب المحامي، بشرط أن يكون المدين ميسور الحال – كما ذكرت – أما إن كان معسراً، ولا يستطيع أداء الدين، فلا يجوز رفع أمره إلى القضاء، بل الواجب عليك إمهاله حتى يغنيه الله، قال الله تعالى: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ) البقرة/280.
وانظر جواب السؤال (106556) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4913)
حكم شراء مقتنيات المشاهير بأموال باهظة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم ما يفعله بعض الناس من إنفاق الأموال الطائلة في شراء ما يسمونه المخلفات الأثرية لبعض الأشخاص المشاهير أو المعظمين من ملابس ومقتنيات كان يقتنيها أو يستعملها ذلك الشهير أو المعظم في حياته، ويدفعون في مقابل الحصول على ذلك مبالغ طائلة قد تصل إلى الملايين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا شك أن هذا عمل محرم من وجوه:
الوجه الأول: أن هذا العمل نوع من الوثنية؛ لأنه يفضي إلى الشرك، والتبرك بتلك الآثار، والتعلق بأصحابها من دون الله عز وجل، وما وقع الشرك في الأمم السابقة إلا بسبب تعظيم آثار عظمائهم وصالحيهم، كما حصل لقوم نوح وغيرهم.
الوجه الثاني: أن بذل الأموال في الحصول على تلك الآثار هو من أعظم الإسراف والتبذير، اللذين حرمهما الله في محكم كتابه، كما قال تعالى: (وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) الإسراء/26، 27، وقال تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأعراف/31.
الوجه الثالث: أنه قد جاء الشرع المطهر بوجوب الحجر على السفهاء والمبذرين لمنعهم من ذلك، قال تعالى: (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا) النساء/5.
فالواجب على ولاة الأمور وضع حد لمثل هذا التصرف المشين، والتوجيه بصرف هذه المبالغ في سبيل الله عز وجل، من كفالة الأيتام وإطعام الفقراء والمساكين وسد عوز المعوزين، وتمويل المشاريع الخيرية العامة. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ صالح الفوزان ... الشيخ بكر أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (26/125) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4914)
المدين المماطل يتحمل النفقات التي أنفقها الدائن من تحصيل دينه
[السُّؤَالُ]
ـ[لي دين على شخص ولكنه مماطل ولا يريد أن يسدد الدين، مع أنه عند أخذ الدين كتب لي وصل أمانة على بياض، وسوف أتقدم بشكوى ضده، فهل لي أن أزيد عن مبلغ الدَّيْن ما سأدفعه للمحامي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إذا كان هذا الشخص معسراً لا يستطيع أداء الدَّيْن، فلا يجوز لك رفع الأمر إلى القضاء، بل عليك أن تمهله حتى يغنيه الله، ويستطيع الأداء، لقول الله تعالى: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ) البقرة/280.
قال السعدي رحمه الله (ص 120) :
" (وَإِنْ كَانَ) المدين (ذُو عُسْرَةٍ) لا يجد وفاء (فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ) وهذا واجب عليه أن ينظره حتى يجد ما يوفي به" انتهى.
وقال الشيخ محمد بن عثيمين:
"ومن فوائد الآية: وجوب إنظار المعسر – أي: إمهاله حتى يوسر، لقول الله تعالى: (فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ) فلا تجوز مطالبته بالدين، ولا طلب الدين منه" انتهى.
"تفسير سورة البقرة" (3/391) .
ثانياً:
إذا كان هذا الشخص قادراً على الوفاء، ولكنه يماطل ويتهرب حتى ألجأك إلى شكايته في المحكمة، فإنه يغرم جميع الأموال التي ستنفقها لأخذ حقك منه، سواء في ذلك أتعاب المحامي أو غيرها.
1- لأن هذه الأموال هو السبب في إنفاقها بمماطلته وظلمه، فكان هو الضامن لها، كما لو أتلفها على صاحبها.
2- ولأن عدم تحميله هذه النفقات يجرئ المدينين على المماطلة، وبذلك يقع الظلم ويكثر، وتضيع على الناس أموالهم.
3- ولأن ذلك قد يؤدي إلى ضياع حقوق الناس وأموالهم، حيث لا يلجأ الدائن إلى المحاكم، لأنه قد ينفق أكثر من الدَّيْن نفسه.
ولكن. . . يجب أن تكون تلك النفقات بالعدل، فلا تبالغ فيها ولا تعطي المحامي أكثر من حقه اعتماداً على أن المدين هو الذي سيغرمها.
وقد نص على ذلك أهل العلم:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"وإذا كان الذي عليه الحق قادراً على الوفاء، ومطل صاحب الحق حقه، حتى أحوجه إلى الشكاية، فما غرمه بسبب ذلك فهو على الظالم المبطل، إذا كان غرمه على الوجه المعتاد " انتهى من "مجموع الفتاوى" (30/24) .
وقال في "كشاف القناع" (3/419) :
"ولو مطل المدينُ ربَّ الحق حتى شكا عليه فما غرمه ربُّ الحق فعلى المدين المماطل، إذا كان غرمه على الوجه المعتاد، لأنه تسبب في غرمه بغير حق" انتهى.
وقال في "شرح المنتهى" (3/441) :
"وما غرم رب دَيْن بسببه أي: بسبب مطل مدين أحوج رب الدَّيْن إلى شكواه، فعلى مماطل، لتسببه في غرمه" انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4915)
انتفاع المرتهن بالرهن
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الحكم الشرعي بهذه الصورة: رهن أحد الأشخاص أرضاً زراعية معلومة المساحة، بمبلغ معين، لأحد الناس، لحين قدرته على سداد المبلغ، ويستلم المرتهن الأرض ويقوم باستثمارها، ويأخذ إنتاجها لنفسه ولا يُعطي الراهن منه شيئاً، وذلك لحين سداد مبلغ الرهن، وقد تطول مدة الرهن إلى عشرات السنين، ولا يُسلِّم المرتهن الأرض لصاحبها إلا بعد أن يأخذ مبلغ الرهن كاملاً. فأولاً: ما حكم هذا الإنتاج الذي يحصل عليه المرتهن طول هذه المدة، هل هو حلال أم حرام؟ وماذا يفعل من فعل هذا إن كان هذا الفعل محرماً هل يجب التوبة منه؟ ثانياً: ما موقف الراهن الذي أجبرته ظروفه المالية على هذا الرهن؟ ثالثاً: ما موقف الشهود على العقد الخاص بهذا الرهن، علماً أن الراهن يُقر في هذا العقد بأنه أباح للراهن منفعة هذه الأرض بلا حصة ولا أجرة لحين تسديد المبلغ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"انتفاع المرتهن بالرهن فيه تفصيل:
أولاً: إذا كان انتفاعه به بغير إذن الراهن فهذا لا يجوز بحال، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبةٍ من نفسه) ولقوله صلى الله عليه وسلم: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا) وقوله صلى الله عليه وسلم: (كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه) والأحاديث في هذا كثيرة، فلا يجوز للمرتهن أن ينتفع بالرهن بغير إذن الراهن.
قال في المغني: لا نعلم في هذا خلافاً يعني بين أهل العلم.
أما إذا أذن الراهن للمرتهن بالانتفاع بالرهن، فإن كان الدَّيْن، دَيْنَ قرض، فإنه لا يجوز للمرتهن أن ينتفع بالرهن، وإن أذن الراهن، لأن هذا يُصبح من الربا، لقوله صلى الله عليه وسلم: (كل قرضٍ جر نفعاً فهو رباً) والحديث وإن كان فيه مقال؛ ولكن إجماع أهل العلم على ذلك، أن المقرض لا يجوز أن ينتفع من مال المقترض بسبب القرض، فيكون هذا من الربا، ولا يجوز كتابة هذا الشيء ولا الشهادة عليه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم (لعن آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه) ، وهذا من الربا.
فإذا كان الدين قرضاً، ورهن المقترض شيئاً عند المقرض فلا يجوز له الانتفاع به، سواء أذن أو لم يأذن، لأن هذا من الربا.
أما إذا كان الدين غير قرض، بأن كان ثمن مبيع مثلاً، وما أشبه ذلك، وأذن له الانتفاع به، فلا حرج عليه في ذلك، لعدم المحذور" انتهى.
والله أعلم
"مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (2/505) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4916)
إذا طلبت من الخياط تفصيل عباءة ثم ماتت هل يلزم الورثة دفع الثمن؟
[السُّؤَالُ]
ـ[في حال لو قمت بتفصيل لبس معين كالعباءة مثلاً , ودفعت للخياط ثلث المبلغ, وحدث لا قدر الله وفاة , هل يلزم على الأهل دفع كامل المبلغ لهم على الرغم من أن العباءة عندهم ولم آخذها منهم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا كان القماش منك، والتفصيل من الخياط، فهذا عقد إجارة، لا ينفسخ بالموت، في قول جمهور الفقهاء.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (5/271) : "وإذا مات المُكْرِي والمُكْتَري (أي: المؤجر والمستأجر) , أو أحدهما , فالإجارة بحالها، هذا قول مالك والشافعي وابن المنذر" انتهى.
وعليه؛ فيلزم الورثة دفع بقية الأجرة من التركة، ويأخذون العباءة، وتكون من جملة تركة الميت.
ثانيا:
وإذا اشتريت القماش من المحل، واشترطت خياطته وتفصيله عباءة، فهذا بيع وشرط، وهو جائز، والعقد فيه ملزم للطرفين، ولا ينفسخ بالموت أيضا.
ثالثا:
وإذا كان القماش والعمل من الخياط، صفقة واحدة، كأن يقال للخياط أريد عباءة من هذا النوع من القماش، فهذا عقد استصناع، وقد قرر مجمع الفقه الإسلامي أنه عقد صحيح وملزم للطرفين. "مجلة مجمع الفقه الإسلامي" (7/2/777) .
وعليه؛ فيلزم الخياط أن يتم عمل العباءة، ويلزم الورثة دفع بقية الثمن من التركة، إلا إذا تراضى الطرفان على فسخ العقد بعد حصول الوفاة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4917)
حصل خطأ في تاريخ ميلاده وسيستفيد به مالا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[تاريخ ميلادي مسجل في بطاقتي الشخصية والصادرة في بلد آخر هو 1 من الشهر السابع الميلادي. وقد جرى تحويل ذلك التاريخ في إدارة الأحوال المدنية السعودية إلى ما يقابله في التاريخ الهجري. ثم جرى تحويله مرة أخرى إلى التاريخ الميلادي في نفس الإدارة ربما لأغراض تدوين المعلومات باللغة الانجليزية في جواز السفر أو أمور أخرى. ولكني لاحظت أنه أصبح, لسبب لا أعلمه, ربما يكون بسبب استخدام أدوات تحويل مختلفة, 2 من الشهر السابع بعد أن كان الأول منه. وأصبح رسميا هكذا. والسؤال هو هل علي من حرج في استعمال التاريخ الجديد وهو المدون في السجلات الرسمية حاليا؟ وسبب طرحي هذا السؤال يتعلق باحتساب مستحقات نهاية الخدمة وراتب التقاعد عند تقاعدي من الخدمة لأن الشركة التي أعمل بها قررت توحيد موعد منح الزيادات السنوية لكل الموظفين في 1/7 من كل عام. لذلك إذا احتسب تاريخ ميلادي في 1/7 فسيكون تاريخ التقاعد إن شاء الله تعالى في 30/6 قبل موعد الزيادة السنوية وستحسب المستحقات على أساس المرتب قبل الزيادة. أما إذا احتسب ميلادي الرسمي في 2/7 فسيكون تاريخ نهاية الخدمة 1/7 إن شاء الله تعالى وعلى ذلك فستدخل الزيادة الجديدة في الحسبة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان تغيير تاريخ الميلاد من 1/7 إلى 2/7 قد تم بغير طلب منك، بل بفعل إدارة الأحوال المدنية، فلا حرج عليك في استعمال هذا التاريخ، وأخذ ما ترتب عليه من زيادة الراتب والمستحقات؛ لأنه لا يد لك في ذلك.
وإن أمكن مراجعة الأحوال المدنية، وتصحيح التاريخ، فهذا أولى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4918)
الأخذ ممن يتعامل بالحرام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لي الأخذ من مال رجل يتعامل بالربا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه المسألة مما اختلف فيه السلف رحمهم الله؛ فبعضهم رخص في ذلك، وبعضهم منع منه، وفَصَّلَ بعض أهل العلم بين من كان أكثر ماله الحرام، فينبغي اجتنابه، وجوبا أو استحبابا، وبين من كان أكثر ماله الحلال، فتجوز معاملته والأكل من ماله.
[انظر تفصيل المسألة في جامع العلوم والحكم، لابن رجب، شرح الحديث السادس] .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: هل يجوز أخذ الهدية من رجل يتعامل بالربا؟
فقال رحمه الله:
(القاعدة أن ما حرم لكسبه، فهو حرام على الكاسب فقط، دون من أخذه بطريق مباح؛ وقد قبل النبي صلى الله عليه وسلم الهدية من اليهود؛ فقد أهدته المرأة الشاة بخيبر، وعاملهم، ومات ودرعه مرهونة عند يهودي، مع أنهم يتعاملون بالربا، كما أخبر الله تعالى عنهم: (فَبِظُلْمٍ مِنْ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا * وَأَخْذِهِمْ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) النساء/160-161.
فعلى هذا يجوز قبول الهدية ممن يتعامل بالربا، وأيضا يجوز معه البيع والشراء، إلا إذا كان في هجره مصلحة، فنعم، فنمتنع من هذا لأجل المصلحة.
أما ما حرم لعينه، فهو حرام على الآخذ وغيره.
فالخمر ـ مثلا ـ لو أهداها إليَّ يهودي أو نصراني، ممن يرون إباحة الخمر، فلا يجوز قبولها، لأنها حرام لعينها.
وكذلك لو سرق شخص مالا وأعطى غيره منه، فلا يجوز قبوله منه، لأن هذا المال حرام لعينه) . لقاءات الباب المفتوح، اللقاء الثاني 1/76 بتصرف يسير.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4919)
تحويل النقود عن طريق البنك الربوي أو عن طريق شخص بأجرة
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن نعمل بالمملكة العربية السعودية ومجبرون على استخدام البنوك لإرسال أموالنا للوطن. وحتى لو قمنا بإرسال الأموال من خلال بنك البلاد أو بنك الراجحى ويبدو أنهما بنكان إسلاميان فإن جميع البنوك ببلدنا هى بنوك ربوية ونخشى أن يستخدم البنك أموالنا فى معاملات ربوية. وكبديل لذلك فإن أحد رجال أعمال بلدنا العاملين معنا هنا بالمملكة لديه بعض الأموال بالوطن ونود أن نعرف ما إذا كان يجوز لنا أن نرسل الأموال بواسطته وسيزيد ما يتقاضاه عن معدل مايتقاضاه البنك بريالين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يجوز تحويل الأموال عن طريق البنوك، ولو كانت ربوية؛ لدعاء الحاجة إلى ذلك، وعموم البلوى به، لكن ينبغي المسارعة في أخذ المال حال وصوله؛ حتى لا يستفيد منه البنك في معاملاته الربوية.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء هل يحل للمسلم أن يتعامل مع البنوك الحالية التي تعطي زيادة على رأس المال أو تزود المقترض؟
فأجابوا: لا يجوز للشخص أن يودع نقوده عند البنك، والبنك يعطيه زيادة مضمونة سنويا -مثلا- ولا يجوز أيضا أن يقترض من البنك بشرط أن يدفع له زيادة، في الوقت الذي يتفقان عليه لدفع المال المقترض، كأن يدفع له عند الوفاء زيادة خمسة في المائة، وهاتان الصورتان داخلتان في عموم أدلة تحريم الربا من الكتاب والسنة والإجماع، وهذا واضح بحمد الله.
وأما التعامل مع البنوك بتأمين النقود بدون ربح وبالتحويلات، فأما بالنسبة لتأمين النقود بدون ربح؛ فإن لم يضطر إلى وضعها في البنك فلا يجوز أن يضعها فيه؛ لما في ذلك من إعانة أصحاب البنوك على استعمالها في الربا، وقد قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) سورة المائدة الآية 2، وإن دعت إلى ذلك ضرورة فلا نعلم في ذلك بأسا إن شاء الله.
وأما بالنسبة لتحويل النقود من بنك لآخر ولو بمقابل زائد يأخذه البنك المحول فجائز؛ لأن الزيادة التي يأخذها البنك أجرة له مقابل عملية التحويل " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (13/369)
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " إذا دعت الضرورة إلى الحفظ عن طريق البنوك الربوية فلا حرج في ذلك إن شاء الله؛ لقوله سبحانه: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) ولا شك أن التحويل عن طريقها من الضرورات العامة في هذا العصر، وهكذا الإيداع فيها للضرورة بدون اشتراط الفائدة، فإن دُفعت إليه الفائدة من دون شرط ولا اتفاق, فلا بأس بأخذه لصرفها في المشاريع الخيرية كمساعدة الفقراء والغرماء ونحو ذلك لا ليمتلكها أو ينتفعَ بها، بل هي في حكم المال الذي يضر تركه للكفار بالمسلمين مع كونه من مكسب غير جائز، فصرفه فيما ينفع المسلمين أولى من تركه للكفار يستعينون به على ما حرم الله، فإن أمكن التحويل عن طريق البنوك الإسلامية أو من طرق مباحة لم يجز التحويل عن طريق البنوك الربوية، وهكذا الإيداع إذا تيسر في بنوك إسلامية أو متاجر إسلامية لم يجز الإيداع في البنوك الربوية لزوال الضرورة، ولا يجوز للمسلم أن يعامل الكفار ولا غيرهم معاملة ربوية ولو أراد عدم تملك الفائدة الربوية بل أراد صرفها في مشاريع خيرية؛ لأن التعامل بالربا محرم بالنص والإجماع فلا يجوز فعله ولو قصد عدم الانتفاع بالفائدة لنفسه، والله ولي التوفيق " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (19/194) .
ثانيا:
يجوز إعطاء المال لمن يحمله إلى بلدك مقابل أجرة معلومة، ولو كانت أكثر من أجرة البنك، لكن ينبغي التأكد من أن هذا الشخص سيحمل المال بنفسه، ولا يرسله عن طريق البنك، حتى لا يضيع مالك من غير فائدة.
وينبغي أيضاً أن تعلم أن المستأجَر لحمل الأموال، أمين فلا يضمن الأموال التي طُلب منه نقلها إن ضاعت أو سُرِقت إلا إذا حصل منه تقصير في حفظها أو تصرَّف فيها تصرفاً لم يُؤْذَن له فيه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4920)
عليه قرض ربوي ويريد إحالة البنك على شخص مدين له
[السُّؤَالُ]
ـ[اقترض رجل قرضا ربوياً بقيمة 35000 دينارا من إحد المصارف الربوية على أن يسدها 40000 دينار وبنى بها بيتا ودفع نصف المبلغ أي 20000 دينار على مدى سنوات وأراد أن يبيع هذا البيت فهل يجوز لي أن أشتري هذا البيت وأن أنقل ما تبقى من قيمة القرض على ذمتي؟ أي أن أذهب مع البائع وأتعهد للمصرف بسداد هذه القيمة وهى 20000 دينار المتبقية (أي بمعنى آخر أنني أسد نفس القيمة التي أوقع عليها دون زيادة) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا اشتريت هذا البيت، وكان ثمنه 20000 ألفا، أو أكثر من ذلك، لكن سددت بعضه، وبقي عليك 20000 ألفا، وكان صاحب البيت مدينا للبنك بمثل هذا المبلغ، فالأصل جواز الحوالة في مثل هذا، أي أن صاحب البيت يحيل البنك عليك، فتصبح أنت المطالب بالسداد للبنك، ويبرأ هو من الدين.
والأصل فيها قوله صلى الله عليه وسلم: (مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ، فَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيٍّ فَلْيَتْبَعْ) رواه البخاري (2287) ومسلم (1564) .
فالحوالة: نقل الدين من ذمة المُحيل إلى ذمة المحال عليه. الموسوعة الفقهية (18/169) .
لكن إذا كان البنك ربويا، ويشترط غرامة أو فائدة على التأخير، وكان قبولك للحوالة يعني التزامك بهذا الشرط، لم يجز لك قبولها؛ لما في ذلك من التزام الربا، وإقراره.
وعليه؛ فتسدد الأقساط لصاحب البيت، فإذا أخذها قضى بها دينه.
أما إن كان البنك لا يشترط غرامة على التأخير، فلا حرج عليك حينئذ.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4921)
تخزين كروت شحن الجوال هل يعد احتكارا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز تخزين كروت الشحن للجوال، وعدم بيعها الآن رغبة في أن يرتفع سعرها أم هذا يعتبر احتكارا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اختلف أهل العلم فيما يجرى فيه الاحتكار، فمنهم من جعله في القوت خاصة.
ومنهم من أجراه في كل ما يحتاجه الناس ويتضررون بحبسه، وهذا مذهب المالكية ورواية عن أحمد، وهو الصحيح الموافق لظاهر الأحاديث.
قال الشوكاني رحمه الله تعالى في "نيل الأوطار" (5/262) :
"وظاهر الأحاديث أن الاحتكار محرم، من غير فرق بين قوت الآدمي والدواب وبين غيره، والتصريح بلفظ الطعام في بعض الروايات لا يصلح لتقييد بقية الروايات المطلقة، بل هو من التنصيص على فرد من الأفراد التي يطلق عليها المطلق" انتهى.
وقال الرملي الشافعي في حاشيته على "أسنى المطالب" (2/39) : "ينبغي أن يجعلوه في كل ما يحتاج إليه غالباً من المطعوم والملبوس" انتهى.
وهذا ما يتفق مع الحكمة التي من أجلها منع الاحتكار، وهي منع الإضرار بالناس، وبهذا القول أفتت اللجنة الدائمة للإفتاء (13/184) حيث قالت: " لا يجوز تخزين شيء الناس في حاجة إليه، ويسمى الاحتكار؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحتكر إلا خاطئ) رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه، ولما في ذلك من الإضرار بالمسلمين.
أما ما كان الناس في غنى عنه، فيجوز تخزينه حتى يُحتاج إليه فيبذل لهم، دفعاً للحرج والضرر عنهم " انتهى.
وللفائدة ينظر جواب سؤال رقم (85195) .
وبناء على ذلك، فإن كان تخزين هذه الكروت لا يضر بالناس؛ لأنهم يستغنون عنها بغيرها، فلا حرج في تخزينها ولا يدخل ذلك في الاحتكار حينئذ.
وأما إن كان عدم بيعها الآن يضر الناس، ويقعون في حرج وضيق؛ لعدم وجود البديل لها، مما يضطرهم إلى دفع أكثر من ثمنها المعتاد من أجل الحصول عليها، فهذا احتكار محرم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4922)
انتفاع المقترض بسكن البيت المرهون مقابل أجر زهيد
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد عندنا نظام رهن البيوت وهو كالتالي: يتم رهن البيت مقابل أخذ مبلغ محدد مقداره مثلا مليون ليرة أو أقل أو أكثر مقابل السكن في البيت لمدة محدودة سنة أو سنتين مثلاً، وبعد انقضاء الفترة يتم إعادة المبلغ نفسه بدون زيادة أو نقصان مع أخذ إيجار زهيد جدا سنويا $100 فهل هذا حلال أم حرام؟ وهل يعتبر هذا شكلاً من أشكال الربا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان المقصود أنك تقترضين مليون ليرة مثلا، وترهنين بيتك، ويقوم المقرض بسكنى البيت مقابل إيجار زهيد 100$ سنويا، فهذا ربا؛ لأنه من باب " قرض جر نفعا "، فالمقرض ينتفع بسكنى البيت مع دفع إيجار زهيد لا يساوي أجرة المثل.
فإذا كانت أجرة المثل 200$ سنويا مثلا، لكن المقرض دفع 100$ فقط، فيكون انتفع بـ 100$ لأجل أنه أقرضك، وقد اتفق الفقهاء على أن كل قرض جر نفعا فهو ربا.
قال ابن قدامة رحمه الله: " وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف. قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المُسلف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية، فأسلف على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلك ربا. وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس وابن مسعود أنهم نهوا عن قرض جر منفعة " انتهى من "المغني" (6/436) .
وقد ذكر ابن قدامة رحمه الله أنه لا يجوز للمقرض أن ينتفع بالرهن من غير أن يدفع أجرة ذلك، لأنه يكون قرضا جَرَّ منفعة، وذلك حرام.
ونقل عن الإمام أحمد أنه قال: أكره قرض الدور , وهو الربا المحض. قال ابن قدامة: يعني: "إذا كانت الدار رهنا في قرض ينتفع بها المقترض".
فأما إن كان الانتفاع بعوض , مثل إن استأجر المقرض الدار من المقترض بأجرة مثلها , من غير محاباة , جاز لكونه ما انتفع بالقرض.
وإن حاباه (يعني أخذ منه أقل من أجره المثل) فلا يجوز ذلك.
انظر: "المغني" (4/250) .
ومنه يعلم أنه لا يجوز محاباة المقرض في الأجرة، بل تؤخذ منه أجرة المثل، وإلا وقعتما في الربا. والربا محرم ولو كان برضا الطرفين.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: تنتشر في بعض قرى مصر عادة رهن الأراضي الزراعية، إذ يقوم الرجل الذي يحتاج إلى مال بأخذ المال من الرجل الذي يملك المال، وفي مقابل أخذ المال يأخذ صاحب المال الأرض الزراعية التي هي ملك للمدين كرهن، ويأخذ صاحب المال الأرض وينتفع بثمارها وما تدره الأرض، ولا يأخذ صاحب
الأرض من الأرض شيئا، وتظل الأرض الزراعية تحت تصرف الدائن حتى يدفع المدين المال لصاحبه. فما حكم ذلك
فأجابوا:
" من أقرض قرضا فإنه لا يجوز له أن يشترط على المقترض نفعا في مقابل القرض؛ لما روي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: (كل قرض جر نفعا فهو ربا) ، وقد أجمع العلماء على ذلك، ومن ذلك ما ذكر في السؤال من رهن المقترض للمقرض الأرض، وانتفاعه بها إلى تسديد القرض الذي له على صاحب الأرض، وهكذا لو كان له عليه دين، لم يجز لصاحب الدين أن يأخذ غلة الأرض أو الانتفاع بها في مقابل إنظار المدين، ولأن المقصود من الرهن الاستيثاق لحصول القرض أو الدين، لا استغلال الرهن في مقابل القرض أو الإهمال في تسديد الدين. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (14/177)
تنبيه:
ولو كان المقصود أنك تسكنين في البيت الذي هو ملك وقد جعلتيه رهناً وتدفعين هذا الإيجار الزهيد 100$ سنويا للمقرض، فإنه لا يجوز أيضا، لأن المقرض لا يجوز له أن يأخذ شيئا في مقابل قرضه ولو كان شيئا يسيرا، والرهن إنما هو لحفظ حقه فقط، لا يستفيد من ورائه شيئا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4923)
يشتري كل المعروض في السوق ليتحكم في السعر
[السُّؤَالُ]
ـ[يقوم أحد الأشخاص الذين يعملون في التجارة عندنا إذا أحس أن هناك نوعًا من البضائع بدأ سعره يتحسن في السوق يقوم بشراء كل ما في السوق من تلك البضاعة ويتحكم في سعرها بالزيادة أكثر، فما حكم هذا العمل؟ وهل ما يكسبه بهذه الطريقة حلال أم حرام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أن الذي يضايق المسلمين فيما يحتاجون إليه من السلع الضرورية ويشتريها كلها من السوق ويضطر الناس إلى أن يشتروها منه بثمن مرتفع يتحكم فيهم لا شك أن هذا لا يجوز وهو احتكار منهي عنه، ويجب الأخذ على يده ومنعه من ذلك، إذا كان الأمر كما ذكر السائل أنه ليس هناك في السوق غير هذه السلعة التي يحتاج إليها الناس وهو يشتريها ويحضرها عنده ليتحكم فيها فهذا أمر لا يجوز ويجب على ولاة الأمور منعه من ذلك، أما إذا كانت هذه السل من الكماليات والناس ليسوا في حاجة إليها أو كان هناك سوق آخر وسلع أخرى والناس يجدون غيرها في مكان آخر من غير مشقة عليهم فإن هذا لا يحرم، ولكن لا ينبغي للمسلم أن يضايق الناس.
"المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان " (3 / 60)
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4924)
تأخرت شركته في إعطائه رواتبه فماذا يصنع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في شركة لم تسدد لي رواتبي منذ شهرين، أي: سبتمبر، وأكتوبر، وعندما راجعت المالك (صاحب الشركة) قال: إذا صار فيه بيع وشغل أعطيك راتبك، وإذا ما جبت ليس لك شيء؟ وأنا متزوج وعليَّ التزامات مالية وديون قد كسرت ظهري وقلبي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الواجب على صاحب العمل أن يتقي الله تعالى في الموظفين، وأن يدفع لهم رواتبهم دون نقص أو تأخير، وهو مقتضى العقد الذي بينه وبينهم.
وقد بيَّنا حرمة فعل بعض أصحاب الشركات الذين يظلمون موظفيهم بتأخير رواتبهم في جواب السؤال رقم (60407) .
وننبه إلى أن ذلك المنع من إعطاء الرواتب إن كان – فعلاً – لعجز الشركة عن دفع الرواتب بسبب عدم توفر النقد: فإنها معذورة؛ لقوله تعالى: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) البقرة/280، وأما إذا كان صاحب الشركة متهاوناً أو مماطلاً فإنه يكون ظالماً؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ) رواه البخاري (2400) ومسلم (1564) .
والمطل: هو تأخير أداء الحق الواجب من غير عذر.
فهذا الحديث يدل على أن المماطلة إذا كانت من غني فهي ظلم وحرام، وإذا كانت من فقير أو عاجز عن السداد فليست بظلم ولا حرام.
"شرح مسلم للنووي"
ثانياً:
وأما بالنسبة لك أخي السائل: فإن كان أصحاب الشركة مماطلين لا عاجزين: فأمامك عدة حلول، منها:
1. أن تنصح صاحب العمل برفق ولين لعل الله أن يلين قلبه، ويهديه لأداء الحقوق لأصحابها، وإذا كان صاحب العمل لا يرضى من الموظفين عنده أن يضيعوا حقه ويتهاونا في العمل، فليعامل الناس بمثل ما يحبّ أن يعاملوه به، فعليه أن لا يظلمهم ولا يتهاون في أداء حقوقهم.
2. أن تصبر على هذا الظلم إلى أن ييسر الله لك وتأخذ حقك كاملاً.
3. أن ترفع أمرك إلى المحكمة الشرعية، أو لدائرة العمل؛ لتستوفي لك حقك.
4. أن تقدِّم استقالتك من هذه الشركة، وتبحث عن عملٍ آخر.
5. وقبل كل ذلك وبعده عليك بدعاء الله تعالى وسؤاله أن ييسر لك أمرك وأن يهدي صاحب العمل ويلين قلبه.
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4925)
الفقر وآثاره السيئة ووسائل القضاء عليه في الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف حارب الإسلام الفقر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الفقر من المصائب التي قدَّر الله وقوعها، إما على شخص بعينه أو أسرة أو مجتمع، وللفقر آثاره السيئة على الاعتقاد والسلوك، فإن كثيراً من المنصرين يستغلون فقر الشعوب وقلة ذات يدهم لنشر النصرانية في صفوفهم، وكذا فإنه ينتشر بسبب الفقر من الأخلاق الرذيلة الشيء الكثير؛ وذلك لجبر فقرهم، وسد حاجتهم، فينتشر بينهم السرقة، والقتل، والزنا، وبيع المحرمات، ولا شك أن لتلك الأمور أثرها السيئ على الفرد والمجتمع، وقد ذكر الله تعالى عن المشركين أن بعضهم كان يقتل ولده فلذة كبده إما من الفقر الذي يعيشه، أو خشية أن يصيبه الفقر! ، قال تعالى في الصنف الأول: (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) الأنعام/من الآية151، وقال تعالى في الصنف الثاني: (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً) الإسراء/31.
وقد ورد في الصحيحين قصة المرأة من بني إسرائيل عندما احتاجت لمال وضاقت عليها الأرض فلم تجد إلا ابن عمها الذي راودها عن نفسه مقابل أن يعطيها المال، ثم نجاها الله تعالى بعد أن ذكَّرته بالله تعالى وخوفته به.
وعلى كل حال: فقد أصبح أمراً معروفاً أن الفقر ينتج الجرائم والفساد، ولذا فإن الأمم تعاني منه، وعبثاً تحاول إيجاد الحلول له، ولا حلَّ له إلا بالإسلام، الذي جاءت أحكامه للناس جميعاً، وإلى قيام الساعة.
ثانياً:
ومن الوسائل التي وردت في شرعنا المطهَّر لحل مشكلة الفقر ومحاربتها:
1. تعليم الناس الاعتقاد الصحيح بأن الرزق من الله تعالى، وأنه هو الرزاق، وأن كل ما يقدِّره الله تعالى من المصائب فلحكمٍ بالغة، وعلى المسلم الفقير الصبر على مصيبته، وبذل الجهد في رفع الفقر عن نفسه وأهله.
قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) الذاريات/58، وقال تعالى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) هود/6، وقال تعالى: (أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ) الملك/21، وقال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) الإسراء/70.
ومن شأن هذه الاعتقادات أن تصبِّر الإنسان على ما يصيبه من فقر، وأن يلجأ إلى الله تعالى وحده في طلب الرزق، وأن يرضى بقضاء الله، ويسعى بطلب الرزق.
عَنْ صُهَيْبٍ الرومي رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ) .
رواه مسلم (2999) .
ويمكننا أن نعرف أثر هذه العقيدة على المسلمين من خلال النظر في واقع غيرهم، ففي اليابان – مثلاً – انتحر في عام 2003 ثلاثة وثلاثون ألفاً! ومن أبرز الأسباب: البطالة! ففي تقرير في موقع " البي بي سي " بتاريخ 1 / 9 / 2004 م قالوا:
وتشير الإحصاءات الرسمية إلى أن ثلاثة وثلاثين ألف شخص قتلوا أنفسهم العام الماضي في اليابان، ويقول المسؤولون اليابانيون: إن من بين أسباب ارتفاع معدلات الانتحار حالة الكساد الاقتصادي التي تمر بها اليابان، والتي تعد الأسوأ منذ خمسين عاماً، وأدت إلى ارتفاع معدلات البطالة إلى مستويات غبر مسبوقة، فارتفع عدد حالات الإصابة بالاكتئاب، وخاصة بين الرجال في مرحلة الكهولة. انتهى
قال تعالى: (إِِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً) الإسراء/30.
قال ابن كثير – رحمه الله -:
وقوله تعالى (إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ) إخبار أنه تعالى هو الرزاق، القابض، الباسط، المتصرف في خلقه بما يشاء، فيُغني من يشاء، ويُفقر من يشاء، بما له في ذلك من الحكمة؛ ولهذا قال: (إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا) أي: خبير بصير بمن يستحق الغنى، ومن يستحق الفقر ... .
وقد يكون الغنى في حق بعض الناس استدراجًا، والفقر عقوبة، عياذًا بالله من هذا وهذا.
" تفسير ابن كثير " (5 / 71) .
2. الاستعاذة بالله تعالى من الفقر.
وقد ورد في السنة ما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم، ويعلِّمه أمته، وهو الاستعاذة بالله تعالى من الفقر؛ لما له من أثر على النفس، والأسرة، والمجتمع.
عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: كَانَ أَبِي يَقُولُ فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ " اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْكُفْرِ وَالْفَقْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ " فَكُنْتُ أَقُولُهُنَّ، فَقَالَ أَبِي: أَيْ بُنَيَّ عَمَّنْ أَخَذْتَ هَذَا؟ قُلْتُ: عَنْكَ، قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُهُنَّ فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ.
رواه النسائي (1347) ، وصححه الألباني في " صحيح النسائي ".
وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْكَسَلِ وَالْهَرَمِ وَالْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ النَّارِ وَعَذَابِ النَّارِ وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْغِنَى وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْفَقْرِ) .
رواه البخاري (6007) ومسلم (589) .
3. الحث على العمل، والكسب، والمشي في الأرض لكسب الرزق.
قال تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) الملك/15، وقال تعالى: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) الجمعة/10.
عَنْ الْمِقْدَامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ) .
رواه البخاري (1966) .
عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ الْحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَبِيعَهَا فَيَكُفَّ اللَّهُ بِهَا وَجْهَهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ) .
رواه البخاري (1402) .
4. إيجاب الزكاة في أموال الأغنياء.
وقد جعل الله تعالى للفقراء نصيباً في الزكاة، ويُعطى الفقير تمليكاً، ويُعطى حتى يغتني، ويزول فقره.
قال تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) التوبة/60، وقال تعالى: (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ. لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) المعارج/24، 25.
5. الحث على الصدقات، والأوقاف، وكفالة الأيتام والأرامل.
قال تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) سورة التغابن الآية 16، وقال تعالى (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) سورة سبأ الآية 39، وقال تعالى وقوله سبحانه وتعالى: (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا) سورة المزمل الآية 20.
عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَتِرَ مِنْ النَّارِ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ) .
رواه البخاري (1347) ومسلم (1016) – واللفظ له -.
عَنْ سَهْل بنِ سَعْد قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَأَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا - وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا -) .
رواه البخاري (4998) .
ومسلم (2983) من حديث أبي هريرة بلفظ قريب.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ الْقَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهَارَ) .
رواه البخاري (5038) ومسلم (2982) .
6. تحريم الربا والقمار، والغش في البيع.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278، 279، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) المائدة/90.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا فَقَالَ مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟ قَالَ: أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ؟ مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي.
رواه مسلم (102) .
وهذه الأمور من شأن وجودها وانتشارها بين الناس أن تأخذ أموال الناس بالباطل، وقد يفقد الناس أموالهم كلها بسببها، لذا جاءت النصوص البينة بتحريمها.
7. الحث على إعانة المحتاج، والوقوف بجانب الضعيف.
عَن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى)
رواه البخاري (5665) ومسلم (2586) .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(ليس المسلم الذي يشبع ويجوع جاره) .
رواه البيهقي في الشعب (9251) وغيره، وحسنه الألباني.
وفي موطأ الإمام مالك (1742) عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَدْرَكَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَمَعَهُ حِمَالُ لَحْمٍ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟
فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَرِمْنَا إِلَى اللَّحْمِ فَاشْتَرَيْتُ بِدِرْهَمٍ لَحْمًا!!
فَقَالَ عُمَرُ: أَمَا يُرِيدُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَطْوِيَ بَطْنَهُ عَنْ جَارِهِ أَوْ ابْنِ عَمِّهِ؟!! أَيْنَ تَذْهَبُ عَنْكُمْ هَذِهِ الْآيَةُ: (أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمْ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا) .
وبعد:
فهذه لمحة عن حقيقة الفقر، وفيها إشارة إلى بعض آثاره السيئة، والمسلم يعلم أن الفقر والغنى، والعطاء والمنع، من تقدير الله تعالى، فيصبر الضراء متى نزلت، ويشكر الله تعالى على السراء إن أدركته، لكنه مطلوب منه العمل والتكسب لرفع الفقر عن نفسه وأهله، ومن عجز لظرف بدنه أو بلده: فإن الإسلام يرفع فقره بزكاة الفقراء وصدقاتهم، وهو حق له في أموالهم.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4926)
هل يجوز تأجير البيت المرهون؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أحد المنسوبين لدى شركه أرامكو والشركة تقدم قرضا بدون فوائد لإنشاء بيت يتم سداده بحسم تلقائي من راتبي الشهري يصل إلي 15 سنة، والأرض توفرها الشركة مجانا. هل يجوز لي تأجير جزء (دور) من البيت والسكن في الآخر؟ علماً بأن الصك مرهون لصالح الشركة إلى الانتهاء من تسديد القرض. والاتفاقية الموقع عليها مع الشركة في المادة التاسعة تقول: لا يجوز لك تأجير البيت أو بيعه أو رهنه أو انتقاله على أي نحو آخر قبل الانتهاء من تسديد كامل القرض المستدان إلا بإذن خطي مسبق من الشركة على أن يكون للشركة الحق باتخاذ أي إجراءات تراها مناسبة إذا أخللت بأي شرط من شروط هذه الاتفاقية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا معناه أن الأرض مرهونة لدى الشركة حتى يتم سداد القرض، وقد اختلف العلماء في جواز تأجير الراهن (صاحب الرهن) العين المرهونة بدون إذن المرتهن (صاحب الدين) .
فذهب بعضهم إلى أنه لا يجوز ذلك، وهو مذهب الإمامين أبي حنيفة وأحمد.
وذهب آخرون إلى جواز تأجيره مدة تنتهي قبل حلول الدين، وهو مذهب الإمامين مالك والشافعي.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (4/254) .: " وليس للراهن الانتفاع بالرهن , باستخدام , ولا وطء , ولا سكنى , ولا غير ذلك ولا يملك التصرف فيه , بإجارة , ولا إعارة , ولا غيرهما , بغير رضا المرتهن. وبهذا قال الثوري وأصحاب الرأي. وقال مالك وابن أبي ليلى والشافعي , وابن المنذر: للراهن إجارته وإعارته مدة لا يتأخر انقضاؤها عن حلول الدين " انتهى.
ولا شك أن المقصود من الرهن توثقة الدين، وأن الشركة من حقها بيع الرهن وأخذ القرض من ثمنه إذا جاء وقت السداد وامتنع المدين من السداد، أو تعذر عليه السداد.
وهذه التوثقة تقل إذا كان البيت المرهون مؤجراً، لصعوبة إخراج المستأجر، فقد يمتد ذلك إلى سنوات، مع ما فيه من إنفاق الأموال والجهد والوقت حتى يتم ذلك.
ولهذا فإن للشركة الحق أن تشترط على المدين ألا يؤجر البيت، لأن هذه الإجارة وإن كانت لا تبطل حق الشركة ولكنها تضعف توثيق الدين بلا شك، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وَالْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا) رواه الترمذي (1352) وأبو داود (3594) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
فإذا وافق المدين على هذا الشرط لزمه الوفاء به.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4927)
الاحتكار المحرم يكون في كل ما يحتاج الناس إليه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الاحتكار يكون في القوت والطعام فقط، أم ممكن يكون في باقي السلع؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الاحتكار محرم، ودل على تحريمه ما رواه مسلم في صحيحه عن معمر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحتكر إلا خاطئ) .
قال النووي رحمه الله تعالى: قال أهل اللغة الخاطئ هو العاصي الآثم وهذا الحديث صريح في تحريم الاحتكار. انتهى.
وإنما حرم الشرع الاحتكار لما فيه من الإضرار بالناس.
وقد اختلف أهل العلم فيما يجرى فيه الاحتكار فمنهم من يقول هو في القوت خاصة.
ومنهم من يرى أنه يجرى في كل ما يحتاجه الناس ويتضررون بحبسه، وهذا مذهب المالكية ورواية عن أحمد. وهذا القول هو الصحيح الموافق لظاهر الأحاديث.
قال الشوكاني رحمه الله تعالى في "نيل الأوطار" (5/262) :
"وظاهر الأحاديث أن الاحتكار محرم من غير فرق بين قوت الآدمي والدواب وبين غيره، والتصريح بلفظ الطعام في بعض الروايات لا يصلح لتقييد بقية الروايات المطلقة، بل هو من التنصيص على فرد من الأفراد التي يطلق عليها المطلق" انتهى.
وقال الرملي الشافعي في حاشيته على أسنى المطالب (2/39) : "ينبغي أن يجعلوه في كل ما يحتاج إليه غالباً من المطعوم والملبوس" انتهى.
وهذا ما يتفق مع الحكمة التي من أجلها منع الاحتكار، وهي منع الإضرار بالناس، وبهذا القول أفتت اللجنة الدائمة للإفتاء، حيث جاء في فتواهم برقم (6374) : "لا يجوز تخزين شيء الناس في حاجة إليه، ويسمى الاحتكار، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحتكر إلا خاطئ) رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه، ولما في ذلك من الإضرار بالمسلمين.
أما ما كان الناس في غنى عنه فيجوز تخزينه حتى يُحتاج إليه فيبذل لهم، دفعاً للحرج والضرر عنهم" انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (13/184) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4928)
تقدم لخطبتها مهندس يعمل في أحد البنوك فهل تقبله
[السُّؤَالُ]
ـ[تقدم لخطبتي شخص خريج هندسة معمارية، ويعمل في قسم الإدارة الهندسية في أحد البنوك المتخصصة في بناء الشقق والبنايات الفاخرة، فهل أقبله أم أرفضه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ينبغي أن تحرص المرأة على اختيار الزوج الصالح المستقيم، الذي يراقب الله تعالى فيها، ويطعمها وأولادها من الحلال، ويجنبهم الحرام.
ولهذا فنحن نشكرك على هذا السؤال الذي يدل على اهتمامك بهذا الأمر، ونقول: إن كان البنك الذي يعمل فيه هذا الشخص بنكا ربويا، يقوم تسويقه للشقق والبنايات على الربا، فلا يجوز العمل فيه، ولا إعانته على مشاريعه بأي وجه من الإعانة.
وكذلك لا يجوز العمل في بناء شقق أو أماكن للمعصية، كأماكن اللهو الباطل، أو صالات القمار، أو بنوك الربا ونحو ذلك.
وينبني على ذلك مسألة قبول هذا الخاطب أو رفضه، فإن كان عمله مباحا، وكان مرضي الدين والخلق، فاقبلي به، وإن كان عمله محرما، أو كان غير مرضي الدين والخلق، فلا تقبليه، لما يترتب على الزواج منه من مضار تعود عليك وعلى أولادك.
نسأل الله لك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4929)
وجد اسطوانة لزوجته الأولى ويصعب ردها إليها
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت متزوجاً من امرأة ثم طلقتها لأسباب شرعية ليس هذا مجال تفصيلها، المهم أني تزوجت بعدها بامرأة أُخرى ولي منها مولود أي من الثانية والحمد لله، ولي على زواجي الثاني سنة وشهر، السؤال: أني وجدت في ثنايا أدراج مكتبيCD في أمور الطبخ يخص المرأة الأولى، فماذا أصنع به؟ إن تركته تضايقت زوجتي الحالية، وإن أوصلته بطريقة أو بأخرى للمرأة الأولى قد تحدث بلبلة لا داعي لها، علما بأن المرأة الثانية ستتزوج بعد أيام، هل أتخلص من هذا ال CD أم أهديه ... أشيروا علي بارك الله فيكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما دام هذا السي دي ملكا لزوجتك الأولى، فيلزم إرجاعه إليها إلا أن تخشى وقوع مفسدة بذلك، فتتصدق به عنها.
وقد نص أهل العلم على أن الشيء اليسير – ولو كان مغصوبا أو مسروقا- إذا شق رده على صاحبه فإنه يتصدق به عنه، قال في "مطالب أولي النهى" (4/65) : "ومن بيده نحو غصوب لا يعرف أربابها , ونقل الأثرم وغيره أو عرف ربها , وشق دفعه إليه، وهو يسير كحبة ... إلخ " ثم ذكر أنه مخير بين تسليمه للحاكم أو التصدق به عن صاحبه.
فعليك أن تهدي هذا السي دي لمن تنتفع به ويكون ثواب ذلك لصاحبته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4930)
هل تثبت للمرأة ولاية في مال الصغير؟
[السُّؤَالُ]
ـ[رجلٌ تزوج بامرأتين أنجبت له الأولى عدداً من الأبناء الذكور، وأنجبت له المرأة الثانية عددا من الإناث إلا واحدا لم يبلغ الحلم بعد. الحاصل أن الزوج قد طلق امرأته الأولى ثم توفي، وبعد فترة وجيزة توفيت زوجته الثانية، ونشب صراع وخلاف شديد بين الذكور والإناث حول تقسيم التركة حيث ادعى الذكور ولا بينة لهم أن المورث قد وهب لهم عددا من العقارات والأطيان الأخرى، واشتد النزاع حول من يكون وليا ووصياً على الطفل القاصر حيث احتج الإخوة لأب الذكور بأنهم أحق بالولاية والوصاية على الطفل القاصر لكونهم من العصبة، واحتجت الأخت الشقيقة للقاصر بأنها أولى وأقدر لكونها مؤتمنة على الطفل القاصر والقائمة بأمره ودفعت طلب الإخوة لأب في استحقاق الولاية والوصاية بأنهم خصماء للقاصر ويوجد بينهم وبينه وبين عائلته وشقيقاته البنات من الخلافات العائلية التي يخشى معها على مصلحة ذلك الطفل. السؤال هل يجوز للمرأة أن تكون وليا ووصيا على القاصر لتحفظ ماله وتقوم بشئونه وتمثله أمام العام والخاص في وجود الإخوة لأب أو العصبة؟ وهل يجوز لها شرعا القيام بذلك، خاصة وأن الإخوة لأب دفعوا طلب الأخت الشقيقة في تولي مهام الوصاية، بحديث: (لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) وبالحديث الذي معناه: (أن النساء ناقصات عقل ودين) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ليس للإخوة ولا للأخوات ولاية على مال أخيهم في قول جماهير أهل العلم، وإنما الولاية للأب ثم لوصيه [وهو من أوصى له الأب أن يكون ولياً على أولاده بعد موت الأب] ثم للحاكم، واختُلف في الجد، كما اختلف في الأم.
قال في "بدائع الصنائع" (حنفي) (5/155) : " وأما ترتيب الولاية فأولى الأولياء: الأب ثم وصيه ثم وصي وصيه، ثم الجد ثم وصيه ثم وصي وصيه، ثم القاضي ثم من نصبه القاضي وهو وصي القاضي وإنما تثبت الولاية على هذا الترتيب ; لأن الولاية على الصغار باعتبار النظر لهم لعجزهم عن التصرف بأنفسهم , والنظر على هذا الترتيب، وليس لمن سوى هؤلاء من الأم والأخ والعم وغيرهم ولاية التصرف على الصغير في ماله ; لأن الأخ والعم قاصرا الشفقة، وفي التصرفات تجري جنايات لا يهتم لها إلا ذو الشفقة الوافرة , والأم وإن كانت لها وفور الشفقة لكن ليس لها كمال الرأي لقصور عقل النساء عادة، فلا تثبت لهن ولاية التصرف في المال" انتهى بتصرف.
وقال الدرير في "الشرح الكبير مع الدسوقي" (مالكي) (3/299) : " والولي على الصغير: الأب الرشيد لا الجد والأخ والعم إلا بإيصاء من الأب ثم يلي الأب وصيه فوصي الوصي ثم يلي الوصي حاكم أو من يقيمه " انتهى بتصرف.
وقال في "نهاية المحتاج" (شافعي) (4/375) : "ولا تلي الأم في الأصح قياسا على النكاح. والثاني [أي القول الثاني] : تلي بعد الأب والجد وتقدم على وصيهما لكمال شفقتها , ومثلها في عدم الولاية سائر العصبة كأخ وعم. نعم، لهم الإنفاق من مال الطفل في تأديبه وتعليمه وإن لم يكن لهم عليه ولاية ; لأنه قليل فسومح به , ومحله عند غيبة وليه , وإلا فلا بد من مراجعته فيما يظهر" انتهى.
وقال في "كشاف القناع" (3/446) (حنبلي) : " وتثبت الولاية على صغير ومجنون ذكر أو أنثى لأب ثم بعد الأب لوصيه العدل ثم إن لم يكن أب ولا وصيه أو كان الأب موجودا وفقد شيئاً من الصفات المعتبرة فيه ثبتت الولاية عليهما للحاكم لأن الولاية انقطعت من جهة الأب فتكون للحاكم، لأنه ولي من لا ولي له، فيقم الحاكم أمينا في النظر لليتيم والمجنون، والجد والأخ والأم وسائر العصبات لا ولاية لهم" انتهى بتصرف.
فتبين أن المذاهب الأربعة على أن الإخوة لا يكونون أولياء في المال على أخيهم الصغير، وكذلك: الأخت الشقيقة ليس لها ولاية أيضاً.
وعلى هذا، فينبغي رفع الأمر إلى القاضي الشرعي ليعين الأصلح للطفل ويكون هو الولي عليه.
وأما الاستدلال بحديث: (لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) فهذا محمول عند أهل العلم على الولاية العامة كالرئاسة والإمارة والقضاء ونحوه، لا الولاية على ابنها أو أخيها الصغير، التي هي من أرحم الناس به، وأحرصهم عليه.
وكذلك حديث: (ناقصات عقل ودين) فإنه لا يمنع من أن تتصرف في مالها وتكون والية عليه اتفاقا، فكذلك تصرفها في مال ولدها أو أخيها إذا جعلها الحاكم ولية عليه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4931)
القيام بعمل خاص أثناء فترة العمل الرسمي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم القيام بعمل خاص بي أثناء الدوام مع العلم أنه لا يوجد ما أعمله؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن كان عمله الآخر يتطلب منه الخروج من عمله الأول فهذا يظهر أنه لا يجوز؛ لأنه يخالف شرط العمل الأول، والعمل الأول اشترط عليه أن يداوم من كذا إلى كذا، والمسلمون على شروطهم، وإن كان عمله الثاني لا يقتضي مفارقة العمل الأول ولا يزاحمه ولا يؤخره، وإنما يشتغل بعمل إذا وجد فسحة في أثناء عمله فيظهر أن هذا لا يضر؛ لأن الوقت ما دام ليس مشغولاً فهو ضائع غير مستفاد منه.
[الْمَصْدَرُ]
فضيلة الشيخ أ. د. خالد بن علي المشيقح.(5/4932)
دفع ثمن أرض ولم تتم المعاملة فهل يستوفي ما دفعه أم قيمتها حاليّاً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[اشترى خالي قطعة أرض من شخص اسمه حسين، حدث هذا منذ تسع سنوات، ثم تبين فيما بعد أن حسين قد باع قطعة أرض ملك لأبناء أخيه، لا نعرف إن كان حقا فعل ذلك عن طريق الخطأ أم متعمداً، المهم: أن خالي يريد أن يسترد ماله لأن حسين لم يعد بوسعه التعويض العيني، حسين يقول له إنه مستعد أن يرد له ماله، لكن المبلغ نفسه الذي دفعه رغم القيمة العينية تتعدى بكثير المبلغ بسبب التضخم المالي فما كان قيمته ثلاثة آلاف يساوي الآن تقريبا عشرة آلاف دينار، والأرض في حد ذاتها تضاعفت قيمتها. فما حكم الإسلام في هذا الأمر هل يرد له المبلغ نفسه، أم يرد له قيمة الأرض؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز لأحدٍ من الناس أن يبيع ما لا يملك، فإن فعل فبيعه باطل، وما حصل من بائع الأرض من بيعه ما يملكه أبناء أخيه هو من هذا الباب، والواجب عليه التوبة والاستغفار.
ولخالك – المشتري – في ذمة هذا البائع المبلغ الذي دفعه، بغض النظر عن تغير العملة واختلاف قوتها الشرائية، وبغض النظر عن ارتفاع قيمة الأرض؛ لأن المبلغ الذي دفعه خالك صارَ ديْناً في ذمة ذلك البائع، والواجب رد المبلغ نفسه.
وفي القرار رقم: 42 (4 / 5) بشأن تغير قيمة العملة، قال "مجلس مجمع الفقه الإسلامي":
"العبرة في وفاء الديون الثابتة بعملة ما: هي بالمثل وليس بالقيمة؛ لأن الديون تُقضى بأمثالها، فلا يجوز ربط الديون الثابتة في الذمة، أيا كان مصدرها، بمستوى الأسعار" انتهى.
مجلة " المجمع " (عدد 5، ج3 ص 1609) .
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
"يجب على المقترض أن يدفع الجنيهات التي اقترضها وقت طلب صاحبها، ولا أثر لاختلاف القيمة الشرائية، زادت أو نقصت" انتهى.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (14 / 146) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4933)
استخدام صراف بنك آخر
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا استخدم عميل بنك ماكينة بنك آخر فإن البنك الآخر سيأخذ مبلغا معينا من بنك العميل مقابل استخدامه الماكينة. فهل في ذلك بأس؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا بأس لأن هذه أجرة استخدام الماكينة فكأنه قال: نخدم عميلك بالنيابة عنك مقابل هذا المبلغ.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ ابن جبرين(5/4934)
إعطاء عينة من دم السجين للمسؤولين في الولاية لتحليلها
[السُّؤَالُ]
ـ[شخص معتقل (سجين) يسأل هل يستطيع أن يعطي عينة من دمه للولاية لتقوم بتحليلها حتى يكون لديها سجل عن أنواع دماء المجرمين السابقين؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يظهر أن أصحاب الجرائم يشتركون في فصيلة واحدةٍ في دمائهم، فلا علاقة بين فصيلة الدم وسلوك الإنسان فإن الناس كلهم – صالحهم وسيئهم – يشتركون في فصائل دمائهم.
والذي نوصي به هذا السجين: أن يتوب إلى الله مما جناه وفعله، وأن يُرد الحقوق إلى أهلها إن كان ظلم أحداً، وأن يغتنم حياته قبل مماته وصحته قبل سقمه ويسارع في التوبة إلى الله، فإن الله تعالى يقبل توبة عبده إذا تاب إليه ويغفر له ذنبه.
وإعطاء عينة من دمه للولاية ليس فيه شيء من الناحية الشرعية طالما أنه لن يساء استخدامه، بل هو لعمل سجل عندها للمسجونين، لكن تنبه إدارة السجن بخطاب أن العلّة في الإجرام ليس فصيلة الدم وإنما فساد القلب والعقل والنشوء على الجريمة والاستمرار عليها.
فإذا أرادوا العلاج فليعالجوا أصل المشكلة بالبحث في دوافع الإجرام وأسباب نشوئه ويسعوا لمنعها وإصلاح المجرمين ولا يوجد أحسن من الإسلام لعلاج هذا.
والله الهادي.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/4935)
كيفية تملك الأراضي التي لا مالك لها
[السُّؤَالُ]
ـ[كانت القبائل في جنوب المملكة السعودية تسيطر على الأراضي الجبلية العامة قبل تأسيس البلديات التي أصبحت تسيطر الآن على تلك الأراضي بحكم نظام الدولة ولم يعد للقبائل سيطرة عليها.
فما حكم التملك في هذه الأراضي بالإحياء الشرعي على الرغم من معارضة بعض أفراد القبيلة لمن يحاول ذلك كونهم شركاء سابقين في تلك الأراضي قبل أن تتولى الدولة أمرها خاصة وان البعض يستطيع الإحياء والبعض لا يستطيع ,علماً بأن الإحياء في المملكة يجب أن يكون قبل عام 1382هـ حسب نظام وزارة العدل وشكرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الصحيح أن الإحياء يحصل به التملك في كل وقت لعموم قوله عليه الصلاة والسلام: " من أحيا أرضاً ميتة فهي له ". وحيث أن بعض العلماء كالأحناف يشترطون إذن الإمام فإنه يُتقيّد بذلك، فلا بد من إذن الإمام، وهو ما يسمى بالإقطاع الذي كان النبي عليه الصلاة والسلام يفعله، حيث يُقطع إنسانا قطعة أرض ليستثمرها، ففي هذه الحال من أحيا أرضاً قبل عام 1382 هجرية فهي له، ومن أحياها بإذن الإمام بعد عام 82 هجرية فهي له. وأما تلك القبائل فإن كانوا قد ملكوها بالإحياء قديما فهم أولى بها لقدم ملكهم، وأما إن لم يكونوا أحيوها وإنما هي تابعة لقريتهم فإن لهم منع إحياءها إذا تعلقت بها مصالح قريتهم، فكانت متسعا لهم يتنزهون بها، ويتوسعون وإذا أحياها أحد تضرروا فلهم أن يطلبوا من الحكومة منع إحياءها حتى لو كان هؤلاء الأفراد الذين يريدون إحياءها من نفس القبيلة وذلك خشية الضرر. أما إن لم يكن هناك ضرر فكانت بعيدة عن البلد، ولم يتضرر أحد وحصل الإذن من الإمام فيجوز تملكها، ولا حق لهم في المعارضة، وإن كانوا يريدون الاستقلال بها فعليهم طلبها من الدولة لأنهم أولى بها، ولا يريدون أن يسكن بجوارهم من ليس من قبيلتهم، ويكون القرار حينها للدولة.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ: عبد الله بن جبرين(5/4936)
العمولة
[السُّؤَالُ]
ـ[أخذت زبونا إلى أحد المصانع أو المحلات لشراء بضاعة، فأعطاني صاحب المصنع أو المحل عمولة على الزبون، هل هذا المال (العمولة) حلال؟
وإذا زاد صاحب المصنع مبلغاً مُعيناً على كل قطعة يأخذها الزبون، وهذه الزيادة آخذها أنا مُقابل شراء الزبون لهذه البضاعة فهل هذا جائز؟ إذا كان غير جائز فما هي العمولة الجائزة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان المصنع أو التاجر يُعطيك جُزءاً من المال على كل سلعة تُباع عن طريقك تشجيعاً لك لجهودك في البحث عن الزبائن وهذا المال لا يُزاد في سعر السلعة وليس في ذلك إضرار بالآخرين ممن يبيع هذه السلعة،حيث أن هذا المصنع أو التاجر يبيعها بسعر كما يبيعها الآخرون فهذا جائز ولا محذور فيه.
أما إن كان هذا المال الذي تأخذه من صاحب المصنع أو المحل يُزاد على المشتري في ثمن السلعة فلا يجوز لك أخذه ولا يجوز للبائع فعل ذلك؛ لأن في هذا إضراراً بالمشتري بزيادة السعر عليه.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة (13/130)(5/4937)
حكم بطاقات التخفيض
[السُّؤَالُ]
ـ[تصدر بعض الشركات أو المستوصفات بطاقات للتخفيض وهي عبارة عن بطاقة تعطى لمن يرغب الاشتراك فيها مقابل مبلغ مالي يدفع سنوياً ويحصل حاملها على بعض التخفيضات أو الفحوصات المجانية خلال السنة، وإذا مرَّت السنة ولم يستفد من البطاقة ليس من حقه استرداد المبلغ الذي دفعه مقابل الاشتراك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سئل الشيخ ابن باز عن حكم إصدار هذه البطاقات والتعامل بها.
فأجاب:
هذا العمل لا يجوز لما فيه من الجهالة والمقامرة والغرر الكثير فالواجب تركه. والله الموفق اهـ
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى ابن باز (19/58)(5/4938)
مندوب المبيعات والعمولة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز العمل كمندوب مبيعات وأخذ نسبة في شركة تبيع الأشياء المباحة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الأمر كما ذكرت فهذا العمل مباح، ولا بأس بأخذ هذه النسبة أو العمولة في مقابل جهدك في البحث عن الزبائن.
وننقل لك فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء في صورة مشابهة:
السؤال:
أنا صاحب مكتب تجاري شغلتي هي أنني وكيل ووسيط لبعض الشركات في الخارج المصنعة للملابس الجاهزة والمواد الغذائية هذه الشركات تقوم بإرسال عينات ما تصنعه مع الأسعار لكل صنف أقوم بعرض هذه البضاعة على للتجار في الأسواق وبيعها لهم بسعر الشركة مقابل عمولة من الشركة المصنعة حسب الاتفاق معها على نسبة العمولة فهل علي إثم في ذلك؟ .
فأجابت اللجنة:
إذا كان الواقع كما ذكر جاز لك أخذ تلك العمولة ولا إثم عليك.
(فتاوى اللجنة الدائمة 13/125)
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4939)
هل يجوز نقل الكتب الموقوفة على مسجد لمسجد آخر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز نقل الكتب الموجودة في مسجد إلى مسجد آخر؟ كيف؟ ومن يحق له؟ هل هناك شروط؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الأصل أن الأشياء الموقوفة على مسجد معين لا تنقل إلى غيره , لأن صاحبها إنما أخرجها عن ملكه لهذا المسجد المعين , فلا يجوز أن تنقل إلى غيره.
ثانياً:
أجاز بعض العلماء – وهو الصحيح - نقلها إلى مسجد آخر بشرط: أن يكون نقلها أنفع من بقائها في ذلك المسجد.
كما لو كان المنتفعون من هذه الكتب في المسجد الثاني أكثر عدداً من المنتفعين بها في المسجد الأول.
أو كانوا مجموعة من الدعاة إلى الله وطلبة العلم , فيستفيدون ويفيدون غيرهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" ويجوز تغيير شرط الواقف إلى ما هو أصلح منه، وإن اختلف ذلك باختلاف الزمان , حتى لو وقف على الفقهاء. . . واحتاج الناس إلى الجهاد صرف إلى الجند " انتهى.
"الاختيارات" (ص 176) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن تغيير بعض الشروط التي اشترطها الواقف إلى ما هو أفضل:
" وهذه المسألة اختلف فيها العلماء فمنهم من يقول: إن الواقف إذا شرط شروطاً في الوقف ورأى الناظر أن غير هذا الشرط أنفع للعباد وأكثر أجراً فإنه لا بأس أن يصرفه إلى غيره.
ومنهم من منع ذلك وقالوا: إن هذا الرجل أخرج هذا الوقف عن ملكه على وجه معين فلا يجوز أن يُتَصرف في ملكه إلا حسب ما أخرجه.
وأما الذين قالوا بالجواز فيقولون: إن أصل الوقف للبر والإحسان فما كان أبر وأحسن فهو أنفع للواقف، واستدل هؤلاء بأن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه رجل عام الفتح , وقال: يا رسول الله إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس , فقال: (صلِّ ها هنا) , فأعاد عليه , فقال: (صلِّ ها هنا) , فأعاد عليه فقال: (صلِّ ها هنا) فأعاد عليه فقال: (شأنك إذاً) .
والوقف شبيه بالنذر، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أجاز للناذر أن ينتقل إلى الأفضل , فالواقف كذلك , وهذا القول هو الصحيح , أنه يجوز أن يغير شرط الواقف إلى ما هو أفضل، ما لم يكن الوقف على معيّن , فإن كان الوقف على معيّن لم يجز صرفه إلى جهة أفضل، لأنه معيّن فتعلق الحق بالشخص المعيّن , فلا يمكن أن يغير أو يحول " انتهى بتصرف.
"الشرح الممتع" (9/561,560) .
ثالثاً:
وأما من يحق له نقلها فهو ناظر الوقف (المسئول عنها) الذي تم تعينه من قبل الواقف لهذه الكتب , فإن لم يوجد , فيرجع في هذا إلى الجهة المسئولة عن هذه الكتب كوزارة الأوقاف في البلاد الإسلامية.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4940)
البنوك الإسلامية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل البنوك الإسلامية حلال أم حرام؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كانت هذه البنوك تتعامل حقيقةً وفق الشريعة الإسلامية، فلا تتعامل بالربا المحرم، ولا تأخذ ما يسمى فائدة مقابل الأجل الذي هو في الحقيقة ربا الجاهلية وإن سموه بغير اسمه، ولا تتعامل بالمعاملات غير الشرعية كبيع ما لا يملك أو بيع العينة أو غير ذلك من المعاملات التي لا تبيحها الشريعة فلا شك أن هذه البنوك حلال والتعامل معها شرعي.
أما إن كانت هذه البنوك إسلامية اسماً فقط ولكنها تتعامل بالربا، والمعاملات المحرمة فالتعامل معها حرام، وإن سموها " بنوكاً إسلامية " لأن العبرة بالحقائق والمعاني، لا بالمباني، والعبرة بالمسميات لا بالأسماء.
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: هل يجوز التعامل مع البنوك الإسلامية؟ مع أن بعضها يتحايل على الشريعة ويتعامل معاملات محرمة؟
فأجابت: " المصارف والبنوك التي لا تتعامل بالربا يجوز التعامل معها، وإذا كانت تتعامل بالربا فلا يجوز التعامل معها، وليست بنوكاً إسلامية. فتاوى اللجنة الدائمة (13/310)
وجاء في فتاوى اللجنة أيضاً: (13/365)
" إذا كان البنك الإسلامي ليس بربوي، وإنما يستثمر الأموال وفق الأسس الشريعة جاز لك إيداع المال به لاستثماره " اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4941)
حكم استبدال الأوراق النقدية الممزقة بنصف قيمتها
[السُّؤَالُ]
ـ[الأوراق النقدية الممزقة التي لا يقبل الناس التعامل بها، توجد بعض البنوك تستبدلها بنصف قيمتها، فتأخذ منك ورقة فئة مائة ريال (ممزقة) وتعطيك خمسين ريالا. فما حكم هذا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ عبد الرحمن البراك حفظه الله فأفاد بما يلي:
القاعدة في استبدال الذهب بالذهب والفضة بالفضة أنه يجب التساوي مثلا بمثل، ولا فرق بين المعيب والمكسر وغيره.
والأوراق النقدية الآن تقوم مقام الذهب والفضة في كونها صارت ثمناً للأشياء.
ولكن ... لا يمكن تطبيق جميع أحكام الذهب والفضة على الأوراق النقدية، لأن الأوراق النقدية ليس لها قيمة ذاتية، وإنما تكتسب قيمتها من اعتماد الدولة لها.
لهذا أقول:
لا مانع من استبدال الورقة الممزقة بنصف قيمتها، لأنها فقدت قيمتها الآن (أي لما صارت ممزقة) .
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الرحمن البراك.(5/4942)
هل يجوز أن يستأجر في محل شيشة لبيع المأكولات؟
[السُّؤَالُ]
ـ[توجد كافتريا في أحد الكازينوهات هل يجوز لي استئجارها من أجل بيع المأكولات - مع العلم بأن الكازينو مخصص لجلسات الشيشة والشاي - فما الحكم في ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي يظهر هو عدم جواز استئجارك ذلك المحل لتقديم الطعام والشراب؛ لأن شرب الشيشة محرَّم، لما فيه من تضييع للأموال، وإضرار المسلم بنفسه وبغيره ممن يستنشقون هذا الدخان الخبيث، راجع السؤال رقم (10922) و (7432)
والأصل في المسلم أن يهجر هذه أماكن المعصية ويبتعد عنها، لا أن يساهم في عونهم أو تقديم ما يبقيهم فيها كشراب أو طعام حلال، وفتح جزء في " الكازينو " لأجل تقديم الطعام لأولئك العاصين يتنافى مع الأمر للمسلم بتغيير المنكر حين يراه، ويتنافى مع الأمر بهجر أماكن السوء والمعصية.
قال الله تعالى: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ) النساء/140.
قال القرطبي - رحمه الله -:
قوله تعالى: (فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره) أي غير الكفر.
{إنكم إذا مثلهم} : فدل بهذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي إذا ظهر منهم منكر؛ لأن من لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم.
" تفسير القرطبي " (5 / 418) .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله:
الإنكار بالقلب فرض على كل واحد، وهو بغض المنكر وكراهيته، ومفارقة أهله عند العجز عن إنكاره باليد واللسان.
" الدرر السنية في الأجوبة النجدية " (16 / 142) .
بل الواجب على صاحب الملك أن لا يؤجر محلاته لأولئك الذين يتخذونها من أجل فعل المعاصي
سئل الشيخ عبد العزيز آل الشيخ:
والدي أوصى بثلث إيجار عمارة يملكها وهذه العمارة مؤجرة على محلات يبيع بعضها الدخان وأدوات شرب الشيشة وبها محل لبيع أشرطة الأغاني فهل تجوز هذه الوصية أم لا؟ علماً بأننا لا نملك غيرها؟ جزاكم الله خيراً.
فأجاب:
المطلوب منكم أن تخرجوا أولئك؛ لأن بيع الدخان والشيشة وأمثالها من الأغاني كلها أمور مخالفة للشرع، ولا يحل للمسلم أن يعين على الإثم والعدوان، وسيعوضكم الله خيراً إن شاء الله، وستستأجر إن شاء الله بما يغل غلاً ينفعكم وينفع الميت بإذن الله. اهـ
واعلم أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، وأن الرزق لا ينال بالمعصية، وقد قال سبحانه: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق/2، 3.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4943)
حكم تدريس القوانين الوضعية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تدريس القوانين الوضعية؟ وما حكم أخذ الراتب على ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" تدريس القوانين الوضعية أو دراستها لتبيين زيفها، وتمييز حقها من باطلها، ولتوضيح سمو الشريعة الإسلامية وكمالها وشمولها لكل ما يصلح به حال العباد في عباداتهم ومعاملاتهم جائز، وقد يجب إذا دعت إليه الحاجة، إحقاقا للحق، وإبطالا للباطل، وتنبيها للأمة، وتوعية لها حتى تعتصم بدينها، ولا تنخدع بشبه المنحرفين، ومن يروج لتحكيم القوانين، ومثل هذا العمل يجوز أخذ الأجر عليه.
أما تدريس القوانين الوضعية رغبة فيها، وترويجا لها، ومضاهاة لها بالتشريع الإسلامي، أو مناوأة له فهذا محادة لله ولرسوله، وكفر صراح، وحيدة عن سواء السبيل، فأخذ الأجر عليه سحت وشر على شر، نسأل الله العافية ونعوذ به من الخذلان.
وبالله التوفيق.
من فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء (23/497) .
وراجع السؤال رقم (12874) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4944)
خلط ذهب الناس بعضهم ببعض عند تصنيعه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم فيمن سلم ذهبه لمصنع الذهب ليصنعه، فربما اختلط ذهبه مع ذهب غيره حال صهر الذهب في المصنع، ولكن عند استلامه من المصنع يستلمه بنفس الوزن الذي سلّمه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب على المصنع أن لا يخلط أموال الناس بعضها ببعض , وأن يميز كل واحد على حدة إذا كان عيار الذهب يختلف.
أما إذا كان عيار الذهب لا يختلف فلا حرج أن يجمعها، لأنه لا يضر.
[الْمَصْدَرُ]
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين. "مجموعة أسئلة في بيع وشراء الذهب".(5/4945)
حكم تصليح أجهزة التلفاز والفيديو
[السُّؤَالُ]
ـ[أقوم بتصليح أجهزة التليفزيون والفيديو وكذلك تركيب الأطباق الفضائية وضبط جميع الأقمار. فهل علي إثم في استخدام صاحب هذا الجهاز من سماعه للأغاني والأفلام وغيرها أفيدونا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يقول الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2، وما تقوم به من إصلاح أجهزة التلفزيون والفيديو والأطباق الفضائية ثم يستخدمها أصحابها في سماع ورؤية المنكرات هو من الإعانة على المنكر والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا) رواه مسلم (2674) .
فلا يجوز لك هذا العمل، والخير أن تبحث عن عمل آخر وتذكر أن الله يقول (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) الطلاق/2-3.
سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء، ما نصه: أنا أعمل مهندس إلكترونيات، ومن عملي إصلاح الراديو والتليفون والفيديو ومثل هذه الأجهزة، فأرجو إفتائي عن الاستمرار في هذه الأعمال، مع العلم أن ترك هذا العمل يفقدني كثيرا من الخبرة ومن مهنتي التي تعلمتها طوال حياتي، وقد يقع علي ضرر خلال تركها.
فأجابت:
دلت الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة أنه يجب على المسلم أن يحرص على طيب كسبه، فينبغي لك أن تبحث عن عمل يكون الكسب فيه طيبا.
وأما الكسب من العمل الذي ذكرته فهذا ليس بطيب؛ لأن هذه الآلات تستعمل غالبا في أمور محرمة. اهـ
فتاوى اللجنة الدائمة" (14/420)
وانظر سؤال رقم (39744) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4946)
حكم عمل الرجل في محل تزين شعر للنساء
[السُّؤَالُ]
ـ[لنا أقارب ومن ضمن أقاربنا رجل وزوجته، يعملان في المحل الذي يدعى (الكوافير) ثم كفت زوجته وظل الرجل يعمل مزيناً لشعر النساء، وهو يقوم بدعوتنا للغداء عندهم، فهل يجوز لنا الأكل عندهم، وهل عمله حرام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان عمل من ذكرت من الأقارب كما وصفت، فعمله حرام، وكسبه حرام، ويجب على من يعمل ذلك أن يتخذ له مهنة أخرى بعداً عن الحرام، وأبواب الكسب كثيرة، والحمد لله، (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه) الطلاق / 2-3، وخير للمسلم أن يحفظ نفسه، وأن يبعد عن موارد الفتن حفظاً لعرضه ودينه، وسيجعل الله له من أمره يسراً.
ولا يجوز لمن زارهم من أقارب وأصدقاء مثلاً أن يأكل من طعامهم، أو يشرب مما يملكون إذا لم يكن لم يكن لهم دخل إلا من طريق ذلك العمل.
وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء 14/36(5/4947)
يأخذ من مال الشركة في بلاد الكفر فوق راتبه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب مقيم في دولة غربية وأعمل في شركة مواصلات، ولي زميل يعمل معي ولنا التصرف التام في الأموال التي تدفع من طرف الزبون، وزميلي يأخذ دائماً قسطاً من المال ويقول إننا لنا الحق في فعل هذا وذلك بحجة أن صاحب الشركة لا يعطي لنا حقنا. أن الراتب الذي نتقاضاه هو حسب شروط قبولنا للعمل.
ونحن نفعل أمراً آخر: فإذا كان أحد الزبائن مِن معارفنا حذفنا المبلغ.
أطلب منكم مساعدتي فإني نصحت زميلي كثيراً ولكن هو مقتنع بأن الأمر الذي يفعله جائز.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أوجب الله تبارك وتعالى أداء الأمانة على وجهها، قال الله تعالى: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) وجعل الرسول صلى الله عليه وسلم خيانة الأمة علامة من علامات النفاق والعياذ بالله، فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان) روه البخاري (33) ومسلم (59) .
ولا فرق في التحريم بين أن يخون المسلم أمانة أخيه المسلم أو أمانة الكافر الذي ائتمنه على ماله، بل إنه بصدقه وأمانته يقدم أنموذجاً جيِّداً للمسلمين، وقد دخلتْ دول كثيرة في الإسلام بسبب أمانة وصدق التجار المسلمين، وعلى العكس فإنه إذا خان أو كذب كان ذلك سبباً لتنفير الناس عن الدين وصدهم عن سبيل الله.
قال الشافعي - رحمه الله -:
وإذا دخل رجل مسلم دار الحرب بأمان.. وقدر على شيء من أموالهم لم يحل له أن يأخذ منه شيئاً قلّ أو كثر؛ لأنه إذا كان منهم في أمان فهم منه في مثله، ولأنه لا يحل له في أمانهم إلا ما يحل له من أموال المسلمين، وأهل الذمة. " الأم " (4 / 284) .
وبما أنكم اتفقتم مع الشركة على راتب معيَّن: فإنه لا يحل لكم أن تأخذوا زيادة عليه دون علم أصحاب الشركة، وادعاء أنهم لم يعطوكم ما تستحقون ليس بعذر، إذ لو فتح هذا الباب لادعاه كل عامل ولضاعت الحقوق والأمانات.
ولا يحل لكم – كذلك – أن تخصموا على أحدٍ فواتيره، ولا أن تسقطوها بالكلية، فالمال ليس مالكم حتى تفعلوا هذا، ويجب استيفاء الحقوق من أصحابها أيّاً كانوا.
لذا فإن الواجب عليكما التوبة إلى الله تعالى بالإقلاع عن فعلكم هذا، والندم عليه، والعزم على عدم العوْد، مع ضرورة إرجاع الحقوق إلى الشركة، تلك التي أُخذت فوق الراتب، وتلك التي أسقطت عن معارفكم وأصدقائكم.
وانظر جواب السؤال رقم (14367) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4948)
شراء الكحول الوقود
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز شراء الكحول (وهو مسكر) لاستعماله فيما هو إتلاف له كاستعماله كوقود أو في بعض الصناعات، وهل يجوز بيعه لمن تيقن أنه يريده لهذا الغرض؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
بيع الخمر أو أي مسكر حرام وواجب على من لديه شيء من ذلك إتلافه، وعدم بيعه لعموم قول الله تعالى: (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) المائدة/2
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى اللجنة الدائمة ج13/47(5/4949)
هل يعد شراء الأشياء الباهظة الثمن من الإسراف؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل شراء الأشياء الباهظة الثمن التي تطلبها الأخت أو الأم يعد من قبيل الإسراف، حتى لو كانت هذه الأشياء في مقدور المشتري، ولا يجد مشقة في شرائها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الله تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأعراف/31.
قال الشيخ السعدي رحمه الله:
" والإسراف إما أن يكون بالزيادة على القدر الكافي، والشره في المأكولات الذي يضر بالجسم، وإما أن يكون بزيادة الترفُّه والتنوُّق في المآكل والمشارب واللباس، وإما بتجاوز الحلال إلى الحرام ". انتهى. " تفسير السعدي" (287) .
وقال تعالى: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) . الإسراء/26-27.
قال ابن كثير رحمه الله:
" لما أمر بالإنفاق نهى عن الإسراف فيه، بل يكون وسطًا، كما قال في الآية الأخرى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67] .
ثم قال: منفرًا عن التبذير والسرف: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} أي: أشباههم في ذلك.
وقال ابن مسعود: التبذير: الإنفاق في غير حق. وكذا قال ابن عباس.
وقال مجاهد: لو أنفق إنسان ماله كله في الحق لم يكن مبذرًا، ولو أنفق مدًا في غير حقه كان تبذيرًا.
وقال قتادة: التبذير: النفقة في معصية الله تعالى، وفي غير الحق وفي الفساد ". انتهى.
"تفسير ابن كثير" (5/69) .
وقال الشيخ السعدي رحمه الله:
" يقول تعالى: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} من البر والإكرام، الواجب والمسنون؛ وذلك الحق يتفاوت بتفاوت الأحوال والأقارب والحاجة وعدمها والأزمنة.
{وَالْمِسْكِينَ} آته حقه من الزكاة ومن غيرها، لتزول مسكنته {وَابْنَ السَّبِيلِ} وهو الغريب المنقطع به عن بلده، فيعطي الجميع من المال على وجه لا يضر المعطي ولا يكون زائدا على المقدار اللائق فإن ذلك تبذير قد نهى الله عنه، وأخبر: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} ؛ لأن الشيطان لا يدعو إلا إلى كل خصلة ذميمة، فيدعو الإنسان إلى البخل والإمساك، فإذا عصاه دعاه إلى الإسراف والتبذير. والله تعالى إنما يأمر بأعدل الأمور وأقسطها ويمدح عليه، كما في قوله عن عباد الرحمن الأبرار {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما} ". "تفسير السعدي" (456) .
فقد تبين أن الله تعالى أمر عباده أباح لعباده أن يتنعموا بما أنزل لهم من الطيبات، من الطعام والشراب واللباس، وأمرهم أن يصلوا ذوي القربى، وأن يعطوا المساكين، ونهاهم في نفقتهم وعطائهم عن الإسراف والتبذير.
فأما النفقة في شيء محرم، فهي إسراف وتبذير، وأما النفقة في الأمور المباحة، فالإسراف فيها يختلف بحسب حال المنفق، وموضع نفقته، وغير ذلك من العوارض التي تعرض لفعله، من حيث الزمان، والمكان، والإمكان.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
نسمع أن الإسراف يختلف من شخص إلى آخر، وذلك على حسب المال الذي عنده سواء كان تاجراً أو غنياً؟
فأجاب:
" ها صحيح، الإسراف أمر نسبي، لا يتعلق بنفس العمل وإنما يتعلق بالعامل، فمثلاً: هذه امرأة فقيرة اتخذت من الحلي ما يساوي حلي المرأة الغنية تكون مسرفة؟ لو اتخذ هذا الحلي امرأة غنية قلنا: إنه لا إسراف فيه، ولو اتخذته امرأة فقيرة قلنا: فيه إسراف، بل حتى الأكل والشرب يختلف الناس في الإسراف فيه: قد يكون الإنسان فقيراً، يعني: من الناس من تكفيه المائدة القليلة، وآخر لا يكفيه، ثم إنه – أيضاً - تختلف باعتبار أن الإنسان قد ينزل به ضيف فيكرمه بما لا يعتاد أكله هو في بيته فلا يكون هذا إسرافاً.
فالمهم أن الإسراف يتعلق بالفاعل لا بنفس الفعل لاختلاف الناس فيه " انتهى.
"لقاء الباب المفتوح" (88 / 34)
وقال رحمه الله أيضا:
" الإسراف مجاوزة الحد , وقد بين الله تعالى في كتابه أنه لا يحب المسرفين , وإذا قلنا: إن الإسراف مجاوزة الحد , صار الإسراف يختلف: فقد يكون هذا الشيء إسرافاً بالنسبة لفلان , وغير إسراف بالنسبة لفلان , فهذا الذي اشترى بيتاً بمليونين من الريالات، وأثثه بستمائة ألف، واشترى سيارة , إذا كان غنياً فليس مسرفاً؛ لأن هذا سهل بالنسبة للأغنياء الكبار , أما إذا كان ليس غنياً فإنه يعتبر مسرفاً , سواء كان من أوساط الناس أو من الفقراء؛ لأن بعض الفقراء يريد أن يكمل نفسه , فتجده يشتري هذه القصور الكبيرة , ويؤثثها بهذا الأثاث البالغ، وربما يكون قد استدان بعضها من الناس , فهذا خطأ.
فالأقسام ثلاثة: الأول: غني واسع الغنى , فنقول: إنه في وقتنا الحاضر - ولا نقول في كل وقت -: إذا اشترى بيتاً بمليونين ريال وأثثه بستمائة ألف ريال واشترى سيارة , فليس بمسرف.
الثاني: الوسط , فيعتبر هذا بحقه إسرافا ً.
الثالث: الفقير , فيعتبر في حقه سفهاً؛ لأنه كيف يستدين ليكمل شيئاً ليس بحاجة إليه؟! "
انتهى.
"لقاء الباب المفتوح" (107 / 23)
وبناء على ما سبق: فإن كان ما تطلبه الأم والأخت من الأشياء مباحا، وكان في مقدروك شراؤها، بحيث لا يشق عليك، ولا يضر بنفقة هي أولى من ذلك: جاز لك شراؤها، وكون ذلك إسرافا يرجع إلى ما سبق تقريره، فإن كان مألوفا أن من هو في مثل حالكم يشتري مثل هذه الأشياء: فليس ذلك في حقكم إسرافا.
ويترجح في حقك شراء مثل ذلك، متى قدرت عليه، إن كان يترتب على ذلك الشراء صلة للأرحام، واستصلاح للقلوب، أو خيف من تركها قطيعة الرحم، أو فساد ذات البين.
والله تعالى أعلم.
للاستزادة: راجع إجابة السؤال رقم: (101903) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4950)
التنازل عن قرض الصندوق العقاري للغير
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجة والدي طلع لها قرض الصندوق العقاري وهي لا تستطيع أن تأخذه وحدها وأريد أن آخذه أنا وأخي من أبي الذي هو ابنها ونحن الذين سوف نسدد الأقساط، هل هذا جائز؟ علما أن اسمي موجود في الصندوق العقاري ولكن لم يأتِ دوري بعد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في التنازل عن قرض الصندوق العقاري لشخص آخر بشرط موافقة البنك.
فقد سئل الشيخ عبد الله بن منيع حفظه الله: حصل شخص على قرض من الصندوق العقاري، ويريد أن يتنازل عنه لشخص آخر مقابل مبلغ خمسين ألف ريال، وأن يتنازل له هذا الشخص عن القرض الذي قدمه على الصندوق، وقد يتأخر خروج هذا القرض 10 سنوات. أرجو التكرم بالإجابة سريعاً.
فأجاب: "لا يخفى أن منح القرض لأي مواطن من المواطنين يعتبر اختصاصاً له من ولي الأمر، ومساعدة له في تأمين مسكن له كما تقتضيه المصلحة المقتضية لرعاية مصالح المواطنين، وإذا وجد اتفاق بين من كان مختصاً بهذا القرض مع آخر على أساس أن يتنازل له عن هذا الاختصاص في مقابل مبلغ من المال، أو على غير مقابل فذلك جائز، بشرط أن يكون البنك العقاري طرفاً في هذا التنازل بحيث يجيزه ويجري إجراءاته نحو تحويل هذه المنحة أو هذا الاختصاص من شخص ذلك الرجل المختص بهذه المنحة، أو بهذا القرض إلى الرجل الذي تم التنازل له، فإذا كانت هناك موافقة من البنك العقاري وإجراء نحو هذا التحويل فلا بأس بذلك، وهذا الشرط مبني على أن البنك العقاري طرف مع من منح هذا القرض فلا يجوز أن يتصرف الممنوح بهذا القرض تصرفاً فردياً؛ بل يجب أن يكون ذلك مبنياً على اتفاقه مع البنك في هذا التنازل، فمتى تم التنازل برضا البنك العقاري وتحويله هذا الاختصاص إلى المتنازل له فلا بأس بذلك، ولا يظهر لي مانع من أخذ عوض عن هذا التنازل لأنه اختصاص، والاختصاص ملك لمن اختص به، وله أن يعتاض عنه بما يجري الاتفاق فيما بينه وبين من اختص به" انتهى من "موقع الإسلام اليوم".
وسئل الشيخ خالد المشيقح حفظه الله: أخي مقدم على صندوق التنمية العقاري , وهو لا زال ينتظر دوره في القائمة , فهل يجوز له أن يتنازل عن دوره لي على أن أدفع له مبلغا معينا نظير هذا التنازل؟
فأجاب: "التنازل عن دوره في صندوق التنمية العقاري مقابل مبلغ مالي لا بأس به، لأنه تنازل عن حق مالي، والحقوق المالية يجوز بيعها بعوض، لكن لابد من إذن البنك العقاري، فإذا أذن البنك العقاري واتفق الطرفان على أن يدفع له مالاً مقابل أن يقوم مقامه، فإن هذا جائز ولا بأس به " انتهى، وينظر جواب السؤال رقم (36397) .
وعليه؛ فيجوز لزوجة أبيك أن تتنازل عن هذا القرض لك ولابنها بشرط موافقة البنك على ذلك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4951)
طرق الحصول على العناوين البريدية للآخرين لتسويق السلع بمراسلتهم عليها، وحكمها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل في مجال التسويق الإلكتروني، ومن مهام عملي: عرض خدمات الشركة على عملاء جدد، أي: الترويج، والإعلان عن خدماتنا، ومنتجاتنا، عن طريق البريد الإلكتروني، فهناك برامج معدة لتجلب الإيميلات المسجلة على أي موقع أحدده. فهل استخدام مثل هذه البرامج لهذا الغرض به أي شبهة؟ . وهل هناك فرق بين المواقع، والمنتديات، والأدلة في ذلك؛ حيث إن الأدلة تعرض مواقع لشركات، والشركات تعرض إيميلاتها للجميع، فهل ممكن أستخدم هذه البرامج في جمعها لتيسير الأمر عليَّ؟ . علماً أن منها برامج مرخصة، وأستطيع أن أشتريها إذا تطلب الأمر. وجزاكم الله خيراً، وآسف على الإطالة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
العمل في التسويق التجاري، العادي، والإلكتروني: جائز من حيث الأصل، إلا أن هذا التسويق يكون حراماً إذا كان لشركة أو مواقع تحتوي على سلع وبضائع محرمة، كمواقع بيع الأشرطة الغنائية، أو كتب البدعة والفسوق، أو بيع الأدوات الموسيقية، أو اللحوم المحرَّمة، أو المجلات الفاسدة، وما يشبه ذلك من المحرمات في شرعنا.
وقد ذكرنا جملة منها، مع بيان الحكم الشرعي في تسويقها في جوابي السؤالين: (107677) و (93376) ، فلينظرا.
ثانياً:
أما بخصوص الحصول على البريد الإلكتروني للآخرين؛ لتسويق البضائع والسلع بمراسلتهم عليه: ففيه تفصيل:
1. إذا كان الموقع – أو المنتدى - الذي يُعطي البريد الإلكتروني للمنتسب له يخبره في الأصل وقبل الموافقة على الانتساب له أنه من حقه بيع القوائم البريدية لشركات ومواقع التسويق: فلا حرج عليهم من ذلك، ولا حرج عليكم من التعامل مع تلك المواقع والمنتديات، والحصول على القوائم البريدية التي يملكونها.
2. وإذا كان الموقع – أو المنتدى – لم يخبر المنتسبين له بحقه في بيع قوائمه البريدية: فلا يحل له الاستيلاء عليها لبيعها؛ لأنه مؤتمن عليها، ولا يحل لكم التعامل مع تلك المواقع والمنتديات.
3. لا يجوز استعمال برامج الاختراق – الهكر – للوصول إلى قوائم بريد موقع، أو منتدى؛ لأن هذا من التعدي على خصوصيات الآخرين، وبعضهم يزيد على هذا التعدي فيخترق البريد.
4. من أظهر بريده في موقع، أو منتدى: فيجوز مراسلته لتسويق السلع المباحة له، ويجوز استعمال برامج معينة تجمع تلك العناوين البريدية؛ لمراسلتهم.
5. وإذا تمت مراسلة أصحاب تلك العناوين البريدية فينبغي أن يوجد في الرسالة إمكانية لكي يبدي المراسَل رغبته بإلغاء الاشتراك في تلك القائمة، وعدم مراسلته مجدداً، لأن إظهاره لبريده لا يعني رغبته بأن يستقبل عليه رسائل تسويقية، فإذا ما أبدى رغبته بعدم ذلك: فيجب احترام تلك الرغبة، ولا يجوز مراسلته مرة أخرى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4952)
حكم شراء سيارة عليها شعار الصليب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم شراء سيارة تاهو وعليها علامة الشفرولية، التي تأخذ نفس شكل الصليب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
للصليب أشكال وأنواع كثيرة، تنوعت عبر الزمان والمكان واختلاف الطوائف النصرانية، فاتخذ صورا متنوعة منها ما غلب استعماله على أنه صليب، ومنها ما يستعمل في الصليب وفي غيره كعلامة الجمع (+) .
والذي يظهر لنا في حكم رسم وتعليق هذه الأنواع والأشكال ما يلي:
1- إذا كان قد رسم على أنه صليب، فهذا لا يجوز للمسلم حمله ولا لبسه ولا شراؤه ولا بيعه ولا رسمه؛ لأن علة تحريم رسم الصليب ولبسه هي البعد عن مشابهة النصارى وتعظيم رموزهم الدينية الباطلة، وهذه العلة واقعة في كل شكل من أشكال الصليب التي تعرفها طوائف النصارى إذا كانت وضعت على أنها صليب لتعظم وترمز لما يريدون.
2- أما إذا رسمت زخرفة معينة، أو صنعت بعض الأشياء المنزلية والأدوات العادية، فوافق أن نتج عنها شكل من أشكال الصليب السابقة، فهذا ينظر فيه:
أ - فإن كان يظهر للناظر لأول وهلة أنه رسم الصليب المشهور اليوم في معظم الكنائس ولدى أكثر النصارى، وهو عبارة عن خطين أحدهما طولي والآخر عرضي، بحيث يقطع الخط العرضي الخط الطولي، وتكون الجهة العلوية أقصر من السفلية، وهو الشكل الأشهر للصليب منذ أن أحدثه النصارى، مأخوذ من الخشبة التي يصلب عليها من يُراد قتله، فإن كان يظهر للناظر من الوهلة الأولى هذا الأمر، وجب نقضه وإزالته، أو تعديله بما يخرجه عن كونه صليبا، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم (لَمْ يَكُنْ يَتْرُكُ فِي بَيْتِهِ شَيْئًا فِيهِ تَصَالِيبُ إِلَّا نَقَضَهُ) رواه البخاري (5952) .
ب - أما إذا لم تكن صورة الصليب ظاهرة، وإنما نتج عن زخرفة غير مقصودة، أو كان البناء بالهندسة المتقاطعة أنفع وأكثر مرونة، أو استعمل لرموز رياضية معينة، كرمز الجمع أو الضرب في علم الحساب، ففي هذه الحال لا يجب نقضه ولا إزالته، ولا حرج في صنعه ولا في بيع ما احتوى عليه، لانتفاء العلة، وهي التشبه بالكفار وتعظيم رموزهم. وينظر جواب السؤال رقم (121170) .
وبناء على ذلك نقول: الشعار الموجود على سيارة الشفرولية ليس على شكل الصليب المشهور، ويحتمل أن يكون صليبا ويحتمل أن يراد به شيء آخر، وحينئذ يُنظر في وضع الشركة له وهدفها منه، فإن أرادت الصليب، كان له حكم الصليب، وعلى من اشترى هذه السيارة أن يزيل الصليب أو يغير هيئته، وإن أرادت الشركة الرمز إلى شيء آخر، لم يأخذ حكم الصليب.
وقد بحثنا عن معنى شعار شركة شيفروليه فوجدنا كلاماً مختلفاً لا يمكن الجزم به، أنه يمكن أن يكون مأخوذاً من الصليب، ويمكن أن يكون مأخوذاً من غيره.
الله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4953)
التصرف في الأمتعة التي يتركها الركاب في المطار
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل بحقل الطيران (طيار) ، ورحلتي بالأمس أخذتني إلي مدينة جده بالمملكة العربيه السعوديه، وخلال توقفي الذي لا يزيد عن الساعة سألت الموظف الأرضي: هل يوجد عنده ماء زمزم؟ فقال: نعم. فسألته: من أين أتيت به؟ فقال: إنه يوجد في المطار الكثير من ماء زمزم، لأسباب كثيره، منها: أن ماء زمزم ربما تخلف صاحبه عن شحنه، أو أن هذا الماء عندما أراد شحنه انقطع الإيصال الذي يدل علي صاحبه، أو أن الرحله ألغيت ... وهكذا، لا تستطيع أن تجزم لأي سبب تم إبقاؤه في المطار. فبعد ذلك يتم إبقاء هذه المياه في المطار، وإن لم تصرف لأي أحد ستتلف هذه المياه؛ فهل أستطيع أن آخذ منها في رحلتي القادمه؟؟ جزاك الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الماء الذي ينساه الراكب، أو يتركه، في المطار: إما أن يكون مع متاع آخر يخص صاحب ذلك الماء، ويكون قد سجل باسمه، ودخل في عهدة شركة الطيران، ففي هذه الحال: ينتظر عودة صاحب المتاع لأخذ متاعه، ومعه الماء؛ فإن علم أن صاحبه لن يعود، أو أيس من عودته، أو كان الماء معرضا للتلف والفساد: فإنه يباع، ويجعل ثمنه صدقة لصاحب ذلك المتاع.
وإنما يلزم الشركة المسؤولة أن تحفظ أمتعة الركاب المدة المنصوص عليها في العقد مع المسافر.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " مغسلة ملابس فيها ملابس مضى عليها أكثر من شهرين ولا يعرف أصحابها، مع أنه من ضمن الشروط في الفاتورة أن المغسلة غير مسئولة عن الملابس التي يتركها أصحابها أكثر من شهرين، هل لصاحب المغسلة أخذها، إما للاستعمال أو البيع أو التصدق بها؟ وإذا أخذها ثم طالب بها صاحبها بعد أن تصرف بها: فهل يلزم رد ثمنها أم لا؟
فأجاب:
إذا كان مشروطاً على صاحب الثياب أنه إذا تأخر لمدة شهرين فلا حق له: فهو الذي تأخر، وإذا تمت الشهران: إما أن يتصدق بها صاحب المغسلة إن وجد من يقبلها ويلبسها، أو يبيعها ويتصدق بثمنها، لكن أرى أن ينتظر بعد الشهرين عشرة أيام أو خمسة عشر يوماً؛ لأنه ربما يكون صاحبها قد أقبل، ولكن تعطلت سيارته أو حصل له مرض؛ فالأفضل أن ينتظر " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (215 / 11) .
وقال أيضا: " إذا كان بينهما أجلٌ معين: فمتى انتهى الأجل فهو في حل أن يتصدق بها أو يبيعها ويتصدق بثمنها.
وأما إذا لم يكن بينهما أجل معين؛ فلا يجوز أن يبيعها بعد شهر أو شهرين، بل لا يبيعها ولا يتصرف فيها إلا حيث أيس من صاحبها، فإذا أيس فهو في حل؛ لأنه لا يمكن أن يشغل مكانه بهذه الثياب أو هذه الفرش إلى ما لا نهاية له ". "لقاء الباب المفتوح" (215 / 19) .
وإما إذا لم يكن الماء تابعا لمتاع آخر (عفش) لبعض المسافرين، وكان موعد الرحلة قد فات، أو لم يسجل عليه أية بيانات، وقد بقي في المطار مدة يغلب على الظن أن صاحبه قد سافر وتركه، أو فاتت رحلته: فمن غير المعقول أن يعود إلى المطار لطلب الماء أو البحث عنه، وحينئذ: فلا بأس بالانتفاع به للطيارين أو غيرهم من العاملين، لأن حكمه في هذه الحال: حكم اللقطة الحقيرة، أو المتاع الذي يتركه صاحبه رغبة عنه: أن من وجدها حل له الانتفاع بها.
ولو بذلته السلطة لمن أراده: أن ينتفع به، سواء كان من العاملين أو المسافرين: فهو أمر حسن، إن شاء الله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4954)
تعليق ثمن المبيع على سعر البورصة في المستقبلي
[السُّؤَالُ]
ـ[يقوم المصنع الذي أعمل فيه بإنتاج علف الدواجن ويبيعه، ويتم البيع بالصورة التالية: - يتم عمل عقد مع المشتري بإجمالي الكمية، ويكتب فيه أن سعر البيع يكون على سعر البورصة في شهر كذا (شهر مستقبلي) . - يقوم العميل بدفع مبالغ مقدمة مبنية على سعر تقريبي، واستلام البضاعة في خلال هذا الشهر. - يقوم العميل بتحديد السعر في أي يوم خلال هذا الشهر (فيقوم بمراقبة سعر البورصة هبوطا وصعودا ويحدد هو اليوم الذي يرغب في استخدامه للتسعير) - قد يكون يوم التسعير قبل أو بعد أو خلال استلام البضاعة , ثم تقوم الشركة برد فروق العقد للعميل أو العكس. وهناك عقد من نوع آخر وفيه يتحدد السعر مسبقا بغض النظر عن سعر البورصة وقت التسليم ويتم الدفع بالكامل مقدما. أرجو بيان حكم هذا البيع وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يشترط لصحة البيع أن يكون الثمن معلوما، فلا يجوز تعليقه على سعر البورصة في المستقبل؛ لجهالة الثمن.
والأصل في ذلك: ما روى مسلم (1513) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ. والغرر: الجهالة والمخاطرة وما يفضي إلى النزاع.
قال في "كشاف القناع" (3 / 173) : " الشرط السابع من شروط البيع (أن يكون الثمن معلوما) للمتعاقدين (حال العقد) ; لأن الثمن أحد العوضين، فاشترط العلم به كالمبيع " انتهى مختصرا.
وبهذا تعلم أن الصورة الأولى من البيع لا تصح لجهالة الثمن وقت العقد.
وأما الصورة الثانية التي يحدد فيها الثمن عند العقد، فهي صورة صحيحة.
والمعاملة المذكورة تدخل في عقد " الاستصناع"، وقد جوز كثير من أهل العلم أن يكون الثمن فيه مؤجلا أو مقسطا، أي لا يلزم دفعه كاملا في مجلس العقد كما هو الحال في عقد السَّلم.
وينظر: سؤال رقم (2146) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4955)
البيع بأسعار مختلفة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أبيع ساعات وغيرها، فإذا كان مثلاً سعر الساعة مائة وخمسين ريالاً فيأتيني رجل فأبيع عليه بمائة وخمسة وأربعين ريالاً، ويأتيني آخر فأبيعها بمائة وخمسة وثلاثين ريالاً نقداً، ويأتيني صديق، وبحكم الصداقة أعطيها له بمائة وخمسة وعشرين ريالاً، فهل هذا البيع جائز وفقكم الله؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الواجب على المؤمن ألا يخدع الناس، بل يتحرى السعر المناسب الذي لا يضر الناس، فإذا كان سعر الساعات مائة وخمسين مثل ما يبيع الناس أمثالها، ولكنه تنازل إلى بعض الناس إذا ألح، أو لكونه صديقاً أو قريباً، لا حرج في ذلك، كونه يتنازل لبعض الأصدقاء ويبيع بأقل من السعر المعتاد لا حرج في ذلك.
أما كونه يغش الناس، فإذا رأى الضعيف الجاهل زاد عليه، وإذا رأى الحاذق البصير أعطاه السعر المعتاد، هذا لا يجوز له، بل يجب عليه أن يلاحظ الجاهل كما يلاحظ الآخر، فيبيع بالسعر المعقول للجميع، لا يغش به أحداً، ولا يخون به أحداً، بل يبيع بالسعر المعروف الذي يبيع به الناس، حتى لا يخدع الناس، وإذا ترك لبعض المحبين أو بعض الأصحاب أو بعض الأقارب شيئاً أو أعطاه هدية بدون ثمن فلا بأس، هذا إليه.
ولكن لا يتحرى أن يظلم الجهال والذين لا يعرفون الأسعار فيبيع عليهم بأسعار زائدة، بل يجب عليه أن يكون سعره مطرداً مثل ما يبيع الناس مع الحاذق ومع غير الحاذق، هذا هو الواجب عليه، أما كونه يتنازل لبعض الناس فهذا لا بأس به" انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (3/1432)(5/4956)
خدعت في بيع وكان عليها بقية من الثمن فلم تسددها
[السُّؤَالُ]
ـ[ذهبت قريبتي إلى السوق للتسوق من أحد محلات القماش فاختارت عدة أقمشة. لكن كانت الأسعار مرتفعة جدا مقارنة بمثيلاتها من الأقمشة، عرض عليها صاحب المحل أن تأخذ كل الأقمشة على أن تدفع الباقي من المبلغ الذي لم يكن معها تلك اللحظة في وقت آخر. وأعطاها ذالك الرجل مجلة أزياء نسائية. هذه المجلة تحتوي على صور خليعة، أعطاها إياها على أن تردها مع المبلغ. سألنا صاحب أقمشة في نفس المنطقة عن سعر مثل هذه الأقمشة فكان المتربـ 50 ريال والذي كان الرجل السابق قد باعناه بـ 250 ريال. أخبرنا صاحب المحل هذا أن أشخاصاً كثر حصل لهم نفس القصة مع ذلك المحل! لم يتوفر مع قريبتي المال إلا بعد فترة وهي مترددة في مثل تلك البيعة. كان المبلغ قرابة خمسة آلاف والمبلغ المتبقي 1600 ريال والذي من غير العادة أن يتركه أي بائع على أن يرد بعد فترة خصوصاُ من امرأة لا يرى وجهها. كانت تلك القصة قبل 15عام من الآن وكانت في منطقة محافظة من مناطق المملكة. قبل عام ذهبت أنا لمقابلة صاحب المحل لأناقشه عن هذا الأمر لعله تلاعب من احد الباعة أو غير ذلك على أن أرد له المبلغ إن لم يسامح به وأستسمحه من المجلة الخليعة التي أحرقتها في فترة ماضية. لكني لم أجد المحل بأكمله ودلني احد الجيران على احد العمال الذي كان يعمل في ذلك المحل ليدلني على صاحبه السابق. أعطاني وصف لمحل له في مدينة الرياض والذي لم اجده فيما بعد وكذلك هذا الرجل غير رقم جواله فلم استطع أن أجده هو أيضا. السؤال: (كيف أبرئ ذمت قريبتي) ماذا افعل الآن يا شيخ بموضوع المبلغ الذي في اعتقادي انه لا يستحقه وكذلك موضوع المجلة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا باع التاجر ما ثمنه 50 ريالا ب 250 ريالا فهذا غبن [خداع] واضح، وللمشتري الخيار في رد السلعة وأخذ ماله، فإن رضي بالغبن وأبقى السلعة عنده، فله ذلك، ويلزمه أن يسدد ما بقي عليه من الثمن.
قال في "كشاف القناع" (3/213) في صور الغبن: " (الثالث: المسترسل وهو الجاهل بالقيمة من بائع ومشتر، ولا يحسن أن يماكس فله الخيار إذا غبن الغبن الذي يخرج عن العادة" انتهى بتصرف.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " الصورة الثالثة: قوله: «والمسترسل» وهو المنقاد مع غيره المطمئن إلى قوله، هذا في اللغة.
وفي الاصطلاح: من جهل القيمة ولم يحسن المماكسة.
والمماكسة هي المحاطة في الثمن، وهي التي تعرف عندنا بالمكاسرة، فإذا أتى إلى صاحب الدكان، وقال: بكم هذه الحاجة؟ قال: بعشرة ريالات، وهو رجل يجهل القيمة ولا يحسن أن يماكس فأخذها بعشرة، فلما عرضها على الناس، قالوا: هذه بخمسة ريالات، قال: ما علمت، فنسمي هذا مسترسلا، له الخيار؛ لأنه إذا كانت قيمة الشيء بخمسة، واشتراها بعشرة فهذا غبن يخرج عن العادة فله الخيار، والدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من غش فليس منا) ، وهو من الخيانة للمسلمين، وكل من غََّش فيجب أن يحال بينه وبين مأربه، فإن كان يعلم القيمة ويدري أن قيمتها خمسة، ولكنه أخذها بعشرة تطييبا لقلب البائع، كما يعمله بعض الناس مثلا إذا وجد رجلا فقيرا عنده بسطة صغيرة، قال: بكم هذه يا فلان؟ قال: بعشرة وهو يعرف أنها بخمسة فأخذها بعشرة فلا يكون مسترسلا؛ لأنه يعلم القيمة " انتهى من "الشرح الممتع" (8/300) .
وعليه؛ فكان لقريبتك أن ترد الأقمشة وتأخذ مالها، وحيث إنها لم تفعل، فإنه يلزمها رد بقية الثمن للبائع، وقد أخطأت في تأجيل ذلك وتسويفه، والواجب الآن البحث عن البائع ورد المال له أو لورثته، فإن لم يتيسر الوصول إليه تصدقت بالمال عنه، على أنه إن عُرف أو عرف وارثه فيما بعد، خُيرِّ بين إمضاء الصدقة فيكون ثوابها له، أو أخذ ماله ويكون ثواب الصدقة لقريبتك.
قال في "مطالب أولي النهى" (4/65) : " قال الشيخ تقي الدين ابن تيمية: إذا كان بيد الإنسان غصوب أو عواري أو ودائع أو رهون قد يئس من معرفة أصحابها ; فالصواب أنه يتصدق بها عنهم ... وكان عبد الله بن مسعود قد اشترى جارية , فدخل بيته ليأتي بالثمن فخرج فلم يجد البائع فجعل يطوف على المساكين ويتصدق عليهم بالثمن , ويقول: اللهم عن رب الجارية ... " انتهى كلام ابن تيمية. بشرط ضمانها لأربابها إذا عرفهم ; لأن الصدقة بدون الضمان إضاعة لمال المالك " انتهى.
ثانيا:
إذا كانت المجلة كما ذكرت، مشتملة على الصور الخليعة، فهذه لا يجوز بيعها، ولا قيمة لها، ولا شيء على من أتلفها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4957)
حكم الرصيد الإضافي الذي تقدمه شركات الاتصال
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض شركات الاتصالات تقدم عروضاً، وهي عبارة عن إضافة رصيد معين زيادة عما شحنه الإنسان، فإذا شحن الإنسان 10 ريالات يضيفون له 10 ريالات أخرى، فهل يجوز ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
العلاقة بين المشترك وشركة الاتصالات هي علاقة بين بائع ومشترٍ، والسلعة المبيعة هي خدمة الاتصال.
فما يدفعه المشتري من مال هو مقابل خدمة الاتصال، وليست من قبيل شراء مال بمال، ولذلك لا يشترط التساوي بين المبلغ المدفوع والرصيد المضاف للجوال.
فلا حرج أن يكون هذا الرصيد أقل من الثمن المدفوع أو أكثر، لأن مبنى الأمر على التراضي بين المتبايعين.
وما تقدمه الشركة من رصيد إضافي على الثمن المعتاد، يتخرج على أمرين:
1- أنه من باب التخفيض في السعر، فما قيمته عشرون، قد باعته الشركة بعشرة، وهكذا.
2- أو أنه من قبيل الهبة والعطية التي تُقدَّم للمستخدم تشجيعاً له على مزيد من الشراء.
وكلا الأمرين لا حرج فيه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4958)
حكم تثمين سيّارة قديمة مقابل سيّارة جديدة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز تثمين سيارتي القديمة في وكالة سيارات، مقابل شراء سيارة جديدة من نفس الوكالة، أم يكون هذا بيعتين في بيعة؟ أرجو توضيح ذلك فإن هناك من أخبرني أن فيها شبهة بيعتين في بيعة. وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الصورة التي سألت عنها لا بأس بها، ولا تدخل في النهي عن بيعتين في بيعة.
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: هل يجوز إبدال سيارتي القديمة بأخرى جديدة، وأدفع الفرق بين السيارتين لصاحب السيارة الجديدة؟ فالذي يحدث في هذه البلاد: أن يذهب صاحب السيارة القديمة إلى شركة السيارات، ويعلمهم برغبته، فيقدّرون قيمة كلّ من السيارتين، فيدفع الفرق ويأخذ الجديدة بدلا من سيارته، مع العلم بأنهم لا يشترون القديمة إلا إذا اشترى منهم الجديدة، فهل هذا البيع صحيح أو لا؟
فأجابت:
"إذا كان الواقع كما ذكرت؛ جاز لك أن تدفع سيارتك القديمة إلى الشركة مثلا لتأخذ بدلا منها سيارة جديدة، وتدفع الفرق بين القيمتين، وليس هذا من باب بيعتين في بيعة، بل هو بيع سيارة بأخرى مع المفاضلة بين قيمتهما، وليس في ذلك ربا؛ لأنّ السيارات ليست من الأنواع الربوية. وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (13/283) .
ثانياً:
فَسَّر العلماء نهي النبي صلّى الله عليه وسلّم عن البيعتين في بيعة بعدة تفسيرات، أصحها: أن المراد بذلك بيع العينة، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذة ابن القيم رحمهما الله.
وانظر جواب السؤال رقم (105339) لمعرفة معنى بيع العينة وحكمه.
وذهب آخرون إلى تفسير بيعتين في بيعة باشتراط عقد آخر في عقد البيع، كما لو قال: أبيعك سيارتي هذه، بشرط أن تبيعيني بيتك هذا، أو تؤجرني إياه.
وذهب آخرون إلى أن معنى بيعتين في بيعة: أن يجعل للسلعة ثمنين: أحدهما نقداً، والأخر بالتقسيط، وهذا منهي عنه إذا تفرقا وقد اتفقا على البيع، ولم يتفقا على الثمن، أما إذا اتفقا على الثمن (نقداً، أو بالتقسيط) فالبيع صحيح حينئذ.
قال ابن قدامة في "المغني" (6/332و333) في تفسير بيعتين في بيعة: "مثل أن يقول: بعتك داري هذه على أن أبيعك داري الأخرى بكذا، أو على أن تبيعني دارك، أو على أن أؤجّرك، أو على أن تؤجّرني كذا، أو على أن تزوّجني ابنتك، أو على أن أزوّجك ابنتي ونحو هذا، فهذا كله لا يصحّ.
وقد روي في تفسير بيعتين في بيعة وجه آخر وهو: أن يقول: بعتك هذا العبد بعشرة نقداً، أو بخمسة عشر نسيئة، هكذا فسّره مالك والثوري وإسحاق. وهو أيضا باطل وهو قول الجمهور؛ لأن الثمن مجهول فلم يصح البيع" انتهى باختصار.
وانظر جواب السؤال رقم (13722) .
وعلى أي تفسير لـ "بيعتين في بيعة" فالصورة المسؤول عنها جائزة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4959)
حكم شراء أسئلة الاختبارات من الجهة المانحة للشّهادة
[السُّؤَالُ]
ـ[تعرض شركة مايكروسوفت الأمريكية شهادات متخصصة في علوم الكمبيوتر، ويمكن لأي شخص أن يحصل على إحدى هذه الشهادات بعد دراسة المناهج، وإجراء الاختبارات المطلوبة، وتقترح شركة مايكروسوفت على الراغبين في الدخول للاختبار شراء مجموعة من الأسئلة والأجوبة؛ ليتمكنوا من قياس استيعابهم، ومعرفة طريقة الاختبار قبل الدخول له بشكل فعلي. بل وجدت أن الشركة تضمن لك اجتياز الاختبار الفعلي إذا قمت بدراسة هذه الأسئلة بشكل جيد. وصار الناس يشترون هذه الأسئلة أو يحملونها من الانترنت بالمجان، ومن ثم يدخلون الاختبار، ويجتازونه ويحصلون على الشهادة بدون دراسة للكتب المطروحة. وأسئلتي هي: ما حكم شراء مثل هذه الأسئلة إذا كانت الشركة المانحة للشهادة تقترح عليك شراءها، وقد تعلم أن الدارسين قد يحفظون الأجوبة ويجتازون الاختبار؟ - ما حكم شراء الأسئلة إذا كنت قد ذاكرت المناهج مسبقا؟ - ما حكم استخدام هذه الشهادات للبحث عن وظائف أفضل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل في أنظمة الاختبارات العدل والأمانة، واجتناب الغشّ والخيانة، فلا يجوز للمدرّس بيع الأسئلة، ولا التلميح بها، ويحرم شراؤها منه؛ لأنّ المقصود معرفة قدرات الطلاّب ومدى استيعابهم للمقرّر، فأيّ نجاح أو شهادة حصل من غشّ وخيانة حرم التّوظيف بها؛ لعموم قول النّبيّ - صلى الله تعالى عليه وسلم -: (مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا) . أخرجه مسلم في صحيحه برقم (101) .
ينظر: فتاوى اللجنة الدائمة (12/199) ، ومجموع فتاوى ابن باز (24/62) ، وجواب السؤال رقم (130502) ، ورقم (106522) .
أمّا إذا كانت الجهة المنظّمة للاختبار تبيع الأسئلة علناً، لا خفية من بعض أفراد الشركة، وأن هذا الأمر معروف من نظامها: فلا حرج في شرائها منها؛ إذ لا يترتّب عليه ضرر على الشّركة، ولا على أحد من المشاركين في البرنامج.
ولأنّ هذه الأسئلة هي المنهج المطلوب في هذا الاختبار، لأنّها وضعت على جميع مفردات المنهج، فكما تبيع المقرّرات، كذلك تبيع الأسئلة، وغالب من يشارك في الاختبار هم من لهم معرفة وإلمام بعلم الحاسب الآلي، فيريدون الشّهادة فقط ليعرف مستواهم بها.
وشركة المايكروسوفت تقصد من وراء ذلك مكسباً تجارياً لها، وتعطي الشّهادة بناء عليها.
فبهذا يتبيّن الفرق بين هذه المسألة، ومسألة بيع الأسئلة السّابق ذكرها.
ولا فرق بين شرائها قبل مذاكرة المنهج وبعدها.
وأمّا استخدام هذه الشّهادة للبحث عن الوظائف، فلا بأس بها؛ لأنّ صاحبها لا يبطل بها حقّ أحد، وإنّما يثبت بها مدى إتقانه للحاسب الآلي، أو بتعبير أدق: يثبت بها توثيق هذه الشركة لاستيعابه ومعرفته بالمنهج المحدد من قبلها.
وإذا قدر أن هذا النظام في الاختبارات، لا يعكس المقدرة الحقيقية للمتدرب، ولا يسمح له بالاستفادة المطلوبة من دراسته وتدربه، وأنه يمنح شهادات معينة، لمن لا يستحقها، بناء على تحصيله الحقيقي:
فهذا أمر يجعل أصحاب الأعمال والوظائف: يعيدون النظر في اعتبارهم لمثل هذا النوع من الشهادات، وتقديرهم لحاملها، ولا يظهر لنا أنه يعود بالإثم على المتدرب، أو الداخل في هذه الاختبارات.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4960)
حكم شراء منزل عن طريق البنك، ورهن المنزل للبنك حتى يتم السداد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل شراء المنزل برهان جائز حين تكون النية الوحيدة هي حوزة الشخص على المنزل بدلاً من المتاجرة فيه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
شراء المنزل عن طريق البنك له صورتان:
الأولى: أن يكون دور البنك هو التمويل مقابل الفائدة، فيدفع عنك ثمن المنزل على أن تسدده مقسطا مقابل فائدة يأخذها البنك، وهذا قرض ربوي محرم.
ولا فرق بين كون الإنسان يريد المنزل للسكنى أو يريده للاتجار فيه.
والثانية: أن يشتري البنك المنزل لنفسه أولا، ثم يبيعه عليك بالأقساط بثمن أعلى، وهذا لا حرج فيه، لكن يشترط خلو العقد من الشرط الربوي، وهو اشتراط غرامة في حال التأخر في سداد الأقساط، لأن اشتراط هذه الغرامة ربا محرم.
ويجوز للبنك في هذه الحالة أن يشترط رهن المنزل له إلى أن تسدد جميع الأقساط.
وينبغي أن تعلم أن حاجة الإنسان إلى المنزل لا تبيح له الوقوع في الربا؛ لأنه يمكن دفع هذه الحاجة بالاستئجار ولو كان مكلفا.
ولا يخفى ما في الربا من القبح والإثم وسوء العاقبة في الدنيا والآخرة، نسأل الله لنا ولك العافية والسلامة من ذلك.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4961)
تحديد سعر نقدي للسلعة وآخر إذا اشتراها بالتقسيط
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد شخصان أحدهما يملك سيارة والآخر يريد أن يشتريها منه، فقال له الرجل الذي يملك السيارة: إن تدفع النقود نقداً أبيعها عليك بثمانية آلاف. وإن تدفعها غير نقد (بالتقسيط) أبيعها عليك بعشرة آلاف على أن تعطيني كل شهر مبلغ كذا. أفيدونا وجزاكم الله عنا خيراً هل هذا صحيح أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا حرج في ذلك؛ أن يقول: السيارة نقداً بكذا ومؤجلة بكذا، السيارة أو البيت أو الدكان أو الأرض أو السلع الأخرى لا بأس، هذا هو الصواب الذي لا شك فيه، لكن لا يتفرقون إلا وقطعوا البيع، فإن تفرقوا ولم يقطعوا البيع لم يتم شيء، فإذا تفرقوا على أن البيع بثمانية آلاف نقداً صح. وإن تفرقوا على أن البيع بعشرة آلاف، كل شهر خمسمائة أو كل شهر ألف فلا بأس بذلك، هذا ما تفرقوا عليه آجل أو نقد" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (3/1439) .
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
فتاوى نور على الدرب(5/4962)
حكم الكسب من الاستديو، وهل يجوز له بيع آلات التصوير؟
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل عنده استديو فيه آلات تصوير وعلم أن التصوير حرامُ، فكيف يتصرف فيها بحيث يمكنه تجنب الخسارة؟ وإذا باعها على مسلم أليس في ذلك مساعدة على نشر المعصية؟ وما حكم ما يأتيه من كسب من ذلك هل يجوز صرفه عليه وعلى أهله؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"هذا فيه تفصيل، فإن الاستديو يصور فيه الجائز والممنوع، فإذا صور فيه ما هو جائز من السيارات والطائرات والجبال وأشجار وغير هذا من كل ما ليس فيه روح فلا بأس أن يبيع ذلك، ويصور هذه الأشياء التي قد يحتاجها الناس وليس فيها روح.
أما تصوير ذوات الأرواح من بني الإنسان أو من الدواب أو الطيور فلا، وإذا صور فيها شيئاً يحتاجه الناس ويضطرون إليه كالتابعية التي يحتاجها الناس في حفيظة النفوس فلا بأس.
فالمقصود أنه لا يستعمل فيه إلا الشيء الجائز، وإذا باعه على الناس فلا بأس ببيعه؛ لأنه يباع ويستعمل في الطيب والخبيث، مثل ما يبيع الإنسان السلاح كالسيف والسكين، والسكين تستعمل في الخير والشر، وهكذا السلاح، فهو غير مسؤول عن هذا الشيء إلا إذا كان يعلم أن المشتري يضر به الناس فلا يبيع عليه لا سلاحاً ولا غيره، أما إذا كان لا يعلم، إنما هو في السوق العامة التي ليس فيها علم هل يستعمله في الشر أو في الخير فلا يضره ذلك والإثم على من استعمله في الشر.
وما دخل عليه من ذلك فهو مباح له إلا إذا كان من قيمة تصوير ذوات الأرواح، فإنه يتأمل ويقدر قيمتها ويتصدق بها على الفقراء، بقدر ما صور به ذوات الأرواح، فإن كان الربع أو أكثر أو أقل أخرجه في وجوه الخير، براءة للذمة وبعداً عن الحرام" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (3/1473) .
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
فتاوى نور على الدرب(5/4963)
عامل بقالة كان يبيع بالآجل وأنكر المشتري، فهل يضمن العامل هذه الأموال؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أعمل عامل بقالة مع أحد الرجال وقام أحد الناس بشراء أحد المقاضي بالدين وصاحب البقالة يعلم بذلك، ووعد المدين بسداد الدين عندما يتيسر له ذلك، وقمت بإجازة سنوية لبلدتي، وفي ذلك الوقت طالب صاحب البقالة المدين بالدين الذي عليه فأنكر ذلك وقال: إنه لم يستدن شيئاً من البقالة فانتهز فرصة غيابي، وعند عودتي من الإجازة لم أجد الرجل المستدين وقد ترك المنطقة نهائياً، وقام صاحب البقالة بمطالبتي بسداد المبلغ المطلوب من الرجل، فهل الدين الذي أنكره الرجل أصبح في ذمتي؟ وهل يجوز أن نقتسم المبلغ بيننا باعتبار أن صاحب البقالة عنده علم بالدين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"هذا فيه تفصيل: إذا كان صاحب البقالة قد أذن لك في أن تدين الناس وسمح لك بهذا فلا حرج، ولكن عليك أن تثبت الدين، فإن كنت بعت شيئاً بالدين ولم تثبته في الدفتر ولا بشهود فأنت تغرم المال؛ لأنك مفرط، وإذا كان لم يأذن لك في أن تدين أحداً فأنت تغرم المال أيضاً.
أما إذا كان أذن لك وقد أثبَتَّ الدين في الدفتر أو عن طريق شهود، أو بالكتابة يكتبها على نفسه ويوقع على ذلك بخطه لئلا ينكر الدين أو يخادع في ذلك، فإذا فعلت ذلك فلن يستطيع الإنكار، وإن كان قد بقي لديك إشكال غير ما ذكر فالمحكمة تنظر" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (3/1439) .
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
فتاوى نور على الدرب(5/4964)
اشترى شقة على أنها بمساحة معينة فبانت أكثر فهل يلزم بدفع الفرق؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قمت بشراء شقة في عمارة من شركة إسكان بعد معاينته (90% كان جاهز ب النظر إليه) تم عمل عقد يحتوي الوصف والمكان والسعر وتم ذكر المساحة حسب المخطط المرفق وقالوا إنها بين260 و270 م وعند تسجيل الملكية بعد أن أصبح جاهزاً قالوا سنسجل وتسكن ولكن وجدنا بعد الإفراز أن المساحة 291م أي أنهم أخطؤوا في حساب المساحة وطبعا المخطط لم يتغير أي هناك زيادة في المساحة 20 إلى 30 م , ونترك لك أمر أن تدفع لنا زيادة عن فرق السعر وسكنت, هل يجب شرعا أم لا يجب علي ذلك. علما انهم قالو في البداية وجدنا المساحة 230 حتى يختبروني فقلت الأمر لكم ثم عادوا بعد أسبوع وقالو وجدناها 291 علما انهم يلحون وأنا في حيرة من أمري أفيدوني أفادكم الله]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من باع أرضا أو دارا على أنها بمساحة معينة، فبانت أكثر مما قدر، فالبيع صحيح، ولمن جهل الزيادة وفات غرضه الخيار في إمضاء البيع أو فسخه.
قال في "زاد المستقنع": " وإن باعه دارا على أنها عشرة أذرع فبانت أكثر أو أقل صح ولمن جهله وفات غرضه الخيار".
والبائع هنا لا يمكن أن يقال له: خذ الزيادة التي هي نحو عشرين مترا، ولهذا نقول: له الخيار بين أن يمضي البيع أو أن يفسخه.
والمشتري لو كان لا يملك ثمن الزيادة أو لا يحتاجها، فله الخيار أيضاً، ولا يُلزم بشراء الزيادة، لأنه لم يقع عليها العقد.
والحاصل: أن لكل منكما حق الفسخ، ما لم يتبرع البائع بالزيادة فلا خيار لك حينئذ؛ لعدم فوات غرضك.
فإن أَصَرَّ على ثمن الزيادة، فإما أن تفسخا البيع، أو تتصالحا على تقدير ثمن الزيادة، والصلح خير.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "ولو تراضيا على النقص أو الزيادة جاز؛ لأن الحق لهما، فإذا تصالحا على إسقاطه، مثل أن يقول: بعتها على أنها مائة متر فتبين أنها تسعون مترا وتصالحا بحيث قالا: يسقط من الثمن كذا وكذا، واتفقا على ذلك فلا بأس" انتهى من "الشرح الممتع" (8/259) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4965)
حكم بيع الواقي الذكري والأدوية التي بها كحول والتي تزيد من حجم الثدي
[السُّؤَالُ]
ـ[ي يتعلق بالرزق. أنا أملك صيدلية، حيث نقوم ببيع كل المواد – والأشياء التي أسأل عنها هي الواقي الذكري، والأدوية وسوائل غرغرة للفم تحتوي على الكحول وما شابهها. فهل أكون مسؤولا عن الزنا لأني أوفر الواقي الذكري؟ ماذا علي أن أفعل حينما تكون الأدوية أساسها كحولي؟ ما هو رأيك في الأدوية التي تزيد من الرغبة الجنسية – (عادة ما يستخدمها الناس الذين يتزوجون حديثا) ؟ ما هي تعليقاتك حول بيع المواد التي تتعلق بأثداء النساء – (التي تزيد من حجم الثدي وتبقيه متماسكا) ؟ وفي منضدة البيع، فإن علينا أن ننظر إلى الزبائن لنتجنب السرقات – وبعض النساء يظهرن عاريات في هذه الأيام، فماذا أفعل؟ أنا أشعر بالخجل وأنا أنظر إليهن، وفي نفس الوقت أفكر في حبي لله سبحانه وتعالى. أنا أعتذر عن أية إساءة تنتج عن هذه الأسئلة، وأتمنى من الله تعالى أن يهدينا إلى الطريق الصحيح.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
عليك أن تقتصر على بيع الأشياء التي لا حرج فيها ولا محظور حتى يكون رزقك حلالا، فالواقي الذكري ننصحك بعدم بيعه لأن الذين يستخدمونه للزنا يقومون باستخدامه لمنع حدوث الحمل، فمن يوفر لهم ذلك يكون عليه إثم. [وهذا إذا علم البائع أن من يشتريه يشتريه لارتكاب الفاحشة، أما مع عدم العلم بقصده، فالأصل جواز بيعه] .
ثانياً:
بالنسبة للأدوية التي أساسها كحول فلا بأس بها إذا كانت تلك الكحول ضرورية ومفيدة فلا بأس ببيعها خاصة إذا كانت نسبتها قليلة.
ثالثاً:
فيما يتعلق ببيع الأدوية التي تزيد الرغبة الجنسية فلا بأس ببيعها إذا كانت للمتزوجين.
رابعاً:
لا يجوز بيع المواد التي تستخدم لتغيير حجم الثدي، لأنه تغيير لخلق الله، فتدخل في وعيد المغيّرات خلق الله، وعلى المرأة أن ترضى بقدر الله. [أما ما يقصد به من الأدوية جعل الثدي متماسكاً بدون تغيير حجمه، فهذا لا بأس به] .
وننصحك بغض الطرف، والابتعاد عن النظرة التي تزيد الشهوة وقد تسبب الوقوع في الزنا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله(5/4966)
هل هذا من بيع المسلم على أخيه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ذهبت يوماً من الأيام إلى سوق السيارات المسمى بالحراج ووقفت عند سيارة أريد شراءها وسألت صاحبها: بكم هذه؟ فقال لي مثلاً: بعشرة آلاف ريال، فأخذت أنظر في السيارة وأتفحصها، ثم جاء رجل وسأل صاحبها فقال: بكم هذه؟ فقال له مثل ما قال لي فزاد هذا الرجل مائتين، وقال صاحب السيارة: هي من نصيبك، فتردد الرجل وقال: سأذهب وأشاور، ونحن لا زلنا عند السيارة فقال صاحبها: إذا كنتم تريدونها بهذا السعر فخذوها بما أراد هذا الرجل فاشتريناها منه. فهل يعتبر هذا من بيع المسلم على بيع أخيه وشرائه على شرائه؟ وإذا كان كذلك فأرشدونا ماذا نفعل الآن؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الواقع هو ما ذكره السائل فلا حرج في ذلك؛ لأن صاحب السيارة لم يبعها إلى ذلك الذي قال أشاور، بل تركه فقال: إن كنتم تريدون شراءها بهذا فخذوها فما دام المالك لم يرض بيعها على من قال: عشرة آلاف ومائتين وقال: سأشاور، وأراد بيعها على من حضر فلا بأس، من حضر وأخذها بعشرة آلاف ومائتين فلا بأس؛ لأن صاحب السيارة لم يلزم ببيعها على ذلك، بل لما قال له: سوف أشاور أعرض عنه، وقال: من أراد أن يأخذها بكذا وكذا، فهذا معناه أنه لم يرض بانتظاره وأراد أن يبيعها في الحال، فأنت أيها السائل إن كنت أخذتها بما قال فلا بأس وليس هذا من بيع المسلم على أخيه، بيع المسلم على أخيه إذا باعها عليك وانتهى الأمر، فليس لأحد أن يزيد عليه، هذا معناه، أما ما دام يقول: من أراد أن يشتري فله الشراء فهو حتى الآن ما باعها على أحد" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (3/1434) .
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
فتاوى نور على الدرب(5/4967)
لابد من امتلاك السلعة وحيازتها قبل بيعها
[السُّؤَالُ]
ـ[أردت أن أشتري أغراضاً كهربائية لمنزلي حتى أسكن فيه أنا وأولادي ولم يكن معي نقود، فذهبت إلى شخص لديه نقود فقال: أشتريها لك، فاشتراها بمبلغ 7540 ريال وباعها علي بمبلغ 9400 ريالاً بيعاً مؤجلاً أسددها قسطاً شهرياً كل قسط ألف ريال، فما حكم الشرع في ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا حاز الأغراض والأدوات وتملكها ثم باعها بعد ذلك عليك بمبلغ معلوم مقسط فلا بأس. لكن ليس له البيع عليك قبل أن يملكها، إذا عرف أنك تريدها، وأنك محتاج لها، فاشتراها وحازها في بيته أو في السوق أو في أماكن نقلها إليها من ملك البائع، ثم باع عليك هذه الأدوات بثمن معلوم مقسط كل شهر كذا فلا حرج" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (3/1450) .
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
فتاوى نور على الدرب(5/4968)
كيف يحقق التجار التوكل على الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أرغب في معرفة كيفية التوكل عند التجارة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التوكل على الله في عموم حاجات المسلم من علامات إيمان المرء، ويتأكد ذلك في التوكل على الله في الرزق، وتحصيله.
قال أبو حاتم بن حبَّان – رحمه الله -:
الواجب على العاقل: لزوم التوكل على من تكفل بالأرزاق؛ إذ التوكل هو نظام الإيمان [النظام: هو السلك الذي تنظم فيه حبات العقد] ، وقرين التوحيد، وهو السبب المؤدي إلى نفي الفقر، ووجود الراحة، وما توكل أحدٌ على الله جل وعلا من صحة قلبه، حتى كان الله جلَّ وعلا ـ بما تضمَّن من الكفالة ـ أوثق عنده بما حوته يده: إلا لم يكِلْه الله إلى عباده، وآتاه رزقه من حيث لم يحتسب.
وأنشدني منصور بن محمد الكريزي:
توكلْ على الرحمن في كلِّ حاجةٍ ... أردتَّ فإن الله يقضي ويَقْدُرُ
متى ما يُرِدْ ذو العرش أمراً بعبده ... يُصِبْه، وما للعبد ما يتخَيَّر
وقد يَهلك الإنسانُ من وجه أَمْنِه ... وينجو بإذن الله من حيث يَحْذَر
" روضة العقلاء ونزهة الفضلاء " (ص 153، 154) .
أما كيفية التوكل في التجارة، فينبغي على العبد أن يلتفت إلى ما يلي:
أ. أن يعتقد أن الله تعالى قد قسم الأرزاق بين خلقه، وقدَّر ذلك في الأزل.
قال أبو حاتم بن حبَّان – رحمه الله -:
العاقل يعلم أن الأرزاق قد فُرغ منها، وتضمنها العلي الوفي، على أن يوفرها على عباده في وقت حاجتهم إليها، والاشتغال بالسعي لما تضمن، وتكفل: ليس من أخلاق أهل الحزم، إلا مع انطواء صحة الضمير على أنه وإن لم يسع في قصده: أتاه رزقه من حيث لم يحتسب.
" روضة العقلاء ونزهة الفضلاء " (ص 155) .
ب. أن يقطع العلائق في تحصيل رزقه بينه وبين غير الله تعالى.
قال أبو حاتم بن حبَّان – رحمه الله -:
التوكل هو: قطع القلب عن العلائق برفض الخلائق، وإضافته بالافتقار إلى محوِّل الأحوال، وقد يكون المرء موسراً في ذات الدنيا، وهو متوكل صادق في توكله، إذا كان العُدْم والوجود عنده سيين لا فرق عنده بينهما، يشكر عند الوجود، ويرضى عند العدم، وقد يكون المرء لا يملك شيئاً من الدنيا بحيلة من الحيل، وهو غير متوكل، إذا كان الوجود أحب إليه من العدم، فلا هو في العدم يرضى حالته، ولا عند الوجود يشكر مرتبته.
" روضة العقلاء ونزهة الفضلاء " (ص 156) .
ج. أن يكون قلب الطالب للرزق معتمداً على الله تعالى ربِّه، مع بذل الأسباب، والسعي في تحصيلها.
ومما يدل على أن التوكل فيه أخذ بالأسباب: ما جاء عَنْ أَبِي تَمِيمٍ الْجَيْشَانِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا) .
رواه الترمذي (2344) وابن ماجه (4164) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
قال ابن كثير - رحمه الله -:
فالسعي في السبب لا ينافي التوكل - وذكر حديث (لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله ... ) -، فأثبت لها رواحاً، وغدوّاً، لطلب الرزق، مع توكلها على الله عز وجل، وهو المسَخِّر، المسيِّر، المسبِّب.
" تفسير ابن كثير " (8 / 179) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رمه الله -:
فعلى العبد أن يكون قلبه معتمداً على الله، لا على سببٍ من الأسباب، والله ييسر له من الأسباب ما يصلحه في الدنيا والآخرة.
" مجموع الفتاوى " (8 / 528) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله -:
التوكل يجمع شيئين: أحدهما: الاعتماد على الله، والإيمان بأنه مسبب الأسباب، وأن قدره نافذ، وأنه قدر الأمور وأحصاها وكتبها سبحانه وتعالى.
الثاني: تعاطي الأسباب؛ فليس من التوكل تعطيل الأسباب، بل التوكل يجمع بين الأخذ بالأسباب والاعتماد على الله، ومن عطلها فقد خالف الشرع والعقل.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (4 / 427) .
وانظر تتمة كلام الإمامين، والتفصيل في المسألة في جواب السؤال رقم: (118262) .
د. حسن الظن بالله تعالى، والالتجاء إليه بالدعاء، والسؤال، والطلب.
يقول شيخ الإسلام: ينبغي للمهتم بأمر الرزق أن يلجأ فيه إلى الله ويدعوه , كما قال سبحانه فيما يؤثر عنه نبيه صلى الله عليه وسلم: (كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلاَّ مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِى أُطْعِمْكُمْ يَا عِبَادِى كُلُّكُمْ عَارٍ إِلاَّ مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ) – رواه مسلم -.
وانظر كلاما متيناً لشيخ الإسلام ابن تيمية في جواب السؤال رقم: (21575) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4969)
هل يجوز شراء المحل بالإكراه بعد بيعه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أخي عنده محل تصليح أحذية مند 12 سنة في طرابلس، وقد اصطحب معه عاملا مصريا من منطقة الخمس منذ ذلك الوقت , خلال العمل اشترط على العامل، إن طال الزمن أو قصر وتركت العمل، ألا تعمل في هذه المنطقة مع أحد غيري، ولا تقوم بفتح محل لحسابك الخاص؛ بمعنى أنه لا بأس من العمل مع احد من أفراد عائلتي. وبعد فترة سافر العامل المصري وعاد لليبيا، ووجد المحل فيه عامل آخر، وأنا فتحت محلا لنفسي، وليشتغل فيه هذا العامل بحكم العشرة الطويلة التي بيننا، وعندما جهزت المحل ظل المحل مغلقا 20 يوما، لأن هذا العامل أخلف وعده معي، وبدأ يشتغل في مكان أخر خارج المنطقة، ومرة أخرى بعث هو شخص ليتوسط بيننا ويقول إنه سيأتي، وأخلف بوعده مرة أخرى, ومرت ثلاثة سنين واضطررت لبيع المحل فبعته لذلك العامل، وهذا المحل في نفس المنطقة التي فيها محل أخي. وبعدها جاءني أخي وقال لي كيف تملك المحل لهذا الشخص وقد أخلف بوعوده معنا، وأخي عازم على أن يخرج العامل من المحل بأن نشتري المحل أنا أو هو. فما الحكم في هذا الشراء، هل هو جائز أم لا؟ وإذا كان شراء المحل بالإكراه من العامل فهل في ذلك سبب لقطع رزق العامل؟ أفيدونا رعاكم الله وأرضاكم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
اشتراط أخيك على العامل: إن طال الزمن أو قصر وترك العمل، ألا يعمل في هذه المنطقة مع أحد غيره، ولا يقوم بفتح محل لحسابه الخاص شرط فاسد، لا يجوز له اشتراطه عليه، كما لا يجوز للعامل أن يوافق عليه، وهو يعلم أنه لن يفي به في العادة، ولو قدر أنه اضطر لقبول هذا الشرط، في وقت ما، فلا يلزمه الوفاء به.
روى البخاري (2168) ومسلم (1504) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: جَاءَتْنِي بَرِيرَةُ فَقَالَتْ: كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ، فِي كُلِّ عَامٍ أوَقِيَّةٌ، فَأَعِينِينِي. فَقُلْتُ: إِنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ وَيَكُونَ وَلَاؤُكِ لِي، فَعَلْتُ؟
فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ إِلَى أَهْلِهَا، فَقَالَتْ لَهُمْ، فَأَبَوْا ذَلِكَ عَلَيْهَا.
فَجَاءَتْ مِنْ عِنْدِهِمْ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ، فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ عَرَضْتُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَأَبَوْا إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُمْ.
فَسَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَتْ عَائِشَةُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:
(خُذِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاءَ؛ فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ.) .
فَفَعَلَتْ عَائِشَةُ، ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ:
(أَمَّا بَعْدُ؛ مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ؛ مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ؛ قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ، وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ، وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ) .
وقد ترجم الإمام النسائي رحمه الله في سننه على هذا الحديث، فقال: " الْبَيْعُ يَكُونُ فِيهِ الشَّرْطُ الْفَاسِدُ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ ". انظر: سنن النسائي (7/300) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" وَالشُّرُوطُ إنْ وَافَقَتْ كِتَابَ اللَّهِ كَانَتْ صَحِيحَةً، وَإِنْ خَالَفَتْ كِتَابَ اللَّهِ كَانَتْ بَاطِلَةً "، وذكر حديث عائشة، ثم قال:
" وَهَذَا الْكَلَامُ حُكْمُهُ ثَابِتٌ فِي الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْوَقْفِ. وَغَيْرِ ذَلِكَ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ ". انتهى.
"إقامة الدليل على إبطال التحليل" (3/354) .
وليس من شك في أن هذا الشرط يخالف كتاب الله؛ فليس من حق صاحب هذا المحل أن يمنع هذا العامل من العمل كيف شاء، في غير وقت دوامه المتفق عليه بينهما؛ فضلا عن أن يمنعه من العمل في المنطقة بعد ترك هذا المحل، وانتهاء علاقة الإجارة بينهما؛ وهذا أمعن في ظلم هذا العامل والعدوان على حقه.
ثانيا:
حيث إن بيع المحل للعامل قد حصل عن تراض منكما، فلا يجوز إخراجه منه، أو إكراهه على ذلك؛ لأنه قد ملك العين بالشراء ملكا صحيحا، فلا يجوز نزع ملكيته بالإكراه.
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) النساء/29.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اسْمَعُوا مِنِّى تَعِيشُوا؛ أَلاَ لاَ تَظْلِمُوا، أَلاَ لاَ تَظْلِمُوا، أَلاَ لاَ تَظْلِمُوا؛ إِنَّهُ لاَ يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلاَّ بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ) .
رواه الإمام أحمد (19774) وصححه الألباني.
ثالثا:
ليس من شك في أن رزق كل إنسان مقدر من قبل خلقه، وليس من شك أيضا في أن هذا الرزق المقدر قدرت له أسبابه، وعملكم هذا سعي في التضييق على هذا العامل، وظلم له بإخراجه من مكان عمله بغير حق، فلم يكن من حقكم أن تشترطوا عليه ألا يعمل مع غيركم، وليس من حقكم الآن أن تكرهوه على بيع المحل الذي يعمل فيه، إذا لم يعمل معكم، أو لم تستطيعوا أنتم أن تديروا محلكم، وهذا رزقه الذي كتبه الله له، وهذا رزقكم الذي كتبه الله لكم، وكل شيء عنده بمقدار؛ فلا ينبغي لكم أن تحسدوه على توفيق الله له في عمله، ولا أن تسعوا في التضييق عليه وظلمه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4970)
حكم الاشتراك في خدمة الجوال: "سلفني.. شكرا"
[السُّؤَالُ]
ـ[أسأل بخصوص خدمة تقدمها أحد شبكات الجوال في مصر تسمى خدمة "سلفني.. شكرا" حيث يمكن للمستخدم اقتراض مبلغ ثلاث جنيهات إذا نفذ رصيده ويسددها بعد الشحن، ولكن القيمة الفعلية التي يتم اقتراضها هي 2.5 جنيها لأن ثمن الخدمة نصف جنيه. فهل هذا يعتبر ربا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا بأس بالاشتراك في هذه الخدمة؛ لأن هذا بيع منفعة وليس بيع مالِ بمال، كما أنه ليس قرضا، فالشركة توفر خدمة الاتصال مع الدفع المؤجل بسعر أعلى من الدفع نقداً؛ فمنفعة الاتصال التي قيمتها نقداً جنيهان ونصف الجنيه تباع بثلاثة جنيهات مؤجلة تستوفيها الشركة من العميل عند قيامه بشحن جواله، وهذا البيع جائز.
والشركة لا تقرضك في الحقيقة مالا، ثم تأخذه بعد ذلك بزيادة، حتى يقال: إنه ربا، وإنما تبيعك الخدمة بثمن أعلى، والزيادة في الثمن مقابل التأجيل في الدفع لا حرج فيه.
وقد جاء في قرارات "مجمع الفقه الإسلامي"، قرار رقم 51 (2/6) :
"تجوز الزيادة في الثمن المؤجل عن الثمن الحالّ [يعني: النقدي] " انتهى.
نقلا عن كتاب "قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي" (ص 109) .
وانظر جواب السؤال رقم (117808) .
والذي أوقع الإشكال في المسألة تسمية هذه المعاملة "سلف" أو "قرض"، وهي تسمية غير صحيحة، وإنما هي بيع منفعة [الاتصال الهاتفي] بثمن مؤجل أكثر من الثمن النقدي.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4971)
حكم شراء شقة من البنك بالتقسيط
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم شراء شقة من البنك بالتقسيط؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
"شراء الشقة من البنك بالتقسيط لا مانع منه بشرط أن لا يتم التعاقد مع البنك على شراء الشقة إلا بعد أن يشتريها البنك من مالكها الأول، فإذا اشتراها وأصبحت ملكا له جاز شراؤها منه نقدا أو مؤجلا. وفق الله الجميع لما فيه رضاه" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (19/11) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4972)
حكم شراء السلعة بثمن مؤجل بواسطة البنوك
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم شراء سيارة أو غيرها بثمن مؤجل بواسطة وسيط ثالث هو البنك ونحوه ويكون الوسيط هو المستفيد من الزيادة على الثمن الذي تساويه نقدا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا كان البنك يشتري السيارة من مالكها ثم يبيعها عليك بعدما يشتريها ويقبضها فإنه لا حرج في ذلك، ولو كان بأكثر مما اشتراها به.
أما إذا كان الذي يبيعها عليك مالكها الأول والبنك يقوم بدفع القيمة له ويقوم البنك بأخذ الربح مقابل ذلك، فإنه لا يجوز؛ لأنه بيع الدراهم بدراهم، وهو محرم، لأنه ربا" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (19/36) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4973)
حكم بيع الأسهم بالتقسيط مع بقائها على اسم صاحبها
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد تقسيط الأسهم على أحد زملائي، مثلا يوجد عندي 100 سهم في شركه ما، واشتريتها ب 50 ريال، والآن هي ب 40 ريال. فهل يجوز بيعها ب 60 ريال أقساط. علما بأن الأسهم في محفظتي الشخصية، ولا أستطيع نقلها إلى محفظته إلا ببيعها. وشكرا لكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في بيع الأسهم المباحة بالتقسيط، كأن تكون قيمة السهم (40) ريالا، فتبيعه بـ (60) ، ولا يضر بقاء الأسهم على اسمك، وينبغي توثيق البيع بما يحفظ حق البائع والمشتري معا.
سئل الدكتور محمد العصيمي حفظه الله: " هل يجوز أن أبيع أسهما موجودة في محفظتي لأحد الشباب، وله حرية الاختيار وقت بيعها أو إبقائها في المحفظة ... والله يحفظكم؟
فأجاب: يجوز في الأصل، وأنا لا أنصح به، لما فيه من مظنة الخصومة والنزاع بينك وبينه، ومن عدم توثيق البيع في حال الوفاة، ومن عدم قدرة المشتري على استيفاء المبيع. وإن فعلت، فعلى المشتري ألا يبيع على أحد، لأنه لن يستطيع أن ينقلها إلى محفظته. بل يجب عليه أن يطلب منك بيعها في السوق، في الوقت الذي يرغب فيه ". انتهى.
من موقع الشيخ على الإنترنت.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4974)
يطلب منه أصحابه شراء أجهزة لهم فيضيف لنفسه ربحا
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مهندس حاسب آلي وشبكات وأتعامل مع فئات متعددة شركات وأفراد في مبيعات الحاسب الآلي وملحقاته تارة يأتي إلىّ العملاء وقد يكونوا من معارفي يطلبون شراء أجهزة وملحقتها الخ.....، فأقوم بتحديد السعر أن الجهاز سوف يكلفكم كذا من المبلغ وأقوم بوضع عمولتي على المبلغ دون علمهم أنني وضعت العمولة مثلا الجهاز بمبلغ 2000 ريال أقوم بأخبارهم أن الجهاز سيكلفكم مبلغ 2500 ريال وأقوم بشراء الجهاز من حسابي الخاص ومن ثم أستلم من العميل أو الشخص مبلغ 2500 ريال بعد استلام الجهاز.، سؤالي هل هذه الصورة صحيحة أنني آخذ عليهم عمولة دون علمهم مع العلم أنني أتعامل مع شركات مبيعات الحاسب الآلي ويتم صدور الفاتورة من الشركة بمبلغ 2500 ريال وسعره في الواقع 2000 ريال مع العلم أنني أقوم بتحديد مواصفات الجهاز واستلامه واصدق مع العميل فيما تم الاتفاق عليه. ما حكم الشرع في ذلك. وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز أن تشتري ما يريده العملاء من أجهزة ثم تبيعها عليهم بربح مناسب، بشرط أن تملك الجهاز أولا قبل بيعه على العميل لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الإنسان ما لا يملك.
فقد روى النسائي (4613) وأبو داود (3503) والترمذي (1232) عن حكيم بن حزام قال: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ يَأْتِينِي الرَّجُلُ فَيَسْأَلُنِي الْبَيْعَ لَيْسَ عِنْدِي أَبِيعُهُ مِنْهُ ثُمَّ أَبْتَاعُهُ لَهُ مِنْ السُّوقِ قَالَ: (لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ) والحديث صححه الألباني في صحيح النسائي.
ويلزم أن يعرف العميل أنك بائع، ولست متبرعا بالبحث له عن جهاز، ولا يشترط أن يعلم مقدار ربحك، بل إذا حدد المواصفات التي يريدها قلت له: إن هذا الجهاز ستبيعه له في حال إحضاره بكذا.
وأما إن تبرعت بالبحث والشراء لشخص ما، فليس لك أن تزيد في ثمن الجهاز.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" إذا كان الإنسان قد أعد نفسه للعمل: فجاء شخص وأعطاه الثوب وقال: خط لي ثوباً، فله أن يأخذ عوضاً؛ لأنه قد أعد نفسه للعمل.
أما إذا لم يعد نفسه للعمل فليس له شيء، فقد أعطاه على أنه محسن.
فصار: كل من عمل لغيره عملاً بلا عقد، فإنه ليس له شيء، إلا في ثلاث أحوال:
الأولى: إنقاذ مال المعصوم من الهلكة.
الثانية: رد [العبد] الآبق.
الثالثة: إن أعد الإنسان نفسه للعمل ". اهـ الشرح الممتع (10/88) .
وثمة صورتان أخريان جائزتان:
الأولى: أن لا تكون بائعا، بل وكيلا بأجرة ثابتة، فتخبر العميل أنك تشتري له الجهاز بأفضل بالثمن الذي في السوق ولك فوق ذلك مبلغ معين، نظير بحثك وتوفيرك للمواصفات التي يريدها.
والثاني: أن تكون وكيلا بنسبة، كأن يكون لك 10% مثلا من ثمن الجهاز.
وفي هاتين الصورتين ليس لك أن تأخذ إلا ما اتفقت عليه. وما جاء من تخفيض أو هدايا تابعة للأجهزة، فهي لمن وكّلك، لا تأخذ منها شيئا.
وينظر للفائدة: سؤال رقم (36573) ، ورقم (45726) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4975)
لا حرج في بيع الحيوان الحي بالوزن
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك أناس يبيعون الحيوانات كالأبقار والأغنام ونحوها، وهي على قيد الحياة بالكيلو بثمن معلوم، علما بأن المشتري يقصد بها أحيانا أن يبقيها عنده أو يذبحها ليبيعها على الناس، ومثال ذلك: نذهب إلى صاحب حيوانات ونختار ما نريد شراءه ثم يأتي بها إلى ميزان عنده ويزنها حية ويبيعها بسعر الكيلو مثلا عشرة ريالات. فما حكم ذلك البيع؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا نعلم حرجا في بيع الحيوان المباح بيعه كالإبل والبقر والغنم ونحوها بالوزن، سواء كانت حية أو مذبوحة؛ لعموم قوله سبحانه: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) البقرة/275، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل: أي الكسب أطيب؟ قال: (عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور) ، ولأن ذلك ليس فيه جهالة ولا غرر، والله ولي التوفيق" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (19/38) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4976)
لا حرج في الشراء من شركات التقسيط إذا كانت السلعة في قبضتها
[السُّؤَالُ]
ـ[شركة تقسيط تطلب نسبة مئوية على سعر السيارة يتراوح بين 6 و8% وتأخذ من المشتري بيانات ومواصفات السيارة التي يريدها ثم تقوم بشرائها وتسجيلها باسم الزبون بعد إنهاء إجراءاتها، فما الحكم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا حرج في ذلك إذا كانت السلعة مملوكة للشركة وفي قبضتها، فلا مانع أن تبيعها بسعر معين بعضه نقد وبعضه مؤجل، أو كله مؤجل إلى آجال معلومة قليلة أو كثيرة.
ولا بد أن يكون بعد ملكها للسيارة، ولا مانع من كون الراغب يصف السيارة التي يريد أو الأرض التي يريد ثم تشتريها وتملكها وتحوزها، ثم تبيع بعد ذلك له أو لغيره، والراغب في حِلٍّ من ذلك، حتى يتم البيع بعد الشراء" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (19/8) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4977)
تحاز السيارة بقبضها ونقلها من مكانها ولو لم يتم تسجيلها رسميا
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا اشتريت السيارة بالنقد ودفعت الثمن وسجل ذلك في سجلات المعرض هل يكفي ذلك للحيازة أم لا بد من نقل الملكية بالاستمارة عن طريق المرور علما بأني أنوي البيع؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا تم البيع وقبضت السيارة لك أن تتصرف فيها لكن تخرج بها عن مكان البيع تنقلها إلى مكانك، أو إلى محل آخر، أو إلى معرض آخر، حتى يتم القبض؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم (نهى أن تباع السلعة حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم) ولو ما تمت بقية الإجراءات، ما دام تم البيع بينكما، إذا افترقتما لزم البيع" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (19/30) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4978)
الضوابط الشرعية للبيع بالتقسيط
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الضوابط التي تحفظ حقوق طرفي البيع بالتقسيط، ومن ثم حقوق ونظام وسلامة المجتمع؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"البيع إلى أجل معلوم جائز؛ لعموم قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ) البقرة/282، والزيادة في القيمة مقابل الأجل لا مانع منها، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على جواز ذلك، وذلك أنه صلى الله عليه وسلم (أمر عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن يجهز جيشا يشتري البعير بالبعيرين إلى أجل) . وينبغي معرفة ما يقتضيه الشرع في هذه المعاملة حتى لا يقع المتبايعان في العقود المحرمة، إذ إن بعضهم يبيع ما لا يملك، ثم يشتري السلعة بعد ذلك ويسلمها للمشتري.
وبعضهم إذا اشتراها يبيعها وهي في محل البائع قبل أن يقبضها القبض الشرعي، وكلا الأمرين غير جائز لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لحكيم بن حزام: (لا تبع ما ليس عندك) ، وقال عليه الصلاة والسلام: (لا يحل سلف وبيع، ولا بيع ما ليس عندك) . وقال عليه الصلاة والسلام: (من اشترى طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه) . وقال ابن عمر رضي الله عنهما: (كنا نشتري الطعام جزافا فيبعث إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من ينهانا أن نبيعه حتى ننقله إلى رحالنا) رواه مسلم.
وثبت عنه عليه الصلاة والسلام أيضا: (أنه نهى أن تباع السلع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم) .
ومن هذه الأحاديث وما جاء في معناها يتضح لطالب الحق: أنه لا يجوز للمسلم أن يبيع سلعة ليست في ملكه ثم يذهب فيشتريها، بل الواجب تأخير بيعها حتى يشتريها ويحوزها في ملكه، ويتضح أيضا أن ما يفعله كثير من الناس من بيع السلع وهي في محل البائع قبل نقلها إلى حوزة المشتري أمر لا يجوز لما فيه من مخالفة سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولما فيه من التلاعب بالمعاملات، وعدم التقيد فيها بالشرع المطهر، وفي ذلك من الفساد والشرور، والعواقب الوخيمة ما لا يحصى" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (19/15-17) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4979)
إذا ملكت الشركة السيارة وصارت في حوزتها فلها بيعها
[السُّؤَالُ]
ـ[وكالة سيارات لديها نظام خاص للتقسيط يقوم على أساس أن يدفع الزبون مبلغا معينا كدفعة أولى، ثم هناك نسبة زيادة على المبلغ المتبقي (المؤجل) (بين 11-20%) ويزداد المبلغ بحسب عدد السنوات التي يتفق عليها فما الحكم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا ملكت الشركة السيارة وصارت في حوزتها وقبضتها بالشراء فلها أن تبيعها على الراغبين بالسعر الذي يحصل عليه اتفاق مع الزيادة التي تراها، سواء كانت كلها مؤجلة أو بعضها مؤجل وبعضها نقد لا حرج في ذلك؛ لأن الله سبحانه قال: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) البقرة/275، فهذا من البيع الشرعي، إذا كانت الشركة قد ملكت السيارة وحازتها وصارت في قبضتها" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (19/7) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4980)
تأخذ الشركة العربون ثم تشتري العقار وتسلمه للمشتري
[السُّؤَالُ]
ـ[إحدى الشركات تقوم بشراء العقارات لذوي الدخل المحدود، يذهب الزبون إلى الشركة فيحدد لهم العقار الذي يريده وسعره، فيتم تشكيل لجنة لتسعير العقار ثم يتم شراء العقار من قبل الشركة بعد أخذ 10% من قيمته كعربون من الزبون، ويتم كتابته أو تسجيل العقار باسم الزبون في حالة السداد خلال سنتين أو يبقى باسم الشركة في حالة السداد في أكثر من السنتين، فما الحكم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا حرج أن تشتري الشركة العقار المطلوب، وإذا تم الشراء وحصل لها القبض بالتخلية جاز لها أن تبيع على الراغب أو غيره، ولا يجوز أن يتم البيع قبل ذلك ولا أخذ العربون، إنما البيع يكون بعد شراء الشركة، وبعد أن تحوز المبيع بالتخلية إذا كان عقارا، أو بالنقل إن كان غيره" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (19/8) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4981)
حكم ما يسمى (الوعد بالشراء)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم ما يسمى الوعد بالشراء، وهل هو داخل في مسمى الربا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الوعد بالشراء ليس شراء، ولكنه وعد بذلك، فإذا أراد إنسان شراء حاجة، وطلب من أخيه أن يشتريها ثم يبيعها عليه فلا حرج في ذلك، إذا تم الشراء وحصل القبض ثم باعها بعد ذلك على الراغب في شرائها، لما جاء في الحديث الصحيح عن حكيم بن حزام رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله يأتيني الرجل يريد السلعة، وليس عندي، فأبيعها عليه، ثم أذهب فأشتريها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تبع ما ليس عندك) . فدل ذلك على أنه إذا باعها على أخيه بعدما ملكها، وصارت عنده فإنه لا حرج في ذلك.
وفي هذا المعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: (لا يحل سلف ولا بيع، ولا بيع ما ليس عندك) ، وثبت من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم) .
وبما ذكرنا من الأحاديث يعلم أن الإنسان إذا وجد سلعة عند زيد أو عمرو: سيارة أو حبوبا أو ملابس أو أواني، أو غير ذلك فإنه لا حرج أن يشتريها ويحوزها في ملكه، إذا كان البائع قد أنهى إجراءات شرائها وحازها في ملكه، لكن لا يبيعها المشتري الثاني حتى ينقلها إلى محل آخر: إلى بيته أو إلى السوق ويخرجها من محل البائع إلى محل آخر، ثم يبيعها بعد ذلك إذا شاء؛ عملا بالأحاديث المذكورة، وبما رواه البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: (كنا نُضرب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيع الطعام في محله حتى ننقله إلى رحالنا) وفي لفظ: (حتى ننقله من أعلى السوق إلى أسفله، ومن أسفله إلى أعلاه) . والله ولي التوفيق" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (19/68، 69) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4982)
حكم بيع المشتري للأرض قبل صدور صك الملكية
[السُّؤَالُ]
ـ[اشتريت قطعة أرض وتم تسليمي سند قبض بالمبلغ من البائع، حتى يتم إصدار صك ملكية الأرض لي فهل يجوز بيعها قبل صدور الصك؟ أم أن ذلك داخل في بيع ما لا أملك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا تم البيع بينكما جاز لك التصرف ولو تأخر إصدار الصك، والله ولي التوفيق" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (19/61) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4983)
حكم الزيادة في ثمن السلعة لزبون دون آخر
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في أحد المتاجر ويختلف بيعي من شخص لآخر حسب إلحاح الزبون فقد أبيع بضاعة بمائة ريال وقد أبيعها بمائة وخمسين حسب الحال والزبون فهل يعتبر ذلك غشا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الواجب ألا تزيد في قيمة السلعة عما تساويه في السوق، وكونك تخفض لبعض الزبائن عما تساويه في السوق لا بأس به، إنما الممنوع أن تزيد على بعض الزبائن بثمن أغلى من قيمة السلعة في السوق، خصوصا إذا كان المشتري يجهل أقيام السلع أو كان غِراًّ لا يحسن البيع والشراء والمماكسة فلا يجوز استغلال جهله وغرته والزيادة عليه عن القيمة المعروفة في السوق" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (19/108) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4984)
حكم الخصم إذا سدد القسط قبل موعده
[السُّؤَالُ]
ـ[المعتاد في المدارس الأهلية أن تسديد الأقساط يكون على فترتين قبل بداية الفصل الأول وقبل بداية الفصل الثاني، وبعض المدارس يكتب لولي الأمر قبل بداية الدراسة أنه إذا سدد القسطين معا قبل بداية الدراسة فإنه يحصل على خصم قدره كذا وكذا في المائة. فهل هذا جائز في شرعنا المطهر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا حرج في ذلك في أصح قولي العلماء؛ لما في ذلك من المصلحة الظاهرة للطرفين، والله ولي التوفيق" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (19/301) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4985)
تم البيع دون شهود وجحد البائع، فهل يجوز إضافة اسمي شاهدين على العقد
[السُّؤَالُ]
ـ[باع الطرف الأول للطرف الثاني قطعة أرض، وكتب له عقدا، ولكن لم يشهد علية أحد. وقد دفع الطرف الثاني مبلغا كبيرا من المال (عربون) ، ثم أنكر الطرف الأول هذا البيع، وقال المحامي للطرف الثاني: أنه يلزم وجود شاهدين علي العقد، للتمكن من استلام الأرض. فهل يجوز أن يوقع شاهدان علي هذا العقد أم لا، مع أنهما لم يحضرا البيعة، لكنهما متأكدان من تمام البيع؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا تم العقد دون إشهاد كما ذكرت، فلا يجوز لأحد أن يضيف إليه شاهدا أو شاهدين، لأن هذا كذب وزور، فإن وجود اسم الشاهد في العقد يعني أنه حضر العقد، وشهد على الإيجاب والقبول، وإذا كان هذا لم يحصل، كان إثباته الآن زورا وكذبا، وكون الشاهد يوقن بحصول البيع، لا يبيح إضافة شهادته لعقد لم يحضره.
وعلى هذا المتضرر أن يسعى لأخذ حقه بطريق مشروع لا كذب فيه ولا تزوير.
ولا يخفى ما جاء في شأن شهادة الزور، فقد روى البخاري (5976) ومسلم (87) عن أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ قُلْنَا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فَقَالَ أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ فَمَا زَالَ يَقُولُهَا حَتَّى قُلْتُ لَا يَسْكُتُ) .
نسأل الله السلامة والعافية.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4986)
حكم مبادلة متر القماش بمترين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز مبادلة الثياب، متراً بمترين أو صنفاً بصنفين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"يجوز مبادلة الثياب بعضها ببعض مع التساوي أو زيادة بعضها على بعض، سواء كانت من جنس واحد أم أكثر، وسواء كان ذلك عاجلاً أو لأجل، لأن القماش ليس من الأجناس التي يدخلها الربا" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
"فتاوى إسلامية" (2/387) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4987)
حكم بيع الحصة المشاع تملكها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز بيع الحصة المشاع تملكها في قطعة أرض معروفة الحدود والمساحة والموقع، والمملوكة بموجب سند يثبت المساهمة في تملكها، ويعين مقدار هذه الحصة بالنسبة لكامل الأرض؟ فأنا أملك ربع قطعة أرض، فهل يمكن أن أبيع هذا الربع قبل أن يحدد بدقة موقعه من هذه الأرض.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا بأس بتداول الحصة المشاع تملكها في عقار معروف الحدود والمساحة والموقع، إذا كانت نسبتها إليه معلومة، كأن تكون ربعه أو ثمنه أو ربع عشره أو نحو ذلك، لا بأس بتداولها بيعا وشراء وهبة وإرثا ورهنا وغير ذلك من التصرفات الشرعية فيما يملكه المرء؛ لانتفاء المانع الشرعي في ذلك.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (13/72) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4988)
لا يجوز أن يؤجره البيت بشرط أن يقرضه
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد عندنا نظام كراء البيوت وهو كالتالي: يتم كراء البيت مقابل أخذ مبلغ رمزي محدد مقداره مثلا 5000 درهم كقرض لمدة محدودة سنة. رغم أنه ليس محتاجا لهذا المبلغ وفي غنى عنه، ولكن فقط لضمان خروج المكتري بعد مرور مدة العقد. مقابل السكن في البيت لمدة محدودة سنة، وبعد انقضاء الفترة يتم إعادة المبلغ نفسه بدون زيادة أو نقصان مع أخذ إيجار سنويا 10000 درهم فهل هذا يعتبر هذا شكلاً من أشكال الربا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، لا يجوز أن يقترن البيع باشتراط القرض، وإذا انتفع المقرض بهذا القرض في تخفيض الثمن أو بغير ذلك كان ذلك من أوجه الانتفاع صورة من صور الربا.
وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الجمع بين البيع والقرض، فقال صلى الله عليه وسلم: (لا يحل سلف وبيع) . رواه أبو داود (3504) والترمذى (1234) وحسنه الألباني في " إرواء الغليل " (1307) .
قال في "تحفة الأحوذي" (4/361) :
" قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ: أَيْ: لَا يَحِلُّ بَيْعٌ مَعَ شَرْطِ سَلَفٍ، بِأَنْ يَقُولَ مَثَلًا: بِعْتُك هَذَا الثَّوْبَ بِعَشْرَةٍ عَلَى أَنْ تُقْرِضَنِي عَشْرَةً " انتهى.
وذكر شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله أن من المعاملات الربوية: أن يجمع بين القرض والبيع.
"مجموع الفتاوى" (28/73) .
وقال أيضا:
" وَقَدّ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْرِطَ مَعَ الْبَيْعِ عَقْدًا مِثْلَ هَذَا؛ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهُ عَلَى أَنْ يُقْرِضَهُ " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (30/83) .
وقال ابن جُزيّ:
" البيع باشتراط السلف من أحد المتابعين لا يجوز بإجماع إذا عزم مشترطه عليه " انتهى.
"القوانين الفقهية" (2/125)
وعلى ذلك: فاشتراط القرض في عقد الإيجار لا يجوز.
أما الاستيثاق في الحقوق، فهو أمر تدعو إليه حاجة الناس، خصوصاً عند خراب الذمم، واستيلاء الدنيا على قلوب كثير منهم.
ويمكنك لضمان خروج المكتري أن تكتب عليه "شيكاً" أو "وصل أمانة" حتى يتسنى لك إخراجه في ميعاده دون مماطلة منه، وانظر جواب السؤال رقم (103920) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4989)
زيادة سعر اللحم لتوفير بعض نفقات المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال: نعاني أحيانا من صعوبات لتوفير الإيجار في المسجد، ونريد أن نضع زيادة واحد يورو على سعر كيلو اللحم الواحد – الذي يباع بعد تحري ذبحه بالطريقة الحلال - بهدف أن يذهب جزء من هذا اليورو إلى المسجد، وجزء آخر لتغطية النفقات من مواصلات وغيره للشخص الذي يتولى مسؤولية نقل اللحم بسيارته، وقد نقدم له مبلغاً زهيداً مقابل ذلك، وقد قام أحد الإخوة بإخبار الناس الذين يرغبون في شراء اللحم بذلك فتقبلوا الأمر، فهل يشرع هذا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما دام الذين يشترون اللحم يعلمون ذلك وقد وافقوا عليه، فلا حرج في ذلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ) رواه أحمد (20172) ، وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (1459) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4990)
يشتري غنما من السوق ويبيعها في مكانها
[السُّؤَالُ]
ـ[والدي يبيع ويشتري الأغنام، ولكن السؤال: أنه يشتري الأغنام من أي شخص يعرضها للبيع ويعجبه السعر، ويقوم ببيعها في نفس الموضع ولا ينقلها لموضع آخر، علما أنهم في السوق ولا أحد يملك الموضع الذي يبيع فيه، فقط الموضع للبيع.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من اشترى شيئا فليس له أن يبعه حتى يقبضه وينقله من مكانه؛ لما روى أحمد (15399) والنسائي (4613) أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَشْتَرِي بُيُوعًا فَمَا يَحِلُّ لِي مِنْهَا، وَمَا يُحَرَّمُ عَلَيَّ؟ قَالَ: (فَإِذَا اشْتَرَيْتَ بَيْعًا فَلَا تَبِعْهُ حَتَّى تَقْبِضَهُ) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (342) .
وأخرج الدارقطني وأبو داود (3499) عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه (نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم) وصححه ابن حبان والحاكم وحسنه الألباني في صحيح أبي داود.
وفي الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه) رواه البخاري (2132) ، ومسلم (1525) ، وزاد: قال ابن عباس: (وأحسب كل شيء مثله) ، أي: لا فرق بين الطعام وغيره في ذلك.
وقبض كل شيء بحسبه، فقبض الدواب والثياب ونحوها، يكون بنقله من مكانه.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وما ينقل: مثل الثياب والحيوان والسيارات وما أشبه ذلك يحصل قبضها بنقلها؛ لأن هذا هو العرف " انتهى من" الشرح الممتع" (8/381) .
وإذا تم الشراء في موضع لا يختص بالبائع، كالسوق والشارع، فإن القبض يكون بنقل السلعة إلى مكان آخر من السوق أو الشارع.
قال الرافعي رحمه الله: " إذا كان المبيع في موضع لا يختص بالبائع كشارع , أو في موضع يختص بالمشتري , فالتحويل إلى مكان منه كاف في حصول القبض " انتهى نقلا من "المجموع" (9/335) .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " لا يجوز للمشتري بيع هذه البضاعة مادامت موجودة في ملك البائع حتى يتسلمها المشتري وينقلها إلى بيته، أو إلى السوق ... ، وهكذا من اشتراها من المشتري ليس له أن يبيعها حتى ينقلها إلى بيته، أو إلى مكان آخر من السوق؛ للأحاديث المذكورة " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (19/122) .
وبناء على ذلك، فيلزم والدك إذا أراد أن يبيع الغنم بعد شرائها أن يحولها عن المكان الذي اشتراها فيه إلى مكان آخر من السوق.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4991)
شراء سيارة بالتقسيط من بنك البركة
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد شراء سيارة إن شاء الله بواسطة بنك البركة، علماً أن البنك يصرح بأن تعاملاته غير ربوية. طريقة الشراء: يدفع الزبون نسبة 47 بالمئة كبداية، والبنك ما تبقى من ثمن السيارة، هذه السيارة تكون باسم البنك إلى غاية تمام التسديد بأقساط حسب استطاعة الزبون واتفاقه المسبق مع البنك، وفي حالة تأخر الزبون عن دفع ديونه في المدة المتفق عليها مع البنك، فإن هذا الأخير لا يطلب زيادة في الدفع تعويضاً عن التأخير (وتبقى السيارة باسم البنك حتى تمام التسديد) ، فما حكم هذه المسالة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز شراء السيارة عن طريق البنك إذا توفرت الشروط التالية:
1- أن يشتري البنك السيارة شراء حقيقياً، ويقبضها إليه، فإذا لم يشتر السيارة لنفسه، واكتفى بدفع المبلغ عن العميل، كان هذا قرضاً ربوياً؛ إذ حقيقته أن البنك أقرض العميل ثمن السيارة (مائة ألف مثلاً) على أن يسترد قرضه مائة وعشرة مثلاً.
وإذا اشترى البنك السيارة ثم باعها قبل أن يقبضها، كان ذلك مخالفاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام: (إذا اشتريت مبيعاً فلا تبعه حتى تقبضه) رواه أحمد (15399) ، والنسائي (4613) ، وصححه الألباني في صحيح الجامع (342) .
وأخرج أبو داود (3499) عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه (نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم) ، والحديث حسنه الألباني في صحيح أبي داود.
وهذا يشمل الطعام وغيره من السلع، وينظر جواب السؤال رقم (36408) .
ومنه تعلم أنه لا يجوز للمشتري أن يوقع على شراء السيارة من البنك، ولا أن يدفع له جزءاً من الثمن مقدماً، قبل أن يشتريها البنك.
2- أن يخلو العقد من اشتراط غرامة على التأخر في سداد الأقساط؛ لأن ذلك ربا محرم، وينظر جواب السؤال رقم (89978) .
3- يجوز رهن السيارة للبنك، حتى ينتهي العميل من سداد الأقساط، كما يجوز للبنك الاحتياط لنفسه بالاحتفاظ بوثيقة العقد واستمارة السيارة ونحو ذلك، مع أنها مملوكة للعميل من وقت العقد مع البنك، وينظر جواب السؤال رقم (69877) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4992)
البيع بالتقسيط مع زيادة الثمن
[السُّؤَالُ]
ـ[تم شراء إحدى السلع نقداً بعشرة آلاف ريال سعودي، وتم بيعها بعشرة آلاف وخمسمائة ريال سعودي بالتقسيط لمدة شهرين بشرط أنه إذا تم الدفع قبل الشهرين أو بعدهما فإن السعر سيظل كما هو، فهل عقد هذه الصفقة حلال في الإسلام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في البيع بالتقسيط ولو كان بأزيد من البيع نقداً، كما في الصورة المسؤول عنها، وهي بيع ما ثمنه عشرة آلاف بعشرة آلاف وخمسمائة مقسطة على شهرين، بشرط ألا يتغير السعر أو تفرض غرامة في حال تأخير السداد، فإن هذه الغرامة أو الزيادة من الربا المحرم.
جاء في قرار المجمع الفقهي رقم: 133 (7/14) في دورته الرابعة عشرة بالدوحة ما نصه: " إذا تأخر المشتري المدين في دفع الأقساط عن الموعد المحدد فلا يجوز إلزامه أي زيادة على الدين بشرط سابق، أو بدون شرط، لأن ذلك ربا محرم " انتهى نقلاً عن فقه المعاملات الحديثة للدكتور عبد الوهاب أبو سليمان (ص 571) .
وينظر جواب السؤال رقم (13973) ، ورقم (98118) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4993)
يحرم بيع السلعة دون بيان العيب الذي فيها ولو باعها لكافر
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كنت أريد بيع سيارتي لغير مسلم، وكنت أعلم بوجود عيب بها، فهل يجب علي إخبار من يريد شراءها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من باع شيئا فيه عيب لزمه بيان العيب، سواء باعه لمسلم أو لكافر، وإلا كان غاشا آثما.
وقد روى البخاري (2079) ومسلم (1532) عن حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " قَوْله: (صَدَقَا) ، أَيْ: مِنْ جَانِبِ الْبَائِعِ فِي السَّوْمِ وَمِنْ جَانِبِ الْمُشْتَرِي فِي الْوَفَاءِ , وَقَوْله (وَبَيَّنَا) ، أَيْ: لِمَا فِي الثَّمَن وَالْمُثَمَّن مِنْ عَيْبٍ فَهُوَ مِنْ جَانِبَيْهِمَا وَكَذَا نَقْصُهُ. وَفِي الْحَدِيث حُصُول الْبَرَكَة لَهُمَا إِنْ حَصَلَ مِنْهُمَا الشَّرْط وَهُوَ الصِّدْق وَالتَّبْيِين , وَمَحْقُهَا إِنْ وُجِدَ ضِدُّهُمَا، وَهُوَ الْكَذِب وَالْكَتْم , وَهَلْ تَحْصُلُ الْبَرَكَةُ لِأَحَدِهِمَا إِذَا وُجِدَ مِنْهُ الْمَشْرُوط دُون الْآخَرِ؟ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَقْتَضِيهِ" انتهى من "فتح الباري".
وقال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (4/108) : " من علم بسلعته عيبا , لم يجز بيعها , حتى يبينه للمشتري، فإن لم يبينه فهو آثم عاص، نص عليه أحمد ; لما روى حكيم بن حزام , عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا , فإن صدقا وبينا بورك لهما , وإن كذبا وكتما محق بركة بيعهما) متفق عليه، وقال عليه السلام: (المسلم أخو المسلم , لا يحل لمسلم باع من أخيه بيعا إلا بينه له) " انتهى.
وقال أيضاً: (4/113) : " معنى دلَّس العيب: أي كتمه عن المشتري , مع علمه به. أو: غطاه عنه , بما يوهم المشتري عدمه ... وسواء في هذا ما علم به فكتمه , وما ستر , فكلاهما تدليس حرام " انتهى.
وحديث: (المسلم أخو المسلم ... ) رواه ابن ماجه (2246) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، وتحريم الغش لا يختص بالمسلم، بل يحرم الغش مع المسلم والكافر، والتقييد بالمسلم هنا خرج مخرج الغالب.
قال السبكي رحمه الله في تكملة المجموع (11/306) : " وإطلاق المصنف رحمه الله [الرافعي] والأصحاب والشافعي حرمة التدليس ووجوب البيان يتناول ما إذا كان المشتري مسلما أو كافرا، ولفظ الأحاديث التي ذُكرت واستدل بها المصنف رحمه الله إنما تدل على المسلم للمسلم , وهذا ورد في الخطبة على خطبة أخيه , والسوم على سومه، وجمهور العلماء رحمهم الله على أنه لا فرق في ذلك بين المسلم والكافر ... وأما التقييد في هذه الأحاديث فإنه خرج على الغالب ولا يكون له مفهوم , أو أن المقصود التهييج والتنفير عن فعل هذه الأمور مع من يشاركه في الإسلام والآخرة , ويثبت عمومه بدليل آخر. والله أعلم " انتهى.
وقال أيضاً: "والأحاديث في تحريم الغش ووجوب النصيحة كثيرة جدا وحكمها معلوم من الشريعة , وكتمان العيب غش" انتهى من المجموع (11/303) .
فيلزمك بيان العيب الذي تعلمه في سيارتك، سواء بعتها لمسلم أو كافر.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4994)
تاجر يسأل هل يجوز له إزالة الاسم التجاري لمنتج أو تبديله بغيره؟
[السُّؤَالُ]
ـ[اشتريت كمية من أجهزة التبريد، أي: مكيف الهواء، وعلى جهاز التبريد اسم الشركة المصنِّعة، وهذه الشركة في دولة أخرى، هل يجوز لي أن أرفع من جهاز التبريد اسم هذه الشركة، وأضع عليها أي اسم آخر، حتى لا يُعرف من أين مصدر هذا الجهاز؛ لأنها مادة فائقة الجودة، ولا أريد أحداً من التجار أن ينافسني في هذه المادة؛ لأني تعبت عليها كثيراً حتى استطعت أن أحصل عليها، أو لا أضع عليها أي اسم، هل يجوز ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يظهر لنا مانع من إزالة اسم الشركة المصنعة إذا لم يكن في ذلك تدليس أو غش للشركة المصنعة أو المشتري.
فقد تقوم الشركة المصنعة بتخفيض أسعارها، مقابل ما يقوم به المستوردون من الدعاية لها، وترويج منتجاتها، ففي إزالة اسم الشركة حينئذ خداع لها، لأنه لم يحصل مقصودها في ذلك، وتكون قد خالفتَ ما اتفقتَ مع الشركة عليه.
وقد يكون اسم الشركة يدل على سوء بضاعتها، فيكون في إزالته خداع للمشتري، لأنه لو علم أنه من تلك الشركة لم يشتره مطلقاً، أو لم يشتره بالثمن المحدد له.
فإذا لم يكن في إزالة الاسم خداع وغش للمشتري، أو إيهام له بأنه صنع في شركة أخرى أجود صناعة، فلا حرج إن شاء الله تعالى.
والأحسن أن يتم ذلك بالاتفاق مع الشركة المصنعة ـ إن أمكن.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4995)
يجوز زيادة ثمن السلعة مقابل بيعها بالتقسيط
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز البيع بالتقسيط مع زيادة ثمن السلعة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
بيع التقسيط هو بيع يُعَجَّل فيه المبيع (السلعة) ويتأجل فيه الثمن كلُّه أو بعضُه على أقساط معلومة لآجال معلومة.
أهمية معرفة حكمه:
بيع التقسيط من المسائل التي ينبغي الاهتمام بمعرفة حكمها الآن لأنه قد انتشر انتشار كبيراً في معاملات الأفراد والأمم بعد الحرب العالمية الثانية.
فتشترى المنشآت والمؤسسات السلع من مورديها بالتقسيط، وتبيعها على زبائنها بالتقسيط، كالسيارات والعقارات والآلات وغيرها.
ومما أدى إلى انتشاره أيضاً: معاملات البنوك والمصارف، حيث يشترى البنك السلعة نقداً، ويبيعها على عملائه بثمن مؤجل (على أقساط) .
حكم بيع التقسيط:
ورد النص بجواز بيع النسيئة، وهو البيع مع تأجيل الثمن.
روى البخاري (2068) ومسلم (1603) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرَى طَعَامًا مِنْ يَهُودِيٍّ إِلَى أَجَلٍ وَرَهَنَهُ دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ.
وهذا الحديث يدل على جواز البيع مع تأجيل الثمن، وبيع التقسيط ما هو إلا بيع مؤجل الثمن، غاية ما فيه أن ثمنه مقسط أقساطاً لكل قسط منها أجل معلوم.
ولا فرق في الحكم الشرعي بين ثمن مؤجل لأجل واحد، وثمن مؤجل لآجال متعددة.
وروى البخاري (2168) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: جَاءَتْنِي بَرِيرَةُ فَقَالَتْ كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ فِي كُلِّ عَامٍ وَقِيَّةٌ. . .
وهذا الحديث يدل على جواز تأجيل الثمن على أقساط.
والنصوص وإن وردت بجواز تأجيل الثمن إلا أنه لم يرد في النصوص جواز زيادة الثمن من أجل التأجيل.
ولهذا اختلف العلماء في حكم هذه المسألة.
فذهب قلة من العلماء إلى تحريمه، بحجة أنه ربا.
قالوا: لأن فيه زيادة في الثمن مقابل التأجيل وهذا هو الربا.
وذهب جماهير العلماء ومنهم الأئمة الأربعة إلى جوازه.
ومن عبارات علماء المذاهب الأربعة في هذا:
المذهب الحنفي: (الثمن قد يزاد لمكان الأجل) بدائع الصنائع 5 / 187.
المذهب المالكي: (جَعل للزمان مقدار من الثمن) بداية المجتهد 2 / 108.
المذهب الشافعي: (الخمسة نقداً تساوي ستة نسيئة) الوجيز للغزالي 1 / 85.
المذهب الحنبلي: (الأجل يأخذ قسطاً من الثمن) فتاوى ابن تيمية 29 / 499.
واستدلوا على ذلك بأدلة من الكتاب والسنة، منها:
1- قوله تعالى: (أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) البقرة/275.
فالآية بعمومها تشمل جميع صور البيع ومنها زيادة الثمن مقابل الأجل.
2- وقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) النساء/29.
فالآية بعمومها أيضاً تدل على جواز البيع إذا حصل التراضي من الطرفين. فإذا رضي المشتري بالزيادة في الثمن مقابل الأجل كان البيع صحيحاً.
3- ما رواه البخاري (2086) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَهُمْ يُسْلِفُونَ بِالتَّمْرِ السَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثَ فَقَالَ: مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَفِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ.
وبيع السلم جائز بالنص والإجماع. وهو شبيه ببيع التقسيط. وذكر العلماء من حكمته أنه ينتفع المشتري برخص الثمن، والبائع بالمال المعجل، وهذا دليل على أن للأجل في البيع نصيباً من الثمن. وأن هذا لا بأس به في البيوع. انظر: المغني (6/385)
4- وجرى عمل المسلمين على جواز زيادة الثمن مقابل التأجيل من غير نكير منهم. فصار كالإجماع على جواز هذه الصورة من صور البيع.
سئل الشيخ ابن باز عن حكم الزيادة في الثمن مقابل الأجل فقال:
إن هذه المعاملة لا بأس بها لأن بيع النقد غير التأجيل، ولم يزل المسلمون يستعملون مثل هذه المعاملة وهو كالإجماع منهم على جوازها، وقد شذ بعض أهل العلم فمنع الزيادة لأجل الأجل وظن ذلك من الربا وهو قول لا وجه له وليس من الربا في شيء لأن التاجر حين باع السلعة إلى أجل إنما وافق على التأجيل من أجل انتفاعه بالزيادة والمشتري إنما رضي بالزيادة من أجل المهلة وعجزه عن تسليم الثمن نقداً، فكلاهما منتفع بهذه المعاملة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على جواز ذلك وذلك أنه صلى الله عليه وسلم أمر عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن يجهز جيشاً فكان يشتري البعير بالبعيرين إلى أجل، ثم هذه المعاملة تدخل في عموم قول الله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ) البقرة/282.
وهذه المعاملة من المداينات الجائزة الداخلة في الآية المذكورة وهي من جنس معاملة بيع السلم. . . اهـ فتاوى إسلامية (2/331) .
انظر: كتاب "بيع التقسيط" للدكتور رفيق يونس المصري.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4996)
يشتري بالتقسيط ثم يبيع بالتقسيط بثمن أكثر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أشتغل في معارض السيارات، أقسط سيارات جديدة، أحيانا يكون عندي زبون ولا أملك قيمة السيارة نقدا (كاش) ، وآخذ السيارة من المعرض الذي يملكها على مهلة شهرين، بزيادة عن رأس ماله ألفين، مثلاً: قيمة السيارة كاش أربعون ألفا، يحسبه لي باثنين وأربعين ألفا، وبعد ذلك أبيعه على الزبون على أقساط. هل هذا جائز؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في زيادة الثمن في البيع بالأقساط عن البيع نقداً، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (13722) و (1847) .
وهذه المعاملة التي سألت عنها جائزة إذا توفر فيها شرطان:
1- أن تشتري السيارة من المعرض قبل بيعها، فلا يجوز لك أن تبيع السيارة قبل شرائها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يبيع الرجل ما ليس عنده.
2- أن تقبض السيارة وتنقلها من المعرض قبل بيعها، فلا يجوز لك أن تبيعها وهي لا تزال في المعرض الذي اشتريتها منه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم: (نَهَى أَنْ تُبَاعَ السِّلَعُ حَيْثُ تُبْتَاعُ حَتَّى يَحُوزَهَا التُّجَّارُ إِلَى رِحَالِهِمْ) رواه أبو داود (3499) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود.
وانظر لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم (36408) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4997)
ضمان عهدة المبيع
[السُّؤَالُ]
ـ[اشتريت سيارة بمبلغ 5500 ريال من أحد الحراجات في جدة وعند ذهابي إلى مرور جدة في ذلك الوقت تبين أن الشخص الذي باعني السيارة كان قد زور رخصة أو استمارة السيارة حيث تم حجز السيارة وإعادتها إلى أصحابها عن طريق الشرطة، فقام صاحب الحراج جزاه الله خيرا بدفع ما يقارب 4500 ريال لي من ثمن السيارة، فهل يلحقني أي حرام أو إثم بسبب أخذي هذا المال من صاحب الحراج؟ علماً أنه لا ذنب له بموضوع السيارة سوى أنه تم عمل ورقة المبايعة في الحراج فقط عن طريق الموظف الذي يعمل في الحراج.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا تبرع صاحب الحراج بدفع ثمن السيارة إليك – على أن يعود ويطالب البائع-، أو كان العرف جارياً على أن صاحب الحراج يضمن وصول السيارة إليك، كما يضمن وصول الثمن إلى البائع، وهذا ما يسمى بضمان العهدة أو الدَّرَك، بحيث إذا خرج المبيع مستحقاً للغير مثلاً، ضمن الثمن لك، فلا يلحقك شيء.
ومعنى ضمان العهدة أو الدَّرَك عند الفقهاء: أن يلتزم شخص برد الثمن إلى المشتري إذا ظهر أن المبيع مسروق أو به عيب وأراد المشتري ردَّه بسبب هذا العيب.
انظر: "الموسوعة الفقهية" (28/311) .
وقال في "كشاف القناع" (3/369) : "وهو صحيح عند جماهير العلماء؛ لأن الحاجة تدعو إلى الوثيقة (أي: توثقة العقد وضمان الحق) ، ولأنه لو لم يصح لامتنعت المعاملات مع من لم يعرف , وفيه ضرر عظيم رافع لأصل الحكمة التي شرع البيع من أجلها " انتهى.
وظهر بهذا أن هذا النوع من الضمان يُلجأ إليه في العقود التي تتم مع من لا يُعرف، كما هو الحال في شراء السيارات من تجار الحراج، فإنهم غير معروفين غالباً للمشتري، لكنهم معروفون لدى صاحب الحراج، فيضمن للمشتري وصول السيارة إليه، كما يضمن وصول الثمن إلى البائع.
فإن كان الأمر في الحراج قائماً على هذا، فلا شيء عليك، وكان يلزم صاحب الحراج أن يدفع الثمن كاملا.
وإن كان ضمان الدرك غير معمول به في الحراج، وتبرع صاحبه بهذا المبلغ لك، فهو إحسان منه يؤجر عليه، ولا حرج عليك في قبوله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4998)
حكم العمل في صيانة الجوالات وبيعها
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في مجال صيانة الموبايل (المحمول) . ولا أبيعه ولا أشتري ولا أحمّل أي نغمات أو صور عليه. مع العلم أني أصلح كافة الموبيلات (المحمول) سواء كانت بكاميرا أو غير كاميرا وأبيع قطعاً إلكترونية للموبيلات وأحوالي المادية ضعيفة جداً ولا أستطيع تغيير المهنة إلى شيء كمطعم أو مكتبة في هذا الوقت ويراوحني شك أن هذا المال الذي يأتيني من هذه المهنة حرام وينطبق عليها مثل صيانة التلفاز، لأنه أصبح هذا الوقت في بلدنا يستعملون المحمول للاتصال والنغمات والصور والفيديو , حتى إنه في يوم من الأيام تأتي إلي موبيلات تكون لا تعمل وعندما أصلحها أفاجئ بأن هذا الجوال يحوي في داخله أفلاما خليعة أو صوراً ماذا علي فعله بالوقت الحالي؟ أدّرس المهنة وأبيع قطعا إلكترونية فقط، أم أتابع في عملي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
بيع وصيانة الأجهزة التي تستعمل في الخير والشر، والمباح والحرام، فيه تفصيل:
أ- يجوز بيعها وصيانتها لمن عُلم أو غلب على الظن أنه يستعملها في المباح.
ب- لا يجوز بيعها ولا صيانتها لمن عُلم أو غلب على الظن أنه يستعملها في الحرام.
ج- إذا جهل الحال عُمل بالغالب، فإن كان الغالب في البلد استعمالها في المباح جاز، وإلا حرم.
والذي يظهر لنا أن الغالب في استعمال الهاتف المحمول هو الاستعمال في المباح بخلاف التلفاز، وعليه فلا حرج في صيانتك لهذه الأجهزة وبيع قطعها الداخلية وتدريب من يعمل في صيانتها مع مراعاة أمرين:
الأول: ينبغي التعامل مع الجهاز فقط، دون الشريحة أو بطاقة الذاكرة، وبهذا تسلم من النظر في محتوياتها والتعرض لذلك.
الثاني: في حال اطلاعك على ما هو منكر بيّن، من صور أو أفلام فإنه يجب إزالتها، إنكارا للمنكر، ولا عبرة برفض صاحب الجهاز، وعليك في هذه الحال أن تنصح صاحب الجهاز، وتبين له تحريم فعله هذا.
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم 34597 ورقم 85441
ونسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4999)
إذا رغب أقاربه في عطور معينة، هل يجوز أن يشتريها ويبيعها عليهم
[السُّؤَالُ]
ـ[يا شيخ أعرف واحد يبيع عطور بـ 30 ريال، يجوز أني أشوف طلبات أقاربي وأرجع أشتريها منه، وأبيعها عليهم بـ 45 أو 50 ريال؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا علموا أنك ستشتري ثم تبيع لهم وتربح عليهم، فلا حرج في ذلك، لكن لا تبع لهم شيئا حتى تشتريه وتملكه أولا؛ لما روى النسائي (4613) وأبو داود (3503) والترمذي (1232) عن حكيم بن حزام قال: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ يَأْتِينِي الرَّجُلُ فَيَسْأَلُنِي الْبَيْعَ لَيْسَ عِنْدِي أَبِيعُهُ مِنْهُ ثُمَّ أَبْتَاعُهُ لَهُ مِنْ السُّوقِ قَالَ: (لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ) والحديث صححه الألباني في صحيح النسائي.
فليس لك أن تعقد معهم البيع، حتى تشتري السلعة أولا، وتقبضها إليك.
وأما إن كنت وكيلا لهم في الشراء فقط، فليس لك أن تزيد شيئا في ثمن السلعة، بل كل ما تحصل عليه من هدايا أو تخفيض فهو راجع لهم؛ لأن الوكيل مؤتمن، وما يربحه يرجع إلى موكله. وينظر: سؤال رقم (36573) .
فإذا أردت أن تربح عليهم فأخبرهم أن النوع الفلاني من العطور يمكن أن تبيعه لهم ب 45 أو ب 50، أو تسأل عن النوع الذي يرغبون فيه، ثم تحدد لهم ثمنه، فإن رغبوا اشتريته وبعته عليهم، ولا يلزمك إخبارهم بالثمن الذي تشتريه به، لكن يجب أن يعلموا أنك بائع، وليس وكيلا عنهم، كما سبق.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5000)
بيع السلعة واشتراط أنه غير مسئول عنها إذا كانت معيبة
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي صيدلية وأحيانا ينقص أصناف من الدواء ويزيد سعره، فيقوم بعض الناس بجلبه من صيدليات دولة مجاورة عن طريق السيارة الخاصة، أو الحقيبة الشخصية، كميات محدودة، ولكن تكون سببا في حل الأزمة، وتخفيض السعر، ولا نعلم ما إذا تعرض لحرارة أو رطوبة، والمشترى يعلم أن هذا الصنف غير موجود في البلاد، وأنه مجلوب بهذه الطريقة، ويبحث عنه ويشتريه، والغالب أنه يكون جيدا وفعالا بحكم التجربة، والإقبال عليه مرارا من نفس الزبون، ونادرا ما يكون فاسدا، ويذكر لنا الزبون ذلك، فهل يلحقنا إثم بهذا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب على كلٍّ من البائع والمشتري أن يكون صادقاً، وهذا الصدق سببٌ من أسباب حصول البركة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا) رواه البخاري (2110) ومسلم (1532) .
فإن علم البائع أن في السلعة عيباً فيجب عليه إخبار المشتري به، ولا يجوز له كتمانه، وغش المشتري، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا) رواه مسلم (101) .
وإذا اشترى الإنسان شيئاً فوجده معيباً جاز له رده إلى بائعه، ووجب على البائع قبوله، ولا يجوز رفضه، سواء كان البائع عالماً بالعيب أم لم يكن عالماً.
لكن.. اختار أكثر العلماء – وهو الصحيح - أنه يجوز للبائع أن يشترط على المشتري أنه غير مسئول عن أي عيب في السلعة المبيعة، فإذا رضي المشتري واشتراها على ذلك ثم وجد بها عيباً، فليس له أن يطالب بردها، لأنه دخل في الأمر على بصيرة، وهو الذي رضي بإسقاط حق نفسه، ولكن يشترط هنا أن لا يكون البائع عالماً بالعيب ثم يشترط ذلك على المشتري، لأن هذا يعتبر غشاً وخديعة للمشتري.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والصحيح في مسألة البيع بشرط البراءة من كل عيب، والذي قضى به الصحابة وعليه أكثر أهل العلم: أن البائع إذا لم يكن يعلم بذلك العيب فلا رد للمشتري" انتهى من "الاختيارات" (ص 124) .
وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله:
"والصحيح في هذه المسألة ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية:
وهو: إن كان البائع عالماً بالعيب فللمشتري الرد بكل حال، سواء شرط مع العقد، أو قبل العقد، أو بعد العقد.
وإن كان غير عالم فالشرط صحيح، سواء شرط قبل العقد، أو مع العقد، أو بعد العقد.
وما ذهب إليه شيخ الإسلام هو الصحيح، وهو المروي عن الصحابة رضي الله عنهم، وهو الذي يمكن أن تمشي أحوال الناس عليه؛ لأنه إذا كان عالماً بالعيب، فهو غاش خادع، فيعامل بنقيض قصده، بخلاف ما إذا كان جاهلاً، كما لو ملك السيارة قريباً، ولا يدري بالعيوب التي بها وباعها واشترط البراءة، فالشرط صحيح" انتهى.
من "الشرح الممتع" (8/256، 257) .
وعلى هذا؛ فالذي يظهر لنا أنه ينبغي لك أن تبين للمشتري أن هذا الدواء مجلوب من بلدة مجاورة. وهناك احتمال أن يكون قد فسد أو ضعفت فاعليته، ونحو ذلك، وتكون صادقا في ذكر هذا للمشتري، ثم تشترط عليه أنه إذا وجده معيباً فإنك غير ملزم برده، فإن اشتراه على ذلك ورضي، فلا حرج عليك، حتى لو وجده معيبا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5001)
وهبته الدولة أرضاً للانتفاع بها دون بيعها فباع جزء منها فماذا يجب على الورثة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[حصل والدي على منحة عبارة عن أرض استثمارية من الدولة، وليست ملكاً له، قبل 30 عاماً - للعلم في قانون الدولة تصبح الأرض باسم والدي، ولكن متى أرادت الدولة استردادها تستردها، وهناك عقد يجدد كل 30 عاماً -، وبعد 15 سنة تقريباً من المنحة باع والدي نصف الأرض لشخص آخر، والشخص الآخر يعلم بأن الأرض هي منحة، ولا يسمح في قانون الدولة أن تباع أو تؤجر، وبعدها توفي والدي في عام 2002 م، وفي هذا العام ينتهي العقد القديم، ويجب تحديثه، وقد تم نقل اسم الأرض من اسم والدي إلى اسم الورثة بعد وفاته، والآن الورثة يريدون أن يعلموا: هل للطرف الآخر حق في هذه الأرض أم يلغى عقد البيع؟ مع العلم أنه عندما سأل إخوتي – أي: الطرف الآخر – قال: إنه حتى لو تم تبديل الأرض بأرض أخرى فهو له الحق بها، وهل هناك إثم على والدي لأنه باع مع علمه أنه لا يجوز بيعها؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لم يكن لوالدكم الحق في أن يتصرف في الأرض، ولا بجزء منها، بيعاً، ولا تأجيراً، كما ذكرتم أنه قانون الدولة، ولم يكن يحل له مخالفته؛ لأنهم أذنوا له بالانتفاع بالأرض دون تملكها، والبيع والتأجير فرع عن التملك.
والأصل وجوب الالتزام بالشرط الذي بينه وبين الدولة، حيث مكَّنته من الانتفاع بها دون بيعها أو تأجيرها، وهو شرط مُلزم.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِم) رواه أبو داود (3594) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
وفي " الموسوعة الفقهية " (35 / 238) :
"قد يُلزم الإنسان نفسه بأمرٍ، فيلزمه ذلك شرعاً، إن لم يخالف الشّرع , بمعنى: أنّ الشّرع جعل التزامه سبباً للزوم , ومن ذلك:
أ. العقد , فإذا عقدا بينهما عقداً: لزمهما حكمه , كعقد البيع مثلاً، يلزم به انتقال ملكيّة المبيع إلى المشتري , وملكيّة الثّمن إلى البائع , وكعقد الإجارة يلزم به الأجير العمل , ويلزم المستأجر الأجرة.
ومن هذا القبيل أيضاً: كل شرطٍ صحيحٍ التزمه العاقد في العقد , فيلزمه؛ وذلك لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ) , وقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: (المسلمون على شروطهم) " انتهى.
وإذا كان المشتري يعلم أنها ليست ملكاً لوالدكم – كما ذكرتم – فلا يجوز له شراؤها.
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
"إذا تيقن الإنسان من كون السلعة المعروضة للبيع أنها مسروقة، أو مغصوبة، أو أن مَن يعرضها لا يملكها ملكاً شرعيّاً، وليس وكيلاً في بيعها: فإنه يحرم عليه أن يشتريها؛ لما في شرائها من التعاون على الإثم والعدوان، وتفويت السلعة على صاحبها الحقيقي؛ ولما في ذلك من ظلم الناس، وإقرار المنكر، ومشاركة صاحبها في الإثم، قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/ 2" انتهى.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (13 / 82) .
وأما بالنسبة لما وقع، وكيفية إنهاء هذا النزاع، فيرجع في ذلك إلى القضاء، لأن الحكم في مثل هذا النزاع يحتاج إلى معرفة تفاصيل ما وقع، ومعرفة تفاصيل القانون الذي به تعطي الدولة لبعض مواطنيها هذه المنحة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5002)
لم يسجل بيع الأرض فرارا من الضرائب المفروضة
[السُّؤَالُ]
ـ[أعجبتني أرض في بلدي (عن طريق سمسار) وأردت شراءها بالأقساط لعدم توفر كامل السعر، ورفض صاحب الأرض التقسيط، فعرض علي السمسار أن يشتريها هو ثم يقسطها علي فوافقت، فدفع السمسار قيمة الأرض كاملة إلى صاحبها ثم باعني إياها ولكن الذي تنازل لي عن الأرض إنما هو صاحبها الأول وليس السمسار، والسبب أنه حسب قوانين بلدنا في بيع الأراضي أنه يجب دفع قيمة عشرة بالمائة للدولة من قيمة الأرض فلو أن صاحب الأرض الأول تنازل رسميا إلى السمسار ثم تنازل السمسار لي رسميا لكان ما سوف أدفعه للدولة حوالي 95 ألف ريال أما الذي حصل في حالتنا أن السمسار دفع ثمن الأرض وأجل حقه في التنازل حتى يجد مشترياً (وهو أنا في حالتي) فكان المبلغ الذي دفعناه للدولة 45 ألف ريال، يا شيخنا الفاضل أعلم أن بيع ما ليس عندك غير جائز، ولكن هذا يحدث كثيرا في بلدنا بسبب هذه الضرائب التي يفرضونها علينا وقد حددتها لك في حالتي حتى تعلم مقدار ما يسلبونه منا، لقد تم التنازل الأول عن الأرض عرفا وليس قانونا والسبب محاولة تجنب المكس، والسمسار لم يزد علي في سعر الأرض في البيع الثاني وإنما قسطها علي بسعر النقد (الكاش) . هل ما فعلناه يحرم أم نحن معذورون لتجنب رسوم الدولة؟ وإذا كان جوابك بأننا أثمنا فأرجوك النصيحة، هل أتخلص من الأرض؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ما قام به السمسار من شراء الأرض نقداً، ثم بيعها عليك بالتقسيط، معاملة صحيحة لا شيء فيها، ولا يشترط لصحة البيع تسجيله أو كتابته، بل إذا تم الإيجاب والقبول، وخلى المالك الأرض، فأخذها السمسار ثم باعها عليك، فقد باع ما يملك، والحمد لله.
وللسمسار في هذه المسألة أن يبيع الأرض بثمن مقسط أعلى من ثمنها نقداً، وقد أحسن في عدم الزيادة عليك.
ثانيا:
يحرم أخذ المكوس على الأراضي وغيرها، ويشرع التخلص منها بكل وسيلة مباحة لا يترتب عليها مفسدة أعظم.
فشراؤك للأرض صحيح ولا حرج عليك فيه إن شاء الله.
وينظر جواب السؤال رقم (82111) ورقم (39461) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5003)
يريد أن يترك وظيفته في الشركة ليفتح شركة مشابهة
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل موظفا في شركة وساطات تجارية في الصين منذ أربع سنوات، ومبدأ عملنا هو الترجمة، وجمع البضائع، وإرسالها للتجار الذين يأتون إلينا من مختلف أقطار العالم، مقابل عمولة معينة تحتسب كنسبة من مشتريات التاجر، وقد لا يخلو عملنا في هذه الشركة من مضرة لبعض التجار، كتأخير وأخطاء في البضاعة. قبل فترة طلبت من صاحب الشركة زيادة في الراتب، ولكن اختلفنا، فقررت ترك الشركة وفتح شغل بنفس المجال في نفس المدينة، ولا أخفي عليكم إمكانية أن يأتي للعمل معي في شركتي من التجار الذين يعملون في الشركة التي كنت أعمل بها. 1- ما مدى شرعية عملنا هذا بما فيه من ضرر للزبائن، وما هي مسؤوليتي الشرعية، وكيف أصلح ذلك؟ 2- هل يجوز لي فتح شركة بنفس المكان؟ 3- بالنسبة للتجار- من الشركة القديمة- الذين يأتون للعمل معي، ما هي الطريقة الشرعية الصحيحة للتعامل معهم، مع العلم أن معرفتي بهم كانت عن طريق الشركة القديمة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا نرى مانعا من فتح الشركة الخاصة بك في نفس المكان، ولكن بشرطين اثنين:
1- ألا يكون سعيكم متعمدا للإضرار بالشركات الأخرى، وخاصة الشركة التي عملت فيها سابقا.
2- ألا تبيعوا على بيع الآخرين، ولا تشتروا على شرائهم، ولا تعقدوا على عقودهم: فإذا كانت الشركة الأولى التي عملتم بها سابقا متعاقدة مع جهات وأطراف أخرى، فلا يجوز لكم أن تعرضوا على أولئك التجار فسخ عقودهم لإنشاء عقود جديدة معكم، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيع المسلم على بيع أخيه. ويقاس عليه في المنع جميع العقود أيضا.
فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضى الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (لاَ يَبِيعُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ) رواه البخاري (2139) ومسلم (1412) .
أما إذا فسخ التجار عقودهم بأنفسهم، أو انتهت مدتها مع الشركة التي كنت تعمل فيها، ورغبوا – من تلقاء أنفسهم – في التعاقد معكم: فلا حرج عليك حينئذ، ولا تقع في النهي إن شاء الله تعالى، مع الحرص على اختيار البضائع المباحة، وألا يكون فيها شيء من المحرمات أو التي تعين على الحرام.
وأما مسؤوليتك تجاه الإضرار ببعض التجار بسبب تأخير البضاعة أو بعض الأخطاء، فلا نستطيع الإجابة عنه حتى نعرف طبيعة الاتفاق بينكم وبين التجار.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5004)
يجب على البائع أن يبين للمشتري العيوب التي بالسلعة
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أبيع موبايل وبه عيب، فهل يجب علي أن أقول للمشتري (إن لم يسألني) عن عيبه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب على البائع أن يبين العيوب التي بالسلعة، التي تنقص من الرغبة فيها، وتنقص قيمتها.
وقد تضافرت الأدلة الشرعية على ذلك، فعَنْ وَهْبِ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ بَاعَ مِنْ أَخِيهِ بَيْعًا وَفِيهِ عَيْبٌ إلَّا بَيَّنَهُ لَهُ) رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (1321) .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِرَجُلٍ يَبِيعُ طَعَامًا، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ فَإِذَا هُوَ مَبْلُولٌ، فَقَالَ: (مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا) رَوَاهُ مسلم (101) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5005)
إذا أخذ كوبونا هدية فهل له أن يبيعه قبل القبض؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أعطت الشركة لموظفيها كوبونات، لشراء سلع بقيمة معينة، فهل يجوز بيع الكوبون بأقل من قيمته؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الكوبون الذي يخوّل حامله شراء سلع من مكان محدد، يعتبر سندا أو صكا بقدر معين من السلع، ولا يعتبر سندا بالنقود، وعليه فلا يجري في هذا الكوبون أحكام التعامل بالنقود، وإنما ينظر إليه باعتبار ما يمثله من سلع.
ثانيا:
بيع هذه الكوبونات التي تمثل سلعاً من الطعام أو الكساء أو غير ذلك، فيه تفصيل:
إذا كانت الكوبونات مأخوذة بعقد معاوضة، كأن يشتريها إنسان بثمن ما ممن أخذها من الشركة، ثم يريد بيعها، فلا يجوز له بيعها حتى يقبض هو السلع ثم يبيع السلع إن شاء، لأن بيع الشيء قبل قبضه لا يجوز.
قال صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام: (إذا اشتريت مبيعا فلا تبعه حتى تقبضه) رواه أحمد (15399) والنسائي (613) وصححه الألباني في صحيح الجامع (342) .
وأخرج أبو داود (3499) عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه (نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم) حسنه الألباني في صحيح أبي داود.
وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه) رواه البخاري (2132) ومسلم (1525) ، وزاد: قال ابن عباس: (وأحسب كل شيء مثله) . أي: لا فرق بين الطعام وغيره في ذلك.
أما إذا كانت الكوبونات مأخوذة بغير معاوضة، كأن تكون هدية من الشركة لموظفيها، فقد اختلف العلماء في جواز بيعها قبل قبض السلع المستحقة بها.
فروى مسلم (2818) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ لِمَرْوَانَ: أَحْلَلْتَ بَيْعَ الرِّبَا! فَقَالَ مَرْوَانُ: مَا فَعَلْتُ. فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَحْلَلْتَ بَيْعَ الصِّكَاكِ، وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يُسْتَوْفَى. فَخَطَبَ مَرْوَانُ النَّاسَ فَنَهَى عَنْ بَيْعِهَا. قَالَ سُلَيْمَانُ: فَنَظَرْتُ إِلَى حَرَسٍ يَأْخُذُونَهَا مِنْ أَيْدِي النَّاسِ.
ورواه مالك في الموطأ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ صُكُوكًا خَرَجَتْ لِلنَّاسِ فِي زَمَانِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ مِنْ طَعَامِ الْجَارِ، فَتَبَايَعَ النَّاسُ تِلْكَ الصُّكُوكَ بَيْنَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفُوهَا، فَدَخَلَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَرَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، فَقَالَا: أَتُحِلُّ بَيْعَ الرِّبَا يَا مَرْوَانُ! فَقَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ، وَمَا ذَاكَ؟ فَقَالَا: هَذِهِ الصُّكُوكُ تَبَايَعَهَا النَّاسُ ثُمَّ بَاعُوهَا قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفُوهَا، فَبَعَثَ مَرْوَانُ الْحَرَسَ يَتْبَعُونَهَا يَنْزِعُونَهَا مِنْ أَيْدِي النَّاسِ، وَيَرُدُّونَهَا إِلَى أَهْلِهَا.
(الجار) مكان بساحل البحر الأحمر، كان يجمع فيه الطعام.
واختلف في المراد بهذا الحديث على قولين:
الأول: أن من أخذ الصكاك له أن يبيعها قبل قبضها، لأنه لم يأخذها بمعاوضة، بل عطية من بيت المال، وأما من اشتراها منه فليس له أن يبيعها إلا بعد قبض الطعام.
والثاني: أن الجميع ممنوعون من بيعها قبل قبضها.
وإلى الأول ذهب المالكية والشافعية، فأجازوا أن يبيع الإنسان ما ملكه بغير معاوضة، كالهبة والوصية والميراث، ولو لم يقبضه.
وإلى الثاني ذهب غيرهم، ومنهم الإمام أحمد رحمه الله، فقد نص على كراهيته وقال: هو شيء مغيب لا يدري أيصل إليه أم لا؟
انظر: "المنتقى للباجي" (4/284) ، "حاشية الدسوقي" (3/151) ، "القواعد لابن رجب" ص (84) ، "المهذب مع المجموع" (9/328) .
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: " الصِّكَاكَ جَمْع صَكّ وَهُوَ الْوَرَقَة الْمَكْتُوبَة بِدَيْنٍ , وَالْمُرَاد هُنَا الْوَرَقَة الَّتِي تَخْرُج مِنْ وَلِيّ الْأَمْر بِالرِّزْقِ لِمُسْتَحِقِّهِ، بِأَنْ يَكْتُب فِيهَا: لِلْإِنْسَانِ كَذَا وَكَذَا مِنْ طَعَام أَوْ غَيْره، فَيَبِيع صَاحِبهَا ذَلِكَ لِإِنْسَانٍ قَبْل أَنْ يَقْبِضهُ. وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي ذَلِكَ ; وَالْأَصَحّ عِنْد أَصْحَابنَا وَغَيْرهمْ جَوَاز بَيْعهَا.
وَالثَّانِي: مَنْعهَا. فَمَنْ مَنَعَهَا أَخَذَ بِظَاهِرِ قَوْل أَبِي هُرَيْرَة وَبِحُجَّتِهِ. وَمَنْ أَجَازَهَا تَأَوَّلَ قَضِيَّة أَبِي هُرَيْرَة عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِي مِمَّنْ خَرَجَ لَهُ الصَّكّ بَاعَهُ لِثَالِثٍ , قَبْل أَنْ يَقْبِضهُ الْمُشْتَرِي فَكَانَ النَّهْي عَنْ الْبَيْع الثَّانِي لَا عَنْ الْأَوَّل , لِأَنَّ الَّذِي خَرَجَتْ لَهُ مَالِك لِذَلِكَ مِلْكًا مُسْتَقِرًّا وَلَيْسَ هُوَ بِمُشْتَرٍ فَلَا يَمْتَنِع بَيْعه قَبْل الْقَبْض , كَمَا لَا يَمْتَنِع بَيْعه مَا وَرِثَهُ قَبْل قَبْضه. قَالَ الْقَاضِي عِيَاض بَعْد أَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى نَحْو مَا ذَكَرْته: وَكَانُوا يَتَبَايَعُونَهَا ثُمَّ يَبِيعهَا الْمُشْتَرُونَ قَبْل قَبْضهَا فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ " انتهى.
وقال الشيرازي في "المهذب" (9/328) : " ولا يجوز بيع ما لم يستقر ملكه عليه , كبيع الأعيان المملوكة بالبيع والإجارة والصداق , وما أشبهها من المعاوضات قبل القبض لما روي أن حكيم بن حزام قال: يا رسول الله إني أبيع بيوعا كثيرة فما يحل لي منها مما يحرم؟ قال: (لا تبع ما لم تقبضه) ولأن ملكه عليه غير مستقر ; لأنه ربما هلك فانفسخ العقد , وذلك غرر من غير حاجة فلم يجز ... فأما ما ملكه بغير معاوضة كالميراث والوصية أو عاد إليه بفسخ عقد , فإنه يجوز بيعه قبل القبض , لأن ملكه عليه مستقر فجاز التصرف فيه كالمبيع بعد القبض " انتهى.
ومما يرجح القول بالجواز: ما رواه عبد الرزاق في مصنفه (131) عن الزهري أن ابن عمر وزيد بن ثابت كانا لا يريان بأسا بشرى الرزق إذا أخرجت القطوط , وهي الصكاك , ويقولون: لا تبعه حتى تقبضه.
فهذا يرجح الاحتمال الأول، وهو أن النهي لا يلحق من أخذ الصك ثم باعه قبل قبضه، بل النهي متوجه لمن اشترى منه، فليس له أن يبيعه حتى يقبضه.
ولكن يبقى أمر آخر، وهو أن الكوبون بالسلع فيه نوع من الجهالة، من جهة عدم تحديد السلع التي تؤخذ به، والذي يظهر أنها جهالة مغتفرة؛ لأن السلع محدودة بقدر معين من المال، فمآلها إلى العلم.
وخلاصة الجواب: أنه يجوز لمن أخذ الكوبون هديةً من الشركة، أن يبيعه على غيره بأزيد أو أقل من قيمته، وأما من اشتراه منه، أو كان أخذه من الشركة أجرةً على عمله فليس له أن يبيعه على ثالثٍ حتى يقبض السلع.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5006)
هل يبيع السلعة لمن يسدد الثمن بشيك من بنك ربوي
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في مؤسسة بيع مواد كهرباء مندوب مبيعات وعندما أقوم ببيع العميل نقداً، يقدم لي شيكا مصرفيا وكل عميل يكتب شيكا من بنك مختلف، إما ربوي أو غير ربوي، ثم أعطي هذا الشيك إلى قسم المحاسبة وهم يقومون بإجراءات التحويل إلى حساب المؤسسة في بنكها المعتمد، وسؤالي: هل تعاملي بهذه الشيكات يعتبر مساهمة وإعانة على استمرار الربا في هذه البنوك وأكل أموال الناس بالباطل وتقوية للبنوك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في تقاضي الثمن من المشتري بواسطة الشيك، ولو كان من بنك ربوي، ولا حرج من التعامل من البنوك الربوية لضرورة حفظ المال إذا لم يوجد بنك إسلامي شرط أن يكون وضع المال في تلك البنوك من غير فوائد وانظر جواب السؤال رقم (22392) .
ومبايعة من يتعامل بالربا أو يودع أمواله في البنوك الربوية، جائزة؛ ويدل على الجواز ما ثبت من تعامل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه مع اليهود في المدينة، وهم كما ذكر الله تعالى يأكلون السحت ويأخذون الربا.
فهذا العميل المتعامل بالربا، يجوز أن تبيع له، ولو كان يدفع الثمن من حسابه الربوي، أو بقرض يأخذه من البنك الربوي.
وإعطاء الشيك للمحاسبة، وتحويل ما فيه إلى المؤسسة أو البنك المعتمد لدى المؤسسة، لا يعتبر من كتابة الربا، بل هو كتابة وتسجيل للثمن الذي أخذ بوجه مباح مشروع، فلا فرق بين أن يدفع المشتري الثمن نقدا، أو عن طريق الشيك.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " يجوز للإنسان أن يتعامل مع شخص يتعامل بالربا، لكن معاملته إياه بطريق سليم، فمثلا يجوز أن يشتري من هذا الرجل المرابي إن اشتري منه سلعة بثمن، ويجوز أن يستقرض منه ولا حرج؛ فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يعامل اليهود مع أنهم أكالون للسحت، فقد قبل هديتهم، وقد قبل دعوتهم، وقد باع واشترى منهم صلى الله عليه وسلم، قبل هديتهم في قصة المرأة اليهودية التي أهدت إليه شاة يوم فتح خيبر، وأجاب دعوتهم حين أجاب دعوة غلام يهودي في المدينة، واشترى منهم فقد اشترى صلى الله عليه وسلم طعاما لأهله من يهودي ورهنه درعه، أي أعطاه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم درعه رهناً، ومات ودرعه مرهونة.
والخلاصة: أن من كان يكتسب الحرام وتعاملت معه معاملة مباحة لا حرج عليك فيها " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5007)
حكم بيع رصيد مكالمات قيمته 10 جنيهات ب 12 جنيها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تحويل رصيد مكالمات للجوال فالبائع يحول لك رصيد 10 جنيهات مقابل 12 جنيه سمعنا أنه ربا فما الحكم في ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز لمن ملك رصيدا من الاتصال أن يبيعه على غيره، بمثل قيمته أو أقل أو أكثر، لأن هذا من بيع المنافع، وليس بيع مال بمالٍ حتى يشترط فيه التساوي.
فالبائع أو صاحب الرصيد ملك منفعة الاتصال التي تقدر قيمتها ب 10 جنيهات، ويجوز له أن يبيعها ب 12 جنيها، ولا حرج في ذلك، وهذا ينطبق أيضا على بيع كروت الشحن، فيجوز لمن ملك كرتا قيمته 100 أن يبيعه بأكثر أو أقل.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5008)
شراء مشروبات غازية من إنتاج شركة تصنع الخمر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز استهلاك مشروبات غازية تعَبئ من قبل شركة تنتج المشروبات الكحوليّة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن كانت هذه المشروبات لا تخالط شيئا من الخمر - وهذا هو الظاهر - فإنه لا مانع من شرائها واستهلاكها، لأنها والحالة هذه طاهرة منتفع بها، ولا يمنع صحة البيع كون الشركة المنتجة تصنع أشياء محرمة كالخمر، لكن إن أمكن اجتناب شراء منتجات هذه الشركة فهو أفضل، فقد يكون ذلك سببا لتركها تصنيع الخمر.
والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5009)
حُكم الشراء بالتقسيط وذِكر بعض المحاذير في هذه المعاملة
[السُّؤَالُ]
ـ[اشترى أخي قطعة أرض ثمنها الأصلي: 22000، من نقابة المهندسين، وقد أخذ شريحة تقسيط شهرية حسب دخله، وهي ما مقداره 407 دينار شهري - عند دخوله هذه الشريحة يصبح ثمن الأرض 27451 - يعني يحق لكل مهندس بالنقابة أن يدخل بأي شريحة تقسيط يختارها حسب دخله الشهري - كلما زاد القسط الشهري قلَّ سعر الأرض - مع العلم أنهم حددواً أشكال الدفعة الأولى وقيمة كل قسط، بناءً على الدفعة، ويُعطى المهندس التنازل عن الأرض عند سداد آخر قسط، ما رأيكم في هذا؟ هل يدخل بالحرام والربا أم ماذا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان النقابة تمتلك الأرض فعلاً، فلا حرج في عرضهم تلك القطع للبيع بأسعار مختلفة بحسب اختلاف الدفعة الأولى، والأقساط الشهرية، والمهم في بيع التقسيط في هذه الحال أمور، وهي:
1. أن تكون النقابة مالكةً لما تبيعه للمهندسين من الأراضي، ولا يشتريها أحد منهم بما يسمى " مرابحة "؛ لأنها حيلة على التعامل بالربا.
وانظر جواب السؤال رقم: (36408) .
2. أن لا يتم بيع تلك القطع من الأراضي عن طريق البنوك الربوية، وهو ما يفعله كثير من التجار والمؤسسات، حيث يتم دفع ثمن المبيع كاملاً من قبَل البنك، ويتم تقسيط المبلغ بزيادة للبنك الربوي من قبَل المشتري.
سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
اشترى رجل بضاعة من بائع، واتفق معه على مدة للأداء شهر أو شهرين، ووقع المشتري للبائع ورقة تسمى: (كمبيالة) يعين فيها ثمن الشراء ووقت الأداء واسم المشتري، وبعد ذلك يبيع البائع الكمبيالة للبنك، ويسدد البنك قيمة (الكمبيالة) مقابل ربح يأخذه من البائع، فهل هذا حلال أو حرام؟ .
فأجابوا:
" شراء بضاعة لأجل معلوم بثمن معلوم: جائز، وكتابة الثمن مطلوبة شرعاً؛ لعموم قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ) الآية، أما بيع الكمبيالة للبنك بفائدة يدفعها البائع للبنك مقابل تسديده المبلغ للبائع، ويتولى البنك استيفاء ما في الكمبيالة من مشتري البضاعة: فحرام؛ لأنه ربا " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (13 / 370، 371) .
3. أن يتم الاتفاق على السعر النهائي لقطعة الأرض، ومقدار القسط قبل التفرق من مجلس العقد فإن تفرقا قبل الاتفاق على ذلك فـ " هو بيع فاسد عند أكثر أهل العلم؛ لأنه لا يدري أيهما جعل الثمن " قاله البغوي في شرح السنة.
وانظر " تحفة الأحوذي " (4 / 357، 358) .
4. أن لا تفرض النقابة على المشترين غرامة مالية في حال تأخرهم عن دفع شيء من الأقساط، لأن هذه الغرامة ربا صريح.
وانظر جواب السؤال: (13709) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5010)
حكم بيع الماء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم بيع الماء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
بيع الماء لا يخلو من حالتين:
الحال الأولى: أن يكون الماء في بئر أو نهر عام ليس ملكاً لأحد، فهذا لا يجوز بيعه؛ لما روى أبو داود (3477) أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ: فِي الْكَلَإِ وَالْمَاءِ وَالنَّارِ) صححه الحافظ في "التلخيص".
قال في "عون المعبود" َ: " الْمُرَاد الْمِيَاه الَّتِي لَمْ تَحْدُث بِاسْتِنْبَاطِ أَحَد وَسَعْيه كَمَاءِ َالْآبَار وَلَمْ يُحْرَز فِي إِنَاء أَوْ بِرْكَة أَوْ جَدْوَل مَأْخُوذ مِنْ النَّهَر، وَالْكَلَأ: وَهُوَ النَّبَات رَطْبه وَيَابِسه.
قَاَلَ الْخَطَّابِيّ: مَعْنَاهُ الْكَلَأ الَّذِي يَنْبُت فِي مَوَات الْأَرْض يَرْعَاهُ النَّاس لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَخْتَصّ بِهِ دُون أَحَد أَوْ يَحْجُرهُ عَنْ غَيْره، وَأَمَّا الْكَلَأ إِذَا كَانَ فِي أَرْض مَمْلُوكَة لِمَالِك بِعَيْنِهِ فَهُوَ مَال لَهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُشْرِكهُ فِيهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ اِنْتَهَى.
وَقَالَ السِّنْدِيُّ: وَقَدْ ذَهَبَ قَوْم إِلَى ظَاهِره فَقَالُوا: إِنَّ هَذِهِ الْأُمُور الثَّلَاثَة لَا تُمْلَك وَلَا يَصِحّ بَيْعهَا مُطْلَقًا , وَالْمَشْهُور بَيْن الْعُلَمَاء أَنَّ الْمُرَاد بِالْكَلَأِ هُوَ الْكَلَأ الْمُبَاح الَّذِي لَا يَخْتَصّ بِأَحَدٍ , وَبِالْمَاءِ مَاء السَّمَاء وَالْعُيُون وَالْأَنْهَار الَّتِي لَا تُمْلَك , وَبِالنَّارِ الشَّجَر الَّذِي يَحْتَطِبهُ النَّاس مِنْ الْمُبَاح فَيُوقِدُونَهُ , فَالْمَاء إِذَا أَحْرَزَهُ الْإِنْسَان فِي إِنَائِهِ وَمِلْكه يَجُوز بَيْعه وَكَذَا غَيْره " انتهى بتصرف.
الحال الثانية: أن يكون الماء في ملك الشخص، وهو الذي أخرجه وحازه في ملكه، فهذا يجوز له أن يبعه.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (8/140) : " أما إذا ملكه وحازه وأخرجه ووضعه في البركة، فإنه يجوز بيعه؛ لأنه صار ملكاً له بالحيازة " انتهى.
وقد سئل الشيخ الفوزان حفظه الله: هل يجوز بيع الماء ومتى؟
فأجاب: " في ذلك تفصيل: إذا كان حاز الماء في وعائه أو بركته فإنه يملكه ويجوز له أن يبيعه؛ لأنه حازه واستولى عليه وتعب في تحصيله، فصار ملكًا له.
أما إذا كان الماء باقيًا في البئر أو في النهر أو في المجرى الذي يجري في ملكه فهذا فيه خلاف بين أهل العلم، والصحيح أنه لا يجوز له بيعه، بل يكون هو أولى بالانتفاع به من غيره، وليس له أن يمنع الآخرين من الانتفاع به انتفاعًا لا يضره هو ولا يضر في ملكه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع فضل الماء " انتهى.
"المنتقى" (3/13) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5011)
حكم السندات ذات الكوبون الصفري والمحمية من التضخم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أنماط الدخل الثابت التي تتفق مع مبادئ الشريعة الإسلامية وذلك في حال وجود أنماط تتفق مع تلك المبادئ؟ وهل تتفق سندات الكوبونات المالية الحالية معها؟ وما هو حكم سندات الخزائن المالية المحمية من التضخم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
أباح الله عز وجل البيع وحرم الربا، فأباح للناس تقليب أموالهم لطلب الربح بكل صور الاستثمار إذا خلت تلك الاستثمارات من الربا أو بيع الحرام وخلت من الغرر والظلم،
فقال سبحانه وتعالى: (وَأَحَلَّ اللهُ البَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) البقرة/275.
قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله عند تفسير الآية: "وأحل الله البيع لما فيه من عموم المصلحة وشدة الحاجة وحصول الضرر بتحريمه، وهذا أصل في حل جميع أنواع التصرفات الكسبية حتى يرد ما يدل على المنع" انتهى.
وقال سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) النساء/29.
فأنواع التجارات الأصل فيها الحل والإباحة إلا إذا تضمنت أكل أموال الناس بالباطل، فإنها تحرم حينئذ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (29/23) وهو يتكلم عن العقود: "والأصل في ذلك أن الله حرم في كتابه أكل أموالنا بيننا بالباطل، وذم الأحبار والرهبان الذين يأكلون أموال الناس بالباطل، وذم اليهود على أخذهم الربا وقد نهوا عنه، وأكلهم أموال الناس بالباطل، وهذا يعم كل ما يؤكل بالباطل في المعاوضات، والتبرعات، وما يؤخذ بغير رضا المستحق والاستحقاق.
وأكل المال بالباطل في المعاوضة نوعان ذكرهما الله في كتابه هما: الربا والميسر" انتهى.
ومن الحِكَم التي ذكرها أهل العلم في تحريم الربا: أن الربا يمنع الناس من الاشتغال بالمكاسب، لأن المرابي يحصل على المال من غير تعب ولا مشقة، فلا يكاد يتحمل مشقة الكسب والتجارة والصناعة، وذلك يفضي إلى انقطاع منافع الخلق التي لا تحصل إلا بالتجارة والحرف والصناعة والزراعة.
ولا يوجد في الشريعة الإسلامية عقد يبيح للشخص أن يدفع نقوده لآخر ليأتيه بها بعد مدة وعليها ربح مضمون، فإن هذا ـ وإن سماه الناس بما أسموه ـ فإنه حرام باتفاق أهل العلم، وهو إما صورة من صور الربا، أو صورة من صور المشاركات الفاسدة المحرمة.
ومن هذا القبيل (الربا) : الاستثمار في السندات بأنواعها، ما دامت تعني أن يدفع المستثمر مبلغاً معيناً لجهة ما، وتلتزم تلك الجهة برد ذلك المبلغ مع فائدة منسوبة إليه، أو نفع مشروط، وبهذا صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي الذي سنذكره لاحقاً.
ومن هذه السندات المحرمة: ما يسمى بالسند ذي الكوبون الصفري، وحقيقة هذا النوع من السندات بينها الباحثون في مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، إذ جاء في "مجلة المجمع " (21/43) في مناقشة موضوع الأسواق المالية: "الكوبون الصفري هو ذلك المثال الذي تصدر فيه القيمة الاسمية بـ 1000 فيباع بـ 950 ويدفع المُصْدِر 1000 عند الاستحقاق، ولا تدفع عليه فوائد خلال المدة، ويستفيد أصحابها من الفروق باعتبارها خصماً لهذه السندات" انتهى.
وإذا تبين هذا؛ فإن هذا النوع من السندات كغيره من السندات الأخرى التي تعني إقراض مبلغ بشرط أن يُرَدَّ بزيادة، وإن سمي بغير ذلك.
ومثل ذلك أيضاً: السندات المحمية من التضخم، وهي سندات تتغير قيمتها الاسمية حتى تتماشى مع واقع التضخم، وهذا معناه أنها ستزيد بزيادة نسبة التضخم، وهذا أيضاً من الربا، لأن فيه اشتراط زيادة على القرض، لكن هذه الزيادة هنا غير محددة.
وإذا علمنا حقيقة السندات المحرمة، وسبب تحريم الشرع لها سهل علينا معرفة حكم ما يظهر من أسماء جديدة للسندات، إذ أشكال السندات لا تنتهي، بل كما يقول الباحثون في هذا الشأن: تكاد أبصارنا تقع كل يوم على نوع جديد وابتكار جديد في الأوراق المالية.
وقد صدر قرار من مجمع الفقه الإسلامي بَيَّنَ حكم السندات، وما هو البديل الإسلامي عنها، إذ جاء في قراره رقم (60/11/6) : "بعد الاطلاع على أن السند شهادة يلتزم المُصْدِر بموجبها أن يدفع لحاملها القيمة الاسمية عند الاستحقاق مع دفع فائدة متفق عليها منسوبة إلى القيمة الاسمية للسند، أو ترتيب نفع مشروط، سواء أكان جوائز بالقرعة أم مبلغاً مقطوعاً أم خصماً.
قرر:
1- إن السندات التي تمثل التزاماً بدفع مبلغها مع فائدة منسوبة إليه أو نفع مشروط محرمة شرعاً من حيث الإصدار أو الشراء أو التداول، لأنها قروض ربوية سواء أكانت الجهة المصدرة لها خاصة أو عامة ترتبط بالدولة، ولا أثر لتسميتها شهادات أو صكوكاً استثمارية أو ادخارية، أو تسمية الفائدة الربوية الملتزم بها ربحاً أو ريعاً أو عمولة أو عائداً.
2- تحرم أيضاً السندات ذات الكوبون الصفري باعتبارها قروضاً يجري بيعها بأقل من قيمتها الاسمية، ويستفيد أصحابها من الفروق باعتبارها خصماً لهذه السندات.
3- كما تحرم أيضاً السندات ذات الجواز، باعتبارها قروضاً اشترط فيها نفع أو زيادة بالنسبة لمجموع المقرضين، أو لبعضهم لا على التعيين، فضلاً عن شبهة القمار.
4- من البدائل للسندات المحرمة –إصداراً أو شراءً أو تداولاً-: السندات أو الصكوك القائمة على أساس المضاربة لمشروع أو نشاط استثماري معين، بحيث لا يكون لمالكيها فائدة أو نفع مقطوع، وإنما تكون لهم نسبة من ربح هذا المشروع بقدر ما يملكون من هذه السندات أو الصكوك، ولا ينالون هذا الربح إلا إذا تحقق فعلاً" انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5012)
شراء المنزل الكبير الواسع متى يكون إسرافا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجتي دائماً ما تصر على أن أشتري منزلاً كبيراً، وبه مسبح، وحديقة، وأنا أُصر على أن نسكن بيتاً صغيراً (مثلا 3 غرف نوم) بدون المتع الزائدة والرفاهية كالمسبح والحديقة، فما العمل؟ أنا لا أستطيع إرغامها على الزهد، وأيضا بحكم أني زوجها لا مفر من بقائنا مع بعضنا البعض، وأعلم أن عدم الزهد ليس مبررا للطلاق، ولكني - يا شيخنا الفاضل - لا أريد الانغماس في الدنيا، فما العمل؟ وهل إن اشتريت بيتاً جديداً بما تريده هي أؤجر؟ علما بأني لا أمانع بالعيش في بيت صغير، ولست أريد إلا سقفا يؤويني وأهلي، وهل يقع عليَّ القول ممن أذهبوا طيباتهم في حياتهم الدنيا؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا ينبغي للمسلم أن يجعل الدنيا أكبر همِّه، وليس الفقر هو ما خشيه النبي صلى الله عليه وسلم على أمته، بل خشي انفتاح الدنيا والتنافس فيها، فهنا تكون الهلكة.
عن عمرو بن عوف قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فَوَاللَّهِ لَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ وَلَكِنْ أَخَشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمْ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ) .
رواه البخاري (2988) ومسلم (2961) .
قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في فوائد هذا الحديث -:
وفيه: أن المنافسة في الدنيا قد تجر إلى هلاك الدين.
" فتح الباري " (6 / 263) .
وقال:
قال ابن بطال: فيه أن زهرة الدنيا ينبغي لمن فتحت عليه أن يحذر من سوء عاقبتها، وشرِّ فتنتها، فلا يطمئن إلى زخرفها، ولا ينافس غيره.
" فتح الباري " (11 / 245) .
ومن أشغلته دنياه عن أخراه فهو مغبون، والدنيا لعب، ليس فيها مستمر ولا كامل، والآخرة خير وأبقى، وقد ضرب الله تعالى للدنيا مثلاً بالنبات الذي ينمو ويزهر، ثم لا يلبث حتى يصبح هشيماً تذروه الرياح، فلا بقاء ولا استمرار للإنسان في الدنيا، لذلك يجب أن يضع الآخرة نصب عينيه.
قال تعالى: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) الحديد/ 20.
وقال عز وجل: (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا. الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا) الكهف/ 45، 46.
ثانياً:
ومما يبين أن الناس قد يهلكون بالتنافس على الدنيا: شراؤهم بيوتهم بالقروض الربوية! فيعرض الواحد نفسه لسخط الله ومقته من أجل أن ينافس غيره على بناء بيت، أو على تزويقه، وتوسيعه، وهؤلاء قد يدخلون في الذين أذهبوا طيباتهم في حياتهم الدنيا؛ لأنهم فعلوا ما نهاهم الله عنه تمتعاً به والتذاداً، وأما من بنى بيتاً أو اشتراه بمال حلال وتمتع به: فلا يكون من أولئك.
وقد ذكرنا حرمة شراء المنازل عن طريق البنوك الربوية في أجوبة الأسئلة: (2128) و (21914) و (22905) فلتنظر.
ثالثاً:
ومن هنا نعلم أنه ليس ثمة أجر على بناء البيوت لذاتها، وإلا لصار الأغنياء الذين يبنون القصور بعشرات الملايين من أصحاب الدرجات العليا في الجنة! فالدينار الذي ينفقه المسلم على بناء بيته ليس له ما يقابله من الأجر في الآخرة، وعسى المرء أن يسلم من الإثم، فإن أُجر فإنما يؤجر على نيته في الحفاظ على أسرته وأهل بيته من الضياع، وعلى إيوائهم في مسكن يحفظ كرامتهم وأعراضهم، وأما على ذات البناء فليس ثمة أجر، وهو معرض للإثم والعقوبة في حال الإسراف، وقصد التفاخر والتباهي.
وقد خرَّج علماء اللجنة الدائمة أحاديث في ذم البناء، ثم قالوا بعدها:
هذه الأحاديث وما جاء في معناها: منها ما هو صحيح، ومنها ما هو حسن، ومنها ما ليس بصحيح، فما كان منها حجة: فهو محمول على ذم من فعل ذلك للتباهي، والإسراف، والتبذير، فإن هذا يختلف باختلاف الأحوال، والأشخاص، والأمكنة، والأزمنة، وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله صلى الله عليه وسلم لما سأله جبريل عن علامات الساعة: (وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاه يتطاولون في البنيان) ، قال ابن رجب في شرح هذا الحديث: " والمراد أن أسافل الناس يصيرون رؤساءهم، وتكثر أموالهم، حتى يتباهون بطول البنيان، وزخرفته، وإتقانه "، وذكر النووي هذا المنى في " شرح صحيح مسلم "، حينما تكلم على هذا الحديث.
أما إذا طال البنيان لغرض شرعي، كتوفير المرافق والمساكن للمحتاجين، أو لاتخاذها سبيلاً للكسب، أو لكثرة مَن يعول، ونحو ذلك: فلا شيء في ذلك فيما يظهر لنا؛ فإن الأمور بمقاصدها، قال صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) والحديث أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين عن عمر رضي الله عنه.
الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن منيع.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (4 / 490) .
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
ذُكر لنا أن كل عمل ابن آدم يؤجر عليه إلا بناء المسكن، فهل هذا صحيح؟ فإذا كان صحيحاً فما العلة؟ وما السبب؟ ، مع ذكر الحديث الذي ورد في ذلك، جزاكم الله خير الجزاء؟ .
فأجاب:
نعم، هذا ورد في الإنسان الذي يصرف ماله في الطين، أي: في البناء الذي لا يحتاج إليه، وأما البناء الذي يحتاج إليه: فإنه من ضروريات الحياة، والإنسان إذا أنفق على نفسه ما هو من ضروريات الحياة: فإنه يؤجر على ذلك إذا أنفقه يبتغي به وجه الله عز وجل؛ لكن المفاخرة والتطاول في البنيان هو الذي لا خير فيه، بل ليس فيه إلا إضاعة المال، أما ما يبنيه الإنسان لحاجته: فإنه يؤجر على ذلك، إذا ابتغى به وجه الله؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لسعد بن أبي وقاص: (واعلم أنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعله في فم امرأتك) .
" اللقاء الشهري " (15 / السؤال رقم 6) .
وتنظر الأحاديث وأقوال بعض العلماء في المسألة في جواب السؤال رقم (21658) .
رابعاً:
وبه تعلم حكم بناء البيت الذي تود زوجتك أن تشتريه لهم، ونلخص لك ذلك في نقاط:
1. لا يجوز شراء البيت من مصادر محرَّمة، كالقروض الربوية، وأموال الغصب.
2. ليس ثمة أجر على مجرد بناء البيت، إلا أن يقصد صاحبه إيواء أهل بيته، وحفظهم من الحر والبرد، فيؤجر على نيته، لا على ذاته بيته.
3. لا يجوز للمسلم بناء بيت أو شرائه بقصد التباهي والتفاخر، فإن فعل ذلك: أَثم.
4. لا مانع من أن يشتمل البيت على بركة سباحة، أو حديقة، لكن على أن يكون ذلك من غير إسراف ومبالغة في حجمهما وأثمانهما، والبيت الواسع من السعادة لصاحبه.
عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (أَرْبَعٌ مِنَ اَلسعَادَةِ: الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ، وَالْمَسْكَنُ الوَاسِعُ، وَاَلجَارََُُّ الصَّالِحُ، وَالْمَرْكَبُ اَلهَنِيءُ، وَأَرْبَغ مِنَ اَلشًقَاوَةِ: اَلْجَارُ السُّوءُ، وَالْمَرْأَةُ اَلسُّوءُ، وَالْمَسْكَنُ اَلضيقُ، وَالْمَرْكَبُ السُّوءُ) .
رواه ابن حبان في " صحيحه " (1232) ، وصححه الألباني في " السلسلة الصحيحة " (282) ، و" صحيح الترغيب " (1914) .
قال المناوي – رحمه الله -:
(والمسكن الواسع) أي: الكثير المرافق بالنسبة لساكنه، ويختلف سعته حينئذ باختلاف الأشخاص، فرب واسع لرجل ضيِّق على آخر، وعكسه.
" فيض القدير " (3 / 302) .
5. تكلفة البناء، وسعر الشراء يُرجع في ضابط كونه إسرافاً أم لا إلى حال صاحبه، فمن كانت ثروته (100) مليون ريال – مثلاً – لا يعد مسرفاً – ولا مبذراً من باب أولى – إذا بنى بيتاً أو اشتراه بقيمة (2) مليون ريال، ومن كانت ثروته هي في راتبه الذي يقبضه كل شهر: فإنه يعد مسرفاً إذا تجاوز الحد في البناء أو الشراء.
فالمسرف من أصحاب البيوت: من تجاوز المقدار المعقول، فزاد في الطوابق، أو الغرف من غير حاجة، والمبذِّر منهم: هو من بنى لغير حاجة، أو صرف ماله في البناء لعباً وتساهلاً بالمال.
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
رجل اشترى منزلاً باثنين مليون ريال , ثم أثثه بستمائة ألف , وبعد ذلك اشترى سيارة بثلاثمائة ألف ريال , فهل هذا الرجل يعتبر مسرفاً ومبذِّراً؟ وما حكم التحف في البيوت؟ أفيدونا، جزاكم الله خيراً.
فأجاب:
الإسراف: هو مجاوزة الحدِّ , وقد بيَّن الله تعالى في كتابه أنه لا يحب المسرفين , وإذا قلنا: إن الإسراف مجاوزة الحد: صار الإسراف يختلف , فقد يكون هذا الشيء إسرافاً بالنسبة لفلان , وغير إسراف بالنسبة لفلان , فهذا الذي اشترى بيتاً بمليونين من الريالات، وأثثه بستمائة ألف، واشترى سيارة: إذا كان غنيّاً: فليس مسرفاً؛ لأن هذا سهل بالنسبة للأغنياء الكبار , أما إذا كان ليس غنيّاً: فإنه يعتبر مسرفاً , سواء كان من أوساط الناس، أو من الفقراء؛ لأن بعض الفقراء يريد أن يكمِّل نفسه , فتجده يشتري هذه القصور الكبيرة , ويؤثثها بهذا الأثاث البالغ، وربما يكون قد استدان بعضها من الناس , فهذا خطأ.
فالأقسام ثلاثة: الأول: غني واسع الغنى , فنقول: إنه - في وقتنا الحاضر، ولا نقول في كل وقت -: إذا اشترى بيتاً بمليونين ريال، وأثثه بستمائة ألف ريال، واشترى سيارة , فليس بمسرف.
الثاني: الوسط , فيعتبر هذا بحقه إسرافاً.
الثالث: الفقير , فيعتبر في حقه سفهاً؛ لأنه كيف يستدين ليكمل شيئاً ليس بحاجة إليه؟! .
" لقاءات الباب المفتوح " (107 / السؤال رقم 4) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5013)
اشترى ملابس من محل ثم علم أنه يبيع بضائع مسروقة
[السُّؤَالُ]
ـ[بعد أن اشتريت ملابس من محل يملكه صديق لي اكتشفت بعدها بقليل أنه يبيع بضائع مسروقة. وأعلم الآن أنه لم يعد يحل لي الشراء من هذا المحل، لكن ماذا عن الملابس التي اشتريتها قبل أن أعلم؟ هل لبسها حلال؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا تبين أن هذا المحل يبيع بضائع مسروقة، لم يجز الشراء منه؛ لأن المسروق غير مملوك لسارقه، فلا يصح تصرفه فيه.
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: يرد للحراج (السوق) أحيانا بضائع مسروقة، والذي يدل على ذلك ظهور الارتباك على بائعها، أو عدم معرفته على ما تحتويه من أشياء، أو نوعية الأجهزة، وطريقة تشغيلها، أو القيمة الزهيدة التي بيعت به، أو من أين اشتراها. ما حكم شرائها؟
فأجابت: "إذا تيقن الإنسان من كون السلعة المعروضة للبيع أنها مسروقة أو مغصوبة، أو أن من يعرضها لا يملكها ملكا شرعيا، وليس وكيلا في بيعها، فإنه يحرم عليه أن يشتريها؛ لما في شرائها من التعاون على الإثم والعدوان، وتفويت السلعة على صاحبها الحقيقي، ولما في ذلك من ظلم الناس وإقرار المنكر، ومشاركة صاحبها في الإثم، قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) وعلى ذلك ينبغي لمن يعلم أن هذه السلعة مسروقة أو مغصوبة أن يقوم بمناصحة من سرقها برفق ولين وحكمة ليرجع عن سرقته، فإن لم يرجع وأصر على جرمه فعليه أن يبلغ الجهات المختصة بذلك ليأخذ الفاعل الجزاء المناسب لجرمه، ولرد الحق إلى صاحبه، وذلك من باب التعاون على البر والتقوى، ولأن في ذلك ردعا للظالم عن ظلمه، ونصرة له وللمظلوم " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (13/81) .
ثانيا:
من اشترى بضاعة علم أنها مسروقة، لزمه ردها، وأخذ ماله؛ لأن البيع لم يصح.
وأما إن اشتراها، ثم شك في كونها مسروقة ولم يجزم بذلك، فلا يلزمه ردها؛ لأن الأصل صحة البيع.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5014)
اشتراط دفع مبلغ للصيانة عند استلام الشقة المشتراة بالتقسيط
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أشتري منزلا من شركة بنظام التقسيط وتشترط هذه الشركة دفع مبلغ معين عند الاستلام تضعه الشركة كوديعة في البنك ومن أرباحه تنفق الشركة على صيانة الموقع كاملا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا حرج في شراء الشقق وغيرها من السلع بالتقسيط، ولو كانت بثمن أعلى من ثمن البيع نقداً.
ثانيا:
اشتراك أصحاب الشقق في الصيانة العامة لمنازلهم ومرافقها، بحيث يدفع كل منهم مبلغا لهذا الغرض المشترك، لا حرج فيه، وهو من تحقيق النفع العام والمصلحة المشتركة.
ثالثاً:
دفع هذا المبلغ المخصص للصيانة له صورتان:
الأولى:
أن يكون دور الشركة هو الإشراف عليه فقط، فهي بمثابة الوكيل عن أصحاب الشقق، والمال يبقى ملكاً لمجموع الملاك، أصله وربحه، وينفق منه على الصيانة، وهذا لا حرج فيه، إذ هو من باب التأمين التعاوني.
وإذا استثمر المال وجب أن يكون بطرق مشروعة، ولا يجوز أن يستثمر في البنوك الربوية.
الثانية:
أن تتملك الشركة المال، وتقوم على الصيانة، وهذا لا يجوز، لأنه من قبيل التأمين المحرّم لقيامه على الغرر والمخاطرة، إذ قد تكون تكلفة الصيانة أقل من ذلك أو أكثر، واستثماره في الربا محرم على كل حال.
ولهذا ينبغي أن تؤخذ هذه المبالغ وتجعل فيما يمكن تسميته صندوق الصيانة، يشرف عليه بعض الملاك أو الشركة، وينفق منه على الصيانة، ولا مانع من استثمار الفائض منه في مشاريع مباحة، ويوزع ربحه على الملاك أو يضاف إلى الصندوق.
وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5015)
أخذ كوبونا هدية فهل له أن يبيعه بأقل من قيمته؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أعطت الشركة لموظفيها كوبونات، لشراء سلع بقيمة معينة، فهل يجوز بيع الكوبون بأقل من قيمته؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الكوبون الذي يخوّل لحامله شراء سلع من مكان محدد، يعتبر سندا أو صكا بقدر معين من السلع، ولا يعتبر سندا بالنقود؛ وعليه فلا يجري في هذا الكوبون أحكام التعامل بالنقود، وإنما ينظر إليه باعتبار ما يمثله من سلع.
بيع الكوبونات التي تمثل سلعا من الطعام والكساء وغيره، فيه تفصيل:
أولا:
إذا كانت الكوبونات مأخوذة بعقد معاوضة، كأن يشتريها إنسان بثمن ما، ثم يريد بيعها، فإن كانت مخصوصة بطعام، فلا يجوز بيعها؛ لأن الكوبون سند أو صك بالطعام، فيكون ذلك من بيع الطعام قبل قبضه، وهو ممنوع بالإجماع.
قال ابن المنذر رحمه الله: " أجمع أهل العلم على أن من اشترى طعاما فليس له أن يبيعه حتى يستوفيه , ولو دخل في ضمان المشتري , جاز له بيعه والتصرف فيه , كما بعد القبض " انتهى نقلا عن "المغني" (4/88) .
وإن كانت في غير الطعام، ففي بيعها قبل قبض السلع خلاف بين الفقهاء، والصحيح أنه لا يجوز؛ لعموم الأدلة التي تنهى عن بيع السلع قبل قبضها،كقوله صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام رضي الله عنه: (إذا اشتريت مبيعا فلا تبعه حتى تقبضه) رواه أحمد (15399) والنسائي (613) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم: 342
وأخرج أبو داود (3499) عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه (نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم) والحديث حسنه الألباني في صحيح أبي داود.
وفي الصحيحين من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه) رواه البخاري (2132) ، ومسلم (1525) ، وزاد: قال ابن عباس: "وأحسب كل شيء مثله". أي لا فرق بين الطعام وغيره في ذلك.
وأما إذا كانت الكوبونات مأخوذة بغير معاوضة، كأن تكون هبة من الشركة لموظفيها، ففي بيعها قبل قبض السلع المستحقة بها، خلاف أيضا.
وذلك لما روى مسلم (2818) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ لِمَرْوَانَ أَحْلَلْتَ بَيْعَ الرِّبَا فَقَالَ مَرْوَانُ مَا فَعَلْتُ. فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَحْلَلْتَ بَيْعَ الصِّكَاكِ، وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يُسْتَوْفَى. فَخَطَبَ مَرْوَانُ النَّاسَ فَنَهَى عَنْ بَيْعِهَا.
ورواه مالك في الموطأ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ صُكُوكًا خَرَجَتْ لِلنَّاسِ فِي زَمَانِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ مِنْ طَعَامِ الْجَارِ فَتَبَايَعَ النَّاسُ تِلْكَ الصُّكُوكَ بَيْنَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفُوهَا فَدَخَلَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَرَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، فَقَالَا: أَتُحِلُّ بَيْعَ الرِّبَا يَا مَرْوَانُ؟ فَقَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ! وَمَا ذَاكَ؟ فَقَالَا: هَذِهِ الصُّكُوكُ تَبَايَعَهَا النَّاسُ ثُمَّ بَاعُوهَا قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفُوهَا فَبَعَثَ مَرْوَانُ الْحَرَسَ يَتْبَعُونَهَا يَنْزِعُونَهَا مِنْ أَيْدِي النَّاسِ وَيَرُدُّونَهَا إِلَى أَهْلِهَا) .
وقد اختلف العلماء في المراد بهذا الحديث على قولين:
الأول: أن من أخذ الصكاك من بيت المال له أن يبيعها قبل قبضها، لأنه لم يأخذها بمعاوضة، وأما من اشتراها منه فليس له أن يبعها إلا بعد قبض الطعام. وهو قول المالكية والشافعية.
والثاني: أن الجميع ممنوعون من بيعها قبل قبضها. وهو قول الإمام أحمد.
وانظر: "المنتقى للباجي" (4/284) ، "حاشية الدسوقي" (3/151) ، "القواعد لابن رجب" ص (84) ، "المهذب مع المجموع" (9/328) .
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: " الصِّكَاكَ جَمْع صَكّ وَهُوَ الْوَرَقَة الْمَكْتُوبَة بِدَيْنٍ وَيُجْمَع أَيْضًا عَلَى صُكُوك , وَالْمُرَاد هُنَا الْوَرَقَة الَّتِي تَخْرُج مِنْ وَلِيّ الْأَمْر بِالرِّزْقِ لِمُسْتَحِقِّهِ بِأَنْ يَكْتُب فِيهَا لِلْإِنْسَانِ كَذَا وَكَذَا مِنْ طَعَام أَوْ غَيْره فَيَبِيع صَاحِبهَا ذَلِكَ لِإِنْسَانٍ قَبْل أَنْ يَقْبِضهُ. وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي ذَلِكَ ; وَالْأَصَحّ عِنْد أَصْحَابنَا وَغَيْرهمْ جَوَاز بَيْعهَا.
وَالثَّانِي: مَنْعهَا. فَمَنْ مَنَعَهَا أَخَذَ بِظَاهِرِ قَوْل أَبِي هُرَيْرَة وَبِحُجَّتِهِ. وَمَنْ أَجَازَهَا تَأَوَّلَ قَضِيَّة أَبِي هُرَيْرَة عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِي مِمَّنْ خَرَجَ لَهُ الصَّكّ بَاعَهُ لِثَالِثٍ , قَبْل أَنْ يَقْبِضهُ الْمُشْتَرِي فَكَانَ النَّهْي عَنْ الْبَيْع الثَّانِي لَا عَنْ الْأَوَّل , لِأَنَّ الَّذِي خَرَجَتْ لَهُ مَالِك لِذَلِكَ مِلْكًا مُسْتَقِرًّا وَلَيْسَ هُوَ بِمُشْتَرٍ فَلَا يَمْتَنِع بَيْعه قَبْل الْقَبْض , كَمَا لَا يَمْتَنِع بَيْعه مَا وَرِثَهُ قَبْل قَبْضه. قَالَ الْقَاضِي عِيَاض بَعْد أَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى نَحْو مَا ذَكَرْته: وَكَانُوا يَتَبَايَعُونَهَا ثُمَّ يَبِيعهَا الْمُشْتَرُونَ قَبْل قَبْضهَا فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ , قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَر بْن الْخَطَّاب فَرَدَّهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: لَا تَبِعْ طَعَامًا اِبْتَعْهُ حَتَّى تَسْتَوْفِيه. اِنْتَهَى. هَذَا تَمَام الْحَدِيث فِي الْمُوَطَّأ.
وَكَذَا جَاءَ الْحَدِيث مُفَسَّرًا فِي الْمُوَطَّأ أَنَّ صُكُوكًا خَرَجَتْ لِلنَّاسِ فِي زَمَن مَرْوَان بِطَعَامٍ فَتَبَايَعَ النَّاس تِلْكَ الصُّكُوك قَبْل أَنْ يَسْتَوْفُوهَا , وَفِي الْمُوَطَّأ مَا هُوَ أَبَيْنَ مِنْ هَذَا , وَهُوَ أَنَّ حَكِيم بْن حِزَام اِبْتَاعَ طَعَامًا أَمَرَ بِهِ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فَبَاعَ حَكِيم الطَّعَام الَّذِي اِشْتَرَاهُ قَبْل قَبْضه وَاَللَّه أَعْلَم " انتهى.
ومما يرجح القول بالجواز: ما رواه عبد الرزاق في مصنفه (131) عن الزهري أن ابن عمر وزيد بن ثابت كانا لا يريان بأسا بشرى الرزق إذا أخرجت القطوط , وهي الصكاك , ويقولون: لا تبعه حتى تقبضه.
فهذا يرجح الاحتمال الأول، وهو أن النهي لا يلحق من أخذ الصك ثم باعه قبل قبضه، بل النهي متوجه لمن اشترى منه، فليس له أن يبيعه حتى يقبضه.
ولكن يبقى أمر آخر، وهو أن الكوبون بالسلع فيه نوع من الجهالة، من جهة عدم تحديد السلع التي تؤخذ به، والذي يظهر أنها جهالة مغتفرة؛ لأن السلع محدودة بقدر معين من المال، فمآلها إلى العلم.
والحاصل: أنه يجوز لمن أخذ الكوبون هديةً من الشركة، أن يبيعه على غيره وأما من اشتراه منه، فليس له أن يبعه على ثالثٍ حتى يقبض السلع.
وقد أفتى فضيلة الشيخ خالد المشيقح بجواز هذا البيع، وكذلك سألنا فضيلة الشيخ يوسف الشبيلي عن هذه المعاملة فأفتى بالجواز.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5016)
حكم بيع المجسمات الأثرية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الإسلام في بيع المجسمات الأثرية المسماة بالتحف (تماثيل كاملة ورؤوس تماثيل وأبدان بلا رؤوس) ؟ حيث إنني أستطيع أن أزاول تجارة الأثريات بكل أشكالها مع ذوى الاختصاص بدراسة التاريخ والآثار القديمة والمتاحف العالمية وغيرها وذلك لغاية الدراسة والبحث العلمي والتاريخي. وظروفي المادية والاجتماعية صعبة، ولكني أردت أن أتأكد من حكم الشرع قبل أن أتاجر فيها، وأعلم أن حكم الحلال والحرام ثابت في الفقر والغنى.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز صناعة التماثيل والمجسمات لذوات الأرواح، من الإنسان أو الطير أو الحيوان، لما ورد في ذلك من الوعيد الشديد، وقد سبق بيان ذلك مفصلا في جواب السؤال رقم (7222)
وما حرمت صناعته، فلا يجوز بيعه لأن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه.
روى أحمد (2678) عن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ فَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا حَرَّمَ أَكْلَ شَيْءٍ حَرَّمَ ثَمَنَهُ) والحديث صححه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند، وأصله في الصحيحين.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: هل يجوز للمسلم أن يبيع التماثيل، ويجعلها بضاعة له، ويعيش من ذلك؟
فأجاب: " لا يجوز للمسلم أن يبيع أو يتجر فيها، لما ثبت في الأحاديث الصحيحة من تحريم تصوير ذوات الأرواح، وإقامة التماثيل لها مطلقا، والإبقاء عليها. ولاشك أن في الاتجار فيها ترويجاً لها، وإعانةً على تصويرها وإقامتها بالبيوت والأندية ونحوها.
وإذا كان ذلك محرما، فالكسب من إنشائها وبيعها حرام، لا يجوز للمسلم أن يعيش منه بأكل أو كسوة أو نحو ذلك، وعليه إن وقع في ذلك أن يتخلص منه، ويتوب إلى الله تعالى، عسى الله أن يتوب عليه، قال تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82، وقد صدرت منا فتوى في تحريم تصوير ذوات الأرواح مطلقا، صورا مجسمة أو غير مجسمة، بنحت أو نسخ، أو صبغ أو بآلة التصوير الحديثة " كوداك " " انتهى من "الجواب المفيد في حكم التصوير" لسماحة الشيخ ابن باز ص 49-50.
وأما ما أزيل رأسه، فلا يعد صورة محرمة، ولا حرج في اقتنائه، وبيعه إن كان ينتفع به، بشرط ألا يستعان به على محرم، كأن يكون جزءا من تمثال يعبد أو يتبرك به ونحو ذلك.
وقد دل على إباحة ما قطع رأسه من الصور، ما رواه الترمذي (2806) عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ أَتَيْتُكَ الْبَارِحَةَ فَلَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَكُونَ دَخَلْتُ عَلَيْكَ الْبَيْتَ الَّذِي كُنْتَ فِيهِ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ فِي بَابِ الْبَيْتِ تِمْثَالُ الرِّجَالِ، وَكَانَ فِي الْبَيْتِ قِرَامُ سِتْرٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ، وَكَانَ فِي الْبَيْتِ كَلْبٌ، فَمُرْ بِرَأْسِ التِّمْثَالِ الَّذِي بِالْبَابِ فَلْيُقْطَعْ فَلْيُصَيَّرْ كَهَيْئَةِ الشَّجَرَةِ، وَمُرْ بِالسِّتْرِ فَلْيُقْطَعْ وَيُجْعَلْ مِنْهُ وِسَادَتَيْنِ مُنْتَبَذَتَيْنِ يُوطَآَنِ، وَمُرْ بِالْكَلْبِ فَيُخْرَجْ، فَفَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ ذَلِكَ الْكَلْبُ جَرْوًا لِلْحَسَنِ أَوْ الْحُسَيْنِ تَحْتَ نَضَدٍ لَهُ فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ) والحديث صححه الألباني في صحيح الترمذي.
ورواه النسائي (5365) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: اسْتَأْذَنَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ادْخُلْ فَقَالَ كَيْفَ أَدْخُلُ وَفِي بَيْتِكَ سِتْرٌ فِيهِ تَصَاوِيرُ؟ فَإِمَّا أَنْ تُقْطَعَ رُءُوسُهَا أَوْ تُجْعَلَ بِسَاطًا يُوطَأُ فَإِنَّا مَعْشَرَ الْمَلَائِكَةِ لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ تَصَاوِيرُ. وصححه الألباني في صحيح النسائي.
وروى الإسماعيلي في معجمه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الصورة الرأس فإذا قطع الرأس فلا صورة) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (3864) .
وبناء على ما سبق فلا يجوز لك الاتجار في المجسمات الأثرية المصورة على صور ذوات الأرواح، إلا أن تكون مقطوعة الرؤوس، وقد أحسنت في السؤال عن حكم العمل قبل أن تقدم عليه.
واعلم أن خزائن الله تعالى ملأى، ورزقه واسع، وعطاءه لا حدّ له، وقد وعد أهل طاعته بالرزق الحسن فقال: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق/2، 3.
وقال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) النحل/ 97.
فما عليك إلا أن تبذل الأسباب، وتستعين بالله تعالى، وتبحث عن العمل المباح، ثم أبشر بالخير والرزق الحسن.
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5017)
إذا باع البنك الذهب المرهون عنده بالمزاد فهل يجوز شراؤه
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف شراء الذهب من المزاد بسعر رخيص جدا، لأن بعض الناس يقومون برهنه للبنك، وعندما يأتي الزمن المحدد يبيعه البنك بأقل من السعر بكثير فهل شراء هذا الذهب حلال علي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز شراء الذهب من المزاد بشرطين:
الأول: أن يكون الشراء يدا بيد، ويدخل في ذلك الشيك المصدق، والخصم من الحساب والإيداع في حساب البائع، وينظر السؤال رقم (2711) .
وقد صدر عن المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي في دورته الحادية عشرة قرار جاء فيه: بعد الدراسة والبحث قرر المجلس بالإجماع ما يلي:
" أولا: يقوم استلام الشيك مقام القبض عند توفر شروطه في مسألة صرف النقود بالتحويل في المصارف.
ثانياً: يعتبر القيد في دفاتر المصرف في حكم القبض لمن يريد استبدال عملة بعملة أخرى سواء كان الصرف بعملة يعطيها الشخص للمصرف أو بعملة مودعة فيه " انتهى.
الثاني: أن يكون بيع البنك للرهن مشروعا، وبيان ذلك أن الرهن إنما يجوز بيعه إذا حل أجل الدين وامتنع المدين عن سداده، فإن أذن الراهن (المدين) للمرتهن (البنك) في بيع الرهن، فالأمر واضح، وإن لم يأذن أجبره الحاكم أو القاضي على البيع، فإن لم يفعل باع الحاكم الرهن ووفّى المرتهن ما له. وللحاكم حينئذ أن يوكل من يتولى البيع، سواء وكّل المرتهن أو غيره.
قال في "زاد المستقنع": " ومتى حلّ الدين وامتنع من وفائه، فإن كان الراهن أذن للمرتهن في بيعه، باعه ووفّى الدين، وإلا أجبره الحاكم على وفائه أو بيع الرهن، فإن لم يفعل باعه الحاكم ووفّى دينه " انتهى.
وإذا كان نظام الدولة يخول البنك بيع الرهن عند حلول الأجل وعدم سداد الراهن لدينه، فهذا بمثابة الإذن من الحاكم أو القاضي.
لكن يشترط في حق من يبيع الرهن سواء كان البنك أو أي جهة يعينها القاضي أن يبيع العين المرهونة بثمن المثل، لا بأقل.
قال في "مغني المحتاج" (3/71) : " (ولا يبيع العدل) المرهون (إلا بثمن مثله حالاً من نقد بلده) ، كالوكيل، فإن أخل بشيء منها لم يصح البيع، لكن لا يضر النقص عن ثمن المثل بما يتغابن به الناس، لأنهم يتسامحون فيه " انتهى.
والعدل هو من يُحفظ عنده الرهن، إذا اتفق الطرفان على جعل الرهن عند من يحفظه.
وبهذا تعلم أنه لا يجوز للبنك أن يبيع الذهب بأقل من ثمنه كثيرا، ولا يجوز الشراء منه؛ لعدم صحة البيع كما سبق، ولما فيه من أكل مال الراهن بغير حق والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5018)
حكم بيع الصبي
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان لا يصح بيع الطفل إلا في الشيء اليسير، فما ضابط الشيء اليسير؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اختلف الفقهاء في صحة بيع الصبي وشرائه، فمنهم من صحح ذلك بإذن الولي، ومنهم من لم يصححه سواء أذن الولي أو لم يأذن، ومنهم من أجاز تصرفه في الشيء اليسير بدون إذن وليه.
قال في "المجموع" (9/185) مبينا مذاهب العلماء في ذلك: " فرع في مذاهب العلماء في بيع الصبي المميز: قد ذكرنا أن مذهبنا أنه لا يصح سواء أذن له الولي أم لا , وبه قال أبو ثور.
وقال الثوري وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق: يصح بيعه وشراؤه بإذن وليه. وعن أبي حنيفة رواية أنه يجوز بغير إذنه ويقف على إجازة الولي , قال ابن المنذر: وأجاز أحمد وإسحاق بيعه وشراءه في الشيء اليسير يعني بلا إذن " انتهى.
وقال ابن قدامة في "المغني" (4/168) : " ويصح تصرف الصبي المميز بالبيع والشراء , فيما أذن له الولي فيه، في إحدى الروايتين. وهو قول أبي حنيفة.
والثانية: لا يصح حتى يبلغ. وهو قول الشافعي ; لأنه غير مكلف , أشبه غير المميز. ولأن العقل لا يمكن الوقوف منه على الحد الذي يصلح به التصرف ; لخفائه , وتزايده تزايدا خفي التدريج , فجعل الشارع له ضابطا , وهو البلوغ , فلا يثبت له أحكام العقلاء قبل وجود المظنة.
ولنا: قول الله تعالى: (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم) . ومعناه ; اختبروهم لتعلموا رشدهم. وإنما يتحقق اختبارهم بتفويض التصرف إليهم من البيع والشراء ; ليعلم هل يُغبن أو لا. ولأنه عاقل مميز , محجور عليه , فصح تصرفه بإذن وليه , كالعبد. وفارق غير المميز , فإنه لا تحصل المصلحة بتصرفه ; لعدم تمييزه ومعرفته , ولا حاجة إلى اختباره ; لأنه قد علم حاله.
وقولهم: إن العقل لا يمكن الاطلاع عليه. قلنا: يعلم ذلك بآثار وجريان تصرفاته على وفق المصلحة , كما يعلم في حق البالغ , فإن معرفة رشده , شرط دفع ماله إليه , وصحة تصرفه , كذا هاهنا.
فأما إن تصرف بغير إذن وليه , لم يصح تصرفه. ويحتمل أن يصح , ويقف على إجازة الولي. وهو قول أبي حنيفة ...
وأما غير المميز , فلا يصح تصرفه , وإن أذن له الولي فيه , إلا في الشيء اليسير , كما روي عن أبي الدرداء , أنه اشترى من صبي عصفورا , فأرسله. ذكره ابن أبي موسى " انتهى.
والحاصل أن الصبي يصح تصرفه بالبيع والشراء في حالين:
الأول: أن يكون في الشيء اليسير، فيصح منه ولو كان دون التمييز.
الثاني: أن يكون بإذن وليه.
والشيء اليسير كالرغيف، وقطعة الحلوى، ونحو ذلك.
قال في "مطالب أولي النهى" (3/10) : " (إلا في) شيء (يسير) ; كرغيف , وحزمة بقل , وقطعة حلوى ونحوها ... وإلا (إذا أذن لمميز وسفيه وليهما) ; فيصح - ولو في الكثير - لقوله تعالى: {وابتلوا اليتامى} (ويحرم) إذن ولي لهما بالتصرف في مالهما (بلا مصلحة) ; لأنه إضاعة " انتهى.
وما ذكره في اليسير إنما هو على سبيل التمثيل لا الحصر، وإنما يرجع في ضبط ذلك إلى العرف، فما تعارف الناس على أنه يسير، وجرت العادة بأن يشتري الصبيان مثله، فهو اليسير الذي يرخص للصبيان في شرائه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5019)
هل يعدُّ شرائي للعطور الغالية إسرافاً؟ .
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يعدُّ شرائي للعطور الغالية إسرافاً؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الطيب والعطور من متاع الدنيا وزينتها، وقد نصَّ النبي صلى الله عليه وسلم على أنه قد حبِّب له من الدنيا.
عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (حُبِّب إِليَّ مِنْ دُنْيَاكُمْ النِّسَاءُ، وَالطِّيبُ، وَجُعَلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلاةِ) . رواه النسائي (3939) ، وصححه الألباني في " صحيح النسائي ".
ومما لا شك فيه من الواقع أن الطيب ذا الثمن المرتفع له رائحة طيبة، ويدوم أكثر من الطيب الرخيص الثمن، ولذا لا يعدُّ شراء الطيب بثمن مرتفع من الإسراف، وإنما يمنع ذلك في حالات، منها:
أ. أن لا يكون مالكاً لمالٍ يشتري به ذلك الطيب، فيستدين من أجله، أو يملك لكنه يضر من تجب عليه نفقته لو اشتراه.
ب. أن يقصد بذلك الفخر، والخيلاء، والمباهاة.
ج. أن يكثر منه من غير حاجة.
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
في هذه الأيام تكثر الولائم في مناسبات الزواج وغيره، وبعض الناس يبالغ في شراء العود –أعني: البخور - فيَصِل في قيمته إلى مبالغ خيالية، وإذا نوقش في ذلك استدل بما روي عن عمر حيث قال: " لو أنفق الرجل ماله كله في الطيب لم يكن مسرفاً " فما قولك وفقك الله؟ .
فأجاب:
قولنا: الطيب لا شك أنه محبوب، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (حُبِّب إليَّ من دنياكم النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة) والحقيقة: أن الطيب إذا لم يتعد طوره: فلا إسراف فيه، أي: لو كان - مثلاً - هذا المكان يفد إليه الناس أفواجاً، كلما جاء فوج وضع له طيباً: هذا ليس إسرافاً، وإن كان هذا الطيب بالنسبة لأول فوج سيكون متكرراً، لكنه حقيقة ليس إسرافاً؛ لأن الطيب الأخير لمن جاء آخراً، فنقول: هذا ليس فيه إسراف، أما من أتى بطيب كثير، وجعله يتبخر طوال المجلس، مع طوله، وعدم الاحتياج إليه: فهذا يكون إسرافاً.
" اللقاء الشهري " (37 / السؤال رقم 16) .
وسئل – رحمه الله -:
بعض أهل العلم يقول: إن الإسراف هو شيء نسبي، ويقول: إنه كذلك في شراء الطِّيب، فليس فيه إسراف مهما اشترى الإنسان، وذكر أنه يُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك.
فأجاب:
أما إسراف العبادات: فليس أمراً نسبيّاً؛ لأنه محدَّد من قبل الشرع، وقد توضأ النبي صلى الله عليه وسلم مرة ومرتين وثلاثاً، وقال: (من زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم) .
وأما الإسراف في العادات: فهو أمر نسبي، قد يكون هذا الشيء إسرافاً بالنسبة لطائفة معينة، ولا يكون إسرافاً لطائفة أخرى، وقد يكون إسرافاً لأهل بلد، ولا يكون إسرافاً للبلد الآخر، فهو أمر نسبي، ويعرف هذا بالقاعدة: " أن الإسراف مجاوزة الحد ".
وأما الطِّيب: فلا شك أن الإنسان إذا كان من أهل الثروة، واشترى طِيباً طَيِّباً غالياً: فإنه لا يعد مسرفاً، لا سيما وأن الطِّيب الطَّيِّب - كما هو معروف - تبقى رائحته مدة طويلة، وتكون أطيب، وأما إذا كان من الناس المتوسطين والفقراء: فإن شراء مثل هذا الطيب في حقِّه يعتبر إسرافاً.
" لقاءات الباب المفتوح " (8 / السؤال رقم 24) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5020)
الحيلة الثلاثية على الربا
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أشتري سيارة بالتقسيط، ثم أبيعها لأستفيد من ثمنها، لحاجتي الماسة للنقود، ولكن طريقة الشركة التي سوف أشتري السيارة منها كما يلي: تشتري السيارة ببطاقة جمركية، أي بدون الذهاب إلى المرور لاستخراج لوحات، مجرد عقد بيع بين الشركة والمعرض، والسيارة في مكانها، ثم آخذ أنا البطاقة الجمركية ولي حرية التصرف في البيع. السؤال: هل هذه الطريقة شرعية؟ وهل يجوز لي أن أبيعها على نفس المعرض، مع العلم أن السيارة في مكانها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
شراء السلعة ثم بيعها على غير البائع الأول، لأجل الحصول على النقود، يسمى " التورق " مأخوذ من " الورِق " وهو الفضة، وهو جائز عند جمهور الفقهاء.
انظر جواب السؤال رقم (45024) .
وطلب الإنسان من غيره أن يشتري سلعة، ثم يبيعها له بثمن مقسط، يسمى بيع المرابحة للآمر بالشراء، وهو جائز بشرطين:
الأول: أن تقوم الشركة بشراء السلعة لنفسها، قبل أن تبيعها على العميل.
الثاني: أن تقبض الشركة السلعة، قبل بيعها على العميل.
وإذا خلت المعاملة من هذين الأمرين، أو من أحدهما، كانت معاملة محرمة.
فقد ورد النهي عن بيع الإنسان ما لا يملك، وعن بيع ما ليبس عنده، وعن بيع السلع قبل قبضها:
فعن حكيم بن حزام رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (لا تبع ما ليس عندك) رواه أبو داود (3503) والنسائي (4613) والترمذي (1232) وابن ماجه (2187) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وروى أحمد (15399) والنسائي (4613) أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ أَخْبَرَهُ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَشْتَرِي بُيُوعًا فَمَا يَحِلُّ لِي مِنْهَا وَمَا يُحَرَّمُ عَلَيَّ قَالَ: (فَإِذَا اشْتَرَيْتَ بَيْعًا فَلَا تَبِعْهُ حَتَّى تَقْبِضَهُ) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم: 342
وأخرج أبو داود (3499) والدارقطني (3/13) عن زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم " والحديث حسنه الألباني في صحيح أبي داود.
وفي الصحيحين من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه) رواه البخاري (2132) ومسلم (1525) ، وزاد: قال ابن عباس: " وأحسب كل شيء مثله " أي لا فرق بين الطعام وغيره في ذلك.
وانظر حول بيع المرابحة إجابة السؤال رقم (36408) .
وبناء على ذلك: فليس للشركة أن تبيع السيارة حتى تقبضها؛ وقبض كل شيء بحسبه، فقبض السيارة: أن تنقل من محلها.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وما ينقل: مثل الثياب والحيوان والسيارات وما أشبه ذلك يحصل بنقلها؛ لأن هذا هو العرف " انتهى من "الشرح الممتع" (8/381) .
ومنه تعلم أنه لا يصح أن تبقى السيارة في مكانها، بل على الشركة أن تنقلها من المعرض، قبل أن تبيعها عليك.
وهذا هو القول الراجح في المسألة، أنه لا يجوز بيع السلع قبل قبضها، لا فرق في ذلك بين الطعام وغيره، وهو مذهب الشافعي، وقول أبي يوسف ومحمد من الحنفية، ورواية عن أحمد.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (9/123) : " وقد ذهب الفقهاء مذاهب في بيع المبيع قبل قبضه: فمذهب الشافعية , وهو قول أبي يوسف الأول , وقول محمد , وهو أيضا رواية عن الإمام أحمد: أنه لا يصح بيع المبيع قبل قبضه , سواء أكان منقولا أم عقارا , وإن أذن البائع , وقبض الثمن. وذلك لحديث {حكيم بن حزام رضي الله عنه , قال: قلت: يا رسول الله: إني أشتري بيوعا , فما يحل لي منها , وما يحرم علي؟ قال: إذا اشتريت بيعا فلا تبعه حتى تقبضه} وحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {لا يحل سلف وبيع , ولا شرطان في بيع , ولا ربح ما لم يضمن , ولا بيع ما ليس عندك} . ومعنى {ربح ما لم يضمن} ربح ما بيع قبل القبض. مثل: أن يشتري متاعا , ويبيعه إلى آخر قبل قبضه من البائع , فهذا البيع باطل , وربحه لا يجوز , لأن المبيع في ضمان البائع الأول , وليس في ضمان المشتري منه , لعدم القبض. ولحديث زيد بن ثابت رضي الله عنه , {أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع حيث تبتاع , حتى يحوزها التجار إلى رحالهم} . والمراد بحوز التجار: وجود القبض , كما في الحديث قبله. ولضعف الملك قبل القبض , لانفساخ العقد بتلفه. وهذا هو المعنى الذي علل به الشافعية النهي عن البيع قبل القبض. وعلل الحنابلة , عدم الجواز على هذه الرواية التي اختارها ابن عقيل من أئمتهم , بأنه لم يتم الملك عليه , فلم يجز بيعه , كما لو كان غير متعين , وكما لو كان مكيلا أو موزونا. ومذهب الحنفية أنه لا يصح بيع المنقول قبل قبضه , ولو كان من بائعه , وذلك للحديث المذكور برواياته , فإنه منهي عن بيع المبيع قبل قبضه. ولأن في البيع قبل القبض غرر انفساخ العقد الأول , على تقدير هلاك المبيع في يد البائع , وإذا هلك المبيع قبل القبض ينفسخ العقد , فيتبين أنه باع ما لا يملك , والغرر حرام غير جائز , لأن النبي صلى الله عليه وسلم {نهى عن بيع الحصاة , وعن بيع الغرر} . ولا يفرق الحنفية في ذلك بين الطعام وبين غيره من المنقولات , وذلك: لقول ابن عباس كما تقدم آنفا: ولا أحسب كل شيء إلا مثله , أي مثل الطعام. وعضد قول ابن عباس ما روي عن ابن عمر , قال: " ابتعت زيتا في السوق , فلما استوجبته , لقيني رجل , فأعطاني فيه ربحا حسنا , فأردت أن أضرب على يده (أي أن أقبل إيجابه , وأتفق على العقد) فأخذ رجل من خلفي بذراعي , فالتفت , فإذا زيد بن ثابت رضي الله عنه فقال: لا تبعه حيث ابتعته , حتى تحوزه إلى رحلك , {فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع حيث تبتاع , حتى يحوزها التجار إلى رحالهم} ... وأجاز الشيخان من الحنفية - أبو حنيفة وأبو يوسف - بيع العقار قبل قبضه استحسانا , وذلك استدلالا بعمومات حل البيع من غير تخصيص , ولا يجوز تخصيص عموم الكتاب بخبر الواحد. ولأنه لا يتوهم انفساخ العقد في العقار بالهلاك , بخلاف المنقول. ولأن العقار مقدور التسليم , ولا يرد عليه الهلاك إلا نادرا بغلبة الماء والرمل , والنادر لا يعتد به ... وخالف الإمام محمد , فلم يجز بيع العقار أيضا قبل قبضه , وهو قول أبي يوسف الأول , وقول الشافعي كما قدمنا , وذلك لإطلاق الحديث , وقياسا على المنقول " انتهى.
والسيارة لا شك أنها من المنقول، فلا يجوز بيعها قبل قبضها، في مذهب الحنفية أيضا.
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (13/153) : " إذا طلب إنسان من آخر أن يشتري سيارة معينة أو موصوفة بوصف يضبطها، ووعده أن يشتريها منه، فاشتراها مَن طُلبت منه، وقبضها، جاز لمن طلبها أن يشتريها منه بعد ذلك نقدا أو أقساطا مؤجلة بربح معلوم، وليس هذا من بيع الإنسان ما ليس عنده؛ لأن من طُلبت منه السلعة إنما باعها على طالبها بعد أن اشتراها وقبضها، وليس له أن يبيعها على صديقه مثلا قبل أن يشتريها أو بعد شرائه إياها وقبل قبضها؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم " انتهى.
ثانيا:
إذا قامت الشركة بشراء السيارة ونقلها من المعرض، فلا حرج في أن تبيعها عليك دون الذهاب إلى المرور واستخراج اللوحات لها؛ لأن هذه الإجراءات توثيق للحق، وليست شرطا لصحة البيع وانتقال الملك.
ثالثا:
لا يجوز لك في هذه الصورة أن تبيع السيارة على المعرض، لأنه من التحايل على الربا.
وهذه الحيلة تسمى الحيلة الثلاثية أو المثلثة، وقد نبه عليها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وغيره. قال: " أو يواطئا ثالثا على أن يبيع أحدَهما عرَضا، ثم يبيعه المبتاع لمعامِله المرابي، ثم يبيعه المرابي لصاحبه، وهي الحيلة المثلثة " انتهى من مجموع الفتاوى (29/28) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وكذلك انتشرت حيلة سابقة، يأتي الفقير إلى شخص فيقول: أنا أحتاج ألف ريال، فيذهب التاجر إلى صاحب دكان عنده أكياس أرز أو أي شيء، فيشتري التاجر الأكياس من صاحب الدكان مثلا بألف ريال، ثم يبيعها على المحتاج بألف ومائتين، ونحن نعلم أنه لا يجوز أن يباع قبل قبضه، فكيفية القبض عندهم أن يمسح على الأكياس بيده، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم، فهل هذا قبض؟! هذا يسمى عدّا لا يسمى قبضا، لكن كانوا يفعلون هذا. بعد ذلك يأتي الفقير إلى صاحب الدكان الذي عنده هذه الأكياس، ويبيعها عليه بأقل مما اشتراها منه التاجر، لأن الفقير يريد الدراهم ولا يريد أكياس طعام، فمثلا يبيعها على صاحب الدكان بألف إلا مائة ريال، فيؤكل المسكين الفقير من الجانبين، من جانب التاجر الأول ومن صاحب الدكان، فصاحب الدكان أخذ منه مائة ريال، والتاجر أخذ مائتين زائدا على الألف، وهذه سماها شيخ الإسلام رحمه الله المسألة الثلاثية، لأنها مكونة من ثلاثة أشخاص، ومسائل الربا لا تحل بالحيل.
واعلم أنه كلما احتال الإنسان على محرم لم يزدد إلا خبثا، فالمحرم خبيث، فإذا احتلت عليه صار أخبث؛ لأنك جمعت بين حقيقة المحرم وبين خداع الرب عز وجل، والله سبحانه لا تخفى عليه خافية، وإنما الأعمال بالنيات " انتهى من "الشرح الممتع" (8/211) .
والحيلة فيما ذكرت واضحة، لا سيما والسيارة باقية في محلها، وعلى صفتها الأولى، لم توضع لها لوحات، ولم تسجل باسم أحد.
والحاصل: أنه لابد من شراء الشركة للسيارة شراء حقيقيا، ونقلها من المعرض قبل بيعها عليك، وأنه لا يجوز أن تبيع السيارة على نفس المعرض.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5021)
بيع التولية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو بيع التولية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
بيع التولية أحد بيوع الأمانة، وهو: أن يشتري الرجل سلعةً بثمنٍ معلوم , ثم يبيع تلك السلعة لرجل آخر بالثمن الذي اشتراها به.
فإن قال: وليتك إياها، أو: بعتك إياها توليةً لم يجز أن يبيعه إياها بأكثر مما اشتراها ; لأن لفظ التولية يقتضي دفعها إليه بمثل ما اشتراها به.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (8/341) :
"وبيع التولية هو البيع بمثل ثمنه من غير نقص ولا زيادة" انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:
"التولية: أن يعطي المشتري السلعة لغيرة بمثل الذي اشتراها به " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (28/97) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(5/5022)
يشتري ثلاث قطع من الأراضي ثم يبيع منها اثنتين
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك ثلاثة أراضٍ ستباع كل أرض بـ20000 ريال وجميعها بـ 45000 ريال هل يجوز لي أن أشتري الثلاثة الأراضي إذا علمت أن هناك شخصين سيشريان اثنتين من الأراضي بـ20000 ريال وأنا أحتفظ بالثالثة ... وأنا أعرف هؤلاء المشتريين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز لك أن تشتري هذه القطع من الأراضي ب 45000 ريال، ثم تبيع منها قطعتين ب 40000 وتحتفظ بالثالثة لنفسك.
وقد اشترى عروة بن الجعد رضي الله عنه شاتين بدينار ثم باع إحداهما بدينار، ثم رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم بدينار وشاة، فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالبركة. رواه البخاري (3643) .
والمهم أن يكون شراؤك للأرض شراء مباحا، ليس فيه وظلم ولا اعتداء على حق أحد.
ولا تبع شيئا منها حتى تملكها ملكا تاما؛ لما روى أبو داود (3503) والترمذي (1232) والنسائي (4613) عن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله يأتيني الرجل فيسألني البيع ليس عندي أبيعه منه، ثم ابتاعه له من السوق قال: (لا تبع ما ليس عندك) وصححه الألباني في صحيح النسائي.
فلا يجوز لك أن تبيع الأرض لهذين الرجلين قبل أن تقوم بشرائها؛ ولكن اشترها أولاً، ثم بعها لهم إن شئت.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5023)
التسويق لشركة أدوية أصحابها غير مسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكنني القيام عن طريق الإنترنت بالتسويق لشركة تعمل في مجال الأدوية (شركة هندية مملوكة لغير المسلمين وربما نصارى) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التسويق والإعلان يأخذ حكم السلعة التي يسوَّقُ لها، فإن كانت مما يباح استعماله وتناوله فلا حرج من التسويق لها ولو كان المصنِّعُ لها من غير المسلمين، وأما إذا كان السلعة نفسُها محرَّمة، فلا يحل بيعها ولا الإعلان عنها ولا التسويق لها، ودليل ذلك عموم قوله سبحانه وتعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا حَرَّمَ شَيْئًا حَرَّمَ ثَمَنَهُ) .
رواه ابن حبان (11/312) وصححه الألباني في "غاية المرام" (318) .
قال ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" (415-416) :
" وهذه كلمةٌ عامَّةٌ جامعة تَطَّرِدُ في كُلِّ ما كان المقصودُ من الانتفاع به حراماً " انتهى.
واتفق العلماء على أن ما أبيح استعماله وتناوله أبيح بيعه وشراؤه، وما عمليه التسويق إلا بيعٌ للسلعة ودعاية لها فتأخذ الحكم نفسه.
وبما أن تسويقك – أخي السائل– هو لأدوية نافعة لعلاج الأمراض المختلفة، فلا حرج عليك إن شاء الله من ذلك، ولا يضر أن أصحاب الشركة من المسلمين أو من غيرهم، إذ العبرة بالسلعة التي يتم تسويقها، وليس بصاحب الشركة، إلا أنه ينبغي أن تتنبه لأمرين مهمين:
الأول: ألا تتجاوز حدود الله في التسويق والدعاية – كما يقع فيه كثير من المسوِّقين – فيصف السلعة بما ليس فيها، وهذا من الكذب وشهادة الزور.
ثانيا: ألا تقع فيما يقع به المسوِّقُون للأدوية من تقديم الهدايا للأطباء ومشرفي العيادات كي يقبلوا التعامل معهم وشراء منتجاتهم من الأدوية، ففي ذلك ذريعة تدفع الطبيب لوصف هذا الدواء للمريض ولو كان هناك ما هو أفضل منه، وفي ذلك خيانةٌ للأمانة.
وقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (23/572) السؤال التالي:
بخصوص العمل في شركات الدعاية، بالنسبة لمندوبي الشركات، أصبحت الآن بعض الشركات- أو معظمها - يعمل بطريقة الهدية أو الرشوة، والمندوب أصبح يخشى على موقعه في الشركة إذا لم يفعل ذلك، كما أن أغلبية الأطباء لن يكتب دواءه للمريض بسبب عدم إحضار هدية، ويكتب دواء من يقدم الهدية، وبالتالي يضطر إلى مجاراة الشركات الأخرى في مسألة الهدية هذه، فما الحكم؟ هل هو مضطر بسبب خوفه على الوظيفة أم لا؟ وخصوصا ربما يكون عليه التزامات مادية يجب أداؤها.
فكان الجواب:
" مندوب الشركة الذي يقدم الهدايا للأطباء من أجل ترويج أدوية تلك الشركة دون غيرها يعتبر رائشا، وهذا الوسيط بين الراشي والمرتشي، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم هؤلاء الثلاثة، فقال عليه الصلاة والسلام: (لعن الله الراشي والمرتشي والرائش) مسند أحمد (5/279) " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5024)
حكم بيع أشرطة وكتب إسلامية في المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز البيع داخل المسجد لغرض خيري يكون ريعه لصالح الهيئة الخيرية أي لصالح الأيتام والفقراء من المسلمين، مثلاً بيع الكتيبات والأشرطة ومردودها كله الأعمال الخيرية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز البيع والشراء داخل المساجد سواء الكتب أو غيرها ولو كان نفعها يعود على اليتامى ونحوهم لكن لا بأس بجعلها في صندوق خاص وكتابة قيمتها فوقها وجعل حصالة هناك من أراد نسخة أدخل ثمنها في الحصالة وأخذ نسخة دون أن يكون مساومة ومماكسة وإيجاب وقبول.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الفتاوى الجبرينية في الأعمال الدعوية لفضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين ص32.(5/5025)
حكم الشراء من البوفيه المفتوح (حتى الشبع)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الشراء من مطاعم البوفيه المفتوح؟ إذ إن المشتري يدفع قيمة معينة ويأكل مقدارا من الأكل غير معلوم لا من قبل البائع ولا المشتري وإنما محدد بالشبع، فهل هذا البيع من بيوع الغرر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
روى مسلم (1513) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر.
والغرر في اللغة هو الخطر الذي لا يُدْرى أيكون أم لا؟ كبيع السمك في الماء، والطير في الهواء، فإن ذلك قد يحصل للمشتري وقد لا يحصل.
قال الأزهري: ويدخل في بيع الغرر البيوع المجهولة.
"معجم مقاييس اللغة" (4/380 – 381) ، "لسان العرب" (6/317) .
وقال النووي في "شرح مسلم":
" وَأَمَّا النَّهْي عَنْ بَيْع الْغَرَر فَهُوَ أَصْل عَظِيم مِنْ أُصُول كِتَاب الْبُيُوع , وَيَدْخُل فِيهِ مَسَائِل كَثِيرَة غَيْر مُنْحَصِرَة، كبَيْعِ الْمَعْدُوم وَالْمَجْهُول وَبَيْع الْحَمْل فِي الْبَطْن , وَكُلّ هَذَا بَيْعه بَاطِل لأَنَّهُ غَرَر مِنْ غَيْر حَاجَة.
وَقَدْ يَحْتَمِل بَعْض الْغَرَر بَيْعًا إِذَا دَعَتْ إِلَيْهِ حَاجَة كَالْجَهْلِ بِأَسَاسِ الدَّار وَكَمَا إِذَا بَاعَ الشَّاة الْحَامِل وَاَلَّتِي فِي ضَرْعهَا لَبَن فَإِنَّهُ يَصِحّ اِلْبَيْعِ. وَكَذَلِكَ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَاز أَشْيَاء فِيهَا غَرَر حَقِير , مِنْهَا أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى صِحَّة بَيْع الْجُبَّة الْمَحْشُوَّة وَإِنْ لَمْ يُرَ حَشْوهَا , وَلَوْ بِيعَ حَشْوهَا بِانْفِرَادِهِ لَمْ يَجُزْ. وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَاز إِجَارَة الدَّار وَالدَّابَّة وَالثَّوْب وَنَحْو ذَلِكَ شَهْرًا مَعَ أَنَّ الشَّهْر قَدْ يَكُون ثَلاثِينَ يَوْمًا وَقَدْ يَكُون تِسْعَة وَعِشْرِينَ. وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَاز دُخُول الْحَمَّام بِالأُجْرَةِ مَعَ اِخْتِلاف النَّاس فِي اِسْتِعْمَالهمْ الْمَاء وَفِي قَدْر مُكْثهمْ. وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَاز الشُّرْب مِنْ السِّقَاء بِالْعِوَضِ مَعَ جَهَالَة قَدْر الْمَشْرُوب وَاخْتِلَاف عَادَة الشَّارِبِينَ " انتهى باختصار.
وجاء في الموسوعة الفقهية" (31/151) :
" يشترط في الغرر حتى يكون مؤثراً أن يكون كثيرا , أما إذا كان الغرر يسيرا فإنه لا تأثير له على العقد. قال القرافي: الغرر والجهالة - أي في البيع - ثلاثة أقسام: كثير ممتنع إجماعا , كالطير في الهواء , وقليل جائز إجماعا , كأساس الدار وقطن الجبة , ومتوسط اختلف فيه , هل يلحق بالأول أم بالثاني؟
وقال ابن رشد الحفيد: الفقهاء متفقون على أن الغرر الكثير في المبيعات لا يجوز، وأن القليل يجوز " انتهى.
ثانيا:
ما تفعله بعض المطاعم من تحديد ثمن معين للوجبة حتى الإشباع ـ الذي يظهر ـ أنه من الغرر اليسير الذي لا يؤثر في صحة البيع، وهو يشبه ما ذكره النووي رحمه الله في كلامه السابق من دخول الحمام بأجرة معلومة، مع عدم العلم بكمية الماء المستعمل، وكذلك الشرب من السقاء مع عدم العلم بكمية الماء.
لكن إذا كان الإنسان يعلم من نفسه أنه يأكل كثيراً خارجاً عن المعتاد فإنه يجب عليه أن يذكر لهم ذلك، لأن هذا يكون غررا كثيراً.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " مسألة: هناك محلات تبيع الأطعمة تقول: ادفع عشرين ريالا والأكل حتى الشبع؟
الجواب: الظاهر أن هذا يتسامح فيه؛ لأن الوجبة معروفة، وهذا مما تتسامح فيه العادة، ولكن لو عرف الإنسان من نفسه أنه أكول فيجب أن يشترط على صاحب المطعم؛ لأن الناس يختلفون " انتهى من "الشرح الممتع" (4/322) ط. مركز فجر.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5026)
اشترى أرضا بالتقسيط فهل له أن يبيعها قبل سداد الثمن
[السُّؤَالُ]
ـ[اشتريت قطعة أرض كي أبني عليها مسكنا ودفعت مقابل شرائها الدفعة الأولى عبارة عن ثلث الثمن الإجمالي لها وبعد مدة أردت أن أبيع هذه الأرض التي لم أستكمل دفعاتها مقابل مبلغ زائد عن المبلغ الذي دفعته في الدفعة الأولى التي سددت ما حكم الشرع في هذا البيع؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز شراء الأرض والأمتعة – غير الذهب والفضة والنقود – بالثمن المؤجل كله أو بعضه، كأن يُتفق على دفع مبلغ كالثلث أو الربع، ويؤجل الباقي إلى زمن معين.
وإذا تم العقد، أصبح المشتري مالكا للأرض، يتصرف فيها تصرف الملاك، فله أن يبيعها أو يهبها، مع استمراره في دفع الأقساط التي عليه، بشرط ألا يبيعها على البائع الأول بثمن حالٍّ أقل مما اشتراها به؛ لأن هذا بيع العينة المحرم.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (9/36) : " الآثار المترتبة على البيع: أولا: انتقال الملك: يملك المشتري المبيع , ويملك البائع الثمن , ويكون ملك المشتري للمبيع بمجرد عقد البيع الصحيح , ولا يتوقف على التقابض , وإن كان للتقابض أثره في الضمان " انتهى.
وجاء فيها أيضا: (9/40) : " وتسليم المبيع أهم الآثار التي يلتزم بها البائع في عقد البيع , وهو يثبت عند تسليم الثمن الحال، أما في الثمن المؤجل فلا يتوقف تسليم المبيع على أدائه " انتهى.
وفي بعض العقود يشترط البائع على المشتري ألا يبيع السلعة – أرضا أو غيرها – حتى يسدد جميع ثمنها، وهذا الشرط جائز، وحقيقته: رهن الأرض على ثمنها أو إلى سداد ثمنها، وحينئذ لا يجوز للمشتري أن يبيعها إلا بإذن المرتهن (البائع الأول) .
وانظر السؤال رقم (69877)
وبناء على ذلك، فإذا لم تتفق مع البائع على رهن الأرض له حتى تسدد ثمنها، فيجوز لك أن تبيعها بما شئت من الثمن، سواء كان أكثر مما اشتريتها به، أو أقل، لأنك أصبحت مالكا للأرض ولك أن تتصرف فيها كما تشاء.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5027)
المتاجرة بالعصافير
[السُّؤَالُ]
ـ[أخي الصغير يتاجر في العصافير فهل هذا جائز أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز بيع العصافير لأن ذلك داخل في عموم إباحة البيع.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/5028)
بيع التذاكر الجوية الحكومية إذا سافر بالبر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز بيع التذاكر الحكومية الممنوحة لي لأني سافرت عن طريق البر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا مانع من بيع التذاكر عند الاستغناء عنها، إلا إذا ترتب على السفر عن طريق البر تأخير عن العمل، فلا يجوز السفر حينئذ إلا على الوسيلة المقررة وهي الطائرة.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ: عبد الكريم الخضير.(5/5029)
ينص على الزيادة في بيع التقسيط مفصولة عن الثمن
[السُّؤَالُ]
ـ[أردت أن أشتري سيارة بالتقسيط، فقال لي البائع: اختر المدة التي ستسدد بعدها الثمن بشرط ألا تتجاوز سنة. ولكن هذه السيارة بـ ثلاثين ألفاً نقداً وبالتقسيط آخذ ثلاثة بالمائة عن كل شهر، فإذا سددت بعد شهر آخذ ثلاثة بالمائة زيادة على الثمن، وبعد شهرين ستة بالمائة، وبعد عشرة أشهر ثلاثين بالمائة. . . وهكذا. فهل هذا حلال أم حرام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
بيع التقسيط مع الزيادة في الثمن جائز.
ولكن ذكر العلماء أنه لا ينبغي أن ينص على الزيادة في صورة فوائد مفصولة عن الثمن. فإن فعل ذلك فالبيع إما محرم أو مكروه.
قال ابن قدامة رحمه الله في المغني (6/266) :
وَإِنْ قَالَ: بِعْتُك بِرَأْسِ مَالِي فِيهِ وَهُوَ مِائَةٌ , وَأَرْبَحُ فِي كُلِّ عَشَرَةٍ دِرْهَمًا , فَقَدْ كَرِهَهُ أَحْمَدُ , وَقَدْ رُوِيَتْ كَرَاهَتُهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ , وَابْنِ عَبَّاسٍ وَلَمْ نَعْلَمْ لَهُمَا فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفًا. وَهَذِهِ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ [يعني أنه ليس بحرام] اهـ باختصار.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "رسالة في أقسام المداينة":
إذا اشتمل العقد على قوله: "بعتك إياها العشرة أحد عشرة ونحو ذلك" فهو إما مكروه أو محرم، نُقل عن الإمام أحمد أنه قال في مثل هذا: كأنه دراهم بدراهم لا يصح. هذا كلام الإمام أحمد. وعليه فالطريق الصحيح أن يعرف الدائن قيمة السلعة ومقدار ربحه ثم يقول للمستدين: بعتك إياها بكذا وكذا إلى سنة اهـ
ومن قرارات المجمع الفقهي:
لا يجوز شرعا في بيع الأجل التنصيص في العقد على فوائد التقسيط مفصولة عن الثمن الحالي بحيث ترتبط بالأجل سواء اتفق المتعاقدان على نسبة الفائدة أم ربطاها بالفائدة السائدة اهـ.
وطريقة تصحيح هذه المعاملة كما يستفاد من كلام الشيخ ابن عثيمين السابق أن يقول البائع للمشتري: متى ستسدد الثمن؟ فإن قال: بعد سنة – مثلاً -. ينظر البائع قيمة السلعة ومقدار الربح ثم يقول للمشتري: أبيعك إياها بكذا إلى سنة، من غير أن ينص على الزيادة مفصولة عن الثمن.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5030)
بيع بربح أكثر من 10%
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للتاجر أن يكسب أكثر من 10% من البضاعة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
كسب التاجر غير محدود بنسبة شرعاً، لكن لا يجوز للمسلم أن يخدع من يشتري منه، فيبيعه بغير السعر المعروف في السوق، ويشرع للمسلم ألا يغالي في الربح، بل يكون سمحاً إذا باع وإذا اشترى لحث النبي صلى الله عليه وسلم على السماحة في المعاملة.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى اللجنة الدائمة 13/92.(5/5031)
حكم بيع العربون
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا اتفق البائع والمشتري على البيع، ودفع المشتري (عربون) ثم عدل بعد ذلك عن الشراء، فهل من حق البائع أن يأخذ العربون ولا يرده للمشتري؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، من حقه ذلك، وفعله عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو مذهب الإمام أحمد رحمه الله.
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله:
(لا حرج في أخذ العربون في أصح قولي العلماء إذا اتفق البائع والمشتري على ذلك ولم يتم البيع) اهـ.
فتاوى للتجار ورجال الأعمال (ص49) .
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (13/133) :
(بيع العربون جائز، وهو أن يدفع المشتري للبائع أو وكيلاً مبلغاً من المال أقل من ثمن المبيع بعد تمام عقد البيع، لضمان المبيع؛ لئلا يأخذه غيره على أنه إن أخذ السلعة احتسب به من الثمن، وإن لم يأخذها فللبائع أخذه وتملكه وبيع العربون صحيح، سواء حدد وقتاً لدفع باقي الثمن أو لم يحدد وقتاً، وللبائع مطالبة المشتري شرعاً بتسليم الثمن بعد تمام البيع وقبض المبيع، ويدل لجواز العربون فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال الإمام أحمد في بيع العربون: لا بأس به، وعن ابن عمر رضي الله عنهما، أنه أجازه، وقال سعيد بن المسيب، وابن سيرين: لا بأس به إذا كره السلعة أن يردها، ويرد معها شيئاً، أما الحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: (نهى عن بيع العربون) فهو حديث ضعيف، ضعفه الإمام أحمد وغيره، فلا يحتج به) اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5032)
الأفضل ألا يشتري بالتقسيط وهو قادر على السداد نقداً
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لي أن أشتري بالتقسيط مع أنني قادر على سداد ثمن السلعة نقداً؟ مع العلم أن ثمن السلعة بالتقسيط أكثر من ثمنها نقداً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سبق في جواب السؤال رقم (13973) أن بيع التقسيط مع زيادة ثمن السلعة جائز.
ومع جوازه إلا أنه ينبغي عدم التوسع فيه لاسيما مع عدم الحاجة إليه. لأن بيع التقسيط هو بيع بالدين، ولا ينبغي التوسع في الاستدانة، بل ينبغي أن لا يستدين إلا لحاجة أو ضرورة.
فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ من الدين.
روى البخاري (833) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو فِي الصَّلَاةِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَفِتْنَةِ الْمَمَاتِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ. [والمغرم هو الدين] فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: مَا أَكْثَرَ مَا تَسْتَعِيذُ مِنَ الْمَغْرَمِ! فَقَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ [أي: استدان] حَدَّثَ فَكَذَبَ، وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ.
وكان صلى الله عليه وسلم يدعو بقضاء الدين.
فقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: اللَّهُمَّ أَنْتَ الأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ وَأَغْنِنَا مِنْ الْفَقْرِ. رواه البخاري (4888) .
ولذلك ينبغي أن لا يشتري بالتقسيط وهو قادر على دفع الثمن في الحال. لأنه بذلك يشغل ذمته بالديون وهو مستغنٍ عن ذلك، ولا حاجة إليه، ويعرض نفسه للخطر، إذ لو مات المرء وعليه دين لم يغفر له ولو مات شهيداً في المعركة، حتى يقضى عنه دَيْنُه.
روى مسلم (1886) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلا الدَّيْنَ) .
وروى النسائي (4605) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَحْشٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ وَضَعَ رَاحَتَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ ثُمَّ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! مَاذَا نُزِّلَ مِنَ التَّشْدِيدِ؟ فَسَكَتْنَا وَفَزِعْنَا، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ سَأَلْتُهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا هَذَا التَّشْدِيدُ الَّذِي نُزِّلَ؟ فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَوْ أَنَّ رَجُلا قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ أُحْيِيَ، ثُمَّ قُتِلَ، ثُمَّ أُحْيِيَ، ثُمَّ قُتِلَ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مَا دَخَلَ الْجَنَّةَ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ دَيْنُهُ. حسنه الألباني في صحيح النسائي (4367) .
فالحاصل أنك إذا كنت مستغنياً ولست في حاجة إلى المال الذي معك ولا تظن أنك تحتاج إليه قريباً فالأولى لك أن تشتري نقداً ولا تشتري بالتقسيط.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5033)
عند شراء عدد معين يعطونه خدمة مجانية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم إعطاء بعض المحلات لعملائها كروت يقوم العميل بتجميعها ثم إذا وصلت لعدد معين تقوم بعمل خدمة له مجانية كمحطات وقود السيارات أو المغاسل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما تمارسه محطات الوقود، وكذلك بعض المحلات التجارية من إعطاء المتعامل معها هدايا كمنديل أو كرت ليجتمع مع غيره لتغسيل السيارة وتغيير الزيت أو تقديم مبلغ للغسال ليكون على حساب غسيل الملابس بتخفيض نسبة من قيمة الغسيل، في مقابلة تقديم الأجرة فلا يظهر لي مانع من اعتبار صحة هذا التصرف لأن ذلك من قبيل التنازل عن بعض حقه أعني صاحب المحطة أو صاحب المغسلة أو صاحب المحل التجاري، وليس من قبيل القمار لأن المتعامل مع هذه الجهات الثلاث لا يخسر شيئاً، حيث إن ما يقدمه من مبلغ هو في مقابلة ما يحصل عليه من عوض ذلك المبلغ، وما يحصل عليه من جائزة هو من قبيل الحوافز على التعامل.
[الْمَصْدَرُ]
مجلة الدعوة العدد 1796 ص 19.(5/5034)
شراء السيارة بالتقسيط
[السُّؤَالُ]
ـ[هل شراء سيارة بالتقسيط في أمريكا محرم؟ لا أدري إذا كان هناك أي ربا في العقد أم لا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحكم على الشيء فرع عن تصوره، لذلك لا يمكن الحكم على هذا البيع بالجواز أو التحريم إلا بعد الوقوف على صفة العقد وشروطه.
وهناك صورتان شائعتان في البيع والشراء المقسط:
الأولى: أن تشتري سيارة ممن يملكها، سواء كان المالك شخصا أو شركة، على أن تدفع ثمنها مقسطاً، وهذا لا حرج فيه ولو كان ثمنها المقسط أعلى من ثمنها النقدي. راجع سؤال رقم 13973
الثانية: أن تشتري هذه السيارة عن طريق جهة أو شخص ليست بحوزته ولا يملكها، وإنما يدفع ثمنها إلى مالكها، نيابة عنك، على أن تسدد المبلغ لهذه الجهة مقسطا مع زيادة، فهذا محرم. لأن حقيقة هذا العقد أن (هذه الجهة كالبنك وغيره) قد أقرضك قرضا ربويا بفائدة، ولم يشتر شيئا يدخل في ضمانه ويقبضه ليصح بيعه لك. راجع سؤال رقم 10958
ولهذا لو فرض أن البنك اشترى السيارة شراء حقيقيا وقبضها لديه، ثم باعها عليك مقسطة بثمن أعلى، فلا حرج في ذلك، وهذا مندرج تحت الصورة الأولى.
سئلت اللجنة الدائمة:
طلب إنسان من صديقه أن يشتري له سيارة بنقد ثم يعيد بيعها له إلى أجل مع الربح في البيع. فهل هذا يعد من الربا؟
فأجابت: إذا طلب إنسان من آخر أن يشتري له سيارة معينة أو موصوفة بوصف يضبطها، ووعده أن يشتريها منه فاشتراها مَن طُلبت منه وقبضها جاز لمن طلبها أن يشتريها منه بعد ذلك نقداً أو أقساطاً مؤجلة بربح معلوم، وليس هذا من بيع الإنسان ما ليس عنده لأن من طلبت منه السلعة إنما باعها على طالبها بعد أن اشتراها وقبضها، وليس له أن يبيعها على صديقه مثلا قبل أن يشتريها أو بعد شرائه إياها وقبل قبضها، لنهي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بيع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم اهـ
فتاوى اللجنة الدائمة (13/152) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5035)
حكم بيع الكلونيا والتطيب بها
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد بعض أنواع من الكلونيا يشربها من يتعاطى المسكرات ويسكرون بها، فما حكم بيعها وشرائها، وهل يجوز التطيّب بها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا بلغت الكلونيا بما فيها من الكحول درجة الإسكار بشرب الكثير منها حرم الإبقاء عليها قلّت أم كثرت، ووجبت إراقتها وإتلافها لأنها خمر، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر المسلمين بإراقة ما لديهم من الخمور حينما نزل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) المائدة/90-91 ولما ثبت من قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ " رواه الترمذي (1865) وأبو داود (3681) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وعلى ذلك يحرم شربها والتطيب أو التطهير بها، أما إن لم تبلغ درجة الإسكار بما فيها من الكحول بشرب الكثير منها فيجو ز شراؤها واقتناؤها واستعمالها تطيباً وتطهيراً بها، لأن الأصل الجواز حتى يثبت ما ينقل عنه.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة (22/143) .(5/5036)
حكم بيع السلعة إلى أجَل بأكثر من سعرها الحاضر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن لشخص إذا باع سلعة نقداً بعشرة ريالات أن يطلب سعراً أغلى إذا أراد المشتري تسديد الثمن بعد 30 يوماً. على سبيل المثال: إذا بيعت سلعةً ما بعشرة ريالات في حالة الدفع نقداً هل يمكن للبائع طلب إحدى عشرة ريالاً لنفس السلعة إذا أراد المشتري تأجيل الدفع لمدة 30 يوماً. رجاءً الإيضاح في ضوء المعاملات الربوية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز بيع السلعة إلى أجل بأكثر من سعرها الحاضر سواء كان دفع الثمن أقساطاً أم مرّة واحدة عند الأجل، لكن بشرط أن لا يفترقا حتى يعيّنا نوع البيع، ويتفقا على كونه نقداً أو لأجل، وليست الزيادة ربا، وليس في الشرع نص على تحديد مقدار الزيادة في البيع لأجَل عن البيع، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم حث على السماحة في البيع والشراء والقضاء والاقتضاء.
فتوى اللجنة الدائمة
انظر كتاب فتاوى إسلامية ج/2 ص/335
ولكن لو باعه إياها بعشرة مثلاً ثم أراد المشتري التأخُّر في دفع الثمن فلا يجوز للبائع أن يزيد عليه شيئاً، فإن زاد عليه شيئاً مقابل الزيادة في المدَّة فهو رباً محرَّم وكبيرة عظيمة نسأل الله السلامة.
ويراجع جواب سؤال رقم (1231)
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/5037)
بيع قسائم بنزين مقدماً بالتخفيض
[السُّؤَالُ]
ـ[طرحنا برنامج محروقات للجمهور، تفصيله كالتالي: ادفع (200) ريال واحصل على قسائم بنزين بقيمة (210) ريال وغسيل مجاني لسيارتك، علماً بأن مبلغ (200) ريال يدفع مقدماً عند شراء قسائم البنزين، هل هذا العرض حلال أم حرام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الأمر كما ذكر جاز بيع قسائم البنزين مع الغسيل بالقيمة المذكورة لأن البيع في الحقيقة إنما وقع على الكمية من البنزين الموضحة في القسائم مع الغسيل وليس في ذلك غرر ولا رباً ولا جهالة.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى اللجنة الدائمة ج13/34.(5/5038)
هل يجوز شراء مؤسسة بشرط أن يسدد عنها الديون؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز شراء مؤسسة عليها ديون بشرط أن يتحمل المشتري تسوية هذه الديون؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز ذلك من باب تحمل الدين مقابل تملكه لتلك المؤسسة سواء دفع مبلغا لصاحبها أو كان التملك مقابل تحمل الديون فقط، كأن يقول: أشتري منكم المؤسسة بـ 500.000 أدفع ثلاثمائة ألف نقدا وأتحمل مائتي ألف التي على المؤسسة للناس.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ ابن جبرين.(5/5039)
البيع بالتقسيط قد يكون مستحباً
[السُّؤَالُ]
ـ[أبيع بالتقسيط وأزيد في ثمن السلعة عن ثمنها نقداً. هل يمكن أن يكون لي ثواب لأنني أساعد المسلمين في شراء ما يحتاجونه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
البيع بالتقسيط مع زيادة الثمن جائز , راجع سؤال (13973) .
والبيع بالتقسيط قد يكون حكمه بالنسبة للتاجر الاستحباب أو الإباحة.
فيكون مستحباً ويثاب عليه إذا قصد الإرفاق بالمشتري، ومساعدته على شراء ما يحتاج، ولا يزيد عليه الثمن لأجل التقسيط إذا كان فقيراً محتاجاً، ولا يضيق عليه في السداد. بل إذا حل موعد السداد وليس عنده مال أعطاه مهلة، أو أسقط عنه الثمن كله أو بعضه. قال الله تعالى: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) البقرة/280.
قال الشيخ السعدي رحمه الله:
أي: وإن كان الذي عليه الدين معسراً وجب على غريمه أن ينظره إلى ميسرة. . . وإن تصدق عليه غريمه - بإسقاط الدين كله أو بعضه - فهو خير له اهـ تفسسير السعدي (ص 168) .
وروى البخاري (1307) ومسلم (1561) عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (حُوسِبَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مِنْ الْخَيْرِ شَيْءٌ إِلا أَنَّهُ كَانَ يُخَالِطُ النَّاسَ وَكَانَ مُوسِرًا، فَكَانَ يَأْمُرُ غِلْمَانَهُ أَنْ يَتَجَاوَزُوا عَنْ الْمُعْسِرِ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: نَحْنُ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْهُ، تَجَاوَزُوا عَنْهُ) .
وأما إذا قصد التاجر بالبيع بالتقسيط المعاوضة الكاملة والربح وزاد في الثمن لأجل التقسيط فهو مباح.
وبعض التجار لا يبيع إلا بالتقسيط، حتى يكون ربحه أكثر، وهذا نص الإمام أحمد رحمه الله على كراهته فإن باع بالنقد والتقسيط فلا بأس.
وعلل شيخ الإسلام رحمه الله كراهة ذلك بأنه يدخل في بيع المضطر لأنه غالب من يشتري بنسيئة [أي بالتقسيط] إنما يكون لتعذر النقد عليه، فإذا كان الرجل لا يبيع إلا بنسيئة كان ربحه على أهل الضرورة والحاجة، وإذا باع بنقد ونسيئة كان تاجراً من التجار. اهـ من تهذيب السنن لابن القيم. عون المعبود (9/347) .
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5040)
حكم من يبيع السلع على من يشتريها بمال ربوي
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد شخص وهو يبني بيوتا من مال حلال, ثم يبيعها لغيره. والذين يشترون تلك البيوت يشترونها من أموال ربوية. فهل يقع أي ذنب على الشخص الأول؟ إنه من المعروف أن أغلب الناس الذين يعيشون في الغرب يحصلون على قروض لشراء بيوت, وأنهم لا يملكون تقديم الثمن نقدا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأفضل ألا يدخل في هذه المعاملة من باب الورع، ولكن الأصل أنه لا علاقة له بالمعاملة الربوية وليس طرفا فيها لأن آكل الربا هو البنك ومؤكله هو المشتري.
[الْمَصْدَرُ]
فضيلة الشيخ ابن جبرين(5/5041)
حكم بيع أمواس الحلاقة
[السُّؤَالُ]
ـ[إن والدي يرسل لنا علب أمواس حلاقة لنبيعها، ونظراً لأن هذه الأمواس غالباً ما تستخدم في حلق اللحية، ونادراً ما تستخدم في الشارب والعانة، ونظراً لذلك فقد داخلني الشك، هل هي حلال أم حرام، أي هل بيعها يجوز أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يحرم عليكم بيعها والانتفاع بثمنها، ولكن يحرم على من كانت في حوزته أن يستعملها في محرم.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى اللجنة الدائمة ج13/30.(5/5042)
يبيع السلعة بأسعار مختلفة للزبائن
[السُّؤَالُ]
ـ[أخ مسلم يعمل في متجر للأحذية وأصحاب المتجر يقومون بتغيير أسعار السلع باستمرار. علي سبيل المثال، شخص يشتري سلعة بخمسين دولار، ولشخص أخر يكون السعر تسعين دولاراً بالرغم من أن السعر الموضح علي السلعة ستون دولارا. هل يجوز تغيير الأسعار بهذه الطريقة؟ وهل هذا عدل في التجارة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
على البائع أن يبيع السلعة بما تساويه في السوق، فإن باعها بغير ما تساويه في السوق فله حالان:
الأولى: أن يبيعها بأنقص من قيمتها بالسوق - كما لو أراد أن يحابي أحد أصدقائه، مثلاً - فهذا جائز، ولا بأس به، ولا يُمنع منه البائع إلا إذا قصد الإضرار بغيره من التجار، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) . رواه ابن ماجه (2340) وصححه الألباني في "الإرواء" (896) .
الثانية: أن يبيعها بأكثر مما تساويه في السوق
فإن كانت الزيادة يسيرة كما لو باع ما يساوي عشرين باثنين وعشرين، فهذا جائز لأنه مما جرت عادة الناس بالتسامح فيه.
وأما إن كانت الزيادة كثيرة، والمشتري لا يعرف الثمن، كما لو باع ما يساوي ستين بتسعين – كما هو مذكور في السؤال – فإن هذا لا يجوز، وهو من الغش والخداع، ويكون للمشتري الخيار إذا تبين له الأمر، فله رد السلعة. وهذا يسميه العلماء رحمهم الله خيار الغَبْن. انظر المغني (4/18) .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
ما الحكم في تاجر يبيع الأشياء بأسعار مختلفة للناس، ولو كانت السلعة هي نفسها، فيبيعها لواحد مثلاً بعشرة، ولآخر بعشرين، ولثالث بخمسة، فهل مثل هذا يجوز أم لا؟
فأجاب:
"إذا كان هذا الاختلاف بسبب اختلاف السوق، وأن هذه السلعة تزداد يوماً وتنقص يوماً فهذا لا بأس به أن يبيع بسعر السوق، وليس في ذلك محذور، وأما إذا كان الاختلاف فيما يبيع به إنما هو من أجل شطارة المشتري، وكونه جيداً في المماكسة أو غير جيد فإذا رأى أنه غير جيد غلبه، وإذا رأى أنه جيد نزّل له فإن هذا لا يجوز، لأنه من الغش وخلاف النصيحة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث تميم الداري أنه قال: (الدين النصيحة) . قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: (لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) رواه مسلم (55) .
وكما أنه هو لا يرضى أن يفعل به أحد مثل ذلك، فكيف يرضى لنفسه أن يفعله في إخوانه المسلمين؟!
فالواجب أن يكون بيع الإنسان بحسب ما تقتضيه الأسعار في المكان الذي هو فيه، وأن لا يجعل لهذا سعراً وهذا سعراً بسبب غباوة المشتري.
أما كونه يحابي بعض أصحابه وبعض أصدقائه بالتنزيل من الثمن فهذا لا بأس به ولا حرج عليه، أو كونه يبيع السلعة بما تساوي بالأسواق، ثم يأتي رجل ثانٍ يلح عليه بالمماكسة والتنزيل له فإن هذا لا يضره، لأنه ما خرج عن السعر المعتاد" اهـ. فتاوى للتجار ورجال الأعمال ص42.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5043)
بيع الأب بعض ممتلكاته على أحد أولاده
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للرجل أن يبيع شيئاً من ماله على بعض أولاده، مع العلم أن بعضاً منهم قادر على الشراء، والبعض الآخر ليس عنده شيء ولا يقدر على الشراء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز للرجل أن يبيع من ماله على بعض أولاده، إذا كان قادراً على الشراء، ويتعامل معه كما يتعامل مع شخص أجنبي ولا يحابيه محاباة يكون فيها تفضيل له على بقية إخوانه.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى اللجنة الدائمة ج13/15.(5/5044)
بيع الأب بعض ممتلكاته على أحد أولاده
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للرجل أن يبيع شيئاً من ماله على بعض أولاده، مع العلم أن بعضاً منهم قادر على الشراء، والبعض الآخر ليس عنده شيء ولا يقدر على الشراء؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز للرجل أن يبيع من ماله على بعض أولاده، إذا كان قادراً على الشراء، ويتعامل معه كما يتعامل مع شخص أجنبي ولا يحابيه محاباة يكون فيها تفضيل له على بقية إخوانه.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى اللجنة الدائمة ج13/15(5/5045)
ماذا يعمل بالزائد عن عينات تحليل الجودة
[السُّؤَالُ]
ـ[ترد إلى المختبر عينات مختلفة من أجبان وعصيرات ومكسرات ولحوم وعطور وألبان وغير ذلك، وبعض العينات تزيد عن حاجة التحليل المطلوب لها، مثال ذلك: كرتون عصير يحتوي 30 علبة، والتحليل يحتاج إلى 5 علب، والأمثلة على ذلك كثيرة، فهل يجوز للمحلل أخذها أو إعطاؤها لبعض المستحقين؟ علماً أن بقاء مثل هذه العينات إلى حد انتهاء إجراءاتها في المختبر والجمرك قد يؤدي إلى فسادها ورميها، علاوة على ذلك إن كثيراً من التجار لا يأتون ويسألون عن بقية مثل هذه العينات.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: على الجهات المسئولة عند طلب عينات للتحليل في مختبر الجودة والصلاحية أن تطلب مقدار ما يكفي للتحليل غالباً، ولا تطلب زيادة على الكفاية، ولا تستلم أكثر من اللازم.
ثانياً: في حال كفاية بعض الكمية المقدرة فإنه يعاد الباقي لصاحبه، وذلك بأخذ عنوانه على العينة وتحديد موعد لتسليم الفائض عن التحليل، ومكان التسليم والشخص المسئول عن ذلك ليمكن مراجعته.
ثالثاُ: في حال تخلف صاحب العينة أو من ينيبه عن الحضور وعند خشية فساد العينة فإنها تباع وتدخل (بيت مال المسلمين فإن لم يستطاع بيعها صُرفت في مصارف بيت المال)
[الْمَصْدَرُ]
انظر فتاوى اللجنة الدائمة ج13/22.(5/5046)
هل يجوز البيع للزبائن السكارى
[السُّؤَالُ]
ـ[والدي له بقالة وبعض الأحيان يأتي زبائن سكرانين، هل يجوز أن نتعامل مع مثل هؤلاء الزبائن؟ وإذا كان يجوز فهل ينقض الوضوء شمنا لرائحة الكحول القوية المنبعثة منهم أو من علب البيرة التي يحملونها بأيديهم ويشربون منها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
عرضنا السؤال التالي على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين:
صاحب محل تجاري في بلاد الغرب يدخل عليه نصارى سكارى أو يترنحون ليشتروا أشياء مباحة فهل يجوز أن يبيعهم؟
فأجاب حفظه الله:
نعم. مادام أنهم نصارى؟
سؤال:
لماذا
الجواب:
يجوز لأن النصارى يعتقدون حل شرب الخمر.
سؤال:
أشكل علينا أن أحد طرفي العقد ليس في عقله (ليس عاقلا)
جواب:
أليس يعرف أن يشتري؟
سؤال:
للسكران أحوال، فقد يكون واعيا لعملية الشراء وقد لا يكون؟
جواب:
إذا كانوا بحال لا يعلمون، فهذا لا يجوز معاملته.
سؤال:
أما إذا كان السكران يعلم ماذا يفعل؟
جواب:
فلا بأس، كما في الآية الكريمة: " لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ". والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(5/5047)
التنازل عن الهاتف مقابل تسديد الفاتورة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن يتنازل له عن رقم هاتفه مقابل أن يقوم المتنازل له بتسديد الفاتورة التي على المتنازل بمبلغها المعلوم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سألت هذا السؤال شيخي سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله فأجاب:
لا أعلم مانعا والتنازل أعم من البيع. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/5048)
العمل في تحميل وتنزيل التلفزيونات واللاقطات
[السُّؤَالُ]
ـ[كثيراً ما يحدث خلافات وفتن بيننا نحن العمال وعملنا في السوق، وسبب هذا الخلاف: أنني أرفض تنزيل جهاز التلفزيون أو الدش عند قدوم السيارة، وفي بعض الأحيان تأتي السيارة فيها جهاز الثلاجة والمجمدات ومعها مادة جهاز التلفزيون، فما حكم تنزيل هذا الجهاز إذا كان السيارة فيها تلفزيون فقط؟ وما حكم تنزيل السيارة إذا كان معها عدد قليل من التلفزيون؟ مع العلم أن هذا العمل هو مصدر رزقي الوحيد، وفي حالة رفضي نزول التلفزيون يمنعوني من العمل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سبق في جواب السؤال رقم (39744) أن أجهزة التلفاز تستعمل في الخير والشر، وأن غالب استعمالها اليوم إنما هو في الشر، لذا كان بيعها وشراؤها وصيانتها حراماً، وأنه لا يجوز بيعها وشراؤها إلا لمن علم أو غلب على ظنه أنه يستعملها في المباح.
والحكم ذاته يكون في تحميلها وتنزيلها، ولا فرق، وخاصة إذا أضيف إليها " الدش "، ولا شك أنه إذا كان الغالب على استعمالها من الناس اليوم الإثم: فإنه لا يجوز الإعانة على هذا الإثم والمساعدة فيها، كالدلالة على محلاته، والدعاية لهم، ومنه: تحميلها وتنزيلها لمصانعها ومسوقيها وزبائنها الذين يشترونها.
ولا فرق بين كونها كثيرة أو قليلة، والله تعالى يقول: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ. وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) الزلزلة/7،8.
ولا ينبغي لك أن تقول إن هذا مصدر رزقك الوحيد؛ فمصادر الرزق كثيرة، والله تعالى يقول: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) الطلاق/2،3، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنك لن تدع شيئاً لله عز وجل إلا بدَّلك الله به ما هو خير لك منه) رواه الإمام أحمد، وصححه الألباني في " حجاب المرأة المسلمة " (47) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5049)
الشراء من البقالة بالآجل لا يعدُّ من ربا النسيئة
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد بالقرب من منزلنا بقالة، فنقوم بطلب ما نريده منها ونؤخر تسليم الثمن إلى أجل محدود، فهل يعتبر هذا من ربا النسيئة؟ مع العلم أن البائع راضٍ بأي طريقة تم الدفع بها عاجلاً أو مؤخراً فما الحكم في ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
شراء الأشياء من البقالة من تأخير قبض الثمن من النقود ليس من الربا في شيء.
وذلك لأن الأصناف التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم ويجري فيها الربا ستة أصناف، الذهب والفضة، ويلحق بهما الآن النقود.
والتمر والبر (القمح) والشعير والملح.
وهذه الأصناف قسمها العلماء إلى قسمين - حسب اتفاقها في علة جريان الربا فيها -:
فالقسم الأول: الذهب والفضة وما ألحق بهما.
القسم الثاني: البر والشعير والتمر والملح.
فإذا أراد الإنسان أن يشتري شيئاً من القسم الثاني بشيء من القسم الأول، كما لو كان يشتري تمراً بنقود، فلا يجري بينهما الربا، فيجوز الشراء مع تأخير الثمن باتفاق العلماء.
وقد اشترى النبي صلى الله عليه وسلم من يهودي شعيراً وأخَّر دفع ثمنه، ورهن عنده درعه.
فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: اشْتَرَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا بِنَسِيئَةٍ وَرَهَنَهُ دِرْعَهُ. رواه البخاري (1999) ومسلم (1603) .
ورواه البخاري (2069) عن أنس رضي الله عنه بلفظ: (رَهَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِرْعًا لَهُ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ يَهُودِيٍّ وَأَخَذَ مِنْهُ شَعِيرًا لِأَهْلِهِ) .
وبوب عليه البخاري بقوله: " باب شراء النبي صلى الله عليه وسلم بالنسيئة ".
قال ابن حجر:
قال ابن بطال: الشراء بالنسيئة جائز بالإجماع.
" فتح الباري " (4 / 302) .
فيجوز لك شراء ما تشاء من بضائع من البقالة مع تأخير دفع النقود ولا يدخل ذلك في ربا النسيئة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5050)
ما هو مقدار السعي عند البيع
[السُّؤَالُ]
ـ[كثر الجدل حول مقدار السعي الذي يأخذه الدلال، فساعة 2.5 في المائة، وساعة 5 في المائة، فما هو السعي الشرعي، أو أنه حسب الاتفاق بين البائع والدلال؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا حصل اتفاق بين البائع والمشتري على أن يأخذ من المشتري أو من البائع أو منهما معاً سعياً معلوماً جاز ذلك، ولا تحديد للسعي بنسبة معينة، بل ما حصل عليه الاتفاق والتراضي ممن يدفع السعي جاز، لكن ينبغي أن يكون في حدود ما جرت به العادة بين الناس مما يحصل به نفع الدلال في مقابل ما بذله من وساطة وجهد لإتمام البيع بين البائع والمشتري، ولا يكون فيه ضرر على البائع أو المشتري بزيادة فوق المعتاد.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ج/13 ص 130(5/5051)
حكم التخفيضات التجارية
[السُّؤَالُ]
ـ[تقوم بعض المحلات بإجراء تخفيضات على السلع كنوع من الدعاية التجارية وجذب الزبائن، فهل يجوز لي كصاحب محل أن أفعل ذلك؟ وما حكم الشراء من المحلات أثناء فترة التخفيضات؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال أكثر أهل العلم بجواز بيع السلع والخدمات بأقل من سعر مثلها.
وهذا مذهب الحنفية وقول ابن رشد من المالكية والشافعية والحنابلة، وابن حزم من الظاهرية.
وأدلة هذا القول:
أولاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم عدّ التدخل في تحديد الأسعار نوعاً من الظلم الذي يجب الامتناع منه فقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله هو القابض الباسط المسعّر، وإني لأرجو أن ألقى الله ولا يطالبني أحد بمظلمة ظلمتها إياه في دم ولا مال) رواه الأمام أحمد في المسند (3/165) ، (286) والترمذي في كتاب البيوع رقم (1314) (3/597) ، وابن ماجه رقم 2200 (2/741) كلهم من حديث أنس رضي الله عنه.
ثانياً: أن الشريعة ندبت إلى السماحة والسهولة في البيع والشراء وسائر المعاملات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع وإذا اشترى، وإذا اقتضى) رواه البخاري رقم 2076 (2/81) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. ولا شك أن البيع بأقل من ثمن المثل داخل في ذلك، قال ابن رشد فيمن باع بأرخص مما يبيع أهل السوق: (بل يشكر على ذلك عن فعله لوجوه الناس ويؤجر إذا فعله لوجه الله) البيان والتحصيل (9/306) .
ثالثاً: أن أثمان السلع والخدمات، وأسعارها حق لأربابها، فلا يحجر عليهما فيها، ولا يتعرض لهم في تقديرها. ينظر تبين الحقائق (6/28) ، المغني (6/312) .
وقد قال بعض العلماء بأنه لا يجوز بيع السلع والخدمات بأقل من سعر مثلها، وهذا مذهب المالكية.
والراجح هو القول بجواز البيع بأقل من سعر السوق لقوة الأدلة الدالة على ذلك، ولأن المبايعات والمعاوضات مبناها على التراضي كما قال تعالى: (إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) النساء /29 فإذا رضي البائع أن يبيع سلعته أو خدمته بثمن دون السعر السائد، فلا وجه لمنعه من ذلك، كما أن الأصل في البيوع الحِل، قال الله تعالى: (وأحل الله البيع) البقرة/275 فلا يمنع منها شيء إلا بدليل يعتمد عليه ولكن إن رأى ولي الأمر أن مصلحة الناس لا تتم إلا بمنعهم من البيع بدون سعر المثل لما في ترك ذلك من المفاسد، فإن ذلك جائز لا حرج فيه لأن المقصود هو إصلاح معاش الناس واستقامة أمرهم، فإذا كان ذلك لا يتحقق إلا بمنعهم من البيع بأقل من السعر السائد كان ذلك جائزاً، بل قد يكون واجباً والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب الحوافز التجارية التسويقية لـ خالد بن عبد الله المصلح ص 171.(5/5052)
البيع على الأطفال بأغلى من سعر الجملة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمسلم أن يبيع بضائع قد اشتراها من سوق الجملة وملصوق عليها السعر مثل (المشروبات المعلبة والبضائع المخفضة) بسعر أغلى لآخرين وخصوصاً أطفال المسلمين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا بأس أن يزيد في ثمن السلعة لأن التجارة قائمة على ذلك بشرط أن لا يكون على سبيل الكذب أو الخديعة أو الاحتكار فيما لا بد للناس منه من القوت ونحوه.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/5053)
حكم شراء بساتين المِشمِش قبل نضجها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الشريعة في شراء بساتين المشمش قبل النضج، حيث يتسارع التجار إلى شرائها من الفلاحين وهى ما زالت غير ناضجة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا يجوز بيع الثمار قبل بدو صلاحها، بإجماع العلماء، لثبوت النهي عن ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فعن ابن عمر رضي الله عنهما أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم: (نَهَى عَن بَيعِ الثَّمَارِ حَتََّّى يَبدُوَ صَلَاحُهَا، نَهَى البَائِعَ وَالمُبتَاعَ – أي المشتري -) رواه البخاري (2194) ومسلم (1534) .
ومن باب أولى: لا يجوز بيع الثمرة قبل ظهورها، وهذا أيضاً أجمع العلماء على تحريمه.
وحكمة النّهي عن بيع الثّمر قبل بدوّ صلاحه هي خوف تلف الثّمرة، وحدوث العاهة عليها قبل أخذها، فإنه يكثر تعرض الثمرة للآفات قبل بدو صلاحها، وقد ثبت في حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أَرَأَيتَ إِذَا مَنَعَ اللَّهُ الثّمَرَةَ، بِمَ يَأخُذُ أَحَدُكُم مَالَ أَخِيهِ؟) رواه البخاري (1488) ومسلم (1555) .
والمراد ببدو الصلاح أول ظهوره وبدايته، بحيث تكون الثمرة صالحة للأكل، وليس المراد كمال النضج، ولذلك جاء في الحديث: (حتى يبدو صلاحها) ولم يقل: (حتى يتم صلاحها) .
وروى مسلم (1536) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَن بَيعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى تَطعَمَ) وفي رواية: (حَتَّى تَطِيبَ) .
قال النووي رحمه الله تعالى في "المجموع" (11/150) :
" بدو الصلاح يرجع إلى تغير صفة في الثمرة، وذلك يختلف باختلاف الأجناس، وهو على اختلافه راجع إلى شيء واحد مشترك بينها، وهو طيب الأكل " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (4/33) :
" الضابط يدور على إمكان أكلها واستساغته؛ لأنه إذا وصل إلى هذا الحد أمكن الانتفاع به، وقبل ذلك لا يمكن الانتفاع به إلا على كره، وهو أيضا إذا وصل هذه الحال من النضج قَلَّت فيه الآفات والعاهات " انتهى.
وبدو صلاح المشمش الوارد في السؤال: نص العلماء على أنه يكون ببداية اصفراره مع حلاوته.
انظر: "المجموع" (11/151) .
ثانياً:
لكن هذا الحكم – وهو تحريم بيع الثمار قبل بدو صلاحها – قد استُثني منه عدة صور، يجوز فيها بيع الثمار ولو لم يبدُ صلاحها.
الأولى: أن يبيع الثّمرة مع الشّجر، فهذا جائز، سواء كان الثمر قد بدا صلاحه أم لا، ولا يختلف في ذلك الفقهاء، لأنّ بيع الثّمر هنا تابع للشّجر، والقاعدة عند العلماء: " أنه يغتفر في التابع ما لا يغتفر في الشيء المستقل ".
الثانية: أن يبيع الثمرة قبل بدوّ صلاحها بشرط أن يقطعها المشتري في الحال، ولا ينتظر نضجها، فهذا البيع صحيح بالإجماع، وعلّله العلماء بأنّ المنع من البيع قبل بدوّ الصّلاح، إنّما كان خوفاً من تلف الثّمرة، وحدوث العاهة عليها قبل أخذها، وهذا مأمون فيما يقطع في الحال.
ويتصور اشتراط القطع في الحال في بعض الثمار التي يستفاد منها قبل النضج، كما لو كانت صالحة لتكون علفاً للبهائم مثلاً، ونحو ذلك من أوجه الانتفاع بها.
ثالثاً:
إذا كان البستان واحدا، فلا يشترط أن يبدو الصلاح في كل شجرة من شجر البستان، بل يعتبر كل نوع على حدة، فيكفي أن يبدو الصلاح في شجرة واحدة من كل نوع.
فمثلاً: إذا كان البستان فيه أنواع من التمر كالبرحي والسكري مثلا، فلا يعتبر بدو الصلاح في البرحي كافياً لبيع السكري، ولكن لا بد من بدو الصلاح في كل نوع، ولو في نخلة واحدة.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (4/31) :
" صلاح بعض الشجرة صلاح لها كلها ولسائر النوع الذي في البستان " انتهى.
انظر: "الموسوعة الفقهية" (9/190-194) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5054)
شراء طيور الزينة من أجل صوتها وألوانها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز شراء طيور الزينة من أجل التمتع بصوتها، وألوانها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" بيع طيور الزينة مثل الببغاوات والطيور الملونة والبلابل لأجل صوتها جائز؛ لأن النظر إليها وسماع أصواتها غرض مباح , ولم يأت نص من الشارع على تحريم بيعها أو اقتنائها , بل جاء ما يفيد جواز حبسها إذا قام بإطعامها وسقيها وعمل ما يلزمها , ومن ذلك ما رواه البخاري من حديث أنس قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً , وكان لي أخ يقال له: أبو عمير – قال: أحسبه فطيماً - وكان إذا جاء قال: (يا أبا عُمير ما فعل النُّغير؟) نغر كان يلعب به) الحديث. والنغر نوع من الطيور , قال الحافظ ابن حجر في شرحه (فتح الباري) في أثناء تعداده لما يستنبط من الفوائد من هذا الحديث قال: وفيه. . جواز لعب الصغير بالطير , وجواز إنفاق المال فيما يتلهى به الصغير من المباحات , وجواز إمساك الطير في القفص ونحوه , وقص جناح الطير إذ لا يخلو حال طير أبي عمير من واحد منهما , وأيهما كان الواقع التحق به الآخر في الحكم , وكذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (دخلت امرأة النار في هرة حبستها , لا هي أطعمتها وسقتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض) , وإذا جاز هذا في الهرة جاز في العصافير ونحوها.
وذهب بعض أهل العلم إلى كراهة حبسها للتربية , وبعضهم منع من ذلك , قالوا: لأن سماع أصواتها والتمتع برؤيتها ليس للمرء به حاجة , بل هو من البطر والأشر ورقيق العيش , وهو أيضاً سفه؛ لأنه يطرب بصوت حيوان صوته حنين إلى الطيران , وتأسف على التخلي في الفضاء , كما في كتاب "الفروع وتصحيحه" للمرداوي (4/9) , و"الإنصاف" (4/275) " انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (13/39) .(5/5055)
السماح للعاصي بالمعصية
[السُّؤَالُ]
ـ[عائلتي تريد أن تبدأ مشروعاً استثمارياً وهو عبارة عن مطعم بناءً على قول الرسول صلى الله عليه وسلم أن التجارة أفضل من الراتب. والمشكلة في هذا المشروع أنه حتى ينجح فلا بد من تقديم الخمر للزبائن ولذا تجنبنا هذا المشروع لأنه حرام حينئذ. لكن أحد الأصدقاء اقترح علينا حلاً وسطاً للتخلص من هذه المشكلة وهي أن يحضر الزبائن خمورهم معهم وفي هذه الحالة لن يتم بيع الخمر ولا شراؤه ولا تقديمه للزبائن من قبلنا. فما رأيكم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ليس في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ما ذكره الأخ السائل " أن التجارة أفضل من الراتب "، وقريب منه حديث " تسعة أعشار الرزق في التجارة " وهو حديث ضعيف، ضعفه الألباني في ضعيف الجامع (2434) .
ثانياً:
وما اقترحه عليك أحد أصدقائك بأن يُحضر الزبائن الخمور معهم في مطعمكم: باطل شرعاً، وهي نصيحة سوء إما من قاصد لضرركم، أو من جاهل لا يعلم حكم الله.
ذلك أنكم مسئولون عن مطعمكم عند الله ولا يحل لكم أن تسمحوا بارتكاب المعاصي والآثام فيه، وشرب الخمر حرام ولا يشك في ذلك مسلم، وهو منكر عظيم، فما هو موقفكم من هذا المنكر؟ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فقلبه " رواه مسلم (49) .
فهل غيرتم هذا المنكر بأيديكم؟ وهل غيرتم بلسانكم؟
وأمر آخر:
عن جابر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار عليها بالخمر " رواه الترمذي (2801) .
والحديث: له شواهد يصح بها، وقد صححه الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " (9 / 250) .
ولا تنس أن هذه المائدة لكم وفي محلكم، وليس المراد حقيقة الجلوس فقط، بل حتى لو كان ذلك في محل أو مطعم واحد، فأنتم شركاء معهم في الإثم فكيف إذا كان المحل محلكم؟
وقد قال الله تعالى: {وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم} النساء / 140.
قال ابن كثير:
أي: إنكم إذا ارتكبتم النهي بعد وصوله إليكم ورضيتم بالجلوس معهم في المكان الذي يكفر فيه بآيات الله ويستهزأ بها وأقررتموهم على ذلك فقد شاركتموهم في الذي هم فيه فلهذا قال تعالى: (إنكم إذا مثلهم) في المآثم كما جاء في الحديث " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر ".
" تفسير ابن كثير " (1 / 567، 568) .
وأمر آخر:
وماذا لو سأل سائل أنه يريد أن يفتح " فندقاً " ليتكسب منه، فنصحه ناصح أن يسمح بأن يحضر الرجل أي امرأة لينام معها فيه، وأن هذه الطريقة هي التي تجلب الزبائن! فهل كنتم توافقون على مثل هذه النصيحة؟ الجواب: لا، قطعاً.
وكذلك من نصحكم بأنه إذا أردتم الرزق والكسب فاسمحوا للزبائن بإحضار الخمر معهم، ولا فرق.
فأنتم في الحالين لم تقدموا الخمر ولا النساء، لكن سمحتم بأن ترتكب المحرمات أمام أعينكم وفي محلكم.
وعليه:
فإنه يحرم عليكم السماح لأحدٍ بإحضار ما حرَّم الله وشربه في مطعمكم، وقد قال تعالى {ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب} الطلاق / 2، 3، فلا يغرنكم كلام الناس بأنكم لن ترزقوا إلا بالسماح لهذه المحرمات بالدخول في مطعمكم، فإن مثل هؤلاء الناس لم يريدوا لكم النصح، أو أنهم أرادوه فأخطؤوا الطريق.
والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5056)
حكم الإجارة المنتهية بالتمليك
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم ما يفعله كثير من الشركات أو البنوك الآن من تأجير سيارة مدة سنة مثلاً بأجرة معلومة كل شهر، وبعد نهاية المدة تكون السيارة ملكاً للمستأجر، وإذا لم يكمل مدة الإجارة المتفق عليها تعود السيارة ملكاً للشركة أو البنك، وليس من حق المستأجر أن يسترد ما دفعه من أقساط.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه المعاملة تعرف باسم " الإجارة المنتهية بالتمليك " وقد اختلف فيها العلماء المعاصرون، وقد أصدر مجلس هيئة كبار العلماء بياناً في حكمها نصه:
" فإن مجلس هيئة كبار العلماء درس موضوع الإيجار المنتهي بالتمليك.. , وبعد البحث والمناقشة رأى المجلس بالأكثرية أن هذا العقد غير جائز شرعاً لما يأتي:
أولاً: أنه جامع بين عقدين على عين واحدة غير مستقر على أحدهما، وهما مختلفان في الحكم متنافيان فيه.
فالبيع يوجب انتقال العين بمنافعها إلى المشتري، وحينئذ لا يصح عقد الإجارة على المبيع لأنه ملك للمشتري، والإجارة توجب انتقال منافع العين فقط إلى المستأجر.
والمبيع مضمون على المشتري بعينه ومنافعه، فتلفه عليه، عيناً ومنفعة، فلا يرجع بشيء منهما على البائع، والعين المستأجرة من ضمان مؤجرها، فتلفها عليه، عيناً ومنفعة، إلا أن يحصل من المستأجر تعد أو تفريط.
ثانياً: أن الأجرة تقدر سنوياً أو شهرياً بمقدار مقسط يستوفي به قيمة المعقود عليه، يعده البائع أجرة من أجل أن يتوثق بحقه حيث لا يمكن للمشتري بيعه.
مثال لذلك: إذا كانت قيمة العين التي وقع عليها العقد خمسين ألف ريال وأجرتها شهرياً ألف ريال حسب المعتاد جعلت الأجرة ألفين، وهي في الحقيقة قسط من الثمن حتى تبلغ القيمة المقدرة، فإن أعسر بالقسط الأخير مثلاً سحبت منه العين باعتبار أنها مؤجرة ولا يرد عليه ما أخذ منه بناء على أنه استوفي المنفعة.
ولا يخفى ما في هذا من الظلم والإلجاء إلى الاستدانة لإيفاء القسط الأخير.
ثالثاً: أن هذا العقد وأمثاله أدى إلى تساهل الفقراء في الديون حتى أصبحت ذمم كثير منهم مشغولة منهكة، وربما يؤدي إلى إفلاس بعض الدائنين لضياع حقوقهم في ذمم الفقراء.
ويرى المجلس أن يسلك المتعاقدان طريقاً صحيحاً وهو أن يبيع الشيء ويرهنه على ثمنه ويحتاط لنفسه بالاحتفاظ بوثيقة العقد واستمارة السيارة ونحو ذلك.
والله الموفق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
وممن وقع على هذا البيان من هيئة كبار العلماء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ.
الشيخ صالح اللحيدان
د/ صالح الفوزان.
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5057)
تحديد ثمن للسلعة نقدا وآخر بالتقسيط
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز تحديد ثمن للسلعة إذا كان المشتري سيسدد الثمن نقداً، وثمناً آخر إذا كان سيسدده بالتقسيط؟ مثال: هذه السيارة بخمسين ألف نقداً، وستين ألف بالتقسيط.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا قال البائع: هذه السيارة بخمسين ألف نقداً، وستين ألف بالتقسيط.
فهذه المسألة لها صورتان:
الأولى: أن يتفرق البائع والمشتري وقد اتفقا على ثمن منهما وطريقة السداد. فالبيع جائز.
الثانية: أن يتفرقا من غير اتفاق على الثمن، فهذا البيع محرم ولا يصح.
قالَ البغوي رحمه الله فِي شَرْحِ السُّنَّةِ –عن هذه الصورة الثانية-: هُوَ فَاسِدٌ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ لأَنَّهُ لا يُدْرَى أَيُّهُمَا جُعِلَ الثَّمَنَ اهـ
وبهذا فَسَّر كثيرٌ من العلماء نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة.
وروى الترمذي (1152) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ. صححه الألباني صحيح الترمذي (985) .
قال الترمذي: وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَدْ فَسَّرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالُوا: بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ أَنْ يَقُولَ: أَبِيعُكَ هَذَا الثَّوْبَ بِنَقْدٍ بِعَشَرَةٍ وَبِنَسِيئَةٍ بِعِشْرِينَ، وَلا يُفَارِقُهُ عَلَى أَحَدِ الْبَيْعَيْنِ، فَإِذَا فَارَقَهُ عَلَى أَحَدِهِمَا فَلَا بَأْسَ، إِذَا كَانَتْ الْعُقْدَةُ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمَا اهـ
وقال النسائي في السنن: بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: أَبِيعُكَ هَذِهِ السِّلْعَةَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ نَقْدًا وَبِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ نَسِيئَةً.
وَقَالَ الشوكاني فِي نيْلِ الأوطار: وَالْعِلَّةُ فِي تَحْرِيمِ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ عَدَمُ اِسْتِقْرَارِ الثَّمَنِ فِي صُورَةِ بَيْعِ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ بِثَمَنَيْنِ اهـ
وسئلت اللجنة الدائمة:
ما رأيكم في بيع السيارة بعشرة آلاف نقداً أو اثني عشر ألفاًَ تقسيطا؟
فأجابت:
إذا باع إنسان لأخر سيارة بعشرة آلاف ريال مثلاً نقداً، أو باثني عشر ألف ريال إلى أجل، وتفرقا من مجلس العقد دون أن يتفقا على أحد الأمرين: ثمن النقد أو ثمن التأجيل لم يجز البيع ولم يصح، لجهالة الحال التي انتهى إليها البيع من حلول أو تأجيل. وقد استدل لهذا كثير من العلماء بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة، رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه، وإن اتفق المتبايعان قبل أن يتفرقا من مجلس العقد على أحد الثمنين ثمن النقد أو ثمن التأجيل ثم تفرقا بعد التعيين فالبيع جائز صحيح للعلم بالثمن وحاله اهـ
فتاوى اللجنة الدائمة (13/192) .
وفي سؤال آخر:
إذا قال البائع: هذه السلعة بعشرة ريالات مؤجلة، وبخمسة نقدا. ما حكم ذلك؟
فأجابت اللجنة:
إذا كان الواقع كما ذكرت فلا يجوز البيع، لأنه من صور بيعتين في بيعة، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعتين في بيعة، لما في ذلك من الجهالة التي تفضي إلى النزاع والاختلاف اهـ فتاوى اللجنة (13/197) .
ومن قرارات المجمع الفقهي:
تجوز الزيادة في الثمن المؤجل عن الثمن الحالي، كما يجوز ذكر ثمن المبيع نقداً وثمنه بالأقساط لمدد معلومة، ولا يصح البيع إلا إذا جزم المتعاقدان بالنقد أو التأجيل، فإن وقع البيع مع التردد بين النقد والتأجيل بأن لم يحصل الاتفاق الجازم على ثمن واحد محدد فهو غير جائز شرعا اهـ
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5058)
حكم الإخبار بسعر غير السعر الحقيقي للشراء
[السُّؤَالُ]
ـ[شخص يقول هذه السلعة علي بكذا، بينما هي بسعر أقل، بل يريد بذلك زيادة في الربح، ومنهم من يحلف على ذلك، فما الحكم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من اشترى سلعة ثم عرضها للبيع، وقال: هي علي بكذا، وهو كاذب في قوله، بأن زاد في ثمن السلعة التي اشتراها به، فقد ارتكب أمراً محرماً، ووقع في الإثم، وحري به أن تمحق بركة بيعه، وإن حلف على ذلك فالإثم أعظم، والعقوبة أشد، وهو داخل في الوعيد الوارد في الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه، عن أبي ذر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم) فقلنا: من هم يا رسول الله؟ فقد خابوا وخسروا، فقال: (المنان والمسبل إزاره، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب) ، وفي رواية أخرى: (بالحلف الفاجر) وما أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الحلف منفقة للسلعة، ممحقة للبركة) .
ولما أخرجه البخاري في صحيحه ج4 ص 316 عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه أن رجلاً أقام سلعة وهو في السوق، فحلف بالله لقد أعطي بها ما لم يعط، ليوقع فيها رجلاً من المسلمين، فنزلت الآية: (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يُكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم) آل عمران /77 ولما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم، رجل على فضل ماء بطريق يمنع منه ابن السبيل، ورجل بايع رجلاً – وفي رواية: إماماً – لا يبايعه إلا لدنيا، فإن أعطاه ما يريد وفى له، وإلا لم يف، ورجل ساوم رجلاً بسلعة بعد العصر، فحلف بالله لقد أعطي بها كذا وكذا فأخذها) البخاري 376،160،124، ومسلم 1/103 برقم (108)
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى اللجنة الدائمة ج13/10.(5/5059)
الشراء من صندوق بأقساط وهو شريك فيه
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد لدينا صندوق مالي مبني على أن يدفع كل فرد مشترك تأسيس (500 ريال) ومبلغ شهري قدره (100 ريال) وبعد فترة نما المال وأصبح الصندوق متمثلاً في المشرفين عليه يشتري سيارات بالنقد ويبيعها بأقساط شهرية مع زيادة, ويقوم بشراء السيارات بعض المشتركين في الصندوق وغيرهم من غير المشتركين.
السؤال الأول: ما حكم من اشترى سيارة من هذا الصندوق بنفس الطريقة التي سبق إيضاحها وهو مشترك في الصندوق؟
السؤال الثاني: ما حكم من قد اشترى سيارة بنفس الطريقة التي سبق إيضاحها وهو مشترك في الصندوق دون علمه؟ إذا كان الجواب لا يجوز ذلك سواء سدد أقساطها أم لا زال يدفع أقساطاً شهرية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان هذا مبنياً على شرط بين الشركاء أن أحدهم له أن يشتري من سيارات الشركة فهذا لا يجوز, لأنه يدخل في (بيعتين في بيعة المنهي عنه) , لأنه شركة وبيع, أما إذا لم يكن هذا مشروطاً من قبل فلا بأس به.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 13/309.(5/5060)
شراء منتجات الدول الكافرة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم بيع وشراء المنتجات الأمريكية وخصوصاً ذات التقنية مثل IBM, DELL, Microsoft جزاك الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
المنتجات الأمريكية كغيرها مما يرد على بلاد المسلمين من بلاد الكفر والتعامل مع الكفار في التجارات لا مانع منه إذا لم يكن منه ما يتعارض مع الشرع وإذا لم يكن في صناعات المسلمين ما يغني عن صناعات الكفار ومنتجاتهم وما لم يؤد شراء منتجاتهم على التقوي على المسلمين، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
كتبه: الخضير.(5/5061)
مقاطعة بضائع الكفار المحاربين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من العادة إباحة التعامل مع اليهود، أو شركات يملكها اليهود أو مساهمين يهود، أو شركات لها فروع في إسرائيل، إلخ.؟
مؤخرا ً كثير من المسلمين يقولون إنه حرام التعامل مع اليهود على الإطلاق. لحسب معلوماتي المحدودة، حتى عندما قاتل المسلمون اليهود في عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم، لم يمنع التعامل معهم، وعندما توفي كان درعه مرهوناً عند يهودي على دَيْن. الرجاء إعلامنا بالموقف الصحيح لهذه القضية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: الأصل هو جواز التعامل بالبيع والشراء مع اليهود وغيرهم، لما ثبت من تعامل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه مع يهود المدينة بالبيع والشراء والقرض والرهن وغير ذلك من المعاملات المباحة في ديننا.
وهؤلاء اليهود الذين تعامل معهم النبي صلى الله عليه وسلم كانوا من أهل العهد، ومن نقض العهد منهم فقد قُتِلَ أو أُخرِجَ، أو تُرِكَ لمصلحة.
على أنه قد ثبت ما يدل على جواز البيع والشراء مع الكفار المحاربين.
قال الإمام البخاري رحمه الله:
بَاب الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ مَعَ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْحَرْبِ.
ثم روى (2216) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ مُشْرِكٌ بِغَنَمٍ يَسُوقُهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَيْعًا أَمْ عَطِيَّةً أَوْ قَالَ أَمْ هِبَةً؟ قَالَ: لا، بَلْ بَيْعٌ، فَاشْتَرَى مِنْهُ شَاةً.
وقال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم (11/41) :
وقد أجمع المسلمون على جواز معاملة أهل الذِّمَّة، وغيرهم من الكفَّار إذا لم يتحقَّق تحريم ما معه، لكن لا يجوز للمسلم أن يبيع أهل الحرب سلاحاً وآلة حرب، ولا ما يستعينون به في إقامة دينهم. . . اهـ.
وقَالَ اِبْنُ بَطَّالٍ: مُعَامَلَةُ الْكُفَّارِ جَائِزَةٌ , إِلا بَيْعَ مَا يَسْتَعِينُ بِهِ أَهْلُ الْحَرْبِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ اهـ.
ونقل في " المجموع" (9/432) الإجماع على تحريم بيع السلاح لأهل الحرب.
والحكمة من ذلك واضحة، وهي أن هذا السلاح يقاتلون به المسلمين.
ثانياً: لا شك في مشروعية جهاد أعداء الله المحاربين من اليهود وغيرهم، بالنفس والمال، ويدخل في ذلك كل وسيلة تضعف اقتصادهم وتلحق الضرر بهم، فإن المال هو عصب الحروب في القديم والحديث.
وينبغي على المسلمين عموما التعاون على البر والتقوى ومساعدة المسلمين في كل مكان بما يكفل لهم ظهورهم وتمكينهم في البلاد وإظهارهم شعائر الدين، وعملهم بتعاليم الإسلام وتطبيقهم للأحكام الشرعية وإقامة الحدود، وبما يكون سببا في نصرهم على القوم الكافرين من اليهود والنصارى وغيرهم، فيبذل جهده في جهاد أعداء الله بكل ما يستطيعه، وقد قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ) . رواه أبو داود (2504) صححه الألباني في صحيح أبي داود.
فعلى المسلمين أن يساعدوا المجاهدين بكل ما يستطيعونه، وبذل كل الإمكانيات التي يكون فيها تقوية للإسلام والمسلمين، وعليهم أيضاً جهاد الكفار بما يستطيعونه من القدرة، وعمل كل ما فيه إضعاف للكفار أعداء الدين، فلا يستعملونهم كعمال بالأجرة كُتَّاباً أو محاسبين أو مهندسين أو خُداما بأي نوع من الخدمة التي فيها إقرار لهم وتمكين لهم بحيث يجمعون أموال المسلمين ويحاربونهم بها.
والحاصل:
أن من قاطع بضائع الكفار المحاربين وقصد بذلك إظهار عدم موالاتهم، وإضعاف اقتصادهم، فهو مثاب مأجور إن شاء الله تعالى على هذا القصد الحسن.
ومن تعامل معهم متمسكاً بالأصل وهو جواز التعامل مع الكفار – لاسيما بشراء ما يحتاج إليه – فلا حرج عليه إن شاء الله تعالى، ولا يكون ذلك قدحاً في أصل الولاء والبراء في الإسلام.
وقد سئلت اللجنة الدائمة: ما حكم ترك المسلمين التعاون بينهم بأن لا يرضى ولا يحب أن يشتري من المسلمين، ويرغب في الشراء من الكفار، هل هذا حلال أم حرام؟
فأجابت:
الأصل جواز شراء المسلم ما يحتاجه مما أحل الله له من المسلم أو من الكافر، وقد اشترى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من اليهود، لكن إذا كان عدول المسلم عن الشراء من أخيه المسلم من غير سبب من غش ورفع أسعار ورداءة سلعة إلى محبة الشراء من كافر والرغبة في ذلك وإيثاره على المسلم دون مبرر فهذا حرام لما فيه من موالاة الكفار ورضاء عنهم ومحبة لهم، ولما فيه من النقص على تجار المسلمين وكساد سلعهم، وعدم رواجها إذا اتخذ المسلم ذلك عادة له، وأما إن كانت هناك دواع للعدول من نحو ما تقدم فعليه أن ينصح لأخيه المسلم بترك ما يصرفه عنه من العيوب، فإن انتصح فالحمد لله، وإلا عدل إلى غيره، ولو إلى كافر يحسن تبادل المنافع ويصدق في معاملته " اهـ. "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/18) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5062)
لا تكتب السيارة باسمه إلا إذا دفع آخر قسط من ثمنها
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أشتري سيارة ويكون البيع بالأقساط، وطريقة البيع هي أن أدفع دفعة أولا ثم أقسط أقساطا شهرية، وبعد دفع آخر قسط تقلب السيارة باسمي، علما أن آخر قسط مثل الأقساط العادية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا حرج في الشراء بالتقسيط، سواء دفعتَ دفعة مقدمةً أو لا، بشرط أن يخلو العقد من اشتراط غرامةٍ في حال التأخر عن السداد، فإن هذا الشرط من الربا المحرم.
ثانيا:
إذا تم العقد، فإنك تصبح مالكا للسيارة، ولو لم تدفع شيئا من الأقساط، فتنتقل السيارة إلى ملكيتك، ويبقى ثمنها دَيْناً عليك.
ثالثا:
تسجيل السيارة باسم المشتري، المراد منه توثيق الحق، وليس شرطا لصحة البيع، وملكية المبيع تنتقل إلى المشتري، بمجرد العقد، سواء سجل المبيع باسمه أو ظل على اسم البائع.
رابعا:
يجوز للبائع أن يشترط رهناً لضمان حقه، وله أن يجعل السيارة نفسها رهنا، بحيث لا يتمكن المشتري من التصرف فيها بالبيع إلا بعد سداد الأقساط وفك الرهن، وقد قرر الفقهاء جواز ذلك، قال في "كشاف القناع" (3/189) : " فيصح اشتراط رهن المبيع على ثمنه، فلو قال: بعتك هذا على أن ترهننيه على ثمنه، فقال: اشتريت ورهنتك صح الشراء والرهن " انتهى.
وبناء على ذلك، فإن كان تأخير تسجيل السيارة باسمك، لأجل زيادة الاستيثاق، خوفا من أن تبيعها قبل تسديد الأقساط، فلا يؤثر هذا على صحة البيع؛ لما سبق من أن التسجيل هو للتوثيق فقط، لكنك تملك هذه السيارة شرعا بمجرد العقد. وإن كانت مرهونة فلا يجوز لك بيعها حتى ينفك الرهن أو يأذن البائع.
وقد رأى مجلس هيئة كبار العلماء أنه يجوز احتفاظ البائع باستمارة السيارة للتوثيق، فقالوا: " ويرى المجلس أن يسلك المتعاقدان طريقاً صحيحاً، وهو أن يبيع الشيء ويرهنه على ثمنه ويحتاط لنفسه بالاحتفاظ بوثيقة العقد واستمارة السيارة ونحو ذلك " انتهى.
وبقي أن ننبه إلى أن هناك صورة مشابهة لما ذكرت: وهي عقد الإجارة المنتهي بالتمليك، وفيه يحتفظ المؤجر بملكية السيارة، إلى دفع آخر قسط أو أجرة، لكن هذا العقد محرم، وقد صدر فيه قرار من مجمع الفقه الإسلامي، ومن هيئة كبار العلماء، وانظر السؤال (14304) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5063)
إذا باع الوكيل بأكثر من الثمن المحدد له فلمن تكون الزيادة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في شركة تبيع بضائع وقال لي مدير المبيعات: إنه يمكن أن أبيع هذه البضاعة مقابل 1000 ريال ولكنني عندي زبائن يشترون هذه البضاعة مقابل 1500 ريال. فهل أبيعها وأدفع للشركة 1000 ريال وآخذ الباقي لي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كانت الشركة حددت لك الثمن على ألا تبيع بأكثر منه فلا يجوز لك أن تبيع بزيادة عن الثمن المحدد.
أما إذا كانت الشركة حددت الثمن ولكنها لا تمنع من البيع بأكثر منه، فإنه يجوز لك أن تبيع بزيادة.
وفي هاتين الحالتين تكون الزيادة للشركة ولا يحل لك أن تأخذها.
وذلك لأن الوكيل يتصرف لمصلحة الموكل لا لمصلحته هو.
والدليل على ذلك:
ما رواه البخاري (3643) عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهُ دِينَارًا يَشْتَرِي لَهُ بِهِ شَاةً فَاشْتَرَى لَهُ بِهِ شَاتَيْنِ فَبَاعَ إِحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ وَجَاءَهُ بِدِينَارٍ وَشَاةٍ فَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ فِي بَيْعِهِ وَكَانَ لَوْ اشْتَرَى التُّرَابَ لَرَبِحَ فِيهِ.
فعروة رضي الله عنه كان وكيلاً للنبي صلى الله عليه وسلم في الشراء فاستطاع أن يربح في بيعه وشراءه وكان هذا الربح للنبي صلى الله عليه وسلم، لأنه لو كان حقاًّ لعروة لم يأخذه النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن عبد البر:
ولا خلاف في جواز الوكالة عند العلماء. وقد اختلف العلماء أيضا في معنى هذا الحديث في الوكيل يشتري زيادة على ما وُكِّل به هل يلزم الآمر ذلك أم لا؟ كرجل قال له رجل: اشتر لي بهذا الدرهم رطل لحم صفته كذا فاشترى له أربعة أرطال من تلك الصفة بذلك الدرهم، والذي عليه مالك وأصحابه: أن الجميع يلزمه إذا وافق الصفة وزاد من جنسها لأنه محسن وهذا الحديث يعضد قولهم في ذلك، وهو حديث جيد، وفيه ثبوت صحة ملك النبي عليه السلام للشاتين، ولولا ذلك ما أخذ منه الدينار ولا أمضى له البيع اهـ. "التمهيد" (2/108) .
وسئلت اللجنة الدائمة هذه المسألة فقالت:
يجوز بيع السلعة بأكثر من ثمنها إذا فازت، لكن الزيادة تكون ملكاً لصاحب السلعة، وأما إذا اشترط المالك عدم بيعها بسعر أغلى فتباع بالثمن الذي حدد المالك فقط اهـ
فتاوى اللجنة الدائمة (13/96) .
لكن. . إذا كانت الشركة قد حددت لك الثمن، واتفقت معك على أنك إن بعت بأكثر فالزيادة لك، جاز لك البيع بالزيادة وتكون حقاًّ لك.
قال ابن قدامة رحمه الله في المغني (7/361) :
إذا قال: بع هذا الثوب بعشرة فما زاد فهو لك. صحَّ، واستحق الزيادة. . . وكان ابن عباس رضي الله عنهما لا يرى بذلك بأساً اهـ.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5064)
حكم فتح المحلات التجارية في يوم عيدٍ للكفار
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك أي محظور إذا فتح الفرد متجره أيام العيد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا حرج على المسلم في فتح متجره أيام أعياد المسلمين (عيدي الفطر والأضحى) ، بشرط أن لا يبيع ما يستعين به بعض الناس على معصية الله تعالى.
ثانيا:
أما فتح المتجر في الأيام التي يتخذها غير المسلمين أعيادا، كيوم الكريسمس، ونحوه من أعياد اليهود أو البوذيين أو الهندوس، فلا حرج في ذلك أيضا، بشرط ألا يبيع لهم ما يستعينون به على معاصيهم، كالأعلام والرايات، والصور، وبطاقات التهنئة، والفوانيس، والزهور، والبيض الملوّن، وكل ما يستعملونه لإقامة العيد.
وكذلك لا يبيع للمسلمين ما يستعينون به على التشبه بالكفار في أعيادهم.
والأصل في ذلك أن المسلم منهي عن فعل المعصية، وعن الإعانة عليها؛ لقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " ولا يبيع المسلم ما يستعين به المسلمون على مشابهتهم في العيد، من الطعام واللباس ونحو ذلك؛ لأن في ذلك إعانة على المنكر " انتهى من "اقتضاء الصراط المستقيم" (2/520) .
وقال: " فأما بيع المسلمين لهم [أي للكفار] في أعيادهم ما يستعينون به على عيدهم من الطعام واللباس والريحان ونحو ذلك، أو إهداء ذلك لهم، فهذا فيه نوع إعانة على إقامة عيدهم المحرم ".
ونقل عن ابن حبيب المالكي قوله: " ألا ترى أنه لا يحل للمسلمين أن يبيعوا من النصارى شيئا من مصلحة عيدهم، لا لحما، ولا إداما، ولا ثوبا، ولا يُعارون دابة، ولا يعاونون على شيء من عيدهم؛ لأن ذلك من تعظيم شركهم، ومن عونهم على كفرهم، وينبغي للسلاطين أن ينهوا المسلمين عن ذلك. وهو قول مالك وغيره، لم أعلمه اختلف فيه ". "اقتضاء الصراط المستقيم" (2/526) ، "الفتاوى الكبرى" (2/489) ، "أحكام أهل الذمة" (3/1250) .
وقال شيخ الإسلام أيضاً: " فإن كان ما يبتاعونه [يشترونه] يفعلون به نفس المحرم، مثل صليب أو شعانين أو معمودية أو تبخير أو ذبح لغير الله أو صورة ونحو ذلك، فهذا لا ريب في تحريمه، كبيعهم العصير ليتخذوه خمرا، وبناء الكنيسة لهم.
وأما ما ينتفعون به في أعيادهم للأكل والشرب واللباس، فأصول أحمد وغيره تقتضي كراهته، لكن: كراهة تحريم كمذهب مالك أو كراهة تنزيه؟ والأشبه أنه كراهة تحريم، كسائر النظائر عنده، فإنه لا يُجوّز بيع الخبز واللحم والرياحين للفساق الذين يشربون عليها الخمر، ولأن هذه الإعانة تفضي إلى إظهار الدين [الباطل] وكثرة اجتماع الناس لعيدهم وظهوره، وهذا أعظم من إعانة شخص معين ". "الاقتضاء" (2/2/552) .
وسئل ابن حجر المكي رحمه الله عن بيع المِسك لكافر يعلم منه أنه يشتريه ليطيّب به صنمه، وبيع حيوان لكافر يعلم منه أنه يقتله بلا ذبحٍ ليأكله؟
فأجاب بقوله: " يحرم البيع في الصورتين، كما شمله قولهم (يعني العلماء) : كل ما يَعلم البائع أن المشتري يعصي به يحرم عليه بيعه له. وتطييب الصنم وقتل الحيوان المأكول بغير ذبح معصيتان عظيمتان ولو بالنسبة إليهم، لأن الأصح أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة كالمسلمين، فلا تجوز الإعانة عليهما ببيع ما يكون سببا لفعلهما. وكالعلم هنا غلبة الظن , والله أعلم " انتهى من "الفتاوى الفقهية الكبرى" (2/270) .
والحاصل أنه يجوز للمسلم فتح متجره في أيام أعياد الكفار، بشرطين:
الأول: ألا يبيع لهم ما يستعملونه في المعصية أو يستعينون به على إقامة عيدهم.
والثاني: ألا يبيع للمسلمين ما يستعينون به على التشبه بالكفار في هذه الأعياد.
ولا شك أن هناك سلعا معلومة، تتخذ لهذه الأعياد، كالبطاقات والصور والتماثيل والصلبان وبعض الأشجار، فهذه لا يجوز بيعها، ولا إدخالها في المحل أصلا.
وما عدا ذلك مما قد يُستعمل في العيد وغيره، فيجتهد صاحب المتجر، فلا يبيعه لمن علم من حاله أو غلب على ظنه أنه يستعمله في الحرام أو يستعين به على إقامة العيد، كالملابس، والطيب، والأطعمة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5065)
يصنع بطاقات في الأعياد ويبيعها فهل يجوز له؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أقوم بصنع بطاقات أعياد يدوية كهواية ومصدر للدخل، أود الاستفسار هل القيام بهذا يعد من البدعة؟ لقد أُخبِرت أن الأصل أن كل شيء حلال ما لم يتعين أنه حرام، وأنا بحاجة فعلاً لمعرفة هل ما أفعله خطأ أو صواب؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، الأصل في المعاملات الإباحة والحل، ولا يجوز أن يحرَّم شيء منها إلا بدليل، والبطاقات التي تصنعها للأعياد يختلف حكمها باختلاف تلك الأعياد، فإذا كانت البطاقة في تهنئة بعيدٍ للكفار – كعيد الكريسمس -، أو بعيدِ بدعة – كالمولد النبوي والإسراء والمعراج –، أو بأعياد فيها مشابهة للكفار - كالأعياد الوطنية وأعياد الميلاد -: فلا يجوز لك عملها ولا بيعها، ولا يجوز لأحدٍ أن يشتريها منك؛ لما فيها من الإقرار بتلك الأعياد المخالفة للشرع؛ ولما فيها من التعاون على الإثم والعدوان.
وإن كانت الأعياد شرعية – وليس ثمة أعياد شرعية إلا عيد الفطر وعيد الأضحى – فيجوز لك عمل بطاقات تهنئة لها، ويجوز لك بيعها، على أن تنتقي عبارات شرعية أو مباحة، مثل " تقبل الله منا ومنكم " أو ما شابهها.
وقد سبق في جواب السؤال رقم (947) تحريم تهنئة الكفار بأعيادهم، وفي جواب السؤال رقم (782) تحريم بيع بطاقات أعياد النّصارى في أعيادهم، وفي جواب السؤال رقم (50074) بيان علماء اللجنة الدائمة للإفتاء حول المشاركة باحتفالات الألفية، وفيه عدم جواز التعاون مع الكفار في أعيادهم، ومن أوجه التعاون التي ذكرها العلماء: " صناعة الملابس والأغراض التذكارية، أو طبع البطاقات ".
وفي أجوبة الأسئلة: (49014) و (49021) و (36442) تجد جواز التهنئة بالأعياد الشرعية.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5066)
شراء السلع من محلات تبيع الخمور
[السُّؤَالُ]
ـ[أعيش في أمريكا وأسأل: هل يجوز شراء الطعام وسلع أخرى من محل يبيع الخمر مثل المحلات في محطات الوقود والبقالات ومحلات السوبر ماركت وحتى المطاعم؟ ملاحظة: لا يوجد أي محل أو محطة وقود لا يباع فيها الخمر في هذا البلد. لقد بحثت لكن المحلات الإسلامية لا تبيع كل شيء نحتاجه. أرجو أن تفيد جميع المسلمين بالحكم في المسألة وفقا للكتاب والسنة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ينبغي للمسلم اجتناب الأماكن التي يُعصى الله عز وجل فيها، ما أمكنه ذلك، ولهذا فالأولى لكم تشجيع المحلات الإسلامية التي لا تبيع ما حرم الله، ونصح أصحابها بتوفير ما تحتاجون إليه من السلع لما في ذلك من الفائدة العامة للجميع، لكم ولأصحابها.
ثانيا:
أما شراء ما تحتاجون إليه من تلك المحلات المسئول عنها، فلا حرج في ذلك إن شاء الله تعالى، لا سيما عند الحاجة إلى ذلك، وعدم توفر هذه السلع عند غيرها من المحلات التي لا تبيع المحرمات.
وليكن وجودكم في هذه المحلات مقتصرا على قدر الحاجة، وكلما أمكنكم اجتناب دخولها فهو أولى.
ثالثا:
ثم ليعلم أن إلزام غير المسلمين بعدم إظهار الخمر أو شعائر دينهم إنما يكون إذا دخلوا بلاد الإسلام أو خضعوا لأحكام الإسلام.
أما إذا كانوا في بلادهم ولم يخضعوا لحكم الإسلام فإنه تجري معاملاتهم حسب ما يعتادونه وما يعتقدونه، وهم يعتقدون حل الخمر في دينهم.
روى أبو عبيد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بلغه أن بعض ولاته كانوا يأخذون الجزية من الخمر والخنازير ثم يتولى بيعها على أهل الذمة. فقال عمر رضي الله عنه: لا تفعلوا، ولكن ولوهم بيعها، وخذوا أنتم من الثمن.
قال أبو عبيد: يريد أن المسلمين كانوا يأخذون من أهل الذمة الخمر والخنازير بقيمتها، ثم يتولى المسلمون بيعها، فهذا الذي نهى عنه عمر، ثم رخص لهم أن يأخذوا ذلك من أثمانها إذا كان أهلُ الذمة المتولين لبيعها، لأن الخمر والخنازير مال من أموال أهل الذمة، ولا يكون مالاً للمسلمين " اهـ باختصار من "أحكام أهل الذمة" لابن القيم (1/184) .
فهذا يدل على أن بيع النصارى للخمر فيما بينهم صحيح، لأنهم يعتقدون حلها في دينهم.
ولكن لا يجوز لمسلم أن يتولى بيعها، ولو كان يبيعها على النصارى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5067)
هل التاجر ملزم بحد معين في الربح؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك نسبة معينة في ربح التاجر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليست هناك نسبة معينة يلزم التاجر التقيد بها في ربح تجارته، لكن إذا كان للسلعة سعر معروف في السوق، فلا يجوز له أن يخدع المشتري ويبيعه بأزيد من السعر المعروف مستغلا جهله وعدم درايته. ويدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تلقوا الجَلَب فمن تلقاه فاشترى منه فإذا أتى سيدُه السوقَ فهو بالخيار) رواه مسلم (1519) .
والجَلَب: هو البضاعة المجلوبة من محل إلى غيره.
والمراد بالسيد هنا: صاحب الجلب، وقد جعل الشارع له الخيار إذا أتى السوق، لأن المتلقي غالبا ما يخدعه ويشتري منه بغير سعر السوق، فإذا وجد الأمر كذلك، كان له الخيار فإما أن يمض العقد، وإما أن يفسخ. والشاهد من الحديث هو النهي عن تلقي هؤلاء التجار لما فيه من خديعتهم والشراء منهم بغير سعر السوق.
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء ما نصه: هل الأرباح محدودة في الدين الإسلامي؛ إن كان كذلك فما هو الحد الأقصى، أو غير محدودة فكيف تفسرون ذلك؟
فأجابت: (ليست الأرباح في التجارة محدودة، بل تتبع أحوال العرض والطلب، كثرة وقلة، لكن يستحسن للمسلم تاجرا أو غيره أن يكون سهلا سمحا في بيعه وشرائه، وألا ينتهز فرصة غفلة صاحبه فيغبنه (أي: يخدعه) في البيع والشراء، بل يراعي حق الأخوة الإسلامية) انتهى من فتاوى اللجنة 13/91.
وسئلت أيضا: هل يجوز للتاجر أن يكسب أكثر من 10% من البضاعة؟
فأجابت: (كسب التاجر غير محدود بنسبة شرعا، لكن لا يجوز للمسلم أن يخدع من يشتري منه، فيبيعه بغير السعر المعروف في السوق، ويشرع للمسلم ألا يغالي في الربح، بل يكون سمحا إذا باع وإذا اشترى؛ لحث النبي صلى الله عليه وسلم على السماحة في المعاملة) انتهى من فتاوى اللجنة 13/92.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5068)
هل يستأجر الشبكة ثم يعيدها إلى الصايغ لإتمام الخطوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[شاب مقدم على الزواج وليس معه ما يشترى به الشبكة , فاتفق مع خطيبته أن يحضروا الصايغ إلى المنزل إرضاءاً لأهلها ثم يرجع الشاب الشبكة للصايغ بعد الفرح بشهر على أن يدفع العريس للصايغ إيجار هذه الشبكة مدة هذا الشهر حسب تقدير الصايغ. فهل هذا يعتبر ربا أم ما وجه الحلال والحرام فيه علماً بأن الشاب متوقف زواجه على هذه الفتاة على هذه الشبكة بناءاً على رغبة أهلها أفادكم الله تعالى.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
سئلت اللجنة الدائمة عن مثل هذا السؤال، وهو تأجير الحليّ من الذهب والفضة لتلبسه المرأة عند الزواج ثم يعاد بعد أسبوعين مثلاً مع دفع الأجرة فأجابت:
الأصل جواز تأجير الحلي من الذهب والفضة بأحد النقدين أو غيرهما بأجرة ومدة معلومتين، يرد المستأجر الحلي بعد انتهاء مدة الإجارة ولا بأس بأخذ رهن في ذلك" اهـ. فتاوى اللجنة الدائمة (15/79-80)
والنقدان هما الذهب والفضة أي: يجوز أن تدفع الأجرة ذهباً أو فضة أو غيرهما كالأوراق النقدية التي يتعامل بها الناس الآن والله أعلم.
1- ثانياً: ينصح أولياء النساء بعدم المغالاة في المهور، وعدم تكليف الزوج ما يثقل عليه من المهر والشبكة والأثاث..إلخ، فهذه المغالاة مذمومة شرعاً. مع ما يترتب عليها من مفاسد وأضرار انظر السؤال رقم (12572) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5069)
حكمُ شراءِ المنتجاتِ التي عليها صور
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكمُ شراءِ الحلوياتِ أو المنتجاتِ التي عليها صورُ ذواتِ أرواحٍ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
شراء هذه الأشياء، إن كان من أجل ما عليها من الصور فهو حرام، لأنه اقتناء للصور، وهو يمنع دخول الملائكة في البيت.
ولا شك أن الأولى بالمسلم أن يبتعد عن كل سبب يمنع دخول الملائكة بيته.
لكن إذا كان الغالب على هذه الأشياء وجود الصور عليها، بحيث يشق على المسلم أن يبحث عن منتجات لا صور عليها، فلا حرج في ذلك إن شاء الله تعالى، دفعاً للمشقة والحرج عن المسلم.
جاء في الموسوعة الفقهية (12/112) :
" للمالكيّة قولان في صناعة الصّور الّتي لا تتّخذ للإبقاء، كالّتي تعمل من العجين، وأشهرُ القولين المنع، وكذا نقلهما العدويّ، وقال: إنّ القول بالجواز هو لِأَصبغ، ومثّل له بما يصنع من عجين أو قشرِ بطّيخ، لأنّه إذا نشف تقطّع.
وعند الشّافعيّة: يحرم صنعُها ولا يحرمُ بيعُها. ولم نجد عند غيرهم نصّا في ذلك " انتهى.
ويقولُ الشيخُ ابنُ عثيمين في "الشرح الممتع" (2/203) :
" ما عمَّت به البلوى الآن، من وجودِ الصورِ في كلِّ شيءٍ إلا ما ندرَ، فتوجدُ في أواني الأكل، وفي الكراتين الحافظةِ للأطعمةِ، وفي الكتب، وفي الصحفِ، فتوجد في كل شيء إلا ما شاء الله، ويوجد أيضا صورٌ مما يؤكل: بسكوت على صورة سمك، أو أرنب؟
نقول: إن اقتناءَ الإنسان للصور (بمعنى لأجل ما فيها من الصور) لا شك أنَّه محرم، أو كان يشتري المجلاتِ التي تنشر فيها الصورُ للصورِ، فهذا حرام، أما إذا كانت للعلمِ والفائدةِ والاطلاعِ على الأخبار، فهذه أرجو ألا يكونَ بها بأس، نظرًا للحرجِ والمشقة، وقد قال الله تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيكُم فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) ، فهذه الصورُ ليست مقصودةً للإنسان حالَ الشراء، ولا تهمه، كما أن مسألةَ الأواني والكراتينِ التي فيها أطعمةٌ وشبه ذلك، قد يقال: إن فيها شيئًا من الامتهان، فلا تكون من القسمِ المحرَّم " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5070)
حكم بيع المعادن، وهي في مخازن الشركات الحافظة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم شراء المعادن وبيعها بهذه الطريقة؟
تقوم الشركة المالكة للمعدن بحفظه عند إحدى الشركات المتخصصة في هذا، ويتم كتابة عقد إجارة بذلك. ثم إذا جاء شخص أو شركة أو بنك يشتري المعادن من الشركة المالكة فإنه يدفع الثمن وتبقى المعادن عند الشركة الحافظة كما هي، وفقط يحولون عقد الإجارة على الحفظ باسم المشتري، فهل هذا يعتبر حيازة وقبضاً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أنه نَهَى أَنْ تُبَاعَ السِّلَعُ حَيْثُ تُبْتَاعُ حَتَّى يَحُوزَهَا التُّجَّارُ إِلَى رِحَالِهِمْ) رواه أبو داود (3499) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود.
وثبت عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال لحكيم بن حزام: (لا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ) رواه الترمذي (1232) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وذكر العلماء رحمهم الله أن القبض يختلف باختلاف المبيع، فقبض الذهب والفضة مثلاً يختلف عن قبض الأراضي والعقارات، فيُفَرَّق في القبض بين ما يمكن نقله وما لا يمكن.
وهذه المعادن كأنه يتعذر نقلها لضخامة الكميات وحاجتها إلى شاحنات ومخازن ورافعات ... إلخ
فالحاجة أو الضرورة ماسة إلى بقائه عند الشركة الحافظة، ولذلك أرى أنه لا مانع من بيعه بهذه الطريقة، والاكتفاء بتغيير عقد الحفظ باسم المشتري.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
فضيلة الشيخ عبد الرحمن البراك.(5/5071)
لا يجوز أن يشتري البضاعة ثم يبيعها وهي في مستودعات البائع الأول قبل أن ينقلها
[السُّؤَالُ]
ـ[يشتري بعض التجار البضاعة ثم لا يستلمها ولا يعاينها، بل يأخذ بها سند بيع وقبض للقيمة ويتركها في مستودعات التاجر الأول الذي اشتراها منه، ثم يبيعها التاجر الثاني لغيره، وهي في مستودعات التاجر الأول، فما حكم ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" لا يجوز للمشتري بيع هذه البضاعة ما دامت موجودة في ملك البائع حتى يستلمها المشتري، وينقلها إلى بيته أو إلى السوق، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأحاديث الصحيحة في ذلك، منها قوله صلى الله عليه وسلم (لا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ وَلا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ وَلا رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ وَلا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ) أخرجه أحمد وأصحاب السنن بإسناد صحيح
ولقوله صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام (لا تبع ما ليس عندك) أخرجه الخمسة إلا أبا داود بإسناد جيد، ولما ثبت عن زيد بن ثابت رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم، رواه أحمد وأبو داود وصححه ابن حبان والحاكم.
وهكذا من اشتراها من المشتري ليس له أن يبيعها حتى ينقلها إلى بيته أو إلى مكان آخر من السوق للأحاديث الأخرى المذكورة ولأحاديث أخرى جاءت في هذا المعنى.. والله ولي التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - (فقه وفتاوى البيوع أشرف عبد المقصود 309) .(5/5072)
بيع الحيوان بالوزن
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز بيع الحيوان الذي يؤكل لحمه، مثل الدجاج حيا بالوزن؟ مع العلم أن هذه الطريقة هي الشائعة عندنا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، يجوز بيع الحيوان حياً بالوزن.
سئلت اللجنة الدائمة: هل يجوز شراء الدجاج والغنم بالميزان سواء كان حياً أو مذبوحاً؟
فأجابت: الأصل حل المعاملات بين المسلمين إلا ما حرمه الشرع المطهر بالنص، وبذلك نعلم أنه يجوز شراء الدجاج والغنم وزناً، ولا نعلم مانعاً يمنع من ذلك في الشرع اهـ
فتاوى اللجنة الدائمة (13/290) .
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة أيضاً (13/290) :
يجوز بيع الغنم ونحوها من الحيوانات حية بالوزن، سواء كان الوزن بالكيلو جرام أم غيره، لأن القصد العلم بالمبيع وهو حاصل بالوزن اهـ.
وفيها أيضاً (13/289) يجوز بيع الحيوان بالميزان، فإنه جائز بيعه برؤيته دون وزنه إجماعاً، ولم يُؤَثِّر ما في جوفه من أجهزة وأكل على جواز بيعه لكونه تابعاً فجاز بيعه بما فيه وزناً اهـ.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5073)
هل للربح نسبة محددة في التجارة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل توجد نسبة محدودة من الربح في التجارة , أم أن الربح غير محدود؟ نريد الجواب على هذا مع الدليل , ولا تنسوا كثرة الضرائب التي يؤيدها التاجر كل سنة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" يجوز لمن اشترى بضاعة للتجارة أو للاقتناء أن يبيعها بأكثر من ثمنها حالاً أو مؤجلاً , ولا نعلم حداً ينتهي إليه في الربح , لكن التخفيف والتيسير هو الذي ينبغي؛ لما ورد فيه من الترغيب , إلا إذا كانت السلعة معروفة في البلد بثمن معلوم فلا ينبغي للمسلم أن يبيعها على جاهل بأكثر من ذلك , إلا إذا أعلمه بالحقيقة؛ لأن بيعها بأكثر: نوع من الغَبن (أي: الخداع) , والمسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يغشه ولا يخونه , بل ينصح له أينما كان , قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة) الحديث , رواه مسلم في صحيحه , وفي الصحيحين عن جرير بن عبد الله اليماني قال: (بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم) " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (13/89) .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" أيضاً:
" ليست الأرباح في التجارة محدودة , بل تتبع أحوال العرض والطلب , كثرة وقلة، لكن يستحسن للمسلم تاجراً أو غيره أن يكون سهلاً سمحاً في بيعه وشرائه , وألا ينتهز فرصة غفلة صاحبه , فيغبنه في البيع أو الشراء , بل يراعي حقوق الأُخوّة الإسلامية " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (13/91) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5074)
عمل طبق خيري على مائدة الإفطار
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ممكن عمل طبق خيري على مائدة الإفطار في مسجد ما لإنفاق ريعه على المساكين المجاورين للمسجد؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المراد بالطبق الخيري أن يقوم بعض الناس بإعداد طعامٍ ما في بيته، ثم يبيعه ويجعل الأموال التي تحصل من ذلك في أحد المشاريع الخيرية وأوجه البر والصدقة.
وهذا العمل من الإحسان والصدقة، والمتعاون فيه له أجر وثواب على عمله، وكذا كل من ساهم فيه، سواء كانت مساهمته فيه بالمال أو العمل أو غير ذلك، فكل هذا مما يدخل في قول الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) .
ويجب التنبه إلى أن يتم البيع خارج المسجد، لأن البيع والشراء محرم في المسجد لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِي الْمَسْجِدِ فَقُولُوا لا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ)
رواه الترمذي (1321) وصححه الألباني في صحيح الترمذي (1066) .
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5075)
بيع الذهب المحتوي على أحجار الزركون بسعر الذهب الخالص
[السُّؤَالُ]
ـ[نبيع الذهب وهو يحتوي على أحجار الزركون بسعر الذهب، علما أنه ظاهر للمشتري، ويعرف هذا الأمر , فما حكم البيع؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
بيع الذهب المحتوي على أحجار الزركون بسعر الذهب: هذا فيه تفصيل:
فإن كان يباع بفضة أو بنقود ورقية، فلا حرج في ذلك، ما دام أنه ظاهر للعيان والمشتري يعلم ذلك، كما ذكرت.
وإن كان يباع بذهب، فلابد من فصل الفصوص حتى يعلم قدر الذهب الذي فيه، ويتحقق من مساواة الذهب للذهب؛ وقد دل على ذلك حديث فضالة بن عبيد في بيع القلادة، الذي رواه مسلم (1591) قال: أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِخَيْبَرَ بِقِلادَةٍ فِيهَا خَرَزٌ وَذَهَبٌ وَهِيَ مِنْ الْمَغَانِمِ تُبَاعُ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالذَّهَبِ الَّذِي فِي الْقِلَادَةِ فَنُزِعَ وَحْدَهُ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ) وفي رواية: (لا تُبَاعُ حَتَّى تُفَصَّلَ) .
قال النووي في "شرح مسلم":
" فِي هَذَا الْحَدِيث: أَنَّهُ لا يَجُوز بَيْع ذَهَب مَعَ غَيْره بِذَهَبٍ حَتَّى يُفَصَّل، فَيُبَاع الذَّهَب بِوَزْنِهِ ذَهَبًا , وَيُبَاع الآخَر بِمَا أَرَادَ. وَكَذَا لا تُبَاع فِضَّة مَعَ غَيْرهَا بِفِضَّةٍ. . . وَسَوَاء كَانَ الذَّهَب فِي الصُّورَة قَلِيلا أَوْ كَثِيرًا. . . وَهَذَا مَنْقُول عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَابْنه، وَجَمَاعَة مِنْ السَّلَف , وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِيّ وَأَحْمَد " انتهى باختصار.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عن بيع الذهب الذي معه فصوص الزركون بذهب بنفس الوزن،
فأجاب:
" هذا العمل محرم لأنه مشتمل على الربا، لأن فيه زيادة الذهب، حيث جعل ما يقابل الفصوص وغيرها ذهباً، وهو شبيه بالقلادة التي ذكرت في حديث فضالة بن عبيد حيث اشتري قلادة فيها ذهب وخرز باثني عشر دينارا , ففصلها فوجد فيه أكثر , فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تباع حتى تفصل) " انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين. "مجموعة أسئلة في بيع وشراء الذهب".
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5076)
التنازل عن دوره في صندوق التنمية العقاري نظير مبلغ مالي
[السُّؤَالُ]
ـ[أخي مقدم على صندوق التنمية العقاري , وهو لا زال ينتظر دوره في القائمة , فهل يجوز له أن يتنازل عن دوره لي على أن أدفع له مبلغا معينا نظير هذا التنازل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التنازل عن دوره في صندوق التنمية العقاري مقابل مبلغ مالي لا بأس به، لأنه تنازل عن حق مالي، والحقوق المالية يجوز بيعها بعوض، لكن لابد من إذن البنك العقاري، فإذا أذن البنك العقاري واتفق الطرفان على أن يدفع له مالاً مقابل أن يقوم مقامه، فإن هذا جائز ولا بأس به.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
فتوى الدكتور خالد المشيقح(5/5077)
ما يشترط لجواز بيع المرابحة الذي تجريه البنوك
[السُّؤَالُ]
ـ[عن مدى صحة العملية التالية وحكمها وما الحكم المترتب على من سبق وأن تعامل بها وماذا عليه أن يفعل؟
تفاصيل وخطوات عملية المرابحة (كما تُدعى لدى البنك) :
1- يحضر المشتري عرض أسعار باسم البنك من صاحب السلعة الرئيسي (معرض أو وكالة سيارات مثلا) متضمنا وصف السيارة ولونها ومواصفاتها وسعرها (مائة ألف ريال مثلا) .
2- يقوم المشتري بإحضار خطاب تعريف بالراتب ونموذج تحويل الراتب للبنك للمدة المتفق عليها مع البنك (ثلاث سنوات مثلا) لسداد القيمة الإجمالية والمتضمنة أصل السعر مضافا إليه فائدة البنك (7% مثلا) .
3- يتم إبرام العقد متضمنا مصاريف إصدار العقد بمبلغ معين (1000ريال مثلا) والتوقيع عليه من قبل المشتري والبنك والشهود.
4- يقوم البنك بإصدار شيك مصرفي باسم المعرض أو الوكالة بقيمة السيارة المضمنة بعرض الأسعار المشار إليه في البند (1) أعلاه.
5- يقوم المشتري باستلام الشيك وتسليمه لصاحب المعرض أو الوكالة ومن ثم تنهى إجراءات تسجيل السيارة باسم المشتري واستلامها. انتهى.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه المعاملة حرام ولا تجوز، وحقيقة هذه المعاملة أنها قرض بفائدة وهذا هو عين الربا، إذ إن البنك قد أعطى المشتري شيكاً بـ (مئة ألف) وأخذه منها على أقساط مضافاً عليه الفائدة وما يسمونه مصاريف العقد.
وتسمية هذا بيعاً لا يبيحه لأن حقيقة المعاملة أنها قرض ربوي وليست بيعاً، لأن البنك لم يشتر السيارة من المعرض، ولا باعها على المشتري وإنما أعطاه شيكاً بالمبلغ.
وشراء السلع (سيارات أو غيرها) عن طريق البنوك لا يجوز إلا عند توفر شرطين:
الأول: أن يمتلك البنك هذه السلعة قبل أن يبيعها فيشتري البنك السيارة مثلاً من المعرض لنفسه.
الثاني: أن يقبض السيارة بنقلها من المعرض قبل بيعها على العميل.
وإذا خلت المعاملة من هذين الشرطين أو أحدهما كانت معاملة محرمة، وبيان ذلك:
أن البنك إذا لم يشتر السيارة لنفسه شراء حقيقيا، وإنما اكتفى بدفع شيك بالمبلغ عن العميل، كان هذا قرضا ربويا؛ إذ حقيقته أن البنك أقرض العميل ثمن السيارة (مائة ألف مثلا) على أن يسترد قرضه مائة وسبعة آلاف.
وإذا اشترى البنك السيارة ثم باعها قبل أن يقبضها، كان ذلك مخالفا لقول النبي صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام " إذا اشتريت مبيعا فلا تبعه حتى تقبضه " رواه أحمد (15399) والنسائي (4613) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم: 342
وأخرج الدارقطني وأبو داود (3499) عن زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم " والحديث حسنه الألباني في صحيح أبي داود.
وفي الصحيحين من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه " [البخاري 2132، ومسلم 1525، وزاد: قال ابن عباس: وأحسب كل شيء مثله] أي لا فرق بين الطعام وغيره في ذلك، وعليه فليس للبنك أن يبيع السيارة حتى يقبضها. وقبض كل شيء بحسبه، فقبض السيارة: أن تنقل من محلها، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (وما ينقل: مثل الثياب والحيوان والسيارات وما أشبه ذلك يحصل قبضها بنقلها؛ لأن هذا هو العرف) انتهى من الشرح الممتع 8/381
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (13/153) : (إذا طلب إنسان من آخر أن يشتري سيارة معينة أو موصوفة بوصف يضبطها، ووعده أن يشتريها منه، فاشتراها مَن طلبت منه، وقبضها، جاز لمن طلبها أن يشتريها منه بعد ذلك نقدا أو أقساطا مؤجلة بربح معلوم، وليس هذا من بيع الإنسان ما ليس عنده؛ لأن من طُلبت منه السلعة إنما باعها على طالبها بعد أن اشتراها وقبضها، وليس له أن يبيعها على صديقه مثلا قبل أن يشتريها أو بعد شرائه إياها وقبل قبضها؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم) انتهى.
وأما حكم من تعامل بهذه المعاملة في الماضي، فإن كان وقتها لا يعلم بتحريمها، وأقدم عليها وهو يظن أنها حلال فلا شيء عليه، لقول الله تعالى بعد ما ذكر تحريم الربا (فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف) البقرة / 275، راجع السؤال رقم (2492) .
وأما من أقدم عليها وهو يعلم أنها حرام، فقد اجترأ على كبيرة الربا، وعرّض نفسه لحرب من الله ورسوله، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ () فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ) البقرة، فعليه التوبة من هذه المعصية الكبيرة، والعزم على عدم فعلها مرة أخرى.
وأما انتفاعه بالسيارة التي اشتراها بهذه الطريقة فلا حرج فيه إن شاء الله تعالى بعد التوبة والندم. راجع السؤال رقم (22905)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5078)
يشتري سيارة من البنك بثمن مقسط، ثم يبيعها ليستفيد من ثمنها في زواجه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب وأرغب في إكمال نصف ديني وأتزوج وقمت بخطبة إحدى الفتيات والزواج له مصاريف وتكاليف باهظة جدا من مهر وملحقاته، وأنا لا أملك كل ذلك فدلني أحد الأخوة بأن هناك نظام يسمى بالمرابحة لدى البنوك فذهبت وأخبرني المختص بأن علي أن أذهب إلى أحد المعارض (ولم يحدد) لآخذ سيارة ويقوم البنك بشرائها والتنازل لي بها مقابل أن يأخذ نسبة أرباح تقدر بـ 40741 ريال على المبلغ الأصلي وهو 95000 ريال على مدة 6.5سنوات ولا يوجد لدي حلول أخرى حيث إن أبي مديون جداً، وقد حاولت الاقتراض من أي شخص بدون أرباح فلم أجد سوى أحد البنوك والذي يأخذ نسبة ربح بدون أي بيع ونحوه (مال بمال) وهذا يعد ربا صريحا. وأنا أريد الزواج وأخشى على نفسي من الفتنة، أفتونا مأجورين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه المعاملة التي تريد أن تقدم عليها تتضمن معاملتين:
الأولى: شراء السيارة عن طريق البنك، ولا يجوز ذلك إلا عند توفر شرطين:
الأول: أن تكون السيارة مملوكة للبنك، فيشتري البنك السيارة لنفسه من المعرض، قبل أن يبيعها عليك.
الثاني: أن يقبض البنك السيارة بنقلها من المعرض قبل بيعها عليك.
وإذا خلت المعاملة من هذين الشرطين أو أحدهما كانت معاملة محرمة، انظر السؤال رقم (36408)
والمعاملة الثانية:
هي بيع هذه السيارة التي ما اشتُريت إلا لهذا الغرض وهو الحصول على المال، وهذا ما يسمى بالتورق أي الشراء والبيع لأجل الحصول على الورِق: أي الفضة.
وهذا جائز عند جمهور العلماء، بشرط أن تبيع السيارة على غير من اشتريتها منه.
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (13/161) :
نرجو إفادتنا عن مسألة التورق وما حكمها؟
فأجابت اللجنة:
مسألة التورق هي أن تشتري سلعة بثمن مؤجل، ثم تبيعها بثمن حال على غير من اشتريتها منه بالثمن المؤجل؛ من أجل أن تنتفع بثمنها، وهذا العمل لا بأس به عند جمهور العلماء) انتهى.
انظر السؤال رقم (45042)
فإذا انضبطت المعاملتان بما سبق فلا حرج عليك، إن شاء الله.
ونسأل الله أن يوفقك ويعينك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5079)
أخذ عينة من الملابس من أحد المحلات وصناعة مثلها بغرض البيع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من أخذ عينة ملابس من محل آخر لمسلم أو كافر وقام بصنع مثلها ومع اختلاف بسيط في الموديل وبسعر أقل؟ ما حكم هذه العينة وبيعها هل يجوز ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا تضمن ذلك غشاً وخداعاً للمشتري؛ بحيث يظن أن السلعة الجديدة هي نفس السلعة القديمة، أو كان ذلك بأخذ العلامة المسجلة أو الاسم التجاري، كان العمل محرماً، لما فيه من الغش أو الاعتداء على حق الغير.
وقد صدر من مجمع الفقه الإسلامي قرار يمنع الاعتداء على هذا الحق المعنوي، ونصه:
" الاسم التجاري، والعنوان التجاري، والعلامة التجارية، والتأليف والاختراع أو الابتكار، هي حقوق خاصة لأصحابها، أصبح لها في العُرف المعاصر قيمة مالية معتبرة لتموّل الناس لها. وهذه الحقوق يعتد بها شرعاً، فلا يجوز الاعتداء عليها " انتهى من مجلة المجمع (العدد: 5 الجزء: 3 صفحة: 2267) .
وسواء في ذلك المسلم والكافر غير المحارب.
وأما الكافر المحارب، فمع أن ماله غير معصوم، إلا أن تقليد علامته التجارية وترويج السلع المقلدة بهذه العلامة غش للمشتري، حيث إن هذه العلامة تكون مقصودة للمشتري في السلعة.
وأما إن كان مقارباً في الشكل والتصميم، ولكن الاسم التجاري مختلف، فلا حرج بشرط ألا تكون من الملابس المحرمة [كالملابس التي يختص بها الكفار عن غيرهم أو الملابس التي لا تستر العورة، أو الضيقة بحيث تبين تقاطيع جسد المرأة]
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5080)
عبارة البضاعة التي تباع لا ترد ولا تستبدل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الشرع في كتابة عبارة " البضاعة المباعة لا ترد ولا تستبدل " التي يكتبها بعض أصحاب المحلات التجارية على الفواتير الصادرة عنهم، وهل هذا الشرط جائز شرعاً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن بيع السلعة بشرط ألا ترد ولا تستبدل لا يجوز لأنه شرط غير صحيح لما فيه من الضرر والتعميه ولأن مقصود البائع بهذا الشرط إلزام المشتري بالبضاعة ولو كانت معيبة واشتراطه هذا لا يبرؤه من العيوب الموجودة في السلعة لأنها إذا كانت معيبة فله استبدالها ببضاعة غير معيبة أو أخذ المشتري أرش العيب.
ولأن كامل الثمن مقابل السلعة الصحيحة وأخذ البائع الثمن مع وجود عيب أخذ بغير حق.
ولأن الشرع أقام الشرط العرفي كاللفظي وذلك للسلامة من العيب حتى يسوغ له الرد بوجود العيب تنزيلاً لاشتراط سلامة المبيع عرفاً منزلة اشتراطها لفظاً.
وبالله التوفيق
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء فتوى رقم 17388(5/5081)
تأجير المسلم داره لكافر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم أن يؤجّر المسلم شقّة يملكها أو بيتا إلى كافر علما أنّ هذا الكافر من المحتمل جدا أن يشرب فيها الخمر أو يأكل فيها الخنزير أو يمارس فيها بعض معتقداته الكفريّة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الإمام السرخسي رحمه الله: ولا بأس بأن يؤاجر المسلم دارا من الذمي ليسكنها فإن شرب فيها الخمر أو عبد فيها الصليب أو دخل فيها الخنازير لم يلحق المسلم إثم في شيء من ذلك لأنه لم يؤاجرها لذلك، والمعصية في فعل المستأجر، وفعله دون قصد رب الدار فلا إثم على رب الدار في ذلك. انتهى المبسوط 16/39
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/5082)
ما حكم الشراء من كفار مع وجود مسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم ترك المسلمين التعاون فيما بينهم بأن لا يرضى ولا يحب أن يشتري من المسلمين ويرغب في الشراء من دكاكين الكفار، هل هذا حلال أم حرام؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل جواز شراء المسلم ما يحتاجه مما أحل الله له من المسلم أو من الكافر، وقد اشترى النبي صلى الله عليه وسلم من اليهود لكن إذا كان عدول المسلم عن الشراء من أخيه المسلم من غير سبب من غش ورفع أسعار ورداءة سلعة إلى محبة الشراء من كافر والرغبة في ذلك وإيثاره على المسلم دون مبرر - فهذا حرام لما فيه من النقص على تجار المسلمين وكساد سلعهم، وعدم رواجها إذا اتخذ المسلم ذلك عادة له، وأما إن كانت دواع للعدول من نحو ما تقدم فعليه أن ينصح لأخيه المسلم بترك ما يصرفه عنه من العيوب، فإن انتصح فالحمد لله، وإلا عدل عنه إلى غيره، ولو كان كافر يحسن تبادل المنافع ويصدق في معاملته.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى اللجنة الدائمة ج13/18.(5/5083)
شراء الكحول الوقود
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز شراء الكحول (وهو مسكر) لاستعماله فيما هو إتلاف له كاستعماله كوقود أو في بعض الصناعات، وهل يجوز بيعه لمن تيقن أنه يريده لهذا الغرض؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
بيع الخمر أو أي مسكر حرام وواجب على من لديه شيء من ذلك إتلافه، وعدم بيعه لعموم قول الله تعالى: (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) المائدة/2
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى اللجنة الدائمة ج13/47(5/5084)
رفع قيمة الأرض مقابل التنازل عن القرض الحكومي لمشتريها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن يرفع قيمة الأرض عند بيعها مقابل أن يتنازل عن حقه في قرض الصندوق العقاري لصالح المشتري؟ (الصّندوق العقاري هو صندوق إقراض غير ربوي جعلته الحكومة لإعانة من يريد بناء مسكن خاص) ، وإيضاح المسألة أنّ الأرض لو كانت تساوي مثلا خمسمائة ألف دون أن تكون مسجّلة في الصندوق العقاري، فذهب فقدّم طلبا لقرض في الصندوق وأخذ رقما بالّدْور، فيأتي دوره في القرض بعد ثلاث سنوات مثلا، ثم قال للمشتري أبيعك الأرض بستمائة وأتنازل لك عن دوري في الصندوق) ]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله:
هذا (أي الزيادة على ثمن الأرض) عوضٌ عن تنازله.
سؤال:
أليس عوضا عن تنازله عن شيء مجهول؟
جواب:
لا. عن شيء حقٍّ له، (وكون القرض) يأتي أو لا يأتي فكلهم على خطر، هو والذي تنازل له.
سؤال:
فماذا يكون الجواب؟
جواب:
الجواب الظاهر لي: لا بأس به إذا كانت الدّولة (صاحبة الصّندوق العقاري) تجيز هذا. أهـ. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/5085)
تحويل المرضى للفحص في مستشفى خاص مقابل نسبة
[السُّؤَالُ]
ـ[مستشفى خاص يقول للأطباء في المستشفيات الحكومية إذا حوّلتم إليّ مرضى لإجراء فحوص لا توجد إلا عندي، فلكم نسبة من الأجرة، فهل هذه رشوة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله
بأنّ هذه رشوة وسبيل إلى الفساد ويُمكن أن يؤدّي إلى قيام هؤلاء الأطبّاء بخداع المريض والكذب عليه وتحويله من المستشفى الحكومي المجّاني إلى المستشفى الخاص بزعم أنّه لا يوجد علاج أو أجهزة في المستشفى الحكومي مع أنّ ذلك موجود فيه. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/5086)
تخفيض أجرة مغسلة الملابس إذا دفعها مقدما
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض محلات غسيل الملابس تقول للناس اشتروا بطاقة بسبعين ريالا - مثلا - ونحن نغسل لكم ملابس بمائة ريال، فلو لم يشتر الزبون هذه البطاقة يغسلون الملابس التي تساوي أجرة غسلها مائة يغسلونها بمائة، وإذا اشترى البطاقة بسبعين غسلوا له بمائة، فصارت هذه البطاقة نوعاً من التخفيض، فهل يجوز شراؤها منهم واستعمالها في الغسل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله:
نعم يجوز، لأنه يقول (إن عجّلت لي الثمن) فالثوب بسبعين وإلا فهو بمائة، انتهى، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/5087)
البيع بالتقسيط
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم البيع بالتقسيط، وما هو الحلّ الشرعي لمواجهة تخلّف بعض المشترين عن سداد بعض الأقساط؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: تجوز الزيادة في الثمن المؤجل عن الثمن الحال، كما يجوز ذكر ثمن المبيع نقداً، وثمنه بالأقساط لمدد معلومة، ولا يصح البيع إلا إذا جزم العاقدان بالنقد أو التأجيل، فإن وقع البيع مع التردد بين النقد والتأجيل بأن لم يحصل الاتفاق الجازم على ثمن واحد محدد، فهو غير جائز شرعاً.
ثانياً: لا يجوز شرعاً، في بيع الأجل، التنصيص في العقد على فوائد التقسيط، مفصولة عن الثمن الحال، بحيث ترتبط بالأجل، سواء اتفق العاقدان على نسبة الفائدة أم ربطها بالفائدة السائدة.
ثالثاً: إذا تأخر المشتري المدين في دفع الأقساط عن الموعد المحدد فلا يجوز إلزامه أي زيادة على الدين بشرط سابق أو بدون شرط، لأن ذلك ربا محرم.
رابعاً: يحرم على المدين المليء أن يماطل في أداء ما حل من الأقساط، ومع ذلك لا يجوز شرعاً اشتراط التعويض في حالة التأخر عن الأداء.
خامساً: يجوز شرعاً أن يشترط البائع بالأجل حلول الأقساط قبل مواعيدها، عند تأخر المدين عن أداء بعضها، ما دام المدين قد رضي بهذا الشرط عند التعاقد.
سادساً: لا حق للبائع في الاحتفاظ بملكية المبيع بعد البيع، ولكن يجوز للبائع أن يشترط على المشتري رهن المبيع عنده لضمان حقه في استيفاء الأقساط المؤجلة. مجمع الفقه الإسلامي ص 109
سابعاً: الحطيطة من الدين المؤجل، لأجل تعجيله، سواء أكانت بطلب الدائن أو المدين (وضع تعجيل) جائزة شرعاً، لا تدخل في الربا المحرم إذا لم تكن بناء على اتفاق مسبق، وما دامت العلاقة بين الدائن والمدين ثنائية، فإذا دخل بينهما طرف ثالث لم تجز، لأنها تأخذ عندئذ حكم حسم الأوراق التجارية.
ثامناً: يجوز اتفاق المتداينين على حلول سائر الأقساط عند امتناع المدين عن وفاء أي قسط من الأقساط المستحقة عليه ما لم يكن معسراً.
تاسعاً: إذا اعتبر الدين حالاًّ لموت المدين أو إفلاسه أو مماطلته فيجوز في جميع هذه الحالات الحط منه للتعجيل بالتراضي.
عاشراً: ضابط الإعسار الذي يوجب الإنظار: ألا يكون للمدين مال زائد عن حوائجه الأصلية يفي بدينه أو عيناً.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
مجمع الفقه الإسلامي ص 142(5/5088)
حكم التعامل بالسندات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم التعامل بالسندات ذات العوائد الثابتة المحددة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
السند شهادة يلتزم المصدر بموجبها أن يدفع لحاملها القيمة الاسمية عند الاستحقاق، مع دفع فائدة متفق عليها منسوبة إلى القيمة الاسمية للسند أو ترتيب نفع مشروط سواء أكان جوائز توزع بالقرعة أم مبلغاً مقطوعاً أم حسماً.
وقد درس مجمع الفقه الإسلامي حكم التعامل في السندات وأصدر بشأنها القرار التالي:
أولاً: إن السندات التي تمثل التزاماً بدفع مبلغها مع فائدة منسوبة إليه أو نفع مشروط محرمة شرعاً من حيث الإصدار أو الشراء أو التداول، لأنها قروض ربوية سواء أكانت الجهة المصدرة لها خاصة أو عامة ترتبط بالدولة، ولا أثر لتسميتها شهادات أو صكوك استثمارية أو ادخارية أو تسمية الفائدة الربوية الملتزم بها ربحاً أو عمولة أو عائداً.
ثانياً: كما تحرم أيضاً السندات ذات الجوائز باعتبارها قروضاً اشترط فيها نفع أو زيادة بالنسبة لمجموع المقرضين، أو لبعضهم لا على التعيين، فضلاً عن شبهة القمار.
ثالثاً: من البدائل للسندات المحرمة - إصداراً أو شراءً أو تداولاً - السندات أو الصكوك القائمة على أساس المضاربة لمشروع أو نشاط استثماري معين، بحيث لا يكون لمالكيها فائدة أو نفع مقطوع وإنما تكون لهم نسبة من ربح هذا المشروع بقدر ما يملكون من هذه السندات أو الصكوك ولا ينالون هذا الربح إلا إذا تحقق فعلاً.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
مجمع الفقه الإسلامي ص 126(5/5089)
بيع العربون
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الباعة يشترطون على من يريد شراء سلعة أو استئجارها أن يدفع مبلغا مقدما فإذا عَدَل المشتري أو المستأجر عن رأيه يكون المقدَّم من حقّ البائع، فما حكم ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
موضوع هذا السؤال هو بيع العربون والمراد ببيع العربون هو بيع السلعة مع دفع المشتري مبلغاً من المال إلى البائع على أنه إن أخذ السلعة احتسب المبلغ من الثمن وإن تركها فالمبلغ للبائع. ويجري مجرى البيع الإجارة، لأنها بيع المنافع، وقد ورد حديث في النهي عن بيع العربون لكنّه ضعيف لا يصحّ، ويستثنى من جواز بيع العربون حالات معينة منها بيع السَّلم لأنه يُشترط فيه تسليم الثمن كاملا في مجلس العقد، وكذلك بيع النقد بالنقد وبيع الذهب والفضة لأنّه لا بدّ فيه من التقابض الكامل في مجلس العقد، فلا يجوز بيع العربون في هذه العقود.
هذا ويجوز بيع العربون إذا قيدت فترة الانتظار بزمن محدد، ويحتسب العربون جزءاً من الثمن إذا تم الشراء، ويكون من حق البائع إذا عدل المشتري عن الشراء ما داما قد تراضيا على ذلك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
انظر قرارات مجمع الفقه الإسلامي ص 165(5/5090)
حكم بيع المزايدة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الدخول في المزادات التي يُشترط فيها وضع مبلغ من قِبَل الداخل في المزاد وما حكم الشريعة في بيع المزايدة المعروف اليوم حيث تُباع السّلعة بأعلى سعر يرسو عليه المزاد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحمد لله: عقد المزايدة عقد صحيح إذا تمّ بالشّروط الشّرعية وهذا مذهب جمهور أهل العلم ومما استدلوا به حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَاعَ حِلْسًا (بساط للأرض أو كساء لظهر الدابة) وَقَدَحًا وَقَالَ مَنْ يَشْتَرِي هَذَا الْحِلْسَ وَالْقَدَحَ فَقَالَ رَجُلٌ أَخَذْتُهُمَا بِدِرْهَمٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ فَأَعْطَاهُ رَجُلٌ دِرْهَمَيْنِ فَبَاعَهُمَا مِنْهُ. رواه الترمذي رحمه الله في سننه 1139 وقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ لا نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ حَدِيثِ الأَخْضَرِ بْنِ عَجْلانَ.. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ لَمْ يَرَوْا بَأْسًا بِبَيْعِ مَنْ يَزِيدُ فِي الْغَنَائِمِ وَالْمَوَارِيثِ وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ كِبَارِ النَّاسِ عَنْ الأَخْضَرِ بْنِ عَجْلانَ.
وفيما يلي تعريف هذا البيع وذكر بعض ضوابطه وما يتعلّق به:
1- عقد المزايدة: عقد معاوضة يعتمد دعوة الراغبين نداء أو كتابة للمشاركة في المزاد ويتم عند رضا البائع.
2- يتنوع عقد المزايدة بحسب موضوعه إلى بيع وإجارة وغير ذلك، وبحسب طبيعته إلى اختياري كالمزادات العادية بين الأفراد، وإلى إجباري كالمزادات التي يوجبها القضاء، وتحتاج إليه المؤسسات العامة والخاصة، والهيئات الحكومية والأفراد.
3- إن الإجراءات المتبعة في عقود المزايدات من تحرير كتابي، وتنظيم، وضوابط وشروط إدارية أو قانونية، يجب أن لا تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية.
4- طلب الضمان ممن يريد الدخول في المزايدة جائز شرعاَ، ويجب أن يرد لكل مشارك لم يرس عليه العطاء، ويحتسب الضمان المالي من الثمن لمن فاز بالصفقة.
5- لا مانع شرعاً من استيفاء رسم الدخول - قيمة دفتر الشروط بما لا يزيد عن القيمة الفعلية - لكونه ثمناً له.
6- النّجش حرام، ومن صوره:
أ - أن يزيد في ثمن السلعة من لا يريد شراءها ليغري المشتري بالزيادة.
ب - أن يتظاهر من لا يريد الشراء بإعجابه بالسلعة وخبرته بها، ويمدحها ليغرّ المشتري فيرفع ثمنها.
ت - أن يدّعي صاحب السلعة، أو الوكيل، أو السمسار، ادّعاء كاذباً انه دُفع فيها ثمن معين ليدلّس على من يسوم.
ث - ومن الصور الحديثة للنجش المحظورة شرعاً اعتماد الوسائل السمعية، والمرئية، والمقروءة، التي تذكر أوصافاً رفيعة لا تمثل الحقيقة، أو ترفع الثمن لتغرّ المشتري، وتحمله على التعاقد.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
قرارات مجمع الفقه الإسلامي ص 167(5/5091)
هل يجيز الإسلام تقديم عطاءات في المزادات؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في شركة بيع بالمزاد العلني وأسأل هل يُجيز الإسلام تقديم عطاءات في المزادات؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أباح الشرع الحنيف بيع المزايدة ولم يمنعه على الراجح المشهور من مذاهب جمهور العلماء وذلك للأدلة التالية:
1- عن جابر " أن رجلاً أعتق غلاماً له عن دبر فاحتاج فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم. فقال: من يشتريه؟ فاشتراه نعيم بن عبد الله فدفعه إليه ". رواه البخاري (2034) ومسلم (997) .
الحديث: بوَّب عليه البخاري: باب بيع المزايدة.
قال ابن حجر: وأجاب ابن بطال بأنّ الشاهد في الحديث بقول الرسول صلى الله عليه وسلم من يشتريه مني قال فعرضه للزيادة ليستقضي فيه المفلس الذي باعه عليه. " فتح الباري " (4 / 354) .
2- قال عطاء: أدركت الناس لا يرون بأساً ببيع المغانم فيمن يزيد. رواه البخاري معلقاً في كتاب البيوع (باب بيع المزايدة) .
ثانياً:
الأدلة العقلية:
إن بيع المزايدة يعرض فيه التاجر سلعته فيطلبها المشتري بسعر كذا مثلاً فلا يرضى البائع به، وهنا انتهى العرض والمساومة وانتهت مبادرات الصفقة. فيقول: ومن يزيد فيطلبها الثاني بسعر كذا وهكذا دواليك.
ولذلك يكون كل عرض للبيع صفقة مستقلة عن الأخرى ولا حرج في ذلك.
ثالثاً:
ذهب بعض أهل العلم على أن بيع المزايدة خاص بالمغانم والمواريث منهم الأوزاعي وإسحاق بن راهويه مستدلين بحديث:
" نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع أحدكم على بيع أحد حتى يذر إلا الغنائم والمواريث " رواه أحمد (5398) والدارقطني (3 / 11) والبيهقي (5 / 344) والطبراني في " الأوسط " (8 / 198) .
الرد على هذا الرأي:
أن الحديث ضعيف، فيه عبد الله بن لهيعة.
أن حديث جابر عام، فيبقى الحكم على عمومه.
ولهذا لما قال الإمام الترمذي:
والعمل على هذا عند بعض أهل العلم لم يروا بأسا ببيع من يزيد في الغنائم والمواريث.
وقال ابن العربي رحمه الله:
لا معنى لاختصاص الجواز بالغنيمة والميراث فإن الباب واحد والمعنى مشترك. انظر " فتح الباري " (4 / 354) .
رابعاً:
كره بعض أهل العلم - ومنهم إبراهيم النخعي - هذا النوع من البيع واستدلوا بحديث سفيان بن وهب " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن بيع المزايدة ".
والرد:
1. الحديث: رواه البزار وهو حديث ضعيف علته ابن لهيعة. انظر " فتح الباري " (4 / 354) .
2. وقد خالف ما هو أصح منه حيث صح ذلك كما ذكرنا.
خامساً:
ولا تعارض بين المزايدة وبيع الرجل على بيع أخيه المنهي عنه بحديث أبي هريرة " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لباد ولا تناجشوا ولا يبيع الرجل على بيع أخيه …." رواه البخاري (2033) ومسلم (1413) .
وذلك لأنّ معنى هذا الحديث: أن يتفق البائع والمشتري ويتساومان على السلعة فيأتي طرف ثالث فيغري البائع بالفسخ، وليس المزايدة من هذا لأن البائع هو الذي فسخ البيع بقوله من يزيد. والحاضرون في المزاد دخلوا فيه وهم يعلمون بأنّ كلّ من يريد الزيادة فسيزيد
سادساً:
الحذر من بيع (النجْش) - بسكون الجيم - والنجش في اللغة: الإثارة، وهو أيضاً إثارة الطائر ليقع بالفخ، وهو إثارة المشتري ليقع بحبال البائع فيشتري بسعر مرتفع عن طريق رفع السلعة في المزاد من رجل يحضر المزاد ولا يريد الشراء وإنما يريد أن يرفع السلعة فيقول قولا يرفع فيه السلعة ولا يشتري باتفاق مع البائع أو بدون اتفاق لحديث " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النجش " رواه البخاري (2035) ومسلم (1516) .
والخلاصة: إن بيع المزاد من البيوع الجائزة في الشريعة الإسلامية وأن جواز هذا البيع مما أجمع عليه المسلمون في أسواقهم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/5092)
حكم الدعايات التجارية
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان لدي محل تجاري أو بضاعة فهل يجوز أن أقوم بحملة دعائية للسلع المباعة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الإعلانات والدعايات الترغيبية من المعاملات المعاصرة التي لا تخرج عن إطار الضوابط العامة للمعاملات في الشريعة الإسلامية، لكن لما كثرت التجاوزات في استعمال هذه الوسيلة الترغيبية فلابد من ذكر ضوابط تفصيلية خاصة نراعي المقاصد الشرعية والآداب المرعيّة، فمن ذلك ما يلي:
أولاً: أن يحسن التاجر القصد في إعلانه ودعايته، وذلك بأن يكون مقصوده تعريف الناس بمزايا سلعهم وخدماتهم، وأن يطلعوا على ما لا يعرفونه من ذلك وما يحتاجون من معلومات عنها.
ثانياً: أن يلتزم الصدق في إعلانه ودعايته، وذلك بأن يخبر بما يوافق حقيقة السلعة أو الخدمة، فالصدق ركيزة أساسية في جميع المعاملات، لاسيما في البيع فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما) رواه البخاري رقم 2079 (2/82-83) ومسلم رقم 1532 (3/162) من حديث حكيم بن حزام. ومن لوازم تحري الصدق والعمل به تجنب الإطراء والمبالغات في وصف السلع والخدمات فإن تعاطي ذلك مجانب للصدق والبيان، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ولا يُنفق بعضكم لبعض) الترمذي رقم 1268 (3/559) أي: لا يروجها ليرغب فيها السامع فيكون قوله سبباً لابتياعها، وقد عد بعض أهل العلم الثناء على السلعة بما هو فيها نوعاً من الهذيان الذي ينبغي التحفظ منه، وضابط هذا أنه يحرم على البائع كل فعل في المبيع يُعْقِب لآخذه ندماً.
ثالثاً: أن يتجنب الغش والتدليس في إعلانه ودعايته، وذلك بأن يزين السلعة أو يخفي عيوبها أو يمدحها بما ليس فيها، فإن ذلك كله محرم كما تقدم بيانه.
رابعاً: ألاّ يكون في إعلانه ودعايته ذم لسلع غيره وخدماتهم، أو تنّقص لهم، أو إضرار بهم بغير حق لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) رواه البخاري رقم 13 (1/ 2) ومسلم رقم 45 (1/67) من حديث أنس بن مالك. والضابط في ذلك أن كل ما لو عومل به شق عليه وثقل ينبغي ألا يعامل به غيره ولقوله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر، ولا ضرار) رواه أحمد (5/326-327،313) وابن ماجه رقم (2340-2341) عن عبادة بن صامت
خامساً: ألا يكون في إعلانه ودعايته ما يدعو إلى الإسراف والتبذير لكونهما من المناهي الشرعية، قال تعالى: (ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) سورة الأنعام 141 وقال تعالى: (ولا تبذر تبذيراً، إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين) سورة الإسراء /26-27
سادساً: ألا يكون فيهما هتك لحرمة الشرع المطهر، بأن يكون ترويج للمحرمات، أو أن يصاحبهما شيء من المنكرات، كالموسيقى والغناء، أو إظهار النساء أو ما أشبه ذلك من المنهيات.
سابعاً: ألا تكون الدعاية والإعلان باهظة التكاليف يتحمل عبئها المستهلك، بل يجب أن تكون قاصراً على ما يحصل به المقصود من التعريف بالسلع والخدمات من غير زيادة تجر إلى رفع أسعارها.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب الحوافز التجارية التسويقية لـ خالد بن عبد الله المصلح 209.(5/5093)
ما حكم بيع السلع النسائية
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد لدي مؤسسة خاصة بي أزاول فيها بيع العطور والساعات والمكياج والكريمات والاستشوار والملابس الجاهزة النسائية الطويلة الكاسية والغير شفافة، وسؤالي: هل يوجد نوع من هذه التجارة حرام وأمتنع عن بيعه أم أستمر في تجارتي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
بالنسبة لبيع الأشياء المذكورة ليس فيها ما يدل على تحريمه ما لم تجرّ إلى محرم من مغازلة للنساء وتضاحك معهن ونحو ذلك من الوسائل المحرمة.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى اللجنة الدائمة ج13/33.(5/5094)
حكم شراء عقار عن طريق برنامج "تمويل منازل"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تملك منزل عن طريق "برنامج منازل" بعقد تأجير مع الوعد بالبيع، وفي حالة تأخر سداد أيٍّ من الأقساط: سوف يفرض البنك رسماً بحد أدنى قدره 16 % في السنَة، وتُعتبر غرامات تأخير تصرف للأغراض الخيرية، ولا تدخل في أرباح البنك. "برنامج منازل": في سعينا الدائم إلى مساعدة عملائنا على امتلاك المنازل بتمويل متوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية، وإيماناً منَّا في تحقيق كل ما يلبِّي رغبات عملائنا الكرام: تمَّ طرح " تمويل منازل " المصمم على أساس استئجار العقار مع خيار التملك، حيث يقوم العميل بتسديد جزء من الإيجار مقدَّماً على أن يتم تسديد الدفعات المتبقية من الإيجار إلى البنك بأقساط شهرية ميسرة. سوف يمكنكم هذا التمويل من تحقيق التالي: • امتلاك منزل جاهز (فيلا، دبلكس، أو عمارة سكنية) . • امتلاك منزل قيد الإنشاء - على وشك الانتهاء -. • امتلاك أرض لبناء منزل المستقبل. • الحصول على تمويل مقابل العقار الذي تملكه حاليّاً. • الحصول على تمويل منزلك، وتمويل إضافي للأثاث. المزايا والفوائد: • حد التمويل المتوفر لغاية 5,000,000 ريال سعودي. • مدة التمويل المتوفر لغاية 25 سنة. • التمويل متاح لموظفي الحكومة، والشركات الخاصة، والبنوك، وأصحاب المؤسسات الفردية. • يمكن الحصول على التمويل بشكل مشترك بين الزوج والزوجة، أو الأقارب من الدرجة الأولى. • تغطية مجانية بالتعاون مع " ساب تكافل " على محتويات المنزل لمدة عام واحد عند حصولك على تمويل " منازل ".]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
هذا العقد اشتمل على شرط ربوي، وهو "الغرامة" أو "الرسم" الذي يفرضه البنك على العميل في حال تأخره عن دفع قسط من الأقساط، وتسميتها "رسماً" لا يؤثر في حكم تحريمها، ودفعها للجهات الخيرية لا يجعلها حلالاً، فلا يحل للدائن أن يزيد شيئاً على الدين مقابل تأخر المدين عن سداده، ولو لم يأخذ الدائن تلك الزيادة لنفسه، ولو أراد جعلها في وجوه الخير المختلفة.
وقد سبق بيان تحريم هذه الغرامة ولو كانت ستنفق في أوجه الخير في جواب السؤال رقم: (101384) و (126950) .
ثانياً:
بخصوص "عقد الإيجار المنتهي بالتمليك" المذكور في السؤال: لم نقف على تفصيله، لكن هذا النوع من العقود له صور محرمة وأخرى جائزة، سبق ذكرها في جواب السؤال رقم: (97625) .
كما أن قولهم: "الحصول على تمويل مقابل العقار الذي تملكه حالياً، والحصول على تمويل منزلك، وتمويل إضافي للأثاث" يحتاج إلى الوقوف على حقيقة هذا التمويل، حتى يمكن الحكم عليه هل هو جائز أم لا؟
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(5/5095)
يريد أن يخطب فتاة يضع والدها أمواله في البنك
[السُّؤَالُ]
ـ[أنوي التقدم لخطبة فتاة ولكن عرفت أن والدها يضع أمواله في البنك وسوف يقوم بتجهيزها من هذا المال ... فهل سيكون هذا الجهاز والعفش حلالاً أم حراماً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أكل الربا من كبائر الذنوب، ومن الموبقات العظام، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278- 279.
و (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ هُمْ سَوَاءٌ) ورواه مسلم (1598) .
ولكن التعامل مع آكل الربا جائز؛ فقد تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع اليهود وهم أكلة الربا، والمحرم في مال آكل الربا هو الزيادة الربوية فقط، وباقي ماله – إن كان أصله حلالا – فهو حلال.
فقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن الذين غالب أموالهم حرام مثل المكاسين وأكلة الربا وأشباههم. ومثل أصحاب الحرف المحرمة كمصوري الصور والمنجمين ومثل أعوان الولاة. فهل يحل أخذ طعامهم بالمعاملة؟ أم لا؟ .
فأجاب:
" الحمد لله، إذا كان في أموالهم حلال وحرام ففي معاملتهم شبهة؛ لا يحكم بالتحريم إلا إذا عرف أنه يعطيه ما يحرم إعطاؤه. ولا يحكم بالتحليل إلا إذا عرف أنه أعطاه من الحلال. فإن كان الحلال هو الأغلب لم يحكم بتحريم المعاملة، وإن كان الحرام هو الأغلب قيل بحل المعاملة. وقيل: بل هي محرمة.
فأما المعامل بالربا فالغالب على ماله الحلال؛ إلا أن يعرف الكره من وجه آخر. وذلك أنه إذا باع ألفا بألف ومائتين فالزيادة هي المحرمة فقط.
وإذا كان في ماله حلال وحرام واختلط لم يحرم الحلال؛ بل له أن يأخذ قدر الحلال كما لو كان المال لشريكين فاختلط مال أحدهما بمال الآخر فإنه يقسم بين الشريكين. وكذلك من اختلط بماله: الحلال والحرام أخرج قدر الحرام والباقي حلال له. والله أعلم " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (29 / 272-273) .
وقد اختار الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله أن المال المكتسب بطريق حرام كآكل الربا، والمغنية، وتاجر المخدرات، والمرتشي ... إنما يحرم على المكتسب له فقط، أما من أخذ هذا المال منه بسبب مباح، كنفقته على أولاده وزوجته، وهدية وأجرة على عمل ... ونحو ذلك فهو حلال لمن أخذه.
فقال رحمه الله:
"كل شيء اكتسب بالحرام فإنه يكون حراماً ولا ينفع صاحبه الذي اكتسبه، إن أنفقه لم يبارك له فيه، وإن تصدق به لم يقبل منه، وإن خلفه كان زاداً له إلى النار.
أما بالنسبة لمن بذل له ذلك الشيء فإنه لا يكون حراماً عليه؛ وذلك لأن التحريم كان للكسب لا للعين، فكل شيء محرم لكسبه يكون حراماً على الكاسب فقط، وأما من أخذه من هذا الكاسب بطريق حلال فإنه ليس حراماً عليه، أما ما كان حراماً بعينه [كالمال المسروق والمغصوب] فإنه حرام على الكاسب وعلى غيره " انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (13/179)
وقال أيضا:
" لا بأس بقبول الإنسان الزكاة أو التبرعات من البنوك الربوية؛ لأنه أخذها بحق، والإثم على البنك إذا كان اكتسبه بربا، والدليل على هذا: أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم قَبِل الهدية من اليهود، وأجاب دعوة اليهود، ومعلومٌ أن اليهود يأكلون الربا، ويكسبون الأموال بالسحت.
وكذلك أيضاً: عامَلَ اليهود في خيبر، أي: أعطاهم من النخل والزرع، على أن لهم النصف وللمسلمين النصف، ومعلوم أنهم يكتسبون من الربا.
فلذلك خذ قاعدةً مفيدةً: كل من اكتسب شيئاً بطريق مباح، فليس عليه إثم من اكتسبه بطريق محرم؛ لأن هذا محرم لكسبه، فيكون حراماً على من كسبه بغير حق، إلاَّ إذا علمت أن هذا المال مال فلان، مثل: إنسانٌ سارقٌ سرق شاة وأتى بها إليك يهديها لك، هذا لا يجوز أن تقبلها منه؛ لأنك تعرف أن هذه الشاة شاة فلان، لكن ما كان محرماً من أجل الكسب، فإن مَن أخذه بحق فهو حلال له" انتهى.
"لقاء الباب المفتوح" (140 / 27)
وعلى هذا: فلا بأس من التقدم لخطبة هذه الفتاة، إذا كانت ذات دين وخلق، ولا يضرك كون أبيها يضع أمواله بالبنك الربوي؛ وسيجهز ابنته من ماله، فإثم هذا المال الحرام على أبيها فقط، وليس عليها ولا عليك إثم فيه إن شاء الله.
وعليك نصح أبيها، ونهيه عن هذا المنكر، وبيان أن الربا ممحوق البركة، ثم هو حسرة وعار على صاحبه يوم القيامة.
وانظر لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم: (105827) و (45018) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(5/5096)
هل يستفيد من الفائدة الربوية لسداد دين ربوي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مشترك في نظام الادخار في شركة أرامكو وقد علمت أن هناك فتوى حرمت هذا الاشتراك وعليه أود أن أدفع هذه الأموال الربوية في سداد قرض ربوي استقرضته من أحد البنوك للحاجة الماسة، وأسأل الله أن يتوب علي، فهل يجوز أن أسدد هذا الدين الربوي بمال ربوي آخر أملكه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يحرم الاشتراك في نظام الادخار التابع لشركة أرامكو، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم (30842) .
وعلى من اشترك فيه أن يسحب المال، ويتخلص من الفائدة الربوية بإنفاقها في المصالح العامة، وليس له أن ينتفع بها لنفسه، وقد سبق بيان ذلك في الجواب رقم (20876) ورقم (45691) .
لكن إذا تاب الإنسان من الربا، وعزم على عدم العودة إليه، واحتاج إلى شيء من أموال الفائدة المحرمة، فالذي يظهر جواز أخذه منها بقدر الحاجة لا سيما إذا كان اكتسب الربا دون علم بالتحريم، وقد بسط ابن القيم رحمه الله الكلام على مسألة التخلص من المال الحرام، وقرر أن طريق التخلص من هذا المال وتمام التوبة إنما يكون " بالتصدق به، فإن كان محتاجا إليه فله أن يأخذ قدر حاجته، ويتصدق بالباقي " انظر: " زاد المعاد " (5/778) .
وقال شيخ الإسلام رحمه الله: " فإن تابت هذه البغي وهذا الخَمَّار، وكانوا فقراء جاز أن يصرف إليهم من هذا المال قدر حاجتهم، فإن كان يقدر يتجر أو يعمل صنعة كالنسج، والغزل، أعطي ما يكون له رأس مال " انتهى من " مجموع الفتاوى " (29/308) .
لكن لا يجوز الاستمرار في التعامل بالربا، لأجل الانتفاع بالفائدة في تسديد قرض أو غيره.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5097)
فتح حساب في البنك لتحويل الراتب
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا ذهبت لفتح حساب في بنك لضرورة ذلك حيث إن عملي يفرض علي ذلك لتحول راتبي عليه ... وفوجئت إن البنك أضاف علي مصاريف زيادة حيث ان الحساب الذي سيودع لي أقل من 5000 جنيه قالوا لي طالما أنه أقل من 5000 فإننا سنخصم كل 3 شهور 60 جنيه وهذه مصاريف زائدة جدا فطلبت منهم عمل حساب بفوائد، حيث إن الفوائد لكل 1000 جنيه 52 جنيه كل 3 شهور، فسوف يأخذون هم الفوائد، وسأدفع فقط 8 جنيه كل 3 شهور، ولا آخذ الفائدة أنا. فهل هذا يجوز أم أني ألغي الفائدة، وأدفع المبلغ من مالي؟ مع العلم أني لا أريد التعامل مع البنك، ولا أريد أن أدخر فيه أموالي لتصل 5000 جنيه، أنا سوف أستخدمه مجرد وسيلة أقبض منها راتبي كل شهر، ليس أكثر. أرجو الرد علي إجازة هذا العمل أم لا؟؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا كان فتح الحساب في هذا البنك لضرورة تحويل الراتب ونحوه، فإن ذلك جائز للضرورة؛ والمبلغ الذي يحصله البنك على ذلك لا شيء عليك في دفعه؛ لأنك إنما تدفعه أجرة للتحويل.
قال علماء اللجنة الدائمة:
" الإيداع في البنوك الربوية لا يجوز، وأما التحويل عن طريق البنك إذا جاء الطلب من الشركة ولم يكن هناك آخر غير البنك الربوي فيجوز التحويل عن طريقه للضرورة " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (13 / 372) ، وينظر أيضا: "فتاوى اللجنة الدائمة" (13 / 370) .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله:
" إذا دعت الضرورة إلى التحويل عن طريق البنوك الربوية فلا حرج في ذلك إنْ شاء الله؛ لقول الله سبحانه (وقد فصَّل لكم ما حرَّم عليكم إلا ما اضطررتم إليه) .
ولا شك أن التحويل عن طريقها من الضرورات العامة في هذا العصر.
فإنْ أمكن التحويل عن طريق البنوك الإسلامية، أو من طرق مباحة، لم يجز التحويل عن طريق البنوك الربوية، وهكذا الإيداع: إذا تيسر في بنوك إسلامية، أو متاجر إسلامية: لم يجز الإيداع في البنوك الربوية لزوال الضرورة " انتهى.
"فتاوى إسلامية" (2 / 879)
ثانيا:
لا يجوز فتح حساب ربوي في البنك، بغرض تسديد المصاريف التي يطلبها البنك، مقابل عمله، لأن تحريم الربا ليس لحق البنك، حتى نأخذ منه ونعطيه، إنما التحريم لأجل حق الله، سواء كنا سندفع له أو لا، وسواء كانت المعاملة الأصلية مباحة أو محرمة، فكل ذلك لا يبيح لنا أن نتعامل معه معاملة محرمة، لأجل أن ندفع له مصاريف المعاملة الأصلية.
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله:
هل يجوز أن أضع وديعة في البنك بفائدة؛ من أجل أن أدفع الضرائب المترتبة علي من تلك الفائدة؟
فأجاب: " لا يجوز هذا العمل؛ لأن هذه المعاملة معاملة ربوية لا يجوز فعلها؛ لقول الله سبحانه: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (19 / 211) .
وينظر: إجابة السؤال رقم: (20876) ، (102655) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5098)
إقراض الذهب على أن يرد مثله في الوزن والشكل
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت السؤال رقم 131795 حول التي باعت ذهبها لتقرض قيمته لأخيها. إن كثيرا من الناس يقعون في هذا المحظور، والشبهة فيه أنه لولا طلب أخيها أو قريبها منها القرض لما باعت الذهب فهي باعته لأجله وكما ورد في السؤال تشترط أن يرده ذهبا سؤالي: ماذا لو أعطته الذهب واشترطت عليه أن يرده لها بنفس الوزن والشكل وباعه المقترض نفسه وتصرف بقيمته أما في ذلك مخرج من الحالة الحرام وهناك شبهة أخرى قد يعيد لها نفس وزن الذهب ولكن بشكل آخر قد تزيد أجرة صياغته أو تنقص وهو في الحالين يغرم قيمة الصياغة لأنه كما هو معلوم يبيع الذهب وزنا بدون صياغ أفيدونا جزاكم الله خير افقد لا يكون يخلو بيت من هذه المعاملة]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز إقراض الذهب على أن يُرد مثله وزنا، ويجوز للمقترض أن يرد أفضل مما أخذ، إذا لم يكن هذا عن تواطؤ أو اشتراط.
وأما اشتراط رده على نفس الشكل الذي كان عليه، فيجوز، إن كان الشكل موجودا وجودا غالبا في السوق، أو يمكن صناعة مثله بيسر، والقاعدة أن المثلي يرد في القرض بمثله، فإن لم يوجد مثله رد قيمته وقت القرض. وينظر: الشرح الممتع (9/104) .
والفقهاء يعدون المكيل والموزون مثليّا، إلا إذا دخلته الصناعة المباحة، فيكون قيميا، وهذا بالنسبة لما كان في زمنهم، لتعذر الصناعة على نفس الهيئة والشكل، وأما اليوم فيمكن صناعة آلاف النسخ على هيئة وشكل واحد.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " والصحيح أن المثلي ما كان له مثيل، مطابق أو مقارب تقاربا كثيرا، ويدل لهذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لزوجته التي كسرت الإناء، وأفسدت الطعام: «إناء بإناء، وطعام بطعام» ولم يضمنها بالقيمة، ثم إننا نقول: الصناعة الآن تتقدم، ومن المعلوم أن الفناجيل ـ مثلا ـ من الزجاج مصنوعة، وهي مثلية قطعا، فمماثلة الفنجال للفنجال أشد من مماثلة صاع البر لصاع البر، وهذا أمر معلوم، والحلي ـ مثلا ـ والأقلام، والساعات، كل هذه مثلية، وهي على حد الفقهاء ليست مثلية " انتهى من "الشرح الممتع" (10/ 122) .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (14/113) : " ما حكم أن يستلف إنسان من آخر ذهبا سبيكة أو سلسلة، ثم يرجع له ذهبا غيره بنفس الوزن والقيمة، أو يستلف دينارا من الذهب ثم يرجعه له بعد ذلك دينارا بنفس القيمة؟
الجواب: إقراض الذهب ثم رده بمقدار وزنه لا حرج فيه؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «الذهب بالذهب، وزنا بوزن، مثلا بمثل» وإن زاده من دون شرط ولا تواطؤ على الزيادة فلا حرج؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إن خيار الناس أحسنهم قضاء» ... " انتهى.
والحاصل: أن رد الذهب ذهبا، بنفس الوزن، وعلى نفس الشكل: هو الأصل، وهو الأقرب إلى العدل أيضا، فإن رد المقترض أكثر وزنا، أو أحسن صياغة، من غير اشتراط من المقترض، فلا بأس به.
وأما أن المقترض سوف يغرم قيمة الصياغة: فقد دخل هو في ذلك على بينة، ثم إنه هو المنتفع بالقرض، وغرمه هو أقرب إلى العدل من غرم صاحب المال، لأنه محسن إليه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5099)
هل يقترض ممن يقترض من بنك ربوي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز اقتراض مبلغ مالي من شخص وهذا الشخص يقترض من بنك ربوي مع العلم أنني سأرجع له المبلغ الذي سأقترضه بدون فائض أي ليس ربوي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز للشخص أن يقترض قرضا حسنا ممن يتعامل بالربا , وكذلك يجوز له إجراء كل معاملة مباحة، مع هذا الشخص.
جاء في فتاوى "نور على الدرب" للشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "يجوز للإنسان أن يتعامل مع شخص يتعامل بالربا لكن معاملته إياه بطريق سليم فمثلا يجوز أن يشتري من هذا الرجل المرابي أن أشتري منه سلعة بثمن ويجوز أن يستقرض منه ولا حرج فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يعامل اليهود مع أنهم أكالون للسحت، فقد قبل هديتهم، وقد قبل دعوتهم، وقد باع واشترى منهم، صلى الله عليه وسلم، قبل هديتهم في قصة المرأة اليهودية التي أهدت إليه شاة يوم فتح خيبر، وأجاب دعوتهم حين أجاب دعوة غلام يهودي في المدينة، واشترى منهم، فقد اشترى صلى الله عليه وسلم طعاما لأهله من يهودي ورهنه درعه، أي أعطاه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم درعه رهناً، ومات ودرعه مرهونة، والخلاصة أن من كان يكتسب الحرام وتعاملت معه معاملة مباحة لا حرج عليك فيها" انتهى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5100)
حكم سداد القرض عن المدينين مقابل مبلغ أو نسبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد الاستفسار عن مكاتب سداد المديونيات وأقصد بذلك من لديه قرض في البنوك السعودية بحيث أسدد مديونية العميل لدى البنك لاستخراج قرض جديد أكبر بحيث يكون مردود المكتب بحالتين: تحديد مبلغ مقطوع على كل عميل , أو تحديد نسبة معينة من المبلغ المسدد. ما الحكم في هذه المكاتب وحكم الحالتين السابقتين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سداد الدين عن العميل إن كان بإعطائه مالا ليسدد دينه، فهذا إقراض للعميل، فإن ترتب عليه فائدة فهذا عين الربا، سواء كانت الفائدة مبلغا مقطوعا أو نسبة من المبلغ المسدد.
وقد أجمع العلماء على أن كل قرض جر نفعا فهو ربا.
قال ابن قدامة رحمه الله: " وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف. قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المُسلف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية، فأسلف على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلك ربا. وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس وابن مسعود أنهم نهوا عن قرض جر منفعة" انتهى من "المغني" (6/436) .
وإن كان سداد الدين بأن يبيع المكتب سلعة على العميل بثمن مؤجل، ثم يبيعها العميل ليوفي دينه للبنك، فهذا لا حرج فيه، بشرط أن يكون المكتب مالكا للسلعة، وأن يبيعها العميل لطرف ثالث لا علاقة له بالمكتب بحيث تنتفي الحيلة على الربا، وهو ما يسمى عند العلماء بـ "التورق" وجمهور العلماء على جوازه.
ولمزيد الفائدة عنه انظر جواب السؤال (45042) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5101)
إعادة التمويل والاقتراض من البنك
[السُّؤَالُ]
ـ[قد اقترضت من بنك ووقعت معه في الأوراق الرسمية على الاستقطاع من راتبي، وبعد مضي نصف المدة قررت أن أقترض منه مرة أخرى، ولكنه يقول: يجب أن أتقدم بطلب تمويل آخر، وأنه سوف يخصم ما تبقى من القرض الأول، وسيعطيني الباقي، فما الحكم؟ مع العلم أنني لا أستطيع أن اقترض من بنك أخر إلا بعد نهاية القرض الأول، ولا أملك مبلغاً لأسدده.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه المعاملة قد تكون قرضاً كما ذكرت، وقد تكون تمويلاً أو تورقاً في أسهم أو سلعة، وهذا هو الغالب، لكن يخطئ كثير من الناس فيسمونه قرضاً.
وسواء كان قرضاً أو تورقاً، فإن ما ذكرت من إدخال التمويل الثاني على الأول لا يجوز، وهو من قلب الدَّيْن المحرَّم، فلو كانت ذمتك مشغولة بمائة ألف ريال مثلاً تنتهي في سنة، فستصبح ذمتك مشغولة بمبلغ أكثر ولمدة أطول، لنفس الدائن الأول، وهذا شبيه بربا الجاهلية وقولهم: إما أن تربي أو تقضي، أو قولهم: زِدْني أُنظِرْكَ.
وينظر جواب السؤال رقم (129649) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5102)
هل يجوز للمسلم أن يأخذ الربا من غير المسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[تمت خطبتي في يناير الحالي وقال لي خطيبي إنه سمع أحد العلماء يقول بأنه يجوز للمسلم أن يأخذ الفائدة من غير المسلم إذا كانت تعود بالنفع على المسلم وأسرته. وأنا لم أقتنع بهذا الكلام وحاولت أن أتناقش معه لكنه كان متشدداً في هذا الأمر فأرجو أن توضحوا لي هذه النقطة حتى أجعله يتوقف عن أخذ الفائدة لأني لا أريد أن أقضي حياتي على هذا النحو.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: نسأل الله تعالى أن يزيدك حرصاً وثباتاً على دينك، كما نسأله تعالى أن يشرح صدر خطيبك للحق والعمل به.
ثانياً:
تحريم الربا ثابت بالكتاب والسنة وإجماع العلماء.
أما الكتاب، فقوله تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) البقرة/275.
وقوله: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ * وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) البقرة/278-280
فهذه الآية وغيرها من الآيات تدلُ على شدة تحريم الربا، وأنه من كبائر الذنوب.
وأما السنة فعن جابر رضي الله عنه قال: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ هُمْ سَوَاءٌ) رواه مسلم (1598) .
وأما الإجماع، فقد حكاه النووي رحمه الله في "المجموع" (487) فقال: "أجمع المسلمون على تحريم الربا , وعلى أنه من الكبائر" انتهى.
ثانياً:
لا فرق في تحريم الربا والتعامل به بين بلاد المسلمين وبين بلاد الكفار، ولا بين مسلم وكافر ولا بين ذكر وأنثى ولا بين صغير وكبير؛ لأن النصوص عامة، ولم يأت ما يخصص هذا العموم.
قال النووي رحمه الله: " يستوي في تحريم الربا الرجل والمرأة , والعبد والمكاتب بالإجماع , ولا فرق في تحريمه بين دار الإسلام ودار الحرب , فما كان حراماً في دار الإسلام كان حراماً في دار الحرب , سواء جرى بين مسلمين , أو مسلم وحربي , سواء دخلها بأمان أم بغيره هذا مذهبنا , وبه قال مالك وأحمد وأبو يوسف والجمهور.." انتهى من "المجموع" (4/489) .
ثالثاً:
ما سمعه خطيبك من أحد المفتين من جواز أخذ الفوائد الربوية من الكفار، قد قال به بعض العلماء، غير أنه مذهب ضعيف، مخالف للكتاب والسنة، والمسلم مأمور باتباع الكتاب والسنة، لا باتباع زلات العلماء، عملاً بقوله تعالى: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) النساء/59.
وقد ذكرنا في جواب السؤال (126056) رداً تفصيلياً على هذه الفتوى، فأطلعي خطيبك عليه.
ونسأل الله تعالى أن يلهمه رشده ويوفقه للصواب.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5103)
المعاش الناتج عن عمل الأم في البنك الربوي هل يحل للأبناء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[تقيم زوجته مع أمها التي كانت تعمل في البنك في قسم البورصة وهي على المعاش وترفض أمها أن تنفق زوجته (ابنتها) فما العمل وهو لا يستطيع أن يأخذ زوجته معه ولا يستطيع أن يتركها في الشقة بمفردها ومعها طفلتهما الرضيعة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله لا يجوز العمل في البنوك الربوية، ولا يحل المال المكتسب من هذا العمل، إلا أن يكون العامل جاهلا بالتحريم فيعفى عما أخذه من مال، ويدخل في ذلك: مكافأة نهاية الخدمة، والمعاش المقتطع من راتبه، وأما مع العلم بالتحريم فلا يحل له شيء من ذلك. وينظر جواب السؤال رقم (12397) . وهذا المال المحرم بسبب العمل في البنك الربوي هو حرام على كاسبه فقط، ولا يحرم على من أخذه منه بوجه مباح، فلا حرج على البنت أن تأكل من هذا المال، والتورع عنه أولى، لا سيما إذا تضمن النصح والتنفير من الربا ومن المال المكتسب من طريقه. وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: أبي غفر الله له يعمل في بنك ربوي، فما حكم أخذنا من ماله وأكلنا وشربنا من ماله؟ غير أن لنا دخلاً آخر وهو من طريق أختي الكبيرة فهي تعمل، فهل نترك نفقة أبي ونأخذ نفقتنا من أختي الكبيرة مع أننا عائلة كبيرة، أم أنه ليس على أختي النفقة علينا فنأخذ النفقة من أبي؟ فأجاب: " أقول: خذوا النفقة من أبيكم، لكم الهناء وعليه العناء؛ لأنكم تأخذون المال من أبيكم بحق؛ إذ هو عنده مال وليس عندكم مال، فأنتم تأخذونه بحق، وإن كان عناؤه وغرمه وإثمه على أبيكم فلا يهمكم، فها هو النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قبل الهدية من اليهود، وأكل طعام اليهود، واشترى من اليهود، مع أن اليهود معروفون بالربا وأكل السحت، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام يأكل بطريق مباح، فإذا ملك بطريق مباح فلا بأس. انظر مثلاً بريرة مولاة عائشة رضي الله عنهما، تُصَدِّق بلحم عليها، فدخل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يوماً إلى بيته ووجد البُرمة -القدر- على النار، فدعا بطعام، فأتي بطعام ولكن ما فيه لحم، فقال: ألم أر البرمة على النار؟ قالوا: بلى يا رسول الله، ولكنه لحم تُصدق به على بريرة. والرسول عليه الصلاة والسلام لا يأكل الصدقة، فقال: (هو لها صدقة ولنا هدية) فأكله الرسول عليه الصلاة والسلام مع أنه يحرم عليه هو أن يأكل الصدقة؛ لأنه لم يقبضه على أنه صدقة بل قبضه على أنه هدية. فهؤلاء الإخوة نقول: كلوا من مال أبيكم هنيئاً مريئاً، وهو على أبيكم إثم ووبال، إلا أن يهديه الله عز وجل ويتوب، فمن تاب تاب الله عليه" انتهى من "اللقاء الشهري" (45/16) . والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5104)
أخذ الفوائد الربويّة بنيّة التصدّق بها
[السُّؤَالُ]
ـ[تلقيت مؤخرا نصيحة من محاسب هو أخ لي في الإسلام، وقد تعلقت بمعاشي، وفيما يتعلق بحالة الانهيار المالي الواقع مؤخرا، وتمثلت النصيحة في تحويل التخصيص العقاري من أرباحي من الأسهم إلى نظام الفائدة الثابتة، واقترح صديقي أن أقوم بصرف الفائدة المكتسبة بعدئذ في أبواب الصدقات وبناء المساجد ... ، إلا أني لا أشعر بارتياح تجاه تلك النصيحة للأسباب القادمة، وإن كنت سأقدر لفضيلتكم تصحيحكم لما أراه من وجهات النظر، حيث أني أبلغ من العمر 34 عاما، وليس محتملا أن أتقاعد في الوقت الحالي، ولدي عملي الثابت المستقر، كما أني أتمتع بصحة جيدة، وتحويلي للأموال إلى نظام الفائدة الثابتة، يعني بالضرورة أن أستثمرها في مجموعة العقارات بدون تحمّلي لعنصر المخاطرة، وبدون عنصر التملك بشرط الفائدة المضمونة بدون أيّ جهد مني، وعندما بدأت استثمار أموالي في مجموعة العقارات، فإني كنت أعرف أنّ الأسهم عرضة للفقدان، وقبلت بعنصر المخاطرة كمساهم. وأفهم في حدود فهمي المتواضع أنّ الحكمة في حرمة الفائدة هي كونها عائدا يحصل عليه المموّل دون أيّ عمل أو جهد منه. ويعمل المقترض لسداد دينه مضافاً إليها الفائدة، وعلى نطاق واسع، فإنّ أصحاب الأموال يتلقّون دخولاً كبيرة دون جهد أو عمل، بينما يضطر المقترضون للقيام بكلّ العمل والمهام، وهذا هو حال العمل في المصارف اليوم، حيث يجني أصحاب الأسهم مكاسب وأرباحا كبيرة هو نتاج جهد وعمل الطبقة العاملة. وتوزيع أي فائدة تم كسبها من تحويل الأموال إلى فائدة ثابتة لن يجعل الصفقة صحيحة؛ حيث إنّ الأمر كله بني على خطأ، ولفهم هذا الأمر فقد عقدت مقارنة بينها وبين مبادئ روبين هود، فكسب المال من مصدر بشكل غير شرعي وغير عادل، ثم توزيعه بعد ذلك على المحتاجين لن يصحّح من صورة العمل بأيّ حال. وسؤالي هو: هل أنا على حقّ في أنّ تحويل معاشي إلى نظام الفائدة الثابتة بنسبة 100% ليس هو الحل الأمثل، وليس فيه صالح ديني حتى في ضوء المناخ المالي الحاليّ؟ ضع في الاعتبار أنه ليس هناك تأمين مضاف على المعاش، ولو توفيت فإن المال الذي ساهمت به بجانب أرباحه هو فقط ما سيوزع على عائلتي. والاستثمار في الأسهم يتم مع شركات لا تعمل في مجال بيع الخمور، أو بيع التبغ، كما أنه وفقا للقانون الأسترالي فيجب أن يستثمر 9% من الدخل في تمويل المعاش.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إنّ الذي شرح الله إليه صدرك هو الحقّ، فالرّبا مخاطره كبيرة، وعواقبه وخيمة، وهو من المهلكات للأفراد والأمم، حتى لقد توعد الله صاحبه بالحرب، ولا يخفى عليك ما يعانيه العالم من الأزمة الماليّة من جراء التعامل بالرّبا، وما أعدّه الله لهم في الآخرة أشدّ وأبقى، نسأل الله السّلامة والعافية. قال الله تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) . [البقرة: 275] ، وقال أيضاً: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) . [آل عمران: 130، 131] .
ولا يجوز الدخول في العقود المحرمة، من الربا، والميسر، ونحو ذلك، ولو بينة التصدق بما يحصل للداخل فيها من العوائد، ولا يعفيه ذلك من إثم الدخول في هذه المعاملات، فإن الإثم لازم له ولو لم يحصل له منها شيء، بل يحصل له الإثم، وبنفس الدرجة، إن كان هو الغارم الذي يدفع الفائدة الربوية، أو الخاسر في الميسر والقمار.
عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ.
رواه مسلم (1598) .
ثم إن متعاطي هذه المعاملات المحرمة، لا ينتفع بشيء من الصدقة بهذه الأموال، وإنما حسبه أن يخرج منها، تخلصا من الإثم الذي لحقه بالحصول عليها، وإمساكها؛ وإنما مثلها كمثل النجاسات: إذا تلطخ بها المرء، كان عليه أن يغسل موضعها، ولا يقول عاقل: إنه يتوحل في هذه النجاسات، من أجل أن يغسلها بعد ذلك. وهي من الآثام والأوزار، التي تلحق العبد، ويجب عليه التوبة منها؛ أفيقول عاقل: إنه سوف يسرق، أو يزني، أو..، من أجل أن يتوب من تلك الجريمة؟!
فمن أدراك أن الله تعالى سوف يحفظ لك قلبك، ويقوي عزمك على التوبة بعد ذلك؟!
ثم، من أدراك أنك، إن تبت فإن الله سيقبلك؟!
وبخصوص المسألة التي ذكرتها، فقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم، أن هذا الذي تفكر فيه، من التصدق بمال كسبته من حرام، غير مقبول عند الله، ولا نافع لصاحبه، كما أخبرناك من قبل.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا ".
أخرجه مسلم برقم (1015) .
ورد في فتاوى اللجنة الدائمة (13 / 355) الفتوى رقم (19585) :
س: رجل لديه مبلغ من المال، ويريد أن يضعه في أي بنك من البنوك، وهو يعلم أن البنك سوف يعطيه قدرا من الربا، لكن الرجل يعلم أن المبلغ الزائد ربا وحرام، وإذا تركه أخذه البنك واستفاد من الربا. فهل يجوز له أن يأخذ الربا ويعطي الأسر الفقيرة دون ابتغاء أي ثواب، فقط أن الأسر تستفيد من المال؛ لأنهم في حاجة ماسة إلى المال، ذلك بدلا من استفادة البنك؟
ج: لا يجوز إيداع الأموال في البنوك الربوية بقصد أخذ الفوائد الربوية لأي غرض كان؛ لأن الله حرم الربا، وتوعد عليه بأشد الوعيد، ولعن النبيّ - صلّى الله عليه وسلّم - آكله وموكله وشاهديه وكاتبه، فلا يجوز أخذه بنية التصدق به؛ لأنه كسب حرام وخبيث، والله طيب لا يقبل إلا الطيب.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
بكر أبو زيد ... صالح الفوزان ... عبد العزيز آل الشيخ ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء(5/5105)
باعت الذهب وأقرضته ثمنه واتفقا على أن يرده ذهبا
[السُّؤَالُ]
ـ[باعت الذهب وأقرضته ثمنه واتفقا على أن يرده ذهبا السؤال: طلب أخي من أمي مبلغاً من المال، وأمي لا تملك سيولة نقدية في هذا الوقت، فقالت له: سوف أبيع الذهب وأعطيك ثمنه. هي قد باعته ذهباً خاماً - أي بعد خصم المصنعية -، وكان الاتفاق على أن يرده ذهباً مشغولاً - كحالة الذهب الذي بيع -، طبعاً سيكون هناك فرق حتى ولو لم يكن هناك تغير في سعر الذهب. أسأل: كيف يرد هذا المال؟ هل يرد نفس المبلغ نقداً؟ أم يرد قيمة الجرامات التي بيعت؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب في القرض أن يُرد مثله، ولا يجوز الاتفاق على أن ترد النقود ذهباً، أو يرد الذهب نقوداً؛ سواء اتفقا على أن يكون الذهب خاماً أو مشغولاً؛ لأن هذا يعتبر بيعاً للذهب بنقود مع تأجيل قبض الثمن، وهو لا يجوز، بل صورة من صور الربا.
روى مسلم (1587) عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ ... مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ) .
والعملات الحالية تقوم مقام الذهب والفضة، ولها ما لهما من الأحكام، ويجري في ذلك كله قوله صلى الله عليه وسلم: (فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ) ، فمن أعطى نقوداً ليأخذ ذهباً، وجب أن يكون ذلك يداً بيد.
وعليه؛ فإن أخاك يرد إلى أمه مثل ما أخذ من النقود، ولا يجوز أن يُشترط عليه أن يرد ذهباً مهما كان نوع الذهب؛ لأنه لم يستلم ذهباً، وإنما استلم نقوداً.
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (99642) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5106)
هل يعطي الفائدة الربوية لوالديه ليسددا ديونهما
[السُّؤَالُ]
ـ[قمت والحمد لله بسحب جميع مدخراتي والتي كانت موجودة بأحد البنوك الربوية، ولقد عقدت العزم على التخلص من فوائدها إن شاء الله، فهل يجوز إعطاؤها لوالدي أو والدتي لتسديد جزء من ديون عليهم وهل وضع الأموال بأحد البنوك الإسلامية (مثل بنك فيصل الإسلامي) حلال؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نحمد الله تعالى أن وفقك لترك التعامل مع البنك الربوي، ونسأله سبحانه أن يغفر ذنبك ويتقبل توبتك.
والأصل في الفائدة الربوية أن يُتخلص منها بما لا يعود بالنفع على المتخلص، فتصرف في أوجه الخير ومصالح المسلمين العامة.
ولا يجوز إعطاؤها للوالدين لأجل النفقة؛ لأنهما إن كانا فقراء لزمتك نفقتهما، فيكون في إعطاء الفائدة لهما حماية لمالك ونفعٌ عائد لك.
ويجوز إعطاء الفائدة لهما لسداد ديونهما؛ إذ لا يجب على الولد سداد ديون والديه.
ثانياً:
يجوز وضع المال في بنك فيصل الإسلامي، وانظر جواب السؤال رقم (120662) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5107)
العمل في شركة تتعامل بالربا
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل بمهنة محاسب في شركة مقاولات لديها العديد من الفروع في جميع أنحاء المملكة ونشاط الشركة قائم على التعاملات المتمثلة فيما يلي: 1- يتم فتح ضمان بنكي عند استلام المشروع مقابل عمولات من البنك. 2- اعتمادات بنكية لصالح موردي الشركة لضمان حقوقهم مقابل عمولات من البنك. 3- قروض في صورة إعادة تمويل فواتير الاعتمادات مقابل نسبة ثابتة حسب سعر مؤسسة النقد بالإضافة إلى 3%: 4% حسب البنك. 4- يتم السحب على المكشوف مقابل نسبة على الرصيد المدين اليومي (حيث يقوم البنك بخصم فائدة مقابل السحب على المكشوف تحسب على أساس الرصيد اليومي مضروب في معدل ثابت 11% سنويا) . 5- تمويل المستخلصات للمشروعات لحين صرف الشيكات الخاصة بها مقابل نسبة يحددها البنك طبقا للسعر المحدد من قبل مؤسسة النقد بالإضافة إلى 3%: 4% حسب البنك. 6- بالنسبة للتعامل مع بعض مقاولي الباطن يتم التعامل معهم بإضافة نسبة 1% شهريا على الرصيد المكشوف لدى الشركة. والسؤال: ما هو حكم هذه التعاملات التي تقوم بها الشركة؟ وإذا كان الجواب عدم جواز هذه التعاملات: 1- ما حكم عملي في هذه الشركة حيث إنني أعمل محاسباً بعيداً عن هذه التعاملات علماً بأنه ليس لدي عمل بديل وعندي مسؤوليات كثيرة؟ 2- هل ينطبق الحكم على جميع العاملين في الشركة في مختلف التخصصات الوظيفية حيث يعمل لدى الشركة حوالي 7000 عامل تقريبا موزعون في الفروع والمواقع (مديرين، مهندسين، محاسبين، إداريين، معقبين، فنيين، مراقبين، عمال) ؟ 3- ما حكم المال الذي تم اكتسابه خلال فترة عملي بالشركة وهل يجوز المطالبة بمستحقاتي عن فترة عملي بها (مكافأة نهاية الخدمة – تذاكر سفر....إلى آخره) ؟ 4- توجيه نصيحة لصاحب العمل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إذا كان الأمر كما ذكرت فإن كثيرا من معاملات الشركة مع البنك قائمة على الربا المحرم، وعليه، فلا يجوز العمل في إجراء هذا الربا أو كتابته أو تسجيله؛ لما روى مسلم (1598) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ. وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ) .
وإذا كان عملك في المحاسبة لا يقتضي مباشرة الأعمال الربوية ولا الإعانة عليها، فلا حرج عليك في الاستمرار فيه، وهكذا المدراء والمهندسون والفنيون وغيرهم لا حرج عليهم في بقائهم في أعمالهم المباحة ولو كانت الشركة تتعامل بالربا.
فقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عن موظف يعمل بشركة تتعامل مع البنوك وتقترض منهم بالربا، وتعطي الموظفين الرواتب من تلك القروض الربوية
فأجاب: "هل هذا الموظف يكتب العقود التي بين الشركة وبين البنوك؟
السائل: لا يكتب، بل هو أنا يا شيخ! (أي هو الموظف المسئول عنه) .
الشيخ: إذاً: أنت الآن لا تكتب الربا ولا تشهد عليه، ولا تأخذه ولا تعطيه، فلا أرى في هذا شيئاً، ما دام عملك سليماً فيما بينك وبين الشركة، فوِزْر الشركة على نفسها. إذا لم تكن تذهب إلى البنوك ولا توقع على معاملة البنوك فلا شيء عليك، فالمؤسسة هذه -أولاً- لم تُبنَ للربا، وليست مثل البنك الذي نقول: لا تتوظف فيه، فهي لم تؤسس للربا. ثانياً: إنك لم تباشر الربا لا كتابةً ولا شهادةً ولا خدمةً، عملك منفصل عن الربا " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (59/15) .
ثانياً:
لا حرج في أخذك مكافأة نهاية الخدمة أو تذاكر السفر، وفي الانتفاع براتبك ما دام عملك خاليا من الحرام ومن الإعانة عليه.
ثالثاً:
ينبغي نصح صاحب العمل بتقوى الله تعالى والبعد عن الربا، والتعامل مع البنوك الإسلامية، والبحث عن طرق التمويل المشروعة وهي كثيرة، وسؤال أهل العلم عن معاملاته وما يحل منها وما يحرم، فإن المال الحرام أمره عظيم، وعاقبته سيئة، وهو سبب لعدم قبول الدعاء والأعمال الصالحة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) ، وَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) ، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ) رواه مسلم (1015) .
قال ابن رجب رحمه الله: " وفي هذا الحديث إشارة إلى أنه لا يقبل العمل ولا يزكو إلا بأكل الحلال، وأن أكل الحرام يفسد العمل ويمنع قبوله؛ فإنه قال بعد تقريره: (إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا) وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) والمراد بهذا: أن الرسل وأممهم مأمورون بالأكل من الطيبات التي هي الحلال وبالعمل الصالح، فما كان الأكل حلالا فالعمل الصالح مقبول، فإذا كان الأكل غير حلال فكيف يكون العمل مقبولا. وما ذكره بعد ذلك من الدعاء وأنه كيف يُتقبل مع الحرام فهو مثال لاستبعاد قبول الأعمال مع التغذية بالحرام) انتهى من "جامع العلوم والحكم" ص 100.
وقال صلى الله عليه وسلم: (كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به) رواه الطبراني وأبو نعيم عن أبي بكر، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (4519) .
ورواه الترمذي (614) من حديث كعب بن عجرة بلفظ: (إنّه لا يربو لحم نبت من سحت إلا كانت النار أولى به) .
وينبغي أن يعلم أن الرزق مقسوم مكتوب، فلا يستعجل في طلبه بطريق محرم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن روح القدس نفث في روعي: أن نفساً لن تموت حتى تستكمل أجلها، وتستوعب رزقها، فاتقوا الله، وأجملوا في الطلب، ولا يحملنّ أحدَكم استبطاءُ الرزق أن يطلبه بمعصية الله، فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته) رواه أبو نعيم في الحلية، وصححه الألباني في صحيح الجامع (2085) .
نسأل الله أن يوفق الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5108)
حكم إعادة التمويل من بنك الراجحي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم إعادة التمويل من بنك الراجحي؟ حيث أخذنا قرضا من البنك وهو شراء أسهم مباحة وتم بيعها وطلبنا إعادة التمويل، وتم الموافقة حيث يتم حساب القرض الجديد بعد انتهاء القرض القديم، أفتونا مأجورين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
شراء الأسهم من الراجحي ثم بيعها للحصول على النقد: يسمى التورق، وهو جائز، ومن الخطأ تسميته قرضا.
ثانياً:
إذا سددت ما عليك من أقساط للراجحي، فلا حرج أن تعيد التمويل معه بنفس الطريقة، فتشتري أسهما مباحة بالأقساط، ثم تبيعها حالّةً لتحصل على النقود.
وأما قبل الفراغ من سداد الأقساط الأولى، فلا يجوز أن تدخل في إعادة التمويل؛ لأنه حيلة على قلب الدين المحرم، وذلك أنه لو كانت ذمتك مشغولة بمائة ألف ريال مثلا تنتهي في سنة، فستصبح ذمتك مشغولة بمبلغ أكثر ولمدة أطول، لنفس الدائن الأول، وهذا شبيه بربا الجاهلية وقولهم: إما إن تربي أو تقضي، أو قولهم: زِدْني أُنظِرْكَ.
وقد سئل الدكتور محمد بن سعود العصيمي حفظه الله: نسأل عن برنامج إعادة التمويل والتي طرحه مصرف الراجحي مؤخرا إذ يتيح لكل من لديه تمويل سابق أن يحصل على تمويل إضافي ولا يبدأ في سداد أقساطها إلا بعد انتهاء أقساط التمويل الأول وجزاكم الله خيراً.
فأجاب:
"الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: حيث إنّ ربح التمويل الجديد محتسب على العميل من حين إتاحة المبلغ له حتى لو لم يقبضه فلا فرق بينه وبين قلب الدين على العميل؛ ولذلك لا أرى جوازه.
وإني ألفت نظر العملاء عمومًا إلى الانتباه إلى الأرباح التي تأخذها البنوك ولا يفصح عنها بشكل واضح لهم.
وكذلك أنبه العملاء عمومًا إلى عدم تحميل أنفسهم مديونيات يمكن أن يستغنوا عنها بشيء قليل من التدبير والتوفير؛ فإن شغل الذمم بالديون ليس أمرًا محمودًا في الشرع، خاصة إذا كان لأمورٍ من الترف وزيادة الترفّه. والله أعلم " انتهى من "موقع الشيخ على الإنترنت"
http://www.halal2.com/ftawaDetail.asp?id=25368
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5109)
حصل على قرض ربوي من أجل التعليم، فهل يكون عمله حراما إذا تخرج؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هذا السؤال يشغل بال العديد من الطلاب المسلمين الذين يدرسون في البلدان الكافرة حاليا. وأرجو أن تجيبنا عليه. وُلدت مسلما، إلا أنه قد مرّ بي وقت كنت خلاله على غير طريق الحق، (أي أني لم أكن أصلي آنذاك.) وقد تبت من ذلك، والحمد لله، وعدت لديني. لكن، خلال هذا العام، فقد أصبحت طالبا في الكلية وحصلت على قروض للطلاب من أجل سداد رسوم التعليم، وأنا لا أزال أسددها حتى الآن. وسؤالي الأول هو: أعلم أنه من المحرم التعامل بالفوائد. فكيف لي أن أتعامل مع هذه المشكلة بما يتفق مع الشريعة؟ وثانيا: هل يكون الدخل الذي أحصل عليه من وراء عملي بهذه الشهادة حراماً مع أني تبت من ذلك؟ لقد قال لي بعض الأصدقاء بأن أقوم بسداد المبلغ الأصلي فقط دون الفوائد. أرجو أن تزودني بفتوى صحيحة حول ذلك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ننصحك بكثرة الأعمال الصالحة التي يمحو الله بها ما وقعت به من التفريط والإهمال وترك الصلاة. فأكثِر من الصلاة النافلة، ومن الاستغفار، وتب إلى الله التوبة النصوح، ثم واصل دراستك في هذه الكلية إذا لم يكن فيها منكر.
وأما هذه القروض فعليك سدادها، وإذا طلبت منك الفوائد فأنت مجبر وليس لك إلا أن تسددها والإثم عليهم، ولا حرج عليك.
وبالنسبة لعَملك فإذا كان عملا حلالا مباحا لا ظلم فيه ولا اختلاس فهو حلال.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله(5/5110)
تعريف الربا، وحكم العمل الذي يساعد على الربا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو تعريف الربا؟ أيضاً إذا وضعنا في الاعتبار أن معظم الدول تدور على مبدأ دورة رأس المال ومنه الإقراض فهل قبول الدفع بتلك العملة لأي عمل من الأعمال يعتبر من الأعمال التي تساعد في نظام يقوم على الربا؟ (وهل استخدام عملة الدولة التي تقوم على الربا يعتبر إسهاما في اقتصادها الربوي؟ مما لا مفر منه أن الموظف في بنك ربوي يلعب دوراً في المعاملات الربوية بشكل أو بآخر حتى ولو كان حارساً للبنك فهل يمكن أن تجدوا له عملاً إن كان عندكم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الربا هو الزيادة في شيء مخصوص، وهو مشتق من الزيادة، ومنه قوله تعالى: (وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ) أي لا يزيد ولا يرتفع عند الله، وقوله (لِيَرْبُوَا فِي أَمْوَالِ النَّاسِ) أي يكثر.
وأصله أن أهل الجاهلية كان إذا حلّ الدين على أحدهم طلبوا منه فقالوا: أعطنا المئة أو زدناها إلى مئة وخمسين. وإذا حلّت المئة وخمسين قالوا له: أعطنا المئة وخمسين أو جعلناها مئتين.. وهكذا.
وجاءت الشريعة بتحريم ربا آخر هو ربا الفضل وهو زيادة في أحد الجنسين إذا بيع أحدهما بالآخر. بحيث إذا بيع ذهب بذهب فإنه لا يجوز إلا مِثلا بمثل ويدا بيد، فاشترط فيه التقابض والتماثل فمن زاد أو استزاد فقد أربى، فإذا باع صاع بُر بصاعين ولو كان يدا بيد وقع في الربا.
بالنسبة لمبدأ دورة رأس المال فهو موجود في الدول الإسلامية وغير الإسلامية والمقصود أنها تدير رأس المال حتى يزداد ويكثر، وكذلك الاقتراض فهم يُعطون المال شريطة أن يزيد عند الوفاء به، فمثل هذا لا شك أنه ربا.
ومبدأ دورة رأس المال لا بأس به إذا كان رأس المال يُجعل في تجارة، ويكون الربح بين صاحب المال والعامل، وهو يُسمى المضاربة فلا بأس بذلك إذا تميز رأس المال عن الربح.
وإذا تم إيداع هذه الأموال في بنوك ربوية فإن أخذ الفوائد الربوية حرام لا يجوز أكله، ولا يجوز التعامل مع هذه البنوك، ولا يجوز القرض الذي فيه زيادة. ولا يجوز قبول الدفع بتلك العملة لأي عمل من الأعمال إذا كانت من الأعمال التي تساعد على نظام يقوم على الربا. أما استخدام هذه العملة (مثل الدولار) فلا مانع عند الحاجة، وإن كان في ذلك شيء من تنمية اقتصاد تلك البلاد، وذلك لأن الدولار معترف به عند أكثر الدول الإسلامية وغيرها، فيجوز التعامل بها عند الحاجة، وإذا وُجدت الجنيهات الإسلامية وعُمل بها فيستغنى عنها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله(5/5111)
حكم شراء سيارة عن طريق البنك العربي
[السُّؤَالُ]
ـ[راتبي التقاعدي محول على البنك العربي ولم أستطع تحويله على الراجحي لكون نظام الدولة مخصص هذا البنك للمتقاعدين، وأرغب في شراء سيارة عن طريقهم، فقالوا: توقع عقد رغبة في الشراء، ونشتري لك السيارة التي تريد، وإذا غَيَّرت رأيك ولا ترغب في السيارة بعد ما البنك امتلكها تدفع أجر أتعاب 1200 ريالاً، وإذا تمت العملية يضاف 1200 إلى القيمة الكلية كأجر إداري أو أتعاب، فهل تجوز هذه الطريقة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يجوز إيداع الأموال في البنوك الربوية إلا لضرورة حفظها عند عدم وجود بنك إسلامي، ومن ألزم باستلام راتبه عن طريق بنك ربوي ولم يمكنه تحويله إلى بنك إسلامي، فلا حرج عليه، وعليه أن يسحب ماله بعد نزوله حتى لا يستفيد منه البنك في معاملاته المحرمة.
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: " لا بأس بأخذ الرواتب التي تصرف عن طريق البنك؛ لأنك تأخذها في مقابل عملك في غير البنك، لكن بشرط أن لا تتركها في البنك بعد الأمر بصرفها لك من أجل الاستثمار الربوي " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/288) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: " يوجد بعض الجهات من شركات وغير شركات تلزم الموظفين أن يفتحوا حساباً في أي بنك من البنوك من أجل أن تحيل الرواتب إلى هذا البنك , فإذا كان لا يمكن للإنسان أن يستلم راتبه إلا عن هذا الطريق: فلا بأس , يفتح حساباً، لكن لا يدخل حساباً من عنده , يعني: لا يدخل دراهم من عنده , أما كونه يتلقى الراتب من هذا: فلا بأس " انتهى من "لقاءات الباب المفتوح" (111/ 17) .
ثانياً:
شراء السيارة عن طريق البنك له صورتان:
الأولى: أن يكون دور البنك هو مجرد التمويل، فيدفع المال للعميل أو نيابة عنه، على أن يسترده مقسطا بزيادة، وهذا قرض ربوي محرم.
الثانية: أن يشتري البنك السيارة، وينقلها إليه، ثم يبيعها على العميل، وهذا جائز بشروط:
الأول: ألا يشترط البنك غرامة في حال التأخر عن سداد الأقساط؛ لأن اشتراط هذه الغرامة من الربا المحرم، سواء أخذ البنك الغرامة لنفسه أو وزعها على الفقراء، وينظر جواب السؤال رقم (89978) .
الثاني: ألا يوقع العميل على عقد شراء أو وعد ملزم بالشراء، قبل تملك البنك للسيارة.
الثالث: ألا يشترط البنك دفع مبلغ مقدم قبل تملكه للسيارة؛ لأن العربون – عند من يقول بجوازه وهم الحنابلة - لا يصح قبل العقد.
قال في "غاية المنتهى" (3/79) : " وهو [أي بيع العربون] دفع بعض ثمن أو أجرةٍ بعد عقد، لا قبله. ويقول: إن أخذته أو جئت بالباقي، وإلا فهو لك " انتهى.
وقال في "كشاف القناع": " وإن دفع من يريد الشراء أو الإجارة إلى رب السلعة الدرهمَ أو نحوه قبل عقد البيع أو الإجارة وقال: لا تبع هذه السلعة لغيري أو: لا تؤجرها لغيري وإن لم أشترها أو أستأجرها فالدرهم أو نحوه لك , ثم اشتراها أو استأجرها منه وحسب الدرهم من الثمن أو الأجرة صح ذلك. وإن لم يشترها أو يستأجرها فلصاحب الدرهم الرجوع فيه ; لأن رب السلعة لو أخذه لأخذه بغير عوض ولا يجوز جعله عوضا عن إنظاره ; لأن الإنظار بالبيع لا تجوز المعاوضة عنه، ولو جازت لوجب أن يكون معلوم القدر كالإجارة " انتهى بتصرف يسير.
فالحاصل: أنه لا يجوز للبائع أخذ العربون إلا إذا كان الاتفاق عليه بعد العقد، وأما قبل العقد فلا يجوز آخذه؛ لأنه يكون عوضا عن الإنظار والإمهال، وهذا مما لا يعتاض عنه.
وأما جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية فلا يصححون بيع العربون، ولا يجوّزن للبائع أن يأخذه سواء تم الاتفاق عليه بعد العقد أو قبله.
وبناء على ذلك:
فلا يجوز للبنك أن يأخذ 1200 ريال في حال رجوع العميل عن الشراء؛ لأنه من باب العربون قبل العقد وهو لا يصح.
وقد سئل الدكتور محمد العصيمي حفظه الله: ما حكم تمويل المنزل المبارك (شراء المنزل باسم البنك إلى حين تسديد القروض) من البنك العربي والراجحي؟
فأجاب: "تقوم كثير من البنوك التجارية بتقديم خدمة التمويل لشراء العقارات. وفي البنوك الربوية، يتقدم العميل بطلب تمويل عقار معين، فيعطي البنك التجاري المبلغ للعميل، ويشتري العقار، ويرهن الصك أو أوراق الملكية لصالح البنك. ولا شك أن ذلك تمويل ربوي محرم.
أما البنوك الإسلامية فبعد تحديد العقار من العميل، تشتري العقار لصالحها، وتنقل ملكية العقار لها، ثم تبيع على العميل بيعا بثمن آجل بربح معلوم. وهذا لا شك في جوازه.
ومن الأمور التي يحسن التنبه لها في هذا المقام: أنه لا يجوز للبنك المقدم لخدمة تمويل العقار طلب دفعة أولى من العميل قبل شراء العقار، ولا يجوز له أن يلزم العميل بشراء العقار، بل للعميل الخيار في الشراء وعدمه " انتهى من "موقع الشيخ على الإنترنت".
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5112)
هل يسري الربا في العملات الورقية كما يسري في الذهب والفضة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت أحد المقالات في جريدة الاقتصادية مفاده أن قياس النقود الورقية على الذهب والفضة غير صحيح، وأن مجموعة من العلماء مع هذا الرأي، وأن الربا فقط في الأصناف الستة كما ورد في الحديث: أرجو التفصيل أو ذكر مرجع في المعاملات الحديثة وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي يدل عليه النظر الصحيح، وهو الذي عليه عامة العلماء المعاصرين: أن العملات الورقية يجري فيها الربا قياساً على الذهب والفضة.
وذلك لأن الشرع حكم بجريان الربا في الذهب والفضة لأنهما أثمان الأشياء، أي: كانا هما العملة التي يتعامل بها الناس قديماً (الدراهم والدنانير) فكانت قيم الأشياء تقدر بالذهب والفضة، وقد حَلَّت هذه الأوراق النقدية محل الذهب والفضة في التداول، فوجب أن يكون لها حكم الذهب والفضة.
وقد جاء عن بعض الأئمة والعلماء المتقدمين ما يؤيد هذا.
جاء في "المدونة" (3/5) :
" قُلْت: أَرَأَيْت إنْ اشْتَرَيْت فُلُوسًا بِدَرَاهِمَ فَافْتَرَقْنَا قَبْلَ أَنْ نَتَقَابَضَ قَالَ: لَا يَصْلُحُ هَذَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ وَهَذَا فَاسِدٌ , قَالَ لِي مَالِكٌ فِي الْفُلُوسِ: لَا خَيْرَ فِيهَا نَظِرَةً [أي: مع تأجيل القبض] بِالذَّهَبِ وَلَا بِالْوَرِقِ , وَلَوْ أَنَّ النَّاسَ أَجَازُوا بَيْنَهُمْ الْجُلُودَ حَتَّى تَكُونَ لَهَا سِكَّةٌ وَعَيْنٌ لَكَرِهْتُهَا أَنْ تُبَاعَ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ نَظِرَةً. قُلْت: أَرَأَيْت إنْ اشْتَرَيْت خَاتَمَ فِضَّةٍ أَوْ خَاتَمَ ذَهَبٍ أَوْ تِبْرَ ذَهَبٍ بِفُلُوسٍ فَافْتَرَقْنَا قَبْلَ أَنْ نَتَقَابَضَ أَيَجُوزُ هَذَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: لَا يَجُوزُ هَذَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: لَا يَجُوزُ فَلْسٌ بِفَلْسَيْنِ , وَلَا تَجُوزُ الْفُلُوسُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَا بِالدَّنَانِيرِ نَظِرَةً " انتهى.
ومعنى هذا: أن الإمام مالك رحمه الله يرى أن الفلوس يجري فيها الربا كالذهب والفضة، لأن الناس صاروا يتعاملون بها وصارت نقداً، بل يرى أن الناس لو تعارفوا على جعل الجلود نقوداً يتعاملون بها لكان لها حكم الذهب والفضة، وهذا يشبه الأوراق النقدية الآن، فصار النقد من ورق، والذي افترضه الإمام مالك أنه يكون من جلود.
فسبحان من وفق الإمام إلى هذا المثال!
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"وَالْأَظْهَرُ: أَنَّ الْعِلَّةَ فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ هُوَ الثمنية؛ كَمَا قَالَهُ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ، لَا الْوَزْنُ ...
وَالتَّعْلِيلُ بالثمنية تَعْلِيلٌ بِوَصْفٍ مُنَاسِبٍ؛ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْأَثْمَانِ أَنْ تَكُونَ مِعْيَارًا لِلْأَمْوَالِ يَتَوَسَّلُ بِهَا إلَى مَعْرِفَةِ مَقَادِيرِ الْأَمْوَالِ وَلَا يَقْصِدُ الِانْتِفَاعَ بِعَيْنِهَا. فَمَتَى بِيعَ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ إلَى أَجَلٍ قُصِدَ بِهَا التِّجَارَةُ الَّتِي تُنَاقِضُ مَقْصُودَ الثمنية " انتهى بتصرف يسير.
"مجموع الفتاوى" (29/471-472) .
وقال ابن القيم:
" وأما الدراهم والدنانير فقالت طائفة: العلة فيهما كونهما موزونين. وهذا مذهب أحمد في إحدى الروايتين عنه ومذهب أبي حنيفة. وطائفة قالت: العلة فيهما الثمنية. وهذا قول الشافعي ومالك وأحمد في الرواية الأخرى، وهذا هو الصحيح، بل الصواب " انتهى.
"إعلام الموقعين" (2/156) .
وجاء في قرار "مجلس المجمع الفقهي" برابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة الدورة الخامسة قرار رقم (6) :
أولاً: إنه بناء على أن الأصل في النقد هو الذهب والفضة , وبناء على أن علة الربا فيهما هي مطلق الثمنية في أصح الأقوال عند فقهاء الشريعة.
وبما أن الثمنية اتقتصر عند الفقهاء على الذهب والفضة , وإن كان معدنهما هو الأصل.
وبما أن العملة الورقية قد أصبحت ثمنا , وقامت مقام الذهب والفضة في التعامل بها , وبها تقوم الأشياء في هذا العصر , لاختفاء التعامل بالذهب والفضة , وتطمئن , النفوس بتمولها وادخارها , ويحصل الوفاء والإبراء العام بها , رغم أن قيمتها ليست في ذاتها , وإنما في أمر خارج عنها , وهو حصول الثقة بها كوسيط في التداول والتبادل , وذلك هو سر مناطها بالثمنية.
وحيث إن التحقيق في علة جريان الربا في الذهب والفضة هو مطلق الثمنية , وهي متحققة في العملة الورقية , لذلك كله فإن مجلس المجمع الفقهي يقرر أن العملة الورقية نقد قائم بذاته , له حكم النقدين من الذهب والفضة , فتجب الزكاة فيها , ويجري الربا عليها بنوعيه فضلا ونسيئة , كما يجرى ذلك في النقدين من الذهب والفضة تماما , باعتبار الثمنية في العملة الورقية قياسا عليهما. وبذلك تأخذ العملة الورقية أحكام النقود في كل الالتزامات التي تفرضها الشريعة فيها.
ثانياً: يعتبر الورق النقدي نقدا قائما بذاته كقيام النقدية في الذهب والفضة وغيرهما من الأثمان , كما يعتبر الورق النقدي أجناسا مختلفة تتعدد بتعدد جهات الإصدار في البلدان المختلفة. بمعنى أن الورق النقدي السعودي جنس , وأن الورق النقدي الأمريكي جنس , وهكذا كل عملة ورقية جنس مستقل بذاته , وبذلك يجري فيها الربا بنوعيه فضلا ونسيئة , كما يجري الربا بنوعية في النقدين الذهب والفضة وفي غيرهما من الأثمان" انتهى.
وجاء في توصيات وفتاوى الندوة الفقهية الأولى لبيت التمويل الكويتي:
"أ - تأكيد ما انتهى إليه مجمع الفقه الإسلامي بجدة من أن هذه الأوراق قامت مقام الذهب والفضة في التعامل بيعا وشراء وإبراء وإصداقاً , وبها تقدر الثروات وتدفع المرتبات ولذا تأخذ كل أحكام الذهب والفضة ولا سيما وجوب التناجز [التقابض] في مبادلة بعضها ببعض وتحريم النَّسَاء [التأخير] فيها.
ب - كل عملة من العملات جنس قائم بذاته. فلا يجوز ربا الفضل فيها عند العقد أو في نهايته , سواء كانت معدنا أو ورقا إذا بيعت بمثلها , أما إذا بيعت عملة بعملة أخرى فلا يشترط في ذلك إلا التقابض.
ج - لا يجوز بيع الذهب بالعملات الورقية ولا شراء الذهب بها إلا يداً بيد" انتهى.
وجاء في "أبحاث هيئة كبار العلماء" (1/85) .
" - حكمة تحريم الربا في النقدين ليست مقصورة عليهما؛ بل تتعداهما إلى غيرهما من الأثمان كالفلوس والورق النقدي.
- علة الربا في النقدين مطلق الثمنية.
وهذا القول إحدى الروايات عن الإمام أحمد ومالك وأبي حنيفة.
قال أبو بكر من أصحاب أحمد: روى ذلك عن أحمد جماعة، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله وغيرهما من محققي أهل العلم " انتهى.
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله:
" العملة الورقية منزلة الذهب والفضة في جريان الربا في بيع بعضها ببعض، وفي بيع الذهب والفضة بها " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (19/158)
والخلاصة: أن الشريعة لا تفرق بين المتماثلات، كما أنها لا تجمع بين المختلفات المتضادات، فلما حكمت الشريعة بجريان الربا في الذهب والفضة لأنها أثمان الأشياء، وجب أن يتعدى هذا الحكم إلى كل ما صار ثمناً للأشياء، كالفلوس والأوراق النقدية.
ويمكنك مراجعة كتاب:
- "فقه المعاملات الحديثة" د. عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان.
- "توظيف الأموال بين المشروع والممنوع" د. عبد الله بن محمد الطيار.
- "قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي".
وأما ما ذكرته من شبهة أن الربا في الأصناف الستة فقط، فهو قول غير صحيح، ومخالف أيضا لما عليه جمهور أهل العلم (منهم: أئمة الفقه الأربعة) .
قال الشيخ صالح الفوزان:
"قول جمهور العلماء: أن الربا يتجاوز هذه الأصناف الستة إلى غيرها مما شاركها في العلة".
http://www.alfawzan.ws/AlFawzan/Library/tabid/90/Default.aspx?View=Page&PageID=24&PageNo=1&BookI ... - 29k
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
"الأشياء التي يحرم فيها الربا هي: الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح، وما شارك هذه الأصناف الستة في علة الربا، وهي في النقدين: الثمنية، وفي بقية الأصناف: الكيل مع الطعمية على الصحيح من أقوال العلماء" انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (13/268) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5113)
الفرق بين البنك الربوي والبنك الإسلامي
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كانت البنوك الإسلامية لا تتعامل بنظام الفائدة فأي فائدة تجنيها وما مصلحتها إذا؟ وهل ما يأخذونه مقابل الخدمة يعتبر من قبيل الربا؟ وما هي المعاملات التي يعتبرها الإسلام على أنها ربا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نظام الفائدة الذي تعتمد عليه البنوك التجارية نظام ربوي محرم، يقوم على الإقراض والاقتراض بالربا، فالبنك يقرض العميل بالفائدة، والعميل الذي يودع المال في البنك يقرض البنك هذا المال مقابل الفائدة، والإقراض بفائدة هو الربا المجمع على تحريمه، وينظر جواب السؤال رقم (110112) .
والبنوك والمصارف الإسلامية تعتمد على المعاملات المباحة من البيع والشراء والمضاربة والشركة وغير ذلك من صور الاستثمار المشروع للمال، إضافة إلى الأجور على الحوالات، والاستفادة من أسعار الصرف وتبادل العملات.
وهذا مثال بسيط للفرق بين المعاملة الربوية والمعاملة المشروعة وكيف يستفيد البنك عند إجرائه إحدى المعاملتين: فلو أراد العميل الاستفادة من ماله وتنميته، فأودع المال في حساب التوفير بالبنك الربوي، فإن البنك يفرض له فائدة معلومة، مع ضمان رأس المال، وهذا في حقيقته قرض ربوي، قرض من العميل للبنك. وفائدة البنك هي الاستفادة من المال المودع، ليقرضه إلى عميل آخر مقابل فائدة تؤخذ من العميل، فالبنك يقترض ويقرض، ويستفيد من الفارق.
وأما البنك الإسلامي فإحدى طرق استثماره أن يأخذ المال من العميل ليضارب به في تجارة مشروعة أو إقامة مشروع سكني ونحوه، على أن يعطي للعميل نسبة من الأرباح، والبنك كعامل مضاربة له نسبة أيضا، ففائدة البنك في النسبة التي يخرج بها من أرباح المشروع، وقد تكون أكثر بكثير مما يجنيه البنك الربوي من الحرام، لكن يدخل في المضاربة عامل المخاطرة، وبذل الجهد في اختيار المشروع النافع والقيام عليه ومتابعته حتى يؤتي ثماره.
فالفرق بين البنك الربوي والبنك الإسلامي في هذا المثال، هو الفرق بين القرض الربوي المحرم، والمضاربة المشروعة التي قد يخسر فيها العميل ماله، فلا ضمان فيها لرأس مال، لكنه إن رَبِحَ ربح مالا حلالا.
والمقصود: أن البنك الإسلامي أمامه طرق كثيرة مشروعة لجني الربح، ولهذا بدأت هذه البنوك في النمو والازدهار، بل تسعى بعض الدول غير المسلمة لتطبيق نظام المصرفية الإسلامية، لأنه يحقق الربح، ويتلافى مفاسد النظام الربوي الذي هو سبب الخراب والخسران.
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (113852) .
ثانيا:
المعاملات الربوية كثيرة، منها: الإقراض والاقتراض بالفائدة، ومنها: مبادلة العملات بعضها مع بعض (بيع العملة بعملة أخرى) مع تأجيل البدلين أو أحدهما، ومنها: مبادلة الذهب بالذهب متفاضلاً أو نسيئة، ومنها: أمور ترجع في حقيقتها إلى القرض الربوي، كخصم الأوراق التجارية، وحساب التوفير، وشهادات الاستثمار ذات العوائد أو الجوائز، وغرامات التأخير على بيع التقسيط أو السحب بطاقة الائتمان، ويمكنك الاطلاع على هذه المسائل من خلال الموقع.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5114)
هل يعطي أخته أو أحداً من أقاربه المحتاجين من فوائد البنوك الربوية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل أعطي المبلغ المكتسب من الفوائد البنكية لأختي والتي أنا من يعولها في الأصل؟ أو أحد أقربائي مثل عمي أو عمتي ... الخ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إذا كان البنك ربوياً، وليس بنكاً إسلامياً، فهذه الفوائد من الربا المحرم، وهو من أعظم الذنوب، وأكبر الكبائر، فالواجب التوبة إلى الله منه، وسحب المال من البنك الربوي فورا، إلا أن تضطر إلى إبقائه فيه خشية الضياع أو السرقة، فتبقيه دون تحصيل فائدة عليه.
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278-279.
والتوبة من الربا تكون بالتخلص من هذه الفوائد الربوية، بإنفاقها في أوجه البر، ولا بأس بإنفاقها على ذوي رحمك كأختك وعمك وعمتك، إن كانوا من الفقراء المحتاجين، وكانت نفقتهم غير واجبة عليك.
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء:
لي مبلغ من المال في أحد البنوك، وهذا البنك يعطيني فائدة شهرية ثابتة، ومن متابعتي لإجابات سماحتكم على الأسئلة المشابهة أفدتم أنها من الربا الصريح، فماذا عليّ أن أفعل بالفائدة العائدة لي من المبلغ المودع؟ وأرجو من سماحتكم أن توضحوا لنا ماهية الربا. جزاكم الله خيراً.
فأجابت:
"ما أخذته من الفوائد قبل العلم بتحريمها فنرجو أن يعفو الله عنك في ذلك، وأما ما بعد العلم فالواجب عليك التخلص منه وإنفاقه في وجوه البر: كالصدقة على الفقراء والمجاهدين في سبيل الله مع التوبة إلى الله سبحانه من المعاملة بالربا بعد العلم؛ لقول الله سبحانه: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) البقرة /275" انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (13/352) .
فإن كانت نفقة أختك واجبة عليك، لعدم وجود الأب أو الابن أو الزوج الذي ينفق عليها، فلا يجوز لك دفع الفوائد الربوية إليها، لأنك بذلك كأنك أعطيتها لنفسك.
وقد سئل الشيخ ابن جبرين: من هم الذين تلزمني نفقتهم من إخوتي؟
فأجاب:
" تلزمك نفقة إخوتك عند الحاجة إذا لم يخلف لهم أبوهم تركة تكفيهم، ولم يكن هناك أقرب منك يقدر على الإنفاق عليهم " انتهى.
وسئل أيضاً:
لي أخت متزوجة لا يملك زوجها إلا قوت يومه، ولي خالة تعمل وتبيع بعض السلع لتنفق على نفسها وعلى زوجها لكبر سنه وتقاعده، فهل تجوز الزكاة على أي منهما؟
فأجاب:
" أختك المتزوجة وخالتك الفقيرة يجوز لك صرف الزكاة والصدقة لكل منهما للحاجة "
انتهى من موقع الشيخ.
والحاصل: أنه لا يجوز دفع هذه الفوائد الربوية لمن تلزمك النفقة عليه، ولمعرفة من هم الأقارب الذين تجب نفقتهم وشروط ذلك انظر جواب السؤال رقم (106540) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5115)
هل يجوز له شراء جهاز كمبيوتر لولده من الفوائد الربوية، أو يسقط بها دَيْنًا عن المدينين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد التخلص من الفوائد الربوية فهل يجوز لي أن أمنحها ل: 1- ابني طالب جامعي يبلغ 22 سنة من العمر ولا يملك دخلا إلا نفقة والده من طعام وشراب ونحو ذلك. فهل يجوز لي منحه من هذه الفوائد لاقتناء أجهزة تعينه في دراسته ككمبيوتر وغير ذلك 2- إخوة لي معسوري الحال فهل يجوز لي أن أقتص من هذه الفوائد ديونا كنت قد أقرضتها ولم يرجعوها لي وأسامحهم فيها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يحرم التعامل بالربا بجميع صوره، وهو من كبائر الذنوب، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278-279.
وتجب التوبة منه بالإقلاع عن الذنب، والندم على ما فات، والعزم على عدم العود إليه، والتخلص من المال الحرام بإنفاقه في وجوه الخير والبر والمصالح للعامة، وليس للتائب أن ينتفع به في جلب مصلحة له كأكل أو شرب أو سكن أو نفقة أهل أو أجرة تدريس، ولا في دفع مضرة أو ظلم عن نفسه كرسوم التأمين الإجباري أو سائر أنواع الضرائب والمكوس.
وعليه؛ فليس لك أن تنفق من الربا على ابنك النفقة الواجبة كطعامه وشرابه وأجرة تعليمه، وأما شراء الأجهزة التي لا يستطيع شراءها، ولا تدخل في النفقة الواجبة له، فالذي يظهر جوازه، كما يجوز سداد دَيْنه أيضا؛ لأنه لا يجب على الأب سداد دَيْن ولده.
ثانيا:
يجوز دفع هذه الفوائد للأخ الفقير إذا لم تكن نفقته واجبة عليك، وينظر بيان ذلك في جواب السؤال رقم (81952) .
ثالثا:
لا يجوز أن تأخذ هذه الفوائد في مقابل إسقاط الديون التي لك؛ لأن في ذلك نفعا ومصلحة تعود عليك؛ إذ الديون قد تسدد وقد لا يتمكن أصحابها من سدادها، وقد تقدم أن التائب ليس له أن ينتفع بالفائدة، لكن لك أن تعطيها لهؤلاء المدينين، فإن قَضَوْا منها دَيْنَهم الذي لك فلا حرج عليك من قبوله.
ونسأل الله تعالى أن يغفر ذنبك ويتقبل توبتك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(5/5116)
حكم الادخار في بنك الرياض
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الاستقطاع من الراتب وتحويله إلى برنامج الادخار (بنك الرياض) ، علما بأني سألت عن البرنامج، وأفادوني بأنه: مجاز شرعيا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الادخار الذي يجري العمل به في البنوك الربوية يقوم على أساس ضمان رأس المال للعميل، مع زيادة نسبة معلومة من رأس المال، وهذا في حقيقته قرض ربوي محرم، يختلف عن الاستثمار المشروع.
وقد سبق بيان شروط الاستثمار المشروع في جواب السؤال رقم (114537)
وبالرجوع إلى موقع البنك المذكور لم يتبين لنا طبيعة الادخار المعمول به، إذ لم يذكر شيء عن نوع المشاريع التي يستثمر فيها المال، ولا عن الربح الذي يحصل عليه العميل هل هو نسبة معلومة من رأس المال أم من الأرباح.
لكن نضع بين يديك فتوى للدكتورمحمد بن سعود العصيمي حفظه الله، تبين حال البنك المذكور، فقد سئل ما نصه: " ما حكم الاكتتاب في بنك الرياض، وهل فروعه الإسلامية كافية للدخول في الاكتتاب فيه؟ جزاكم الله خيرا
فأجاب: " بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
فقد سئلت عن حكم الاكتتاب في بنك الرياض عبر الجوال وعبر الموقع، والحقيقة أنني استغربت كثيرا للسؤال؛ فقد ظننت أن نشاط البنك الربوي أظهر من أن يحتاج إلى توضيح وأن تحريم الاكتتاب لا يحتاج إلى بيان، ولكن مع هذه الأسئلة رأيت أن أتصفح تقرير مجلس الإدارة للسنة المنتهية في 31 ديسمبر 2007م وأنقل منه مباشرة ليس فقط ما يدل دلالة واضحة على تحريم الاكتتاب، بل على ما يدل على حجم المشكلة الربوية في هذا البلد.
وألفت نظر القارئ أن التقرير يستخدم كلمة العمولة الخاصة تعبيرا عن الربا، وهو تمييع لأمر محرم في غاية التحريم، وتلبيس وكذب على القارئ والمستثمر يجب أن يفصح عنه، وتلك التسمية لن تخفي الحقيقة المرة، ولن تنطلي على أحد.
اشتملت الموجودات في المركز المالي للبنك لعام 2007 والإيضاحات التابعة لها على:
1- نقدية وأرصدة لدى مؤسسة النقد تبلغ 16 مليار ريال، منها 11 مليارا باتفاقيات إعادة الشراء من مؤسسة النقد، ولا شك في حرمة تلك الاتفاقات وحرمة السندات المستخدمة فيها.
2-أرصدة لدى البنوك التجارية والمؤسسات المالية الأخرى مبلغ 4 مليارات ريال، منها 3 مليارات بالربا.
3-صافي الاستثمارات 27 مليار ريال، غالبها بل كلها سندات ربوية داخلية وخارجية، حكومية ومن شركات وبنوك تجارية ومؤسسات مالية. ولا تخفى حرمتها.
4-صافي القروض والسلف فتبلغ 67 مليارا، منها 5 مليارات جاري مدين، و14 مليارا قروض شخصية، و46 مليار قروض تجارية. وللأمانة، فقد نص التقرير أن القروض والسلف أعلاه تتضمن منتجات متوافقة مع مبدأ تجنب الفوائد والتي تظهر بالتكلفة المطفأة قدرها 27 مليار. ويعني ذلك أن 40 مليارا بالربا.
أما جانب المطلوبات على البنك في المركز المالي للبنك لعام 2007 والإيضاحات التابعة لها فقد اشتملت على:
1-أرصدة للبنوك التجارية والمؤسسات المالية تبلغ 17 مليارا، منها 16 مليارا بالربا.
2-ودائع العملاء 84 مليارا، منها ما لا يقل عن 34 مليارا ودائع آجلة بالربا.
3-مطلوبات أخرى تصل 4 مليارات ريال، منها ما لا يقل عن مليار بالربا.
4-سندات دين ربوية مصدرة تبلغ مليارا واحدا.
أما قائمة الدخل فقد نصت على أن البنك قد حصل على أرباح من الفوائد الربوية في عام
2007 تزيد عن 6 مليارات ريال، و5 مليارات ريال في سنة 2006، أما الربا المدفوع
عن عمليات البنك المختلفة فهو 3 مليارات تقريبا في عام 2007 وملياران ونصف في
عام 2006. هذا بالإضافة إلى نص التقرير على استخدام البنك للأدوات المالية المشتقة
والمقيضات والعقود الآجلة والمستقبلية واتفاقات الأسعار الآجلة والخيارات واتفاقيات
البيع وإعادة الشراء. ولا يكاد يجوز شيء منها من الناحية الشرعية.
وللأمانة، فقد نص التقرير في موضعين منه على الفروع الإسلامية والمنتجات المصرفية
المتوافقة مع أحكام الشريعة، فذكر أن البنك "يقدم لعملائه بالإضافة إلى الخدمات
المصرفية التقليدية بعض منتجات مصرفية متوافقة مع مبدأ تجنب العمولات الخاصة،
والتي يتم اعتمادها بواسطة هيئة الرقابة الشرعية".
وفي ختام هذه الفتوى لي وقفات:
- إن الحديث هنا ليس عن مسألة يسيرة ومخالفة صغيرة، بل حديث عن مؤسسة مالية
كبرى تمارس الربا ليلاً ونهاراً، سراً وجهاراً، وتؤذن البلد كله بحرب من الله ورسوله.
وأن هذا الاكتتاب بكل هذه التغطية الإعلامية مجاهرة بمعصية عظيمة وكبيرة من كبائر
الذنوب يخشى مع السكوت عنها على كل البلد من غضب الله ومقته، فالله يغار حين تنتهك
محارمه. وهذه آياته الظاهرة في عقاب العصاة في كل مكان لا تخفى على أحد، وتنقل
نقلا مباشرا على التلفاز، وهذا مكره سبحانه وتعالى في المرابين أوضح من الواضح، فقد
انهارت المؤسسات المالية الربوية في مشكلة الرهن العقاري بين ليلة وضحاها. والله
سبحانه وتعالى له جنود السماوات والأرض، ولا يعجزه شيء، تعالى ربنا وتقدس، وأمره
بين الكاف والنون، يخفض ويرفع، ويبسط ويقدر، ولا تحابي سننه الكونية أحدا، بل تشمل عقوبته المسلم والكافر.
- إن الواجب على ملاك البنك وإدارته والعاملين فيه أن يتوبوا إلى الله تعالى، ويتوقفوا
عن ممارسة الربا الصراح عاجلا، وأن يتحولوا التحول الكامل للمصرفية
الإسلامية، وأن يصححوا مسار البنك نحو الالتزام بالشريعة الإسلامية، وأن لا يماطلوا
في ذلك ولا يتأخروا؛ فإن من أعظم أسباب بلاء الناس في معيشتهم ورزقهم سواء بانقطاع
المطر، أو غلاء الأسعار أو كثرة المصايب في البطالة والجرائم أو غيرها هو المجاهرة
بهذه المنكرات التي يحرم السكوت عنها ... " انتهى.
http://www.halal2.com/ftawaDetail.asp?id=23566
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5117)
هل ينتفعون بالفوائد الربوية لحاجتهم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[توفى أبي عليه رحمة الله منذ 8 سنوات، وكان يعمل على تاكسي، وكان التاكسي باسم أخ من إخوتي الصغار (لم يكن هبة له بل كان بسبب بعض المشاكل مع التأمينات والتي تتطلب أن لا يكون التاكسي باسم أبي) وبعد الوفاة وعمل قرار الوصاية من المحكمة قرر قاضي النيابة الحسبية وضع أموال بيع التاكسي في البنك باسم أخي الصغير حتى يبلغ وهذا البنك ربوي، وحالياً أتم أخي الصغير سن الرشد وقام بسحب المبلغ والفوائد، نحن نعلم أن هذه الفوائد ربوية، وسؤالي: هل يجوز توزيع هذه الفوائد على إخوتي الذين ما زالوا بالتعليم وهم في احتياج للمال للتعليم والمساعدة على ظروف الحياة؟ حيث إننا عشرة من البنين والبنات. أربعة تزوجوا والباقي بالتعليم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ينبغي أن يُعلم أن هذا التاكسي الذي سجله الأب باسم ابنه الصغير - لأجل التأمينات ونحوها وليس هبة وتمليكا له -، أنه يعتبر جزءا من التركة يشترك فيه جميع الورثة حسب القسمة الشرعية.
ثانيا:
يجب التخلص من الفائدة الربوية بصرفها في المصالح العامة أو أوجه الخير، ولا يجوز للمتخلص منها أن ينتفع بها لنفسه، إلا إن كان فقيراً محتاجاً، فيجوز أن يأخذ منها بقدر حاجته، كما نص عليه بعض أهل العلم في شأن المال الحرام بعد التوبة والإقلاع عن الذنب. وينظر جواب السؤال رقم (126045) .
ويجوز للمتخلص أن يدفعها لإخوانه الفقراء الذين لا يرثهم في حال وفاتهم، أو يدفعها لهم لسداد ديونهم، وينظر بيان ذلك في جواب السؤال رقم (81952) .
وإذا تقرر أن هذا التاكسي ملك لجميع الورثة، وأن ثمنه وضع في البنك الربوي، فهذه الفوائد راجعة لجميع الورثة، ولكل منهم أن يتخلص من نصيبه منها بإعطائه لإخوانه الذين لا يرثهم.
وإذا أخذ "المحتاجون" نصيبهم من الفائدة وأنفقوه على أنفسهم في التعليم ونحوه لفقرهم وحاجتهم، جاز كما سبق.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5118)
حكم دراسة الاقتصاد الربوي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم دراسة الاقتصاد الربوي؟ وما حكم العمل في البنوك الربوية؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"دراسة الاقتصاد الربوي إذا كان المقصود منها معرفة أعمال الربا، وبيان حكم الله في ذلك فلا بأس، أما إن كانت الدراسة لغير ذلك فإنها لا تجوز، وهكذا العمل في البنوك الربوية لا يجوز؛ لأنه من التعاون على الإثم والعدوان، وقد قال الله سبحانه: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (24/39) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5119)
يرسلون الذهب إلى شركة فتقوِّم ثمنه ثم ترسل لهم حسابه بعد ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكمة الصفقة التجارية التالية: تقوم الشركة بإرسال صُرة إلى الزبائن الراغبين ببيع مجوهراتهم الذهبية إلى هذه الشركة ومن ثم يقوم الزبائن بوضع هذه المجوهرات الذهبية داخل تلك الصرة ثم يرسلونها إلى تلك الشركة حيث تقوم هذه الشركة بحساب سعر تلك المجوهرات الذهبية ومن ثم تقوم بإرسال المال المستحق إلى الزبائن. أرجو الأخذ بعين الاعتبار أنه من الصعب أو المستحيل أن تقوم الشركة بالذهاب إلى بيت كل زبون خصوصا الذين يعيشون في أماكن بعيدة , فما حكم الشريعة الإسلامية في مثل هذه الصفقة؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
روي البخاري (2134) ومسلم (1586) عن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ رِبًا، إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا، إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا، إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ) .
ومعنى: هاء وهاء: خذ وهات.
وروى مسلم (1587) عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ. فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ) .
وقد أجمع العلماء على أنه لا يجوز تأخير أحد الربويين إذا بيع بالآخر، وأنه يجب على المتعاقدين أن يتقابضا في المجلس.
فتأخير القبض في أحد الربويين المتحدين في علة ربا الفضل لا يجوز، وهو ربا النسيئة، فإذا كان عندنا ربويان اتحدا في علة ربا الفضل ولو اختلف جنسهما فإنه لابد عند مبادلة أحدهما بالآخر أن يكون ذلك يداًَ بيد.
قال الإمام الشافعي رحمه الله:
" إذَا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ: فَلَا بَأْسَ بِالْفَضْلِ فِي بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ، وَلَا خَيْرَ فِيهِ نَسِيئَةً "
"الأم" (3/24)
وقال ابن قدامة في "المغني" (4/30) :
" كُلُّ جِنْسَيْنِ يَجْرِي فِيهِمَا الرِّبَا بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ , كَالْمَكِيلِ بِالْمَكِيلِ , وَالْمَوْزُونِ بِالْمَوْزُونِ , وَالْمَطْعُومِ بِالْمَطْعُومِ , عِنْدَ مَنْ يُعَلِّلُ بِهِ , فَإِنَّهُ يَحْرُمُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْأُخَرِ نَسَاءً , بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ ; وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ عليه السلام: (فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ) " انتهى.
وراجع: "المبسوط 14/10) – "تبيين الحقائق" (4/135) – "الموسوعة الفقهية" (26/350)
سئل علماء اللجنة:
أحيانا يشتري صاحب المحل ذهبا بالجملة بواسطة التلفون من مكة أو من خارج المملكة، وهو في الرياض، من صائغ معروف لديه، والبضاعة معروفة لدى المشتري، كأن تكون غوايش أو غير ذلك، ويتفقون على السعر، ويحول له الثمن بالبنك، فهل يجوز ذلك أو ماذا يفعل؟
فأجابت اللجنة: " هذا العقد لا يجوز أيضا؛ لتأخر قبض العوضين عنه، الثمن والمثمن، وهما معا من الذهب أو أحدهما من الذهب والآخر من الفضة، أو ما يقوم مقامهما من الورق النقدي، وذلك يسمى بربا النسأ، وهو محرم، وإنما يستأنف البيع عند حضور الثمن بما يتفقان عليه من الثمن وقت العقد يدا بيد " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (13/475)
وقال علماء اللجنة أيضا:
" لا يجوز بيع الذهب بالذهب، ولا الفضة بالفضة إلا مثلا بمثل، يدا بيد، سواء كان العوضان من المصاغ أم من النقود أم كان أحدهما مصاغا والآخر من النقود، وسواء كان العوضان من ورق البنكنوت أم كان أحدهما من ورق بنكنوت والآخر مصاغا أم من النقود.
وإذا كان أحد العوضين ذهبا مصوغا، أو نقدا، وكان الآخر فضة مصوغة أو نقدا، أو من العُمل الأخرى - جاز التفاوت بينهما في القدر، لكن مع التقابض قبل التفرق من مجلس العقد، وما خالف ذلك في هذه المسألة فهو ربا، يدخل فاعله في عموم قوله تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ... الآية. البقرة/275 " انتهى
"فتاوى اللجنة" (13/484)
وفتاوى العلماء في ذلك أكثر من أن تحصى.
والخلاصة: أن هذه المعاملة المسئول عنها لا تجوز؛ لأنها من المعاملات الربوية المنهي عنها، وليس المطلوب أن تنتقل الشركة إلى كل زبون في مكانه؛ لكن بالإمكان أن ترسل له ثمن الذهب، مع المندوب الذي يستلم الذهب من بائعه، أو توكل من تشاء في ذلك، أو ينتقل هو إلى مقر الشركة، ليبيع بنفسه عندها، ويستلم الثمن.
وعلى أية حال، فلا يظهر لنا صعوبة في إيجاد المخرج الشرعي، من هذه المعاملة الممنوعة؛ ومن يتق الله مخرجا!!
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5120)
حكم شراء السلعة بثمن مؤجل بواسطة البنوك
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم شراء سيارة أو غيرها بثمن مؤجل بواسطة وسيط ثالث هو البنك ونحوه ويكون الوسيط هو المستفيد من الزيادة على الثمن الذي تساويه نقدا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا كان البنك يشتري السيارة من مالكها ثم يبيعها عليك بعدما يشتريها ويقبضها فإنه لا حرج في ذلك، ولو كان بأكثر مما اشتراها به.
أما إذا كان الذي يبيعها عليك مالكها الأول والبنك يقوم بدفع القيمة له ويقوم البنك بأخذ الربح مقابل ذلك، فإنه لا يجوز؛ لأنه بيع الدراهم بدراهم، وهو محرم، لأنه ربا" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (19/36) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5121)
هل يقوم الشيك مقبول الدفع مقام القبض؟
[السُّؤَالُ]
ـ[طلب مني المدير أن أحرر شيكاً لصراف بالعملة المحلية لنسحب منه المبلغ بالدولار حسب سعر السوق، ولكن الوقت قد فات لكون البنوك قد أغلقت في نهاية النهار ليوم الخميس، والمبلغ يجب أن يحول للخارج في ذلك اليوم، لكون صاحبه في ورطة. فذهبنا بالشيك، واستلمنا المبلغ، وتم تحويله. مع العلم أنه يوجد رصيد كافي في البنك، بالإضافة إلى وجود ثقة بيننا وبين الصراف الذي نتعامل معه، فهل هذا الفعل جائز بارك الله فيكم، مع العلم أن البنوك في بلدنا تأخذ عمولة عند التصديق على الشيكات؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يطلق القبض لغة على تَنَاوُل الشَّيْءِ بِجَمِيعِ الْكَفِّ، وَمِنْهُ قَبْضُ السَّيْفِ وَغَيْرِهِ، وَيُقَال: قَبَضَ الْمَال، أَيْ أَخَذَهُ، وَقَبَضَ الْيَدَ عَلَى الشَّيْءِ، أَيْ جَمَعَهَا بَعْدَ تَنَاوُلِهِ.
وأما في الاصطلاح، فالمراد به: حِيَازَةُ الشَّيْءِ وَالتَّمَكُّنُ مِنْهُ، سَوَاءٌ أَكَانَ مِمَّا يُمْكِنُ تَنَاوُلُهُ بِالْيَدِ أَمْ لَمْ يُمْكِنْ، قَال الْكَاسَانِيُّ: مَعْنَى الْقَبْضِ هُوَ التَّمْكِينُ وَالتَّخَلِّي وَارْتِفَاعُ الْمَوَانِعِ عُرْفًا وَعَادَةً حَقِيقَةً.
والقبض إما أن يكون حقيقيا، وتختلف كيفيته بحسب اختلاف الشيء المقبوض؛ أو يكون قبضا حكميا، والقبض الحكمي ـ عند الفقهاء ـ يقوم مقام القبض الحقيقي، وتترتب أحكام القبض الحقيقي عليه، وإن لم يكن متحققا حسا وواقعا؛ وذلك لضرورات ومسوغات تقتضي اعتباره تقديرا وحكما.
انظر: "الموسوعة الفقهية الكويتية" (32-257-265) .
وقد اعتبر العلماء استلام صاحب الحق للشيك، قابل الصرف، بحقه، من الصور المعاصرة للقبض الحكمي.
جاء في قرار رقم (55/4/6) لمجمع الفقه الإسلامي، بشأن القبض وصوره، ما يلي:
" أولاً: قبض الأموال كما يكون حسيًا في حالة الأخذ باليد، أو الكيل أو الوزن في الطعام، أو النقل والتحويل إلى حوزة القابض، يتحقق اعتبارًا وحكمًا بالتخلية، مع التمكين من التصرف، ولو لم يوجد القبض حسًا. وتختلف كيفية قبض الأشياء بحسب حالها واختلاف الأعراف فيما يكون قبضًا لها.
ثانيًا: إن من صور القبض الحكمي المعتبرة شرعًا وعرفًا.
1- القيد المصرفي لمبلغ من المال في حساب العميل في الحالات التالية:
(أ) إذا أودع في حساب العميل مبلغ من المال مباشرة أو بحوالة مصرفية.
(ب) إذا عقد العميل عقد صرف ناجز بينه وبين المصرف في حالة شراء عملة بعملة أخرى لحساب العميل.
(ج) إذا اقتطع المصرف - بأمر العميل - مبلغًا من حساب له إلى الحساب آخر بعملة أخرى، في المصرف نفسه أو غيره، لصالح العميل أو لمستفيد آخر، وعلى المصارف مراعاة قواعد عقد الصرف في الشريعة الإِسلامية.
ويغتفر تأخير القيد المصرفي بالصورة التي يتمكن المستفيد بها من التسلم الفعلي، للمدد المتعارف عليها في أسواق التعامل. على أنه لا يجوز للمستفيد أن يتصرف في العملة خلال المدة المغتفرة إلاَّ بعد أن يحصل أثر القيد المصرفي بإمكان التسلم الفعلي.
2- تسلم الشيك إذا كان له رصيد قابل للسحب بالعملة المكتوب بها عند استيفائه وحجزه المصرف ". انتهى.
"مجلة مجمع الفقه الإسلامي" (6/1/771-772) .
وقال علماء اللجنة:
" قبض الشيك، أو ورقة الحوالة، حكمه حكم القبض في المجلس " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (13/448)
وعلى ذلك:
فالمعالة الواردة في السؤال جائزة، إذا كان الشيك مصدقا، وتم تلسيمه للصراف عند القيام بعملية التحويل المذكورة، على أن يكون بسعر يومه.
والله تعالى أعلم.
راجع السؤال رقم (110938) – (114733)
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(5/5122)
يبيع المعرض سلعة لمن يشتريها، ثم يبيعها على شخص يعود لبيعها على المعرض
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل محاسبا وكاتبا للعقود لدى معرض لبيع الأدوات الكهربائية بالتقسيط، وصورتها كالتالي: يأتي من لديه حساب بالمعرض بمشتري؛ فنبيع له من حسابه ما يريد أن يشتريه منه الزبون الذي جاء به، وعند ما نبيع له من حسابه ما يريد من مكيفات (مثلا) ونضع اسمه على بضاعته التي اشتراها من حسابه عند المعرض؛ ويكون ثمن المكيف الواحد 1075، يبيعها هو بدوره للزبون بالآجل بمبلغ يتفقان عليه (مثلا بـ 1800) ، على شكل أقساط كل شهر بـ100 ريال. ثم يشتريها المعرض من الزبون- إذا أراد الزبون أن يبيعها للمعرض- وهو الغالب فيمن يشتري بالتقسيط؛ لأن غرضه الأساسي فيما يبدو لي أنه يريد نقودا كاش- بمقدار 1000 ريال للمكيف الواحد. ويسلمها له المعرض في الحال. السؤال: هل هذه الصورة صحيحة في البيع. وهل يجوز لي العمل مع هذا المعرض، علما بأني أنا من يباشر هذه العملية بالكامل. . وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه الصورة التي ذكرت حيلة ربوية محرمة، وتسمى عند أهل العلم بالحيلة الثلاثية أو المثلثة، وقد نبه عليها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وغيره. قال: " أو يواطئا ثالثا على أن يبيع أحدَهما عرَضا، ثم يبيعه المبتاع لمعامِله المرابي، ثم يبيعه المرابي لصاحبه، وهي الحيلة المثلثة " انتهى من مجموع الفتاوى (29/28) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وكذلك انتشرت حيلة سابقة، يأتي الفقير إلى شخص فيقول: أنا أحتاج ألف ريال، فيذهب التاجر إلى صاحب دكان عنده أكياس أرز أو أي شيء، فيشتري التاجر الأكياس من صاحب الدكان مثلا بألف ريال، ثم يبيعها على المحتاج بألف ومائتين، ونحن نعلم أنه لا يجوز أن يباع قبل قبضه، فكيفية القبض عندهم أن يمسح على الأكياس بيده، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم، فهل هذا قبض؟! هذا يسمى عدّا لا يسمى قبضا، لكن كانوا يفعلون هذا. بعد ذلك يأتي الفقير إلى صاحب الدكان الذي عنده هذه الأكياس، ويبيعها عليه بأقل مما اشتراها منه التاجر، لأن الفقير يريد الدراهم ولا يريد أكياس طعام، فمثلا يبيعها على صاحب الدكان بألف إلا مائة ريال، فيؤكل المسكين الفقير من الجانبين، من جانب التاجر الأول ومن صاحب الدكان، فصاحب الدكان أخذ منه مائة ريال، والتاجر أخذ مائتين زائدا على الألف، وهذه سماها شيخ الإسلام رحمه الله المسألة الثلاثية، لأنها مكونة من ثلاثة أشخاص، ومسائل الربا لا تحل بالحيل.
واعلم أنه كلما احتال الإنسان على محرم لم يزدد إلا خبثا، فالمحرم خبيث، فإذا احتلت عليه صار أخبث؛ لأنك جمعت بين حقيقة المحرم وبين خداع الرب عز وجل، والله سبحانه لا تخفى عليه خافية، وإنما الأعمال بالنيات " انتهى من "الشرح الممتع" (8/211) .
فهذه المعاملة فيها مخالفتان:
الأولى: بيع الطرف الثاني (صاحب الحساب) السلعة في مكانها دون قبضها وحوزها إليه.
والثانية: إعادة بيع السلعة على المعرض والتواطؤ على ذلك بحيث تبدو المعاملة كأنها بيع، وحقيقتها القرض الربوي المحرم، والسلعة في مكانها. فكأن الزبون اقترض (1000) ليسدده (1800) وقد استفاد المعرض والطرف الثاني من هذه العملية المحرمة.
وإذا كان الأمر كذلك فإنه لا يجوز العمل في هذا المجال المحرم، ويلزمك نصح صاحب المعرض وبيان تحريم هذه المعاملة، ولا يجوز لك أن تتولى كتابة مثل هذه المعاملة، أو متابعة حساباتها؛ ولك أن تعمل في المعرض في مجال آخر مباح، إن كان ذلك ممكنا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5123)
شراء السلع عن طريق نظام التقسيط من ساب أمانة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأيك بنظام التقسيط من ساب أمانة، وهو كالآتي حسب فهمي وسؤالي عنه: إذا أردت شراء سلعة من محلات متخصصة بالالكترونيات تقوم بدفع قيمة 10% من قيمته للبائع وهو المحل الخاص بالالكترونيات وليست للبنك، والباقي يقوم البنك بتقسيطه واستقطاعه من راتبك. وبأخذ فوائد أو هامش ربح خلال المدة قلت أو كثرت؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز شراء السلع بالنظام المذكور؛ لأن البنك يشترط غرامة في حال التأخير في السداد، وقد جاء مصرحا بذلك في دعايته لهذا النظام في موقع البنك على الإنترنت، ونصه: " لتفادي غرامة التسديد المتأخر يجب السداد في تاريخ الاستحقاق ".
واشتراط غرامة التأخير ربا صريح، سواء أخذ البنك الغرامة لنفسه أو وزعها على الفقراء، وقد صدر بذلك قرار من مجمع الفقه الإسلامي رقم: 133 (7/14) في دورته الرابعة عشرة بالدوحة ونصه: " إذا تأخر المشتري المدين في دفع الأقساط عن الموعد المحدد فلا يجوز إلزامه أي زيادة على الدين بشرط سابق، أو بدون شرط، لأن ذلك ربا محرم " انتهى نقلاً عن فقه المعاملات الحديثة للدكتور عبد الوهاب أبو سليمان ص (571) .
هذا إضافة إلى ما يكتنف المعاملة من إشكالات أخرى: فإن كان البنك سيشتري السلعة من البائع، فلا يحل له بيعها حتى ينقلها من هذا المحل الذي يبيعها، إلى مكان آخر خاص بالبنك.
وإن لم يكن البنك سيشتريها من المحل، وهذا هو الظاهر الذي يدل عليه ما ورد في السؤال، بدليل أن المشتري سيدفع جزءا من الثمن للبائع الأصلي: فكل ما سيفعله البنك هنا أنه سيدفع باقي الثمن إلى البائع، على سبيل القرض للمشتري، ويحصل معه فائدة ربوية، كما ورد في السؤال: فهذا ربا من أصل المعاملة، بغض النظر عن فائدة التأخير المذكورة أولا.
والحاصل أنه لا يجوز شراء السلع بهذا النظام لما ذكرنا من اشتراط غرامة في حال التأخير، وهو شرط ربوي لا يجوز قبوله ولو كان المشتري عازما على السداد في الوقت. ولما فيها من المخالفات الأخرى التي ذكرناها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5124)
تحويل الأموال إلى المُصَدَّر بعملة أجنبية عن طريق البنك
[السُّؤَالُ]
ـ[أقوم باستيراد وتصدير بعض السلع، وبالنسبة للصرف عندما نريد صرف العملة الوطنية إلى عملة أجنبية للأداء. نقوم بالاتصال بوكيل بالبنك ليبحث لنا عن ثمن الصرف الأرخص ثم عندما نوافق عليه يقوم بتحويل مالنا بالبنك الموجه إلى صاحب السلعة بالخارج بالعملة المرادة حيث إننا لا نقبض المال بأيدينا، إنما بمجرد الأوراق أو الهاتف. هل هذا جائز؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تحويل العملة الوطنية عن طريق البنك إلى عملة أجنبية تستلمها الشركة المُصَدِّرة في بلدها، هو بيع عملة بعملة، وهو جائز إذا حصل القبض بينك وبين البنك المحول في مجلس العقد، والقبض إما يكون قبضاً للمال نفسه، أو يكون قبضاً للشيك أو ورقة الحوالة.
وقد جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء" (13/448) :
"يجوز تحويل الورق النقدي لدولة إلى ورق نقدي لدولة أخرى ولو تفاوت العوضان في القدر، لاختلاف الجنس، لكن بشرط التقابض في المجلس، وقبض الشيك، أو ورقة الحوالة حكمه حكم القبض في المجلس" انتهى.
ويجوز للبنك أن يأخذ عمولة على التحويل، فقد جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/369) :
" وأما بالنسبة لتحويل النقود من بنك لآخر ولو بمقابل زائد يأخذه البنك المحول فجائز؛ لأن الزيادة التي يأخذها البنك أجرة له مقابل عملية التحويل " انتهى.
وعلى هذا، فلا حرج عليكم من تحويل الأموال بالصورة المذكورة، ويكفي قبضكم للأوراق التي تثبت التحويل، أما مجرد الإخبار بالهاتف أنه تم التحويل، فلا يكفي، لأن هذا لا يكون قبضاً.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(5/5125)
يريد أن يكمل دراسة الاقتصاد ويسأل عن العمل في بنك ربوي، وما هو البديل المباح؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب سنة أولى في الجامعة، تخصصي اقتصاد، وأعمال، ورياضيات، وأفكر - بإذن الله - أن أواصل مشواري المهني في مجال الاقتصاد، ولكنه قد نما إلى مسمعي أن هذا المجال حرام؛ لأنه يتعامل مع الربا، فهل حرام أن أعمل مثلاً في البنك الوطني في إنجلترا؟ وهل من الممكن أن تذكروا خمسة أعمال جائزة وليس فيها شبهة يمكن لمن هذا تخصصه أن يعمل فيها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لتعلم أخي السائل أن إقامة المسلم في دولة غير إسلامية ينطوي على مخاطر كثيرة على دين المسلم وأخلاقه، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها نهياً شديداً، ولجواز إقامة المسلم في تلك البلاد شروط ذكرها العلماء، من أهمها: أن يكون قادراً على إظهار دينه.
ولمزيد الفائدة يراجع جواب السؤال: (13363) و (14235) و (27211) .
ثانياً:
دراسة علم "الاقتصاد" لا بأس به، فإنه علم اجتماعي يبحث في سلوك الأفراد أو الفرد كمنتج أو مستهلك أو مدخر أو مستثمر.. إلخ. ويهدف إلى رفع الكفاءة الإنتاجية والاستغلال الأمثل للموارد المتاحة، وزيادة الإنتاج في المستقبل.
وكذلك علم "إدارة الأعمال" لا بأس به من حيث الأصل، فإنه علم وفن استخدام الموارد المتاحة، في مشروع أو تنظيم ما على أفضل الوجوه الممكنة كَمّا وكيفاً وتكلفةً وزمناً للوصول إلى أهداف محددة.
لكن هناك محاذير في طبيعة كثير من المواد الواقعة تحت بنود تلك الدراسات، وهي التي تتعلق بالربا، والسندات والتأمين، وغيرها، مما لا يجوز العمل به.
وهذا ما يجعل فرص العمل تضيق على من درس هذه العلوم، فأكثر المصانع، والشركات، والمؤسسات تتعامل بالربا، في إيداعها، واقتراضها، وإقراضها.
والربا قد صار ركناً أساسياً من أركان الاقتصاد المعاصر.
وقد سبق بيان تحريم العمل في البنوك الربوية، مهما كان هذا العمل بعيداً عن الربا، وانظر جواب السؤال رقم (26771) و (21113) .
وأما الشركات والمؤسسات التي لها بعض التعاملات المحرمة، غير أن نشاطها في الأصل مباح، فلا حرج من العمل فيها في قسم بعيد عن مباشرة الحرام أو الإعانة عليه.
وانظر جواب السؤال رقم (31781) .
وأما "الرياضيات" فتعلمها وتعليمها أسلم، حيث تختلف في طبيعتها عن "الاقتصاد" و "إدارة الأعمال"، وتختلف تبعاً لذلك طبيعة أعمال الخريجين من كل تخصص، وليس فيها مباشرة للربا أو معاونة عليه.
ومن الأعمال الشرعية التي نقترحها عليك مما يتعلق بالتخصصات المذكورة:
1. العمل في تدريس مادة "الرياضيات".
2. العمل في قسم من أقسام شركة أو مؤسسة نشاطها مباح، وإن كان لها بعض المعاملات المحرمة، كالربا وغيره، بشرط أن يكون هذا القسم الذي تعمل فيه لا علاقة له بالمعاملات المحرمة، ولا يعين عليها.
3. العمل في محل لـ " الصرافة "، بشرط الالتزام بالأخذ والإعطاء يداً بيد، دون تأخير.
4. العمل في أي قسم يتعلق بتخصصك إن كانت الشركة إسلامية، وتتحرى الحلال في عملها.
5. العمل في متابعة ومراجعة أعمال وأنشطة الشركات والمؤسسات ذات الأعمال المباحة.
كما يمكنك القيام بأعمال حرَّة، في البيع والشراء، دون ارتباط بمؤسسة، أو شركة، وهو خير من كل ما ذكرناه؛ لأنك تتحكم بعملك وموافقته للشرع.
ونسأل الله تعالى أن يرزقك رزقاً حسناً، وأن ييسر لك أمرك، ويوفقك لما فيه رضاه.
ولمزيد الفائدة حول دراسة المحاسبة والعمل بمجالها: انظر جواب السؤال رقم: (103181) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5126)
تقترض الوزارة من البنك بفائدة وتقرض العاطلين بدون فائدة
[السُّؤَالُ]
ـ[إخواني الأعزاء: إني من العراق وأسكن بغداد، حاصل على شهادة البكالوريوس في علوم الحاسبات، عاطل عن العمل حيث أعمل أعمالاً حرة لا تسد حاجتي لأن واردها قليل والحمد لله على كل شيء، وإني مسجل في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية مع العاطلين عن العمل منذ بدء الاحتلال لبلدي على أمل أن تهيأ لي هذا الدائرة عملاً وظيفياً في أحد دوائر الدولة، ولكن منذ بداية عام 2004 ولحد هذه اللحظة لا يوجد أي شي، ولكن في الآونة الأخيرة ارتأت هذه الوزارة بمقترح: " المشاريع الصغيرة " وكنت من الذين اختيروا عن طريق القرعة، حيث سيقومون بإعطائي قرضاً من أجل مشروع صغير والسداد يكون على أساس مدة سهلة ومريحة بالنسبة لي، ولكن المشكلة أن القرض سوف يتم صرفه عن طريق مصرف، بالنسبة لي سيكون السداد بدون فائدة ولكن المصرف سيقوم بأخذ الفائدة من الدائرة المعنية والتي قامت باقتراح وتنفيذ هذا المشروع، أي أنني سوف أقوم بتسديد المبلغ نفسه بدون فائدة والفائدة سوف تدفعها الدولة إلى المصرف فهل هذا يعتبر من ضمن القروض الربوية؟ وهل يجوز لي أخذ هذا القرض أم لا؟ جزاكم الله خيراً ووفقكم لما هو خير الإسلام والمسلمين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الأمر كما ذكرت، فلا حرج في أخذك هذا القرض؛ لأنه قرض حسن بغير فائدة. وكون المقرض لك – وهو الدائرة المعنية – اقترضت هذا المال بالربا، لا يضرك؛ لكونك لم تتعامل بالربا، ولأن من يقترض بالربا يملك المال الذي اقترضه على الراجح من أقوال العلماء، ويجوز له التصرف فيه بالهبة أو القرض أو غيره، مع إثمه ومعصيته في تعامله بالربا.
وينظر: "المنفعة في القرض" لعبد الله بن محمد العمراني، ص 245- 254.
ونسأل الله أن ييسر أمرك ويقضي حاجتك ويبارك لك في رزقك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5127)
كتب والده شهادة استثمار باسمه فماذا يفعل في فوائدها الربوية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب عمري 21، منذ 10 سنوات اشترى أبي شهادة استثمارية من النوع أمن البنك الأهلي المصري قيمتها 10000 وكتبها باسمي، والآن أصبحت قيمتها 30000 وجاء موعد استلامها، وأنا أعلم أن هذه الزيادة حرام يجب التخلص منها، ولكن أبي يرفض هذا ويقول إن هذه الزيادة ليست حراماً مستندا على فتاوى المفتي. ولكني أصررت على موقفي فقال لي اعتبر أن هذه ال30000 هبة مني لك فهل يجوز أن آخذها على أنها هبة؟ وإذا كانت الإجابة بلا، فهل يجوز أن أترك لأهلي ال20000 الزياده مخافة غضبهم أو حدوث فتنة بالبيت (علماً بأنني ما زلت طالباً وأبي هو الذي ينفق علي ولا أستطيع أن أستقل بذاتي عنه) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
شهادات الاستثمار التي تصدرها البنوك الربوية بأنواعها الثلاثة (أ) و (ب) و (ج) كلها محرَّمة.
وهذه الشهادات عبارة عن سندات ديْن بفائدة، وهي تختلف باختلاف نوعها، فشهادات استثمار الفئة (أ) تكون فائدتها نسبة مئوية، وتضاف هذه الفائدة إلى أصل قيمة الشهادة، إلى أن ينتهي أجل الشهادة بعد عشر سنوات.
وشهادات استثمار الفئة (ب) لها فوائد محددة، وتصرف كل شهر، أو ثلاثة أشهر، أو ستة أشهر، حسب الاتفاق مع البنك، مع بقاء رأس المال الذي لا يتعرض للنقص.
وكلا النوعين محرَّم، وهما قروض مضمونة مع فائدة مضمونة، وليستا من المضاربة في شيء، ولو كانت مضاربة لكانتا مضاربة فاسدة، لأنها لا تتوفر فيها شروط المضاربة الشرعية.
وقد صدر قرار من مجلس مجمع الفقه الإسلامي بتحريم الأنواع الثلاثة من شهادات الاستثمار، ونص القرار:
" بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.
قرار رقم (62 / 11 / 6) .بشأن (السندات) :
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من 17 إلى 23 شعبان 1410هـ الموافق 14 - 20 آذار (مارس) 1990م.
بعد اطلاعه على الأبحاث والتوصيات والنتائج المقدمة في ندوة (الأسواق المالية) المنعقدة في الرباط 20-24 ربيع الثاني 1410هـ/20-24/10/1989م بالتعاون بين هذا المجمع والمعهد الإسلامي للبحوث والتدريب بالبنك الإسلامي للتنمية، وباستضافة وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بالمملكة المغربية.
وبعد الاطلاع على أن السند شهادة يلتزم المُصْدِر بموجبها أن يدفع لحاملها القيمة الاسمية عند الاستحقاق، مع دفع فائدة متفق عليها منسوبة إلى القيمة الاسمية للسند، أو ترتيب نفع مشروط سواء أكان جوائز توزع بالقرعة أم مبلغا مقطوعاً أم خصماً.
قرر:
1. إن السندات التي تمثل التزاماً بدفع مبلغها مع فائدة منسوبة إليه أو نفع مشروط: محرَّمة شرعاً، من حيث الإصدار، أو الشراء، أو التداول؛ لأنها قروض ربوية، سواء أكانت الجهة المُصْدِرة لها خاصة، أو عامة ترتبط بالدولة، ولا أثر لتسميتها " شهادات " أو " صكوكاً استثمارية " أو " ادخارية "، أو تسمية الفائدة الربوية الملتزم بها " ربحاً " أو " ريْعاً "، أو " عمولة " أو " عائداً ".
2. تحرم أيضاً السندات ذات الكوبون الصفري، باعتبارها قروضاً يجري بيعها بأقل من قيمتها الاسمية، ويستفيد أصحابها من الفروق، باعتبارها خصماً لهذه السندات.
3. كما تحرم أيضاً السندات ذات الجوائز، باعتبارها قروضاً اشترط فيها نفع، أو زيادة، بالنسبة لمجموع المقرضين، أو لبعضهم، لا على التعيين، فضلاً عن شبهة القمار" انتهى.
ثانيا:
من تعامل بهذه الشهادات المحرمة، لزمه التوبة إلى الله تعالى، والتخلص من الزيادة المحرمة بإنفاقها في المشاريع العامة وأوجه الخير، ولا يحل له الانتفاع بها.
ثالثا:
إذا كان والدك قد كتب الشهادات باسمك، فهذا يعني أنه ملكك المال منذ عشر سنوات، فما جاء من الفائدة، فهو ملك لك لو كان مباحا، وعليه فأنت المطالب بالتخلص من الفائدة، فإن أرادها والدك، فبين له أنها مال خبيث حرام، فإن أصر فادفعها له.
واعلم أنه يجوز إعطاء الفائدة المحرمة لأحد الفقراء من أهلك أو غيرهم، أو لمساعدة مدين في قضاء دينه، وذلك بنية التخلص منها، لا الصدقة.
وعليه؛ فلو كان والدك فقيرا أو مدينا، فتخلص من الفائدة بدفعها إليه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5128)
رد تفصيلي على أدلة من أجاز التعامل بالربا مع الكفار في ديارهم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مقيم في إحدى الدول الإسكندنافية، وقد انتشرت بين المسلمين فتنة الربا، أو داء الربا - بتعبير أصح -، وذلك من خلال فتوى اعتمد عليها هؤلاء، أخذوها من دار إفتاء رسمية في إحدى الدول العربية، بدعوى أن المعاملات المالية الفاسدة مع الكافر المحارب جائزة، وينسبون ذلك لأبي حنيفة رحمه الله، وتلميذه محمد بن الحسن. وقد أرسلت لكم رابط تلك الفتوى، فنرجو الرد المفصل، لكي تكون فتواكم تبياناً للحق.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الربا من كبائر الذنوب، وقد توعَّد الله المرابين بمحق أموالهم في الدنيا، والعذاب الشديد في البرزخ ويوم القيامة.
قال الله تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275) يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (277) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ) البقرة / 275-279.
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أكل الربا من الذنوب التي يعذب بها صاحبها في القبر عذاباً شديداً. وانظر جواب السؤال رقم (8829) .
ولعل ما يحصل الآن – شهر شوال 1429هـ - من انهيار اقتصادي عالمي هو نتيجة حتمية لانتشار الربا والمجاهرة به، وهو صورة من صور " المحق " الذي توعد الله به المرابين، (وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى) طه / 127.
وإننا لنعجب أشد العجب، من هؤلاء المفتين الذين راحوا يتحايلون على تحريم الربا، أو يبحثون عن أقوال ضعيفة يفتون بها الناس، فيحلون لهم الحرام، ويمهدون لهم الطريق لارتكاب تلك الكبيرة التي هي من موبقات الذنوب، بدلاً من نهيهم عنها، وترهيبهم منها، وإرشادهم إلى طيب المأكل والملبس والمسكن، وتحذيرهم من أكل الحرام (فكل جسد نبت من حرام فالنار أولى به) .
وعقوبة المتحايل على المحرمات في الشرع معلومة، فقد مسخ الله أصحاب السبت قردةً جزاءً لهم على تحايلهم على ما حرم الله.
واجتهادات العلماء رحمهم الله مع تعظيمنا وحبنا لهم – معلوم أنها ليست شرعاً، وإنما هي اجتهادات منهم رحمهم الله للوصول إلى الصواب، فمنها ما يكون قد وافق الصواب، ومنها ما يكون خطأ، والمخطئ منهم له أجر على اجتهاده ومحاولة الوصول إلى الحق، والمصيب فيهم له أجران، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ) .
وليس لنا أن نتبعهم فيما أخطأوا فيه، بل الواجب على كل مسلم اتباع الكتاب والسنة، قال الله تعالى: (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ... ) الزمر / 55.
وقال الله تعالى عن أهل الكتاب: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ) وقد كانوا يحلون لهم الحرام، ويحرمون عليهم الحلال فيتبعونهم في ذلك، وهو ما يفعله بعض المفتين اليوم – للأسف الشديد -.
ثانياً:
مع تحريم الربا الصريح في كتاب الله تعالى، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أننا نجد من يأتي ويبيح هذا الربا الصريح بدعوى عدم شمول الربا لصورته، ويتحايل على ذلك بتغيير اسم الربا، فبدلاً من تسميتها " فوائد ربوية" يسمونها "عائد استثماري"، وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن قوم يشربون الخمر، يسمونها بغير اسمها، وجعل ذلك من أسباب خسف الأرض بهم، ومسخهم قردة وخنازير، فَفَعَلَ هؤلاء بالربا، كما فعل أولئك بالخمر، والربا أعظم تحريماً من شرب الخمر، وأشد إثماً.
وقد يبيح بعضهم الربا بدعوى أن هذه فتوى أبي حنيفة رحمه الله! وهو بالإضافة إلى الافتراء على الشرع بإباحة هذه الصورة: فهو افتراء على أبي حنيفة فإنه لم يقل ما نسبه إليه هؤلاء.
ولبيان ذلك باختصار نقول: إن من أفتى بتلك الفتيا خالف ما قاله أبو حنيفة من جهتين:
الأولى: أن هؤلاء المفتين لا يعدُّون دول الغرب " ديار حرب " – بل ولا يسمونها " ديار كفر "! -، وفتيا أبي حنيفة إنما هي في دار الحرب.
والعلماء يفرقون بين " دار الحرب " و " دار الكفر " فدار الكفر هي الدار التي يسيطر عليها الكفار ويحكمونها بقوانينهم وأنظمتهم، ودار الحرب هي دار الكفر التي ليست بينها وبين المسلمين عهد أو صلح أو أمان، فقد تكون الدار "دار كفرٍ" ولكنها ليست "دار حرب" لأن بيننا – نحن المسلمين – وبينها معاهدة أو صلحاً على ترك القتال مدة معلومة.
فالذي يريد أن يستدل بكلام أبي حنيفة يلزمه أولاً أن يصف تلك البلاد بأنها "دار حرب" فإن امتنع من ذلك، فليس له الاستدلال بكلام أبي حنيفة على ما يخالف ما قاله أبو حنيفة.
والثانية: أن أبا حنيفة يفتي بجواز أن يأخذ المسلم الربا من أهل تلك الديار! لا أن يدفع المسلمون لهم الربا! وما ذاك إلا لأن أموالهم حلال للمسلمين باعتبارهم دار حرب، فالاستيلاء عليها بهذه الصورة عنده جائز.
فانظر أيها المسلم، وقارن، بين ما أفتاه ذلك الإمام – مع مخالفتنا له – وبين ما يفتي به هؤلاء لترى الفرق الشاسع بينهما، في الصورة، والحكم.
فالشروط عند أبي حنيفة ومن وافقه من الحنفية لجواز التعامل بالربا:
1. أن يكون العقد في أرضهم.
2. أن تكون دارهم "دار حرب".
3. أن يكون المسلم هو الآخذ للربا لا المعطي.
وانظر: " المبسوط " (14 / 56) .
والصحيح – وهو ما ذهب إليه أكثر العلماء، ومنهم الأئمة: مالك والشافعي وأحمد -: أن الربا محرَّم بين مسلم ومسلم، وبين مسلم وكافر في ديار الإسلام، أو ديار الكفر، أو ديار الحرب.
قال ابن قدامة المقدسي رحمه الله:
" ويحرم الربا في دار الحرب، كتحريمه في دار الإسلام، وبه قال مالك، والأوزاعي، وأبو يوسف، والشافعي، وإسحاق.
لقول الله تعالى: (وحرَّم الربا) البقرة/ 275، وقوله: (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس) البقرة/ 275، وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا) البقرة/ 278، وعموم الأخبار يقتضي تحريم التفاضل، وقوله: (من زاد أو ازداد فقد أربى) عام، وكذلك سائر الأحاديث؛ ولأن ما كان محرما في دار الإسلام: كان محرما في دار الحرب، كالربا بين المسلمين" انتهى باختصار.
" المغني " (4 / 47) .
وقال أيضاً:
" من دخل إلى أرض العدو بأمان: لم يخنهم في مالهم، ولم يعاملهم بالربا " انتهى.
وقال أيضاً:
" أما تحريم الربا في دار الحرب: فقد ذكرناه في الربا، مع أن قول الله تعالى: (وحرَّم الربا) ، وسائر الآيات، والأخبار الدالة على تحريم الربا: عامة، تتناول الربا في كل مكان، وزمان " انتهى.
" المغني " (9 / 237) .
وقال النووي رحمه الله:
" الربا يجري في دار الحرب جريانه في دار الإسلام، وه قال مالك وأحمد وأبو يوسف، ودليلنا: عموم الأدلة المحرمة للربا , فلأن كل ما كان حراماً في دار الإسلام: كان حراماً في دار الشرك , كسائر الفواحش والمعاصي ; ولأنه عقد فاسد فلا يستباح به المعقود عليه كالنكاح " انتهى.
ثالثاً:
استدل الحنفية قديماً – ومن قلَّدهم حديثاً - بأدلة ضعيفة من حيث السند، وضعيفة من حيث الاستدلال.
فمن أدلتهم التي استدلوا بها:
1. ما روى مكحول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا ربا بين مسلم وحربي في دار الحرب) .
وأجيب عن هذا الاستدلال: بأن الحديث مرسل لأن "مكحول" من التابعين، والمرسل من أقسام الضعيف، وقد ضعفه الإمام الشافعي، وابن حجر، والنووي، وآخرون.
قال الإمام الشافعي رحمه الله:
" وما احتج به أبو يوسف لأبي حنيفة ليس بثابت، فلا حجة فيه " انتهى.
" الأم " (7 / 358، 359) .
وقال النووي رحمه الله:
" والجواب عن حديث مكحول: أنه مرسل ضعيف فلا حجة فيه، ولو صح لتأولناه على أن معناه: " لا يباح الربا في دار الحرب "؛ جمعاً بين الأدلة " انتهى.
" المجموع " (9 / 488) .
وقال ابن حجر رحمه الله:
لم أجده.
" الدراية في تخريج أحاديث الهداية " (2 / 158) .
2. استدلوا بحديث بني قينقاع، قالوا: فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين أجلاهم قالوا: إن لنا ديونًا لم تحل بعد، فقال: (تَعَجَّلُوا أو ضَعُوا) ، ولمَّا أجلى بني النضير قالوا: إن لنا ديونًا على الناس، فقال: (ضعوا أو تعجلوا) .
وَبيَّن السرخسي وجه الدلالة فقال: " ومعلوم أن مثل هذه المعاملة - الربا المتمثل في قوله: " ضعوا أو تعجلوا " - لا يجوز بين المسلمين؛ فإنَّ من كان له على غيره دَيْن إلى أجل فوضع عنه بشرط أن يعجل بعضه: لم يجُز، كره ذلك عمر، وزيد بن ثابت، وابن عمر رضي الله عنهم، ثم جوزه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حقهم؛ لأنهم كانوا أهل حرب في ذلك الوقت ولهذا أجلاهم، فعرفنا أنه يجوز بين الحربي والمسلم ما لا يجوز بين المسلمين " انتهى.
وأجيب عن هذا بأن الحديث ضعيف، لا يصح.
أما حديث بني قينقاع: فرواه الواقدي في مغازيه، وحديث بني النضير: رواه الحاكم في " المستدرك " (2 / 61) والدارقطني في " السنن " (3 / 46) والبيهقي في " السنن " (6 / 28) ، وفيه: مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزَّنْجِىُّ الْمَكِّىُّ، قال عنه الإمام البخاري: منكر الحديث. ولذلك لما قال الحاكم عن هذا الحديث: صحح الإسناد ولم يخرجاه، تعقبه الذهبي بقوله: الزنجي ضعيف، وعبد العزيز ليس بثقة. وقال الدارقطني بعد إخراجه لهذا الحديث: في إسناده مسلم بن خالد وهو سيء الحفظ ضعيف، وقد اضطرب في هذا الحديث. وقد حسن ابن القيم هذا الحديث. كما في أحكام أهل الذمة 1/396.
ثم هذه المسألة معروفة عند الفقهاء بمسألة " ضَعْ وتعجل ". وهي أن يكون لشخص دين مؤجل على شخص آخر فيتفقان على تعجيل الدَّين مقابل إسقاط بعضه، وقد اختلف الفقهاء في جوازها. والصحيح أنها جائزة، وليست من الربا في شيء، وبناء على ذلك يكون احتجاج الأحناف بها على جواز الربا بين المسلم والحربي غير صحيح، بل هي جائزة كذلك بين المسلم والمسلم.
وعلى رأس المجيزين لها الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنه، وأيده بالجواز شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وأفتى بجوازها علماء اللجنة الدائمة، والشيخ العثيمين، وصدر بذلك قرار من " مجمع الفقه الإسلامي " وأجازها ابن عابدين من فقهاء الأحناف.
وانظر حاشية ابن عابدين (5/160) .
قال ابن القيم رحمه الله:
" إذا كان له على رجل ديْن مؤجل، وأراد ربُّ الدَّين السفر، وخاف أن يَتْوى ماله – أي: يذهب ويضيع -، أو احتاج إليه، ولا يمكنه المطالبة قبل الحلول، فأراد أن يضع عن الغريم البعض، ويعجل له باقيه: فقد اختلف السلف، والخلف في هذه المسألة:
فأجازها ابن عباس، وحرمها ابن عمر، وعن أحمد فيها روايتان، أشهرهما عنه: المنع، وهي اختيار جمهور أصحابه.
والثانية: الجواز، حكاها ابن أبي موسى، وهي اختيار شيخنا – أي: ابن تيمية -.
وحكى ابن عبد البر في " الاستذكار " ذلك عن الشافعي قولاً، أصحابه لا يكادون يعرفون هذا القول، ولا يحكونه، وأظن أن هذا إن صح عن الشافعي فإنما هو فيما إذا جرى ذلك بغير شرط، بل لو عجل له بعض دينه - وذلك جائز - فأبرأه من الباقي حتى لو كان قد شرط ذلك قبل الوضع والتعجيل، ثم فعلاه بناء على الشرط المتقدم: صح عنده؛ لأن الشرط المؤثر في مذهبه: هو الشرط المقارن، لا السابق، وقد صرح بذلك بعض أصحابه، والباقون قالوا: لو فعل ذلك من غير شرط: جاز، ومرادهم: الشرط المقارن.
وأما مالك: فإنه لا يجوزه مع الشرط، ولا بدونه؛ سدّاً للذريعة، وأما أحمد: فيجوزه في ديْن الكتابة، وفي غيره عنه روايتان ... .
وهذا ضد الربا؛ فإن ذلك [يعني: الربا] يتضمن الزيادة في الأجل والدَّيْن، وذلك إضرار محض بالغريم، ومسألتنا تتضمن براءة ذمة الغريم من الدين، وانتفاع صاحبه بما يتعجله، فكلاهما حصل له الانتفاع من غير ضرر، بخلاف الربا المجمع عليه، فإن ضرره لاحق بالمدين، ونفعه مختص برب الدَّيْن، فهذا ضد الربا، صورة، ومعنى" انتهى.
" إغاثة اللهفان " (2 / 11 - 13) .
وانظر قول اللجنة الدائمة، ومجمع الفقه الإسلامي في جواب السؤال رقم: (13945) .
3. ومما استدلوا به: ما وقع عند مصارعته صلى الله عليه وآله وسلم رُكانة حين كان بمكة، فصرعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في كل مرة بثلث غنمه، ولو كان مكروهًا ما فعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم لما صرعه في المرة الثالثة قال ركانة: ما وضع أحد جنبي إلى الأرض، وما أنت الذي تصرعني، فرد رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم الغنمَ عليه.
يقول السرخسي: " وإنما رد الغنم عليه تَطَوُّلاً منه عليه، وكثيرًا ما فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع المشركين يؤلفهم به حتى يُؤمِنوا ".
وهم يريدون بهذا: الاستدلال على جواز معاملة الكفار بالعقود الفاسدة المحرمة شرعاً، لأن الرهان (وهو الميسر) محرمٌ في شرعنا تحريماً أكيداً.
وأجيب عن هذا الاستدلال بأن مصارعة النبي صلى الله عليه وسلم لركانة تحمل على أحد وجهين:
الأول: أن هذا من الأحكام المنسوخة، لأنه كان في مكة قبل تشريع تحريم الميسر في المدينة، وهذا هو قول جمهور العلماء.
ب. الثاني: أن هذا من الأفعال الجائزة إلى يوم القيامة، وهو داخل في الرهان المباح، لأن المقصود منه نصرة الإسلام، وكل ما كان كذلك فهو مباح عند جماعة من العلماء، وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم رحمهما الله، وبهذا يرد أيضاً على استدلالهم بمراهنة الصدِّيق للمشركين في مكة – كما سيأتي إن شاء الله – وهذا الرهان يُلحق حكمه بالحديث الوارد في السنن، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا سَبَقَ إِلَّا فِي نَصْلٍ أَوْ خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ) . رواه أبو داود (2574) والترمذي (1700) صححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
السَّبَق: العِوض، والجائزة، يبذلان للسابق.
قال ابن القيم رحمه الله:
" وإذا ثبت هذا: فهو دليل على المراهنة من الجانبين بلا محلل، وهو نظير مراهنة الصدِّيق؛ فإن كل واحدة منهما مراهنة على ما فيه ظهور الدين، فإن ركانة هذا كان من أشد الناس، ولم يُعلم أن أحداً صرعه، فلمَّا صرعه النبي صلى الله عليه وسلم علِم أنه مؤيد بقوة أخرى من عند الله، ولهذا قال: (والله ما رمى أحد جنبي إلى الأرض) ، فكان لا يُغلب فأراد النبي صلى الله عليه وسلم بمصارعته إظهار آيات نبوته وما أيده الله به من القوة والفضل، وكانت المشارطة على ذلك كالمشارطة في قصة الصدِّيق، لكن قصة الصديق في الظهور بالعلم، وهذه في الظهور بالقوة، والقدرة، والدين إنما يقوم بهذين الأمرين: العلم، والقدرة، فكانت المراهنة عليهما نظير المراهنة على الرمي، والركوب؛ لما فيهما من العون على إظهار الدين وتأييده، فهي مراهنة على حق، وأكل المال بها أكل له بالحق، لكن النبي صلى الله عليه وسلم لمَّا كان غرضه إعلاء الحق وإظهاره: ردَّ عليه المال، ولم يأخذ منه شيئاً، فأسلم الرجل، وهذه المراهنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدِيقه هي من الجهاد الذي يظهر الله به دينه، ويعزه به، فهي من معنى الثلاثة المستثناة في حديث أبي هريرة، ولكن تلك الثلاثة جنسها يعد للجهاد، بخلاف جنس الصراع؛ فإنه لم يعد للجهاد، وإنما يصير مشابها للجهاد إذا تضمن نصرة الحق وإعلائه، كصراع النبي ركانة، وهذا كما أن الثلاثة المستثناة إذا أريد بها الفخر والعلو في الأرض وظلم الناس: كانت مذمومة، فالصراع، والسباق بالأقدام، ونحوهما: إذا قصد به نصر الإسلام: كان طاعة، وكان أخذ السبق به حينئذ أخذاً بالحق، لا بالباطل، والأصل في المال أن لا يؤكل إلا بالحق، لا يؤكل بباطل، وهو ما لا منفعة فه ... .
فهذا الأثر يدل على جواز المراهنة من الجانبين بدون محلل، في عمل يتضمن نصرة الحق، وإظهار أعلامه، وتصديق الرسول صلاة الله وسلامة عليه " انتهى باختصار.
" الفروسية " (203 – 205) .
فيتبين بهذا عدم صلاحية ما استدلوا به من مصارعة النبي صلى الله عليه وسلم لركانة في مكة على جواز العقود الفاسدة مع الكفار في دار الحرب، فهو على قول الجمهور منسوخ بتحريم الميسر على اعتبار أن الرهان من جهتين من أنواع الميسر، أو على القول الآخر – وهو الأرجح -: أن الفعل جائز، وأن له حكم ما ذُكر في حديث أبي هريرة من جواز الرهان على سباق الخيل، والإبل، والرماية بالسهم، وما يشبه هذه مما يستعان بها على نصرة الإسلام.
4. ومما استدلوا به قولهم: وما قاله صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه عنه ابن عباس رضي الله عنهما وغيره، قال: قال صلى الله عليه وآله وسلم: (أَلاَ وَإِنَّ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ تَحْتَ قَدَمَيَّ، وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُهُ رِبَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؛ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ) .
ووجه الدلالة في هذا الحديث: " أن العباس رضي الله تعالى عنه بعدما أسلم بعد أن جيء به أسيرًا في غزوة بدر استأذن رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم في الرجوع إلى مكة بعد إسلامه، فأذن له، فكان يُرْبي بمكة إلى زمن الفتح، وكان فعله لا يخفى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلما لم ينهه عنه دل أن ذلك جائز، وإنما جعل الموضوع من ربا في دار الحرب ما لم يقبض، حتى جاء الفتح فصارت مكة دار إسلام؛ ولذا وضع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الربا عند الفتح ".
ويمكن الجواب عن هذا الاستدلال من عدة وجوه:
1. قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وأول ربا أضعه ربا العباس بن عبد المطلب) : إنما كان في حجة الوداع في العام العاشر من الهجرة، ولم يكن في فتح مكة.
فلا يصح الاستدلال به على أن العباس كان يتعامل مع أهل مكة بالربا لأنها دار حرب، لأن مكة صارت دار إسلام من حين الفتح، وكان الفتح قبل ورود هذا الحديث بأكثر من سنتين.
2. ليس عندنا دليل قطعي يفيد أن العباس رضي الله عنه كان يعلم تحريم الربا، وأنه استمر على التعامل به بعد علمه بالتحريم.
ثم إضافة الربا إلى الجاهلية في الحديث (ألا إن ربا الجاهلية موضوع) قد يفيد أن هذا الربا كان قبل إسلام العباس، لأن الجاهلية هي ما قبل الإسلام، وعلى هذا: فالمراد من الحديث أن العباس كان يتعامل بالربا قبل إسلامه، وكان له فوائد ربوية عند المقترضين، فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن أخذها، (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ) وأخبر أن هذا الربا موضوع.
قال النووي رحمه الله:
" والجواب: أن العباس كان له ربا في الجاهلية من قبل إسلامه فيكفي حمل اللفظ عليه، وليس ثَمَّ دليل على أنه بعد إسلامه استمر على الربا، ولو سُلِّمَ استمرارُه عليه ; لأنه قد لا يكون عالما بتحريمه , فأراد النبي صلى الله عليه وسلم إنشاء هذه القاعدة وتقريرها من يومئذ " انتهى.
" المجموع " (10 / 488) .
5. ومما استدلوا به قولهم: " ولأن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قامر مشركي قريش قبل الهجرة حين أنزل الله تعالى: (الم. غلبت الروم ... ) الآية " فقالت قريش له: ترون أن الروم تغلب؟! قال: نعم، فقالوا: هل لك أن تُخاطِرَنا؟ فقال: نعم، فخاطرهم، فأخبر النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (اذهب إليهم فزد في الخَطَر) ، ففعل، وغلبت الرومُ فارسًا، فأخذ أبو بكر خَطَرَه؛ فأجازه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو القمار بعينه بين أبي بكر ومشركي مكة، وكانت مكةُ دارَ شرك.
ولا يخفى أن مكة هنا أيضا لم تكن دار حرب؛ حيث كان ذلك قبل شرع الجهاد أصلا ".
ويجاب عن هذا بمثل ما أجيت عن قصة مصارعة النبي صلى الله عليه وسلم لركانة، فجمهور العلماء، يرون أن هذا منسوخ، فكان هذا قبل نزول تحريم الميسر، ويرى بعض العلماء جواز هذا الرهان وأنه ليس منسوخاً، لأن المقصود منه نصرة الإسلام. وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم.
قال ابن القيم رحمه الله:
" وقد اختلف أهل العلم في إحكام هذا الحديث ونسخه على قولين:
فادعت طائفة نسخه بنهي النبي عن الغرر، والقمار، قالوا: ففي الحديث دلالة على ذلك وهو قوله: (وذلك قبل تحريم الرهان) .
(وإلى هذا القول ذهب أصحاب مالك، والشافعي، وأحمد) .
وادعت طائفة أن محكم غير منسوخ، وأنه ليس مع مدعي نسخه حجة يتعين المصير إليها، قالوا: والرهان لم يحرَّم جملة؛ وإنما الرهان المحرَّم: الرهان على الباطل الذي لا منفعة فيه في الدين، وأما الرهان على ما فيه ظهور أعلام الإسلام، وأدلته، وبراهينه - كما قد راهن عليه الصدِّيق -: فهو من أحق الحق، وهو أولى بالجواز من الرهان على النضال، وسباق الخيل، والإبل. وإلى هذا ذهب أصحاب أبي حنيفة، وشيخ الإسلام ابن تيمية " انتهى باختصار.
" الفروسية " (ص 96 - 98) .
وقال رحمه الله:
" وقوله: (وذلك قبل تحريم الرهان) : من كلام بعض الرواة، ليس من كلام أبي بكر، ولا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم " انتهى.
" الفروسية " (ص 95) .
6. ومما قالوه في إباحة العقود الفاسدة – ومنه الربا – في ديار الحرب: " ولأن مالهم مباح فحُقَّ للمسلم أن يأخذه بلا غدر؛ لحرمة الغدر؛ لأن المسلمين لو ظهروا على ديارهم لأخذوا مالهم بالغنيمة ".
ويجاب عن هذا: بأن قولهم: ((ولأن مالهم مباح)) هذا غير صحيح، لأن كلامنا على المسلم الذي دخل ديارهم وأقام بينهم بأمان منهم [مثل التأشيرة] فيجب أن يكونوا هم أيضاً في أمان منه، فلا يجوز له الاعتداء عليهم، ولا على أموالهم، وبالتالي: فأموالهم غير مباحة له.
قال الإمام الشافعي رحمه الله: " إذا دخل قوم من المسلمين بلاد الحرب بأمان، فالعدو منهم آمنون إلى أن يغادروهم، أو يبلغوا مدة أمانهم، وليس لهم ظلمهم ولا خيانتهم " انتهى من "الأم" (4/263) .
وقال أيضاً (4/284) :
" ولو دخل رجل دار الحرب بأمان ... [فـ] قدر على شيء من أموالهم لم يحل له أن يأخذ منه شيئاً قل أو كثر، لأنه إذا كان منهم في أمان فهم منه في مثله، ولأنه لا يحل له من أمانهم إلا ما يحل له من أموال المسلمين وأهل الذمة، لأن المال ممنوع بوجوه: أولاً: إسلام صاحبه. والثاني: مال من له ذمة. والثالث: مال من له أمان إلى مدة " انتهى.
وقال النووي رحمه الله:
" وأما استباحة أموالهم إذا دخل إليهم بأمان: فممنوعة , فكذا بعقد فاسد , ولو فرض ارتفاع الأمان: لم يصح الاستدلال ; لأن الحربي إذا دخل دار الإسلام يستباح ماله بغير عقد، ولا يستباح بعقد فاسد , ثم ليس كل ما استبيح بغير عقد استبيح بعقد فاسد , كالفروج تستباح بالسبي , ولا تستباح بالعقد الفاسد ".
" المجموع " (10 / 487، 488) .
ومما سبق يتبين أنه ليس مع من أجاز العقود الفاسدة – ومنها: الربا - مع الكفار في دار الحرب دليل صحيح، والنصوص الواردة في تحريم الربا عامة، لا ينبغي لأحدٍ أن يستثني من التحريم مكاناً، ولا زماناً، ولا أفراداً.
ونسأل الله تعالى أن يرد المسلمين إلى دينهم رداً جميلاً.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5129)
حكم فتح حساب فارغ في بنك ربوي
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا عندي حساب في بنك ولكن ما أستخدم الحساب لأن البنك يعطي ربا هل علي إثم لمجرد أن الحساب باسمي؟ الحساب فاضي ما فيه فلوس.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز الإيداع في البنك الربوي بدون فوائد لضرورة حفظ المال، إذا لم يوجد بنك إسلامي، فإن وجد، لم يجز؛ لما في ذلك من الإعانة على الإثم والعدوان، لأن البنك يستفيد من هذا المال في تشغيله في الربا.
وأما فتح الحساب دون وضع المال، فلا يظهر مانع منه، لكن ينبغي أن يكون ذلك لحاجة، وليس عبثا، منعا لتكثير أهل الباطل.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5130)
اشترى واكتتب في أسهم عن طريق القرض الربوي فماذا يفعل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[اشتريت أسهما واكتتبت بأسهم، بعض الاكتتاب أدرج بالبورصة. (عن طريق قرض ربوي وبطايق فيزا وماستر ومن راتبي وتبت لله) . كيف الطريقة إلى إحلال الأسهم والاكتتابات من الربا. للعلم مطلوب للبنك قرض وبطايق فيزا وماستر. وهل يجوز أن أبيع الاكتتابات التي أدرجت بالبورصة وأتخلص من بعض القرض والباقي من راتبي؟؟ أو أدفع ما عليّ من قرض وبطايق عن طريق بنك إسلامي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا يجوز الاقتراض بالربا، لشراء الأسهم أو لغير ذلك من الأغراض؛ لحرمة الربا وقبحه وشناعته وكونه كبيرة من كبائر الذنوب.
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278، 279.
وروى مسلم (1598) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ) .
وعلى من فعل ذلك أن يتوب إلى الله تعالى، بالندم على ما فات، والعزم على عدم العود إليه مستقبلا، ولا يلزمه إلا سداد رأس المال، إلا إن خشي ضررا فإنه يسدد الفائدة الربوية المحرمة.
وإن استطعت أن تعجل بالسداد والتخلص من التعامل مع البنك، فهذا أفضل.
ثانيا:
إذا كانت الأسهم نقية، فلا يلزمك بيعها، ولك الاحتفاظ بها ولو كنت قد اشتريتها بقرض ربوي، مع التوبة إلى الله تعالى من الربا كما سبق.
وإن كانت الأسهم محرمة أو مختلطة، لزم التخلص منها، وينظر جواب السؤال رقم (45319) .
والحاصل: أن من اشترى شيئا مباحا بقرض ربوي، فإنه يتوب إلى الله تعالى، ولا حرج عليه في الاحتفاظ والانتفاع بالشيء المباح، ولا يلزمه بيعه لسداد القرض، بل يسدد القرض في وقته، وإن عَجَّل بالسداد فهو أفضل.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5131)
هل تبيح الضرورة القرض الربوي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا بحاجه لإجراء عمليه في المعدة تكلف مليون ونصف عراقي، ولا يوجد أمامي طريق سوى أخذ سلفه من البنك، بضمان راتبي التقاعدي، علما أن الفائدة التي يأخذها البنك من السلف هي 8%، أي من 3 ملايين يعطوني مليونيين وستمائة وخمسين. فهل يجوز ذلك، ولا أملك غير هذا الطريق، علماً أن حالتي المادية وسط.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اعلم أن الواجب الأول على كل مضطر ومكروب هو: صدق اللجوء إلى الله تعالى، وقد قال سبحانه؛ فهذا هو أعظم مقام يقومه العبد في بلواه وكربه، بل هو من أعظم حكم الله تعالى في تقدير الكرب والضيق على عباده. قال الله تعالى: (وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) الأعراف /168
وأثنى الله تعالى على نفسه بتفريج كرب المضطر، فقال: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ) النمل / 62
وذم الله الغافلين عن هذا المقام، والمعرضين عنه، فقال تعالى: (وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ) المؤمنون /76. وقال أيضا: (فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) الأنعام /43.
فعليك ـ يا عبد الله ـ بهذا الأصل المنيع، وهذا الحصن الحصين، واجعل شكواك إلى الله، واستعانتك به، وتوكلك عليه، ولجوءك إليه.
وقد وعد الله تعالى المتقين بنوعين من السعة: الخروج من الضيق، والمنة بالرزق حيث قال: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق /2-3.
وأما ما سألت عنه، من أخذ القرض بضمان راتبك: فهذه الصورة ربا صريح، لا شك فيه: أن تأخذ أقل مما تدفع لدائنك، أو يشترط المقرض عليك أن تعطيه أكثر مما أعطاك.
وقد سبق في موقعنا أجوبة عديدة حول التعامل بالربا، يمكن مراجعة بعضها في قسم المعاملات.
لكن هل يجوز ـ في مثل حالك ـ أن تقترض هذا القرض الربوي، حيث لم تجد من يقرضك قرضا حسنا؟
ذهب بعض أهل العلم إلى أن مثل هذا التعامل جائز، في حالة الضرورة؛ وحال الضرورة هي الحال التي يخاف معها على المكلف من الهلاك، أو ضرر شديد، أو تلحقه مشقة لا يمكنه احتمالها.
قال أبو عبد الله الزركشي رحمه الله:
فالضرورة: بلوغه حدّاً إن لم يتناول الممنوع هلك، أو قارب؛ كالمضطر للأكل واللبس، بحيث لو بقي جائعاً أو عرياناً لمات، أو تلف منه عضو، وهذا يبيح تناول المحرم.
والحاجة: كالجائع الذي لو لم يجد ما يأكل لم يهلك، غير أنه يكون في جهد ومشقة، وهذا لا يبيح المحرَّم " انتهى.
"المنثور في القواعد" (2 / 319) .
وعلى ذلك: فإنما يجوز لك مثل هذا القرض، عند من رخص فيه، إذا كانت حالك قد بلغت حد الضرورة، وغلب على ظنك أن هذه العملية نافعة لك، وتدفع عنك الضرر والمشقة التي نزلت بك.
وكانت حالك، مع ذلك، لا يمكن تأخيرها إلى أن يتيسر لك قرض حسن، أو رزق طيب.
وقد سبق بيان مثل ذلك في جواب السؤال رقم (94823) ، فيراجع.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5132)
شركتهم تحول رواتبهم على بنك ربوي فهل يجوز أخذ قرضٍ منه دون زيادة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن إخوة لكم نعمل في شركة عامة تابعة للدولة، ولها حسابات كبيرة لدى أحد المصارف، وبالاتفاق مع الشركة، ولتقديم أفضل الخدمات: صدر قرار من مجلس إدارة المصرف بشأن الموافقة على منح قروض اجتماعية قيمتها (خمسة عشر ألف دينار) بدون فوائد لموظفي الشركة، على أن يتم استرجاعها على هيئة أقساط شهرية في مدة أقصاها 6 سنوات بالشروط التالية: 1. تعبئة النماذج الخاصة بالقروض الاجتماعية. 2. تقديم ضامن. 3. تعهد من الشركة بالاستمرار في إحالة مرتبات الموظفين إلى هذا المصرف. 4. كمبيالة موقعة من المصرف والمستفيد من السلفة مكتوب فيها القيمة فقط بدون أي زيادة، مع ملاحظة أنه من بين النماذج المراد تعبئتها يوجد نموذج مكتوب فيه بأن في حالة تأخر مرتبات العاملين عن الموعد المحدّد، وهو بداية كل شهر، يتم خصم فائدة على القسط المتأخر، وعند الاستفسار عن هذه الجملة من مدير المصرف: أفاد بأن الفائدة التي كانت تأخذ في السابق على الأقساط المتأخرة ملغية منذ فترة طويلة، والمنظومة المصرفية التي لديهم تؤكد ذلك، وأفاد أيضا بأن هذه النماذج عامة في الدولة على جميع المصارف، ولا يستطيع تعديلها، وقال أيضا: بأن الكمبيالة هي التي تعتبر عقداً ملزماً للطرفين، مع العلم بأنه عند استلام قيمة السلفة يتم التوقيع على مستند به قيمة السلفة، وقيمة الأقساط الشهرية المستقطعة بدون أي شروط، أو فوائد. السؤال: هل يجوز أخذ هذه السلفة أم لا؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يجوز لموظفي الحكومة أو القطاع الخاص أن يحولوا رواتبهم على البنوك الربوية لاستلامها منها؛ لأن في ذلك إعانة لهذه البنوك على ما تقوم به من المعاملات الربوية.
وما تقدمه البنوك من هدايا وجوائز ومنافع للمحولين رواتبهم عندها: لا يحل أخذه؛ لأن هذا صورة من صور الربا.
لأن وضع الأموال في البنوك هو في حقيقته قرض من صاحب هذا المال للبنك، وتسميته "وديعة" أو "حساب جاري" لا يغير من الحقيقة شيئاً، والقاعدة في القروض: "أن كل قرضٍ جر منفعة فهو ربا".
وقد قرَّر مجلس " مجمع الفقه الإسلامي " المنعقد في دورة مؤتمره التاسع بأبو ظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة من 1 إلى 6 ذي القعدة 1415 هـ، الموافق 1 إلى 6 أبريل 1995 م:
"أن الودائع تحت الطلب (الحسابات الجارية) سواء أكانت لدى البنوك الإسلامية، أو البنوك الربوية هي قروض بالمنظور الفقهي، حيث إن المصرف المتسلم لهذه الودائع يده يد ضمان لها، هو ملزم شرعاً بالرد عند الطلب، ولا يؤثر على حكم القرض كون البنك (المقترض) مليئاً" انتهى.
فإذا أعطى البنك صاحب الحساب هدية أو مكافأة كان ذلك ربا.
قال ابن قدامة رحمه الله:
"وكل قرضٍ شرَط فيه أن يزيده: فهو حرام , بغير خلاف، قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المسلِّف إذا شرَط على المستسلف زيادة أو هدية , فأسلف على ذلك: أن أخذ الزيادة على ذلك ربا.
وقد روي عن أبي بن كعب , وابن عباس , وابن مسعود , أنهم نهوا عن قرض جر منفعة" انتهى.
" المغني " (4 / 211) .
ومن لا يملك خياراً في تحويل راتبه لدى ذلك البنك الربوي: فهو معذور، ولا حرج عليه، لكن بشرط أن لا يُبقي من راتبه شيئاً عند استحقاق سحبه.
وانظر هذا بتفصيل في جواب السؤال رقم: (102655) .
ثانياً:
ما تقدمه بعض البنوك الربوية من قروض للمحولين رواتبهم عندها ليس إلا لأنهم يستفيدون من ذلك التحويل، وإلا فأي شيء يدعو أولئك المرابين لهذا الفعل لولا أنهم يستفيدون من ذلك التحويل، فانطبق على هذه المعاملة: أنها قرض من البنك للموظف، جَرَّ منفعة على المقرِض (البنك) فكون ذلك ربا.
ولكن ... إذا كنتم لا تملكون أمركم في كون رواتبكم تحول على ذلك البنك، وكان القرض المقدم من البنك بلا فائدة، فلا حرج على الموظف في أخذ هذا القرض، لأنه لم يعقد مع البنك إلا عقداً مباحاً، وهذا هو القرض الحسن.
وقد سبق في جواب السؤال رقم (7309) ذِكر فتوى للشيخ العثيمين رحمه الله بجواز ذلك.
وإذا احتاط الموظف لدينه واجتنب هذا القرض لما يحوم حوله من الشبهات فهو أولى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5133)
حيلة ربوية مصاحبة لبيع بطاقات الهاتف
[السُّؤَالُ]
ـ[أبيع بطاقات سوا بالتقسيط على معلمات حيث أسلم المعلمة البطاقات مع العقد وعادة بعد التوقيع تعيد المعلمة البطاقات لي وتطلب مني أن أبيعها لها لعدم معرفتها بذلك، بعد ذلك أقوم ببيع البطاقات على الموزع الذي أنا اشتريت منه البطاقات لسهولة عملية البيع. هل في ذلك محظور شرعي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: لا حرج في بيعك بطاقات (سوا) على المعلمات بالتقسيط، ولو كان بسعر أعلى من سعر البيع نقداً.
ثانياً:
للمعلمة أن توكلك في بيع البطاقة بشرطين:
1- أن تقبض المعلمة البطاقة أولاً.
2- ألا تبيع البطاقة للموزع الذي اشتريت منه هذه البطاقات، لأن هذه حيلة على الربا، ويسميها أهل العلم: "الحيلة الثلاثية"، وقد سبق بيانها في جواب السؤال رقم 96706. وحاصلها: أن المعلمة ستأخذ مبلغاً من النقد، وهو الثمن الذي سيدفعه الموزع، على أن ترد أكثر منه وهو الثمن المقسط الذي ستدفعه لك، فالمسألة: مال بمال مع زيادة، والسلعة عائدة إلى صاحبها (الموزع) والمعلمة أُكلت من الطرفين، لتحصل على ما تريد من النقود، والأطراف الثلاثة المتواطئون على ذلك واقعون في الربا، فإن الربا لا تبيحه الحيلة.
وإذا كنت ستبيع لها البطاقات على طرف آخر غير الموزع فلا حرج - مع مراعاة الشرط الأول -، والأولى أن تبيعها المعلمة بنفسها، أو توكل غيرك في بيعها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5134)
كان لديها شهادات استثمار ولم تعلم تحريمها ولم تخرج زكاتها
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أملك 6 شهادات استثمار في البنك الأهلي المصري قيمة الشهادة الواحدة 10000 جنيه مصري وعلى ذلك تكون قيمتها كلها 60000 جنيهاً مصرياً، وقد اشتريتها عام 1992 وكانت مدتها 10 سنوات فأصبحت قيمتها عند استلامها 333000 جنيهاً مصرياً، وعندما أخذت المبلغ قمت ببناء منزل عادي جداً لي ولأسرتي في غزة لأن زوجي فلسطيني وكلفني المنزل أكثر من ذلك، ولم أكن أعلم أنه يجب إخراج الزكاة عن هذا المبلغ. والآن أريد أعرف هل يجب إخراج الزكاة عليها؟ وكم هي القيمة المستحقة عن المبلغ وإذا لم أكن أملك هذه القيمة؟ ماذا أفعل لأننا في فلسطين!!!]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
من ملك مالا يبلغ نصابا، وهو ما يعادل قيمة 85 جراما من الذهب أو 595 جراماً من الفضة، لزمه زكاته، ولو كان مدخرا في البنك، فيزكيه كلما حال عليه الحول، بإخراج ربع العشر 2.5%.
فإن ترك زكاته، فقد قصر وأساء؛ لأن الزكاة فريضة محكمة لا يجوز التهاون فيها، فيلزمه أن يزكي ما مضى من السنوات.
ثانيا:
شهادات الاستثمار من البنك الأهلي محرمة، لأنها قائمة على الربا، وقد بينا في جواب السؤال رقم 98152 أنه لا فرق بين شهادات الاستثمار من الفئة (أ) أو (ب) أو (ج) أي سواء كانت ذات عائد ثابت أو متغير (ذات الجوائز) بل هذا النوع الأخير أقبح، لاشتماله على الميسر مع الربا. وفي السؤال المحال عليه قرار لمجمع الفقه الإسلامي بتحريم هذه الشهادات.
وعليه: فالزكاة إنما تجب في أصل المال المباح، وهو 60000، تزكينها عن كل سنة ماضية وزكاتها عن كل عام: 1500 جنيه.
وما زاد عن ذلك فهو مال محرم، لا يزكى؛ لأن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا.
ثالثا:
المال الحرام يلزم التخلص منه، بإعطائه للفقراء والمساكين، أو وضعه في المشاريع الخيرية.
وما أُنفق منه قبل التوبة لا يلزم إخراج بدله.
وقد ذكرت أنك أنفقت المبلغ في بناء المنزل، فلم يبق منه شيء.
وعليه؛ فلا يزمك شيء في هذا المال، ولك الانتفاع بالمنزل والسكنى فيه، مع التوبة إلى الله تعالى من التقصير في السؤال عن حكم هذه الشهادات قبل شرائها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5135)
يقوم البنك بعمل قرعة ويعطي الفائز مالاً يؤدي به العمرة
[السُّؤَالُ]
ـ[كل سنة يقوم أحد البنوك بعمل قرعة والفائزون يحصلون على أموال للعمرة، فهل يجوز أداء العمرة بهذه الأموال من البنك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان البنك إسلاميا تنضبط معاملاته بالشرع، ودفع هذه الجوائز من ماله للتشجيع على التعامل معه، فلا حرج عليك في أخذ المال وأداء العمرة به.
وأما إن كان البنك ربويا، فإنه لا يجوز الإيداع فيه إلا لضرورة حفظ المال، ولا يجوز الانتفاع بالفائدة التي يقدمها، بل تصرف في المصالح العامة.
وعليه؛ فما جاءك من هذا المال لا يجوز أن تعتمر منه ولا أن تنتفع به لنفسك، بل تتخلص منه بإنفاقه في وجوه الخير ومصالح المسلمين.
وهذه الجوائز التي تعطيها البنوك للمودعين فيها هي صورة من صور الربا، وحيلة من الحيل حتى يخدعوا بها الناس، ليقبلوا على التعامل الربوي مع هذا البنك.
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: عن بعض البنوك التجارية بدول الخليج تقوم بوضع جوائز مثل: سيارات أو بيوت جاهزة لمن يفتح في البنك حساب توفير لحفظ أمواله، وتعمل قرعة بين زبائن البنك، ثم يفوز بالجائزة أحد الزبائن، فما حكم هذه الجائزة سواء كانت عينية أو مادية؟
فأجابوا: " إذا كان الأمر كما ذكر، فإن هذه الجوائز غير جائزة؛ لأنها فوائد ربوية مقابل إيداع الأموال في البنوك الربوية، وتغيير الأسماء لا يغير الحقائق " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (15/196) .
وينظر جواب السؤال رقم (72413) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5136)
إذا لم يأخذ قرضا ربويا سحبت منه الأرض وخسر العربون
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو منكم إرشادي لما يحبه الله ويرضاه أنا وزوجي اشترينا قطعة أرض مدة سداد مبلغها 4 سنوات. وقد سددنا قسطا من ثمنها 30 ألف دينار (ما يزيد 90 ألف ريال سعودي) وقد أعطى صاحب الأرض وعدا للبيع في هذه الفترة (2008) وطلب منا بقية المبلغ بنص العقد وإذا لم ندفع المبلغ المطلوب في ذلك الأجل فإن صاحب الأرض له أن ينفذ ما في العقد من شروط وأن يأخذ تلك الأموال (ما يعبر عنه في عرفنا العربون) التي قد سددناها ويسقط الوعد بالبيع في هذا الأجل المسمى لكن ليس لنا المبلغ المطلوب فتقدم زوجي بطلب للحصول على قرض وللأسف لا يتوفر بنوك إسلامية (في تونس) فكلها ربوية وليس لنا حل آخر فإذا لم ندفع المبلغ المطلوب نخسر الأموال والأرض. حالتي الاجتماعية 3 أبناء مستأجرة منزل 400 دينار شهريا مهنة زوجي محاسب مهنتي أستاذة، وللأمانة لزوجي قطعة أرض فلاحية لو باعها لا تفي بالغرض لأن مبلغها أقل من المطلوب، وأنا أحس بضيق شديد وبذنب لأني أنا التي دفعته لشراء هذه الأرض، وأسال الله أن يغفر لي وله. فماذا أفعل بارك الله فيكم في هذه الحالة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يخفى عليك أن الربا كبيرة من كبائر الذنوب، وقد جاء فيه من الوعيد العظيم ما لم يأت في غيره من الذنوب، وتوعد الله مرتكبه بالحرب، وأخبر نبيه صلى الله عليه وسلم بحلول اللعنة على آكل الربا وموكله، وفي ذلك ترهيب عظيم من الوقوع في هذا المنكر.
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278، 279.
وروى مسلم (1598) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ) .
وقال صلى الله عليه وسلم: (درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد عند الله من ستة وثلاثين زنية) رواه أحمد والطبراني، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3375) .
وهذا الربا الملعون فاعله لا تبيحه الحاجة إلى المسكن، وإنما تبيحه الضرورة، كما يباح أكل الميتة وشرب الخمر، فمن أشرف على الهلاك ولم يجد ما يقتاته إلا عن طريق الربا، جاز له منه بقدر ما يزيل الضرر، وهذه الضرورة لا تتحقق في مسألتكم؛ لأنكم تجدون البديل المباح وهو الاستئجار وإن كان مكلفا أو مرهقا لكم ماديا.
وينظر جواب السؤال رقم (8141) ورقم (101080) .
وتأملي كيف يبتلى بعض الناس بارتكاب هذا الأمر العظيم ثم يعيشون في ظلاله وتبعاته عشرين سنة، فيا له من أمر عظيم، وجرم كبير.
فنوصيك بالصبر حتى ييسر الله لك الأمر، ويأتيك بالفرج، واعلمي أن خزائنه سبحانه ملأى، وأنه جعل التقوى من أسباب الرزق والعطاء، فقال: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق/2،3.
ونحن نقدر ما أنتم فيه من الضيق والكره لذهاب الأرض والعربون، لكننا لا نستطيع أن نبيح لكم الربا، وعلى الإنسان أن يتدبر ويتريث قبل الإقدام على شراء ما لا يملك ثمنه.
نسأل الله أن يجعل لكم مخرجا وفرجا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5137)
حكم بطاقات التيسير التي تصدرها البنوك الإسلامية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم بطاقات التيسيير التي تصدرها البنوك الإسلامية بحيث يدفع الراغب بها رسوم اشتراك ثم يستطيع الاقتراض من البنك بدون فوائد؟ وهل قيمة الاشتراك تعتبر فائدة؟ علماً بأن العميل إذا لم يقترض من البنك خلال الفترة لا يسترد مبلغ الاشتراك]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يمكن الحكم على شيء من هذه البطاقات إلا بعد الوقوف على أمرها، ومعرفة النظام المتبع فيها.
وبالجملة، فهناك محذوران لا بد من خلو البطاقة منهما:
الأول: أن يكون رسم الاشتراك أكثر من التكلفة الفعلية التي تكلفها البنك لإصدار تلك البطاقة؛ لأن هذه الزيادة في مقابل القرض فتكون ربا.
والثاني: أن يفرض البنك غرامة في حال التأخر في السداد، وهذا ربا لا شك فيه، سواء انتفع البنك بالغرامة أو صرفها للفقراء ونحوهم.
وانظر جواب السؤال رقم 101947 ففيه الإشارة إلى وجود هذين المحذورين في بطاقة يُزعم أنها بطاقة شرعية.
وهذا ما يؤكد ضرورة الوقوف على كل بطاقة قبل الحكم عليها، وعدم الاغترار بكونها صادرة من بنك إسلامي أو بموافقة لجنة شرعية.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5138)
حكم التعامل مع " بنك فيصل المصري "
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال: أود منكم الرأي الشرعي في مشروعية التعامل مع بنك "فيصل الإسلامي" في مصر، حيث إني أردت أن أودع مبلغاً من المال فيه، وذهبت للاستفسار عن نظام البنك فقالوا لي ما يلي: أولاً: البنك يشرف عليه هيئة رقابة شرعية. ثانياً: من النظام المعمول به في مصر أن يكون لأي بنك في مصر وديعة في البنك المركزي المصري بنسبه 15 % من نسبة رأس ماله لضمان إذا حصل إفلاس للبنك أن يستطيع أن يساعده، وهذه الأموال تستثمر في مشاريع بعضها شرعي والآخر غير شرعي، ويكون لكل بنك نسبة عائد من استثمار هذه الأموال , ولكن " بنك فيصل " يتنازل عن هذه الأرباح لصالح البنك المركزي. ثالثاً: نسبة العائد لا تحدد مسبقاً على أي نوع من أنواع الاستثمار سواء كان الحساب استثماريّاً أو ودائع أو شهادات الاستثمار. رابعاً: يقوم البنك بإخراج أموال الزكاة عن العائد الذي يضاف لكل حساب استثماري أو ودائع أو شهادات الاستثمار. خامساً: بالنسبة للحساب الجاري لا تستثمر الأموال المودعة فيه، ويقوم البنك بأخذ مبلغ كل عام قدره (20 جنيها) . سادساً: بالنسبة لشهادات الاستثمار يقوم البنك كل سنة بإجراء قرعة يستطيع الفائز في هذه القرعة السفر على نفقه البنك لأداء فريضة الحج. وأود أن أسال عن هذه النقطة: هل يجوز للبنك إذا خسر - وهذا نادر الحدوث حيث إنه يخضع تحت رقابة خبراء اقتصاد - أن يتم الخصم من رأس مال الأشخاص المودعين بنفس نسبة الخسارة؟ وإذا خسر البنك ولم يتم الخصم من رأس المال بالنسبة للمودعين هل يأثمون أم لا؟ وفى حالة عدم علم العملاء بالخسارة فهل يأثمون؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يُحكم على تعاملات البنوك والمؤسسات وفقاً لأسمائها، بل لا بدَّ أن يتوافق واقعها مع اسمها الذي تنتسب إليه وهو " الإسلام "، كما أن وجود هيئة رقابة أو إفتاء شرعية في البنك أو المؤسسة لا يَحكم على أفعالها بأنها صواب إلا أن يكونوا من الثقات في علمهم ودينهم، وتكون قراراتها ملزمة لإدارة البنك.
ولسنا في صدد تقويم هذا البنك أو ذاك إنما هو قاعدة عامة تنطبق على الجميع، وما ذكرتَه – أخي الفاضل – في سؤالك لا مطعن فيه، وهو علامة خير إن شاء الله، لكن يهمنا معرفة حقيقة التعامل، والنظر في الصور والمعاملات الأخرى كبيع المرابحة أو التورق المصرفي وهما أكثر التعاملات تداولاً في البنوك التي تنتسب إلى الإسلام، وعند كثير منها مخالفات شرعية واضحة، وقد نبهت بعض قرارات " مجمع الفقه الإسلامي " على سوء تصرف بعض البنوك التي تنتسب إلى الإسلام، وحذروا من التعامل بمثل هذه المخالفات للشرع.
وفي قرارهم في مؤتمرهم المعقود في 19 - 23 / 10 / 1424 هـ الذي يوافقه 13 - 17 / 12 / 2003 م قالوا:
" كما أن المجلس إذ يقدر جهود المصارف الإسلامية في إنقاذ الأمة الإسلامية من بلوى الربا، فإنه يوصي بأن تستخدم لذلك المعاملات الحقيقية المشروعة دون اللجوء إلى معاملات صورية تؤول إلى كونها تمويلاً محضاً بزيادة ترجع إلى الممول " انتهى.
وقال الشيخ صالح بن عبد الرحمن الحصين:
" إذا كانت المصارف الإسلامية لم تستطع حتى الآن تحقيق أهدافها، وكان ذلك بسبب أن الاتجاه العام الغالب لديها في استخدام الموارد لا يمكنها من ذلك على نحو ما وضح فيما سبق: فإن النتيجة المنطقية لذلك أنها لن تحقق في المستقبل ما عجزت عنه في الماضي.
والواقع يثبت أن المصارف الإسلامية بهذا الاتجاه ظلت تقترب من البنوك الربوية شيئاً فشيئاً، وأن أوضح شاهد لذلك ما انتهت إليه المصرفية الإسلامية من اعتماد عمليتي " تيسير الأهلي "، و " التورق المبارك ".
والظاهر أنه من الناحية العملية فإنه من المستحيل القول إن الآثار السلبية للربا الاقتصادية والاجتماعية والسيكولوجية التي تتحقق في التمويل بالفائدة لا تتحقق في التمويل بـ " تيسير الأهلي " أو " التورق المبارك " بل إنه من الناحية الفقهية يستحيل على الفقيه دون أن يخادع نفسه أن يدَّعي وجود فارق بين هاتين العمليتين والاحتيال المحرم على الربا.
بهذا الاقتراب من البنوك الربوية: فإن المصارف الإسلامية ستفقد هويتها الحقيقية، ولا يبقى لها إلا الاسم " انتهى من مقال – له - بعنوان " المصارف الإسلامية ما لها وما عليها ".
وعلى كل حال: فوجود الرقابة الشرعية والمجالس الشرعية في هذه البنوك علامة خير.
وما ذكرتَه من أن البنك لا يحدد مبلغاً معيناً لودائع واستثمارات زبائنه، وأنه يخرج الزكاة عن أموال المودعين، وأنه يشارك في الربح والخسارة في حال المشاركة – وننبه إلى أن البنك إن كان مشاركاً فهو يخسر من ماله، وإن كان مضارباً فهو يخسر جهوده، وخسارة المال تكون على أصحابه – كل ذلك ليس فيه مخالفة شرعية، وما يكون من تعامل مع البنوك المركزية هو أمر تُجبر عليه البنوك الإسلامية جميعها.
غير أن هذا لا يكفي للحكم على معاملات البنك كلها بأنها شرعية، بل لا بد من الوقوف على حقيقية معاملاته كلها.
ولكن.. باعتبار أن ما ذكرته عن البنك يعطي مؤشراً عن اختلاف البنك عن البنوك الربوية، وأنه لا يتعامل بالربا، فإننا نرى لك جواز التعامل معه حتى يتبين لك أن معاملاته غير منضبطة بالضوابط الشرعية، فتوقف تعاملك معه حينئذ.
وفي جواب السؤال رقم (47651) ذكرنا مواصفات البنك الإسلامي فلينظر.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5139)
حكم عمل برنامج تستفيد منه البنوك في عملية القرض الربوي
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي مشروع القيام ببرنامج إلكترٍِوني يقوم بإيصال معلومات عن القروض الربوية بين البنوك لكي يستعلموا عن القروض التي أخذها شخص ما قبل أن يعطوه قرضا ربويا، ولكن هذا البرنامج يقوم بأشياء أخرى غير ذلك هل هذا جائز؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان هذا البرنامج تستفيد منه البنوك الربوية في الحصولَ على معلومات لمن ستقرضه بالربا؛ فلا يجوز بيعه لها، أو عمله لأجلها؛ لما في ذلك من الإعانة على الإثم والمعصية.
وقد قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2.
وقال صلى الله عليه وسلم: (َمَنْ دَعَا إِلَى ضَلالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا) أخرجه مسلم (4831) .
وقد جاء في الربا من الوعيد الشديد، واللعن لفاعله وكاتبه وشاهده، ما فيه زاجر لكل عاقل عن الدخول فيه أو الإعانة عليه.
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278-279.
وروى مسلم (1598) عن جَابِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ. وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ) .
فاحذر أن تكون معينا على هذا الذنب العظيم.
نسأل الله أن يعافيك من ذلك، وأن ييسر لك طرق الكسب الحلال المبارك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5140)
بيع السلع بالتقسيط للزبون مع توسط البنك وإعطائه كامل المبلغ للبائع
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعمل في محل بيع بالتقسيط. طريقة البيع: نأخذ من الزبون تأميناً ثم نشتري له السلعة (ثلاجة.. غسالة..) , وكل معاملات المحل مع البنك، نأخذ أوراق الزبون ونعطيها للبنك، ثم نأخذ ثمن السلعة من البنك كاش، ويأخذ البنك حقه من الزبون، مثلا اشترينا سلعة موبايل مثلا ب1000 وبعناها ب2000، أصحاب الشركة يأخذوا 1300، والبنك يأخذ الباقي، لكن يقسط هو علي 5 سنين ونحن نأخذ فلوسنا كاش منه.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في البيع بالتقسيط ولو كان بأكثر من ثمن البيع نقداً، ولا حرج في شراء السلعة التي يطلبها الزبون، ثم بيعها عليه بالتقسيط، وأما إدخال البنك في هذه المعاملة بحيث يدفع لكم المبلغ كاملا، ويتقاضاه مقسطا من الزبون فهذا فيه تفصيل:
فإن كان البنك يشتري السلعة منكم لنفسه، شراء حقيقيا، ثم يبيعها على الزبون بالتقسيط فلا حرج في ذلك، وإن كان دوره هو التمويل فقط ـ وهذا هو الظاهر من سؤالك ـ، فيدفع المبلغ عن الزبون، ثم يسترده منه مقسطا بزيادة، فهذا ربا واضح، وحقيقته: أنه أقرض العميل المال على أن يسترده بزيادة، فلا يجوز الدخول في هذه المعاملة.
فالشركة التي تريد أن تعمل بها، وإن كانت ليست طرفاً في المعاملة الربوية، إلا أنها وسيط بين آكل الربا وموكله، والله تعالى كما حرم علينا أن نعصيه، حرم علينا أن نعين العاصي، فقال: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2.
وقد (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ. وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ) . رواه مسلم (1598) .
قال النووي رحمه الله: "فيه تحريم الإعانة على الباطل" انتهى.
ومن الصور المحرمة كذلك: أن يأخذ البائع من الزبون شيكا مؤجلا، ثم يذهب إلى البنك ليعطيه قيمة الشيك نقداً، مع خصم جزء للبنك، وهذا ربا أيضا.
والصورة الصحيحة: أن تبيعوا السلعة على الزبون مباشرة، ويقسط لكم الثمن، ولكم أن تأخذوا عليه كفيلا، لضمان حقكم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5141)
حكم مبادلة قطعة أرض كبيرة بأخرى أصغر منها قريبة من العمران
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم مبادلة أرض كبيرة بعيدة عن العمران بأرض صغيرة قريبة من العمران؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز بيع (مبادلة) أرض كبيرة بأرض أصغر منها؛ لأن الأرض ليست من الأصناف الربوية التي يشترط التماثل في مبادلة بعضها ببعض، فلا حرج أن تبدل قطعة أرض بقطعتين، أو قطعة كبيرة بقطعة صغيرة.
والأصناف الربوية هي المذكورة في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلا بِمِثْلٍ
سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ) رواه مسلم (1587) .
ويقاس على هذه الأصناف الستة ما شاركها في العلة.
والعلة في الذهب والفضة هي الثمنية [أي كونهما ثمناً للأشياء، فكانت أثمان الأشياء تقدر قديما بالذهب والفضة، وهي الدارهم والدنانير، فيقال: هذا يساوى كذا درهما، أو كذا ديناراً] ، ولذلك ألحقت العملات النقدية بالذهب والفضة.
والعلة في الأصناف الأربعة (البر والشعير والتمر والملح) هي الطعم، أو الكيل، فيقاس عليها الأرز ونحوه.
وللفقهاء خلاف في مسألة علة الربا، لكن الأرض ليست داخلة في ذلك قطعا.
وقد ثبت في صحيح البخاري (2116) أن ابن عمر باع لعثمان رضي الله عنهم أرضاً شمال المدينة بأرض أقرب منها إلى المدينة.
قال الحافظ ابن حجر: فيه جواز بيع الأرض بالأرض.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5142)
تأخر في سداد الأقساط فاقترح إعادة الجدولة وزيادة القسط
[السُّؤَالُ]
ـ[ي عن البيع بالتقسيط: فمثلاً أشتري البضاعة بألف جنيه مثلاً وأبيعها على أقساط لمدة معينة بألف ونصف مثلاً، ولكن حدث أن تأخر أحد العملاء عن السداد لمدة كذا شهر، وبعدها طلب مني زيادة ثمن البضاعة، وبالتالي زيادة القسط وذلك لتأخره في السداد، وطلب مني إعادة الجدولة بناء على السعر الجديد. فمثلاً بدلاً من أنه كان يؤدي 150 جنيهاً قسطاً شهرياً سوف يؤدي 170 جنيهاً قسطاً شهرياً. سؤالي هو: هذه الزيادة في القسط تعتبر ربا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يجوز أن تبيع بالتقسيط بسعر أعلى من البيع نقداً، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم (13973) .
ثانيا:
إذا تأخر المشتري المدين في دفع الأقساط عن الموعد المحدد، فلا يجوز إلزامه بأي زيادة على الدَّيْن؛ لأن ذلك ربا محرم، كما نص عليه قرار مجمع الفقه الإسلامي، وينظر جواب السؤال رقم (1847) .
وهذا هو ربا الجاهلية، الذي أجمع المسلمون على تحريمه، كانوا يؤخرون سداد الدين مقابل زيادته.
وعليه؛ فما اقترحه المشتري من إعادة الجدولة والزيادة في قدر القسط لأجل التأخر، اقتراح باطل شرعا، ولا يجوز لك قبوله؛ لأنه ربا محرم ولو رضي به المشتري، وعليك إنظاره وإمهاله إلى حين ميسرة، كما قال تعالى: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ) البقرة/280.
فإن كان المشتري معه من المال ما يسدد به الأقساط، لكنه ماطل في ذلك وتأخر من غير عذر، كان ذلك حراماً عليه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5143)
التورق في المعادن عن طريق بنك الجزيرة
[السُّؤَالُ]
ـ[نريد تمويلاً من بنك الجزيرة، وهو أننا نرهن عقارنا، ويقومون العقار، ويعطوننا تمويلاً يصل إلى 50% أو 70% من قيمة العقار، لكن طريقة التمويل تتم ببيع المعادن، ونحن متخوفين من هذا التمويل، والبنك هو الوحيد الذي وفر لنا هذه الطريقة، الرجاء منكم أن توضحوا لنا هو حلال أو لا؟ ، لأنهم أخبرونا أن طريقتهم شرعية، وهي أنهم يشترون كمية للحديد لعدة أشخاص، يشترونه لهم وبعد ذلك يعطوهم ورقة التوكيل لبيعه، طلبنا طريقة التورق بالأسهم لكن قالوا لنا إن هذا لا يمكن لتمويل العقار، وأن تورق المعادن تشرف عليه هيئة شرعية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان البنك يبيع عليك الحديد، وتتولى أنت بيعه في السوق لتحصل على المال، فهذا تورق مشروع، وأما إن كنت لا تبيعه بنفسك، وإنما توكل البنك في بيعه، فهذا يسمى: التورق المصرفي المنظم، وقد صدر قرار من مجمع الفقه الإسلامي بتحريمه، كما صدرت بحوث علمية عن جماعة من المختصين تبين أوجه تحريم هذه المعاملة، وينظر بيان ذلك مفصلا في جواب السؤال رقم (82612) ورقم (98124) .
وقد سئل الدكتور محمد العصيمي حفظه الله عن حكم تمويل المعادن من بنك الجزيرة؟
فأجاب: "لا أرى جواز التورق في المعادن إلا أن يقبضها العميل، ثم يبيع على غير التاجر الذي اشترى البنك منه. وحيث إن كل ذلك لا يحصل فلا يجوز " انتهى.
والبديل المشروع هو شراء سلع حقيقية من البنك، كسيارات أو غيرها، يملكها البنك ويحوزها إليه، ثم يبيعها عليك، وتتولى أنت بيعها في السوق بعد ذلك لتحصل على النقود.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5144)
يعرض البنك تأجيل القرض مقابل رسوم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شخص مقترض من أحد البنوك مبلغاً وقدره ... والبنك يطرح خدمة لتأجيل القسط 3 مرات سنوياً، هل يجوز تأجيل القسط؟ علماً بأن البنك سيخصم مبلغاً كرسوم لتأجيل القسط.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
القرض من عقود الإحسان والإرفاق، ولا يجوز اشتراط فائدة عليه، لا في ابتداء العقد، ولا عند التأخر في السداد، وقد كان الشائع في ربا الجاهلية أن المدين إذا عجز عن السداد قيل له: زد وتأجل، أي زد في المال، ونزيد لك في الأجل.
قال ابن الجوزي رحمه الله: " قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة) قال أهل التفسير: هذه الآية نزلت في ربا الجاهلية. قال سعيد بن جبير: كان الرجل يكون له على الرجل المال فإذا حل الأجل فيقول: أخّر عني وأزيدك على مالك، فتلك الأضعاف المضاعفة " انتهى من "زاد المسير" (1/457) .
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: " واعلم أن الربا منه ما أجمع المسلمون على منعه ولم يخالف فيه أحد، وذلك كربا الجاهلية، وهو أن يزيده في الأجل على أن يزيده الآخر في قدر الدين " انتهى.
وقد أجمع العلماء على أن كل قرض اشترطت فيه الزيادة فهو ربا.
قال ابن قدامة رحمه الله: " وكل قرضٍ شرَط فيه أن يزيده: فهو حرام , بغير خلاف، قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المسلف إذا شرَط على المستسلف زيادة أو هدية , فأسلف على
ذلك: أن أخذ الزيادة على ذلك ربا.
وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس وابن مسعود أنهم نهوا عن قرض جر منفعة " انتهى من "المغني" (4/211) .
وعليه؛ فإن تأجيل البنك لوقت السداد مقابل فائدة أو رسوم، هو عين الربا، إلا إن كانت رسوما يسيرة جدا كتكلفة الأوراق وما شابه ذلك، ولن يجني منها البنك فائدة، وهذه إن وُجدت فلن تختلف باختلاف المبلغ، فلو كان الدين مائة ألف، أو عشرة آلاف، فإن الرسوم واحدة، إن فرضنا أن هذا الإجراء يحتاج إلى رسوم.
وأما أن تكون رسوما كبيرة، أو رسوما تختلف باختلاف الدَّين، فهذا عين ربا الجاهلية.
وقد سئل الدكتور عبد الله بن محمد الطيار: أخذت من البنك ما يسمى (بالتورق) ، ويمكن المقترض أن يؤجل أحد الأقساط إلى آخر المدة، ولكن يأخذ البنك مبلغ وقدره من 200 إلى 250 ريالاً تقريبًا للتأجيل، فهل المبلغ هذا يعتبر ربًا، أو أنه جائز؟
فأجاب: "إذا كانت هذه الزيادة في الثمن مقابل التأجيل الطارئ عند عدم السداد أو العجز عنه، فهذا هو ربا الجاهلية المحرم بالاتفاق، فهم عند حلول السداد كانوا يقولون: إما أن توفي، وإما أن تربي، أي إما أن تسدد، وإما أن تزيد في الثمن، والخيار الشرعي في هذا هو الإنظار للمعسر، كما قال الله تعالى: (وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ) البقرة/280. أما أن يزيد عليه الثمن، فهذا لا يجوز بحال " انتهى من "موقع "الإسلام اليوم".
نسأل الله تعالى أن يقينا وإياك شر الربا وإثمه وخطره.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5145)
الفرق بين المرابحة والقرض الربوي
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك رجل يريد تمويلا، عنده مؤسسة رصيده فيها 10 مليون، وجدت رجلا ثانيا يقول: أنا أعطيه تمويلا 10 أضعاف المبلغ الذي في الرصيد ويسدده على 10 سنوات وكل سنة يدفع 4%، يقول مرابحة. أنا وسيط؛ وصلت الرجل الأول للثاني وأخذت أنا عمولتي، هل عملي هذا جائز؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المرابحة الجائزة: هي أن يشتري الشخص المموّل سلعةً أو سلعا ب 100 مليون – كما في السؤال- فإذا ملكها وقبضها، باعها على صاحبك بالأقساط لمدة عشر سنوات، بربح قدره 4% مثلا، ثم لصاحبك أن يحتفظ بهذه السلع أو يبيعها في السوق نقداً بسعر أقل، ليحصل على النقود.
هذه هي المرابحة المشروعة، وينظر لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم (36408) .
وأما إذا أعطى الممول هذا المبلغ (100 مليون) لصاحبك، على أن يتقاضاه منه مقسطا بزيادة 4%، فهذا قرض ربوي محرم، سواء سمي تمويلا أو مرابحة، بل هذه التسمية نوع من التلبيس والتضليل والتحايل المحرم.
وقد أجمع العلماء على تحريم القرض الربوي.
قال ابن قدامة رحمه الله: " وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف. قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المُسلف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية، فأسلف على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلك ربا. وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس وابن مسعود أنهم نهوا عن قرض جر منفعة" انتهى من "المغني" (6/436) .
والظاهر من سؤالك أن المعاملة ليست من الصورة الأولى، فأنت لم تذكر سلعا اشتراها الممول ثم باعها على صاحبك.
وإذا كانت المعاملة قرضا ربويا، فوساطتك فيها محرمة، والواجب عليك أمران:
الأول: التوبة إلى الله تعالى وعدم العود إلى ذلك، وعدم الإقدام على معاملة قبل معرفة حكم الشرع فيها.
والثاني: التخلص من المال الموجود في يدك، لأنه ناشئ عن عمل محرم، وأما ما أنفقته قبل العلم بالتحريم، فلا شيء عليك فيه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5146)
هل لآكل الربا حد شرعي يقام عليه في الدنيا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لعن الله آكل الربا ولعن الله شارب الخمر وغيرها، إذا كان لشارب الخمر حكمٌ شرعيٌ؛ فما حكم آكل الربا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كنت تقصد بالحكم هنا العقوبة الدنيوية المحددة شرعا وهي التي تعرف بـ (الحد) ، فإن حد شرب الخمر ثمانون جلدة أو أربعون، على اختلاف بين العلماء.
وأما آكل الربا فليس له حد في الشرع , وإنما عقوبته التعزير , والتعزير عقوبة يخولها الشرع للحاكم وفق ما يحقق مصلحة درء المفاسد لا وفق هواه.
وليس معنى أن أكل الربا ليس له حد في الشرع، أنه أقل من شرب الخمر في الإثم، بل أكل الربا من السبع الموبقات، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وهو أعظم تحريماً من شرب الخمر، وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (دِرْهَمٌ رِبًا يَأْكُلُهُ الرَّجُلُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَشَدُّ مِنْ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ زَنْيَةً) رواه أحمد (21450) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1033) وقال المنذري والهيثمي: رجاله رجال الصحيح.
وقال أيضاً: (الرِّبَا سَبْعُونَ حُوبًا أَيْسَرُهَا أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ أُمَّهُ) رواه ابن ماجه (2274) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، وقال المنذري: إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما.
(سبعون حوبا) أي: نوعا من الإثم، والحديث يدل على أن الربا أشد من الزنا، والحديث الذي قبله يدل على أنه أشد من ست وثلاثين زنية.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5147)
يشترط بنك التسليف دفع 2.5% من الإيراد لتمويل مشاريع أخرى
[السُّؤَالُ]
ـ[يقوم بنك التسليف والادخار السعودي بتمويل مشروعات التعليم المبكر ورعاية الطفولة، وقد سمعت عن التسهيلات التي يقدمها البنك فيقرض الفتيات لافتتاح حضانة ورياض أطفال ولوجود المؤهلات لذا أردت الاستفادة من البنك لكني وجدت شرطا في لائحة البنك أنه يأخذ نسبه 2.5% من إيرادات المشروع لدعم مشاريع أخرى تفيد البلاد. هل هذا القرض ربوي أو فيه شبهة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اشتراط البنك دفع 2.5% من إيرادات المشروع لتمويل مشاريع أخرى، لا يجوز، وهو من أكل المال بالباطل، فإنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه.
والواجب على البنك أن يقرض قرضا حسنا، لا يقصد منه إلا الإعانة والتشجيع على إقامة المشاريع النافعة، وهذا ما يعود بالخير على المجتمع كله.
وأما اشتراط دفع زيادة على مبلغ القرض فهو شرط ربوي محرم، ومعلوم أن كل قرض جر نفعا فهو ربا، وهذا مجمع عليه بين العلماء.
قال ابن قدامة رحمه الله: "وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف. قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المُسلف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية، فأسلف على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلك ربا. وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس وابن مسعود أنهم نهوا عن قرض جر منفعة" انتهى من "المغني" (6/436) .
وعليه؛ فلا يجوز لك المشاركة في هذا المشروع مع وجود هذا الشرط.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5148)
أعطى سيارته لمن يبيعها على أن يشتري له أحدث منها فهل هذا ربا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[طلب مني أحد أقاربي أن يأخذ سيارتي ليبيعها ويستفيد من المال، على أن يأتي لي بسيارة أخرى بعد 6 شهور أحدث موديلا من سيارتي، وقد أقنعني بأن هذا ليس ربا؛ لأننا لم نحدد موديل السيارة التي سيأتي لي بها، فما حكم ذلك؟ وإن كان محرَّماً فكيف أتصرف؟ مع العلم بأنه قد باع سيارتي بمبلغ زهيد جدّاً، لم أكن لأقبله، وكذلك: فإنه لا يستطيع إرجاع السيارة ذاتها، وقد مضى قرابة الأربعة أشهر على هذه الحادثة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما فعلتَه أنت وقريبك هو من الربا المحرَّم؛ لأن حقيقة هذه المعاملة: أنك أقرضته السيارة، على أن يأتي لك بأفضل منها، وقد اتفق العلماء على أن أي زيادة أو منفعة يأخذها المقرِض من المقترض مقابل القرض، أنها ربا.
قال ابن قدامة رحمه الله: "وكل قرضٍ شرَط فيه أن يزيده: فهو حرام , بغير خلاف، قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المسلف إذا شرَط على المستسلف زيادة أو هدية , فأسلف على ذلك: أن أخذ الزيادة على ذلك ربا.
وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس وابن مسعود أنهم نهوا عن قرض جر منفعة" انتهى من "المغني" (4/211) .
فالواجب عليكما التوبة والاستغفار من هذا الفعل.
أما ماذا يلزم القريب أن يفعل الآن بعد أن باع السيارة بمبلغ زهيد؟
فالذي يظهر أنه يُلزم بقيمتها وقت أخذها منك، لا ثمنها الذي باعها به؛ لأن العقد بينكما غير صحيح في الأصل، ولا اعتبار لما فعله بعد ذلك من بيعها بذلك المبلغ الزهيد، إلا أن تعفو عنه، وتُسقط حقك، وترضى بالثمن الذي باعها به.
ويحتمل أن تكون هذه المعاملة من باب البيع وليست من القرض، بمعنى أنك بعته سيارة بسيارة، فإن كان الأمر كذلك فالبيع أيضاً محرم ولا يصح، لأن الثمن مجهول، وهي السيارة التي سيأتي بها، لأنكما لم تتفقا على شيء من صفاتها إلا أن تكون أحدث من سيارتك، وهذا الوصف لا يكفي، ولا يرفع عنها الجهالة.
وعلى كل حال سواء كانت المعاملة قرضاً أم بيعاً، فهي محرمة، ويلزم صاحبك أن يرد إليك ثمن السيارة وقت أخذها منك.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5149)
حكم الاتجار في العملات في السوق السوداء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الدين في تجارة العملات الأجنبية بالسوق السوداء دون التقيد بسعر الصرف الرسمي والثروة الناجمة عن هذه التجارة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز الاتجار بالعملات بشرط أن يحصل التقابض في مجلس العقد، فيجوز بيع اليورو بالدولار بشرط أن يقع الاستلام والتسليم في مجلس العقد، وأما إذا اتفقت العملة كأن يبيع دولاراً بدولارين فهذا لا يجوز لأنه من ربا الفضل، فإذا اتحدت العملة فلابد من التساوي والتقابض في مجلس العقد، وإذا اختلفت العملة اشترط التقابض فقط؛ لحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ) رواه مسلم (1587) .
والعملات النقدية الموجودة اليوم لها ما للذهب والفضة من الأحكام.
ولا فرق بين بيع العملات فيما يسمى بالسوق السوداء أو في السوق النظامية.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: ما الحكم الشرعي في تبادل العملات (في السوق السوداء) مثلا 3000 دج بـ 3000 فرنك فرنسي، مع العلم أن التبادل عن الطريق الشرعي هو مثلا 300 دج بـ 340 فرنك فرنسي.
فأجابوا: "إذا كان التبادل بين عملتين من جنس واحد، وجب التساوي بينهما، والتقابض بالمجلس، وحرم التفاضل بينهما، وحرم تأخير القبض فيهما، أو في إحداهما شرعا، وإذا كانتا من جنسين جاز التفاضل بينهما شرعا، سواء كان ذلك في السوق السوداء أم في غيرها، وحرم تأخير بعضهما أو إحداهما" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (13/444) .
وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: ما هو حكم الدين في تجارة العملة، وهو ما يسمى بالسوق السوداء؟
فأجاب: "الاتجار ببيع العملات بعضها مع بعض يسمى بالمصارفة، سواء كان في البنوك أو في السوق الحرة.
وإذا اتحد جنس العملات؛ كالذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والريال السعودي مثلاً بالريال السعودي، والمصري بالمصري؛ وجب شيئان: التساوي في المقدار، والتقابض في مجلس العقد. فإن اختلَّ الشرطان أو أحدهما؛ كان ربا.
وإن اختلف جنس العملات؛ كأن باع ذهبًا بفضة، أو ريالاً سعوديًا بجنيه مصري مثلاً؛ وجب شيء واحد، وهو التقابض في مجلس العقد، وجاز التفاضل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، مثلاً بمثل، سواء بسواء، يدًا بيد، فإذا اختلفت هذه الأجناس؛ فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يدًا بيد. . .) الحديث [رواه مسلم في صحيحه (3/1211) ] .
فالاتجار بالعملات، يحتاج إلى بصيرة بالحكم الشرعي، وتحفظ شديد من الوقوع في الربا " انتهى من "المنتقى من فتاوى الفوزان".
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5150)
هل يشتري بيتا من شخص بناه أو اشتراه بقرض ربوي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعيش في الولايات المتحدة وأرغب في شراء بيت جديد من رجل، العقد بيني وبين البائع بأن سعر البيت متفق عليه، وعدد دفع مبالغ تسديد سعر البيت متفق عليها، ومجموع كل دفعة متفق عليها، ليس هناك فائدة مذكورة، ولا حتى أي فقرة لرسوم إضافية أو استرجاع في حالة التخلف عن الدفع، والحمد لله، البائع يعتبر قانونيا مالكا للبيت بحيث إنه يستطيع بيع البيت إذا أراد، لكن عليه دين للبنك من قيمة البيت، العقد بينه وبين البنك مبني على الربا. سيعطيني إثباتا بأن قيمة البيت قد تم دفعها للبنك، ومع نهاية فترة الأقساط بيني وبينه يكون قد انتهى من تسديد قيمة البيت. سؤالي: هو هل يجوز لي أن أشتري البيت من شخص عليه دين؟ أرجو إعطائي إجابة مفصلة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج عليك في شراء هذا البيت، ولو كان صاحبه قد اشتراه بقرض ربوي، أو كان عليه دين للبنك؛ لأن البيت ملك له، ويجوز شراؤه منه، ما لم يكن ممنوعا من بيعه حتى يسدد ما عليه للبنك.
ومن اقترض بالربا فقد ارتكب محرماً وكبيرة من كبائر الذنوب، غير أن المال الذي قد اقترضه يكون ملكاً له، فإذا بنى بيتاً بهذا المال فملكه للبيت صحيح، وبيعه له – إذا أراد – صحيح.
وقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام يعامل اليهود بيعاً وشراءً وهم أكلة الربا.
وينظر جواب السؤال رقم (111928) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5151)
بيع الأرض بأرض أكبر منها في المساحة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لي أن أشتري أرضا مساحتها مائة وثلاثين متراً مربعاً في ضاحية جيدة بأرض مساحتها مائة وثلاثين ألف متر مربع في ضاحية أقل مرتبة؟ هل هذا شكل من أشكال الربا الفضل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس هذا شكلاً من أشكال الربا، وليست الأرض من الأصناف التي يجري فيها ربا البيوع، كالذهب والفضة.
فيجوز بيع الأرض بالأرض، سواء تساوت المساحة أم اختلفت.
وقد ثبت في صحيح البخاري (1973) أن ابن عمر اشترى من عثمان رضي الله عنه أرضاً له في المدينة بأرض في خيبر.
قال ابن حجر في "فتح الباري": (6/438) : "وَفِيهِ جَوَازُ بَيْع الْأَرْض بِالْأَرْضِ" انتهى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5152)
حكم تظهير الشيك والعمل في الصرافة
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أسأل عن التعامل بالشيكات ومهنة الصرافة ما الحكم في ذلك؟ ملاحظة: نفرض أن معي شيكا وملزم أن آتي بنقود للموظفين الذين يعملون عندي ولا أستطيع جلب النقود إلا من وراء صرافة الشيك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يجوز التعامل بالشيك، ويقوم مقام قبض النقود في عملية الصرف، كأن يعطيك ألف ريال، وتعطيه شيكا بما يقابلها من الدولار، بشرط أن يكون الشيك مصدقا.
ويجوز التعامل بالشيك المؤجل، كأن تشتري سلعة بثمن مؤجل، وتعطي البائع شيكا بذلك.
ولا يجوز بيع الشيك المؤجل بأقل مما فيه من النقود، وصورة ذلك: أن يكون لديك شيك مؤجل، فتحتاج إلى المال، فتدفع الشيك للبنك أو لغيره، ليعطيك نقودا أقل مما في الشيك، ويأخذ الشيك ليستوفيه في وقته، فهذا محرم لأنه من بيع النقود بالنقود مع التفاضل والتأجيل، ففيه ربا الفضل والنسيئة.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: هل بيع الشيكات أو الكمبيالات حلال ولو كان بالخسارة، أي أقل من الثمن المكتوب؟
فأجابوا: "بيع الشيكات على الكيفية المذكورة لا يجوز؛ لما فيه من ربا النسأ وربا الفضل " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (13/333) .
وذهب بعض العلماء إلى أن هذه المعاملة ليست من باب بيع نقود بنقود مع التفاضل والتأخير، وإنما هي من باب القرض الذي اشترط المقرض فيه أن يسترده بزيادة، وهذه العملية تسمى أيضا بخصم الأوراق التجارية.
وعلى كلا القولين هذه المعاملة محرمة وصورة من صور الربا.
قال الدكتور علي السالوس حفظه الله: " هذه صورة أخرى من صور الإقراض التي تقوم بها البنوك الربوية، فالأوراق التجارية صكوك تتضمن التزاما بدفع مبلغ من النقود يستحق الوفاء عادة بعد وقت قصير، وتقبل التداول بطريق التظهير أو المناولة، ويقبلها العرف التجاري أداة لتسوية الديون ... ويقصد بالخصم أو القطع: دفع البنك لقيمة الورقة قبل ميعاد استحقاقها بعد خصم مبلغ معين يمثل فائدة القيمة المذكورة عن المدة بين تاريخ الخصم وميعاد الاستحقاق، مضافا إليها عمولة البنك ومصاريف التحصيل " إلى أن قال: " أما الفائدة التي يأخذها البنك فهي نظير الإقراض، ولذلك تختلف تبعا لقيمة الورقة التجارية وموعد الاستحقاق، فإن افترضنا أن الورقة التجارية قيمتها ألف جنيه، وموعد السداد بعد شهر، واحتاج صاحبها إلى قيمتها في الحال، فإن البنك يعطيه مثلا تسعمائة وخمسين محتسبا فائدة قدرها خمسون جنيها، فكأنه أقرضه تسعمائة وخمسين، ويسترد البنك دَيْنه بعد شهر بزيادة خمسين، وهي بلا شك زيادة ربوية محرمة " انتهى من "الاقتصاد الإسلامي" (1/199) .
ثانيا:
يجوز العمل في مهنة الصرافة، إذا ضبطت بالضوابط الشرعية، ومنها اشتراط القبض عند تبديل العملات المختلفة، كالجنيه بالدولار؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ.... مِثْلا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ) رواه مسلم (1587) .
وهذه العملات تقوم مقام الذهب والفضة، ولها ما لها من الأحكام.
وينظر جواب السؤال رقم (72214) و (110938) و (115001) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5153)
يتوسط البائع بين البنك والمشتري ليتعاقدا عقداً ربوياً
[السُّؤَالُ]
ـ[مسلم ببلاد الكفر وصاحب محل للأثاث يقول إن البنوك تتعامل مع أصحاب المحلات بتقديم قرض غير ربوي للزبائن يعني أن الزبون يشتري المنتج بنفس الثمن الأصلي، البنك يقوم بدفع المبلغ الكامل لصاحب المحل بينما الزبون يدفع للبنك المبلغ على دفعات في الوقت المحدد، فإن لم يسدد في الوقت المحدد زيد عليه. فهل صاحب المحل يكون قد وقع في تعامل ربوي؟ وما هو السبيل لكي يتفادى ذلك؟ مع العلم أن عدم التعامل بهذه الطريق يسبب له خسارة، وذلك بالنظر إلى أن الزبون يتهرب عند معرفة أن المحل ليس له عقد مع أي بنك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اشتراط الزيادة في القرض عند التأخر في السداد، هذا هو من ربا الجاهلية الذي جاء القرآن بتحريمه، وأجمع المسلمون على تحريمه تحريماً قطعياً.
قال القاضي أبو بكر بن العربي في "أحكام القرآن" (1/320) وهو يتكلم عن ربا الجاهلية الذي حرمه القرآن قال: " كانوا يتبايعون ويربون , وكان الربا عندهم معروفا , يبايع الرجل الرجل إلى أجل , فإذا حل الأجل قال: أتقضي أم تربي؟ يعني أم تزيدني على مالي عليك وأصبر أجلا آخر. فحرم الله تعالى الربا , وهو الزيادة" انتهى.
وبهذا يعلم أن ما تجريه هذه البنوك هو الربا المحرم فلا يجوز للعملاء الاقتراض منها، ولا يجوز لأحد إعانتهم على ذلك، وقد ورد الوعيد الشديد لكل من أعان على هذه الكبيرة القبيحة ففي صحيح مسلم (2995) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ. وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ) .
قال النووي رحمه الله في شرحه لهذا الحديث: " وفيه تحريم الإعانة على الباطل " انتهى.
فهذه المحلات التجارية وإن لم تكن آكلة للربا أو موكلة له فإنها معينة عليه متسببة في وقوعه، فعلى أصحابها أن يتقوا الله تعالى ويجتنبوا هذه المعاملات، وقد وعد سبحانه وتعالى من اتقاه بأن يجعل له مخرجا، فقال جل شأنه: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق/ 2-3.
فما دام الاتفاق يتم بينك وبين البنك، فهو محرم، وإعانة للبنك والمشتري على التعامل بالربا، وقد قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2.
أما إذا كان الاتفاق يتم بين المشتري والبنك، ولم تتوسط أنت بينهما، فلا يظهر لنا ما يمنع البيع في هذه الحالة، ويكون إثم الربا على المشتري والقائمين على البنك، أما البائع فلا حرج عليه إن شاء الله تعالى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5154)
شراء سيارة من المعرض مع توسط البنك
[السُّؤَالُ]
ـ[ذهبت إلي معرض سيارات واتفقت معه علي شراء سيارة بالتقسيط واتفقنا علي كل شيء ثم بعد ذلك أخذ مني كل البيانات المطلوبة حتى يتم الاستعلام عني من حيث السكن والوظيفة، وعلمت أن المعرض سوف يقوم بتقديم هذه الأوراق إلي البنك حتى تتم عملية الاستعلام، ثم بعد ذلك في حالة موافقة البنك يرسل ثمن السيارة إلي المعرض، وأقوم بتوقيع الأوراق لدي مندوب البنك في المعرض، وأقوم باستلام السيارة من المعرض، وأسدد إلي البنك الأقساط الشهرية، أرجو من فضيلتك توضيح هذه المسألة علي وجه السرعة وخاصة أنني جاءني موافقة البنك ولم أستلم بعد، وللعلم فأنا أعاني من كثرة الديون وأمامي فرصة لتشغيل هذه السيارة ولكني أخاف من وجود أي شبهة في هذه المسألة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان شراء السيارة سيتم بينك وبين المعرض المالك لها، فإن دخول البنك في هذه العملية، إما أن يراد به التوثيق وتسهيل إيصال الأقساط إلى المعرض في كل شهر، وهذا جائز، وإما أن يراد به التمويل، بأن يدفع البنك الثمن نقداً للمعرض، ثم يأخذه منك مقسطا بزيادة عما دفعه، وهو ما فهم من سؤالك، وهذا هو الربا المحرم؛ لكونه قرضا جر نفعا، فالبنك هنا يدفع عنك المال، ثم يأخذه بزيادة.
والصورة الجائزة لهذه المعاملة: أن يشتري البنك السيارة من المعرض شراءاً حقيقياً، وينقلها من المعرض، ثم يبيعها لك بالتقسيط بما تتفقان عليه من السعر.
وانظر جواب السؤال رقم (104815) .
وأما الصورة المذكورة في السؤال فهي ربا، وقد لعن الرسول صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5155)
يلزمهم البنك بتسلم مبلغ الحوالة بالعملة المحلية
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في مجال " الحوالات المالية "، حيث يتم إرسال المبلغ لمكتبنا بالدولار - عن طريق البنوك المحلية - ونعطيه للناس بالدولار، ويدفع المرسِل نسبة قليلة أجرة الإرسال، ولكن تغير الأمر بعد حصار " قطاع غزة "، حيث لم يكن بالإمكان إعطاء الناس حوالاتهم بالدولار كما يتم إرساله، وإنما بالعملة المحلية، وبسعر صرف البنك، وهو أقل من سعر صرف السوق بنسبة 3 % يعني: كل مائة دولار، يخسر فيهن المستلم 3 دولار، وهذا لأن البنك يسلِّم لنا قيمة الحوالة التي نسلمها للناس بهذه القيمة، وأنا بصراحة: أرى أن هذه المعاملة فيها غبن للمستلم؛ حيث إن من حقه استلام حوالته بالدولار - كما تم إرسالها - فهل لك أن تفيدني؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سبق الكلام على الحوالة في جواب السؤال رقم (87656) و (110938) .
وإذا تمت الحوالة فالواجب أن يسلم المبلغ بالعملة التي تم تحويلها، ولا يجوز إجبار المستلم على صرفه بالعملة المحلية، لأن هذا إجبار للإنسان أن يبيع ملكه، وبالسعر الذي لا يريده، وقد قال الله تعالى: (لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) النساء/29، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما البيع عن تراض) رواه ابن حبان، وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (1283) .
وإذا كنتم مكرهين على صرفها بالعملة المحلية وبالسعر الذي يحدده البنك، فلا إثم عليكم في ذلك، وإنما الإثم على من ظلم الناس وأكل حقوقهم بغير حق.
ولكن عليكم أن تبينوا للعميل ذلك، حتى لا يكون هناك خداع أو غش.
ونسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين، ويعيد إليهم حقوقهم المغتصبة، ويكبت أعداءهم.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5156)
حكم التورق العكسي أو المرابحة العكسية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم التورق العكسي الذي تجريه بعض البنوك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المقصود بـ "التورق العكسي" ويسمى أيضاً بـ ""المرابحة العكسية" أن العميل (المودِع) يوكل البنك في شراء سلعة معينة، ويسلم العميل البنك الثمن نقداً، ثم يقوم البنك بشراء هذه السلعة من العميل بثمن مؤجل، وبربح يتم الاتفاق عليه مع العميل.
وهذه المعاملة محرمة، وهي لا تختلف عن التورق المنظم الذي تجريه البنوك، إلا في تبدل الأدوار بين العميل والبنك، فالأصل أن العميل هو المشتري، والبنك هو البائع، والأمر هنا بالعكس، لذلك هم يسمونها "التورق العكسي" وقد سبق في جواب السؤال رقم (82612) و (98124) بيان تحريم التورق المنظم والمؤاخذات الشرعية عليه.
وقد صدر قرار من مجمع الفقه الإسلامي بتحريم هذه المعاملة الواردة في السؤال، ونصه:
"الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده؛ نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي في دورته التاسعة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة في الفترة من 22ـ27/شوال/1428هـ الذي يوافقه 3ـ8/نوفمبر/2007م قد نظر في موضوع: (المنتج البديل عن الوديعة لأجل) ، والذي تجريه بعض المصارف في الوقت الحاضر تحت أسماء عديدة، منها: المرابحة العكسية، والتورق العكسي أو مقلوب التورق، والاستثمار المباشر، والاستثمار بالمرابحة، ونحوها من الأسماء المحدثة أو التي يمكن إحداثها.
والصورة الشائعة لهذا المنتج تقوم على ما يلي:
1. توكيل العميل (المودِع) المصرف في شراء سلعة محددة، وتسليم العميل للمصرف الثمن حاضراً.
2. ثم شراء المصرف للسلعة من العميل بثمن مؤجل، وبهامش ربح يجري الاتفاق عليه.
وبعد الاستماع إلى البحوث والمناقشات المستفيضة حول هذا الموضوع، قرر المجلس عدم جواز هذه المعاملة؛ لما يلي:
1. أن هذه المعاملة مماثلة لمسألة العينة المحرمة شرعاً، من جهة كون السلعة المبيعة ليست مقصودة لذاتها، فتأخذ حكمها، خصوصاً أن المصرف يلتزم للعميل بشراء هذه السلعة منه.
2. أن هذه المعاملة تدخل في مفهوم (التورق المنظم) وقد سبق للمجمع أن قرر تحريم التورق المنظم بقراره الثاني في دورته السابعة عشرة، وما علل به منع التورق المصرفي من علل يوجد في هذه المعاملة.
3. أن هذه المعاملة تنافي الهدف من التمويل الإسلامي، القائم على ربط التمويل بالنشاط الحقيقي، بما يعزز النمو والرخاء الاقتصادي.
والمجلس إذ يقدر جهود المصارف الإسلامية في رفع بلوى الربا عن الأمة الإسلامية، ويؤكد على أهمية التطبيق الصحيح للمعاملات المشروعة والابتعاد عن المعاملات المشبوهة أو الصورية التي تؤدي إلى الربا المحرم فإنه يوصي بما يلي:
1. أن تحرص المصارف والمؤسسات المالية على تجنب الربا بكافة صوره وأشكاله؛ امتثالاً لقوله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) .
2. تأكيد دور المجامع الفقهية، والهيئات العلمية المستقلة، في ترشيد وتوجيه مسيرة المصارف الإسلامية؛ لتحقيق مقاصد وأهداف الاقتصادي الإسلامي.
3. إيجاد هيئة عليا في البنك المركزي في كل دولة إسلامية، مستقلة عن المصارف التجارية، تتكون من العلماء الشرعيين والخبراء الماليين؛ لتكون مرجعاً للمصارف الإسلامية، والتأكد من أعمالها وفق الشريعة الإسلامية.
والله ولي التوفيق وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه" انتهى.
http://www.themwl.org/Fatwa/default.aspx?d=1&cidi=166&l=AR&cid=10
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5157)
تحويل العملات إلى بلد آخر وأخذ الأجرة على ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن لدينا شركة تحويل أموال إلى القرن الإفريقي ونحب أن نستوضح عن معاملاتنا. السؤال جاءني رجل يريد التحويل إلي السودان ودفع لي مائة ريال وقلت له أدفع لك خمسمائة وعشرين جنيها سودانيا وطلبت منه أيضا دفع رسوم تحويل عشرين ريالا ثم سلمته إيصالا بالتحويل واتفقت معه علي دفع المال في السودان بعد ثلاثة أيام. -هل رسوم التحويل جائزة؟ - سعر الصرف في السودان خمسمائة وخمس وعشرون هل يجوز أن أقول للمرسل سعر التحويل خمسمائة وعشرون لأربح خمسة جنيهات؟ - هل دفع المال في السودان بعملة غير التي استلمتها من المرسل جائز؟ - هل إعطاء الإيصال يغني عن التقابض لتعذر التسليم في نفس الوقت؟ -إذا اتصل المرسل وطلب تحويل مائة دولار إلي السودان علي أن يدفع بعد أسبوع أو شهر فقبلت المعاملة وأرسلت له سند تحويل عبر الفاكس أو الإيميل مدون عليها أنه دين علي المرسل لأجل، على أن يدفع المال بالريال بسعر صرف نفس يوم السداد هل هذه المعاملة جائزة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
تبديل عملة بعملة، يسمى بالصرف، ويشترط فيه التقابض في مجلس العقد؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ ... مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ) رواه مسلم (2970) من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه.
والريالات والدولارات وغيرها من العملات أجناسٌ مستقلة لها ما للذهب والفضة من الأحكام، فلا يجوز شراء عملة بعملة إلا يدا بيد.
وقد ذهب كثير من أهل العلم إلى أن القبض يحصل باستلام الشيك المصدق، أو ورقة الحوالة.
جاء في قرار مجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته الحادية عشرة ما نصه: " بعد الدراسة والبحث قرر المجلس بالإجماع ما يلي:
" أولا: يقوم استلام الشيك مقام القبض عند توفر شروطه في مسألة صرف النقود بالتحويل في المصارف.
ثانياً: يعتبر القيد في دفاتر المصرف في حكم القبض لمن يريد استبدال عملة بعملة أخرى سواء كان الصرف بعملة يعطيها الشخص للمصرف أو بعملة مودعة فيه " انتهى.
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: ما حكم المال المحول من عملة لعملة أخرى، مثلاً أقبض راتبي بالريال السعودي، وأحوله للريال السوداني، علماً بأن الريال السعودي يساوي ثلاثة ريالات سودانية، هل هذا رباً؟
فأجابوا: "يجوز تحويل الورق النقدي لدولة إلى ورق نقدي لدولة أخرى، ولو تفاوت العوضان في القدر؛ لاختلاف الجنس، كما في المثال المذكور في السؤال، لكن بشرط التقابض في المجلس، وقبض الشيك أو ورقة الحوالة حكمه حكم القبض في المجلس " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/448) .
وعليه؛ فإذا أعطيت العميل إيصالا معتمدا بالتحويل، كان هذا بمثابة القبض.
ثانيا:
يجوز للشركة أو البنك أخذ رسوم على التحويل، لأنها أجرة في مقابل توفير المال في البلد الآخر. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (87656) .
ثالثا:
للشركة أن تصارف العميل بما يتفقان عليه من السعر، ولو كان أقل أو أكثر من سعر السوق، بشرط عدم خديعة العميل.
فيجوز أن تصارف العميل على أن المائة ريال بخمسمائة وعشرين جنيها، وإن كان سعر الصرف في السودان بخمسمائة وخمسة وعشرين جنيها؛ وقد تسامح العلماء في بيع السلعة بأكثر من ثمن السوق، إذا كان الفارق يسيراً، أما إذا كان الفارق كبيراً، فهذا محرم، لما فيه من خداع المشتري وأكل ماله بالباطل.
رابعا:
الصورة الأخيرة المسؤول عنها لا تجوز، لأن الشركة تكون أقرضت العميل 100 دولارا، أو ما يعادلها من العملة السودانية التي تم تحويلها إلى السودان، واتفقت معه على أن يكون السداد بالريال، ولا يجوز في القرض أن يتم الاتفاق على أن يكون السداد بعملة أخرى غير عملة القرض، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (99642) .
ولأن في هذه المعاملة تم بيع عملة بأخرى من غير أن يحصل التقابض في مجلس العقد، وهذا محرم كما سبق [صرف 100 دولار بما يقابلها بالعملة السودانية ثم تحويلها إلى السودان] .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5158)
بنى أبوه بيتا بالربا ويريد أن يملّكه له
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل موظفا في دائرة حكومية، وأتقاضى راتبا لا يكفي لتأسيس بيت وأسرة وزواج إلى آخره. أبي طلب مني قبل سنة أن آخذ قرضا من البنك ليقوم ببناء بيت، ولكني رفضت؛ لأن الربا محرم وكبيرة من الكبائر، وبينت له ذلك، لكني فوجئت بعد فترة بأن أبي قام هو بنفسه بأخذ قرض ربوي من البنك، وأخبرني أن الذنب يقع عليه، ليس علي، ثم باشر بعد ذلك بناء بيت لي، وقال لي: إن تكاليف بناء البيت ستكون دينا في ذمتي، وأقوم بتسديدها على أقساط شهرية، دون زيادة أو تقصان، وبين لي أن هذا جائز ولا حرج علي؛ فلم أرد إغضابه ووافقته على الموضوع، ولقد تم ذلك ودفعت له أكثر من أربعة أقساط شهرية، ولكنني حتى الآن لست مطمئنا: هل ما أقوم به إعانة على الربا أم لا؟ وإذا كان كذلك، كيف أقوم بالتملص من البيت دون أن أغضب أبي؟ علما بأنني قبل يومين أبديت له عدم موافقتي على البيت، وقلت له إن البيت محرم علي وأقسمت ألا ادخله، ولكنه غضب مني ولا يتكلم معي!! والله إن الأمر يضايقني كثيرا، وأنا محتار في أمري؛ لا أعلم هل هذا حرام أم حلال؛ فأنا بين نارين: نار الربا من جهة، ونار غضب أبي من جهة أخرى؟!! أفتوني بارك الله فيكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نحمد الله أن وفقك للصواب، وامتنعت عن أخذ القرض الربوي؛ لما لا يخفى من حرمة الربا، وسوء عاقبته، ولا يعد ذلك عصيانا أو عقوقا؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخلق، بل عدم إعانة الأب على ما يريد من الحرام، هو بر وإحسان إليه.
ثانيا:
الواجب على أبيك أن يتوب إلى الله تعالى من هذا الذنب العظيم، ولا حرج عليه في الاستمرار في سداد ما أخذه، مع التوبة، وإن استطاع أن يتخلص من الفائدة الربوية، ولو بالحيلة، من غير مضرة، فليفعل.
ولا حرج عليه في الانتفاع بسكنى البيت، لأنه مبني بمال ملكه ملكا صحيحا، وعليه إثم الربا.
ولا حرج على أبنائه في السكنى أيضا.
ثالثا:
للأب أن يبيع هذا البيت أو يؤجره أو يهبه، لك أو لغيرك، فإن رغب في بيعه لك بأقساط شهرية، فلا حرج في ذلك.
والمقصود أن من اقترض بالربا، وقع في الحرام العظيم، لكنه يملك المال، ويجوز له الانتفاع به في أصح قولي العلماء. وينظر: "المنفعة في القرض" لعبد الله بن محمد العمراني، ص 245- 254
وقد سئلت اللجنة الدائمة عن رجل اقترض قرضاً ربوياً وبنى بيتاً، فهل يهدم البيت أم ماذا يفعل؟ فأجابت:
" إذا كان الواقع كما ذكرت، فما حصل منك من القرض بهذه الكيفية حرام، لأنه ربا وعليك التوبة والاستغفار من ذلك، والندم على ما وقع منك، والعزم على عدم العودة إلى مثله، أما المنزل الذي بنيته فلا تهدمه، بل انتفع به بالسكنى أو غيرها، ونرجو أن يغفر الله لك ما فرط منك " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/411) .
لكن الذي نلفت نظرك إليه هنا أن تتلطف في نصح والدك ووعظه، وأن تبين له خطورة الجرأة على حدود الله، وانتهاك حرماته، والتهاون بمثل هذه الكلمة: الذنب علي؛ فإن هذا يدل على جهالة بخطر المعصية، وجرأة على مقام من عصيته سبحانه: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) النور/63
نسأل الله أن يتجاوز عن والدك، وأن يغنيكم بحلاله عن حرامه وبفضله عمن سواه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5159)
دفع تأمين لتجميد سعر الصرف
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي شركة استيراد وتصدير، وأحتاج أن أحول أموالاً إلى المُصَدِّر بعملة أجنبية، ولكن تواجهني مشكلة اختلاف قيمة العملة واضطرابها مما يعرضني للخسارة، وهناك إمكانية لتجميد سعر الصرف عندما نريد تحويل عملة أجنبية ما إلى العملة الوطنية. حيث تكون حساباتنا بالعملة الوطنية وبسبب خوفنا من نزول صرف سعر تلك العملة مقابل العملة الوطنية نقوم بدفع مقابل تجميد سعر الصرف في مستوى نريده لكي لا نتعرض للخسارة غير المحسوبة. فهل هذه العملية جائزة مع العلم أنه إذا لم نقم بها فإننا قد نتعرض لخسارة كبيرة وخاصة أننا نتعامل بعملات سريعة التغير كالدولار واليورو وغيرها ... ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
حقيقة هذا التجميد هي بيع عملة بعملة أخرى مع عدم التقابض في مجلس البيع، والمشتري بالخيار: له أن يمضي الصفقة بالسعر المتفق عليه، وله أن يترك ذلك، لكن بشرط أن يدفع للبنك ما تم الاتفاق عليه مقابل تجميد سعر الصرف، وهذا العقد حرام، لأنه بيع عملة بأخرى من غير تقابض في المجلس.
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: هل يجوز شراء العملات الأجنبية، بما يسمى: (عقد حق الخيار) حيث تتم عملية الشراء على النحو التالي: يقوم المشتري بالاتفاق مع مصرف ما، على حق الخيار الذي منحه المصرف للمشتري (المستفيد) يدفع المستفيد رسما أو علاوة للبائع (المصرف) يسدد وقت الدخول في عقد حق الخيار لشراء العملة، وخلال المدة المتفق عليها يمكن للمشتري أن يدفع السعر المتفق عليه، ويشتري العملة، بغض النظر عن السعر السائد في السوق وقت الشراء الفعلي، كما أن المشتري ليس ملزما بأن يشتري العملة، ويقتصر التزامه في حالة عدم رغبته في إتمام عملية الشراء على دفع العلاوة التي سددها في بداية العقد مقابل إتاحة حق الخيار له؟
مثال: عقد حق الخيار في شراء 100.000 مارك بسعر 2.20 ريال للمارك، مدة حق الخيار 3 أشهر، رسم حق الخيار دفع للمصرف 5 هللات للمارك الواحد.
فأجابت: "لا يجوز بيع وشراء العملات بعضها ببعض إلا إذا تم التقابض في مجلس العقد، وإذا كانت من جنس [واحد] فلا بد من التماثل مع التقابض، فقد ثبت في الصحيحين وغيرهما عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلا بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا منها غائبا بناجز) فدل قوله عليه الصلاة والسلام: (ولا تبيعوا منها غائبا بناجز) على اشتراط التقابض في مجلس العقد، وعدم صحة بيع الخيار" انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (13 / 456) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5160)
حكم ما يفعله تجار الذهب من أخذ الذهب من تجار الجملة وتسديد القيمة على دفعات
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أحد العاملين في التجارة بيعا وشراء في الذهب المصاغ، والذي نقوم بشرائه من التجار المستوردين بالجملة، نسدد القيمة لهم على دفعات، فهل هذه الطريقة التي أتعامل بها ويتعامل بها جميع العاملين في هذه المهنة حلال أو حرام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الواقع كما ذكر من البيع والشراء في الذهب المصوغ؛ فالتعامل فيه على هذه الطريقة حرام، إذا كان الثمن الذي يسدد به ما اشترى من الذهب المصاغ على دفعات من النقدين الذهب أو الفضة أو ما يقوم مقامهما من الأوراق النقدية؛ لما في ذلك من ربا النسأ، وقد يجتمع في هذا التعامل ربا الفضل وربا النسأ إذا اتحد ما اشترى وما دفع ثمنا له، بأن كان كل منهما ذهبا مثلا، وكان متفاوتا في الوزن، وكان التسديد على دفعات.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (13/467) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5161)
العمل في شركة استثمارية يشارك البنك في رأسمالها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا الآن أعمل في بنك غير إسلامي وقد نويت تركه. أريد أن أسأل إذا كان علي تركه مباشرة أم بعد ما أجد بديلا؟ مع العلم أني متزوج وهناك مصاريف والتزامات ومعي مبلغ من المال لا أدري إلى متى يمكن أن يعيلني وليس لدي مصدر للمال غير الوظيفة, كما أن دراستي وخبرتي كلها هي في المجال المالي. أود أن أسأل أيضا عن مشروعية العمل في شركات الاستثمار التي بدأ إنشاؤها في الفترة الماضية. هذه الشركات لا تتعامل بالإقراض ولكن رأس مال بعض هذه الشركات يكون من البنوك كشريك في هذه الشركات. سؤالي الأخير حول ما أملكه من أسهم في بنك وماذا علي أن أفعل بهذه الأسهم علما بأنه تم شراؤها منذ مدة ولا أدري كم هو أصل المبلغ المستثمر]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا يجوز العمل في البنك الربوي، لأن العامل فيه إما أن يباشر الربا كتابة أو شهادة، وإما أن يعين على ذلك بوجه من الوجوه. وقد جاء في الربا من الوعيد ما لم يأت في غيره من الذنوب.
وقد أفتى كبار أهل العلم بتحريم العمل في البنوك الربوية، ولو كان العمل فيما لا يتصل بالربا كالحراسة، والنظافة، والخدمة.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (15/41) : " لا يجوز لمسلم أن يعمل في بنك تعامله بالربا، ولو كان العمل الذي يتولاه ذلك المسلم غير ربوي؛ لتوفيره لموظفيه الذين يعملون في الربويات ما يحتاجونه ويستعينون به على أعمالهم الربوية، وقد قال تعالى: (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَان) المائدة/2" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
وانظر جواب السؤال رقم (26771) .
وبناء على ذلك فالواجب عليك أن تبادر بترك هذا العمل المحرم، واعلم أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، وأن المال الحلال القليل يبارك الله تعالى فيه.
ثانيا:
أما العمل في الشركات التي يكون البنك الربوي شريكاً فيها، فهو جائز بشرط أن يكون العمل مباحاً لا علاقة له بالربا.
والأصل في جواز هذه المشاركة أمران: الأول: معاملة الصحابة رضي الله عنهم لليهود مع أكلهم الربا، وانتشاره فيهم.
الثاني: أن المال المحرم لكسبه (كالربا) حرام على كاسبه فقط، فلا حرج على من تعامل مع المرابي تعاملا مباحا من بيع أو شراء أو شركة.
والأولى أن يشارك الإنسان أصحاب الأموال المباحة الناتجة عن كسب طيب.
ثالثا:
لا يجوز شراء أسهم البنوك الربوية، وعلى من ابتلي بذلك أن يتخلص منها، وله رأس ماله.
ويمكنك معرفة رأس المال عن طريق سؤال البنك، فإذا أخذت قيمة الأسهم، احتفظت بأصلها، وتخلصت مما زاد على ذلك بإنفاقه في وجوه الخير والبر.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/508) : "المساهمة في البنوك أو الشركات التي تتعامل بالربا لا تجوز، وإذا أراد المكتتب أن يتخلص من مساهمته الربوية فيبيع أسهمه بما تساوي في السوق ويأخذ رأس ماله الأصلي فقط، والباقي ينفقه في وجوه البر، ولا يحل له أن يأخذ شيئاً من فوائد أسهمه أو أرباحها الربوية " انتهى.
نسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق والسداد والرشاد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5162)
عنده شركة استيراد وتصدير ومضطر للتعامل مع البنوك الربوية
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي شركة استيراد وتصدير ونحن بالمغرب لا يوجد لدينا بنوك أو شركات إسلامية. وجميع التعاملات التجارة الدولية تتم عبر البنوك مما يضطرنا لفتح حساب بالبنك باسم الشركة أو اسم المسؤول. هل في هذا حرج أو لا؟ وإذا كان هذا غير جائز فما العمل؟ وكيف نقوم بتسيير شؤوننا؟ كذلك أنا لدي حساب في بنك تقليدي بالمغرب. هل يجوز وضع المال هناك دون أخذ الفوائد أو أخذها والتصدق بها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز فتح حسابات في البنوك الربوية، وإن لم يأخذ صاحب الحساب فوائد ربوية، لما في ذلك من الإعانة لهذه البنوك على الإثم والمنكر، والله تعالى يقول: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2.
لكن إذا احتاج المسلم لوضع أمواله عندهم، كأن لم يجد مأمنا في غيرها، أو كان رجل أعمال ولا يمكنه إتمام أعماله إلا عن طريق الشيكات، أو عن طريق التحويل البنكي، ونحو ذلك، فلا حرج في فتح حساب في البنك، على أن يكون الحساب بغير فوائد، وبهذا أفتى العلماء المعاصرون، فقد جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة (13/346) : " لا يجوز إيداع النقود ونحوها في البنوك الربوية ونحوها من المصارف والمؤسسات الربوية، سواء كان إيداعها بفوائد أو بدون فوائد؛ لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان، وقد قال تعالى) : ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) ، إلا إذا خيف عليها من الضياع، بسرقة أو غصب أو نحوهما، ولم يجد طريقا لحفظها إلا إيداعها في بنوك ربوية مثلا، فيرخص له في إيداعها في البنوك ونحوها من المصارف الربوية بدون فوائد , محافظةً عليها؛ لما في ذلك من ارتكاب أخف المحظورين" انتهى.
وجاء في قرارات "مجمع الفقه الإسلامي": "يحرم على كل مسلم يتيسر له التعامل مع مصرف إسلامي أن يتعامل مع المصارف الربوية في الداخل أو الخارج؛ إذ لا عذر له في التعامل معها مع وجود البديل الإسلامي، ويجب عليه أن يستعيض عن الخبيث بالطيب، ويستغني بالحلال عن الحرام" انتهى.
فإذا لم تتمكنوا من التعاملات مع الخارج إلا عن طريق البنوك الربوية ولم تجدوا بديلاً عنها فإنه لا حرج عليكم في التعامل معها في الحسابات الجارية، وإذا أعطوكم فوائد مع كونكم لم تتعاقدوا عليها فعليكم أن تنفقوها في مصالح المسلمين العامة كالمساجد والطرق ونحو ذلك مما يشترك فيه المسلمون، أو تعطوها للفقراء من المسلمين. فهذا هو مصرف المال الحرام، جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/354) : " الفوائد الربوية من الأموال المحرمة، قال تعالى: (وأحل الله البيع وحرم الربا) ، وعلى من وقع تحت يده شيء منها التخلص منها بإنفاقها فيما ينفع المسلمين، ومن ذلك: إنشاء الطرق وبناء المدارس , وإعطاؤها الفقراء" انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5163)
العمل في تقدير قيمة السيارات للبنوك الربوية ولغيرهم
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في مجال بيع السيارات، وأحيانا كثيرة تقوم بعض البنوك الربوية بالاتصال معي لسؤالي والتأكد مني من أسعار بعض السيارات، وذلك للتأكد من سعرها الحقيقي، حتى يعرفوا كيف يعطوا الزبون القادم إليهم قرضاً لشراء تلك السيارة، وهم يثقون بي، ويعرفون أني لا أعطيهم إلا السعر الحقيقي لهذه السيارة، مع أني لا أتعامل معهم، فلذلك قررت أن أفتح مكتباً لتقدير السيارات، بحيث يأتي أي شخص، ويطلب مني تقدير سيارة يود شراءها على أن أعطيه كتاباً خطيّاً بذلك موجهاً لأحد من البنوك الربوية، وبالمقابل يعطيني أجري، فهل هذا جائز؟ وإن كان غير جائز فهل يجوز لي أن أجيب هذه البنوك عن أسعار السيارات إذا اتصلوا معي على الهاتف؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله تعالى أن يهديك لما فيه رضاه، وأن يوفقك لما فيه خير دنياك وأخراك، وأن يرزقك رزقاً حسناً طيِّباً مباركاً فيه.
ونشكر لك حرصك على تحري الكسب الحلال في وقت تكالب فيه الناس على الأعمال والوظائف غاضين الطرف عن حكم الشرع فيما يفعلون، إلا من رحم الله منهم.
وأما بخصوص ما سألتَ عنه:
1. التعاون مع البنوك الربوية بتقدير أسعار السيارات لها: لا يجوز؛ لأنه من التعاون على الإثم، وبفعلك هذا تصبح مساعداً على العقد الربوي المحرَّم الذي سيجري بين البنك وبين الطرف الآخر الراغب في الحصول على ذلك القرض، وقد حرَّمت الشريعة المطهرة الإثم، وحرَّمت الإعانة عليه.
قال الله تبارك وتعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/ 2.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله:
" (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ) وهو التجرؤ على المعاصي التي يأثم صاحبها.
(وَالْعُدْوَانِ) وهو التعدي على الخَلْق، في دمائهم، وأموالهم، وأعراضهم، فكل معصية وظلم يجب على العبد كف نفسه عنه، ثم إعانة غيره على تركه.
(وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) على من عصاه وتجرأ على محارمه، فاحذروا المحارم لئلا يحل بكم عقابه العاجل والآجل" انتهى.
" تفسير السعدي " (ص 218) .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
لدي مكتب متخصص في تحصيل الديون، وأقوم بتحصيلها مقابل أتعاب محددة أتقاضاها بموجب اتفاق مبرم مع صاحب الدين، فهل في هذا محذور؟ ثم إنه تتصل بي بعض البنوك لتطلب مني تحصيل ديونها لدى الغير، ويدفعون لي أتعابا إلا أنني لم أوافق حتى الآن؛ لأستنير برأيكم وتوجيهكم الشرعي؟ ثم هل يشترط أخذ الأتعاب من صاحب الدين قبل أو بعد استحصال مبلغه؟ وهل في تحديد نسبة مئوية من أصل المبلغ كأتعاب أي محذور؟
فأجابوا:
"إذا كانت الديون غير ربوية فلا بأس بأخذ الأجرة على تحصيلها لصاحبها ممن هي عليه، أما الديون الربوية: كمداينات البنوك التجارية، فلا يجوز للمسلم أن يسعى في تحصيلها، ولا أخذ الأجرة على ذلك؛ لأن هذا من التعاون على الإثم والعدوان، ومن إقرار المنكر.
ومبلغ الأجرة ووقت أخذها راجعان إلى ما يصطلح عليه الطرفان؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (المسلمون على شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا) " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (14 / 269،270) .
2. فتح مكتب لتقدير أسعار السيارات للراغبين بشرائها: جائز في الجملة، والحالات التي لا يجوز لك فيها تقدير أسعارها: هي تلك التي تحتوي على عقود محرَّمة كتلك التي تفعلها البنوك والمؤسسات الربوية بعد أخذها تقدير قيمة السيارات، وأما التعامل مع الراغبين بالشراء المباح من البائع نفسه دون وساطات البنوك ومثيلاتها: فلا بأس به، وهو من العمل المباح، ونبشرك بالخير العظيم والأجر الجزيل إن اتقيت ربك تعالى، وتركت العمل المحرَّم مع البنوك والمؤسسات الربوية، واقنع بما يأتيك من حلال ولو قلَّ، ولا تلتفت إلى الحرام وإن كثر وعظُم.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5164)
من صور القبض: الشيك والحوالة والإيداع في الحساب
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن تجار من بلد عربي نتعامل مع دول أوروبية , ولشراء السلع في هذه الدول يلزمنا أن نشتري العملة الأوروبية. فالدولة التي نعيش فيها لا تسمح لنا بالخروج بالعملة الأوروبية من بلدنا إلا بقيمة مالية صغيرة جداً لا تكفي لتسديد السلع هناك في الخارج , وهذا ما يلزمنا أن نشتري العملة هناك في أوروبا أي ندفع الدينار في بلدنا مسبقا وبعدها نقبض العملة الأجنبية هناك في البلد الذي نسعى إليه لشراء السلع. وآخرون يدفعون رشاوى للجمارك في المطار ببلدنا للمرور بالعملة الأجنبية إلى الخارج, وفي بعض الأحيان يلقى القبض عليهم فتؤخذ أموالهم ويضطرون إلى دفع غرامة مالية كبيرة. هل شراء العملة بهذه الكيفية تهربا من الرشوة والمكوس يعتبر جائزا أم لا؟ وليس لنا حل آخر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
مبادلة العملات النقدية المختلفة يسمى بالصرف، ويشترط لجوازه حصول التقابض في المجلس؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، مِثْلا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ) رواه مسلم (1587) .
والعملات النقدية تقوم مقام الذهب والفضة فيجب عند بيع عملة بأخرى أن يكون ذلك (يداً بيد) وهو ما يعبر عنه الفقهاء بقولهم: التقابض في مجلس العقد، أي: لا يجوز أن يفترق البائع والمشتري قبل أن يقبض كل واحد منهما ما يخصه من النقود.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " المعاملة بالبيع والشراء بالعُمَل جائزة، لكن بشرط التقابض
يداً بيد إذا كانت العمل مختلفة، فإذا باع عملة ليبية بعملة أمريكية أو مصرية أو غيرهما يداً بيد فلا بأس، كأن يشتري دولارات بعملة ليبية يداً بيد، فيقبض منه ويُقبضه في المجلس، أو اشترى عملة مصرية أو إنجليزية أو غيرها بعملة ليبية أو غيرها يداً بيد فلا بأس، أما إذا كانت إلى أجل فلا يجوز، وهكذا إذا لم يحصل التقابض في المجلس فلا يجوز، لأنه والحال ما ذكر يعتبر نوعاً من المعاملات الربوية، فلا بد من التقابض في المجلس يداً بيد إذا كانت العُمَل مختلفة، أما إذا كانت من نوع واحد فلا بد من شرطين: التماثل والتقابض في المجلس، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ. . ثم ذكر الحديث) .
والعُمَل حكمها حكم ما ذكر، إن كانت مختلفة جاز التفاضل مع التقابض في المجلس، وإذا كانت نوعاً واحداً مثل دولارات بدولارات، أو دنانير بدنانير فلا بد من التقابض في المجلس والتماثل، والله ولي التوفيق " انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (19/171- 174) .
والقبض يحصل بصور، منها: الشيك، وورقة الحوالة والإيداع في الحساب.
وقد صدر عن المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي في دورته الحادية عشرة قرار جاء فيه: " بعد الدراسة والبحث قرر المجلس بالإجماع ما يلي:
أولا: يقوم استلام الشيك مقام القبض عند توفر شروطه في مسألة صرف النقود بالتحويل في المصارف.
ثانياً: يعتبر القيد في دفاتر المصرف في حكم القبض لمن يريد استبدال عملة بعملة أخرى سواء كان الصرف بعملة يعطيها الشخص للمصرف أو بعملة مودعة فيه " انتهى.
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
ما حكم المال المحول من عملة لعملة أخرى، مثلاً أقبض راتبي بالريال السعودي، وأحوله للريال السوداني، علماً بأن الريال السعودي يساوي ثلاثة ريالات سودانية، هل هذا رباً؟
فأجابوا:
"يجوز تحويل الورق النقدي لدولة إلى ورق نقدي لدولة أخرى، ولو تفاوت العوضان في القدر؛ لاختلاف الجنس، كما في المثال المذكور في السؤال، لكن بشرط التقابض في المجلس، وقبض الشيك أو ورقة الحوالة حكمه حكم القبض في المجلس " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (13/448) .
فإذا كنت تدفع الدينار في بلدك لأحد المصارف، ويعطيك شيكا أو حوالة بما يقابل المبلغ بالعملة الأوربية فلا حرج في ذلك.
وكذلك لو دفعت الدينار في بلدك لمن يضع في حسابك في الخارج في نفس الوقت مقابله من العملة الأوربية، فهذا جائز أيضا.
ثانيا:
لا يجوز أخذ المكوس على البضائع والنقود وغيرها، وللإنسان أن يتخلص منها ببذل بعض ماله، وليس له أن يقع في الربا لتفادي ذلك.
وقد سبق الكلام على مسألة دفع الرشوة للتخلص من الظلم أو الوصول إلى حق، في جواب السؤال رقم (25758) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5165)
الصلاة في بيت بني بقرض ربوي
[السُّؤَالُ]
ـ[لي أخ يسكن في بيت بناه من قرض ربوي، وأنا عندما أزوره آكل في هذا البيت وأصلي، فما حكم ذلك من ناحية كون هذه الصلاة تجوز أم لا والأكل حلال أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الاقتراض بالربا محرم تحريما شديدا؛ لما جاء فيه من الوعيد واللعن، سواء كان لبناء منزل أو شراء سيارة أو لغير ذلك.
وعلى من ابتلي بذلك أن يتوب إلى الله تعالى، ويعزم على عدم العود إلى مثله أبدا.
وما اشتراه أو بناه بهذا القرض من بيت وغيره، فله الانتفاع به؛ لأن المال المقترض بالربا مملوك له، فيصح ما فعله به من شراء أو بناء.
وعليه؛ فلا حرج عليك في دخول بيته والصلاة فيه، والأكل من طعامه، مع دعوته للتوبة والندم على ما قدم.
وينظر جواب السؤال رقم (22905) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5166)
هل تقترض بالربا لتكمل دراستها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[طبيبة مهاجرة لكندا تود إكمال دراستها ولكنها لا تمتلك المال، وتمنح الحكومة الكندية قرضا يغطي تكاليف الدراسة بفائدة، يتم إرجاعه بأقساط بعد الحصول على عمل، فما الحكم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز الاقتراض مع دفع الفائدة؛ لأنه من الربا المحرم، وقد جاء في شأن الربا وعيد شديد معلوم، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278-279.
وروى مسلم (1598) عن جابر رضي الله عنه قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا، ومؤكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال: هم سواء) .
ولا فرق في ذلك بين أن يكون الاقتراض لشراء مسكن، أو لدراسة أو غير ذلك، ولا يستثنى إلا الضرورة وهي وجود الخطر على النفس أو الأعضاء؛ لقول الله تعالى: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) الأنعام/119.
قال الزركشي رحمه الله: " فالضرورة: بلوغه حدّاً إن لم يتناول الممنوع هلك، أو قارب كالمضطر للأكل واللبس، بحيث لو بقي جائعاً أو عرياناً لمات، أو تلف منه عضو، وهذا يبيح تناول المحرم" انتهى.
"المنثور في القواعد" (2/319) .
وينظر جواب السؤال رقم (94823) ، ورقم (85197) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5167)
إقراض البنك المال للطلاب وحديثي التخرج بفائدة
[السُّؤَالُ]
ـ[ظاهرة جديدة طرحتها البنوك وهى إعطاء مبلغ مالي للطلاب وحديثي التخرج بضمان الجامعة أو العمل بحيث ينقسم المبلغ إلى 60% نقدي و40% مشتريات والفائدة على السحب النقدي تبدأ من أول يوم سحب والفائدة على المشتريات تبدأ من بعد 45 يوم من تاريخ السحب فأريد أن أعرف هل هذا ربا؟ وإن كان ربا وقد تم التعامل فما الكفارة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ما ذكرته صورة من صور القرض الربوي الذي تمارسه البنوك الربوية، إصرارا على الباطل، ومجاهرة بالإثم، ونشرا للفساد في الأرض، فإن الله تعالى توعد أهل الربا بالحرب، وجعل عاقبته المحق، ولهذا كثرت الجرائم، والحوادث، والأمراض، والابتلاءات، وظن بعض الغافلين أن البنوك تحسن إلى الشباب والعاطلين، وما شعروا أن الربا من أسباب بلائهم وفقرهم وتدهور مجتمعاتهم.
وقد أجمع أهل العلم قديما وحديثا – إلا من شذ – أن كل قرض جر نفعا فهو ربا، فالقروض ذات الفوائد ربا محرم من غير شك.
قال ابن قدامة رحمه الله: " وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف.
قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المُسلف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية، فأسلف على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلك ربا. وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس وابن مسعود أنهم نهوا عن قرض جر منفعة" انتهى من "المغني" (6/436) .
ولا فرق بين أن يكون القرض مالا، أو عينا، أو شيئا اشتري بالمال، فإن اشتراط الفائدة في ذلك كله محرم.
وجاء في قرار مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر سنة 1385 هـ الموافق 1965م، والذي ضم ممثلين ومندوبين عن خمسة وثلاثين دولة إسلامية: " الفائدة على أنواع القروض كلها ربا محرم، لا فرق في ذلك بين ما يسمى بالقرض الاستهلاكي، وما يسمى بالقرض الإنتاجي؛ لأن نصوص الكتاب والسنة في مجموعها قاطعة في تحريم النوعين ... الحسابات ذات الأجل، وفتح الاعتماد بفائدة، وسائر أنواع الإقراض بفائدة كلها من المعاملات الربوية وهي محرمة " انتهى.
وجاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي سنة 1985م: " أن كل زيادة أو فائدة على الدين الذي حل أجله وعجز المدين عن الوفاء به مقابل تأجيله، وكذلك الزيادة أو الفائدة على القرض منذ بداية العقد، هاتان الصورتان ربا محرم شرعاً " انتهى.
ثانيا:
من ابتلي بهذا القرض فالواجب عليه أن يتوب إلى الله تعالى توبا نصوحا، بالندم على ما قدم، والعزم على عدم العود إليه أبدا. وإن استطاع أن يعجل سداد القرض كان خيرا، حتى يتخلص من الربا وآثاره، نسأل الله العافية.
ولا يلزم المقترض أن يرد غير ما أخذ.
ولكنه ـ للأسف ـ لا يستطيع فعل ذلك، فهو مضطر إلى دفع الفائدة الربوية، فإن تاب من الربا، فليدفعها مضطراً، وليعزم على عدم العودة إلى ذلك مرة أخرى، والله تعالى يتوب على من تاب.
نسأل الله تعالى أن يحفظنا وإياك من الربا وخطره وشره.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5168)
شراء بيت بالأقساط عن طريق البنك
[السُّؤَالُ]
ـ[توفي أبي وصرت مسئولة عن إخوتي نحن نكتري منزلا وصاحبه قرر أن يطردهم إلى الشارع لأنه يريد منزله فقررت أن أشتري لهم منزلا بالتقسيط من بنك ليس إسلاميا، وليس عندنا أي بنك إسلامي هل هذا حرام ويعتبر ربا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
شراء السلع عن طريق البنك له صورتان:
الأولى: أن يكون البنك مجرد مموّل، يقرض العميل ثمن السلعة أو يدفعها نيابة عنه، مقابل أن يسترد المبلغ وزيادة، كأن يكون ثمن السلعة ألفا، فيستردها ألفا ومائتين مقسطة، وهذه صورة محرمة؛ لأن حقيقتها قرض بفائدة، فهو ربا.
الثانية: أن يشتري البنك السلعة شراء حقيقيا، ثم يبيعها على العميل بثمن مؤجل أكثر، وهذا لا حرج فيه، وهو ما يسمى ببيع المرابحة للآمر بالشراء، ولا يجوز للبنك أن يعقد البيع مع العميل حتى يشتري السلعة، لما ثبت من النهي عن بيع الإنسان ما لا يملك.
وله أن يأخذ وعدا من العميل بشراء السلعة حال تملكه لها، وهذا الوعد غير ملزم.
وعليه؛ فإن كان البنك يشتري البيت ثم يبيعه عليك بالأقساط، فلا حرج في ذلك، وإن كان لا يشتريه وإنما يعطيك ثمنه أو يدفعه نيابة عنك، على أن يسترده مقسطا بزيادة، فهذا ربا، ولا يخفى ما جاء في الربا من الوعيد الشديد.
ثانيا:
ما ذكرت من حاجة إخوانك إلى المسكن لا تعتبر ضرورة تبيح الربا؛ لأنه يمكن دفع الضرر بالاستئجار.
وينظر جواب السؤال رقم 94823 ورقم 85197 والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5169)
هل يدخل في عملية مرابحة ليسدد القرض الذي عليه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي قرض في البنك الهولندي ويتبقى من المبلغ 30 ألف ريال وأريد أن أستلف هذا المبلغ من صديقي لتسديد البنك وبعد ذلك سوف أقوم بأخذ قرض آخر من نفس البنك عن طريق المرابحة الإسلامية ثم أسدد المبلغ الذي دفعه لي صديقي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: لا ينبغي للمسلم أن يتهاون في شأن الدين، ويحمل نفسه ديوناً بمبالغ كبيرة، من غير ضرورة أو حاجة ماسة لذلك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ من الدين، وكان يقول: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ. فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: مَا أَكْثَرَ مَا تَسْتَعِيذُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ الْمَغْرَمِ. قَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ، وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ) رواه البخاري (2397) ومسلم (589) .
والمأثم هو الإثم. والمغرم: الدَّين.
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الشهيد يغفر له كل شيء إلا الدين. رواه مسلم. وهذا مما يدل على خطورة أمر الدين.
فلا ننصحك بما يسمى "المرابحة" إلا إذا كنت مضطراً لذلك أو هناك حاجة ماسة للأموال.
ثانياً: عملية "المرابحة" التي تجريها بعض البنوك لا يخلو كثير منها من مؤاخذات شرعية، وقد تكون عملية البيع صورية على الورق فقط، فتكون حيلة على ارتكاب الربا، وقد حذر منها كثير من العلماء والباحثين.
فيجب قبل الدخول فيها التأكد من موافقتها للشرع.
ولمعرفة شروط جوازها ـ عند من أجازها ـ انظر جواب السؤال رقم (36408) .
وانظر للأهمية جواب السؤال (111896) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5170)
هل يقترض بالربا ليدفع مصاريف المحكمة ويأخذ حقه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[مات أبي وترك من حطام الدنيا ما يقدر بحوالي 200 ألف دولار وترك من الورثة زوجة وابنين وبنت قام الابن الأكبر الذي هو أخي بالاستحواذ على التركة مستغلا جهل الأم والأخت بحقوقهما وعندما طالبته بحقي تماطل وامتنع، وقد حاولت معه أكثر من مرة بالحسنى فرفض ولم يبق لي بد من الذهاب إلى المحكمة لكن المشكلة هي أن المحاكم في هذه البلاد ترفض النظر في مثل هذه القضايا حتى تأخذ المصاريف مقدماً وتقدر مصاريف الدعوى بحوالي 2000 دولار وهو مبلغ تعذر علي توفيره ولم أجد من يقرضني إلا بالربا، فهل هذه ضرورة للاقتراض بالربا؟ علماً أن أختي مطلقة وهي أم لطفلين وتعمل في مصنع لإعالتهما، والوقت ليس في صالحي، قد يقوم أخي بالتزوير أو ما شابه إن أنا تأخرت، أنا الآن مخير بين أمرين: أن أسكت أو أقترض بالربا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التعامل بالربا قرضا أو اقتراضا محرم تحريما شديدا، وفيه من الوعيد ما لم يأت في غيره من الذنوب، وحسبك من ذلك أن آكل الربا وموكله ملعونان على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فيجب عليك أولاً أن تبحث عن بديل مباح توفر به هذا المال، كالتعامل بالتورق، وهو شراء سلعة بثمن مقسط أو مؤجل، ثم بيعها على طرف آخر بثمن أقل نقداً، كأن تشتريها ب 2500، ثم تبيعها ب 2000، أو الاشتراك فيما يسمى بجمعية الموظفين، فيدفع كل مشترك مبلغا من المال، ويدفع المجموع لأحدهم في نهاية كل شهر.
أو تبيع شيئا من ممتلكاتك، أو ترهنه وتأخذ قرضاً.... ونحو ذلك.
فإن ضاقت بك السبل ولم تجد أي طريق مباح لتحصيل حقك، فإن الربا كغيره من المحرمات يباح للضرورة، قال الله تعالى: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْه) الأنعام/119.
ولكن ما معنى الضرورة؟ معناها أن تصل إلى حد لا تجد ما تأكله أو تلبسه أو أجرة سكنك إن لم تأخذ هذا المال، كالضرورة التي تبيح أكل الميتة، وهو خوف الهلاك إن لم يأكل.
قال الزركشي رحمه الله: " فالضرورة: بلوغه حدّاً إن لم يتناول الممنوع هلك أو قارب كالمضطر للأكل واللبس، بحيث لو بقي جائعاً أو عرياناً لمات، أو تلف منه عضو، وهذا يبيح تناول المحرم" انتهى.
انتهى من "المنثور في القواعد" (2/319) .
وينظر جواب السؤال رقم (94823) ورقم (85197) .
وعليه: فإذا لم تكن مضطرا للمال ضرورة لا يمكن تجاوزها، لم يجز لك الاقتراض بالربا لأجل تحصيل هذا المال.
نسأل الله تعالى أن يفرج كربك ويقضي حاجتك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5171)
يضيف مبلغاً على الثمن ثم يخصمه إذا انتظم المشتري في السداد
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل بتقسيط أجهزة الجوال، مثال: أبيع (س) من الناس عدد (5) أجهزة جوال بالتقسيط بمبلغ (5000) آلاف ريال، علماً أنني احتسبت مبلغ (2000) ريال إضافية ضمن المبلغ الإجمالي المتفق عليه، ويشير بند في العقد بخصم (2000) ريال عند الانتظام في السداد، وهو شرط بصراحة لا نطبقه إلا في حالة المماطلة الشديدة، وعند عدم لمس تجاوب. فما الحكم في إضافتنا لهذا المبلغ على قيمة العقد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي فهمناه من سؤالك أن الأجهزة إذا كانت بـ 5000 فإنك تضيف 2000 فيكتب في العقد الثمن 7000 وينص في العقد على خصم 2000 على الانتظام في السداد.
فإن كان الأمر كذلك فهذا الشرط محرم، وهو صورة من صور الربا، لأن حقيقة العقد أن الثمن 5000 وإذا تأخر عن السداد دفع غرامة 2000 والزيادة في الديون مقابل تأخير السداد صورة من صور الربا الذي أجمع المسلمون على تحريمه.
وهناك محظور آخر في الصورة الواردة في السؤال، وهو عدم العلم الحقيقي بالثمن، إذ كل من البائع والمشتري لا يعلم هل سينتظم المشتري في السداد ويكون الثمن 5000 أو لا ينتظم ويكون الثمن 7000؟ وهذه الجهالة في الثمن تفسد البيع وتجعله حراماً، لأن النبي صلى الله عليه وسلم (نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ) رواه مسلم (1513) . وهو كل بيع فيه جهالة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5172)
ردت الشبكة إلى خطيبها واقترضت بالربا لتخفي الحقيقة عن أبيها
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت مخطوبة لشاب وتم فسخ الخطبة لعدم استطاعته الإيفاء بما اتفق به مع أبي، وخطيبي هذا الذي قرر فسخ الخطبة وترك الشبكة التي كان أحضرها لي، وأبي قرر أن يشترى بها جهازي، وأنا لن أسمح أن يكون جهازي بمال هذا الشاب، فقمت ببيع هذه الشبكة ورددت ثمنها لهذا الشاب بدون علم أبي، وأحضرت قرضا قيمته 3000 جنيها من أحد البنوك حتى أعطي أبي ثمن الشبكة وحتى لا يزعل منى، وللعلم إن علم أبى ببيع الشبكة ورد ثمنها لخطيبي السابق سوف يتفنن في إذلالي وممكن أن يحدث له حاجة من الحزن على هذا المال أنا الآن معي القرض بكامله وسوف أقول لأبي إني بعت الشبكة وهذا المال ثمنها وربنا يقدرني على دفع أقساط هذا القرض ولكن المشكلة أنني سمعت أن القروض البنكية حرام فماذا أفعل؟ مع العلم أنني إن لم أعط أبي فلوس الشبكة سوف تحدث مشاكل لن أستطيع تحملها أرجوك ساعدني في إيجاد الحل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لقد أخطأت خطأ كبيرا في الاقتراض من البنك؛ لأن القرض بفائدة هو عين الربا الذي حرمه الله، وحرمه رسوله صلى الله عليه وسلم، وهو من كبائر الذنوب، وجاء فيه من الوعيد ما لم يأت في غيره.
ومن ذلك: قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278، 279.
وروى مسلم (1598) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ) .
فالواجب عليك أن تتوبي إلى الله تعالى، بالندم على ذلك، والعزم على عدم العود إليه أبدا.
ولا يلزمك إلا سداد رأس المال، وأما الفائدة المحرمة، فإن استطعت عدم دفعها ولو بالحيلة فافعلي، وإن خشيت مضرة بذلك، فليس أمامك إلا دفعها، ونسأل الله أن يتجاوز عنك.
ولا ننصحك إلا بالصدق، فإن الصدق منجاة، والله تعالى يقول: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) الطلاق/2-3.
فإذا اتقيت الله وصدقت فإن الله تعالى سيجعل لك مخرجاً.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5173)
العمل في مراجعة الحسابات وفيها الربا والتأمين والضرائب
[السُّؤَالُ]
ـ[عملي هو متدرب في مجال المحاسبة، والهدف هو مراجعة الإقرارات المالية المعدة بواسطة الشركات وعمل تقارير عن مدى صحتها وعدالتها، وفي سبيل تحقيق هذا الهدف علينا أن نراجع السجلات المالية التي أعدت من خلالها الإقرارات المالية، ونراجع أيضاً العمليات الحسابية التي قامت بها الشركات. تلك الشركات لها أنشطة معتمدة على قروض ربوية، وتأمين وضرائب، وتلك الأنشطة موجودة في كل الشركات حتى لو كان مجال العمل نفسه حلالا، كشركات التصنيع مثلا. هذا يعني أننا ملزمون بمراجعة حسابات الربا والتأمين والضرائب، والتي لا يمكننا تقديم التقارير المطلوبة بدون مراجعتها، سؤالي هو: هل يجوز تأدية هذا العمل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز مراجعة الحسابات الربوية؛ لما في ذلك من إقرار الربا وكتابته والسكوت عنه، وقد روى مسلم في صحيحه (1598) عن جابر رضي الله عنه قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا، ومؤكله، وكاتبه، وشاهديه. وقال: هم سواء) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: لدي مكتب محاسب قانوني، نقوم فيه بعمل مراجعة البيانات المالية للمؤسسات والشركات من واقع الدفاتر المحاسبية التي لدى المؤسسة، وذلك بغرض إظهار نتيجة المراجعة في نهاية السنة المالية في شكل ميزانيات وتقارير عن الوضع المالي للمؤسسة، لتقديمها عن طريق المؤسسة لإحدى الدوائر الحكومية، أو لأحد البنوك، أو لمصلحة الزكاة والدخل، وكذلك نقوم بعملنا خلال السنة للمراقبة على أموال المؤسسة من التلاعب والاختلاسات. ولدي بعض الأسئلة أرجو من سماحتكم الرد عليها:
1- قد يظهر لي بعض حسابات المؤسسات في بنود الميزانية حسابات مع البنوك، وتكون هذه الحسابات دائنة، أي مطالبة بها المؤسسة نتيجة لحصولها على قرض من هذا البنك أو نتيجة سحبها أكثر من رصيدها، مما يترتب عليه أن يقوم البنك بأخذ فوائد على ذلك، أي: ربا، وبطبيعة عملنا فإننا نقوم بإظهار هذا الحساب مع بقية الحسابات الأخرى في الميزانية، وذلك من واقع دفاتر وسجلات المؤسسة، وكشوف البنك، ولا نستطيع إسقاطه من بقية الحسابات، ويجب إظهاره لكي تعبر الميزانية عن الواقع الحقيقي للمؤسسة. فهل علينا إثم في ذلك، وهل نعتبر من الشاهدين على الربا؟
فأجابوا:"لا يجوز لك أن تكون محاسبا لما ذكرت في السؤال؛ لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان" انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (15/20) .
عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد الله بن غديان.
فالواجب أن تبحث عن عمل لا تتعرض فيه لحسابات الربا.
وأما التأمين والضرائب فما كان منه إجبارياً، فلا حرج في حسابه ومراجعته؛ لأن صاحبه معذور في ذلك.
ونسأل الله تعالى أن يهيئ لك أسباب الرزق الحلال، وأن يبارك لك فيه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5174)
جاءته جائزة من إحدى المنظمات فهل يستلمها على حساب في بنك ربوي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد جاءتني رسالة عبر البريد الإلكتروني من منظمة دولية تفيد بأني فزت بجائزة مالية وللحصول عليها يجب دفع تكلفة تحويلها لبلدك. وقد كنت سألتكم عن حكم أخذ هذه الجائزة فأجبتم بالجواز إذا تمكنت من التعرف على هذه المنظمة. هي منظمة تطوير استخدام البريد الإلكتروني عبر الإنترنت، وأرسلوا إلي وثائق الفوز ودفعت لهم جزءا من مبلغ التحويل. وما يحيرني الآن هو أن الجائزة ستحول إلى حسابي البنكي الموجود في بنك ربوي، لأنه لا توجد بنوك إسلامية في بلدي. فماذا أفعل؟ هل ألغي العملية كلها وأغلق حسابي البنكي وربما أخسر مبلغ التحويل؟ أم أستمر في العملية وأتخلص من الفوائد الربوية كل عام؟ أو أطلب من البنك بألا يعطوني فوائد على الحساب البنكي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز الإيداع في البنوك الربوية، إلا لضرورة حفظ المال، عند عدم وجود بنك إسلامي، ويقتصر حينئذ على الحساب الجاري (بدون فوائد) ، ارتكابا لأخف الضررين، ولو فرض أن ترتبت فائدة على هذا الحساب فإنك تتخلص منها بصرفها في وجوه الخير.
ولا حرج في استقبال الجائزة على هذا الحساب، وينظر جواب السؤال رقم (104245) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5175)
الهدية على الحساب الجاري في البنك
[السُّؤَالُ]
ـ[لي أموال في البنك (حساب جاري) وأحياناً يرسل إلي البنك بعض الهدايا، كالعطور أو البخور، ويفعل البنك ذلك مع بعض العملاء الذين لهم أموال كثيره فيه. فما حكم هذه الهدايا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحساب الجاري في البنك هو قرض، وقد أجمع العلماء على أن كل قرض جر نفعاً فهو ربا، وقد ثبت عن بعض الصحابة رضي الله عنهم: أن الهدية التي يعطيها المقترض للمقرض ربا.
روى البخاري (3814) عن عَبْد اللَّهِ بْن سَلَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: (إِذَا كَانَ لَكَ عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ فَأَهْدَى إِلَيْكَ حِمْلَ تِبْنٍ أَوْ حِمْلَ شَعِيرٍ أَوْ حِمْلَ قَتٍّ، فَلَا تَأْخُذْهُ، فَإِنَّهُ رِبًا) .
والقت: علف للبهائم.
وهذه الهدية يعطيها البنك للعميل من أجل الحساب الجاري (القرض) فتكون ربا.
وقد سئل الشيخ الدكتور محمد بن سعود العصيمي عن حكم هذه الهدية.
فقال:
"أما إن كانت على الحساب الجاري فهي ربا بلا شك، لأن الحساب الجاري قرض، ولا يصح لصاحبه أن يستفيد منه. وأما إن كان الحساب استثماريا فلا بأس " انتهى.
http://www.halal2.com/ftawaDetail.asp?id=9802
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5176)
يحتاج إلى الزواج والسكن فهل يقترض بالربا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب عمري 20 سنة، لي أخ عمره 22 وأخت صغيرة، أبي عاطل عن العمل أمي مريضة ولا تعمل نعيش في دولة إسرائيل نتعامل مع البنوك في شتى المعاملات لأنه لا يوجد البديل الإسلامي. نحن نعيش في أوضاع صعبة جدا من ناحية أوضاع الشباب والبنات. لكي نحل مشكلتنا أنا وأخي يوجد لدينا القدرة لأخذ مبلغ من البنك وتسديده على 20 سنة يمنحنا القدرة على اقتناء بيت والزواج ويمنح ابن عمي القدرة على الزواج وبهذا تحل مشكلة ثلاثة شباب لا يقتربون إلى ما حرم الله، لا أنسى أن أقول إن هناك القدرة على الإيجار ولكن الإيجار من ناحية الثمن أكبر وظروف الإيجار صعبة لنا كمسلمين من ناحية مكان البيوت والمضايقات. أيضا: إذا لم آخذ هذا القرض أخي سوف يأخذ بفوائد أكبر، وبهذا المشكلة تصبح أكبر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نسأل الله تعالى أن يحفظكم ويرعاكم، ويقيكم من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يرزقكم العفة والإحصان، والذرية الصالحة المؤمنة.
ثانيا:
لا يخفى عليك أن الربا كبيرة من كبائر الذنوب، وقد جاء فيه من الوعيد العظيم ما لم يأت في غيره من الذنوب، وتوعد الله مرتكبه بالحرب، وأخبر نبيه صلى الله عليه وسلم بحلول اللعنة على آكل الربا وموكله، وفي ذلك ترهيب عظيم من الوقوع في هذا المنكر.
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278، 279.
وروى مسلم (1598) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ.
وقال صلى الله عليه وسلم: (درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد عند الله من ستة وثلاثين زنية) رواه أحمد والطبراني، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3375) .
وهذا الربا الملعون فاعله لا تبيحه الحاجة إلى الزواج أو المسكن، وإنما تبيحه الضرورة، كما يباح أكل الميتة وشرب الخمر، فمن أشرف على الهلاك ولم يجد ما يقتاته إلا عن طريق الربا، جاز له منه بقدر ما يزيل الضرر، وهذه الضرورة لا تتحقق في مسألتك؛ لأنك تجد البديل المباح وهو الاستئجار وإن كان مكلفا أو مرهقا.
وينظر جواب السؤال رقم (8141) ورقم (101080) .
وتأمل كيف يبتلى بعض الناس بارتكاب هذا الأمر العظيم ثم يعيشون في ظلاله وتبعاته عشرين سنة، فيا له من أمر عظيم، وجرم كبير.
فنوصيك أخي بالصبر حتى ييسر الله لك الأمر، ويأتيك بالفرج، واعلم أن خزائنه سبحانه ملأى، وأنه جعل التقوى من أسباب الرزق والعطاء، فقال: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق/2،3.
وأبلغ هذه الوصية لأخيك، وقل له إن ضيق الدنيا وشدائدها أهون من شدائد الآخرة.
نسأل الله تعالى أن يرزقكم من فضله، وأن يغنيكم بحلاله عن حرامه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5177)
أودع والدهم مالا في مصرف أجنبي ووضعه المصرف في أسهم
[السُّؤَالُ]
ـ[كان أبي يضع أمواله في بنك أوربي من سنة 1978 وتوفي سنة 1993 وفي عام 2005 سافرت أنا وأمي إلى البنك فرفضوا إطلاعنا على الرصيد، أو السحب منه، لكن أعطونا جزءاً منه لتكاليف الإقامة والسفر. وطلب منا المصرف أوراق الفريضة الشرعية لتوزيع المال على الورثة. وعدنا مرة أخرى عام 2006 وتبين أن المصرف باسمه القديم أغلق ودخل تحت اسم جديد (المجموعة العالمية للمصارف الأمريكيةAIG) . ووجدنا أن نظام استثماراته في شراء أسهم بأموال أصحاب الحسابات، في شركات التأمين، والأدوية، والألبان، والمثلجات، ومياه الشرب، وشراء الأراضي وبيعها، والاستثمار في بعض المصارف الأخرى، وذلك مبين في الأوراق التي يعطونها نهاية كل عام، والتي تبين كم أخذ من حسابك وكم رجع لك من الأرباح. والأموال مقسمة لتوضح في أي الشركات وأي الأنشطة التي دخل فيها. لكن لا يمكننا معرفة رأس المال الذي وضعه أبي، وأقصى حد لمعرفة الرصيد هو في سنة 1996. وقد يعطي البنك قروضاً ربوية بفائدة 1% في حالات استثنائية، لكنهم قالوا هذه الفائدة يأخذها أصحاب البنك وليس أصحاب الحسابات. وقد لا أستطيع أخذ المال مرة واحدة والرجوع به إلى بلدي، فما رأيكم في هذه الأموال؟ وأنا قادر علي أخذ الأموال المتحصلة من مجالات الأغذية وغيرها وترك ما فيه شبهة حسب ما هو مبين في الأوراق التي يعطيها المصرف؟ وأعلمونى كيفية إخراج الزكاة عن تلك الفترة الماضية؟ وهل أخرج الزكاة عن كل مبلغ آخذه كل مرة أم على العوائد السنوية؟ وإن كنت أخذت منه عامين متتالين في أشهر مختلفة، وأنا أريد التطهر من المال الذي فيه شبهة فهل أعطيه للفقراء أم لبناء المساجد أم لمساعدة الشباب العاطل وفتح مشاريع لهم وللناس الذين عليهم ديون ولهم وظائف؟ وهل تحسب الزكاة على هذه الأموال المخرجة أم لا؟ ملاحظة: نظام المصرف علي الربح والخسارة (balanced strategy) أي غير محدد بقيمة ثابتة للربح وقال لي أيضا عند إعلان إفلاسه أنك لا تخسر أموالك. وهذا في الأغلب لا يحدث.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا يجوز وضع المال في البنك الربوي، إلا لضرورة حفظه عند عدم وجود بنك الإسلامي. والبنك الربوي لا تنفك معاملاته عن الحرام، إما بالإقراض بالربا ولو بنسبة 1%، أو الاستثمار في الشركات المحرمة كالتأمين، أو الشركات التي تتعامل بالحرام، أو المضاربة في مال العملاء مع ضمان رأس المال، وغير ذلك مما حرمه الله، لأنه لم يؤسس على التقوى، وإنما أسس لجمع المال بأي طريقة.
ولهذا يجب سحب المال من هذا البنك، والاجتهاد في ذلك، وعدم التراخي فيه.
ثانيا:
نرى أن تأخذ جميع المال الموجود في البنك، ثم تتخلص من الجزء المحرم، وهو ما نتج عن الدخول في أسهم شركات التأمين، وما نتج عن الاستثمار في البنوك الأخرى، ولك الانتفاع برأس المال الذي وضع في هاتين الجهتين.
والتخلص من المال يكون بصرفه في أوجه البر المختلفة، فيجوز إعطاؤه للفقراء، أو لمساعدة الشباب العاطل، أو في سداد ديونهم أو في بناء مسجد. ولا زكاة في هذا المال، لأنه مال حرام، ولهذا وجب التخلص منه.
ثالثا:
الذي يظهر _ والله أعلم _ أن هذا المال لا زكاة فيه، لأنك لا تملكه ملكاً كاملاً، فلا تستطيع التصرف فيه، أو السحب منه، أو تحويله، أو حتى معرفة قدره.
والأحوط لك: أن ما تقبضه من الأموال من البنك تخرج زكاته عن عام واحد فقط، أي تخرج منه 2.5%.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5178)
التورق المنظم عن طريق بنك ساب
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا موظف في شركة خاصة وأريد أن آخذ قرضا من البنك البريطاني (ساب) وأريد أن أتأكد قبل الشروع في أخذ المال من أن الطريقة التي سوف آخذ بها القرض صحيحة، وإليك طريقة أخذ القرض. أولاً: يجعلوني أوقع على ورقة تمليك لبعض المواد ثم أوقع على ورقة أخرى وهي تفويض للبنك بأن يقوموا ببيع الشيء الذي امتلكته ومن دون أن أرى الشيء الذي وقعت لأمتلكه ثم يقومون بالبيع ويعطوني المبلغ الذي أريده وهو 100000 ثم أقوم بتسديده بالتقسيط، وذلك من دون أن أرى شيئاً، فقط توقيع، فما رأيك بهذه الطريقة؟ علما بأن جميع البنوك يستخدمون نفس هذه الطريقة لكي يعطوا القرض وأنا بحاجة ماسة جدا جدا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الصورة التي ذكرت صورة محرمة، وهي ما يسمى بالتورق المنظم، وقد صدر قرار من مجمع الفقه الإسلامي بتحريمه، وينظر نص القرار في جواب السؤال رقم 98124.
والصورة الجائزة أن تشتري من البنك سلعة يملكها، ثم تبيعها بنفسك، ولا توكل البنك في بيعها، وانظر جواب السؤال رقم (100324) .
وإذا كانت السلعة الموجودة عندهم مما يصعب تصريفها في السوق، فإننا نشير عليك بشراء سيارة بالأقساط، ممن يملكها، سواء كان شركة أو بنكا، ثم تبيعها بنفسك لطرف آخر بالنقد، وهذا هو التورق الجائز، وبه تحصل على النقود التي تريد.
ونسأل الله تعالى أن يقضي حاجتك، ويفرج همك، وأن يقيك الربا وشره وبلاءه وخطره.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5179)
يقرضهم دولارات على أن يشتروا منها دولارات عند السداد
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال: يوجد شخص صاحب محل (صيرفة) ، ويتعامل مع عدد من المحلات التي تبيع المواد الغذائية، أو الأثاث، يتعامل معهم بالشكل التالي: يقوم بإعطائهم مبلغ مثلاً 10000 آلاف دولار، ويقوم صاحب المحل بشراء بضاعته، وبعد تصريف البضاعة بالعملة المحلية وهي الدينار العراقي يقوم صاحب المحل بشراء دولارات من نفس صاحب مكتب الصيرفة الذي أعطاه 10000 آلاف دولار بالسعر السائد، وبعدها يقوم صاحب المحل بتسديد المبلغ بالدولار الذي عليه، فهل يجوز؟ أرجو الإجابة لأنه يوجد كثير من الناس لا يعرفون ما يعملون.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه المعاملة محرمة، لأن حقيقتها أن الصيرفي أقرض التاجر 10000 دولار، بشرط أن يقوم التاجر عند السداد بشراء الدولارات من الصيرفي.
والمقصود من القرض هو الإحسان إلى المقترض ومساعدته، فلا يجوز للمقرض أن يجعل القرض وسيلة إلى انتفاعه هو، ولهذا حرم الشرع على المقرض أن ينتفع من المقترض بشيء مقابل القرض، فمن القواعد التي اتفق عليها العلماء: أن كل قرض جَرَّ منفعة إلى المقرض فهو حرام وربا.
جاء في " الموسوعة الفقهية " (3 / 265، 266) :
"إنّ انتفاع الدّائن من عمليّة الاستدانة إمّا أن يتمّ بشرطٍ في العقد، أو بغير شرطٍ، فإن كان بشرطٍ فهو حرامٌ بلا خلافٍ، قال ابن المنذر: أجمعوا على أنّ المسلف - أي الدّائن - إذا شرط على المستلف زيادةً أو هديّةً، فأسلف على ذلك، أنّ أخذ الزّيادة على ذلك رباً، وقد روى عليّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: (كلّ قرضٍ جرّ منفعةً فهو رباً) وهو وإن كان ضعيف السّند إلاّ أنّه صحيحٌ معنًى، وروي عن أبيّ بن كعبٍ، وعبد الله بن عبّاسٍ، وعبد الله بن مسعودٍ، أنّهم نهوا عن كلّ قرضٍ جرّ منفعةً للمقرض.
أمّا إن كانت المنفعة الّتي حصل عليها الدّائن من المدين غير مشروطةٍ، فيجوز ذلك عند جمهور الفقهاء: الحنفيّة، والشّافعيّة، والمالكيّة، والحنابلة" انتهى.
ولهذا أيضاً نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الجمع بين السلف والبيع، لأن المسلف (المقرض) يتخذ القرض وسيلة لترويج بضاعته، أو رفع السعر على المشتري، فيدخل فيما سبق، وهو القرض الذي جر منفعة على المقرض.
فعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لاَ يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ) رواه الترمذي (1234) وأبو داود (3504) والنسائي (4611) ، وصححه الترمذي وابن عبد البر والألباني.
" التمهيد " (24 / 384) .
وقال ابن قدامة رحمه الله:
"وإن شرط في القرض أن يؤجره داره، أو يبيعه شيئاً، أو أن يقرضه المقترض مرة أخرى: لم يجز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع وسلف) " انتهى.
" المغني " (4 / 355) .
وقال ابن هبيرة في " الإفصاح " (1 / 361، 362) :
"واختلفوا فيما إذا اقترض رجل من آخر قرضاً، فهل يجوز له أن ينتفع من جانبه بمنفعة لم تجر بها عادة، فقال أبو حنيفة ومالك وأحمد: لا يجوز , وهو حرام، وقال الشافعي: إذا لم يشترط: جاز، واتفقوا على تحريم ذلك مع اشتراطه , وأنه لا يحل ولا يسوغ بوجه ما" انتهى.
فهذه المعاملة جمعت بين السلف والبيع، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، لما يفضي إليه ذلك من انتفاع المقرض بالقرض، وذلك ربا.
فعلى الصيارفة والتجار أن يكفوا عن هذه المعاملة المحرمة، فإما أن يكون القرض حسناً، يبتغي به المقرض وجه الله، لا الاستفادة في الدنيا، وإن أراد المقرض الربح الدنيوي -وهو جائز- فليكن ذلك بطرق مباحة، كما لو دخل شريكاً بهذا المال مع التاجر، ويكون له نسبة من الربح.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5180)
هل تأخذ أرباح شهادات البنك الإسلامي والتجاري؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي شهادة كانت في بنك إسلامي وتم ترحيلها على بنك عادى، هل الفوائد التي وضعت في تلك الشهادة حرام؟ وهل آخذ أصل المبلغ وأترك الفوائد التي تم وضعها من البنكين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الأرباح التي يعطيها البنك الإسلامي لعملائه الذين يستثمرون أموالهم في المضاربة الشرعية، أو في أسهمه المباحة، لا حرج في أخذها.
وأما فوائد البنك الربوي فهي ربا محرم، لا يجوز أخذه، ولا يجوز الإيداع في البنك الربوي إلا لضرورة حفظ المال عند عدم وجود بنك إسلامي، ويقتصر الإيداع حينئذ على الإيداع في الحساب الجاري بدون فائدة، ارتكاباً لأخف الضررين.
وقد سبق بيان تحريم التعامل بشهادات الاستثمار من الفئة (أ) و (ب) و (ج) ، وذكرنا قرار مجمع الفقه الإسلامي بهذا الخصوص، في جواب السؤال رقم (98152) .
ثانيا:
يشترط لصحة الاستثمار أو المضاربة:
1- أن يستثمر البنك الأموال في أعمال مباحة، كإقامة المشاريع النافعة وبناء المساكن وغير ذلك. ولا يجوز استثمار المال في بناء بنوك الربا أو دور السينما أو في إقراض المحتاجين بالربا، وعليه؛ فلابد من معرفة طبيعة الاستثمار الذي يقوم به البنك.
2- عدم ضمان رأس المال، فلا يلتزم البنك برد رأس المال، في حال حصول خسارة على البنك، فإذا كان البنك قد اشترط أن يضمن رأس المال، فهذا عقد قرض في الحقيقة، وما جاء منه من فوائد يعتبر ربا محضا.
3- أن يكون الربح محددا متفقا عليه من البداية، لكنه يحدد كنسبة من الربح وليس من رأس المال، فيكون لأحدهما مثلا الثلث أو النصف أو 20% من الأرباح، ويكون الباقي للطرف الآخر. ولا يصح العقد إن كان الربح مجهولا غير محدد، وقد نص الفقهاء على أن المضاربة تفسد في حال جهالة نسبة الربح.
قال في مطالب أولي النهى (3/517) : "وإن قال: خذه مضاربة ولك جزء من الربح أو شركة في الربح أو شيء من الربح ونصيب من الربح وحظ منه لم يصح ; لأنه مجهول، والمضاربة لا تصح إلا على قدر معلوم" انتهى.
ثالثا:
الواجب عليك هو سحب المال من البنك الربوي، مع التوبة إلى الله تعالى، وما جاءك من فائدة، فلا يجوز الانتفاع بها، بل تتخلصين منها بإنفاقها على الفقراء والمساكين أو في المصالح العامة.
زادنا الله وإياك فقها وعلما.
ولله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5181)
الخاطب إن كان يتعامل بالربا هل تقبل به زوجاً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[تقدم لخطبتي رجل يتعامل بالربا، فهل أقبله زوجاً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الربا من كبائر الذنوب، وليس هو من الذنوب التي تخفى على المسلم حرمتها، لكنه الجشع والطمع والتعلق بالدنيا هو الذي يقود أولئك العصاة لتلك الطريق الموحلة، والتي يتعرضون فيها لسخط الله تعالى وعقابه بسببها.
وآكل الربا وموكله كلاهما ملعونان، ولهما الإثم نفسه، فالآكل هو الذي أخذ ممن أقرضه زيادة على ماله، والموكل هو الذي اقترض ذلك المال.
وقد وقع كثيرون في هذه المعصية – وللأسف -، والأخطر من الوقوع فيها هو الاستهانة بحرمتها! فتجد الناس يسأل بعضهم بعضا: أين تضعون أموالكم؟ وكم تأخذون فائدة! عليها؟ ويبدأ التحاور والجدال في أفضل البنوك، وأفضل العروض، ولو تفكَّر هؤلاء بحالهم، وحقيقة كلامهم لعلموا أنهم يفعلون ما هو أشد إثماً من الربا، وهو الاستهانة به، والله المستعان.
ثانياً:
بخصوص تقدم ذلك الرجل لكِ: فإن أمره يختلف باختلاف حاله، هل تعامله بالربا سيستمر بعد الزواج؟ أم هو نادم وتائب من ذلك؟
فإن كان الأول: فلا ننصحك بقبوله زوجاً؛ لأنه مصر على كبيرة من كبائر الذنوب.
وإن كان حاله الثاني: فلا حرج من قبوله زوجاً، ويجب إعانته على التوبة الصادقة، والمساهمة معه للتخلص من ذلك القرض الربوي، أو للتخلص مما ترتب عليه من زيادة ربوية.
فالنصيحة لكي أن لا تقبلي من يتعامل بالربا زوجاً لك، حتى يعلن توبته من ذلك الفعل المحرم.
وانظري في مواصفات الزوج الصالح: جوابي السؤالين: (8412) و (5202) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5182)
السكن في شقة اشتراها والده من الربا
[السُّؤَالُ]
ـ[والدي يتعامل بالربا ويمنع الزكاة منذ 25 سنة إلى الآن، بالرغم من بيان الحرمة له طوال هذه المدة، وقد اشترى شقة فاخرة لي لأتزوج فيها، وقد عرضت عليه أن أسكن في شقة بالإيجار، وذلك حتى لا أكون مستعملا للحرام، ولكنه رفض ذلك بشدة، فامتنعت من الزواج، حتى لا أكون سببا في زيادة الإثم عليه، فهل تصرفي صحيح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الربا ذنب عظيم وجرم كبير، والمتعامل به متوعَّد بالحرب من الله ورسوله وبمحق البركة واللعن، وذنب هذا شأنه ينبغي الفرار منه، والبعد عن طريقه بكل وسيلة.
قال تعالى: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) البقرة /276. وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278- 279
وروى مسلم (1598) عن جابر رضي الله عنه قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه. وقال: هم سواء) .
والفوائد التي تدفعها البنوك الربوية هي عين الربا، فمن اضطر لحفظ المال في البنك الربوي، فليحفظه في الحساب الجاري، ومن تاب من التعامل بالربا، وصرف له شيء من الفوائد وجب عليه أن يتخلص منها بإنفاقها في وجوه الخير، ولا يجوز أن يأخذها لنفسه.
ومنع الزكاة أيضاً من الكبائر، ومع ذلك: فلا يحرم التعامل مع مانع الزكاة أو قبول هديته، لأن الزكاة تكون دَيْنا في ذمته، ولا يكون ماله كالمال المغصوب أو المسروق الذي يحرم أخذه على كل من علم أنه مسروق.
ثانيا:
الصحيح من كلام أهل العلم أن المحرم لكسبه حرام على كاسبه فقط، ولا يحرم على من أخذه من الكاسب بوجه مشروع كالهبة ونحوها.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" قال بعض العلماء: ما كان محرما لكسبه، فإنما إثمه على الكاسب لا على من أخذه بطريق مباح من الكاسب، بخلاف ما كان محرما لعينه، كالخمر والمغصوب ونحوهما، وهذا القول وجيه قوي، بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم اشتري من يهودي طعاما لأهله، وأكل من الشاة التي أهدتها له اليهودية بخيبر، وأجاب دعوة اليهودي، ومن المعلوم أن اليهود معظمهم يأخذون الربا ويأكلون السحت، وربما يقوي هذا القول قوله صلى الله عليه وسلم في اللحم الذي تصدق به على بريرة: (هو لها صدقة ولنا منها هدية) " انتهى من "القول المفيد على كتاب التوحيد" (3 / 112) .
وقال أيضا: " وأما الخبيث لكسبه فمثل المأخوذ عن طريق الغش، أو عن طريق الربا، أو عن طريق الكذب، وما أشبه ذلك؛ وهذا محرم على مكتسبه، وليس محرما على غيره إذا اكتسبه منه بطريق مباح؛ ويدل لذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعامل اليهود مع أنهم كانوا يأكلون السحت، ويأخذون الربا، فدل ذلك على أنه لا يحرم على غير الكاسب " انتهى من "تفسير سورة البقرة" (1/198) .
وعلى هذا فلو اشترى الأب لابنه شقة بمال الربا، فلا حرج على الابن في الانتفاع بها، لأن إثم الربا على كاسبه فقط.
فيقال للابن هنا: إذا كان امتناعك عن السكن في هذه الشقة لا يؤثر في ترك والدك للربا، بل يغضبه ويحزنه، مع استمراره فيما هو عليه، فلا حرج أن تتزوج وتسكنها.
ثالثا:
من تعامل بالربا ثم تاب إلى الله تعالى، فإن كان مال الربا باقيا لزمه التخلص منه، وإن كان قد استعمله وأكله، فلا شيء عليه فيه.
وإن كان قد وضعه في سكن يحتاجه، لم يلزم ببيعه، والتخلص من الربا، إلا أن يفعل ذلك بنفسه، وذلك أولى وأكمل ولا شك. وهذا من تيسير التوبة على أهل المعاصي، فإنه إذا قيل لهم: تخلصوا مما في أيديكم من المتاع، شق ذلك عليهم، وحمل كثيرا منهم على تأجيل التوبة.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: " فإن الرجل قد يعيش مدة طويلة لا يصلي ولا يزكي وقد لا يصوم أيضا ولا يبالي من أين كسب المال أمن حلال أم من حرام ولا يضبط حدود النكاح والطلاق وغير ذلك فهو في جاهلية إلا أنه منتسب إلى الإسلام، فإذا هداه الله وتاب عليه فإن أُوجب عليه قضاء جميع ما تركه من الواجبات وأمر برد جميع ما اكتسبه من الأموال والخروج عما يحبه من الأبضاع إلى غير ذلك صارت التوبة في حقه عذابا، وكان الكفر حينئذ أحب إليه من ذلك الإسلام الذي كان عليه؛ فإن توبته من الكفر رحمة، وتوبته وهو مسلم عذاب. وأعرف طائفة من الصالحين من يتمنى أن يكون كافرا ليسلم فيغفر له ما قد سلف؛ لأن التوبة عنده متعذرة عليه أو متعسرة على ما قد قيل له واعتقده من التوبة. ثم هذا منفر لأكثر أهل الفسوق عن التوبة وهو شبيه بالمؤيّس للناس من رحمة الله، ووضع لآصار ثقيلة وأغلال عظيمة على التائبين الذين هم أحباب الله، فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين، والله أفرح بتوبة عبده من الواجد لماله الذي به قوامه بعد اليأس منه " انتهى من "مجموع الفتاوى" (22/21) .
ونصيحتنا لهذا الابن أن يستمر في بر أبي وتذكيره بحرمة الربا، ووجوب المسارعة إلى تركه، وأن يعجل هو بالزواج مادام قادرا عليه، حماية وصيانة لنفسه من الفتن.
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوال الجميع.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(5/5183)
الاقتراض بالربا لشراء منزل للزواج
[السُّؤَالُ]
ـ[أبلغ من العمر 33سنة وأريد إكمال نصف ديني لكني لا أملك سكنا مع العلم أني أعمل والحمد لله. أنا بحاجة ماسة للمال من أجل شراء سكن ولم أجد سبيلا سوى أن ألجأ للبنوك من أجل الحصول على قرض بنكي مع العلم أن بنوكنا تتعامل بالربا أي بفائدة، فهل أقوم باقتناء هذا القرض أم أصبر؟ السؤال الثاني في نفس الموضوع وهو لصديق لي متزوج ويسكن في سكن وظيفي تابع لدولة أي سيأتي زمن ويقوم بتسليم السكن للدولة. السؤال: هل يجوز له اقتراض قرض من أجل شراء سكن يؤوي الزوجة والأولاد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الاقتراض بالربا محرم تحريما شديدا، لما جاء في الربا من الوعيد، كما في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278، 279.
وروى مسلم (1598) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ هُمْ سَوَاءٌ.
وهذا الاقتراض محرم، ولو كان لشراء منزل للسكنى، وانظر جواب السؤال رقم: (21914) ورقم (22905)
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: هل يحرم الربا حيث وجد، وبأي صورة على الطرفين، الطرف المرابي والطرف المقترض، على الإطلاق؟ أم يحرم فقط على الطرف المرابي دون الطرف المقترض، وإن لم يكن هناك جناح ولا وزر على الطرف المقترض فهل هذا مشروط بالحاجة لهذا المال، وعدم الاستطاعة والفقر، أم ليست الحاجة شرطا فيه؟ فإذا كان يجوز لمن كانت به حاجة فهل يجوز لمن لم تكن به حاجة شديدة الاقتراض من بنك يتعامل بالربا بفائدة سنوية مشروطة 15% في السنة مثلا، حيث يستطيع العمل في هذا المال، وتحقيق ربح أكبر من الفائدة المشروطة، 50 % في السنة مثلا، وبذلك يحقق ربحا من خلال الفرق بين الفائدة المشروطة وبين الربح الذي حصل عليه من خلال عمله في المال المقترض 35% تبعا للمثال المضروب، أم لا يجوز؟
فأجابت:
"أولا: يحرم الربا حيث وجد، وبأي صورة كان، على صاحب رأس المال، ومن اقترض منه بفائدة، سواء كان المقترض فقيرا أم غنيا، وعلى كل منهما وزر، بل كل منهما ملعون، ومن أعانهما على ذلك، من كاتب وشاهد ملعون أيضا؛ لعموم الآيات والأحاديث الثابتة الدالة على تحريمه، قال الله تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) الآيات، وروى عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل، سواء بسواء، يدا بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى) رواه مسلم في صحيحه. . . وروى الإمام أحمد والبخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل، يدا بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطي فيه سواء) ، وثبت عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أنه قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء) رواه مسلم.
وورق البنكنوت في الوقت الحاضر حل محل الذهب والفضة في الثمنية، فكان الحكم فيه كالحكم فيهما، فالواجب على كل مسلم الاكتفاء بما أحل والحذر مما حرم الله عز وجل، وقد وسع الله على المسلمين أبواب العمل في الحياة لكسب الرزق، فللفقير أن يعمل أجيرا أو متاجرا في مال غيره مضاربة بنسبة من الربح كالنصف ونحوه، لا بنسبة من رأس المال، ولا بدراهم معلومة الربح، ومن عجز عن العمل مع فقره؛ حلت له المسألة والزكاة والضمان الاجتماعي.
ثانيا: ليس لمسلم سواء كان غنيا أو فقيرا أن يقترض من البنك أو غيره بفائدة، 5% أو 15% أو أكثر أو أقل؛ لأن ذلك من الربا، وهو من كبائر الذنوب، وقد أغناه الله عن ذلك بما شرعه من طرق الكسب الحلال كما تقدم، من العمل عند أرباب الأعمال أجيرا أو الانتظام في عمل حكومي مباح، أو الإتجار في مال غيره مضاربة بجزء مشاع معلوم من الربح كما تقدم.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم". انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/268) .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد الله بن غديان ... عبد الله بن قعود
فنوصيك أخي بالصبر والاكتفاء بالإيجار، إلى أن يوسع الله عليك، وكذلك نوصي صديقك، فإن الربا أمر عظيم، وعاقبته وخيمة، نسأل الله لنا ولكم العافية.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5184)
بيع العينة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى بيع العينة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
بيع العينة هو:
أن يبيع السلعة بثمن مؤجل، ثم يشتريها مرة أخرى نقدا بثمن أقل.
فتكون الصورة النهائية حصول النقد للمشتري، وسوف يسدده بأكثر منه بعد مدة، فكأنَّه قرضٌ في صورة بيع.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (9/96) :
" للعينة المنهيّ عنها تفسيرات، أشهرُها: أن يبيع سلعةً بثمن إلى أجل معلوم، ثمّ يشتريها نفسها نقداً بثمن أقلّ، وفي نهاية الأجل يدفع المشتري الثّمن الأوّل، والفرق بين الثّمنين هو رباً، للبائع الأوّل. وتؤول العمليّة إلى قرض عشرة، لردّ خمسة عشر، والبيع وسيلة صوريّة إلى الرّبا " انتهى.
ولظهور الحيلة الربوية في هذا النوع من البيوع، ذهب جماهير أهل العلم من السلف والخلف إلى تحريمه والمنع منه. حتى قال محمد بن الحسن الشيباني في إحدى صور العينة – كما في "فتح القدير" (7/213) -: هذا البيع في قلبي كأمثال الجبال، اخترعه أَكَلَةُ الربا.
وقد دل على تحريم بيع العينة ما رواه ابْن عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ) .
رواه أبو داود (3462) وصححه الطبري في "مسند ابن عمر" (1/108) ، وابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (29/30) والألباني في "السلسلة الصحيحة" (رقم/11) .
وقد عقد الإمام عبد الرزاق الصنعاني في "المصنف" (8/184) بابا قال فيه:
" باب الرجل يبيع السلعة ثم يريد اشتراءها بنقد:
أخبرنا معمر والثوري عن أبي إسحاق عن امرأته: أنها دخلت على عائشة في نسوة، فسألتها امرأة فقالت: يا أم المؤمنين! كانت لي جارية، فبعتها من زيد بن أرقم بثمانمائة إلى أجل، ثم اشتريتها منه بستمائة، فنقدته الستمائة، وكتبت عليه ثمانمائة، فقالت عائشة: بئس والله ما اشتريت! وبئس والله ما اشترى! أخبري زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب، فقالت المرأة لعائشة: أرأيت إن أخذت رأس مالي ورددت عليه الفضل، قالت: (من جاءه موعظة من ربه فانتهى) الآية، أو قالت: (إن تبتم فلكم رؤوس أموالكم) الآية " انتهى.
قال ابن عبد الهادي في "تنقيح التعليق" (2/558) : إسناد جيد. وصححه الزيلعي في "نصب الراية" (4/16)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (8/223) :
" مثال بيع العينة: أنا بعت على زيد سيارة بعشرين ألفاً إلى سنة، ثم إني اشتريتها من هذا الرجل بثمانية عشر ألفاً، فهذا حرام لا يجوز؛ لأنه يتخذ حيلة إلى أن أبيع السيارة بيعاً صورياً بعشرين ألفاً، ثم أعود فأشتريها بثمانية عشر ألفاً نقداً، فيكون قد أخذ مني ثمانية عشر ألفاً وسيوفيني عشرين ألفاً وهذا ربا، فهذا لا يجوز؛ لأنه حيلة واضحة، ولذلك قال ابن عباس رضي الله عنهما: (دراهم بدراهم وبينهما حريرة) ، وهذه تسمى مسألة العِينة؛ لأن الرجل أعطى عيناً وأخذ عيناً، والعين: النقد؛ الذهب والفضة.
واعلم أنه كلما احتال الإنسان على محرم لم يزدد إلا خبثاً، فالمحرم خبيث، فإذا احتلت عليه صار أخبث؛ لأنك جمعت بين حقيقة المحرم وبين خداع الرب عزّ وجل، والله سبحانه وتعالى لا تخفى عليه خافية، وإنما الأعمال بالنيات " انتهى باختصار.
وفي كتب الفقهاء توسع في ذكر صور تلحق بالعينة، وضوابط لتحريم هذا البيع يمكن في مراجعتها في هذه المراجع: "بدائع الصنائع" (5/198) ، "مواهب الجليل" (4/391) ، "الأم" (3/78) ، "إعلام الموقعين" (3/166)
وانظر لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم: (98124) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5185)
هل يستلم كشف الحساب الربوي ليعطيه لأخيه
[السُّؤَالُ]
ـ[استلام كشوف حسابات بنك ربوي لأخي هل هو حرام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
استلام كشوف حسابات البنك الربوي لا يجوز؛ لما فيه من الإقرار والإعانة على الحرام، وقد لُعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهداه، كما روى مسلم (1598) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ) .
فلا يجوز إقرار الربا أو الإعانة عليه بأي وجه من الوجوه، ويلزمك نصح أخيك وتذكيره بحرمة الربا وإثم فاعله.
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5186)
الصلاة في مسجد بني بقرض ربوي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الصلاة في مسجد اشتُرِيَ بقرضٍ ربويٍ؟ وكيف نتخلص من الربا وقد عمت البلوى بها في بلدان أوربا؟ مع العلم أن القائمين على أمر المسجد لم يقصدوا ذلك وقد خُدعوا من طرف بنك يدّعي بأنه مموّل من بنك إسلامي، وبعد إمضاء العقد اكتشفوا أنهم قد تورّطوا وخُدعوا وأنّ المخادِعين الآن هم في السجن بسبب كذبهم وحيلهم واختلاس الأموال.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في الصلاة في هذا المسجد، ولو اشتري بقرض ربوي، والإثم على من تعامل بالربا. وإذا كان القائمون على المسجد لم يقصدوا التعامل بالربا، فلا إثم عليهم.
وينبغي أن يعلم أن الربا محرم بجميع بصوره، فلا يجوز الاقتراض بالربا ولو كان لبناء مسجد. وينظر جواب السؤال رقم (10234) .
ومن اقترض بالربا، واشترى بذلك بيتا أو متاعا، جاز له الانتفاع به، ويلزمه التوبة إلى الله تعالى من التعامل بالربا.
وينظر جواب السؤال رقم (22905) ورقم (75410) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5187)
الإيداع في البنك الربوي لغرض حفظ المال
[السُّؤَالُ]
ـ[كانت لي فلوس في بنك ربوي أخرجتها ووضعتها في بنك إسلامي أصل هذا البنك ربوي (بنك مصر) فهل علي وزر؟ وإذا كنت لا أملك مكانا أضع فيه الفلوس أو أخاف من أن أصرفها فهل هذه ضرورة تبيح لي هذا المحذور؟ ولو وجدت آراء للعلماء في هذا الموضوع أرجو توضيح الآراء.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا حرج في وضع المال في البنك الإسلامي المنضبط بالشرع، ولو كان أصله ربوياً، بل ينبغي تشجيع البنوك على التخلص من الربا، وضبط معاملاتها بالشرع، ونحن لا علم لنا بالبنك المذكور ولا بجدية تحوله إلى بنك إسلامي.
ثانيا:
الإيداع في البنك الربوي محرم، سواء كان بفائدة أو بدون بفائدة؛ لأنه إن كان بفائدة فهو القرض الربوي الصريح، وإن كان بغير فائدة فهو من إعانة البنك على الربا، لأنه معلوم أن البنك يستفيد ويتقوى بهذه الأموال.
إلا أن أهل العلم استثنوا حالة خاصة وهي ما إذا خاف الإنسان على ماله ولم يجد مكانا آمنا يحفظ فيه ماله، فإنه يجوز له الإيداع في البنك الربوي، من باب أن الضرورات تبيح المحظورات، وحينئذ يلزمه أن يودع في الحساب الجاري من غير فائدة من باب: الضرورة تقدّر بقدرها، وارتكاب أخف الضررين، فهذه حالة مستثناة من عموم الحكم بتحريم الإيداع في البنك الربوي.
وقد سُئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: ما قولكم -وفقكم الله- فيمن يودع أمواله لدى البنوك التي تتعامل بالربا، وتستعين بما لديها من ودائع الناس في المعاملات الربوية، مع العلم أن هذا المودع يستطيع حفظ ماله عن السراق بالصناديق المحكمة والخاصة بحفظ الأموال؟
فأجابوا: "إذا كان البنك يستعين بما وضعه لديهم المودع من الأموال في المعاملات الربوية، وكان صاحب المال يستطيع أن يحفظ ماله من السراق ونحوهم بطرق أخرى ليس فيها ربا - حرم عليه إيداعه في البنك وغيره ممن يستعمله في معاملات محرمة، ويستعين به على ارتكاب المنكرات، فإن وسيلة الشر شر، والإعانة على فعل المحرم حرام، والوسائل لها حكم الغايات" انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (13/343) .
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: الذي عنده مبلغ من النقود ووضعها في أحد البنوك لقصد حفظها أمانة ويزكيها إذا حال عليها الحول، فهل يجوز ذلك أم لا؟
فأجاب: "لا يجوز التأمين في البنوك الربوية ولو لم يأخذ فائدة؛ لما في ذلك من إعانتها على الإثم والعدوان، والله سبحانه قد نهى عن ذلك، لكن إن اضطر إلى ذلك ولم يجد ما يحفظ ماله فيه سوى البنوك الربوية، فلا حرج إن شاء الله؛ للضرورة، والله سبحانه يقول: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) ومتى وجد بنكا إسلاميا أو محلا أمينا ليس فيه تعاون على الإثم والعدوان يودع ماله فيه، لم يجز له الإيداع في البنك الربوي " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (19/414) .
وينظر جواب السؤال رقم (22392) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5188)
هل تأكل من مال والديها المأخوذ من حساب التوفير الربوي
[السُّؤَالُ]
ـ[أعيش مع أمي وأبي ولهم أموال في البنوك بفوائد، وينفقون علي من هذه الأموال فما حكم هذه الأموال بالنسبة لي؟ وما هي الحدود التي ينبغي علي اتباعها؟ وهل علي أن أبحث عن مصدر دخل آخر أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز إيداع الأموال في حساب التوفير بالبنوك الربوية؛ لأن حقيقته أنه قرض ربوي محرم، وقد لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وينظر جواب السؤال (9054) و (82669) و (72413) .
وعلى هذا؛ فالواجب أن تنصحي والديك بترك التعامل بالربا، والحذر من سوء عاقبته في الدنيا والآخرة.
وأما الأكل من مالهما، والاستفادة منه فلا حرج عليك في ذلك، لأن المال المأخوذ بالربا حرام على المرابي فقط، أما من أخذ هذا المال من المرابي بسبب مباح كأولاده وزوجاته وغيرهم فلا حرج عليهم في ذلك.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: رجلٌ علم أن مصدر أموال أبيه من الحرام، فهل يأكل من طعام أبيه؟ وإذا لم يأكل من طعام أبيه فهل يكون ذلك من العقوق؟
فأجاب: "الرجل الذي علم أن مال أبيه من الحرام إن كان حراماً بعينه، بمعنى: أنه يعلم أن أباه سرق هذا المال من شخص فلا يجوز أن يأكله، لو علمت أن أباك سرق هذه الشاة وذبحها فلا تأكل، ولا تُجِبْ دعوته، أما إذا كان الحرام من كسبه يعني: أنه هو يرابي أو يعامل بالغش أو ما يشابه ذلك، فكل، والإثم عليه هو.
، ودليل هذا: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أكل من مال اليهود وهم معروفون بأخذ الربا وأكل السحت، أهدت إليه يهودية شاةً في خيبر مسمومة ليموت، ولكن الله عصمه من ذلك إلى أجلٍ مسمى. ودعاه يهودي إلى خبز شعير وإهالة سنخة (أي: دهن متغير الرائحة) فأجابه وأكل، واشترى من يهودي طعاماً لأهله وأكله هو وأهله، فليأكل والإثم على والده " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (188/13) .
وسئل أيضا رحمه الله: رجل جمع أمواله من الربا وأبناؤه متحرجون من الأكل من هذا المال، ثم إذا مات هذا الأب، هل يجوز لهم أن يرثوا هذا المال؟ وكيف يتوب هذا الرجل؟
فأجاب: "أولاً: يجب على هذا الرجل أن يتوب إلى الله عز وجل وأن يدع الربا، ثم إذا كان هذا الربا الذي جمعه عن جهل لا يدري أنه حرام، أو عن شبهة كأن يقال: إنه حرام ولكن لم يتيقن، فإنه حلال له أن يبقيه عنده، لقوله تعالى: (فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ) البقرة/275. أما إذا كان عالماً لكنه كان عاصياً ثم منَّ الله عليه بالتوبة والهداية فمن تمام توبته أن يتصدق بهذا المال، تخلصاً منه لا تقرباً به إلى الله؛ لأنه لو تقرب به إلى الله لم يقبل منه، لكن ينوي التخلص، إذ لا سبيل له إلى الخلاص إلا بهذا، بإنفاقه صدقة على فقير، أو في إصلاح طرق، أو إصلاح مساجد وما أشبه ذلك.
أما بالنسبة لأولاده فلا حرج عليهم أن يأكلوا منه في حياة أبيهم ويجيبوا دعوته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أجاب دعوة اليهود مع أنهم يأكلون الربا. وأما إذا ورثوه من بعده فهو لهم حلال؛ لأنهم ورثوه بطريقة شرعية، وإن كان هو حراماً عليه، لكن هم كسبوه بطريق شرعي بالإرث، وإن تبرعوا وتصدقوا به عن أبيهم فلعل الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذه الصدقة تمحو ما قبلها من السيئات " "لقاء الباب المفتوح" (181/19) .
وعلى هذا، فلا يلزمك البحث عن مصدر دخل آخر.
نسأل الله لك التوفيق والسداد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5189)
حكم تقديم دورات في مهارات العرض والتفاوض لموظفي البنوك وشركات التأمين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تقديم برامج ودورات تدريبية لشركات التأمين والبنوك الربوية؟ وهل هناك فرق بين تقديم الدورات التطويرية العامة كمهارات العرض والإلقاء ومهارات التفاوض، وبين الدورات المتخصصة في مجال التأمين والبنوك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التعامل بالربا من أعظم المنكرات، وقد جاء فيه من الوعيد الشديد ما لم يأت في غيره من الذنوب، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ (البقرة/278-279.
وروى مسلم (1598) عن جابر رضي الله عنه قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا، ومؤكله، وكاتبه، وشاهديه. وقال: هم سواء.
والتأمين التجاري محرم بجميع أنواعه؛ لقيامه على الربا والميسر، وأكل أموال الناس بالباطل، وقد سبق بيان هذا في جواب السؤال (8889) .
وعليه؛ فلا يجوز الإعانة على شيء من ذلك، لا ببناء، ولا صيانة، ولا تدريب ولا تطوير، سواء كان ذلك في برامج التأمين والبنوك، أو في مهارات العرض والتفاوض ونحو ذلك؛ لأن هذه الدورات إنما تنشأ لإعانة الموظفين، والارتقاء بالمؤسسة وأفرادها ونظمها، وكل ذلك إعانة لها على القيام بمهامها، وهي مهام محرمة، فلا يجوز إعانتهم عليها؛ لقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/ 2.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5190)
خطبها رجل يعمل في بنك ربوي
[السُّؤَالُ]
ـ[تقدم لخطبتي رجل يصلي وذو خلق وجميع مواصفاته جيدة لكنه يعمل في بنك ربوي مدير قسم المحاسبة استخرت ولكني أنتظر إجابتك لقبوله أو رفضه لأني أخاف أن يكون حراما علي وعلى أولادي مستقبلاً وأتمنى إذا كانت هناك توضيحات أكثر على هذا الموضوع تعلمني به.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز العمل في البنوك الربوية مطلقا، لا في المحاسبة ولا في غيرها، لما في ذلك من الإعانة على الإثم والمعصية، والعمل في مجال كتابة الربا أو حسابه أشد وأعظم؛ لما روى مسلم (1598) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ. وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ.
وينظر: جواب السؤال رقم (21113) .
والمال الناتج عن هذا العمل مال محرم، ولهذا ننصحك برفض هذا الخاطب؛ لأن قبولك له يعني أن يكون طعامك وشرابك ونفقتك من المال الحرام، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ،
فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) ، وَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) ، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ) رواه مسلم (1015) .
قال ابن رجب رحمه الله: " فأكل الحلال وشربه ولبسه والتغذي به سبب موجِبٌ لإجابة الدعاء " انتهى.
وقال صلى الله عليه وسلم: (كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به) رواه الطبراني وأبو نعيم عن أبي بكر، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4519) .
ونسأل الله تعالى أن يرزقك الزوج الصالح، والرزق الحلال المبارك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5191)
التمويل الائتماني مع شرط الزيادة في حال التأخر
[السُّؤَالُ]
ـ[توجد شركة أجنبية (أوروبية) تقدم عروضاً استثمارية ائتمانية وعقارية، للراغبين في طلب تسهيلات ائتمانية بإصدار سندات خلال فترة ثلاثة أشهر من التوقيع على مذكرة التفاهم. وتشمل شروط هذه الشركة للتمويل تطبيق فوائد ثابتة بنسبة 7 % يتم تحصيلها سنوياً ويتم إعادة رأس المال للشركة بعد 10 سنوات من إصدار السندات ودفع الفائدة المتفق عليها ألا وهي 7 % من كل سنة. وتقوم الشركة بتمويل المشاريع تمويلاً كاملاً. الضمانات على السداد ورد رأس المال • على الائتمان: ضمان الرهن أو بموجب ضمان إضافي متفق عليه بين الأطراف. • على الفوائد: عقد إدارة، وضمان السندات بواسطة شركة تأمين تقترحها شركة التمويل. السؤال: هل يجوز التعامل مع هذه الشركة؟ علماً بأنها ليست شركة إسلامية والعاملين بها أجانب وليسوا مسلمين؟ وفي حالة عدم الجواز فهل يجوز لنا أن نقترض من هذه الشركة المبلغ الائتماني بطريق الأجل، ثم نقوم بتسديد كامل المبلغ قبل حلول موعد تحصيل الفوائد المتفق عليها، حيث إن الشركة لا تلزمنا بالفوائد في حالة سداد وإعادة رأس المال قبل سريان الفائدة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز التعامل مع هذه الشركة، لا بنظام الفائدة ولا بنظام الائتمان، أما الأول فلأنه قرض ربوي صريح، ولا يخفى تحريم الربا وما جاء فيه من الوعيد الشديد، وقد أجمع أهل العلم أن كل قرض اشترطت فيه الزيادة فهو ربا.
ولا فرق بين أن يكون الربا مع المسلم أو مع الكافر، كما لا فرق بين آكل الربا الذي يأخذ الفائدة، وموكلها الذي يدفعها.
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278-279.
وروى مسلم (1598) عن جابر رضي الله عنه قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه. وقال: هم سواء.
وقال ابن قدامة رحمه الله: " وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف.
قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المُسلف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية، فأسلف على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلك ربا. وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس وابن مسعود أنهم نهوا عن قرض جر منفعة ". انتهى من "المغني" (6/436) .
وأما أخذ المال عن طريق الائتمان، مع شرط الزيادة في حال التأخر عن السداد، فلا يجوز أيضا ولو عزم الإنسان على السداد؛ وذلك لأمرين:
الأول: أن هذا عقد ربوي محرم، فلا يجوز التوقيع عليه ولا الدخول فيه ولا إقراره.
الثاني: أنه قد يتأخر الإنسان في السداد لظرف ما، من نسيان أو مرض أو غيره، فيقع في الربا.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: تقوم البنوك بمنح عملائها بطاقة تسمى (الفيزا) ، حيث تمكنه من سحب مبالغ نقدية من البنك ولو لم يكن في حسابه تلك اللحظة أي مبلغ، على أن يقوم بردها للبنك بعد فترة زمنية محددة، وإذا لم يتم التسديد قبل انقضاء تلك الفترة فإن البنك يطلب زيادة أكثر مما سحب العميل، مع العلم أن العميل يقوم بدفع مبلغ سنوي للبنك مقابل استخدامه لتلك البطاقة، أرجو بيان حكم استخدام هذه البطاقة.
فأجاب: " هذه المعاملة محرمة، وذلك لأن الداخل فيها التزم بإعطاء الربا إذا لم يسدد في الوقت المحدد، وهذا التزام باطل، ولو كان الإنسان يعتقد أو يغلب على ظنه أنه موف قبل تمام الأجل المحدد، لأن الأمور قد تختلف فلا يستطيع الوفاء، وهذا أمر مستقبل، والإنسان لا يدري ما يحدث له في المستقبل، فالمعاملة على هذا الوجه محرمة. والله أعلم " انتهى من مجلة الدعوة العدد 1754 ص 37.
وعلى هذا؛ فلا يجوز التعامل مع هذه الشركة فيما ورد في السؤال، لأنه من الربا الصريح الذي حرمه الله ورسوله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5192)
بعض أنواع البيوع المحرمة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أصناف البيع الحرام مع ذكر الأدلة لو تفضلتم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
للبيوع المحرمة صور كثيرة، ولا يمكن حصرها في هذا الجواب المختصر، وقد ذكرنا في الموقع تحت قسم "البيوع المحرمة" كثيرا من هذه البيوع، فيمكنك مراجعتها.
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قاعدة مفيدة في هذا الباب، تُعين على فهم الموضوع، وبالقياس عليها يلتئم الباب.
قال رحمه الله – كما في "مجموع الفتاوى" (29/22) -:
" القاعدة الثانية: فى العقود حلالها وحرامها: والأصل فى ذلك أن الله حرم فى كتابه أكل أموالنا بيننا بالباطل، وذم الأحبار والرهبان الذين يأكلون أموال الناس بالباطل، وذم اليهود على أخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل، وهذا يعم كل ما يؤكل بالباطل فى المعاوضات والتبرعات، وما يؤخذ بغير رضا المستحق والاستحقاق.
وأكل المال بالباطل فى المعاوضة نوعان ذكرهما الله في كتابه هما: الربا، والميسر.
فذكر تحريم الربا الذي هو ضد الصدقة في آخر سورة البقرة وسورة آل عمران والروم وذم اليهود عليه في سورة النساء. وذكر تحريم الميسر في سورة المائدة.
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم فَصَّل ما جمعه الله في كتابه: فنهى صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر كما رواه مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه، والغرر هو المجهول العاقبة، يفضي إلى مفسدة الميسر التي هي إيقاع العداوة والبغضاء، مع ما فيه من أكل المال بالباطل الذي هو نوع من الظلم، ففي بيع الغرر ظلم وعداوة وبغضاء.
وأما الربا فتحريمه في القرآن أشد، ولهذا قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) البقرة/278-279
وذكره النبي صلى الله عليه وسلم في الكبائر كما خرجاه في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، وذكر الله أنه حرم على الذين هادوا طيباتٍ أُحلت لهم، بظلمهم، وصدهم عن سبيل الله، وأخذهم الربا، وأكلهم أموال الناس بالباطل، وأخبر سبحانه أنه يمحق الربا كما يُربي الصدقات، وكلاهما أمر مجرب عند الناس " انتهى.
فالقاعدة: أن كل بيع يشتمل على واحد من هذين المحذورين – الربا والميسر - أو كان حيلة إليهما فهو من البيوع المحرمة.
ومن أمثلة البيوع المحرمة بسبب الربا: بيع العينة، وكثير من صور بيع الدَّين، والجمع بين البيع والسلف. . ونحوها.
ومن أمثلة البيوع المحرمة بسبب الميسر: بيع الشيء المجهول، وبيع ما لا يقدر على تسليمه.
وانظر جواب السؤال (105339) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5193)
هل تساعد صديقتها في شراء منزل بقرض ربوي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي صديقة تريد شراء منزل بقرض ربوي، وهي تطلب مني أن أخرج معها للبحث عن هذا المنزل، وإعطائها رأيي فيه، فماذا علي أن أفعل؟ هل علي إثم إن قبلت؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الربا من الأمور المحرمة في الشريعة الإسلامية تحريماً قطعياً؛ قال تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) البقرة /275، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) البقرة / 278.
وروى مسلم (1598) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ) .
فالنصوص السابقة تدل على حرمة الربا سواء أخذه الإنسان؛ لأجل أن يشتري به بيتاً أم أخذه لغير ذلك.
وانظري جواب سؤال رقم (9054) .
فإذا تبين لكِ أن فعل صديقتك محرم، فإنه لا يجوز لكِ مساعدتها على ذلك؛ لأن المسلم لا يجوز له أن يعين أخاه على أمر محرم، قال الله تعالى: (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة / 2، بل الواجب عليكِ هو النصح والإرشاد لصديقتك؛ لعل الله أن يهديها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5194)
تمول لهم شركتهم شراء السيارات ويشترط البائع التأمين على الحياة!
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في شركة، وهذه الشركة أجرَت اتفاقاً مع بائع السيارات ليبيع السيارات لعمالها بالتقسيط، فإذا أراد أي عامل شراء سيارة يذهب إلى بائع السيارات، ويختار السيارة التي تعجبه، فيعطيه البائع ورقة مكتوباً عليها ثمن السيارة بدون تقسيط، وثمن السيارة بالتقسيط لمدة ستين شهراً، وقيمة كل قسط، وهذه الأقساط تخصم مباشرة من الراتب الشهري للعامل حسب اتفاق الشركة والبائع، لكن البائع يشترط على المشتري أن يؤمِّن على السيارة من كل الأخطار، ويؤمِّن على حياته مدة ستين شهراً؛ وذلك ليضمن البائع استرداد ثمن السيارة في حالة ما إذا وقع حادث للسيارة، أو في حالة وفاة المشتري، هل هذه المعاملة حلال شرعاً - مع العلم أن التأمين على السيارة في بلدي إجباري، وأنني أملك سيارة قديمة وأريد استبدالها بسيارة جديدة ?]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الذي يظهر أن ما تقوم به هذه الشركة هو دفع ثمن السيارة للبائع نقداً، ثم تقوم بتحصيل هذا الثمن مقسطاً من المشتري، وعليه زيادة عما دفعته للبائع.
فاتفاقها مع بائعي السيارات واضح في أنهم يمكنون عاملهم من اختيار السيارة، ويكون عليها دفع ثمنها لهم، وواضح أن هذه المعاملة هي قرض تقدمه الشركة لموظفيها، لكنها لا تمكنهم من المال نقداً، بل تبادر بدفعه لبائعي السيارات، وهي تستوفي من موظفيها أكثر مما دفعت.
وهذه المعاملة محرَّمة، وهي صورة من صور الربا، وقد سبق في جواب السؤال (10958) فتوى لعلماء اللجنة الدائمة للإفتاء في تحريمها.
ثانياً:
سبب آخر يجعل هذه المعاملة محرَّمة، هو اشتراط البائع على الموظف المشتري أن يؤمِّن على حياته! وذلك من أجل استيفاء أموالهم من قيمة التأمين بعد الوفاة! وعقود التأمين التجاري كلها محرَّمة، ولا يجوز منها أي نوع، ومن يؤمن على سيارته فإن هذا من باب الإكراه، والاضطرار، ولا يحل له الاستفادة مما تدفعه له شركة التأمين في حال وقوع حادث، بل يأخذ منهم ما دفعه لهم من أقساط فقط.
وانظر جواب السؤال رقم (10805) ففيه بيان حكم التأمين على الحياة، وفيه فتوى الشيخ ابن باز
وانظر جواب السؤال رقم: (30740) ففيه حكم الاقتراض ممن يشترط التأمين على الحياة.
وعلى هذا؛ فلا يجوز للموظف أن يشتري السيارة بهذه الطريقة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5195)
حكم استلام الراتب من البنوك الربوية وإبقاء جزء منها فيه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب مغربي، أعمل في إحدى الشركات، وكنت أتقاضى أجرتي مباشرة من رب العمل , لكن هذا الأخير قرر أن يحوِّل أجرتي إلى البنك، ما حكم المعاملات البنكية، مع العلم أنني لن أسحب أجرتي كلها في آخر كل شهر، هل هذا العمل لا يجوز؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
البنوك الربوية مؤسسات تقوم على الشر والفساد، وهي تقوم بترتيب وتنظيم كبيرة من كبائر الذنوب وهي الربا، فهي مؤسسات تحارب الله ودينه، والوعيد على أكل الربا لا محالة طائل من قام بتأسيسه والمساهمة فيه، ومن وضع ماله عندهم، ومن أذن بقيامه ورخَّص له بمزاولة عمله، فليحذر المسلم من أن يكون له صلة بتلك المؤسسات إلا أن يكون مضطراً لذلك، ولا يجد مناصاً من ذلك.
ومن الضرورات في زماننا هذا: ما تفعله الدول والمؤسسات العامة والخاصة من تسليم موظفيها رواتبهم وحقوقهم من خلال بنوك ربوية، وهذا الفعل حرام على تلك الجهات؛ لأنه يقوي مكانة تلك البنوك، ويساهم في فائدتها، ولا يلحق الموظف حرج ولا إثم إن استلم راتبه عن طريق تلك البنوك الربوية، لكن بشروط:
الأول: أن لا يجد الموظف طريقة أخرى غير ذلك البنك الربوي، فإن استطاع استلام راتبه من مؤسسته، أو استلامه من خلال بنك إسلامي: فلا يكون معذوراً.
الثاني: أن لا يدع شيئاً من راتبه لذلك البنك الربوي، وإلا كان مساهماً في فائدتهم وانتفاعهم.
والحل لمن كان مضطراً اضطراراً ملجئاً لتلك البنوك: أن يفتح فيها حساباً جارياً، ويكون تحويل الراتب إليه، ومن المعلوم أن الحسابات الجارية شأنها أخف من حسابات التوفير.
قال علماء اللجنة الدائمة:
" لا بأس بأخذ الرواتب التي تصرف عن طريق البنك؛ لأنك تأخذها في مقابل عملك في غير البنك، لكن بشرط أن لا تتركها في البنك بعد الأمر بصرفها لك من أجل الاستثمار الربوي " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (13 / 288، 289) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله -:
" يوجد بعض الجهات من شركات وغير شركات تلزم الموظفين أن يفتحوا حساباً في أي بنك من البنوك من أجل أن تحيل الرواتب إلى هذا البنك , فإذا كان لا يمكن للإنسان أن يستلم راتبه إلا عن هذا الطريق: فلا بأس , يفتح حساباً، لكن لا يدخل حساباً من عنده , يعني: لا يدخل دراهم من عنده , أما كونه يتلقى الراتب من هذا: فلا بأس " انتهى.
" لقاءات الباب المفتوح " (111 / السؤال رقم 10) .
ولا حرج من ترك الأموال في البنوك الربوية لحفظها، ولكن بشروط، سبق بيانها في جواب السؤال رقم (22392) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5196)
تقدير الفوائد البنكية المختلطة بأصل المال
[السُّؤَالُ]
ـ[والدي ترك مالاً لي في بنك ربوي في دفتر توفير ومسكت الدفتر من 21 عاماً ولا أعرف هذه الفلوس مضاف إليها فوائد أم لا؟ وتأكدت أن والدي ووالدتي وضعوا لي قريبا مالاً فيبقي قدر المال المشكوك فيه قليلاً. وأنا صفيت الدفتر في البنك الربوي فلا أستطيع أن أعرف كم الفلوس الحرام حتى ولو كان معي الدفتر، فماذا أفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الودائع المصرفية قروض في حقيقة أمرها، حتى ولو كانت حسابات توفير، فما يدفع عليها من فوائد هو الربا المحرم الذي جاءت النصوص بتحريمه، والوعيد الشديد على آكله.
وقد جاء في قرار المجمع الفقهي بمنظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد بجدة سنة 1406هـ ما يلي:
"كل ما جاء عن طريق الفوائد الربوية هو مال حرام شرعا، لا يجوز أن ينتفع به المسلم-مودِعُ المال- لنفسه أو لأحد ممن يعوله في أيِّ شأن من شؤونه، ويجب أن يصرف في المصالح العامة للمسلمين من مدارس ومستشفيات وغيرها، وليس هذا من باب الصدقة، وإنما من باب التطهر من الحرام".
انظر: "مجلة المجمع" (9/1/667) .
وبناء عليه؛ ينبغي عليك أن تتحرى ما استطعت لمعرفة مقدار المال الربوي، وذلك بالرجوع إلى نظام البنك والطريقة التي جرى عليها في مثل هذه الزيادات الربوية، والرجوع إلى والديك لمعرفة المبلغ القديم الذي وضعوه في دفتر التوفير والمبلغ الجديد الذي وضعوه قريبا، فإن عرفت مقدار الفائدة الربوية على التحديد فالواجب عليك إخراجها في المصالح العامة للمسلمين، وإلا رجعت في ذلك إلى ما يغلب على الظن، مع مراجعة والديك في تحديد ذلك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5197)
تمويل " الأمانة " من بنكHSBC
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تمويل amanah (الأمانة) الخاص ببنك HSBC صحيح في ضوء القرآن والسنة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تمويل " الأمانة " الشخصي المستعمل في بنك HSBC يعتمد في أسلوبه على " التورق المصرفي المنظم " كما يظهر ذلك في موقع البنك الإلكتروني باللغة الإنجليزية:
http://www.hsbcamanah.com/1/2/hsbc-amanah/personal/personal-finance
وهذه ترجمتها العربية:
http://66.249.91.104/translate_c?hl=ar&u=http://www.hsbcamanah.com/1/2/hsbc-amanah/personal/personal-finance&prev=/search%3Fq%3D%2522amanah%2Bfinance%2522%26hl%3Dar%26sa%3DX
وهي معاملة محرمة؛ لما فيها من الحيلة على الربا.
وقد أصدر مجمع الفقه الإسلامي قراراً بتحريم التورق المنظم الذي يتم عن طريق البنوك.
وقد ذكرنا نص القرار في جواب السؤال رقم (98124) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5198)
يحرم دفع الفوائد بسبب التضخم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يحرم دفع الفوائد في القروض بسبب التضخم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، يحرم دفع الفوائد في القروض ولو بسبب التضخم.
وقد اتفق العلماء على أن القرض إذا اشترط فيه أن يرد بزيادة، فذلك الربا الذي حرمه الله ورسوله، قال ابن قدامة في "المغني" (6/436) :
"وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف.
قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المُسلف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية، فأسلف على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلك ربا.
وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس وابن مسعود أنهم نهوا عن قرض جر منفعة" انتهى.
وقد نص العلماء على أنه يجب على المقترض أن يدفع مثل المال الذي اقترضه، ولو زادت قيمته يوم الوفاء أو نقصت عن قيمته يوم القرض.
غير أن الإمام أحمد رحمه الله استثنى صورة وهي إذا منع الحاكم التعامل بالعملة التي وقع القرض بها، فإنه يقومها يوم أخذها ويسدد القرض من العملة الجديدة. وذلك لأن منع التعامل بها قد أذهب ماليتها، وصارت لا قيمة لها.
قال ابن قدامة في "المغني" (6/441) :
"ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُسْتَقْرِضَ يَرُدُّ الْمِثْلَ , سَوَاءٌ رَخُصَ سِعْرُهُ أَوْ غَلا , أَوْ كَانَ بِحَالِهِ. . . . وَإِنْ كَانَ الْقَرْضُ فُلُوسًا فَحَرَّمَهَا السُّلْطَانُ , وَتُرِكَتْ الْمُعَامَلَةُ بِهَا , كَانَ لِلْمُقْرِضِ قِيمَتُهَا , وَلَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهَا. . . وَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَالشَّافِعِيُّ: لَيْسَ لَهُ إلا مِثْلُ مَا أَقْرَضَهُ ; لأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِعَيْبٍ حَدَثَ فِيهَا , فَجَرَى مَجْرَى نَقْصِ سِعْرِهَا. والدليل على ما قالناه: أَنَّ تَحْرِيمَ السُّلْطَانِ لَهَا يمنع إنْفَاقِهَا , ويبطل مَالِيَّتِهَا , فَأَشْبَهَ تَلَفَ أَجْزَائِهَا , وَأَمَّا رُخْصُ السِّعْرِ فَلا يَمْنَعُ رَدَّهَا , سَوَاءٌ كَانَ كَثِيرًا , أَوْ قَلِيلا ; لأَنَّهُ لَمْ يَحْدُثْ فِيهَا شَيْءٌ , إنَّمَا تَغَيَّرَ السِّعْرُ , فَأَشْبَهَ الْحِنْطَةَ إذَا رَخُصَتْ أَوْ غَلَتْ " اهـ باختصار.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5199)
المشاركة في مسابقة ثقافية بمبلغ مالي مقابل جائزة مرتقبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أقوم بعمل مسابقة ثقافية نصف شهرية بالكيفية التالية: 1- يدفع كل متسابق قيمة اشتراك 100 ريال، ويحق له الاشتراك في المسابقة مدى الحياة، وله سحب هذا المئة في أي وقت. 2- أقوم بتشغيل الأموال التي جمعتها من الاشتراكات في مشاريع ناجحة ومضمونة وأوزع منها الأرباح على الفائزين، ولا أعطي الأرباح من الاشتراكات. 3- أعطي جائزة خمسة آلاف ريال لكل واحد من الفائزين، وهم ثلاثة من كل ألف]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه المسابقة لا يجوز إنشاؤها ولا الاشتراك فيها، وذلك لقيامها على الربا، لأن المال المدفوع لك يعتبر قرضا، لا وديعة؛ إذ الوديعة تحفظ كما هي، ولا يتصرف في عينها، وأما القرض فهو أخذ المال ورد بدله، وإذا ترتب على القرض منفعة مشروطة للمقرض كان ذلك ربا، والمنفعة هنا هي الحصول على الجائزة، ولولا ذلك ما دفع الناس أموالهم.
واعلم أن معاملتك هذه هي عين ما يسمى في بعض البلدان بشهادات الاستثمار فئة (ج) مع فارق واحد وهو هذه المسابقة الثقافية، لكنه فارق غير مؤثر، لأن المدار على دفع المال بهدف الحصول على الجائزة المرجوة.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: عندنا في مصر ما يسمى بشهادات الاستثمار التي تباع في البنوك, وتسمى الفئة (ج) وهي بدون فوائد , أي: لو اشتريت شهادة, ثم أردت أن أردها ولو بعد عشر سنوات أو أكثر أو أقل, فهي ترد بنفس السعر الذي اشتريت فيه. وبعد ذلك يقوم الكمبيوتر بسحب رقم من أرقم الشهادات المباعة في الجمهورية, ويكون هذا هو الفائز الأول, ويوجد فائز ثان, وثالث إلى أكثر من (400) فائز, ويحصل الفائز الأول على عشرين ألف جنيه قيمة الفائزية. فأريد أن أعرف أنه لو اشتريت من هذه الشهادات ثم كنت من أحد الفائزين, فهل يجوز لي أن آخذ هذا المبلغ أم لا؟ وهل أكون مرتكباً إثماً؟.
فأجابوا:
" ما ذكرته في سؤلك مما يتعلق بشهادة الاستثمار, نوع من أنواع القمار (اليانصيب) وهو محرم, بل من كبائر الذنوب, بالكتاب والسنة والإجماع " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (13/305) .
وقال الدكتور علي السالوس في كتابه: " معاملات البنوك الحديثة في ضوء الإسلام" ص 38: " وإذا كان البنك الربوي قد صنف الشهادات أصنافا ثلاثة، فجعل الأولى غير الثانية بقصد جذب أكبر عدد ممكن، فإنه في المجموعة الأخيرة خطا خطوة أبعد، فجاء إلى مجموع الربا، ثم قسمه إلى مبالغ مختلفة لتشمل عددا أقل بكثير جدا من عدد المقرضين، ثم لجأ إلى توزيع هذه المبالغ المسماة بالجوائز عن طريق القرعة! وبهذا ربما نجد صاحب قرض ضئيل يأخذ آلاف الجنيهات، على حين نجد صاحب الآلاف قد لا يأخذ شيئا. فالأول أخذ نصيبه من الربا ونصيب مجموعة كبيرة غيره، والثاني ذهب نصيبه لغيره، وفي كل مرة يتم التوزيع يترقبه المترقبون، يخرج هذا فرحا بما أصاب، ويحزن ذلك لما فاته، وهكذا في انتظار مرة تالية، أليس هذا هو القمار؟ فالبنك الربوي لجأ إلى المقامرة بالربا! فمن لم يُغره نصيبه من الربا في المجموعتين، فليقامر بنصيبه في المجموعة الثالثة ... ألا يمكن إذن أن تكون المجموعة (ج) أسوأ من أختيها؟ " انتهى.
وإذا كنت تريد الرزق الحلال المبارك فيه، وهذا ما نؤمّله ونرجوه، فإنه يمكن أن تتفق مع هذا العدد من الناس على استثمار أموالهم، ولهم هذه النسبة الكبيرة من الأرباح، ولك الباقي، على أن لا يُضمن رأس مالهم، بل إن حصلت الخسارة بلا تفريط منك، خسروا أموالهم وخسرت عملك، وإن حصل الربح، قُسم بينكم بحسب الاتفاق.
هذا ويشترط أن يكون استثمارك للمال في مشاريع مباحة، كما لا يخفى.
ونسأل لنا ولك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5200)
اشتراط البائع فائدة في حال تأخر المشتري في سداد الثمن المؤجل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم هذا الأمر بالنسبة للمسلمين – يطلب الدائن نسبة فائدة ثابتة محددة من المدين بدءا من الوقت الذي تأخر فيه في دفع قيمة السلع المباعة على الحساب والتي تم تحديد وقت محدد لدفعها. فما الحكم إذا قام المسلم بشراء سلعا محددة بالدين وهو غير قادر على دفع قيمتها ويطلب الدائن حال كونه غير مسلم فائدة لهذا التأخير.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا اشترى الإنسان سلعة بثمن مؤجل، أصبح هذا الثمن دينا عليه، ولا يجوز أن يُشترط عليه دفع فائدة أو زيادة في حال تأخره عن موعد السداد؛ لأن ذلك من الربا المحرم، سواء كان التعامل مع مسلم أو كافر؛ لعموم النصوص التي تحرم الربا.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (101080) .
وقد أصدر مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي قرارا بشأن غرامة التأخير في دورته الرابعة عشرة بالدوحة جاء فيه:
" ثالثا ً: إذا تأخر المشتري المدين في دفع الأقساط عن الموعد المحدد فلا يجوز إلزامه أي زيادة على الدين بشرط سابق، أو بدون شرط، لأن ذلك ربا محرم " انتهى.
والربا يشترك في إثمه: آكله أي الآخذ، ومؤكله أي الدافع، كما روى مسلم (1598) عن جابر رضي الله عنه قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا، ومؤكله، وكاتبه، وشاهديه. وقال: هم سواء.
ثانيا:
إذا كان البائع يشترط غرامة في حال تأخير السداد عن الموعد المحدد، فلا يجوز الدخول معه في هذا العقد، ولو كان المشتري عازما على السداد في الوقت، وذلك لأمرين:
الأول: أن في هذا إقرارا وموافقة على الشرط الربوي، وهذا حرام.
الثاني: أنه قد يقع في الربا بالفعل، فقد يتأخر عن السداد، لعذر من نسيان أو مرض أو سفر ونحو ذلك.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5201)
أخذ الفائدة الربوية لتعويض النقص في قيمة النقود الشرائية
[السُّؤَالُ]
ـ[نسبة لغلاء المعيشة حيث يفقد المال قيمته الشرائية بنفس درجة غلاء المعيشة. مثال ـ إذا كان نسبة غلاء المعيشة 2% فيكون ثمن ما يمكن شراؤه اليوم بـ 100 دينار 102 دينار بعد سنة. إذا تعاملت مع بنك فقط للحفاظ علي قيمة نقودي الشرائية، أي إعطائي مبلغا بنسبة مساوية لغلاء المعيشة الحالي، فماذا يكون وضعي دينيا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا شك أن غلاء المعيشة المتزايد يعني أن الاحتفاظ بالنقود يفقدها قدرا من قيمتها الشرائية، ولهذا ينبغي البحث عن وسائل مشروعة لاستثمارها.
ونظرا لمخاطر الاستثمار، وفقدان الثقة في الجهات الاستثمارية عند كثير من الناس، فإن بعضهم يلجأ إلى الإيداع في البنوك الربوية، وأخذ الفائدة، وهذا إما من الجهل بحرمة هذا التصرف، أو من إيثار الدنيا على الآخرة، فإن هذا الإيداع الربوي محرم تحريما عظيما، لأنه الربا الذي لعن آكله وموكله وكاتبه وشاهداه، وهو الربا الذي توعد الله فاعله بالحرب والمقت.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278-279.
روى مسلم (1598) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ. وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ.
وقال صلى الله عليه وسلم: (درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد عند الله من ستة وثلاثين زنية) رواه أحمد والطبراني، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 3375
وحقيقة الإيداع في هذه البنوك: أنه قرض بفائدة، والمقرض هو العميل، والمقترض هو البنك، لأن القرض إعطاء المال ثم أخذ بدله، وتسمية ذلك وديعة خطأ واضح، فإن الوديعة يُحتفظ بعينها، ولا يتصرف فيها، كوضع المال في صندوق الأمانات مثلا، بحيث يبقى المال بعينه دون تغيير، أما أن يتصرف البنك في المال تصرف الملاك، مع التزامه برد مثل المال، فهذا هو القرض، فإذا كان مع التزام فائدة عليه، كان قرضا ربويا مجمعا على تحريمه.
قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: " وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف. قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المُسلف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية، فأسلف على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلك ربا. وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس وابن مسعود أنهم نهوا عن قرض جر منفعة " انتهى من "المغني" (6/436) .
وقال ابن عبد البر رحمه الله: " وكل زيادة في سلف أو منفعة ينتفع بها المسلف فهي ربا , ولو كانت قبضة من علف , وذلك حرام إن كان بشرط " انتهى من "الكافي " (2/359) .
ونقصان القيمة الشرائية للنقود لا يبيح اشتراط الفائدة التي هي عين الربا، بل القرض يُرد كما هو ولو نقصت قيمته.
وقد جاء في "موسوعة فتاوى الأزهر"، فتوى للشيح جاد الحق شيخ الأزهر السابق رحمه الله، فيما نحن بصدده، نوردها للفائدة
السؤال " السائل أهديت له شهادات استثمار من الفئة (ب) ذات العائد الجارى من والده بمناسبة زواجه وهى في حوزته إلى الآن.
وقد استحق صرفها حاليا ولها أرباح عن فترة حيازته لها.
والسؤال: هل هي حلال بأرباحها.
علما بأن قيمتها الشرائية الآن مع أرباحها أقل من قيمتها وقت الإهداء والشراء.
فأجاب: " اصطلح فقهاء الشريعة على أن ربا الزيادة هو زيادة مال بلا مقابل في معاوضة مال بمال.
وقد حرم الله الربا بالآيات الكثيرة في القرآن الكريم.
وكان آخرها نزولا على ما صح عن ابن عباس رضي الله عنهما قول الله سبحانه وتعالى (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون. يمحق الله الربا ويربى الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم) البقرة /275 -276، وحرمه كذلك بما ورد في الحديث الشريف الذي رواه البخاري ومسلم وغيرهما، عن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل، يدا بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطى فيه سواء) .
ولما كان مقتضى هذه النصوص أن الربا يدخل فيه كل زيادة على المال المقترض أو المودع بالشرط والتحديد بلا مقابل، وقد أجمع المسلمون على تحريمه إعمالا لنصوص القرآن والسنة الشريفة.
ولما كانت شهادات الاستثمار من الفئة (ب) ذات فائدة محددة مشروطة مقدما زمنا ومقدارا، كانت داخلة في ربا الزيادة المحرم شرعا بمقتضى تلك النصوص، باعتباره قرضا بفائدة مشروطة مقدما زمنا ومقدارا.
أما ما جاء بالسؤال من أن قيمة هذه الشهادات الشرائية الآن مع أرباحها أقل من قيمتها وت إهدائها إلى السائل أو وقت الشراء فلا يصلح مبررا لاستحلال هذه الفوائد الربوية، فقد نقل الإمام الإسبيجابي في شرح الطحاوي اتفاق الفقهاء على أن الفلوس إذا لم تكسد ولكن غلت قيمتها أو نقصت، فعلى المقترض مثل ما قبض من العدد مادام نوع الفلوس محددا (رسالة تنبيه الرقود على مسائل النقود من رخص وغلاء وكساد وانقطاع للعلامة ابن عابدين ج - 2 مجموع الرسائل ص 58 - 67) .
وإذ كان ذلك، كانت القيمة الاسمية لهذه الشهادات حلالا باعتبار أن أصلها جاء هدية من كسب حلال في الغالب حملا لحال المؤمنين على الصلاح، كما هو الأصل.
أما الفائدة التي استحقت عليها طبقا لنظام إصدارها فهى من باب ربا الزيادة المحرم، باعتبارها محددة زمنا ومقدارا، ولا يحل للمسلم الانتفاع بهذه الفائدة باعتبارها من الأكساب المحرمة، وله قبضها وتوجيهها إلى أي طريق من طرق البر كبناء المساجد أو المستشفيات أو إعطائها لفقير أو مسكين على ما أشارت إليه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التصرف في الكسب الحرام، إبراء لذمة المسلم من المسئولية أمام الله.
فقد ورد في الحديث الشريف عن أبى برزة الأسلمي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه) ، والله سبحانه وتعالى أعلم " انتهى.
ولهذا نقول لأخينا السائل: إما أن تبحث عن وسيلة مشروعة لاستثمار المال، ولو بشراء سلع تحتفظ بقيمتها غالبا كالأرض والذهب ونحو ذلك، وإما أن تصبر وتحتسب، وتتحمل ما ينشأ عن حفظ المال من نقص في قيمته.
ثانيا:
لا يجوز وضع المال في البنك الربوي إلا لغرض حفظه إذا خيف عليه من السرقة، ويُجعل حينئذ في الحساب الجاري لا في حساب التوفير، ارتكابا لأهون الشرين، وفي حال ترتب فائدة عليه، يجب التخلص منها بصرفها للفقراء والمساكين وفي المصالح العامة، ولا يجوز لصاحب المال الانتفاع بشيء منها.
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5202)
حكم شراء بيت بالربا في بلاد الكفر
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة متزوجة ومنذ فترة تحسن عمل زوجي كثيرا والحمد لله ولكن بدلا من أن يشكر زوجي -هداه الله- الله عز وجل على هذه النعمة يصر على شراء بيت عن طريق الأقساط الربوية لقوله إن كثيراً من العلماء أجازوا ذلك لمن يعيش في بلد غير مسلم، فهل أطلب الطلاق أم أبقى مع زوجي والإثم عليه وحده؟ وهل أكون آثمة إذا قمت باختيار بيت غالي الثمن لكي يشعر زوجي بأنه غير قادر على دفع أقساط عالية ويرتدع عن شراء بيت ربوي؟ أرجوكم لا تهملوا هذا السؤال لأنه مهم جدا. ماذا أفعل هل أطلب الطلاق أم ماذا؟ أرجوكم انصحوني فأنا حائرة جدا لأنه عندنا ولد.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا يجوز شراء بيتٍ أو غيره عن طريق الربا، سواء كان ذلك في بلاد إسلامية أو غير إسلامية؛ لعموم الأدلة التي تحرّم الربا وتلعن آكله وموكله، وهذا مذهب جمهور أهل العلم.
وذهب الحنفية إلى أنه يجوز أخذ الربا من الحربيين في دار الحرب، وتصحيح كل عقد أو معاملة تعود على المسلم بنفع ما دامت قائمة على التراضي، وليس فيها غش ولا خيانة.
قال الكاساني في "بدائع الصنائع" (7/132) : " وعلى هذا إذا دخل مسلم أو ذمي دار الحرب بأمان , فعاقد حربيا عقد الربا أو غيره من العقود الفاسدة في حكم الإسلام جاز عند أبي حنيفة , ومحمد - رحمهما الله - وكذلك لو كان أسيرا في أيديهم أو أسلم في دار الحرب ولم يهاجر إلينا , فعاقد حربيا ... وجه قولهما: أن أخذ الربا في معنى إتلاف المال , وإتلاف مال الحربي مباح , وهذا لأنه لا عصمة لمال الحربي , فكان المسلم بسبيلٍ من أخذه إلا بطريق الغدر والخيانة , فإذا رضي به انعدم معنى الغدر " انتهى.
وقال ابن الهمام في "فتح القدير" (7/39) : " الظاهر أن الإباحة تفيد نيل المسلم الزيادة , وقد التزم الأصحاب في الدرس أن مرادهم من حل الربا والقمار ما إذا حصلت الزيادة للمسلم نظرا إلى العلة " انتهى.
وينظر: تبيين الحقائق (4/97) ، العناية شرح الهداية (7/38) ، حاشية ابن عابدين (5/186) .
وقد تبين من هذا أن الحنفية يجيزون أخذ الربا من الكافر الحربي – في دار الحرب -؛ لأن ماله مباح أصلا، فيجوز أخذه برضاه عن طريق الربا.
وأما أن يدفع المسلم الربا للكافر، فهذا لا يجوز.
وبهذا يتبين خطأ من يفتي المسلمين بدفع الربا في بلاد الكفر، اعتمادا على مذهب الحنفية.
والحق أن الربا كله محرم، لا فرق بين أن يكون بين مسلمَيْن، أو بين مسلم وكافر، وآكل الربا وموكله كلاهما متوعَّد بالوعيد الشديد، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278-279.
وروى مسلم (1598) عن جابر رضي الله عنه قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (4/47) : " ويحرم الربا في دار الحرب , كتحريمه في دار الإسلام. وبه قال مالك , والأوزاعي , وأبو يوسف , والشافعي , وإسحاق ...
لقول الله تعالى: (وحرم الربا) . وقوله: (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس) . وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا) . وقوله صلى الله عليه وسلم (: من زاد أو ازداد فقد أربى) . عام , وكذلك سائر الأحاديث. ولأن ما كان محرما في دار الإسلام كان محرما في دار الحرب , كالربا بين المسلمين " انتهى باختصار.
ثانيا:
إذا أصر زوجك على التعامل بالربا، فإن الإثم يلحقه هو، ولا يضرك ذلك ما دمت كارهة لعمله، ولهذا لا ينبغي أن تطلبي الطلاق، ولكن استمري في نصحه وتحذيره من الوقوع في هذه الكبيرة العظيمة، وذكريه بأن ما عند الله خير وأبقى، وأن سكن الإنسان بالأجرة ولو كانت مرتفعة خير له من امتلاك منزل عن طريق الربا.
ولا حرج في استعمال الحيلة التي ذكرت، من التظاهر بالرغبة في شراء بيت غالي الثمن، لا يتمكن من دفع أقساطه، لينصرف عن الربا.
نسأل الله لكما التوفيق والسداد، والرضا والقناعة، وأن يصرف عنكما الربا وإثمه وهمّه وسوء عاقبته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5203)
هل يلزم الورثة التخلص من الفوائد الربوية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[توفي والدي وترك لنا مالا في أحد البنوك الحكومية، وهذا المال تحسب عليه فوائد منذ أن وضعه لأول مرة عام (86) إلى أن توفى في عام 2005. وقمت بعد أن توفى بإيقاف الفوائد المحتسبة. وأنا الآن بصدد التخلص من هذه الفوائد. سؤالي هو ... هل أتخلص من الفوائد المحتسبة خلال هذه الفترة أو فقط خلال السنة أو السنتين الأخيرتين ما قبل إغلاق الفوائد وإيقافها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز إيداع الأموال في البنوك الربوية إلا لضرورة حفظها عند عدم وجود البنك الإسلامي، ويقتصر حينئذ على الإيداع في الحساب الجاري (أي: بدون فوائد) ، من باب ارتكاب أخف الشرين، والفائدة المأخوذة على إيداع المال في البنك الربوي، فائدة محرمة، وهي من الربا الذي حرمه الله ورسوله أشد التحريم، ولهذا يجب التخلص منها بإنفاقها في المصالح العامة ووجوه الخير. وينظر جواب السؤال رقم (20876) و (45691) .
وهذا التخلص واجب في حق من تعامل بالربا، وأما الورثة فلهم الانتفاع بهذا المال عند بعض أهل العلم؛ لأن المحرم لكسبه ـ كالربا ـ حرام على الكاسب فقط، لا على من انتقل إليه المال بوجه مباح كالإرث والهبة ونحوها.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ما حرم لكسبه فهو حرام على الكاسب، مثل الربا، إذا مات الإنسان الذي كان يتعامل بالربا فماله حلال لورثته، أما ما حرم لعينه كالخمر فذلك حرام على الناقل وعلى من ينتقل إليه، وكذلك ما كان محرما قد بقي فيه التحريم مثل المغصوب والمسروق، لو أن الإنسان سرق مالا ثم مات فإنه لا يحل للوارث ثم إن كان يعلم صاحبه أعطاه إياه، وإلا تصدق به عنه " انتهى من "لقاءات الباب المفتوح" 1/304.
وعلى هذا، فلا حرج عليكم من الانتفاع بهذا المال، لكن ينبغي التنبه إلى أن الفوائد التي أضيفت للمال بعد وفاة والدكم يجب عليكم التخلص منها، لأن المال انتقل إلى ملككم بموت والدكم، أما الفوائد التي أخذها الوالد في حياته، فلا حرج عليكم من الانتفاع بها، ولا يلزمكم التخلص منها.
وذهب بعض أهل العلم إلى أن الفائدة الربوية لا تدخل في التركة، وأنه يجب التخلص منها، وبهذا أفتى علماء اللجنة الدائمة للإفتاء.
ينظر: "فتاوى اللجنة الدائمة" (16/455، 479) .
والقول الأول هو ما نختاره ونذهب إليه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5204)
التورق المصرفي من البنك الأهلي في السلع المحلية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأي فضيلتكم في التمويل الشخصي من البنك الأهلي وهو شراء سلعة (أرز هندي) يمتلكها البنك من شركة العيسائي في جدة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كانت السلعة مملوكة للبنك، فلا حرج عليك في شرائها منه بالتقسيط، ثم تبيعها بنفسك بعد قبضها، على طرف ثالث، ولا يجوز أن توكل البنك في بيعها.
وشراء الإنسان السلعة بالأقساط، لأجل أن يبيعها ويحصل على النقد، يسمى عند أهل العلم بالتورق، وهو جائز عند أكثر العلماء.
لكن توكيل البنك (البائع) ببيع السلعة، يجعل المعاملة شبيهة بالعينة، وفي الغالب لا يكون فيه قبض صحيح للسلعة، ولهذا صدر قرار من مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي بتحريم هذه المعاملة، وهي ما تسمى بالتورق المصرفي المنظم، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (98124) .
وقد سئل الدكتور محمد العصيمي حفظه الله عن التورق المصرفي من البنك الأهلي في السلع المحلية، فأجاب: " لا أرى جواز توكيل أحد في القبض في السلع المحلية، بل لا بد من قبض العميل لها، وبيعها على غير المعرض الذي كانت فيه. والله أعلم " انتهى من موقع الشيخ على الإنترنت.
والخلاصة: أنه لا حرج في شرائك السلعة من البنك، فإذا قبضتها، بعتها بنفسك على طرف ثالث. ولا يجوز أن توكل البنك في بيعها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5205)
يعمل في بنك ربوي ويريد الخروج منه ولم يجد البديل
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا اشتغل في بنك ربوي مند سنوات وأنا متأكد أن العمل في البنك حرام بجميع المناصب. سؤالي منقسم إلى قسمين 1-على حد رأي عديد من العلماء يجب على الموظف أن يستمر في عمله، وفي نفس الوقت يبحث عن بديل مع العلم أنني أعين أسرتي وأنا غير راض على هذا الوضع ماذا أفعل 2- أنا أقوم بالعديد من الأعمال الصالحة على الرغم من عملي في البنك كصيام الاثنين والخميس والإحسان إلى الأيتام وتجويد القرآن وأبحث دائما عن بديل ولم أجد لحد اليوم فإن توفاني الله على هذا الحال، ربا وعمل صالح، فكيف سأحاسب عند الله عز وجل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
العمل في البنوك الربوية، لا شك في تحريمه، لحرمة الربا وحرمة الإعانة عليه بأي وجه من الوجوه، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (26771) .
وعليه فيلزمك التوبة إلى الله تعالى، والمسارعة إلى ترك هذا العمل قدر استطاعتك.
ولا نقول إنه يجب عليك الاستمرار في عملك حتى تجد البديل، بل نقول عجل بتركه مع طلب البديل، وثق بأن الله تعالى سيعوضك خيرا، فإنه ما ترك إنسان شيئا لله إلا عوضه الله خيرا منه، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إنك لن تدع شيئاً لله عز وجل إلا بدلك الله به ما هو خير لك منه) رواه أحمد (21996) ، وقال الألباني: سنده صحيح على شرط مسلم. لكن جدّ واجتهد في البحث، وسل الله تعالى التوفيق والعون، وكن على يقين بأن الله تعالى أكرم من أن يضيعك قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق/2-3
وفي مسند الإمام أحمد (205) من حديث عمر بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " يَقُولُ: إِنَّهُ سَمِعَ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا) وصححه الألباني في الصحيحة (310) .
ثانيا:
إذا لقي الإنسان ربه بأعمال صالحة كصلاة وصيام وإحسان، ولقيه بذنب الربا، فإن كان قد تاب منه، فإن سيئاته تبدل حسنات كما وعد الله تعالى في قوله: (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) الفرقان/70
وإن لقيه مصرا على الربا غير تائب منه، فهذا ممن خلط عملا صالحا وآخر سيئا، وأمره إلى الله تعالى، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، كما قال سبحانه: (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) التوبة/102، وقال: (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) التوبة/106
نسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5206)
يقترض من البنك بشرط أن يودع عنده مالاً لمدة سنة
[السُّؤَالُ]
ـ[أحب شخص أن يقترض مالاً من أحد البنوك بدون فائدة لكون الفائدة تعتبر رباً، ولكن أحد المسئولين في ذلك البنك قال له: إذا كنت تريد أن تبتعد عن الربا. بإمكانك أن تأخذ مليوناً وبعد سنة إذا كان عندك مقدرة تعطينا مليونين، مليون حقنا، ومليون يبقى عندنا على مدار السنة مقابل السنة التي يبقى مليوننا عندك. وبعد السنة تأخذ مليونك. هل هذا يعتبر ربا أم سليم من الربا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا هو عين الربا، هذا لا يجوز بكل حال، لأن الغرض من القرض هو الإرفاق والمصلحة للمسلم، فقد جاء عن ابن عباس رضي الله عنه أن القرض مرتين بمنزلة صدقة، فإذا أقرضك البنك مليون ريال لمدة سنة وبعد مضي السنة ترد عليه المليون الذي اقترضته منه وتعطيه زيادة مليون يبقى عنده لمدة سنة في مقابل قرضه لك فهذا محرم باتفاق المسلمين، فإن " كل قرض جر منفعة فهو ربا "، فهو أقرضك مليون ريال واشترط أن تعطيه مليون زيادة من أجل أن يبيع فيه ويشتري فيختص بهذا الربح، هذا الشرط جر نفعاً فهو شرط باطل باتفاق المسلمين، فما عليك يا أخي إلا أن تعطي البنك المليون الذي اقترضه فقط من غير أن تعطيه مليون آخر ينتفع به لمدة سنة، هذا لا يجوز باتفاق العلماء فليس للبنك إلا رد ماله فقط لأن الله يقول: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذوا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين * فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون) البقرة/279، فليس هناك للبنك إلا رأس ماله قط.
فتاوى سماحة الشيخ عبد الله بن حميد رحمه الله ص 185
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5207)
استئجار منزل اشتراه صاحبه بقرض ربوي
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب موظف بإحدى الشركات وقد استأجرت شقة , وعلمت أن صاحبة البيت أخذت قرضا ربويا لشرائه , وثمن الكراء (الأجرة) أعلى من المبلغ الذي تدفعه للبنك , وبهذا فهي تدفع للبنك من المال الذي أعطيها وتربح ما تبقى. وغالب الظن أنها اشترت البيت كي تتاجر فيه بهذه الطريقة. سؤالي: هل كرائي عندها يعتبر من التعاون على الإثم أم هو حلال؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الاقتراض بالربا محرم تحريما شديدا؛ لما جاء في الربا من الوعيد الشديد، الذي يستوي فيه آكله وموكله وكاتبه، كما روى مسلم (1598) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ. وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ.
ومن اقترض بالربا، واشترى دارا أو متاعا، فله الانتفاع به بالسكنى أو البيع أو غير ذلك، مع وجوب التوبة إلى الله تعالى.
ولهذا؛ لا حرج عليك في الاستئجار منها، ولو كانت اقترضت المال بغرض الاتجار في الشقة أو التربح من ورائها، والإثم يقع عليها، لأنها هي التي تعاملت بالربا.
وانظر جواب السؤال رقم (22905) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5208)
هل يبيع منزله لمن يعلم أنه سيشتريه بقرض ربوي
[السُّؤَالُ]
ـ[لدى صديقي منزل يريد بيعه وقد يسر الله له المشتري إلا أن هذا الأخير يريد أن يستلف مبلغاً من بنك ربوي (غير إسلامي) حتى يسدد المبلغ المطلوب. فهل يجوز لصاحبي أن يبيع له البيت علماً أنه يعلم أن المشتري ذهب إلى البنك الربوي بغرض السلف وتسديد المبلغ وبالتالي استلام البيت. وهل هذا يدخل في التعاون على الإثم والعدوان؟ أم أن الحرام لا يتعلق بذمة البائع.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز لصديقك أن يبيع منزله لمن تقدم لشرائه، ولو كان المشتري سيحصل على المال من الاقتراض بالربا؛ لأن الحرام هنا متعلق بالمقترض، والقرض بشرط الربا وإن كان محرما إلا أنه يفيد الملك في مذهب الحنفية والحنابلة وقول للشافعية، أي أن المقترض بالربا يملك المال الذي اقترضه، وعليه فيصح أن يشتري به ما شاء، مع إثم الربا.
وينظر: "المنفعة في القرض" لعبد الله بن محمد العمراني، ص 245- 254
وينبغي لصديقك أن ينصح المشتري، ويبين له حرمة التعامل بالربا قرضا أو إقراضا، وما جاء فيه من الوعيد الشديد.
وقد يجد المشتري سبيلا مباحا لشراء البيت، وذلك عن طريق المرابحة، وهي أن يشتري البنك أو أي شخص أو جهة البيت نقداً، ثم يبيعه عليه بثمن مقسط أعلى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5209)
هل يقترض بالربا لينقذ والده من دخول السجن؟
[السُّؤَالُ]
ـ[يملك أبي قطعتي أرض، استثمر أولاهما في مشروع فلاحي معتمدا على ماله الخاص، ومنح حكومية، وقرض بنكي (ذي فائدة) . وحيث إنّه لم يتمكّن من استكمال مشروعه الأوّل اضطرّ إلى استثمار القطعة الثانية في مشروع فلاحي ثان. لكنّ الدولة والبنك الفلاحي لا يقدّمان مالا لأكثر من مشروع واحد في آن واحد. فأجّر لي قطعة الأرض الثانية وكتبنا المشروع الثاني باسمي. وهكذا تعهّدت بمساعدة أبي (في حقيقة الأمر لست من يقوم على المشروع بل فعلت هذا قصد البرّ بوالدي) . ومضى أبي في مشروعه وازدادت ديونه وأصبح معتمدا كلّ الاعتماد على القرض الثاني. تبيّن لي حينها أنّ القروض البنكيّة ذوات الفائدة ربا، إثم كبير لا فرق فيه بين آكله وموكله وكاتبه وشاهديه. نظرا لامتناعي عن التوقيع على القرض الثاني:. حاولنا إيجاد مصدر مال آخر، لكن من الصعب جدّا إيجاد المبلغ المطلوب في وقت وجيز، خصوصا أنّ الحاجة للمال أصبحت ملحّة الآن فالأشجار تحتاج مالا للقيام بها وإلاّ ماتت وضاعت. اضطرّ أبي إلى استعمال صكوك بدون رصيد فأصبح مهدّدا بالسجن (في بلادنا من لا يستطيع السّداد يسجن) . . وبالتالي فإنّه لن يتمكّن من تسديد ديونه المتراكمة ويضيع مشروعه ويخسر أرضه المرهونة عند البنك. السؤال: هل تعتبر الظروف المذكورة ضرورة تبيح لي التوقيع على القرض الثاني؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا يخفى عليك حرمة الاقتراض بالربا، وأنه من كبائر الذنوب، الموجبة لسخط الله وعقابه، وأن صاحبه متوعد بالحرب من الله تعالى، ولهذا قلّما يفلح من لجأ إلى هذا الباب.
وعليه فالواجب على أبيك أن يتوب إلى الله تعالى، وأن يندم على ما فات، وأن يعزم على عدم العود إليه مستقبلا.
ثانيا:
ينبغي أن يبحث والدك عن وسيلة مباحة يحصّل بها المال المطلوب، كالتعامل بالتورق، وهو شراء سلعة بثمن مقسط، وبيعها لجهة أخرى نقداً بثمن أقل، وبهذا يتمكن من تحصيل مبلغ يسدد به ما عليه. أو أن يتعامل بالسَّلَم، فيبيع قدرا معلوما من المحصول على أن يسلمه بعد سنة أو سنتين فلا، ويقبض ثمنه الآن.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَفِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ) رواه البخاري (2241) ومسلم (1604) .
والسلف هنا هو السَّلم.
فإذا لم يجد وسيلة مباحة لتحصيل المال الذي يسدد به الدين، وترتب على ذلك دخوله السجن وخسارة أرضه المرهونة للبنك، فهذه ضرورة تبيح الربا.
وانظر السؤال رقم (94823) لمعرفة ضابط الضرورة التي تبيح التعامل بالربا.
وإن أمكن والدك الاقتراض بنفسه، فلا يجوز لك الدخول في الربا بحال، وإن لم يمكنه الاقتراض، فقد وجهنا سؤالك إلى الشيخ الدكتور خالد المشيقح حفظه الله فأفاد بأنه يجوز لك الاقتراض في هذه الحالة، قال حفظه الله: " لا شك أن الربا محرم وأنه من كبائر الذنوب وأن صاحبه ملعون وأنه حرب لله وإذا كان كذلك فالأصل أنه لا يصار إليه، لكن القاعدة أن الضرورات تبيح المحظورات، فإذا كان يترتب على ذلك ضرر يلحق الأب إما بسجن أو تعذيب أو نحو ذلك فيظهر أن هذا لا بأس به، لو سلكوا طريقة أفضل من ذلك مثل القرض والسلم ونحو ذلك فهذا أولى.
يا شيخ: الضرر هنا واقع على الأب وليس الابن هل الحكم واحد؟
فقال: نعم. الحكم واحد " انتهى.
كما سألنا الشيخ الدكتور عبد العزيز الفوزان حفظه الله كما يلي: " رجل سيسجن والده لأجل دين فهل له أن يقترض بالربا لفك والده؟
فأجاب: " إذا لم يجد طريقا إلا هذا فأرجو ألا بأس عليه للضرورة ويكره الربا بقلبه " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5210)
شراء سيارة بالتقسيط مع فوائد يسيرة
[السُّؤَالُ]
ـ[أخي يعمل في مؤسسة وطنية، قبل ثلاث سنوات اقترحت المؤسسة على موظفيها شراء سيارات بالتقسيط فيها فوائد ضئيلة 2 بالمائة، وهذه الفائدة تتحملها مصلحة الخدمات الاجتماعية التابعة للمؤسسة، وهذه المرة اقترحت نفس الاقتراح (شراء سيارات بالتقسيط) إلا أن هذه المرة تلك الفوائد يتحملها الموظف والمصلحة معا أو الموظف وحده حسب أجرته (إن قل وحده وإلا معا) وأجرة أخي لا بأس بها، فاستشارنا فقلت له إن فيها فوائد أي ربا ومن الأحسن أن نجتنب الربا والحرام. ولكني أشرت عليه بأنه يمكن أن يدفع هذه الفوائد التي يتحملها بسبب شراء السيارة من الفوائد التي يتحصل عليها من إيداعه في البنوك الربوية (يجعل الفائدة التي تصله من البنك سداداً للفائدة التي عليه من جراء شراءه للسيارة) السؤال: إن اشتراها بحيث يدفعها بالتقسيط (سواء دفع الفوائد بالفوائد التي يملكها أو بماله) ما حكمها؟ وهل تستطيع عائلتي استعمالها مع العلم أنني أعمل في نفس المؤسسة مع أخي التي تبعد عن بيتنا تساوي أو أكثر من 60كلم وأنا شخصيا]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يجوز شراء السيارات بالتقسيط، ولو كان السعر المؤجل أعلى من السعر الحال، كما لو كانت السيارة تباع حالة ب 100، ومؤجلة 110 مثلا؛ لعدم ما يمنع من ذلك شرعا.
وإن كان هذا هو مرادك بالفائدة، فلا حرج في شراء السيارة.
وأما إن كان المقصود أن البنك يدفع ثمن السيارة كاملا، نيابة عن الموظف، ثم يسترد الثمن منه مقسطا مع زيادة، فهذا قرض ربوي محرم، ولا يجوز الدخول في هذه المعاملة مهما كانت الفائدة صغيرة؛ لعموم الأدلة الدالة على تحريم الربا، ولعن فاعله، وإنذاره بالحرب والعقوبة.
وينظر: سؤال رقم (20091) .
ثانيا:
يحرم الإيداع في البنك الربوي، إلا لضرورة حفظ المال، ويُقتصر حينئذ على الإيداع في الحساب الجاري.
والواجب على أخيك أن يتوب إلى الله تعالى، وأن ينهي تعامله مع البنك الربوي، وأن يتخلص من الفوائد المعطاة له بصرفها في مصالح المسلمين، وليس له أن ينتفع بها لخاصة نفسه، لا في الضرائب ولا في الربا الذي يطلب منه عند شراء السيارة، حسبما ورد في السؤال.
وبهذا يعلم أن شراء أخيك للسيارة عن طريق الربا، وتسديد الفائدة من الفائدة الربوية المعطاة له على ودائعه، فيه اقتراف للربا مرتين، مرة بالإيداع الربوي، ومرة بالشراء الربوي.
ثالثا:
إذا اشترى أخوك السيارة بمعاملة ربوية، سواء دفع من ماله أو من فوائد الودائع، فإنه يملك السيارة بذلك، ويحق له الانتفاع بها، مع وقوعه في الإثم العظيم، الذي يوجب المقت والمحق، كما قال تعالى: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) البقرة/276.
وأما ركوبكم في سيارته، فالأصل جواز ذلك، إلا أن الأولى تركه، زجرا له، وإنكارا لعمله، وتنفيرا من الاقتداء به، وينبغي أن يعلم هذا مسبقا، وأنكم لن تعينوه على الوقوع في الربا، ولن تستعملوا ما اشتراه عن طريقه.
نسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد والرشاد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5211)
هل يجوز له الإشراف على بناء بيت لأناس اقترضوا من بنك بالربا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مهندس، لدي مكتب هندسي أعمل فيه، يأتيني أناس مقترضون من البنك بقروض ربوية، وهذه القروض لبناء مساكن، المهم: يُطلب مني أن أشرف على البناء الذي استقرضوا من أجله، أو يستشيرونني في أمر البناء، أو أي عمل يخص هذا البناء، سواء بمقابل، أو بدون مقابل أقوم به، فهل يلحقني إثم في ذلك، أو شجعت على الربا في عملي هذا؟ مع العلم كنت في السابق أرسم الخرائط التي على ضوئها يأخذ القرض، وأكتب التقرير عند انتهاء أي مرحلة من مراحل البناء ليؤخذ بها دفعات القرض، وعند سماعي فتوى من أحد أصدقائي بأني أكون أنا بمثابة كاتبه: أوقفت هذا الأمر، فهل عليَّ شيء؟ وإن كان عليَّ شيء: فما هو كفارته؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لسنا بحاجة لبيان حكم قرضهم الربوي، فهو واضح بيِّن، وقد وقع أصحابه في كبيرة من كبائر الذنوب، وعليك نصحهم وتذكيرهم بحرمة فعلهم، وضرورة التوبة منه.
وأما بالنسبة لسؤالك:
فيمكن لمهندس البناء أن يكون فعله محرَّماً، ويمكن أن يكون حلالاً:
فإذا صمم لهم البيت، أو خططه لهم لأجل الحصول على قرض ربوي: ففعله حرام، وهو متعاون على الإثم والعدوان؛ لأن فعله هنا له تعلق بالقرض الربوي، قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2.
وإذا كان التصميم أو التخطيط بعد حصولهم على القرض الربوي: فلا حرج على المهندس أن يصمم ويخطط ويشرف على البناء، ولو كانت أموال أصحابه أخذت بقرضٍ ربوي محرَّم؛ لأن القرض الربوي تعلق بذمة أولئك المرابين، لا بعين المال، وهو إنما يأخذ المال مقابل جهده وتعبه، وهكذا من باعهم أرضاً أو مواد بناء: فإنه لا حرج عليه أن يفعل ذلك؛ لأنهم جميعاً استوفوا المال مقابل ما بذلوه من بضائع ومواد، ولا تعلق لهم بالقرض الربوي.
وانظر جواب السؤال رقم (82277)
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5212)
دفع الفائدة الربوية في التخلص من التجنيد الإجباري
[السُّؤَالُ]
ـ[في بلدنا الخدمة في الجيش إلزامية حيث الكفر مباح، والصلاة والقرآن وكل ما يمت للإسلام بصلة ممنوع، بل يعاقب عليه ويمكن الإعفاء من تلك الخدمة بدفع مبلغ كبير. هل يجوز أن يكون هذا المال ربا؟ علما أنه لا يوجد عندنا مصارف إسلامية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا كان الأمر كما ذكرت من إباحة الكفر في هذا الجيش والمنع من الصلاة والقرآن، فلا حرج في دفع المال مقابل عدم الدخول فيه، ويباح التهرب منه بكل وسيلة مشروعة.
ثانيا:
لا يجوز التعامل بالربا، قرضا أو اقتراضا، ولا يحل الانتفاع بالفوائد الربوية، ويجب على من ابتلي بذلك أن يتوب من الربا، وأن يتخلص من الفوائد بإنفاقها في المصالح العامة، وليس له أن ينتفع بها لنفسه، وقد سبق بيان ذلك في الجواب رقم (20876) ورقم (45691) .
إن جاءك هذا المال الربوي من تائب يريد التخلص منه فلا حرج عليك في الانتفاع به فيما ذكرت، أو في غيره، لأنه جاءك بطريق مباح، والحرمة إنما تلحق كاسبه فقط.ويجوز للتائب نفسه الانتفاع بهذا المال الذي اكتسبه بطريق محرم فيما إذا تاب الإنسان من الربا، وعزم على عدم العود إليه أبدا، واحتاج إلى الانتفاع بالفوائد التي في يده، ليدفع عن نفسه ضررا، كما في الصورة المسئول عنها، فالذي يظهر أنه يجوز له الانتفاع بالفائدة حينئذ.
وقد بسط ابن القيم رحمه الله الكلام على مسألة التخلص من المال الحرام، وقرر أن طريق التخلص من هذا المال وتمام التوبة إنما يكون " بالتصدق به، فإن كان محتاجا إليه فله أن يأخذ قدر حاجته، ويتصدق بالباقي " انظر: " زاد المعاد " (5/778) .
وقال شيخ الإسلام رحمه الله: " فإن تابت هذه البغي وهذا الخَمَّار، وكانوا فقراء جاز أن يصرف إليهم من هذا المال قدر حاجتهم، فإن كان يقدر يتجر أو يعمل صنعة كالنسج، والغزل، أعطي ما يكون له رأس مال " انتهى من " مجموع الفتاوى " (29/308) .
لكن لا يجوز الاستمرار في التعامل بالربا، لأجل الانتفاع بالفائدة في تسديد الغرامة أو الضريبة ونحوها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5213)
شراء شقة بالأقساط مع النص في العقد على اشتراط غرامة على التأخير
[السُّؤَالُ]
ـ[ذهبت لأشتري شقة من أحد الأشخاص بالتقسيط، وعندما قرأت العقد وجدت فيه شرطا وهو في حين تأخري عن سداد الدفعة في الموعد يكون علي غرامة قدرها 2000 جنيه وأنا على ما أعلم أن هذا شرط ربوي , فما حكم العقد بيني وبينه؟ وهل أأثم في تعاملي معه؟ مع العلم أني إن شاء الله لن أؤخر الدفعة فلن أضطر للتعامل معه بالربا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا اشتمل العقد على اشتراط غرامة في حال التأخر عن السداد، فهو عقد محرم، لا يجوز الدخول فيه؛ ولو كان الإنسان متيقنا من قدرته على السداد؛ لأنه إقرار للربا، والتزام به، وذلك محرم، ولأن الإنسان قد يَعرض له ما يمنعه من السداد، من مرض أو سفر ونحوه.
وقد صدر عن مجمع الفقه الإسلامي قرار بتحريم غرامة التأخير التي يفرضها البائع أو المصرف عند تأخر العميل في السداد.
فقد جاء في قرار المجمع الفقهي رقم: 133 (7/14) في دورته الرابعة عشرة بالدوحة ما نصه: " إذا تأخر المشتري المدين في دفع الأقساط عن الموعد المحدد فلا يجوز إلزامه أي زيادة على الدين بشرط سابق، أو بدون شرط، لأن ذلك ربا محرم "
انتهى نقلاً عن فقه المعاملات الحديثة للدكتور عبد الوهاب أبو سليمان ص (571)
فالواجب نصح هذا الشخص وبيان حرمة ما أقدم عليه من اشتراط الربا، وتوجيهه إلى أخذ الضمانات الكافية من المشترين، كطلب كفيل، وأخذ شيكات، وجعل الشقة مرهونة لديه لا يتمكن المشتري من بيعها حتى يسدد ما عليه من أقساط، ونحو ذلك.
نسأل الله لنا ولك التوفيق السداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5214)
التورق المصرفي واختلاف الفتوى فيه بين المجامع الفقهية وعلماء البنوك
[السُّؤَالُ]
ـ[القرض بالتورق وجدت أنه مجاز من كبار العلماء في البنوك، ولكن قرأت في موقعكم أن شروط التورق التي يطرحها البنك من البداية جعلته حراماً، وأنا في حيرة، ما فهمته من إجابات بعض الأسئلة على موقعكم أنه لا يجوز أن أوكِّل البنك في بيع السلعة التي قمت بشرائها، أو أنه لا يجوز أن أبيع السلعة للبنك نفسه، وهذا النظام هو المتبع لدى البنوك، والمجاز من كبار العلماء، فكيف أفهم الصحيح؟ لأنني قرأت الإجازة في البنك، وبناء عليه أخذت قرضاً، مضطراً لسداد ديون عليَّ، ولظروف قاسية اضطررت للاستدانة، وأنا راتبي لا يكفيني وأولادي، ومساعدة أبي وإخوتي، وكنت لا أملك شقة في مصر، اضطررت للاستدانة لسداد الدين والتوسيع على أولادي، حاولت ألا أقع في الشبهات؛ لأني سمعت أكثر من رأي في هذا الموضوع، ولما وجدته مجازاً من كبار العلماء هنا أقدمت عليه، إذا كان ما فعلتُه حراماً: كيف السبيل؟ وقد سددت الديون وعليَّ الآن أقساط القرض بالفائدة، جزاكم الله خيراً، وادعوا لي بالخلاص من هذا الهم الذي يؤرقني ليل نهار، إنني أشعر بالذنب، مع العلم أنني استخرت الله قبل الإقدام على هذا، وعرض عليَّ البنك بعد فترة منحي بطاقة ائتمان دون مصاريف سنوية، وعلمت أنني لو سددت المبلغ المستحق قبل الموعد لا يأخذ مني فائدة، بصِّروني، جزاكم الله خيراً، وكيف أكفِّر عما فعلت، وكيف التوبة، وأنا لا أستطيع سداد كل القرض مرة واحدة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
التورق منه ما هو جائز، ومنه ما هو محرَّم، أما الجائز فهو شراء السلعة من تاجر بالأقساط وبيعها نقداً لغيره، وقد بيَّنا جواز هذا النوع من التورق بشروطه في جوابي السؤالين: (45042) و (36410) .
وأما المحرَّم فله صورتان:
الأولى: أن تشتري سلعة بأقساط، وتبيعها على من اشتريتها منه نفسه، وهو ما يسمَّى " بيع العِينة " وسميت بالعينة لأن عين السلعة التي باعها رجعت إليه بعينها، وهو محرم، لأنه حيلة اتخذت للتوصل بها إلى القرض بزيادة ربوية، فصارت بذلك محرمة عند جماهير العلماء.
والثانية: " تورق البنوك " أو " التورق المنظم "، وصورته: أن تشتري من البنك بضاعة بالأقساط - وفي الغالب تكون مرابحة، ثم توكِّل البنك في بيعها نقداً، وهذه المعاملة – أيضاً - محرمة.
وقد صدر قرارٌ من " المجمعِ الفقهي الإسلامي " المنعقد في المدة من 19 - 23 / 10 / 1424 هـ الذي يوافقه 13 - 17 / 12 / 2003 م فيه تحريم هذه المعاملة، وفيه تحذيرٌ وتنبيهٌ للمصارفِ من استغلالِ هذه المعاملةِ على غيرِ وجهها الشرعي، وفيه:
" بعد الاستماع إلى الأبحاث المقدمة حول الموضوع، والمناقشات التي دارت حوله، تبيَّن للمجلس أن التورق الذي تجريه بعض المصارف في الوقت الحاضر هو:
قيام المصرف بعمل نمطي يتم فيه ترتيب بيع سلعة (ليست من الذهب أو الفضة) من أسواق السلع العالمية أو غيرها، على المستورق بثمن آجل، على أن يلتزم المصرف - إما بشرط في العقد أو بحكم العرف والعادة - بأن ينوب عنه في بيعها على مشتر آخر بثمن حاضر، وتسليم ثمنها للمستورق.
وبعد النظر والدراسة، قرر مجلس المجمع ما يلي:
أولاً: عدم جواز التورق الذي سبق توصيفه في التمهيد للأمور الآتية:
1. أن التزام البائع في عقد التورق بالوكالة في بيع السلعة لمشتر آخر أو ترتيب من يشتريها يجعلها شبيهة بالعينة الممنوعة شرعاً، سواء أكان الالتزام مشروطاً صراحة، أم بحكم العرف والعادة المتبعة.
2. أن هذه المعاملة تؤدي في كثير من الحالات إلى الإخلال بشروط القبض الشرعي اللازم لصحة المعاملة.
3. أن واقع هذه المعاملة يقوم على منح تمويل نقدي بزيادة من البنك للمستورق، وعملية البيع والشراء تكون صورية في معظم أحوالها.
وهذه المعاملة غير التورق الحقيقي المعروف عند الفقهاء، وقد سبق لـ " المجمع " في دورته الخامسة عشرة أن قال بجوازه بمعاملات حقيقية وشروط محددة بينها قراره؛ وذلك لما بينهما من فروق عديدة فصلت القول فيها البحوث المقدمة.
التورق الحقيقي يقوم على شراء حقيقي لسلعة بثمن آجل، تدخل في ملك المشتري، ويقبضها قبضاً حقيقيّاً، وتقع في ضمانه، ثم يقوم ببيعها هو بثمن حالٍّ لحاجته إليه، قد يتمكن من الحصول عليه، وقد لا يتمكن، والفرق بين الثمنين الآجل والحال لا يدخل في ملك المصرف الذي طرأ على المعاملة لغرض تبرير الحصول على زيادة لما قدم من تمويل لهذا الشخص بمعاملات صورية في معظم أحوالها، وهذا لا يتوافر في المعاملة المبينة التي تجريها بعض المصارف.
ثانياً: يوصي " مجلس المجمع " جميع المصارف بتجنب المعاملات المحرمة، امتثالاً لأمر الله تعالى.
كما أن المجلس إذ يقدر جهود المصارف الإسلامية في إنقاذ الأمة الإسلامية من بلوى الربا: فإنه يوصي بأن تستخدم لذلك المعاملات الحقيقية المشروعة دون اللجوء إلى معاملات صورية تؤول إلى كونها تمويلاً محضاً بزيادة ترجع إلى الممول " انتهى بتصرف يسير.
وقال الشيخ عبد الرحمن بن إبراهيم العثمان – وفقه الله -:
مسببات القول بعدم جواز التورق المصرفي المنظم:
1. الربا.
2. (وهو في معنى ما قبله) أن المستورق لا يقصد السلعة، وإنما يقصد النقد، والبيع الحاصل بيع صوري، فتؤول المسألة إلى نقود حالَّة بنقود مؤجلة أكثر منها.
ومما يدل على صورية البيع:
أن البنك لا يقبض السلع الدولية قبضاً حقيقيّاً، ولا يقبض الإيصالات الأصلية للمخازن التي تودع فيها هذه السلع، وهي التي تتداول في البورصة، وتنتقل من يد إلى يد تنتهي إلى مستهلك يستطيع أن يتسلم بها ما اشتراه.
والشأن في المستورق أشد؛ فهو لا يقبض السلعة قبضاً حقيقيّاً ولا حكميّاً، ومن ثم فهو يبيع ما لم يقبض، بل ما لم يُعيَّن؛ لأن ما يبيعه البنك على العميل جزء مما تملكه البنك مما هو محدد برقم الصنف، وهذا الرقم لا يكون للأجزاء الصغيرة، ولكنه رقم للوحدة الكبيرة التي يجزؤها البنك على المتورقين.
3. أن التوكيل للبنك في التورق المنظم ينافي مقتضى عقد الوكالة؛ لأن ما يعمله البنك باعتباره وكيلاً ينافي مصلحة المستورق، فهو يبيع السلعة بثمن أقل من الثمن الذي اشترى به المستورق (والعقد إذا كان له مقصود يراد في جميع صوره، وشُرط فيه ما ينافي ذلك المقصود: فقد جمع بين المتناقضين؛ بين إثبات المقصود ونفيه، فلا يحصل شيء، ومثل هذا الشرط باطل بالاتفاق) ، وانضمام الوكالة إلى التورق شرط وإن لم يصرح به؛ فإنه لولا هذه الوكالة لما قبل المستورق بالشراء من البنك ابتداء.
4. ضمان المشتري النهائي: فيتفق البنك مع طرف مستقل يلتزم بشراء السلع التي يتوسط فيها، وهذا الالتزام ضمان للسعر المباع ألا يتجاوز حدوداً معينة؛ حماية من تقلب الأسعار، ويقابل هذا الضمان التزام البنك بالبيع عليه، بمعنى أنه لا يحق للبنك أن يبيع السلع في السوق حتى ولو ارتفع سعرها المتفق عليه مع المشتري الثاني، وبذلك يكون هذا الضمان من الطرفين: من البنك بالبيع على المشتري الثاني، ومن المشتري بالشراء بالثمن المحدد.
5. مخالفة التورق المنظم للتورق الذي أجازه جمهور الفقهاء، وهذه المخالفة من وجوه منها:
أ. أن البنك يتولى بيع السلعة التي اشتريت منه لمن يشاء، في حين أن المستورق هو الذي يتولى البيع في التورق الفردي، وليس للبائع الأول علاقة ببيع السلعة ولا بالمشتري النهائي.
ب. وجود اتفاق سابق بين البنك والمشتري النهائي يتضمن شراء ما يعرضه البنك من سلع بالثمن الذي اشتراها به المصرف كما تقدم، أما في التورق الفردي فالمستورق هو الذي يبيع سلعته بمثل الثمن الذي اشتراها به أو أقل أو أكثر.
6. أن التورق المنظم يدخل في بيع العينة المحرم؛ لأن البنك هو مصدر السيولة للمستورق في الحالتين، فالنقد يحصل عن طريقه وبواسطته، ولولا علم المشتري بأن البنك سيوفر له النقد الحاضر لاحقاً لما أقبل على هذا العمل ابتداء.
7. أن التورق المصرفي المنظم لا يدخل في بيع العينة الذي أجازه الشافعي؛ لأنه يشترط ألا يكون هناك ارتباط بين البيعتين، وألا تظهر نية الحصول على النقد، وكلا الشرطين غير متحقق هنا.
8. قضاؤه على أهداف البنوك الإسلامية من وجوه:
أ. محاكاتها للبنوك الربوية في تقديم التمويل، ومنح الائتمان.
ب. الاكتفاء به عن صيغ الاستثمار الأخرى، وقد تجاوزت نسبة التورق 60% من أعمال التمويل في البنك.
ج. الالتباس بين البنك الإسلامي والربوي.
د. إهدار الجهود المبذولة لتوجيه البنوك الإسلامية إلى تمويل في صورة استثمار عن طريق المشاركة والمضاربة والسَّلَم ونحوها.
9. تهجير أموال المسلمين؛ لأن تجارة التورق المنظم تكون في السوق الدولية، فتُهجر بها أموال المسلمين ليستفيد منها غيرهم.
" موقع المسلم " باختصار.
ثانياً:
وأما قول السائل بأنه قد أباح هذا البيع كبار العلماء: فليس صحيحاً، فالذين أباحوه هم اللجان الشرعية في البنوك الإسلامية، أو الفروع الإسلامية في البنوك الربوية! مع التنبيه أنه ليس كلهم أجاز هذه المعاملة.
وقد ردَّ كثيرون على القول بالإباحة من تلك اللجان الشرعية، وفي قرار " مجلس المجمع الفقهي " التنصيص على هذه المصارف بعنوان القرار ونصه وخاتمته، وللشيخ خالد المشيقح بحث موسع في تحريم هذه المعاملة، فلينظر في " مجلة البحوث الإسلامية " (73 / 234 - 237) ، ويوجد ردود من الدكتور على السالوس، والدكتور سامي سويلم، والدكتور عبد الله بن حسن السعيدي – وكلاهما قدَّم بحثاً في المسألة لمجلس المجمع الفقهي -، والشيخ عبد الرحمن العثمان، والدكتور محمد بن عبد الله الشباني، انظرها في موقع " المسلم ".
وانظر جواب السؤال رقم: (60185) .
وأما ما يتعلق بك أنت أخي السائل، فما دمت قد وثقت في تلك اللجان، وأخذت برأيهم، وأنت لا تدري أن قولهم ضعيف، فنرجو أن لا يكون عليك حرج، مع العزم على عدم العود إلى ذلك مستقبلاً.
ونسأل الله تعالى أن يوفقك إلى كل خير ويعينك على سداد ما عليك من ديون.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5215)
حكم المشاركة والعمل في دفتر التوفير
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل حاليا في البريد، وبالتحديد في إدارة الحاسب الآلي، حيث يقوم البريد بإعطاء فوائد سنوية على دفاتر التوفير الموجودة لديه على أساس إعطاء أموال المودعين لديه حسب نظام حكومي إلى بنك الاستثمار القومي حيث لا يتعامل البنك إلا مع الحكومة في تمويل مشروعاتها أو إقراض البنوك والهيئات الحكومية ثم يعيد إلينا الأموال محملة بالفوائد التي يقوم هو بتحديدها ونعطي للمودعين على حسب ما يقرر البنك ونحصل على عمولة كهيئة بريد من تلك القصة المهم أن وظيفتي هي إدخال إيصالات الإيداع والسحب الخاصة بأموال العملاء إلى جهاز الحاسب الرئيسي حيث عن طريقه نقوم بإضافة الفوائد من كل عام إلى حسابات العملاء في شهر يوليو بالإضافة إلى استخدامه في الأعمال الإدارية مثل التأكد من حسابات العملاء فهل أعتبر كاتب ربا وهل فوائد البريد حرام أم حلال مع العلم بأننا لا نعطي قروضاً والحمد لله والتوفير هو ما يصرف على الهيئة بنسبه 90% فهل أترك عملي أم أنقل إلى قسم آخر أم ليس علي حرج؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يحرم إيداع الأموال فيما يسمى بدفتر التوفير، وذلك لأمرين:
الأول: أنه عقد يقوم على إضافة نسبة معلومة إلى رأس المال، مع ضمان رأس المال، فحقيقته أنه قرض بفائدة، وقد أجمع العلماء على أن كل قرض جر نفعاً فهو ربا، والمقرض هنا هو العميل، والمقترض هو الهيئة القائمة على هذا الدفتر.
قال ابن قدامة رحمه الله: " وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف. قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المُسلف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية، فأسلف على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلك ربا. وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس وابن مسعود أنهم نهوا عن قرض جر منفعة " المغني (6/436)
الثاني: أن البريد يضع أموال مودعيه في البنوك الربوية، ويأخذ عليها نسبة معلومة، يوزع جزءا منها على المودعين، وهذا عقد ربوي آخر يقوم به البريد.
فالبريد يقترض بالربا في الصورة الأولى، ويقرض بالربا في الصورة الثانية، ولهذا لا يستريب مطلع على هذه المعاملة من الجزم بتحريمها، وتحريم العمل فيها كتابةً أو شهادة أو إعانة بأي صورة من صور الإعانة.
جاء في موسوعة "فتاوى الأزهر" سؤال موجه لشيخ الأزهر السابق جاد الحق على جاد الحق رحمه الله، عن: مسألة الفوائد التي تعطيها أو تدفعها البنوك أو الشركات على المبالغ المدفوعة لديها أو المستثمرة بمعرفتها - هل تلك الفوائد تعد ربا أم لا؟
وجاء في جوابه بعد ذكر النصوص في تحريم الربا: " وبهذه النصوص وغيرها في القرآن والسنة يحرم الربا بكل أنواعه وصوره سواء كان زيادة على أصل الدَّين، أو زيادة في نظير تأجيل الدين وتأخير سداده، أو اشتراط ضمان هذه الزيادة في التعاقد مع ضمان رأس المال.
لما كان ذلك، وكانت الفوائد المسئول عنها التي تقع في عقود الودائع في البنوك، وفى صناديق التوفير في البريد، وفى البنوك، وفى شهادات الاستثمار محددة المقدار بنسبة معينة من رأس المال المودع، وكانت الوديعة على هذا من باب القرض بفائدة، ودخلت في نطاق ربا الفضل أو ربا الزيادة كما يسميه الفقهاء وهو محرم في الإسلام بعموم الآيات في القرآن الكريم وبنص السنة الشريفة وبإجماع المسلمين: لا يجوز لمسلم أن يتعامل بها أو يقتضيها، لأنه مسئول أمام الله عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه كما جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه الترمذي ونصه: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن عمله فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه) والله سبحانه وتعالى أعلم " انتهى.
ثانيا:
العمل في " إدخال إيصالات الإيداع والسحب الخاصة بأموال عملاء دفتر التوفير إلى جهاز الحاسب الرئيسي "، هو من كتابة الربا، وقد روى مسلم (1598) في صحيحه عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ. وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ.
فالواجب عليك التوبة إلى الله تعالى، والمبادرة بترك هذا العمل، والتحول إلى قسم آخر بعيد عن الربا، أو ترك هذا العمل بالكلية، فرارا من الوقوع في هذه الكبيرة العظيمة.
واعلم أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، وأن من اتقاه زاده، وأنعم عليه، ورزقه من حيث لا يحتسب (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق/2-3.
وفقنا والله وإياك لما فيه الخير والهدى والفلاح.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5216)
تشترط عليهم الدولة فتح حساب في بنك وليس عندهم بنك إسلامي
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أؤسس شركة صغيرة , أخدم بها أهلي وأمتي , لكن في بلادنا لابد أن يكون للمؤسِّس لشركة ما "حساب بنكي" , مع العلم أنه لا يوجد بنك بدون ربا، فما العمل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الربا من أكبر الكبائر، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، وجاء فيه من الوعيد، ما لم يأت في غيره من المعاصي.
ووضع الأموال في البنوك بفوائد هو الربا الذي حرمه الله ورسوله.
ولكن إذا اضطر المسلم إلى وضع أمواله في البنوك الربوية لعدم وجود بنك إسلامي، أو لأن الشركة التي يعمل بها تلزمه بذلك لتحول له الراتب على حسابه بالبنك، أو لأن الحكومة تلزمه بذلك، أو نحو ذلك من الأعذار، فلا حرج عليه في ذلك إن شاء الله، ولكن بشرط ألا يأخذ فوائد على هذه الأموال الموضوعة في البنك.
فإن كان نظام البنك لا يسمح بذلك، بل لا بد أن يعطيه فوائد، فيلزمه إذا أخذها أن يتخلص منها، وينفقها في وجوه الخير المختلفة.
وهذه فتاوى أهل العلم في هذه المسألة:
1- قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
"يحرُم الإيداع في البنوك الربوية إلا عند الضرورة وبدون فائدة" انتهى.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (13 / 384) .
وقالوا أيضاً:
"الفوائد الربوية من الأموال المحرمة، قال تعالى: (وأحل الله البيع وحرم الربا) ، وعلى من وقع تحت يده شيء منها التخلص منها بإنفاقها فيما ينفع المسلمين، ومن ذلك: إنشاء الطرق , وبناء المدارس , وإعطاؤها الفقراء " انتهى.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (13 / 354) .
2- وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
"أما كونه يحفظ ماله في البنك للضرورة، لعدم وجود مكان يحفظه فيه، أو لأسباب أخرى وبدون ربا، أو يحوله بواسطة البنك: فلا بأس بذلك إن شاء الله، ولا حرج فيه" انتهى.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (7 / 290) .
3- وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
"يوجد بعض الجهات من شركات وغير شركات تلزم الموظفين أن يفتحوا حساباً في أي بنك من البنوك من أجل أن تحيل الرواتب إلى هذا البنك , فإذا كان لا يمكن للإنسان أن يستلم راتبه إلا عن هذا الطريق: فلا بأس , يفتح حساباً، لكن لا يدخل حساباً من عنده , يعني: لا يدخل دراهم من عنده , أما كونه يتلقى الراتب من هذا: فلا بأس" انتهى.
" لقاءات الباب المفتوح " (111 / السؤال رقم 10) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5217)
بيع العملات القديمة بأكثر من قيمتها
[السُّؤَالُ]
ـ[العملات القديمة (كالريال العربي , والريال الفرنسي) إذا أردنا بيعه فهل يعد عملة أو يعامل على أنه سلعة من السلع؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
العملات القديمة إن كانت من الذهب وبيعت بالذهب أو كانت من الفضة وبيعت بالفضة، لزم التساوي في الوزن، والتقابض في المجلس، وإن بيعت بغير جنسها، كأن يباع الذهب بالفضة أو بالنقود أو تباع الفضة بالنقود، لزم التقابض في المجلس، ولا يُشترط التساوي لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ، إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ) رواه مسلم (2970) من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه.
ولا فرق في ذلك بين أن تكون العملة مستعملة الآن أو غير مستعملة، ما دامت من الذهب أو الفضة المنصوص على كونهما من الأصناف التي يجري فيها الربا.
وأما إن كانت العملة من غير الذهب والفضة، كأن تكون من الورَق أو النحاس ونحوه، فإن انقطع التعامل بها، ولم تعد ثمنا للأشياء، فقد زالت عنها علة الربا، وصارت سلعة من السلع، فيجوز شراؤها بما يتفق عليه المتبايعان من الثمن، بشرط عدم الإسراف والتبذير، فإن بعض الناس ينفق أموالاً طائلة لشراء هذه العملات القديمة، وقد أمرت الشريعة بحفظ المال، ونهت عن إضاعته.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عن بيع العملة القديمة بأكثر من قيمتها
فأجاب:
ليس فيه بأس؛ لأن العملة القديمة أصبحت غير نقد، فإذا كان مثلاً عنده من فئة الريال الأولى الحمراء أو من فئة خمسة أو عشرة التي بطل التعامل بها وأراد أن يبيع ذات العشرة بمائة فلا حرج؛ لكونها أصبحت سلعة ليست بنقد، فلا حرج "
انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (233/18) باختصار.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5218)
لا يجوز أخذ الأجرة على الكفالة
[السُّؤَالُ]
ـ[طلب مني أحد الأشخاص أن أكفله في شراء سيارة بالتقسيط فرفضت فقال لي أنا نويت أعطي من سيكفلني ألفين ريال فأخذتها منه وكفلته لحاجتي للفلوس، فهل هذا المبلغ حلال لي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز أخذ أجرة على الكفالة والضمان؛ لأن هذه الأجرة ستحول عقد الكفالة إلى عقد ربوي.
وبيان ذلك:
أن الكفيل ملزم بدفع الدين عن المكفول إذا لم يقم المكفول بالسداد، وفي حالة سداد الكفيل للدين فإنه يكون قرضا منه للمكفول، يلزمه سداده له، وسيضاف إلى ذلك الأجرة التي اتفقا عليها مقابل الكفالة، فيكون قرضا بزيادة، وهذا عين الربا.
قال ابن قدامة في "المغني" (6/441) :
"ولو قال: اكفل عني ولك ألف لم يجز ; لأن الكفيل يلزمه الدين , فإذا أداه وجب له على المكفول عنه, فصار كالقرض , فإذا أخذ عوضا صار القرض جارا للمنفعة , فلم يجز " انتهى باختصار.
وقال ابن جرير الطبري في "اختلاف الفقهاء" (ص9) : " ولو كفل رجل على رجل بمال عليه لرجل، على جُعل (أجرة) جعله له المكفول عليه، فالضمان على ذلك باطل" انتهى.
وجاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي بشأن خطاب الضمان، ما يلي:
" أولاً: إن خطاب الضمان بأنواعه الابتدائي والانتهائي لا يخلو إما أن يكون بغطاء أو بدونه، فإن كان بدون غطاء، فهو: ضم ذمة الضامن إلى ذمة غيره فيما يلزم حالاً أو مآلاً، وهذه هي حقيقة ما يعني في الفقه الإسلامي باسم: الضمان أو الكفالة.
وإن كان خطاب الضمان بغطاء فالعلاقة بين طالب خطاب الضمان وبين مصدره هي الوكالة، والوكالة تصّح بأجر أو بدونه مع بقاء علاقة الكفالة لصالح المستفيد (المكفول له) .
ثانياً: إن الكفالة هي عقد تبرع يقصد به الإرفاق والإحسان، وقد قرر الفقهاء عدم جواز أخذ العوض على الكفالة، لأنه في حالة أداء الكفيل مبلغ الضمان يشبه القرض الذي جر نفعاً على المقرض، وذلك ممنوع شرعاً.
وبناء على ذلك يتقرر ما يلي:
أولاً: إن خطاب الضمان لا يجوز أخذ الأجرة عليه لقاء عملية الضمان - والتي يُراعى فيها عادة مبلغ الضمان ومدته - وسواء أكان بغطاء أم بدونه.
ثانياً: إن المصاريف الإدارية لإصدار خطاب الضمان بنوعيه جائزة شرعاً، مع مراعاة عدم الزيادة على أجر المثل، وفي حالة تقديم غطاء كلي أو جزئي، يجوز أن يُراعى في تقدير المصارف لإصدار خطاب الضمان ما قد تتطلبه المهمة الفعلية لأداء ذلك الغطاء " انتهى من "قرارات مجمع الفقه الإسلامي" ص25.
وبناء على ذلك؛ فلا يحل لك أخذ هذا المال، ويجب عليك رده إلى صاحبه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5219)
يشتري الذهب ويدفع نصف السعر ويؤجل الباقي
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا اشترى رجل ذهبا من صائغ ولم يدفع إلا نصف السعر ويبقى عليه دين لأجل مسمى هل هذا جائز أم ربا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز شراء الذهب بالذهب أو بالفضة أو بالنقود إلا يدا بيد، فإن أَجَّل شيئا من الذهب أو من الثمن فهو ربا، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ) رواه مسلم (2970) من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه.
والريالات والدولارات وغيرها من العملات أجناس مستقلة لها ما للذهب والفضة من الأحكام.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: إذا باع إنسان مصاغا من الذهب لآخر، وليس مع المشتري بعض القيمة أو كل القيمة، ولا بعد أيام أو شهر أو شهرين فهل هذا جائز أو لا؟
فأجابوا:
إذا كان الثمن الذي اشترى به مصاغ الذهب ذهبا أو فضة أو ما يقوم مقامهما من الأوراق النقدية أو مستنداتها لم يجز، بل هو حرام؛ لما فيه من ربا النسأ (أي: تأخير القبض) . وإن كان الشراء بعروض كقماش أو طعام أو نحوهما جاز تأخير الثمن " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (13/466)
وبناء على ذلك فالواجب التوبة إلى الله تعالى من هذه المعاملة المحرمة، وبيان حكمها للناس، حجزا لهم عن الوقوع في الربا الذي هو كبيرة من كبائر الذنوب.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5220)
يعمل في شركة تتعامل بالتأمين
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في شركة شحن تقوم بالشحن لجميع أنحاء العالم وأخبرني المشرف على العمل أنه يجب أن أخبر العميل أنه يمكنه إضافة تأمين بمبلغ مقداره (3.5%) من قيمة الشحنة، لحماية شحناتهم، فإن وافق العميل أضغط على زر وينتهي الأمر في ثوان فهل هذا يجعل وظيفتي حراماً بسبب التأمين؟ وهل هذا ربا؟ وهل تحل علي لعنة الله؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
العمل في الشحن حلال إذا كانت البضائع المشحونة من المسموح به شرعاً، وليس من المحرمات كأن تكون خمراً أو لحم خنزير أو أي شيْ من المواد المحرمة من المطعوم أو المشروب والملبوس وغير ذلك.
ثانياً:
التأمين التجاري الذي تتعامل به شركات التأمين حرام. ومن أسباب تحريمه أنه يشتمل على الربا والميسر، وكلاهما حرام بالنص من القرآن والسنة وإجماع المسلمين. يراجع سؤال (8889) .
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
التأمين على الحياة والممتلكات: محرَّم شرعاً لا يجوز؛ لما فيه من الغرر والربا، وقد حرَّم الله عز وجل جميع المعاملات الربوية والمعاملات التي فيها الغرر، رحمةً للأمة وحمايةً لها مما يضرها، قال الله سبحانه وتعالى: (وأحلَّ الله البيع وحرَّم الربا) ، وصحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم أنه نهى عن بيع الغرر، وبالله التوفيق اهـ
" فتاوى إسلامية " (3 / 5) .
ثالثاً:
عَظَّمَ الله تعالى شأن الربا وتوعد عليه بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) البقرة.
وروى مسلم (1598) عَنْ جَابِرٍ قَالَ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ.
قال النووي:
هَذَا تَصْرِيح بِتَحْرِيمِ كِتَابَة الْمُبَايَعَة بَيْن الْمُتَرَابِينَ وَالشَّهَادَة عَلَيْهِمَا. وَفِيهِ: تَحْرِيم الإِعَانَة عَلَى الْبَاطِل اهـ
وضغطك على الزر لإمضاء عملية التأمين بمنزلة الكتابة فيدخل في الحديث السابق.
رابعاً:
لا يجوز للمسلم أن يعمل في شركة مجال عملها في الربا والمعاملات المحرمة، ولا يختص التحريم بكاتب الربا أو شاهده، بل يدخل في ذلك جميع الموظفين الذين يعملون بالشركة حتى البواب والحارس، لأن هذا فيه معاونة للشركة على ما تقوم به من أعمال محرمة، وقد قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2.
خامساً:
على المسلم أن يحرص على العمل الحلال، فإن أكل الحرام من موانع إجابة الدعاء، ومن أسباب دخول النار، فأي جسم نبت من حرام فالنار أولى به.
وإذا ترك المسلمُ الحرامَ طاعةً لله تعالى فإن الله تعالى يبدله ما هو أفضل منه، فإنه من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5221)
يدفع مبلغا مقدما للمؤجر في مقابل أن يخفض له أجرة المسكن
[السُّؤَالُ]
ـ[انتشر عندنا في المغرب بكثرة ظاهرة رهن السكن , ولقد قمت بمراجعة الفتاوى المطروحة في الموقع , لكن قضيتي تختلف بعض الشيء , وهو أنه عندنا زيادة على دفع ثمن الرهن، فإنني أدفع مبلغاً متواضعاً شهرياً كإيجار, مثلا ; ثمن إيجار سكن هو 1000 درهم لكن في حالة الرهن يتغير ثمن الكراء, إذ عندما أتفق مع صاحب السكن على الرهن لمدة سنة بثمن 20000 ألف درهم سوف يقوم في مقابل تسليفه المبلغ المذكور لهذه المدة بتنزيل ثمن الكراء الشهري إلى النصف, يعني 500 درهم , فما رأي سيادتكم في الأمر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما فهمناه من سؤالك أنك ستستأجر سكنا لمدة سنة، وتدفع مقدما قدره 20000، وفي مقابل ذلك سيخفض المؤجر الإيجار من 1000 درهم إلى 500 درهم، مقابل انتفاعه بالمبلغ المقدم.
وإذا كان هذا المقدم سيعاد إليك في نهاية المدة، فإنه يعتبر قرضا منك للمؤجر، وهو قرض ربوي لأنه يجر منفعة لك، وهي تخفيض الأجرة من 1000 إلى خمسمائة، فكأنك أقرضته 20000 ليردها 20600، وقد اتفق الفقهاء على أن كل قرض جر نفعا فهو ربا.
قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: " وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف. قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المُسلف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية، فأسلف على ذلك، أن أخذ الزيادة على ذلك ربا. وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس وابن مسعود أنهم نهوا عن قرضٍ جَرَّ منفعة. ولأنه [يعني: التسليف] عقد إرفاق وقربة، فإذا شرط فيه الزيادة أخرجه عن موضوعه " انتهى من "المغني" (6/436) .
ولا يخفى عليك ما جاء في الربا من الوعيد الشديد، فهو كبيرة عظيمة من كبائر الذنوب، وفاعله مُتوعَّد بالحرب من الله تعالى، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278-279.
وروى مسلم (1598) عن جابر قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال هم سواء) .
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم، أشد عند الله من ستة وثلاثين زنية) رواه أحمد (21450) والطبراني، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (3375)
نسأل الله لك التوفيق والسداد، وأن يغنيك بالحلال عن الحرام.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5222)
هل يتخلص من الفوائد الربوية بإعطائها لبناته المتزوجات؟
[السُّؤَالُ]
ـ[شخص كان يودع أمواله في البنوك , وتضاف له فوائد عليها , أراد أن يتخلص من تلك الفوائد. هل يجوز له أن يعطيها لبناته المتزوجات , علما أن ظروفهن المادية ضعيفة ?]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إيداع الأموال في البنك بفائدة عمل محرم تحريما شديدا، وهو من كبائر الذنوب، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278-279.
ولا يجوز الإيداع في البنك الربوي إلا عند الخوف على المال من السرقة ونحوها، إذا لم توجد وسيلة لحفظه إلا بوضعه في البنك، ويكتفى حينئذ بوضعه في الحساب الجاري بلا فائدة، لأن الضرورات تبيح المحظورات، والضرورة تقدر بقدرها.
ثانيا:
من ابتلي بالوقوع في الربا فالواجب عليه أن يتوب إلى الله تعالى، بالإقلاع عن الذنب، والندم على ما فات، والعزم على عدم العود إليه، والتخلص من الفائدة المحرمة، بصرفها في أوجه الخير، وليس له أن ينتفع بها لنفسه أو لمن تجب نفقته عليه.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: " أما ما أعطاك البنك من الربح: فلا ترده على البنك ولا تأكله، بل اصرفه في وجوه البر كالصدقة على الفقراء، وإصلاح دورات المياه، ومساعدة الغرماء العاجزين عن قضاء ديونهم " انتهى من " فتاوى إسلامية " (2 / 407) .
ثالثا:
لا حرج عليك في إعطاء هذه الفوائد الربوية لبناتك المتزوجات، إذا كنّ بحاجة للمال، لأن نفقتهن لا تجب عليك وإنما تجب على أزواجهن.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5223)
اقترض بالربا لشراء منزل تحت ضغط والده
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شخص تائب من أخذ أي قروض ربوية ولكن في فترة قصيرة طلب مني والدي أن آخذ قرضا ربويا لشراء منزل، لأن المنزل الذي نحن به ليس ملكا لنا ولأن المالك مصر على استرجاع المنزل وحالتنا المادية ضعيفة لشراء منزل آخر. فأنا أصررت على أن نستأجر منزلا وهو أفضل من الوقوع في الحرام إلا أنهما غضبا وغُصبت على أن أشارك أحد أفراد العائلة في أخذ قرض ربوي وشراء المنزل. أنا بريء من هذا القرض من قبل أن نأخذه ولكن القرض باسمي وأحد أفراد العائلة. فهل هناك أي شي علي وأنا معارض وإلى اليوم معارض؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز الاقتراض بالربا، من البنك أو غيره، ولو كان ذلك لشراء منزلٍ للسكنى؛ لما ورد في الربا من التحريم المؤكد، والوعيد الشديد، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278- 279.
وروى مسلم (1598) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ , وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ) .
قال ابن قدامة رحمه الله: " وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف. قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المُسلف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية، فأسلف على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلك ربا " انتهى من "المغني" (6/436) .
وشراء المنزل ليس عذرا في ارتكاب هذه المعصية العظيمة والذنب الكبير، وكان يمكنكم الاكتفاء باستئجار منزل، كما ذكرت.
وقد أخطأت في الدخول في هذه المعاملة، وكان يجب عليك أن تثبت على موقفك ولو أدى ذلك إلى غضب والداك أو عائلتك؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولا تكفي معارضتك مع توقيع القرض أو جزء منه باسمك.
والواجب عليك الآن وعلى كل من اقترض بالربا أن يتوب إلى الله تعالى، وأن يندم على ما فات، ويعزم عزما أكيدا على عدم العود إلى هذا الذنب العظيم، والجرم الخطير، الذي ورد فيه من الوعيد ما لم يرد في غيره، نسأل الله العافية
ولا حرج عليكم في سكنى هذا المنزل، وقد سئلت اللجنة الدائمة عن رجل اقترض قرضاً ربوياً وبنى بيتاً، فهل يهدم البيت أم ماذا يفعل؟
فأجابت:
" إذا كان الواقع كما ذكرت، فما حصل منك من القرض بهذه الكيفية حرام لأنه ربا وعليك التوبة والاستغفار من ذلك، والندم على ما وقع منك والعزم على عدم العودة إلى مثله، أما المنزل الذي بنيته فلا تهدمه، بل انتفع به بالسكنى أو غيرها، ونرجو أن يغفر الله لك ما فرط منك " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (13 / 411) .
نسأل الله تعالى أن يتجاوز عنا وعنك، وأن يغفر لنا ولك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5224)
حكم عليه بالسجن فهل يأخذ قرضاً ربويّاً لينجو منه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أبلغ من العمر 30 سنة، دخلت الإسلام مند ست سنوات بعد صراع مرير مع الكفر، فقد كنت أعيش في فرنسا، وعدت إلى وطني عودة نهائية، وفتحت مشروعاً صغيراً، لم أوفق فيه، فتراكم عليَّ من الديْن 25 ألف دولار، ولم أستطع خلاصها، فاقترح عليَّ البنك قرضاً على أن أسدده على ثلاث سنوات مع فائض 30 بالمائة، فنصحني بعض الإخوة بالابتعاد عن الربا لما فيه من معصية لله سبحانه، ولكن بعض رجال الدين قالوا: إذا كان للضرورة: فلا بأس بذلك، فأنا اليوم مهدد بالسجن إن لم أقض ما عليَّ من ديْن، أنا في حيرة من أمري، إما أن أقبل بالقرض وإما أن أقضي تسع سنوات سجن، مع أن الحكم صدر مند شهرين ولم يبق لي إلا شهر واحد، فأرجو منك أن تفتني.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
بدايةً: نهنئك على دخول الإسلام، ونسأل الله أن يثبتك على الحق، وأن يزيدك هدى وتوفيقاً، واعلم أن المسلم يبتلى ليُعلم صدقه من عدمه في استقامته على الدين، ثم إن ابتلاءه يكفِّر الله به عنه سيئاته، ويرفع به درجاته، لكن لا بدَّ أن يحتسب مصيبته عند ربه، فلا يضجر، ولا يسخط، بل يصبر ويحتسب.
وما أصابك من مصيبة في مالك إنما هو ابتلاء من ربك، وما قد تكون تعرضت له من صد الناس عنك، وعدم مساعدتهم لك إنما ابتلاء أيضاً، فاصبر فإنك على الحق، والزم طريق التقوى؛ فإن الله تعالى قد وعد المتقين بأن يجعل لهم مخرجاً من ضيقهم، ووعدهم بالرزق من فضله، قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) الطلاق/2-3، وقال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) الطلاق/4، وقال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً) الطلاق/5.
ثانياً:
واعلم أن الربا من المحرَّمات القطعية في الشرع، وهو من كبائر الذنوب.
وانظر جواب السؤال رقم (22339) ففيه بيان تحريم الربا.
ثالثاً:
واعلم أن المحرَّمات في الشريعة يجوز فعلها إذا كان المسلم معذوراً بالإكراه أو الاضطرار.
قال الله تعالى: (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) البقرة/173، وقال تعالى: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) الأنعام/119.
وننبه هنا إلى ثلاثة أمور:
الأول: أن الضرورة في باب الربا متعلقة بالمقترض، لا بالمقرض؛ إذ ليس هناك ما يجعل المقرض مضطراً لأن يقرِض بالربا، بخلاف المحتاج للقرض فإنه قد تُغلق الأبواب في وجهه فلا يجد إلا باب القرض بفائدة ربوية.
وفي فتوى " مجمع البحوث الإسلامية " بالقاهرة في مؤتمره الثاني المنعقد في شهر محرم 1385 هـ (مايو 1965م) قالوا:
"والفائدة على أنواع القروض كلها ربا محرم، لا فرق بين ما يسمَّى بالقرض الاستهلاكي، وما يسمى بالقرض الإنتاجي (الاستغلالي) ، وكثير الربا في ذلك وقليله حرام، والإقراض بالربا محرم لا تبيحه حاجة ولا ضرورة، والاقتراض بالربا كذلك، ولا يرتفع إثمه إلا إذا دعت إليه ضرورة، وكل امرئ متروك لدينه في تقدير الضرورة" انتهى.
وجاء في " الموسوعة الفقهية " (6 / 167) :
أنه يجوز للمضطر أن يتعامل بالربا للضرورة، "فيأثم المقرض دون المقترض" انتهى.
الثاني: أن المقترض بالربا لا بدَّ أن يكون الدافع لفعله المحرَّم هذا هو الضرورة، وليست الحاجة التي يمكنه التخلي عنها، وعدم فعلها، والضرورة تتعلق بضرر يقع على دينه أو بدنه أو عقله أو عرضه أو ماله – وهي ما يسمى " الضرورات الخمس " -، وليست هي المشقة التي يمكن تحملها، بل هي الضرورة التي قد تسبب له هلاكاً، أو تلفاً لبعض أعضائه، أو سجناً طويلاً، أو مرضاً مزمناً.
قال أبو عبد الله الزركشي رحمه الله:
فالضرورة: بلوغه حدّاً إن لم يتناول الممنوع هلك أو قارب كالمضطر للأكل، واللبس بحيث لو بقي جائعاً أو عرياناً لمات، أو تلف منه عضو، وهذا يبيح تناول المحرم.
والحاجة: كالجائع الذي لو لم يجد ما يأكل لم يهلك، غير أنه يكون في جهد ومشقة، وهذا لا يبيح المحرَّم.
" المنثور في القواعد " (2 / 319) .
وفي " نظرية الضرورة الشرعية " (ص 67، 68) :
"الضرورة: هي أن تطرأ على الإنسان حالة من الخطر، أو المشقة الشديدة بحيث يخاف حدوث ضرر أو أذى بالنفس أو بالعضو أو بالعرض أو بالعقل أو بالمال وتوابعها، ويتعين أو يباح عندئذ ارتكاب الحرام، أو ترك الواجب أو تأخيره عن وقته دفعاً للضرر عنه في غالب ظنه ضمن قيود الشرع " انتهى.
الثالث: يجب أن يكون الضرر الذي سيلحقك في حال عدم الدفع يقينيّاً أو بغلبة الظن، ولا ينبغي أن يكون خياليّاً أو متوهماً.
وقد توسَّع كثيرون في أمر القرض بالربا، فجعلوا شراء بيتٍ، أو سيارة، أو تغيير أثاث البيت، أو شراء جهاز خلوي من الضرورات، فتعاملوا مع مؤسسات الربا بمثل هذا العذر، وقد وجدوا من يفتي لهم في بعض تلك الأشياء!
كما لم يفهم كثيرون معنى الضرورة، فراحوا يبحثون عن البنوك والمؤسسات الربوية من أجل الاقتراض بفائدة ربوية، دون أن يكون منهم بحث عن طرق مباحة يتحصلون فيها على الأموال اللازمة، ومن الطرق التي أباحتها الشريعة في الحصول على المال لعادمه: العمل المباح، والاستدانة من شخص دون ربا، وشراء سلعة بالأقساط وبيعها نقداً، وليُعلم أن كثيراً من هؤلاء قد يكون لهم الحق في الزكاة، فلا بأس من طلبهم ذلك من المؤسسات التي تقوم على جمع زكاة المسلمين.
والذي نراه في مسألتك: أنه إن أمكنك الحصول على المال بالطرق الشرعية المباحة: فلستَ معذوراً بأخذ قرضٍ ربوي، وإن كنتَ تستطيع تقسيط المبلغ الذي عليك: فلستَ معذوراً أيضاً، فإن لم يمكنك الحصول على المال بطريق مباح وكان يترتب على عدم دفعك للمبلغ، دخولك السجن فنرجو أن تكون من المعذورين المضطرين للتعامل بالربا، ولا إثم عليك، وإنما الإثم على من أقرضك بالربا، وعلى من علم بحالك ولم يساعدك مع استطاعته.
ويجب أن تعلم أن العلماء يقولون " إن الضرورة تقدَّر بقدرها "، ومعنى ذلك – في حالتك -: أنه لا يجوز لك أن تأخذ من البنك إلا القدر الذي به تسلم من الضرر والأذى، ولا يجوز لك الزيادة عليه، كما ننبهك إلى أنك إن وجدت مالاً بعد ذلك فيجب عليك أن تسارع في سداد البنك إن كنت بذلك تتخلص من الفوائد الربوية كلها أو بعضها.
ونسأل الله تعالى أن يرزقك التقوى والعمل الصالح، وأن يغنيك من فضله، وأن ينجيك من الآثام، وأن يثبتك على الحق، وأن يزيدك هدى وتوفيقاً.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5225)
شراء سيارة ممن اشتراها بقرض ربوي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم شراء سيارة بالتقسيط من مؤسسة مع العلم أن هذه المؤسسة تقترض أموالا من البنك بفائدة من أجل تمويل هذه العملية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله تعالى أن يجزيك خيراً على حرصك على تحري التعامل الحلال، وحذرك من مباشرة الحرام، وبخصوص سؤالك عن المعاملة التي ذكرتها، فلا شك في أن الاقتراض بفائدة هو عين الربا الذي حرمه الله ورسوله، ومن القواعد الفقهية المتفق عليها بين العلماء "أن كل قرض جر نفعاً فهو ربا"، فالمقترض بهذا قد وقع في كبيرة من كبائر الذنوب وهي التعامل بالربا، ولكن وقوعه في الإثم من هذه الجهة لا يعني حرمة التعامل معه في البيع والشراء، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعامل اليهود، وهم قوم كما وصفهم الله تعالى في كتابه بأنهم متعاملون بالربا أكَّالون للسحت.
فعلى هذا تجوز معاملة من يتعامل بالربا بيعاً وشراء.
فلا حرج عليك من شراء سيارة من هذه المؤسسة، ولا إثم عليك في ذلك إن شاء الله تعالى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5226)
التعامل مع شركة تبيع وتشتري العملات
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أسال عن شركة استثمارية على الإنترنت هل التعامل معها حلال أم حرام ... هذه الشركة شركة استثمار طويل الأجل، فهي أساسا شركة وساطة في مجال تجارة العملات العالمية وتقدم خدمة إدارة الحسابات (إدارة أموال المستثمرين وتشغيلها في الـFOREX) وهو عبارة عن صندوق استثمار (مثل صناديق الاستثمار الموجودة ببعض الدول لتشغيل أموال المستثمرين في البورصة) حيث يتم تجميع أموال المستثمرين في هذا الصندوق ثم يقوم فريق الشركة (المختصين) بتشغيلها والمضاربة في بورصة العملات العالمية FOREX، طبعاً هناك فريق من المختصين يديرون أموال العملاء (نظام إدارة الحسابات) وتدفع فائدة أسبوعية للمستثمرين بها ما بين 8 و 12 % أي فائدة متغيرة والشركة لا تتعامل في الخمور أو القمار أو الأمور المحرمة ولها حد أدنى لكي يشارك الشخص بها ... فأرجو أن تخبرونا التعامل معها حلال أم حرام نظرا لانتشارها الشديد وكثرة من يتعاملون معها]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ينبغي على المسلم الحذر البالغ في التعامل مع الشركات الأجنبية، وخاصة عندما يكون التعامل معها عن بُعد، فهو لا يدري عن حال المتعامَل معهم، ولا عن حقيقة أنشطتهم التجارية، فيمكن أن يتعرض للنصب والاحتيال، كما يمكن أن يتعامل مع أناسٍ لا يراعون أحكام الشريعة في تعاملاتهم، وقد يُخفون حقيقة تعاملاتهم من أجل جذب أموال المسلمين لاستثمارها فيما يرون لا فيما تبيحه الشريعة الإسلامية.
ثانياً:
تجارة العملات من التجارة المباحة، لكن يشترط لإباحة التجارة بها: التقابض في مجلس العقد.
فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلاً بمثلٍ، سواءً بسواء، يداً بيدٍ، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيدٍ) رواه مسلم (1587) .
والعملات الورقية لها حكم الذهب والفضة من حيث الزكاة، ومن حيث اشتراط التقابض عند بيعها، والحديث نصٌّ بيِّن في اشتراط التقابض عند بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، وعليه: فلا يجوز بيع عملة بعملة إلا بشرط التقابض في مجلس العقد.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
فالعملة لا تباع بمثلها إلا يداً بيد مثْلا بمثل، وإذا كانت عملة بعملة أخرى كريال بالدولار، أو جنيه إسترليني بغيره: جاز البيع يداً بيدٍ، بدون تأجيل، ولو تفاضلا، فالطرق الشرعية موجودة وكافية - بحمد الله - وليس الناس بحاجة إلى الربا، لولا أن الشيطان يدعوهم إلى ذلك، ويزين لهم الفائدة السريعة بالربا.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (7 / 294، 295) .
وقال الشيخ عبد الله الجبرين حفظه الله:
لا بأس في التجارة بالعملة، وهو بيع نقدٍ بنقد، ولكن بشرط التقابض قبل التفرق، سواء سلَّم العيْن واستلم ما يقوم مقامها من الشيكات المصدَّقة الموثقة، وسواء كان المتصارفان مالكيْن أو وكيليْن، فإن كان العرف ليس على هذه الصفة: فلا يجوز، وفاعله عاصٍ بفعله، وناقص الإيمان.
" فتاوى إسلامية " (2 / 364) .
ووجود القبض يداً بيدٍ في الهاتف والإنترنت مع الغياب والبعد من المستحيلات، ولذا فإن العلماء المعاصرين قالوا بجواز بيع العملات بالهاتف والإنترنت في حال وجود ما يقوم مقام القبض، وهو التحويل المباشر من حساب البائع إلى حساب المشتري، أو تسلُّم وكيل للمشتري شيكات بنكية مصدَّقة باسم الطرف الآخر، وهو ما قال به مجلس الفقه الإسلامي، وهذا نص ما قال:
إن مجلس الفقه الإِسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من 17 إلى 23 شعبان 1410هـ الموافق 14 - 20 آذار (مارس) 1990 م.
بعد إطِّلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع: " القبض: صوره وبخاصة المستجدة منها وأحكامها ".
واستماعه للمناقشات التي دارت حوله.
قرر:
أولاً:
قبض الأموال كما يكون حسيّاً في حالة الأخذ باليد، أو الكيل أو الوزن في الطعام، أو النقل والتحويل إلى حوزة القابض، يتحقق اعتباراً وحكماً بالتخلية مع التمكين من التصرف ولو لم يوجد القبض حسّاً، وتختلف كيفية قبض الأشياء بحسب حالها واختلاف الأعراف فيما يكون قبضاً لها.
ثانياً:
إن من صور القبض الحكمي المعتبرة شرعاً وعرفاً:
1. القيد المصرفي لمبلغ من المال في حساب العميل في الحالات التالية:
(أ) إذا أودع في حساب العميل مبلغ من المال مباشرة أو بحوالة مصرفية.
(ب) إذا عقد العميل عقد صرف ناجز بينه وبين المصرف في حال شراء عملة بعملة أخرى لحساب العميل.
(ج) إذا اقتطع المصرف - بأمر العميل - مبلغاً من حساب له إلى حساب آخر بعملة أخرى، في المصرف نفسه أو غيره، لصالح المستفيد أو لعميل آخر، وعلى المصارف مراعاة قواعد عقد الصرف في الشريعة الإسلامية.
ويغتفر تأخير القيد المصرفي بالصورة التي يتمكن المستفيد بها من التسلم الفعلي للمدد المتعارف عليها في أسواق التعامل، على أنه لا يجوز للمستفيد أن يتصرف في العملة خلال المدة المغتفرة إلاَّ بعد أن يحصل أثر القيد المصرفي بإمكان التسلم الفعلي.
2. تسلم الشيك إذا كان له رصيد قابل للسحب بالعملة المكتوب بها عند استيفائه وحجزه المصرف" انتهى.
" مجلة المجمع " (العدد السادس، 1 / 453) ، " قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي " (ص 113، 114) .
وقد نبّه العلماء المختصون في المعاملات المالية المعاصرة أن بيع العملات عن طريق الإنترنت لا يحصل فيه التقابض، فيكون محرما شرعا.
ثم إن هناك سبباً آخر لتحريم المعاملة المسئول عنها: وهي أن الشركة تعطي المستثمرين بها أرباحاً أسبوعية ما بين 8 و 12 %، وهذا يجعل عقد المضاربة فاسدا، لأن الواجب في عقد المضاربة أن يتم توزيع الربح بالنسبة بين الشركاء فيأخذ كل شريك نسبة معينة من الربح مثل نصف الربح أو ربعه وما أشبه ذلك، أما أن يأخذ شيئاً ثابتاً أو تكون النسبة من رأس المال فهذا لا يجوز.
والخلاصة:
أن بيع العملات بهذه الطريقة لا يجوز لسببين:
1- أن بيع العملات عن طريق الإنترنت لا يحصل فيه التقابض.
2- أن عقد المضاربة يشترط فيه أن توزع الأرباح بين الشركاء بالنسبة ولا يجوز أن تكون تلك النسبة من رأس المال.
وننبه هنا إلى أنه لا يجوز لكم الاقتراض من هؤلاء الوسطاء أو الوكلاء أو الأجراء بما يسمَّى " نظام المارجن "، وهو ما يتطلب منك وضع جزء من قيمة القرض لديهم ليتم الاتجار في البورصة – وخاصة العملات – ويقوم هؤلاء الوسطاء بتسهيل التعامل بأضعاف ما دفعته لهم، ويتم حسم الخسارة من مبلغك المودع لديهم.
واعلم أن التعامل بنظام " المارجن " حرام شرعاً، ولا يجوز لأحدٍ أن يتعامل به، وقد حذَّر كثيرون منه - حتى من غير المسلمين -؛ لما له من أثر سيء في التعاملات المالية في البورصات، وانهيار بورصة نيويورك في " الاثنين الشهير " كان من أهم أسبابها هو التعامل بنظام " المارجن "، " بسبب تخزين أوامر بالبيع على أجهزة الكومبيوتر الخاصة بالسماسرة في حالة انخفاض الأسعار إلى الهوامش المتفق عليها، وحين هبطت أسعار الأسهم بالفعل صدرت أوامر البيع آليّاً فارتفع العرض بصورة غير مسبوقة دون وجود طلب للشراء، وهو ما أدى إلى الانهيار "، وفي الكويت - وغيرها - دعوات متعددة من اقتصاديين لإلغاء العمل به.
والذي يهمنا نحن هو حكم الله تعالى في هذا النظام وغيره، وهو حرام من جهات متعددة، منها: أنه قرض ربوي بصورة تعامل مباح، وأن شراء العملات لا يتم فيه القبض الشرعي، وأن فيه مخاطرة مما يدخله في معاملات القمار.
فنصيحتنا لكم ترك التعامل مع مثل هؤلاء الغرباء البُعداء، والذي لا يدري المسلم ما يُفعل بماله عندهم، والحذر البالغ من الوقوع في المحرّمات.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5227)
اقترض بفائدة يسددها من فوائد شهادات لدى البنك
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد أخذنا قرضا من البنك بضمان شهادات لنا في هذا البنك لشراء سيارة ويوجد فوائد على القرض ولكن يتم سداده من فوائد الشهادات ما الحكم الآن؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الاقتراض من البنك بالفائدة محرم؛ وهو من الربا الذي توعد الله أهله بالحرب، كما قال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ) البقرة/278، 279.
وهذا القرض محرم، سواء كانت الفائدة تسدد من حلال أموالكم، أو من فوائد محرمة تأخذونها أنتم من البنك بطريق آخر.
ثانيا:
شهادات الاستثمار التي تصدرها البنوك في بلدك، محرمة أيضا، ولا تخرج عن الربا، ويستوي في ذلك شهادات الفئة (أ) أو (ب) أو (ج) . وينظر السؤال رقم (72413)
والواجب عليكم أمران:
الأول: التوبة إلى الله تعالى من الاقتراض بالربا والسعي في إنهاء هذا العقد حسب استطاعتكم، والتوبة من الدخول في عقد الشهادات المحرمة.
الثاني: التخلص من هذه الشهادات، بأخذ رأس المال، وصرف الفائدة الربوية في وجه من وجوه البر.
ولا يلزمكم بيع السيارة التي اشتريتموها بالقرض الربوي، ولا حرج عليكم من الانتفاع بها، وإنما الواجب عليكم هو التوبة من التعامل بالربا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5228)
الانتفاع ببيت بني بقرض ربوي
[السُّؤَالُ]
ـ[اشترينا بيتاً قبل ثلاثة سنوات بقرض ربوي بعد سماعنا للفتوى، انتهينا الآن من تسديد قيمة البيت لأننا دفعنا قسماً كبيراً كدفعة مقدمة، هل يجوز لنا أن نعيش في هذا البيت؟ وهل يجوز لنا أن نؤجره؟ وهل يمكن أن نستعمله كمكان عمل؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يجب عليكم التوبة إلى الله من هذا القرض الربوي؛ فإن الربا من أكبر الكبائر، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ - فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة / 278، 279)
قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره (2/657) : " وهذا تهديد شديد، ووعيد أكيد لمن استمر على تعاطي الربا بعد الإنذار، قال ابن جريج: قال ابن عباس: فأذنوا بحرب، أي: استيقنوا بحرب من الله ورسوله،..عن ابن عباس قال: يقال يوم القيامة لآكل الربا خذ سلاحك للحرب ثم قرأ: (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) البقرة / 279) . اهـ
ولعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء. رواه مسلم (1598) .
وآكل الربا هو آخذه.
ومؤكله: معطيه.
أما بالنسبة للسكنى في هذا البيت فإذا تبتم إلى الله فلا بأس بسكناه أو تأجيره أو اتخاذه مكانا للعمل.
وقد سئلت اللجنة الدائمة عن رجل اقترض قرضاً ربوياً وبنى بيتاً، فهل يهدم البيت أم ماذا يفعل؟
فأجابت:
إذا كان الواقع كما ذكرت، فما حصل منك من القرض بهذه الكيفية حرام لأنه ربا وعليك التوبة والاستغفار من ذلك، والندم على ما وقع منك والعزم على عدم العودة إلى مثله، أما المنزل الذي بنيته فلا تهدمه، بل انتفع به بالسكنى أو غيرها، ونرجو أن يغفر الله لك ما فرط منك.
فتاوى اللجنة الدائمة (13 / 411)
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتوب علينا، وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5229)
التعامل مع البنوك الربوية
[السُّؤَالُ]
ـ[حكم التعامل مع البنوك الربوية]ـ
[الْجَوَابُ]
السؤال:
ما الحكم الشرعي في كل من:
· الذي يضع ماله في البنك فإذا حال عليه الحول أخذ الفائدة.
· المستقرض من البنك بفائدة إلى أجل؟
· الذي يودع ماله في تلك البنوك ولا يأخذ فائدة؟
· الموظف العامل في تلك البنوك سواء كان مديراً أو غيره؟
· صاحب العقار الذي يؤجر محلاته إلى تلك البنوك؟
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز الإيداع في البنوك للفائدة، ولا القرض بالفائدة، لأن كل ذلك من الربا الصريح، ولا يجوز أيضاً الإيداع في غير البنوك بالفائدة، وهكذا لا يجوز القرض من أي أحد بالفائدة بل ذلك محرم عند جميع أهل العلم لأن الله سبحانه يقول: {وأحل الله البيع وحرم الربا} .. ويقول سبحانه: {يمحق الله الربا وبربي الصدقات} .. ويقول سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين. فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تَظلمون ولا تُظلَمون} .. ثم يقول سبحانه بعد هذا كله: {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة} .. الآية. ينبه عباده بذلك على أنه لا يجوز مطالبة المعسر بما عليه من الدين ولا تحميله مزيداً من المال من أجل الإنظار بل يجب إنظاره إلى الميسرة بدون أي زيادة لعجزه عن التسديد، وذلك من رحمة الله سبحانه لعباده، ولطفه بهم، وحمايته لهم من الظلم والجشع الذي يضرهم ولا ينفعهم.
أما الإيداع في البنوك بدون فائدة فلا حرج منه إذا اضطر المسلم إليه، وأما العمل في البنوك الربوية فلا يجوز سواء كان مديراً أو كاتباً أو محاسباً أو غير ذلك لقول الله سبحانه وتعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب} . ولما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: (هم سواء) . أخرجه الإمام مسلم في صحيحه.
والآيات والأحاديث الدالة على تحريم التعاون على المعاصي كثيرة، وهكذا تأجير العقارات لأصحاب البنوك الربوية لا يجوز للأدلة المذكورة، ولما في ذلك من إعانتهم على أعمالهم الربوية.. نسأل الله أن يمن على الجميع بالهداية وأن يوفق المسلمين جميعاً حكاماً ومحكومين لمحاربة الربا والحذر منه والاكتفاء بما أباح الله ورسوله من المعاملات الشرعية إنه ولي ذلك والقادر عليه.
الشيخ ابن باز
حكم استثمار الأموال في البنوك بفائدة
السؤال:
ما حكم استثمار الأموال في البنوك. علماً بأن هذه البنوك تعطي فائدة لوضع المال فيها؟
الجواب:
الحمد لله
من المعلوم عند أهل العلم بالشريعة الإسلامية أن استثمار الأموال في البنوك بفائدة ربوية محرم شرعاً، وكبيرة من الكبائر، ومحاربة لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم كما قال الله عز وجل: {الذين يأكلون الرِّبا لا يقومون إلاّ كما يقوم الّذي يتخبّطه الشّيطان من المسّ ذلك بأنهم قالوا: إنّما البيع مثل الرّبا وأحلّ الله البيع وحرّم الربا فمن جاءه موعظة من رّبّه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون، يمحق الله الرّبا ويربي الصّدقات والله لا يحبُّ كلّ كفّار أثيم} .
وقال سبحانه: {يَا أيها الّذين أمنوا اتّقوا الله وذروا ما بقي من الرّبا إن كنتم مؤمنين، فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تَظلمون ولا تُظلمون} . وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال (هم سواء) أخرجه مسلم في صحيحه.
وخرج البخاري في الصحيح عن أبي جحيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (لعن آكل الربا وموكله ولعن الصور) . وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اجتنبوا السبع الموبقات) قلنا: وما هن يا رسول الله، قال: (الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) .
والآيات والأحاديث في هذا المعنى - وهو تحريم الربا والتحذير منه - كثيرة جداً. فالواجب على المسلمين جميعاً تركه والحذر منه والتواصي بتركه، والواجب على ولاة الأمور من المسلمين منع القائمين على البنوك في بلادهم من ذلك، وإلزامهم بحكم الشرع المطهر تنفيذاً لحكم الله وحذراً من عقوبته، قال تعالى: {لُعِن الَّذين كفروا من بنى إسرائيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، كانوا لا يتناهون عن مُنكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون} .
وقال عز وجل: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} . الآية.
وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه) . والآيات والأحاديث في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كثيرة ومعلومة فنسأل الله للمسلمين جميعاً حكاماً ومحكومين وعلماء وعامة التوفيق للتمسك بشريعته والاستقامة عليها، والحذر من كل ما يخالفها إنه خير مسئول.
الشيخ ابن باز
حكم الإيداع في لبنوك بربح معين
السؤال:
ما حكم الإيداع في البنوك بربح معين …؟
الجواب:
الحمد لله
الإيداع في البنوك بربح معين لا يجوز، لأن هذا عقد يشتمل على ربا، وقد قال الله تعالى {وأحل الله البيع وحرم الربا} وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله ,وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تَظلِمون ولا تُظلَمون} وهذا القدر الذي يأخذه الدافع للوديعة لا بركة فيه قال تعالى {يمحق الله الربا ويربي الصدقات} وهذا النوع من الربا نسيئة وفضل لأنّ الٌمودع يدفع نقوده للبنك بشرط بقائها مدة معلومة بربح معلوم..
اللجنة الدائمة.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/5230)
العمولة التي يأخذها البنك عند السحب مع خلو الرصيد
[السُّؤَالُ]
ـ[راتبي على أحد البنوك وهذا البنك يعطي خدمة لجميع من هم راتبهم عليه وذلك وقت الحاجة ونفاذ المال وهذه الخدمة عن طريق الصرافة حيث بإمكانك سحب المال والذي يكون بنسبة راتبك ويأخذ البنك على الخدمة 3ريالات مباشرة ولا يأخذ غيرها وسحب المال المأخوذ يكون من الراتب المقبل دون أخذ أية رسوم أخرى علماً بأن الرسوم لا تساوي حتى 1 بالمائة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سحب المال من البنك في حال خلو الرصيد، يعتبر قرضا، ولا يجوز للمقرض أن يشترط زيادة على القرض، مهما كانت قليلة؛ لأن ذلك ربا مجمع على تحريمه.
قال ابن قدامة رحمه الله: " وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف. قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المُسلف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية، فأسلف على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلك ربا. وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس وابن مسعود أنهم نهوا عن قرض جر منفعة " انتهى من "المغني" (6/436) .
ولكن. . إذا كانت هذه الرسوم التي يأخذها البنك هي تكاليف عملية السحب فقط من غير زيادة، فلا حرج فيها، لأنها لا تعتبر زيادة في القرض.
وعليه؛ فرسوم الخدمة المذكورة (3 ريالات) إن كانت هي الأجرة الفعلية التي تقابل ما يلزم لهذه العملية من إجراءات كالتسجيل والتدقيق ونحو ذلك، فهي جائزة، وإن زادت على الأجرة الفعلية، فالزيادة ربا، ولا يجوز الدخول في هذا العقد حينئذ، وكذا لو كان هذا المبلغ يختلف باختلاف المال المسحوب.
وقد أصدر مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورته الثانية عشرة بالرياض في المملكة العربية السعودية، من 25 جمادى الآخرة 1421هـ إلى غرة رجب 1421هـ (23-28 سبتمبر 2000) قرارا بشأن العمولة التي يأخذها البنك عند السحب ببطاقة الائتمان غير المغطاه، جاء فيه:
" السحب النقدي من قبل حامل البطاقة اقتراض من مصدرها، ولا حرج فيه شرعا إذا لم يترتب عليه زيادة ربوية، ولا يعد من قبيلها الرسوم المقطوعة التي لا ترتبط بمبلغ القرض أو مدته مقابل هذه الخدمة. وكل زيادة على الخدمات الفعلية محرمة لأنها من الربا المحرم شرعا، كما نص على ذلك المجمع في قراره رقم 13 (10/2) و 13 (1/3) " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5231)
عند تحويل حسابه إلي أي بنك يضاف لرصيده مبلغ
[السُّؤَالُ]
ـ[في بعض البنوك في بريطانيا عند تحويل حسابك من أي بنك إلى بنكهم يتم إضافة مبلغ معين من المال. الهدف من هذا المبلغ جذب الناس إلى تحويل حساباتهم إلى بنكهم. ما حكم أخذ هذا المال؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز أخذ هذا المال لأنه هدية في مقابل القرض، فتحرم.
وبيان ذلك أن إيداع المال في البنك يعتبر قرضا، فلا يجوز اشتراط زيادة فيه، كما لا تجوز هدية المقترض للمقرض، في مدة القرض، ما لم تكن بينهما عادة سابقة بذلك.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (4/211) : " وكل قرض شرط فيه أن يزيده , فهو حرام , بغير خلاف. قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المسلف إذا شرط على المستسلف زيادة أو هدية , فأسلف على ذلك , أن أخذ الزيادة على ذلك ربا. وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس وابن مسعود أنهم نهوا عن قرض جر منفعة....
وإن شرط أن يؤجره داره بأقل من أجرتها , أو على أن يستأجر دار المقرض بأكثر من أجرتها , أو على أن يهدي له هدية , أو يعمل له عملا , كان أبلغ في التحريم.
وإن فعل ذلك من غير شرط قبل الوفاء [أي قبل سداد القرض] : لم يقبله , ولم يجز قبوله , إلا أن يكافئه , أو يحسبه من دينه , إلا أن يكون شيئا جرت العادة به بينهما قبل القرض ; لما روى الأثرم أن رجلا كان له على سمّاك عشرون درهما فجعل يهدي إليه السمك ويقوّمه حتى بلغ ثلاثة عشر درهما , فسأل ابن عباس فقال: أعطه سبعة دراهم.
وعن زر بن حبيش قال: قلت لأبي بن كعب: إني أريد أن أسير إلى أرض الجهاد إلى العراق. فقال: إنك تأتي أرضا فاش فيها الربا , فإن أقرضت رجلا قرضا , فأتاك بقرضك ومعه هدية , فاقبض قرضك , واردد عليه هديته. رواه الأثرم. وروى البخاري عن أبي بردة قال: قدمت المدينة , فلقيت عبد الله بن سلام. وذكر حديثا. وفيه: ثم قال لي: إنك بأرض فيها الربا فاش , فإذا كان لك على رجل دين , فأهدى إليك حمل تبن , أو حمل شعير , أو حمل قتّ (علف للبهائم) , فلا تأخذه , فإنه ربا.
قال ابن أبي موسى: ولو أقرضه قرضا , ثم استعمله عملا , لم يكن يستعمله مثله قبل القرض , كان قرضا جر منفعة. ولو استضاف غريمه , ولم تكن العادة جرت بينهما بذلك , حسب له ما أكله " انتهى باختصار.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5232)
اشترى بيتا بقرض ربوي فهل تقبله زوجا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة ملتزمة سني 19سنة تقدم لخطبتي شاب ملتزم حسن الخلق لكنني رفضت بسبب علمي أنه اشترى ييتا عن طريق قرض ربوي. علما أنه من أسرة ميسورة، كما أنه استشار العديد من العلماء عندنا فوافقوا على القرض، هل أوافق على الزواج منه لأنه يصر على الزواج هل سأرتكب إثما إذا تزوجته؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
كراهتك للربا، ورفضك الزواج ممن تعامل به، أمر يحمد لك، وتشكرين عليك، ونسأل الله أن يزيدك إيمانا وعلما وتقى.
ثانيا:
الاقتراض بالربا محرم تحريما شديدا، لما جاء في الربا من الوعيد، كما في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278، 279.
وما روى مسلم (1598) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ.
وهذا الاقتراض محرم، ولو كان لشراء منزل للسكنى، وانظري جواب السؤال رقم (21914) و (22905) .
ثانيا:
إذا كان هذا الشاب مرضي الدين والخلق، فاستخيري الله تعالى واقبلي الزواج منه، ولا إثم عليك في ذلك، فإنه لا تزر وازرة وزر أخرى، وأما هو فعليه أن يتوب إلى الله تعالى، وأن يعزم على عدم العود إلى ذلك مستقبلا، ونرجو أن يعفو الله عنه؛ لأن أقدم على هذا العمل اعتمادا على قول العديد من العلماء، كما ذكرت، والصواب هو ما ذكرناه، وشراء البيت ليس ضرورة تبيح الربا، فإن الحاجة إلى المسكن تندفع بغير ذلك، كأن يكتفي باستئجار منزل مناسب.
وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5233)
هذا هو عين الربا
[السُّؤَالُ]
ـ[أحب شخص أن يقترض مالاً من أحد البنوك بدون فائدة لكون الفائدة تعتبر رباً، ولكن أحد المسؤولين في ذلك البنك قال له: إذا كُنت تريد أن تبتعد عن الربا، بإمكانك أن تأخذ منا مليوناً وبعد سنة إذا كان عندك مقدرة تعطينا مليونين، مليون حقنا، ومليون يبقى عندنا على مدار السنة مقابل السنة التي يبقى مليوننا عندك، وبعد السنة تأخذ مليونك، فهل هذا يعتبر رباً أم لا؟ أفيدونا مأجورين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا هو عين الربا، هذا لا يجوز بكل حال لأن الغرض من القرض هو الإرفاق والمصلحة للمسلم، فقد جاء عن ابن عباس رضي الله عنه أن القرض مرتين بمنزلة صدقة فإذا أقرضك البنك مليون ريال لمدة سنة وبعد مضي السنة ترد عليه المليون الذي اقترضته منه وتعطيه زيادة مليون يبقى عنده لمدة سنة في مقابل قرضه لك فهذا محرم باتفاق المسلمين، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كل قرض جر منفعة فهو ربا) أخرجه البغوي بهذا اللفظ، فهو أقرضك مليون ريال واشترط أن تعطيه مليون زيادة على حقه من أجل أن يبيع فيه ويشتري فيختص بهذا الربح فهذا الشرط جر نفعاً فهو شرط باطل باتفاق المسلمين فما عليك يا أخي إلا أن تعطي البنك المليون الذي اقترضه فقط من غير أن تعطيه مليون آخر ينتفع به لمدة سنة، فهذا لا يجوز باتفاق العلماء فليس للبنك إلا رد ماله فقط لأن الله يقول: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين، فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تُظلمون) البقرة/278-279.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى سماحة الشيخ عبد الله بن حميد ص 185(5/5234)
اقترض بالربا لشراء منزل ويطالبه البنك بالفائدة
[السُّؤَالُ]
ـ[أراد والدي شراء البيت الذي نسكن فيه، وتقدم بطلب قرض من البنك فأعطوه نصف المبلغ فقط، وبعد استلامه رفض صاحب البيت البيع لأن المبلغ غير كاف، ولهذا فالوالد لابد أن يسدد كل شهر على مدى 15 سنة بالفوائد التي هي 8.5 في المائة، الآن نريد أن نعرف ما حكم هذا المبلغ؟ وكيفية التصرف فيه؟ وما حكم الوالد في الشرع؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
قد أخطأ والدك خطأ عظيما حين اقترض بالربا، ولو كان بغرض شراء المنزل، وقد جاء في الربا من الوعيد الشديد ما يجعل المؤمن يبتعد عنه، مهما كانت الأسباب والمبررات.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِه) البقرة/279.
ولعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء. رواه مسلم (1598) .
والله تعالى قد أخبر أنه يمحق الربا، ولهذا لا يتعامل أحد بالربا في الغالب إلا وتضيق عليه معيشته، ولا يبارك له في ماله، وعامة الذين يقترضون من البنوك يقعون في ضرر كبير، من الحجز على ممتلكاتهم وبيعها، وقد ينتهي الأمر في النهاية بأسوأ من هذا، وفي هؤلاء ـ وغيرهم ـ عبرة، إلا أن قليلاً من الناس هم الذين يعتبرون.
والواجب على والدك التوبة إلى الله تعالى، بالندم على ما فات والعزم على عدم العود.
ثانيا:
فيما يخص القرض الربوي، فعلى والدك أن يذهب إلى البنك ويخبرهم برغبته في سداد المبلغ الآن بدلاً من تقسيطه على 15 سنة، وفي هذه الحالة فإنهم سيخفضون الفائدة عن 8.5 في المئة، فإن لم يمكن هذا وأبقوا الفائدة كما هي، فإنه إن تاب توبة نصوحاً فعلاً، وندم على ما فات، فإننا نرجو أن يعفو الله عنه، ولينتفع بهذا المال فيما يشاء، ويسدد أقساطه كل شهر.
ونسأل الله تعالى أن يتوب عليه، وأن ييسر له أمره.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5235)
يطلب منهم أثناء الدراسة التدرب لمدة شهر في بنك ربوي
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب بالسنة الثالثة بمدرسة للتجارة والتسيير ويطلب منا القيام بتدريب لمدة شهر بإحدى الشركات أو البنوك , وأنا أفكر دوما بالعمل ببنك إسلامي , لكن لا يوجد عندنا أي بنك إسلامي، أود أن أسألكم عن حكم القيام بهذا التدريب بالبنوك الربوية من أجل كسب التجربة؟ وإن كانت هناك مكافأة في آخر التدريب فما حكمها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نحمد الله تعالى أن بصرك بالحق، فأدركت حرمة الربا، وحرمة العمل في مجاله، ونسأل الله تعالى أن يزيدك علما وهدى، وأن ييسر لك الخير حيث كان.
ثانيا:
لا يجوز العمل في الشركات أو البنوك الربوية، لما في ذلك من التعاون على الإثم والعداون، وقد قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2، كما ورد لعن من أعان على الربا بالكتابة والشهادة، كما في الحديث الذي رواه مسلم (1598) عن جابر رضي الله عنه قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء) .
وعليه فلا يجوز التدرب في هذه البنوك، إذا تضمن ذلك مباشرة الأعمال الربوية أو الإعانة عليها، إلا أن يضطر الطالب لذلك، بحيث لا يجد وسيلة للتخلص منه، فيجوز له الحضور، بشرط كراهته للربا، وإنكاره له، وامتناعه عن المشاركة في أي عملية ربوية، بل ينصح ويبين لهم حرمة الربا، ويستفيد التعرف على الإجراءات المتبعة فيه، ليكون منها على بصيرة.
وأما المكافأة التي تصرف له في نهاية التدريب، فيأخذها، ويتخلص منها بإعطائها للفقراء والمساكين، لأنه مال خبيث بذل في مقابل العمل المحرم.
وينظر جواب السؤال رقم (81915) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5236)
هل يأخذ الفوائد البنكية ليسدد بها الضرائب؟
[السُّؤَالُ]
ـ[الدولة عندنا تفرض ضرائب على المقيمين من مواطنين وغيرهم، وهذه الضرائب لها حالات ترتفع فيها ارتفاعا باهظا، وحالات أخرى تكون فيها طبيعية. وبعض الناس يرى أن هذه الضرائب تؤخذ منه بدون حق، ولذلك تجده يأخذ الفوائد البنكية على حسابه البنكي بحجة أنها تغطي الضرائب المأخوذة منه بدون حق أو جزءا منها. فما هو رأيكم في ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز إيداع الأموال في البنوك الربوية، إلا لضرورة حفظ المال، عند عدم وجود بنك إسلامي خالٍ من الربا. ويجب الاقتصار حينئذ على الإيداع في الحساب الجاري [أي: بدون فوائد] ، ارتكابا لأخف الشرين، ولأن الضرورة تقدر بقدرها.
فإن ترتب على الإيداع فائدة، فالواجب التخلص منها، وإنفاقها في أوجه البر المختلفة.
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: أفيد فضيلتكم أنني أحد الطلبة في بريطانيا، وحيث إنه تفرض علينا ضرائب من قبل الحكومة، مثل ضريبة الطرق وضريبة أخرى مقدارها 15% على المواد التي نقوم بشرائها غير المواد الغذائية، وملابس الأطفال، وحاليًا تم تطبيق ضريبة جديدة على الخدمات البلدية، التي تقدمها بلدية المدينة، مثل: التعليم، النظافة، المسابح، المتنزهات، أماكن الترفيه والخدمات الاجتماعية، وحيث إننا لا نستفيد من معظم هذه الخدمات، حيث إنها تتعارض مع تعاليم ديننا الحنيف، ونستفيد فقط من التعليم والنظافة وملاعب الأطفال، ومن المفروض علينا دفع هذه الضريبة والتي تتراوح ما بين 3000 إلى 4000 ريال سعودي في السنة، والسؤال: هل يجوز لي أن أضع مبلغًا من المال في حساب الإيداع وهو حساب ربوي (يتعامل بالربا) ويعطي أرباحًا تصل إلى 12% في السنة، وأقوم بتسديد بعض هذه الضرائب من الأرباح أو الفوائد التي أتحصل عليها من هذا الحساب؟ حيث إن تسديد هذه الضرائب سوف يضيف إلى أعبائي المادية.
فأجابت: "لا يجوز لك أن تودع بفائدة لتسديد ما يترتب عليك من الضرائب من هذه الفائدة؛ لعموم أدلة تحريم الربا" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز.. الشيخ عبد الرزاق عفيفي.. الشيخ عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (13/366) .
وهذا فيمن أراد أن يتعامل بالربا ليسدد الضرائب التي عليه من الفوائد الربوية، أما من كان يتعامل بالربا أو وضع الأموال في البنك وهو لا يدري أنهم يعطونه عليها فوائد، ثم أراد التوبة من الربا والتخلص من هذه الفوائد، فلا حرج عليه من دفعها في الضرائب، ليدفع بذلك الظلم عن نفسه، وقد سألنا فضيلة الشيخ يوسف الشبيلي عن ذلك فأفاد بأنه لا حرج من دفع الضرائب من الفوائد الربوية، لكن بشرط أن لا يتعامل بالربا من أجل دفع الضرائب.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5237)
البنك يطلب منه فتح حسابين أحدهما للتوفير بدعوى حماية ماله
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي حساب في بنك ربوي بدون فوائد, وعند وصول حسابي إلى مبلغ معين كلمني المسئول عن حسابي وطلب مني أن أفتح حسابا آخر لحماية مالي حيث يصبح لدي حسابان؛ واحد أتعامل به بواسطة بطاقة الائتمان ودفتر الشيكات ولا آخذ عليه فوائد , والآخر أدخر فيه أغلبية مالي وأستطيع السحب منه بالذهاب شخصيا إلى البنك وآخذ عليه فوائد , فهم إذاً يجبرونك على فتح حساب آخر وأخذ الفائدة عليه لحماية حسابك الأصلي! هل يجوز ذلك علما أن الحساب في البنك الربوي يعتبر من الضروريات في بلاد الكفر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا يجوز إيداع المال في البنوك الربوية إلا عند الاحتياج لذلك مع عدم وجود البنوك الإسلامية، ويقتصر حينئذ على الإيداع في الحساب الجاري بدون فوائد، من باب ارتكاب أهون الشرين، وإلا فإن فتح الحساب الجاري في البنك الربوي محرم أيضا، لكنه دون تحريم حساب التوفير، ووجه التحريم أن البنك يستفيد من هذا المال، ويستعين به على أعماله المحرمة من ربا وغيره.
لكن إذا خاف الإنسان على ماله، جاز له هذا الإيداع.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/346) : " لا يجوز إيداع النقود ونحوها في البنوك الربوية ونحوها من المصارف والمؤسسات الربوية، سواء كان إيداعها بفوائد أو بدون فوائد؛ لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان، وقد قال تعالى: (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) ، إلا إذا خيف عليها من الضياع، بسرقة أو غصب أو نحوهما، ولم يجد طريقا لحفظها إلا إيداعها في بنوك ربوية مثلا، فيرخص له في إيداعها في البنوك ونحوها من المصارف الربوية بدون فوائد محافظة عليها؛ لما في ذلك من ارتكاب أخف المحظورين " انتهى.
ثانيا:
إذا كان إبقاء المال في حساب واحد يمثل خطرا عليه، فلا مانع من فتح حساب آخر – بغير فوائد -، بعد التحقق مما يدعيه البنك بهذا الخصوص. وإن كان الخطر لا يزول إلا بفتح حساب توفير، جاز ذلك، مع عدم الانتفاع بالفائدة، بل تصرف في مصالح المسلمين، كالمدارس والمستشفيات والفقراء والمساكين ونحو ذلك.
لكن ينبغي أن لا تقدم على هذا التصرف حتى تتأكد من وجود الخطر المدعَى، كما سبق، ويزداد الأمر هنا تأكيدا؛ لعظم حرمة الإقراض بالربا، فقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله، ومعلوم أن حساب التوفير يعتبر قرضا منك للبنك، بفائدة، وهذا هو القرض الربوي.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5238)
عمل مفوضا لشركة لدى البنوك ثم تاب لكنه سلم العمل لشخص آخر ودربه عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في شركة تتعامل مع البنوك وكنت أنا المفوض من الشركة لدى البنوك، والحمد لله تبت من هذا العمل، ولكني سلمت عملي مع البنوك لشخص آخر سيتعامل هو بدلا منى مع البنك، فإن كان ما فعلت حراما فما علي؟ وهو يعمل الآن بما علمته من كيفية التعامل مع البنوك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التعامل مع البنوك الربوية إن اقتصر على الإيداع في الحساب الجاري بدون فوائد ربوية، لعدم وجود بنوك إسلامية، ولحاجة الشركات إلى هذا الإيداع، لحفظ المال، وتمكينها من التجارة، فلا حرج في ذلك.
وإن كان التعامل معها يشمل أمورا محرمة كالاقتراض منها مباشرة، أو تحت صور أخرى كالشراء عن طريقها، وفتح الاعتماد لديها، ونحو ذلك، فهذا التعامل محرم، ولا يجوز لأحد أن يمارسه، لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان، وشهود الربا وإقراره.
قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2.
وروى مسلم (1598) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ.
وعليه فإذا كان تعامل الشركة مع البنوك بهذه الصورة، فقد أحسنت في خروجك من هذا العمل، ونسأل الله تعالى أن يتقبل توبتك، وقد أخطأت في دلالة غيرك عليه، لأنه دلالة وإعانة على محرم، والواجب حينئذ هو بيان الحكم الشرعي لهذا الأخ ونصحه، مع التوبة إلى الله تعالى، فإن استجاب فالحمد لله، وإن لم يستجب فقد أديت ما عليك.
نسأل الله لك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5239)
يعمل أمين صندوق وقد يكتب شيكا يتضمن قرضا ربويا
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل أمين صندوق وأقوم بعمل شيك مصرفي وأحيانا يكون الرصيد في البنك لا يغطي مبلغ الشيك ويكون صرف الشيك من البنك كقرض للمؤسسة بفائدة فهل علي ذنب أنا الذي أكتب الشيك؟ وكذلك الشخص الذي يقوم بإيداع الشيك عليه ذنب؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز التعامل بالربا، ولا الإعانة على ذلك بأي وجه من الوجوه؛ لقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2، ولما روى مسلم (1598) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ) .
فالشيك الذي يتضمن الإقراض أو الاقتراض بالربا لا يجوز كتابته ولا الإعانة عليه، وفاعل ذلك معرض نفسه للعن والطرد من رحمة الله.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: ما المقصود بكاتب الربا في حديث جابر برواية مسلم قال لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء. فهل كاتب الربا هو كاتب تلك الواقعة فقط؟ أم ممكن يكون أي فرد آخر بعيد تماما عن المنشأة الربوية، إلا أنه بواقع عمله كمحاسب يقوم بجمع أرقام أو طرح أرقام في دفاتر أخرى غير المستندات الربوية، حيث يلزم ذلك، فهل يعتبر ذلك المحاسب كاتب ربا، أم اللفظ خاص بكاتب تلك الواقعة لا يتعدى لغيره ولا يتعدى اللعن لغيره؟
فأجابوا:
"حديث لعن كاتب الربا عام، يشمل كاتب وثيقته الأولى، وناسخها إذا بليت، ومقيد المبلغ الذي بها في دفاتر الحساب، والمحاسب الذي حسب نسبة الربا وجمعها على أصل المبلغ، أو أرسلها إلى المودع ونحو هؤلاء. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (15/5) .
فالحذر الحذر من المشاركة في هذا الإثم العظيم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإٍسلام سؤال وجواب(5/5240)
اشتراط غرامة التأخير في البيع بالتقسيط
[السُّؤَالُ]
ـ[يقوم مصرف بتوزيع سيارات على ثلاثة أشخاص نظام شركة بمبلغ مؤجل وهو ثلاث وعشرون ألفا وقيل لي إن العقد يحتوي على بند فيه غرامة في حالة التأخر في التسديد مع العلم أن القسط الشهري هو 270 دينارا يعني أني أستطيع الوفاء بالعقد أنا وشركائي بسهولة ويسر أفيدونا رحمكم الله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يشترط لهذه المعاملة أن يملك المصرف السيارة ملكا حقيقيا، بأن يشتريها، ويحوزها، لا أن يكون مجرد وسيط بينك وبين مالك السيارة؛ واختلال هذا الشرط يعني أحد أمرين:
الأول: أن البنك باع ما لا يملك، وهذا محرم.
والثاني: أن البنك ليس بائعا في الحقيقة، ولكنه مقرض بفائدة، يدفع عنك للشركة مائة – مثلا – على أن يستردها منك 120 مقسطة، وهذا ربا، لا يخفى.
ثانيا:
اشتراط المصرف غرامة عند التأخير في سداد الأقساط، هو عين الربا، فلا يجوز لأحد أن يشارك في عقد كهذا، ولو كان متيقنا من قدرته على السداد؛ لأنه إقرار للعقد الربوي، والتزام به، وذلك محرم، وقد صدر عن مجمع الفقه الإسلامي قرار بتحريم غرامة التأخير التي يفرضها المصرف عند تأخير العميل في السداد.
جاء في قرار المجمع الفقهي رقم: 133 (7/14) في دورته الرابعة عشرة بالدوحة ما نصه: "إذا تأخر المشتري المدين في دفع الأقساط عن الموعد المحدد فلا يجوز إلزامه أي زيادة على الدين بشرط سابق، أو بدون شرط، لأن ذلك ربا محرم " انتهى.
وعليه فإذا كان المصرف يفرض غرامة على التأخير لم يجز لكم شراء السيارة منه، وكذا لو كان لا يملك السيارة وإنما يتوسط لدفع المبلغ عنكم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5241)
بنى أبوه البيت بالقرض الربوي فهل يتزوج فيه
[السُّؤَالُ]
ـ[أهلي يريدونني أن أتزوج ولكنني لا أستطيع فطلبوا مني أن أبني حجرة داخل سور البيت فقبلت ذلك وبعد ذلك علمت أن هذا البيت مبني من الربا وكذلك السور فرفضت وأخذ والدي هذا القرض قبل أن يعرف بحرمته. فبماذا تنصحوننا أنا ووالدي؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان والدك قد اقترض هذا المال قبل علمه بحرمة القرض الربوي، فنسأل الله أن يتجاوز عنه، وعليه أن يتوب إلى الله تعالى من التقصير في طلب العلم الواجب وسؤال أهله، ولا حرج عليكم في السكن في هذا البيت، والاستفادة من الحجرة، مع العزم على عدم العودة إلى الربا، وسؤال أهل العلم قبل الدخول في المعاملات المالية المنتشرة في هذه الأزمنة، والتي قد تشتمل على صور من المحرمات لا يعلمها كثير من الناس.
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عمن اقترض بالربا، فبنى به بيتا، ويسأل هل يهدم المنزل مع أنه أخذ القرض غير عالم بحرمته؟
فأجابت: " إذا كان الواقع كما ذكرت، فما حصل منك من القرض بهذه الكيفية حرام، لأنه ربا، وعليك التوبة والاستغفار من ذلك، والندم على ما وقع منك، والعزم على عدم العودة إلى مثله، أما المنزل الذي بنيته فلا تهدمه، بل انتفع به بالسكنى أو غيرها، ونرجو أن يغفر الله لك ما فرط منك " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/411) .
ونسأل الله أن يعينك على أمر الزواج وأن ييسر لك أسباب الخير والفلاح.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5242)
تشارك زوجها في شراء شقة وماله قد اقترضه بالربا
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا وزوجي نشتغل في نفس المؤسسة , في إطار أعمالها الاجتماعية لفائدة الموظفين قامت المؤسسة ببناء ثلاث عمارات وبيع شققها برأس المال أي بثمن إنجازها وهذه أثمان غير موجودة في السوق. وبما أننا نحن الاثنان نشتغل في المؤسسة, كنا في لائحة المستفيدين على أساس أن يكون لكل واحد منا نصيب خمسين بالمائة. سؤالي الأول هو: إذا اقترضنا من المؤسسة لشراء هذه الشقة مع العلم أن هذا الاقتراض يكون بفائدة صغيرة, ثم إن المؤسسة تقوم بإعانة بنسبة 12.5 بالمائة من المبلغ المقترض, هل هذا حرام ويعتبر ربا؟ سؤالي الثاني: بالنسبة لي, أستطيع أن أقترض من أختي ثمن نصيبي من الشقة, أما زوجي إذا اقترض من البنك بالفائدة وكانت هذه هي وسيلته الوحيدة, هل الذنب يقع عليه وحده أم نحن الاثنين- وما العمل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا كان شراء الشقة يتم عن طريق الاقتراض من المؤسسة بفائدة، فهذا الاقتراض هو الربا المحرم، مهما كانت الفائدة صغيرة أو كبيرة.
وعليه؛ فلا يجوز الدخول في هذه المعاملة، لما جاء في الربا من التحريم والوعيد الشديد، كقوله تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ. يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) البقرة/275،276، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278،279.
وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال: هم سواء. رواه مسلم (1598) من حديث جابر رضي الله عنه.
فالحذر الحذر من الوقوع في هذا الذنب العظيم، والكبيرة الموبقة.
ثانيا:
الواجب عليك أن تنصحي زوجك بالابتعاد عن الربا، فإن الله تعالى يمحق الربا، ولا يبارك فيه، والواجب على المؤمن أن يستعد للقاء الله تعالى، ويعمل لذلك، ويعلم أن الله تعالى إنما حرم عليه ما حرم لأجل ضرره وخبثه، وقد جاء في وصف النبي صلى الله عليه وسلم: (وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ) الأعراف/158.
فإن أصر زوجك على الاقتراض بالربا، فإثم ذلك يقع عليه وحده.
نسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5243)
هل يقترض قرضا ربويا إذا كان في نيته ألا يدفع الفائدة
[السُّؤَالُ]
ـ[ي هو أن أحد الأشخاص يقيم في دولة أجنبية ويريد أخد قرض من أحد البنوك هناك ويرجع إلى بلده ويشتغل بالمال ثم يعيد القرض بدون فائدة بمعني إذا اقترض 10000 دولار مثلا والفائدة هي 5000 دولار مثلا فهو سيعيد فقط 10000 دولار حتى لا يقع في الربا, فهل هذا يعتبر سرقة مادام تم الاتفاق على الفائدة.. وحتى لو كان الطرف الآخر غير مسلم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
عقد القرض المشتمل على الربا، عقد محرم شرعا، لا يجوز الدخول فيه، ولو كان في نية المقترض ألا يدفع الفائدة، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء. رواه مسلم (1598) .
والتوقيع على الربا والدخول في عقده التزام بدفع الربا الذي حرمه الله ورسوله، فقد يشمله هذا الوعيد.
ثانياً:
الربا محرم، ومن كبائر الذنوب، سواء تم بين مسلمين أو بين مسلم وكافر، وذلك لعموم الأدلة من الكتاب والسنة التي تحرم الربا، ولم تستثن منه ما كان بين مسلم وكافر، وانظر جواب السؤال رقم (8141) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5244)
حكم جائزة دفتر التوفير في البنك الإسلامي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم جائزة دفتر التوفير في البنك الإسلامي؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يُعرف حكم جوائز التوفير في البنوك بعد معرفة طبيعة عمل البنك نفسه، أما البنوك الربوية فإنه لا يجوز الادخار بها، ولا أخذ جوائز دفاتر التوفير فيها، وما بُني على باطل فهو باطل، ودفاتر التوفير في البنوك الربوية حقيقتها أنها قرض بفائدة، فالبنك يكون ضامناً لمبلغ العميل، ويدفع لصاحب المال فائدة ربوية بحسب اتفاقه معه عليها.
وأما البنوك الإسلامية فإنه لا حرج من أخذ جوائز دفاتر فيها، على أن تكون هذه البنوك إسلامية واقعاً وحقيقة لا اسماً ورسماً فقط، ولا يضمن البنك الإسلامي مال الموفِّر بل يتعرض معه للربح والخسارة، ولا يعطي مبلغاً ثابتاً إن ربح بل نسبة متفقاً عليها بينهما.
وللوقوف على مواصفات البنوك الإسلامية: انظر جواب السؤال (47651) .
وانظر جواب السؤال رقم: (67657) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5245)
تب إلى الله ولا يلزمك التعجيل بسداد القرض الربوي
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت وعشت في شقة صغيرة لمدة 4 سنوات وعندما رزقت بالولد أردنا أن نستبدل شقتنا بشقة أكبر فبعت هذه الشقة ووضعت ثمنها كمقدمة50% للشقة الجديدة في مدينة جديدة وأردت أن أقسط بقية الثمن مع المدينة ولكني فوجئت أن نظام المدينة في التقسيط مجحف ولن يراعوا أني دفعت نصف ثمن الشقة وسيأخذون الفوائد على المبلغ كله فاضطررت إلى أن آخذ قرضاً من البنك بفوائد ربوية ومن يومها وأنا محتار هل ما فعلته يمكن أن يكون في بند المضطر أم لا؟ وهل إذا كان حراما فهل أبيع سيارتي القديمة لأسدد جزءا من هذا القرض على سبيل التكفير الجزئي لما اقترفته وأحاول أن اشترى سيارة بالقسط بعد مدة طالما أن القسط حلال كما قرأت، أستحلفكم بالله أعينوني فأنا أعيش في بلد دار إفتاؤه تحلل أغلب المسائل الفقهية بسهولة ويسر وعندما ذهبت إليهم أحلوا لي القرض، وأنا أعلم أنه حرام.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الاقتراض من البنوك أو غيرها بنظام الفائدة هو صورة من ربا الجاهلية الذي هدمه الإسلام، وحرمه تحريما شديدا، ورتب عليه من الوعيد ما لم يرتبه على غيره من الذنوب. وشراء المنزل لا يعد ضرورة تبيح الربا؛ إذ الضرورة ما يترتب على فقدها الهلاك أو ما يقاربه، والحاجة إلى السكن يمكن دفعها بالاستئجار، أو البقاء في السكن الصغير، إلى أن يوسع الله.
وقد كان خيراً لك أن تتحمل الظلم بزيادة ثمن الشقة، بدلاً من أن تلجأ إلى التعامل بالربا. ولهذا فالواجب عليك هو التوبة إلى الله تعالى من هذا الذنب العظيم، والعزم على عدم العود إليه أبدا.
وراجع السؤال رقم (39829)
واعلم أنك كلما تعجلت في سداد هذا القرض فهو أفضل، حتى تتخلص من آثار الربا وشؤم عاقبته، لكن لا يلزمك ذلك، وعليه فلا يلزمك بيع سيارتك لتسدد جزءاً من الدين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5246)
هل يقترض بالربا من أجل أن يعالج ابنه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل عنده ثلاثون ألف ريال، وعنده ولد مريض قرر الأطباء إجراء عملية له تكلفتها ستون ألف ريال، ولم يجد من يقرضه المبلغ المتبقي، ولم يجد طريقة أخرى فاستثمر المبلغ الثلاثون ألف ريال في الربا فأصبح ستين ألف ريال فعالج ابنه به وهو يقول: الضرورات تبيح المحذورات، فما حكم ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تجب عليه التوبة إلى الله من المعاملة الربوية؛ لأن الحاجة لا تبيح المعاملات الربوية، ولا يسمى مثل هذا الواقع ضرورة؛ لأن العلاج للمريض مستحب وليس بواجب؛ ولأن في إمكانه أن يستدين بالقرض، أو بشراء سلعة بثمن مؤجل، ثم يبيعها بثمن معجل أقل من المؤجل، إلى غير ذلك من الأسباب التي تعينه على قضاء حاجته، نسأل الله أن يوفقنا وإياه للتوبة النصوح، والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
" فتاوى الشيخ ابن باز " (19 / 200) .(5/5247)
احتاج سداد أجرة البيت ولم يجد من يقرضه فهل يقترض بالربا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا احتاج الرجل إلى شيء من المال لنفقات البيت، أو تسديد أجرة البيت، ونحو ذلك، ولم يجد من يقرضه ولا من يستدين منه: فهل يجوز له أن يستدين من البنك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن كانت الاستدانة من البنك على طريقة شرعية؛ كأن يأخذ منه قرضا بمثله من دون زيادة، أو يشتري منه سلعة إلى أجل معلوم - ولو بأكثر من ثمنها الحاضر -: فلا بأس، أما إذا اقترض منه على وجه الربا: فهذا لا يجوز؛ لأن الله سبحانه حرم الربا في كتابه العظيم، وسنة رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام، وورد فيه من الوعيد ما لم يرد في أكل الميتة، ونحوها، قال الله سبحانه: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) قال أهل التفسير: معنى ذلك أنه يقوم من قبره يوم القيامة كالمجنون، ثم قال الله سبحانه بعد ذلك: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ. يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ) .
وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء. رواه مسلم في صحيحه، والآيات والأحاديث في تحريم الربا والوعيد عليه كثيرة مشهورة، وليس عدم المحتاج من يقرضه أو يبيع عليه بالدين يجعله في حكم المضطر الذي تباح له الميتة أو الربا، هذا قول لا وجه له من الشرع؛ لأن في إمكان المحتاج أن يعمل بيده حتى يحصل ما يسد حاجته، أو يسافر إلى بلاد أخرى حتى يجد من يقرضه أو يبيع عليه بالدين إلى أجل.
والمضطر هو الذي يخشى على نفسه الموت إذا لم يأكل من الميتة ونحوها بسبب شدة المجاعة وعدم قدرته على ما يسد رمقه بالكسب ولا بغيره، وليست حاجة هؤلاء الذين يعاملون البنوك بالربا في حكم الضرورة التي تبيح الميتة ونحوها.
وكثير من الناس سهل عليهم أمر الربا حتى صار يعامل فيه ويفتي الناس به بأدنى شبهة، وما ذاك إلا لقلة العلم، وضعف الإيمان، وغلبة حب المال على النفوس، نسأل الله السلامة والعافية مما يغضبه، ومهما أمكن عدم التعامل مع البنك وعدم الاقتراض منه - ولو بالطرق الشرعية التي ذكرنا آنفا - فهو أولى وأحوط؛ لأن أموال البنك لا تخلو من الحرام غالباً، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه) متفق عليه، والله المستعان.
[الْمَصْدَرُ]
" فتاوى الشيخ ابن باز " (19 / 301 - 303) .(5/5248)
عرض عليه البنك تجميد جزء من حسابه مقابل فائدة
[السُّؤَالُ]
ـ[لدى زوجي حساب جاري في أحد البنوك الأجنبية، ولأن حركة الحساب نشطة جداً بسبب عمله عرض عليه البنك تجميد مبلغ معين مقابل الحصول على مبلغ 40.000 درهم شهرياً ولا أعرف إن كان يعتبر هذا ربا أو لا؟ والمشكلة أن زوجي لا يقتنع بأنه ربا، وذلك لأن الربا- من وجهة نظره - يكون باستغلال ظروف الناس (من محتاجين ومرضى ومضطرين) وزيادة الفائدة عليهم , وهو يقول: إن البنك ليس بحاجة إلى أموالي. فأرجو معرفة الحكم الشرعي لهذه الحالة؟ وإن كانت ربا فكيف أقنعه بذلك علماً أنه مسلم من الطائفة العلوية، وليست لديه الثقة الكافية بالعلماء والشيوخ وبذات الوقت يقول إن القرآن حرم الربا ولكن ليس في مثل هذه الحالات وأن الفتاوى غالباً ما تكون شخصية وغير مقنعة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
قبل أن ننصح زوجك فيما يتعلق بالربا، نرى أن الواجب علينا أن ننصحه فيما هو أهم، وهو المذهب العلوي، والمذهب العلوي له عقائد كثيرة يخالف بها عقائد المسلمين، ولذلك فالمرجو من زوجك أن يراجع تلك العقائد، ويرفض منها ما يتعارض مع الإسلام، ويعتقد ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد ذكرنا في جواب السؤال رقم (109264) نبذة عن الطائفة العلوية، فليرجع إليه.
ثانياً:
تجميد الحساب في البنك في مقابل الحصول على مبلغ 40.000 درهماً، هو عين الربا، لأن حقيقة هذه المعاملة أنها قرض بفائدة، ولا يؤثر في هذا كون البنك محتاجا أو غير محتاج، فكل قرض جر نفعا فهو ربا بإجماع العلماء، وحقيقة القرض هي: أخذ المال ورد بدله، فإن حصل الاتفاق على رده بزيادة ولو درهماً واحداً، فهذا ربا بلا شك.
وليس في القرآن أو السنة تقييد الربا بما أُخذ من المحتاجين أو المرضى أو المضطرين، بل الربا أبواب كثيرة، منها القرض بالفائدة، ومنها ربا البيوع: كمبادلة الذهب بالذهب بزيادة، أو الفضة بالفضة بزيادة، أو التمر بالتمر بزيادة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الربا اثنان وسبعون بابا، أدناها مثل إتيان الرجل أمه) رواه الطبراني في الأوسط، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (3537) .
وقال صلى الله عليه وسلم: (درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد عند الله من ستة وثلاثين زنية) رواه أحمد والطبراني وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (3375) .
وهذا الوعيد الشديد يهز قلب كل مؤمن ومؤمنة، ويمنعه من الوقوع في هذا الجرم العظيم. وقد توعد الله آكل الربا بالحرب فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278، 279.
فمن الذي يرضى لنفسه ذلك، ومن الذي يقدر على ذلك؟!
وقد أخبر الله تعالى أن الربا ممحوق البركة، مذموم العاقبة، فقال: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) البقرة/276.
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن اللعنة تنزل على آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه، فروى مسلم (1598) عن جابر رضي الله عنه قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا، ومؤكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال: هم سواء) .
فما قيمة المال إن كان الله لا يبارك فيه، وإن كانت اللعنة تنزل على صاحبه؟!
ولهذا نرى كثيرا من أكلة الربا تضيع أموالهم في غير نفع؛ لأنه لا بركة فيها، مع ما يشعرون به من الهم والغم وضيق الصدر، وهذا أثر من آثار المعصية، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى، نسأل الله السلامة والعافية.
فعلى العاقل أن يرضى بالحلال، وأن يقنع به، وألا يلهث خلف الحرام، فإنه لن يجني منه إلا الخسار والبوار.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5249)
أهداها أبوها أسهما في بنك ربوي فماذا تعمل بها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أهداني أبي 50 سهما من أسهم بنك الرياض، وأنا أعرف أن بنك الرياض من البنوك الربوية، وأبي كان من المساهمين، وساهم باسمي منذ أن كنت طفلة والآن كبرت، وأعطاني إياها، ما العمل في هذه الأسهم؟ هل حلال أن أبيعها وأن أضارب بها بأسهم شركات نقية وأستفيد من المبلغ الذي يتكون من المضاربة أو أتصدق؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز شراء أسهم البنوك الربوية، وعلى من ابتلي بشيء من ذلك أن يتوب إلى الله تعالى، وأن يأخذ رأس ماله، ثم يتخلص من الباقي بإنفاقه في مصالح المسلمين وأوجه الخير.
ولما كانت هذه الأسهم محرمة، فإن الأصل أنه لا يجوز لك بيعها على أحد، بل سبيل الخروج منها هو ردها على البنك، فإن تعذر ذلك، جاز لك بيعها، وأخذ رأس المال الذي وضع فيها، والتخلص من الباقي كما سبق.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: كان لي مساهمات في شركة، وأفلست هذه الشركة قبل 25 عاما، وكان هناك أوصياء على الشركة، اشتروا بالمبلغ المتبقي أسهما في بنك الرياض قبل 25 عاما، بمبلغ 1000 ريال للسهم الواحد، والآن ثمن السهم الواحد ثلاثين ألف، وأنا بحاجة لهذا المبلغ، فهل يجوز لي أن آخذ المبلغ الحالي للسهم؟ علما بأن شراءهم لأسهم هذا بنك الرياض تم بدون علمنا طيلة هذه المدة.
فأجابوا: "تسلم المبلغ كله، أصله وفائدته، ثم أمسك أصله؛ لأنه ملك لك، وتصدق بالفائدة في وجوه الخير؛ لأنها ربا، والله يغنيك من فضله ويعوضك خيرا منها، ويعينك على قضاء حاجتك، ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب، ومن يتوكل على الله فهو حسبه.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم" انتهى.
عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. عبد الرزاق عفيفي.. عبد الله بن غديان.. عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (13/506) .
وسئلوا أيضا (13/508) : ما حكم المساهمة في الشركات والبنوك؟ وهل يجوز للشخص المكتتب في شركة أو بنك أن يبيع الأسهم الخاصة بعد الاكتتاب على مكاتب بيع وشراء الأسهم، ومن المحتمل بيعها بزيادة عن قيمة ما اكتتب به الشخص؟ وما حكم الفائدة التي يأخذها المكتتب كل سنة عن قيمة أسهمه المكتتب فيها؟
فأجابوا: "المساهمة في البنوك أو الشركات التي تتعامل بالربا لا تجوز، وإذا أراد المكتتب أن يتخلص من مساهمته الربوية فيبيع أسهمه بما تساوي في السوق، ويأخذ رأس ماله الأصلي فقط، والباقي ينفقه في وجوه البر، ولا يحل له أن يأخذ شيئاً من فوائد أسهمه أو أرباحها الربوية، أما إن كانت المساهمة في شركة لا تتعامل بالربا فأرباحها حلال " انتهى.
ولا تتأسفي على فوات هذا المال، فإنه مال حرام لا خير لك فيه، ويرجى أن يعوضك الله خيرا منه، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه.
وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5250)
هل يبيع منزله لشركة تمويل إسلامي ليسدد ما تبقى من القرض الربوي
[السُّؤَالُ]
ـ[أعيش بكندا ومنذ خمسة سنوات، قمنا بارتكاب جريمة الربا بشرائنا منزلنا هذا بقرض من بنك محلي على أساس فتاوى عديدة من شيوخ عدة (سامحهم الله) . منذ عامين تقريباً لقد هدانا الله للإسلام وكأننا نعرفه لأول مرة. ظهرت مؤخراً شركات مالية في كندا للتمويل الإسلامي (أو كما يدعون) ، التالي هو شرح مختصر لأسلوبهم في تحويل قرضي الربوي من البنك لتمويل إسلامي على أساس المشاركة: اتفقت الشركة الإسلامية مع بنك ربوي لتمويل مشروعهم. كما تقول الشركة، علاقتهم بالبنك على أساس تجاري وليس ربوياً. الشركة تقدر قيمة البيت في السوق المحلية على أساس تقييم مقيم للعقار مرخص من الحكومة. بناءاً على المتبقي من القرض الذي لدى ونسبة ربح حددوها بـ 4.9%، يحسب الإيجار الشهري الذي يتوجب على دفعه. هذا المبلغ الشهري يذهب جزء منه ربحاً والباقي لامتلاك حصة من البيت به. نسبتهم من البيت هو الفرق بين قيمة المنزل الآن والمتبقي من القرض الربوي. تقوم الشركة بتقييم قيمة البيت كل 1، 2، أو 5 سنوات. تتغير نسبة الربح بحسب عدد السنوات التي أختارها. هذا يعني أن حصص كل منا تقيم كل عدة سنوات ولكن نسبة الربح تبقى ثابتة. مع العلم أن قيمة المتبقي من القرض (حصتهم من المنزل) هو 178000$: وربحهم خلال الخمس سنوات الأول هو 49038.88$ وامتلكت ما قيمته 18408.08$ من قيمة البيت الذي يمتلكونه وهو 178000$. والعلاقة بينهم وبين البنك غير واضحة ولا زالت تعتمد في روحها على شراء المال بالمال لأنهم لم يشتروا البيت (أو يشاركوننا فيه) بشكل رسمي وإنما كل هذه المعاملات هي بين البنوك وهذه الشركة على ورق لا علاقة للأصل (المنزل) بها إلا بذكره على ورق بينهم. إننا في حيرة كبيرة ونرجو منكم أن تخرجونا من هذه الحيرة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله تعالى أن يجزيكم خيراً على تحريكم الحلال وحرصكم على التخلص من آثار ما قد فعلتموه من الاقتراض من البنك الربوي، ونجيب عن سؤالكم في الفقرات التالية:
أولاً: أكل الربا والإعانة عليه حرام بل من كبائر الذنوب، فقد روى مسلم في صحيحه، عن جابر رضي الله عنه قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء) .
والقرض المشترط فيه زيادة للمقرض، كما هو عمل البنوك، حرام بغير خلاف بين العلماء
ثانياً: ذكرتم أنكم فعلتم ذلك جاهلين حرمة ذلك، فنرجو أن يكون ذلك رافعاً للإثم عنكم، فقد قال الله تعالى في آيات تحريم الربا: (فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ) البقرة/275.
وقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء (13/352) : " ما أخذته من الفوائد قبل العلم بتحريمها فنرجو أن يعفو الله عنك في ذلك، وأما ما بعد العلم فالواجب عليك التخلص منه وإنفاقه في وجوه البر " انتهى.
ثالثاً: لا يلزمكم أن تبيعوا البيت للشركة المذكورة أو غيرها لتردوا القرض، فإن اشتراط نفع للمقرض في عقد القرض وإن كان حراماً إلا أنه لا يفسد القرض، فشراؤكم للبيت صحيح، وامتلاككم له صحيح، فلا يلزمكم بيعه لتعجيل سداد ما تبقى من القرض للبنك، لا سيما وصورة التعامل مع الشركة المذكورة الذي ضمنتموه في السؤال لا يخلو من غموض، وقد ذكرتم في آخر سؤالكم أنهم لا يشترون البيت حقيقة وإن تم بيع وشراء في الأوراق فإنه لا يحصل قبض حقيقي للمبيع قبل بيعه ثانية، فيُخشى أن تكون معاملة الشركة هي حيلة على ارتكاب الربا، تحت مسمى البيع.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5251)
هل يرهن منزله لمصرف غير إسلامي حتى يشتري منزلا آخر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[عائلة تعيش في شقة صغيرة وغير صالحة للعيش، بالإيجار، مع العلم أن لديهم بيتا لكن في مدينة أخرى ويتعذر على رب الأسرة أن يترك أسرته في هذا المكان وذلك لأن عملها في مكان آخر ولا يوجد لديها الدخل الكافي لشراء منزل في المدينة المقيم بها فهل يجوز رهن المنزل الذي لديها لمصرف غير إسلامي لشراء منزل آخر في المدينة المقيم بها مع العلم أنه لا يوجد مصارف إسلامية في مدينته ورب الأسرة يعمل لسداد دين كبير عليه وكل ما يعمل به يذهب في هذا الدين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان المقصود هو الاقتراض من المصرف، ورهن المنزل لديه، توثيقا للدين، فينظر:
أولا: إن كان القرض يسدد مع زيادة (فائدة) فهو قرض ربوي محرم.
قال ابن قدامة رحمه الله: " وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف. قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المُسلف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية، فأسلف على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلك ربا. وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس وابن مسعود أنهم نهوا عن قرض جر منفعة" انتهى من "المغني" (6/436) .
ثانيا: إن كان القرض يسدد من غير زيادة، لكن البنك يستفيد من المنزل مجانا حتى يتم السداد، فهذا أيضا محرم، وهو صورة من صور الربا، وقد نص الفقهاء على أن الرهن إذا كان في قرض، فلا يجوز للمرتهن (كالمصرف) الانتفاع به مجانا؛ لأن هذا حيلة على القرض الربوي، بل إذا أراد المصرف أن ينتفع به، فإنه يستأجره بأجرة مثله من غير محاباة.
قال ابن قدامة في "المغني" (4/250) : "إن أذن الراهن للمرتهن في الانتفاع بغير عوض , وكان دين الرهن من قرض , لم يجز ; لأنه يحصل قرضا يجر منفعة , وذلك حرام.
قال أحمد: أكره قرض الدور، وهو الربا المحض. يعني: إذا كانت الدار رهنا في قرض ينتفع بها المرتهن ... " انتهى.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: تنتشر في بعض قرى مصر عادة رهن الأراضي الزراعية، إذ يقوم الرجل الذي يحتاج إلى مال بأخذ المال من الرجل الذي يملك المال، وفي مقابل أخذ المال، يأخذ صاحب المال الأرض الزراعية التي هي ملك للمدين كرهن، ويأخذ صاحب المال الأرضَ وينتفع بثمارها وما تدره الأرض، ولا يأخذ صاحب الأرض شيئا، وتظل الأرض الزراعية تحت تصرف الدائن حتى يدفع المدين المال لصاحبه. فما حكم رهن الأرض الزراعية، وهي أخذ ما تدره الأرض حلال أم حرام؟
فأجابوا: "من أقرض قرضا فإنه لا يجوز له أن يشترط على المقترض نفعا في مقابل القرض؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كل قرض جر نفعا فهو ربا) وقد أجمع العلماء على ذلك، ومن ذلك ما ذكر في السؤال من رهن المقترض للمقرض الأرض، وانتفاعه بها إلى تسديد القرض الذي له على صاحب الأرض، وهكذا لو كان له عليه دين، لم يجز لصاحب الدين أن يأخذ غلة الأرض أو الانتفاع بها في مقابل إنظار المدين، ولأن المقصود من الرهن الاستيثاق لحصول القرض أو الدين، لا استغلال الرهن في مقابل القرض أو الإهمال في تسديد الدين " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (14/177) .
ثالثا: إن كان القرض يسدد من غير زيادة، والمنزل المرهون لا ينتفع به البنك، أو ينتفع به بأجرة مثله، فهذا جائز، وهو قرض حسن ولا إشكال فيه.
وإذا كان القرض محرما كما في الحالة الأولى والثانية، فإنه لا يجوز الدخول فيه، ولو كانت الأسرة بحاجة للمنزل، كما ذكرتِ، لما جاء في الربا من الوعيد الشديد، نسأل الله العافية.
هذا وإن كانت مسألة الرهن على غير ما تصورنا، فلعلك توضحين الأمر.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5252)
هل يقترض بالربا لأجل الزواج؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قد مضى على خطوبتي سنة وسبعة أشهر ومن قبلها علاقة أمضيت فيها سنة وسبعة شهور ولم أستطع حتى الآن توفير المهر وقليل من المصروف فوضعي والله على شفا حفرة من العذاب وبسبب المسؤولية الزائدة على كاهلي وبسبب عدم وجود أي مصدر اعتمد عليه سوى رحمة الله عز وجل لم يبق لي إلا اللجوء إلى قرض الزواج لأن وضعي لم يعد يحتمل ولأن كلام الناس أصبح يبرق ويرعد في سمائي ما بين الحين والآخر وبالمناسبة علاقتي بتلك الفتاة لم يحدث فيها إلا ما يرضي الله ورسوله والله على ما أقول شهيد وأعلم أنني كبير على رأس عائلة مؤلفة من ستة بنات وذكرين وقد تكلفت بتدريس أخي في الجامعة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان القرض المسئول عنه قرضا حسنا يُسدد من غير زيادة، فلا حرج عليك في أخذه، ويعينك الله على سداده، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ثَلاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمْ: الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الْأَدَاءَ، وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ الْعَفَافَ) رواه الترمذي (1655) والنسائي (3120) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ) رواه البخاري (2387) .
وإن كان قرضا ربويا، يرد مع الزيادة، فلا يجوز لك أخذه، لا لأجل الزواج ولا لغيره؛ لما جاء في الربا من الوعيد الشديد، وانظر لمعرفة ذلك جواب السؤال رقم (6847) و (9054)
وكيف تبدأ حياتك الزوجية بالحرام؟ وكيف يكون التوفيق والسداد والمتعامل بالربا متوعد باللعن، مأذون بالحرب من الله ورسوله؟!
فما عليك إلا أن تصبر وتحتسب، وتنتظر الفرج من الله تعالى، وتبذل الأسباب في تحصيل الرزق الحلال، وألا تلتفت إلى كلام الناس.
ومن أسباب الرزق الحلال أن تشتري سلعة – كسيارة أو شقة مثلا – بالتقسيط، ثم تبيعها نقداً لغير من اشتريتها منه، ولو كان أقل من الثمن المقسط، حتى يتوفر لك المال، وهذا ما يسمى بالتورق، وهو جائز عند جمهور العلماء.
وانظر جواب السؤال رقم (45042)
وقد أخطأت في إقامة علاقةٍ مع هذه الفتاة، مهما زعمت أنها خالية من الإثم، لأنه على فرض ذلك، ففيها مضرة على الفتاة من جهة ربطها وتعليقها هذه المدة الطويلة، والحال أنك لا تملك تكاليف الزواج، فنسأل الله أن يعفو عنك، وأن يرزقك من فضله ما يعينك على طاعته ومرضاته.
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عمن عقد النكاح ولم يستطع توفير المهر هل له أن يقترض من البنك الربوي؟
فأجابت: " لا يجوز لك هذا القرض، وليس ما ذكرت من حاجتك إلى المهر مبررا لأخذك قرضا بنسبة ربوية من البنك أو غيره، وعليك تقوى الله، فإنه من يتق الله يجعل له مخرجا، ويرزقه من حيث لا يحتسب، ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا. نسأل الله أن ييسر أمرك، ويفرج كربك، ويغنيك عن الحرام بالحلال " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/387) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5253)
تعمل في شركة يملك بنكان ربويان جزءً منها فهل عملها حرام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا آنسة أعمل في شركة رأسمالها تملكه 5 جهات مختلفة (منهم بنكان ربويان) وهم: بنك مصر (22.5 % من رأس المال) ، وبنك الاستثمار القومي (22.5 % من رأس المال) ، بالإضافة إلى شركة أجنبية (صينية) (10 % من رأس المال) ، وشركة مقاولات مصرية (22.5 % من رأس المال) ، وهيئة قناة السويس (22.5 % من رأس المال) . هذه الشركة التي أسستها الأطراف السابقة تملك قطعة أرض، ونشاطها: تقوم بإدخال المرافق لها من صرف وكهرباء ومياه، وتقوم بتقسيمها، وبيعها للمستثمرين، عملية البيع إما فوري، أو بالتقسيط، مع حساب فوائد سنوية ثابتة تبلغ 7 % سنويّاً، علماً بأن عملية البيع قد تتوقف أحيانا، وعملي في هذه الشركة في قسم السكرتارية (عمل إداري) ، ولقد كنت أقوم بالإنفاق والادخار من مرتبي خلال مدة عملي في الشركة والتي بلغت 5 سنوات دون علم مني بأن هذه الأموال قد تكون بها شبهة، وهذه المدخرات في بنك إسلامي، فهل عملي في هذه الشركة ذات المال المختلط حلال أم حرام؟ وما حكم ما قمت بادخاره - وهو مبلغ كبير -؟ وكيف أتصرف فيه؟ أفيدوني وأنقذوني مما أنا فيه من حيرة وعذاب.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي يظهر جواز العمل في هذه الشركة ما دام العمل الذي تقوم به حلالاً، فالعمل في شركات مباحة الأعمال يختلف حكمه عن العمل في البنك وما يشبهه من مؤسسات الربا، ففي البنوك يتعرض الموظف للإثم سواء كان كاتبا أو شاهداً أو حتى حارساً؛ لأن العمل حرام ابتداء، بخلاف أن يكون البنك مشاركاً بجزء من رأس مال الشركة مباحة الأعمال؛ فإن النظر يكون هنا لطبيعة عمل الشركة، فمشاركة اليهودي والنصراني والمرابي جائزة مع الكراهة.
قال ابن قدامة المقدسي رحمه الله:
"قال أحمد: يشارك اليهودي والنصراني، ولكن لا يخلو اليهودي والنصراني بالمال دونه، ويكون هو الذي يليه؛ لأنه يعمل بالربا، وبهذا قال الحسن والثوري.
وكره الشافعي مشاركتهم مطلقاً" انتهى.
" المغني " (5 / 109) .
وقال ابن القيم رحمه الله:
"قال إياس بن معاوية: إذا شارك المسلمُ اليهوديَّ أو النصرانيَّ وكانت الدراهم مع المسلم وهو الذي يتصرف بها في الشراء والبيع: فلا بأس، ولا يدفعها إلى اليهودي والنصراني يعملان فيها؛ لأنهما يُربيان" انتهى.
" أحكام أهل الذمة " (1 / 93) .
وتجدين تفصيل هذه المسألة في جواب السؤال رقم (48005) وقد قلنا في أول الجواب:
"الذي يكتسب المال من وجوه محرمة كالربا والرشوة والسرقة والغش.. ونحو ذلك: إذا كان ماله مختلطاً فيه الحلال والحرام: صحّت معاملته بيعاً وشراءً ومشاركةً مع الكراهة، وإن عُلم أن المال الذي يريد الاتجار فيه من عين الحرام، لم تجز مشاركته ولا العمل معه فيه" انتهى.
وعلى هذا؛ فالمال الذي تأخذينه من هذه الشركة (الراتب) حلال إن شاء الله تعالى، ولا حرج عليك فيما أنفقت منه أو فيما ادخرتيه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5254)
الإيداع في البنك الربوي لضرورة حفظ المال
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت بعض إجاباتكم حول الربا ووجدت تناقضا تركني في حيرة من أمري قلتم لمن يريد أن يؤجر مبنى لبنك ربوي إن هذا حرام قطعا وقلتم للذي يودع أمواله في البنوك الربوية خوفا على ضياعها هذا عمل جائز علما أنه هو الآخر سيدخل في إطار موكل الربا وفي إطار التعاون علي الإثم والعدوان أرجو أن توضحوا لي فأنا أضع أموالي في بنك ربوي فلا يوجد في بلدي بنوك إسلامية ولا أستطيع أن أحكم هل هذا المال حلال أم حرام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
تأجير المحل أو البيت لمن يتخذه للمعصية، لا يجوز، ومن ذلك تأجير المبنى للبنك الربوي؛ لأنه من الإعانة الواضحة على الإثم والعدوان، لأن صاحب المبنى يعلم أن البنك قد استأجر هذا المكان ليتعامل فيه معاملات محرمة، كالربا وغيره.
قال البهوتي في "شرح منتهى الإرادات": (2/358) : " ولا تصح إجارة دار لتعمل كنيسة أو بيعة أو صومعة راهب أو لبيع خمر أو القمار ونحوه.
سواء شرط ذلك في العقد أو علم بقرينة ; لأنه فِعلٌ محرمٌ فلم تجز الإجارة عليه " انتهى باختصار.
ثانيا:
الإيداع في البنك الربوي محرم، سواء كان بفائدة أو بدون بفائدة؛ لأن البنك سيأخذ هذه الأموال ويقرضها بالربا.
إلا أن أهل العلم استثنوا حالة خاصة وهي ما إذا خاف الإنسان على ماله ولم يجد مكانا آمنا يحفظ فيه ماله، فإنه يجوز له الإيداع في البنك الربوي، من باب أن الضرورات تبيح المحظورات، وحينئذ يلزمه أن يودع في الحساب الجاري من غير فائدة لأن الضرورة تقدّر بقدرها، وهو مضطر إلى حفظ ماله، وليس مضطراً للتعامل بالربا.
وانظر لمعرفة شروط وضع الأموال في البنوك الربوية السؤال رقم (22392)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5255)
رسم خرائط إنشائية لمن يبني بالقروض الربوية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مهندس مدني أعمل في مكتب هندسي وعملي هو رسم الخرائط الإنشائية مع الإشراف عليها سواء الناتجة من القروض الربوية أو غير ذلك فهل عملي هذا يدخل فيه الربا أم لا؟ لأن الدولة التي نحن فيها فتحت القروض الربوية بشكل مفاجئ لذلك فهذه القروض كثيرة جدا فهل عملي هذا ربوي على أساس أنني مساهم بالرسم، وهل كل من يبيع الإسمنت ومن يبيع الرمل ومن يبيع الحصى والحديد وكل العمال المساهمين يدخلون في الربا؟ الرجاء الإجابة فأنا خائف جدا فهذا العمل يؤرقني.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان عملك هو رسم الخرائط والإشراف عليها، فهو عمل جائز بشرط ألا ترسم خرائط لأبنية معدة للمنكر، كبنوك الربا، وصالات الخمر والقمار ونحو ذلك من أماكن المعاصي والفسق؛ لما في رسم الخرائط حينئذ من الإعانة على المعصية والتكثير لأبنية الفساد. وانظر السؤال رقم (82551) .
وأما رسم الخرائط لبناءٍ مباح، كبيت للسكنى مثلا، فلا حرج فيه، ولو كان صاحبه سيبنيه من مال اقترضه بالربا، لأنك لم تعنه على المعصية – وهي الاقتراض بالربا – وإنما قمت له بعمل مباح وأخذت أجرة عملك.
وقد كان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من يعمل بالأجرة عند بعض اليهود في أعمال مباحة كسقي الزرع ونحوه، ومعلوم أن اليهود يغلب عليهم التعامل بالربا وأكل أموال الناس بالباطل، كما قال الله: (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً وَأَخْذِهِمُ الرِّبا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً) النساء/160، 161. بل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتعامل مع اليهود بالبيع والشراء، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي في طعام كان اشتراه منه. رواه البخاري (2916) .
وبهذا يعلم أيضا أن بيع الإسمنت والرمل والحصى جائز لمن يبني به بناء مباحا، ولو كان المالك ممن يتعامل بالربا.
ونشكر لك حرصك وتحريك للحلال.
ونسأل الله أن يكفينا بحلاله عن حرامه، ويغنينا بفضله عمن سواه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5256)
هل يتخلص من الفائدة الربوية بإعطائها لأخيه المدين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أودعت مبلغا من المال في البنك بفائدة وأريد التطهر من هذه الفائدة بإعطائها لشقيقي الذي يعول نفسه وأسرته علما بأنه مدين لبعض أصدقائه بمبلغ من المال والذي اقترضه لشراء قطعة أرض لبناء مسكن لأسرته علما بأن مسكنه الحالي لا يسعه هو وأسرته فمسكنه يتكون من غرفتين فقط , وعدد أسرته سبعة أفراد، فهل يجوز لي ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إيداع الأموال في البنك بفائدة عمل محرم تحريما شديدا، وهو من كبائر الذنوب، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278-279.
ولا يجوز الإيداع في البنك الربوي إلا عند الخوف على المال من السرقة ونحوها، إذا لم توجد وسيلة لحفظه إلا بوضعه في البنك، ويكتفى حينئذ بوضعه في الحساب الجاري بلا فائدة، لأن الضرورات تبيح المحظورات، والضرورة تقدر بقدرها.
ثانيا:
من ابتلي بالوقوع في الربا فالواجب عليه أن يتوب إلى الله تعالى، بالإقلاع عن الذنب، والندم على ما فات، والعزم على عدم العود إليه، والتخلص من الفائدة المحرمة، بصرفها في أوجه الخير، وليس له أن ينتفع بها لنفسه أو لمن تجب نفقته عليه.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: " أما ما أعطاك البنك من الربح: فلا ترده على البنك ولا تأكله، بل اصرفه في وجوه البر كالصدقة على الفقراء، وإصلاح دورات المياه، ومساعدة الغرماء العاجزين عن قضاء ديونهم " انتهى من " فتاوى إسلامية " (2 / 407) .
ثالثا:
يجوز لك أن تتخلص من الفائدة الربوية بدفعها لأخيك المحتاج، بشرط أن تكون نفقة غير واجبة عليك، حتى لا يكون ذلك تحايلاً على انتفاعك بها وصيانة لمالك الذي تبذله في النفقة.
وتجب نفقة الأخ على أخيه بثلاثة شروط:
الاول: أن يكون المُنفِق وارثاً للمنفق عليه في حال موته.
أما إذا كان الأخ لا يرث أخاه؛ لوجود الأب أو ولدٍ ذكرٍ له، فلا تجب نفقته عليه.
الثاني: أن يكون الأخ المنفَق عليه محتاجا عاجزا عن كسب ما يغنيه.
الثالث: أن يكون لدى المنفق فاضل عن حاجته وحاجة زوجته وأولاده. فإذا توفرت هذه الشروط وجب نفقة الأخ على أخيه.
وانظر جواب السؤال (6026) .
رابعاً: لا حرج أن تتخلص من هذه الفائدة بإعطائها لأخيك لقضاء دينه، ولو كانت نفقته
واجبة عليك، لأنه لا يجب على الإنسان أن يسد دين قريبه مطلقا، أبا أو أخا أو غيرهما، ولهذا كان القول الراجح في مسألة الزكاة أنه يجوز صرفها للوالدين والإخوة لقضاء ديونهم، كما اختاره شيخ الإسلام وغيره.
ينظر: "الاختيارات الفقهية" ص 104
وانظر للفائدة جواب السؤال رقم (39175)
والحاصل: أنه يجوز لك إعطاء الفائدة الربوية لأخيك ليسد بها دينه، سواء كانت نفقته واجبة عليك أو غير واجبة.
وأما إعطاؤه الفائدة لينفق منها على نفسه وأهله لا ليسدد الدَّين، فيجوز بشرط أن تكون نفقته غير واجبة عليك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5257)
اشترى شقة بالربا فكيف يتوب من فعله؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت قد اشتريت شقة قبل عامين عن طريق أحد البنوك الربوية، فدفعت خمسة آلآف دينار أردني والباقي دفعهم البنك، وكان سعر الشقة 27 ألف دينار، وتم الاتفاق على دفع أقساط شهرية لمدة (92) شهراً، وقيمة القسط الواحد (208) دينار أردني، والآن أريد أن أتخلص من البنك وأتوب إلى الله، مع العلم أن الأقساط المدفوعة حتى الآن (13000) دينار أردني. فما هو الحل الأنسب للتخلص من هذا الذنب؟ مع العلم أني لا أملك أن أدفع باقي سعر الشقة، وأن سعر الشقق في الأردن تضاعف هذه الأيام، أي: أني لو عرضت شقتي للبيع ستباع بسعر مضاعف -؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله أن يوفقك للتوبة من التعامل بالربا؛ فإن الربا من كبائر الذنوب، والمتعامل به مستحق للوعيد الشديد.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ. فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) البقرة/ 278،279.
وعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ) رواه مسلم (1598) .
ثانياً:
ومن تمام توبتك أن تتخلص من الفوائد الربوية التي تدفعها للبنك، فإن كانت تلك الفوائد يمكن أن تزول عنك أو يزول بعضها: فينبغي أن تعجل دفع أقساطهم ولو ببيع بيتك، أما إن كانت الفوائد الربوية قد لزمتك ولم يعد بإمكانك الفكاك منها، ولا تقليلها، فلا حرج عليك من الانتفاع بالبيت، إما بالسكن فيه، أو تأجيره، أو غير ذلك من أوجه الانتفاع.
ونسأل الله تعالى أن يتقبل توبتك ويوفقك لما يجبه ويرضاه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/5258)