قال لزوجته: إن ذهبت إلى بيت أبيك فأنت حرام علي كأمي
[السُّؤَالُ]
ـ[لي زوجة تحب أن تذهب إلى منزل أبيها كثيرا، وهذا الموضوع ضايقني جدا، حلفت عليها يمينا: (تكوني حرمانة علي زي أمي لو رحتي ثاني) فما الحكم، هل هذا طلاق؟ وما هو الحل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
قول الرجل لزوجته: أنت حرام علي كأمي أو مثل أمي، ظهار، وليس طلاقاً، وهو منكر من القول وزور، كما قال تعالى: (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا) المجادلة/2.
والمظاهر يلزمه كفارة الظهار إذا عاد لما قال، ولا يجوز له أن يقرب أهله حتى يكفر كفارة الظهار، كما قال تعالى: (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ. فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ) المجادلة/3، 4.
فالكفارة: عتق رقبة، فإن لم يجدها، فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع لمرض أو كبر فإطعام ستين مسكينا.
ثانيا:
إذا قال الرجل لزوجته: إن فعلت كذا أو إن لم تفعلي كذا، فأنت حرام علي كأمي، أو تكونين حراما كأمي، أو كظهر أمي، فهذا ظهار معلق على شرط، والجمهور على أنه إن وقع الشرط وقع الظهار.
وذهب بعض أهل العلم إلى أن الظهار المعلق كالطلاق المعلق، يحتمل أن يكون ظهارا، ويحتمل أن يكون يمينا، بحسب نية قائله، فإن أراد بكلامه الحث أو المنع، ولم يرد الظهار، فهو يمين، وإن أراد الظهار فهو ظهار، وهذا ما عليه جماعة من أهل العلم.
وقد سئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: ما الحكم الشرعي فيمن حلف على زوجته بالطلاق أو الظهار ألا تفعل شيئًا ثم سافر عنها ولا يعلم هل خالفت يمينه أم لا؟ وإن فعلت وهو لا يعلم بذلك فما الحكم؟
فأجاب: "إذا حلف على زوجته بالطلاق أو الظهار يقصد منعها من عمل شيء فهذا يأخذ حكم اليمين، يكفّر كفارة يمين على الصحيح وينحل.
أما لو فعلت في غيبته ما نهاها عنه وحلف عليها ألا تفعله فإنه يحنث بذلك، ولو لم يعلم، لأنه حلف عليها ألا تفعل فخالفت اليمين، وإذا خالفت اليمين متعمدة ذاكرة لهذا الحلف فإن الحالف يحنث بذلك، وتكون عليه الكفارة، سواء علم أو لم يعلم " انتهى من "المنتقى من فتاوى الفوزان".
فعلى هذا القول: فإن كنت أردت الظهار فهو ظهار، وعليك كفارة الظهار، وإن كنت أردت منعها من الذهاب إلى بيت أبيها ولم تقصد الظهار، فهذا له حكم اليمين، فإن ذهبت فعليك كفارة يمين، وإن لم تذهب، فليس عليك شيء.
والواجب عليك أن تتجنب هذه الألفاظ؛ لما فيها من المنكر والزور، فإن الزوجة ليست أما لك ولن تكون كذلك، ولما فيه من تعريض الحياة الزوجية للخطر.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4379)
من حلف على شيء مكرها فلا كفارة عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[لي أخت أجبرها زوجها تحت التهديد بالطلاق وحرمانها من أطفالها أن تقسم ألا تفعل شيئا معينا (هذا الشيء غير محرم) . ما مدى إلزامها بقسم حلفته تحت التهديد وخوفا من زوجها؟ وإن فعلت ما أقسمت مكرهةً أنها لن تفعله فما هو إثمها؟ وهل تجب عليها كفارة اليمين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الحمد لله
ليست ملزمة بقسم حلفته تحت التهديد والإكراه، لأن من شروط وجوب الكفارة أن يحلف الشخص مختارا ثم يحنث.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء" (23/121) : "من شروط وجوب الكفارة في اليمين: أن يحلف مختارا، أما من أكره على الحلف فلا كفارة عليه؛ لقول الله سبحانه: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ) النحل/106؛ ولما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (عفي لأمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ صالح الفوزان ... الشيخ بكر أبو زيد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4380)
نذر أن يذبح عقيقة لابنه، ثم عجز عن الوفاء، فماذا يلزمه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[نذر أن يقوم بعمل عقيقة إذا رزقه الله الولد، ولما رزقه لم يجد معه مالاً، فهو غير قادر على ثمن الذبيحة، فماذا يفعل؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النَّذر، وأخبر أنه يُستخرج به من البخيل، ويتأكد هذا النهي في حق من يعتقد أن غرضه يحصل له بسبب النذر، أو أن الله تعالى يفعل ذلك الغرض لأجل نذره! .
جاء في " الموسوعة الفقهية " (40 / 140) – في بيان حكم النذر -:
"قال القرطبي: الذي يظهر لي هو التحريم في حقِّ من يُخاف عليه اعتقاد أن النذر يوجب حصول غرض معجل، أو أن الله يفعل ذلك الغرض لأجل النذر، فيكون الإقدام على النذر - والحالة هذه - محرَّماً، وتكون الكراهة في حق من لم يعتقد ذلك" انتهى.
وكم تلقينا أسئلة من أناس نذروا طاعات ثم لم يقدروا عليها، فالذي ينبغي على المسلم أن يحفظ لسانه عن النذر، ومن أراد أن يتصدق أو يصوم أو يذبح فليفعل ذلك من غير نذر، حتى يكون في سعة من أمره، إن شاء أن يترك ذلك يتركه ولا حرج عليه، بدلاً من أن يعرض نفسه لعدم الوفاء بالنذر وهو أمر عظيم.
وانظر جواب السؤال رقم (42178) .
ثانياً:
العقيقة سنة مؤكدة، لا ينبغي تركها لمن قدر عليها، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (12448) .
ومن نذر أن يعق عن ولده وجب عليه ذلك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ) رواه البخاري (6696) .
فإن عجز عن الوفاء بهذا النذر، فلا يخلو من حالين:
1- إما أن يكون قد حَدَّد وقتاً معيناً لذبح العقيقة، سواء تلفظ بهذا التحديد أو نواه، كمن نوى أن يذبحها في الأسبوع الأول أو الشهر الأول بعد الولادة، فإن مضى هذا الوقت المحدد وهو عاجز عن الوفاء بنذره، فعليه كفارة يمين، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ) رواه مسلم (1645) .
2- وإما أن لا يكون حدد وقتاً معيناً لذبح العقيقة، فتبقى العقيقة دَيْناً في ذمته حتى يستطيع الوفاء، لأن العقيقة ليس لها وقت معين تفوت بفواته، بل يصح ذبحها في أي وقت، ولو بعد سنوات من الولادة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4381)
الحلف بغير لله هل تلزم فيه الكفارة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكنكم أن تلقوا الضوء على هذه القضية؟ لو أن شخصا يحلف برأسه، هل يعد هذا يمينا أم عهدا؟ وإذا أخل به هل عليه كفارة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحلف لا يكون إلا بالله تعالى، أو باسم من أسمائه، أو صفة من صفاته، وأما الحلف بغير الله فلا يجوز، وهو من الشرك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ) رواه الترمذي (1535) وأبو داود (3251) وصححه الألباني في صحيح الترمذي. وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ) رواه البخاري (2679) ومسلم (1646) .
ويدخل في ذلك الحلف بحياة الإنسان ورأسه وشرفه، والحلف بأمه وأبيه، والحلف بالكعبة وغير ذلك من المخلوقات.
واليمين بغير الله يمين غير منعقدة، ولا تلزم فيها كفارة عند أكثر العلماء.
قال ابن قدامة رحمه الله: " ولا تنعقد اليمين بالحلف بمخلوق ; كالكعبة , والأنبياء , وسائر المخلوقات , ولا تجب الكفارة بالحنث فيها. وهو قول أكثر الفقهاء " انتهى من "المغني" (9/405) .
وعلى هذا، فمن حلف برأسه، فقد ارتكب أمراً محرماً، وعليه التوبة إلى الله تعالى، والندم على ما فعل، والعزم على عدم العودة إلى ذلك مرة أخرى، وليس عليه كفارة إذا أخل بما حلف عليه، لأن هذه اليمين يمين محرمة لا يترتب عليها ما يترتب على الحلف بالله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4382)
إعتاق الرقبة عمن لزمته
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن للولد أن يقضي عن أبيه شراء عبد ثم يعتقه؟ وهل يمكن للولد أن يقضي عن أمه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أداء الكفارات بالإطعام أو العتق عمَّن لزمتهم يكون على أحد وجهين:
1- إما أن يكون بإذنِ مَن لَزِمَته الكفارة وطَلَبِه: فحينئذ يصح ويجزئ أداءُ أي شخص عنه، دليله ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: (جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: هَلَكْتُ. قَالَ: مَا شَأْنُكَ؟ قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِى فِى رَمَضَانَ. قَالَ: تَسْتَطِيعُ تُعْتِقُ رَقَبَةً؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: اجْلِسْ. فَجَلَسَ. فَأُتِىَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ -وَالْعَرَقُ الْمِكْتَلُ الضَّخْمُ - قَالَ: خُذْ هَذَا، فَتَصَدَّقْ بِهِ. قَالَ أَعَلَى أَفْقَرَ مِنَّا، فَضَحِكَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ. قَالَ: أَطْعِمْهُ عِيَالَكَ) رواه البخاري (6709) ومسلم (2564) .
يقول الشيخ عبد الله آل بسام رحمه الله في فوائد هذا الحديث:
" (منها) أن الكفارة لا تسقط مع الإعسار؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسقطها عنه بفقره، وليس في الحديث ما يدل على السقوط. (ومنها) جواز التكفير عن الغير ولو من أجنبي " انتهى. "تيسير العلام" (1/296)
2- وإما أن يكون بغير إذنه ولا علمه: فلا يجزئ ما أطعم أو أعتق عنه.
وهذا تفصيل الشافعية والحنابلة والقاضي أبي يوسف، قالوا: لأن العبادة لا تصح إلا بنية، فإذا لم ينشئ من لزمته الكفارة النية والعزيمة على التكفير بالإطعام أو الإعتاق: فَقَد سقط ركن العبادة الأول، فلم تقع العبادة مجزئة عنه.
يقول الإمام الشافعي رحمه الله: " ولو كان على رجل ظهار، فأعتق عنه رجل عبدا للمعتق بغير أمره: لم يجزئه " انتهى. "الأم" (6/709ـ ط الوفاء المحققة) ، وانظر: "تحفة المحتاج" (8/189) ، "أسنى المطالب" (3/363) .
ويقول البهوتي الحنبلي رحمه الله: " (ومن أعتق غيرُه عنه عبدا بغير أمره) في كفارة أو غيرها (لم يعتق عن المعتَق عنه إذا كان حيا) لأنه لم يحصل منه عتق ولا أمر به مع أهليته (ولا يجزى عن كفارته) أي كفارة المعتق عنه. (وإن نوى) المعتِق (ذلك) لأن العتق لم يصدر ممن وجبت عليه الكفارة حقيقة , ولا حكما , (وكذا من كفر عنه غيره بالإطعام) بغير إذنه فإنه لا يجزئه لعدم النية ممن وجبت عليه الكفارة " انتهى.
"كشاف القناع" (5/382) .
ووجه اشتراط النية في الكفارات عند أهل العلم: أن الكفارة ليس المقصود منها أنها غرامة مالية مجردة، بل فيها جانب العبادة والقربة إلى الله عز وجل.
قال العز ابن عبد السلام رحمه الله: " وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي بَعْضِ الْكَفَّارَاتِ هَلْ هِيَ زَوَاجِرُ أَمْ جَوَابِرُ فَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهَا زَوَاجِرَ عَنْ الْعِصْيَانِ لِأَنَّ تَفْوِيتَ الْأَمْوَالِ وَتَحْمِيلَ الْمَشَاقِّ رَادِعٌ زَاجِرٌ عَنْ الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا جَوَابِرُ [يعني: أن المقصود منها: جبر = تعويض، ما نقص من دين المرء أو عباده، بسبب تعديه أو تفريطه] ، لِأَنَّهَا عِبَادَاتٌ وَقُرُبَاتٌ لَا تَصِحُّ إلَّا بِالنِّيَّاتِ، وَلَيْسَ التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ زَاجِرًا، بِخِلَافِ الْحُدُودِ وَالتَّعْزِيرَاتِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِقُرُبَاتٍ إذْ لَيْسَتْ فِعْلًا لِلْمَزْجُورِ، وَإِنَّمَا يَفْعَلُهَا الْأَئِمَّةُ وَنُوَّابُهُمْ " انتهى. قواعد الأحكام في مصالح الأنام (1/178) .
والحاصل أنه يجزئ الوالدين أن يعتق عنهما ولدهما إذا أذنا بذلك، والأجر متحصل لهذا الولد البار الذي حرص على تخليص أبويه من الالتزامات المالية بين يدي الله تعالى. فنسأل الله لك الأجر والمثوبة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4383)
صامت كفارة يمين ولم تعلم أن الواجب عليها الإطعام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[صمت أياما كفارةً عن يمين، ثم سمعت بأن الصوم آخر كفارة، والأولى هو إخراج المال، هل علي أن أتصدق بقيمة الأيام التى صمتها؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
كفارة اليمين على الترتيب الذي ذكره الله عز وجل في سورة المائدة، في قوله عز وجل:
(لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة/89.
فيختار واحدة من هذه الخصال الثلاثة ويفعلها: إطعام عشرة مساكين من أوسط ما يطعم أهله أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، ومن فعل واحدة منها فقد برئت ذمته وفعل ما وجب عليه، فإن عجز عن جميع الخصال الثلاثة، انتقل إلى الصوم، فيصوم ثلاثة أيام.
ولا يجوز له الانتقال إلى الصيام وهو مستطيع الإطعام أو الكسوة أو العتق، لقوله تعالى: (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) المائدة/89.
قال ابن المنذر رحمه الله:
"أجمعوا على أن الحالف الواجد للإطعام، أو الكسوة، أو الرقبة، لا يجزئه الصوم إذا حنث في يمينه " انتهى.
"الإجماع" (ص/157) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن رجلٍ حلف على شيء ثم حنث في يمينه، وصام مع قدرته على الإطعام، فما الحكم؟ هل يجزئه الصيام مع أن الله بدأ بالإطعام وجعل الصيام عند عدم الاستطاعة، ولو كان غير عالم بالحكم هل يختلف الحكم؟
فأجاب:
" إذا صام الإنسان في كفارة اليمين وهو قادر على إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فإن الصوم يكون نافلة، وعليه أن يأتي بالكفارة، لكن الصوم لا يضيع، يكون نافلة له، وليطعم.
ولقد اشتهر عند كثير من الناس أن كفارة اليمين هي الصيام، ولهذا إذا حلف على أخيه وقال: والله أن تفعل كذا، يقول: لا تجعلني أصوم ثلاثة أيام، وهذا خطأ، الإطعام مقدم أو الكسوة أو عتق الرقبة، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعة " انتهى.
"اللقاء الشهري" (لقاء رقم/70، سؤال رقم/10) .
وقد ذكرنا في جواب السؤال رقم (42804) فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء في ذلك أيضاً.
فالواجب عليك أن تطعمي عشرة مساكين لتكفري عن يمينك.
ولمعرفة تفاصيل كفارة اليمين، يراجع جواب السؤال رقم: (45676) .
وينبغي التنبه إلى أن كفارة اليمين لا يجوز أن تخرج نقوداً عند جمهور العلماء، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (89954) ، فيجب أن تخرج طعاما أو كسوة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4384)
حلف بالمصحف ألا يفعل معصية ثم فعلها
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أرتكب معصية فوضعت يدي على المصحف، وأقسمتُ أني لن أعود إلى هذا الفعل مرة أخرى، علماً أنى أريد إرضاء الله، والتشديد على نفسي بالامتناع عن ذلك الفعل بالقسم، ثم وقعت في تلك المعصية، مرة ناسياً القسم، ومرتين متذكراً القسم، فهل من توبة؟ هل من كفارة؟ وما هي؟ علماً بأني طالب، ومازلت آخذ أموالي من والدتي، ولا أعلم مساكين في بلدي - لكن يوجد أكيد الكثيرين، لكن لست أعرفهم - كما أن تلك الأموال قد ترهق أمي ماديّاً، ولكنها ستعطيني إياها إن طلبتها، وأسألكم الدعاء لي بأن تدمع عيني، ويخشع قلبي، ويستجاب لي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يطهِّر قلبك وجوارحك، وأن يحفظ عليك دينك، وأن يجنبك الفتن، ما ظهر منها وما بطن.
أما فعلك للمعصية نسياناً لليمين، فلا كفارة عليك فيه.
وأما فعلك للمعصية عامداً، ذاكراً ليمينك مرتين: فإن عليك كفارة يمين واحدة.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
"الواجب على من حلف على ألا يفعل معصية: أن يثبت على يمينه، وألا يعصي الله عز وجل، فإن عاد إلى المعصية مع حلِفه ألا يفعلها: فعليه كفارة يمين، وهي عتق رقبة، أو إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، والصوم لا يجزئ في كفارة اليمين إلا مَن عجز عن هذه الأشياء الثلاثة: العتق، والإطعام، والكسوة، وأما مَن قدِر: فلو صام ثلاثة أشهر: لا يجزئه.
وإني أنصح هذا الأخ أن يكون قوي العزيمة، ثابتاً، وألا يجالس أهل المعصية التي تاب منها، بل يبتعد عنهم، حتى يستقر ذلك في نفسه" انتهى.
" فتاوى نور على الدرب " لابن عثيمين - (الشريط رقم 374، وجه ب) .
وبما أنك تخبر أنك طالب، وأنك لا تستطيع الإطعام ولا الكسوة: فعليك بصيام ثلاثة أيام، كفارةً لهذا اليمين، والأولى أن تكون متتابعة، ولو صمتها مفرقة فلا حرج في ذلك.
وانظر جواب السؤال رقم: (103424) .
مع التنبيه على أن هذه الكفارة هي مقابل حنثك في يمينك، لا في مقابل المعصية، وإنما تحتاج لتوبة صادقة من فعل تلك المعصية.
ثانياً:
أما تغليظ اليمين بوضع اليد على المصحف: فلم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحدٍ من أصحابه، بل الظاهر أنه بدعة، واليمين ينعقد بالقسم نفسه، ولا حاجة لتغليظه بوضع اليد على المصحف.
قال القرطبي رحمه الله:
وزاد أصحاب الشافعي التغليظ بالمصحف، قال ابن العربي: وهو بدعة، ما ذكرها أحد قطُّ من الصحابة.
" تفسير القرطبي " (6 / 354) .
وقال ابن قدامة المقدسي رحمه الله رادّاً على من أجاز تغليظ اليمين بالمصحف -:
قال الشافعي: رأيتهم يؤكدون بالمصحف، ورأيتُ " ابن مازن " وهو قاضي بصنعاء يغلظ بالمصحف.
قال أصحابه: فليغلظ عليه بإحضار المصحف؛ لأنه يشتمل على كلام الله تعالى وأسمائه.
(قال ابن قدامة) : وهذا زيادة على ما أمر به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في اليمين، وفعلَه الخلفاء الراشدون، وقضاتُهم، من غير دليل، ولا حجة يستند إليها، ولا يترك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لفعل ابن مازن، ولا غيره.
" المغني " (12 / 119) .
واعلم أن الله تعالى يقبل التوبة من عباده النادمين، وأنه تعالى يحب التوابين، ويحب المتقين، فإذا أريت الله صدقاً في توجهك وتقربك لك: أعانك، ووفقك، وسددك، ورقق قلبك، وأدمع عينك.
واعلم أنه إن قسا القلب: قحطت العين، فإذا أردت رقة القلب، ودمع العين: فعليك بالطاعات، فافعلها، وبالمعاصي، فاهجرها، واحرص على الصحبة الطيبة، ومجالس العلم، وعلى أذكار الصباح والمساء، وعلى ورد قرآني تقرأه كل يوم، واحرص على القيام والصيام، فهما يرققان القلب، ويهذبان الجوارح، بتوفيق الله، وفضله.
واحذر من القنوط من رحمة الله، فالله تعالى عفوٌّ، يحب العفو، فسارع إلى ربك بتوبة صادقة، واعزم على عدم العود لكل ما يُسخط ربك تعالى.
وللفائدة: انظر جواب السؤال رقم: (23491) .
ونسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياك ممن يخشونه حق خشيته.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4385)
نذرت أن تحفظ سورة يوسف ثم حفظتها لكنها تنسى بعض الآيات
[السُّؤَالُ]
ـ[نذرتُ أن أحفظ سورة يوسف إذا تخرجت من الجامعة، وعندما تخرجت بفترة قمت بحفظ السورة، ولكن هناك بعض الآيات عند التسميع أكون قد نسيتها، هل وفيت بالنذر بمجرد ما قمت بحفظها، أم ما زلت مقصرة ولم أوف بنذري؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من نذر حفظ سورة من سور القرآن الكريم، فحفظها، فقد وفى بنذره، ولو كان يخطئ أو ينسى بعض المواضع منها بعد ذلك، وهذا الخطأ والنسيان يرد على أكثر الحفاظ، ويمكن تداركه بالمراجعة المنتظمة.
فننصحك بتعهد القرآن، والانتظام في مراجعته، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:
(تَعَاهَدُوا الْقُرْآنَ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَصِّيًا مِنْ الْإِبِلِ فِي عُقُلِهَا) رواه البخاري (5033) ومسلم (791) ولفظه (لهو أشد تفلُّتاً) .
والمعنى أن القرآن إن لم يُتعاهد بالمراجعة، تفلت من صاحبه، كما تتفلّت الإبل من عقُلها الذي تُربط بها.
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4386)
لا يجزئ الصوم في كفارة اليمين إلا عند العجز عن الإطعام والكسوة والعتق
[السُّؤَالُ]
ـ[أبي حلف بالله لأحد من أقاربنا على أن لا يقول ما نقله له من كلام وبعدها بيومين تفاجأنا بأن أبي لم يف بيمينه، وقال ما نقل له فأصبح عليه كفارة يمين. سؤالي: هل أستطيع الصوم عن أبي الثلاثة أيام؛ لأنه لا يريد صيام كفارة يمينه بحجة أنه لا يستطيع الصيام بسبب الجو الحار ومرض السكري؟ مع العلم أنه قد صام شهر رمضان بأكمله؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
كفارة اليمين هي كما ذكر الله تعالى: عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام.
قال تعالى: (لَا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة/89.
وبذلك يُعلم أنه لا يصح التكفير بالصوم، إلا لمن لم يجد ما يطعم به عشرة مساكين، أو يكسوهم به، أو يعتق رقبة.
وينظر جواب السؤال رقم (45676) لمعرفة كفارة اليمين على التفصيل.
ثانيا:
إذا لم يكن لأبيك قدرة على الإطعام أو الكسوة أو العتق، وقدر على الصوم لزمه الصوم، ولا يصح صومك عنه، ومن صام رمضان كاملا لم يعجز عن صيام ثلاثة أيام متتابعة أو متفرقة.
وإن عجز عن الصوم، سقط عنه.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " إذا لزم الإنسان كفارة يمين ولم يجد ما يطعم، ولم يستطع الصوم، فإنها تسقط عنه؛ لقوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ، وقوله: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) ، ولا يلزمه شيء؛ لأن من القواعد المقررة أن الواجبات تسقط بالعجز عنها إلى بدلها إن كان لها بدل، أو إلى غير شيء إذا لم يكن لها بدل، وإذا تعذر البدل سقطت عنه نهائياً " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
وعلى كل حال، لا يصح صومك عنه، لأنه هو المخاطب بكفارة اليمين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4387)
قالت لزوجها: تحرم علي إلى يوم الدين
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة حلفت على زوجها وقالت له: تحرم علي ليوم الدين. فما حكم الدين في ذلك؟ وما المفروض أن تفعل لتفادي الحلفان؟ وهل ستحاسب على ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قول الزوجة لزوجها: أنت علي حرام، أو تحرم علي ليوم الدين، لا يترتب عليه ظهار أو طلاق، لأن الظهار والطلاق لا يكون إلا من الزوج، وإنما هو من باب تحريم الحلال، كتحريم شيء من اللباس أو الطعام، فيلزمها عند الحنث كفارة يمين؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ) التحريم/1، 2. فجعل الله تعالى تحريم الحلال يميناً.
وكفارة اليمين هي: عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فمن لم يجد شيئا من ذلك صام ثلاثة أيام.
وإنما تحنث إذا جامعها زوجها وهي طائعة.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: إذا قالت امرأة لزوجها: إن فعلت كذا فأنت محرم علي كحرمة أبي علي، فما حكم ذلك؟
فأجاب: "تحريم المرأة لزوجها أو تشبيهها له بأحد محارمها حكمه حكم اليمين، وليس حكمه حكم الظهار، لأن الظهار إنما يكون من الأزواج لنسائهم بنص القرآن الكريم.
وعلى المرأة في ذلك كفارة يمين، وهي إطعام عشرة مساكين، لكل مسكين نصف صاع من قوت البلد، ومقداره كيلو ونصف تقريباً، وإن غداهم أو عشاهم أو كساهم كسوة تجزئ في الصلاة كفى ذلك، لقول الله تعالى: (لَا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ) المائدة/89.
وتحريم المرأة لما أحل الله لها حكمه حكم اليمين، وهكذا تحريم الرجل ما أحل الله سوى زوجته حكمه حكم اليمين؛ لقول الله سبحانه: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) التحريم/1-2" انتهى من "فتاوى إسلامية" (3/301) .
وعلى الزوجة أن تتوب إلى الله تعالى من قولها ذلك، فإن تحريم الحلال لا يجوز.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4388)
نذر أن يحج كل عام ورئيسه في العمل يمنعه من ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[عاهدت الله أن أحج كل عام، وكنت قبل ذلك لست موظفاً، وتوظفت عسكرياً، ولم يسمح لي مرجعي أن أحج كل عام، أرجو الإفادة هل علي إثم أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا كان المانع الذي يمنعك عن الحج في بعض السنوات من الأمور القهرية التي لا تستطيع التغلب عليها فليس عليك إثم؛ لقوله تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) البقرة/286، وقوله تعالى: (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ) المائدة/6.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/15، 16) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4389)
نذر أن يعمر والدته يوم العيد فهل يعمرها في رمضان؟
[السُّؤَالُ]
ـ[نذر أن يعمّر والدته كل سنة يوم العيد، فهل يجوز له أن يعمرها في رمضان بدل يوم العيد بدون كفارة، وإذا لم ترغب ذلك فماذا يلزمه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إن أعمرت والدتك في رمضان فلا شيء عليك؛ لأنك أديت ما هو أفضل من وقت المنذور، كما لو نذر أن يصلي في المسجد الأقصى فصلى في المسجد الحرام أو المسجد النبوي؛ لكونه أداها في مكان أفضل، وقد جاء في الحديث الصحيح أنه لا شيء عليه في هذه المسألة الأخيرة، وهو عن جابر رضي الله عنه أن رجلاً قال يوم الفتح: (يا رسول الله، إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس. فقال: صل ههنا، فسأله فقال: صل ههنا، فسأله فقال: فشأنك إذاً) رواه أحمد وأبو داود وصححه الحاكم.
أما لو امتنعت أمه من العمرة فإنه لا شيء عليه أيضاً لكونه أدى ما عليه وحصل الامتناع من غيره.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (11/339) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4390)
نذر أن يصوم يوم الاثنين والخميس ثم أراد أن يصوم يوما وبفطر يوما
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل نذر أنه يصوم الاثنين والخميس، ثم بدا له أن يصوم يوماً؛ ويفطر يوماً، فهل يجوز له أن يفعل ذلك؟ مع أنه سيؤدي إلى أنه لم يف بالنذر وهو صيام الاثنين والخميس.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا انتقل من صوم الاثنين والخميس إلى صوم يوم وفطر يوم، فقد انتقل إلى ما هو أفضل، وفيه نزاع، والأظهر أن ذلك جائز. كما لو نذر الصلاة في المسجد المفضول، وصلى في الأفضل، مثل أن ينذر الصلاة في المسجد الأقصى، فيصلي في مسجد أحد الحرمين. والله أعلم " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن تيمية" (25/289، 290) .
فلا حرج عليه من صيام يوم وفطر يوم، وإن أدى ذلك إلى ترك صيام يوم الاثنين أو الخميس، لأنه ترك صيامه وفعل ما هو أفضل.
وأفضل الصيام: صيام يوم وفطر يوم. كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم رواه البخاري (1976) ومسلم (1159) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4391)
كيف يكفر عن يمينه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[في لحظة غضب حلفت بالله أن أمي ما تذهب معي في السيارة لمدة شهر، لكن بعد ذلك ندمت، وحتى الآن لم تذهب معي، ولكن أريد التوبة، فماذا عليَّ أن أفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من حلف على يمينِ إثمٍ أو قطيعةٍ أو فسادٍ حَرُمَ عليه الوفاء بهذا اليمين، بل يجب الحنث، وتجب عليه الكفارة، وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنِّي وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ ثُمَّ أَرَى خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا كَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي، وَأَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ) رواه البخاري (3133) ومسلم (1649) .
فعليك أن تكفر عن يمينك، وتركب والدتك معك في السيارة.
ونذكرك الله في والدتك، فقد قرن الله حقها بحقه سبحانه، فلا ترد لها طلبا، ولا تخيب لها ظنا، ولا تغضبها في صغير ولا كبير، بل احمد الله تعالى أن أكرمك بفرصة البر بها، وكسب حبها ورضاها، فالجنة في لزومك قدميها، بالعناية والرعاية وحسن المعاملة.
نسأل الله تعالى أن يعيننا جميعا على الخير، وأن يتقبل منا التوبة.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4392)
نذر أن يكفل أسرة العامل ثم لم يجد الوفاء
[السُّؤَالُ]
ـ[كان لدى أحدهم عامل، ومات العامل رحمه الله على رأس العمل، وبما أنه كان يرسل لأهله مبلغ (500) ريال شهريا، فقد نذر كفيله أن يرسلها لأهله بعد وفاته، ولا يدعهم يفتقدون له، ومع مرور الأيام والسنين، أصبحت لديه بعض الظروف التي تَحُولُ بينه وبين الوفاء بنذره، فماذا عليه الآن؟ هل هو ملزم بإرسال هذا المبلغ كل شهر ويضغط على نفسه، حتى لو تدين المبلغ، أم يكفر عن نذره، أم ماذا يفعل؟ وإن كان هناك كفارة فما هي، وكيف يخرجها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من نذر نذر طاعة وجب عليه الوفاء به، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلا يَعْصِهِ) رواه البخاري (6202) .
فإن عجز عن الوفاء به رُفع عنه الإثم والحرج، ولم يكن مقصرا في حق الله تعالى، لقول الله تعالى: (لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) البقرة/286.
قال الجصّاص: في هذه الآية نصّ على أنّ الله تعالى لا يكلّف أحداً ما لا يقدر عليه ولا يطيقه، ولو كلّف أحداً ما لا يقدر عليه ولا يستطيعه لكان مكلّفاً له ما ليس في وسعه " انتهى.
لكن ارتفاع الإثم لا يعني ارتفاع المطالبة ببدل للنذر، فالعجز عن الوفاء به عذرٌ ينقل الناذر إلى البدل، وهو هنا الكفارة، فإن قاعدة الأيمان والنذور في هذا الشأن واحدة، وهي وجوب الكفارة عند الحنث، ولو كان بعذر.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال:
(النذور أربعة: من نذر نذرا لم يسمه فكفارته كفارة يمين، ومن نذر في معصية فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذرا فيما لا يطيق فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذرا فيما يطيق فليوف بنذره) . رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (3/472) ورواته ثقات، وروي مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن الأصح أنه من كلام ابن عباس رضي الله عنهما. كما قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (11/587) .
وقال ابن قدامة في "المغني" (10/72) :
"من نذر طاعة لا يطيقها، أو كان قادرا عليها، فعجز عنها، فعليه كفارة يمين " انتهى.
فالذي نذر أن يتصدق بمبلغ معين كل شهر، وجب عليه الوفاء بذلك.
فإن عجز في بعض الأشهر فلا إثم عليه، وعليه كفارة يمين، ثم إن أغناه الله بعد ذلك فعليه التصدق بما أوجبه على نفسه، لأن هذا الحق يتجدد كل شهر، كما ألزم نفسه بذلك.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: لقد نذرت إن توظفت أن أدفع مبلغ (600) ريال كفالة يتيم عن والدي ووالدتي، وذلك في كل شهر، وبعد ذلك كفلت يتيما واحدا لمدة سنة ونصف بواقع (2400) سنويا، ثم انقطعت لظروف مالية، والآن وبعد انقطاعي وعزمي مرة أخرى على كفالة يتيم حسب المبلغ المتراكم فوجدته (25000) ريالا.
فسؤالي لسماحتكم: ماذا علي أن أفعل؟
فأجابوا:
"يجب عليك الوفاء بنذرك؛ لأنه نذر طاعة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه) ، وعليك قضاء المبلغ عن الأشهر التي لم تخرجي عنها شيئا؛ لأنها واجبة عليك بالنذر، تقبل الله منك، وأخلف عليك ما هو أكثر وأنفع، وقد قال الله سبحانه:
(وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) .
ونوصيك مستقبلا بعدم النذر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تنذروا؛ فإن النذر لا يرد من قدر الله شيئا، وإنما يستخرج به من البخيل) متفق على صحته" انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (23/342) .
وخلاصة الجواب:
يجب عليه الاستمرار في الوفاء بالنذر، ولا يجوز له التهاون في ذلك.
أما الأشهر الماضية التي لم يرسل لهم فيها هذا المبلغ، فإن كان ترك ذلك عجزاً لكونه ليس معه مال فلا شيء عليه إلا كفارة يمين، وإن كان ترك ذلك تهاوناً فعليه قضاء ما فات، فيحسب المبلغ الذي لم يدفعه ثم يرسله إليهم.
وانظر جواب السؤال رقم (42178) ، (104059) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4393)
وكلت الجمعية في إخراج كفارة اليمين طعاما فأخرجتها نقودا
[السُّؤَالُ]
ـ[حلفت أيمانا، وأردت إخراج الكفارة عنها وأعطيت مبلغا من المال لجمعية مختصة بهذا الشأن ليخرجوها طعاما بهذا المبلغ، لكن ما حصل أنهم أخرجوها كما هي نقودا للفقراء، هل يجب عليّ إعادة إخراج الكفارة مرة أخرى؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا يجوز إخراج كفارة اليمين نقودا، في قول جمهور الفقهاء؛ لأن الله تعالى بين الكفارة بقوله: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة/89.
فمن أخرج القيمة أو النقود لم تجزئه.
قال ابن قدامة رحمه الله: "لا يجزئ في الكفارة إخراج قيمة الطعام، ولا الكسوة، في قول إمامنا (يعني: الإمام أحمد) ، ومالك، والشافعي، وابن المنذر، وهو ظاهر من قول عمر بن الخطاب وابن عباس.
لقول الله تعالى: (إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم) . وهذا ظاهر في عين الطعام والكسوة، فلا يحصل التكفير بغيره، لأنه لم يؤد الواجب إذ لم يؤد ما أمره الله بأدائه، ولأن الله تعالى خير بين ثلاثة أشياء ولو جازت القيمة لم ينحصر التخيير في الثلاثة، ولأنه لو أريدت القيمة لم يكن للتخيير معنى ; لأن قيمة الطعام إن ساوت قيمة الكسوة، فهما شيء واحد، فكيف يخير بينهما؟ وإن زادت قيمة أحدهما على الآخر، فكيف يخير بين شيء وبعضه؟ فعلى هذا، لو أعطاهم أضعاف قيمة الطعام، لا يجزئه لأنه لم يؤد الواجب فلا يخرج عن عهدته " انتهى من "المغني" (10/6) .
وعلى هذا؛ فيلزمك إخراج الكفارة مرة أخرى، وكان ينبغي لك أن تشترطي على الجمعية أن تخرج الكفارة طعاماً.
ونظراً لأن الخطأ الذي فعلته الجمعية يتكرر كثيراً في الزكاة والكفارات، فتصرف في غير مصرفها الشرعي، فينبغي للإنسان أن يخرج زكاة ماله أو الكفارة بنفسه، ولا يوكل في إخراجها أحداً، حتى يتأكد أنها وصلت إلى مستحقها، على الوجه الذي يجزئه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4394)
نذرت أن تترك سماع الأغاني ثم سمعتها
[السُّؤَالُ]
ـ[إحدى صديقاتي نذرت قبل عدة أشهر أنها إذا نجحت في امتحان من الامتحانات ستترك سماع الأغاني، والحمد لله نجحت وتركت سماع الأغاني لعدة أشهر، ولكنها في الفترة الأخيرة عادت إلى سماعها. هل عليها التكفير كلما سمعت الأغاني أم التكفير مرة واحدة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب عليها ترك سماع الأغاني سواء نذرت ذلك أم لم تنذر، ويتأكد عليها تركها من أجل النذر، وعقوبة مخالفة النذر عظيمة، قال الله تعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنْ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) التوبة/75-77.
فيجب عليها التوبة إلى الله تعالى من سماع الأغاني، والتوبة من عدم الوفاء بالنذر.
وسماع الأغاني والمعازف تفسد القلب، حتى يقع في النفاق، ولهذا قال من قال من السلف: الغناء ينبت النفاق في القلب.
وصدقوا، والواقع شاهد بهذا، فإن من يسمع الأغاني يحب سماعها، ويفضلها على سماع القرآن الكريم وتلاوته، وهذا من النفاق، وكلما زاد من السماع زاد من النفاق.
وقد يعجل الله تعالى العقاب لسامعي الغناء والمعازف في الدنيا، وهو عقاب شديد.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ خَسْفٌ وَمَسْخٌ وَقَذْفٌ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَتَى ذَاكَ؟ قَالَ: إِذَا ظَهَرَتْ الْقَيْنَاتُ وَالْمَعَازِفُ وَشُرِبَتْ الْخُمُورُ) رواه الترمذي (2138) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
فالأمة مهددة بهذه العقوبات إذا ظهرت المعازف والقينات (المغنيات) .
وأخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم عن جماعة يذهبون إلى أصل جبل، يسمعون المعازف ويشربون الخمر، فيخسف الله بهم الجبل، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة. رواه البخاري. ورواه ابن ماجه بلفظ (4020) : (لَيَشْرَبَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ، يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا، يُعْزَفُ عَلَى رُءُوسِهِمْ بِالْمَعَازِفِ وَالْمُغَنِّيَاتِ، يَخْسِفُ اللَّهُ بِهِمْ الْأَرْضَ، وَيَجْعَلُ مِنْهُمْ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه.
فعلى المؤمن أن يجتنب ما يغضب الله تعالى.
وأما بالنسبة للكفارة، فيجب عليها كفارة واحدة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4395)
قال لزوجته تحرمي علي لو كلمت فلانة
[السُّؤَالُ]
ـ[حدثت مشاجرة بيني وبين زوجتي وقلت لها: لو كلمت فلانة تحرمي علي، وذلك على سبيل التهديد، وبعدها قامت الأخرى بالاتصال بزوجتي دون أن تعرف، فما موقفي؟ وهل يعتبر ظهارا أم طلاقا؟ أم أنه يوجب كفارة حلف اليمين حيث إنني لم أقصد بكلامي الطلاق أو الظهار.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا قال الزوج لزوجته: أنت حرام علي، ولم يقصد طلاقا ولا ظهارا، فالراجح من كلام أهل العلم أن هذا حكمه حكم اليمين، ولا يقع به طلاق أو ظهار.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (81984) .
وعلى هذا؛ فإذا كلمت زوجتك هذه المرأة، فعليك كفارة يمين، ولمعرفة هذه الكفارة بالتفصيل راجع جواب السؤال رقم (45676) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4396)
هل يجزئ إخراج الثياب المستعملة في كفارة اليمين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[في كفارة اليمين هل تكفي مائة ريال تعطى للجمعيات الخيرية دون البحث عن أشخاص وإطعامهم؟ وهل إعطاء الجمعيات الخيرية ملابس قديمة عند الشخص وزائدة عن حاجته بغرض إيصالها للمحتاجين يكفي لكفارة اليمين من باب الكسوة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
كفارة اليمين بينها الله تعالى بقوله: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة/89.
وسبق بيانها بالتفصيل في جواب السؤال رقم (45676) .
ويجوز أن توكل من يطعم المساكين أو يكسوهم، سواء كان الوكيل جمعية خيرية أو شخصا تعرفه، مع التأكد من أن الوكيل لن يخرجها نقودا، وإنما سيخرجها طعاما لعشرة مساكين.
وينبغي أن يعلم: أن الواجب في كفارة اليمين إذا كان سيخرجها طعاما، أن تكون من وسط طعامه، فلا يلزمه أن يخرجها من أفضل ما يأكل، ولا يجوز له أن يخرجها من الأقل، بل من الوسط، لقول الله تعالى: (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ) المائدة/89.
وحينئذ؛ يكون تحديدها بـ 100 ريال غير دقيق، لأنه قد يكون غنياًّ، فيكون الوسط من طعامه قيمته أكثر من ذلك بكثير، وقد يكون فقيرا، فيكون طعامه دون ذلك، فكل إنسان يخرج الكفارة من أوسط طعامه، سواء كان غنيا أو فقيرا.
ثانيا:
الكسوة المجزئة في كفارة اليمين هي ما يصلح للصلاة، كقميص (ثوب) أو إزار ورداء، ولا يشترط أن يكون جديدا، فيجوز إخراج ثياب مستعملة إذا لم تكن قد بليت وذهب نفعها.
قال ابن قدامة رحمه الله: " ويجوز أن يكسوهم لبيساً أو جديداً , إلا أن يكون مما قد بلي وذهبت , منفعته , فلا يجزئ ; لأنه معيب" انتهى من "المغني" (10/9) .
وقال العدوي في حاشيته على شرح الرسالة (2/26) : " وهل يشترط أن تكون الكسوة جديدة أو لا؟
والظاهر: أنه لا يشترط، بل حيث كانت قوية لم تذهب فهي بمنزلة الجديدة " انتهى.
فإذا أخرجت عشرة أثواب، واعطيتها للجمعية لتوزعها على عشرة مساكين، جاز ذلك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4397)
حلف أن يسمي ولده باسم صديقه ويريد الرجوع عن ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت مع أحد الزملاء وحلفت له إذا أتاني مولود ذكر سوف أسميه على اسمك، واسمه خالد، وأنا أريد أن أسميه بتال، وللعلم هذا المولود هو أول مولود لي يرزقني الله به وأخاف عليه.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا حلفت أن تسمي المولد خالدا، ثم رأيت أن تسميه باسم آخر، فكفر كفارة يمين، لقوله تعالى: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة/39.
وانظر تفصيل الكلام على هذه الكفارة في جواب السؤال رقم (45676) .
ولم يتضح لنا المقصود بقولك: هذا المولود هو أول مولود لي يرزقني الله به وأخاف عليه.
فلا علاقة لهذا بتسميته خالدا أو بتالا، بل سل الله تعالى أن يحفظه.
وعليك أن تختار له الاسم الحسن، فإن هذا من الأمور المندوب إليها شرعا، وانظر جواب السؤال رقم (7180) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4398)
الوفاء بالنذر المكروه
[السُّؤَالُ]
ـ[نذرت جدتي أن تصوم شهر رجب مدى الحياة نذراً خالصاً لله، إن تحققت أمانيها، وبعد أن تحققت صامت كما نذرت إلى أن بلغت سنا ًيصعب معها الصيام ويشقُّ عليها المرض والكبر، فما الحكم في هذه الحالة؟ وهل يلزمها الاستمرار، أم تكفرِّ وتعفي من هذا النَّذر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إفراد رجب بالصيام مكروه، فهذه المرأة نذرت شيئاً مكروهاً وإذا نذر الإنسان شيئاً مكروهاً فالأولى أن لا يفعله ويكفر كفارة يمين، فعليها أن تُكِّفر كفارة يمين، بأن تعتق رقبة، أو تطعم عشرة مساكين، أو تكسو عشرة مساكين، لكل مسكين نصف صاع طعاماً، أو ثوب يجزيه في صلاته، فإن لم تقدر على واحدة من الثلاثة خصال المذكورة فإنها تصوم ثلاثة أيام، هذا هو الأحسن لها، ولا تفعل هذا النذر".
"مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (1/105) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4399)
نذرت أن تصوم تسع ذي الحجة وزوجها يمنعها
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة نذرت منذ حوالي ثلاث سنوات وقبل أن تتزوج، نذرت لله تعالى أن تصوم أيام التسع الأولى من شهر ذي الحجة من كل عام متتابعة وكانت لا تعلم بكراهية النذر ولم تذكر إن كانت استثنت ما بعد زواجها أو أحالت أمره إلى زوجها أم لا، ولكنها الآن قد تزوجت وزوجها يمانع من صيامها لأنه صيام نفل، ولا يجوز لها أن تصومه بدون رضاه، إضافةً إلى عدم تمكنها صحياً من الصيام، فهي تسأل هل هي ملزمة بالاستمرار في هذا النذر بالصيام مع معارضة زوجها وضعف حالتها الصحية، أم عليها أن تكفر كفارة يمين وتتخلص منه أو تقضيه فيما بعد في غير وقته المحدد متفرقاً أم ماذا تفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"أولاً: ينبغي التنبيه على أن النذر مكروه أو محرم الدخول فيه،لأنه يلزم المسلم بشيء قد لا يستطيعه، وقد يشق عليه وهو بعافية منه.
وعلى المسلم أن يفعل الخير من صيام وغيره بدون نذر، ويكون في سعة، إن شاء تركه، أما إذا نذر فإنه ألزم نفسه ووجب عليه أن يفي بنذره إذا كان نذر طاعة، لقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ) ، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (أوف بنذرك) ، ولقوله تعالى: (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ) الإنسان/7، ولقوله تعالى: (وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ) الحج/29، ولقوله تعالى: (وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ) البقرة/27.
والنذر إذا وقع وكان نذر طاعة، فإنه يلزم ويجب العمل به، أما قبل الدخول فيه، فلا ينبغي للمسلم أن يلزم نفسه وأن يدخل فيه.
وهذا الذي ذكرته السائلة أنها نذرت أن تصوم التسعة الأولى من ذي الحجة باستمرار، فهذا نذر طاعة، يلزمها الوفاء به، وليس لزوجها أن يمنعها من ذلك، لأن زوجها إنما يمنعها من صيام التطوع، أما الصيام الواجب المؤقت بوقت محدد فإنه لا يجوز لزوجها أن يمنعها منه، وهي نذرت أن تصوم هذه الأيام المعنية، فيجب عليها الوفاء بذلك، وإذا كانت تقول: إنها لا تستطيع ذلك صحياً، فإن كان القصد أن ذلك يشق عليها، فهذا لا يمنع من أداء الواجب حتى وإن كان فيه مشقة فإنها تصوم، لأنها ألزمت نفسها بذلك، ومعلوم أن الصيام فيه مشقة حتى على القوي.
أما إذا كان قصدها من ذلك أنها لا تستطيع الصيام، فإنها في العام الذي لا تستطيع فيه الصيام لمرض أو ضعف في الجسم تكفر كفارة يمين، لكن إذا قويت في العام الآخر، يجب عليها الصيام وهكذا.
فلا يجوز لها ترك ما نذرته، لأنها ألزمت نفسها بذلك، ولا ينبغي للمسلم أن يتلاعب بالنذر، ينذر ويُلزم نفسه، ثم بعد ذلك يلتمس المخارج، ويلتمس الحيل، هذا لا يجوز، لأن النذر أصبح واجباً من الواجبات، لا يجوز التخلص منه بدون مبرر شرعي.
وإذا صادفت هذه الأيام وقت عادتها الشهرية، فإنها تكون معذورة بتركها، لأن هذا من الأعذار الشرعية، مثل لو كانت مريضة، فإن هذا عذر شرعي يسقط عنها صيام هذه الأيام، ولكن إذا جاءت هذه الأيام وليس عندها عذر شرعي بأن كانت صحيحة وطاهرة من الحيض يجب عليها ذلك" انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (1/90) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4400)
نذرت إذا نجحت أن تصوم أياما متتابعة
[السُّؤَالُ]
ـ[أثناء الامتحانات نذرت إن نجحت أن أصوم سبعة أيام متتالية، بعد أن وفقني الله ونجحت بدأت أصوم النذر، لكنني لم أستطع مواصلة الأيام السبعة، فصمتها متفرقة، فهل فعلي هذا صحيح أم يجب على إعادتها متتابعة؟ وما العمل لو كنت لا أستطيع صيامها متتابعة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا نذر الإنسان صيام أيام متتابعة، وجب عليه الوفاء بنذره وأن يصوم هذه الأيام متتابعة، ولا يجوز له تفريقها، لقوله صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه) ، وهذا نذر طاعة، وما ذكرت السائلة من أنها صامت الأيام ولم تستطع المتابعة، تكون قد أخلت بالوفاء بنذرها، فهي إذا كان قطعها للتتابع لعذر كما ذكرت فإنها تخير بين أمرين: إما أن تستأنف (تصوم الأيام من جديد متتابعة) ، وإما أن تكمل ما بقي ويكون عليها كفارة يمين، وكفارة اليمين معروفة، عتق رقبة، أو إطعام عشرة مساكين، لكل مسكين نصف صاع من الطعام المعتاد في البلد، أو كسوة عشرة مساكين، لكل مسكين ثوب يستره في صلاته. تخير بين هذه الأمور الثلاثة، فإذا لم تستطع واحداً منها فإنها تصوم ثلاثة أيام".
"مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (1/89) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4401)
نذرت أن تذبح شاة عن أمها فهل يكفيها الصدقة بالمال؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كانت والدتي مريضة عندي، وقد توفيت قبل عامين، فنذرتُ إن رزقني الله من واسع فضله أن أتصدق بذبيحة في شهر رمضان من تلك السنة، وأن أهب ثوابها لوالدتي، وأنا أعمل في إحدى المدارس، وأتقاضى راتباً شهرياً قدره خمسة آلاف ريال، ولكني أعطيه زوجي المحتاج، وصاحب الأسرة الكبيرة وقليل الدخل، وقد بنى لنا منزلاً وتحمَّل ديوناً كثيرة للناس، ولذلك فأنا أساعده براتبي الشهري، ولم أتمكن تلك السنة من الوفاء بنذري، ولكني كنت أعطي أختي من الراتب مبلغ ألف ريال لتتصدق به على الفقراء، وأحتسب أجر هذه الصدقة لوالدتي، فهل تكفي هذه عن النذر، أم لا بد أن أتصدَّق بذبيحة كما حدَّدت، ولو بعد فوات السنة التي حدَّدتها لذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"أولاً: ننبه أنه لا ينبغي للمسلم أن ينذر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ النَّذْرَ لَا يُقَدِّمُ شَيْئًا وَلَا يُؤَخِّر، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِالنَّذْرِ مِنْ الْبَخِيلِ) .
ينبغي للمسلم أن يفعل الخير وأن يتصدق، وأن يتقرب إلى الله سبحانه وتعالى بما يسر الله بدون نذرٍ، لكنه إذا ألزم نفسه بذلك وجب عليه الوفاء، إذا كان نذره نذر طاعة، قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ) ، وقال الله تعالى: (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا) الإنسان/7، وقال تعالى: (وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ) البقرة/270.
فإذا نذر الإنسان نذر طاعة، وجب عليه الوفاء به، والسائلة تذكر أنها نذرت أن تذبح شاة في سنةٍ معينة وتوزعها على الفقراء، هذا نذر طاعة، لأنَّ ذبح الشاة فيه قربة إلى الله سبحانه وتعالى، والتصدُّق بلحمها فيه قربة أيضاً، وقد عيَّنته في وقت محدّد، كان يجب عليها أن توفي في وقته، وما دام أنَّها أخرَّته عن وقته، فإنَّه يجب عليها تنفيذه قضاءً، يجب عليها أن تذبح ما نذرته تقرباً إلى الله سبحانه وتعالى، وتتصدق بلحمه، ويكون هذا قضاء، وعليها بدل التأخير كفارة يمين.
إذاً يلزمها شيئان:
أولاً: تنفيذ النذر الذي نذرته قضاءً.
ثانياً: كفارة يمين تكون عن تأخيره عن وقته.
وكفارة اليمين، كما قال الله تعالى: (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ) المائدة/89، هذه كفارة اليمين.
وأمَّا أنَّها تتصدَّق وتُعطي أختها تتصدَّق بدراهم، فهذا لا يكفي عن النذر، لأن النذر معيَّن بذبيحة، وليس هو صدقة مطلقة، فلا يكفي عن النذر، وصدقتها التي ذكرت فيها أجر، وفيها خير إن شاء الله، ونرجو أن يصل ثوابها إلى المتوفاة، ولكنها لا تكفي عن النّذر، والله أعلم" انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (1/96) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4402)
نذر أن يصوم شهراً فهل يصوم ثلاثين يوماً متفرقة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[نذرت صيام شهر لله تعالى، ولكن لم أحدد أي شهر، فهل يجزئ أن أصوم ثلاثين يوماً متفرقةً أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"من نذر صوم شهر وأطلق، قد ذكر الفقهاء أنَّه يخير بين أمرين، إما أن يصوم شهراً بالهلال حينئذٍ يلزمه التتابع، ويجزيه ولو كان هذا الشهر تسعة وعشرين يوماً لأن هذا مسمى الشهر.
ويجوز له أن يصوم بالعدد غير متقيد بالشهر الهلالي، وحينئذ يلزمه أن يصوم ثلاثين يوماً، لأنه إذا صام بالعدد فلابد أن يكون ثلاثين يوماً، ويجوز له أن يُفرق هذه الأيام.
فهو مخير بين أن يصوم شهراً هلالياً وحينئذ يتقيَّد بالشهر، ويجوز له أن يصوم بالعدد، وحينئذ يلزمه أن يصوم ثلاثين يوماً، سواء كانت متفرقة أو متتالية".
"مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (1/102) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4403)
نذر أن يبني مسجدا ويريد أن يبيع الأرض
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد منَّ الله عليَّ واشتريت قطعة أرض لبناء بيت عليها وذلك منذ ثلاث سنوات، وبعد شرائها وشعوري بنعمة الله عليَّ نذرتُ أنني عند بنائها سأعمل الطابق الأرضي كله مسجداً، ويكون البيت في الدور العلوي، وقلت أمام أقاربي وأصدقائي: نذرت أن أعمل هذا العمل، ولكنني وجدتُ أن إمكانياتي المالية لن تسمح لي بالبناء، نظراً لتكاليف البناء الكبيرة، وسوف أقوم في الشهور القادمة ببيع هذه القطعة فهل يسقط عنِّي، أم لابد من عمل شيء بدلاً عنه. ثانياً: بالنسبة للزكاة عن هذه القيمة، هل أخرج قيمة الزكاة عن المبلغ الذي اشتريتها به فقط، ومن تاريخ شرائها، أم أخرج الزكاة عن المبلغ الذي ستباع به، أفيدوني جزاكم الله كل خير؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الذي يظهر من سؤالك أنك تريد أن تبني هذه الأرض التي اشتريتها وتجعل الدور الأرضي منها مسجداً، وأنك نذرت هذا النذر شكر اًلله على أن يسر لك هذه الأرض، ولكنك في الوقت الحاضر لا تستطيع عمارتها وتسأل هل يجوز لك بيعها؟
لا، لا يجوز لك بيعها، لأنك نذرت أن تجعل الدور الأرضي منها مسجداً، وأن تجعل ما فوقه سكناً، فما دام أنك لا تستطيع بناءها في الوقت الحاضر، فإنَّك تنتظر إلى أن ييسر الله سبحانه وتعالى بناءها وتنفِّذ ما نذرت، لأنك لم تيأس حتى الآن من عدم القدرة على بنائها وتنفيذ هذا النذر الذي نذرته.
وليس عليك زكاة في هذه الفترة لأنك لم تقصد بها التجارة، ولكنك قصدت البناء عليها".
"مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (1/104) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4404)
نذر أن يصوم خمسة أيام كلما شرب الدخان
[السُّؤَالُ]
ـ[نذرت أن أصوم خمسة أيام كلما قمت بشرب سيجارة من الدخان، وكان ذلك من باب العزم على الامتناع عنه ورغبةً منِّي في تركه إلى الأبد، ومرت الأيام والسنين، ثم عدتُ إليه وشربته مرة أخرى، فتذكرت النَّذر، فصمت خمسة أيام، فهل هذا يكفي ويُلغي النَّذر، أم أنَّه يلزمني أن أصوم عن كل سيجارة واحدة خمسة أيام، كما نصصت في نذري، فإنني شربت الآن الكثير، فإذا كان يلزمني عن كل سيجارة خمسة أيام، فمعناه أنني سأصوم أكثر من ألف يوم تقريباً، وكيف أستطيع ذلك؟ وما هو الحل؟ وهل من مخرج من هذه الكفارة بالصدقة أو نحوها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"أولاً: ننصح السائل وغيره ممن ابتلوا بتناول الدخان أن يتوبوا إلى الله سبحانه وتعالى، وأن يتركوا هذا الخبيث الذي يضرهم في دينهم ودنياهم، وفي صحتهم وأبدانهم، لأنه ضرر محض لا فائدة فيه بوجه من الوجوه، وهو خبيث من الخبائث، والله تعالى يقول في وصف نبيه عليه الصلاة والسلام: (وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ) الأعراف/157، والواجب على المسلم أن يكون عنده عزم وقوة وشهامة وقوة إيمان، يترك ما حرم الله عليه حتى وإن كان من أغلى الأشياء عليه، كيف وهو تافه وخبيث، فإنه يجب على المسلم أن يتوب إلى الله منه، وأن يتركه حفاظاً على صحته وعلى ماله وعلى دينه، لأنه لا يأتي بخير.
أما من ناحية النذر الذي نذرت، فأنت نذرت ترك محرم وهذا واجبٌ عليك، والإنسان إذا نذر أن يترك المحرم فإنه يجب عليه الوفاء بنذره، لأنه إذا نذر الإنسان فعل الواجب أو نذر ترك المحرم، فقد نذر واجباً عليه، يجب عليه الوفاء به، وأنت يجب عليك أن تتركه ولو لم تنذرُ، فكيف وقد نذرت!
إذاً، يتعين عليك تركه نصيحة لنفسك، ووفاء بنذرك (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) الطلاق/3،2.
هذا الذي ننصحك به ولا نرى لك غيره أبداً، لا نرى لك أن تنقض اليمين، وأن تتعاطى هذا الدخان، لأنه جريمة وضرر، فعليك أن تتوب إلى الله وأن تتركه، وأن تمضي في عزيمتك، وأن تخلِّص نفسك من أضراره.
قال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّكَ لَنْ تَدَعَ شَيْئًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا بَدَّلَكَ اللَّهُ بِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ مِنْهُ) ".
وقولك: كلما شربت أصوم خمسة أيام، معناه: أن النذر باق لم ينحل، وأنه كلما شربت سيجارة يلزمك صيام خمسة أيام، فيتكرر عليك النذر كلما تناولت سيجارة، وهذا مما يؤكد عليك ترك هذا الخبيث".
"مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (1/100) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4405)
حكم الحلف بحق القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الحلف بحق القرآن؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" ليس لأحد أن يحلف بحق القرآن، لأن حق القرآن تعظيمه منا، واتباعه، والإيمان بأنه كلام الله سبحانه، وهذه كلها من أفعالنا، والمخلوق لا يحلف به ولا بأفعاله، وإنما الحلف يكون بالله سبحانه أو باسم من أسمائه أو صفة من صفاته سبحانه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان حالفاً فلا يحلف إلا بالله أو ليصمت) .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء" (24/363) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4406)
النذر بالنيّة لا يلزم الوفاء به
[السُّؤَالُ]
ـ[نذرت قبل ثماني سنوات أن أصوم شهراً كاملاً وكان بالنية وبعد فترة وجيزة تراجعت عن ذلك النذر لما رأيت من صعوبة الوفاء به، ونذرت أن أصوم ثلاثة أيام من كل شهر وتلفظت به وقد استمررت في الوفاء بالنذر الثاني المتلفظ به من خلال السنوات الثماني الماضية، فهل يلزمني الوفاء بالنذر الأول (النية) أم الثاني المتلفظ به؟ وفي حالة الوفاء بالنذر الثاني هل يسقط عني الأول؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" النذر الأول بدون تلفظ لا يلزم الوفاء به، والنذر الثاني الذي تلفظت به وعاهدت الله بأن عليَّ أن أصوم كذا أو أقرأ كذا أو أتصدق بكذا، فهذا عمل طاعة فإذا نذرت وجب الوفاء بهذا النذر، وأما إذا كان مجرد (نيّة) في غير تلفظ فلا يلزم الوفاء به " انتهى.
"من فتاوى الشيخ عبد الله بن جبرين" (مجلة الدعوة/47) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4407)
نذرت أن تصوم كل خميس
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالبة عمري 14 سنة، كنت قد نذرت نذرا، أن أصوم كل خميس على مدى العمر، ولكنني لم أفكر فيه جيدا، مثلا: عندما يأتيني الحيض كيف سأفعل، وعند الزواج مثلا هل سيوافق زوجي على ذلك أم لا، أو عند حدوث أي شيء يمنعني من الوفاء بنذري، فهل ينطبق علي قوله صلى الله عليه وسلم: (لا نذر فيما لا يملك) ، فهل في هذه الحالة لا يجب علي الوفاء بنذري لأنه نذر خاطئ من الأساس؟ في نفس هذا النذر عند مجيء الخميس وهو اليوم، كنت ناوية أن أصوم، ولكنني لم أستأذن من أبي، فعندما ضبطت المنبه حتى أقوم للتسحر فلم أستيقظ، واستيقظت بعد أذان الفجر بنصف ساعة، فكنت محتارة أصوم أم لا، ولكنني قررت الصوم، ولكن أبي كان غضبان مني، ولم يكن موافقا أن أصوم، لأنني لم أتسحر، وأنا أصلا جسمي ضعيف، وكان عندي صداع في رأسي، ولكن كان قليلا، فأفطرت، وأبي حلف أن لا أصوم أي خميس؛ لأنه غير موافق، فماذا أفعل؟ هل أكفر عن نذري أم لا؛ لأن هذا النذر أصلا هل هو صحيح أم خاطئ كما قلت؟ هل إذا لم أقدر على وسائل التكفير الأولى مثل إطعام 10 مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة: أصوم 3 أيام؟ علما بأن أبي مثلا إذا لم يوافق على إخراج الكفارة أصوم 3 أيام، ما هو الرد على ذلك؟ ملاحظة: لا أعرف عدد أيام الخميس التي مضت حتى أصومها إذا كان علي صيامها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لما كان النذر سببا للمشقة والعنت – لما يترتب عليه من وجوب لم يكن واجباً في الأصل – جاءت الشريعة بالنهي عنه، وانظري جواب السؤال (27303) .
فمن اختار لنفسه بعد ذلك النذرَ وجبَ عليه تحمل ما التزمه، طاعة لله تعالى، يحتسب أجره عنده سبحانه وتعالى.
فمن نذر أن يصوم كل خميس وجب عليه الوفاء به؛ لأنه نذر قربة وطاعة، ولا يجوز نقضه والحنث فيه، لقول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ) رواه البخاري (6696) .
ونقل في "الموسوعة الفقهية" (40/146-147) : اتفاق أهل العلم على هذا.
فلا يجوز تضييع النذر وعدم الوفاء به من غير عذر، ولمعرفة عقوبة إخلاف النذر؛ يراجع جواب السؤال (42178) .
وليس هناك عذر في تركك الوفاء بالنذر إلا في إحدى حالتين:
1- أن تكوني صبية غير بالغة، فشرط صحة النذر البلوغ.
قال النووي في "المجموع" (8/433) :
" فأما الصبي فلا يصح نذره " انتهى بتصرف.
وقد ذكرت أن عمرك 14 سنة، فيحتمل أنك بالغة، ويحتمل أنك لم تبلغي بعد، ولمعرفة علامات البلوغ راجعي جواب السؤال رقم (70425) .
2- أن يصيبك من الصيام حرج ومرض ومشقة كبيرة غير معتادة بسبب ضعف جسمك ـ كما ذكرت ـ يقدرها الطبيب المسلم، فإن قرر أن الصيام يضرك فيجوز لك حينئذ ترك النذر، والتكفير عنه بكفارة اليمين، التي هي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام.
قال ابن قدامة في "المغني" (10/72) :
" مَن نذر طاعة لا يطيقها أو كان قادرا عليها فعجز عنها فعليه كفارة يمين " انتهى.
أما إذا كانت المشقة التي تلحقك بسبب الصيام مشقة عادية محتملة كالتي تصيب كل صائم، فهذا لا يجيز لك تركه.
ثانياً:
وأما بالنسبة لأيام الأعذار: فإذا كان ترك الصيام بسبب الحيض، فلا قضاء عليك ولا كفارة، لأن أيام الحيض تكون مستثناة من النذر، لتعذر صيامها شرعاً.
وأما إذا كان ترك الصيام بسبب المرض، فقد أفتى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله بوجوب قضائه.
http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=FullContent&audioid=112667
ولا يجب مع القضاء كفارة يمين لأن فطرك كان بعذر.
وأما إذا كان ترك الصيام بدون عذر فيجب قضاؤه، وإخراج كفارة يمين، لمخالفة النذر بلا عذر.
قال الشيخ ابن عثيمين في امرأة نذرت أن تصوم كل يوم اثنين وخميس ثم تركت ذلك:
"يجب عليها أن توفي بالنذر تصوم الاثنين والخميس، وهذا لا يضر إن شاء الله، لأنهما يومان في الأسبوع، وما مضى فإنها تقضيه وتكفر كفارة يمين عن فوات الزمن الذي عينته، فإذا كان مضى عليها أربعون اثنين وأربعون خميس، وجب أن تقضي ثمانين يوما مع كفارة اليمين، لفوات الوقت الذي عينته ثم تستقبل أمرها فتصوم كل يوم اثنين وخميس" انتهى.
فعلى هذا؛ فما مضى من الأيام لم تصوميها، عليك أن تجتهدي في معرفة عددها، وتقضيها، وعليك مع ذلك كفارة يمين.
ثالثاً:
ليس للوالد أن يمنع ولده من صوم النذر، بل ولا صوم التطوع إذا كان مستطيعا ولا يضره الصوم، ويتأكد هذا في صوم النذر لأنه صوم واجب.
وأما الزوج ففي حالتك ليس له المنع أيضاً، لأن النذر كان سابقاً على حقه، لأنه كان قبل الزواج.
قال الحافظ العراقي في "طرح التثريب" (4/141) :
" لا يحتاج في صوم رمضان إلى إذنه – يعني الزوج - ولا يمتنع بمنعه، وفي معنى صوم رمضان كل صوم واجب مضيَّق: كقضاء رمضان، أو نذرت قبل النكاح أو بعده بإذنه صيام أيام بعينها " انتهى.
وقد نقلنا في جواب السؤال رقم (105285) فتوى الشيخ صالح الفوزان فيمن نذرت قبل الزواج أن تصوم تسع ذي الحجة، أنه يس لزوجها أن يمنعها من هذا الصوم.
رابعاً:
كفارة اليمين هي: إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، أي خصلة من هذه الخصال فعلتها أجزأ ذلك عنك، فإن عجزت عن الخصال الثلاثة فإنك تصومين ثلاثة أيام، فإذا كان الصوم يضرك بسبب ضعف جسمك، فلا شيء عليك وتسقط عنك الكفارة لعدم الاستطاعة، ولا يجب على والدك أن يخرج الكفارة عنك، بل الكفارة واجبة عليك أنت.
والله أعلم.
نسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4408)
هل يصح الرجوع في النذر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالبة وكنت أدعو الله أن أحصل على المركز الأول على الفصل، ونذرت إن تحقق ذلك أن أصوم يوماً حددته، وكان يوم الخميس، وقبل ابتداء النصف الثاني للدراسة الذي تظهر فيه النتائج علمت أن المدرسة سترتب الأوائل على المدرسة وليس على الفصول، فغيرت نذري، أنني سوف أصوم نفس اليوم الخميس إذا حصلت على المركز الأول على المدرسة، وليس على الفصل. وظهرت النتائج وحصلت على المركز الثاني على المدرسة، والمركز الأول على الفصل، ولهذا لم أصم هذا اليوم، لأنني لم أحصل على المركز الأول على المدرسة. فهل أنا في مذنبة في هذه الحالة؟ وماذا أفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نذرك إن كان ترتيبك الأول على فصلك أن تصومي يوم الخميس، هو من نذر الطاعة الذي يجب الوفاء به عند تحقق الشرط، وحيث إنك أتيت الأولى على فصلك فيلزمك صيام يوم كما نذرت؛ وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: (مَن نذر أن يطيع الله فليطعه) رواه البخاري (6318) .
والنذر لا يصح الرجوع فيه، لما سبق من لزوم الوفاء به، ولقول عمر رضي الله عنه: (أربع جائزة في كل حال [أي ماضية نافذة] : العتق والطلاق والنكاح والنذر) رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (4/82) . وعن علي رضي الله عنه: (أربع لا رجوع فيهن إلا بالوفاء: النكاح , والطلاق , والعتاق , والنذر) ذكره ابن حزم في المحلى (8/197) .
وينظر: "الموسوعة الفقهية" (7/267) .
وأما نذرك الثاني وهو ما يتعلق بالترتيب على المدرسة، فلا يلزمك فيه شيء؛ لعدم تحقق الشرط.
وعلى هذا؛ فإن كان نذرك أنك تصومين أي يوم خميس، فيلزمك الوفاء به.
وإن كان نذرك أنك تصومين يوماً محدداً وقد فات فيلزمك قضاء هذا اليوم، فتصومين يوم خميس آخر، وعليك مع ذلك كفارة يمين، لأنك لم تصومي اليوم الذي حددت صيامه بالنذر.
قال المرداوي في "الإنصاف" (28/212) :
"وإن نذر صوم شهر معين فلم يصمه لغير عذر، فعليه القضاء وكفارة يمين ـ بلا نزاع ـ وإن لم يصمه لعذر، فعليه القضاء ـ بلا نزاع ـ وفي الكفارة روايتان (يعني عن الإمام أحمد) والمذهب: أن عليه الكفارة أيضاً، وصححه ابن قدامه وغيره" انتهى بتصرف.
واعلمي أن النذر مكروه وإن لزم الوفاء به؛ لما روى البخاري (6608) ومسلم (1639) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّذْرِ. وَقَالَ: (إِنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيل) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4409)
عليه صيام نذر فهل يجوز أن يصومه مع رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[علي صيام من نذر نذرته فهل يجوز أن أصومه مع رمضان؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب الوفاء بنذر الطاعة والبر، كمن نذر أن يصوم يوما أو أكثر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (مَن نذر أن يطيع الله فليطعه) رواه البخاري (6318) .
وهذا النذر إن كان معينا بوقت، وجب الوفاء به في وقته، كمن نذر صوم ثلاثة أيام من أول الشهر، وإن كان مطلقا غير معين، جاز صومه في أي وقت، إلا رمضان ويومي عيدي الفطر والأضحى وأيام التشريق.
أما رمضان، فلأن الزمان فيه مشغول بصوم الفرض، فلا يصح أن يوقع فيه صوما آخر.
وأما يوما العيد وأيام التشريق فللنهي عن صومها، فقد روى البخاري (6212) عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ، فَسَأَلَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: نَذَرْتُ أَنْ أَصُومَ كُلَّ يَوْمِ ثَلاثَاءَ أَوْ أَرْبِعَاءَ مَا عِشْتُ، فَوَافَقْتُ هَذَا الْيَوْمَ، يَوْمَ النَّحْرِ، فَقَالَ: أَمَرَ اللَّهُ بِوَفَاءِ النَّذْرِ، وَنُهِينَا أَنْ نَصُومَ يَوْمَ النَّحْرِ، فَأَعَادَ عَلَيْهِ، فَقَالَ مِثْلَهُ لا يَزِيدُ عَلَيْه.
قال الحافظ ابن حجر: " انعقد الإجماع على أنه لا يجوز له أن يصوم يوم الفطر ولا يوم النحر لا تطوعا ولا نذرا " انتهى.
وروى البخاري (1998) عَنْ عَائِشَةَ وَعَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَا: لَمْ يُرَخَّصْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يُصَمْنَ إِلَّا لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ.
وقد نَبَّه أهل العلم على أن رمضان لا يصح أن يصام فيه غيره:
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (6/315) : " قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله تعالى: يتعيّن رمضان لصوم رمضان , فلا يصح فيه غيره , فلو نوى فيه الحاضر أو المسافر أو المريض صوم كفارة أو نذر أو قضاء أو تطوع أو أطلق نية الصوم لم تصح نيته , ولا يصح صومه , لا عما نواه , ولا عن رمضان " انتهى.
وقال ابن قدامة رحمه الله في "المغني": " وليس للمسافر أن يصوم في رمضان عن غيره , كالنذر والقضاء ; لأن الفطر أبيح رخصة وتخفيفا عنه , فإذا لم يرد التخفيف عن نفسه , لزمه أن يأتي بالأصل. فإن نوى صوما غير رمضان , لم يصح صومه , لا عن رمضان , ولا عن ما نواه. هذا الصحيح في المذهب , وهو قول أكثر العلماء" انتهى.
وقال أيضاً (13/645) :
"فإن قال: لله عليّ أن أصوم شهرا، فنوى صيام شهر رمضان لنذره ورمضان، لم يجزئه، كما لو نذر أن يصلي ركعتين، لم تجزئه صلاة الفجر عن نذره وعن صلاة الفجر" انتهى باختصار.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " الواجب لمن نذر الصيام إذا كان معلقاً بشرط أن يوفي به من حين أن يوجد الشرط ولا يتأخر، مثال ذلك: قال: إن شفاني الله من هذا المرض فلله عليَّ نذر أن أصوم ثلاثة أيام، فشفي من المرض، فالواجب أن يبادر الإنسان بالصوم ولا يتأخر؛ لأن الله تعالى قال: (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ) التوبة/76-77.
أما النذر الذي ليس معلقاً بشرط، إنسان أراد أن يحمل نفسه على الصوم فقال: لله علي نذر أن أصوم ثلاثة أيام. من غير سبب، فهذا يجب عليه أن يبادر لكن ليس كوجوب الأول، فإذا أتاه رمضان وهو لم يصم فمن المعلوم أنه يبدأ برمضان، وإذا انتهى رمضان صام النذر، لكن لو أنه صام النذر في رمضان لم يصح صوم نذره ولا صوم رمضان. إنسان عليه نذر ثلاثة أيام فصام من رمضان ثلاثة أيام للنذر، فماذا عليه؟ لا ينفعه عن النذر ولا عن رمضان، أما كونه لا ينفعه عن النذر فلأن رمضان وقته مضيَّق لا يصح أن يصوم غيره فيه، وأما كونه لا يجزئ عن رمضان فلأنه لم ينو عن رمضان، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) " انتهى من "اللقاء الشهري" (52/4) .
والحاصل: أن شهر رمضان يتعين فيه صوم الفريضة خاصة، ولا يجوز أن يصام فيه غيره، لا تطوعا ولا نذرا، لا للحاضر ولا للمسافر، كما لا يجوز تشريك النية فيه، بأن ينوي الفرض والنذر معا؛ لأنهما عبادتان مقصودتان، فلا يفعلان بنية واحدة.
وعلى هذا، فلا يجوز لك أن تصوم النذر مع رمضان.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4410)
كرر اليمين وحنث فهل تلزمه كفارة واحدة أم كفارات؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أقسمت يمينا) أقسم بالله العظيم) ومع القسم وضعت يدي على كتاب الله حيث إنني أعدت القسم بنية أن كل قسم منفصل عن الآخر وفي كل قسم واضعا يدي على كتاب الله ولا أعرف عدد الأيمان بالضبط ألا أفعل معصية معينة وبصراحة ألا أنظر إلى الحرام أو ما شابه كي لا أقع في الإثم مع العلم أنني أعزب حيث إنني فعلت الحرام وبعكس ما أردت القسم عليه فما عليّ؟ هل أكفر عن يمين واحد أم الأيمان التي لا أعرف عددها؟ وهل عند وفاة الشخص أو استشهاده يبقى معلقا حتى يفي بالقسم؟ مع العلم أن الوضع المادي صعب وأريد الزواج.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
كراهتك للحرام، وحلفك بالله على تركه، يدل على ما فيك من الخير والإيمان، والخوف من الله تعالى، فنسأل الله أن يقوي إيمانك، ويزيد في عزمك، ويصرف عنك السوء، وييسر لك الزواج والعفة والإحصان.
ونوصيك أن تلجا إلى الله تعالى، وأن تكثر من سؤاله أن يحفظ عليك دينك وإيمانك، وأن يقيك الفتن ما ظهر منها وما بطن.
ثانيا:
من كرر اليمين على شيء واحد، ثم حنث لزمته كفارة واحدة.
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: أنا شاب حلفت بالله أكثر من ثلاث مرات على أن أتوب من فعل محرم، سؤالي: هل علي كفارة واحدة أم ثلاث، وما هي كفارتي؟
فأجاب: "عليك كفارة واحدة، وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو عتق رقبة، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام؛ لقول الله سبحانه: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ) المائدة/89، وهكذا كل يمين على فعل واحد أو ترك شيء واحد، ولو تكررت ليس فيها إلا كفارة واحدة، إذا كان لم يكفر عن الأولى منهما. أما إذا كان كفر عن الأولى ثم أعاد اليمين فعليه كفارة ثانية إذا حنث، وهكذا لو أعادها ثالثة وقد كفر عن الثانية فعليه كفارة ثالثة.
أما إذا كرر الأيمان على أفعال متعددة أو ترك أفعال متعددة فإن عليه في كل يمين كفارة، كما لو قال: والله لا أكلم فلانا، والله لا آكل طعاما، والله لا أسافر إلى كذا، أو قال: والله لأكلمن فلانا، والله لأضربنه، وأشباه ذلك.
والواجب في الإطعام لكل مسكين نصف صاع من قوت البلد وهو كيلو ونصف تقريبا.
وفي الكسوة ما يجزئه في الصلاة كالقميص أو إزار ورداء. وإن عشاهم أو غداهم كفى ذلك؛ لعموم الآية الكريمة المذكورة آنفا. والله ولي التوفيق " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (23/145) .
ثالثا:
أما قولك: إن الشخص عند موته أو استشهاده يبقى معلقا حتى يفي بالقسم، فإن كنت تقصد الكفارة، أي أنه يكون محبوسا أو معلقا لأنه لم يخرج الكفارة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلَّا الدَّيْنَ) رواه مسلم (1886) .
فالجواب: أن المراد بالدين هنا الدين الذي يكون للآدميين.
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: " (إِلَّا الدَّيْن) فَفِيهِ تَنْبِيه عَلَى جَمِيع حُقُوق الْآدَمِيِّينَ , وَأَنَّ الْجِهَاد وَالشَّهَادَة وَغَيْرهمَا مِنْ أَعْمَال الْبِرّ لَا يُكَفِّر حُقُوق الْآدَمِيِّينَ , وَإِنَّمَا يُكَفِّر حُقُوق اللَّه تَعَالَى " انتهى.
ومن كان عليه كفارة يمين، ولم يخرجها حتى مات، فإنها تخرج من تركته، قبل قسمتها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4411)
حنث في أيمان لا يذكر عددها كيف يفعل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[مررت بفترة كنت أفعل فيها فعلا خاطئا وهو أني كنت إذا احترت بين فعلين أقسم ألا أفعل واحدا منهما لكي أخرج من هذه الحيرة وكنت أحيانا أحنث بكثير من الأقسام وهي من الكثرة والتنوع بحيث لا أستطيع أن أذكر عددها وأنا الآن أريد أن أكفر عنها فكيف أفعل ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
صدقت أخي في وصف فعلك بأنه خاطئ، إذ ينبغي للمسلم تعظيم أمر اليمين فلا يكثر منه فقد ذم الله تعالى المكثرين من الأيمان، فقال: (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ) القلم/10، وقال سبحانه: (وَلَا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) البقرة/224.
قال أبو بكر الجصاص في "أحكام القرآن" (1/483) : "فكأن المعنى: إن الله ينهاكم عن كثرة الأيمان، والجرأة على الله تعالى، لما في توقي ذلك من البر والتقوى فتكونون بررة أتقياء" انتهى.
وقد صرح أهل العلم بكراهة الإكثار من الأيمان، قال ابن قدامة في المغني (9/386) : "ويكره الإفراط في الحلف بالله تعالى (أي الإكثار منه) ، لقول الله تعالى: (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ) وهذا ذم له يقتضي كراهة فعله" انتهى.
وما دمت قد حلفت أيماناً متعددة على أشياء مختلفة فتلزمك كفارة يمين لكل شيء حلفت عليه وحنثت، قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (9/406) : "وإن حلف أيماناً على أجناس، فقال: والله لا أكلت، والله لا شربت، والله لا لبست، وحنث في الجميع، فعليه في كل يمين كفارة، وهو قول أكثر أهل العلم" انتهى بتصرف يسير.
وعليك أن تجتهد وتتحرى في تقدير عدد الأيمان التي حلفتها، فما غلب على ظنك أنه عدد الأيمان التي حلفتها وحنثت فيها كَفَّرت عنها، وبهذا أفتى علماء اللجنة الدائمة للإفتاء كما بيناه في جواب السؤال رقم (34730) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4412)
تقديم النذر على حصول الشرط المعلق عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[كان لي مبلغ 8 آلاف جنيه عند شخص ما، ويئست من استردادهم ونذرت إذا رجع هذا المبلغ سأقوم بدفع ألف جنيه صدقة، وألف أخرى للمسجد وأن أقوم بالعُمرة، وبالفعل وصلني منهم ألف جنيه قمت بدفعهم للمسجد ثم وصلني 3 آلاف جنيه وأريد عمل عُمرة (تكملة باقي ثمن العمرة من مالي الخاص) ثم عند الحصول على باقي المبلغ آخذ ما دفعته للعمرة وأدفع الصدقة وآخذ باقي المبلغ لي، فهل هذا جائز أن أستكمل باقي مبلغ العمرة من مالي الخاص أم الأفضل دفع الـ 1000 جنيه (الصدقة) ويتم تأجيل العمرة؟ ملحوظة: عندما نذرت هذا النذر لم أكن أعرف أن النذر غير مستحب.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نذر الصدقة والعمرة هو من نذر الطاعة والتبرر، سواء كان مطلقا، كقول الإنسان: لله علي أن أتصدق بكذا أو أعتمر، أو كان معلقا على شرط، كقولك: إن رجع المال تصدقت واعتمرت، ونذر الطاعة يجب الوفاء به؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه) رواه البخاري (6202) .
لكن النذر المعلق لا يجب الوفاء به إلا عند حصول الشرط، فلا يلزمك أداء العمرة ولا الصدقة حتى يرجع مالك، لكن إن أردت فعل العمرة الآن أو الصدقة فلا حرج عليك؛ لأنه يجوز فعل النذر قبل حصول الشرط، كما يجوز تقديم كفارة اليمين قبل الحنث، ولا حرج أن تدفع من مالك ما يكمل نفقة العمرة، فإذا جاء المال أخذت ما دفعت، وتصدقت بالألف، وكان الباقي لك.
قال في "كشاف القناع" (6/277) عن النذر المعلق: " ويجوز فعل النذر قبل وجود شرطه، كإخراج الكفارة بعد اليمين وقبل الحنث " انتهى بتصرف.
وقال في "مغني المحتاج" (6/234) : " ويجوز تقديم المنذور على حصول المعلق عليه إن كان ماليا " انتهى.
ولا حرج عليك إن قدمت العمرة على الصدقة أو العكس، لأنك لم تشترط في النذر أن تقوم بهذه الأعمال على ترتيب معين، فسواء بدأت بالصدقة أو بالعمرة فكله جائز.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4413)
اليمين الغموس لا تكفرها إلا التوبة الصادقة
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت أن يمين الغموس تَغمِسُ صاحبها في النار، وأنها ليس لها كفارة، هل هذا يعني أن لا توبة من هذا الذنب؟ وهل الله يغفر كل الذنوب إذا كانت التوبة صحيحة وصادقة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
اليمين الغموس هي اليَمين الكاذِبة الفاجرة، كالتي يَقْتَطِع بها الحالفُ مالَ غيره، سُمِّيت غَمُوسا لأنها تَغْمِس صاحِبَها في الإثْمِ ثم في النار. كذا قال ابن الأثير في "النهاية" (3/724) .
ثانيا:
جاء في "الموسوعة الفقهية" (35/41) :
" اختلف الفقهاء في وجوب الكفّارة في اليمين الغموس، على قولين:
القول الأوّل: عدم وجوب الكفّارة في اليمين الغموس: وإليه ذهب جمهور الفقهاء: الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة.
القول الثّاني: وجوب الكفّارة في اليمين الغموس: وإليه ذهب الشّافعيّة....وقد استدلّ كل فريقٍ بأدلّة تؤيّد ما ذهب إليه " انتهى.
وانظر: "بدائع الصنائع" (3/3) ، "التاج والإكليل" (3/266) ، "كشاف القناع" (6/235) .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (23/133) :
" اليمين الغموس من كبائر الذنوب، ولا تجدي فيها الكفارة لعظيم إثمها، ولا تجب فيها الكفارة على الصحيح من قولي العلماء، وإنما تجب فيها التوبة والاستغفار " انتهى.
وسواء قيل بوجوب الكفارة أم لا؟ فإن الكفارة لا تكفر إثم اليمين الغموس، بل لا بد من التوبة النصوح.
ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (34/139) بعد أن نقل الخلاف في كفارة اليمين الغموس:
" واتفقوا على أن الإثم لا يسقط بمجرد الكفارة " انتهى.
ثالثاً:
واليمين الغموس كغيرها من الذنوب تكفرها التوبة الصادقة، وليس هناك ذنب لا تقبل التوبة
منه، فقد فتح الله تعالى باب التوبة أمام كل عاصٍ، والله تعالى يتوب على من تاب
قال عز وجل: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر/53
قال ابن كثير رحمه الله: هذه الآية دعوة لجميع العصاة من الكفرة وغيرهم إلى التوبة والإنابة، وإخبار بأن الله يغفر الذنوب جميعاً لمن تاب منها ورجع عنها، وإن كانت مهما كانت، وإن كثرت وكانت مثل زبد البحر.... والآيات من هذا كثيرة جداً انتهى.
وانظر جواب السؤال رقم (46683) ففيه زيادة بيان.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4414)
هل تبيع من حليها لتكفر كفارة اليمين أم يجوز لها الصوم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لي عدد من الأيمان لا أعرف عددها فكيف أكفر عنها؟ وهل الزوج مجبر على دفع الكفارة عن زوجته إذا لم يتوفر لديها المال؟ وهل لي أن أنتظر حتى أحصل على المال ثم أكفر. أم أصوم؟ علما أن لدي شيئا من الحلي، فهل علي بيعه لأحصل على المال؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الأيمان إذا تعددت وكانت على شيء واحد، ففيها كفارة واحدة، مثل أن يقول: (والله لا أكلم فلانا) ويكرر ذلك كثيرا ثم يكلمه، فعليه كفارة واحدة.
وإن تعدد المحلوف عليه فلكل يمين كفارة، مثل أن يقول: (والله لا أكلم فلانا) ثم يكلمه، (والله لا أسافر إلى كذا) ثم يسافر، وهكذا. فعليه كفارتان.
وإذا جهلت عددها، فعليك الاحتياط، فتكفّرين بما يغلب على ظنك براءة ذمتك به.
وينظر: جواب السؤال رقم (36749) .
ثانيا:
لا يجبر الزوج على سداد ديون زوجته، سواء كانت ديونا في حق الله تعالى كالزكاة والكفارات، أو ديونا في حق المخلوقين، فالزوجة هي التي تكفر عن الأيمان التي حلفتها. وإن تبرع الزوج بدفع الكفارة فلا بأس بذلك، وهذا من حسن خلقه وعشرته لزوجته، ولكنه لا يلزمه ذلك.
ثالثا:
كفارة اليمين هي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فمن لم يجد شيئا من ذلك صام ثلاثة أيام؛ لقوله تعالى: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة/39.
والقدر الواجب في الإطعام هو نصف صاع لكل مسكين، أي كيلو ونصف تقريبا من الأرز ونحوه، وإن كان معه شيء من الإدام فهو أفضل، ويجزئك في ذلك أن تغدي عشرة مساكين، أو تعشيهم.
ويكفي في الكسوة قميص (ثوب) لكل مسكين.
ينظر جواب السؤال رقم (45676) .
فإذا لم تجدي المال الكافي لإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فصومي ثلاثة أيام، ولا يلزمك انتظار الحصول على المال، بل الأفضل التعجيل بكفارة اليمين وعدم تأخيرها.
والضابط في إباحة الانتقال إلى الصوم: ألا يجد الإنسان ما يكفّر به فاضلا عن قوت يومه وليلته وعن حوائجه الأصلية من المسكن والمركب والخادم الذي يحتاج إليه.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (10/18- 20) : "ويكفّر بالصوم من لم يفضل عن قوته وقوت عياله , يومه وليلته , مقدارُ ما يكفر به".
إلى أن قال: " والكفارة إنما تجب فيما يفضل عن حاجته الأصلية , والسكنى من الحوائج الأصلية , وكذلك الدابة التي يحتاج إلى ركوبها. . . وكذلك الخادم الذي يحتاج إلى خدمته.
إذا ثبت هذا , فإنه إن كان في شيء من ذلك فضل عن حاجته , مثل من له دار كبيرة تساوي أكثر من دار مثله , ودابة فوق دابة مثله , وخادم فوق خادم مثله , يمكن أن يحصل به قدر ما يحتاج إليه وتفضل فضلة يكفر بها , فإنه يباع منه الفاضل عن كفايته , أو يباع الجميع , ويشترى له قدر ما يحتاج إليه , ويكفر بالباقي. وإن تعذر بيعه , أو أمكن البيع ولم يمكن شراء ما يحتاج إليه , ترك ذلك , وكان له الانتقال إلى الصيام " انتهى.
ومن الحوائج الأصلية للمرأة: الحلي الذي تتزين به، فإن كان ما معها من الحلي على قدر حاجتها من غير زيادة، ولا إسراف، فلا يلزمها أن تبيعه لتكفر عن يمينها، ويكفيها في هذه الحالة أن تكفر عن يمينها بالصوم.
وإن كان زائدا عن حاجتها باعت من الزيادة لتكفر عن يمينها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4415)
حلف على المصحف ألا يذهب لأكثر من طبيب ويريد الحنث
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا منذ 15سنة مبتلى بمرض نفسي، وهو أني أحس بضيق في التنفس، وعدم النوم إلا بمنوم، وأشعر بنوبات فزع اضطر إلى الذهاب إلى أكثر من الطبيب مما جعل زوجتي تغضب علي، فحلفت لها بالمصحف ألا أذهب إلا لطبيب واحد، ولكني احتجت بعد فترة أن أذهب أكثر من طبيب، فما الحكم في ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نسأل الله تعالى لك الشفاء والمعافاة، ونوصيك بملازمة الذكر وقراءة القرآن، وسؤال الله تعالى والالتجاء إليه، فإن الأمر كله بيده سبحانه.
وانظر في علاج الضيق والقلق: سؤال رقم (21677) .
ثانيا:
إذا حلفت ألا تذهب إلا لطبيب واحد، ثم دعت الحاجة لذهابك لأكثر من طبيب، فلا حرج عليك في ذلك، وتلزمك كفارة يمين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ) رواه مسلم (1650) .
لكن ينبغي أن تُعلم الطبيب بحاجتك للدواء، وتطلب منه زيادة الجرعة، ولا تفعل ذلك من تلقاء نفسك، لما قد يترتب عليه من آثار ضارة في المستقبل.
ثالثا:
الذي يحلف بالمصحف، إما أن يريد الحلف بما فيه من كلام الله، فهي يمين منعقدة تجب الكفارة بالحنث فيها، وإما أن يريد الحلف بالأوراق، فهذه يمين بغير الله، وهي شرك تجب التوبة منها والعزم على عدم العود إليها، ولا تجب بالحنث فيها كفارة؛ لأنها يمين محرمة غير منعقدة. راجع جواب السؤال رقم (98194) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4416)
حكم الحلف بالمصحف، وكفارة الحنث فيه
[السُّؤَالُ]
ـ[حلفت في المصحف، مع وضع يدي عليه، ولم أستطع الوفاء بالقسم هل من كفارة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا تنعقد اليمين إلا إذا كانت باسم من أسماء الله تعالى أو صفة من صفاته.
والحلف بالقرآن، حلفٌ بكلام الله تعالى الذي هو صفة من صفاته، وأما الحلف بالمصحف، فإن أراد ما فيه من كلام الله، فهي يمين مشروعة، وإن أراد الورق والمداد، فهذا حلف بغير الله تعالى، وهو شرك، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ) رواه الترمذي (1535) وأبو داود (3251) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
ولهذا كان الأولى ألا يحلف الإنسان بالمصحف، لأن المصحف فيه كلام الله، وفيه المداد والورق.
وأما وضع اليد على المصحف أو داخله، فهذا أمر محدث، ويفعله بعض الناس للتغليظ والتشديد ليتهيب الحالف من الكذب.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " عن حكم الحلف على المصحف؟ .
فأجاب رحمه الله تعالى: الحلف والقسم لا يجوز إلا بالله تعالى أو صفة من صفاته، فإذا حلف الإنسان بالله سبحانه وتعالى فإنه لا حاجة إلى أن يأتي بالمصحف ليحلف عليه، فالحلف على المصحف لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا في عهد الصحابة، حتى بعد تدوين المصحف؛ لم يكونوا يحلفون على المصحف، بل يحلف الإنسان بالله سبحانه وتعالى بدون أن يكون ذلك على المصحف " انتهى بتصرف من "فتاوى نور على الدرب".
وجاء في قرار "مجمع الفقه الإسلامي": " 2- وضع الحالف يده عند القسم على المصحف أو التوراة أو الإنجيل أو غيرهما ليس بلازم لصحة القسم، لكن يجوز إذا رآه الحاكم لتغليظ اليمين ليتهيب الحالف من الكذب.
3- لا يجوز لمسلم أن يضع يده عند الحلف على التوراة أو الإنجيل، لأن النسخ المتداولة منهما الآن محرفة، وليست الأصل المنزل على موسى وعيسى عليهما السلام، ولأن الشريعة التي بعث الله - تعالى - بها نبيه محمداً، - صلى الله عليه وسلم -، قد نسخت ما قبلها من الشرائع " انتهى نقلا عن "فتاوى إسلامية" (3/463) .
ثانياً:
إذا حلف الإنسان على يمين ثم لم يستطع الوفاء بتلك اليمين فإنها تلزمه الكفارة، وقد سبق بيان كفارة اليمين في سؤال رقم (45676) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4417)
نذر ألا يتزوج حتى تحفظ أمه قدراً من القرآن ويشق ذلك عليها
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد نذرت بأن لا أتزوج حتى تتم والدتي حفظ ثلاثة أجزاء من القرآن الكريم وذلك ضايقها كثيراً ولمدة ستة أشهر لم تحفظ سوى (النبأ والنازعات وعبس) ويكاد يشق عليها ذلك فهل هذا من العقوق لأني ضايقتها؟ وهل يجوز أن أتزوج قبل أن تتم الحفظ؟ ماذا أفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز لأحد أن يلزم أمه بما لا يلزمها شرعاً، حتى يشق ذلك عليها، فما دامت أمك لا تستطيع الحفظ إلا بمشقة شديدة، فليس لك أن تلزمها بذلك، فعليك الاعتذار لها واسترضائها، وإخراج كفارة يمين، لأن النذر الذي يراد منه حث إنسان على فعل معين حكمه حكم اليمين، وإذا أخرجت كفارة يمين فقد انحل النذر، ولم يكن على والدتك حفظ ما لا تستطيعه.
قال ابن قدامة رحمه الله في بيان أنواع النذر: " والنذر الذي يخرجه مخرج اليمين، للحث على فعل شيء أو المنع منه، غير قاصد به النذر ولا القربة فهذا حكمه حكم اليمين" انتهى بتصرف من المغني (10/67) .
فعليك أن ترضي أمك، وتكفّر كفارة يمين، وتتزوج.
ولمعرفة كفارة اليمين بالتفصيل انظر جواب السؤال رقم (45676) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4418)
أفطر بعذرٍ في صوم نذر متتابع فهل ينقطع تتابعه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[نذرت نذراً العام الماضي أثناء الاختبارات بأن أقوم بصيام 10 أيام متتالية فى الصيف إذا جاءت الدروس التى ذاكرتها فى الاختبارات، وهو ما حدث، ولذلك فقد شرعت فى صيام العشرة أيام، ولكن في منتصف قيامي بالصيام قررت أسرتى أن تذهب لأداء العمرة، حتى إنني قمت بالصيام أثناء سفري من مدينتي إلى مكة، ولكن أثناء عودتي شعرت بالتعب الشديد، وكان عليَّ الإفطار لشرب الماء، ثم أكملت الأيام المتبقية بعد ذلك اليوم، فهل تعتقدون أن نذري قد قُبِل أم أن عليَّ إعادة صيام العشرة أيام؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا ينبغي للمسلم أن يسارع إلى النذر كلما أراد حصول شيء، فإن النذر لا يقدِّم شيئاً ولا يؤخره، وليس هو من أسباب حصول المطلوب، وقد يُلزم المسلم نفسه بفعل عبادة ثم لا يفي بما عاهد الله عليه فيعرض نفسه للإثم الشديد ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النذر. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (43396)
ثانياً:
اختلف العلماء فيمن نذر صيام أيام متتابعة ثم قطع التتابع بسبب مرض أو سفر، هل يلزمه إعادة الصيام، أم يكفيه أن يكمل على ما سبق من أيام ولا يكون الإفطار لعذر قاطعاً للتتابع؟
والذي يظهر أن كل ما أبيح الفطر من أجله في رمضان فإنه لا يقطع التتابع، وهو قول الحنابلة خلافاً للجمهور، فمن أفطر في صوم التتابع لعذرٍ: لم ينقطع تتابعه، ومن أفطر لغير عذرٍ: انقطع تتابعه، ولزمه الاستئناف من جديد، ولا كفارة عليه.
وعلى هذا، فإفطارك بسبب السفر لا حرج فيه، ولا يقطع تتابع الأيام العشرة، وما دمت أكملت الصيام بعد هذا اليوم، فقد وفيت بالنذر، وليس عليك شيء آخر.
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء (21/320) :
" الأصل في صفة أداء كفارة القتل خطأ أن يكون الصيام متتابعاً، والذي لا يقطع التتابع يكون اضطراريّاً كالمرض الذي لا يستطيع الصيام معه، وكالحيض بالنسبة للمرأة، وهذا لا يقطع التتابع، بل يبني على ما مضى، وقد يكون اختياراً كالمسألة التي سأل عنها السائل، وهي مسألة السفر لحاجة، فلا يقطع أيضاً؛ لأنه عذر شرعي إذا كان السفر ليس من أجل الفطر، بل لمسوغٍ شرعيٍّ، كما ذكر في السؤال " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
" ولا يقطع التتابع إذا أفطرت المرأة للحيض؛ لأن هذا فطر لابد منه، ولا يقطع التتابع - أيضاً - إذا أفطر للسفر، ولا يقطع التتابع إذا مرض فشق عليه الصوم، وهنا نقول القاعدة: أن ما يجب عليه التتابع من الصيام إذا قطعه لعذر شرعي: فإنه لا ينقطع التتابع، فإذا زال العذر أكمل الصيام، ولا يلزمه أن يستأنف من جديد " انتهى.
" لقاءات الباب المفتوح " (93 / السؤال رقم 16) .
وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
إذا نذرت صيام شهرين متتابعين، وبعد مضي خمسة وأربعين يوماً من الصيام أفطرت لعذر شرعي، وبعد أن أردت أن أتم بقية الشهرين بعد انقضاء العذر وقعت في خلاف بين الناس: فمنهم من قال: يجب عليك إعادة الصيام، ومنهم من قال: أتمم صومك، والآن وقد مضى وقت طويل بين الخمسة والأربعين يوماً وبقية الشهرين ماذا عليَّ أن أفعل؟ .
فأجاب:
" إذا كان الإفطار بعذر شرعي كالحيض والنفاس وغيرهما: فإنه لا يقطع التتابع.
لكن؛ بما أنه قد مضى وقت طويل بعد انقطاع العذر - حسبما ذكرت -، ولم تصم خلاله: فإن التتابع قد انقطع، وعليك باستئناف صيام الشهرين المتتابعين من جديد؛ لأن التتابع مشروط في النذر كما ذكرت؛ فلا بد منه " انتهى.
" المنتقى من فتاوى الفوزان " (3 / 152، 153، السؤال رقم 233) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4419)
نذرت صيام شهر إذا أصلح الله زوجها وإلى الآن لم ينصلح
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة نذرت بأن الله إذا أصلح زوجها وأصبح عالما أن تصوم شهرا. ولكن إلى الآن لم يصلح زوجها. فقد سمعنا أنه يجب عليها أن تصوم شهرا تأديبا لنفسها حتى ولو لم يصلح زوجها، لأن هذا النذر يعتبر من نذر البخيل. فما رأيك يا شيخ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
النذر في الأصل مكروه، لا ينبغي الإقدام عليه؛ لما روى البخاري (6608) ومسلم (1639) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ نَهَى: النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّذْرِ وَقَالَ: (إِنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيل) . وروى البخاري (6609) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يَأْتِ ابْنَ آدَمَ النَّذْرُ بِشَيْءٍ لَمْ يَكُنْ قَدْ قَدَّرْتُهُ، وَلَكِنْ يُلْقِيهِ الْقَدَرُ وَقَدْ قَدَّرْتُهُ لَهُ، أَسْتَخْرِجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ) .
ومع كراهة النذر فإنه يجب الوفاء بنذر الطاعة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (مَن نذر أن يطيع الله فليطعه، ومَن نذر أن يعصيه فلا يعصه) رواه البخاري (6318) .
ثانيا:
قولك: إذا أصلح الله زوجي وأصبح عالما صمت شهرا، هو من نذر الطاعة المعلق على شرط فمتى حصل الشرط وجب الوفاء بالنذر، وإذا لم يتحقق الشرط فلا يلزمك شيء.
قال ابن قدامة رحمه الله عن نذر الطاعة والتبرر: " وهو ثلاثة أنواع، أحدها: التزام طاعة في مقابل نعمة استجلبها أو نقمة استدفعها، كقوله: إن شفاني الله فلله علي صوم شهر، فتكون الطاعة الملتزمة مما له أصل في الوجوب بالشرع، كالصوم والصلاة والصدقة والحج، فهذا يلزم الوفاء به بإجماع أهل العلم " انتهى من "المغني" (13/622) .
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (12/315) : " اتفق الفقهاء على جواز تعليق النذر بالشرط , ولا يجب الوفاء قبل حصول المعلق عليه ; لعدم وجود سبب الوفاء , فمتى وجد المعلق عليه وجد النذر ولزم الوفاء به " انتهى.
وبهذا يتبين أن ما سمعتيه ليس صحيحا كله، فالنذر يستخرج به من البخيل، ولكن لا يجب الوفاء بالنذر المعلق على شرط إلا إذا تحقق الشرط.
وكان الأفضل لك من النذر أن تناصحي زوجك وتساعديه وتأخذي بيده إلى الصلاة والاستقامة وطلب العلم وتكثري له من الدعاء.
نسأل الله تعالى أن يوفقكما لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4420)
نذر أن يصوم رجب وشعبان ورمضان ولا يستطيع بسبب عمله؟
[السُّؤَالُ]
ـ[نذرتُ لئن أراد الله ووصلت الديار المقدسة وزرت البيت الحرام، أن أصوم ثلاثة أشهر رجب وشعبان ورمضان، وقد أديتُ فرضي والحمد لله، ولكن نظراً لظروف عملي لم أستطع إكمال الصيام فهل يجزئ عن ذلك صيام الاثنين والخميس من كل أسبوع أم لا؟ وهل يُشترط التتابع في الصيام أم لا؟ وإذا لم أستطع فهل يجزئ عنَّي كفارة أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"أولاً: ننبه أنه لا ينبغي للإنسان أن ينذر، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وقال: (إِنَّ النَّذْرَ لَا يُقَدِّمُ شَيْئًا وَلَا يُؤَخِّرُ، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِالنَّذْرِ مِنْ الْبَخِيلِ) .
فلا ينبغي للإنسان أن ينذر، الإنسان ينبغي له أن يتقرب إلى الله بالطاعات والقربات من غير نذر، ولا يُلزم نفسه إلا ما أوجبه الله عليه في أصل الشريعة، أما أن يدخل نفسه في حرج، ويُحمِّلها واجباً ثقيلاً من صيام أو عبادة لا تجب عليه بأصل الشرع، ثمَّ بعد ذلك يتحرج ويطلب المخارج فهذا شيء يجب عليه أن يحذر منه من البداية وألا ينذر، لكن إذا نذر وعقد النَّذر وهو نذر طاعة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ) ، والله تعالى يقول: (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا) الإنسان/ 7، ويقول تعالى: (وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ) البقرة/270، ويقول تعالى: (وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ) الحج/29، فإذا نذر الإنسان طاعة وجب عليه أن يؤديه، لأنه أوجبه على نفسه فوجب عليه أداؤه، وما ذكرته السائلة من أنها نذرت أن تصوم ثلاثة أشهر، رجب وشعبان ورمضان: أما رمضان فهذا واجبٌ عليها في أصل الشرع أن تصومه، فقد نذرته فيكون واجباً من ناحتين: بأصل الشرع وبالنذر، فهذا لابد من صيامه، وأما صيام رجب وشعبان، فهذا يجب عليها صيامهما بالنذر فقط، ويجب عليها أن تصوم ما دامت نذرت أن تصوم رجب وشعبان ورمضان، لأن هذا نذر طاعة.
وإذا كانت عينت سنة معينة، قالت: من سنة كذا فيجب عليها أن تصوم رجب وشعبان من السنة المعنية، أما إذا كانت نذرت رجب وشعبان غير معين من سنة، فإنها تصوم رجب وشعبان من أي سنة تمرُّ عليها.
الحاصل: لا بد لها من صيام هذا النذر، ولو كان فيه عليها مشقة، لأنها هي التي ألزمت نفسها بهذا، فتصوم ما دامت تستطيع الصيام، ولو كان عليها مشقة، ولا يجزئ عنها أن تصوم الاثنين والخميس من كل أسبوع كما ذكرت، لا بد من صيام رجب وشعبان ورمضان، ولا يجزئ عنها الإطعام أيضاً، لأنها تستطيع أن تصوم ولو مع المشقة.
وإذا كان قصدها رجب وشعبان من سنة يعني متواليين، يجب عليها أن تصومهما متواليين، أما إذا كان قصدها رجب من أي سنة، وشعبان من أي سنة، فلا مانع أن تصوم رجب مثلاً في سنة، وشعبان في سنةٍ أخرى، إذا لم تكن قد نوت سنة معينة، أو في سنة واحدة".
"مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (1/98) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4421)
إخبار الشخص بنقض اليمين ليكفر
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كسر شخص يمين شخص آخر دون أن يدري الحالف فهل يجب عليه أن يخبره لكي يكفر؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله:
لابد أن يخبره.
سؤال:
يجب عليه.
الجواب:
نعم.
سؤال:
لو كفّر عنه ثم أخبره فرضي ووافق فهل يجزئه أم لا؟
جواب:
الصحيح أنه يجزئ.
سؤال:
وهل يشترط إخباره بأنه كفّر عنه لتبرأ الذمة؟
جواب:
نعم لابد أن يخبره، وإن أخبره قبل أن يكفر لكان أحسن. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(5/4422)
القسم برفع اليد فقط هل يعتبر قسماً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أستفسر منكم عن القسم (اليمين) عند غير المسلمين وهل يعتبر قسما إذا أداه المسلم؟ مثال لذلك أن يرفع يده ويقول هذه المعلومات صحيحة هل يعتبر قسم أم لا الرجاء التوضيح.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا تنعقد اليمين إلا إذا كانت باسم من أسماء الله تعالى أو صفة من صفاته. وأما رفع اليد فليس يمينا، سواء فعل ذلك عند المسلمين أو عند غيرهم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4423)
نذرت أن تصوم شهراً فهل تقضي أيام الحيض؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد نذرت صوم شهر، فهل الأيام التي أكون فيها حائضة يلزمني قضاؤها بعد انتهاء النذر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا نذرت المرأة أن تصوم شهراً، فإنها تقضي أيام حيضها، كما أنها تقضي أيام حيضها في شهر رمضان.
انظر المغني لابن قدامة (10/86) .
وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء مثل هذا السؤال فأجابت:
" يجب عليك صوم الشهر الذي نذرت صيامه، وإن أفطرت منه شيئا بسبب الحيض فعليك قضاء عدد الأيام التي أفطرتيها من الشهر.
وبالله التوفيق " اهـ.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (23/336) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4424)
حلف أيمانا كثيرة ولم يكفر عنها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا سريع الغضب والحلف وكثيرا ما تسقط الأيمان التي حلفتها ولا أعلم كم علي من كفارات الأيمان ولا أحصي رقما وأريد أن أوفي ما علي من كفارات؟ فماذا أفعل؟ وهل يجوز أن تكون كفارة اليمين عبارة عن دعوة غداء للأهل والأقارب؟ وهل الحلف بالطلاق مع سقوط اليمين يوجب الكفارة؟ مع العلم أن النية عند الحلف بالطلاق غير معلومة، ولكن غالب الظن أنها ليست بقصد الطلاق.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يكره الإكثار من الحلف؛ لقول الله تعالى: (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلافٍ مَهِينٍ) القلم / 10، وهذا ذم له يقتضي كراهة فعله، كما قال ابن قدامة رحمه الله. "المغني" (13/439) .
ثانيا:
من حلف أيمانا متعددة، وحنث ولم يكفّر عن شيء منها، فله حالان:
الأول: أن تكون الأيمان على شيء واحد، كأن يقول: والله لا أشرب الدخان، ثم يحنث ولا يكفر، ثم يعود فيحلف كذلك، فهذا تلزمه كفارة واحدة.
والثاني: أن تكون الأيمان على أفعال مختلفة، كقوله: والله لا شربت، والله لا لبست، والله لا أذهب إلى مكان كذا، ويحنث في الجميع ولم يكفّر عن شيء منها، فهل تلزمه كفارة واحدة أو كفارات؟ فيه خلاف بين الفقهاء، فجمهور العلماء على تعدد الكفارة. وهو الصحيح؛ لأنها أيمان على أفعال مختلفة، كل يمين مستقلة بنفسها.
وينظر: "المغني" (9/406) .
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: أنا شاب حلفت بالله أكثر من ثلاث مرات على أن أتوب من فعل محرم، سؤالي: هل علي كفارة واحدة أم ثلاث، وما هي كفارتي؟
فأجاب: "عليك كفارة واحدة، وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو عتق رقبة، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام؛ لقول الله سبحانه: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ) المائدة/89، وهكذا كل يمين على فعل واحد أو ترك شيء واحد، ولو تكررت ليس فيها إلا كفارة واحدة، إذا كان لم يكفر عن الأولى منهما. أما إذا كان كفر عن الأولى ثم أعاد اليمين فعليه كفارة ثانية إذا حنث، وهكذا لو أعادها ثالثة وقد كفر عن الثانية فعليه كفارة ثالثة.
أما إذا كرر الأيمان على أفعال متعددة أو ترك أفعال متعددة فإن عليه في كل يمين كفارة، كما لو قال: والله لا أكلم فلانا، والله لا آكل طعاما، والله لا أسافر إلى كذا، أو قال: والله لأكلمن فلانا، والله لأضربنه، وأشباه ذلك.
والواجب في الإطعام لكل مسكين نصف صاع من قوت البلد وهو كيلو ونصف تقريبا.
وفي الكسوة ما يجزئه في الصلاة كالقميص أو إزار ورداء. وإن عشاهم أو غداهم كفى ذلك؛ لعموم الآية الكريمة المذكورة آنفا. والله ولي التوفيق " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (23/145) .
ثالثا:
إذا جهلت عدد الأيمان بيقين، فاجتهد في تقديرها على وجه التقريب، ثم أخرج كفارات على عددها التقريبي – إذا كانت على أشياء مختلفة - حتى يغلب على ظنك أنك أخرجت الواجب عليك.
رابعا:
إذا كان أقاربك فقراء ومساكين، ودعوت عشرة منهم إلى غداء أو عشاء، أجزأ ذلك عن كفارة يمين، سواء دعوتهم في مجلس واحد أو في أوقات مختلفة.
ومن لم يستطع العتق أو الإطعام أو إخراج الكسوة، فإنه يصوم ثلاثة أيام، كما سبق في الآية الكريمة.
خامسا:
الحلف بالطلاق أمره عظيم، وينبني عليه وقوع الطلاق عند الحنث، في قول جمهور الفقهاء، ولهذا يجب الحذر من ذلك.
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يرجع فيه إلى نية الحلف، فإن نوى التهديد أو الحث أو المنع أو التصديق أو التكذيب، ثم حنث، فعليه كفارة يمين، وإن نوى الطلاق وقع الطلاق، وكل أدرى بنيته. وإذا غلب على ظنه أحد الأمرين، فليعمل بما غلب على ظنه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4425)
أخرج كفارة اليمين نقودا فهل يلزمه إعادتها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أخرجت 3 كفارات أيمان متفرقة نقدا وقمت بإعطاء كل كفارة لـ 10 مساكين دون أن أحدد أنها للإطعام أو للكسوة، ولكن حددت أنها كفارة لليمين، فهل يجب إعادة إخراج هذه الكفارات؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إخراج كفارة اليمين نقودا، لا يجزئ عند جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة. ويجزئ عند الحنفية. قال ابن قدامة الحنبلي رحمه الله: " لا يجزئ في الكفارة إخراج قيمة الطعام , ولا الكسوة , في قول إمامنا، ومالك , والشافعي , وابن المنذر ... وهو ظاهر من قول عمر بن الخطاب وابن عباس , وعطاء , ومجاهد , وسعيد بن جبير , والنخعي.
وأجازه الأوزاعي , وأصحاب الرأي ; لأن المقصود دفع حاجة المسكين , وهو يحصل بالقيمة.
ويدل على أنه يجب الإطعام أو الكسوة أو العتق، ولا يجزئ إخراج القيمة نقوداً؛ قول الله تعالى: (إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم) . وهذا ظاهر في عين الطعام والكسوة , فلا يحصل التكفير بغيره لأنه لم يؤد الواجب إذا لم يؤد ما أمره الله بأدائه , ولأن الله تعالى خير بين ثلاثة أشياء ولو جازت القيمة لم ينحصر التخيير في الثلاثة " انتهى من "المغني" (10/6) بتصرف.
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " كفارة اليمين تكون طعاما لا نقودا، لأن ذلك هو الذي جاء به القرآن الكريم والسنة المطهرة، والواجب في ذلك نصف صاع من قوت البلد، من تمر أو بر أو غيرهما، ومقداره كيلو ونصف تقريبا، وإن غديتهم أو عشيتهم أو كسوتهم كسوة تجزئهم في الصلاة كفى ذلك، وهي قميص أو إزار ورداء " انتهى نقلا عن "فتاوى إسلامية" (3/481) .
لكن إن كنت اعتمدت في هذا على قول الحنفية، أو من أفتاك بقولهم، أجزأك ذلك، وإلا فأعد إخراجها، وفي ذلك خير لك ولإخوانك الفقراء.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4426)
قال والله عشرة أيمان لا أفعل فما الحكم
[السُّؤَالُ]
ـ[قال بالنص: والله عشرة أيمان لا أفعل كذا، هل يعتبر يمين أم عشرة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، فأجاب حفظه الله:
(يعتبر) يمينا واحد. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(5/4427)
نذرت ولا تذكر هل قصدته مستمراً أم مرة واحدة
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما كنت صغيرة ولكن بالغة وبالطبع غير عالمة بالدين كثيرا وغير عالمة بعاقبة النذر وبدافع حب الخير نذرت نذورا ولا أدري أنذرت فعلها حتى أموت أم كانت هذه هي نيتي والآن أريد الخروج منها وعدم العودة إلى أمثالها أبدا فإن كان هناك مخرج مثل هذا فأتمنى بيانه وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان هناك شك في قصد استمرار النذر فالأصل براءة الذمّة، فتبرأ الذمّة بفعل المنذور مرّة واحدة، علما بأن النذر مكروه، وإنما يستخرج (به) من البخيل كما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام، وهو لا يأتي بخير لكن الوفاء إذا كان نذر طاعة واجب.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ: عبد الكريم الخضير.(5/4428)
حلف ولعن نفسه إن عاد إلى التدخين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لشخص أن يحلف بالله بأن لا يدخن سيجارة أخرى وضمن الحلف لعن نفسه إذا دخن مرة أخرى؟
إذا كان الجواب لا، فماذا يفعل الشخص الذي فعل هذا عن جهل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
1. لا بدَّ أن يعلم السائل أولاً أن شرب الدخان حرام، ويبدو أن السائل على علم بهذا، فإن كان لا يعلم بذلك، فليعلمه الآن، وهذا ما اتفق عليه العلماء والعقلاء والأطباء.
2. وأخطأ السائل بلعنه نفسه، وقد جاء الوعيد الشديد في الشرع المطهر لمن خرج منه اللعن، ومن ذلك:
أ. عن أبي سعيد الخدري قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى أو فطر إلى المصلى فمر على النساء فقال يا معشر النساء تصدقن فإني أريتكن أكثر أهل النار فقلن وبم يا رسول الله قال تكثرن اللعن!! وتكفرن العشير ... ".
رواه البخاري (298) ومسلم (80) .
ب. عن أبي الدرداء سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن اللعانين لا يكونون شهداء ولا شفعاء يوم القيامة ". رواه مسلم (2598) .
واللعن هو الطّرد والإبعاد من رحمة الله فكيف يدعو المسلم على نفسه بهذا؟!!
3. والسائل إذا عاد إلى شرب الدخان: فإنه يأثم على شربه له، وعليه التوبة وعليه أيضاً كفارة يمين، وذلك لحنثه في يمينه، وكفارة اليمين: إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فإن لم يستطع ذلك: فليصم ثلاثة أيام.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/4429)
حكم وضع اليد على التوراة والإنجيل حين القسم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم وضع المسلم يده على التوراة أو الإنجيل أو كليهما عند أداء اليمين القضائية أمام المحاكم في البلاد الغير الإسلامية إذا كان النظام القضائي فيها يوجب ذلك على الحالف.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
- لا يجوز الحلف إلا بالله تعالى دون شيء آخر لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: " من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت ".
- وضع الحالف يده عند القسم على المصحف ليس بلازم لصحة القسم لكن بعضهم يفعله لتغليظ اليمين ليتهيب الحالف من الكذب.
- لا يجوز لمسلم أن يضع يده عند الحلف على التوراة أو الإنجيل لأن النسخ المتداولة منهما الآن محرفة، وليست الأصل المنزل على موسى وعيسى عليهما السلام ولأن الشريعة التي بعث الله تعالى بها نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم قد نسخت ما قبلها من الشرائع.
- إذا كان القضاء في بلد ما حكمه غير إسلامي يوجب على من توجهت عليه اليمين وضع يده على التوراة أو الإنجيل أو كليهما فعلى المسلم أن يطلب من المحكمة أن يحلف بالله ولا بأس أن يقسم بالقرآن الكريم لأنه كلام الله تعالى وهو صفة من صفاته، فإن لم يُستجب لطلبه وأُجبر على الحلف بالتوراة أو الإنجيل فإنّه يُعتبر مكرهاً، ولا بأس عليه أن يضع يده عليهما أو على أحدهما دون أن ينوي بذلك تعظيماً. والله أعلم.
يُنظر ملخص فتاوى المجمع الفقهي الإسلامي.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/4430)
عاهدت زوجها أن لا تتزوج بعده أحداً!!
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة أعطت لزوجها عهداً على أنه إذا مات لن تتزوج بعده أحداً، حتى يجمع الله بينهما برحمته وفضله، فهل يصح لها أن تتزوج بعده؟ وهل يعتبر هذا من عدم الوفاء بالعهد الذي هو صفة من صفات المنافقين؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجور لهذه المرأة أن تتزوج بعد وفاة زوجها، وتكفِّر عن يمينها، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (َإِنِّي وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ ثُمَّ أَرَى خَيْرًا مِنْهَا إِلا كَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي وَأَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ) رواه البخاري (3133) ومسلم (1649) ، وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ وَائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ) رواه البخاري (2622) ومسلم (1652)
والزواج خير لهذه المرأة من بقائها بدونه لما فيه من المصالح الكثيرة.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء (23/24) .(5/4431)
حلَّفها زوجها على ذنب فعلته
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجها حلفها على شيء محرم فعلته في الماضي، فماذا تفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين فأجاب حفظه الله:
إذا خشيت من محذور أو ضرر كالطلاق وشيوع السمعة السيئة عنها، حلفت واستغفرت وأكثرت من الأعمال الصالحة.
وليس عليها كفارة لأن هذا حلف على ماضٍ مع كذب، والكفارة هي التوبة النصوح. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الله بن جبرين(5/4432)
قال لزوجته: الكلام بيني وبينك حرام لو ذهبت إلى مكان كذا
[السُّؤَالُ]
ـ[كل عمل أقوم به مرتين على الأقل للتأكد من القيام به. حدثت مشادة بيني وبين زوجتي لأنها كانت تريد العمل في بنك، فأردت أن أقول لها أنت علي كأمي لو فعلتها ولكني لم أقلها خوفا من شدة الكلمة، فقلت لها إن الكلام بيني وبينك حرام لو ذهبت.
أرجو الإجابة على الأسئلة التالية أثابكم الله:
1- في بعض الأوقات أتخيل أنني لم أقل عبارة: " لو ذهبت " ما حكم الشرع في الحالتين علما بأني كانت نيتي أنها إذا ذهبت سوف أخاصمها " أي إنني كنت أهددها.
2- هل عندما أسأل سؤالا وأكرر ما قلته أو ما أشك فيه للسؤال عليه فإني أحاسب عليه شرعا
ما حكم الحمل لزوجتي إذا كانت هناك أي نواهي شرعية من خلال ما قلته لها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يفهم من سؤالك أنك تعاني من الوسوسة، وتحتاج إلى تكرار العمل لتقوم به مرتين، وتتخيل أنك قلت كذا، أو ما قلت.
وخير علاج للوسوسة أمران:
الأول: الإكثار من الطاعة ومن ذكر الله تعالى.
الثاني: عدم الالتفات للوسوسة، وعدم الاستجابة لها. وانظر السؤال رقم: (62839) ، (25778)
ولهذا نقول: الأصل أنك قلت لزوجتك: إن الكلام بيني وبينك حرام لو ذهبت. فلا تلتفت للشك الحاصل بعد ذلك بسبب الوسوسة.
ثانيا:
إذا قال الرجل لزوجته: إن الكلام بيني وبينك حرام لو ذهبت إلى مكان كذا:
فإن لم تذهب، فلا شيء عليه.
وإن ذهبت، فيُنظر: إن أراد الطلاق، وقعت طلقة؛ لأن كلامه هذا يدخل في كنايات الطلاق.
وإن لم يرد الطلاق – كما في سؤالك -، فعليه كفارة يمين، وهي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام.
والأصل في ذلك أن تحريم الحلال: يمين؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) التحريم/1، 2، فجعل الله تعالى تحريم الحلال يميناً.
قال في "البحر الرائق" (4/317) : " فعُلم أنَّ تحريم الحلال يمينٌ موجب للكفارة ... فيدخل فيه ما إذا قال: كلامك علي حرام , أو معي أو الكلام معك حرام " انتهى.
ثالثا:
إذا قال الرجل لزوجته: الكلام بيني وبينك حرام، ولم يقل: لو ذهبت إلى مكان كذا.
فإن نوى الطلاق، وقع الطلاق في الحال، ذهبت أو لم تذهب. وإن لم ينو الطلاق، فعليه كفارة يمين.
رابعا:
إذا قلت كلاما أو سألت سؤالا، وكررته، فلا شيء عليك، والمهم أن يكون الكلام مباحا.
خامسا:
إذا كانت زوجتك حاملا حين تكلمت بكلامك السابق، فلا أثر للحمل على ذلك، والذي ورد الشرع بتحريمه هو طلاق المرأة وهي حائض، أما الحامل فلا أثر لحملها على الطلاق مع أنك لم تطلق بالفعل.
سادسا:
لا يجوز العمل في بنك ربوي، لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء. رواه مسلم (1598)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4433)
هل القسم شرط في التوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك أمل في أن يُغفر لنا إذا لم نقسم أو ننذر بأننا لن نفعل هذا الذنب مرة ثانية أبداً؟
أنا أسأل هذا لأنك إذا كنت تعلم أنك يمكن أن تفعل نفس الذنب ثانية فهل هناك فائدة من القسم أو النذر على أنك لن تفعل الذنب مرة أخرى؟ مع العلم أن الحنث باليمن مع الله يتطلب صيام 3 أيام.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فإن المولى جلت قدرته، وعظم سلطانه، لا يتعاظمه ذنب أن يغفره مهما كان هذا الذنب، ما دام أن العبد قد تاب منه , قال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر / 53
فباب التوبة مفتوح ما لم يعاين المرء الموت، وما لم تطلع الشمس من مغربها.
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله عز وجل يقبل توبة العبد ما لم يغرغر " أخرجه أحمد (2 / 132، 153) والترمذي (3537) وحسنه، وحسنه أيضا الألباني في صحيح الترغيب (3 / 318) (3413) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه " أخرجه مسلم (3073) .
فعلى المسلم أن يغتنم هذه الفرصة وهذا الفضل العظيم من الله جل جلاله ويعجل بالتوبة ما دام في زمن الإمهال ولا يسوف بالتوبة.
ولكن يجب أن تكون هذه التوبة توبة نصوحا , كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) التحريم / 8.
وذكر العلماء أن التوبة النصوح هي التي جمعت خمسة شروط:
1- أن تكون خالصة لله عز وجل.
2- أن يكون نادماً حزنا على ما سلف من ذنبه , يتمنى أنه لم يحصل منه.
3- أن يقلع عن المعصية فوراً، فإن كانت المعصية بفعل محرم تركه في الحال , وإن كانت المعصية بترك واجب فعله في الحال , وإذا كانت المعصية فيما يتعلق بحقوق الخلق لم تصح التوبة منها حتى يتخلص من تلك الحقوق.
4- أن يعزم على أن لا يعود في المستقبل إلى المعصية.
5- أن لا تكون بعد انتهاء وقت قبول التوبة , كما سبق. [ينظر: مجالس شهر رمضان لابن عثيمين 143] .
وبهذا يعلم أنه ليس من شرط التوبة عدم العود إلى الذنب , وإنما شرطه العزم الجازم الصادق على أن لا يعود،
فإن تاب العبد من الذنب الذي هو عليه ثم لعب به الشيطان ونكص على عقبيه ـ ولا حول ولا قوة إلا بالله ـ فلا ييأس من روح الله، وليجدّ في التوبة مرة أخرى فإن الله يقبله، فهو سبحانه واسع الفضل عظيم المغفرة.
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل؛ حتى تطلع الشمس من مغربها " أخرجه مسلم (2759) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إِنَّ عَبْدًا أَصَابَ ذَنْبًا فَقَالَ: رَبِّ أَذْنَبْتُ فَاغْفِرْ لِي. فَقَالَ رَبُّهُ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ غَفَرْتُ لِعَبْدِي. ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَصَابَ ذَنْبًا، فَقَالَ: رَبِّ أَذْنَبْتُ فَاغْفِرْهُ. فَقَالَ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ غَفَرْتُ لِعَبْدِي. . . الحديث. رواه البخاري (7505) ومسلم (2753) .
ولكن ينبغي على المسلم العاقل أن يكون صادق التوبة مع الله، صادق العزم على عدم العودة مرة أخرى، نادمًا على ما قد جناه، ولا تكون توبته بلسانه فقط دون جوارحه، فهذه توبة الكذابين.
وأما القسم أو النذر بأن لا يفعل العبد هذا الذنب مرة أخرى , فلا حاجة إليه , فالتوبة النصوح تحصل باجتماع الشروط السابقة.
بقي أن يشار إلى ما ذكره السائل من أن من حنث في يمينه فعليه صيام ثلاثة أيام , فهذا ليس على إطلاقه , وإنما الواجب على من حنث في يمينه هو: عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم , فإن لم يجد صام ثلاثة أيام , فالصيام يكون عند تعذر الأمور الثلاثة الأولى , أما مع إمكان الإتيان بأحدها فإنه لا يجوز له الانتقال إلى الصيام، كما دل عليه قوله تعالى: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة / 89.
هذا والله تعالى أعلم , وصل الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4434)
هل في نذر المعصية كفارَّة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[نذرت أن لا أكلم خالي ولا أدخل بيته ثم ندمت فهل عليّ كفارة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " النذر نذران: فما كان لله فكفارته الوفاء، وما كان للشيطان فلا وفاء فيه، وعليه كفارة يمين ". رواه ابن الجارود في " المنتقى " (935) والبيهقي (10 / 72) . والحديث: صححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (479) . قال الشيخ الألباني: [وفي الحديث] دليل على أمرين اثنين: الأول: أن النذر إذا كان طاعة لله وجب الوفاء به، وأن ذلك كفارته، وقد صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه ". متفق عليه. والآخر: أنَّ من نذر نذراً فيه عصيان للرحمن وإطاعة للشيطان: فلا يجوز الوفاء به، وعليه الكفارة كفارة اليمين، وإذا كان النذر مكروهاً أو مباحاً: فعليه الكفارة من باب أولى، ولعموم قوله - عليه الصلاة والسلام - " كفَّارة النَّذر كفَّارة اليمين ". أخرجه مسلم وغيره من حديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه - وهو مخرَّج في " الإرواء " (8 / 210) . وما ذكرنا من الأمر الأول والثاني: متفق عليه بين العلماء، إلا في وجوب الكفَّارة في المعصية ونحوها، فالقول به مذهب الإمام أحمد وإسحاق، كما قال الترمذي (1 / 288) ، وهو مذهب الحنفيَّة أيضاً، وهو الصواب، لهذا الحديث وما في معناه ممَّا أشرنا إليه. " السلسلة الصحيحة " (الحديث: 479) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/4435)
حلف لا يشتري لحما
[السُّؤَالُ]
ـ[حلف لا يشتري لحما، فاشترى طعام فيه لحم، هل يحنث أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن كان اللحم مستهلك في الطعام لم يحنث وإلا فيحنث. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى الإمام النووي 202.(5/4436)
لا يُشترط التتابع في صيام كفارة اليمين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صيام ثلاثة أيام في كفارة اليمين يجب أن تكون متتابعة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجب في صيام ثلاثة الأيام في كفارة اليمين أن تكون متتابعة، فلو صامها متفرقة أجرأ ذلك، لإطلاق قول الله تعالى: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ..) المائدة/89، فلم يقيِّدها الله تعالى بالتتابع.
قال ابن حزم في " المحلى " (6/345)
وَيُجْزِئُ الصَّوْمُ لِلثَّلاثَةِ الأَيَّامِ مُتَفَرِّقَةٍ إنْ شَاءَ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ , وَالشَّافِعِيِّ ... فَإِذْ لَمْ يَخُصَّ اللَّهُ تَعَالَى تَتَابُعًا مِنْ تَفْرِيقٍ , فَكَيْفَمَا صَامَهُنَّ أَجْزَأَهُ. اهـ
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (23/22) :
" الأفضل أن يكون صيام كفارة اليمين متتابعاً، ولكن لو قطع التتابع فلا حرج في ذلك " اهـ.
انظر الإنصاف (11/42) والمغني (10/15) والمدونة (1/280) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4437)
احمد ربك على الهداية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب متزوج وكنت أشتري أشرطة غنائية فحلفت بالطلاق ذات مرة ألا أشتري شريط أغاني، والآن أريد أن أشتري أشرطة دينية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أحمد ربك أن منّ عليك بالهداية والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، وأنت إنما حلفت بالطلاق عن شراء الأشرطة الغنائية وليس عن كل شريط فاشتر أشرطة دينية واستمع إليها ولاتشتري الأشرطة التي حلفت عليها بالطلاق.
[الْمَصْدَرُ]
مجلة الدعوة العدد 1801 ص 37.(5/4438)
النذر لا ينعقد بمجرد النية
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد وعدت نفسياً أن أصوم إذا نجحت في الامتحان، لكني لم أستطع بعد ذلك صيام تلك الأيام , فماذا أفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا ينبغي للإنسان أن ينذر شيئاً، ومن أراد أن يفعل طاعة فليفعلها من غير نذر، لأنه بالنذر يوجب على نفسه هذه العبادة ويعرض نفسه للإثم والتقصير واستحقاق العقاب إذا لم يف بما نذره، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النذر.
وانظري جواب السؤال رقم (67886) .
ثانياً:
إذا كان المقصود أنك نذرت الصوم إن نجحت، وقد نجحت والحمد لله، فيلزمك الصوم، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع فليطعه) رواه البخاري (6696) ، فإن لم تقدري عليه لمرض ونحوه، فليزمك كفارة يمين، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ومن نذر نذرا لا يطيقه فكفارته كفارة يمين) رواه أبو داود (3322) من حديث ابن عباس. قال الحافظ في الفتح: (رواه ثقات، لكن أخرجه ابن أبي شيبة موقوفا وهو أشبه) .
قال ابن قدامة في المغني (10/72) : " من نذر طاعة لا يطيقها أو كان قادرا عليها فعجز عنها فعليه كفارة يمين ".
وينظر: "فتاوى اللجنة الدائمة" (23/201) .
وأما إن كان المقصود أنك عزمت على الصوم، دون أن تتلفظي بالنذر أو بالعهد، فلا يلزمك شيء حينئذ، لأن النذر لا ينعقد بمجرد النية، بل لابد من التلفظ.
قال في "المهذب": " ولا يصح النذر إلا بالقول ".
قال النووي رحمه الله في شرحه: " وهل يصح (النذر) بالنية من غير قول؟ الصحيح باتفاق الأصحاب أنه لا يصح إلا بالقول , ولا تنفع النية وحدها " انتهى من "المجموع" (8/435) .
وقال في "الإنصاف" (11/118) : " ولا يصح (النذر) إلا بالقول، فإن نواه من غير قول: لم يصح بلا نزاع " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4439)
نذرت أن تزوج ابنتها بمهر كبير وتريد التيسير الآن
[السُّؤَالُ]
ـ[والدتي نذرت بأنها إذا ولدت بنتا ستعمل لها العرس 7 أيام والمهر سيكون 7000 ريال عماني. والآن كما نعلم كثرة المهور على الشباب وكثرة العنوسة، فما الحكم إذا لم نوف بهذه الشروط المطلوبة ونيسر زواج البنت؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
تيسير الزواج، وعدم المغالاة في المهر وفي تكاليف العرس، أمر محمود، وهو خير وبركة للزوجين، وفيه رحمة بالزوج وعدم إثقال كاهله بالدين، ورحمة بعامة الشباب، وإنقاذهم من الفتن، وتسهيل طريق العفة لهم، ولهذا فتخفيفكم في المهر، عمل طيب، ويرجى لكم به التوفيق والهناء بإذن الله.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " يكره التغالي في مهور النساء، ويسن التخفيف في ذلك والتيسير " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (21/87) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما رأيكم في غلاء المهور والإسراف في حفلات الزواج خاصة الإعداد لما يقال عنه شهر العسل بما فيه من تكاليف باهظة، هل الشرع يقر هذا؟
فأجاب: " إن المغالاة في المهور وفي الحفلات كل ذلك مخالف للشرع، فإن أعظم النكاح بركة أيسره مؤونة، وكلما قلت المؤونة عظمت البركة..... وكذلك أيضا المغالاة في الحفلات مما نهى عنه الشرع وهو يدخل تحت قوله سبحانه وتعالى: (ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) .
والواجب في مثل هذا الأمر أن يكون على الوجه المشروع، ولا يتعدى فيه الإنسان حده، ولا يسرف؛ لأن الله تعالى نهى عن الإسراف وقال: (إنه لا يحب المسرفين) .
أما ما يقال عن شهر العسل فهو أخبث وأبغض؛ لأنه تقليد لغير المسلمين، وفيه إضاعة لأموال كثيرة، وفيه أيضا تضييع لكثير من أمور الدين خصوصا إذا كان يُقْضَى في بلاد غير إسلامية، فإنهم يرجعون بعادات وتقاليد ضارة لهم ولمجتمعهم، وهذه أمور يخشى منها على الأمة، أما لو سافر الإنسان بزوجته للعمرة أو لزيارة المدينة فهذا لا بأس به إن شاء الله " انتهى نقلا عن "فتاوى إسلامية" (3/175) .
وراجع السؤال رقم (10525) و (12572)
ثانيا:
في حال عدم الوفاء بالنذر – وهذا هو الخير لكم كما سبق – فإنه يلزم الوالدة كفارة يمين، لأن نذر المباح لا يجب الوفاء به، بل يخير فيه الإنسان بين الوفاء، وبين أن يكفر كفارة يمين، وهي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين من أوسط طعامكم، أو كسوتهم، فإن لم تجد شيئا من ذلك صامت ثلاثة أيام.
قال ابن قدامة رحمه الله: " نذر المباح ; كلبس الثوب , وركوب الدابة ... فهذا يتخير الناذر فيه , بين فعله فيبرّ بذلك.... وإن شاء تركه وعليه كفارة يمين ... " انتهى من "المغني" (10/70) بتصرف.
وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4440)
نذرت أن تضرب ابنها
[السُّؤَالُ]
ـ[نذرت في حالة غضب أن اضرب ابني حتى يسيل دمه، ولكني لم أفعل. فماذا علي جزاكم الله خيراً؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عليك كفارة يمين، لأن هذا الضرب ليس قربة إلى الله عز وجل، بل هو محل اجتهاد ونظر، فإن لم تفعلي فعليك كفارة يمين، ولأن ضربه حتى يسيل دمه لا يجوز.
فيكون والحال ما ذكر من نذر المعصية، ونذر المعصية لا يجوز الوفاء به، وكفارته كفارة يمين وهي:
إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو عتق رقبة مؤمنة، فمن عجز عن الأمور الثلاثة: صام ثلاثة أيام.
والإطعام يكون نصف صاع من قوت أهل البلد من تمر أو بر أو أرز أو غيرها، ومقداره: كيلو جرام ونصف على سبيل التقريب. والله ولي التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/8 ص / 393.(5/4441)
حلفت أن تنفصل عن زوجها فما الحكم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة متزوجة وفي الفترة الأخيرة دار بيني وبين زوجي شجار مما أدى إلى انفعالات وأثناء الشجار أقسمت بالله بأني سأنفصل عنه (أي زوجي) لكن بعد ذلك لم يحصل ذلك , أريد منكم ماذا أفعل حتى يصبح ارتباطي بزوجي شرعيا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما حدث من القسم على الانفصال، لا يؤثر على العلاقة الزوجية بينكما؛ لأن الانفصال والطلاق بيد الزوج لا بيد الزوجة، فلو أن المرأة أتت بلفظ الطلاق الصريح لم يترتب على ذلك شيء.
وينبغي أن يحسن كل منكما للآخر، وأن تتجنبا الحديث عن الانفصال مطلقا؛ لأن الزوج قد يثيره تصريح الزوجة بذلك، فيوقع الطلاق، وهذا ما يريده الشيطان، ويسعى إليه؛ ليمزق شمل الأسرة، ويهدم البيت، كما أن شعور أحد الزوجين بكراهة الآخر للبقاء معه، شعور مؤذٍ للنفس، مكدر للعيش، فينبغي اجتناب ذلك ما أمكن.
وأما إقسامك على الانفصال عن زوجك , فالأحسن لك العدول عن ذلك , لأن الطلاق مكروه لله تعالى، والأفضل لك البقاء مع زوجك , وعليك كفارة يمين.
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ) رواه مسلم (1650) .
وكفارة اليمين هي المذكورة في قوله تعالى: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة/89.
وانظري جواب السؤال رقم (45676) .
نسأل الله أن يؤلف بينك وبين زوجك وأن يجمع بينكما على الخير والهدى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4442)
لا كفارة عليك إذا لم تحلف
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب قد عاهدت الله على أن أقرأ من مختصر تفسير ابن كثير عدداً من الصفحات في اليوم ولكنني لم أف بهذا العهد علماً بأني قد حددت هذه المدة وقد انتهت فماذا يجب علي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عليك أن تجتهد في ذلك، وإذا حصل خلل في بعض الأيام فعليك التوبة إلى الله من ذلك ولا كفارة عليك إذا كنت لم تحلف، أما إن كان هذا العهد بلفظ اليمين مثل: والله وتالله وبالله فعليك كفارة اليمين لقول الله سبحانه في سورة المائدة: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون) المائدة/89.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/9 ص/43.(5/4443)
يريد ترك التدخين هل يحلف على نفسه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لإنسان مدخن أن يحلف بالله أن لا يدخن، ويقول: لعنة الله علي إن عدت إلى التدخين؟ لأنه لا يجد وسيلة لحمل نفسه إلا هذا؟ أم أن هذا كلام منكر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله:
لا يحلف على ترك التدخين، ولا يدعو على نفسه باللعنة. قال الله تعالى: (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) .
س: لكن يا شيخ هذا في حق المنافقين، وصاحبنا يريد صادقاً من قلبه.
ج:هذا عام، كل إنسان يريد أن يتعبد لله لا يحلف، فليسعَ طوعاً لا كرهاً.
س: وهذه طريقة منكرة يأثم عليها لو فعلها؟
ج: لا، ما ينكر عليه لأنه قصده بذلك زيادة توكيد.
س: لكن نقول: عمل غير مشروع؟
ج: نعم. لا شك. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(5/4444)
هل يخرج نقوداً في كفارة اليمين لأنها الآن أنفع من الطعام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن أوزع نقوداً معادلة لقيمة الطعام في كفارة اليمين؟ حيث إن فائدة النقود في الوقت الحاضر أكثر، ولا يجد الإنسان عشرة مساكين في وقت واحد معاً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجزئ توزيع نقود في كفارة اليمين أو كفارة الظهار، أو إفساد صيام رمضان بجماع بدلاً من الإطعام، ولو كانت النقود في ظنّه أكثر فائدة، بل عليه أن يكفِّر من جنس ما يطعمه أهله من بر (قمح) أو تمر أو شعير أو أرز أو نحوها، لأن الكفارة من التعبدات التي يجب أن يحافظ على أدائها والقيام بها على الكيفية التي أمر بها الشرع، والفقراء الذين يتقبلون الطعام كثير، وإنما يبحث الناس عما لا يكلفهم عملاً ولو يسيراً لا حرج فيه عليهم، ولا يلزم من وجبت عليه الكفارة أن يوزعها في وقت واحد بل ذلك حسب ما يتيسر له. من فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء (23/8)
وإذا كان الشخص لا يجد عشرة مساكين، أو يشق عليه إخراج الكفارة بنفسه، فإن بعض الجمعيات الخيرية تتولى إخراج الكفارات نيابة عن الناس، وإيصالها إلى المستحقين لها.
فيمكنه إعطاء قيمة الكفارة لإحدى الجمعيات الخيرية الموثوقة لتتولى عنه إخراج الكفارة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4445)
حلفت أمّه أن لا تعطيه مالا ثم أرادت إعطاءه
[السُّؤَالُ]
ـ[أقسمت والدتي ألا تعطيني أي مال, لكنها تريد الآن أن تعطيني مالا. وأنا لا أريد أن آخذه. ماذا علي أن أفعل, هل آخذ المال أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا بأس أن تأخذ المال منها براً بها وفي هذه الحالة يجب عليها أن تكفر عن يمينها لأنها قد حنثت فيه وكفارة اليمين إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تأكل أنت وأهلك أو كسوتهم أو تحرير رقبة، والواجب في الإطعام نصف صاع من قوت البلد من تمر أو بر أو غيرهما ومقداره كيلو ونصف تقريباً من الرز مع شيء من الإدام للمسكين الواحد والواجب أن يكون العشرة مختلفين، فلو وجدت أسرة من فقراء المسلمين عدد أفرادها عشرة أو أسرتين أو ثلاثا مجموع أفرادها عشرة وأعطيتهم ما مجموعه خمسة عشر كيلو غراما من الرز مع شيء من اللحم مثلا كان ذلك كافيا أو وزّعت عليهم عشر وجبات غداء أو عشاء مطبوخة تكفي كل وجبة لغداء الشخص المتوسط كان ذلك كافيا , والكسوة ما يجزئ في الصلاة فإن عجَزت أمّك عن الطعام والكسوة والعتق صامت ثلاثة أيام لقول الله عز وجل (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم ... ) المائدة
وننصحك أن تجتنب ما يُغضب أمّك فإنها بالتأكيد لم تحلف إلا وقد فعَلْت بالمال شيئا لا يرضيها وفقنا الله وإياك لكل خير.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/4446)
مقدار كفارة اليمين وحكم إخراجها نقداً
[السُّؤَالُ]
ـ[قال تعالى (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام.. الآية) المائدة 89.
وبناء على معنى الآية الواردة أعلاه, فإن عندي بعض الشكوك. وهي ما يلي:
1- "إطعام عشرة مساكين" يعني بتقديم الطعام لكل واحد منهم بما يساوي ما أطعم به عائلتي بجميع الأفراد الذين أعولهم, أم ما يساوي مقدار ما أطعمه لفرد واحد من عائلتي في وجبة واحدة أو في يوم واحد؟
2- وهل يجوز تقديم ثمن الطعام نقدا, أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب في الإطعام نصف صاع من قوت البلد من تمر أو بر أو غيرهما ومقداره كيلو ونصف تقريباً من الأرز راجع سؤال رقم 9985
أما دفع ثمن الطعام بدلا من الطّعام فإن الصّواب أنه لا تجزئ القيمة في الكفارة وهذا الذي عليه جمهور العلماء , قال ابن قدامة في المغني: " لا يُجْزِئُ في الكفارة إِخراج قيمة الطعام ولا الكسوة، لأن الله ذكر الطعام فلا يحصل التكفير بغيره، ولأن الله خَيَّرَ بين الثلاثة أشياء ولو جاز دفع القيمة لم يكن التَخْيِِيرُ منحصراً في هذه الثلاث ... " انتهى المغني لابن قدامة 11/256
وانظر فتاوى إسلامية 3/ 464، وكتاب الأيمان والنذور: محمد عبد القادر/87،
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/4447)
هل يفي بالعهد مع وثني
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الوفاء بالعهد مع الهندوسي إذا أعطى عهدا ما فيما لا يخالف شرع الله تعالى؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الوفاء بالعهد فيما لا يخالف شرع الله تعالى واجب، قال تعالى: " وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا " الإسراء: 31، سواء كان مع الهندوس أو مع غيرهم، مالم يحصل منهم إخلال بالعهد أو إساءة إلى الإسلام.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 12/45.(5/4448)
قال لزوجته: تحرمين علي لو فعلت كذا
[السُّؤَالُ]
ـ[حصل خلاف بيني وبين زوجتي على الرسيفر (الدوش) وصدرت مني كلمة لم أقصد بها ولم أعلم الحكم وكنت في حالة غضب شديد، الكلمة هي: تحرميين علي لو شغلت مرة أخرى، وكنت في حالة من الغضب وقمت بتكسير الرسيفر، وإلى الآن لم أقم بتركيبه ما الحكم؟ وهل لي أن أركب الجهاز مرة أخرى؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
سبق في جواب السؤال (81984) بيان حكم من حرم زوجته عليه، وأنه إن نوى بذلك الطلاق أو الظهار أو اليمين فالأمر على ما نواه، فإن لم ينو شيئاً فعليه كفارة يمين.
وحيث إنك تقول: (إنك لم تقصد بها ولم تعلم الحكم) فعليك كفارة يمين إن قامت امرأتك بتشغيل الرسيفر، فإن لم تشغله فلا شيء عليك.
ثانياً:
وأما سؤالك: هل لي أن أركب الجهاز مرة أخرى؟
فإن كنت ستركبه لتستعمله استعمالاً نافعاً في مشاهدة البرامج الإسلامية والمحاضرات المفيدة , ونحو ذلك، فلا حرج عليك في تركيبه، وعليك كفارة يمين كما سبق.
وأما إن كنت ستركبه لترى به الأفلام والبرامج الهابطة ونحوها، فإن هذا محرم بلا شك، وفيه خطر عليك وعلى زوجتك وأولادك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4449)
هل يجوز تغيير جهة النذر إلى ما هو أفضل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز في النذر الذي نذرته لله تغيير جهته ومكانه إلى جهة أخرى ومكان آخر؟ رأيت بعد النذر أن الجهة والمكان الأخير أولى وأحق من الأول؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم. يجوز تغيير جهة النذر إلى ما هو أولى وأفضل.
قال شيخ الإسلام في الاختيارات ص329:
" ومن نذر صوماً معيناً فله الانتقال إلى زمن أفضل منه " اهـ
ومثال ذلك: من نذر أن يصوم يوم الثلاثاء، فله أن يصوم يوم الاثنين لأنه أفضل.
سئلت اللجنة الدائمة عن تغيير جهة النذر إلى ما هو أحق وأولى من الجهة الأولى، فأجابت:
" الأصل إذا عين الإنسان لنذره مكانا معينا بأن نذر صدقة أو بناء مسجد في مكان معين لزم الوفاء بالنذر في المكان والجهة المعينة ما لم يمنع من ذلك مانع شرعي إلا أن ينقله إلى مكان أفضل منه مثل الحرمين الشريفين، فلا بأس بذلك ويدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي نذر أن ينحر إبلاً ببوانة: (هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟) قال: لا. قال: (هل فيها عيد من أعيادهم؟) قال: لا. قال: (فأوف بنذرك)
فأمره بالوفاء بنذره في المكان الذي عينه لما خلا من الموانع ويدل على نقل النذر من المكان المفضول إلى المكان الأفضل، قوله صلى الله عليه وسلم للرجل الذي نذر أن يصلي ببيت المقدس: (صل هاهنا) ، ثم أعاد عليه فقال: (صل هاهنا) ، ثم أعاد عليه فقال: (شأنك إذا) رواه أبو داوود وأحمد.
وبالله التوفيق " اهـ
من فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء 23 / 318.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4450)
ماتت أمها وقد نذرت أن تذبح شاة فهل تخرج البنت نقودا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[تعرض خالها لحادثة سيارة فنذرت أمها بأن لو خرج سالما تذبح شاة أو ما شابهها وتدعو الناس من الجيران والمعارف أو توزع اللحم على الناس.. والحمد لله خرج الخال سالماً، لكن قدّر الله أن ماتت الأم قبل سنتين ولم تقضِ النذر، فابنتها تسأل هل يستوجب عليها الآن أن تقوم بأداء النذر عن والدتها؟ وهل تستطيع إعطاء مبلغ من المال للفقراء في العراق؟ علماً بأن البنت نفسها تعيش في أوربا وصعب عليها النذر بذبح حيوان ما.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا نذر الإنسان أن يذبح شاة مثلا إذا نجى الله قريبا له، فهذا من نذر الطاعة الذي يجب الوفاء به، وإذا كانت الأم قد ماتت قبل الوفاء بنذرها، فيعتبر هذا دينا عليها، يُخرج من تركتها، فإن لم يكن لها مال، فيستحب لأبنائها أن يقضوه عنها، فقد روى البخاري (2761) ومسلم (1638) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اسْتَفْتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ، وَعَلَيْهَا نَذْرٌ، فَقَالَ: (اقْضِهِ عَنْهَا) .
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: " وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَاقْضِهِ عَنْهَا) دَلِيل لِقَضَاءِ الْحُقُوق الْوَاجِبَة عَلَى الْمَيِّت , فَأَمَّا الْحُقُوق الْمَالِيَّة فَمُجْمَعٌ عَلَيْهَا. وَأَمَّا الْبَدَنِيَّة فَفِيهَا خِلَاف.
ثُمَّ مَذْهَب الشَّافِعِيّ وَطَائِفَة أَنَّ الْحُقُوق الْمَالِيَّة الْوَاجِبَة عَلَى الْمَيِّت مِنْ زَكَاة وَكَفَّارَة وَنَذْر يَجِب قَضَاؤُهَا , سَوَاء أَوْصَى بِهَا أَمْ لَا كَدُيُونِ الْآدَمِيّ.
وَاعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْجُمْهُور أَنَّ الْوَارِث لَا يَلْزَمهُ قَضَاء النَّذْر الْوَاجِب عَلَى الْمَيِّت إِذَا كَانَ غَيْر مَالِيّ , وَلَا إِذَا كَانَ مَالِيًّا وَلَمْ يُخَلِّف تَرِكَة , لَكِنْ يُسْتَحَبّ لَهُ ذَلِكَ " انتهى باختصار.
ثانيا:
إذا نذر الإنسان أن يذبح شاة أو غيرها، وجب عليه الوفاء بالنذر، ولا يجزئه دفع القيمة.
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عن امرأة نذرت أن تذبح كل شهر خروفاً، وقد وجدت صعوبة في شراء الخروف وذبحه وتوزيعه، فهل يجوز لها دفع قيمة الخروف؟
فأجابت:
"ليس في ذبح الخروف مشقة، بل عليها أن تستمر على ذبحه وتفريق لحمه على الفقراء، ولا يجزئ عنها دفع القيمة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه) " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. الشيخ عبد الله بن غديان.. الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (23/395) .
وعليه؛ فلا يجوز إخراج النقود بدلا عن ذبح الشاة، وكون السائلة تعيش في أوربا، لا يمنع من أن تُوَكَّل من يذبح لها الشاة ويوزعها على الجيران والمعارف. إما في البلد الذي تقيم فيه أو في غيره.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4451)
إذا سألها زوجها عن ماضيها فهل لها أن تحلف كذباً أو تورية
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أسأل إذا كان لإحدى الفتيات ماض من الخوض في المعاصي ثم تابت ورجعت إلى الله عز وجل وجاءها من يتقدم لخطبتها بعد أن التزمت فهل تخبره عن هذا الماضي؟ ولو سألها هو فهل تكذب؟ وإن كان عليها أن تكذب فهل يجوز أن تحلف كذبا إذا اضطرت لهذا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
من ابتلي بشيء من المعاصي ثم تاب، تاب الله عليه، وبدل سيئاته حسنات، مهما كان ذنبه، ومهما عظم جرمه، كما قال سبحانه: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا. يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا. إِلا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) الفرقان/68– 70
والمهم أن تكون التوبة صادقة نصوحا خالصة لله تعالى.
ثانيا:
من إحسان الله تعالى على عبده أن يستره، ولا يكشف أمره، ولهذا كان من القبيح أن يفضح الإنسان نفسه وقد ستره الله، بل أن ينبغي أن يستتر بستر الله تعالى، والنصوص الشرعية مؤكدة لذلك، حاثة عليه في غير ما موضع. فمن ذلك:
قوله صلى الله عليه وسلم: (اجتنبوا هذه القاذورة التي نهى الله عز وجل عنها، فمن ألمّ فليستتر بستر الله عز وجل) والحديث رواه البيهقي وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (663)
وروى مسلم (2590) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يَسْتُرُ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ فِي الدُّنْيَا إِلَّا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) .
وهذا من البشارة للتائب الذي ستره الله تعالى في الدنيا، أن الله سيستره في الآخرة، وقد حلف النبي صلى الله عليه وسلم على هذا المعنى تأكيدا له، فقد روى أحمد (23968) عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (ثَلَاثٌ أَحْلِفُ عَلَيْهِنَّ لَا يَجْعَلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَنْ لَهُ سَهْمٌ فِي الْإِسْلَامِ كَمَنْ لَا سَهْمَ لَهُ فَأَسْهُمُ الْإِسْلَامِ ثَلَاثَةٌ الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ وَالزَّكَاةُ، وَلَا يَتَوَلَّى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَبْدًا فِي الدُّنْيَا فَيُوَلِّيهِ غَيْرَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُحِبُّ رَجُلٌ قَوْمًا إِلَّا جَعَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَعَهُمْ وَالرَّابِعَةُ لَوْ حَلَفْتُ عَلَيْهَا رَجَوْتُ أَنْ لَا آثَمَ لَا يَسْتُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَبْدًا فِي الدُّنْيَا إِلَّا سَتَرَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) وصححه الألباني في السلسة الصحيحة برقم (1387)
وقال صلى الله عليه وسلم: (كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ وَإِنَّ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَيَقُولَ يَا فُلَانُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ) رواه البخاري (6069) ومسلم (2990) .
وبهذا يُعلم أن المرأة لا تخبر خاطبها أو زوجها بشيء من معاصيها، ولو سألها فإنها لا تخبره، وتستعمل المعاريض والتورية، وهي الكلام الذي يفهم منه السامع معنى، خلاف ما يريد المتكلم، كأن تقول: لم يكن لي علاقة بأحد، وتقصد لم يكن لي علاقة بأحد قبل يوم أو يومين، ونحو هذا.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في التعليق على قصة ماعز رضي الله عنه:
" ويؤخذ من قضيته: أنه يستحب لمن وقع في مثل قضيته أن يتوب إلى الله تعالى ويستر نفسه ولا يذكر ذلك لأحد كما أشار به أبو بكر وعمر على ماعز. وأن مَن اطلع على ذلك يستر عليه بما ذكرنا، ولا يفضحه، ولا يرفعه إلى الإمام كما قال صلى الله عليه وسلم في هذه القصة " لو سترته بثوبك لكان خيراً لك "، وبهذا جزم الشافعي رضي الله عنه، فقال: أُحبُّ لمَن أصاب ذنباً فستره الله عليه أن يستره على نفسه ويتوب واحتج بقصة ماعز مع أبي بكر وعمر.
وفيه: أنه يستحب لمن وقع في معصية وندم أن يبادر إلى التوبة منها، ولا يخبر بها أحداً ويستتر بستر الله، وإن اتفق أنه أخبر أحداً: فيستحب أن يأمره بالتوبة وستر ذلك عن الناس كما جرى لماعز مع أبي بكر ثم عمر " انتهى من "فتح الباري" (12/124) .
ثالثا:
ينبغي للزوج أن يختار صاحبة الدين والخلق، فإذا وُفق لذلك فلا يفتِّش في ماضيها، ولا يسألها عن معاصيها، فإن ذلك مخالف لما يحبه الله تعالى من الستر، مع ما فيه من إثارة الشك، وتكدير الخاطر، وتشويش البال، والإنسان في غنى عن ذلك كله، فحسبه أن يرى زوجته مستقيمة على طاعة الله، ملتزمة بأمره. وهكذا الزوجة لا تسأل زوجها عن أموره الماضية، هل أحب غيرها، أو تعلق بسواها، أو زل في معصية، فإن هذا لا خير فيه، ويفتح بابا من الشر قد لا يمكن تلافيه، وهو مخالف لمراد الشارع كما سبق.
رابعا:
إذا ألح الزوج في سؤال زوجته، أو بلغه كلام أراد التحقق منه، ولم تجد وسيلة لستر نفسها إلا أن تحلف له، فيجوز لها أن تحلف وأن تُورّي في حلفها كما سبق، فتقول: والله ما كان شيء من ذلك، أو لم أفعل ذلك، وتقصد: لم أفعله بالأمس مثلا.
وقد فصّل أهل العلم في مسألة الحلف وما يجوز فيه من التأويل والتورية، وما لا يجوز، وحاصل كلامهم أن الإنسان ليس له أن يوري في حلفه عند القاضي، إلا إذا كان مظلوما. أما عند غير القاضي، فله التورية إن كان مظلوما – لا ظالما -، أو يخاف أن يترتب على صدقه مضرة له أو لغيره، أو كان هناك مصلحة في توريته.
قال ابن قدامة رحمه الله: " مسألة: قال: وإذا حلف , فتأول في يمينه , فله تأويله إذا كان مظلوما.
ومعنى التأويل: أن يقصد بكلامه محتَمَلا يخالف ظاهره , نحو أن يحلف: إنه أخي , يقصد أخوة الإسلام , أو المشابهة , أو يعني بالسقف والبناء السماء ... ، أو يقول: والله ما أكلت من هذا شيئا , ولا أخذت منه. يعني: الباقي بعد أخذه وأكله.
فهذا وأشباهه مما يسبق إلى فهم السامع خلافه , إذا عناه بيمينه , فهو تأويل ; لأنه خلاف الظاهر.
ولا يخلو حال الحالف المتأول , من ثلاثة أحوال:
أحدها: أن يكون مظلوما , مثل من يستحلفه ظالم على شيء , لو صدَقه لظلمه , أو ظلم غيره , أو نال مسلما منه ضرر. فهذا له تأويله.
وقد روى أبو داود , بإسناده عن سويد بن حنظلة , قال: خرجنا نريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا وائل بن حجر , فأخذه عدو له , فتحرج القوم أن يحلفوا , فحلفت أنه أخي , فخلى سبيله , فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال: (أنت أبرُّهم وأصدقُهم , المسلم أخو المسلم) صححه الألباني في صحيح أبي داود
وقال النبي صلى الله عليه وسلم (إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب) [ضعيف، وصح موقوفا عن عمر. ينظر: صحيح الأدب المفرد 857] . يعني سعة المعاريض التي يوهم بها السامع غيرَ ما عناه.
قال محمد بن سيرين: الكلام أوسع من أن يكذب ظريف يعني لا يحتاج أن يكذب ; لكثرة المعاريض , وخص الظريف بذلك ; يعني به الكيس الفطن , فإنه يفطن للتأويل , فلا حاجة به إلى الكذب.
الحال الثاني: أن يكون الحالف ظالما , كالذي يستحلفه الحاكم على حق عنده , فهذا ينصرف يمينه إلى ظاهر اللفظ الذي عناه المستحلف , ولا ينفع الحالف تأويله. وبهذا قال الشافعي. ولا نعلم فيه مخالفا؛ فإن أبا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يمينك على ما يصدقك به صاحبك) رواه مسلم وأبو داود.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اليمين على نية المستحلف} . رواه مسلم.
وقالت عائشة: اليمين على ما وقع للمحلوف له.
ولأنه لو ساغ التأويل , لبطل المعنى المبتغى باليمين؛ إذ مقصودها تخويف الحالف ليرتدع عن الجحود , خوفا من عاقبة اليمين الكاذبة , فمتى ساغ التأويل له , انتفى ذلك , وصار التأويل وسيلة إلى جحد الحقوق , ولا نعلم في هذا خلافا.
الحال الثالث: لم يكن ظالما ولا مظلوما , فظاهر كلام أحمد , أن له تأويله , فروي أن مَهَنّا كان عنده , هو والمروذي وجماعة , فجاء رجل يطلب المروذي , ولم يرد المروذي أن يكلمه , فوضع مهنا أصبعه في كفه , وقال: ليس المروذي هاهنا , وما يصنع المروذي هاهنا؟ يريد: ليس هو في كفه، ولم ينكر ذلك أبو عبد الله.
... وقال أنس: إن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله , احملني. فقال رسول الله: (إنا حاملوك على ولد الناقة. قال: وما أصنع بولد الناقة؟ قال: وهل تلد الإبل إلا النوق؟) . رواه أبو داود.
وقال لرجل احتضنه من ورائه: (من يشتري هذا العبد؟ فقال: يا رسول الله , تجدني إذا كاسدا. قال: لكنك عند الله لست بكاسد) .
وهذا كله من التأويل والمعاريض , وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم حقا , فقال (لا أقول إلا حقا) ... " انتهى ـ باختصار ـ من "المغني" (9/420) .
وقال شيخ الإسلام رحمه الله فيمن اغتاب إنسانا ثم تاب وأحسن:
" وعلى الصحيح من الروايتين لا يجب له الاعتراف لو سأله، فيعرّض ولو مع استحلافه؛ لأنه مظلوم، لصحة توبته، وفي تجويز التصريح بالكذب المباح ههنا نظر. ومع عدم توبةٍ وإحسانٍ تعريضُه كذب، ويمينه غموس، واختيار أصحابنا: لا يُعلمه؛ بل يدعو له في مقابلة مظلمته " انتهى من "الاختيارات الفقهية" (5/507) مطبوع مع الفتاوى الكبرى، ونقله ابن مفلح في الفروع (7/97) .
وينظر تفصيل مسألة التأويل في الحلف في "الموسوعة الفقهية" (7/306) .
خامسا:
جاءت الرخصة في الكذب في ثلاثة مواضع، كما في الحديث الذي رواه الترمذي (1939) وأبو داود (4921) عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَحِلُّ الْكَذِبُ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ يُحَدِّثُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ لِيُرْضِيَهَا وَالْكَذِبُ فِي الْحَرْبِ وَالْكَذِبُ لِيُصْلِحَ بَيْنَ النَّاسِ) . والحديث صححه الألباني في صحيح الترمذي.
وهو محمول عند جماعة من أهل العلم على الكذب الصريح، لا التورية، وقد ألحقوا به ما دعت إليه الضرورة أو المصلحة الراجحة، فيجوز الكذب فيه. وإن احتاج إلى الحلف، حلف ولا شيء عليه، والأولى أن يستعمل المعاريض كما سبق.
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: " قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْحَرْب خُدْعَة) ... وَقَدْ صَحَّ فِي الْحَدِيث جَوَاز الْكَذِب فِي ثَلَاثَة أَشْيَاء: أَحَدهَا فِي الْحَرْب. قَالَ الطَّبَرِيُّ: إِنَّمَا يَجُوز مِنْ الْكَذِب فِي الْحَرْب الْمَعَارِيض دُون حَقِيقَة الْكَذِب , فَإِنَّهُ لَا يَحِلّ , هَذَا كَلَامه , وَالظَّاهِر إِبَاحَة حَقِيقَة نَفْس الْكَذِب لَكِنْ الِاقْتِصَار عَلَى التَّعْرِيض أَفْضَل. وَاَللَّه أَعْلَم " انتهى.
وقال السفاريني رحمه الله: " فهذا ما ورد فيه النص، ويقاس عليه ما في معناه، ككذبه لستر مال غيره عن ظالم , وإنكاره المعصية للستر عليه، أو على غيره ما لم يجاهر الغير بها , بل يلزمه الستر على نفسه وإلا كان مجاهرا , اللهم إلا أن يريد إقامة الحد على نفسه كقصة ماعز , ومع ذلك فالستر أولى ويتوب بينه وبين الله تعالى.
ثم قال السفاريني: " والحاصل أن المعتمد في المذهب أن الكذب يجوز حيث كان لمصلحة راجحة كما قدمناه عن الإمام ابن الجوزي , وإن كان لا يتوصل إلى مقصود واجب إلا به وجب. وحيث جاز فالأولى استعمال المعاريض " انتهى من "غذاء الألباب" (1/141) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
"..فالمشروع للمؤمن أن يقلل من الأيمان ولو كان صادقا؛ لأن الإكثار منها قد يوقعه في الكذب، ومعلوم أن الكذب حرام، وإذا كان مع اليمين صار أشد تحريماً، لكن لو دعت الضرورة أو المصلحة الراجحة إلى الحلف الكاذب فلا حرج في ذلك؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا ويقول خيراً. قالت: ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس إنه كذب إلا في ثلاث: الإصلاح بين الناس، والحرب، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها) رواه مسلم في الصحيح. فإذا قال في إصلاحٍ بين الناس: والله إن أصحابك يحبون الصلح، ويحبون أن تتفق الكلمة، ويريدون كذا وكذا، ثم أتى الآخرين وقال لهم مثل ذلك، ومقصده الخير والإصلاح: فلا بأس بذلك للحديث المذكور.
وهكذا لو رأى إنساناً يريد أن يقتل شخصاً ظلماً أو يظلمه في شيء آخر، فقال له: والله إنه أخي، حتى يخلصه من هذا الظالم إذا كان يريد قتله بغير حق أو ضربه بغير حق، وهو يعلم أنه إذا قال: أخي تركه احتراما له: وجب عليه مثل هذا لمصلحة تخليص أخيه من الظلم.
والمقصود: أن الأصل في الأيمان الكاذبة المنع والتحريم، إلا إذا ترتب عليها مصلحة كبرى أعظم من الكذب، كما في الثلاث المذكورة في الحديث السابق " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (1 /54) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4452)
من نذر ذبيحة للمساكين هل له أن يأكل منها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[نذرت منذ أكثر من عام أن أذبح لله وأن أعطي من هذا الذبح للأهل والأقارب والمساكين، واقترب المال معي على أن يكتمل فهل يصح لي أن أفي بالنذر في أيام عيد الأضحى؟ وهل يجوز لي أن أعطي من هذا الذبح لأسرتي الصغيرة؟ وما هي شروط صحة النذر وقبوله؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
هذا النذر يندرج ضمن نذر الطاعة والقربة، فيجب الوفاء به، سواء كان مطلقا أو معلقا على شرط، والمطلق كأن يقول الإنسان نذرت أو لله علي أن أذبح شاة مثلا وأعطيها للفقراء أو لأقاربي.
والمعلق على شرط كأن يقول: إن شفاني الله أو نجحت أو أخذت راتبا أو حصلت على مبلغ كذا أن أذبح ذبيحة أوزعها إلخ.
وإنما وجب الوفاء به لقوله صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعص الله فلا يعصيه) رواه البخاري (6318) .
وما دمت لم تعيني وقتا للوفاء بنذرك، فإنه يجوز لك الوفاء به في كل وقت، في أيام عيد الأضحى وغيرها.
لكن لو أردت أن تُضحِّي هذا العام، فإن الذبيحة (النذر) لا تغني عن الأضحية، ولو ذبحت في أيام عيد الأضحى.
ثانيا:
من نذر ذبيحة تعطى لأهله وأقاربه وللمساكين، دخل في ذلك أسرته الصغيرة، كزوجه وأولاده؛ لأنهم من أهله، إلا أن ينوي إخراجهم، فيكون الأمر على ما نوى.
وأما الناذر فليس له أن يأكل من نذره، فإن أكل ضمن قيمته للمساكين، أي يخرج قيمة ما أكل ويعطيها للمساكين.
وقد نص الفقهاء رحمهم الله على أنه لا يأكل من النذر.
انظر "حاشية ابن عابدين" (2/616) ، و "المغني" (3/288) .
ومما علل به الفقهاء منع الأكل من النذر أن الذبيحة إذا نذرت للمساكين مثلا فقد تعينت لهم، فليس له أن يصرف شيئا منها عنهم. انظر: المنتقى للباجي (2/318) .
وفي "الموسوعة الفقهية" (6/117) : " وفي النذر لا يجوز للناذر الأكل من نذره؛ لأنه صدقة , ولا يجوز الأكل من الصدقة , وهذا في الجملة , لأن الأضحية المنذورة فيها خلاف.
وكذلك النذر المطلق الذي لم يعين للمساكين - لا بلفظ ولا بنية - يجوز الأكل منه عند المالكية وبعض الشافعية " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4453)
نذر إذا حصل شيء معين ولم يحصل، وعقوبة عدم الوفاء بالنذر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم إذا نذرت أن أفعل شيئاً ما إذا حصل ما أريد ولكن ما أريد لم يحصل بعد؟ إذا لو أوف بنذري فما هي العقوبة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
النذر المعلق على حصول شيء ما، لا يجب إلا عند حصول ذلك الشيء، كمن نذر إن شفى الله مريضه أن يتصدق أو يصوم، فلا يلزمه شيء حتى يتحقق الشفاء لمريضه.
وهذا النذر يجب الوفاء به بإجماع العلماء لقوله صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه) رواه البخاري (6318) .
قال ابن قدامة رحمه الله عن نذر الطاعة: (وهو ثلاثة أنواع، أحدها: التزام طاعة في مقابل نعمة استجلبها أو نقمة استدفعها، كقوله: إن شفاني الله فلله علي صوم شهر، فتكون الطاعة الملتزمة مما له أصل في الوجوب بالشرع، كالصوم والصلاة والصدقة والحج، فهذا يلزم الوفاء به بإجماع أهل العلم) المغني 13/622.
وإذا وجب الوفاء بالنذر كان دَيْناً على الإنسان حتى يؤديه، فإن عزم على تركه كان عاصيا آثما.
ويخشى إذا لم يفعله أن يُعاقبه الله تعالى بالنِّفاق في قلبه، قال تعالى: (فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُونَ* وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ) التوبة / 75-78، انظر السؤال رقم (42178)
وينبغي أن يعلم أن النذر مكروه؛ لما روى البخاري (6608) ومسلم (1639) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّذْرِ، وَقَالَ: (إِنَّهُ لا يَرُدُّ شَيْئًا، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيل) . راجع السؤال رقم (36800) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4454)
إذا قال لزوجته: أنت علي حرام
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا قال الزوج لزوجته: أنت علي حرام، فهل يكون هذا طلاقاً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تحريم الزوج لزوجته مما اختلف الفقهاء في حكمه، فمنهم من حكم بأنه ظهار، ومنهم من حكم بأنه طلاق.
ولعل أرجح الأقوال: أنه إن نوى الطلاق أو الظهار أو اليمين، فالأمر على ما نواه.
وإن لم ينو شيئا لزمه كفارة يمين، وهذا مذهب الإمام الشافعي رحمه الله.
ويدل على ذلك: أن هذا اللفظ يصلح لأن يكون طلاقاً أو ظهاراً أو يميناً، فكان المرجع في تحديد ذلك إلى نية القائل، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) .
وعن ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: (إِذَا حَرَّمَ الرَّجُلُ عَلَيْهِ امْرَأَتَهُ فَهِيَ يَمِينٌ يُكَفِّرُهَا) رواه البخاري (4911) ومسلم (1473) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" إن قال قائل: ما هو الفرق بين هذه الأمور الثلاثة (يعني: الطلاق والظهار واليمين) ؟ قلنا: الفرق بينهم:
الحال الأولى: في اليمين هو ما نوى التحريم، لكن نوى الامتناع إما معلقا وإما منجزا، مثل أن يقول: إن فعلت كذا فأنت عليّ حرام، هذا معلق. فهنا ليس قصده أنه يحرم زوجته بل قصده أن تمتنع زوجته من ذلك.
وكذلك: أنت علي حرام، قصده أن يمتنع من زوجته، فنقول: هذا يمين؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ ... ) إلى أن قال: (قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ) وقوله: (مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ) "ما" اسم موصول يفيد العموم، فهو شامل للزوجة وللأمة وللطعام والشراب واللباس، فحكم هذا حكم اليمين. قال ابن عباس رضي الله عنهما: إذا قال لزوجته: أنت علي حرام فهي يمين يكفرها. والاستدلال على ذلك بالآية ظاهر.
والحالة الثانية: أنه يريد به الطلاق، فينوي بقوله أنت علي حرام، يعني: يريد أن يفارقها بهذا اللفظ. فهذا طلاق، لأنه صالح للفراق، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) .
الحالة الثالثة: أن يريد به الظهار، ومعنى الظهار أن يريد أنها محرمة عليه، فهذا قال بعض أهل العلم: إنه لا يكون ظهارا لأنه لم يوجد فيه لفظ الظهار. وقال بعض العلماء: إنه يكون ظهارا؛ لأن معنى قول المظاهر لزوجته: أنت علي كظهر أمي، ليس معناه إلا أنت حرام، لكنه شبهها بأعلى درجات التحريم وهو ظهر أمه، لأنه أشد ما يكون حراما عليه، فهذا يكون ظهارا) انتهى من "الشرح الممتع" (5/476) .
وننبه إلى خطورة الألفاظ المتصلة بهذا الجانب، وضرورة الحذر من إطلاقها، حفاظا على ميثاق الزواج الغليظ، من أن ينحل وينهار.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4455)
تحقّق ما شرطه في النذر ولكن ليس كاملا
[السُّؤَالُ]
ـ[نذر أنه إذا جُدّد عقد عمله أن يتصدق بمبلغ معين، وفي نيته أنه إذا جدد سنة، فجدد عقده ثلاثة أشهر، ولم يتلفظ بالسّنة، فهل يلزمه شئ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله:
لا، لا يلزمه شئ. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(5/4456)
لا يجزئ إطعام مسكين واحد عشر مرات في كفارة اليمين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن أعطي كفارة اليمين لمسكين واحد، بمعنى أن أطعمه عشر مرات، أم لا بد من إعطاء عشرة مساكين؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجزئ في الكفارة أن يكرر الإطعام في مسكين واحد.
فالواجب في كفارة اليمين – وغيرها من الكفارات – مراعاة عدد المساكين الذي ورد النص به.
قال ابن قدامة رحمه الله في المغني:
" إذاِ وَجَدَ مَنْ عليه كفارة المساكين بكمال عددهم , لَمْ يُجْزِئُهُ إطْعَامُ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ , وَلا أَقَلَّ مِنْ سِتِّينَ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَكَفَّارَةِ الْجِمَاعِ فِي رَمَضَانَ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ لقَوْلُ اللَّهِ - تَعَالَى: (فَكَفَّارَتُهُ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ) وَمَنْ أَطْعَمَ وَاحِدًا , فَمَا أَطْعَمَ عَشَرَةً , فَمَا امْتَثَلَ الأَمْرَ , فَلا يُجْزِئُهُ اهـ.
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء (23/21)
" كفارة اليمين إذا أخرجها من الطعام فلا بد من استيعاب عشرة مساكين، لكل مسكين نصف صاع من الطعام، ولا يجزئ فيها الاقتصار على فقير واحد، ولو كررها عليه عشرة أيام لأن هذا خلاف النص " اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4457)
عاهدت ربها على شيء وتريد نقضه
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أرادت أن تخلف وعدا أخذته على نفسها ماذا تفعل؟
وقد اتخذت هذا الوعد على نفسها وقت غضبها على شخص آخر ولكن الوعد/التعهد كان بينها وبين الله فقط , والآن بعد مضي فترة من الوقت تريد أن ترجع عن هذا الوعد، ماذا عليها أن تفعل لتتوب؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
معاهدة الله تعالى على شيء من ألفاظ النذر، راجع السؤال رقم (38934) .
وقد أمر الله تعالى بالوفاء بالوعد والعهد، سواء كان ذلك العهد مع الله أو مع الخلق. قال تعالى: (وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم) وقال: (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُونَ) التوبة / 75-77.
ومحل هذا إذا كان المراد فعل طاعة، كأن يعاهد الإنسان ربه على أن يصدق الحديث أو يتصدق بشيء من ماله وهكذا. وهذا داخل في النذر وإن لم يصرح قائله بلفظ النذر. فمن عاهد الله أو قال: لله علي أن أفعل شيئا من ذلك لزمه الوفاء به لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه " رواه البخاري (6318) .
ولا يجوز الإخلال بهذا الالتزام إلا أن يعجز الإنسان عن الوفاء به مطلقا، فيكفر كفارة يمين؛ لحديث: " ومن نذر نذرا لا يطيقه فكفارته كفارة يمين " رواه أبو داود (3322) من حديث ابن عباس. قال الحافظ في الفتح: (رواه ثقات، لكن أخرجه ابن أبي شيبة موقوفا وهو أشبه) .
قال ابن قدامة في المغني (10/72) : (وجملته أن من نذر طاعة لا يطيقها أو كان قادرا عليها فعجز عنها فعليه كفارة يمين) .
أما إن كان العمل المراد التزامه معصية، فلا يجوز الوفاء به، وذلك كأن يعاهد الإنسان ربه على أن لا يكلم أخاه أو لا يزوره، مع انتفاء ما يبرر ذلك شرعا، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق: " ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه ".
واللازم حينئذ: التوبة إلى الله تعالى من معاهدته على المعصية، وإخراج كفارة يمين، لقوله صلى الله عليه وسلم: " لا نذر في معصية، وكفارته كفارة يمين" رواه أحمد (2640) وأبو داود (3290) والترمذي (1524) والنسائي (3834) وابن ماجه (2125) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وكذا لو عاهد الله على أمر ثم رأى غيره خيرا منه، كما لو أراد ألا يحسن أو لا ينفق على قريب أو صديق، فلا يجب الوفاء بذلك، بل ينبغي تركه، سواء كان هذا على سبيل النذر أو اليمين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه " رواه مسلم (1650) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
والسائلة لم تذكر العهد الذي أخذته على نفسها حتى يكون الجواب محدداً، ولكن يمكنها معرفة حكم ما فعلت من خلال ما سبق من التقسيم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4458)
قال عن نفسه (عليه لعنة الله إن شرب الدخان) ثم شربه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن يحلف المسلم بالله ألا يدخن أية سيجارة أبدا، على سبيل المثال، ويجعل نفسه عرضة للعنة الله إن لم يبر بقسمه، (كأن يقول بأن لعنة الله عليه إن دخن مرة أخرى) ؟ إذا كان ذلك لا يجوز، فكيف يتصرف من فعل ذلك وهو جاهل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: لا يجوز للرجل أن يحلف على نفسه باللعنة ولا بغضب الله ولا بالكفر والخروج من الملة والردة عن الإسلام وما أشبه هذا، والدليل على ذلك:
1- قال الله تعالى: (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ) يونس/11.
قال القرطبي:
قال مجاهد: نزلت في الرجل يدعو على نفسه أو ماله أو ولده إذا غضب اللهم أهلكه اللهم لا تبارك فيه والعنه أو نحو هذا فلو استجيب ذلك منه كما يستجاب الخير لقضي إليهم أجلهم فالآية نزلت ذامة لخلق ذميم هو في بعض الناس يدعون في الخير فيريدون تعجيل الإجابة ثم يحملهم أحيانا سوء الخلق على الدعاء في الشر فلو عجل لهم لهلكوا الثانية. " تفسير القرطبي " (8 / 315) .
2- عن ثابت بن الضحاك – رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(من حلف على ملة غير الإسلام فهو كما قال) . رواه البخاري (5700) .
3- وسمع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً يلعن بعيره لما تباطأ في المشي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا اللاعن بعيره؟ قال: أنا يا رسول الله. قال: انزل عنه، فلا تصحبنا بملعون، ولا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم ". رواه مسلم (3014) .
ثانياً:
أما ما يصنع من قال ذلك: ففيه خلاف بين العلماء فذهب بعضهم أن عليه الكفارة، وقال آخرون: ليس عليه كفارة.
وقد روى عبد الرزاق في المصنف بعض الآثار الواردة عن السلف في ذلك:
فعن ابن عباس: " في الرجل يقول هو يهودي أو نصراني أو مجوسي أو بريء من الإسلام أو عليه لعنة الله أو عليه نذر قال: يمين مغلظة ". (15974) .
وعن طاووس قال: " من قال أنا كافر أو أنا يهودي أو نصراني أو مجوسي أو أخزاني الله أو شبه ذلك فهي يمين يكفرها ". (15975) .
وعن ابن جريج قال: " سمعت إنسانا قال لعطاء رجل قال عليَّ غضب الله أو أخزاني الله أو دعوت الله على نفسي بشيء أأكفر؟ قال: هو أحب إلي إن فعلت قال فإن لم أفعل قال ليس عليك شيء ليست بيمين ". (15977) .
وعن ابن جريج قال: " سمعت عطاء سئل عن قول الرجل: عليَّ عهد الله وميثاقه ثم يحنث أيمين هي؟ قال: لا. إلا أن يكون نوى اليمين أو قال أخزاني الله أو قال عليَّ لعنة الله أو قال أشرك بالله أو أكفر بالله أو مثل ذلك. قال: لا. (يعني ليست بيمين) إلا ما حلف بالله عز وجل " (15978) .
ورجّح ابن قدامة رحمه الله أنه لا كفارة عليه لعدم وجود دليل على وجوبها. انظر المغني (13/465)
وقد سألنا فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن جبرين حفظه الله عن هذه المسألة فأفاد: أن هذا ليس بيمين، وليس عليه كفارة، وعليه التوبة إلى الله تعالى من ذلك. اهـ.
وإذا أخذ المسلم بالأحوط وأخرج كفارة يمين كان حسناً.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4459)
نذرت أن تتصدق بحليها فهل تعطيه لأخواتها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة نذرت أن تتصدق بحليها، فهل يجوز لها أن تتصدق بهذا المال على إخوتها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل فيمن نذر صدقة ولم يحدد لها مصرفاً أن يعطيها للفقراء والمساكين، والذين يأخذون من الزكاة لحاجتهم، لأن هؤلاء هم أهل الصدقة، وأهله وأقاربه الفقراء أولى من غيرهم.
انظر "المغني" (8/209) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى الكبرى" (5/554) :
" وَلَوْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِمَالٍ صَرَفَهُ مَصْرِفَ الزَّكَاةِ " انتهى.
فعلى هذا، إن كان الإخوة المسئول عنهم من الفقراء والمساكين جاز دفع الحلي لهم، إلا أن تكون السائلة قد نوت إعطاء الصدقة لفقراء معيّنين.
سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: نذرتُ نذرا وقمت بالوفاء بالنذر، ولكني أعطيت إخوتي وأخواتي من هذا النذر، مع العلم أنهم مساكين، فهل أكون قد وفيت بنذري؟ مع العلم أن النية كانت لو رزقني الله بكذا، نذرت شهرا من راتبي.
فأجابت:
" إذا كنت قد أطلقت النذر للفقراء ولم تخص أحدا، فإخوتك وأخواتك الفقراء أولى به من غيرهم، فلا بأس بما فعلت، وإن كنت قد عينت جنسا أو نويته بنذرك فلا يجوز صرف النذر إلى غيرهم. وعليك أن تغرم مقابل ما صرفته لإخوتك، للفقراء الذين نويتهم " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (23/391) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4460)
نذرت أن تتصدق بكل حليها وعليها زكاة فما العمل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة مرضت فنذرت إن شفاها الله أن تتصدق بكل حليها، وبعد أن شفيت ندمت! وهي تسأل الآن: هل لهذا النذر من كفارة؟ وإن كان لابد من الوفاء بهذا النذر؛ فإنه على هذا الحلي زكاة لمدة ثماني سنوات؛ فهل تزكي على كل هذه السنوات؟ ومن الحلي نفسه أم ماذا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
" النذر غير مشروع لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه؛ لما روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النذر وقال: (إنَّهُ لا يَرُدُّ شيئا، ولكنَّه يُسْتَخْرجُ بهِ منَ البَخيلِ) متفق عليه، وهذا لفظ البخاري. فينبغي لكل مسلم ومسلمة أن يبتعد عن النذر، وأن لا يلزم نفسه بشيء قد يعجز ويشق عليه الوفاء به، فيقع في الإثم والحرج " "فتاوى اللجنة الدائمة" (23/362) .
ومع كون النذر مكروها في الأصل إلا أن من نذَر نذْر طاعةٍ فإنه يلزمه الوفاء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ ن وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلا يَعْصِهِ) رواه البخاري (6202) .
ثانيا:
نذْرُ الصدقة بشيء من المال هو من نذر الطاعة الذي يجب الوفاء به.
ومن نذرت أن تتصدق بجميع حليها، فلها حالتان:
الأولى: أن يكون هذا الحلي هو جميع مالها، فيجزئها أن تخرج الثلث، وهذا مذهب أحمد رحمه الله.
ومن أهل العلم من أوجب التصدق بجميع المال، ومنهم الشافعي رحمه الله.
قال ابن قدامة رحمه الله:
" من نذر أن يتصدق بماله كله أجزأه ثلثه. وبهذا قال الزهري، ومالك ... وقال أبو حنيفة: يتصدق بالمال الزكوي كله ...
وقال الشافعي: يتصدق بماله كله؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه) . ولأنه نذر طاعة، فلزمه الوفاء به كنذر الصلاة والصيام.
ويدل على أنه يكفيه التصدق بالثلث: قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي لبابة حين قال: إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله. فقال: (يجزئك الثلث) . صححه الألباني في "تخريج أحاديث مشكاة المصابيح" (3439) .
وعن كعب بن مالك، قال: قلت: يا رسول الله , إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أمسك عليك بعض مالك) متفق عليه. ولأبي داود: (يجزئ عنك الثلث) قال الألباني في صحيح أبي داود (3319) : إسناده صحيح " انتهى من "المغني" (11/340) بتصرف يسير.
أي أنه إذا كان المال المعين للنذر يستغرق جميع المال فإن حكمه حكم من نذر الصدقة بجميع ماله، فيكفيه الصدقة بالثلث.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى الكبرى" (6/188) :
" قَدْ جَاءَتْ السُّنَّةُ فِيمَنْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِجَمِيعِ مَالِهِ أَنَّهُ يُجْزِيهِ الثُّلُثُ، لِمَا فِي إخْرَاجِ الْجَمِيعِ مِنْ الضَّرَرِ " انتهى.
ومثله لابن القيم في "إعلام الموقعين" (3/165) .
والراجح ما ذهب إليه الحنابلة، وبه أفتت اللجنة الدائمة، حيث سئلت عمن نذر راتبه كله في سبيل الله دائما، فأجابت: " يكفيك التصدق بثلث الراتب؛ لأن الذي نذر أن يتصدق بماله كله قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (يُجْزِئُ عَنْكَ الثُّلُثُ) رواه أبو داود " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (23/225) .
الحالة الثانية: أن يكون لها مال آخر غير الحلي، فيلزمها الصدقة بحليها كله كما نذرت.
قال ابن قدامة رحمه الله: " وإذا نذر الصدقة بمعيّن من ماله أو بمقدّر، كألف، فروي عن أحمد أنه يجوز ثلثه؛ لأنه مالٌ نَذَرَ الصدقة به، فأجزأه ثلثه، كجميع المال. والصحيح في المذهب لزوم الصدقة بجميعه؛ لأنه منذور، وهو قربة، فيلزمه الوفاء به، كسائر المنذورات، ولعموم قوله تعالى: (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ) الإنسان/7.
وإنما خولف هذا في جميع المال للأثر فيه، ولما في الصدقة بجميع المال من الضرر اللاحق به، اللهم إلا أن يكون المنذور هاهنا يستغرق جميع المال، فيكون كنذر ذلك " "المغني" (11/340) .
ثالثا:
أما زكاة الحلي: فيلزمها أن تخرج الزكاة عن السنوات الثمانية، سواء قلنا تتصدق بجميع الحلي أو بثلثه – على التفصيل السابق -؛ لأن الزكاة دين واجب عليها، ولا علاقة له بالنذر. لكن إن لزمها الصدقة بالحلي كله، فإنها تخرج الزكاة من مالها الآخر، وليس لها أن تخرج من الحلي نفسه.
وإن لزمها أن تتصدق بثلث حليها، جاز لها أن تخرج الزكاة من بقية الحلي – إن اتسع لذلك- ومن مالها الآخر.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4461)
أقسم أن يفطر في رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم إذا أقسم المرء بأن يفطر في نهار رمضان؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
صيام رمضان واجب على المسلم البالغ العاقل المقيم القادر على الصوم. ومن كان كذلك فإنه يحرم عليه الفطر بغير عذر، كما يحرم عليه أن يقسم على ذلك؛ لما في قسمه من العزم والتأكيد على فعل المحرم.
ثانياً:
إذا حلف المسلم على ارتكاب معصية فإنه لا يجوز له أن يفعل ما حلف عليه، بل يجب عليه أن يحنث في يمينه، ويكفر كفارة يمين، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ) رواه مسلم (1650) .
وكفارة اليمين هي: إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، فمن لم يجد صام ثلاثة أيام. قال الله تعالى: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة/89.
وانظر السؤال (45676) .
ثالثاً:
على من فعل ذلك أن يتوب إلى الله تعالى، فإنه قبيح جدا من المسلم أن يقسم على الإفطار في رمضان، فهذا يدل على تهاونه بحرمات الله، والاستهانة بها، وقد سبق في جواب السؤال (38747) بيان خطورة الإفطار في رمضان من غير عذر، وأن فاعله يظن به النفاق، والعياذ بالله.
قال الذهبي في "الكبائر" (ص 64) :
" وعند المؤمنين مقرر: أن من ترك صوم رمضان بلا مرض ولا غرض (أي بلا عذر يبيح ذلك) أنه شر من الزاني ومدمن الخمر، بل يشكون في إسلامه ويظنون به الزندقة والانحلال " انتهى.
نسأل الله العفو والعافية والثبات على دينه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4462)
هل يجوز الحلف كاذباً للصلح بين المتخاصمين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الحلف كاذباً للصلح بين المتخاصمين؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل في المؤمن الصدق، وألاّ يتكلم إلا صواباً وحقّاً؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) التوبة/119؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا) رواه البخاري (5743) ومسلم (2607) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
ولإصلاح ذات البين أهمية كبيرة في الشرع، وقد رتب على هذا الإصلاح أجوراً عظيمة، كما ورد التحذير الشديد من إفساد ذات البين، ولأهمية إصلاح ذات البين في المجتمع المسلم ولخطورة الشقاق والخلاف: فقد أباح الله عز وجل الكذب من أجل الإصلاح ومن أجل رفع الشقاق والنزاع الذي تكون نتيجته سلبية على دين الفرد والجماعة.
فعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟) قالوا: بلى، قال: (صلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة) . رواه الترمذي (2509) وقال: " هذا حديث صحيح، ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين) " انتهى.
ومن أكرمه الله ووفقه للإصلاح بين المسلمين فاحتاج إلى الكذب من أجل الإصلاح فلا حرج عليه في ذلك، ولا يجوز وصفه بالكذب، لأنه إنما كذب لأمر عظيم فيه من المصالح الشرعية ما جعل الكذب في هذا الموطن مباحاً، كما في الصحيحين من حديث أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا ويقول خيراً) رواه البخاري (2546) ومسلم (2605) .
وأما حلف اليمين كاذباً من أجل الإصلاح: فالظاهر جوازه.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
" ... فالمشروع للمؤمن أن يقلل من الأيمان ولو كان صادقا؛ لأن الإكثار منها قد يوقعه في الكذب، ومعلوم أن الكذب حرام، وإذا كان مع اليمين صار أشد تحريماً، لكن لو دعت الضرورة أو المصلحة الراجحة إلى الحلف الكاذب فلا حرج في ذلك؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا ويقول خيراً. قالت: ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس إنه كذب إلا في ثلاث: الإصلاح بين الناس، والحرب، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها) رواه مسلم في الصحيح.
فإذا قال في إصلاحٍ بين الناس: والله إن أصحابك يحبون الصلح، ويحبون أن تتفق الكلمة، ويريدون كذا وكذا، ثم أتى الآخرين وقال لهم مثل ذلك، ومقصده الخير والإصلاح: فلا بأس بذلك للحديث المذكور.
وهكذا لو رأى إنساناً يريد أن يقتل شخصاً ظلماً أو يظلمه في شيء آخر، فقال له: والله إنه أخي، حتى يخلصه من هذا الظالم إذا كان يريد قتله بغير حق أو ضربه بغير حق، وهو يعلم أنه إذا قال: أخي تركه احتراما له: وجب عليه مثل هذا لمصلحة تخليص أخيه من الظلم.
والمقصود: أن الأصل في الأيمان الكاذبة المنع والتحريم، إلا إذا ترتب عليها مصلحة كبرى أعظم من الكذب، كما في الثلاث المذكورة في الحديث السابق " انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (1 / 54) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4463)
نذر أن يتزوج فتاة معينة ثم لم يف بنذره
[السُّؤَالُ]
ـ[نذرت لله أنني لن أتزوج أي فتاة إلا هذه الفتاة، وإن تزوجت غيرها سأصوم 3 شهور، ثم أدركت نفسي أنني لا أستطيع أن أَفِي بنذري، ولا أملك العمل للدفع للفقراء كل يوم، فما الحل جزاكم الله خيراً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الذي ينبغي للمسلم اجتناب النذر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه.
فقد روى البخاري (6608) ومسلم (1639) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّذْرِ وَقَالَ: (إِنَّهُ لا يَرُدُّ شَيْئًا، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيل) .
انظر السؤال (32724) ، (36800) .
ثانياً:
ذكر العلماء رحمهم الله تعالى أن النذر عدة أنواع، منها: النذر الذي يقصد به اليمين، وهو الذي يراد منه الحث على فعل شيء أو اجتنابه.
وحكمه إذا حنث: التخيير بين فعل المنذور وبين كفارة يمين.
قال ابن قدامة في "المغني" (13/461) :
"إذَا أَخْرَجَ النَّذْرَ مَخْرَجَ الْيَمِينِ , بِأَنْ يَمْنَعَ نَفْسَهُ أَوْ غَيْرَهُ بِهِ شَيْئًا , أَوْ يَحُثَّ بِهِ عَلَى شَيْءٍ , مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: إنْ كَلَّمْت زَيْدًا , فَلِلَّهِ عَلَيَّ الْحَجُّ , أَوْ صَدَقَةُ مَالِي , أَوْ صَوْمُ سَنَةٍ. فَهَذَا يَمِينٌ , حُكْمُهُ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْوَفَاءِ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ , فَلا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ , وَبَيْنَ أَنْ يَحْنَثَ , فَيَتَخَيَّرَ بَيْنَ فِعْلِ الْمَنْذُورِ , وَبَيْنَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ , وَيُسَمَّى نَذْرَ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ , وَلا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ. .. وَهَذَا قَوْلُ عُمَرَ , وَابْنِ عَبَّاسٍ , وَابْنِ عُمَرَ , وَعَائِشَةَ , وَحَفْصَةَ , وَزَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ" اهـ باختصار.
والذي يظهر أن نذرك بأن تصوم ثلاثة أشهر إذا لم تتزوج هذه الفتاة من هذا النوع، لأنك تريد بذلك أن تحث نفسك على الزواج منها، وهذا هو معنى اليمين.
انظر السؤال (45889) .
وكفارة اليمين هي المذكورة في قوله تعالى: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة/89.
انظر السؤال (45676) .
وخلاصة الجواب: أنك إذا تزوجت هذه الفتاة فلا شيء عليك، وإن لم تتزوجها فإنك مخيَّر بين الوفاء بنذرك وهو صيام ثلاثة أشهر، وبين كفارة اليمين.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4464)
قال لامرأته: أنت عليّ مثل أمي
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة قال لها زوجها: أنت علي مثل أمي وأختي. فهل هذا يعتبر طلاقاً أم أن هناك كفارة؟ وما هي الكفارة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
هذا اللفظ لا يعتبر طلاقا، وإنما هو من ألفاظ الظهار التي ليست صريحة في الظهار، بل يحتمل الظهار وغيرَه.
ثانياً:
حكم هذا اللفظ يرجع فيه إلى نية المتكلم (الزوج) والقرائن التي تدل عليها.
أما النية؛ فقد يقصد الزوج بهذا الكلام أنها محرمة عليه مثل أمه فيكون ظهاراً.
وقد يقصد أنها مثل أمه في الإكرام والمحبة ونحو ذلك فلا يكون ظهاراً، ولا يترتب عليه شيء.
وأما القرينة؛ فقد يدل سياق الكلام والحادثة التي قيل فيها أن الزوج أراد بذلك الظهار فيكون ظهاراًَ، ومثال القرينة لو كان الزوج في نزاع مع زوجته وشجار فقال لها في أثناء ذلك: أنت علي مثل أمي، فظاهر هذا السياق أنه أراد الظهار فيكون ظهاراً.
سئل شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (34/5) عن رَجُلٍ قَالَ لامْرَأَتِهِ: أَنْت عَلَيَّ مِثْلُ أُمِّي , وَأُخْتِي؟
فَأَجَابَ: "إنْ كَانَ مَقْصُودُهُ أَنْتِ عَلَيَّ مِثْلُ أُمِّي وَأُخْتِي فِي الْكَرَامَةِ فَلا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَإِنْ كَانَ مَقْصُودُهُ يُشَبِّهُهَا بِأُمِّهِ وَأُخْتِهِ فِي " بَابِ النِّكَاحِ " فَهَذَا ظِهَارٌ عَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُظَاهِرِ فَإِذَا أَمْسَكَهَا فَلا يَقْرَبُهَا حَتَّى يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ ظِهَارٍ" اهـ.
وقال أيضاً (34/7) :
"وَإِنْ أَرَادَ بِهَا عِنْدِي مِثْلُ أُمِّي. أَيْ فِي الامْتِنَاعِ عَنْ وَطْئِهَا وَالاسْتِمْتَاعِ بِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَحْرُمُ مِنْ الأُمِّ فَهِيَ مِثْلُ أُمِّي الَّتِي لَيْسَتْ مَحَلا لِلاسْتِمْتَاعِ بِهَا: فَهَذَا مُظَاهِرٌ يَجِبُ عَلَيْهِ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُظَاهِرِ، فَلا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا حَتَّى يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ، فَيَعْتِقَ رَقَبَةً، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا" اهـ.
وقال ابن قدامة في "المغني" (11/60) :
"وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَأُمِّي. أَوْ: مِثْلُ أُمِّي. وَنَوَى بِهِ الظِّهَارَ , فَهُوَ ظِهَارٌ , فِي قَوْلِ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ ; مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ , وَصَاحِبَاهُ , وَالشَّافِعِيُّ , وَإِسْحَاقُ. وَإِنْ نَوَى بِهِ الْكَرَامَةَ وَالتَّوْقِيرَ , أَوْ أَنَّهَا مِثْلُهَا فِي الْكِبَرِ , أَوْ الصِّفَةِ , فَلَيْسَ بِظِهَارٍ. وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي نِيَّتِهِ" اهـ.
أي: أن المرجع إلى الزوج لا إلى غيره في تحديد ما نواه.
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (20/274) :
"إذا قال الزوج لزوجته: أنا أخوك أو أنت أختي، أو أنت أمي أو كأمي، أو أنت مني كأمي أو كأختي، فإن أراد بذلك أنها مثل ما ذكر في الكرامة أو الصلة والبر أو الاحترام أو لم يكن له نية ولم يكن هناك قرائن تدل على إرادة الظهار، فليس ما حصل منه ظهارا، ولا يلزمه شيء، وإن أراد بهذه الكلمات ونحوها الظهار أو قامت قرينة تدل على الظهار مثل صدور هذه الكلمات عن غضب عليها أو تهديد لها فهي ظهار، وهو محرم وتلزمه التوبة وتجب عليه الكفارة قبل أن يمسها، وهي: عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا اهـ.
والخلاصة:
إذا كان الزوج قصد بهذا الكلام الظهار أو دلت القرينة على ذلك فهو ظهار، وفيما عدا ذلك لا يكون ظهاراً، ولا يترتب عليه شيء.
ثالثاً:
الظهار محرم، فقد وصفه الله تعالى بأنه منكر من القول وزور، وذلك في قوله: (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلا اللائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً) المجادلة/2.
فعلى من ظاهر من امرأته أن يتوب إلى الله تعالى.
رابعاً:
تجب الكفارة على الزوج المظاهر من زوجته إذا أراد أن يمسكها ولا يطلقها، ولا يحل له أن يجامعها قبل أن يأتي بالكفارة، والكفارة هي عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً، ودليل ذلك قول الله تعالى: (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ) المجادلة/3-4.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4465)
عاهد الله على ترك العادة السرية فعاد وفعلها فماذا يلزمه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ي أكتبه وكلي ندم على ما فعلته وما قصرت بحق الله -: هو أنني كنت أفعل العادة السرية الخبيثة - أكرمكم الله - وأنا الآن تركتها من فترة قصيرة، أدعو الله أن يثبتني.
وسؤالي هو:
أني كنت أقول بصريح العبارة " أعاهدك يا ربي أن لا أعود إلى هذه العادة الخبيثة "؛ ولكني كنت أعود ليس – والله - استهزاء بالله -، ولكنه الشيطان والهوى.
أرجو أن تبينوا - جزاكم الله خير - ماذا عليَّ من جرَّاء نقضي للعهد مع الله سبحانه وتعالى.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سبق في جواب السؤال رقم (329) بيان تحريم العادة السرية السيئة، وكيفية التخلص منها، والمسلم لا يلزمه العهد والنذر ليترك ما حرَّم الله تعالى عليه، إذ يكفي معرفة التحريم لينتهي عنه المسلم، فإذا عاهد الله أو نذر أن لا يفعل المحرَّم ثم عاد إليه ففعله: فقد اكتسب إثم فعل المحرم، وإثم نقض العهد والحنث في اليمين والنذر.
وقد أوجب الله تعالى الوفاء بالعهود، فقال تعالى {وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا} .
قال الجصاص:
قوله تعالى: {وأوفوا بالعهد} يعني - والله أعلم - إيجاب الوفاء بما عاهد الله على نفسه من النذور والدخول في القرب , فألزمه الله تعالى إتمامها , وهو كقوله تعالى: {ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون فأعقبهم نفاقا في قلوبهم} " أحكام القرآن " (3 / 299) .
قال السرخسي:
والوفاء بالعهد واجب قال الله تعالى: {وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم} , وذم من ترك الوفاء بالعهد بقوله {ومنهم من عاهد الله} الآية ... " المبسوط " (3 / 94) .
ومن عاهد الله تعالى على فعل شيء فلم يفعله، أو عاهده تعالى على عدم الفعل ففعل: فعليه إثم نقض العهد، وعليه كفارة يمين، فالعهد: يمين ونذر، ومن حنث فيهما فعليه كفارة يمين وهي: التخيير بين عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فمن لم يجد أو لم يستطع: فليصم ثلاثة أيام.
قال ابن قدامة:
إن قال: علي عهد الله وميثاقه لأفعلن. أو قال: وعهد الله وميثاقه لأفعلن. فهو يمين , وإن قال: والعهد والميثاق لأفعلن. ونوى عهد الله , كان يمينا ; لأنه نوى الحلف بصفة من صفات الله - تعالى. " المغني " (9 / 400) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:
والعهود والعقود متقاربة المعنى أو متفقة فإذا قال أعاهد الله أني أحج العام فهو نذر وعهد ويمين، وإن قال لا أكلم زيدا فيمين وعهد لا نذر، فالأيمان تضمنت معنى النذر وهو أن يلتزم لله قربة لزمه الوفاء وهي عقد وعهد ومعاهدة لله لأنه التزم لله ما يطلبه الله منه. " الفتاوى الكبرى " (5 / 553) .
وهو قول ابن عباس ومالك وعطاء والزهري والنخعي والشعبي ويحي بن سعيد، كما في " المدونة " (1 / 579، 580) .
وخلاصة الجواب: أن عليك كفارة يمين لنقضك العهد مع الله، ونسأل الله تعالى أن يرزقك الهدى والتقى والعفاف والغني.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
Islam
السؤال
&A(5/4466)
توكيل جمعية خيرية بإخراج كفارة اليمين
[السُّؤَالُ]
ـ[ي عن الكفارة التي وردت في آية 89 من سورة المائدة أن الحنث باليمين يجب أن يكفر عنه بإطعام 10 مساكين من أوسط ما نطعم أهلينا أو كسوتهم أو تحرير رقبة أو الصيام إذا لم يكن أي من هذه متوفر. هل إرسال المال إلى جمعية خيرية تساعد المسلمين في أنحاء العالم يفي بهذا؟ إذا علمنا أنه لا يوجد أي قسم من هذا المال يذهب كمصاريف إدارية أو بريد أو أي شيء آخر حيث أن المال الذي يصل يكفي لإطعام العشرة كما أن الأشخاص الذين يأخذون المال لإيصاله من ذوو السمعة الحسنة فهل هذا يجوز؟ إذا كان هذا لا يجوز من هو الشخص الذي يعتبر فقيرا أو مسكينا لإطعامه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا لم يوجد الفقير المستحق للزكاة في البلد الذي أنت فيه فإنه لا بأس بنقل الكفارة إلى بلد آخر بواسطة ثقة أو جمعية موثوقة كوكيل للدافع على أن تصل إلى مستحقيها مما ذكر في الآية من خصال الكفارة المنصوص عليها أما دفع المال بدل ما نُص عليه فإنه لا يجزئ، والشخص الذي يعتبر فقيراً أو مسكيناً فإنه من لا يجد كفايته من الضروريات.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/4467)
هل يجوز أن يخرج مالاً بدلاً من النذر أو العقيقة أو الوليمة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز إنفاق مال عن النذر وعن العقيقة وعن الوليمة للزواج؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجزئ دفع المال في مقابلة ما لزمه بسبب نذره إلا إذا كان المنذور دفع مال قربة لله، فإنه يجوز دفع المال كما نذر، إلا أن ينذر جميع ماله فلا يلزمه إلا دفع الثلث منه، وكذلك لا يجزئ دفع المال في العقيقة أو وليمة النكاح حيث إن السنة في العقيقة ذبح شاتين عن الغلام وشاة عن الجارية، وكذلك وليمة الزواج السنة أن يولم الإنسان بعد زواجه ولو بشاة لما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لعبد الرحمن بن عوف بعد زواجه: (أولم ولو بشاة) هذا هو السنة في ذلك، وإنفاق المال في ذلك مخالف للسنة، ولا أصل له، ولم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم ولا صحابته رضي الله عنهم من بعده، فينبغي للإنسان أن يتمسك بما صح في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ويترك ما عداهما
وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء 23 / 392.(5/4468)
تعدد الكفارات بتعدد الأيمان
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أم أحلف أيمانا كثيرة على أطفالي وأحيانا ما ينفذ شيء منها، فهل أدفع كفارة يمين واحدة أم ماذا أفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يكره الإفراط في الحلف؛ لقول الله تعالى: (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلافٍ مَهِينٍ) القلم/10، وفي هذا إشارة لذم الذي يكثر من الحلف، فاحرصي على عدم الإكثار من الحلف تعظيما لجناب الله تعالى، وحفظا ليمينك.
واعلمي أن كثرة الحلف في كل قليلٍ وكثير يؤدي إلى إضعاف قيمة اليمين عند الناس، ولا يُؤْمَنُ بسبب ذلك إقدامه على اليمين الكاذبة، وهو منافٍ لكمال تعظيم الله تعالى.
أما الأيمان التي حلفتها فتحتمل أحد أمرين:
الأول: إن كنت تقصدين بالأيمان التي أقسمتها أو ببعضها اليمين نفسه، أي كنت تقصدين يمينا منعقدة، فعليكِ كفارة يمين، واليمين المنعقدة هي التي يحلفها الشخص على أمر من المستقبل أن يفعله أو لا يفعله.
الثاني: أن يكون هذا من غير قصد منك لليمين، فهو من لغو اليمين، وقد اختلف العلماء في تحديد لغو اليمين على أقوال، والأقرب أن لغو اليمين يشمل ما يلي:
1- ما يجري على لسان المتكلم بلا قصد كقول الرجل في معرض كلامه، لا والله لن أذهب، بلى والله سأذهب، وهو قول الشافعية الحنابلة.
2- اليمين التي عقدها يظن صدق نفسه فيبين بخلافه، كما ذهب إلى ذلك الحنابلة.
3- ألحق شيخ الإسلام بلغو اليمين ما إذا كان الحالف يعتقد أن المحلوف عليه لا يخالفه فخالفه، وكذلك لا يحنث إذا حلف على غيره ليفعلنه بقصد الإكرام لا بقصد الإلزام، قال: لأنه كالأمر ولا يجب الأمر إذا فهم منه الإكرام، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أبا بكر بالوقوف في الصف ولم يقف. انظر مجوعة الرسائل الفقهية للشيخ خالد المشيقح ص 234
وبناء على ما سبق، فإن كانت أيمانك كلها أو بعضها من اليمين المنعقدة فيلزمك كفارة يمين، وهل يلزمك كفارة واحدة أو عدة كفارات؟ هذا يختلف باختلاف المحلوف عليه، فإن حلفت أيمانا على شيء واحد، فتلزمكِ كفارة واحدة، أما إن حلفت أيمانا على عدة أمور، كأن تقول: والله لا آكل اليوم، والله لا أشرب اليوم، والله لا أسافر اليوم، فتلزمكِ كفارة في كل أمر من الأمور السابقة إن فعلتها، فلو أكلت وشربت وسافرت، لزمتك ثلاث كفارات، وإن حلفت يمينا واحدة على عدة أشياء، كأن تقولي: والله لا آكل، ولا أشرب، ولا أسافر، فتلزمك كفارة واحدة بفعل واحد من الأمور السابقة أو كلها. المرجع السابق ص 266
أما إن كانت أيمانك كلها أو بعضها من لغو اليمين، فقد نص جمهور العلماء على أن لغو اليمين لا كفارة فيه لقوله تعالى: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ) البقرة/225، والله أعلم
راجعي الأسئلة (45676، 34730) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4469)
نذر أن يتصدق كلما وقع في الذنب ووقع فيه ولم يتصدق
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت قد ابتليت بمعصية، وفي يوم من الأيام وبعد أن عملتها ندمتُ كثيراً وقمت بسب نفسي، ثم رفعت أصبعي وقلت بالحرف الواحد: " عليّ نذر إن فعلت هذه العادة مرة أخرى أن أتصدق بخمسمائة ريال، وإذا فعلتها مرة أخرى أتصدق بهذا المبلغ "، يعني في كل مرة أفعلها أتصدق بخمسمائة ريال إلاّ أنني عدت إلى فعلها مرات كثيرة جداًّ.
والسؤال: ماذا عليَّ فعله في هذا الأمر، علماً بأنني لم أتصدق حتى الآن ولو بريال واحد، ولا أعلم كم مرة فعلتها، فالمدة طويلة، فأفتوني مأجورين وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
النذر من أجل عدم الوقوع في الذنب كان يفعله بعض السلف؛ وذلك معاقبة لأنفسهم، وتربية لها على عدم فعل المعصية، لكن كان ذلك فيما يستطيعونه ويقدرون عليه.
قال حرملة: سمعت ابن وهب يقول: نذرت أني كلما اغتبت إنساناً أن أصوم يوماً فأجهدني، فكنت أغتاب وأصوم.
فنويت أني كلما اغتبت إنساناً أني أتصدق بدرهم، فمن حب الدراهم تركت الغيبة.
قال الذهبي: هكذا والله كان العلماء، وهذا هو ثمرة العلم النافع.
"سير أعلام النبلاء" (9 / 228) .
والأولى بالمسلم أن يمتنع من فعل المعصية من غير يمين ولا نذر حتى لا يعرض نفسه للحنث في اليمين أو عدم الوفاء بالنذر.
ثانياً:
إذا قصد الناذر بالنذر ما يقصد باليمين كمنع نفسه من فعلٍ ما فإما أن يحنث وإما ألا يحنث.
فإن لم يحنث فلا شيء عليه، وإن حنث خُيِّر بين أمرين: إما الوفاء بالنذر وإما إخراج كفارة يمين.
قال ابن قدامة في "المغني" (13/461) :
"إذَا أَخْرَجَ النَّذْرَ مَخْرَجَ الْيَمِينِ , بِأَنْ يَمْنَعَ نَفْسَهُ أَوْ غَيْرَهُ بِهِ شَيْئًا , أَوْ يَحُثَّ بِهِ عَلَى شَيْءٍ , مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: إنْ كَلَّمْت زَيْدًا , فَلِلَّهِ عَلَيَّ الْحَجُّ , أَوْ صَدَقَةُ مَالِي , أَوْ صَوْمُ سَنَةٍ. فَهَذَا يَمِينٌ , حُكْمُهُ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْوَفَاءِ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ , فَلا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ , وَبَيْنَ أَنْ يَحْنَثَ , فَيَتَخَيَّرَ بَيْنَ فِعْلِ الْمَنْذُورِ , وَبَيْنَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ , وَيُسَمَّى نَذْرَ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ , وَلا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ. .. وَهَذَا قَوْلُ عُمَرَ , وَابْنِ عَبَّاسٍ , وَابْنِ عُمَرَ , وَعَائِشَةَ , وَحَفْصَةَ , وَزَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ" اهـ باختصار.
وسئل الشيخ ابن عثيمين:
أنا شاب كنت مسرفاً فهداني الله، ولكني لم أزل أرتكب ذنباً وحاولت أن أتوب منه مراراً فلم أستطيع فقلت في نفسي نذر عليّ إن عدت إلى هذا الذنب أن أصوم شهرين متتابعين، ولكن الشيطان زين لي وقلت إن النذر في هذه الحالة يكون كاليمين وله كفارة وعدت إلى هذا الذنب، فماذا أفعل جزاكم الله خيراً؟ هل يجوز لي أن أطعم ستين مسكيناً؟ لأنه أخف عليّ من الصيام؟ علماً بأن الله قد منّ عليّ التوبة من هذا الذنب الآن؟
أولاً: ينبغي أن يكون الإنسان ذا عزيمة صادقة قوية فيدع المحرم بدون قسم وبدون نذر ويقوم بالواجب بدون قسم وبدون نذر، قال الله – تبارك وتعالى – (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن أمرتهم ليخرجن قل لا تقسموا طاعة معروفة إن الله خبير بما تعملون) . ولكن قد يكون بعض الناس عاجزاً عن كبح جماح نفسه فيلجأ إلى النذر أو إلى اليمين للقيام بالواجب، أو في ترك المحرم، وقد ذكر العلماء – رحمهم الله – أن النذر الذي يقصد به الامتناع أو الإقدام يكون حكمه حكم اليمين، ولهذا يجب على هذا الأخ السائل أن يكفر عن نذره كفارة يمين وذلك بأن يطعم عشرة مساكين كل مسكين مد (أي حفنة) من الأرز أو من البر، أو يكسو عشرة مساكين، أو يعتق رقبة، وهو على الخيار في هذه الثلاثة، فإن لم يجد صام ثلاثة أيام متتابعة لقول الله – تبارك تعالى – في سورة: المائدة (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقّدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام) .
ويجوز في الإطعام أن يصنع طعاماً غداءً أو عشاءً ويدعو إليه عشرة مساكين اهـ.
فتاوى إسلامية (3/501) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4470)
ما هي كفارة اليمين بالتفصيل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[الرجاء التفضل بتفصيل كفارة اليمين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
كفارة اليمين بينها الله تعالى بقوله: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة / 89.
فيخير الإنسان بين ثلاثة أمور:
1- إطعام عشرة مساكين من أوسط ما يطعم أهله، فيعطي كل مسكين نصف صاع من غالب طعام البلد، كالأرز ونحو، ومقداره كيلو ونصف تقريبا، وإذا كان يعتاد أكل الأرز مثلاً ومعه إدام وهو ما يسمى في كثير من البلدان (الطبيخ) فينبغي أن يعطيهم مع الأرز إداماً أو لحماً، ولو جمع عشرة مساكين وغداهم أو عشاهم كفى.
2- كسوة عشرة مساكين، فيكسو كل مسكين كسوة تصلح لصلاته، فللرجل قميص (ثوب) أو إزار ورداء، وللمرأة ثوب سابغ وخمار.
3- تحرير رقبة مؤمنة.
فمن لم يجد شيئا من ذلك، صام ثلاثة أيام متتابعة.
وجمهور العلماء على أنه لا يجزئ إخراج الكفارة نقودا.
قال ابن قدامة رحمه الله: " لا يُجْزِئُ في الكفارة إِخراج قيمة الطعام ولا الكسوة، لأن الله ذكر الطعام فلا يحصل التكفير بغيره، ولأن الله خَيَّرَ بين الثلاثة أشياء ولو جاز دفع القيمة لم يكن التَخْيِِيرُ منحصراً في هذه الثلاث ... " اهـ. المغني لابن قدامة 11/256
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: (على أن تكون الكفارة طعاما لا نقودا، لأن ذلك هو الذي جاء به القرآن الكريم والسنة المطهرة، والواجب في ذلك نصف صاع من قوت البلد، من تمر أو بر أو غيرهما، ومقداره كيلو ونصف تقريبا، وإن غديتهم أو عشيتهم أو كسوتهم كسوة تجزئهم في الصلاة كفى ذلك، وهي قميص أو إزار ورداء) انتهى نقلا عن فتاوى إسلامية 3/481
وقال الشيخ ابن عثيمين:
فإن لم يجد الإنسان لا رقبة ولا كسوة ولا طعاماً فإنه يصوم ثلاثة أيام، وتكون متتابعة لا يفطر بينهما. اهـ.
فتاوى منار الإسلام (3/667)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4471)
إذا وفَّى بنذره فهل يجوز أن يأكل منه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا نذر الرجل وأوفى نذره هل يأكل منه أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل أن المنذور به إذا كان من الأمور المشروعة فإنه يصرف في الجهة التي عينها الناذر، وإذا لم يعين جهة فهو صدقة من الصدقات، يصرف في الجهات التي تصرف فيها الصدقات، كالفقراء والمساكين.
وأما أكله منه فإذا كانت العادة الجارية في بلد الناذر أن الشخص إذا نذر شيئا مما يؤكل أكل منه جاز له أن يأكل منه بناء على العرف والعادة في ذلك، وهكذا إذا نوى الأكل منه، يكون كلٌّ من العرف والنية مخصصاً للجزء الذي يأكله، فلا يكون داخلا في المنذور به، وقد صدر من اللجنة فتوى في ذلك نصها:
مصرف نذر الطاعة على ما نواه به صاحبه في حدود الشريعة المطهرة، فإن نوى باللحم الذي نذره الفقراء فلا يجوز له أن يأكل منه، وإن نوى بنذره أهل بيته أو الرفقة التي هو أحدهم جاز له أن يأكل كواحد منهم، لقوله صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) . وهكذا لو شرط ذلك في نذره أو كان ذلك هو عرف بلاده.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
من فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء 23 / 390.
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة أيضاً: (23/392) : (من نذر نذراً يترتب عليه إطعام طعام فالأصل أن الناذر لا يأكل من نذره إلا أن يشترط أو ينوي أن يأكل من نذره، فإنه يباح له الأكل كما اشترط أو نوى) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4472)
نذرت أن تحج ولم تحج الفريضة
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة نذرت إن رزقها الله بمولود أن تحج ورزقها الله به فهل عليها الحج للنذر؟ علماً بأنها لم تحج الفرض.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" يجب أن يعلم أن النذر منهي عنه، نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (إِنَّهُ لا يَأْتِي بِخَيْرٍ) . ولهذا ذهب بعض العلماء إلى أن النذر حرام. فلماذا تنذر؟ ولماذا تكلف نفسك؟ وهل الله عز وجل لا يمن عليك بالشفاء أو على قريبك بالشفاء إلا إذا اشترط له شرطاً؟ سبحان الله! لا تنذر، بل اسأل الله الشفاء والعافية، فإن كان الله أراد أن يشفي شفى سواء نذرت أم لم تنذر، فإذا فعلت ونذرت فإن كان نذر طاعة وجب عليك الوفاء به، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ) وبناء على هذا نقول لهذه المرأة المذكورة: يجب أن تحجي. لكن تبدأ بحج الفريضة، ثم تأتي بحج النذر وجوباً، فإن لم تفعل فقد عرضت نفسها لعقوبة عظيمة، ذكرها الله في قوله: (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) التوبة/75، 76.
عاهدوا الله إن الله أغناهم أن يتصدقوا، وأن يكونوا من الصالحين، أعطاهم الله ذلك، ولكنهم بخلوا بالمال، وأعرضوا عن الصلاح (فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ) إلى متى؟ (إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ) إلى الموت (بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُونَ) التوبة/77.
والخلاصة:
احذروا النذر، لا تنذروا فأنتم في عافية، ولا تلزموا أنفسكم ما لم يلزمكم الله به إلا بفعلكم، فمن كان عنده مريض فليقل: اللهم اشفه، ومن كان يريد الاختبار فليقل: اللهم نجحني، لأن بعض الطلبة إذا كانت الدروس صعبة وخاف من السقوط يقول: لله عليَّ نذر إن نجحت لأفعل كذا وكذا. من الطاعات، ثم إذا نجح أخذ يسأل ويجيء للعالم الفلاني يقول: خلصوني خلصوني، ولكن لا مفر لا بد من الوفاء بالنذر " انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
"فتاوى ابن عثيمين" (21/54) .(5/4473)
نذر صيام كل اثنين وخميس ولم يصم لمدة سنوات
[السُّؤَالُ]
ـ[قبل 12 سنة قد نذرت أنه إذا نجحت من الصف الثالث ثانوي بتفوق، أن أصوم كل يوم اثنين وخميس. فطوال الفترة الماضية لم أكن مواظبا على الصيام، وفي ال 3 أشهر الماضية بدأت أواظب عليها.
فما الحكم في الأيام التي لم أصمها؟ وما الحكم في بعض الأيام التي أكون فيها مدعوا على الغداء عند والدي أو غيره، هل أصوم ذلك اليوم أو أفطر؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: ينبغي التنبه إلى أن النذر مكروه لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعا:
(لا تنذروا فإن النذر لا يغني من القدر شيئا، وإنما يستخرج به من البخيل) رواه البخاري (6609) ومسلم (1640) واللفظ لمسلم. وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه نهى عن النذر وقال إنه لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل) رواه مسلم (1639) وقد يلزم الإنسان نفسه بنذر ثم لا يفي به، فيُوقِع نفسه في الحرج ويعرض نفسه للإثم.
والتهاون في النذر أمره خطير، ويخشى على صاحبه أن يدخل في قوله تعالى) وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِين * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ* فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُونَ) التوبة/75-77، وانظر في خطر التهاون في النذر السؤال رقم (42178)
أما بخصوص السؤال، فإن النذر الذي نذرته هو من النذر الواجب، الذي يجب عليك أن تفي به لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ) رواه البخاري (6696)
وعليه فيلزمك الوفاء بالنذر، وأما الأيام التي أفطرتها فيجب عليك قضاؤها، وعليك مع ذلك كفارة يمين، وتكفيك كفارة واحدة للأيام التي أفطرتها.
قال ابن قدامة في المغني: (13/648) فيمن نذر أن يصوم كل خميس أبداً ثم أفطر عدة أيام: (يقضي نذره ويكفِّر ... , وإن فاتته أيام كثيرة لزمته كفارة واحدة عن الجميع فإذا كَفَّر ثم فاته شيء بعد ذلك لزمته كفارة ثانية. نصّ عليه أحمد. اهـ.
ودعوتك على الغذاء لا تعتبر عذراً يبيح لك الإفطار وعدم الوفاء بالنذر، ولك أن تخبرهم بنذرك حتى يكون لك عذر عندهم في عدم الحضور. والله أعلم
للمزيد انظر (36800، 38934) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4474)
لا يجزئ الصيام مع القدرة على الإطعام في كفارة اليمين
[السُّؤَالُ]
ـ[كانت عليَّ كفارة يمين، فصمت ثلاثة أيام مع قدرتي على إطعام عشرة مساكين، فهل ما فعلته صحيح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجزئ الصيام مع القدرة على الإطعام أو الكسوة أو العتق، لأن الله سبحانه رتب إجزاء الصيام على عدم وجود الطعام أو الكسوة أو العتق، فقال: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ) المائدة/89
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء (23/13) .(5/4475)
أقسمت ألا تفضح سراً فأفشته نسياناً
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجتي أقسمت على أن لا تفصح عن سر بينها وبين صديقتها ولكنها أفصحت عنه ناسية أنها قد أقسمت بعدم البوح بالسر؟ هل تجب عليها الكفارة، أم أن النسيان يعتبر عذرا..؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
زوجتك تشكر على أمانتها في حرصها على عدم إفشاء السر، أما بوحها بالسر ناسية فلا كفارة فيه، وذلك لأن الكفارة يشترط لوجوبها ثلاثة شروط:
الأول منها: أن تكون اليمن منعقدة على أمر مستقبل ممكن.
الثاني: أن يحلف مختاراً لليمين غير مكره عليه.
والشرط الثالث: الحنث في اليمين، بأن يفعل ما حلف على تركه مختاراً ذاكراً ليمينه، فإن حنث مكرهاً أو ناسياً أو جاهلاً فلا كفارة.
ودليل ذلك قول الله تعالى: (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) فقال الله: قد فعلت.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) . أخرجه ابن ماجه في سننه في كتاب الطلاق (2043) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (1662، 1664)
والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4476)
عقوبة عدم الوفاء بالنذر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي عقوبة من نذر أن يفعل طاعة ثم تهاون ولم يفعلها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
النذر نوعان:
الأول: النذر المعلق. وهو أن يعلق النذر على حصول شيء، كما لو قال: إن شفاني الله لأتصدقن بكذا أو لأصومن كذا، ونحو ذلك.
الثاني: النذر المُنَجَّز (أي: الذي لم يعلق على شيء) ، كما لو قال: لله علي أن أصوم كذا.
وكلا النوعين يجب الوفاء به إذا كان المنذور فعل طاعة.
لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلا يَعْصِهِ) رواه البخاري (6696) .
ووجوب الوفاء بالنذر المعلق أشد من النذر المُنَجَّز – وإن كان كلاهما واجبا كما سبق-
قال ابن القيم:
إذَا قَالَ: إنْ سَلَّمَنِي اللَّهُ تَصَدَّقْت , أَوْ لأَتَصَدَّقَنَّ , فَهُوَ وَعْدٌ وَعَدَهُ اللَّهَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَفِيَ بِهِ , وَإِلا دَخَلَ فِي قَوْلِهِ: (فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) فَوَعْدُ الْعَبْدِ رَبَّهُ نَذْرٌ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَفِيَ لَهُ بِهِ ; والنذر المعلق أَوْلَى بِاللُّزُومِ مِنْ أَنْ يَقُولَ ابْتِدَاءً: " لِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا ".
وَإِخْلَافُهُ يُعْقِبُ النِّفَاقَ فِي الْقَلْبِ اهـ بتصرف.
ثانياً:
ذَمَّ الرسولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذين ينذرون ولا يوفون، روى مسلم (2535) عن عِمْرَانَ بْن حُصَيْنٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ خَيْرَكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ -قَالَ عِمْرَانُ: فَلا أَدْرِي أَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ قَرْنِهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثَةً - ثُمَّ يَكُونُ بَعْدَهُمْ قَوْمٌ يَشْهَدُونَ وَلا يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَخُونُونَ وَلا يُؤْتَمَنُونَ، وَيَنْذِرُونَ وَلا يُوفُونَ، وَيَظْهَرُ فِيهِمْ السِّمَنُ) .
قال النووي:
فِيهِ وُجُوب الْوَفَاء بِالنَّذْرِ , وَهُوَ وَاجِب بِلا خِلَاف اهـ.
والمراد بقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَيَظْهَرُ فِيهِمْ السِّمَنُ) أن هؤلاء غافلون عن الاهتمام بأمر الدين، ولا هَمَّ لهم إلا الأكل والشرب والراحة والنوم. والمذموم من السمن ما كان مكتسباً لا ما كان خِلقة. والله أعلم. انظر عون المعبود شرح حديث رقم (4657) .
ثالثاً: عدم الوفاء بالنذر من صفات المنافقين
قال الله تعالى: (وَمِنْهُمْ (أي: من المنافقين) مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُونَ * أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) التوبة /75-78.
رابعاً: وأما عقوبة من نذر ولم يف بما عاهد الله عليه
فيُخشى عليه أن يعاقبه الله تعالى بإلقاء النفاق في قلبه، فيلقى الله تعالى وهو منافق، فيكون من الخاسرين.
كما قال الله تعالى في الآية السابقة: (فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُونَ)
قال السعدي ص (546) :
أي: ومن هؤلاء المنافقين من أعطى الله عهده وميثاقه "لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ" من الدنيا فبسطها لنا ووسعها "لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ". فنصل الرحم ونعين على نوائب الحق ونفعل الأفعال الحسنة الصالحة.
"فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ" لم يفوا بما قالوا بل "بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا" عن الطاعة والانقياد "وَهُمْ مُعْرِضُونَ" أي: غير ملتفتين إلى الخير. فلما لم يفوا بما عاهدوا الله عليه عاقبهم "فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ" مستمرا "إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ".
فليحذر المؤمن من هذا الوصف الشنيع أن يعاهد ربه إن حصل مقصوده الفلاني ليفعلن كذا وكذا ثم لا يفي بذلك فإنه ربما عاقبه الله بالنفاق كما عاقب هؤلاء.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الثابت في الصحيحين: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا وعد أخلف) .
فهذا المنافق الذي وعد الله وعاهده لئن أعطاه الله من فضله ليصدقن وليكونن من الصالحين حدث فكذب وعاهد فغدر، ووعد فأخلف. ولهذا توعد من صدر منهم هذا الصنيع بقوله: " أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلامُ الْغُيُوبِ " وسيجازيهم على ما عملوا من الأعمال التي يعلمها الله تعالى اهـ.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4477)
حكم ظهار المرأة من زوجها وهل عليها الكفارة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي كثير الاستهزاء والسخرية بي وصبرت عليه كثيراً، وذات يوم شتمني بشتى ألوان الشتائم فأثار بكائي وغضبي فقلت له بالحرف الواحد: أنت عليّ مثل أخي، عليّ مثل ظهر أخي. فهل يعتبر هذا ظهاراً وما هي الكفارة الواجبة عليّ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يحل لمسلمٍ أن يسخر من أخيه، قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون} الحجرات / 11.
والواجب على الزوج أن يحسن معاشرة أهله، قال الله تعالى: (وعاشروهن بالمعروف) النساء / 19، وقال النبي صلى الله عليه: (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي) رواه الترمذي (3895)
والنصيحة لك بقاؤك على الصبر على أذى زوجك، والدعاء له بالخير والهدى، واستمرار الوعظ والتذكير له بواجباته.
وأما قولكِ لزوجكِ " أنتَ حرام عليَّ مثل أخي ... " فليس بظهار، بل هو يمين مكفَّرة، لأن الظهار يكون من الرجل لأمرته وليس العكس قال الله تعالى: (الذي يظاهرون منكم من نسائهم) المجادلة / 2.
سئل الشيخ محمد الصالح العثيمين:
إن زوجتي تقول لي دائماً " أنت زوجي، وأنت أخي، وأنت أبي، وكل شيء لي في الدنيا " هل هذا الكلام يحرمني عليها أم لا؟
فأجاب:
هذا الكلام منها لا يحرمها عليك؛ لأن معنى قولها " أنت أبي وأخي " وما أشبه ذلك: معناها: أنت عندي في الكرامة والرعاية بمنزلة أبي وأخي، وليست تريد أن تجعلك في التحريم بمنزلة أبيها وأخيها.
على أنها لو فُرض أنها أرادت ذلك: فإنكَ لا تحرم عليها؛ لأن الظهار لا يكون من النساء لأزواجهن، وإنما يكون من الرجال لأزواجهم، ولهذا إذا ظاهرت المرأة من زوجها بأن قالت له " أنتَ عليَّ كظهر أبي، أو كظهر أخي " أو ما أشبه ذلك: فإن ذلك لا يكون ظهاراً، ولكن حكمه حكم اليمين، بمعنى أنها لا يحل لها أن تمكنه من نفسها إلا بكفارة اليمين، فإن شاءت دفعت الكفارة قبل أن يستمتع بها، وإن شاءت دفعتها بعد ذلك.
وكفارة اليمين: إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو عتق رقبة، فإن لم يجد: فصيام ثلاثة أيام.
" فتاوى المرأة المسلمة " (2 / 803) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4478)
عليه كفارات يمين عديدة، ولا يعرف كيف يتصرف
[السُّؤَالُ]
ـ[عليّ كفارات يمين عديدة، ولما أردت أن أكفِّر عنها لم أعرف كيف أتصرف؟ فلا يوجد المسكين ولا الفقير، فهل يجوز أن أكفِّر بنقود؟ وكم أعطي كل فقير، وهل يجوز أن أعطيها إلى لجان التبرعات للمجاهدين؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
كفارة اليمين: عتق رقبة مؤمنة، أو إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، فمن لم يجد صام ثلاثة أيام، والأصل في ذلك قوله تعالى: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ) المائدة/89
ثانياً:
الأيمان إذا تعددت قبل الحنث – والمحلوف عليه واحد – فلا يجب إلا كفارة واحدة، وأما إذا تعددت الأيمان والمحلوف عليه متغير، وجب عن كل يمين كفارة خاصة به.
ثالثاً:
تصرف كفارة اليمين للمساكين كما ذكره الله جل وعلا، ولا مانع من صرفها للمجاهدين في سبيل الله، لأن الله ذكرهم من مصارف الزكاة، وبخاصة إذا لم يوجد من الفقراء والمساكين من تصرف له.
رابعاً:
لا يجوز إخراج النقود عن كفارة اليمين، لأنه خلاف النص الذي ذكره الله، وما كان ربك نسيَّاً، فلم يذكر أن النقود تصرف بدلاً عن الكفارة المنصوصة.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى اللجنة الدائمة (23/27) .(5/4479)
عاهد الله على ترك المعصية مرارا وعاد إليها
[السُّؤَالُ]
ـ[عاهدت الله سبحانه وتعالى على عدم فعل معصية من المعاصي، ولكنني في كل مرة أنقض العهد مع الله وأقوم بفعل تلك المعصية ولكنني سرعان ما أندم على فعلها فأتوب إليه سبحانه وأصلى ركعتين صلاة توبة (أحدث لكل ذنب توبة) وأجدد عهدي مع الله على عدم فعل تلك المعصية بعد فراغي من صلاة التوبة، ولكن لضعف إيماني ومع مرور الأيام أقوم بفعل تلك المعصية وأجدد التوبة والعهد مع الله مرة ثانية وثالثة ومرات عديدة لا يعلمها إلا هو.
سؤالي هو:
ماذا يلزمني فعله نتيجة عدم الوفاء بعهدي في كل مرة، بعد أن منّ الله عليّ واستطعت البعد عن تلك الفواحش وتبت إلى الله توبة نصوحا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نحمد الله تعالى على أن وفقك للتوبة النصوح، ونسأله سبحانه أن يثبتك على دينه، ويرزقك الاستقامة عليه.
أما ما سألت عنه:
فمعاهدة الله تعالى من ألفاظ النذر واليمين.
قال الله تعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ) التوبة / 75.
قال أبو بكر الجصاص في "أحكام القرآن" (3/208) عن هذه الآية:
فِيهِ الدَّلالَةُ عَلَى أَنَّ مَنْ نَذَرَ نَذْرًا فِيهِ قُرْبَةٌ لَزِمَهُ الْوَفَاءُ ; لأَنَّ الْعَهْدَ هُوَ النَّذْرُ وَالإِيجَابُ اهـ.
قال الزهري رحمه الله: من عاهد الله على عهد فحنث فليتصدق بما فرض الله في اليمين. نقله في المدونة 1/580 وقال: (وقاله ابن عباس وعطاء بن أبي رباح ويحيى بن سعيد. قال ابن وهب عن سفيان الثوري عن فراس عن الشعبي قال: إذا قال: علي عهد الله فهي يمين) انتهى.
وقال شيخ الإسلام في "الاختيارات" (ص 562-563) :
إِذَا قَالَ: أُعَاهِدُ اللَّهَ أَنِّي أَحُجُّ الْعَامَ فَهُوَ نَذْرٌ وَعَهْدٌ وَيَمِينٌ اهـ.
والنذر إذا كان المقصود منه ما يقصد باليمين وهو حث الشخص أو غيره على فعل شيء معين أو عدم فعله فحكمه حكم اليمين. فإذا لم يف به وجبت كفارة اليمين.
قال ابن قدامة في "المغني" (13/622) :
النَّذْرُ الَّذِي يُخْرِجُهُ مَخْرَجَ الْيَمِينِ , لِلْحَثِّ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ أَوْ الْمَنْعِ مِنْهُ , غَيْرَ قَاصِدٍ بِهِ لِلنَّذْرِ , وَلا الْقُرْبَةِ , فَهَذَا حُكْمُهُ حُكْمُ الْيَمِينِ اهـ.
فعلى هذا عليك كفارة يمين، وتكفيك كفارة واحدة لكل ما سبق إن كان اليمين قد وقع على فعل واحد –وهو الظاهر من السؤال- وإن كان اليمين على أفعال متعددة فعليك لكل فعل كفارة.
قال شيخ الإسلام في "الاختيارات" (ص 562-563) :
وَمَنْ كَرَّرَ أَيْمَانًا قَبْلَ التَّكْفِيرِ. . فالصَّحِيحُ: إنْ كَانَتْ عَلَى فِعْلٍ فَكَفَّارَةٌ، وَإِلا فَكَفَّارَتَانِ اهـ.
وكفارة اليمين هي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فمن لم يجد صام ثلاثة أيام؛ لقوله تعالى:) لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة / 89.
راجع سؤال رقم (9985)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4480)
هل يجوز الحلف في البيع والشراء إذا كان صاحبه صادقاً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الحلف في البيع والشراء إذا كان صاحبه صادقاً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" الحلف في البيع والشراء مكروه مطلقاً , سواء كان كاذبا أو صادقاً , فإن كان كاذباً في حلفه فهو مكروه كراهة تحريم , وذنبه أعظم وعذابه أشد , وهي اليمين الكاذبة , وهي وإن كانت سبباً لرواج السلعة , فهي تمحق بركة البيع والربح , ويدل لذلك ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الحلف منفقة للسلعة , ممحقة للبركة) , أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما , وهذا لفظ البخاري , انظر: "فتح الباري" (4/315) , ولما ورد عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة , ولا ينظر إليهم , ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم) قال: فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرار , وقال أبو ذر: خابوا وخسروا , من هم يا رسول الله؟ قال: (المسبل , والمنان , والمنفق سلعته بالحلف الكاذب) , أخرجه مسلم في صحيحه (1/102) , وأخرج الإمام أحمد نحوه في مسنده.
أما إن كان الحلف في البيع والشراء صادقاً فيما حلف عليه , فإن حلفه مكروه كراهة تنزيه؛ لأن في ذلك ترويجاً للسلعة , وترغيباً فيها بكثرة الحلف , وقد قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) آل عمران/77 , ولعموم قول الله تعالى: (واحفظوا أيمانكم) المائدة/89 , ولقوله تعالى: (ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم) البقرة/224 , ولعموم ما رواه أبو قتادة الأنصاري السلمي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إياكم وكثرة الحلف في البيع , فإنه ينفّق ثم يمحق) أخرجه مسلم في صحيحه , وأحمد في المسند , والنسائي , وابن ماجه , وأبو داود " انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (13/8) .(5/4481)
يعاني من الوسواس وحلف أيماناً كثيراً وحنث فيها
[السُّؤَالُ]
ـ[موسوس عقد أيمانا متعددة ألا يكرر العمل ثم حنث وقد تراكمت عليه أيمان وعهود كثيرة الله أعلم بعددها وهو يعاني من الوسواس كيف يكفر ما مضى؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
من حلف أيمانا متعددة، وحنث ولم يكفّر عن شيء منها، فله حالان:
الأول: أن تكون الأيمان على شيء واحد، كأن يقول: والله لا أشرب الدخان، ثم يحنث ولا يكفر عن يمينه، ثم يحلف مرة أخرى أنه لا يشرب الدخان ثم يحنث.. فهذا تلزمه كفارة واحدة.
والثاني: أن تكون الأيمان على أفعال مختلفة، كقوله: والله لا أشرب، والله لا ألبس، والله لا أذهب إلى مكان كذا، ثم يحنث في الجميع، فهل تلزمه كفارة واحدة أو كفارات بعدد الأيمان؟ فيه خلاف بين الفقهاء، فالجمهور على تعدد الكفارة، والحنابلة على أنه لا تلزمه إلا كفارة واحدة.
والراجح ما ذهب إليه الجمهور؛ لأنها أيمان على أفعال مختلفة، لا يحنث في إحداهن بالحنث في الأخرى، فلم تتداخل.
وينظر "المغني" (9/406) .
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: أنا شاب حلفت بالله أكثر من ثلاث مرات على أن أتوب من فعل محرم، سؤالي: هل علي كفارة واحدة أم ثلاث، وما هي كفارتي؟
فأجاب: عليك كفارة واحدة، وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو عتق رقبة، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام؛ لقول الله سبحانه: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ) الآية من سورة المائدة/89، وهكذا كل يمين على فعل واحد أو ترك شيء واحد، ولو تكررت ليس فيها إلا كفارة واحدة، إذا كان لم يكفر عن الأولى منهما. أما إذا كان كفر عن الأولى ثم أعاد اليمين فعليه كفارة ثانية إذا حنث، وهكذا لو أعادها ثالثة وقد كفر عن الثانية فعليه كفارة ثالثة.
أما إذا كرر الأيمان على أفعال متعددة أو ترك أفعال متعددة فإن عليه في كل يمين كفارة، كما لو قال: والله لا أكلم فلانا، والله لا آكل طعاما، والله لا أسافر إلى كذا، أو قال: والله لأكلمن فلانا، والله لأضربنه، وأشباه ذلك.
والواجب في الإطعام لكل مسكين نصف صاع من قوت البلد وهو كيلو ونصف تقريبا.
وفي الكسوة ما يجزئه في الصلاة كالقميص أو إزار ورداء. وإن عشاهم أو غداهم كفى ذلك؛ لعموم الآية الكريمة المذكورة آنفا. والله ولي التوفيق " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (23/145) .
ثانيا:
إذا كان المسئول عنه موسوسا، وقد حلف هذه الأيمان تحت تأثير الوسوسة، من غير قصد ولا إرادة ولا رغبة في الحلف، فلا شيء عليه.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " المبتلى بالوسواس لا يقع طلاقه حتى لو تلفظ به بلسانه إذا لم يكن عن قصد، لأن هذا اللفظ باللسان يقع من الموسوس من غير قصد ولا إرادة، بل هو مغلق عليه ومكره عليه لقوة الدافع وقلة المانع، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا طلاق في إغلاق) . فلا يقع منه طلاق إذا لم يرده إرادة حقيقية بطمأنينة، فهذا الشيء الذي يكون مرغما عليه بغير قصد ولا اختيار فإنه لا يقع به طلاق" انتهى، نقلا عن: "فتاوى إسلامية" (3/277) .
وإذا كان هذا في الطلاق، فاليمين من باب أولى، لأن أمر النكاح أعظم من أمر اليمين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4482)
حلف الرجل وهو في حالة قد لا يملك شعوره
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا حلف الرجل ليتم أمراً وهو في حالة قد لا يملك شعوره، هل يلزمه التكفير، وما هو؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا حلف الإنسان على شيء يفعله فلم يفعله لزمته كفارة اليمين، مثل أن يقول: (والله لأكلمن فلاناً) أو (والله لأزورنه) أو (والله لأصلين كذا وكذا) وما أشبه ذلك، فلم يفعل ما حلف عليه فإنه يلزمه كفارة اليمين إذا كان عاقلاً يعلم ما يقول، أما إذا كان قد اشتد به الغضب وليس في وعيه فاليمين لا تنعقد، لأن الوعي لما يقول لا بد منه، فإذا اشتد به الغضب حتى جعله لا يعقل ما يقول ولا يضبط ما يقول فمثل هذا لا كفارة عليه، كالمجنون والمعتوه، والنائم.
وله أن يترك ما حلف عليه إذا رأى المصلحة في ذلك، ويكفر عن يمينه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فكفر عن يمينك وأت الذي هو خير) متفق على صحته.
فلو حلف ألا يزور فلان ثم رأى أن الأصلح زيارته فإنه يزوره ويكفر عن يمينه، وهكذا ما أشبه ذلك.
ولا حرج في تقديم الكفارة وتأخيرها. والله ولي التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/8 ص / 392(5/4483)
اعتاد أن يحلف صادقاً أو كاذباً، فكيف يكفر عن هذه الأَيمان؟
[السُّؤَالُ]
ـ[للأسف من صغري تعودت على الحلف صادقا أو كاذبا وقد حاولت مع نفسي ترك هذه العادة السيئة وأنا أعتقد أني الآن أمشي على الدرب الصحيح. سؤالي ما حكم الأيمان السابقة؟ ماذا أفعل ليغفر الله لي؟ هل أخرج كفارة عن كل حلف، ولكن المشكلة أني لا أستطيع معرفة عدد الأيمان التي حلفتها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اليمين على ثلاثة أوجه:
الأول:
اليمين المنعقدة: وهي اليمين التي يقصدها الحالف ويصمم عليها، وتكون على أمر مستقبل أن يفعله أو لا يفعله. وحكمها: وجوب الكفارة فيها عند الحنث. قال ابن قدامة رحمه الله: (ومن حلف أن يفعل شيئا , فلم يفعله , أو لا يفعل شيئا , ففعله , فعليه الكفارة) لا خلاف في هذا عند فقهاء الأمصار. قال ابن عبد البر: اليمين التي فيها الكفارة بإجماع المسلمين , هي التي على المستقبل من الأفعال) المغني 9/390
الثاني:
اليمين اللغو: وهي الحلف من غير قصد اليمين، وهذه لا كفارة فيها؛ لقول الله تعالى: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ) البقرة/225، قالت عائشة رضي الله عنها: أنزلت هذه الآية (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) في قول الرجل لا والله وبلى والله " رواه البخاري (4613)
ومن حلف على شئ يظنه كما حلف، فبان بخلافه، فلا كفارة عليه، عند أكثر أهل العلم، وهو من اللغو.
قال ابن قدامة رحمه الله: ومن حلف على شيء يظنه كما حلف , فلم يكن , فلا كفارة عليه ; لأنه من لغو اليمين) أكثر أهل العلم على أن هذه اليمين لا كفارة فيها. قاله ابن المنذر. يروى هذا عن ابن عباس , وأبي هريرة , وأبي مالك , وزرارة بن أوفى , والحسن , والنخعي , ومالك , وأبي حنيفة , والثوري.
وممن قال: هذا لغو اليمين. مجاهد , وسليمان بن يسار , والأوزاعي , والثوري , وأبو حنيفة وأصحابه.
وأكثر أهل العلم على أن لغو اليمين لا كفارة فيه. وقال ابن عبد البر: أجمع المسلمون على هذا.
لقول الله تعالى: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) . وهذه منه , ولأنه غير مقصود للمخالفة , فأشبه ما لو حنث ناسيا) انتهى من المغني 9/393
الثالث:
أن يحلف على شيء ماض وهو كاذب وهي من كبائر الذنوب، ولا كفارة فيها عند جمهور العلماء؛ لأنها أعظم من أن تكفّر.
إذا عُلم هذا، فما حلفته من الأيمان المنعقدة، وحنثت فيه، فيلزمك فيه الكفارة.
وإذا نسيت عدد هذه الأيمان، فاجتهد وأخرج من الكفارات ما يغلب على ظنك أنك تبرأ به.
وما كان من هذه الأيمان معقودا على فعلٍ واحد، أو ترك شيءٍ واحد، ففيها كفارة واحدة، وذلك مثل أن تحلف ألا تكلم فلانا، فتحنث، ولا تكفّر، ثم تعود فتحلف ألا تكلمه، وتحنث، فلا يلزمك إلا كفارة واحدة. بخلاف ما لو حلفت ألا تكلمه، ثم حلفت أن لا تأكل طعامه مثلا، فيلزمك حينئذ كفارتان، وقد سبق بيان هذا في جواب السؤال رقم (34730)
والله أعلم.
وخلاصة الجواب:
أن الأيمان التي حلفتها على شيء تفعله أو لا تفعله في المستقبل وحنثت فيها يجب عليك فيها الكفارة.
والأيمان التي حلفتها على شيء في الماضي أنك فعلته أو لم تفعله وأنت كاذب في ذلك لا كفارة عليها، وعليك التوبة إلى الله، والله تعالى يتوب على من تاب. وفقك الله وغفر لك ذنبك.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4484)
عليه كفارات يمين كثيرة، وبعضها لا يعرفها
[السُّؤَالُ]
ـ[علي كفارات يمين كثيرة وبعضها أعرفها وبعضها لا أعرفها لأنني كثيرا ما أحلف على شيء وأناقض ذلك، وأصبح ذلك عادة عندي فكيف أكفر عن ذلك رغم أنها كثيرة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المطلوب من المسلم الاهتمام بأمر اليمين، وذلك بأن لا يكثر منها، قال الله تعالى: (وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ) البقرة/224، فلا يحلف إلا إذا احتاج لذلك، وعليه حفظ يمينه بالكفارة إذا أراد مخالفة ما حلف عليه، لقوله صلى الله عليه وسلم: (إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير أو أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني) رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما، وهذا لفظ البخاري وأخرجه أبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه والإمام أحمد.
والأيمان إذا تعددت فإن كانت على شيء واحد كفتها كفارة واحدة إذا لم يكفر عن الأولى، مثل أن يقول: (والله لا أكلم فلانا) ويكرر ذلك كثيرا ثم يكلمه (فعليه كفارة واحدة) .
وإن تعدد جنس المحلوف عليه، مثل أن يقول (والله لا أكلم فلانا) ثم يكلمه، (والله لا أسافر إلى كذا) ثم يسافر وهكذا فلكل يمين كفارتها، وعليك الاحتفاظ لنفسك بالكفارة بما يغلب على ظنك أنها تبرأ به ذمتك.
وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى الجنة الدائمة للإفتاء (23 / 49) .(5/4485)
نذرت إن انتهى الخلاف مع زوجها أن تصوم الخميس إلى الأبد
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة حصل بينها وبين زوجها خلاف. نذرت بأن تصوم يوم الخميس كل عمرها إذا انتهى الخلاف بدون طلاق. انتهى الخلاف وبدأت في صيام يوم الخميس. قدر الله أن يعود نفس الخلاف إلى السطح مرة ثانية عندما ذهبوا جميعا إلى بيت أبيها , ويصدر طلاق من الزوج في لحظه انفعال وغضب. المرأة داومت على صيام يوم الخميس وبعد فترة تصالحوا وانتهى الخلاف كليا. هل يلزمها صيام يوم الخميس مدى العمر , مع العلم أنها تصوم يوم الاثنين مدى العمر لتوفي بنذر آخر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا يسميه العلماء النذر المعلَّق، وهو تعليق النذر على حصول شيء معين، وحكمه أنه متى كان المنذور فعل طاعة وحصل الشرط المعلَّق عليه وجب الوفاء به. لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه) . رواه البخاري (6318)
قال ابن قدامة رحمه الله عن نذر الطاعة: (وهو ثلاثة أنواع، أحدها: التزام طاعة في مقابل نعمة استجلبها أو نقمة استدفعها، كقوله: إن شفاني الله فلله علي صوم شهر، فتكون الطاعة الملتزمة مما له أصل في الوجوب بالشرع، كالصوم والصلاة والصدقة والحج، فهذا يلزم الوفاء به بإجماع أهل العلم. . . إلخ) المغني (13/622) .
والشرط المعلَّق عليه النذر هنا هو "انتهاء الخلاف بينها وبين زوجها بدون طلاق".
وقصة هذه المرأة لا يخلو من أحد أمرين:
إما أن تكون قصدت انتهاء الخلاف المعين الموجود وقت النذر بدون طلاق، فهنا يلزمها الوفاء بالنذر لحصول الشرط وهو انتهاء الخلاف بدون طلاق، والطلاق بعد ذلك لا يؤثر لأنه يكون حينئذ قد وقع في خلاف آخر.
وإما أن تكون قصدت انتهاء الخلاف الذي حصل بسبب معين بينها وبين زوجها وزواله بالكلية بحيث لا يعود فلا يلزمها الصوم حينئذ لعدم حصول الشرط، فإنه قد عاد الخلاف مرة أخرى ووقع بسببه الطلاق. ولعل ما ورد في اسلؤال من عبارة: (قدَّر الله أن يعود نفس الخلاف) يشير إلى هذا.
فعلى المرأة أن تحدد قصدها، ثم تفعل ما يلزمها شرعاً.
وينبغي أن يُعلم أن النذر مكروه في الأصل، لما روى البخاري (6608) ومسلم (1639) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّذْرِ وَقَالَ إِنَّهُ لا يَرُدُّ شَيْئًا وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيل ".
قَالَ الْمَازِرِيّ: يَحْتَمِل أَنْ يَكُون سَبَب النَّهْي كَوْن النَّذْر يَصِير مُلْتَزَمًا لَهُ , فَيَأْتِي بِهِ تَكَلُّفًا بِغَيْرِ نَشَاط. وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون سَبَبه كَوْنه يَأْتِي بِالْقُرْبَةِ الَّتِي اِلْتَزَمَهَا فِي نَذْره عَلَى صُورَة الْمُعَاوَضَة لِلأَمْرِ الَّذِي طَلَبَهُ فَيَنْقُص أَجْره , وَشَأْن الْعِبَادَة أَنْ تَكُون مُتَمَحِّضَة لِلَّهِ تَعَالَى. قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: وَيَحْتَمِل أَنَّ النَّهْي لِكَوْنِهِ قَدْ يَظُنّ بَعْض الْجَهَلَة أَنَّ النَّذْر يَرُدّ الْقَدَر , وَيَمْنَع مِنْ حُصُول الْمُقَدَّر فَنَهَى عَنْهُ خَوْفًا مِنْ جَاهِل يَعْتَقِد ذَلِكَ , وَسِيَاق الْحَدِيث يُؤَيِّد هَذَا. وَاللَّهُ أَعْلَم اهـ من شرح مسلم للنووي.
فينبغي للمؤمن أن يجتنب ما نهى عنه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومن أراد أن يطيع الله تعالى فليطعه من غير نذر.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4486)
نذرت نذوراً فنسيتها
[السُّؤَالُ]
ـ[نذرت نذورا ولا أتذكرها فما كفارتها هل أطعم عشرة مساكين؟ لكل نذر لم أوفه؟ ولكني لا أتذكر كم نذرا نذرته فما العمل؟ وأيضا إني نذرت صلوات كثيرة أيضا لا أتذكرها هل لها كفارة أم نذور الصلاة لابد أن تصلي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من نذر نذر طاعة من صلاة أو صيام أو صدقة ونحوها، لزمه الوفاء به؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: " من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعص الله فلا يعصيه " رواه البخاري (6318) سواء علق ذلك على حصول شئ، أو نذر نذراً مطلقا.
قال ابن قدامة رحمه الله عن نذر الطاعة والتبرر: (وهو ثلاثة أنواع، أحدها: التزام طاعة في مقابل نعمة استجلبها أو نقمة استدفعها، كقوله: إن شفاني الله فلله علي صوم شهر، فتكون الطاعة الملتزمة مما له أصل في الوجوب بالشرع، كالصوم والصلاة والصدقة والحج، فهذا يلزم الوفاء به بإجماع أهل العلم) المغني 13/622
وإذا كنت تذكرين النذور، من صلاة أو صوم أو صدقة، وتجهلين عددها، فالواجب عليك هو التحري، وفعل ما يغلب على الظن حصول البراءة به.
أما إذا نسيت أو شككت هل المنذور هو صلاة أو صيام أو صدقة، فقد ذهب بعض العلماء إلى أن عليك الاجتهاد والتحري في فعل أحدها، وذهب بعضهم إلى أن الواجب هو إخراج كفارة يمين، عن كل نذر شككت فيه. (مغني المحتاج 6/234، غمز عيون البصائر 1/211، الموسوعة الفقهية 26/201) .
ومن هذا تعلمين الجواب عن سؤالك الثاني، فإن نذر الصلاة لابد من الوفاء به، وعليك فعل ما يغلب على الظن أن ذمتك تبرأ به، فلو شككت هل نذرت عشرين صلاة مثلا، أو خمسة وعشرين، فصل خمسة وعشرين.
وينبغي أن يُعلم أنه لا ينبغي الإقدام على النذر لما روى البخاري (6608) ومسلم (1639) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّذْرِ وَقَالَ: (إِنَّهُ لا يَرُدُّ شَيْئًا وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيل)
وروى البخاري (6609) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا يَأْتِ ابْنَ آدَمَ النَّذْرُ بِشَيْءٍ لَمْ يَكُنْ قَدْ قَدَّرْتُهُ وَلَكِنْ يُلْقِيهِ الْقَدَرُ وَقَدْ قَدَّرْتُهُ لَهُ أَسْتَخْرِجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4487)
القسم بغير الله من أب وزعيم وشرف وجاه
[السُّؤَالُ]
ـ[في وعد الكشافة يقولون: (أعد بشرفي أن أبذل جهدي لأن أقوم بواجبي نحو الله والوطن والملك، وأن أساعد الناس في كل حين وأن أعمل بقانون الكشافة) وذلك في كتيب الكشافة الذي يصدر عن الأمانة الكشفية العربية، فما حكم هذا الوعد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يحرم القسم بغير الله من أب وزعيم وشرف وجاه ووجيه ونحو ذلك؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت " متفق عليه وقال: " من كان حالفا فلا يحلف إلا بالله " رواه النسائي وقال: " من حلف بغير الله فقد أشرك "
ثانيا:
لا ينبغي للمسلم أن يسوي بين الله وغيره؟ كالوطن والملك والزعيم في أخذ العهد على نفسه بالعمل لهم، بل يقول: علي عهد الله أن أبذل جهدي في القيام بواجبي لله وحده ثم أخدم وطني وأساعد المسلمين، وأن أعمل بنظام الكشافة الذي لا يخالف شريعة الله تعالى.
ثالثا:
يجب أن يكون عمل الإنسان وفق شريعة الله تعالى، فلا يجوز أن يأخذ على نفسه عهدا أن يعمل بقانون دولة أو طائفة أو فئة ما من البشر بإطلاق.
وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة (1/232) .(5/4488)
حلفت ألا تذهب إلى مدينة ثم ذهبت إليها
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد حلفت بأن لا أذهب إلى مدينة ما ولكن قمت بالسفر حتى لا أغضب والديّ فهل أقوم بأداء كفارة يمين أم ماذا علي أن أفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم يلزمك كفارة يمين، وقد أحسنت في إرضاء والديك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه " رواه مسلم (1650) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
إلا أن يكون في ذهابك إلى هذه المدينة وقوع في ما حرم الله، فكان عليك أن ترضي والديك بغير الذهاب وأن تحافظ على يمينك.
وكفارة اليمين هي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، فمن لم يجد صام ثلاثة أيام؛ لقوله تعالى: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة / 89.
ولا يجزئ إخراجها نقودا، عند جمهور العلماء.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4489)
حلف على أولاده كثيراً وحنث ولم يكفّر
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت فيما سبق أحلف على أولادي بأن لا يفعلوا شيئا ما ثم أتراجع بنية أن أكفر عن يميني وتمضي الأيام ولا أكفر عنه مع العلم أني أحلف كثيرا وأتراجع ولكن بعد أن حججت والحمد لله تبت ولم أعد أحلف أفيدوني بحكم ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يكره الإفراط في الحلف؛ لقول الله تعالى: (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلافٍ مَهِينٍ) القلم / 10، وهذا ذم له يقتضي كراهة فعله، كما قال ابن قدامة رحمه الله [المغني 13/439] .
وإذا حلفت على أولادك أو غيرهم حلفا مقصودا أن يفعلوا شيئا أو ألا يفعلوه، فخالفوك، فعليك كفارة عن كل يمين حنثت فيها، لقول الله تعالى: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة / 89
وإن كنت كررت اليمين على شيء واحد، فيلزمك كفارة واحدة، وإن كررت اليمين على أشياء متعددة فعليك كفارات بعدد الأشياء التي حلفت عليها.
وإن جهلت عدد الأيمان بيقين، فاجتهد في تحديد عدد الأيمان وأخرج كفارات حتى يغلب على ظنك أنك أخرجت الواجب عليك.
وكفارة اليمين هي المذكورة في الآية السابقة إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعم أهلك أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، تختار أي خصلة من هذه الخصال الثلاثة، فإذا عجزت عن هذه الخصال، فإنك تصوم عن كل يمين ثلاثة أيام.
سئلت اللجنة الدائمة ما نصه:
كنت في السابق أحلف اليمين لعمل كذا وكذا ولا أنفذ، وأريد أن أعمل كفارة لذلك، فهل تكفي كفارة واحدة؟ علما بأنني حلفت عدة مرات ولكنني لا أتذكر عددها؟
فأجابت:
(اجتهد في تقدير عدد أيمانك التي حنثت فيها تقديرا تقريبيا ثم أخرج كفارات على عددها التقريبي إذا كانت على أمور مختلفة، وما كان منها على شيء واحد مثل: والله لا أزور زيدا، والله لا أزور زيدا، فكفارة واحدة)
انتهى، نقلا عن فتاوى إسلامية 3/481
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: (وهكذا كل يمين على فعل واحد أو ترك شيء واحد، ولو تكررت، ليس فيها إلا كفارة واحدة إذا كان لم يكفر عن الأولى منهما ... أما إذا كرر الأيمان على أفعال متعددة أو ترك أفعال متعددة فإن عليه عن كل يمين كفارة، كما لو قال: والله لا أكلم فلانا، والله لا آكل طعامه، والله لا أسافر إلى كذا، أو قال: والله لأكلمن فلانا، والله لأضربنه، وأشباه ذلك.
والواجب في الإطعام لكل مسكين نصف صاع من قوت البلد وهو كيلو ونصف تقريبا.
وفي الكسوة ما يجزئه في الصلاة كالقميص، أو إزار ورداء. وإن عشاهم أو غداهم كفى ذلك لعموم الآية الكريمة)
انتهى، نقلا عن فتاوى إسلامية 3/480
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4490)
قالت لزوجها: أنت عليَّ مثل أبي
[السُّؤَالُ]
ـ[حدث بيني وبين زوجي خلاف، وفي ساعة غضب وانفعال حَرَّمْته عليَّ وقلت له: أنت علي مثل أبي إلى يوم القيامة، وكررت ذلك عدة مرات. فماذا أعمل؟ وهل أطالب زوجي بالطلاق، أم ماذا فأنا في حيرة من أمري؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا حرّم المسلم على نفسه شيئاً مما أحله الله، فإن هذا حكمه حكم اليمين.
ودليل ذلك قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) التحريم/1-2
قال السعدي رحمه الله في تفسيره (ص1035) :
" هذا عتاب من الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم حين حرم على نفسه سرِّيَّتَه مارية أو شرب العسل مراعاة لخاطر بعض زوجاته في قصة معروفة فأنزل الله هذه الآيات ... وصار ذلك التحريم الصادر منه سببا لشرع حكم عام لجميع الأمة فقال تعالى: (قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم) وهذا عام في جميع أيمان المؤمنين ...
فكل من حرم حلالا عليه من طعام أو شراب أو سرية أو حلق يمينا بالله على فعل أو ترك ثم حنث وأراد الحنث فعليه هذه الكفارة المذكورة. اهـ
وسئلت اللجنة الدائمة عن مثل هذا السؤال، فأجابت:
عليك كفارة يمين في تحريم زوجك عليك مثل أبيك وهي: إطعام عشرة مساكين لكل مسكين كيلو ونصف من الطعام، أو كسوتهم لكل مسكين ثوب، أو عتق رقبة مؤمنة، فإن لم تجدي شيئا من هذه الثلاث فإنك تصومين ثلاثة أيام، ولا يحرم عليك زوجك، وعليك التوبة إلى الله من ذلك، لأنه لا يجوز للمسلم أن يحرم ما أحله الله له " اهـ
من فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء 23 / 189.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4491)
وجوب الوفاء بالوعد والنذر
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد قمت بعمل تجاري ووعدت بأن أخرج من أرباحه مبلغاً معيَّناً لله عز وجل، والسؤال هو:
هل يمكن أن أصرف هذا المبلغ في زواج أخي وأبناء عمي وأقاربي فحالتهم المادية غير جيِّدة؟ وهل يجب أن أخبرهم أن هذه صدقة؟ وهل القريب المحتاج أعطيه منها حتى لو كان من الذين يتفاخرون في زواجهم ويسرفون مع حاجتهم؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب عليك الوفاء بما وعدتَ به من إخراج المبلغ المعيَّن لله تعالى، فإذا كنتَ قد نويتَ أو ذكرتَ جهة معيَّنة فيجب عليك دفع هذا المال لها دون غيرها، وإن لم تكن نويت ولا ذكرتَ جهة معيَّنة فلك الخيار في وضعها حيث شئتَ من أبواب الخير.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة":
"الأصل أن المنذور به إذا كان من الأمور المشروعة فإنه يصرف في الجهة التي عيَّنها الناذر، وإذا لم يعيِّن جهة فهو صدقة من الصدقات يُصرف في الجهات التي تُصرف فيها الصدقات كالفقراء والمساكين ... " اهـ.
" فتاوى إسلامية " (3 / 485) .
وإعطاؤك لأخيك وأبناء عمك المحتاجين من أبواب الخير، بل إعطاء أقاربك المحتاجين أفضل من إعطاء غيرهم، روى البخاري (1461) ومسلم (998) عن أَنَس بْن مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ الأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ مَالا مِنْ نَخْلٍ، وَكَانَ أَحَبُّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرُحَاءَ (اسم بستان) وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ الْمَسْجِدِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ. فَلَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءَ، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ، فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ أَرَاكَ اللَّهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَخٍ! ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الأَقْرَبِينَ، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ.
والصدقة على القريب صدقة وصلة، وانظر السؤال رقم (21810) ، (20173) .
ولا يلزمك إخبارهم أنها صدقة أو نذر. انظر السؤال رقم (33777) .
ولكن. . لا تعطيها لمن يستعين بها على معصية الله تعالى أو من هو معروف بالإسراف والتبذير والتفاخر، لقول الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة /2.
ويمكنك أن تتعرف على ما يحتاجون إليه وتقوم بإحضاره لهم بدلاً من إعطائهم النقود في أيديهم، وبهذا تتأكد أن صدقتك قد وقعت في مكانها الصحيح.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4492)
نذر أن يتصدق بمئة ألف ريال فهل يوفي بنذره؟
[السُّؤَالُ]
ـ[شخص قال: " لله عليَّ إن فعلت كذا لأتصدقن بـ 100 ألف ريال "، ثم فعل هذا الأمر، ثم الآن هو نادم ولا يريد أن يتصدق بهذا المبلغ الكبير، فهل يجوز أن يكفر بكفارة يمين أم يجب عليه أن يتصدق بهذا المبلغ علما بأنه يملك من المال 400 ألف ريال؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، يلزمك الوفاء بنذرك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه) رواه البخاري (6318) ، وهنا أمور لابد من معرفتها:
أولاً:
تعريف النذر هو إلزام المكلَّف نفسَه بما لم يُلزمه به الشرع.
ثانياً:
قد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النذر.
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النذر، وقال: إنه لا يردُّ شيئاً، وإنما يُستخرج به من البخيل.
رواه البخاري (6234) ومسلم (1639) .
قال النووي:
وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يُسْتَخْرَج بِهِ من الْبَخِيل) فَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ لا يَأْتِي بِهَذِهِ الْقُرْبَة تَطَوُّعًا مَحْضًا مُبْتَدِئًا وَإِنَّمَا يَأْتِي بِهَا فِي مُقَابَلَة شِفَاء الْمَرِيض وَغَيْره مِمَّا تَعَلَّقَ النَّذْر عَلَيْهِ اهـ.
وقد ذهب بعض العلماء إلى تحريمه – ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية – وذهب الجمهور إلى كراهته، لكنهم لم يختلفوا أنه إذا نذر صار عليه الوفاء بنذره واجباً.
عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " مَن نذر أن يطيع الله فليطعه، ومَن نذر أن يعصيه فلا يعصه ".
رواه البخاري (6318) .
وقد ذم الشرعُ الذين ينذرون ولا يوفون، وبيَّن أنهم سيأتون بعد خير القرون.
عن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم - قال عمران: فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثاً - ثم إن بعدكم قوماً يَشهدون ولا يُستشهدون، ويَخونون ولا يُؤتمنون، ويَنذرون ولا يَفون، ويظهر فيهم السِّمَن ".
رواه البخاري (2508) ومسلم (2535) .
وعليه: فإن الواجب على الناذر أن يتصدق بما نذره، ولا يحل له عدم الوفاء بنذره، ولا تجزئه كفارة اليمين مع قدرته على التصدق بما نذر به.
عن ثابت بن الضحاك قال: نذر رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلاً بـ " بُوانة " (وهو اسم موضع) فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني نذرت أن أنحر إبلاً بـ " بُوانة "، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ قالوا: لا، قال: هل كان فيها عيد من أعيادهم؟ قالوا: لا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوف بنذرك؛ فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم ".
رواه أبو داود (3313) وصححه الحافظ ابن حجر في " التلخيص الحبير " (4 / 180) .
قال الصنعاني:
وهو دليل على أن من نذر أن يتصدق أو يأتي بقربة في محل معين: أنه يتعين عليه الوفاء بنذره ما لم يكن في ذلك المحل شيءٌ من أعمال الجاهلية.
" سبل السلام " (4 / 114) .
لكن إذا كان قصد هذا الشخص بهذا النذر أن يمنع نفسه من هذا الفعل فحكمه حنيئذ حكم اليمين فعليه كفارة يمين ولا يلزمه الوفاء بهذا النذر راجع السؤال رقم (45889)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4493)
ملخص أنواع النذر وأحكامه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الشريعة في النذر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إليكِ أيتها السّائلة بيانا في موضوع النّذر يشتمل على أنواعه وأحكامه الأساسية ينفعك وينفع غيرك من القرّاء إن شاء الله تعالى: قال الأصفهاني رحمه الله في مفردات ألفاظ القرآن (ص797) : النَّذْر: أن توجب على نفسك ما ليس بواجب لحدوث أمر، قال تعالى: {إني نذرت للرحمن صوما} {مريم: 26} .ا. هـ. فالنذر هو إيجاب المكلف على نفسه شيئا لم يكن عليه، سواء كان منجّزا أو معلقا. وقد جاء ذكر النذر في كتاب الله في مقام المدح قال تعالى عن عباده المؤمنين: {إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا. عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا. يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا} {الدهر: 5-7} فجعل - تبارك وتعالى - خوفهم من أهوال يوم القيامة ووفاءهم بنذورهم من أسباب نجاتهم ودخولهم الجنة. حكم النذر: الوفاء بالنذر المشروع واجب لقوله تعالى: {ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم} {الحج: 29} قال الإمام الشوكاني: والأمر للوجوب. وقد وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث عديدة في النهي النذر وبيان كراهته عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تَنْذروا، فإن النذر لا يغني من القدر شيئا، وإنما يستخرج به من البخيل " رواه مسلم برقم 3096. وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا عن النذر ويقول: " إنه لا يرد شيئا، وإنما يستخرج به من الشحيح " رواه البخاري ومسلم. فإن قال قائل كيف يمدح الموفين بالنّذر ثم ينهى عنه فالجواب أنّ النّذر الممدوح هو نذر الطّاعة المجرّد دون تعليقه على شيء يُلزم الإنسان نفسه به حملا لها عن الطّاعة ومنعا للتقاعس والكسل أو شكرا على نعمة، وأما النّذر المنهي عنه فأنواع منها نذر المعاوضة الذي يُعلّق فيه الناذر الطّاعة على حصول شيء أو دفع شيء بحيث لو لم يحصل لم يقم بالطّاعة وهذا محلّ النّهي ولعل الحكمة في ذلك تكمن في العلل التالية:؟ إن الناذر يأتي بالقربة متثقلا لها، لمّا صارت عليه ضربة لازب محتومة وواجبة.؟ إن الناذر لما نذر القربة بشرط أن يحصل له ما يريد، صار نذره كالمعاوضة التي تقدح في نية المتقرب، فانه لو لم يشف مريضه، لم يتصدق بما علقه على شفائه، وهذه هي حالة البخيل، فإنه لا يخرج من ماله شيئا إلا بعوض عاجل، يزيد على ما أخرج غالبا.؟ أن بعض الناس عندهم اعتقاد جاهلي مفاده أن النذر يوجب حصول الغرض الذي من أجله كان النذر، أو أن الله يحقق للناذر ذلك الغرض لأجل نذره.؟ نفي اعتقاد آخر عند بعض الجهلة، مفاده أن النذر يردّ القضاء، أو أنه يجر لهم في العاجل نفعا، ويصرف عنهم ضرا، فنهى عنه خوفا من جاهل يعتقد ذلك، وتنبيها على خطورة مثل ذلك المسلك على سلامة الاعتقاد.
أنواع النذر من حيث وجوب الوفاء:
أولا: نذر يجب الوفاء به (نذر الطاعة) : وهو كل نذر كان في طاعة الله عزوجل كنذر الصلاة والصوم والعمرة والحج وصلة الرحم والاعتكاف والجهاد والأمر بمعروف والنهي عن منكر كأن يقول: لله عليَّ أن أصوم كذا أو أتصدق بكذا أو كأن يقول لله عليَّ أن أحج هذا العام أو أصلي ركعتين في المسجد الحرام شكرا لله على ما أنعم به علي من شفاء مريضي. أو كان على سبيل التعليق كأن ينذر نذرا يتقرب به الى الله تعالى معلقا بشيء ينتفع به يفعله إذا حصل له ذلك الشيء فيقول إن قدم غائبي أو كفاني الله شر عدوي فعليّ صوم كذا أو صدقة كذا. قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصيه " رواه البخاري 6202. ولو نذر المرءُ نذراً فيه طاعة ثمّ طرأ من الظروف ما أعاقه عن الاقتدار على الوفاء بنذره، كأن نذرَ أن يصوم شهرا، أو يحج أو يعتمر ولكنّ مرضا أصابه، فمنعه القدرة على الصوم أو الحج أو الاعتمار أو يكون قد نذر صدقة ولكنه افتقر بما يحول بينه وبين إنفاذ ما نذر فإنه والحالة هذه ينتقل إلى التكفير عن نذره بكفارة يمين كما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: من نذر نذرا لا يطيقه فكفارته كفارة اليمين. رواه أبوداود وقال الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام: إسناده صحيح، والحفّاظ رجحوا وقفه. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى (33/49) : فإذا قصد الإنسان أن ينذر لله طاعة، فعليه الوفاء به، لكن إذا لم يوف بالنذر لله، فعليه كفارة يمين عند اكثر السلف.
ثانيا: نذر لا يجوز الوفاء به وفيه كفارة يمين: ويشمل هذا النوع من النذر:
1 - نذر المعصية: وهو كل نذر فيه معصية لله كأن ينذر زيتا أو شمعا أو نفقة لبعض القبور والمشاهد أو ينذر زيارة الأضرحة والمشاهد الشركية وهذا شبيه من بعض الوجوه بالنذر للأوثان، وكذا لو نذر أن يفعل معصية من المعاصي كالزنا أو شرب الخمر أو السرقة أو أكل مال يتيم أو إنكار حق أحد أو أن يقطع رحمه فلا يصلّ قريبه الفلاني أو لا يدخل بيته دون مانع شرعيّ فإن هذا كله مما لا يجوز الوفاء به بحال، بل عليه أن يكفّر عن نذره بكفارة يمين ودليل عدم جواز الوفاء بهذا النّوع من النّذور حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعص " رواه البخاري وعن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا وفاء لنذر في معصية " رواه مسلم 3099.
2 - كل نذر صادم نصا: فإذا نذر مسلم نذرا وتبين له أن نذره هذا يتعارض مع نص صحيح صريح فيه أمر أو فيه نهي لزمه التوقف عن الوفاء بالنذر ويكفر عنه بكفارة يمين ودليل ما رواه البخاري رحمه الله عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ كُنْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ فَسَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ نَذَرْتُ أَنْ أَصُومَ كُلَّ يَوْمِ ثَلاثَاءَ أَوْ أَرْبِعَاءَ مَا عِشْتُ فَوَافَقْتُ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَالَ أَمَرَ اللَّهُ بِوَفَاءِ النَّذْرِ وَنُهِينَا أَنْ نَصُومَ يَوْمَ النَّحْرِ فَأَعَادَ عَلَيْهِ فَقَالَ مِثْلَهُ لا يَزِيدُ عَلَيْه. صحيح البخاري 6212 ورواه الإمام أحمد عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ وَهُوَ يَمْشِي بِمِنًى فَقَالَ نَذَرْتُ أَنْ أَصُومَ كُلَّ يَوْمِ ثُلاثَاءَ أَوْ أَرْبِعَاءَ فَوَافَقْتُ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ النَّحْرِ فَمَا تَرَى قَالَ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِوَفَاءِ النَّذْرِ وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ قَالَ نُهِينَا أَنْ نَصُومَ يَوْمَ النَّحْرِ قَالَ فَظَنَّ الرَّجُلُ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ فَقَالَ إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَصُومَ كُلَّ يَوْمِ ثُلاثَاءَ أَوْ أَرْبِعَاءَ فَوَافَقْتُ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَالَ أَمَرَ اللَّهُ بِوَفَاءِ النَّذْرِ وَنَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ قَالَ نُهِينَا أَنْ نَصُومَ يَوْمَ النَّحْرِ قَالَ فَمَا زَادَهُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى أَسْنَدَ فِي الْجَبَلِ. قال الحافظ ابن حجر: انعقد الإجماع على أنه لا يجوز له أن يصوم يوم الفطر ولا يوم النحر لا تطوعا ولا نذرا.
3 - نذر لا حكم له سوى كفارة اليمين: وهناك نذور ليس فيها من أحكام تتعلق بها سوى التزام الناذر بكفارة اليمين تكفيرا عن نذره ومنها: - النذر المطلق (وهو نذر ما لم يُسمّ) : فلو نذر المسلم نذرا ولم يسم المنذور بل تركه مطلقا من غير تسمية أو تعيين كأن يقول: عليَّ نذر إن شفى الله مرضي ولم يُسمّ شيئا كان عليه كفارة يمين، وقد روى عقبة بن عامر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كفارة النذر كفارة اليمين. رواه مسلم قال النووي: حمله مالك والكثيرون- بل الأكثرون - على النذر المطلق كقوله عليَّ نذر. (شرح مسلم للنووي 11/104) .
- نذر ما لا يملك: فإذا نذر الناذر شيئا لا يملكه فليس عليه إلا كفارة يمين وذلك كأن ينذرَ أن يتصدّق بمال فلان أو يُعتق عبد فلان أو يهبَ إلى شخصا بستانا وهو لا يملكه ويدلّ على هذا الحكم حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا نذر لابن آدم فيما لا يملك ولا عتق له فيما لا يملك ولا طلاق له فيما لا يملك. رواه الترمذي 1101 وقال: حديث عبد الله بن عمرو حديث حسن صحيح.
4 - نذر فيه الخيار بين الوفاء أو كفارة اليمين: وهناك نذور مخير الناذر فيها بين أن يفي بما نذر أو أن يكفر عن نذره بكفارة يمين ويشمل هذا النوع من النذر:
- نذر اللَّجَاج والغضب: وهو كل نذر يخرج مخرج اليمين للحث على فعل شيء أو المنع منه أو التصديق أو التكذيب غير قاصد صاحبه للنذر ولا للقربة على وجه التحقيق، وذلك كأن يقول الرجل في غضب: (إن فعلت كذا فعلي حجة أو صوم شهر، أو التصدق بألف دينار) ، أو يقول: (إن كلّمت فلانا فعلي عتق هذا العبد، أو تطليق زوجتي) ونحو ذلك، ثم يفعله، وهو لايريد من وراء ذلك كله سوى التوكيد على أن لن يفعل هذا الأمر، ليس غيره، في حين أن حقيقة مقصوده، أن لا يفعل الشرط ولا يوقع الجزاء. ويُخيّر في مثل هذا النذر
- الذي يكون حاله المماحكة، أو إظهار الحث على ضرورة فعل الشيء أو عدمه - بين أن يفي بنذره، أو يكفر عنه بكفارة اليمين، باعتباره يمينا من حيث الجوهر. قال ابن تيمية: " إذا علق النذر على وجه اليمين، فقال: إن سافرت معكم فعليّ الحج، أو فمالي صدقة، أو فعليّ عتق، فهذا عند الصحابة وجمهور العلماء حلف النذر، ليس بناذر، فإذا لم يف بما التزمه، أجزأه كفارة يمين " وقال في موضع آخر: " موجب نذر اللجاج والغضب عندنا أحد شيئين على المشهور، إما التكفير، وإما فعل المعلّق، فإذا لم يلتزم الوجوب المعلق، ثبت وجوب الكفارة ".
- نذر المباح: وهو كل نذر يتناول أمرا من أمور المباحات، كأن ينذر أن يلبس ثوبا بعينه، أو يأكل طعاما مخصوصا، أو يركب دابة بذاتها، أو أن يدخل بيتا محددا ونحو ذلك. عن ثابت بن الضحاك قال: نذر رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلا ببوانة ـ وفي رواية: لأنه وُلِد له ولد ذكر ـ فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني نذرت أن أنحر إبلا ببوانة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ " قالوا: لا.:" هل كان فيها عيد من أعيادهم؟ "، قالوا: لا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أوف بنذرك فإنه لاوفاء لنذر في معصية الله ولا فيما فيما لا يملك ابن آدم " رواه أبو داود 2881 وهذا الرجل نذر أن يذبح إبلا ببوانة (موضع وراء ينبع) شكرا لله تعالى، أن وهبه مولودا ذكرا، فأجاز له النبي صلى الله عليه وسلم أن يفي بنذره، ويذبح إبله في ذلك الموضع. نسأل الله التوفيق لما يحبّ ويرضى وصلى الله على نبينا محمد
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/4494)
حكم الأضحية عن الأموات وعن النبي صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[رأيت بعض الناس خلال عيد الأضحى المبارك يقدمون أضاحي بالنيابة عن آبائهم وعن النبي صلى الله عليه وسلم، فهل هذا جائز أم أنها بدعة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا يشرع إهداء الأضحية أو فعلها عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن ذلك لم يرد عن أحد من الصحابة مع كمال محبتهم له وكمال حرصهم على فعل الخير، ولم يرشد النبي صلى الله عليه وسلم أمته لذلك، كما أرشدهم للصلاة عليه ولسؤال الفضيلة والوسيلة له بعد الأذان، ولو كان خيرا لدلهم عليه صلى الله وعليه وسلم؛ ولأن كل خير تفعله أمته يناله ثوابه؛ لأنه الدال والمرشد والداعي إليه، فصار إهداء العامل الثواب للنبي صلى الله عليه وسلم ليس فيه فائدة , بل فيه إخراج العامل للثواب عن نفسه من غير فائدة تحصل لغيره.
وقد سبق بيان ذلك مفصلا في جواب السؤال رقم (52772) .
ثانيا:
الأضحية عن الأموات، تقع على ثلاث صور:
الأولى: أن يضحي عنهم تبعاً للأحياء مثل أن يضحي الرجل عنه وعن أهل بيته وينوي بهم الأحياء والأموات، وهذا جائز، ودليل هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلّم كان يضحي عنه وعن أهل بيته وفيهم من قد مات من قبل، كخديجة رضي الله عنها.
الثاني: أن يضحي عن الأموات بمقتضى وصاياهم تنفيذاً لها، وهذا واجب إلا إن عجز عن ذلك، ودليل هذا قوله تعالى في تبديل الوصية: (فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَآ إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) .
الثالث: أن يضحي عن الأموات تبرعاً مستقلين عن الأحياء (بأن يذبح لأبيه أضحية مستقلة، أو لأمه أضحية مستقلة) فهذه جائزة، وقد نص فقهاء الحنابلة على أن ثوابها يصل إلى الميت وينتفع به قياساً على الصدقة عنه، لكن الأولى ترك ذلك لعدم وروده، فلم يضح النبي صلى الله عليه وسلّم عن أحد من أمواته بخصوصه، فلم يضح عن عمه حمزة وهو من أعز أقاربه عنده، ولا عن أولاده الذين ماتوا في حياته، ولا عن زوجته خديجة وهي من أحب نسائه إليه، ولم يرد عن أصحابه في عهده أن أحداً منهم ضحى عن أحد من أمواته.
وينظر جواب السؤال رقم (36596) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4495)
حكم التضحية بالأنثى
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تجوز أنثى الحيوان كأضحية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يشترط في الأضحية أن تكون من بهيمة الأنعام، سليمة من العيوب، بالغة السن المعتبرة شرعا، ولا فرق في ذلك بين الذكر والأنثى، فتجوز الأضحية بكليهما.
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (8/364) : " فشرط المجزئ في الأضحية أن يكون من الأنعام، وهي الإبل والبقر والغنم , سواء في ذلك جميع أنواع الإبل , وجميع أنواع البقر , وجميع أنواع الغنم من الضأن والمعز وأنواعهما , ولا يجزئ غير الأنعام من بقر الوحش وحميره وغيرها بلا خلاف , وسواء الذكر والأنثى من جميع ذلك , ولا خلاف في شيء من هذا عندنا " انتهى باختصار.
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: أخبرنا عن الأضحية، هل تجزئ الشاة على ستة أشهر، حيث إنهم يقولون: لا تجزئ الشاة أو الخروف إلا عن سنة كاملة؟
فأجابت: "لا يجزئ من الضأن في الأضحية إلا ما كان سنّه ستة أشهر ودخل في السابع فأكثر، سواء كان ذكرا أم أنثى، ويسمى: جَذَعاً؛ لما رواه أبو داود والنسائي من حديث مجاشع قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الجَذَع يوفي ما يوفي منه الثني) ولا يجزئ من المعز والبقر والإبل إلا ما كان مسنة، سواء كان ذكرا أم
أنثى، وهي من المعز ما بلغت سنة، ودخلت في الثانية، ومن البقر ما أتمت سنتين ودخلت في الثالثة، ومن الإبل ما أتمت خمس سنين ودخلت في السادسة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تذبحوا إلا المسنة، إلا إن تعسر عليكم فاذبحوا الجذع من الضأن) رواه مسلم " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (11/414) .
وينظر شروط الأضحية في جواب السؤال رقم (36755) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4496)
كيفية تقسيم الأضحية في الأكل والصدقة
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو أن تذكر لي حديثا يثبت صحة تقسيم الأضحية إلى ثلاث أقسام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ورد الأمر بالتصدق بلحوم الأضاحي في الأحاديث النبوية، كما ورد الإذن بالأكل والادخار. فقد روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: دَفَّ أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ (أي أسرعوا مقبلين إلى المدينة) حَضْرَةَ الأَضْحَى زَمَنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ادَّخِرُوا ثَلاثًا ثُمَّ تَصَدَّقُوا بِمَا بَقِيَ فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ النَّاسَ يَتَّخِذُونَ الأَسْقِيَةَ مِنْ ضَحَايَاهُمْ وَيَجْمُلُونَ مِنْهَا الْوَدَكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا ذَاكَ قَالُوا نَهَيْتَ أَنْ تُؤْكَلَ لُحُومُ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلاثٍ فَقَالَ إِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ الَّتِي دَفَّتْ (وهم ضعفاء الأعراب الذين قدموا المدينة) فَكُلُوا وَادَّخِرُوا. " رواه مسلم 3643، قال النووي رحمه الله في شرح الحديث: قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما نهيتكم من أجل الدافة التي دفت) والمراد هنا من ورد من ضعفاء الأعراب للمواساة. قوله: (يجملون) بفتح الياء مع كسر الميم وضمها.. يقال: جملت الدهن.. وأجملته إجمالا أي أذبته..
قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما نهيتكم من أجل الدافة التي دفت فكلوا وادخروا وتصدقوا) هذا تصريح بزوال النهي عن ادخارها فوق ثلاث، وفيه الأمر بالصدقة منها، والأمر بالأكل، فأما الصدقة منها إذا كانت أضحية تطوع فواجبة على الصحيح عند أصحابنا بما يقع عليه الاسم منها، ويستحب أن يكون بمعظمها. قالوا: وأدنى الكمال أن يأكل الثلث ويتصدق بالثلث ويهدي الثلث، وفيه قول أنه يأكل النصف، ويتصدق بالنصف، وهذا الخلاف في قدر أدنى الكمال في الاستحباب، فأما الإجزاء فيجزيه الصدقة بما يقع عليه الاسم كما ذكرنا.. وأما الأكل منها فيستحب ولا يجب.. وحمل الجمهور هذا الأمر (وهو قوله تعالى: فكلوا منها) على الندب أو الإباحة لا سيما وقد ورد بعد الحظر. انتهى. وقال مالك: لا حد فيما يأكل ويتصدق ويطعم الفقراء والأغنياء، إن شاء نيئاً وإن شاء مطبوخاً الكافي 1/424، وقال الشافعية يستحب التصدق بأكثرها وقالوا: أدنى الكمال أن يأكل الثلث ويتصدق بالثلث، ويهدي الثلث، وقالوا يجوز أكل النصف، والأصح التصدق ببعضها نيل الأوطار 5/145 والسراج الوهاج 563، وقال أحمد: نحن نذهب إلى حديث عبد الله (ابن عباس) رضي الله عنهما (يأكل هو الثلث ويطعم من أراد الثلث ويتصدق على المساكين بالثلث) رواه أبو موسى الأصفهاني في الوظائف وقال حديث حسن وهو قول ابن مسعود وابن عمر ولم يعرف لهما مخالف من الصحابة المغني 8 / 632
وسبب الاختلاف في القدر الواجب في التصدق من الأضحية هو اختلاف الروايات، وقد وردت روايات بغير تعيين نسبة معينة كحديث بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الأَضَاحِيِّ فَوْقَ ثَلاثٍ لِيَتَّسِعَ ذُو الطَّوْلِ عَلَى مَنْ لا طَوْلَ لَهُ فَكُلُوا مَا بَدَا لَكُمْ وَأَطْعِمُوا وَادَّخِرُوا رواه الترمذي 1430 وقال حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ. والله تعالى أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/4497)
إصابة الأضحية بعيب قبل الذبح
[السُّؤَالُ]
ـ[اشتريت خروفاً سليماً لأضحية العيد قبل العيد بكم يوم....وعند نزوله على السلالم للذبح أصيب في قدمه (قبل الذبح بساعة) ....هل يعتبر هذا عيب في الأضحية.؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال صاحب زاد المستقنع: (وإن تعيَّبت (أي الأضحية) ذبحها وأجزأته.....)
قال الشيخ ابن عثيمين: مثال ذلك: اشترى رجل شاة للأضحية ثم انكسرت رجلها، وصارت لا تستطيع المشي مع الصحاح بعد أن عيَّنها، فإنه في هذه الحال يذبحها وتجزئه، لأنها لما تعيَّنت صارت أمانة عنده كالوديعة، وإذا كانت أمانة ولم يحصل تعيُّبها بفعله أو تفريطه فإنه لا ضمان عليه وتجزئه.
[الْمَصْدَرُ]
انظر الشرح الممتع ج/7 ص/515(5/4498)
هل يضحي أم يسد ما عليه من الدين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل للمديون أن يضحي في العيد، أم الأفضل أن يسدد دينه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أداء الدَّيْن أولى وأوجب من التضحية في أيام العيد، لعدة أسباب:
1- أداء الدَّيْن واجب، والأضحية سنة مؤكدة، فلا تقدم السنة على الواجب، وحتى على قول من رأى أن الأضحية واجبة، من أهل العلم، فإن سداد الدين مقدم عليها؛ لأن الأضحية إنما تجب – عند من يقول بالوجوب – على القادر، والمدين غير قادر.
2- في سداد الدَّيْن إبراء للذمة، وفي تعيين الأضحية شغل لها، ولا شك أن إبراء الذمة أولى وأوجب من شغلها.
3- الدَّيْن حق للعباد، والأضحية حق موسع مندوب لله تعالى، فيقدم حق العباد في هذه الحالة.
4- ثم إن في بقاء الدَّيْن مخاطرة عظيمة، إذ يخشى على المَدِين أن يؤدِّيَ دينَه يوم القيامة من حسناته إذا لم يؤد الله عنه، وفي ذلك خطر عظيم؛ لأن المسلم أحوج ما يكون يومئذ إلى حسنة واحدة.
فيتبين بذلك أن أداء الدَّيْن أوجب من ذبح الأضحية، ولا يستثنى منه إلا إذا كان الدَّيْنَ مؤجَّلا بعيدَ الأمد، بحيث يغلب على ظن المَدين أنه سيتمكن من سداد الدَّيْن في وقته إذا ذبح أضحيته الآن، أو كان قد رهن في دَينِه ما يتمكن به من السداد إن عجز في حينه، فلا حرج عليه حينئذ من ذبح الأضحية بما ييسر الله له، ويكون له الأجر والثواب عند الله تعالى.
جاء في "اللقاء الشهري" (رقم/53، سؤال رقم 24) :
" السؤال: ما حكم الأضحية إذا كانت بدين مؤجل؛ هل تجزئ أو لا بد من الاستئذان من صاحب الدين؟
الجواب:
لا أرى أن يضحي الإنسان وعليه دين إلا إذا كان الدين مؤجلاً، وهو عالم من نفسه أنه إذا حل الدَّيْن تمكن من وفائه، فلا بأس أن يضحي، وإلا فليدخر الدراهم التي عنده للدَّيْن، الدَّيْن مهم - يا إخواننا -، كان الرسول عليه الصلاة والسلام إذا قدم إليه رجل يصلي عليه ترك الصلاة عليه، حتى إنه في يوم من الأيام قُدِّم إليه رجل من الأنصار فخطا خطوات ثم قال:
(هل عليه دَين؟ قالوا: نعم. قال: صلوا على صاحبكم، ولم يصل عليه، حتى قام أبو قتادة رضي الله عنه وقال: الديناران عليَّ. فقال: حق الغريم وبرئ منه الميت. قال: نعم يا رسول الله! فتقدم وصلى) ، ولما سئل عن الشهادة في سبيل الله وأنها تكفر كل شيء قال:
(إلا الدَّيْن) الشهادة لا تكفر الدَّيْن، فالدَّيْن ليس بالأمر الهين - يا إخواننا - أنقذوا أنفسكم، لا تصاب البلاد بمصيبة اقتصادية في المستقبل؛ لأن هؤلاء الذين يستدينون ويستهينون بالدَّيْن سيفلسون فيما بعد، ثم يفلس مَن وراؤهم الذين ديَّنوهم، فالمسألة خطيرة للغاية، وما دام الله عز وجل يسر للعباد العبادات المالية ألا يقوم بها الإنسان إلا إذا كان عن سعة فليحمد الله وليشكر " انتهى.
ويقول في "الشرح الممتع" (8/455) :
" إن كان عليه دين ينبغي له أن يبدأ بالدين قبل الأضحية " انتهى.
وانظر جواب السؤال رقم: (41696)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4499)
هل تضحي المرأة الغنية عن زوجها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمرأة المقتدرة أن ضحى عن زوجها لأن زوجها غير قادر على الأضحية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأضحية مشروعة للرجل والمرأة، فمن كانت لديها القدرة على الأضحية استحب لها ذلك. وإذا ضحت المرأة فلتجعل أضحيتها عن نفسها وعن أهل بيتها، فيدخل في ذلك زوجها.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: الأضحية هل هي للأسرة ككل أم لكل فرد فيها بالغ، ومتى يكون ذبحها؟ وهل يشترط لصاحبها عدم أخذ شيء من أظافره وشعره قبل ذبحها؟ وإذا كانت لامرأة وهي حائض ما العمل؟ وما الفرق بين الأضحية والصدقة في مثل هذا الأمر؟
فأجاب: "الأضحية سنة مؤكدة، تشرع للرجل والمرأة، وتجزئ عن الرجل وأهل بيته، وعن المرأة وأهل بيتها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضحي كل سنة بكبشين أملحين أقرنين أحدهما عنه وعن أهل بيته، والثاني عمن وحد الله من أمته. ووقتها يوم النحر وأيام التشريق في كل سنة، والسنة للمضحي أن يأكل منها، ويهدي لأقاربه وجيرانه منها، ويتصدق منها. ولا يجوز لمن أراد أن يضحي أن يأخذ من شعره ولا من أظفاره ولا من بشرته شيئا، بعد دخول شهر ذي الحجة حتى يضحي؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل شهر ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي، فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره ولا من بشرته شيئا حتى يضحي) رواه الإمام مسلم في صحيحه، عن أم سلمة رضي الله عنها. أما الوكيل على الضحية، أو على الوقف الذي فيه أضاحي، فإنه لا يلزمه ترك شعره ولا ظفره ولا بشرته؛ لأنه ليس بمضح، وإنما هذا على المضحي الذي وكله في ذلك، وهكذا الواقف هو المضحي. والناظر على الوقف وكيل منفذ وليس بمضح، والله ولي التوفيق " انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (18/38) .
وأما إذا أرادت أن تضحي عنه بحيث تكون الأضحية له فلا بد من إذنه؛ لأنه لا تجوز النيابة عن الغير في العبادة إلا بإذنه سواء كان النائب رجلاً أو امرأة، لأن الأضحية عبادة، والعبادة لا بد لها من نية.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4500)
حكم تمني الرجل كونه امرأة والعكس
[السُّؤَالُ]
ـ[هل على الرجل إثم في قوله " يا ليت ربي خلقني أنثى، أو العكس؟ هل في ذلك اعتراض على خلقة الله سبحانه وتعالى؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للذكَر أن يتمنى لو كان أنثى، كما لا يجوز للأنثى أن تتمنى لو كانت ذَكراً؛ إذ في تمنيهم هذا اعتراض على قدر الله، وتسخط عليه، وهو يؤدي إلى البطالة والكسل، وترك العمل.
قال الله تعالى: (وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) النساء/ 32.
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله:
"وأما قوله عز وجل: (ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض) : فقد فُسِّر ذلك بالحسد، وهو تمني الرجل نفس ما أعطي أخوه من أهل ومال، وأن ينتقل ذلك إليه.
وفُسِّرَ بتمني ما هو ممتنع شرعاً أو قدراً، كتمنِّي النِّساءِ أنْ يكنَّ رجالاً، أو يكون لهن مثلُ ما للرجالِ من الفضائلِ الدينية كالجهاد، والدنيوية كالميراثِ والعقلِ والشهادةِ ونحو ذلك.
وقيل: إن الآية تشمل ذلك كله، ومع هذا كله فينبغي للمؤمن أن يحزن لفوات الفضائل الدينية، ولهذا أُمِر أن ينظر في الدِّين إلى مَن هو فوقه، وأن ينافس في طلب ذلك جهده، وطاقته، كما قال تعالى: (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون) " انتهى.
" جامع العلوم والحكم " (ص 122، 123) .
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله:
"ينهى تعالى المؤمنين عن أن يتمنى بعضهم ما فضَّل الله به غيرَه من الأمور الممكنة، وغير الممكنة، فلا تتمنى النساء خصائص الرجال التي بها فضَّلهم على النساء، ولا صاحب الفقر والنقص حالة الغنى والكمال تمنيّاً مجرداً؛ لأن هذا هو الحسد بعينه، تمني نعمة الله على غيرك أن تكون لك ويسلب إياها؛ ولأنه يقتضي السخط على قدر الله، والإخلاد إلى الكسل والأماني الباطلة التي لا يقترن بها عمل ولا كسب، وإنما المحمود أمران: أن يسعى العبد على حسب قدرته بما ينفعه من مصالحه الدينية والدنيوية، ويسأل الله تعالى من فضله، فلا يتكل على نفسه، ولا على غير ربه، ولهذا قال تعالى: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا) أي: من أعمالهم المنتجة للمطلوب، (وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ) فكلٌّ منهم لا يناله غير ما كسبه وتعب فيه.
(وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ) أي: من جميع مصالحكم في الدين والدنيا، فهذا كمال العبد، وعنوان سعادته، لا مَن يترك العمل، أو يتكل على نفسه غير مفتقر لربه، أو يجمع بين الأمرين، فإن هذا مخذول خاسر.
وقوله: (إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) فيعطي من يعلمه أهلاً لذلك، ويمنع من يعلمه غير مستحق" انتهى.
" تفسير السعدي " (ص 176) .
وانظر جواب السؤال رقم: (5710) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4501)
هل يجوز أن يشترك في بقرة أضحية بأقل من السُّبع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن يشترك أحد المضحين بأقل من السبع في البقرة؟ وهل يؤثر ذلك على المضحين المشتركين معه في الأضحية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز أن يشترك سبعة في بقرة أو بعير في الأضحية، وسبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (45757) .
ولا يجوز أن يشترك أحد المضحين بأقل من السبع، أما إذا كان يريد اللحم ولا يريد الأضحية فلا حرج عليه أن يشترك بما شاء.
قال الشيخ بن عثيمين في رسالة "أحكام الأضحية":
"وتجزئ الواحدة من الغنم عن الشخص الواحد، ويجزئ سُبع البعير أو البقرة عما تجزئ عنه الواحدة من الغنم....
وإذا اشترك اثنان فأكثر في ملك أضحية يضحيان بها، فهذا لا يجوز، ولا يصح أضحية إلا في الإبل والبقر إلى سبعة فقط، وذلك لأن الأضحية عبادة وقربة إلى الله تعالى، فلا يجوز إيقاعها ولا التعبد بها إلا على الوجه المشروع زمناً وعددا وكيفية" انتهى باختصار من "رسائل فقهية" (ص 58، 59) .
فإذا اشترك أحد المضحين بأقل من السبع لم تصح أضحيته، ولا يؤثر ذلك على سائر المشتركين، لأنه لا مانع من اشتراك سبعة في بقرة أضحية، وبعضهم يريد الأضحية، وبعضهم يريد اللحم.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (45771) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4502)
هل يجوز اشتراك أقل من سبعة في بقرة أضحية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الاشتراك في الأضحية من البقر لأقل من سبعة أشخاص؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز اشتراك سبعة أشخاص في بقرة في الأضحية. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (45757) .
وإذا جاز اشتراك سبعة في البقرة الواحدة، فيجوز من باب أولى أن يشترك فيها أقل من سبعة، ويكونون متطوعين بالزيادة، كما لو ذبح شخص واحد بقرة أضحية، مع أنه يكفيه شاة.
قال الإمام الشافعي رحمه الله في "الأم" (2/244) :
"وإذا كانوا أقل من سبعة أجزأت عنهم، وهم متطوعون بالفضل، كما تجزي الجزور (البعير) عمن لزمته شاة، ويكون متطوعا بفضلها عن الشاة " انتهى.
وقال الكاساني في "بدائع الصنائع" (5/71) : "وَلَا شَكَّ فِي جَوَازِ بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ عَنْ أَقَلَّ مِنْ سَبْعَةٍ، بِأَنْ اشْتَرَكَ اثْنَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ أَوْ أَرْبَعَةٌ أَوْ خَمْسَةٌ أَوْ سِتَّةٌ فِي بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ السُّبْعُ فَالزِّيَادَةُ أَوْلَى، وَسَوَاءٌ اتَّفَقَتْ الْأَنْصِبَاءُ فِي الْقَدْرِ أَوْ اخْتَلَفَتْ؛ بِأَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمْ النِّصْفُ، وَلِلْآخَرِ الثُّلُثُ، وَلِآخَرَ السُّدُسُ، بَعْدَ أَنْ لَا يَنْقُصَ عَنْ السُّبْعِ" انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4503)
جمع جلود الأضاحي وبيعها والتصدق بثمنها
[السُّؤَالُ]
ـ[تقوم لجان المساجد عندنا في الجزائر بجمع جلود الأضاحي وبيعها لمؤسسات صناعة الجلود وصرف ثمنها في بناء المساجد ويحتجون بأن كثيرا من الناس اليوم لا يحتاجونها ويقومون برميها فهل يجوز هذا الفعل؟ وهل يجوز للشخص إعطاء جلد الأضحية لهؤلاء إذا قصدوا بيته وهو يعلم مسبقا أنهم سوف يبيعونها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا يجوز للمضحي أن يبيع جلد أضحيته؛ لأنها بالذبح تعينت لله بجميع أجزائها، وما تعيّن لله لم يجز أخذ العوض عنه، ولهذا لا يعطى الجزار منها شيئا على سبيل الأجرة.
وقد روى البخاري (1717) ومسلم (1317) واللفظ له عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ وَأَنْ أَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا وَجُلُودِهَا وَأَجِلَّتِهَا وَأَنْ لَا أُعْطِيَ الْجَزَّارَ مِنْهَا. قَالَ: نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا.
قال في "زاد المستقنع": " ولا يبيع جلدها ولا شيئا منها، بل ينتفع به ".
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه (7/514) : " وقوله: "ولا يبيع جلدها" بعد الذبح؛ لأنها تعينت لله بجميع أجزائها، وما تعين لله فإنه لا يجوز أخذ العوض عليه، ودليل ذلك حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أنه حمل على فرس له في سبيل الله، يعني أعطى شخصاً فرساً يجاهد عليه، ولكن الرجل الذي أخذه أضاع الفرس ولم يهتم به، فجاء عمر يستأذن النبي صلّى الله عليه وسلّم في شرائه حيث ظن أن صاحبه يبيعه برخص، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: (لا تشتره ولو أعطاكه بدرهم) ، والعلة في ذلك أنه أخرجه لله، وما أخرجه الإنسان لله فلا يجوز أن يرجع فيه، ولهذا لا يجوز لمن هاجر من بلد الشرك أن يرجع إليه ليسكن فيه؛ لأنه خرج لله من بلد يحبها فلا يرجع إلى ما يحب إذا كان تركه لله عزّ وجل، ولأن الجلد جزء من البهيمة تدخله الحياة كاللحم. [يعني لا يجوز بيعه كما لا يجوز بيع اللحم]
وقوله: "ولا شيئاً منها"، أي لا يبيع شيئاً من أجزائها، ككبد، أو رجل، أو رأس، أو كرش، أو ما أشبه ذلك، والعلة ما سبق " انتهى.
وبهذا يعلم أن المشروع هو الانتفاع بالجلد أو التصدق به على مستحقه من فقير أو مسكين.
ولو تصدق المضحي بالجلد على فقير، فباعه الفقير، فلا حرج على واحد منهما.
قال الشيخ محمد المختار الشنقيطي حفظه الله: " أما إذا كان هناك شركة تشتري الجلد في نفس المسلخ، وأعطيته الفقير، ثم ذهب الفقير وباعه لهذه الشركة أو لهذه المؤسسة، فلا بأس " انتهى من "شرح زاد المستقنع ".
ثانيا:
أما بيع الجلد والتصدق بثمنه، فقد اختلف فيه أهل العلم، فمنهم من أجاز ذلك، وهو مذهب الحنفية ورواية عن أحمد رحمه الله، ومنعه الجمهور.
قال في "تبيين الحقائق" (6/9) : " ولو باعهما بالدراهم ليتصدق بها جاز ; لأنه قربة كالتصدق بالجلد واللحم ".
وقال ابن القيم رحمه الله في "تحفة المودود بأحكام المولود" ص 89: " وقال أبو عبد الله بن حمدان في رعايته: ويجوز بيع جلودها وسواقطها ورأسها والصدقة بثمن ذلك، نص عليه [أي الإمام أحمد] ...
قال الخلال: وأخبرني عبد الملك بن عبد الحميد أن أبا عبد الله [يعني الإمام أحمد] قال: إن ابن عمر باع جلد بقرةٍ وتصدق بثمنه.
وقال إسحاق بن منصور: قلت لأبي عبد الله: جلود الأضاحي ما يصنع بها؟ قال: ينتفع بها ويتصدق بثمنها. قلت: تباع ويتصدق بثمنها؟ قال: نعم، حديث ابن عمر " انتهى.
وينظر: "الإنصاف" (4/93) .
وقال الشوكاني رحمه الله في "نيل الأوطار" (5/153) : " اتفقوا على أن لحمها لا يباع فكذا الجلود. وأجازه الأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وهو وجه عند الشافعية قالوا: ويصرف ثمنه مصرف الأضحية " انتهى.
وعلى هذا؛ فلا حرج في إعطاء الجلود للجمعيات الخيرية التي تتولى بيعه والتصدق بثمنه، وهذا من المشاريع النافعة؛ لأن أكثر الناس لا ينتفعون بجلد الأضحية، فبيع الجلد والتصدق به فيه تحقيق للمصلحة المقصودة، وهو نفع الفقراء، مع السلامة من المحذور وهو اعتياض المضحي عن شيء من أضحيته.
مع التنبيه على أن الأضحية يُعطى منها للأغنياء على سبيل الهدية، فلو نوى المضحي أنه أعطى الجلد هدية للجمعية الخيرية التي تقوم بجمعه، فلا حرج في ذلك.
ثم تقوم الجمعية ببيعه والتصدق بثمنه فيما شاءت من الأعمال الخيرية.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4504)
هل يتلفظ المضحي بالنية عند الذبح؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قول المضحي: هذه عن فلان أي تسمية صاحب الأضحية عند الذبح هل هذا نطق بالنية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس هذا تلفظاًَ بالنية، "لأن قول المضحي: هذه عني وعن أهل بيتي، إخبار عما في قلبه، لم يقل اللهم إني أريد أن أضحي. كما يقول من يريد أن ينطق بالنية، بل أظهر ما في قلبه فقط، وإلا فإن النية سابقة من حين أن أتى بالأضحية وأضجعها وذبحها فقد نوى" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/20) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4505)
الأضحية بقصد الشفاء
[السُّؤَالُ]
ـ[أصيب ابن عمي في حادث، وقال الأطباء إن نسبة شفائه 50%، نَصَحَنَا شخصٌ بأن نضحي بماعزٍ لِلَّه، فهل يجوز أن نفعل ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الذبح لله تعالى، وقصد بذلك التصدق بشيء من هذا اللحم على الفقراء والمساكين، فلا حرج من ذلك، فقد روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: (داووا مرضاكم بالصدقة) رواه أبو داود في الراسيل، ورواه الطبراني والبيهقي وغيرهما، عن جماعة من الصحابة، وكل أسانيده ضعيفة، وقد حسنه الألباني رحمه الله لغيره في صحيح الترمذي (744) .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
تكرموا علينا - حفظكم الله - ببيان فقه حديث: (داووا مرضاكم بالصدقة) – رواه البيهقي في السنن الكبرى (3/382) ويضعفه عامة المحدثين- من جهة مداواة المريض بالذبح له، هل يشرع ذلك أو لا يشرع لرفع البلاء عنه؟
فأجابوا:
"الحديث المذكور غير صحيح، ولكن لا حرج في الصدقة عن المريض تقربا إلى الله عز وجل، ورجاء أن يشفيه الله بذلك؛ لعموم الأدلة الدالة على فضل الصدقة، وأنها تطفئ الخطيئة، وتدفع ميتة السوء" انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (24/441) .
وقال الشيخ ابن جبرين حفظه الله:
"الصدقة علاج نافع مفيد، يشفي الأمراض، ويخفف الأسقام، ويؤيده قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار) - رواه أحمد (3/399) -، فلعل بعض الأمراض تحدث عقوبةً على ذنبٍ أصابه المريض، فمتى تصدق عنه أهله زالت الخطيئة فزال سبب المرض، أو أن الصدقة تكتب له حسنات، فينشط قلبه بها، ويخف مع ذلك ألم المرض" انتهى.
"الفتاوى الشرعية في المسائل الطبية" (2/سؤال رقم/15) .
فلا حرج عليكم في الذبح لوجه الله تعالى، تقصدون به الصدقة عن هذا المريض لعل الله أن يشفيه ويعافيه، وخاصة إذا كان ذلك على وجه الأضحية أيضا.
ولكن.. لا داعي لتخصيص الذبح بالماعز، لأن المقصود هو الذبح على سبيل الأضحية والصدقة، فتذبحون ما تيسر مما يجزئ في الأضحية، سواء كان ماعزاً أم غيرها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4506)
حكم الجمع بين الأضحية والعقيقة في ذبيحة واحدة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز ذبح ذبيحة واحدة بنية الأضحية والعقيقة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا اجتمعت الأضحية والعقيقة، فأراد شخصٌ أن يعقَ عن ولده يوم عيد الأضحى، أو في أيام التشريق، فهل تجزئ الأضحية عن العقيقة؟
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: لا تجزئ الأضحية عن العقيقة. وهو مذهب المالكية والشافعية، ورواية عن الإمام أحمد رحمهم الله.
وحجة أصحاب هذا القول: أن كلاً منهما – أي: العقيقة والأضحية – مقصود لذاته فلم تجزئ إحداهما عن الأخرى، ولأن كل واحدة منهما لها سبب مختلف عن الآخر، فلا تقوم إحداهما عن الأخرى، كدم التمتع ودم الفدية.
قال الهيتمي رحمه الله في "تحفة المحتاج شرح المنهاج" (9/371) : " وَظَاهِرُ كَلَامِ َالْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَوْ نَوَى بِشَاةٍ الْأُضْحِيَّةَ وَالْعَقِيقَةَ لَمْ تَحْصُلْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا، وَهُوَ ظَاهِرٌ ; لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا سُنَّةٌ مَقْصُودَةٌ " انتهى.
وقال الحطاب رحمه الله في "مواهب الجليل" (3/259) : "إِنْ ذَبَحَ أُضْحِيَّتَهُ لِلْأُضْحِيَّةِ وَالْعَقِيقَةِ أَوْ أَطْعَمَهَا وَلِيمَةً، فَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: قَالَ صَاحِبُ الْقَبَسِ: قَالَ شَيْخُنَا أَبُو بَكْرٍ الْفِهْرِيُّ إذَا ذَبَحَ أُضْحِيَّتَهُ لِلْأُضْحِيَّةِ وَالْعَقِيقَةِ لَا يُجْزِيهِ، وَإِنْ أَطْعَمَهَا وَلِيمَةً أَجْزَأَهُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الْأَوَّلَيْنِ إرَاقَةُ الدَّمِ، وَإِرَاقَتُهُ لَا تُجْزِئُ عَنْ إرَاقَتَيْنِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْوَلِيمَةِ الْإِطْعَامُ، وَهُوَ غَيْرُ مُنَافٍ لِلْإِرَاقَةِ، فَأَمْكَنَ الْجَمْعُ. انْتَهَى " انتهى.
القول الثاني: تجزئ الأضحية عن العقيقة. وهو رواية عن الإمام أحمد، وهو مذهب الأحناف، وبه قال الحسن البصري ومحمد بن سيرين وقتادة رحمهم الله.
وحجة أصحاب هذا القول: أن المقصود منهما التقرب إلى الله بالذبح، فدخلت إحداهما في الأخرى، كما أن تحية المسجد تدخل في صلاة الفريضة لمن دخل المسجد.
روى ابن أبي شيبة رحمه الله في "المصنف" (5/534) : عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: إذَا ضَحُّوا عَنْ الْغُلَامِ فَقَدْ أَجْزَأَتْ عَنْهُ مِنْ الْعَقِيقَةِ.
وعَنْ هِشَامٍ وَابْنِ سِيرِينَ قَالَا: يُجْزِئُ عَنْهُ الْأُضْحِيَّةُ مِنْ الْعَقِيقَةِ.
وعَنْ قَتَادَةَ قَالَ: لَا تُجْزِئُ عَنْهُ حَتَّى يُعَقَّ.
وقال البهوتي رحمه الله في "شرح منتهى الإرادات" (1/617) : " وَإِنْ اتَّفَقَ وَقْتُ عَقِيقَةٍ وَأُضْحِيَّةٍ، بِأَنْ يَكُونَ السَّابِعُ أَوْ نَحْوُهُ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ، فَعَقَّ أَجْزَأَ عَنْ أُضْحِيَّةٍ، أَوْ ضَحَّى أَجْزَأَ عَنْ الْأُخْرَى، كَمَا لَوْ اتَّفَقَ يَوْمُ عِيدٍ وَجُمُعَةٍ فَاغْتَسَلَ لِأَحَدِهِمَا، وَكَذَا ذَبْحُ مُتَمَتِّعٍ أَوْ قَارِنٍ شَاةً يَوْمَ النَّحْرِ، فَتُجْزِئُ عَنْ الْهَدْيِ الْوَاجِبِ وَعَنْ الْأُضْحِيَّةَ " انتهى.
وقال رحمه الله في "كشاف القناع" (3/30) : " وَلَوْ اجْتَمَعَ عَقِيقَةٌ وَأُضْحِيَّةٌ، وَنَوَى الذَّبِيحَةَ عَنْهُمَا، أَيْ: عَنْ الْعَقِيقَةِ وَالْأُضْحِيَّةِ أَجْزَأَتْ عَنْهُمَا نَصًّا [أي: نص عليه الإمام أحمد] " انتهى.
وقد اختار هذا القول الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله فقال: "لو اجتمع أضحية وعقيقة كفى واحدة صاحب البيت، عازم على التضحية عن نفسه فيذبح هذه أضحية وتدخل فيها العقيقة.
وفي كلامٍ لبعضهم ما يؤخذ منه أنه لابد من الاتحاد: أن تكون الأضحية والعقيقة عن الصغير. وفي كلام آخرين أنه لا يشترط، إذا كان الأب سيضحي فالأضحية عن الأب والعقيقة عن الولد.
الحاصل: أنه إذا ذبح الأضحية عن أُضحية نواها وعن العقيقة كفى" انتهى.
"فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم" (6/159) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4507)
ذبح الأضحية أفضل من التصدق بثمنها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا وأخي كلانا له بيت ونريد في العيد إن شاء الله أن نذبح كبشا ونتصدق بالآخر دون أن نذبحه؟ فهل يجب أن نذبح الكبشين أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المشروع في حقكما أن تضحيا بأضحيتين، ولا يكفي الاشتراك في أضحية واحدة، لما ذكرت من استقلالك عن أخيك، وقد ذكرنا شروط الاشتراك في الأضحية في الجواب رقم (96741)
وذكرنا فيه اختلاف الفقهاء في حكم الأضحية، وأنها سنة مؤكدة عند الجمهور، وواجبة في قول بعض الفقهاء.
وقد ذكر أهل العلم أن ذبح الأضحية أولى وأفضل من التصدق بثمنها، وعليه فيمكنك أن تضحي وتتصدق باللحم، أو توكل من يذبحها عنك في بعض البلدان أو المناطق التي تكثر فيها الحاجة.
قال في "مطالب أولي النهى" (2/473) : " (وذبحها) أي الأضحية (و) ذبح (عقيقة: أفضل من صدقةٍ بثمنها) نصا [أي نصّ على ذلك الإمام أحمد رحمه الله] وكذا هَدْي ... وقد ضحى النبي صلى الله عليه وسلم وأهدى الهدايا والخلفاء بعده ; ولو أن الصدقة بالثمن أفضل لم يعدلوا عنه " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4508)
هل يجوز لأخوين الاشتراك في أضحية واحدة وهما مستقلان في السكن
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن نضحي بأضحية واحدة أنا وشقيقي وكل له بيت مستقل وكل واحد في مدينة ونجتمع أيام العيد والوالدة تسكن مرة عندي ومرة عند شقيقي مع العلم أن الوالد متوفى، وإذا اشترت الوالدة الأضحية من حر مالها هل تجزيء عني أنا وشقيقي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الأضحية سنة مؤكدة، غير واجبة، في قول جمهور الفقهاء، وذهب بعض أهل العلم إلى وجوبها على القادر؛ وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد في رواية، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " فالقول بالوجوب أظهر من القول بعدم الوجوب، لكن بشرط القدرة " انتهى من "الشرح الممتع" (7/422) .
ثانيا:
تجزئ الأضحية عن الرجل وأهل بيته؛ لما روى الترمذي (1505) وابن ماجه (3147) عن عَطَاء بْن يَسَارٍ قال: سَأَلْتُ أَبَا أَيُّوبَ الأَنْصَارِيَّ كَيْفَ كَانَتْ الضَّحَايَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يُضَحِّي بِالشَّاةِ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَيَأْكُلُونَ وَيُطْعِمُونَ. صححه الألباني في صحيح الترمذي.
قال في "تحفة الأحوذي: "هذا الحديث نَصٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الشَّاةَ الْوَاحِدَةَ تُجْزِئُ عَنْ الرَّجُلِ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَإِنْ كَانُوا كَثِيرِينَ، وَهُوَ الْحَقُّ ".
قَالَ الْحَافِظُ اِبْنُ الْقَيِّمِ فِي "زَادِ الْمَعَادِ: " وَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الشَّاةَ تُجْزِئُ عَنْ الرَّجُلِ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَلَوْ كَثُرَ عَدَدُهُمْ ".
وقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي "نيْلِ الأوطار": " وَالْحَقُّ أَنَّ الشَّاةَ الْوَاحِدَةَ تُجْزِئُ عَنْ أَهْلِ الْبَيْتِ , وَإِنْ كَانُوا مِائَةَ نَفْسٍ أَوْ أَكْثَرَ كَمَا قَضَتْ بِذَلِكَ السُّنَّةُ " انتهى باختصار.
ثالثا:
يدخل في أهل البيت: الزوجة والأولاد، وكذلك القريب إذا كان يسكن في البيت، وهو مشمول بنفقة رب البيت، أو يشتركان في النفقة ويجتمعان في المأكل والمشرب.
أما من كان في بيت مستقل، أو له نفقة مستقلة، فلا يجزئ اشتراكه في الأضحية، ويشرع له أضحية مستقلة.
قال مالك رحمه الله ـ في أهل بيته الذين يشركونه في أضحيته ـ: هم " أهل نفقته قليلا كانوا أو كثيرا. زاد محمد عن مالك: وولده ووالديه الفقيرين. [وقال] ابن حبيب: وله أن يدخل في أضحيته من بلغ من ولده وإن كان غنيا , وأخاه وابن أخيه وقريبه إذا كانوا في نفقته وأهل بيته، فأباح ذلك بثلاثة أسباب: القرابة، والمساكنة، والإنفاق عليه، [وقال] محمد: وله أن يدخل زوجته في أضحيته لأن الزوجية آكد من القرابة "
انتهى من "التاج والإكليل شرح مختصر خليل" (4/364) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " هل تجوز أضحية واحدة لأخوين شقيقين في بيت واحد مع أولادهم أكلهم وشربهم واحد؟
فأجاب: نعم يجوز ذلك يجوز أن يقتصر أهل البيت الواحد ولو كانوا عائلتين على أضحية واحدة ويتأتى بذلك فضيلة الأضحية " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: " س: أفيدكم بأني متزوج ولله الحمد ولي أولاد، وأسكن في مدينة غير المدينة التي يسكن فيها أهلي، وفي الإجازات نأتي إلى المدينة التي بها أهلي. وفي عيد الأضحى هذا أتيت أنا وأولادي قبل العيد بخمسة أيام ولم نضحّ على الرغم من أنني قادر ولله الحمد.
فهل يجوز لي أن أضحي؟ وهل تجزئ أضحية الوالد عني وعن زوجتي وأولادي؟ وما حكم الأضحية على من كان قادرا؟ وهل تجب على غير القادر؟ وهل يجوز أخذ الأضحية دينا على الراتب؟
فأجاب: الأضحية سنة وليست بواجبة، وتجزئ الشاة الواحدة عن الرجل وأهل بيته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضحي كل سنة بكبشين أملحين أقرنين يذبح أحدهما عنه وعن أهل بيته، والثاني عمن وحد الله من أمته صلى الله عليه وسلم.
وإذا كنت في بيت مستقل أيها السائل فإنه يشرع لك أن تضحي عنك وعن أهل بيتك، ولا تكفي عنك أضحية والدك عنه وعن أهل بيته؛ لأنك لست معهم في البيت، بل أنت في بيت مستقل. ولا حرج أن يستدين المسلم ليضحي إذا كان عنده قدرة على الوفاء. وفق الله الجميع " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (18/37) .
رابعا:
بناء على ما سبق، فأضحيتك لا تجزئ عن أخيك، ولو اجتمعتما في أيام العيد، وكذلك العكس.
وأما والدتك، فتجزئ أضحيتها عن نفسها وعن أهل البيت الذي هي جالسة فيه.
وينظر إجابة السؤالين: (41766) و (45768) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4509)
اشتراط التسمية لحل الذبيحة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم عدم التسمية على الأضحية خاصة أن الذابح لا يصلي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تارك الصلاة لا تحل ذبيحته، سواء سمى عليها أو لم يسم، وانظر السؤال رقم (70278) .
وأما التسمية على الذبيحة فمختلف فيها بين الفقهاء، على ثلاثة أقوال:
الأول: أنها مستحبة فقط، وهو مذهب الشافعي.
الثاني: أنها شرط في حل الذبيحة، لكن إن تركها سهوا أبيحت، وهذا مذهب الحنفية والمالكية والحنابلة.
الثالث: أنها شرط، ولا تسقط بحال، لا سهوا ولا عمدا ولا جهلا، وهذا مذهب الظاهرية ورواية عن مالك وأحمد، وقول جماعة من السلف، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وهو الصحيح ".
وقال: " واستدل هؤلاء بعموم قوله تعالى: (وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ) الأنعام/ 121، وبأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما أنهر الدم وذُكر اسم الله عليه فكُل) فشرط لحل الأكل التسمية، ومعلوم أنه إذا فقد الشرط فقد المشروط، فإذا فقدت التسمية فإنه يفقد الحل، كسائر الشروط. ولهذا لو أن إنسانا صلى وهو ناسٍ أن يتوضأ، وجبت عليه إعادة الصلاة، وكذلك لو صلى وهو جاهل أنه أحدث بحيث يظن أن الريح لا تنقض الوضوء، أو أن لحم الإبل لا ينقض الوضوء مثلا، فعليه الإعادة، لأن الشرط لا يصح المشروط بدونه، وكما أنه لو ذبحها ولم ينهر الدم، ناسيا أو جاهلا، فإنها لا تحل، فكذلك إذا ترك التسمية؛ لأن الحديث واحد " انتهى من "الشرح الممتع" (6/358) .
وينظر: العناية شرح الهداية (9/489) ، الفواكه الدواني (1/382) ، المجموع (8/387) ، المغني (9/309) .
وعلى هذا فلا يذبح الأضحية وغيرها إلا من كان من أهل الصلاة، ويشترط أن يسمي عند الذبح، فيقول: بسم الله.
ويستحب أن يكبر، فيقول: بسم الله، والله أكبر.
وقد روى البخاري (5558) ومسلم (1966) عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: (ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ فَرَأَيْتُهُ وَاضِعًا قَدَمَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا يُسَمِّي وَيُكَبِّرُ فَذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4510)
يقيم في بلد تمنع الذبح فهل يتصدق بثمن الأضحية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا وأسرتي نقيم ببلد لا يسمح فيه بالذبح. ماذا يجب علينا فعله؟ هل نتصدق بثمنه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن كان المقصود هو الأضحية أو العقيقة عن المولود، وتعذّر الذبح في البلد الذي تقيم فيه، فالأفضل أن ترسل نقودا لمن يذبح عنك، في بلد آخر، حيث يوجد الأهل، أو الفقراء والمحتاجون؛ لأن ذبح الأضحية أو العقيقة أولى من التصدق بثمنها.
قال النووي رحمه الله: " فرع: فعل العقيقة أفضل من التصدق بثمنها عندنا. وبه قال أحمد وابن المنذر " انتهى من "المجموع" (8/414) .
وقال في "مطالب أولي النهى" (: " (وذبحها) أي الأضحية (و) ذبح (عقيقة: أفضل من صدقةٍ بثمنها) نصا [أي نصّ على ذلك الإمام أحمد رحمه الله] وكذا هَدْي. لحديث {ما عمل ابن آدم يوم النحر عملا أحب إلى الله من هراقة دم. وإنه ليأتي يوم القيامة بقرونها وأظلافها وأشعارها. وإن الدم ليقع من الله عز وجل بمكان قبل أن يقع على الأرض. فطيبوا بها نفسا} رواه ابن ماجه. وقد ضحى النبي صلى الله عليه وسلم وأهدى الهدايا والخلفاء بعده ; ولو أن الصدقة بالثمن أفضل لم يعدلوا عنه " انتهى. والحديث المذكور ضعفه الألباني في السلسة الضعيفة، برقم 526
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " هل يجوز ذبح الأضحية والنحر في بلد أنت فيه، أو ترسل مبلغا مقابل ذلك إلى بلدك أو أي بلد من بلدان المسلمين؟
فأجاب: الأفضل أن تضحي في بلدك إذا كان أهلك عندك، وإذا كان أهلك في مكان آخر وليس عندهم من يضحي لهم، فأرسل دراهم لهم يضحوا هناك " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (24/207) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4511)
والده غير قادر صحيا على الحج ويريد أن يحج عنه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل ببلاد الحرمين الشريفين، وقد وفقني الله وقضيت فريضة الحج العام الماضي، والآن والدي موجود بمصر ويريد قضاء الفريضة وهو قادر مادياً وغير قادر صحياً، فهل يمكن لي أن أقضي فريضة الحج عنه وأحج له؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان والدك لا يستطيع الحج بنفسه، لكبر سنه، أو مرضه مرضا لا يرجى حصول الشفاء منه، ولا يتمكن معه من أداء الحج، فالواجب عليه أن ينيب غيره ليحج عنه، سواء أنابك أم أناب غيرك.
وإذا أردت أن تحج عنه فهذا خير وبر، بشرط أن تعلمه أنك ستحج عنه ويأذن في ذلك.
قال ابن قدامة رحمه الله: " من وجدت فيه شرائط وجوب الحج , وكان عاجزا عنه لمانع مأيوس من زواله , كزمانة , أو مرض لا يرجى زواله , أو كان هزيلاً , لا يقدر على الثبوت على الراحلة إلا بمشقة غير محتملة , والشيخ الفاني , ومن كان مثله، متى وجد من ينوب عنه في الحج , ومالاً يستنيبه به , لزمه ذلك. وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي " انتهى من "المغني" (3/91) بتصرف يسير.
وقال أيضاً: " ولا يجوز الحج والعمرة عن حي إلا بإذنه , فرضا كان أو تطوعا ; لأنها عبادة تدخلها النيابة , فلم تجز عن البالغ العاقل إلا بإذنه , كالزكاة , فأما الميت فتجوز عنه بغير إذن , واجبا كان أو تطوعا ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالحج عن الميت , وقد علم أنه لا إذن له " انتهى من المغني (3/95) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4512)
الرجل والمرأة إذا أرادا الأضحية منعا من قص الشعر والظفر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لمن يضحى سواء كان رجلاً أو امرأة أن يقص من شعره وأظافره؟ وما هي الممنوعات عند ما يهل هلال ذي الحجة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا هل هلال ذي الحجة حرم على من يريد الأضحية أن يأخذ من شعره أو من ظفره أو من بشرته شيئا؛ لما روى مسلم (1977) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا رَأَيْتُمْ هِلالَ ذِي الْحِجَّةِ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ) وفي لفظ له: (إِذَا دَخَلَتْ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا) .
قال النووي رحمه الله: " وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِيمَنْ دَخَلَتْ عَلَيْهِ عَشْر ذِي الْحِجَّة وَأَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ فَقَالَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَرَبِيعَة وَأَحْمَد وَإِسْحَاق وَدَاوُد وَبَعْض أَصْحَاب الشَّافِعِيّ: إِنَّهُ يَحْرُم عَلَيْهِ أَخْذ شَيْء مِنْ شَعْره وَأَظْفَاره حَتَّى يُضَحِّي فِي وَقْت الْأُضْحِيَّة , وَقَالَ الشَّافِعِيّ وَأَصْحَابه: هُوَ مَكْرُوه كَرَاهَة تَنْزِيه وَلَيْسَ بِحَرَامٍ. . . " انتهى من شرح مسلم.
وهذا الحكم عام في كل من أراد أن يضحي، رجلا كان أو امرأة.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: ماذا يجوز للمرأة التي تنوي الأضحية عن نفسها وأهل بيتها أو عن والديها بشعرها إذا دخلت عشر ذي الحجة؟
فأجاب: " يجوز لها أن تنقض شعرها وتغسله، لكن لا تكده، وما سقط من الشعر عند نقضه وغسله فلا يضر ".
وكدّ الشعر: تمشيطه.
"فتاوى الشيخ ابن باز" (18/47) .
ولا يمنع مريد الأضحية من شيء آخر كاللباس أو الطيب أو الجماع.
وانظر جواب السؤال رقم (70290) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4513)
هل تجزئ نية العقيقة عن الأضحية والعكس؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تجزئ نيتا العقيقة والأضحية معا في عيد الأضحى؟ وهل تصح العقيقة أم لا؟ ساعدني ببيان ترجيح أعمال أقرب من السنة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: تجزئ الأضحية عن العقيقة، وبه قال الحسن البصري ومحمد بن سيرين وقتادة، وهو قول الحنفية، وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد.
وقد جعلوا هذه المسألة مثل مسألة اجتماع الجمعة والعيد، وأنه يجزئ القيام بإحدى الصلاتين عن الأخرى، فقد اشتركا في العدد والخطبة والجهر فكان الفعل واحداً، وكذا هنا فإن الذبح واحد.
وقالوا – أيضاً -: كما لو صلى المسلم ركعتين ينوي بهما تحية المسجد وسنة المكتوبة.
القول الثاني: أنه لا تجزئ الأضحية عن العقيقة، وهو قول المالكية، والشافعية، والرواية الأخرى عن الإمام أحمد.
وقال هؤلاء: إن الأضحية والعقيقة ذبيحتان لسببين مختلفين، فلا تجزئ إحداهما عن الأخرى، كما لو اجتمع دم التمتع ودم الفدية فإنه لا يجزئ أحدهما عن الآخر.
وقالوا – أيضاً -: إن المقصود في الأضحية والعقيقة إراقة الدم في كل منهما؛ لأنهما شعيرتان يُقصد منهما إراقة الدماء، فلا تجزئ إحداهما عن الأخرى.
وقد سئل ابن حجر المكي الشافعي رحمه الله: عن ذبح شاة أيام الأضحية بنيتها ونية العقيقة، فهل يحصلان أو لا؟
فأجاب:
"الذي دل عليه كلام الأصحاب وجرينا عليه منذ سنين: أنه لا تداخل في ذلك؛ لأن كلاًّ من الأضحية والعقيقة سنَّةٌ مقصودةٌ لذاتها، ولها سبب يخالف سبب الأخرى، والمقصود منها غير المقصود من الأخرى، إذ الأضحيةُ فداءٌ عن النفس، والعقيقةُ فداءٌ عن الولد، إذ بها نُمُّوهُ وصلاحهُ، ورجاءُ بِرِّهِ وشفاعته، وبالقول بالتداخل يبطل المقصود من كلٍ منهما، فلم يمكن القول به، نظير ما قالوه في سنة غسل الجمعة وغسل العيد، وسنة الظهر وسنة العصر، وأما تحية المسجد ونحوها فهي ليست مقصودة لذاتها بل لعدم هتك حرمة المسجد، وذلك حاصلٌ بصلاة غيرها، وكذا صوم نحو الاثنين؛ لأن القصد منه إحياء هذا اليوم بعبادة الصوم المخصوصة، وذلك حاصلٌ بأي صومٍ وقع فيه، وأما الأضحية والعقيقة، فليستا كذلك كما ظهر مما قررته وهو واضح ... " انتهى.
" الفتاوى الفقهية " (4 / 256) .
والذي يظهر ـ والله أعلم ـ أنه تجزئ ذبيحة واحدة بنية العقيقة والأضحية، وقد اختار هذا القول فضيلة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله، وذكرنا قوله ونقولاً أخرى في جواز ذلك في جواب السؤال رقم (106630) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4514)
هل الأضحية واجبة على الحاج؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الأضحية واجبة على الحاج؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اختلف العلماء في حكم الأضحية، فذهب جمهور العلماء إلى أنها سنة مؤكدة، وذهب آخرون إلى أنها واجبة على القادر، وقد يبق بيان ذلك في جواب السؤال (36432)
وهذا الخلاف إنما هو في حق غير الحاج، وأما الحاج فقد اختلف العلماء في حكم الأضحية له، بين قائلٍ بالمشروعية – سواء الاستحباب أم الوجوب -، ومنهم من قال بعدم المشروعية.
والذين قالوا بعدم مشروعية الأضحية للحاج اختلفوا في سبب ذلك على قولين:
الأول: أن الحاج ليس له صلاة عيد، ونسكه هو هدي التمتع أو القِران.
والثاني: أن الحاج مسافر، والأضحية مشروعة للمقيمين، وهذا قول أبي حنيفة، وعنده أن الحاج إن كان من أهل مكة: فهو غير مسافر، وتجب عليه الأضحية.
وهذا تفصيل مذاهبهم وبعض أقوالهم:
1. أما الحنفية: فقد جاء في " المبسوط " (6 / 171) :
"وهي واجبة على المياسير والمقيمين عندنا". انتهى.
وفي " الجوهرة النيرة " (5 / 285، 286) :
"ولَا تجب عَلى الحَاجِّ الْمُسافر، فأَمَّا أَهلُ مكَّةَ فإِنَّهَا تَجِبُ عَلَيهِم وإِنْ حَجُّوا" انتهى.
2. وأما المالكية: فقد قالوا بأنه لا أضحية على الحاج لكونه حاجّاً لا لكونه مسافراً.
ففي " المدونة " (4 / 101) :
"قَالَ لِي مَالِكٌ: لَيس عَلَى الحَاجِّ أُضحِيةٌ وَإِن كَان مِن سَاكني مِنًى بَعدَ أَن يَكُون حاجًّا،
قُلتُ: فالناسُ كلهُم عَلَيهِم الأَضَاحِي فِي قَولِ مَالِكٍ إلَّا الحَاجَّ؟ قَالَ: نَعَم" انتهى.
3. وقال الشافعية باستحباب الأضحية للحاج وغيره.
قال الإمام الشافعي رحمه الله:
"والحاج المكي والمنتوي [أي المنتقل المتحول من بلد إلى بلد] والمسافر والمقيم والذكر والأنثى ممن يجد ضحية: سواء كلهم، لا فرق بينهم، إن وجبت على كل واحد منهم: وجبت عليهم كلهم، وإن سقطت عن واحد منهم: سقطت عنهم كلهم، ولو كانت واجبة على بعضهم دون بعض: كان الحاج أولى أن تكون عليه واجبة؛ لأنها نسك وعليه نسك، وغيره لا نسك عليه، ولكنه لا يجوز أن يوجب على الناس إلا بحجة ولا يفرق بينهم إلا بمثلها" انتهى.
" الأم " (2 / 348) .
4. وقال ابن حزم رحمه الله:
"والأضحية للحاج مستحبة كما هي لغير الحاج.
وقال قوم: لا يضحي الحاج ... .
وقد حضَّ رسول الله عليه السلام على الأضحية فلا يجوز أن يمنع الحاج من الفضل والقربة إلى الله تعالى بغير نص في ذلك" انتهى باختصار.
" المحلى " (5 / 314، 315) .
5. وأما الحنابلة: فالأضحية عندهم جائزة للحاج.
قال ابن قدامة رحمه الله:
"فَإِن لَم يَكُن مَعَه هَديٌ، وَعَلَيهِ هَديٌ، وَاجِبٌ، اشتَرَاهُ، وَإِن لَم يَكُن عَلَيهِ وَاجِبٌ، فَأَحَبَّ أَن يُضَحِّيَ، اشتَرَى ما يُضَحِّي بِه".
" المغني " (7 / 180) .
وقد جاء في الحديث عن عَائِشَةَ رضي الله عنها (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ضَحَّى عَنْ نِسَائِهِ بِمِنًى فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (5239) وَمُسْلِمٌ (1211) .
وقد ردَّ بعض أهل العلم – كابن القيم - الاستدلال بهذا الحديث، وقالوا: إن المراد بالأضحية هنا: الهدي.
وانظر: " زاد المعاد " (2 / 262 – 267) .
واختار شيخ الإسلام ابن القيم وتلميذه ابن القيم أن الحاج لا يضحي، وانظر: " الإقناع " (1 / 409) و " الإنصاف " (4 / 110) . ورجح هذا القول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، فقد سئل رحمه الله: كيف يجمع الإنسان بين الأضحية والحج، وهل هذا مشروع؟
فأجاب: "الحاج لا يضحي، وإنما يهدي هدياً، ولهذا لم يضحِ النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وإنما أهدى، ولكن لو فرض أن الحاج حج وحده وأهله في بلده فهنا يدع لأهله من الدراهم ما يشترون به أضحية ويضحون بها، ويكون هو يهدي، وهم يضحون، لأن الأضاحي إنما تشرع في الأمصار، أما في مكة فهو الهدي " انتهى من "اللقاء الشهري".
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4515)
حكم الأضحية بغير بهيمة الأنعام
[السُّؤَالُ]
ـ[شخص يسكن القطب الشمالي ويريد أن يضحي هل يجوز أن يضحي بحوت؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا تصح التضحية بالحوت أو الفرس أو الظباء أو الدجاج , لأن من شروط الأضحية: أن تكون من بهيمة الأنعام، وهي الإبل والبقر والغنم بسائر أنواعها , لقوله تعالى: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ) .
وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم وَلا عَنْ أحد من أَصْحَابِهِ التَّضْحِيَةُ بِغَيْرِهَا.
انظر: "فتح القدير" (9/97) .
قال النووي في "المجموع" (8/364-366) :
" فشرط المجزئ في الأضحية أن يكون من الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم , سواء في ذلك جميع أنواع الإبل , وجميع أنواع البقر , وجميع أنواع الغنم من الضأن والمعز وأنواعهما , ولا يجزئ غير الأنعام من بقر الوحش وحميره وغيرها بلا خلاف , وسواء الذكر والأنثى من جميع ذلك , ولا خلاف في شيء من هذا عندنا. . .
ولا تجزئ بالمتولد من الظباء والغنم , لأنه ليس من الأنعام " انتهى باختصار.
ونحوه قاله ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (368) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في رسالته: "أحكام الأضحية والزكاة":
" الجنس الذي يضحي به: بهيمة الأنعام فقط، لقوله تعالى: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ) الحج/34. وبهيمة الأنعام هي الإبل والبقر والغنم من ضأن ومعز , وجزم به ابن كثير وقال: قاله الحسن وقتادة وغير واحد , قال ابن جرير: وكذلك هو عند العرب اهـ.
ولقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن) رواه مسلم (1963) .
والمسنة: الثنية فما فوقها من الإبل والبقر والغنم , قاله أهل العلم رحمهم الله.
ولأن الأضحية عبادة كالهدي فلا يشرع إلا ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه أهدى أو ضحى بغير الإبل والبقر والغنم " انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4516)
لماذا لم يرشدنا الإسلام إلى التقليل من أكل اللحوم الحمراء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[في القرآن اللحوم حلال إلا الخنزير ولكني أسأل: لماذا لم يرشدنا الإسلام إلى التقليل من أكل اللحوم الحمراء التى قال الأطباء إنها تسبب ارتفاع الكلسترول الذي يتسبب في أزمات قلبية وانسداد في الشرايين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ينبغي أن يُعلم أولاً: أن القرآن الكريم كتاب هداية وتشريع، وليس كتابا طبيا أو فلكيا، حتى يطلب البعض أن يُذكر فيه كل ما يتعلق بالطب أو الفلك أو النباتات أو الحيوانات.
قال الله تعالى: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) إبراهيم/1.
وقال تعالى: (وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) الأنعام/155.
وفيما يتعلق بالأطعمة جاء القرآن الكريم بتحريم بعض الأطعمة وذكرها تفصيلاً، وجاء البعض الآخر في سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
وجاء القرآن الكريم ببعض القواعد فيما يتعلق بالأطعمة.
ثم جاء بيان ذلك كله في السنة النبوية تفصيلاً.
ففي مقام التفصيل قال الله تعالى: (قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) الأنعام/145.
وقال تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ) المائدة/3.
وفيما يتعلق ببعض القواعد، قال الله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأعراف/31.
فهذا نهي عن الإسراف في الأكل والشرب عموماً، ولا يختص ذلك بنوع معين من الأكل أو الشرب.
وهذا النهي العام عن الإسراف أبلغ وأكثر فائدة من مجرد النهي عن الإسراف في أكل اللحوم الحمراء أو غيرها، لأن هذا العموم يندرج تحته من المسائل الكثير والكثير.
قال ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد" (4/213) :
"فأرشد عباده إلى إدخال ما يقيم البدن من الطعام والشراب، وأن يكون بقدر ما ينتفع به البدن في الكمية والكيفية، فمتى جاوز ذلك كان إسرافا، وكلاهما مانع من الصحة، جالب للمرض، أعني عدم الأكل والشرب، أو الإسراف فيه، فحفظ الصحة كله في هاتين الكلمتين" انتهى.
وقال الله تعالى في صفة النبي محمد صلى الله عليه وسلم: (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبَائِثَ) الأعراف/157.
وقال تعالى: (يَسْأَلونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ) المائدة/4.
فكل طيب فهو حلال، وكل خبيث فهو حرام.
وأما ما يتعلق بالسنة فقد حرم النبي صلى الله عليه وسلم أكل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير، وحرم أكل لحوم الحمر الأهلية..... وغيرها.
وبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم ما ينبغي أن يكون عليه المؤمن في طعامه وشرابه فقال: (مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ، فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ، وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ، وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ) رواه الترمذي (2380) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وحرم النبي صلى الله عليه وسلم كل ضار، من الأطعمة والأشربة وغيرها، فقال: (لا ضرر ولا ضرار) رواه ابن ماجه (2340) وصححه الألباني في"إرواء الغليل" (896) .
فقد يكون الطعام حلالا من حيث الأصل، ولكنه بسبب الإسراف في أكله يؤدي إلى الضرر فيكون حراماً، وهذا لا يختص باللحوم، بل كل شيء يتضرر الإنسان بأكله يكون حراماً، حتى التمر.
فقد ذكر العلماء أنه يحرم أكل ما يضر.
وانظر: "المجموع" (9/39) .
فإذا ثبت أن طعاما معينا ضار فإنه يحرم أكله، لكن يجب التنبه إلى أن ضرر الطعام قد يختلف باختلاف الأشخاص والبلدان، فلا يجوز تعميم القول بالتحريم، وإنما يحرم على من يضره فقط، إذا أكل القدر الذي يضره.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4517)
هل تؤكل ذبيحة تارك الصلاة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أسال كيف نفعل لو كان أخي لا يصلى وهو في الشرع يعتبر كافراً، فهل نأكل مما يذبح أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب عليكم نصح أخيكم بالمحافظة على الصلاة، وأعلموه بحكم الله تعالى في تاركها، وامنعوه من مباشرة الذبح لكم، وليعلم سبب هذا المنع، وهو أن تارك الصلاة يعتبر كافراً، فلا تحل ذبيحته، فلعل معرفته الحكم تؤثر فيه، ويرجع إلى دينه ويقيم الصلاة، وهذا خير له في دينه ودنياه، وعاجله وآجله.
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
هل يجوز الأكل من ذبائح تارك الصلاة عمداً - علما أنه إذا أخبر بذلك احتج بأنه كان ينطق بالشهادة، كيف العمل إذا لم يوجد أي جزار يصلي؟
فأجاب:
" الذي لا يصلي لا تؤكل ذبيحته، هذا هو الصواب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (بين الرجل والشرك والكفر ترك الصلاة) أخرجه مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما، وقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) أخرجه الإمام أحمد وأهل السنن الأربع بإسناد صحيح من حديث بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه، وقوله صلى الله عليه وسلم: (رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة) أخرجه الإمام أحمد والترمذي بإسناد صحيح عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، فكل شيء سقط عموده لا يستقيم ولا يبقى، ومتى سقط العمود سقط ما عليه.
وبذلك يعلم أن الذي لا يصلي لا دين له، ولا تؤكل ذبيحته، وإذا كنت في بلد ليس فيها جزار مسلم فاذبح لنفسك، واستعمل يدك فيما ينفعك، أو التمس جزارا مسلما ولو في بيته حتى يذبح لك، وهذا بحمد الله ميسر فليس لك أن تتساهل في الأمر.
وعليك أن تنصح هذا الرجل بأن يتقي الله وأن يصلي، وقوله: " إنه يكتفي بالشهادتين " غلط عظيم، فالشهادتان لا بد معهما من حقهما؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله) متفق على صحته.
فذكر الصلاة والزكاة مع الشهادتين، وفي اللفظ الآخر: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله الله، فإذا قالوا لا إله إلا الله عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله) والصلاة من حقها، والزكاة من حقها.
فالواجب على المؤمن أن يتقي الله، والواجب على كل من ينتسب إلى الإسلام أن يتقي الله ويصلي الصلوات الخمس ويحافظ عليها، وهي عمود الإسلام، وهي الركن الأعظم من أركان الإسلام بعد الشهادتين، من ضيعها ضيع دينه، ومن تركها خرج عن دينه، نسأل الله العافية.
هذا هو الحق والصواب، وقال بعض أهل العلم: إنه لا يكون كافرا كفرا أكبر، بل يكون كفره كفرا أصغر، ويكون عاصيا معصية عظيمة، أعظم من الزنا، وأعظم من السرقة، وأعظم من شرب الخمر، ولا يكون كافرا كفرا أكبر إلا إذا جحد وجوبها، هكذا قال جمع من أهل العلم، ولكن الصواب ما دل عليه قول الرسول صلى الله عليه وسلم، أن مثل هذا يكون كافرا كفرا أكبر كما تقدم من الأحاديث في ذلك؛ لأنه ضيع عمود الإسلام وهو الصلاة.
فلا ينبغي التساهل بهذا الأمر، وقال عبد الله بن شقيق العقيلي التابعي الجليل رحمه الله: لم يكن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يرون شيئا تركه كفر إلا الصلاة.
فذكر إجماع الصحابة على أن تارك الصلاة عندهم كافر، نسأل الله العافية.
فالواجب الحذر، والواجب المحافظة على هذه الفريضة العظيمة، وعدم التساهل مع من تركها، فلا تؤكل ذبيحته، ولا يدعى لوليمة، ولا تجاب دعوته؛ بل يهجر حتى يتوب إلى الله وحتى يصلي، نسأل الله الهداية للجميع " انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (10/274– 276) .
وانظر جواب السؤال رقم (1553) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4518)
ما الذي يمتنع عنه من أراد أن يضحي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[بالنسبة لغير الحاج من المسلمين , ما الذي يجب فعله في الأيام العشرة الأوائل من شهر ذي الحجة؟ يعني: هل قص الأظافر والشعر لا يجوز ووضع الحناء ولبس الملابس الجديدة لا يجوز إلا بعد ذبح الأضحية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا ثبت دخول شهر ذي الحجة وأراد أحدٌ أن يضحي فإنه يحرم عليه أخذ شيء من شعر جسمه أو قص أظفاره أو شيء من جلده، ولا يُمنع من لبس الجديد ووضع الحناء والطيب، ولا مباشرة زوجته أو جماعها.
وهذا الحكم هو للمضحي وحده دون باقي أهله، ودون من وكَّله بذبح الأضحية، فلا يحرم شيء من ذلك على زوجته وأولاده، ولا على الوكيل.
ولا فرق بين الرجل والمرأة في هذا الحكم، فلو أرادت امرأة أن تضحي عن نفسها، سواء كانت متزوجة أم لم تكن فإنها تمتنع عن أخذ شيء من شعر بدنها وقص أظفارها، لعموم النصوص الواردة في المنع من ذلك.
ولا يسمَّى هذا إحراماً؛ لأنه لا إحرام إلا لنسك الحج والعمرة، والمحرم يلبس لباس الإحرام ويمتنع عن الطيب والجماع والصيد وهذا كله جائز لمن أراد أن يضحي بعد دخول شهر ذي الحجة، ولا يُمنع إلا من أخذ الشعر والأظفار والجلد.
عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ) رواه مسلم (1977) وفي رواية: (فَلا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا) . والبشرة: ظاهر الجلد الإنسان.
وقال علماء اللجنة الدائمة:
" يشرع في حق من أراد أن يضحي إذا أهل هلال ذي الحجة ألا يأخذ من شعره ولا من أظافره ولا بشرته شيئاً حتى يضحي؛ لما روى الجماعة إلا البخاري رحمهم الله، عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره) ولفظ أبي داود ومسلم والنسائي: (من كان له ذِبح يذبحه فإذا أهل هلال ذي الحجة فلا يأخذنَّ من شعره ومن أظفاره شيئاً حتى يضحي) سواء تولى ذبحها بنفسه أو أوكل ذبحها إلى غيره، أما من يضحِّي عنه فلا يشرع ذلك في حقه؛ لعدم ورود شيء بذلك، ولا يسمى ذلك إحراماً، وإنما المحرم هو الذي يحرم بالحج أو العمرة أو بهما " انتهى.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (11 / 397، 398) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة:
الحديث: (من أراد أن يضحي أو يُضحَّى عنه فمن أول شهر ذي الحجة فلا يأخذ من شعره ولا بشرته ولا أظفاره شيئاً حتى يضحي) هل هذا النهي يعم أهل البيت كلهم، كبيرهم وصغيرهم أو الكبير دون الصغير؟
فأجابوا:
" لا نعلم أن لفظ الحديث كما ذكره السائل، واللفظ الذي نعلم أنه ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم هو ما رواه الجماعة إلا البخاري عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره) ، ولفظ أبي داود - وهو لمسلم والنسائي أيضاً -: (من كان له ذبح يذبحه فإذا أهل هلال ذي الحجة فلا يأخذ من شعره وأظفاره حتى يضحي) فهذا الحديث دال على المنع من أخذ الشعر والأظفار بعد دخول عشر ذي الحجة لمن أراد أن يضحي، فالرواية الأولى فيها الأمر والترك، وأصله أنه يقتضي الوجوب، ولا نعلم له صارفاً عن هذا الأصل، والرواية الثانية فيها النهي عن الأخذ، وأصله أنه يقتضي التحريم، أي: تحريم الأخذ، ولا نعلم صارفاً يصرفه عن ذلك، فتبين بهذا: أن هذا الحديث خاص بمن أراد أن يضحي فقط، أما المضحى عنه فسواء كان كبيراً أو صغيراً فلا مانع من أن يأخذ من شعره أو بشرته أو أظفاره بناء على الأصل وهو الجواز، ولا نعلم دليلاً يدل على خلاف الأصل " انتهى.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (11 / 426، 427) .
ثانياً:
لا يحرم شيء من هذا على من لم يرد التضحية لعدم قدرته، ومن أخذ شيئاً من شعره أو أظفاره وكان أراد التضحية فلا يلزمه فدية، والواجب عليه التوبة والاستغفار.
قال ابن حزم رحمه الله:
من أراد أن يضحي ففرض عليه إذا أهل هلال ذي الحجة أن لا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئا حتى يضحي , لا بحلق , ولا بقص ولا بغير ذلك , ومن لم يرد أن يضحي لم يلزمه ذلك.
" المحلى " (6 / 3) .
وقال ابن قدامة رحمه الله:
إذا ثبت هذا , فإنه يترك قطع الشعر وتقليم الأظفار , فإن فعل استغفر الله تعالى، ولا فدية فيه إجماعا , سواء فعله عمداً أو نسياناً.
" المغني " (9 / 346) .
فائدة:
قال الشوكاني:
والحكمة في النهي أن يبقى كامل الأجزاء للعتق من النار، وقيل: للتشبه بالمحرم , حكى هذين الوجهين النووي وحكي عن أصحاب الشافعي أن الوجه الثاني غلط ; لأنه لا يعتزل النساء ولا يترك الطيب واللباس وغير ذلك مما يتركه المحرم.
" نيل الأوطار " (5 / 133) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4519)
على من تجب الأضحية؟ وهل الذكورة من الشروط؟
[السُّؤَالُ]
ـ[من يجب عليه الأضحية؟ ربة المنزل التي لها معاش يجوز لها أن تضحي؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اختلف العلماء في حكم الأضحية: هل هي واجبة يأثم تاركها؟ أم سنة مؤكدة يكره تركها؟
والصحيح أنها سنة مؤكدة، وسبق بيان ذلك في جواب السؤال (36432) .
ويشترط لوجوب الأضحية أو سنيتها: غنى المضحي، بأن يكون ثمن الأضحية فاضلاً عن كفايته وكفاية من ينفق عليهم، فإذا كان للمسلم راتب يأتيه كل شهر أو (معاش) وهذا الراتب يكفيه، ومعه ثمن الأضحية، شرعت الأضحية في حقه.
ودل على اشتراط الغنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان له سَعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا) رواه ابن ماجه (3123) وحسنه الألباني في " صحيح ابن ماجه "، والسعة هي الغنى.
والأضحية مشروعة لأهل البيت، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ عَلَى أَهْلِ كُلِّ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أَضْحَاةً) رواه أحمد (20207) وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": إسناده قوي، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود (2788) .
ولا فرق في هذا بين الرجل والمرأة، فإذا كانت المرأة تعيش وحدها، أو مع أولادها فعليهم الأضحية.
جاء في الموسوعة الفقهية (5/81) :
"وليست الذكورة من شروط الوجوب ولا السنية , فكما تجب على الذكور تجب على الإناث , لأن أدلة الوجوب أو السنية شاملة للجميع" انتهى باختصار.
انظر: " الموسوعة الفقهية " (5 / 79 – 81) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4520)
سقطت الأضحية فذبحها قبل موتها، فهل تعد أضحية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[وقعت الأضحية من سطح من بيتنا فقام أهلنا بذبحها قبل أن تموت فهل يجوز ذلك؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الظاهر من السؤال أنكم ذبحتم " الذبيحة " قبل صلاة العيد، فإن كان الأمر كذلك فإنها لا تكون أضحية، لأن شرط الأضحية أن تذبح في أيام الذبح، وهي يوم العيد وثلاثة أيام بعده.
عن جندب بن سفيان رضي الله عنه قال: شهدتُ الأضحى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قضى صلاته بالناس نظر إلى غنم قد ذُبحت فقال: (مَن ذبح قبل الصلاة فليذبح شاة مكانها، ومن لم يكن ذبح فليذبح على اسم الله) . رواه البخاري (942) ومسلم (1960) .
وعلى هذا، لو كانت هذه الأضحية منذورة فيجب عليكم بدلها.
وأما إن كان ذبحكم لها في وقت الذبح، وكنتم قد اشتريتموها بنية الأضحية، فإنها تجزئ وتكون أضحية، ولو انكسرت بسبب سقوطها من السطح، وانظر السؤال (39191) .
ثانياً:
وأما صحة ذبحكم لها، فإنه صحيح إذا أدركتموها قبل الموت.
وقد حرَّم الله عز وجل المنخنقة والموقوذة – وهي التي تموت بضربها بخشبة أو حديدة - والمتردية – كحال ذبيحتكم – وما أكل السبُع، وهذا في حال أن تموت، فإذا أُدركت قبل موتها وذكِّيت الذكاة الشرعية: صارت حلالاً.
قال الله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ) المائدة/3.
قال ابن كثير:
وقوله: (إلا ما ذكيتم) عائد على ما يمكن عوده عليه مما انعقد سبب موته فأمكن تداركه بذكاة وفيه حياة مستقرة، وذلك إنما يعود على قوله: (والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع) .
"تفسير ابن كثير" (2/11، 12) .
وعن كعب بن مالك رضي الله عنه أنه كانت لهم غنم ترعى بسلْع (جبل بالمدينة) ، فأبصرت جارية لنا بشاة من غنمنا موتاً فكسرت حجراً فذبحتْها به، فقال لهم: لا تأكلوا حتى أسأل النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذاك فأمره بأكلها. رواه البخاري (2181) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4521)
حكم صيام أيام التشريق
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل صام يوم الحادي عشر والثاني عشر من ذي الحجة، فما حكم صيامه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اليوم الحادي عشر من ذي الحجة والثاني عشر والثالث عشر، تسمى أيام التشريق.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن صومها، ولم يرخص في صومها إلا للمتمتع أو القارن الذي لم يجد الهدي.
روى مسلم (1141) عَنْ نُبَيْشَةَ الْهُذَلِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لِلَّهِ) .
وروى أحمد (16081) عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ رَأَى رَجُلا عَلَى جَمَلٍ يَتْبَعُ رِحَالَ النَّاسِ بِمِنًى، وَنَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاهِدٌ، وَالرَّجُلُ يَقُولُ: (لا تَصُومُوا هَذِهِ الأَيَّامَ فَإِنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ) . صححه الألباني في صحيح الجامع (7355) .
وروى أحمد (17314) وأبو داود (2418) عَنْ أَبِي مُرَّةَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَلَى أَبِيهِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، فَقَرَّبَ إِلَيْهِمَا طَعَامًا، فَقَالَ: كُلْ. قَالَ: إِنِّي صَائِمٌ. قَالَ عَمْرٌو: كُلْ، فَهَذِهِ الأَيَّامُ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا بِفِطْرِهَا، وَيَنْهَى عَنْ صِيَامِهَا. قَالَ مَالِكٌ: وَهِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ. صححه الألباني في صحيح أبي داود.
وروى أحمد (1459) عن سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أُنَادِيَ أَيَّامَ مِنًى: (إِنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ، فَلا صَوْمَ فِيهَا) يَعْنِي أَيَّامَ التَّشْرِيقِ. قال محقق المسند: صحيح لغيره.
وروى البخاري (1998) عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالا: لَمْ يُرَخَّصْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يُصَمْنَ إِلا لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ.
فهذه الأحاديث – وغيرها – فيها النهي عن صيام أيام التشريق.
ولذلك ذهب أكثر العلماء إلى أنها لا يصح صومها تطوعاً.
وأما صومها قضاءً عن رمضان، فقد ذهب بعض أهل العلم إلى جوازه، والصحيح عدم جوازه.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (3/51) :
" ولا يحل صيامها تطوعا , في قول أكثر أهل العلم , وعن ابن الزبير أنه كان يصومها. وروي نحو ذلك عن ابن عمر والأسود بن يزيد، وعن أبي طلحة أنه كان لا يفطر إلا يومي العيدين. والظاهر أن هؤلاء لم يبلغهم نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامها , ولو بلغهم لم يعدوه إلى غيره.
وأما صومها للفرض , ففيه روايتان: إحداهما: لا يجوز ; لأنه منهي عن صومها , فأشبهت يومي العيد.
والثانية: يصح صومها للفرض ; لما روي عن ابن عمر وعائشة , أنهما قالا: لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي. أي: المتمتع إذا عدم الهدي , وهو حديث صحيح , رواه البخاري. ويقاس عليه كل مفروض " انتهى.
والمعتمد في مذهب الحنابلة أنه لا يصح صومها قضاء عن رمضان.
انظر: "كشاف القناع" (2/342) .
وأما صومها للمتمتع والقارن إذا لم يجد الهدي، فقد دل عليه حديث عائشة وابن عمر المتقدم، وهو مذهب المالكية والحنابلة والشافعي في القديم.
وذهب الحنفية والشافعية إلى أنه لا يجوز صومها.
انظر: "الموسوعة الفقهية" (7/323) .
والراجح هو القول الأول، وهو جواز صومها لمن لم يجد الهدي.
قال النووي رحمه الله في المجموع (6/486) :
" واعلم أن الأصح عند الأصحاب هو القول الجديد أنها لا يصح فيها صوم أصلا , لا للمتمتع ولا لغيره. والأرجح في الدليل صحتها للمتمتع وجوازها له؛ لأن الحديث في الترخيص له صحيح كما بيناه، وهو صريح في ذلك فلا عدول عنه " انتهى.
وخلاصة الجواب: أنه لا يصح صيام أيام التشريق لا تطوعاً ولا فرضاً إلا للمتمتع أو القارن إذا لم يجدا الهدي.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " لا يجوز صيام اليوم الثالث عشر من ذي الحجة لا تطوعاً ولا فرضاً، لأنها أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صيامها ولم يرخص في ذلك لأحد إلا لمن لم يجد هدي التمتع " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (15/381) .
وقال الشيخ ابن عثيمين:
" أيام التشريق هي الأيام الثلاثة التي بعد عيد الأضحى، وسميت بأيام التشريق، لأن الناس يُشَرِّقُون فيها للحم ـ أي ينشرونه في الشمس، لييبس حتى لا يتعفن إذا ادخروه ـ وهذه الأيام الثلاثة قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل) فإذا كانت كذلك، أي كان موضوعها الشرعي الأكل والشرب والذكر لله، فإنها لا تكون وقتاً للصيام، ولهذا قال ابن عمر وعائشة رضي الله عنهم: (لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي) يعني للمتمتع والقارن فإنهما يصومان ثلاثة أيام في الحج وبعة إذا رجعا إلى أهلهما، فيجوز للقارن والمتمتع إذا لم يجدا الهدي أن يصوما هذه الأيام الثلاثة، حتى لا يفوت موسم الحج قبل صيامهما. وما سوى ذلك فإنه لا يجوز صومها، حتى ولو كان على الإنسان صيام شهرين متتابعين فإنه يفطر يوم العيد والأيام الثلاثة التي بعده، ثم يواصل صومه " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (20/سؤال 419) .
وبناء على ما تقدم فمن صام أيام التشريق أو بعضها، دون أن يكون متمتعا أو قارنا لم يجد الهدي، فعليه أن يستغفر الله تعالى، لارتكابه ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم. وإن كان قد صامها قضاء لما فاته من رمضان، فلا يجزئه ذلك، وعليه القضاء مرة أخرى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4522)
هل الفدية تعوض ما يخل به الإنسان من أحكام المناسك؟
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الحجاج والمعتمرين يتهاونون فيما يجب عليهم من الأحكام؛ فيتجاوزون الميقات من غير إحرام، مثلا، أو ربما تركوا بعض الواجبات، معتمدين على أنهم سوف يذبحون هديا، يجبر لهم النقص الذي فعلوه، فما حكم ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد سبق معنا في جواب السؤال رقم (36522) أن أكثر ما يقع فيه الحجاج أو المعتمرون من أخطاء في مناسكهم، سببه الجهل بما يجب عليهم من أحكامها. وأما ما ذكر في هذا السؤال من تعمد بعض الناس ارتكاب المحظور، أو التفريط فيما يؤمر به، اعتمادا على أن الفدية سوف تجبر له ذلك النقص، فهذا هو الجهل الحقيقي، وإن كان صاحبه يظن أن عنده معرفة بما يترتب على فعله , فإنه لا يتجرأ على تعدي حدود الله إلا ظلوم جهول، قال الله تعالى: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) البقرة/229، ولا يتجرأ على انتهاك حرمات الله إلا من لم يعظم شعائر الله حق تعظيمها؛ قال الله تعالى: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوب ِ) الحج/32 ولأجل ذلك كان أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقولون: كل ذنب أصابه عبد فهو بجهالة. وقال مجاهد: كل من عصى ربه فهو جاهل حتى ينزع عن معصيته. [تفسير الطبري 8/89] وزيادة على الجهل بما يجب على العبد من تعظيم شعائر الله، والوقوف عند حدوده، وعدم تعديها، فإن العلم إنما يراد للعمل، وليس للتحيُّل به على إسقاط ما فرض الله على العبد، وانتهاك حرمات الله، فأين هذا من قول النبي، صلى الله عليه وسلم: (مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ) البخاري 1521 ومسلم 1350، قال ابن حجر: ("لم يفسق" أي: لم يأت بسيئة ولا معصية)
وقوله، صلى الله عليه وسلم: (العُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلا الْجَنَّةُ) البخاري 1773 ومسلم 1349
قال ابن حجر: (قَالَ اِبْن خَالَوَيْهِ: الْمَبْرُور الْمَقْبُول , وَقَالَ غَيْره: الَّذِي لا يُخَالِطهُ شَيْء مِنْ الإِثْم , وَرَجَّحَهُ النَّوَوِيّ , وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: الأَقْوَال الَّتِي ذُكِرَتْ فِي تَفْسِيره مُتَقَارِبَة الْمَعْنَى , وَهِيَ أَنَّهُ الْحَجّ الَّذِي وُفِّيَتْ أَحْكَامه وَوَقَعَ موافقاً لِمَا طُلِبَ مِنْ الْمُكَلَّف عَلَى الْوَجْه الأَكْمَل وَاَللَّه أَعْلَم) .
على أن هنا شبهة، ربما كانت هي التي سببت وقوع بعض الناس في ذلك؛ وهي ظنهم أن الإنسان مخير بين فعل الواجب، أو ترك المحظور، وبين بذل الفدية الواجبة فيه، من صيام، أو صدقة، أو نسك. قال الشيخ ابن عثيمين، بعد ذكر بعض المحظورات، وما فيها من الفدية:
(إن كلامنا هذا فيما يجب على الفاعل، وليس معنى هذا أن الأمر سهل وهين؛ بمعنى أنه إن شاء فعل هذا الشيء وقام بالتكفير والقضاء، وإن شاء لم يفعله، بل الأمر صعب ومحرم، بل هو من الأمور العظيمة؛ حيث يتجرأ على ما حرم عليه؛ فإن الله يقول: (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) البقرة/197
وفي هذه المناسبة أريد أن أنبه.. على مسألة يظن بعض الناس أن الإنسان فيها مخير؛ وهي ترك الواجب والفدية.
يظن بعض الناس أن العلماء لما قالوا: في ترك الواجب دم، أن الإنسان مخير بين أن يفعل هذا الواجب، أو أن يذبح هذا الدم ويوزعه على الفقراء.
مثال ذلك: يقول بعض الناس إذا كان يوم العيد، سوف أطوف وأسعى، وأسافر إلى بلدي، ويبقى علي المبيت في منى، ورمي الجمرات، وهما واجبان من واجبات الحج؛ فأنا أفدي عن كل واحد منها بذبح شاة ... ، والأمر ليس كذلك؛ ولكن إذا وقع، وصدر من الإنسان ترك واجب، فحينئذ تكون الفدية مكفرة له، مع التوبة والاستغفار.) الفتاوى 22/168-169.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4523)
يشترط في الأضحية أن يذبحها مسلم بنية الأضحية
[السُّؤَالُ]
ـ[في منطقة في كندا وربما في أماكن أخرى عندما نذهب للمزارع لنشتري الغنم أو البقر فإنه يذكر لنا سعر الرطل، يعني أنه بعد ذبح الحيوان فإنه يقوم بوزنه ويحاسبنا بمبلغ معين للرطل وهذا يشمل سعر الحيوان وسعر استعمال المكان والتقطيع والتغليف فهل يجوز هذا في الأضحية؟ أم يجب أن نشتري الأضحية أولاً وندفع ثمنها؟ أغلب المزارعين لا يوافقون على هذا لأنهم يخسرون بذلك ثمن الذبح والتقطيع.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يشترط في الأضحية أن تُذبح بنية الأضحية، ولا يجزئ ما ذبح لأجل اللحم.
قال النووي رحمه الله في المجموع (8/380) : والنية شرط لصحة التضحية اهـ.
ولا بأس أن تشتروا الأضحية بالطريقة المذكورة في السؤال، على أن يذبحها العامل بنية الأضحية، هذا إذا كان العامل مسلما، وإلا ذبحها أحدكم، ثم قام العامل بتقطيعها.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (7/494) :
لا يصح أن يوكل في ذبح الأضحية كتابياً، مع أن ذبح الكتابي حلال، لكن لما كان ذبح الأضحية عبادة لم يصح أن يوكل فيه كتابياً، وذلك لأن الكتابي ليس من أهل العبادة والقربة، لأنه كافر لا تقبل عبادته، فإذا كان لا يصح ذلك منه لنفسه فلا يصح منه لغيره، أما لو وكل كتابيا ليذبح له ذبيحة للأكل فلا بأس به اهـ
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4524)
بيع الهدي والسن المجزئة في العقيقة
[السُّؤَالُ]
ـ[1- هل يجوز بيع كبش كان مُهدى للذبح في سبيل الله من أجل الاستفادة من ثمنه لتحسين حالة الأسرة؟
2- هل الكبش الذي عمره أقل من عام يجزئ في العقيقة (كبشان للولد وكبش واحد للبنت) ؟
أرجو الاهتمام والجواب عن هذه الأسئلة لأننا بحاجة إلى الرد. وشكرًا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز بيع جزء من الهدي أو الأضحية، ولا كله إلا لمصلحة الهدي، لأن ما أخرجه الإنسان لله تعالى، فإنه لا يجوز أن يبيع شيئا منه.
قال في المغني: " لا يجوز بيع شيء منها – أي من الهدي -، وإن كان الجازر فقيرا فأعطاه لفقره سوى ما يعطيه أجرة جاز، لأنه مستحق الأخذ منها لفقره لا لأجره فجاز كغيره " [3 / 222] .
وقال الشيخ ابن عثيمين: " ويحرم أن يبيع شيئا من الأضحية لا لحما ولا غيره حتى الجلد، ولا يعطي الجازر شيئا منها في مقابلة الأجرة أو بعضها لأن ذلك بمعنى البيع " [رسالة أحكام الهدي والأضحية]
وقال رحمه الله: " لا يجوز التصرف بها – أي بالأضحية - بما يمنع التضحية بها من بيع وهبة ورهن وغيرها إلا أن يبدلها بخير منها لمصلحة الأضحية، لا لغرض في نفسه، فلو عين شاة أضحية ثم تعلقت بها نفسه لغرض من الأغراض فندم وأبدلها بخير منها ليستبقيها لم يجز له ذلك؛ لأنه رجوع فيما أخرجه لله تعالى لحظ نفسه لا لمصلحة الأضحية "
أما الكبش فهو ذكر الضأن، والأصل أن يبلغ الكبش سنة، حتى يجوز التضحية به، لكن ثبتت السنة بجواز التضحية بالجذع وخصص جمهور العلماء التضحية بالجذع من الضأن لا من المعز، والجذع من الضأن هو ما له ستة أشهر وكلما كان أكبر من الستة أشهر كان أولى لأن من المذاهب من يرى أن الجذع ماله سنة.
ويدل على أن السن المعتبر شرعا هو السنة حديث جابر - رضي الله عنه - مرفوعا: (لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن) [رواه مسلم 1963] وظاهر الحديث أن الجذعة من الضأن لا تجزيء إلا عند تعسر المسنة، لكن حمل الجمهور ذلك على الاستحباب، واستدلوا بما يلي:
1- عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إن الجذع يوفي مما يوفي منه الثني) [رواه النسائي 4383، وأبو داود 2799، وصححه الألباني]
2- عن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: (ضحينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بجذع من الضأن) [رواه النسائي 4382، وقوى إسناده الحافظ في الفتح، وصححه الألباني، وانظر التعليق على زاد المعاد 2 / 317]
واعلم أنه يشترط في العقيقة ما يشترط في الأضحية من كونها سليمة من العيوب ذات سن مجزئة، والدليل على ذلك القياس بجامع أن كليهما نسك.
وبه تعلم أنه يجزئك أن تعق بضأن بلغ ستة أشهر.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4525)
تجزئ أضحية واحدة عن أهل البيت ولو كانوا مئة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تكفي أضحية واحدة عن أهل البيت جميعاً، ولو كان عددهم كثيراً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تكفي أضحية واحدة عن أهل البيت جميعا، مهما كثروا.
روى الترمذي (1505) عن عَطَاء بْن يَسَارٍ قال: سَأَلْتُ أَبَا أَيُّوبَ الأَنْصَارِيَّ كَيْفَ كَانَتْ الضَّحَايَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يُضَحِّي بِالشَّاةِ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَيَأْكُلُونَ وَيُطْعِمُونَ. صححه الألباني في صحيح الترمذي.
قال في "تحفة الأحوذي":
"هذا الحديث نَصٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الشَّاةَ الْوَاحِدَةَ تُجْزِئُ عَنْ الرَّجُلِ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَإِنْ كَانُوا كَثِيرِينَ، وَهُوَ الْحَقُّ.
قَالَ الْحَافِظُ اِبْنُ الْقَيِّمِ فِي "زَادِ الْمَعَادِ": وَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الشَّاةَ تُجْزِئُ عَنْ الرَّجُلِ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَلَوْ كَثُرَ عَدَدُهُمْ.
وقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي "نيْلِ الأوطار": وَالْحَقُّ أَنَّ الشَّاةَ الْوَاحِدَةَ تُجْزِئُ عَنْ أَهْلِ الْبَيْتِ , وَإِنْ كَانُوا مِائَةَ نَفْسٍ أَوْ أَكْثَرَ كَمَا قَضَتْ بِذَلِكَ السُّنَّةُ " انتهى باختصار.
وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (5/275) :
" التشريك في الثواب لا حصر له، فها هو النبي صلى الله عليه وسلم ضحى عن كل أمته، وها هو الرجل يضحي بالشاة الواحدة عنه وعن أهل بيته، ولو كانوا مئة " انتهى.
وسئلت اللجنة الدائمة: هذه العائلة تتكون من اثنين وعشرين فرداً، والدخل واحد، والمصروف واحد، وفي عيد الأضحى المبارك يضحون بضحية واحدة، فلا أدري هل هي تجزئ أم أنه يلزمهم ضحيتان؟
فأجابت:
" إذا كانت العائلة كثيرة، وهي في بيت واحد، فيجزئ عنهم أضحية واحدة، وإن ضحوا بأكثر من واحدة فهو أفضل " انتهى.
فتاوى اللجنة الدائمة" (11/408) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4526)
تكفي أضحية واحدة عن أهل البيت جميعاً
[السُّؤَالُ]
ـ[أعيش أنا وزوجتي مع أبي، فهل تجزئ أضحية واحدة عنا جميعاً أم علينا أضحيتان؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تكفيكم أضحية واحدة، لأن السُّنَّة وردت بإجزاء الأضحية الواحدة عن الرجل وأهل بيته.
روى الترمذي (1505) عن عَطَاء بْن يَسَارٍ قال: سَأَلْتُ أَبَا أَيُّوبَ الأَنْصَارِيَّ كَيْفَ كَانَتْ الضَّحَايَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يُضَحِّي بِالشَّاةِ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَيَأْكُلُونَ وَيُطْعِمُونَ. صححه الألباني في صحيح الترمذي.
وسئلت اللجنة الدائمة: إذا كانت زوجتي مع والدي في بيت واحد، فهل يكفي في عيد الضحية ذبيحة واحدة عيداً لي ولوالدي أم لا؟
فأجابت:
" إذا كان الواقع كما ذكرت من وجود والد وولده في بيت واحد كفى عنك وعن أبيك وزوجتك وزوجة أبيك وأهل بيتكما أضحية واحدة في أداء السُّنَّة " انتهى.
فتاوى اللجنة الدائمة" (11/404) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4527)
الاشتراك في الأضحية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الاشتراك في الأضحية، وكم عدد المسلمين الذين يشتركون في الأضحية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز الاشتراك في الأضحية إذا كانت من الإبل أو البقر، أما الشاة فلا يجوز الاشتراك فيها.
ويجوز أن يشترك سبعة أشخاص في واحدة من البقر أو الإبل.
وقد ثبت اشتراك الصحابة رضي الله عنه في الهدي، السبعة في بعير أو بقرة في الحج والعمرة.
روى مسلم (1318) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ: نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ.
وفي رواية: عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَجَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَحَرْنَا الْبَعِيرَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ.
وروى أبو داود (2808) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْجَزُورُ - أي: البعير - عَنْ سَبْعَةٍ) . صححه الألباني في صحيح أبي داود.
قال النووي في "شرح مسلم":
" فِي هَذِهِ الأَحَادِيث دَلالَة لِجَوَازِ الِاشْتِرَاك فِي الْهَدْي , وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الشَّاة لا يَجُوز الاشْتِرَاك فِيهَا. وَفِي هَذِهِ الأَحَادِيث أَنَّ الْبَدَنَة تُجْزِئ عَنْ سَبْعَة , وَالْبَقَرَة عَنْ سَبْعَة , وَتَقُوم كُلّ وَاحِدَة مَقَام سَبْع شِيَاه , حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَى الْمُحْرِم سَبْعَة دِمَاء بِغَيْرِ جَزَاء الصَّيْد , وَذَبَحَ عَنْهَا بَدَنَة أَوْ بَقَرَة أَجْزَأَهُ عَنْ الْجَمِيع " انتهى باختصار.
وسئلت اللجنة الدائمة عن الاشتراك في الأضحية، فأجابت:
" تجزئ البدنة والبقرة عن سبعة، سواء كانوا من أهل بيت واحد أو من بيوت متفرقين، وسواء كان بينهم قرابة أو لا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن للصحابة في الاشتراك في البدنة والبقرة كل سبعة في واحدة، ولم يفصل ذلك " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (11/401) .
وقال الشيخ ابن عثيمين في "أحكام الأضحية":
" وتجزئ الواحدة من الغنم عن الشخص الواحد، ويجزئ سُبْع البعير أو البقرة عما تجزئ عنه الواحدة من الغنم " انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4528)
الأفضل في الأضحية الإبل ثم البقر ثم الغنم ثم الاشتراك
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الأفضل في الأضحية، أن أذبح شاة أم أشترك في بقرة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" أفضل الأضاحي: البدنة (البعير) , ثم البقرة , ثم الشاة , ثم شِرْكٌ (اشتراك) في بقرة. وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي. لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الجمعة: (مَنْ راح في الساعة الأولى فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً) رواه البخاري (881) ومسلم (850) .
ولأنه ذبح يتقرب به إلى الله تعالى , فكانت البدنة فيه أفضل , كالهدي.
والشاة أفضل من شِرْكٌ (أي: الاشتراك) في بدنة ; لأن إراقة الدم مقصودة في الأضحية , والمنفرد يتقرب بإراقته كله. والكبش أفضل الغنم ; لأنه أضحية النبي صلى الله عليه وسلم وهو أطيب لحما " انتهى من "المغني" باختصار (13/366) .
وسئلت اللجنة الدائمة: أيهما أفضل في الأضحية: الكبش أم البقر؟
فأجابت:
" أفضل الأضاحي البدنة، ثم البقرة، ثم الشاة، ثم شرك في بدنة - ناقة أو بقرة -؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في الجمعة: (مَنْ راح في الساعة الأولى فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً. . . إلخ الحديث) .
ووجه الدلالة من ذلك: وجود المفاضلة في التقرب إلى الله بين الإبل والبقر والغنم، ولا شك أن الأضحية من أعظم القرب إلى الله تعالى، ولأن البدنة أكثر ثمناً ولحماً ونفعاً، وبهذا قال الأئمة الثلاثة أبو حنيفة، والشافعي، وأحمد. وقال مالك: الأفضل الجذع من الضأن، ثم البقرة، ثم البدنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين، وهو صلى الله عليه وسلم لا يفعل إلا الأفضل.
والجواب عن ذلك: أن يقال: إنه صلى الله عليه وسلم قد يختار غير الأولى رفقاً بالأمة؛ لأنهم يتأسون به، ولا يحب صلى الله عليه وسلم أن يشق عليهم، وقد بين فضل البدنة على البقر والغنم كما سبق. والله أعلم " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (11/398) .
وقال الشيخ ابن عثيمين في "أحكام الأضحية":
" الأفضل من الأضاحي: الإبل، ثم البقر إن ضحى بها كاملة، ثم الضأن، ثم المعز، ثم سُبْع البدنة، ثم سبع البقرة " انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4529)
له زوجتان، فهل يذبح أضحيتين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لي زوجتان، كل منهما تسكن في بيت مستقل عن الأخرى، فهل تكفيني أضحية واحدة أم لا بد من أضحيتين؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تكفيك أضحية واحدة، فقد سبق في جواب السؤال (45916) أن أضحية واحدة تكفي الرجل وأهل بيته ولو كانوا مئة، وقد ضحى النبي صلى الله عليه وسلم عنه وعن آله بشاة واحدة، وتوفي الرسول صلى الله عليه وسلم عن تسع من النساء.
قال القرطبي:
" لَمْ يُنْقَل أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ كُلّ وَاحِدَة مِنْ نِسَائِهِ بِأُضْحِيَّةٍ مَعَ تَكْرَار سِنِي الضَّحَايَا، وَمَعَ تَعَدُّدهنَّ , وَالْعَادَة تَقْضِي بِنَقْلِ ذَلِكَ لَوْ وَقَعَ، كَمَا نُقِلَ غَيْر ذَلِكَ مِنْ الْجُزْئِيَّات , وَيُؤَيِّدهُ مَا أَخْرَجَهُ مَالِك وَابْن مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيّ وَصَحَّحَهُ مِنْ طَرِيق عَطَاء بْن يَسَار: سَأَلْت أَبَا أَيُّوب: كَيْف كَانَتْ الضَّحَايَا عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: (كَانَ الرَّجُل يُضَحِّي بِالشَّاةِ عَنْهُ وَعَنْ أَهْل بَيْته , فَيَأْكُلُونَ وَيُطْعِمُونَ) انتهى من "فتح الباري". والحديث صححه الألباني في "صحيح الترمذي".
وقد روى البخاري (7210) عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هِشَامٍ رضي الله عنه وَكَانَ قَدْ أَدْرَكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَهَبَتْ بِهِ أُمُّهُ زَيْنَبُ بِنْتُ حُمَيْدٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَايِعْهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هُوَ صَغِيرٌ، فَمَسَحَ رَأْسَهُ، وَدَعَا لَهُ، وَكَانَ يُضَحِّي بِالشَّاةِ الْوَاحِدَةِ عَنْ جَمِيعِ أَهْلِهِ.
قال الحافظ:
" (وَكَانَ يُضَحِّي بِالشَّاةِ الْوَاحِدَة عَنْ جَمِيع أَهْله) هُوَ عَبْد اللَّه بْن هِشَام الْمَذْكُور " انتهى.
وقد سئلت اللجنة الدائمة:
يوجد لي بيتان يبعدان عن بعضها حوالي 15 كم، وأريد أن أضحي. فهل أذبح عند كل بيت أضحية، أم أذبحها في بيت واحد؟
فأجابت:
" يجزئ عنك أضحية واحدة لبيتيك مادام أن صاحبها واحد، وإن ذبحت في كل واحد من البيتين أضحية مستقلة فهو أفضل " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (11/407) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4530)
يجوز الاشتراك في الأضحية ولو كان بعضهم يريد اللحم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الاشتراك في الأضحية ?، مع العلم أن بعض المشتركين لا ينوي الأضحية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سبق في جواب السؤال رقم (45757) أنه يجوز أن يشترك السبعة في البعير أو البقرة، أما الشاة فلا يجوز الاشتراك فيها.
ويجوز الاشتراك في البقرة أو البعير ولو كان بعض المشتركين لا يريد الأضحية، بل يريد اللحم ليأكله أو ليبيعه أو غير ذلك.
قال النووي في "المجموع" (8/372) :
" يجوز أن يشترك سبعة في بدنة أو بقرة للتضحية , سواء كانوا كلهم أهل بيت واحد أو متفرقين , أو بعضهم يريد اللحم، فيجزئ عن المتقرب , وسواء أكان أضحية منذورة أم تطوعا , هذا مذهبنا وبه قال أحمد وجماهير العلماء " انتهى.
وقال ابن قدامة في "المغني" (13/363) :
" وتجزئ البدنة عن سبعة , وكذلك البقرة، وهذا قول أكثر أهل العلم. . ثم ذكر بعض الأحاديث الدالة على هذا ثم قال:
إذا ثبت هذا , فسواء كان المشتركون من أهل بيت , أو لم يكونوا , مفترضين أو متطوعين، أو كان بعضهم يريد القربة وبعضهم يريد اللحم ; لأن كل إنسان منهم إنما يجزئ عنه نصيبه , فلا تضره نية غيره " انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4531)
هل يجوز أن يضحي ببهيمة خنثى؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الأضحية بذبيحة خنثى؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا مانع من التضحية بالخنثى، إلا إذا كان ذلك يضر باللحم.
وقد بيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم العيوب التي تمنع الإجزاء في الأضحية، وهي: العور البيِّن، والمرض البيِّن، والعرج البيِّن، والهزال الذي يزيل المخ.
ويقاس على هذه العيوب ما كان مثلها أو أشد، كالعيماء والعاجزة عن المشي، ومقطوعة اليد أو الرجل ... وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (36755) .
والذي يظهر أن الخنثى لا تلحق بهذه العيوب، إلا إذا كان هذا يوجب نوعاً من الضرر في لحمها.
وقد سئل النووي رحمه الله عن التضحية ببقرة خنثى فأفتى بالجواز، نقله عنه في "مواهب الجليل" (3/239) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4532)
السن الواجب مراعاته في الأضحية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك سن معين للأضحية؟ وهل يجوز ذبح البقر أضحية وعمره سنة ونصف؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
اتفق العلماء رحمهم الله على أن الشرع قد ورد بتحديد سِنٍّ في الأضحية لا يجوز ذبح أقل منه، ومن ذبح أقل منه فلا تجزئ أضحيته.
انظر: "المجموع" (1/176) للنووي.
وقد وردت أحاديث تدل على ذلك:
فمنها: ما رواه البخاري (5556) ومسلم (1961) عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: ضَحَّى خَالٌ لِي يُقَالُ لَهُ أَبُو بُرْدَةَ قَبْلَ الصَّلاةِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (شَاتُكَ شَاةُ لَحْمٍ) . فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ عِنْدِي دَاجِنًا جَذَعَةً مِنْ الْمَعَزِ. وفي رواية: (عَنَاقاً جَذَعَةً) . وفي رواية للبخاري (5563) (فَإِنَّ عِنْدِي جَذَعَةً هِيَ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّتَيْنِ آذْبَحُهَا؟) قَالَ: (اذْبَحْهَا، وَلَنْ تَصْلُحَ لِغَيْرِكَ) وفي رواية: (لا تُجْزِئ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ) . ثُمَّ قَالَ: (مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاةِ فَإِنَّمَا يَذْبَحُ لِنَفْسِهِ، وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلاةِ فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ، وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ) .
ففي هذا الحديث أن الجذعة من المعز لا تجزئ في الأضحية، وسيأتي معنى الجذعة.
قال ابن القيم في "تهذيب السنن":
قَوْله: (وَلَنْ تُجْزِئ عَنْ أَحَد بَعْدك) وَهَذَا قَطْعًا يَنْفِي أَنْ تَكُون مُجْزِئَة عَنْ أَحَد بَعْده " انتهى.
ومنها: ما رواه مسلم (1963) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا تَذْبَحُوا إِلا مُسِنَّةً إِلا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنْ الضَّأْنِ) .
ففي هذا الحديث أيضاً التصريح بأنه لا بد من ذبح مسنة، إلا في الضأن فيجزئ الجذعة.
قال النووي في "شرح مسلم":
" قَالَ الْعُلَمَاء: الْمُسِنَّة هِيَ الثَّنِيَّة مِنْ كُلّ شَيْء مِنْ الإِبِل وَالْبَقَر وَالْغَنَم فَمَا فَوْقهَا , وَهَذَا تَصْرِيح بِأَنَّهُ لا يَجُوز الْجَذَع مِنْ غَيْر الضَّأْن فِي حَال مِنْ الأَحْوَال " انتهى.
وقال الحافظ في "التلخيص" (4/285) :
" ظاهر الحديث يقتضي أن الجذع من الضأن لا يجزئ إلا إذا عجز عن المسنة , والإجماع على خلافه , فيجب تأويله بأن يحمل على الأفضل , وتقديره: المستحب ألا يذبحوا إلا مسنة " انتهى.
وكذا قال النووي في "شرح مسلم".
وقال في "عون المعبود":
" هذا التَّأْوِيل هُوَ الْمُتَعَيِّن " انتهى.
ثم ذكر بعض الأحاديث الواردة والدالة على جواز الجذع من الضأن في الأضحية، ومنها حديث عُقْبَة بْن عَامِر رضي الله عنه قال: (ضَحَّيْنَا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجِذَعٍ مِنْ الضَّأْن) أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ (4382) . قَالَ الْحَافِظ سَنَده قَوِيّ وصححه الألباني في صحيح النسائي.
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (5/83) في ذكر شروط الأضحية:
" الشرط الثاني: أن تبلغ سن التضحية , بأن تكون ثنية أو فوق الثنية من الإبل والبقر والمعز , وجذعة أو فوق الجذعة من الضأن , فلا تجزئ التضحية بما دون الثنية من غير الضأن , ولا بما دون الجذعة من الضأن. . . وهذا الشرط متفق عليه بين الفقهاء , ولكنهم اختلفوا في تفسير الثنية والجذعة " انتهى.
وقال ابن عبد البر رحمه الله:
" لا أعلم خلافاً أن الجذع من المعز ومن كل شيء يضحى به غير الضأن لا يجوز، وإنما يجوز من ذلك كله الثني فصاعداً، ويجوز الجذع من الضأن بالسنة المسنونة " انتهى من "ترتيب التمهيد" (10/267) .
قال النووي في "المجموع" (8/366) :
" أجمعت الأمة على أنه لا يجزئ من الإبل والبقر والمعز إلا الثني , ولا من الضأن إلا الجذع , وأنه يجزئ هذه المذكورات إلا ما حكاه بعض أصحابنا ابن عمر والزهري أنه قال: لا يجزئ الجذع من الضأن. وعن عطاء والأوزاعي أنه يجزئ الجذع من الإبل والبقر والمعز والضأن " انتهى.
ثانياً:
وأما السن المشترط في الأضحية بالتحديد فقد اختلف في ذلك الأئمة:
فالجذع من الضأن: ما أتم ستة أشهر عند الحنفية والحنابلة، وعند المالكية والشافعية ما أتم سنة.
والمسنة (الثني) من المعز: ما أتم سنة عند الحنفية والمالكية والحنابلة، وعند الشافعية ما أتم سنتين.
والمسنة من البقر: ما أتم سنتين عند الحنفية والشافعية والحنابلة، وعند المالكية ما أتم ثلاث سنوات.
والمسنة من الإبل: ما أتم خمس سنوات عند الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة.
انظر: "بدائع الصنائع" (5/70) ، "البحر الرائق" (8/202) ، "التاج والإكليل" (4/363) ، "شرح مختصر خليل" (3/34) ، "المجموع" (8/365) ، "المغني" (13/368) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في " أحكام الأضحية":
" فالثني من الإبل: ما تم له خمس سنين، والثني من البقر: ما تم له سنتان. والثني من الغنم: ما تم له سنة، والجذع: ما تم له نصف سنة، فلا تصح التضحية بما دون الثني من الإبل والبقر والمعز، ولا بما دون الجذع من الضأن " انتهى.
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (11/377) :
" دلت الأدلة الشرعية على أنه يجزئ من الضأن ما تم ستة أشهر، ومن المعز ما تم له سنة، ومن البقر ما تم له سنتان، ومن الإبل ما تم له خمس سنين، وما كان دون ذلك فلا يجزئ هدياً ولا أضحية، وهذا هو المستيسر من الهدي؛ لأن الأدلة من الكتاب والسنة يفسر بعضها بعضاً " انتهى.
وقال الكاساني في "بدائع الصنائع" (5/70) :
" وتقدير هذه الأسنان بما قلنا لمنع النقصان لا لمنع الزيادة ; حتى لو ضحى بأقل من ذلك سِنًّا لا يجوز، ولو ضحى بأكثر من ذلك سِنًّا يجوز، ويكون أفضل , ولا يجوز في الأضحية حَمَل ولا جدي ولا عجل ولا فصيل ; لأن الشرع إنما ورد بالأسنان التي ذكرناها وهذه لا تسمى بها " انتهى.
فتبين بذلك أن ذبح البقر وهو دون السنتين لا يجزئ عن أحد من الأئمة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4533)
هل يستدين لشراء الأضحية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجب الاستدانة من أجل شراء الأضحية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سبق في جواب السؤال (36432) ذكر اختلاف العلماء في حكم الأضحية، وهل هي واجبة أم مستحبة.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله:
" ولم يرد في الأدلة الشرعية ما يدل على وجوبها، والقول بالوجوب قول ضعيف " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (18/36) .
ثم الذين قالوا بوجوبها اشترطوا لوجوبها الغنى.
انظر حاشية ابن عابدين (9/452) .
فعلى القولين جميعاً – القول بالوجوب والقول بالاستحباب – لا يجب الاستدانة من أجل شراء الأضحية، لأنها ليست واجبة على غير الغني باتفاق العلماء.
ثم بقي السؤال: هل يستحب أن يقترض أم لا؟
والجواب: أنه يستحب أن يقترض إذا كان يرجو وفاء، كما لو كان موظفاً واقترض حتى يأخذ راتبه آخر الشهر، أما إذا كان لا يرجو الوفاء فالأولى له عدم الاقتراض، لأنه يشغل ذمته بهذا الدَّيْن في شيء غير واجب عليه.
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عمن لا يقدر على الأضحية، هل يستدين؟
فأجاب:
" إن كان له وفاء فاستدان ما يضحي به فحسن، ولا يجب عليه أن يفعل ذلك " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (26/305) .
هذا، وشيخ الإسلام رحمه الله يقول بوجوبها.
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: هل تجب الأضحية على غير القادر؟ وهل يجوز أخذ الأضحية دَيْناً على الراتب؟
فأجاب:
" الأضحية سنة وليست واجبة. . . ولا حرج أن يستدين المسلم ليضحي إذا كان عنده القدرة على الوفاء " انتهى.
"فتاوى ابن باز" (1/37) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4534)
لا تجزئ أضحية الوالد عن ولده إذا كان يعيش في بيت مستقل
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تجزئ الأضحية من والدي عني وعن أهلي، مع العلم أنني أعيش في بيت مستقل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المشروع أن يضحي كل أهل بيت بأضحية عنهم.
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: عن رجل متزوج ويسكن في مدينة غير المدينة التي يسكن فيها والده، فهل تجزئ أضحية والده عنه وعن أولاده؟
فأجاب:
" إذا كنت في بيت مستقل أيها السائل فإنه يشرع لك أن تضحي عنك وعن أهل بيتك، ولا تكفي عنك أضحية والدك، عنه وعن أهل بيته، لأنك لست معهم في البيت، بل أنت في بيت مستقل " انتهى.
وسئلت اللجنة الدائمة:
يوجد لدي أسرتان، وكل أسرة ساكنة في بيت مستقل بها، وكل بيت يبعد عن الآخر بحوالي (200 متر) ، وهي أسرتي وأسرة والدي، مع العلم أن والدي على قيد الحياة. وسؤالي هو: هل يجوز لنا أن نضحي أنا ووالدي عن البيتين بضحية واحدة من الماعز أم لا؟
فأجابت:
" المشروع أن يضحي أهل كل بيت بأضحية خاصة بهم " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (11/406) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4535)
إذا تعيبت الأضحية بعد تعيينها
[السُّؤَالُ]
ـ[اشتريت أضحية، وعند ذبحها قفزت من فوق السطح، فأدركناها وذبحناها قبل أن تموت، فهل تكون أضحية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إذا عيَّن الإنسان الأضحية، ثم حصل لها عيب من غير تعدٍّ منه ولا تفريط، ثم ذبحها في وقت الذبح، فإنها تجزئ، وتكون أضحية.
قال ابن قدامة رحمه الله في " المغني" (13/373) :
" إذا أوجب أضحية صحيحة سليمة من العيوب , ثم حدث بها عيب يمنع الإجزاء , ذبحها , وأجزأته. روي هذا عن عطاء والحسن والنخعي والزهري والثوري ومالك والشافعي وإسحاق " انتهى.
ودليل ذلك:
ما رواه البيهقي عن ابن الزبير رضي الله عنه أنه أُتِي في هداياه بناقة عوراء، فقال: (إن كان أصابها بعد ما اشتريتموها فأمضوها، وإن كان أصابها قبل أن تشتروها فأبدلوها) . قال النووي في "المجموع" (8/328) : إسناده صحيح.
وقال الشيخ ابن عثيمين في رسالة " أحكام الأضحية" في ذكر الأحكام المترتبة على تعيين الأضحية:
قال: " إذا تعيبت عيباً يمنع من الإجزاء فلها حالان:
إحداهما: أن يكون ذلك بفعله أو تفريطه فيجب عليه إبدالها بمثلها على صفتها أو أكمل؛ لأن تعيبها بسببه فلزمه ضمانها بمثلها يذبحه بدلاً عنها، وتكون المعيبة ملكاً له على القول الصحيح يصنع فيها ما شاء من بيع وغيره.
الثانية: أن يكون تعيبها بدون فعل منه ولا تفريط فيذبحها وتجزئه، لأنها أمانة عنده وقد تعيبت بدون فعل منه ولا تفريط فلا حرج عليه ولا ضمان " انتهى.
ثانياً:
بماذا يحصل تعيين الأضحية؟
يحصل تعيين الأضحية بالقول، كما لو قال: هذه أضحية.
وأما شراؤها بنية الأضحية، فقد ذهب إلى أنها تتعين بذلك أبو حنيفة ومالك رحمها الله، وذهب الشافعي وأحمد إلى أنها لا تتعين بذلك.
وقد اختار علماء اللجنة الدائمة أنها تتعين بالشراء بنية الأضحية.
فجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/402) :
" الأضحية تتعين بشرائها بنية الأضحية أو بتعيينها " انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (26/304) :
" وأما إذا اشترى أضحية فتعيبت قبل الذبح، ذبحها في أحد قولي العلماء " انتهى.
فعلى هذا؛ إذا كنتم قد اشتريتم هذه الشاة بنية الأضحية وتعيبت بدون تَعَدٍّ منكم ولا تفريط فإنها تجزئ أضحية، إن شاء الله تعالى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4536)
الخروف المقطوع الألية لا يصلح أضحية
[السُّؤَالُ]
ـ[الخروف المقطوع الذيل (الإلية) من صغر، بقصد أن تعم السمنة جسده، هل يجزئ للأضحية والعقيقة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجزئ في الأضحية ولا في الهدايا ولا العقيقة مقطوع الذيل (الإلية) ؛ لما روى أمير المؤمنين علي رضي الله عنه قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن، ولا نضحي بعوراء ولا مقابلة، ولا مدابرة، ولا خرقاء، ولا شرقاء) أخرجه أحمد 2/210 برقم (851) والأربعة، وصححه الترمذي وابن حبان.
والمقابلة: ما قطع من طرف أذنها شيء وبقي معلقاً.
والخرقاء: مخروقة الأذن.
والشرقاء: مشقوقة الأذن.
هذا كله إذا كان مقطوعاً، أما إذا كان الخروف لم يخلق له ذيل أصلاً فإنه في حكم الجماء والصمعاء، والحكم في ذلك هو الإجزاء.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء(5/4537)
ماذا يقول عند ذبح الأضحية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك دعاء معين أدعو به عند ذبح الأضحية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
السنة لمن أراد أن يذبح الأضحية أن يقول عند الذبح:
بسم الله، والله أكبر، اللهم هذا منك ولك، هذا عني (وإن كان يذبح أضحية غيره قال: هذا عن فلان) اللهم تقبل من فلان وآل فلان (ويسمي نفسه) .
والواجب من هذا هو التسمية، وما زاد على ذلك فهو مستحب وليس بواجب.
روى البخاري (5565) ومسلم (1966) عَنْ أَنَسٍ قَالَ: ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ وَسَمَّى وَكَبَّرَ وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا.
وروى مسلم (1967) عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِكَبْشٍ أَقْرَنَ فَأُتِيَ بِهِ لِيُضَحِّيَ بِهِ فَقَالَ لَهَا يَا عَائِشَةُ هَلُمِّي الْمُدْيَةَ (يعني السكين) ثُمَّ قَالَ اشْحَذِيهَا بِحَجَرٍ فَفَعَلَتْ ثُمَّ أَخَذَهَا وَأَخَذَ الْكَبْشَ فَأَضْجَعَهُ ثُمَّ ذَبَحَهُ ثُمَّ قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ثُمَّ ضَحَّى بِهِ.
وروى الترمذي (1521) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأَضْحَى بِالْمُصَلَّى فَلَمَّا قَضَى خُطْبَتَهُ نَزَلَ عَنْ مِنْبَرِهِ فَأُتِيَ بِكَبْشٍ فَذَبَحَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ وَقَالَ بِسْمِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ هَذَا عَنِّي وَعَمَّنْ لَمْ يُضَحِّ مِنْ أُمَّتِي. صححه الألباني في صحيح الترمذي.
وجاء في بعض الروايات زيادة " اللهم إن هذا منك ولك ". انظر: إرواء الغليل (1138) ، (1152) .
(اللَّهُمَّ مِنْك) : أَيْ هَذِهِ الأُضْحِيَّة عَطِيَّة ورزق وصل إِلَيَّ مِنْك (وَلَك) : أَيْ خَالِصَة لَك.
انظر: الشرح الممتع (7/492) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4538)
شروط الأضحية
[السُّؤَالُ]
ـ[نويت أن أضحي عن نفسي وأولادي، فهل هناك مواصفات معينة في الأضحية؟ أم أنه يصح أن أضحي بأي شاة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يشترط للأضحية ستة شروط:
أحدها:
أن تكون من بهيمة الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم ضأنها ومعزها لقوله تعالى: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ الاَْنْعَمِ) وبهيمة الأنعام هي الإبل، والبقر، والغنم هذا هو المعروف عند العرب، وقاله الحسن وقتادة وغير واحد.
الثاني:
أن تبلغ السن المحدود شرعاً بأن تكون جذعة من الضأن، أو ثنية من غيره لقوله صلى الله عليه وسلّم: " لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن ". رواه مسلم.
والمسنة: الثنية فما فوقها، والجذعة ما دون ذلك.
فالثني من الإبل: ما تم له خمس سنين.
والثني من البقر: ما تم له سنتان.
والثني من الغنم ما تم له سنة.
والجذع: ما تم له نصف سنة، فلا تصح التضحية بما دون الثني من الإبل والبقر والمعز، ولا بما دون الجذع من الضأن.
الثالث:
أن تكون خالية من العيوب المانعة من الإجزاء وهي أربعة:
1 ـ العور البين: وهو الذي تنخسف به العين، أو تبرز حتى تكون كالزر، أو تبيض ابيضاضاً يدل دلالة بينة على عورها.
2 ـ المرض البين: وهو الذي تظهر أعراضه على البهيمة كالحمى التي تقعدها عن المرعى وتمنع شهيتها، والجرب الظاهر المفسد للحمها أو المؤثر في صحته، والجرح العميق المؤثر عليها في صحتها ونحوه.
3 ـ العرج البين: وهو الذي يمنع البهيمة من مسايرة السليمة في ممشاها.
4 ـ الهزال المزيل للمخ: لقول النبي صلى الله عليه وسلّم حين سئل ماذا يتقي من الضحايا فأشار بيده وقال: " أربعاً: العرجاء البين ظلعها، والعوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعجفاء التي لا تنقى ". رواه مالك في الموطأ من حديث البراء بن عازب، وفي رواية في السنن عنه رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال: " أربع لا تجوز في الأضاحي " وذكر نحوه. صححه الألباني من إرواء الغليل (1148)
فهذه العيوب الأربعة مانعة من إجزاء الأضحية، ويلحق بها ما كان مثلها أو أشد، فلا تجزىء الأضحية بما يأتي:
1 ـ العمياء التي لا تبصر بعينيها.
2 ـ المبشومة (التي أكلت فوق طاقتها حتى امتلأت) حتى تثلط ويزول عنها الخطر.
3 ـ المتولدة إذا تعسرت ولادتها حتى يزول عنها الخطر.
4 ـ المصابة بما يميتها من خنق وسقوط من علو ونحوه حتى يزول عنها الخطر.
5 ـ الزمنى وهي العاجزة عن المشي لعاهة.
6 ـ مقطوعة إحدى اليدين أو الرجلين.
فإذا ضممت ذلك إلى العيوب الأربعة المنصوص عليها صار ما لا يضحى به عشرة. هذه الستة وما تعيب بالعيوب الأربعة السابقة.
الشرط الرابع:
أن تكون ملكاً للمضحي، أو مأذوناً له فيها من قبل الشرع، أو من قبل المالك فلا تصح التضحية بما لا يملكه كالمغصوب والمسروق والمأخوذ بدعوى باطلة ونحوه؛ لأنه لا يصح التقرب إلى الله بمعصيته. وتصح تضحية ولي اليتيم له من ماله إذا جرت به العادة وكان ينكسر قلبه بعدم الأضحية.
وتصح تضحية الوكيل من مال موكله بإذنه.
الشرط الخامس:
أن لا يتعلق بها حق للغير فلا تصح التضحية بالمرهون.
الشرط السادس:
أن يضحي بها في الوقت المحدود شرعاً وهو من بعد صلاة العيد يوم النحر إلى غروب الشمس من آخر يوم من أيام التشريق وهو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة، فتكون أيام الذبح أربعة: يوم العيد بعد الصلاة، وثلاثة أيام بعده، فمن ذبح قبل فراغ صلاة العيد، أو بعد غروب الشمس يوم الثالث عشر لم تصح أضحيته؛ لما روى البخاري عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: " من ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم قدمه لأهله وليس من النسك في شيء ". وروى عن جندب بن سفيان البجلي رضي الله عنه قال: شهدت النبي صلى الله عليه وسلّم قال: " من ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى ". وعن نبيشة الهذلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: " أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل " رواه مسلم. لكن لو حصل له عذر بالتأخير عن أيام التشريق مثل أن تهرب الأضحية بغير تفريط منه فلم يجدها إلا بعد فوات الوقت، أو يوكل من يذبحها فينسى الوكيل حتى يخرج الوقت فلا بأس أن تذبح بعد خروج الوقت للعذر، وقياساً على من نام عن صلاة أو نسيها فإنه يصليها إذا استيقظ أو ذكرها.
ويجوز ذبح الأضحية في الوقت ليلاً ونهارا ً، والذبح في النهار أولى، ويوم العيد بعد الخطبتين أفضل، وكل يوم أفضل مما يليه؛ لما فيه من المبادرة إلى فعل الخير.
[الْمَصْدَرُ]
انتهى من رسالة أحكام الأضحية والذكاة للشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله(5/4539)
فيما يجتنبه من أراد الأضحية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لمن أراد أن يضحي أن يقص شعره وأظفاره؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله:
" إذا أراد أحد أن يضحي ودخل شهر ذي الحجة إما برؤية هلاله، أو إكمال ذي القعدة ثلاثين يوماً فإنه يحرم عليه أن يأخذ شيئاً من شعره، أو أظفاره أو جلده حتى يذبح أضحيته لحديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: " إذا رأيتم هلال ذي الحجة، وفي لفظ: " إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره ". رواه أحمد ومسلم، وفي لفظ: " فلا يأخذ من شعره وأظفاره شيئاً حتى يضحي "، وفي لفظ: " فلا يمس من شعره ولا بشره شيئاً ".
وإذا نوى الأضحية أثناء العشر أمسك عن ذلك من حين نيته ولا إثم عليه فيما أخذه قبل النية.
والحكمة في هذا النهي أن المضحي لما شارك الحاج في بعض أعمال النسك وهو التقرب إلى الله تعالى بذبح القربان شاركه في بعض خصائص الإحرام من الإمساك عن الشعر ونحوه.
وهذا حكم خاص بمن يضحي، أما من يضحى عنه فلا يتعلق به؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: " وأراد أحدكم أن يضحي " ولم يقل أو يضحى عنه؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلّم كان يضحي عن أهل بيته ولم ينقل عنه أنه أمرهم بالإمساك عن ذلك.
وعلى هذا فيجوز لأهل المضحي أن يأخذوا في أيام العشر من الشعر والظفر والبشرة.
وإذا أخذ من يريد الأضحية شيئاً من شعره أو ظفره أو بشرته فعليه أن يتوب إلى الله تعالى ولا يعود، ولا كفارة عليه، ولا يمنعه ذلك عن الأضحية كما يظن بعض العوام. وإذا أخذ شيئاً من ذلك ناسياً أو جاهلاً، أو سقط الشعر بلا قصد فلا إثم عليه، وإن احتاج إلى أخذه فله أخذه ولا شيء عليه مثل أن ينكسر ظفره فيؤذيه فيقصه، أو ينزل الشعر في عينيه فيزيله، أو يحتاج إلى قصه لمداواة جرح ونحوه ".
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى إسلامية2/316(5/4540)
الأضحية عن الأموات
[السُّؤَالُ]
ـ[هل أضحي عن والدي المتوفيان؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله:
" الأصل في الأضحية أنها مشروعة في حق الأحياء كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأصحابه يضحون عن أنفسهم وأهليهم، وأما ما يظنه بعض العامة من اختصاص الأضحية بالأموات فلا أصل له.
والأضحية عن الأموات ثلاثة أقسام:
الأول: أن يضحي عنهم تبعاً للأحياء مثل أن يضحي الرجل عنه وعن أهل بيته وينوي بهم الأحياء والأموات، (وهذا جائز) وأصل هذا تضحية النبي صلى الله عليه وسلّم عنه وعن أهل بيته وفيهم من قد مات من قبل.
الثاني: أن يضحي عن الأموات بمقتضى وصاياهم تنفيذاً لها (وهذا واجب إلا إن عجز عن ذلك) وأصل هذا قوله تعالى: (فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَآ إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) .
الثالث: أن يضحي عن الأموات تبرعاً مستقلين عن الأحياء (بأن يذبح لأبيه أضحية مستقلة أو لأمه أضحية مستقلة) فهذه جائزة، وقد نص فقهاء الحنابلة على أن ثوابها يصل إلى الميت وينتفع به قياساً على الصدقة عنه.
ولكن لا نرى أن تخصيص الميت بالأضحية من السنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلّم لم يضح عن أحد من أمواته بخصوصه، فلم يضح عن عمه حمزة وهو من أعز أقاربه عنده، ولا عن أولاده الذين ماتوا في حياته، وهم ثلاث بنات متزوجات، وثلاثة أبناء صغار، ولا عن زوجته خديجة وهي من أحب نسائه إليه، ولم يرد عن أصحابه في عهده أن أحداً منهم ضحى عن أحد من أمواته.
ونرى أيضاً من الخطأ ما يفعله بعض من الناس يضحون عن الميت أول سنة يموت أضحية يسمونها (أضحية الحفرة) ويعتقدون أنه لا يجوز أن يشرك معه في ثوابها أحد، أو يضحون عن أمواتهم تبرعاً، أو بمقتضى وصاياهم ولا يضحون عن أنفسهم وأهليهم، ولو علموا أن الرجل إذا ضحى من ماله عن نفسه وأهله شمل أهله الأحياء والأموات لما عدلوا عنه إلى عملهم ذلك."
[الْمَصْدَرُ]
رسالة أحكام الأضحية والذكاة(5/4541)
ذبح الأضحية أفضل من التصدق بثمنها
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان في بلدي فقراء يفتقرون إلى المال، فهل أتصدق عليهم بثمن الأضحية أم أضحي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ محمد ابن عثيمن رحمه الله:
" ذبح الأضحية أفضل من الصدقة بثمنها؛ لأن ذلك عمل النبي صلى الله عليه وسلّم والمسلمين معه؛ ولأن الذبح من شعائر الله تعالى، فلو عدل الناس عنه إلى الصدقة لتعطلت تلك الشعيرة. ولو كانت الصدقة بثمن الأضحية أفضل من ذبح الأضحية لبينه النبي صلى الله عليه وسلّم لأمته بقوله أو فعله، لأنه لم يكن يدع بيان الخير للأمة، بل لو كانت الصدقة مساوية للأضحية لبينه أيضاً لأنه أسهل من عناء الأضحية ولم يكن صلى الله عليه وسلّم ليدع بيان الأسهل لأمته مع مساواته للأصعب، ولقد أصاب الناس مجاعة في عهد النبي صلى الله عليه وسلّم فقال: «من ضحى منكم فلا يصبحن بعد ثالثة في بيته شيء» .
فلما كان العام المقبل قالوا يا رسول الله نفعل كما فعلنا في العام الماضي فقال النبي صلى الله عليه وسلّم: «كلوا واطعموا وادخروا فإن ذلك العام كان في الناس جهد فأردت أن تعينوا فيها» . متفق عليه.
قال ابن القيم رحمه الله: الذبح في موضعه أفضل من الصدقة بثمنه. قال: ولهذا لو تصدق عن دم المتعة والقِرَان بأضعاف أضعاف القيمة لم يقم مقامه وكذلك الأضحية.
[الْمَصْدَرُ]
انتهى كلامه " رسالة أحكام الأضحية والذكاة(5/4542)
وقت ذبح الأضحية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الوقت الذي تذبح فيه الأضحية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يبدأ وقت ذبح الأضحية من بعد صلاة عيد الأضحى، وينتهي بغروب الشمس من اليوم الثالث عشر من شهر ذي الحجة. أي أن أيام الذبح أربعة: يوم الأضحى وثلاثة أيام بعده.
والأفضل أن يبادر بالذبح بعد صلاة العيد، كما كان يفعل الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم يكون أول ما يأكل يوم العيد من أضحيته.
روى أحمد (22475) عن بُرَيْدَةَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ، وَلا يَأْكُلُ يَوْمَ الأَضْحَى حَتَّى يَرْجِعَ، فَيَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ.
نقل الزيلعي في "نصب الراية" (2/221) عن ابن القطان أنه صححه.
قال ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد" (2/319) :
" قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أيام النحر: يوم النحر، وثلاثة أيام بعده، وهو مذهب إمام أهل البصرة الحسن، وإمام أهل مكة عطاء بن أبي رباح، وإمام أهل الشام الأوزاعي، وإمام فقهاء الحديث الشافعي رحمه الله، واختاره ابن المنذر، ولأن الثلاثة تختص بكونها أيام منى، وأيام الرمي، وأيام التشريق، ويحرم صيامها، فهي إخوة في هذه الأحكام، فكيف تفترق في جواز الذبح بغير نص ولا إجماع، وروي من وجهين مختلفين يشد أحدهما الآخر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كل منى منحر، وكل أيام التشريق ذبح) " انتهى.
والحديث صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2476) .
وقال الشيخ ابن عثيمين في "أحكام الأضحية" عن وقت ذبح الأضحية:
" من بعد صلاة العيد يوم النحر إلى غروب الشمس من آخر يوم من أيام التشريق وهو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة، فتكون أيام الذبح أربعة: يوم العيد بعد الصلاة، وثلاثة أيام بعده، فمن ذبح قبل فراغ صلاة العيد، أو بعد غروب الشمس يوم الثالث عشر لم تصح أضحيته. . . لكن لو حصل له عذر بالتأخير عن أيام التشريق مثل أن تهرب الأضحية بغير تفريط منه فلم يجدها إلا بعد فوات الوقت، أو يوكل من يذبحها فينسى الوكيل حتى يخرج الوقت، فلا بأس أن تذبح بعد خروج الوقت للعذر، وقياساً على من نام عن صلاة أو نسيها فإنه يصليها إذا استيقظ أو ذكرها.
ويجوز ذبح الأضحية في الوقت ليلاً ونهارا ً، والذبح في النهار أولى، ويوم العيد بعد الخطبتين أفضل، وكل يوم أفضل مما يليه؛ لما فيه من المبادرة إلى فعل الخير " انتهى باختصار.
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/406) :
" أيام الذبح لهدي التمتع والقران والأضحية أربعة أيام: يوم العيد وثلاثة أيام بعده، وينتهي الذبح بغروب شمس اليوم الرابع في أصح أقوال أهل العلم " انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4543)
الأفضل في الأضاحي جنساً ووصفاً
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الأفضل في الأضحية، الإبل أم الغنم أم البقر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأفضل من الأضاحي جنساً: الإبل، ثم البقر إن ضحى بها كاملة، ثم الضأن، ثم المعز، ثم سبع البدنة ثم سبع البقرة. والأفضل منها صفة: الأسمن الأكثر لحماً الأكمل خِلقة الأحسن منظراً.
وفي صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم كان يضحي بكبشين أقرنين أملحين.
والكبش: العظيم من الضأن.
والأملح ما خالط بياضه سواد فهو أبيض في سواد.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: ضحى النبي صلى الله عليه وسلّم بكبش أقرن فحيل يأكل في سواد، وينظر في سواد ويمشي في سواد. أخرجه الأربعة، وقال الترمذي: حسن صحيح، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (2796) .
والفحيل: الفحل.
ومعنى يأكل في سواد إلى آخره أن شعر فمه وعينيه وأطرافه أسود.
وعن أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلّم قال: كان النبي صلى الله عليه وسلّم إذا ضحى اشترى كبشين سمينين وفي لفظ: موجوءين. رواه أحمد وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (3122) .
السمين: كثير الشحم واللحم.
والموجوء: الخصي وهو أكمل من الفحل من حيث طيب اللحم غالباً، والفحل أكمل من حيث
تمام الخلقة والأعضاء.
هذا هو الأفضل من الأضاحي جنساً وصفة.
وأما المكروه منها فهي:
1 ـ العضباء: وهي ما قطع من أذنها أو قرنها النصف فأكثر.
2 ـ المقابلة ـ بفتح الباء ـ: وهي التي شقت أذنها عرضاً من الأمام.
3 ـ المدابرة ـ بفتح الباء ـ: وهي التي شقت أذنها عرضاً من الخلف.
4 ـ الشرقاء: وهي التي شقت أذنها طولاً.
5 ـ الخرقاء: وهي التي خرقت أذنها.
6 ـ المُصْفَرَة: وهي التي قطعت أذنها حتى ظهر صماخها، وقيل المهزولة إذا لم تصل إلى حد تفقد فيه المخ.
7 ـ المستأصَلة: وهي التي ذهب قرنها كله.
8 ـ البخقاء: وهي التي بخقت عينها فذهب بصرها وبقيت العين بحالها.
9 ـ المشيَّعة: وهي التي لا تتبع الغنم لضعفها إلا بمن يشيعها فيسوقها لتلحق.
ويصح كسر الياء المشددة، وهي التي تتأخر خلف الغنم لضعفها فتكون كالمشيعة لهن.
هذه هي المكروهات التي وردت الأحاديث بالنهي عن التضحية بما تعيب بها أو الأمر باجتنابها، وحمل ذلك على الكراهة للجمع بينها وبين حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم: ماذا يُتقى من الأضاحي؟ فأشار بيده وقال: " أربعاً: العرجاء البين ضلعها، والعوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعجفاء التي لا تُنقي " رواه مالك في الموطأ.
ويلحق بهذه المكروهات ما كان مثلها فتكره التضحية بما يأتي:
1 ـ البتراء من الإبل والبقر والمعز وهي التي قطع نصف ذنبها فأكثر.
2 ـ ما قطع من أليته أقل من النصف. فإن قطع النصف فأكثر فقال جمهور أهل العلم: لا تجزىء. فأما مفقودة الألية بأصل الخلقة فلا بأس بها.
3 ـ ما قطع ذكره.
4 ـ ما سقط بعض أسنانها ولو كانت الثنايا أو الرباعيات. فإن فقد بأصل الخلقة لم تكره.
5 ـ ما قطع شيء من حلمات ثديها. فإن فقد بأصل الخلقة لم تكره. وإن توقف لبنها مع سلامة ثديها فلا بأس بها.
فإذا ضممت هذه المكروهات الخمس إلى التسع السابقة صارت المكروهات أربع عشرة.
[الْمَصْدَرُ]
المرجع رسالة أحكام الأضحية والذكاة للشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله(5/4544)
الأضحية للميت
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تجوز الأضحية للميت؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أجمع المسلمون مشروعيتها (أي: الأضحية) من حيث الأصل، ويجوز أن يضحى عن الميت؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي والبخاري في الأدب المفرد عن أبي هريرة، وذبح الأضحية عنه من الصدقة الجارية؛ لما يترتب عليها من نفع المضحي والميت وغيرهما.
وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء(5/4545)
هل يجوز إعطاء الكافر من الأضحية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز إعطاء الكافر من الأضحية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ ابن عثيمين:
يجوز للإنسان أن يعطي الكافر من لحم أضحيته صدقة بشرط أن لا يكون هذا الكافر ممن يقتلون المسلمين فإن كان ممن يقتلونهم فلا يعطى شيئاً لقوله تعالى: (لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ) الممتحنة /8-9 اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى الشيخ ابن عثيمين (2/663)(5/4546)
فيمن تجزىء عنه الأضحية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا وزوجتي وأولادي ثمانية أشخاص فهل يكفينا أضحية واحدة أم لكل شخص أضحية؟ فإن كانت تكفي واحدة فهل يجوز أن أشترك أنا وجاري في أضحية واحدة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
تُجزىء الأضحية الواحدة من الغنم عن الرجل وأهل بيته ومن شاء من المسلمين؛ لحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلّم أمر بكبشٍ أقرن يطأ في سواد، ويبرك في سواد، وينظر في سواد فأُتي به ليضحي به فقال لها: " يا عائشة هلمي المدية (أي أعطيني السكين) ففعلت ثم أخذها وأخذ الكبش فأضجعه ثم ذبحه (أي أخذ يستعد لذبحه) ثم قال: بسم الله، اللهم تقبل من محمد، وآل محمد، ومن أمة محمد ثم ضحى به " رواه مسلم
وما بين القوسين تفسير وليس من أصل الحديث.
وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: " كان الرجل في عهد النبي صلى الله عليه وسلّم يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته، فيأكلون ويطعمون ". رواه ابن ماجه والترمذي وصححه. وصححه الألباني في صحيح الترمذي 1216
فإذا ضحى الرجل بالواحدة من الغنم الضأن أو المعز عنه وعن أهل بيته أجزأ عن كل من نواه من أهل بيته من حي وميت، فإن لم ينو شيئاً يعم أو يخص دخل في أهل بيته كل من يشمله هذا اللفظ عرفاً أو لغة، وهو في العرف لمن يعولهم من زوجات وأولاد وأقارب، وفي اللغ ة: لكل قريب له من ذريته وذرية أبيه وذرية جده وذرية جد أبيه.
ويجزىء سبع البعير أو سبع البقر عما تجزئ عنه الواحدة من الغنم، فلو ضحى الرجل بسبع بعير أو بقرة عنه وعن أهل بيته أجزأه ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلّم جعل سبع البدنة والبقرة قائماً مقام الشاة في الهدي فكذلك يكون في الأضحية لعدم الفرق بينها وبين الهدي في هذا.
ثانياً:
لا تجزئ الواحدة من الغنم عن شخصين فأكثر يشتريانها فيضحيان بها؛ لعدم ورود ذلك في الكتاب والسنة، كما لا يجزئ أن يشترك ثمانية فأكثر في بعير أو بقرة (لكن يجوز اشتراك سبعة في بعير أو بقرة) ؛ لأن العبادات توقيفية لا يجوز فيها تعدي المحدود كمية وكيفية، وهذا في غير الاشتراك في الثواب، فقد ورد التشريك فيه بدون حصر كما سبق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4547)
تعريف الأضحية وحكمها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المقصود بالأضحية؟ وهل هي واجبة أم سنة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأضحية: ما يذبح من بهيمة الأنعام أيام عيد الأضحى بسبب العيد تقرباً إلى الله عز وجل.
وهي من شعائر الإسلام المشروعة بكتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلّم، وإجماع المسلمين.
أما الكتاب:
فقوله تعالى:
1- {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} .
2- وقال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى للَّهِ رَبِّ الْعَلَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} . والنسك الذبح، قاله سعيد بن جبير، وقيل جميع العبادات ومنها الذبح، وهو أشمل.
3- وقال تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ الاَْنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُواْ وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ} .
ومن السنة:
1- ما جاء في صحيح البخاري (5558) ومسلم (1966) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «ضحى النبي صلى الله عليه وسلّم بكبشين أملحين ذبحهما بيده وسمى وكبر، وضع رجله على صفاحهما» .
2- وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: «أقام النبي صلى الله عليه وسلّم بالمدينة عشر سنين يضحي» . رواه أحمد (4935) والترمذي (1507) ، وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح (1475)
3- وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم قسم بين أصحابه ضحايا فصارت لعقبة جذعة فقال: يا رسول الله صارت لي جذعة فقال: «ضح بها» رواه البخاري (5547) .
4- وعن البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «من ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين» . رواه البخاري (5545) .
فقد ضحى صلى الله عليه وسلّم وضحى أصحابه رضي الله عنهم، وأخبر أن الأضحية سنة المسلمين يعني طريقتهم.
ولهذا أجمع المسلمون على مشروعيتها، كما نقله غير واحد من أهل العلم.
واختلفوا هل هي سنة مؤكدة، أو واجبة لا يجوز تركها؟
فذهب جمهور العلماء إلى أنها سنة مؤكدة، وهو مذهب الشافعي، ومالك وأحمد في المشهور عنهما.
وذهب آخرون إلى أنها واجبة، وهو مذهب أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن أحمد، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وقال: هو أحد القولين في مذهب مالك، أو ظاهر مذهب مالك." انتهى من رسالة أحكام الأضحية والذكاة لابن عثيمين رحمه الله.
قال الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله: " الأضحية سنة مؤكدة للقادر عليها، فيُضحي الإنسان عن نفسه وأهل بيته " فتاوى ابن عثيمين 2/661.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4548)
اشترى أضحية فولدت
[السُّؤَالُ]
ـ[اشتريت شاة لأضحي بها فولدت قبل الذبح بمدة يسيرة، فماذا أفعل بولدها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأضحية تتعين بشرائها بنية الأضحية أو بتعيينها، فإذا تعينت فولدت قبل وقت ذبحها فاذبح ولدها تبعاً لها.
وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء(5/4549)
التلفظ بالنية عند ذبح الأضحية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز التلفظ بالنية مثلاً لو أردت أن أذبح أضحية لوالدي المتوفى، فأقول: اللهم إنها أضحية والدي فلان، أم أني أعمل الحاجة بدون تلفظ ويكفي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
النية محلها القلب، فيكتفي بما قصده في قلبه، ولا يتلفظ بالنية، وعليه بالتسمية والتكبير عند الذبح؛ لما ثبت في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال: (ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين ذبحهما بيده وسمى وكبر) رواه البخاري 7/130 برقم (5554) ، ومسلم 3/1556 برقم (1966) وأحمد 3/115.
ولا مانع من أن تقول: اللهم إن هذه أضحية عن والدي، وليس هذا من التلفظ بالنية.
وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء(5/4550)
فيما يؤكل ويفرق من الأضحية
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نفعل بالأضحية؟ هل نقسمها أثلاثاً أم أرباعاً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يشرع للمضحي أن يأكل من أضحيته، ويهدي، ويتصدق لقوله تعالى: (فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ الْبَآئِسَ الْفَقِيرَ) . وقوله تعالى: (فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) . فالقانع السائل المتذلل، والمعتر المتعرض للعطية بدون سؤال، وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: " كلوا وأطعموا وادخروا ". رواه البخاري والإطعام يشمل الهدية للأغنياء والصدقة على الفقراء، وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: " كلوا وادخروا وتصدقوا ". رواه مسلم.
وقد اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في مقدار ما يأكل ويهدي ويتصدق، والأمر في ذلك واسع، والمختار أن يأكل ثلثاً، ويهدي ثلثاً، ويتصدق بثلث، وما جاز أكله منها جاز ادخاره ولو بقي مدة طويلة إذا لم يصل إلى حد يضر أكله إلا أن يكون عام مجاعة فلا يجوز الادخار فوق ثلاثة أيام لحديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: " من ضحى منكم فلا يصبحن بعد ثالثة وفي بيته منه شيء ". فلما كان العام المقبل قالوا: يا رسول الله نفعل كما فعلنا في العام الماضي، فقال صلى الله عليه وسلّم: " كلوا واطعموا وادخروا فإن ذلك العام كان في الناس جهد فأردت أن تعينوا فيها ". متفق عليه.
ولا فرق في جواز الأكل والإهداء من الأضحية بين أن تكون تطوعاً أو واجبة، ولا بين أن تكون عن حي أو ميت أو عن وصية؛ لأن الوصي يقوم مقام الموصي، والموصى يأكل ويهدي ويتصدق؛ ولأن هذا هو العرف الجاري بين الناس، والجاري عرفاً كالمنطوق لفظاً.
فأما الوكيل فإن أذن له الموكل في الأكل والإهداء والصدقة أو دلت القرينة أو العرف على ذلك فله فعله وإلا سلمها للموكل وكان توزيعها إليه.
ويحرم أن يبيع شيئاً من الأضحية لا لحماً ولا غيره حتى الجلد، ولا يعطي الجازر شيئاً منها في مقابلة الأجرة أو بعضها لأن ذلك بمعنى البيع.
فأما من أهدي إليه شيء منها أو تصدق به عليه فله التصرف فيه بما شاء من بيع وغيره، غير أنه لا يبيعه على من أهداه أو تصدق به.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4551)
لأهل المضحي أن يأخذوا من شعورهم وأظفارهم في العشر
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان الرجل هو الذي سيضحي فهل يجوز لزوجته وأولاده أن يأخذوا من شعورهم وأظفارهم إذا دخل شهر ذو الحجة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، يجوز ذلك، وقد سبق في إجابة السؤال رقم (36567) أن المضحي يحرم عليه أن يأخذ من شعره أو أظفاره أو بشرته شيئاً، وهذا الحكم خاص بالمضحي الذي هو صاحب الأضحية.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله:
وأما أهل المضحي فليس عليهم شيء، ولا يُنهون عن أخذ شيء من الشعر والأظافر في أصح قولي العلماء، وإنما الحكم يختص بالمضحي خاصة الذي اشترى الأُضحية من ماله اهـ. "فتاوى إسلامية" (2/316) .
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (11/397) :
يشرع في حق من أراد أن يضحي إذا أهل هلال ذي الحجة ألا يأخذ من شعره ولا من أظافره ولا بشرته شيئاً حتى يضحي؛ لما روى الجماعة إلا البخاري رحمهم الله، عن أم سلمة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره) ، ولفظ أبي داود (2791) ومسلم (1977) : (من كان له ذبح يذبحه فإذا أهل هلال ذي الحجة فلا يأخذنَّ من شعره ومن أظفاره شيئاً حتى يضحي) سواء تولى ذبحها بنفسه أو وَكَلَ ذَبْحَها إلى غيره، أما من يُضَحَّى عنه فلا يشرع ذلك في حقه؛ لعدم ورود شيء بذلك اهـ.
وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (7/530) :
من يُضَحَّى عنه لا حرج عليه أن يأخذ من ذلك، والدليل على هذا ما يلي:
1- أن هذا هو ظاهر الحديث، وهو أن التحريم خاص بمن يضحي، وعلى هذا فيكون التحريم مختصاً برب البيت، وأما أهل البيت فلا يحرم عليهم ذلك، لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّقَ الحكم بمن يضحي، فمفهومه أن من يُضَحَّى عنه لا يثبت له هذا الحكم.
2- أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يضحي عن أهل بيته ولم ينقل أنه قال لهم: لا تأخذوا من شعوركم وأظفاركم وأبشاركم شيئاً، ولو كان ذلك حراماً عليهم لنهاهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنه، وهذا القول هو القول الراجح اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4552)
لا كفارة على من نوى الأضحية وحلق شعره بعد دخول العشر
[السُّؤَالُ]
ـ[حلقت شعري ناسياً بعد دخول شهر ذي الحجة وقد نويت أن أضحي، فهل عليّ كفارة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
من أراد أن يضحي فليس له أن يأخذ من شعره ولا من أظفاره ولا من بشرته شيئاً إذا دخل ذو الحجة حتى يُضحي لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك فعن أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا دَخَلَتْ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا) رواه مسلم. . . ومن أخذ شيئاً من شعره أو أظفاره أو بشرته في العشر ناسياً أو جاهلاً وهو عازم على التضحية فلا شيء عليه، لأن الله سبحانه قد وضع عن عباده الخطأ والنسيان في هذا الأمر وأشباهه، وأما من فعل ذلك عمداً فعليه التوبة إلى الله سبحانه ولا شيء عليه اهـ. (يعني ليس عليه فدية ولا كفارة) .
[الْمَصْدَرُ]
"فتاوى إسلامية" (2/316) .(5/4553)
إذا حلق شعره في العشر فقد أساء وأضحيته صحيحة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا حلق شعره بعد دخول شهر ذي الحجة وقد نوى أن يضحي فهل أضحيته صحيحة وتكون مقبولة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ ابن عثيمين:
نعم، تكون مقبولة لكنه يكون عاصياً، وأما ما اشتهر عند العوام أنه إذا أخذ الإنسان من شعره أو ظفره أو بشرته في أيام العشر فإنه لا أضحية له فهذا ليس بصحيح، لأنه لا علاقة بين صحة الأضحية والأخذ من هذه الثلاثة اهـ. "الشرح الممتع" (7/533) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4554)
لا حرج على الوكيل في ذبح الأضحية أن يحلق رأسه في العشر
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا وَكَّلني رجل في ذبح أضحيته، فهل يجوز لي أن أحلق شعري في عشر ذي الحجة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، يجوز ذلك، لأن تحريم أخذ الشعر والظفر إنما هو على المضحي خاصة، والمضحي هو صاحب الأضحية، أما الوكيل في ذبحها فإنه لا يلزمه شيء من ذلك.
قال الشيخ ابن باز:
الوكلاء ليس عليهم شيء لأنهم ليسوا مُضحين، وإنما المُضحون هم الموكلون لهم اهـ.
"فتاوى إسلامية" (2/316) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4555)
هل يجوز إخراج عظام الميت من القبر ليدفن فيه آخر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لو حفرت قبرا أو قبرين لدفن ميتنا فيه، وبعد أن يبلى الجلود واللحوم ننبشه ونخرج العظام ووضعها في بئر العظام وندفن ميتا آخر غيره في ذلك القبر، لضيق المكان وعدم اتساعه لمقابر كثيرة لأن الأرض محدودة لقبرين وبئر واحد للعظام.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا دفن الميت في القبر فالواجب تركه حتى يبلى، ولا يبقى له أثر، ولا يجوز نبش القبر وإخراج عظام الميت منه، ليدفن فيه آخر، بل الميت أحق به إلى أن يبلى.
قال الإمام الشافعي فيمن حفر فوجد عظام ميت: "وإن أخرجت عظام ميت أحببت أن تعاد فتدفن" انتهى.
"الأم" (1/316) .
وقال النووي رحمه الله في "المجموع" (5/273) :
"وَأَمَّا نَبْشُ الْقَبْرِ فَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِ سَبَبٍ شَرْعِيٍّ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ.
وَيَجُوزُ نَبْشُ الْقَبْرِ إذَا بَلِيَ الْمَيِّتُ وَصَارَ تُرَابًا , وَحِينَئِذٍ يَجُوزُ دَفْنُ غَيْرِهِ فِيهِ , وَيَجُوزُ زَرْعُ تِلْكَ الْأَرْضِ وَبِنَاؤُهَا وَسَائِرُ وُجُوهِ الِانْتِفَاعِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهَا بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ , وَإِنْ كَانَتْ عَارِيَّةً رَجَعَ فِيهَا الْمُعِيرُ. وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَبْقَ لِلْمَيِّتِ أَثَرٌ مِنْ عَظْمٍ وَغَيْرِهِ , قَالَ أَصْحَابُنَا رحمهم الله: وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ وَالْأَرْضِ وَيُعْتَمَدُ فِيهِ قَوْلُ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِهَا " انتهى.
وقال ابن قدامة في "المغني" (2/194) :
" وَإِنْ تَيَقَّنَ أَنَّ الْمَيِّتَ قَدْ بَلِيَ وَصَارَ رَمِيمًا , جَازَ نَبْشُ قَبْرِهِ , وَدَفْنُ غَيْرِهِ فِيهِ، وَإِنْ شَكَّ فِي ذَلِكَ رَجَعَ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ. فَإِنْ حَفَرَ , فَوَجَدَ فِيهَا عِظَامًا دَفَنَهَا , وَحَفَرَ فِي مَكَان آخَرَ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ " انتهى.
وإذا لم يوجد مكان لدفن الميت إلا أن ينبش قبر فيه ميت ويدفن فيه، فيجوز ذلك للضرورة، ولكن في هذه الحالة يجب أن يدفن معه، ولا يجوز إخراج عظام الميت الأول من القبر.
قال في "تحفة المحتاج" (3/173) :
"وَيَحْرُمُ إدْخَالُ مَيِّتٍ عَلَى آخَرَ وَإِنْ اتَّحَدَا [يعني في الجنس] قَبْلَ بِلَى جَمِيعِهِ ... ومحل تحريمه: عند عدم الضرورة، وأما عندها فيجوز كما في الابتداء" يعني: كما يجوز أن يدفن اثنان معاً في ابتداء الدفن للضرورة.
وفي "الفتاوى الفقهية الكبرى" لابن حجر الهيتمي رحمه الله (2/14) :
"حيث حفر قبر إما تعديا وإما مع ظن أنه بلي ولم يبق فيه عظم فوجد فيه عظم، رد التراب عليه وجوبا، ولا يجوز الدفن فيه قبل البلى.
وفي "الروضة" وغيرها: يحرم نبش قبر الميت ودفن غيره فيه قبل بلائه عند أهل الخبرة بتلك الأرض، فإن حفر فوجد فيها شيء من عظم الميت قبل تمام الحفر وجب رد ترابه عليه، وإن وجدها بعد تمام الحفر جعلها في جانب من القبر وجاز لمشقة استئناف قبر دفن الآخر معه" انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"إذا كان الأول قد دفن واستقر في قبره فإنه أحق به، وحينئذ لا يدخل عليه ثانٍ، اللهم إلا للضرورة القصوى" انتهى.
"الشرح الممتع" (5/369) .
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله:
يوجد لدينا محل الأموات على شكل غرفة تحت الأرض، حيث يوضع الميت، وبعد سنة يفتح هذا القبر، ويوضع ميت آخر، فهل يعذب المذنب، ويؤذى المحسن في قبر واحد؟
فأجاب:
"السنة أن يقبر كل إنسان على حدة مع القدرة، إذا اتسعت الأرض، وأمكن قبر كل واحد على حدة فهذا هو السن، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم في البقيع يقبرون الموتى هكذا، كل واحد على حده، أما إذا حصل ضرورة ولم يوجد مكان إلا هكذا فلا حرج، وكل يؤاخذ بذنبه، المحسن يجازى بإحسانه، والمسيء يجازى بإساءته (وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) لكن مهما أمكن فالمشروع أن يدفن كل واحدٍ على حدة، كل قبر على حدة، ولا يجمع في محل واحد " انتهى من موقع الشيخ.
http://www.ibnbaz.org.sa/mat/14091
وعلى هذا، فالواجب عليكم التعاون لإيجاد طريقة للدفن الشرعي، بزيادة الأماكن المخصصة لدفن الموتى، حتى يكون لكل ميت قبر.
فإن لم يمكن هذا، فيجوز إدخال ميت على ميت في القبر للضرورة، ولكنه لا تخرخ عظام الميت الأول من القبر، بل تجعل في جانب ثم يدفن معه الثاني.
ولمزيد الفائدة يراجع جواب السؤال رقم: (115531) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4556)
هل قبر السيدة زينب في سوريا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف أين دفنت السيده زينب رضي الله عنها، وهل هي كما قالوا في سوريا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليعلم أن من أعظم أسباب ضلال بني آدم غلوهم في الصالحين، ومن أعظم أسباب الافتتان بهم: ما يحصل عند قبورهم من الغلو والشرك بالله، وصرف العبادات، من الطواف والذبح والنذر لغير الله تعالى.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ قال: ( [اللهم] لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا، لَعَنَ اللَّهُ قَوْمًا اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ) رواه الإمام أحمد (7311) ، وصححه الألباني.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا وَلَا تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا وَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُمْ) . رواه أبو داود (2042) ، وصححه الألباني.
وإن من أعظم ما يدل على بطلان ما يفعله هؤلاء القبوريون عند قبورهم: أنك تجدهم مختلفين في كثير من هذه الأماكن، فأهل مصر يزعمون أن قبر زينب رضي الله عنها في مصر، ويفعلون عندها من البدع والخرافات، بل من الشرك والضلال ما الله به عليم.
وهكذا أهل سوريا كما ذكرت، يفعلون نفس الشيء عند قبرهم المزعوم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" أما هذه المشاهد المشهورة فمنها ما هو كذب قطعا.. "
ثم قال:
" وأصل ذلك أن عامة أمر هذه القبور والمشاهد مضطرب مُخْتَلق، لا يكاد يُوقَف منه على العلم، إلا في قليل منها، بعد بحث شديد؛ وهذا لأن معرفتها وبناء المساجد عليها ليس من شريعة الإسلام، ولا ذلك من حكم الذكر الذي تكفل الله بحفظه ".
ينظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (27/444) وما بعدها، ويراجع كتاب: تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد، للشيخ الألباني رحمه الله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4557)
من فاتته صلاة الجنازة هل يصلي عليها قبل الدفن أم بعده؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الأفضل الصلاة على الجنازة إذا لم أصلِّ عليها في المسجد في المقبرة قبل وضعها في القبر أم بعد وضعها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
أولاً:
السنة أن يُصلَّى على الميت في موضع خاص بالجنائز؛ خارج المسجد، لما ثبت في البخاري (1245) عن أبي هريرة رضي الله عنه (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَى النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، خَرَجَ إِلَى الْمُصَلَّى فَصَفَّ بِهِمْ، وَكَبَّرَ أَرْبَعًا) ، وإن صلى عليها في المسجد فلا بأس. ولمزيد الفائدة ينظر جواب السؤال رقم (106423) .
ثانياً:
من فاتته الصلاة على الميت مع الجماعة، فالأفضل أن يصلي عليها قبل دفنها، فإن لم يمكن صلَّى عليها بعد دفنها.
وقد سئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: من فاتته الصلاة على الميت في المسجد سواء كان فرداً، أو جماعة هل يجوز لهم الصلاة على الميت في المقبرة قبل الدفن أو على القبر بعد الدفن؟
فأجاب:
" الأولى أن يصلوا عليه قبل الدفن؛ لأنه إذا أمكن أن يصلوا على الجنازة حاضرة بين أيديهم كان هذا هو الواجب لكن لو جاءوا، وقد دفن، فإنهم يصلون على القبر؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى على القبر" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (17/145) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4558)
حديث لا أصل له في قراءة "قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ" عند المرور بالقبور
[السُّؤَالُ]
ـ[روي عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من مر على المقابر وقرأ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) إحدى عشر مرة، ثم وهب أجرها للأموات أعطي من الأجر بعدد الأموات) هل هذا الحديث صحيح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"هذا الحديث لا أصل له عند أهل العلم، وهو من الأحاديث الموضوعة المكذوبة التي ليس لها سند صحيح، وليس من السنة أن يقرأ عند القبور ولا بين القبور، إنما السنة إذا زار القبور أن يقول: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين) أو: (السلام عليكم أهل الديار من المسلمين والمؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية) ، ويدعو لهم بالمغفرة والرحمة، هذا هو السنة، أما أن يقرأ عليهم القرآن، أو بينهم القرآن، فهذا لا أصل له " انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
فتاوى نور على الدرب" (1/196) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4559)
وصية الميت بأن يدفن في مكان معين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يصح أن يوصي الميت في حياته بدفنه في المكان الفلاني أو إلى جانب الشخص الفلاني؟ وإن حصل شيء من ذلك فهل على أهله تنفيذ طلبه في دفنه حيث أوصى؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا بأس أن يوصي بدفنه في المقبرة الفلانية أو بجوار فلان، فلا بأس إن كان مع الصالحين والأخيار، فإذا أوصى بذلك فلا بأس، وعلى الوصي أن ينفذ إذا استطاع تنفيذها، أما إذا لم يستطع تنفيذها لعجزه عن ذلك أو لبعد المسافة أو ما أشبه ذلك فلا حاجة للتنفيذ، ويدفن في أي مقبرة من مقابر المسلمين والحمد لله.
فإذا كانت المقبرة التي يريد أن يدفن فيها بعيدة عن بلده فلا وجه لهذه الوصية ولا حاجة لتنفيذها، بل يدفن في مقبرته في بلده إذا كانت مقابر للمسلمين، أو في مقبرة أخرى من مقابر المسلمين ويكفي، ولا حاجة إلى أن يتكلف من التركة لنقله بالطائرات أو غيرها إلى أماكن أخرى.
ما دام توجد مقبرة للمسلمين يدفنون فيها، فالحمد لله، ولا حاجة إلى تنفيذ أي وصية لا وجه لها شرعاً، أما إذا كان الدفن في المقبرة التي أراد متيسراً، كأن تكون في طرف البلد أو في جانب البلد، فما دام البلد فيه مقابر وقد طلب أن يدفن في واحدة منها فلا بأس، والتنفيذ أولى" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (2/1123) .
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
فتاوى نور على الدرب(5/4560)
من مات بالغرق في هجرة غير شرعية هل يعد شهيدا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[شاب مات غريقا وهو في حالة هجرة غير شرعية هل يعد شهيدا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الموت بالغرق شهادة، كما روى البخاري (2829) ومسلم (1914) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: الْمَطْعُونُ، وَالْمَبْطُونُ، وَالْغَرِقُ، وَصَاحِبُ الْهَدْمِ، وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) .
ولا يشترط أن يكون ركوب البحر لجهاد أو لهجرة شرعية، بل من كان سفره مباحا، وركوبه البحر جائزا، ثم غرق فهو شهيد.
واختلف أهل العلم فيمن ركب البحر عاصيا بركوبه، كأن كان الغالب فيه عدم السلامة، أو ركبه لإتيان معصية من المعاصي، فغرق هل يعد شهيدا أم لا؟ على قولين.
فمنهم من قال: إنه لا يعد شهيدا، ومنهم من استظهر أنه شهيد ما لم يمت وهو يقارف المعصية.
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: عن رجل ركب البحر للتجارة فغرق، فهل مات شهيداً؟
فأجاب: نعم، مات شهيداً، إذا لم يكن عاصياً بركوبه، فإنَّه قد صحَّ عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الغريق شهيدٌ، والمبطون شهيدٌ، والحريق شهيدٌ، والميت بالطاعون شهيدٌ، والمرأة تموت في نفاسها شهيدةٌ، وصاحب الهدم شهيدٌ) ، وجاء ذكر غير هؤلاء.
وركوب البحر للتجارة جائزٌ إذا غلب على الظن السلامة، وأما بدون ذلك فليس له أن يركبه للتجارة، فإن فعل فقد أعان على قتل نفسه، ومثل هذا لا يقال: إنه شهيد، والله أعلم " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (3/22) .
وقال الخطيب الشربيني رحمه الله: " واستثنى بعضهم من الغريق العاصي بركوبه البحر، كأن كان الغالب فيه عدم السلامة، أو استوى الأمران، أو ركبه لشرب خمر , ومن الميتة بالطلق الحامل بزنا , والظاهر كما قال الزركشي فيما عدا الأخيرة , وفي الأخيرة أيضا أن ما ذكر لا يمنع الشهادة " انتهى باختصار من "مغني المحتاج" (2/34) .
وفي "حاشية البجيرمي على الخطيب" (2/281) : " قوله: (كالغريق) أي ولو كان عاصيا بركوب البحر، كأن ركب سفينة لا يسير مثلها في ذلك البحر لصغرها أو ثقلها. والعصيان بالتعدي بالركوب في هذه الحالة لا ينافي حصول الشهادة. ثم نقل عن بعض علماء الشافعية قوله: (كالغريق) ما لم يسيّر السفينة في وقت الغرق , ولا يمنع من شهادته ركوبها لشرب الخمر إن لم يمت بشرق به " انتهى.
وعليه؛ فإن كان المقصود بالهجرة غير الشرعية: السفر للمعصية، أو ركوب البحر في هياجه أو بسفينة لا تصلح لركوبه بحيث لا يغلب على الظن السلامة، ففاعل ذلك آثم، فإن غرق فقد اختلف في كونه شهيدا، كما تقدم.
ومن مات حال اقترافه المعصية فالظاهر أنه لا يعد شهيدا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4561)
حكم زيارة المعابد والمقابر الفرعونية وحكم الصلاة فيهما
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز زيارة المعابد، والمقابر الفرعونية، وما شابه ذلك؟ وهل لو خفت أن ينقضي وقت الصلاة: أؤديها في هذه الأماكن؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
زيارة المقابر قسمان: شرعية، وبدعية، فالشرعية: هي التي يراد منها نفع الميت بالدعاء، والاستغفار له، وهذه خاصة للمسلم.
ويدخل في الزيارة الشرعية: الزيارة بقصد تذكر الموت، والآخرة , وهذه تكون عامة لقبر المسلم، والكافر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
فالزيارة الشرعية: أن يكون مقصود الزائر: الدعاء للميت، كما يقصد بالصلاة على جنازته الدعاء له؛ فالقيام على قبره: من جنس الصلاة عليه , قال الله تعالى في المنافقين: (وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُم مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ) التوبة/84، فنهى نبيَّه عن الصلاة عليهم، والقيام على قبورهم؛ لأنهم كفروا بالله، ورسوله، وماتوا وهم كافرون، فلما نهى عن هذا , وهذا؛ لأجل هذه العلة - وهي الكفر -: دلَّ ذلك على انتفاء هذا النهى عند انتفاء هذه العلة، ودلَّ تخصيصهم بالنهي على أن غيرهم يصلَّى عليه، ويقام على قبره، إذ لو كان هذا غير مشروع في حق أحد: لم يُخَصوا بالنهى , ولم يعلَّل ذلك بكفرهم , ولهذا كانت الصلاة على الموتى من المؤمنين، والقيام على قبورهم: من السنَّة المتواترة، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على موتى المسلمين، وشرع ذلك لأمته، وكان إذا دُفن الرجل من أمته: يقوم على قبره، ويقول: (سَلُوا لَهُ التَّثْبيتَ فإنَّهُ الآنَ يُسْأَلُ) رواه أبو داود وغيره، وكان يزور قبور أهل البقيع، والشهداء بـ "أُحُد"، ويعلّم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقول أحدهم: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله تعالى بكم لاحقون، ويرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنَّا بعدهم) .
وفى صحيح مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ إِلَى الْمَقْبُرَةِ فَقَالَ: (السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لاَحِقُونَ) ، والأحاديث في ذلك صحيحة، معروفة.
فهذه الزيارة لقبور المؤمنين: مقصودها الدعاء لهم.
وهذه غير الزيارة المشتركة التي تجوز في قبور الكفار، كما ثبت في صحيح مسلم، وأبي داود، والنسائي، وابن ماجه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: زَارَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَبْرَ أُمِّهِ فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ فَقَالَ: (اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يُؤْذَنْ لي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأُذِنَ لِي، فَزُورُوا الْقُبُورَ، فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُم الْآَخرَةَ) ، فهذه الزيارة التي تنفع في تذكير الموت: تُشرع ولو كان المقبور كافراً، بخلاف الزيارة التي يقصد بها الدعاء للميت، فتلك لا تشرع إلا في حق المؤمنين.
وأما الزيارة البدعية: فهي التي يُقصد بها أن يُطلب من الميت الحوائج، أو يطلب منه الدعاء، والشفاعة، أو يقصد الدعاء عند قبره؛ لظن القاصد أن ذلك أجوب للدعاء، فالزيارة على هذه الوجوه كلها مبتدعة لم يشرعها النبي صلى الله عليه وسلم , ولا فعلها الصحابة" انتهى.
"مجموع الفتاوى" (1/165، 166) .
ويجب أن يعلم أن زيارة القبور المشروعة يشترط لها أن لا يصحبها السفر إلى هذه القبور.
فإن السفر من أجل زيارة القبور محرم، سواء قبور المسلمين أم قبور المشركين.
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
"لا يجوز شد الرحال لزيارة قبور الأنبياء، والصالحين، وغيرهم، بل هو بدعة، والأصل في ذلك: قوله صلى الله عليه وسلم: (لاَ تُشَدُّ الرّحَالُ إلاَّ إلى ثَلاَثة مَسَاجد: المَسْجد الحَرَام وَمسْجدي هذا، والمسجد الأقصى) – رواه البخاري ومسلم -.
وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ عَملَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيه أَمْرُنا فَهُوَ رَدٌّ) – رواه البخاري تعليقاً، ومسلم -.
وأما زيارتهم دون شد رحال: فسنَّة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (زُورُوا القبُورَ فَإنَّهَا تُذَّكرُكُم الآخرَةَ) رواه مسلم في صحيحه" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (1/431) .
ثانياً:
المقابر ليست محلاًّ للصلاة، سواءً أكانت مقابر للمسلمين – إلا ما استثناه الشرع وهو صلاة الجنازة - أو مقابر للمشركين من باب أولى.
ومن أدى صلاة فرض، أو نافلة في مقبرة: فصلاته باطلة.
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
"لا تصح الصلاة في المقابر، فمَن أدى صلاة فيها: فهي باطلة، يجب عليه إعادتها؛ وذلك للأحاديث المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن اتخاذ القبور مساجد، إلا صلاة الجنازة، فلا بأس بها في المقبرة" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " المجموعة الثانية (5 / 252، 253) .
وينظر في ذلك جواب السؤال رقم: (13490) .
ثالثاً:
أما معابد المشركين: فلا يجوز قصدها للزيارة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"وأما زيارة معابد الكفار مثل: الموضع المسمّى بالقمامة! أو بيت لحم، أو صهيون، أو غير ذلك، مثل كنائس النصارى: فمنهيٌّ عنها، فمَن زار مكاناً من هذه الأمكنة معتقداً أن زيارته مستحبة، والعبادة فيه أفضل من العبادة في بيته: فهو ضالٌّ، خارج عن شريعة الإسلام، يُستتاب، فإن تاب: وإلا قتل , وأما إذا دخلها الإنسان لحاجة، وعرضت له الصلاة فيها: فللعلماء فيها ثلاثة أقوال ... " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (27/14) .
وقد صحَّ عن عمر رضي الله عنه قولُه: (لا تدخلوا على المشركين في كنائسهم، ومعابدهم؛ فإن السخطة تنزل عليهم) . رواه عبد الرزاق (1/411) وابن أبي شيبة (6/208) .
وأما حكم الصلاة فيها: فجائز، بشرطين:
أ. عدم قصد الصلاة فيها، وإنما دخلها لحاجة فعرضت لها الصلاة، كما مرَّ في كلام شيخ الإسلام رحمه الله آنفاً.
ب. وبشرط عدم وجود الصور، والتماثيل.
وقد بوَّب الإمام البخاري رحمه الله قي صحيحه: " باب الصَّلاَةِ فِي الْبِيعَةِ "، وقال:
وَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: (إِنَّا لاَ نَدْخُلُ كَنَائِسَكُمْ مِنْ أَجْلِ التَّمَاثِيلِ الَّتِي فِيهَا الصُّوَرَ) ، وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُصَلِّي فِي الْبِيعَةِ إِلاَّ بِيعَةً فِيهَا تَمَاثِيلُ. انتهى.
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: هل الصلاة في البيَع والكنائس جائزة مع وجود الصور أم لا؟ وهل يقال: إنها بيوت الله أم لا؟ .
فأجاب:
"ليست بيوت الله , وإنما بيوت الله: المساجد , بل هي بيوت يُكفر فيها بالله، وإن كان قد يُذكر فيها , فالبيوت بمنزلة أهلها , وأهلها كفار , فهي بيوت عبادة الكفار.
وأما الصلاة فيها: ففيها ثلاثة أقوال للعلماء في مذهب أحمد، وغيره: المنع مطلقاً ; وهو قول مالك، والإذن مطلقا، وهو قول بعض أصحاب أحمد، والثالث: وهو الصحيح المأثور عن عمر بن الخطاب وغيره , وهو منصوص عن أحمد، وغيره , أنه إن كان فيها صور: لم يصلّ فيها ; لأن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة – متفق عليه - , ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدخل الكعبة حتى مُحي ما فيها من الصور – رواه أبو داود بإسناد صحيح - , وكذلك قال عمر: إنا كنا لا ندخل كنائسهم والصور فيها" انتهى.
"مجموع الفتاوى" (2/156) .
رابعاً:
مما هو معلوم أن هذه الأماكن الأثرية قد تكون أماكن عذاب، ولعنة , وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من قصد أماكن المعذَّبين للزيارة، أو النزهة.
فعن ابن عمر رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا مَرَّ بِالْحِجْرِ قَالَ: (لَا تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ أَنْ يُصِيبَكُمْ مَا أَصَابَهُمْ ثُمَّ تَقَنَّعَ بِرِدَائِهِ وَهُوَ عَلَى الرَّحْلِ) رواه البخاري (423) ومسلم (2980) .
قال النووي رحمه الله:
"فِيهِ: الْحَثّ عَلَى الْمُرَاقَبَة عِنْد الْمُرُور بِدِيَارِ الظَّالِمِينَ , وَمَوَاضِع الْعَذَاب......... , فَيَنْبَغِي لِلْمَارِّ فِي مِثْل هَذِهِ الْمَوَاضِع الْمُرَاقَبَة، وَالْخَوْف، وَالْبُكَاء , وَالِاعْتِبَار بِهِمْ، وَبِمَصَارِعِهِمْ , وَأَنْ يَسْتَعِيذ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ" انتهى.
"شرح مسلم" (18/111) .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
وهذا يتناول مساكن "ثمود"، وغيرهم، ممن هو كصفتهم، وإن كان السبب ورد فيهم.
"فتح الباري" (6/380) .
وقد أفتى العلماء المعاصرون بحرمة زيارة أماكن المعذّبين، والذين ظلموا:
1. سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عن حكم قصد مدائن " صالح " بالزيارة.
فأجاب:
"أمَّا المرور عليها: فقد مرَّ بها النبي صلى الله عليه وسلم، لكنَّه أسرع عليه الصلاة والسلام، وقنَّع رأسه، وقال عليه الصلاة والسلام: (لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين خشية أن يصيبكم ما أصابهم، فإن لم تكونوا باكيين فلا تدخلوا عليها) فلا يجوز للإنسان أن يذهب إلى هذه المدائن للتفرج، والنزهة، بل للاعتبار الذي يصحبه البكاء، وإلا فالسلامة في تركها، وقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (أن يصيبكم ما أصابهم) ليس مراده العذاب العام؛ لأن هذه الأمَّة - والحمد لله - لا تعذب بصفة عامة، لكن أن يصيبكم ما أصابهم من قسوة القلب، والإعراض، والتولي عن الدِّين.
وحكمة ذلك: أن الناس الذين يذهبون إلى هذه البلاد على غير الوجه الذي أراد الرسول عليه الصلاة والسلام: سوف يقع في نفوسهم تعظيم هؤلاء؛ لمَا يرون من إحكام البناء، وشدته، وقوته، وإذا وقع تعظيم الكافر في قلب المؤمن: فإنه على خطر عظيم" انتهى.
"لقاء الباب المفتوح" (82/السؤال رقم 2) .
2. وفي جواب السؤال رقم (87846) ذكرنا فتوى علماء اللجنة الدائمة في تحريم زيارة منازل "مديَن"، و "ثمود" لقصد الفُرجة، والاطلاع.
وننبه إلى أن هناك أسباباً أخرى تمنع الذهاب إلى تلك الأماكن، حيث صارت مرتعاً خصباً للسيَّاح، وما يصاحب ذلك من تعرِّ، وتبرجٍ، وفجور، وشرب للخمور، وغير ذلك.
خامساً:
أما حكم الصلاة في أماكن اللعنة، والخسف، وأقوام المعذبين: فالظاهر هو المنع منها:
فقد بوَّب البخاري رحمه الله – (1/166) - على حديث ابن عمر المتقدم: "بَاب الصَّلَاة فِي مَوَاضِع الْخَسْف وَالْعَذَاب، وَيُذْكَرُ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَرِهَ الصَّلَاةَ بِخَسْفِ بَابِلَ" , وهذا من دقيق استنباطه.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
وَالْحَدِيث مُطَابِق لَهُ مِنْ جِهَة أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فِيهِ تَرْك النُّزُول كَمَا وَقَعَ عِنْد الْمُصَنِّف فِي " الْمَغَازِي " فِي آخِر الْحَدِيث " ثُمَّ قَنَّعَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسه وَأَسْرَعَ السَّيْر حَتَّى أَجَازَ الْوَادِي "، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَنْزِل، وَلَمْ يُصَلِّ هُنَاكَ، كَمَا صَنَعَ " عَلِيّ " فِي خَسْف " بَابِل ".
"فتح الباري" (1/530) .
وقد صحَّ موقوفاً عن علي رضي الله عنه النهي عن الصلاة في أرض " بابل " من أرض العراق.
قال ابن رجب رحمه الله:
وروى يعقوب بن شيبة، عن أبي النعيم: ثنا المغيرة بن أبي الحر الكندي: حدثني حجر بن عنبس، قال: خرجنا مع " علي " إلى "الحرورية" [الخوارج] ، فلما وقع في أرض "بابل" قلنا: "أمسيتَ يا أمير المؤمنين، الصلاة، الصلاة"، قال: "لم أكن أصلي في أرض قد خسف الله بها".
وخرجه وكيع، عن مغيرة بن أبي الحر، به بنحوه.
وهذا إسناد جيد ... .
ثم قال:
والموقوف أصح.
"فتح الباري" لابن رجب (3/212) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
ولا يصلَّى في مواضع الخسف، نص عليه [الإمام أحمد] في رواية عبد الله ... فإذا كان المكث في مواقع العذاب، والدخول إليها لغير حاجة منهيٌّ عنه: فالصلاة بها أولى , ولا يقال فقد استثنى ما إذا كان الرجل باكياً؛ لأن هذا الاستثناء من نفس الدخول فقط؛ فأما المكث بها، والمقام، والصلاة: فلم يأذن فيه، بدليل حديث " علي " , ولأن مواضع السخط، والعذاب، قد اكتسبت السخط بما نزل ساكنيها، وصارت الأرض ملعونة، كما صارت مساجد الأنبياء - مثل مسجد إبراهيم، ومحمد، وسليمان صلى الله عليهم - مكرَّمة لأجل مَن عبد الله فيها، وأسسها على التقوى.
فعلى هذا: كل بقعة نزل عليها عذاب: لا يصلَّى فيها، مثل أرض الحِجر، وأرض بابل المذكورة، ومثل مسجد الضرار؛ لقوله تعالى: (لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدً) التوبة/108.
"شرح العمدة" (3/420) .
بل ذهب شيخ الإسلام رحمه الله إلى أبعد من تحريم الصلاة، وهو القول ببطلانها، ووجوب إعادتها.
قال رحمه الله:
فإن صلَّى: فهل تصح صلاته؟ فعلى ما ذكره طائفة من أصحابنا: تصح؛ لأنهم جعلوا هذا من القسم الذي تكره الصلاة فيه، ولا تحرم؛ لأن أحمد كره ذلك , ولأنهم لم يستثنوه من الأمكنة التي لا يجوز الصلاة فيها , ولأصحابنا في الكراهة المطلقة من أبي عبد الله وجهان: أحدهما: أنه محمول على التحريم , وهذا أشبه بكلامه , وأقيس بمذهبه؛ لأنه قد قال في الصلاة في مواضع نهي النبي صلى الله عليه وسلم عنها: " يعيد الصلاة " , وكذلك عند القاضي، والشريف أبي جعفر , وغيرهما، طرد الباب في ذلك، بأن كل بقعة نهي عن الصلاة فيها مطلقاً: لم تصح الصلاة فيها، كالأرض النجسة , وهذا ظاهر، فإن الواجب: إلحاق هذا بمواضع النهي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه، كما نهى عن الصلاة في المقبرة، ونهى الله نبيَّه أن يقوم في مسجد الضرار , ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الدخول إلى مساكن المعذبين عموماً، فإذا كان الله نهى عن الصلاة في الأماكن الملعونة خصوصاً , ونهى عن الدخول إليها خصوصاً، وعمل بذلك خلفاؤه الراشدون، وأصحابه، مع أن الأصل في النهي: التحريم، والفساد: لم يبق للعدول عن ذلك بغير موجب وجه" انتهى.
"شرح العمدة" (3/421) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4562)
كيف ترص جنازة رجل وامرأة وطفل إذا اجتمعت؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا اجتمعت جنائز رجل وامرأة وطفل فأيهما يقدم إلى الإمام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"السنة أن يقدم للإمام الرجل ثم الطفل الذكر ثم المرأة، فتكون المرأة جهة القبلة ويكون وسطها عند رأس الرجل حتى يكون موقف الإمام من الجميع موافقاً للسنة، فيوضع الرجل قرب الإمام، ثم يليه الطفل الذكر، ثم يليه المرأة، هذه السنة، تكون المرأة جهة القبلة والرجل يكون إلى الإمام، ويكون وسط المرأة مساوياً لرأس الرجل" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (2/1117) .
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
فتاوى نور على الدرب(5/4563)
هل يلزم الموصى إليه أن يغسل ويصلي الموصي؟ ومسائل في العزاء
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أوصت المتوفاة بأن يغسلها بناتها، فهل عليهن أن ينفذن الوصية، مع العلم أنهن لا يأمنَّ أنفسهن، ويخفن أن يرتكبن معصية، كأن يدفعهن الحزن والجزع لارتكاب ما يغضب الله تعالى، كاللطم على الخدود، فهنّ يطلبن من الله تعالى الثبات، ويرغبن بالبعد عن مواطن الفتن، فهل يجوز لهن عدم تنفيذ الوصية؟ وهل يجب عليهن الذهاب مع المتوفاة كأن تكون أمّاً، أو أختاً، هل يجب عليهن مرافقة المتوفاة إلى مكان غسل الموتى؟ وهل يأثمن في حال عدم مرافقتها؟ نحن نعلم بأن مجالس العزاء من البدع، ولكن إذا كان هناك من الأهل من يجلس للعزاء في حالة وفاة قريب له، فهل في ذهابنا لتقديم العزاء في هذه المجالس ارتكاب لمعصية؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1. إذا كان الميت قد أوصى لشخص معين بأن يغسله: فهو أولى الناس بتغسيله، إذا كان هناك شخص آخر يتصدى لتغسيل الميت. وغالبا ما يكون لهذه الرغبة سبب معتبر.
وقد أوصى أبو بكر رضي الله عنه زوجته أسماء بنت عميس بغسله بعد موته، وأوصت فاطمة زوجها عليّاً بغسلها، وأوصى أنس بن مالك تلميذَه التابعي الجليل محمد بن سيرين بالأمر نفسه، وقد نفَّذ الأوصياء جميعاً ما أوصوا به، وهم مقدمون على أقرب الناس من الميت.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
قوله: " وأوْلى الناس بغسله: وصيُّه "، أي: لو تنازع الناس فيمن يغسل هذا الميت، قلنا: أولى الناس بغسله: وصيه، أي: الذي أوصى أن يغسله.
واستفدنا من قول المؤلف: " وصيه " أنه يجوز للميت أن يوصي ألاَّ يغسله إلا فلان، والميت قد يوصي بذلك لسبب، مثل: أن يكون هذا الوصيُّ تقيّاً يستر ما يراه من مكروه، أو أن يكون عالِماً بأحكام الغسل، أو أن يكون رفيقاً ... ".
" الشرح الممتع على زاد المستقنع " (5 / 265، 266) .
وهل تنفيذ الوصية في مثل هذه الأحوال واجب شرعي على الموصى إليه؟ الظاهر: عدم وجوب ذلك؛ فلا واجب شرعي إلا ما جاء من الشرع، ولو كان ذلك واجبا شرعيّاً لوقع كثيرون في حرج، وخاصة أهل العلم والفضل، فكل المحبين لهم يودون لو غسلهم أولئك العلماء والفضلاء، وصلوا عليهم، وهذا يوقعهم في حرج بلا ريب، ولذا لم يكن واجباً تنفيذ مثل هذه الوصايا.
ومما يستدل به على عدم وجوب تنفيذ الوصية: قوله تعالى (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) البقرة/ 240.
قال الشيخ العثيمين – رحمه الله – في فوائد هذه الآية -:
ومنها: أن المرأة يحل لها إذا أوصى زوجها أن تبقى في البيت: أن تخرج، ولا تنفذ وصيته؛ لقوله تعالى: (فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ) ؛ لأن هذا شيء يتعلق بها، وليس لزوجها مصلحة فيه.
ويتفرع عليه: لو أوصى الزوج الزوجة ألا تتزوج من بعده: لا يلزمها؛ لأنه إذا كان لا يلزمها أن تبقى في البيت مدة الحول: فلأن لا يلزمها أن تبقى غير متزوجة من باب أولى.
وكذلك يؤخذ منه قياساً: كل مَن أوصى شخصاً بأمر يتعلق بالشخص الموصى له: فإن الحق له في تنفيذ الوصية، وعدم تنفيذها.
" تفسير سورة البقرة " (3 / 187، 188) .
وأما الوصية التي يجب تنفيذها: فهي فيما يتعلق بماله الذي كان يملكه، وحتى هذا فإنه مرتبط بالشرع، فلا يحل له أن يوصي بأكثر من الثلث، ولا يوصي لوارث.
2. شرط تولي الموصى إليه غسل المتوفَّى: أن يكون صالحاً لذلك، قادراً عليه، وإلا لم يشرع له القيام بذلك، وعندها يتولى تغسيل المتوفى: الأقرب فالأقرب، ممن يُحسن تغسيل الأموات.
قال الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله -:
وهذا الترتيب في الأولوية: إذا كانوا كلهم يحسنون التغسيل، وطالبوا به , وإلا فإنه يقدَّم العالم بأحكام التغسيل على مَن لا علم له.
والمرأة تغسلها النساء , والأولى بتغسيل المرأة الميتة: وصيتها , فإن كانت أوصت أن تغسلها امرأة معينة: قُدِّمت على غيرها، إذا كان فيها صلاحية لذلك , ثم بعدها تتولى تغسيلها القربى، فالقربى من نسائها.
" الملخص الفقهي " (1 / 300) .
وعليه: فالأولى لبنات الأم الميتة أن يقمن بتغسيلها، بشرط أن يكنَّ على علم بطريقة التغسيل الشرعي، وبشرط أهم: وهو أن يكون عندهن القدرة والجلد على القيام بذلك، بحيث لا يقعن في إثم النياحة، وشق الثياب، وغيرها مما نهين عنه.
03 ولا يلزمهن اتباع المغسّلة إلى موضع الغسل، إلا إذا احتاجت إلى من يساعدها، وهن قادرات على ذلك، من غير أن يقعن في الإثم.
5. يشرع تقديم التعزية لأهل الميت، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه عزَّى أهل جعفر بن أبي طالب لما استشهد في مؤتة، وسيأتي ذِكر ذلك عن عائشة رضي الله عنها.
6. وتكون التعزية بمثل قوله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ لله مَا أَخَذَ، وَلَهُ مَا أَعْطَى، وَكُلٌّ إلى أَجَل مُسَمَّى، فَلْتَصْبرْ وَلْتَحْتَسب) رواه البخاري (1284) ومسلم (923) ، أو قول " عَظَّم الله أَجْرَكَ وَأَحْسَنَ عَزَاءَكَ "، أو أي كلمات طيبة تعين على الصبر، وتذكّر بالرضا بقدر الله؛ لأن المقصود من التعزية: تسلية أهل المصيبة في مصيبتهم، ومواساتهم، وجبرهم.
7. يجوز الذهاب لتعزية أهل الميت، ومجالستهم بقصد التخفيف عنهم، وخاصة النساء، فهنَّ أحوج من الرجال للتعزية، والتذكير بالله تعالى، وبوجوب التسليم بقضائه، وقدَره؛ لما يكثر منهن النياحة، وشق الثياب، ورفع الصوت، عند تلك المصائب، وهو ما كانت تفعله النساء الصحابيات، بل كانت الفقيهة عائشة رضي الله عنها تصنع لأهل الميت طعاماً يخفف عنهن الحزن، فتجمع بين الأمور المعنوية، والحسية، في سبيل تخفيف المصاب عليهن.
عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا كَانَتْ إِذَا مَاتَ الْمَيِّتُ مِنْ أَهْلِهَا فَاجْتَمَعَ لِذَلِكَ النِّسَاءُ ثُمَّ تَفَرَّقْنَ إِلَّا أَهْلَهَا وَخَاصَّتَهَا أَمَرَتْ بِبُرْمَةٍ مِنْ تَلْبِينَةٍ فَطُبِخَتْ ثُمَّ صُنِعَ ثَرِيدٌ فَصُبَّتْ التَّلْبِينَةُ عَلَيْهَا ثُمَّ قَالَتْ كُلْنَ مِنْهَا فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (التَّلْبِينَةُ مُجِمَّةٌ لِفُؤَادِ الْمَرِيضِ تَذْهَبُ بِبَعْضِ الْحُزْنِ) .
رواه البخاري (5101) ومسلم (2216) .
وقول عائشة في الحديث " أنها كانت إذا مات الميت ": يدل على أنها كانت عادة عندهم، وأن ذلك كان يتكرر منها.
وقولها " ثم تفرقن " يدل على أنهنَّ كنَّ مجتمعات.
وقولها " ثم تفرَّقن إلا أهلها " يدل على أن غيرهنَّ كان معهنَّ، ثم انصرفن، لكن بحيث لا يكون في اجتماعهن نياحة، ولا وقوع في إثم، ولا يشققن على أهل الميت.
ولمعرفة " التلبينة " وفوائدها، وطريقة صنعها: فلينظر جواب السؤال رقم: (60311) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4564)
سلام المرأة على القبور إذا مرت بها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة فقدت أبي قبل فترة قصيرة ودفن رحمه الله بمقبرة قريبة من منزلنا بحيث إني أراها مباشرة، فهل يجوز لي أن أسلم عليه كما يسلم المسلم عند المرور بالمقابر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
زيارة النساء للقبور محل خلاف بين أهل العلم، والأحوط عدم الزيارة، وينظر جواب السؤال رقم (8198) .
ثانياً:
لا حرج على المرأة أن تسلم على القبور إذا مرت بها دون قصد للزيارة، لعدم المنع من ذلك، لكن لا يشرع لها السلام كلما رأت المقبرة من بيتها؛ كما لا يشرع السلام على الحي لمجرد رؤيته من بعد، ولهذا لم يَرِدْ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم على أهل البقيع من مسجده، بل كان إذا أتى البقيع سَلّمَ عليهم.
روى مسلم (975) عن بُرَيْدَةَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُهُمْ إِذَا خَرَجُوا إِلَى الْمَقَابِرِ فَكَانَ قَائِلُهُمْ يَقُولُ: (السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَلَاحِقُونَ، أَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمْ الْعَافِيَةَ) .
وعند النسائي (2040) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَتَى عَلَى الْمَقَابِرِ قَالَ: (السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ، أَنْتُمْ لَنَا فَرَطٌ، وَنَحْنُ لَكُمْ تَبَعٌ، أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ لَنَا وَلَكُمْ) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: أعلم بأن زيارة القبور للنساء محرمة ولا تجوز ولكن إحدى الأخوات تقول بأنني أريد أن أزور قبر أمي برفقة أبي هل يجوز لها ذلك؟
فأجاب:
"لا يجوز لها ذلك لأن المرأة ممنوعةٌ من زيارة القبور سواءٌ بنفسها أو مع محرمها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم (لعن زائرات القبور) وإذا كانت تريد أن تنفع أمها فلتدعُ الله لها، ومتى دعت الله في أي مكان واستجاب الله دعاءها فإن الأم سوف تنتفع بهذا الدعاء.
نعم، لو أن المرأة خرجت من بيتها لغير زيارة القبور ثم مرت بالمقبرة فلا بأس أن تقف وتسلِّم على أهل القبور بالسلام المعروف (السلام عليكم أهل دار قومٍ مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم واغفر لنا ولهم) وينصرف" انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4565)
كيفية معاملة الجثّة المجهولة الهويّة
[السُّؤَالُ]
ـ[لو انّا وجدنا جثة امرأة، ولا نعلم أمسلمة هي أم لا، ولا يعرف لها أقارب، فكيف نتعامل معها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا وجدت جثّة رجل أو امرأة، ولم يدر إسلامها من كفرها: نُظر إلى العلامات، كالهيئة، واللّباس، والأمتعة – إن كان مسافراً، فإن وجد فيها ما يدلّ على إسلامه – عمل بهذه العلامات، وإن لم يظهر منها ما يدلّ على دينه، حُكم لها بالدّار التي وجدت فيها، فإن كانت في مكان يكثر فيه المسلمون عوملت معاملة المسلمين، وإن وجدت في موضع يكثر فيه الكفّار، عوملت معاملة الكفّار.
قال ابن قدامة في المغني (3/478) : (وإن وُجد ميّت، فلم يُعلم أمسلم هو أم كافر، نظر إلى العلامات، من الختان، والثياب، والخضاب.
فإن لم يكن عليه علامة، وكان في دار الإسلام: غُسّل، وصُلّي عليه.
وإن كان في دار الكفر: لم يُغسّل، ولم يُصلّ عليه. نصّ عليه أحمد؛ لأنّ الأصل أنّ من كان في دار فهو من أهلها، يثبت له حكمهم، ما لم يقم على خلافه دليل) .
وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية - (13 / 62-63) ما نصّه: (لَوْ وُجِدَ مَيِّتٌ أَوْ قَتِيلٌ فِي دَارِ الإِْسْلاَمِ. وَكَانَ عَلَيْهِ سِيمَا الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْخِتَانِ وَالثِّيَابِ وَالْخِضَابِ وَحَلْقِ الْعَانَةِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ غُسْلُهُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، سَوَاءٌ أَوُجِدَ فِي دَارِ الإِْسْلاَمِ أَمْ دَارِ الْحَرْب. ِ
وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ: أَنَّهُ إِنْ وُجِدَ فِي دَارِ الإِْسْلاَمِ يُغَسَّل، وَإِنْ وُجِدَ فِي دَارِ الْحَرْبِ لاَ يُغَسَّل، وَلأَِنَّ الأَْصْل أَنَّ مَنْ كَانَ فِي دَارٍ فَهُوَ مِنْ أَهْلِهَا، يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُهُمْ، مَا لَمْ يَقُمْ عَلَى خِلاَفِهِ دَلِيلٌ. وَصَرَّحَ ابْنُ الْقَاسِمِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ بِأَنَّ الْمَيِّتَ إِنْ وُجِدَ بِفَلاَةٍ، لاَ يُدْرَى أَمُسْلِمٌ هُوَ أَمْ كَافِرٌ؟ فَلاَ يُغَسَّل. وَكَذَلِكَ لَوْ وُجِدَ فِي مَدِينَةٍ مِنَ الْمَدَائِنِ فِي زُقَاقٍ، وَلاَ يُدْرَى حَالُهُ أَمُسْلِمٌ أَمْ كَافِرٌ؟ قَال ابْنُ رُشْدٍ: وَإِنْ كَانَ مَخْتُونًا فَكَذَلِكَ؛ لأَِنَّ الْيَهُودَ يَخْتَتِنُونَ، وَقَال ابْنُ حَبِيبٍ: وَمِنَ النَّصَارَى أَيْضًا مَنْ يَخْتَتِنُ) . والله أعلم.
وينظر: فتاوى اللجنة الدّائمة (8/379) فتوى رقم (10484) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4566)
سقطت أمها من مكان عالٍ فماتت، فهل لها أجر الشهداء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أمي كانت ربة منزل، أفنت حياتها في بيتها، وخدمتنا، وبينما كانت تركّب حبلاً للغسيل، أو منشراً في البلكونة بالدور الرابع: سقطت منها؛ لأنها وقفت على كرسي بجانب السور، وماتت، وسؤالي هو: هل تعتبر أمي في إحدى درجات الشهداء؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله تعالى أن يرحم أمكِ رحمة واسعة، وأن يثيبها ثواباً جزيلاً، وأن يغفر لها ذنبها كله.
وأما بخصوص تحصيل الميت لأجر الشهداء في الآخرة إن مات في غير المعركة: فقد جاءت نصوص نبوية صريحة تبين سعة فضل الله تعالى في كتابة أجر الشهادة لأولئك، فمنهم:
1. الموت بداء البطن.
2. الموت بسبب الهدم، ويدخل فيه حوادث السيارات.
3. الموت غرقاً.
4. موت المرأة في نفاسها بسبب ولدها، أو وهي حامل به.
5. الموت حرقاً.
6. الموت بمرض " ذات الجنب "، وهو كُلّ وجع في الجنب، اشتقاقاً من مكان الألم.
7. الموت بمرض السلّ.
8. الموت بالطاعون.
9. الموت دفاعاً عن الدين، أو المال، أو النفس.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
قال ابن التين رحمه الله: "هذه كلها ميتات فيها شدة، تفضل الله على أمَّة محمد صلى الله عليه وسلم بأن جعلها تمحيصاً لذنوبهم، وزيادة في أجورهم، يبَلِّغهم بها مراتب الشهداء".
"فتح الباري" (8/438) .
وينظر تفصيل أدلة هذه الحالات في جوابي السؤالين: (10903) و (45669) .
وقد ثبت عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (من تردى من رؤوس الجبال وتأكله السباع ويغرق في البحار لشهيد عند الله) . رواه الطبراني. وقال الحافظ ابن حجر: إسناده صحيح.
فقد يقال: إن كل من سقط من مكان عالٍ فيموت بسبب ذلك هو كمن تردى من الجبل، وفضل الله واسع، والله أعلم.
واعلمي أن الله تعالى لا يضيع أجر المحسنين، والأم بما تبذله من عطاء لزوجها، وأولادها، وبيتها، يكون لها الأجور العظيمة، والتي نرجو أن يجزي الله تعالى بها والدتك خير الجزاء.
ونوصي أولادها وزوجها بقضاء ديونها المادية، والصيام عنها إن كان في ذمتها أيام واجبة لم تصمها، كما نوصيهم بالإكثار من الدعاء لها بالرحمة، والمغفرة، وعظيم الأجر.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4567)
يحرم دفن الموتى في المساجد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم دفن الموتى في المساجد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الدفن في المساجد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، ونهى عن اتخاذ المساجد على القبور، ولعن من اتخذ ذلك وهو في سياق الموت يحذّر أُمَّته، ويذكر صلى الله عليه وسلم أن هذا من فعل اليهود والنصارى، ولأن هذا وسيلة إلى الشرك بالله عز وجل، لأن إقامة المساجد على القبور ودفن الموتى فيها وسيلة إلى الشرك بالله عز وجل في أصحاب هذه القبور، فيعتقد الناس أن أصحاب هذه القبور المدفونين في المساجد ينفعون أو يضرون، أو أن لهم خاصية تستوجب أن يُتَقَرَّب إليهم بالطاعات من دون الله سبحانه وتعالى.
فيجب على المسلمين أن يحذروا من هذه الظاهرة الخطيرة، وأن تكون المساجد خالية من القبور، مؤسسة على التوحيد والعقيدة الصحيحة، قال الله تعالى: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً) الجن/18.
فيجب أن تكون المساجد لله سبحانه وتعالى خالية من مظاهر الشرك، تُؤَدَّى فيها عبادة الله وحده لا شريك له. هذا هو واجب المسلمين. والله الموفق" انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله
"فتاوى العقيدة" (صـ 26) .
ولمزيد الفائدة ينظر جواب السؤال رقم (120214) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4568)
تلقين الميت بعد دفنه بدعة
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن تعطوني فكرة عن تلقين الميت عند نزوله في القبر هل هي صحيحة أو بدعة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"التلقين اختلف فيه العلماء، وهو أن يقال له: يا فلان اذكر ما خرجت به من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ... إلى آخره، وجاء في بعض الآثار عن أهل الشام ولكنها غير صحيحة.
والصواب: أن التلقين بدعة، فلا يقال: يا فلان اذكر ما خرجت به من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وأنك رضيت بالله ربًّا وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً، وبالقرآن إماماً.
هذا ليس له أصل يعتمد عليه، والذي ينبغي تركه، هذا هو المعتمد لعدم الدليل.
ولكن يستحب إذا فرغ الناس من دفن الميت يستحب الوقوف عليه والدعاء له بالمغفرة والثبات، هذا هو المشروع، فإذا فرغ الناس من دفن الميت يوقف عليه ويدعى له بالمغفرة والثبات، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال: (اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ. وَسَلُوا لَهُ بِالتَّثْبِيتِ فَإِنَّهُ الْآنَ يُسْأَلُ) ، هذه السنة" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (2/1102) .
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
فتاوى نور على الدرب(5/4569)
إذا شَكَّ في الميت هل كان يصلي أم لا فهل يصلي عليه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[في بعض الأوقات تكون هناك جنازة فأقوم بالصلاة عليها دون معرفة ما إذا كان صاحبها مسلما أم لا، لأن المسجد يصلي على أي واحد ينطق بالشهادة حتى ولو لم يصل أبدا. فما الذي علي فعله؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل أن يصلى على كل مسلم يقول: لا إله إلا الله، ولا يعلم وقوعه في ناقض من نواقضها، فإذا جيء بجنازة للمسجد صلى عليها الإمام، حملا على هذا الأصل، وتغليبا لحسن الظن.
وتارك الصلاة الذي لا يصليها مطلقا، كافر، سواء تركها كسلا أو جحودا، في أصح قولي العلماء؛ لأدلة كثيرة، سبق ذكر بعضها في جواب السؤال رقم (5208) ورقم (83165) .
فإذا علمت أن فلانا من الناس قد مات تاركا للصلاة، فلا يجوز أن تصلي عليه؛ لقوله تعالى: (وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ) التوبة/84.
وقوله تعالى: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) التوبة/113.
وإذا شككت في حال الميت لوجود قرائن تدل على أنه لم يكن يصلي، فإنك تصلي عليه وتشترط في الدعاء، فتقول: اللهم إن كان مؤمنا فاغفر له وارحمه ... الخ.
فقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا غلب على الظن بأن الميت لا يصلى فهل يمتنع المسلم من الصلاة عليه؟
فأجاب:
" لا يمتنع من الصلاة عليه، ولو غلب على ظنه أنه لا يصلى، ما لم يتيقن أنه لا يصلى ولكن إذا كانت غلبة الظن مبنية على قرائن قوية فإنه إذا أراد الدعاء له يقيّد ذلك فيقول: اللهم إن كان مؤمناً اللهم فاغفر له وارحمه إلى آخر الدعاء. والدعاء بالشرط قد جاء به الكتاب والسنة فإن الله سبحانه وتعالى قال في آية اللعان في شهادة الرجل على امرأته بالزنى قال: (فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ. وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ. وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ. وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ) فهذا دعاء بشرط.
وفي حديث الثلاثة الأبرص والأقرع والأعمى حين ابتلاهم الله عز وجل، وفي القصة أن الملَك أتى الأبرص والأقرع كلا منهما في صورته التي كان عليها وقال له: (أي: الملك) أنا فقير وعابر سبيل أسألك يعني أن يمده بشيء يتبلّغ به في سفره، فقال كل منهما: الحقوق كثيرة، وإنما ورثت المال هذا كابراً عن كابر فقال له الملَك: إن كنت كاذباً فصيّرك الله إلى ما كنت.
فقيّد هذا الدعاء بالشرط.
وفي دعاء الاستخارة يقول الرجل: (اللهم إن كنت تعلم أن هذا خير لي في ديني ودنياي) فإذا قُدم الميت الذي يغلب على الظن أنه لا يصلى بدون يقين أنه لا يصلى فإن الإنسان يقول: اللهم إن كان هذا مؤمنا فاغفر له وارحمه.
وقد ذكر ابن القيم رحمه الله عن شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية أنه رأى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فسأله عن أشياء مشكلة عليه، منها: أنه يقدم جنائز للصلاة عليها يشك الإنسان في أنه مبتدع لا يصلى عليه أو متمسك بالسنة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم في المنام: عليك بالشرط يا أحمد. والشرط أن يقول: اللهم إن كان مؤمنا على السنة فاغفر له وارحمه ... الخ.
أما إذا علمت أنه لا يصلى فإنه لا يحل لك أن تصلى عليه لا أنت ولا غيرك؛ لقول الله تبارك وتعالى: (وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ) فنهى الله تعالى أن يصلى على هؤلاء المنافقين الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر " انتى من "فتاوى نور على الدرب".
وسئل رحمه الله: إذا قُدِّم للإمام في صلاة الجنازة من يشكّ في إسلامه ماذا يصنع؟
فأجاب: " يجب أن يصلي عليه؛ لأن الأصل أن المسلم باقي على إسلامه، ولكنه عند الدعاء له يشترط فيقول: " اللهم إن كان مؤمناً فاغفر له وارحمه "، والله تعالى يعلم حاله هل هو مؤمن أم لا، وبهذا يسلم من التبعة، يسلم من أن يدعو لشخص كافر بالمغفرة والرحمة ... " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (17/115) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4570)
ما نفعل في العضو المبتور من أحد المسلمين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا بُتر عضو أو تمت إزالته من جسد أحد المسلمين، فما هو الحكم في ذلك العضو المبتور، هل يدفن في مقابر المسلمين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، يدفن كأنه قطعة من ذلك الإنسان، وإذا تحقق بأنه قد مات صاحب ذلك العضو ولم يعثر عليه فإنه يصلى عليه، وأما إذا كان صاحبه حياً فيدفن في مقابر المسلمين دون حاجة للصلاة عليه.
والله أعلم
سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله.
[الْمَصْدَرُ]
سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله(5/4571)
هل يتأثر الشخص بمن يدفن بجانبه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يتأثر الشخص بمن يدفن بجانبه؟ على سبيل المثال من يوصي بأن يدفن بجانب فلان، ولا يدفن بجانب فلان؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إذا كان مقصود الأخ السائل من دفن المسلم بجانب المسلم أنهما في قبر واحد، فلا يجوز ذلك، لأن الواجب أن يدفن كل مسلم في قبر على حدة، إلا في حالات الضرورة.
قال ابن قدامة في "المغني" (2/222) :
" وَلَا يُدْفَنُ اثْنَانِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ , إلَّا لِضَرُورَةٍ " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين:
"المشروع بالاتفاق ألا يدفن مسلم مع آخر في قبر واحد، وإنما يدفن كل واحد وحده في قبره" انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (1/337) .
أما كون الميت يتأثر بمن يدفن بجانبه، كأن يتأذى بجاره إذا كان من أهل العذاب، أو يسعد بجوار من كان من أهل النعيم، فلا نعلم دليلاً من السنة النبوية يدل على ذلك.
قال الشيخ ابن عثيمين:
"هذا الأمر يحتاج إلى توقيف وإلى نص من الشرع؛ أن الميت يتأذى بمن دفن معه إذا كان ممن يعذب في قبره، وهذا أمر لا أعلم عنه شيئاَ من السنة، وإن كان بعض العلماء رحمهم الله يقولون: إن الميت قد يتأذى بجاره إذا كان يعذب، وقد يتأذى بفعل منكر عنده، ولكن لم أجد دليلاً من السنة يؤيد هذا، والله أعلم" انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (1/337) .
أما ما رواه أبو نعيم في الحلية (6/354) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ادفنوا موتاكم وسط قوم صالحين، فإن الميت يتأذى بجار السوء، كما يتأذى الحي بجار السوء) .
فهو حديث موضوع، انظر "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (563) للألباني.
وقال ابن حبان رحمه الله:
" هذا خبر باطل، لا أصل له من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم " انتهى.
"كتاب المجروحين" (1/291) .
وقد ذكر جماعة من العلماء استحباب الدفن بجوار الصالحين، ولم يذكروا دليلاً صريحاً على ذلك من السنة، وإنما هو مجرد استنباط من بعض الأحاديث، كما استنبط بعضهم ذلك من حديث: (أن موسى عليه الصلاة والسلام لَمّا حضرته الوفاة سأل ربه أن يُدْنِيَهُ مِنْ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجَرٍ) متفق عليه.
وقد بوّب البخاري رحمه الله للحديث بقوله: " بَاب مَنْ أَحَبَّ الدَّفْنَ فِي الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ أَوْ نَحْوِهَا " انتهى.
قال ابن بطال:
" ومعنى سؤال موسى أن يدنيه من الأرض المقدسة، والله أعلم، لفضل من دُفن في الأرض المقدسة من الأنبياء والصالحين، فاستحب مجاورتهم في الممات، كما يستحب جيرتهم في المحيا، ولأن الفضلاء يقصدون المواضع الفاضلة، ويزورون قبورها ويدعون لأهلها " انتهى.
"شرح ابن بطال" (5/359) .
وقال النووي:
" وَفِي هَذَا اِسْتِحْبَاب الدَّفْن فِي الْمَوَاضِع الْفَاضِلَة وَالْمَوَاطِن الْمُبَارَكَة , وَالْقُرْب مِنْ مَدَافِن الصَّالِحِينَ " انتهى.
"شرح مسلم" (15/128) .
ولا يخفى أن الحديث ليس صريحاً في ذلك، ولهذا أخذ منه الإمام البخاري رحمه الله استحباب الدفن في الأرض الفاضلة، ولم يستنبط استحباب الدفن بجوار الصالحين.
وقد ورد عن غير واحد من السلف وأهل العلم الوصية بالدفن بجوار بعض الصالحين:
فأوصى ابن مسعود أن يدفن بجنب قبر عثمان بن مظعون رضي الله عنهما.
"الثقات لابن حبان" (3/ 208) .
وأوصى غالب بن جبريل صاحب الإمام البخاري أن يدفن إلى جنب البخاري.
"المتفق والمفترق" (3/201) .
وأوصى أبو بكر الخطيب الحافظ أن يدفن إلى جانب بشر بن الحارث.
"تاريخ دمشق" (5/34) .
فمن اقتدى بهؤلاء العلماء والأئمة وأوصى أن يدفن بجوار فلان من الصالحين فلا ينكر عليه – وإن كنا لا نجزم أنه ينتفع بذلك – لعدم ورود شيء من السنة يثبت ذلك.
غير أن المنكر الذي يجب إنكاره، ونهي الناس عنه: أن يوصى بدفنه في مكان معين، أو بجوار فلان، يبركاً بهذا الميت، وأنه سينفعه بذاته، أو يشفع له عند الله.
فهذا لا أصل له، وهو اعتقاد فاسد، قد يحمل الناس على سوء العمل، اتكالاً على شفاعة فلان من الناس.
والذي يجب على المسلم أن يهتم به هو، الاستعداد للموت، وإصلاح العمل، الذي سيكون أنيسه في القبر.
روى البخاري (6514) ومسلم (2960) عن أَنَس بْن مَالِكٍ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَتْبَعُ الْمَيِّتَ ثَلَاثَةٌ فَيَرْجِعُ اثْنَانِ وَيَبْقَى مَعَهُ وَاحِدٌ: يَتْبَعُهُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَعَمَلُهُ، فَيَرْجِعُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ، وَيَبْقَى عَمَلُهُ) .
وقال سلمان رضي الله عنه: (إِنَّ الْأَرْضَ لَا تُقَدِّسُ أَحَدًا، وَإِنَّمَا يُقَدِّسُ الْإِنْسَانَ عَمَلُهُ) رواه مالك في الموطأ (1500) .
فلن يشفع للمرء حسن الجوار مع سوء العمل، كما أنه لا يضره سوء الجوار إذا حسُن عمله.
نسأل الله أن يحسن خواتيمنا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4572)
هل يجوز أخذ أجرة على تغسيل الميت؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قام إمام المسجد عندنا بطلب 5 مئة دولار من زوجة الميت من أجل تغسيل زوجها وتجهيزه للدفن، فهل هذا جائز؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تغسيل المسلم الميت من العبادات التي أوجبها الله تعالى على المسلمين، فينبغي القيام بذلك طلباً للثواب، وابتغاء مرضاة الله.
فإن أعطاه أهل الميت شيئاً من المال من غير اشتراط منه، فلا حرج عليه أن يقبله.
وإذا اشترط المغسل أنه لن يغسل الميت إلا بكذا، فهو جائز، غير أن ذلك ينقص من أجره عند الله تعالى.
قال في "كشاف القناع" (2/86) :
"وَيُكْرَهُ أَخْذُ أُجْرَةٍ عَلَى تغسيل الميت وَالتَّكْفِين وَالْحَمْل وَالدَّفْن. قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: كَرِهَ أَحْمَدُ لِلْغَاسِلِ وَالْحَفَّارِ أَخْذَ أُجْرَةٍ عَلَى عَمَلِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مُحْتَاجًا، فَيُعْطَى مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ أُعْطِيَ بِقَدْرِ عَمَلِهِ" انتهى.
وسئل الشيخ ابن عثيمين: هل يجوز أخذ أجرة مقابل تغسيل وتكفين الموتى؟
فأجاب:
"إذا كانت هذه الأجرة أو هذا العطاء بدون شرط فلا شك في جوازه ولا حرج فيه؛ لأنه وقع مكافأة لهذا الغاسل المكفن على عمله، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من صنع إليكم معروفاً فكافئوه) .
أما إذا كانت هذه الأجرة مشروطة فإنها بلا شك تنقص أجر الغاسل المكفن؛ لأن الغاسل المكفن ينال أجراً كبيراً؛ لأن تغسيل الميت وتكفينه من فروض الكفاية؛ فيحصل للغاسل والمكفن أجر فرض الكفاية. لكن إذا أخذ على ذلك أجرة فإن أجره سوف ينقص، ولا حرج عليه إذا أخذ أجرة على هذا؛ لأن هذه الأجرة تكون في مقابل العمل المتعدي للغير، والعمل المتعدي للغير يجوز أخذ الأجرة عليه، كما جاز أخذ الأجرة على تعليم القرآن على القول الصحيح" انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (7/36) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: ما حكم أخذ أجرة على تغسيل الميت، سواء كانت هذه الأجرة مشروطة أو غير مشروطة؟
فأجابوا:
"تجوز، والأولى أن يقوم بها متبرع إذا تيسر ذلك. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (15/112) .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود.
والأجرة التي يشترطها الغاسل تكون بمقدار عمله، من غير مغالاة أو شيء من الاستغلال.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4573)
المشاركة في مراسيم الجنازة والدفن والعزاء على الطريقة البوذية
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجتي أسلمت منذ عدة سنوات والحمد لله وكانت قبل ذلك بوذية ملحدة. بالنسبة لأسرتها ما زالوا على وثنيتهم. منذ عدة أيام مات أحد والديها فذهبنا للمشاركة في مراسيم الدفن والعزاء فحدثت أشياء غريبة أظن أنه ما كان يجوز لنا كمسلمين أن نشارك فيها. فقد وضع الميت في غرفة فيأتي المعزي فيدخل هذه الغرفة فيستقبله أحد الأشخاص القائمين على الجنازة ويعطيه بعض البخور في وعاء فيقبض عليه بيديه ثم ينحني أمام جثة الميت ثلاث مرات ثم يذهب ويقعد في الصف ويسلم على أهالي الميت (وطبعاً نحن من أهله) وتتم المصافحة رجالاً ونساء وقد كان لدي قفازات لأتحاشى ملامسة النساء ولكن لا أدري هل نحن آثمون بفعلنا هذا مع الأخذ في الاعتبار أننا لا نؤمن بهذه الأشياء وإنما حرصاً على العلاقة مع الأسرة أن لا تتفكك وإلا ما كنا لنذهب. وهل إذا مات أحد أقاربها أو والدها الآخر في المستقبل هل أسمح لها بالذهاب إلى هناك أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يجوز للمسلم تعزية الكافر، وخاصة إذا كان المتوفى من ذوي القربى، إذا كان في ذلك مصلحة راجحة، كدعوته وذويه إلى الإسلام، وتأليف قلوبهم عليه.
فقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء:
هل يجوز للمسلم أن يعزي الكافر إذا كان أباه أو أمه، أو من أقاربه، إذا كان يخاف إذا مات ولم يذهب إليهم أن يؤذوه، أو يكون سببا لإبعادهم عن الإسلام أم لا؟
فأجابت:
" إذا كان قصده من التعزية أن يرغبهم في الإسلام فإنه يجوز ذلك، وهذا من مقاصد الشريعة، وهكذا إذا كان في ذلك دفع أذاهم عنه، أو عن المسلمين؛ لأن المصالح العامة الإسلامية تغتفر فيها المضار الجزئية " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (9/132) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" تعزية الكافر إذا مات له من يُعَزَّى به من قريب أو صديق. وفي هذا خلاف بين العلماء فمن العلماء من قال: إن تعزيتهم حرام، ومنهم من قال: إنها جائزة. ومنهم من فَصَّل في ذلك فقال: إن كان في ذلك مصلحة كرجاء إسلامهم، وكف شرهم الذي لا يمكن إلا بتعزيتهم، فهو جائز وإلا كان حراماً.
والراجح: أنه إن كان يفهم من تعزيتهم إعزازهم وإكرامهم كانت حراماً، وإلا فينظر في المصلحة " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (2/236) .
وما سبق إنما هو في تعزية الكافر، أما حضور المسلم جنازة الكافر فلا يجوز ذلك، لأنها من تعظيم الكافر وموالاته، وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن قوم مسلمين مجاوري النصارى فهل يجوز للمسلم إذا مرض النصراني أن يعوده وإذا مات أن يتبع جنازته وهل على من فعل ذلك من المسلمين وزر أم لا؟
فأجاب:
"الحمد لله رب العالمين، لا يتبع جنازته، وأما عيادته فلا بأس بها، فإنه قد يكون في ذلك مصلحة لتأليفه على الإسلام، فإذا مات كافرا فقد وجبت له النار، ولهذا لا يصلى عليه. والله أعلم" انتهى.
"مجموع الفتاوى" (24/265) .
وانظر جواب السؤال رقم (7869) .
ثانياً:
أما لبسك القفاز لتلاشي ملامسة النساء عند المصافحة للتعزية، فهو أيضاً لا يجوز.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله:
"لا تجوز مصافحة النساء غير المحارم مطلقا سواء كن شابات أم عجائز، وسواء كان المصافح شاباً أم شيخاً كبيراً، لما في ذلك من خطر الفتنة لكل منهما، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إني لا أصافح النساء) وقالت عائشة رضي الله عنها: (ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط ما كان يبايعهن إلا بالكلام) .
ولا فرق بين كونها تصافحه بحائل أو بغير حائل لعموم الأدلة، ولسد الذرائع المفضية إلى الفتنة" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (6/280) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"لا يجوز للرجل أن يصافح من ليست محرماً له، لا مباشرةً ولا من وراء حائل" انتهى. "لقاء الباب المفتوح" (9/31) .
فالواجب عليك أن تتوب مما فعلت، وتعزم على عدم العودة لذلك مرة أخرى، وألا تحضر جنازة كافر، ولو كان من أقاربك.
ونسأل الله تعالى أن يوفقكما لكل خير.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4574)
صلاة الجنازة على القبر عند زيارته
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن أصلي على قبر أبي صلاة الجنازة عند زيارته طلباً للرحمة له؟ وهل إذا ورَّث الميت مصحفاً ينال أجراً عند تلاوة أبنائه فيه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا كنت قد صليت على أبيك مع الناس فلا حاجة إلى إعادة الصلاة، بل تزوره وتدعو له فقط، تأتي المقبرة وتسلم على أهل القبور وتدعو لهم وتدعو لأبيك، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (زُورُوا الْقُبُورَ، فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمْ الْآخِرَةَ) .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه إذا زاروا أن يقولوا: (السلام عليكم أهل الديار من المسلمين والمؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية) ، هذه هي السنة.
فتسلم على أهل القبور وعلى أبيك، وتدعو له بالمغفرة والرحمة، ولا حاجة إلى الصلاة، هذا إذا كنت صليت عليه.
أما إذا لم تصل عليه مع الناس فإنك تذهب إلى قبره وتصلي عليه في مدة شهر فأقل إذا كان مضى له شهر أو أقل، أما إذا طالت المدة فلا صلاة عند جمع من أهل العلم، والدعاء يكفي لأبيك والاستغفار له، والترحم عليه، والتصدق عنه بالمال، كل هذا ينفع الميت من أب وغيره.
وأما المصحف إذا خلفه الميت فهو ينفعه إذا وقفه – أي جعله وقفا – ينفعه أجره، كما لو وقف كتباً للعلم المفيد؛ علم الشرع، أو علم مباح ينتفع به الناس فإنه يؤجر على ذلك، لأنه إعانة على خير، كما لو وقف أرضاً أو بيتاً أو دكاناً يتصدق بغلته على الفقراء، أو تبرع للمساجد، كل هذا يؤجر عليه، وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ) .
فالصدقات الجارية تنفع الميت إذا كان مسلماً، وينفعه دعاء أولاده ودعاء غيرهم، وينفعه الوقف الذي يوقفه بعده في سبيل الخير من بيت أو أرض أو دكان أو نخيل، أو أشباه ذلك، فينتفع هو بهذا الوقف إذا انتفع به الناس؛ أكلوا من ثمرته، وانتفعوا بثمرته، أو صرفت ثمرته في مساجد المسلمين لإصلاحها في فرشها؛ أو عمارتها " انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (1/198، 199) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4575)
يجوز للمرأة أن تحد على غير زوجها ثلاثة أيام
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت بعض العلماء يقول: إن غير الزوجة يباح لها ترك الزينة وأحسن الثياب لمدة ثلاثة أيام، حدادا على الميت، ما صحة هذا القول؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"هذا صحيح، وقد جاء به الحديث الصحيح، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تحد امرأة على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا) متفق على صحته" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (22/228) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4576)
هل تُغطَّى رِجلا المحرِم الميت بكفنه أم تُكشفان؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الميت المحرِم - حاج أو معتمر - تُغطَّى رِجله أم تبقى مكشوفة مثل رأسه ووجهه؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم يأت دليل من السنة النبوية على كشف رجلي الرجل المحرم إذا مات، وإنما جاءت السنة بوجوب كشف رأسه، وفي بعض الألفاظ: (ووجهه) وأما الرجلان فتستران كما يُستر سائر البدن.
وعمدة المسألة: حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: بَيْنَمَا رَجُلٌ وَاقِفٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ، إِذْ وَقَعَ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَوَقَصَتْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْه وَلَا تُحَنِّطُوهُ، وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّياً) رواه البخاري (1206) ومسلم (1206) .
وتفرد مسلم بزيادة "الوجه"، فرواه مرة: (وَلاَ تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ وَلاَ وَجْهَهُ) .
(فوقصته) من الوقص وهو كسر العنق.
(سدر) ورق شجر، يدق ويستعمل في الغسل والتنظيف.
(ولا تحنطوه) لا تضعوا له الحَنوط، وهو طيب يخلط للميت خاصة، وهو يدل على أن جميع أنواع الطيب لا تحل للمحرم.
فهذا الحديث يدل على أنه يستر بدنه كله بالكفن إلا الرأس والوجه.
وقد نُقل عن الإمام أحمد أنه تكشف رجلاه أيضا، غير أن علماء المذهب الحنبلي ضعفوا هذه الرواية عن الإمام أحمد، وجزموا بوهم من نقلها عنه.
قال ابن قدامة رحمه الله:
"واختلف عنه – أي: عن الإمام أحمد - في تغطية رجليه، فروى حنبل عنه: " لا تُغطى رجلاه "، وهو الذي ذكره " الخِرَقي "، وقال الخلاَّل: " لا أعرف هذا في الأحاديث، ولا رواه أحدٌ عن أبي عبد الله [الإمام أحمد] غير حنبل، وهو عندي وهم من حنبل ".
والعمل على أنه يغطى جميع المحرم إلا رأسه؛ لأن إحرام الرجل في رأسه، ولا يمنع من تغطية رجليه في حياته، فكذلك في مماته" انتهى.
" المغني " (2 / 404) .
ومذهب الإمام الشافعي رحمه الله أنه يُكشف رأس المحرِم فقط، ويُغطى سائر بدنه.
وأما مذهب الإمامين أبي حنيفة ومالك رحمهما الله فهو: تكفين المحرم كتكفين غيره من الأموات فيستر جميع بدنه، وعندهم أن حديث ابن عباس خاص بذلك الصحابي.
جاء " الموسوعة الفقهية " (13 / 244، 245) :
"قال الشافعية والحنابلة: إذا مات المحرم، والمحرمة: حرُم تطييبهما، وأخذ شيء من شعرهما، أو ظفرهما، وحرُم ستر رأس الرجل، وإلباسه مخيطاً، وحرُم ستر وجه المحرمة؛ لما روى ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المحرم الذي وقصته ناقته فمات: (اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، اللذين مات فيهما، ولا تمسوه بطيب، ولا تخمروا رأسه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيّاً) .
وعند الحنفية والمالكية: يكفَّن المحرم، والمحرمة، كما يكفن غير المحرِم، أي: يُغطَّى رأسه، ووجهه، ويطيَّب، لما روي عن عطاء عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في المحرم يموت: (خمِّروهم ولا تشبهوهم باليهود) ، وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال في المحرم: (إذا مات انقطع إحرامه) ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: ولد صالح يدعو له، أو صدقة جارية، أو علم ينتفع به) ، والإحرام ليس من هذه الثلاثة" انتهى.
وحديث: (خمِّروهم ولا تشبهوهم باليهود) ، حديث ضعيف، رواه الدارقطني في " سننه " (2/296) من طريق: لي بن عاصم عن ابن جريح عن عطاء عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن الجوزي رحمه الله:
"حديث لا يصح، قال يزيد بن هارون: ما زلنا نعرف " علي بن عاصم " بالكذب، وكان أحمد: سيىء الرأي فيه، وقال يحيى: ليس بشيء، وقال النسائي: متروك الحديث" انتهى.
" التحقيق في أحاديث الخلاف " (2 / 5) .
وضعفه الشيخ الألباني في " السلسلة الضعيفة " (3556) .
والخلاصة:
أن رجلي المحرم إذا مات تستران بالكفن ولا تكشفان.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(5/4577)
صديقه تحول إلى الإلحاد ثم مات فهل يصلي عليه ويدعو له
[السُّؤَالُ]
ـ[مات أحد أصدقائي منذ عدة أيام، والذي ولد ونشأ مسلماً، ولكنه في مرحلة من مراحل حياته تحول الى الإلحاد، ولم يعد يعتقد بدين الإسلام، ولطالما تشاجرنا حول هذا الموضوع. ومات على ذلك في الظاهر. فهل يجوز أن أصلي عليه، وأن أحضر جنازته، وأن أدعو له؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الأمر كما ذكرت، من تحول صديقك إلى الإلحاد، وعدم الاعتقاد بدين الإسلام، وأنه مات على ذلك في الظاهر: فإنه لا يجوز لمن عرف حاله أن يصلي عليه، أو يدعو له، ولا أن يغسله أو يكفنه أو يدفنه في مقابر المسلمين؛ لقوله تعالى: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) التوبة/113
وقوله: (وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ) التوبة/84
وروى مسلم (976) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لِأُمِّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي) .
وهذا دليل على عدم جواز الدعاء لمن مات على الشرك أو الكفر.
وينظر للفائدة: سؤال رقم (7869) ورقم (7867) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4578)
هل يصلي الجنازة على تارك الصلاة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يتعين علي حضور جنازة من كان يدعي أنه مسلم (يشهد أن لا إله إلا الله) ولكنه كان يشرب الخمر، وما صام ولا صلى يوماً في حياته؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
شهود جنازة المسلم، أي: تغسيله أو تكفينه أو الصلاة عليه أو دفنه، واجب على الكفاية، فإن وجد من يقوم به من المسلمين أصبح مستحبا في حقك وليس واجبا.
قال في "زاد المستقنع": " غسل الميت، وتكفينه، والصلاة عليه، ودفنه فرض كفاية ".
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه: " واعلم أن كل فرض كفاية إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين، فإن لم يوجد إلا واحد صار في حقه فرض عين.
وقول المؤلف: " دفنه فرض كفاية " وما يتوقف عليه الدفن فرض كفاية أيضا، وكذلك ما تتوقف الصلاة عليه فرض كفاية، فحمله من بيته إلى المصلى فرض كفاية، وحمله من المصلى إلى المقبرة فرض كفاية؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب " انتهى من "الشرح الممتع" (5/265) .
ثانيا:
تارك الصلاة الذي لا يصليها مطلقا، كافر، سواء تركها كسلا أو جحودا، في أصح قولي العلماء؛ لأدلة كثيرة، سبق ذكر بعضها في جواب السؤال رقم (5208) ورقم (83165) .
وعليه؛ فلا يجوز أن تصلي الجنازة على من علمت أنه مات تاركا للصلاة؛ لعموم قوله تعالى: (وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ) التوبة/84.
وقوله تعالى: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) التوبة/113.
فتارك الصلاة لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين؛ لأنه كافر كما سبق.
وأما المسلم العاصي كالذي يشرب الخمر، لكنه محافظ على الصلاة لا يتركها، فهذا يصلى عليه، وقد يترك الإمام أو العالم الصلاة عليه زجرا للناس عن فعله، وتخويفا لمن كان على مثل حاله، لكن يصلي عليه غيره من الناس.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4579)
هل يجوز مس جسد المرأة بعد موتها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أنه لا يجوز لمس جسد المرأة بعد أن تموت؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للرجل الأجنبي عن المرأة أن يمسها بعد موتها، كما لا يجوز له ذلك في حال حياتها، وإنما يجوز مسها للنساء أو محارمها من الرجال.
فعورة المرأة بعد موتها كعورتها في حال حياتها، ولهذا اتفق العلماء على أن الرجل لا يغسل المرأة، والمرأة لا تغسل الرجل، إلا في الزوجين فقط، فيجوز لكل واحد منهما أن يغسل الآخر.
قال الفقيه ابن رشد:
" اتفقوا على أن الرجال يغسلون الرجال، والنساء يغسلن النساء، واختلفوا في المرأة تموت مع الرجال أو الرجل يموت مع النساء ما لم يكونا زوجين على ثلاثة أقوال:
فقال قوم: يغسل كل واحد منهما صاحبه من فوق الثياب.
وقال قوم: ييمم كل واحد منهما صاحبه.
وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وجمهور العلماء وقال قوم: لا يغسل واحد منهما صاحبه ولا ييممه , وبه قال الليث بن سعد بل يدفن من غير غسل.
وسبب اختلافهم هو الترجيح بين تغليب النهي على الأمر أو الأمر على النهي؛ وذلك أن الغسل مأمور به، ونظر الرجل إلى بدن المرأة، والمرأة إلى بدن الرجل منهي عنه " انتهى.
"بداية المجتهد" (1/27-228) .
فتبين بذلك أن الفقهاء متفقون على أنه لا يمس الرجل امرأة أجنبية عنه بعد موتها، ولا تمس المرأة رجلاً أجنبياً عنها بعد موته، لأن العلماء الذي قالوا: يغسل كل منهما الآخر، قالوا: يغسله من فوق الثياب، وذلك حتى لا يمسه، ولا ينظر إلى عورته.
وقد تواترت عبارات الفقهاء على احترام عورة الميت، وأنها كعورة الحي من حيث النظر واللمس:
قال في "كشاف القناع" (2/92-93) :
"وَلَا يَحِلُّ مَسُّ عَوْرَة مَنْ لَهُ سَبْعُ سِنِينَ فَأَكْثَرُ بِغَيْرِ حَائِلٍ، وَلَا النَّظَرُ إلَيْهَا، لِأَنَّ التَّطْهِيرَ يُمْكِنُ بِدُونِ ذَلِكَ فَأَشْبَهَ حَالَ الْحَيَاةِ " انتهى.
وقال ابن قدامة في "المغني" (2/189) :
"وَالْمَرْأَةُ يُخَمَّرُ [أي: يغطى] قَبْرُهَا بِثَوْبٍ، لَا نَعْلَمُ فِي اسْتِحْبَابِ هَذَا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا.... ثم ذكر آثاراً بذلك عن عمر وعلي رضي الله عنهم. ثم قال: لِأَنَّ الْمَرْأَةَ عَوْرَةٌ , وَلَا يُؤْمَنُ أَنْ يَبْدُوَ مِنْهَا شَيْءٌ فَيَرَاهُ الْحَاضِرُونَ " انتهى.
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (13/56) :
" الْأَصْلُ: أَنَّهُ لَا يُغَسِّلُ الرِّجَالَ إلَّا الرِّجَالُ , وَلَا النِّسَاءَ إلَّا النِّسَاءُ , لِأَنَّ نَظَرَ النَّوْعِ إلَى النَّوْعِ نَفْسِهِ أَهْوَنُ , وَحُرْمَةُ الْمَسِّ ثَابِتَةٌ حَالَةَ الْحَيَاةِ , فَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ " انتهى.
وقال الكاساني في "بدائع الصنائع" (1/300) :
" وَتُسْتَرُ عَوْرَتُهُ [يعني: الميت] بِخِرْقَةٍ ; لِأَنَّ حُرْمَةَ النَّظَرِ إلَى الْعَوْرَةِ بَاقِيَةٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلِهَذَا لَا يُبَاحُ لِلْأَجْنَبِيِّ غُسْلُ الْأَجْنَبِيَّةِ" انتهى باختصار.
وقال في "البحر الرائق" (2/185) :
" النَّظَرُ إلَيْهَا حَرَامٌ [يعني: عورة الميت] كَمَا فِي عَوْرَةِ الْحَيِّ ... وَفِي الْمُحِيطِ: وَيَغْسِلُ عَوْرَتَهُ تَحْتَ الْخِرْقَةِ بَعْدَ أَنْ يَلُفَّ عَلَى يَدِهِ خِرْقَةً لِتَصِيرَ الْخِرْقَةُ حَائِلَةً بَيْنَ يَدِهِ وَبَيْنَ الْعَوْرَةِ ; لِأَنَّ اللَّمْسَ حَرَامٌ كَالنَّظَرِ " انتهى.
وقال أيضاً (2/188) :
"وأما الغاسل فمن شرطه أن يحل له النظر إلى المغسول، فلا يغسل الرجل المرأة، ولا المرأة الرجل" انتهى.
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
" لا يجوز للرجل أن يغسل غير زوجته من الإناث، سواء كن محارم أم أجنبيات، إلا الطفلة الصغيرة التي ماتت دون سبع سنوات، فله أن يغسلها، وعلى هذا إن ماتت امرأة بين رجال فقط، ليس فيهم زوج لها ولا امرأة يُمِّمت بالنية عن الوضوء والغسل جميعاً، تغليباً لجانب المحافظة على عورتها، فإن الغالب على من يباشر تغسيل الميت ولو بصب الماء عليه أن يقع بصره على شيء من عورته، وأن يمسها ويقلبه، ليتمكن من تعميم الماء على جسده، فكان التيمم من ماتت وليس معها إلا رجال، أحفظ لعورتها، وأحوط لصيانتها " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (8/364) .
وجاء فيها أيضاً (24/424) :
"النظر إلى عورته ميتا كالنظر في عورته حيا، فلا يجوز" انتهى.
وقال الشيخ صالح الفوزان:
"أما ما عدا الزوجين فإنه لا يجوز للنساء أن تغسل الرجال، ولا يجوز للرجال أن يغسلوا النساء، بل كل جنس يغسل جنسه، ولا يطلع أحدهما على عورة الآخر؛ إلا الطفل الصغير الذي هو دون التمييز فهذا لا بأس أن يغسله الرجال والنساء على حد سواء، لأنه لا عورة له".
انتهى مختصراً من "المنتقى من فتاوى الفوزان" (80/47-48) .
والحاصل: أنه لا يجوز لأحد من الرجال الأجانب أن يمس امرأة ميتة، كما لا يجوز له ذلك في حال حياتها.
لكن.. عند إدخالها في القبر فيجوز للرجال الأجانب عنها حملها وإدخالها القبر، لأن المس هنا من وراء حائل (وهو الكفن) ولأن الحاجة داعية إلى ذلك.
قال ابن الهمام في "فتح القدير" (2/141) :
" لا يُدْخِلُ أَحَدًا مِنْ النِّسَاءِ الْقَبْرَ وَلَا يُخْرِجُهُنَّ إلَّا الرِّجَالُ وَلَوْ كَانُوا أَجَانِبَ , لِأَنَّ مَسَّ الْأَجْنَبِيِّ لَهَا بِحَائِلٍ عِنْدَ الضَّرُورَةِ جَائِزٌ فِي حَيَاتِهَا , فَكَذَا بَعْدَ مَوْتِهَا " انتهى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4580)
جواز إعلان الوفاة في المنتديات من أجل التعزية
[السُّؤَالُ]
ـ[كثيراً ما أرى في المنتديات فتح صفحة خاصة للتعزية عند وفاة أحد أقارب العضو المشارك في المنتدى، فما قولكم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي يظهر لنا: هو جواز الإعلان في المنتديات عن وفاة أحد أعضائه، أو أحد أقربائه، من أجل التعزية فيه، فيُدعى له بالرحمة إن كان هو المتوفَّى، ويُعزَّى إن كان الميت أحد أقربائه، وليس هذا من النعي المحرَّم، إن خلا الغلو في الثناء، وليس فيه المحظور الذي من أجله منع مَن منع مِن العلماء في الإعلان في الصحف، وهو التكلُّف في دفع المال.
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
ما حكم التعزية في الجرائد، هل تعتبر من النعي المحرم؟ .
فأجاب:
ليس ذلك من النعي المحرم، وتركه أولى؛ لأنه يكلف المال الكثير.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (13 / 408) .
والإعلان عن الوفاة قبل الدفن فيه مصالح، منها: الدعاء له بالرحمة والتثبيتِ في سؤال القبر، وتكثير المصلين عليه من أهل الخير، وتخفيف مصاب أهله من هؤلاء المقربين منه، وأما الإعلان عن الوفاة بعد الدفن: ففيه مصالح – أيضاً -، ومن أبرزها: تعزية العضو الذي فقد أحدَ أهله، أو أقربائه.
ومما يدل على الأصل الذي ذكرناه، وهو جواز الإعلان عن وفاة المسلم، وبخاصة قبل الدفن، من غير غلو في الوصف والثناء: إعلان النبي صلى الله عليه وسلم وفاة " النجاشي " ملك الحبشة.
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: نَعَى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم النَّجَاشِيَّ صَاحِبَ الْحَبَشَةِ، يَوْمَ الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَقَالَ: (اسْتَغْفِرُوا لأَخِيكُمْ) .
البخاري (1263) ومسلم (951) .
ففي الحديث: بيان حال الميت بما يهيج على الدعاء له بما يستحقه، وبالصلاة عليه، حيث صلَّى عليه النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه صلاة الغائب.
قال ابن قدامة – رحمه الله -:
قال الخرقي: " ويستحب تعزية أهل الميت ".
لا نعلم في هذه المسألة خلافا ... .
والمقصود بالتعزية: تسلية أهل المصيبة، وقضاء حقوقهم، والتقرب إليهم، والحاجة إليها بعد الدفن كالحاجة إليها قبله.
" المغني " (2 / 408) .
وقال النووي – رحمه الله -:
واعلم أن التعزية مستحبة قبل الدفن، وبعده.
" الأذكار " (ص 148، 149) .
وليس للتعزية وقت محدد، ولا مكان محدد، فالمنع من الإعلان المجرد عن الوفاة في المنتديات لا يخالف نصّاً، ولا مقصوداً من مقاصد الشرع.
قال علماء اللجنة الدائمة:
وليس للتعزية وقت محدود، ولا مكان محدود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (9 / 134) .
وينظر تفصيلاً أوفى في جواب السؤال رقم: (119130) .
ولمعرفة النعي المحرَّم، وأن الإعلان المجرد مباح في ذاته، وللوقوف على كلام أهل العلم في الاستدلال بحديث النجاشي وغيره: انظر جواب السؤال رقم: (60008) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4581)
العناية الجائزة بالقبور والعناية المحرمة
[السُّؤَالُ]
ـ[أحد أقاربي طلب من بقية إخوانه أن يتبرعوا ببعض المال للاعتناء بقبر والدتهم، والذي أصبح عليه الكثير من الغبار، وحوله الكثير من الأشجار الصغيرة، هذا القبر محوط بقضبان حديدية ومطلي بطلاء أبيض، ومكتوب عليه اسمها وتأريخ مولدها....الخ. فهل يجوز لهم أن يدفعوا بعض المال لكي يعتنوا به؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
للقبر في الشريعة الإسلامية قدر كبير من الحرمة، لا يجوز لأحد التهاون فيه ولا الاعتداء عليه، حتى لقد حرَّم النبي صلى الله عليه وسلم الجلوس على القبر تحريما شديدا، فقد جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (لَأَنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ فَتُحْرِقَ ثِيَابَهُ فَتَخْلُصَ إِلَى جِلْدِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ) رواه مسلم (971) .
وانظر جواب السؤال رقم: (4309) ، (4698)
وهذه الحرمة تقتضي من المسلمين العناية بالقبر بالقدر الذي يحفظ للميت حرمته، ويصون كرامته، ولا يعرضه للأذى والامتهان، وذلك يكون بالوسائل الآتية:
1- وضع شاخص عند رأس القبر كما وضع النبي صلى الله عليه وسلم علامة عند قبر الصحابي الجليل عثمان بن مظعون، رواه أبو داود (3206) ، يقول النووي رحمه الله: " السنة أن يجعل عند رأسه علامة شاخصة، من حجر أو خشبة أو غيرهما، هكذا قاله الشافعي والمصنِّف [يعني:الشيرازي] وسائر الأصحاب " انتهى. " المجموع " (5/265) ، وانظر جواب السؤال رقم: (8991)
2- رفع القبر قدر شبر فقط ولا يزاد عليه، هكذا كان قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول ابن قدامة رحمه الله: " يرفع القبر عن الأرض قدر شبر ليعلم أنه قبر , فيتوقى ويترحم على صاحبه ... ولا يستحب رفع القبر إلا شيئا يسيرا " انتهى. " المغني " (2/190) .
ونقل في "الموسوعة الفقهية " (11/342) اتفاق الفقهاء عليه، وانظر جواب السؤال رقم: (83133)
3- ينبغي إحاطة المقبرة كلها بسور يحفظها ويميزها عما حولها، ويقيها من أذى الأولاد الصغار وأذى الدواب التي قد تمتهن القبور. ينظر: فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم (3/211-212) ، أحكام المقابر، للسحيباني (457) .
ثانيا:
وأما الوسائل المحرمة التي يقوم بها بعض الناس لحفظ قبور أقربائهم، فهي متنوعة، تختلف بحسب اختلاف البيئات؛ فمن ذلك:
1- رفع القبر عن الأرض أكثر من شبر بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب: (لَا تَدَعَ تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتَهُ وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ) رواه مسلم (969)
2- البناء على القبور، أي بناء كان، مرتفعا أو غير مرتفع، على شكل قبة أو مقام أو أي شكل من أشكال البناء. جاء في " الموسوعة الفقهية " (32/250) : " ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى كراهة البناء على القبر في الجملة , لحديث جابر: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر وأن يبنى عليه. وسواء في البناء بناء قبة أم بيت أم غيرهما. وقال الحنفية: يحرم لو للزينة , ويكره لو للإحكام بعد الدفن " انتهى.
3- طلاء القبر بالدهان أو الجص أو غير ذلك من أنواع الزينة، جاء في " الموسوعة الفقهية " (32/250) : " واتفق الفقهاء على كراهة تجصيص القبر , لما روى جابر رضي الله تعالى عنه: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه. قال المَحَلِّي: التجصيص التبييض بالجص، وهو الجير. قال عميرة: وحكمة النهي التزيين , وزاد إضاعة المال على غير غرض شرعي " انتهى.
4- إحاطة القبر بسور ـ سوى سور المقبرة الذي يحميها من العبث والامتهان ـ أو سياج لما فيه من شبه بالبناء المحرم على القبور، يقول الشيخ الألباني رحمه الله: " إحاطة القبر بهذه المقصورة على هذا الشكل المزخرف، إنما هي نوع آخر من المنكر الذي يحمل الناس على معصية الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وتعظيم صاحب القبر بما لا يجوز شرعاً، مما هو مشاهد معروف " انتهى. " تحذير الساجد " (ص/89)
5- الكتابة على القبور، من المدح والثناء، أو الرثاء، أو نحو ذلك مما يدخل في معنى النياحة على الميت، أو يفتح باب التعظيم والغلو فيه.
6- غرس الأشجار على القبور، وزراعة النبات الأخضر عليه، فليس ذلك من عادات المسلمين في قبورهم، بل من عادات النصارى، وقد سبق بيان ذلك أيضا في جواب رقم: (14370) ، (41643) ، (48958)
ثالثا:
وبناء على ما سبق، فإن الصيانة المشروعة للقبر لا تكاد تحتاج إلى مال ينفق عليها، ما دام القبر مصونا عن الامتهان والأذى، وأما طلاؤه وتشييده والبناء عليه فهذا كله من العناية الممنوعة بالقبر، وهكذا إحاطته بقضبان حديدية. وكون القبر عليه غبار: ليس من امتهان القبر في شيء؛ بل هذا هو شأن القبور دائما: أن يدفن أهلها تحت التراب.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4582)
حكم تقديم الرجل اليمنى عند دخول المقبرة واليسرى عند الخروج منها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تقديم الرجل اليمنى في الدخول إلى المقبرة وتقديم اليسرى في الخروج منها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" ليس في هذا سنة عن النبي عليه الصلاة والسلام، وبناء على ذلك فالإنسان يدخل حيث صادف، إن صادف دخوله برجله اليمنى، فالرجل اليمنى، أو اليسرى، فاليسرى حتى يتبين دليل من السنة " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (17/167) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4583)
الميت يدفن على جنبه الأيمن مستقبل القبلة
[السُّؤَالُ]
ـ[في بعض البلاد يدفنون الميت على ظهره ويده اليمنى على اليسرى فوق بطنه، فهل هذه الطريقة صحيحة في الدفن؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الصواب أن الميت يدفن على جنبه الأيمن مستقبل القبلة، فإن الكعبة قبلة الناس أحياء وأمواتاً، وكما أن النائم ينام على جنبه الأيمن، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم، فكذلك الميت يوضع على جنبه الأيمن، فإن النوم والموت يشتركان في كون كل منهما وفاة، كما قال الله تعالى: (الله يَتَوَفَّى الأنفُسَ حِينَ مَوتِها وَالتي لَمْ تَمُتْ في مَنَامِهَا) الزمر/42، وقال تعالى: (وَهُوَ الذِي يَتَوَفَّكُم بِالَّليلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَهَارِ ثُمَّ يَبَْعَثُكُمْ فيِه لُيقْضَىَ أَجَلٌ مُّسَمَّى) الأنعام/60.
فالمشروع في دفن الميت أن يضجع على جنبه الأيمن مستقبلاً القبلة، ولعل ما شاهده السائل في بلاده كان ناتجاً عن جهل في ذلك، وإلا فما علمت أحداً من أهل العلم يقول: إن الميت يضجع على ظهره وتجعل يداه على بطنه" انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
"فتاوى إسلامية" (2/52) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4584)
هل الوصية واجبة وما نصها الشرعي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل كتابة الوصية واجبة، وهل يلزم لها شهود، وحيث إنني لا أعرف النص الشرعي أرجو إرشادي إليه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"تكتب الوصية حسب الصيغة التالية: أنا فلان بن فلان أو فلانة بنت فلان أوصي بأني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق والنار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور. وأوصي من تركت من أهلي وذريتي وسائر أقاربي بتقوى الله وإصلاح ذات البين وطاعة الله ورسوله والتواصي بالحق والصبر عليه، وأوصيهم بمثل ما أوصى به إبراهيم عليه الصلاة والسلام بنيه ويعقوب: (يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) البقرة/132، ثم يذكر ما يرغب أن يوصي به من ثلث ماله أو أقل من ذلك أو مال معين لا يزيد على الثلث، ويبين مصارفه الشرعية، ويذكر الوكيل على ذلك.
والوصية ليست واجبة، بل مستحبة إذا أحب أن يوصي بشيء، لما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما حق امرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده) .
لكن إذا كانت عليه ديون أو حقوق ليس عليها وثائق تثبتها لأهلها وجب عليه أن يوصي بها حتى لا تضيع حقوق الناس.
وينبغي أن يشهد على وصيته شاهدين عدلين، وأن يحررها لدى من يوثق بتحريره من أهل العلم حتى يعتمد عليها، ولا ينبغي أن يكتفي بخطه فقط؛ لأنه قد يشتبه خطه على الناس، وقد لا يتيسر من يعرفه من الثقات، والله ولي التوفيق" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله.
"مجلة البحوث الإسلامية" (33/111) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4585)
زيارة المقابر لا يشترط لها الطهارة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأيكم في إنسان زار المسجد النبوي وهو على وضوء وخرج إلى البقيع على غير وضوء، هل عليه شيء في ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" لا شيء عليه؛ لأن زيارة البقيع أو شهداء أحد لا يطلب لها أن يكون الزائر على وضوء، وهكذا زيارة جميع القبور تستحب ولا تشترط لها الطهارة؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة) أخرجه مسلم في صحيحه.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز.. الشيخ عبد الرزاق عفيفي.. الشيخ عبد الله بن غديان.. الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء" (9/101) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4586)
بنى مسجدا وأوصى أن يدفن فيه
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل بنى مسجداً، وأوصى أن يدفن فيه فدفن، فما العمل الآن؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه الوصية باطلة، مخالفة للشرع، فلا يجتمع في الإسلام مسجد وقبر أبداً، والحكم للسابق منهما، وطالما أن المسجد هو الذي بني أولاً، فيجب نبش القبر وإخراجه من المسجد، ويدفن الميت مع المسلمين في المقابر.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
" يهدم المسجد إذا بني على قبر، كما ينبش الميت إذا دفن في المسجد، نص على ذلك الإمام أحمد وغيره، فلا يجتمع في دين الإسلام مسجد وقبر، بل أيهما طرأ على الآخر منع منه، وكان الحكم للسابق، فلو وضعا معاً لم يجز، ولا يصح هذا الوقف ولا يجوز، ولا تصح الصلاة في هذا المسجد؛ لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ولعنه من اتخذ القبر مسجدا، أو أوقد عليه سراجاً، فهذا دين الإسلام الذي بعث الله به رسوله ونبيه وغربته بين الناس كما ترى " انتهى.
"زاد المعاد" (3/572) .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله مثل هذا السؤال، فأجاب:
" هذه الوصية أعني الوصية أن يدفن في المسجد غير صحيحة؛ لأن المساجد ليست مقابر، ولا يجوز الدفن في المسجد، وتنفيذ هذه الوصية محرم، والواجب الآن نبش هذا القبر وإخراجه إلى مقابر المسلمين " انتهى.
"فتاوى ابن عثيمين" (2/233) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4587)
يجوز للمرأة أن تصلي صلاة الجنازة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن تشارك المرأة الرجال في الصلاة على الجنازة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الأصل في العبادات التي شرعها الله في كتابه أو بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته أنها عامة للذكور والإناث، حتى يدل دليل على التخصيص بالذكور أو الإناث، وصلاة الجنازة من العبادات التي شرعها الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، فيعم الخطاب الرجال والنساء، إلا أن الغالب أن الذي يباشر ذلك الرجال لكثرة ملازمة النساء لبيوتهن، ولذلك إذا صادف أنه لم يحضر الجنازة إلا نساء صلين عليها، وقمن بالواجب نحوها، وقد ثبت أن عائشة رضي الله عنها أمرت أن يؤتى بسعد بن أبي وقاص لتصلي عليه، ولم نعلم أن أحدا من الصحابة أنكر عليها، فدل ذلك على أن المرأة تشارك الرجال في الصلاة على الجنازة، وقد تنفرد بالصلاة عليها لأمور تدعو إلى ذلك، كما يكون ذلك في حق الرجال، غير أنهن إذا صلين صلاة الجنازة أو غيرها مع الرجال تكون صفوفهن خلف صفوف الرجال. وثبت أيضا أنهن صلين على النبي صلى الله عليه وسلم كما صلى عليه الرجال، لكنهن لا يشيعن الجنائز للدفن، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (9/46) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4588)
كيفية التعزية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما كيفية العزاء الإسلامي؟ وما حكم المآتم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التعزية هي التسلية والحث على الصبر بوعد الأجر، والدعاء للميت والمصاب، هكذا يعرفها الفقهاء رحمهم الله، منهم العلامة ابن مفلح في "الفروع" (2/229) .
ولا شك أن التعزية مما يخفف على المصاب ويذهب الهم، ويزيل الغم، ولذلك جاءت الشريعة باستحباب تعزية من أصيب بمصيبة، تحقيقا لمقصد التعاون على البر والتقوى، والتصبر والرضا بالقضاء والقدر، والتواصي بالحق والتواصي بالصبر.
ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يعزي أصحابه في مصائبهم، وما زال المسلمون يعزي بعضهم بعضهم، ويواسي بعضهم بعضا، واتفق العلماء على مشروعية التعزية واستحبابها.
قال النووي رحمه الله: " واعلم أن التعزية هي التصبير، وذكر ما يسلي صاحب الميت، ويخفف حزنه، ويهون مصيبته، وهي مستحبة، فإنها مشتملة على الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وهي داخلة أيضا في قول الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى) المائدة/2، وهذا أحسن ما يستدل به في التعزية، وثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه) " انتهى.
"الأذكار" (ص/148-149) .
وتحصل التعزية بكل لفظ يسلي المصاب ويصبره، ويحثه على احتساب الأجر عند الله.
قال الشوكاني رحمه الله: " فكل ما يجلب للمصاب صبراً يقال له: تعزية، بأي لفظ كان، ويحصل به للمعزي الأجر المذكور في الأحاديث " انتهى.
"نيل الأوطار" (4/117) .
ومما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ألفاظ التعزية: (إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فاصبر واحتسب) .
قال النووي رحمه الله:
" أحسن ما يعزى به ما روينا في صحيحي البخاري ومسلم عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: أرسلت إحدى بنات النبي صلى الله عليه وسلم إليه تدعوه وتخبره أن صبيا لها أو ابنا في الموت، فقال للرسول: (ارجع إليها، فأخبرها أن لله تعالى ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شئ عنده بأجل مسمى، فمرها فلتصبر ولتحتسب ... ) وذكر تمام الحديث.
قلت (النووي) : فهذا الحديث من أعظم قواعد الإسلام، المشتملة على مهمات كثيرة من أصول الدين وفروعه والآداب والصبر على النوازل كلها والهموم والأسقام وغير ذلك من الأعراض، ومعنى: (أن لله تعالى ما أخذ) ، أن العالم كله ملك لله تعالى، فلم يأخذ ما هو لكم، بل أخذ ما هو له عندكم في معنى العارية، ومعنى: (وله ما أعطى) ، أن ما وهبه لكم ليس خارجا عن ملكه، بل هو له سبحانه يفعل فيه ما يشاء، (وكل شيء عنده بأجل مسمى) ، فلا تجزعوا، فإن من قبضه قد انقضى أجله المسمى فمحال تأخره أو تقدمه عنه، فإذا علمتم هذا كله، فاصبروا واحتسبوا ما نزل بكم " انتهى.
"الأذكار" (ص/150) .
وأما مكان التعزية وكيفيتها فليس في ذلك شيء محدد، فيمكن أن تحصل بالمقابلة في المسجد أو في الطريق أو في العمل، وبالمكالمة الهاتفية، وبالرسائل المتنوعة، وبالذهاب إلى بيته، وبكل شيء يتعارف عليه الناس أنه من طرق التعزية، إلا أنه لا يشرع الاجتماع لها، وعمل المآتم، بل ذلك بدعة مذمومة، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (14396) .
ويبدأ وقت التعزية من حين يموت الميت، فتستحب قبل الدفن وبعده، ولا تتحدد بثلاثة أيام.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله:
" وليس لها وقت مخصص، ولا أيام مخصوصة، بل هي مشروعة من حين الدفن وبعده، والمبادرة بها أفضل في حال شدة المصيبة، وتجوز بعد ثلاث من موت الميت؛ لعدم الدليل على التحديد " انتهى.
"فتاوى إسلامية" (2/43) .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (9/134) : "وليس للتعزية وقت محدد، ولا مكان محدد" انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4589)
حكم الأذان والإقامة في قبر الميت
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الأذان والإقامة في قبر الميت عند وضعه فيه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا ريب أن ذلك بدعة ما أنزل الله بها من سلطان؛ لأن ذلك لم ينقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه رضي الله عنهم، والخير كله في اتباعهم وسلوك سبيلهم، كما قال سبحانه: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) وفي لفظ آخر قال عليه الصلاة والسلام: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) وقال صلى الله عليه وسلم: (وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة) أخرجه مسلم في صحيحه من حديث جابر رضي الله عنه، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله.
"فتاوى إسلامية" (2/50) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4590)
حكم السفر لأجل العزاء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يسافر من أجل العزاء لقريب أو صديق، وهل يجوز العزاء قبل الدفن؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا نعلم بأسا في السفر من أجل العزاء لقريب أو صديق؛ لما في ذلك من الجبر والمواساة وتخفيف آلام المصيبة، ولا بأس في العزاء قبل الدفن وبعده، وكلما كان أقرب من وقت المصيبة كان أكمل في تخفيف آلامها. وبالله التوفيق" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله.
"فتاوى إسلامية" (2/43) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4591)
ثقل الجنازة ليس دليلاً على فساد صاحبها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ثقل جسم الميت أثناء حمله على الأكتاف ساعة الدفن تدل على أن أعماله السيئة أكثر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس في شريعتنا ما يدل على ذلك، وغاية ما ذكره بعض متأخري الفقهاء، ما جاء في حاشية "نهاية المحتاج" (2/466) للشبراملسي:
" سئل أبو علي النجاد عن خفة الجنازة وثقلها فقال:
إذا خفت فصاحبها شهيد ; لأن الشهيد حي، والحي أخف من الميت , قال الله تعالى (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله) الآية. ذكره أبو الحسين في طبقاته في ترجمة عمر أبي حفص البرمكي " انتهى.
لكن الصواب أنها ليست بعلامة صحيحة، فليس ثمة دليل على أن الميت أثقل من الحي، فلم يثبت ذلك بالوجه الشرعي ولا بالوجه الحسي أو العقلي، فضلاً عن أن يكون ذلك علامة على حسن الخاتمة أو سوئها، ولا علامة على صلاح صاحبها أو فساده، وخاصة أن كثيراً من الناس يسيئون الظن ببعض الأموات بهذه العلامات المتوهمة، فيقعون في الزلل والإثم من غير بينة ولا دليل.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (9/86) السؤال الآتي:
" أخبرني مجموعة من الناس العقلاء وذوي أهل الرأي والسداد؛ أنهم شاهدوا جنازة رجل مسلم خفيفة جداً جداً، وأخرى كانت ثقيلة جداً جداً، وثالثة أنهم عندما قاموا بإخراجها من المنزل صارت هذه الجنازة تعوم وتتحرك فوق رؤوس الرجال، فما موقف الإسلام من هذه القصص؟
علما أن الذين شاهدوا ذلك رجال ثقات وعدول، والكذب بعيد عنهم.
فكان الجواب:
لا نعلم لخفة الجنازة وثقلها أسبابا سوى الأسباب الحسية، وهي نحافة الميت، وضخامة الجسم، أما من يزعم أن ذلك يدل على كرامة الميت إذا كان خفيفاً، وعلى فسقه إذا كان ثقيلا، فهذا شيء لا أصل له في الشرع المطهر فيما نعلم.
وأما حركة الجنازة على النعش فيدل ذلك على حياته، وأنه لم يمت، فلينظر في شأنه، وليعرض على الطبيب المختص حتى يقرر موته وحياته، ولا يستعجل في دفنه حتى يعلم يقينا أنه ميت " انتهى.
وقد عد الشيخ الألباني رحمه الله في "أحكام الجنائز": اعتقاد بعضهم أن الجنازة إذا كانت صالحة خف ثقلها على حامليها، وأسرعت – عده من البدع المحدثة. (بدعة رقم/47)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4592)
هل الشهيد يصلى عليه إذا قتل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تُصلى صلاة الجنازة على قتلى المسلمين في المعارك مع الكفار؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الشهيد هو من مات من المسلمين في قتال الكفار وبسببه.
أنظر الموسوعة الفقهية ط: الكويت (26/272) .
وقد قال جمهور العلماء بأنه لا يُصلى عليه وهو قول الإمام مالك والشافعي وأصح الروايتين عن أحمد (أنظر المغني 2/334) ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على شهداء أحد (رواه البخاري 1347) ، ولأن الحكمة من الصلاة هي الشفاعة والشهيد يُكفر عنه كل شيء (فلا يحتاج شفاعة) إلا الدين فإنه لا يسقط بالشهادة بل يبقى في ذمة الميت.
قال الشيخ عبد العزيز ابن باز – رحمه الله -:
" الشهداء الذين يموتون في المعركة لا تشرع الصلاة عليهم مطلقاً ولا يُغسلون؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُصلِّ على شهداء أحد ولم يُغسلهم.. رواه البخاري في صحيحه (1347) عن جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما."
مجموع فتاوى ابن باز (13/162) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " (الشهيد) لا يصلي عليه أحدٌ من الناس لا الإمام ولا غير الإمام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم: " لم يصلِّ على شهداء أحد "، ولأن الحكمة من الصلاة الشفاعة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يُشركون بالله شيئاً إلا شفعهم الله فيه " والشهيد يُكفر عنه كل شيء إلا الدَّيْن؛ لأن الدين لا يسقط بالشهادة بل يبقى في ذمة الميت في تركته إن خَلَّف تركة، وإلا فإنه إذا أخذه يريد أداءه أدى الله عنه."
الشرح الممتع (5/367) .
وذهب بعض العلماء إلى أنه يُشرع الصلاة على الشهيد – ولكنها لا تجب – وهذا رواية عن الإمام أحمد (انظر المغني 2/334) وذلك للأحاديث التالية:
1- عن شداد بن الهاد: " أن رجلاً من الأعراب جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبعه، ثم قال: أهاجر معك فلبثوا قليلاً، ثم نهضوا في قتال العدو، فأُتي به النبي صلى الله عليه وسلم يُحمل وقد أصابه سهم، ... ثم كفنه النبي صلى الله عليه وسلم في جبته، ثم قدمه فصلى عليه.. "
أخرجه النسائي وصححه الألباني في أحكام الجنائزص82
2- عن عبد الله بن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر يوم أحد بحمزة فسجي ببردة، ثم صلى عليه فكبر تسع تكبيرات ثم أُتي بالقتلى يصفون، ويصلي عليهم وعليه معهم "
أخرجه الطحاوي في معاني الآثار (1/290) وحسنه الألباني في أحكام الجنائز ص 82.
وممن اختار هذا القول الشيخ المحدث ناصر الدين الألباني رحمه الله.
أنظر أحكام الجنائز ص81.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/4593)
هل الشجرة النابتة على القبر تدل على صلاح الميت
[السُّؤَالُ]
ـ[ألاحظ أن بعض الناس إذا رأى شجرا نبت على قبر ما يصف صاحب القبر بأنه كان على صفات مقدارها كذا وكذا، هل لنبات الأشجار على القبور شيء من العلاقة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا أصل لهذا، وليس نبات الشجر والحشيش على القبور دليلا على صلاح أصحابها، بل ذلك ظن باطل، والشجر ينبت على قبور الصالحين والطالحين ولا يختص بالصالحين، فينبغي عدم الاغترار بقول من يزعم خلاف ذلك من المنحرفين وأصحاب العقائد الباطلة، والله المستعان.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز يرحمه الله، م/4، ص/380.(5/4594)
حكم قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
واجبة كما قال صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي) رواه البخاري، وقال عليه الصلاة والسلام: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) متفق على صحته.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز – رحمه الله – م/13 ص/143.(5/4595)
حكم نبش القبر
[السُّؤَالُ]
ـ[في عام 1934 تم نبش قبر الصحابيين حذيفة اليماني وجابر بن عبد الله في العراق وتم نقلهما لمكان آخر، قرأت قصة طويلة عن ظهورهما في حلم الملك وكان وجهيهما كاملين تماماً بعد إخراجهما من القبر بعد 1300 سنة. هل هذا صحيح؟ هل يجوز نبش القبر لمثل هذا السبب؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا اعلم أن هذه القصة صحيحة أو ليست صحيحة.
الشق الثاني من السؤال، هل يجوز نبش القبر؟
نقول الأصل عدم الجواز؛ لحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كسر عظم الميت ككسره حيا) رواه أبو داود (3207) ، فهذا يدل على أن الميت له حرمة، فالمسلم له حرمه في حال حياته وفي حال مماته، وإذا كان كذلك فلا يجوز إلا لمصلحة ظاهرة، وهذا يُرجع فيه إلى الحاكم الشرعي هو الذي يقرر مثل هذه المصلحة
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ خالد بن علي المشيقح(5/4596)
من فاتته بعض التكبيرات في صلاة الجنازة
[السُّؤَالُ]
ـ[من فاتته التكبيرات أو إحداهن هل يقضيها؟ وكيف يدخل مع الإمام في الصلاة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يدخل مع الإمام في الصلاة حيث أدركها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) وإذا سلم الإمام أتم ما فاته إن بقيت الجنازة لم ترفع، وأما إذا خشي رفعها: فإن فقهاءنا ـ رحمهم الله ـ يقولون: إنه يخير بين أن يتم أو يتابع التكبير وأن يسلم مع الإمام
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
(70 سؤالاً في أحكام الجنائز ص 13) لفضيلة الشيخ محمد الصالح العثيمين.(5/4597)
متى تشرع الصلاة على الغائب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تشرع الصلاة على الغائب على كل ميّت؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
القول الراجح من أقوال أهل العلم أن الصلاة على الغائب غير مشروعة إلا لمن لم يُصَلّ عليه. كما لو مات شخص في بلد كفار ولم يُصلَّ عليه أحد فإنه تجب الصلاة عليه وأما من صُلِّيَ عليه فالصحيح أن الصلاة عليه غير مشروعة أي على الغائب لأن ذلك لم يرد في السنة إلا في قصة النجاشي، والنجاشي لم يُصَلَّ عليه في بلده.. فلذلك صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة.. وقد مات الكبراء والزعماء ولم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم صلى عليهم.
وقال بعض أهل العلم: من كان فيه منفعة في الدين بماله أو علمه فإنه يُصَلَّىَ عليه صلاة الغائب.. ومن لم يكن كذلك فلا يصلى عليه.
وقال بعض أهل العلم: يصلى على الغائب مطلقاً وهذا أضعف الأقوال.
[الْمَصْدَرُ]
(70 سؤالاً في أحكام الجنائز (ص9) . لفضيلة الشيخ محمد الصالح العثيمين.(5/4598)
حكم قراءة القرآن عند القبر ووضع الورود والريحان
[السُّؤَالُ]
ـ[نرى بعض الناس يقرأون القرآن عند قبر ميتهم إذا زاروه وآخرين يضعون بعض الورود والريحان عند القبر فما حكم ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أما قراءة القرآن عند زيارتها، فمما لا أصل له في السنة.
وهي غير مشروعة ومما يقوي عدم مشروعيتها قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تجعلوا بيوتكم مقابر، فإن الشيطان يفر من البيت الذي يقرأ فيه سورة البقرة) أخرجه مسلم والترمذي من حديث أبي هريرة، فقد أشار إلى أن القبور ليست موضعاً للقراءة شرعاً، فلذلك حض على قراءة القرآن في البيوت ونهى عن جعلها كالمقابر التي لا يقرأ فيها، كما أشار في الحديث الآخر إلى أنها ليست موضعاً للصلاة أيضاً، وهو قوله: (صلوا في بيوتكم، ولا تتخذوها قبوراً) أخرجه مسلم وغيره عن ابن عمر، وهو عند البخاري بنحوه. وترجم له بقوله: (باب كراهة الصلاة في المقابر) فأشار به إلى أن حديث ابن عمر يفيد كراهة الصلاة في المقابر، فكذلك حديث أبي هريرة يفيد كراهة القرآن في المقابر، ولا فرق. قال أبو داود في مسائله (ص: 158) : " وسمعت أحمد سئل عن القراءة عند القبر؟ فقال: لا ".
ولا يشرع وضع الآس ونحوها من الرياحين والورود على القبور، لأنه لم يكن من فعل السلف، ولو كان خيراً لسبقونا إليه، وقد قال ابن عمر رضي الله عنهما: (كل بدعة ضلالة، وإن رآها الناس حسنة) رواه ابن بطة في الإبانة عن أصول الديانة (2/112) واللاكائي في السنة (1/21) موقوفاً بإسناد صحيح.
نسأل الله لموتى المسلمين الرحمة وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
من مختصر أحكام الجنائز للألباني بتصرف.(5/4599)
نقل الميت إلى بلده
[السُّؤَالُ]
ـ[لي صديق قد توفي زوج أخته الأسبوع الماضي – رحمة الله عليه – وبعد وفاته قام إخوانه وأقاربه بنقل جثته إلى قريتهم والتي تبعد حوالي 14 ساعة بالسيارة عن المكان الذي كان يعيش فيه عند وفاته. قالت زوجته – زوجة الميت – للإخوة بأن زوجها قد ترك ورقة مكتوبة وذكر فيها أن يتم دفنه مباشرة في نفس المكان الذي يتوفى فيه، ولكن أحداً لم يستمع لكلامها. وفيما بعد وجدت زوجته الوصية المكتوبة والموقعة بين أوراقه.
هل قام إخوته وأقاربه بارتكاب معصية؟ وما الذي يجب عمله الآن؟ هل هناك صدقات يجب أن يدفعها إخوته وأقاربه لعدم اتباعهم للوصية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المسألة هنا تناقش من طرفين:
الأول: مسألة العمل بوصية الميت.
الثاني: حكم نقل الميت من البلد الذي مات فيه إلى بلد آخر.
أما المسألة الأولى فتنفيذ وصية الميت واجب، سواء أوصى بواجب أو مستحب.
انظر الشرح الممتع 5 / 333
أما المسألة الثانية:
قال الشيخ الموفق ابن قدامة:
فلا يُنقل الميت من بلده إلى بلد آخر إلا لغرض صحيح، وهذا مذهب الأوزاعي وابن المنذر ….. ولأن ذلك أخف لمؤنته وأسلم له من التغيير، فأما إن كان فيه غرض صحيح: جاز.
" المغني " (2 / 193 – 194) .
قالت اللجنة الدائمة في هذا الموضوع:
كانت السنَّة العمليَّة في عهد النَّبي صلى الله عليه وسلم وفي عهد أصحابه أن يُدفن الموتى في مقابر البلد الذي ماتوا فيه، وأن يُدفن الشهداء حيث ماتوا، ولم يثبت في حديث ولا أثر صحيح أن أحداً من الصحابة نقل إلى غير مقابر البلد الذي مات فيه أو في ضاحيته أو مكان قريب منه.
ومن أجل هذا قال جمهور الفقهاء: لا يجوز أن ينقل الميت قبل دفنه إلى غير البلد الذي مات فيه إلا لغرض صحيح مثل أن يُخشى من دفنه حيث مات من الاعتداء على قبره، أو انتهاك حرمته لخصومة أو استهتار وعدم مبالاة، فيجب نقله إلى حيث يؤمن عليه.
ومثل أن ينقل إلى بلده تطييباً لخاطر أهله وليتمكنوا من زيارته: فيجوز.
وإلى جانب هذه الدواعي وأمثالها اشترطوا أن لا يخشى عليه التغير من التأخير، وأن لا تنتهك حرمته، فإن لم يكن هناك داعٍ، أو لم توجد الشروط: لم يجز نقله.
فترى اللجنة أن يُدفن كل ميت في مقابر البلد الذي مات فيه، وأن لا ينقلوا إلا لغرض صحيح عملاً بالسنَّة، واتباعاً لما كان عليه سلف الأمة، وسدّاً للذريعة، وتحقيقاً لما حثَّ عليه الشرع من التعجيل بالدفن، وصيانة للميت من إجراءات تتخذ في جثته لحفظها من التغير، وتحاشياً من الإسراف بإنفاق أموال طائلة من غير ضرورة ولا حاجة شرعية تدعو إلى إنفاقها، مع مراعاة حقوق الورثة، وتغذية المصارف الشرعيَّة وأعمال البر التي ينبغي أن ينفق فيها هذا المال وأمثاله.
وعلى هذا حصل التوقيع، وصلّى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.
" فتاوى إسلامية " (2 / 31، 32) .
وأما بالنسبة لما فعله أقارب الميت:
فإن كانت مخالفتهم الوصية وعدم عملهم بها بعد إخبار الزوجة لهم بسبب إتهامهم لها وشكهم في صدقها، فلا شيء عليهم لأنهم لم يتعمدوا المخالفة، وقد قال الله تعالى: (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم) الأحزاب / 5.
أما إن كانوا صدقوها ثم لم يبالوا وخالفوا الوصية فهم آثمون معتدون على حق الميت.
وأما نقلهم للميت هذه المسافة فإن لم يكن ذلك لغرض صحيح، فهو اعتداء ثان على حق الميت، لأن من إكرام الميت التعجيل بتجهيزه ودفنه، كما قال العلماء.
انظر: المدخل 3 / 237 لأبي الحاج المالكي.
فعليهم التوبة والاستغفار والندم والدعاء للميت، وليس عليهم شيء من الصدقات، وإذا تصدقوا كان ذلك حسناً، فإن الصدقة من أسباب المغفرة وتكفير الذنوب.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4600)
التسابق في حمل الميت
[السُّؤَالُ]
ـ[ألاحظ أنه في كثير من جنائز المسلمين يتدافع الناس حول خشبة النعش لحملها وينتقل حامل النعش من الخلف إلى الأمام ثم يترك المجال لغيره ليحمل النعش وهكذا يحمل النعش كثير من الناس بالتناوب. وعندما سألتهم عن سبب ذلك قالوا: حتى ينال الجميع أجر حمل الميت. وهذا أمر غير عادي ويتسبب في سقوط النعش كما حصل في بعض الحالات بالفعل. هل هناك أي أساس لهذا الفعل في الإسلام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي صحّ وثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام سنيّة اتباع الجنازة. فقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " حق المسلم على المسلم خمس: ردّ السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس ".
وأخرجا عنه أيضا رضي الله عنه، عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: " من شهِد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان، قيل: وما القيراطان؟ قال: " مثل الجبلين العظيمين ".
ولا شك أن من حملها أو ساهم في حملها حتى تدفن يكون محصّلا لهذا الأجر العظيم وزيادة، فإن حمْل جنازة المسلم وإن لم يرد فيه حديث صحيح إلاّ أن قواعد الشريعة العامة تدلّ على مشروعيته، إذ فيه إحسان إلى الميت. لكن إن كان ذلك الإحسان سيفضي إلى مفسدة التدافع المذكورة فدرء المفسدة مقدّم على جلب المصالح، فالذي يطمع في الأجر المترتب على حملها ليس أعظم أجراً من الذي يدعها شفقة على إخوانه المسلمين، وليس عجزاً عن حملها.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ سعد الحميد.(5/4601)
حكم الاجتماع لتعزية أهل الميت
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم ما يفعله كثير من الناس الآن، إذا مات لهم ميت اجتمع أهله في بيت وأتاهم الناس يعزونهم، وقد يكون ذلك في قاعة كبيرة أعدت لذلك تسمى المناسبات، وقد يقيمون السرادقات.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
بقاء أهل الميت في المنزل لاستقبال المعزين ليس معروفاً في عهد السلف الصالح ولهذا صرح بعض العلماء بأنه بدعة.
وقال في (الإقناع وشرحه) : ويكره الجلوس لها ـ أي التعزية بأن يجلس المصاب في مكان ليعزوه ولما ذَكَرَ حكم صنع الطعام لأهل الميت قال: وينوي فعل ذلك لأهل الميت لا لمن يجتمع عندهم فيكره، لأنه معونة على مكروه، وهو اجتماع الناس عند أهل الميت نقل المروزي عن أحمد: هو من أفعال الجاهلية، وأنكره شديداً، ثم ذكر حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنيعه الطعام بعد دفنه من النياحة وقال النووي في شرح المهذب: وأما الجلوس للتعزية فنص الشافعي والمصنف وسائر الأصحاب على كراهته ونقله أبو حامد في التعليق وآخرون عن نص الشافعي قالوا: يعني بالجلوس لها أن يجتمع أهل الميت في بيت فيقصدهم من أراد التعزية قالوا: بل ينبغي أن ينصرفوا في حوائجهم فمن صادفهم عزاهم اهـ.
ثم إن فتح أهل الميت الباب ليأتيهم من يعزيهم كأنما يقولون للناس بلسان الحال: يا أيها الناس إنا قد أُصِبْنا فعزونا.. وكونهم يعلنون في الصحف عن مكان العزاء هو دعوة بلسان المقال أيضاً.
[الْمَصْدَرُ]
(70 سؤالاً في أحكام الجنائز) ص 53، لفضيلة الشيخ محمد الصالح العثيمين.(5/4602)
هل تشرع الموعظة عند القبر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما مشروعية الموعظة عند القبر؟ سمعنا من يقول إنها ما وردت عن الرسول ومن يقول إنها سنة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم. القول بأنها ما وردت على إطلاقه غير صحيح. والقول بأنها سنة غير صحيح.
ووجه ذلك أنه لم يرد أن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقف عند القبر أو في المقبرة إذا حضرت الجنازة ثم يعظ الناس ويذكرهم كأنه خطيب جمعة، وهذا ما سمعنا به، وهو بدعة وربما يؤدي في المستقبل إلى شيء أعظم، ربما يؤدي إلى أن يتطرق المتكلم إلى الكلام عن الرجل الميت الحاضر، مثل أن يكون هذا الرجل فاسقاً مثلاً، ثم يقول انظروا إلى هذا الرجل بالأمس كان يلعب بالأمس كان يستهزئ بالأمس كان يقول كذا وكذا، والآن هو في قبره مرتهن، أو يتكلم في شخص تاجر مثلاً فيقول: انظروا إلى فلان بالأمس كان في القصور والسيارات والخدم والحشم وما أشبه ذلك والآن هو في قبره.
فلهذا نرى ألا يقوم الواعظ خطيباً في المقبرة لأنه ليس من السنة، فلم يكن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقف إذا فرغ من دفن الميت أو إذا كان في انتظار دفن الميت يقوم ويخطب الناس أبداً ولا عهدنا هذا من السابقين، وهم أقرب إلى السنة منا. ولا عهدناه أيضاً فيمن قبلهم من الخلفاء، فما كان الناس في عهد أبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا عليّ فيما نعلم يفعلون هذا، وخير الهدي هدي من سلف إذا وافق الحق
وأما الموعظة التي تعتبر كلام مجلس، فهذه لا بأس بها، فإنه قد ثبت في السنن أن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج أو أتى بقيع الغرقد وفيه ناس يدفنون ميتاً لهم، لكن الميت لمَّا يلحد، يعني معناه أنهم يحفرون القبر، فجلس وجلس حوله أصحابه وجعل يحدثهم بحال الإنسان عند موته وحال الإنسان بعد دفنه حديثاً هادئاً ليس على سبيل الخطبة.
وكذلك ثبت عنه في صحيح البخاري وغيره أنه قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار " فقالوا: يا رسول الله: ألا نتكل؟ قال: لا. اعملوا، فكل ميسّر لما خُلِق له "
والحاصل أن الموعظة التي هي قيام الإنسان يخطب عند الدفن أو بعده ليست من السنة ولا تنبغي لما عرفت، وأما الموعظة التي ليست كهيئة الخطبة كإنسان يجلس ومعه أصحابه فيتكلم بما يناسب المقام فهذا طيب اقتداءً برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
[الْمَصْدَرُ]
لقاءات الباب المفتوح للشيخ ابن عثيمين (2/55-56) .(5/4603)
من صور النعي المباح والنعي المنهي عنه
[السُّؤَالُ]
ـ[الإخبار بوفاة شخص ما لأقربائه وأصدقائه ليجتمعوا للصلاة عليه.. هل يدخل ذلك في النعي الممنوع أم أن ذلك مباح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا من النعي المباح، ولهذا نعى النبي صلى الله عليه وسلم النجاشي في اليوم الذي مات فيه وقال في المرأة التي كانت تَقُمُّ المسجد (أي: تنظف) فدفنها الصحابة رضي الله عنهم ولم يخبروا النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: (هلا كنتم آذنتموني ... ) أي: أعلمتموني. فالإخبار بموت الشخص من أجل أن يكثر المصلون عليه لا بأس به لأن ذلك مما وردت بمثله السنة، وأما نعيه بعد دفنه فليس من المشروع بل هو من النعي المنهي عنه.
[الْمَصْدَرُ]
70 سؤالاً في أحكام الجنائز (ص4) لفضيلة الشيخ محمد الصالح العثيمين.(5/4604)
لا يجوز للطبيب إعطاء تصريح بحرق الجثة ولو لكافر
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل طبيبا بإحدى المستشفيات ويطلب منا أحيانا أن نعمل كأطباء مستقلين للمرضى الذين توافيهم المنية في المستشفى وتقضى الإجراءات بأن يقوم طبيب بملئ استمارة للجثث التي لن يتم دفنها بل سيتم إحراقها قبل أخذ الجثة للمحرقة، ويكون أحد الطبيبين هو الطبيب الذي كان مباشرا لحالة المريض، والطبيب الآخر هو الطبيب المستقل حيث نقوم بفحص الجثة ثم نقوم بإعطاء تصريح للحرق إذا رأينا هذا مناسبا فلدينا خطوط عريضة محددة نتبعها وأكون أنا الطبيب المستقل حينما يطلب منى ذلك، وهذا العمل اختياري وليس جزءا من وظيفتي ويدفع لي أجر مقابل القيام به، لكنى غير متأكد ما إذا كان يحل أم يحرم القيام بهذا العمل؛ لأن الجثة سيتم إحراقها، ولمزيد من التوضيح فليس الأطباء هم من يقررون حرق الجثة لكنها أسرة المتوفى التي تقرر ذلك، برجاء تقديم العون لإجلاء حيرتي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لقد كرم الله الإنسان وصانه حيا وميتا، فقال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ) الإسراء/70، وقال صلى الله عليه وسلم: (كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا) رواه أحمد (24730) وأبو داود (3207) وابن ماجه (1616) من حديث عائشة رضي الله عنها، وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
كما جاء النهي عن التمثيل بالميت.
ولاشك أن إحراق الميت أعظم من كسر عظامه، ومن التمثيل به.
وقد شرع الله لعباده الدفن، وعلمه ابن آدم الأول، كما قال سبحانه: (فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ) المائدة/31.
وعليه؛ فلا يجوز إحراق جثث الموتى ولو أوصوا بذلك، أو رغب أهاليهم في ذلك؛ لأن هذا من المنكر الذي لا يجوز فعله أو الإعانة عليه، والكفار مخاطبون بفروع الشريعة، فيحرم عليهم فعل ذلك أيضا، ولا يجوز أن يعانوا على فعله.
وبهذا يتبين أنه لا يجوز لك إعطاء تصريح بحرق الجثة ولو رغب ذووها في ذلك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4605)
حكم التعزية والشكر عليها في الصحف والمجلات
[السُّؤَالُ]
ـ[انتشرت في الآونة الأخيرة التعازي عن طريق الجرائد والمجلات والرد عليها بالشكر على التعزية من قبل أهل الميت ما حكم هذا العمل؟ وهل يدخل في النعي الممنوع شرعاً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" نعم.. الذي أرى أن مثل هذا قد يكون من النعي المنهي عنه، وإذا لم يكن منه فإن فيه تبذيراً وإضاعةً للمال.
والتعزية في الحقيقة ليست كالتهنئة حتى يحرص الإنسان عليها سواءٌ كان الذي فقد ميته حزيناً أم غير حزين. التعزية يقصد بها أنك إذا رأيت مصاباً قد أثرت فيه المصيبة فإنك تقويه على تحمل المصيبة، هذا هو المقصود من التعزية، وليست من باب المجاملات، وليست من باب التهاني، فلو علم الناس المقصود من التعزية ما بلغوا بها هذا المبلغ من نشرها في الصحف أو الاجتماع لها وقبول الناس وضع الطعام وغير ذلك "
[الْمَصْدَرُ]
فضيلة الشيخ محمد الصالح العثيمين (70 سؤالاً في أحكام الجنائز (ص38) .(5/4606)
حفر في فناء بيته فوجد عظام أموات فهل ينقلها للمقبرة
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد بجانب منزلي مقبرة واسعة وعندما حفرت وسط الحوش وجدنا في التراب عظاما تدل على قبور أطفال عديدة دون أن نعلم من قبل ولا يمكن لنا أن نستغني عن هذا المكان ونبشنا العظام ووضعناها في المقبرة ما حكم ذلك ... ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز لكم إخراج هذه العظام، ولا البناء في هذه الأرض؛ لأن الموتى المدفونين فيها أحق بها، وهذه الأرض تبع للمقبرة القريبة منها، وعليكم رفع الأمر إلى الدولة لتضمها إلى المقبرة وتعوضكم عنها إن أمكن ذلك.
وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: " أسكن في قرية على حافة جبل وبجوارنا من الجهة اليمانية جبل مرتفع ومن الجهة الغربية حافة جبل، ومن الجهة الشرقية كذلك ومدرجات زراعية تحيط بنا، وعندي قطعة أرض بجوار مقبرة فعزمت على أن أبني لي بيتاً لأن بيت والدي أصبح لا يسعنا، وبعد أن حفرت في نفس الأرض وطرحنا حجر الأساس للبيت، وجدنا قبوراً، فقمنا بإخراج العظم ونقلها إلى محل آخر حيث يوجد عندنا في القرية خندق تحت جبل يوجد فيه رؤوس وأيادي وأرجل وأجزاء من أجسام بني آدم وضعت من قديم الزمان، ولا ندري هل عملنا هذا مشروع أم لا؟ أفيدونا أفادكم الله.
فأجاب:
هذا العمل لا يجوز، فما دامت الأرض فيها قبور: فالواجب تركها، فهي تبع المقبرة ما دامت المقبرة بجوار الأرض المذكورة، فالواجب أن لا يتعرض لها، ولا ينبش القبور، وإذا حفر ووجد القبور يتركها، ولا يجوز للناس أن ينبشوا القبور، ويضعوا بيوتهم في محل القبور، فهذا تعد على محل الموتى وظلم للموتى لا يجوز.
قد يجوز بعض الأشياء إذا دعت الضرورة إليها مثل إذا دعت الحاجة إلى شارع ينفع المسلمين، واعترضه شيء من القبور، ولا حيلة في صرف الشارع، فقد يجوز أخذ بعض المقبرة ونقل الرفات إلى محل آخر إذا كانت الضرورة دعت إلى توسعة هذا الشارع للمسلمين، ولا حيلة في صرفه عن المقبرة، أما أن يأخذ الناس من المقبرة لتوسعة بيوتهم فهذا لا يجوز" انتهى من " فتاوى نور على الدرب " (السؤال 119) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عن رجل حفر لتأسيس بيته فوجد عظاماً فأخرجها فما حكم عمله هذا؟
فأجاب: "إذا تيقن أو غلب على ظنه أنها عظام موتى مسلمين فإنه لا يجوز له نقل العظام، وأصحاب القبور أحق بالأرض منه، لأنهم لما دفنوا فيها ملكوها، ولا يحل له أن يبني بيته على قبور المسلمين، ويجب عليه إذا تيقن أن هذا المكان فيه قبور أن يزيل البناء، وأن يدع القبور لا بناء عليها. وفي مثل هذه الحال الواجب مراجعة ولاة الأمور " انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (2/242) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4607)
إذا لم ينطق بالشهادة عند الموت فهل يدل على سوء خاتمته؟
[السُّؤَالُ]
ـ[المسلم الذي يصلي ويصوم ويعرف شرع الله ويشهد أن الله هو الواحد الأحد وأن محمدا عبده ورسوله ويحرم ما حرم الله ولكن أصيب بمرض أطرحه الفراش مدة سنتين أو أكثر ومازال يصلي ويؤمن بالله ولا يشرك به شيئا وعند الاحتضار لم يقل: لا إله إلا الله لأنه في غيبوبة ومات ولم ينطق بالشهادتين، فهل مات على غير الإسلام؟ لكنه أخلاقه طيبة، وهو يصلي ويحب الله ورسوله، ومرض مرضا شديدا ولم يترك الصلاة، فهل الذي يموت ولم ينطق بالشهادتين وهو يحب الله ورسوله فهل مات على غير الإسلام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المسلم الذي يشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول ويصلي ويصوم لا يجوز أن يحكم عليه بالكفر أو بسوء الخاتمة لكونه لم ينطق بالشهادتين عند الموت، سواء ترك النطق لغيبوبة أو لغير ذلك، بل لا يحكم على أحد بالكفر إلا إذا أتى ناقضاً من نواقض الإسلام، كَسَبِّ الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم أو الاستهزاء بدينه أو إهانة المصحف أو غير ذلك من النواقض التي دل الدليل الشرعي على أنها كفر أو شرك مخرج من الملة، وتحققت مع ذلك شروط التكفير وانتفت موانعه.
وأما النطق بلا إله إلا الله عند الموت فهو من علامات حسن الخاتمة؛ لما روى أبو داود (3116) عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
فإذا لم ينطق بذلك، فلا يدل هذا على أنه غير مسلم، بل ولا يدل على سوء خاتمته، لا سيما إذا تركها لدخوله في حالة الإغماء أو الغيبوبة.
فهذا الحديث إنما ذكر سبباً واحداً لدخول الجنة، وعلامة واحدة من علامات حسن الخاتمة، وهو "أن يكون آخر كلامه لا إله إلا الله".
فلا يفهم من الحديث أن من لم يكن آخر كلامه لا إله إلا الله لم يدخل الجنة، لأنه قد يدخل الجنة بأسباب أخرى.
فهو كإخبار الرسول صلى الله عليه وسلم بأن الشهيد تغفر له ذنوبه كلها، فإن ذلك لا يعني أن من لم يكن شهيداً فإنه لا يغفر له، فقد يغفر له بسبب آخر من أسباب المغفرة، وهي كثيرة.
فكذلك من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة، فإن لم يقلها، فقد يدخل الجنة بأسباب أخرى.
وما دام هذا الرجل المسؤول عنه كان محافظاً على الصلاة ولم يترك الصلاة حتى توفاه الله، مع ما ذكر في السؤال من أعماله الصالحة فإننا نرجو أن يكون الله تعالى قد تلقاه بمغفرته ورحمته وأسكنه فسيح جناته.
وينظر علامات حسن الخاتمة في جواب السؤال رقم (10903) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4608)
هل يكثر الموت في شهر شعبان؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ورد أثر أن شعبان يكثر فيه قبض الأرواح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي جاء في بعض الآثار أن أسماء من كُتب عليهم الموت في العام كله توحى إلى ملك الموت في شهر شعبان، ويخبر بأسمائهم في صحائف من عند الله سبحانه وتعالى، أو أن التقدير السنوي لآجال البشر يكتب في شعبان، فالموت يقدر في هذا الشهر بحسب ما ورد في هذه الآثار.
لكنها آثار وأحاديث ضعيفة كلها، فلا ينبغي الاعتماد عليها، ولا التعويل على ما جاء فيها.
قال القاضي أبو بكر ابن العربي رحمه الله:
"وليس في ليلة النصف من شعبان حديث يُعوَّلُ عليه، لا في فضلها، ولا في نسخ الآجال فيها، فلا تلتفتوا إليها" انتهى.
"أحكام القرآن" (4/117) .
وقد سبق بيان ذلك، ونقل كلام أهل العلم في هذا الشأن في جواب السؤال رقم: (8907) ، (49675) ، (49678) .
وننقل هنا - لمزيد فائدة – بعض ما ذكره السيوطي رحمه الله من الآثار المتعلقة بكتابة الآجال في شعبان، في كتابه "الدر المنثور" (7/401-402) ، ونعقب كل أثر بتعليق يسير.
قال رحمه الله:
" أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق محمد بن سوقة عن عكرمة:
(فيها يفرق كل أمر حكيم) قال: في ليلة النصف من شعبان يبرم أمر السنة، وينسخ الأحياء من الأموات، ويكتب الحاج، فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أحد.
وهذا مخالف للصواب الموافق لتفسير جماهير السلف للآية، أن المراد بها ليلة القدر، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (11722) .
وأخرج ابن زنجويه والديلمي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان، حتى إن الرجل لينكح ويولد له وقد خرج اسمه في الموتى) .
ضعفه الشوكاني في "فتح القدير" (4/801) ، وقال الألباني في "السلسلة الضعيفة" (رقم/6607) : منكر.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عطاء بن يسار قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر أكثر صياما منه في شعبان، وذلك أنه ينسخ فيه آجال من ينسخ في السنة.
وهذا مرسل ضعيف.
وأخرج أبو يعلى عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان كله، فسألته؟ قال: (إن الله يكتب فيه كل نفس ميتة تلك السنة، فأحب أن يأتيني أجلي وأنا صائم) .
رواه أبو يعلى في "المسند" (8/311) وفي سنده سويد بن سعيد الحدثاني، ومسلم بن خالد الزنجي، وطريف، وكل منهم مضعف في كتب التراجم.
وأخرج الدينوري في " المجالسة " عن راشد بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(في ليلة النصف من شعبان يوحي الله إلى ملك الموت بقبض كل نفس يريد قبضها في تلك السنة) .
"المجالسة وجواهر العلم" (ص/206) ، وهو مرسل، وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (رقم/4019) .
وأخرج ابن جرير والبيهقي في " شعب الإيمان " عن الزهري، عن عثمان بن محمد بن المغيرة بن الأخنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان، حتى إن الرجل ينكح ويولد له وقد خرج اسمه في الموتى) .
قال الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (رقم/6607) : منكر.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن عطاء بن يسار قال: إذا كان ليلة النصف من شعبان دفع إلى ملك الموت صحيفة، فيقال: اقبض من في هذه الصحيفة. فإن العبد ليفرش الفراش وينكح الأزواج ويبني البنيان وإن اسمه قد نسخ في الموتى.
وهو مجرد قول لعطاء، ولم يَذْكر له إسناداً.
وأخرج الخطيب وابن النجار عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شعبان كله حتى يصله برمضان، ولم يكن يصوم شهرا تاما إلا شعبان، فقلت: يا رسول الله! إن شعبان لَمِن أحب الشهور إليك أن تصومه؟ فقال: " نعم يا عائشة! إنه ليس نفس تموت في سنة إلا كتب أجلها في شعبان، فأحب أن يكتب أجلي وأنا في عبادة ربي وعمل صالح) .
ولفظ ابن النجار: (يا عائشة! إنه يكتب فيه ملك الموت من يقبض، فأحب أن لا ينسخ اسمي إلا وأنا صائم) .
رواه الخطيب في "تاريخ بغداد" (4/436) وفي إسناده أبو بلال الأشعري ضعفه الدارقطني كما في "ميزان الاعتدال" (4/507) ، وفيه أحمد بن محمد بن حميد المخضوب، أبو جعفر المقرئ، قال فيه الدارقطني: ليس بالقوي. فالحديث ضعيف جدا.
والحاصل: أنه لم يصح في كثرة الموت في شعبان حديث صحيح.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4609)
ما ورد في فضل ميتة الغرق
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح بأن الغارق في البحر يقبض روحه الله تعالى، وتسقط جميع ديونه بذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ميتة الغرق شهادة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: الْمَطْعُونُ، وَالْمَبْطُونُ، وَالْغَرِيقُ، وَصَاحِبُ الْهَدْمِ، وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)
رواه البخاري (2829) ومسلم (1914)
فيرجى لمن مات غريقا في سفر طاعة أن يكتب الله سبحانه وتعالى له أجر الشهادة.
لكن، ليعلم ـ أولا ـ أن هؤلاء الشهداء ليسوا على مرتبة واحدة في الأجر.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" والذي يظهر أن المذكورين ليسوا في المرتبة سواء، ويدل عليه ما روى أحمد وابن حبان في صحيحه من حديث جابر، والدارمي وأحمد والطحاوي من حديث عبد الله بن جحش، وابن ماجه من حديث عمرو بن عتبة: أن النبي صلى الله عليه وسلم، سئل أي الجهاد أفضل؟ قال: من عقر جواده وأهريق دمه. وروى الحسن بن علي الجلواني في (كتاب المعرفة) له بإسناد حسن من حديث ابن أبي طالب قال: " كل موتة يموت بها المسلم فهو شهيد غير أن الشهادة تتفاضل " انتهى.
"فتح الباري" (6/44)
وليس من أجر الشهادة العفو عن حقوق العباد، فهذه لا تسقط إلا بعفو أصحابها، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهيد المعركة: (يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلَّا الدَّيْنَ) رواه مسلم (1886) .
فإذا كان الشهيد حقا، في الدنيا والآخرة، لا يغفر له الدين، فمن باب أولى ألا يغفر لشهيد الغرق ديونه، وهو أقل درجة من الشهيد في سبيل الله، وفي هذا تحذير شديد من خطورة أمر الدين على المسلم في الآخرة.
وانظر جواب السؤال رقم: (3095) ، (36830)
وأما أن الله تعالى هو الذي يقبض روحه، فهذا لا أصل له، بل هو باطل مخالف لما دل عليه الكتاب والسنة من أن ملك الموت، وأعوانه من الملائكة، هم الموكلون بقبض أرواح العباد.
قال الله تعالى: (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) السجدة /11
وقال تعالى: (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ) الأنعام /61
قال ابن عباس وغيره: " لملك الموت أعوان من الملائكة، يخرجون الروح من الجسد، فيقبضها ملك الموت إذا انتهت إلى الحلقوم " اهـ تفسير ابن كثير (3/267) .
ولفظ الآية عام (إذا جاء أحدكم) ، لم يصح شيء في خروج أحد من عمومه، بل أدلة الكتاب والسنة موافقة له، غير مخالفة.
والأحاديث في قبض الملك الموت أرواح العباد كثيرة معروفة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4610)
هل يعرف الميت من يزوره من الأحياء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أن الميت تكون روحه في قبره يوم الجمعة فيعرف من يأتي إليه زائرا ويستأنس به؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عالم البرزخ من عالم الغيب الذي لا سبيل إلى العلم بتفاصيله إلا من جهة الخبر الصادق: الكتاب والسنة الصحيحة، وقد جاء فيهما كثير من التفاصيل التي تتحدث عن ما يواجهه الإنسان بعد الموت.
ومن التفاصيل التي وردت في ذلك: أن الميت يتعرف إلى من يزوره من الأحياء إذا كان يعرفهم في الدنيا، روى ذلك ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي الله صلى الله عليه وسلم:
(ما من أحد مر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا، فسلم عليه، إلا عرفه ورد عليه السلام)
رواه ابن عبد البر في "الاستذكار" (1/185) قال:
أخبرنا أبو عبد الله عبيد بن محمد، قراءة مني عليه سنة تسعين وثلاثمائة في ربيع الأول، قال: أملت علينا فاطمة بنت الريان المستملي، في دارها بمصر في شوال سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة، قالت: حدثنا الربيع بن سليمان المؤذن صاحب الشافعي، قال حدثنا: بشر بن بكير، عن الأوزاعي، عن عطاء، عن عبيد بن عمير، عن ابن عباس به.
وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات معروفون، إلا شيخ ابن عبد البر، وفاطمة بنت الريان، لم أقف لهما على ترجمة، غير أن توثيقهما مستفاد من تصحيح ابن عبد البر نفسه لهذا الحديث، إذ لا يمكن أن يصحح حديثا وهو لا يعرف من حدثه بها بالتوثيق، وما زال علماء الحديث يوثقون الرواة إذا رأوا من يصحح الأسانيد التي ورد ذكرهم فيها. كما نقل ابن تيمية عن عبد الله بن المبارك ثبوت هذا الحديث، فقال: " قال ابن المبارك: ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم " انتهى. "مجموع الفتاوى" (24/331)
وكذلك صحح الحديث من المتأخرين: الحافظ عبد الحق الإشبيلي، والقرطبي في "المفهم" (1/500) ، وابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (24/173) ، والعراقي في تخريج "إحياء علوم الدين" (4/491) ، والزبيدي في "شرح الإحياء" (10/365) ، والسيوطي في "الحاوي" (2/302) ، والعظيم أبادي في "عون المعبود" (3/261) ، والشوكاني في "نيل الأوطار" (3/304) وغيرهم.
وللحديث شاهدان آخران عن أبي هريرة، وعن عائشة رضي الله عنهما، لكن في أسانيدهما ضعف لا يصلحان معه للاعتبار. انظر "السلسلة الضعيفة" للشيخ الألباني (رقم/4493)
ومما يقوي هذا الحديث أيضا الآثار المتكاثرة الواردة عن السلف في هذا الباب، حتى قال ابن القيم رحمه الله: " والسلف مجمعون على هذا، وقد تواترت الآثار عنهم بأن الميت يعرف زيارة الحي له ويستبشر به " انتهى. "الروح" (ص/5) ، ومثله يقول ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" (6/325)
وقد جمع هذه الآثار الحافظ ابن أبي الدنيا في كتاب "القبور"، تحت باب " معرفة الموتى بزيارة الأحياء "، والقرطبي في "التذكرة"، كما جمعها الحافظ السيوطي في "شرح الصدور في أحوال الموتى وزيارة القبور"
وأما العلماء المتأخرون، فأكثرهم على تقرير هذا الوارد في كتب الأثر.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه:
" الروح تشرف على القبر، وتعاد إلى اللحد أحيانا، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:
(ما من رجل يمر بقبر الرجل كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام) ، والميت قد يعرف من يزوره، ولهذا كانت السنة أن يقال: (السلام عليكم أهل دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، ويرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين) " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (24/303-304)
أما تخصيص الزيارة التي يتعرف بها الميت إلى الحي في يوم الجمعة فلا يثبت بدليل صحيح.
جاء في "حاشية نهاية المحتاج" (3/36) :
" قوله: (فيسلم عليه) أي في جميع أيام الأسبوع , ولا يختص ذلك بالأوقات التي اعتيدت الزيارة فيها.
وقوله: (إلا عرفه ورد عليه السلام) : فيه إشارة إلى أنه يؤدي إلى المسلم حقه ولو بعد الموت , وأن الله تعالى يعطيه قوة بحيث يعلم المسلم عليه ويرد عليه , ومع ذلك لا ثواب فيه للميت على الرد ; لأن تكليفه انقطع بالموت " انتهى.
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" تخصيص ذلك بيوم الجمعة لا وجه له؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (زوروا القبور فإنها تذكر الموت) ، وثبت عنه أنه زار البقيع ليلا كما في حديث عائشة الطويل المشهور، وعلى هذا فتخصيص معرفته للزائر بيوم الجمعة لا وجه له، كذلك روى أصحاب السنن بسند صححه ابن عبد البر وأقره ابن القيم في كتاب الروح، أنه: (ما من رجل يسلم على مسلم يعرفه في الدنيا إلا رد الله عليه روحه فرد عليه السلام) في أي وقت " انتهى.
"لقاء الباب المفتوح" (لقاء رقم/9، سؤال رقم/37)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4611)
لا يشرع وضع اليد اليمنى للميت على اليسرى عند تكفينه
[السُّؤَالُ]
ـ[بعد غسل الميت، بعض المغسلين إذا كفن الميت يضم يده اليمنى على اليسرى كالمصلي، هل هذا العمل مشروع؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"ليس هذا العمل مشروعاً، وإنما تجعل يدا الميت إلى جنبيه" انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
"لقاءات الباب المفتوح" (1/111) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4612)
بدعة التهليل عند اتباع الجنازة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم فيمن يقولون عند اتباع الجنازة (لا إله إلا الله – الدايم وجه الله) ، وذلك بصوت مسموع – وعند الدفن يقولون (يا رحمن – يا رحمن..) فما الحكم في ذلك؟ وما هي السنة عند اتباع الجنازة وعند دفن الميت؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"هذا القول مُبتدع. ولا شك أنه لا إله إلا الله، وأنه لا يبقى إلا الله، لكن كونها تُتخذ على هذا الوجه الذي ذُكر في السؤال هذا من البدع، لأن كُل طريق لم يفعله السلف مما يقرب إلى الله، ويتعبد لله به فإنه بدعة، وكذلك عند الدفن قولهم: (يا رحمن – يا رحمن..) أيضاً من البدع.
والسنة لمن اتبع الجنازة أن يكون متأملاً متفكراً في مآله، وأنه الآن يمشي مشيعاً للجنازة، وسيُمشى معه مشيَّعاً، كما شيعت هذه الجنازة، ويتأمل في أعماله وأحواله.
وأما عند الدفن فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه، وقال: (استغفروا لأخيكم، واسألوا له التثبيت، فإنه الآن يُسئل) فَهَذا هو المشروع" انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
"إجابات مفيدة" (ص 18) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4613)
حكم صلاة الجنازة في المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تجوز الصلاة على الجنازة في المسجد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
السنة أن يصلي على الميت في موضع خاص بالجنائز؛ خارج المسجد، لما ثبت في البخاري (1245) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَى النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، خَرَجَ إِلَى الْمُصَلَّى فَصَفَّ بِهِمْ، وَكَبَّرَ أَرْبَعًا) .
لكن إن صلى عليها في المسجد، فلا بأس؛ لما روى مسلم (973) (أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَمَرَتْ أَنْ يَمُرَّ بِجَنَازَةِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فِي الْمَسْجِدِ، فَتُصَلِّيَ عَلَيْهِ فَأَنْكَرَ النَّاسُ ذَلِكَ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: مَا أَسْرَعَ مَا نَسِيَ النَّاسُ! مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سُهَيْلِ بْنِ الْبَيْضَاءِ إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ) .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/186) : " لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ فِي الْمَسْجِدِ إذَا لَمْ يُخَفْ تَلْوِيثُهُ، وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ , وَإِسْحَاقُ , وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد " انتهى.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما القول الصحيح في حكم الصلاة على الميت في المسجد؟
فأجاب: " الصحيح أنه لا بأس بالصلاة على الميت في المسجد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على سهل بن بيضاء في المسجد " انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (17/160) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4614)
حكم المشي بالنعال في المقبرة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم المشي بالنعال في المقبرة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
السنة في حق من دخل المقبرة، أن يخلع نعليه إذا دخلها، وإذا كان في الأرض شوك يؤذيه ونحو ذلك فلا حرج عليه من لبسها.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/224) : " وَيَخْلَعُ النِّعَالَ إذَا دَخَلَ الْمَقَابِرَ، وهَذَا مُسْتَحَبٌّ ; لِمَا رَوَى بَشِيرُ بْنُ الْخَصَاصِيَةِ , قَالَ: (بَيْنَا أَنَا أُمَاشِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا رَجُلٌ يَمْشِي فِي الْقُبُورِ , عَلَيْهِ نَعْلَانِ , فَقَالَ: يَا صَاحِبَ السِّبْتِيَّتَيْنِ , أَلْقِ سِبْتِيَّتَيْك. فَنَظَرَ الرَّجُلُ , فَلَمَّا عَرَفَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَلَعَهُمَا , فَرَمَى بِهِمَا) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد " انتهى.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: هل خلع النعال في المقابر من السنة أم بدعة؟
فأجابوا: " يشرع لمن دخل المقبرة خلع نعليه؛ لما روى بشير بن الخصاصية رضي الله عنه قال: وذكروا الحديث المتقدم، ثم قالوا: قال أحمد: إسناد حديث بشير بن الخصاصية جيد أذهب إليه إلا من علة، والعلة التي أشار إليها أحمد رحمه الله كالشوك والرمضاء ونحوهما، فلا بأس بالمشي فيهما بين القبور لتوقي الأذى.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز.. الشيخ عبد الرازق عفيفي.. الشيخ عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء" (9/123- 124) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " المشي بين القبور بالنعال خلاف السنة، والأفضل للإنسان أن يخلع نعليه إذا مشى بين القبور إلا لحاجة، إما أن يكون في المقبرة شوك، أو شدة حرارة، أو حصى يؤذي الرجل فلا بأس به، أي يلبس الحذاء ويمشي به بين القبور" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (17/202) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4615)
حكم التعزية في الكافر إذا مات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم التعزية في الكافر إذا مات سواء كان أهله مسلمين أو كفاراً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"أما إن كانوا مسلمين فلا بأس بتعزيتهم، لأنهم مسلمون مصابون، لهم حق.
وأما إن كانوا كفاراً فينظر في ذلك للمصلحة، إن كان في ذلك مصلحة التأليف وجلب المودة من هؤلاء الكفار للمسلمين فلا بأس، وإن لم يكن فيها فائدة فلا فائدة" انتهى.
فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
"الإجابات على أسئلة الجاليات" (1/14، 15) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4616)
أحكام التعزية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي التعزية، وما هي صفاتها، وما هو وقتها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التعزية: هي تسلية المصاب وتقويته على ما أصابه.
والمصاب هو: كل من أصيب بمصيبة سواء كانت في فقد حبيب، أو قريب، أو مال، فيعزى بالميت كل مصاب به سواء كان من أهله أو أصدقائه أو جيرانه.
والتعزية تكون بما فيه تسلِيَة للمصاب، وكفٌ لحزنه، وأفضل ما يُعزى به، هو ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه رسول إحدى بناته تدعوه إلى ابنها في الموت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ارجع فأخبرها أن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فمرها فلتصبر ولتحتسب) روا هـ البخاري (1204) .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن: ما صفة التعزية؟
فأجاب: " أحسن ما يعزى به من الصيغ ما عزى به النبي صلى الله عليه وسلم إحدى بناته حيث أرسلت إليه رسولاً يدعوه ليحضر، وكان لها ابن أو صبية في الموت، فقال عليه الصلاة والسلام لهذا الرسول: (مرها فلتصبر ولتحتسب، فإن لله ما أخذ، وله ما أبقى، وكل شيء عنده بأجل مسمى) .
وأما ما اشتهر عند الناس من قولهم: (عظَّم الله أجرك، وأحسن الله عزاءك، وغفر الله لميتك) ، فهي كلمة اختارها بعض العلماء، لكن ما جاءت به السنة أولى وأحسن " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (17/339) .
والتعزية جائزة بعد الدفن وقبله؛ فإذا عزى الإنسان أهل الميت قبل الدفن أو التغسيل أو الصلاة عليه، فلا بأس بذلك ويحصل المقصود، وإن عزى بعد الدفن فلا بأس.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما هو وقت التعزية؟
فأجاب: " وقت التعزية من حين ما يموت الميت، أو تحصل المصيبة إذا كانت التعزية بغير الموت إلى أن تنسى المصيبة وتزول عن نفس المصاب، ولأن المقصود بالتعزية ليست تهنئة أو تحية، إنما المقصود بها تقوية المصاب على تحمل هذه المصيبة واحتساب الأجر " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (17/240) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4617)
تغطية قبر المرأة عند إدخالها فيه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا من بنجلاديش وهناك عادة ببلدنا أنه عند دفن المرأة فإنه يتم وضع قطعة طويلة من القماش كغطاء سرير فوقها كستار، وتفسيرا لهذا الصنيع فإن الناس يقولون بأن على المرأة أن تحتجب حتى بعد وفاتها، فهل هناك أى دليل يدعم القيام بهذا العمل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يستحب تغطية قبر المرأة عند دفنها؛ وذلك لأنه أستر لها.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/190) : " وَالْمَرْأَةُ يُخَمَّرُ قَبْرُهَا (أي: يُستر) بِثَوْبٍ، لَا نَعْلَمُ فِي اسْتِحْبَابِ هَذَا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا، وَقَدْ رَوَى ابْنُ سِيرِينَ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يُغَطِّي قَبْرَ الْمَرْأَةِ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ مَرَّ بِقَوْمٍ قَدْ دَفَنُوا مَيِّتًا , وَبَسَطُوا عَلَى قَبْرِهِ الثَّوْبَ , فَجَذَبَهُ وَقَالَ: إنَّمَا يُصْنَعُ هَذَا بِالنِّسَاءِ، وَشَهِدَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ دَفْنَ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ فَخَمَّرَ الْقَبْرَ بِثَوْبٍ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَنَسٍ: ارْفَعُوا الثَّوْبَ , إنَّمَا يُخَمَّرُ قَبْرُ النِّسَاءِ , وَأَنَسٌ شَاهِدٌ عَلَى شَفِيرِ الْقَبْرِ لَا يُنْكِرُ. وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ عَوْرَةٌ , وَلَا يُؤْمَنُ أَنْ يَبْدُوَ مِنْهَا شَيْءٌ فَيَرَاهُ الْحَاضِرُونَ " انتهى.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم تسجية قبر المرأة عند إنزالها القبر، وما مدة التسجية؟
فأجاب: " ذكر بعض أهل العلم أنه يسجى - يعني يغطى قبر المرأة - إذا وضعت في القبر لئلا تبرز معالم جسمها، ولكن هذا ليس بواجب، ويكون هذا التخمير أو التسجية إلى أن يُصف اللَّبِن عليها " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (17/173) .
وقال أيضاً رحمه الله في "لقاء الباب المفتوح": " أما وضع العباءة على القبر حين تنزيل المرأة فهذا حسن، وقد ذكره العلماء وقالوا: إن قبر المرأة يسجى عند وضعها فيه – يعني: يغطى- " انتهى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4618)
غُسل الميت وهو مثلج، فهل يجزئ الغسل
[السُّؤَالُ]
ـ[توفي رجل في المستشفى ووضع في الثلاجة لمدة ثلاثة أيام حتى انتهت إجراءات الدفن، وبعد إخراجه من الثلاجة، كان متجمداً، وقام المغسل بتغسيله على ما هو عليه، وبذلك لم يتمكن من (إقعاده) وتحريكه حتى إذا كان شيء في بطنه من أرياح يخرج، فما الحكم في ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" إذا كان الأمر كما ذكرت، فالغسل الذي حصل للميت بعد إخراجه من الثلاجة صحيح ومجزئ.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز.. الشيخ عبد الرازق عفيفي.. الشيخ عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (8/358) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4619)
رش القبر بالماء بعد الدفن
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم رش القبر بالماء بعد الدفن بحجة أنه يمسك التراب؟ وهل هو يبرد على الميت؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" لا بأس أن يرش؛ لأن الماء يمسك التراب فلا يذهب يميناً ويساراً.
أما ما يعتقد العامة من أنهم إذا رشوا برّدوا على الميت فإن هذا ليس له أصل " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (17/194) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4620)
خروج المرأة للتعزية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمرأة أن تخرج للتعزية مع أخواتها، أو أحد محارمها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" يجوز للمرأة أن تخرج للتعزية المشروعة إذا لم يوجد في خروجها محاذير أخرى، كتعطر وتبرج ونحو ذلك؛ مما يسبب الفتنة لها أو بها.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز ... الشيخ عبد الله بن قعود
"فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء" (9/131) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4621)
ما الواجب بالنسبة للعضو المقطوع من الإنسان؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا وقع على الرجل حادث فقطعت يده أو رجله، ولم يمت فماذا يفعل بذلك العضو، الذي انقطع منه، هل نغسلها ونصلي عليها وندفنها، أم ماذا علينا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" العضو المقطوع من الحي بأي سبب سواء كان بحادث أو بحد وغيرهما لا يغسل ولا يصلى عليه، ولكن يلف في خرقة ويدفن في المقبرة، أو في أرض طيبة بعيدة عن الامتهان إذا كان واجده ليس بقربه مقبرة.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز.. الشيخ عبد الرزاق عفيفي.. عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (8/448) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4622)
كيفية الصلاة على أكثر من قبر
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤال: كيف يصلي من أراد الصلاة على أكثر من قبر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الصلاة على القبور لا تخلو من حالين:
1) أن تكون القبور أمام المصلي إلى جهة القبلة مرتبة، فهنا يجزئ أن يصلي صلاة واحدة على أصحاب هذه القبور كلها.
2) أن تكون القبور متفرقة، فبعضها عن يمينه، والبعض الآخر عن يساره، فهنا لكل قبر حكمه، فيصلي على كل قبر على حده.
وقد سئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: هناك جنازتان متجاورتان في المقبرة، ما كيفية الصلاة عليهما بعد الدفن؟ هل يصلى على كل جنازة على حده، أو ينوي الصلاة عليهما؟
فأجاب: " إن كان القبران كلاهما بين يدي المصلي - يعني أمامه -، فإنه يصلي عليهما صلاة واحدة، وإن كان كل واحد بمكان فلكل واحد صلاة " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (17/159) .
والمصلي على القبر يجعل القبر أمامه كالنعش يكون أمام المصلين في صلاة الجنازة، فإذا كان الميت ذكراً وقف عند رأسه، وإذا كانت أنثى وقف عند وسطها.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4623)
هل يدعو للميت بعد دفنه جالساً أم قائماً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[على أي حال يدعى للميت بعد دفنه وتسوية التراب، أجالساً أم قائماً؟ وأيهما أفضل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" السنة لمن أراد أن يدعو للميت بعد دفنه وتسوية التراب عليه أن يدعو وهو قائم، والأصل في ذلك ما رواه أبو داود بسنده عن عثمان رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال: (استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت، فإنه الآن يسأل) ، وقد سكت عنه أبو داود والمنذري، وأخرجه أيضاً الحاكم وصححه، والبزار، وقال: لا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز ... الشيخ عبد الله بن قعود
"فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء" (9/17) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4624)
قطع النافلة والطواف لأجل صلاة الجنازة
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤال: هل تُقْطَعُ صلاة النافلة أو طواف التطوع للصلاة على الجنازة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة) ، وظاهره أن النافلة لا تُقطع إلا للفريضة، فلا تقطع لصلاة الجنازة، ولو قطعها المصلي فلا بأس؛ لأنه يجوز قطع النفل لغرض صحيح.
وكذلك من يطوف تطوعاً يقطع طوافه لصلاة الجنازة، لكن الأفضل أن لا يقطع " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (17/158) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4625)
حل العقد وكشف وجه الميت عند دفنه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم حل العقد في القبر بالنسبة للميت، وكشف وجهه في القبر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يستحب حل العقد من الميت بعد دفنها؛ وذلك لأنها إنما عقدت خوف انتشار الكفن، فإذا أُدخل القبر حُلت.
قال ابن قدامة في "المغني" (2/191) : " وَأَمَّا حَلُّ الْعُقَدِ مِنْ عِنْدِ رَأْسِهِ وَرِجْلَيْهِ , فَمُسْتَحَبٌّ ; لِأَنَّ عَقْدَهَا كَانَ لِلْخَوْفِ مِنْ انْتِشَارِهَا , وَقَدْ أُمِنَ ذَلِكَ بِدَفْنِهِ , وَقَدْ رُوِيَ (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا أَدْخَلَ نُعَيْمَ بْنَ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِيَّ الْقَبْرَ نَزَعَ الْأَخِلَّةَ بِفِيهِ) ، وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَسَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ نَحْوُ ذَلِكَ " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (17/183) : " حل عقد اللفائف ورد فيه أثر عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (إذا أدخلتم الميت القبر فحلو العقد) .
أما كشف وجه الميت كله، فلا أصل له، وغاية ما ورد فيه – إن صح – أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (إذا مت ووضعتموني في قبري فأفضوا بخدي إلى الأرض) " انتهى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4626)
حكم دفع ملابس أو أموال إلى أهل الميت بدلاً من أن يعطيهم طعاماً
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يصح دفع أموال، أو ملابس إلى أهل الميت، وهل يقوم ذلك مقام الطعام الذي أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (اصنعوا لآل جعفر طعاماً) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" دفع الملبس أو المال لأهل الميت لا يقوم مقام صنع الطعام لهم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث: (..فقد أتاهم ما يشغلهم) ، فإن ذلك صريح في أنه إنما أمر بصنع الطعام لأهل الميت؛ من أجل أنهم قد شغلوا بمصيبتهم عن صنع الطعام لأنفسهم، لكن الإحسان بالملبس أو المال إلى من يحتاج لذلك من أهل الميت خير في نفسه، وقد حث عليه الشرع عموماً عند وجود مقتضيه لأهل الميت وغيرهم، فمن فعل ذلك لكشف غمة أو تفريج كربة فقد فعل خيراً.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز.. الشيخ عبد الرزاق عفيفي.. الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء" (9/94) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4627)
حكم الأذان عند القبر
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد عندنا في بنجلاديش الأذان بعد دفن الميت عند القبر، وقد اختلف الناس وتنازعوا بينهم، فمنهم من يجيزه، ومنهم من يمنعه. فما هو الصحيح في هذا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" لا يجوز الأذان ولا الإقامة عند القبر بعد دفن الميت، ولا في القبر قبل دفنه؛ لأن ذلك بدعة محدثة، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد) متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز.. الشيخ عبد الرزاق عفيفي.. الشيخ عبد الله بن غديان.. الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء" (9/72) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4628)
هل يكون رأس الميت في الأمام عند حمله؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل جعل رأس الميت هو المقدم عند المشي به سنة أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" لا أعلم في هذا سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن كلام أهل العلم في كيفية التربيع في حمل الجنازة يقتضي أن يكون رأسه هو المقدم " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (17/166) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4629)
صيغة الاستغفار للميت بعد دفنه
[السُّؤَالُ]
ـ[بأي صفة يكون الاستغفار والدعاء للميت بعد دفنه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" لم يرد في بيان صفة الاستغفار والدعاء للميت بعد الدفن حديث يعتمد عليه فيما نعلم، وإنما ورد الأمر بمطلق الاستغفار والدعاء له بالتثبيت، فيكفي في امتثال هذا الأمر أي صفة استغفار ودعاء له، كأن يقول: (اللهم اغفر له وثبته على الحق) ونحو ذلك.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز.. الشيخ عبد الرزاق عفيفي.. الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء" (9/94) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4630)
دفن أهل البدع في مقابر أهل السنة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم دفن غير أهل السنة مع أهل السنة في مقبرة واحدة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" إذا كان صاحب البدعة كافراً ببدعته، فإنه لا يجوز أن يدفن في مقابر المسلمين؛ لأن الكفار يجب أن تكون مقابرهم منفردة عن المسلمين، وأما إذا كان لا يكفر ببدعته، فلا بأس أن يدفن مع المسلمين " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (17/215) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4631)
حكم قراءة القرآن الكريم على القبور، ودعاء الإنسان لنفسه عند القبر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم قراءة القرآن الكريم على القبور؟ والدعاء للميت عند قبره؟ ودعاء الإنسان لنفسه عند القبر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" قراءة القرآن الكريم على القبور بدعة، ولم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه، وإذا كانت لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه، فإنه لا ينبغي لنا نحن أن نبتدعها من عند أنفسنا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما صح عنه: (كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار) ، والواجب على المسلمين أن يقتدوا بمن سلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان حتى يكونوا على الخير والهدى، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم) .
وأما الدعاء للميت عند قبره فلا بأس به، فيقف الإنسان عند القبر ويدعو له بما يتيسر مثل أن يقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، اللهم أدخله الجنة، اللهم افسح له في قبره، وما أشبه ذلك.
وأما دعاء الإنسان لنفسه عند القبر فهذا إذا قصده الإنسان فهو من البدع أيضاً؛ لأنه لا يخصص مكان للدعاء، إلا إذا ورد به النص، وإذا لم يرد به النص، ولم تأت به السنة، فإنه – أعني تخصيص مكان لدعاء – أيًّا كان ذلك المكان يكون تخصيصة بدعة " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (17/228) .
وللفائدة راجع جواب السؤال رقم (36513) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4632)
حكم ذكر جنس الميت للمأمومين قبل الصلاة عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم بيان جنس الميت أذكر هو أو أنثى عند الصلاة عليه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" لا بأس بالإخبار عن الميت أذكر أم أنثى عند تقديمه للصلاة عليه إذا لم يعرف المصلون ذلك من أجل أن يدعوا له دعاء التذكير إن كان ذكراً، ودعاء التأنيث إن كان أنثى، وإن لم يفعل فلا بأس أيضاً، وينوي المصلون الذين لا يعلمون عن هذا الميت ينوون [الصلاة] على الحاضر الذي بين أيديهم، وتجزؤهم الصلاة سواء قالوا بلفظ المذكر (اللهم اغفر له) ، أي لهذا الحاضر بين أيدينا، أو بلفظ المؤنث (اللهم اغفر لها) ، أي لهذه الجنازة التي بين أيدينا " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (17/103) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4633)
حكم دفن المسلمين في مقابر الكفار للضرورة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز دفن المسلمين في مقابر غير المسلمين؟ حيث إن المسلمين يسكنون في بلاد بعيدة عن مقابرهم، ويحتاج دفنهم فيها أن يسافروا بالميت أكثر من أسبوع، علمًا بأن من السنة التعجيل بدفن الميت.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا يجوز للمسلمين أن يدفنوا مسلمًا في مقابر الكافرين؛ لأن عمل أهل الإسلام من عهد النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين ومن بعدهم مستمر على إفراد مقابر المسلمين عن مقابر الكافرين، وعدم دفن مسلم مع مشرك، فكان هذا إجماعًا عمليًا على إفراد مقابر المسلمين عن مقابر الكافرين، ولما رواه النسائي عن بشير بن معبد السدوسي قال: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمر على قبور المسلمين قال: (لقد سبق هؤلاء شرًا كثيرًا، ثم مر على قبور المشركين فقال: لقد سبق هؤلاء خيرًا كثيرًا) فدل هذا على التفريق بين قبور المسلمين وقبور المشركين. وعلى كل مسلم ألا يستوطن بلدًا غير إسلامي، وألا يقيم بين أظهر الكافرين، بل عليه أن ينتقل إلى بلد إسلامي فرارًا بدينه من الفتن، ليتمكن من إقامة شعائر دينه، ويتعاون مع إخوانه المسلمين على البر والتقوى، ويكثر سواد المسلمين إلا من أقام بينهم لنشر الإسلام، وكان أهلاً لذلك قادرًا عليه، وكان ممن يعهد فيه أن يؤثِّر في غيره، ولا يُغلب على أمره، فله ذلك، وكذا من اضطر إلى الإقامة بين أظهرهم، وعلى هؤلاء أن يتعاونوا ويتناصروا، وأن يتخذوا لأنفسهم مقابر خاصة يدفنون فيها موتاهم. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى إسلامية" (2/36) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4634)
تغسيل الحائض للميت
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمرأة وهي حائض أن تقوم بتغسيل الميت وتكفينه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" يجوز للمرأة وهي حائض أن تغسل النساء وتكفنهن، ولها أن تغسل من الرجال زوجها فقط، ولا يعتبر الحيض مانعاً من تغسيل الجنازة.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. الشيخ عبد الرازق عفيفي.. الشيخ عبد الله بن غديان.. الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (8/369) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4635)
تعزية الكافر لموت قريبه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمسلم أن يعزي الكافر إذا مات أبوه أو أمه، أو أحد من أقاربه، إذا كان يخاف لو لم يذهب إليهم أن يؤذوه، أو يكون سبباً لإبعادهم عن الإسلام أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" إذا كان قصده من التعزية أن يرغبهم في الإسلام فإنه يجوز ذلك، وهذا من مقاصد الشريعة، وهكذا إذا كان في ذلك دفع أذاهم عنه، أو عن المسلمين؛ لأن المصالح العامة الإسلامية تغتفر فيها المضار الجزئية.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز.. الشيخ عبد الرزاق عفيفي.. الشيخ عبد الله بن غديان.. الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء" (9/132) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4636)
إذا اختلطت جنائز المسلمين مع غيرهم، فكيف العمل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[وقع حادث سيارة وتوفي من بها، ولم يتعرف عند الحادث من المسلم ومن غير المسلم، فكيف يكون الغسل والصلاة والدفن؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" يجب تغسيل موتى الحادث جميعاً وتكفينهم والصلاة عليهم بنية تغسيل وتكفين والصلاة والدفن للمسلمين منهم.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز.. الشيخ عبد الرازق عفيفي.. الشيخ عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (8/ 375) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
(5/4637)
صفة اللحد والشق في القبر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز إهالة التراب على وجه الميت المدفون في شق مباشرة؟ وما هي الطريقة الصحيحة لهذا العمل (وهو دفن الميت في شق) نظرا للاضطرار لهذه الطريقة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
صفة الشق: أن يحفر في وسط القبر حفرة على قدر الميت، ويُبنى جانباها بالطوب اللبن حتى لا تنضم على الميت، ويوضع فيها الميت على جنبه الأيمن مستقبلاً القبلة، ثم تسقف هذه الحفرة بأحجار أو غيرها ويرفع السقف قليلاً بحيث لا يمس الميت، ثم يهال التراب.
وصفة اللحد: أن يحفر في أسفل جدار القبر الأقرب إلى القبلة مكاناً يوضع فيه الميت على جنبه الأيمن مستقبل القبلة، ثم تسد هذه الحفرة بالطوب اللبن خلف ظهر الميت، ثم يهال التراب.
انظر: "أحكام المقابر في الشريعة الإسلامية" (ص 30) للدكتور عبد الله السحيباني.
واللحد والشق جائزان بإجماع العلماء، غير أن اللحد أفضل، لأنه هو الذي فُعل بقبر الرسول صلى الله عليه وسلم، روى مسلم (966) أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مات فيه: (الْحَدُوا لِي لَحْدًا، وَانْصِبُوا عَلَيَّ اللَّبِنَ نَصْبًا، كَمَا صُنِعَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/188) : " َالسُّنَّةُ أَنْ يُلْحَدَ قَبْرُ الْمَيِّتِ , كَمَا صُنِعَ بِقَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " انتهى.
وقال النووي رحمه الله في "المجموع" (5/252) : " أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ الدَّفْنَ فِي اللَّحْدِ وَفِي الشَّقِّ جَائِزَانِ , لَكِنْ إنْ كَانَتْ الْأَرْضُ صُلْبَةً لَا يَنْهَارُ تُرَابُهَا فَاللَّحْدُ أَفْضَلُ , وَإِنْ كَانَتْ رِخْوَةً تَنْهَارُ فَالشَّقُّ أَفْضَلُ " انتهى.
وقال ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (5/360) : " ولكن إذا احتيج إلى الشق، فإنه لا بأس به، والحاجة إلى الشق إذا كانت الأرض رملية، فإن اللحد فيها لا يمكن؛ لأن الرمل إذا لحدت فيه انهدم، فتحفر حفرة، ثم يحفر في وسطها ثم يوضع لبن على جانبي الحفرة التي بها الميت؛ من أجل ألا ينهد الرمل، ثم يوضع الميت بين هذه اللبنات " انتهى.
وعلى هذا، فالتراب لا يُهال على وجه الميت أو جسده مباشرة، سواء كان القبر لحداً أو شقاً، لأنه في اللحد يكون الميت داخل الحفرة التي حفرت في جدار القبر، فلا يهال التراب فوقه، وفي الشق يهال التراب على سقف الشق، ولا يهال على الميت مباشرة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4638)
دعاء الاستفتاح في صلاة الجنازة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل دعاء الاستفتاح مشروع في صلاة الجنازة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
صلاة الجنازة فرض كفاية، وقد سبق بيان صفتها في جواب السؤال (12363) .
ثانياً:
دعاء الاستفتاح سنة مؤكدة في كل صلاة فيها ركوع وسجود، كالفرائض والنوافل والعيدين والكسوف وغيرها.
أما الصلاة التي ليس فيها ركوع ولا سجود، كالصلاة على الميت، فإن العلماء اختلفوا في مشروعية الاستفتاح فيها على قولين:
القول الأول: أن دعاء الاستفتاح لا يسن في صلاة الجنازة، وهو قول الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة.
واستدلوا:
1- أنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استفتح في صلاة الجنازة.
2- قالوا: إن صلاة الجنازة شرع فيها التخفيف، فناسب ترك الاستفتاح فيها.
قال النووي رحمه الله في "" (5/194) : " وَأَمَّا دُعَاءُ الِاسْتِفْتَاحِ فَفِيهِ وَجْهَانِ، واتفق الأصحاب على أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ تَرْكُهُ " انتهى بتصرف.
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " أما الاستفتاح فلا بأس بفعله ولا بأس بتركه , وتركه أفضل أخذا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أسرعوا بالجنازة) الحديث " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (13/141) .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يشرع دعاء الاستفتاح في الصلاة على الجنازة؟
فأجاب: " ذكر العلماء أنه لا يستحب، وعللوا ذلك بأن صلاة الجنازة مبناها على التخفيف، وإذا كان مبناها على التخفيف، فإنه لا استفتاح " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (17/119) .
القول الثاني: أن دعاء الاستفتاح يسن في صلاة الجنازة، وهو قول الأحناف.
عللوا: بأنها صلاة، فيستفتح لها، كما يستفتح لسائر الصلوات.
واختار بعض الأحناف – كالطحاوي رحمه الله – أنه لا استفتاح لها.
وانظر: "بدائع الصنائع" (1/314) .
والأقرب: عدم مشروعية الاستفتاح في صلاة الجنازة؛ لعدم وروده عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولأنها مبناها على التخفيف، ولهذا لا ركوع فيها ولا سجود، ولا يقرأ فيها سوى الفاتحة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4639)
اعتياد الدعاء جماعة للمتوفى قبل الصلاة عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن عندنا في ليبيا - وبالأخص في قريتنا - عند دفن الميت، وعند تسوية الصفوف في الصلاة عليه، وعند خروج الإمام من الصف للصلاة على المتوفى، قبل الصلاة مباشرة يقوم أحد من كبار البلد ورجالها بالدعاء للميت، ويعرف به إذا كان رجلا أو امرأة، ويدعو له بصوت عالٍ ثم تقام الصلاة.. بعض الناس قالو إن هذه العادة بدعة، ويجب التخلص منها، ولكن بعض الناس متمسك بها ويفعلها.... فخوفا من الفتنة والاختلاف، أرجو منكم إجابة على السؤال. أنا لا أحفظ نص الدعاء ولكن أقول لكم جزءا منه: " اللهم اغفر لجميع موتى المسلمين، وإن دار الدنيا هى دار ممر، والآخرة هي دار المستقر، وإنه - رجلا أو امرأة - اللهم اغفر - لها أو له -، وارحمه، وتجاوز عن سياته..... وهكذا "]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي يظهر أن اعتياد الدعاء جماعة: – شخصٌ يدعو وآخرون يُؤَمِّنُون – بعد أو قبل صلاة الجنازة متصلا بها عملٌ أقرب إلى البدعة منه إلى السنة، يدل على ذلك مجموعة من الأدلة:
1- لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه بل ولا عن أحد من أهل العلم فعلُه، وما كان هذا شأنه فالأصل فيه التوقف والتثبت حذرا من الوقوع في إثم الابتداع والزيادة في الدين. وانظر جواب السؤال رقم (11938)
2- ويقوي ذلك أن صلاة الجنازة إنما شرعت للدعاء للميت، كما قال العز بن عبد السلام في "قواعد الأحكام" (ص/44) : " مقصودها الأعظم إجابة الدعاء " انتهى. فزيادة الدعاء جماعة قبلها أو بعدها كأنه زيادة عليها من جنسها، وهذا لا يجوز، كما لا يجوز إحداث سجود أو ركوع قبل صلاة الفريضة أو بعدها، فكذلك الشأن في صلاة الجنازة.
3- الثابت في السنة النبوية الحرص على الاجتهاد والإخلاص في الدعاء أثناء صلاة الجنازة:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِذَا صَلَّيْتُمْ عَلَى الْمَيِّتِ فَأَخْلِصُوا لَهُ الدُّعَاءَ) رواه أبو داود (3199) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود.
وعن أَبي إِبْرَاهِيمَ الْأَشْهَلِيُّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى عَلَى الْجَنَازَةِ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا، وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا، وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا، وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا) رواه الترمذي (1024) وقال: حسن صحيح.. وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وعن يزيد بن عبد الله بن ركانة بن المطلب قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام للجنازة ليصلي عليها قال: اللهم عبدك وابن أمتك، احتاج إلى رحمتك، وأنت غني عن عذابه، إن كان محسنا فزد في إحسانه، وإن كان مسيئا فتجاوز عنه)
رواه الحاكم في "المستدرك" (1/511) وقال: إسناده صحيح. وسكت عنه الذهبي. وصححه الألباني في "أحكام الجنائز" (ص/159)
فانظر كيف تصف هذه الأحاديث اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم بالدعاء في الصلاة، وليس قبلها أو بعدها مباشرة.
4- ثم في هذا الدعاء جماعة - قبل أو بعد صلاة الجنازة مباشرة - مفسدتان اثنتان:
الأولى: التقصير في السنة، فإن من انشغل بالدعاء قبل صلاة الجنازة فتر عنه أثناءها، ومن انتظر الدعاء بعد الصلاة عجل فيها، وهذا هو واقع مَن يعتاد ذلك اليوم، لا يكادون يكبرون تكبيرة الجنازة الأولى حتى تتسارع التكبيرات لتنتقل بالمصلين إلى التسليم، فلا يبلغ الميتَ إلا كلماتُ الدعاء التي لا تغني عند الله شيئا إن لم يصاحبها قلبٌ صادق وعقلٌ حاضر.
وهذا مصداق ما جاء عن حسان بن عطية رحمه الله قال:
" ما ابتدع قوم بدعة في دينهم إلا نزع الله من سنتهم مثلها، ثم لا يعيدها إليهم إلى يوم القيامة " انتهى. رواه الدارمي (1/58) قال أخبرنا أبو المغيرة ثنا الأوزاعي عن حسان. وهذا إسناد صحيح.
المفسدة الثانية: المشقة الحاصلة بذلك، فالناس ينتظرهم وقت طويل لدفن الجنازة، والاستغفار لها بعد الدفن، ثم العناية بشأن أهل الميت، فاجتماع الدعاء جماعة قبل الصلاة أو بعدها مع كل ذلك فيه من المشقة الظاهرة.
وقد قال العز بن عبد السلام في "قواعد الأحكام" (ص/45) :
" فإن قيل: هلا وجب تكرير صلاة الجنازة إلى أن يغلب على الظن حصول الإجابة؟ قلنا: لا تكرر، لما في التكرير من المشقة، ولا ضابط لغلبة الظن في ذلك " انتهى.
5- وأخيرا: فالقاعدة في باب البدعة ما قاله عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:
" اقتصاد في سنة خير من اجتهاد في بدعة " رواه الطبراني (10/208)
فأن يقف الناس على السنة الثابتة أولى من محاولة الاجتهاد في أمر يخشى أن يدخل في دائرة الابتداع، وهي كلمة عظيمة تنطلق من فهم حقيقي لموضوع السنة والبدعة.
وقد وقفنا على فتوى للجنة الدائمة (9/16) ، فيها المنع من الدعاء بعد صلاة الجنازة – لأن بعض البلاد العادة فيها الدعاء بعد الصلاة – فيقاس عليها أيضا الدعاء قبلها:
السؤال:
اختلفوا في الدعاء بعد صلاة الجنازة متصلاً اجتماعاً، فذهبت طائفة إلى أنها بدعة لعدم النل فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، وصرح الفقهاء بعدم جوازه، وذهبت طائفة أخرى إلى استحبابها وسنيتها، فمن منهم على الحق؟
فكان الجواب:
" الدعاء عبادة من العبادات، والعبادات مبنية على التوقيف، فلا يجوز لأحد أن يتعبد بما لم يشرعه الله، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دعا وصحابته على جنازة ما بعد الفراغ من الصلاة عليها، والثابت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقف على القبر بعد أن يسوى على صاحبه ويقول: (استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت، فإنه الآن يسأل) - رواه أبو داود (3221) -.
وبما تقدم يتبين أن الصواب: القول بعدم جواز الدعاء بصفة جماعية بعد الفراغ من الصلاة على الميت، وأن ذلك بدعة " انتهى.
وأخيرا:
لا بد من التنبه إلى أن الممنوع هو اعتياد الدعاء جماعة قبل صلاة الجنازة أو بعدها مباشرة، لِما في صورتها من الزيادة الظاهرة في العبادة، أما إن دعا المرء منفردا قبل الصلاة أو بعدها أو أثناء دفنها وغير ذلك من المواضع، فلا حرج ولا إثم، بل يرجى أن يتقبل الله عز وجل فيه شفاعته ويجيب له دعاءه.
يقول الشيخ محمد بن إبراهيم – كما في "مجموع الفتاوى" (سؤال رقم/898) -:
" أما الدعاء للميت بعد السلام من صلاة الجنازة فلا مانع منه إذا لم يكن على هيئة جماعية تلحقه بالبدع " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4640)
هل يجب التصدق بملابس الميت
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح ما يقوله الناس إذا توفي الميت يجب التصدق بجميع ملابسه ومستلزماته قبل اليوم الثالث من موته؟ وماذا نفعل بملابس الميت وأدواته اليومية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا القول غير صحيح، بل ملابس الميت ومستلزماته تدخل في جملة تركته، ويستحقها ورثته، ولهم استعمالها أو بيعها، ولا يجب عليهم التصدق بها، لكن إن اختاروا أن يتصدقوا بها ابتغاء الأجر، فهذا لهم، بشرط أن يكونوا بالغين راشدين، وأما الصغير فليس لأحد أن يتصدق بنصيبه من هذه الأشياء أو غيرها.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يجوز لأهل الميت أن يستخدموا ملابس الميت؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم إذا مات الميت فجميع ما يملكه ملك للورثة من ثياب وفرش وكتب وأدوات كتابة وماصة (منضدة) وكرسي كل شيء حتى شماغه وغترته التي عليه، تنتقل إلى الورثة، وإذا انتقلت إلى الورثة فهم يتصرفون فيها كما يتصرفون بأموالهم، فلو قالوا - أي الورثة - وهم مرشدون: ثياب الميت لواحد منهم، ولبسها، فلا بأس. ولو اتفقوا على أن يتصدقوا بها فلا بأس، ولو اتفقوا على أن يبيعوها فلا بأس، هي ملكهم يتصرفون فيها تصرف الملاك في أملاكهم " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: هل يجوز الاحتفاظ بملابس الميت وإن لم يكن ذلك جائزًا فما هو الأفضل أن يفعل بها؟
فأجاب: " يجوز الانتفاع بملابس الميت لمن يلبسها من أسرته، أو أن تعطى لمن يلبسها من المحتاجين ولا تهدر، وعلى كل حال هي من التركة إذا كانت ذات قيمة فإنها تصبح من التركة تلحق بتركته وتكون للورثة. والاحتفاظ بها للذكرى لا يجوز ولا ينبغي، وقد يحرم إذا كان القصد منها التبرك بهذه الثياب، وما أشبه ذلك، ثم أيضًا هذا إهدار للمال، لأن المال ينتفع به، ولا يجعل محبوسًا لا ينتفع به " انتهى من "المنتقى" (2/271) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4641)
توزيع الأشرطة صدقة عن الميت
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز توزيع أشرطة دينية في ثواب الميت أثناء العزاء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
توزيع الأشرطة التي تحوي دروس العلم ومحاضرات الخير والهداية هو من الصدقة عن الميت إذا قُصد ثوابُها له، وهو من أفضل ما يمكن أن يقدمه الأحياء للأموات، ومما جاءت النصوص الشرعية باعتباره وإثبات وصول ثوابه لمن تصدق عنه.
فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا وَأَظُنُّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ فَهَلْ لَهَا أَجْرٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ) رواه البخاري (1388) ومسلم (1004)
قال الإمام الشافعي رحمه الله في "الأم" (4/126) :
" يلحق الميت من عمل غيره وعمله ثلاث: حج يؤدَّى عنه، ومال يتصدق به عنه أو يقضى، ودعاء ... مع أن الله – عز ذكره – واسعٌ لأن يوفي الحي أجره ويدخل على الميت منفعته " انتهى.
ونقل النووري في "المجموع" (5/293) إجماع المسلمين على أن الصدقة عن الميت تنفعه وتصله.
وقال ابن تيمية في "الفتاوى الكبرى" (3/29) :
" الأئمة اتفقوا على أن الصدقة تصل إلى الميت، وكذلك العبادات المالية كالعتق " انتهى.
وقال ابن حجر الهيتمي في "تحفة المحتاج" (7/72-73) :
" وَيَنْفَعُ الْمَيِّتَ صَدَقَةٌ عَنْهُ، وَمِنْهَا: وَقْفٌ لِمُصْحَفٍ وَغَيْرِهِ "
وانظر جواب السؤال رقم (42384)
فلا حرج في توزيع هذه الأشرطة صدقة عن الميت أثناء العزاء أو بعده، لكن بشرط ألا يعتقد أن لخصوص الصدقة في أيام العزاء مزيد فضل، كما يظن بعض الناس أن الصدقة في أيام العزاء ضرورية لفك وحدة الميت أو رضاه في قبره ونحو ذلك من الاعتقادات الفاسدة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4642)
جدها مدفون بجوار المنزل من سنوات فهل يلزم نقله للمقبرة
[السُّؤَالُ]
ـ[توفى جد زوجي في الحرب بشظايا قرب منزله فاضطر الناس لدفنه بجانب بيته نتيجة لوجود المعارك بالقرب من المقبرة , فهل يجب الآن بعد مرور اثنا عشر عاما على دفنه هل يجب نقله إلى المقبرة أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجب نقل رفاته إلى المقبرة إلا إذا كان في دفنه في هذا المكان اعتداء على أحد، كما لو كان صاحب الأرض التي دفن بها لم يرض بذلك، أو كان مدفوناً في طريق لعموم الناس.
لكن إذا لم تكن الأرض ملكاً لأحد أو أذن صاحبها بذلك، ولم يكن من دفنه فيها تضييق أو اعتداء على أحد فلا يجب نقل رفاته.
ومع ذلك فالذي ينبغي والأفضل نقل رفاته إلى مقابر المسلمين، لأنه قد يؤدي دفنه في هذا المكان إلى امتهانه، أو يأتي بعد أزمان متطاولة أناس جاهلون يظنون أنه لم يدفن منفرداً عن المقابر إلا لأنه ولي من أولياء الله أو رجل صالح فيطوفون بقبره ويفتنون به، كما يفعل الجهلة.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: أحد أقاربنا توفي قبل ثلاثين سنة أو أربعين سنة تقريباً ودُفِن وحده في البر، وقال لنا بعض العلماء: إنه لابد أن يُنْبَش ويدفن في مقابر المسلمين. ما رأيك يا شيخ؟
فأجاب: " رأيي أنه ليس بلازم، اللهم إلا إذا وصله العمران " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (123/14) .
وسئل أيضا: رجل دفن ابنه السقط من الشهر التاسع في زاوية من البيت , فهل يجوز له أن ينبش عليه القبر ويدفنه في المقابر , أم ماذا عليه؟ الشيخ: هل غسله وكفنه وصلّى عليه؟ السائل: نعم.
فأجاب: " الأفضل أن يحفره الآن ويأخذ رفاته وينقله إلى المقابر. السائل: مر عليه زمن طويل. الشيخ: لا بأس، يحفره الآن ويأخذ رفاته؛ لأنه إن بقي شغل مكاناً من البيت, وإن حجّر عليه فصار مشكلة أن يقال: هذا قبر، ثم بعد مضي سنوات كثيرة ربما يتخذ وثناً "
انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (106/15) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4643)
ماذا ينفع الميت بعد موته وهل يسمع خطاب الأحياء
[السُّؤَالُ]
ـ[توفي والدي منذ أسبوعين، الذي أريد أن أعرفه هو: عندما نذهب أنا وباقي أفراد العائلة لزيارة قبره، هل يستطيع أن يسمعنا ويسمع ما نقول له؟ وإذا لم يستطع، هل هناك طريقة تجعله يسمعنا؟ أرجو الرد سريعاً لأني أود أن أعرف وذلك لأني أظن أن الجواب سيساعدني فيما أمر به من ألم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل أن الأموات لا يسمعون كلام الأحياء لقوله تعالى: (وما أنت بمسمع من في القبور) وقوله: (إنك لا تُسمع الموتى) ، ولما خاطب النبي صلى الله عليه وسلم قتلى الكفار بعد معركة بدر أسمعهم الله كلامه وهم في قاع البئر التي دفنوا فيها وكانت تلك حالة خاصّة كما ذكر العلماء رحمهم الله (يراجع كتاب الآيات البينات في عدم سماع الأموات)
ولعلّ الدّافع النفسي لتمنّيك سماع والدك لك هو محاولة عمل شيء لإيجاد الصّلة بعد انقطاعها تخفيفا لألم الفراق الذّي تحسّين به، ألا فلتعلمي أيتها الأخت السائلة أنّ الشّريعة قد بيّنت ماذا يستفيد الميّت من الأحياء وماذا يصل إليه في قبره من جهتهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلّم: إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عنه عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثةٍ إلا من صَدَقَة جَارِيَة أوَعِلْم يُنْتَفَعُ بِهِ أوَوَلَد صَالِح يَدْعُو لَهُ. رواه مسلم/1631.
فأهمّ ما ينفع والدك بعد موته الآن وأعظم ما تصلينه به وهو في قبره: الاجتهاد في الدعاء له بالمغفرة والرّحمة والجنّة والعتق من النّار ونحو ذلك من الأدعية الطيبة الحسنة.
واستغفار الذكر والأنثى من أولاد الميت للميت - وهو الدعاء له بالمغفرة - فيه ميزة عظيمة كما قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْه ِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الرَّجُلَ لَتُرْفَعُ دَرَجَتُهُ فِي الْجَنَّةِ فَيَقُولُ أَنَّى هَذَا فَيُقَالُ بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ. رواه ابن ماجة رقم 3660 وهو في صحيح الجامع 1617
ومما يصل إليه كذلك الصّدقة عنه لما روت عَائِشَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا أَنَّ رَجُلا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا (أي ماتت) وَأَظُنُّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ فَهَلْ لَهَا أَجْرٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا قَالَ: نَعَمْ. رواه البخاري: فتح 1388
وعن ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّه عَنْهمَا أَنَّ سَعدَ بْنَ عُبَادَةَ رَضِي اللَّه عَنْهم تُوُفِّيَتْ أُمُّهُ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهَا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي تُوُفِّيَتْ وَأَنَا غَائِبٌ عَنْهَا أَيَنْفَعُهَا شَيْءٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَنْهَا قَالَ نَعَمْ قَالَ فَإِنِّي أُشْهِدُكَ أَنَّ حَائِطِيَ الْمِخْرَافَ (اسم لبستانه سمي بذلك لكثرة ثمره) صَدَقَة ٌ عَلَيْهَا. رواه البخاري: فتح: 2756
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلا قَالَ لِلنَّبِي ِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أَبِي مَاتَ وَتَرَكَ مَالا وَلَمْ يُوصِ فَهَلْ يُكَفِّرُ عَنْهُ أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْهُ قَالَ نَعَمْ *رواه النسائي
وعَنْ سَعْدِ ابْنِ عُبَادَةَ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا قَالَ نَعَمْ قُلْتُ فَأَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ قَالَ سَقْيُ الْمَاءِ *رواه النسائي
ومما يصل إلى الميت كذلك الحجّ والعمرة عنه بعد أن يكون الحيّ قد حجّ واعتمر عن نفسه.
وقد روى عَبْد اللَّهِ بْن بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ بَيْنَما أَنَا جَالِسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ إِنِّي تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّي بِجَارِيَةٍ وَإِنَّهَا مَاتَتْ قَالَ فَقَالَ وَجَبَ أَجْرُكِ وَرَدَّهَا عَلَيْكِ الْمِيرَاثُ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ كَانَ عَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ أَفَأَصُومُ عَنْهَا قَالَ صُومِي عَنْهَا قَالَتْ إِنَّهَا لَمْ تَحُجَّ قَطُّ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا قَالَ حُجِّي عَنْهَا. رواه مسلم رحمه الله في صحيحه رقم 1149
وهذا يدلّ كذلك على مشروعية قضاء الصيام عنه.
ومما ينفع الميت أيضا قضاء نذره لحديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ إِنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ فَمَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تَحُجَّ أَفَأَحُجَّ عَنْهَا قَالَ نَعَمْ حُجِّي عَنْهَا أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ قَالَتْ نَعَمْ فَقَالَ اقْضُوا اللَّهَ الَّذِي لَهُ فَإِنَّ اللَّهَ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ *البخاري فتح 7315
وممّا يصل إلى الميّت كذلك من الأجر إشراك قريبه له بالأضحية عند ذبحها وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذبح أضحيته: بِاسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ رواه مسلم رقم 1967 وآل محمد فيهم الأحياء والأموات.
وأمّا مسألة زيارة النساء للمقابر فقد تقدّم الجواب عنها (يراجع سؤال رقم 251) .
واعلمي أيتها الأخت السائلة أنّ انشغالك بإخلاص الدّعاء لأبيك هو أهمّ وأولى لك وأنفع للميت من التفكير بمسألة سماعه لصوتك فاحرصي على ما ينفعه وينفعك، واحذري وأهلك من البدع المحرّمة كذكرى الأربعين ومرور سنة ومجالس الفاتحة ومنكرات المقابر ونحو ذلك مما يفعله الجهلة ويقلّد بعضهم بعضا فيه.
أسأل الله أن يغفر لأبيك ويرحمه ويتجاوز عنه وعن سائر أموات المسلمين إنه هو الغفور الرحيم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/4644)
صلاة الغائب وطعام العزاء وقراءة القرآن للميت
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا مات فرد في العائلة خارج البلد فماذا يجب على العائلة أن تفعل هنا؟ 1-هل يجب أن نصلي صلاة الجنازة؟ وهذا يعني أنه ستكون هناك صلاتي جنازة واحدة خارج البلد والأخرى هنا. 2- هل يجوز لنا أن نقرأ القرآن سويا ونرجو أن أجر القراءة سيصل للفقيد؟ 3- هل يجب أن نعمل قراءة قرآن خاصة وندعو الناس للطعام بعد 3 أيام وبعد 40 يوم؟ هذا التصرف يعمله الكثير في بلدنا وقيل لي أن روح الفقيد تزور البيت لمدة 40 يوم لتحصل على الأجر. عندما كنت في بلدنا كنت أفعل هذا ولكن قيل لي أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته لم يفعلوا هذا أبدا. أنا أريد أن أفعل الشيء الصحيح فأرجو أن تعطيني دليلاً من القرآن والسنة. أيضا هل هذا التصرف صحيح أم خطأ؟ أرجو أن تخبرني بالتصرف الصحيح في مثل هذه الحالة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا: إذا مات للإنسان قريب أو صديق عزيز عليه في بلد أخرى، فإنه يمكنه أن يسافر للصلاة عليه إذا تيسر له ذلك ولا بأس بهذا السفر لأنه سفر لمصلحة شرعية، وإن لم يكن معروفا من عمل المسلمين فيما مضى، لأنه كان لا يمكنهم ذلك بخلاف اليوم فقد تيسرالسفر بالوسائل الحديثة السريعة.
وأما الصلاة على الميت الغائب فقد اختلف العلماء فيها اختلافا كثيرا. لأنه لم يُحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك إلا صلاته على النجاشي. ولم ينقل أن المسلمين خارج المدينة صلوا على النبي عليه الصلاة والسلام لما مات مع عظيم محبتهم له.
وكذلك الخلفاء الراشدون لم ينقل أن المسلمين صلوا على أحد منهم حين مات. ولم تكن الصلاة على الميت الغائب معروفة من عمل المسلمين مع قيام المقتضي لذلك، وهو حرص المسلمين على نفع إخوانهم، خصوصا من له منزلة في قلوب عموم المسلمين أو له قرابة أو مودة توجب صلته والإحسان إليه بالصلاة عليه. ولذلك اختار العلماء كشيخ الإسلام ابن تيمية أن صلاة النبي عليه الصلاة والسلام على النجاشي خاصة به، إذ لم يكن في أرضه من يصلي عليه في البلد الذي مات فيها، وهذا في نظري قول قوي لما تقدم من التوجيه، ومن العلماء من خصًّ الصلاة على الغائب بالأعيان من الأمة كالعلماء المشهورين، والولاة العادلين وهذا قول قريب من الذي قبله.
وعلى هذا القول لا مانع من الصلاة على الميت حاضرا وغائبا.
ثانيا:
وأما الاجتماع لقراءة القرآن وإهداء ثوابها للميت فهي بدعة، ولو لم تكن بأجرة. فإن كانت بأجرة فهي حرام لأنها عملٌ لغير الله وما كان كذلك فلا ثواب فيه، وأما أن يقرأ الإنسان القرآن ويهدي ثواب القراءة لقريب أو صديق من غير اجتماع ولا أجرة ففي ذلك قولان لأهل العلم أحدهما: أنه جائز وأنه يصل ثواب القراءة للميت.
والقول الثاني: أنه لايشرع إهداء ثواب القراءة لعدم الدليل على مشروعية ذلك.
ثالثا:
وأما أن يعمل أهل الميت قراءة قرآن خاصة، ويدعو الناس للطعام بعد ثلاثة أيام، وبعد أربعين يوم فبدعة. وكل بدعة ضلالة، وقد قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ". فهذا العمل المذكور محدث في الدين فهو مردود ومن يفعله مأزور غير مأجور، وأما دعوى أن روح الميت تزور البيت بعد أربعين يوما لتحصل على الأجر فكذب، ولا أصل له، وقد صدق من قال لك: أن النبي عليه الصلاة والسلام وصحابته لم يفعلوا شيئا من ذلك، وقد أحسنت أيها الأخ الكريم بسؤالك عما أشكل عليك، وحرصك على معرفة سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، والعمل بها، وهذا هو الحق اللائق بالمسلم أن يكون همه أن يعرف الحق ليتبعه، ويعرف الباطل ليتجنبه.
نسأل الله أن يثبتنا وإياك على الصراط المستقيم. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الرحمن البراك(5/4645)
من مات ولم يصل عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[والد زوجي مات منذ 20 سنة ولم يصل عليه أحد، هل يمكن أن نفعل شيئاً في هذا الخصوص؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما دام هذا الرجل المسلم قد مات ولم يصل عليه , فالواجب أن يصلى عليه الآن , إما بالذهاب إلى قبره وهذا خاص بالرجال، فيذهب إلى قبره رجل أو أكثر ويصلي عليه صلاة الجنازة، وإما بالصلاة عليه صلاة الغائب _ وهذا يشترك فيه الرجال والنساء _ والصلاة على الغائب يشترط لها أن يكون الميت خارج البلد، فإذا كان خارج البلد صلوا عليه صلاة الغائب، في المصلى أو المسجد أو البيت، يرصون الصفوف كأن الجنازة بين أيديهم.
وذلك لأن الصلاة على الميت فرض , ومما يدل على ذلك ما ثبت في "صحيح البخاري" (2176) و"صحيح مسلم" (1619) من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالرجل الميت عليه الدَّين فيسأل: " هل ترك لدَّينه من قضاء؟ ". فإن حدث أنه ترك وفاء صلى عليه، وإلا قال: " صلوا على صاحبكم ". فلما فتح الله عليه الفتوح، قال: " أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن توفي وعليه دين فعلي قضاؤه ومن ترك مالا فهو لورثته ".
ولكن هي من فروض الكفاية , وهي التي إذا قام بها من يكفي سقطت عن بقية المسلمين.
وقد ثبت عند البخاري (1337) ومسلم (956) من حديث أبي هريرة أن أسودَ _ رجلا أو امرأة _ كان يقم المسجد , فمات , ولم يعلم النبي صلى الله عليه وسلم بموته , فذكره ذات يوم فقال: " ما فعل ذلك الإنسان؟ ". قالوا: مات يا رسول الله. قال: " أفلا آذنتموني؟ ". فقالوا: إنه كان كذا وكذا _ قصته _ قال: فحقروا شأنه. قال: " فدلوني على قبره ". فأتى قبره فصلى عليه.
فدل هذا على جواز الصلاة على الميت بعد دفنه.
وثبت عند البخاري (1333) ومسلم (951) من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه , وخرج بهم إلى المصلى , فصف بهم , وكبر عليه أربع تكبيرات.
فدل هذا الحديث على جواز الصلاة على الغائب , وخصه بعض العلماء بمن لم يصل عليه , وخصه آخرون بأهل العلم والفضل.
ومجموع النصوص السابقة يفيد ما سبق في أول الجواب , وقد نص أهل العلم على أن الميت إذا دفن ولم يصل عليه صلي عليه بعد الدفن , قال الشيخ ابن عثيمين: فإن كان لم يصل عليه صلينا عليه ولو بعد سنين. الشرح الممتع 5 / 440.
وسئلت اللجنة الدائمة السؤال التالي:
توفي لي طفل عمره ستة أشهر، وذهبت به إلى المقبرة ودفتنه فيها دون أن أصلي عليه سهواً مني، علماً بأني لا أعرف جهة القبر الذي دفنت فيه الطفل، فهل هناك صدقة تجزيء عن الصلاة أو أي عمل آخر يجزيء عن الصلاة عليه؟
فأجابت اللجنة:
ليس هناك عمل آخر يجزيء عن صلاة الجنازة على الميت طفلاً أو كبيراً، لا الصدقة ولا غيرها من أفعال البر، وعليك أن تذهب إلى المقبرة التي دفتنه في قبر منها، وتجعل المقبرة بينك وبين القبلة وتصلي صلاة الجنازة على هذا الطفل متطهراً مستكملاً لباقي شروط الصلاة، ويكفيك ذلك حيث إنك لا تعرف قبر الطفل بعينه، قال الله تعالى: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) ، وقال: (فاتقوا الله ما ستطعتم) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه) والله الموفق
فتاوى إسلامية 1 / 27
والله تعالى أعلم.
وانظر: "الإنصاف" للمرداوي: (2/471) ، "منح الشفا الشافيات" للبهوتي (1/171) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4646)
موقف الإمام في صلاة الجنازة
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يوضع الميت أمام الإمام بالنسبة لجهة الرأس والأرجل؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يوضع الميت أمام الإمام، ويكون الإمام حذاء رأس الرجل ووسط المرأة كما صحت بذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا كانت الأموات جماعة رجالاً ونساء وأطفالاً، قدم الرجل إلى الأمام ثم الطفل الذكر، ثم المرأة ثم الطفلة، ويكون وسط المرأة حذاء رأس الرجل، حتى يكون موقف الإمام منهما جميعاً هو الموقف الشرعي.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - م/13 ص/140.(5/4647)
له عدة أسئلة متعلقة بوفاة ابنه
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد توفي ابني الكبير رحمه الله غرقاً في البحر، وحينما صاح إخوته طلباً للنجدة وقفت واسترجعت ثم ذهبت إليه ولكني وجدته قد فارق الحياة، وكدت أن ألحق به لولا أن الله أنجاني من الغرق فخرجت مذهولا وأصيح في الناس طلباً للنجدة، ثم أخذت أدعو على الأولاد الذين كانوا معه بان الله يضيعهم كما ضيعوا ابني، ثم إن الله ربط على قلبي حينما أخرجناه من البحر وذهبنا به إلى المستشفي وقد كنت متيقناً من وفاته قبل الذهاب به إلى المستشفى. وكان عمر ابني رحمه الله تسعة عشر عاماً وخمسة أشهر حين وفاته. علماً أنني حرصت على تربيته تربية صالحة فكان من المحافظين على صلاة الجماعة في المسجد. وكان من طلاب حلقات التلاوة. وقد أدى فريضة الحج متمتعاً هذا العام. وقد صام يوم عاشوراء وكانت وفاته في الحادي عشر من صفر لهذا العام. وقد صلى الفجر يوم وفاته (يوم الخميس) جماعة. وكل من يعرفه يثني عليه خيرا فهل أعتبر هذه الأمور من المبشرات؟ وهل تعتبر وفاته يوم الخميس الساعة العاشرة صباحاً من الوفاة ليلة الجمعة؟ وهل علي إثم في دعائي على الأولاد الذين كانوا معه؟ علماً أنني كنت في حالة ذهول والله المستعان؟ مع يقيني أن الله أرحم به مني إلا أن البكاء يغلبني كلما تذكرته لاسيما وأنني كنت أخاف عليه وكان في السنة الأولى من الجامعة وكنت أخطط له ولمستقبله إلا أن قدر الله كان أسبق، فهل في بكائي عليه شيء؟ وكنت أمنع ابني من دخول الانترنت إلا في أوقات محددة وقد توفي وجواله مقطوع نظير استخدامه في الانترنت وكنت أقسو عليه أحيانا لهذا السبب، فهل علي إثم في ذلك؟ علماً بأنه كان باراً بي وبوالدته. هل يعتبر ابني وهو في هذا السن من الذين يشفعون لي ولوالدته؟ وهل أعتبر من المحتسبين إذا استرجعت حال صياح إخوته عليّ طلباً للنجدة؟ أزور قبره كل يوم جمعة ساعة الإجابة وأدعو له، فهل يعلم بزيارتي أم لا؟ وهل يشرع لي أن أسلم عليه باسمه كأن أقول السلام عليك يا بني أو السلام عليك يا فلان؟ وقفت له بعض المصاحف والكتب الدينية وسأقوم بمشيئة الله بوقف بئر أو مسجد له، فهل ينفعه ذلك؟ وهل لي أجر أنا في هذه الأعمال (الوقف الثابت والصدقات) ؟ أرجو معذرتي على كثرة الأسئلة وجزاكم الله خير الجزاء]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله سبحانه أن يغفر لابنك ويرحمه ويرفع درجته ويجمعه بسائر أهله في جنات النعيم.
وما ذكرته من حاله واستقامته وثناء الناس عليه، مع موته بالغرق هو من المبشرات والحمد لله، فإن الغرق شهادة كما أخبر صلى الله عليه وسلم. روى البخاري (2829) ومسلم (1914) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الشهداء خمسة: المطعون والمبطون والغرِق وصاحب الهدم والشهيد في سبيل الله) .
وروى البخاري (1367) ومسلم (949) عن أَنَس بْن مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: مَرُّوا بِجَنَازَةٍ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَجَبَتْ. ثُمَّ مَرُّوا بِأُخْرَى فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا، فَقَالَ: وَجَبَتْ. فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا وَجَبَتْ؟ قَالَ: (هَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا فَوَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، وَهَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ) .
ونسأل الله تعالى أن يجزيك خير الجزاء على تربيتك له، وسعيك في صلاحه، وأن يصلح لك سائر أولادك وأن يجعلهم قرة عين لك ولزوجك.
ثانيا:
ليلة الجمعة تبدأ من غروب شمس يوم الخميس، فلا تدخل الساعة العاشرة من صباح الخميس في ليلة الجمعة.
ثالثا:
لا إثم عليك في دعائك على الأولاد حال ذهولك، ولا في بكائك على ولدك عند تذكره، وقد روى البخاري (1303) ومسلم (2315) في قصة وفاة إبراهيم بن نبينا صلى لله عليه وسلم، قال أنس: ثُمَّ دَخَلْنَا عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِبْرَاهِيمُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَذْرِفَانِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَقَالَ: يَا ابْنَ عَوْفٍ، إِنَّهَا رَحْمَةٌ ثم قال: (إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ، وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبُّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ) .
رزقنا الله وإياك الصبر واحتساب الأجر.
ولا إثم عليك في التشديد عليه في دخول الإنترنت، بل هذا من حسن التربية، وإدراك المسئولية.
رابعا:
ثبت في السنة أن الصبيان يشفعون في آبائهم يوم القيامة، ومن ذلك:
عن أبي حسان قال: قلتُ لأَبِي هُرَيْرَةَ: إنَّه قَدْ مَاتَ لِي ابنانِ، فَمَا أَنْتَ مُحَدِّثِي عَنْ رَسُولِ اللهِ بِحَدِيْثٍ تُطَيِّبُ بِهِ أَنْفُسَنَا عَنْ مَوْتَانَا؟
قالَ: نَعَمْ، صِغَارُهُم دَعَامِيْصُ الجَنَّةِ، يَتَلَقَّى أَحَدُهُم أَبَاهُ - أَوْ قَالَ أَبَوَيْهِ - فَيَأْخُذُ بِثَوْبِهِ، - أَوْ قَالَ بِيَدِهِ - كَمَا آخُذُ أَنَا بِصَنَفَةِ ثَوْبِكَ هذا، فَلا يَتَنَاهَى حتى يُدخِلَه اللهُ وَأَبَاهُ الجَنَّةَ. رواه مسلم (2635) .
والدعاميص: جمع (دُعْمُوص) ، أَيْ صِغَار أَهل الجنة , وَأَصْل الدُّعْمُوص دُوَيْبَّة تَكُون فِي الْمَاء لَا تُفَارِقهُ , أَيْ أَنَّ هَذَا الصَّغِير فِي الْجَنَّة لَا يُفَارِقهَا.
وَقَوْله (بِصَنِفَةِ ثَوْبك) : أي طرف ثوبك.
ولا يتناهى: أي لا يتركه.
لكن من بلغ تسعة عشر عاما لا يعد صغيرا.
وثبت أن الشهيد يشفع في سبعين من أقاربه، فعن المقدام بن معدي كرب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (للشهيد عند الله ست خصال: يغفر له في أول دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين من أقاربه) رواه الترمذي (1663) وابن ماجه (2799) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وسبق أن الغريق شهيد، فيرجى لمن مات بالغرق أن ينال ثواب الشهيد، ويشفع في سبعين من أقاربه.
خامسا:
المقصود بالاحتساب هو احتساب الأجر عند الله تعالى، وعدم الجزع عند حلول المصيبة، والصبر عند الصدمة الأولى كما قال النبي صلى الله وسلم، فمن بلغه ما يسوءه فاسترجع وصبر واحتسب رجي له الأجر والثواب عند الله تعالى، وقد روى البخاري (6424) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: مَا لِعَبْدِي الْمُؤْمِنِ عِنْدِي جَزَاءٌ إِذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا ثُمَّ احْتَسَبَهُ إِلَّا الْجَنَّةُ) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في شرحه: " الْمُرَاد بِاحْتَسَبَهُ: صَبَرَ عَلَى فَقْده رَاجِيًا الْأَجْر مِنْ اللَّه عَلَى ذَلِكَ "
سادسا:
تخصيص زيارة القبور بيوم الجمعة لا أصل له، فلا تحرص على ذلك، وزره كلما تيسر من غير تحديد وقت معين.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: زيارة المقابر هل تختص بيوم معين كالعيدين والجمعة أو في وقت معين من اليوم أما أنها عامة؟ وماذا يجاب عما ذكر ابن القيم رحمه الله في كتاب الروح من أنها تزار في يوم الجمعة؟ وهل يعلم الميت بزيارة الحي له؟ ثم أين يقف الزائر من القبر؟ وهل يشترط أن يكون عنده أم يجوز ولو كان بعيداً عنه؟
فأجاب: " زيارة المقابر سنة في حق الرجال؛ لأنها ثبتت بقول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (زوروا القبور؛ فإنها تذكركم الآخرة) وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يزوروها. ولا تتقيد الزيارة بيوم معين، بل تستحب ليلاً ونهاراً في كل أيام الأسبوع، ولقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى البقيع ليلاً فزارهم وسلم عليهم. والزيارة مسنونة في حق الرجال، أما النساء فلا يجوز لهن الخروج من بيوتهن لزيارة المقبرة، ولكن إذا مررن بها ووقفن وسلمن على الأموات بالسلام الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم فإن هذا لا بأس به؛ لأن هذا ليس مقصوداً، وعليه يحمل ما ورد في صحيح مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها، وبه يجمع بين هذا الحديث الذي في صحيح مسلم والحديث الذي في السنن أن الرسول عليه الصلاة والسلام (لعن زائرات القبور) . وأما تخصيص الزيارة بيوم الجمعة وأيام الأعياد فلا أصل له، وليس في السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك.
وأما هل يعرف من يزوره فقد جاء في حديث صححه ابن عبد البر وأقره ابن القيم في كتاب الروح: (أن من سلم على ميت وهو يعرفه في الدنيا رد الله عليه روحه فرد عليه السلام) .
أما أين يقف الزائر؟ نقول: يقف عند رأس الميت مستقبلاً إياه، فيقول: السلام عليك ورحمة الله وبركاته، اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه، ويدعو له بما شاء ثم ينصرف، وهذا غير الدعاء العام، الذي يكون لزيارة المقبرة عموماً، فإنه يقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم " انتهى من "اللقاء الشهري" (2/8) .
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: عند زيارة القبور هل يشرع للزائر أن يصل إلى القبر الذي يقصد زيارته؟
ج: يكفي عند أول القبور، وإن أحب أن يصل إلى قبر من يقصد زيارته ويسلم عليه فلا بأس.
س: هل يعرف الميت من يزوره؟
ج: جاء في بعض الأحاديث (إذا كان يعرفه في الدنيا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام) ولكن في إسناده نظر، وقد صححه ابن عبد البر رحمه الله.
س: هل الموتى يعلمون بأعمال أقاربهم من الأحياء؟
ج: لا أعلم في الشرع ما يدل على ذلك " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (13/170) .
والحديث الذي أشار إليه الشيخ، ضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة برقم (4493) ولفظه: (ما من عبد يمر بقبر رجل كان يعرفه في الدنيا فسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام)
سابعا:
يشرع للزائر أن يسلم على الميت باسمه، فيقول: السلام عليك يا فلان.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وقد كان الصحابة يسلمون على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند قبره، وقد كان ابن عمر يقول: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبت. رواه مالك عن نافع عنه، ورواه أحمد وغيره " انتهى من "الرد على البكي" (1/256) .
ثامنا:
يجوز أن توقف لصالح ابنك مصاحف أو كتبا دينية، أو بئرا أو مسجدا، وذلك من العمل الصالح الذي يمتد به الثواب، ويعظم به الأجر.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: لي ابن وبنت توفيا رحمهما الله، وعندي قطعة أرض، هل يجوز أن أوقف لكل واحد منهما من كامل مالي عمارة هذه الأرض بيتين لكل واحد بيتا يكون ريعه يصرف لهما في أضحية وحج وأعمال البر بنظر الوكيل والثواب والأجر لهما؟ كما أن عندي بيتا أوقفته وقد أشركتهم في الثواب، ولكن أريد هذه الأرض أقسمها وأعمرها لكل واحد بيت خاص له، علما أن الورثة غير راضين بذلك، ويقولون: إنه لا يجوز، أرجو إفتائي جزاكم الله خيرا.
فأجابوا: " إذا كان الأمر كما ذُكر جاز وقف الأرض المذكورة لابنك وابنتك المتوفين، وصرف ريعها بعد عمارتها في أعمال الخير من الحج والأضحية والصدقة، وجعل ثواب ذلك لهما " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (16/116)
وإذا فعلت ذلك رُجي لك الثواب أيضا، لأنه هذا من الإحسان والبر والصدقة والمعروف.
وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4648)
إذا لم توجد مقبرة للمسلمين أو وجدت بثمن مرتفع فأين يدفن المسلم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ثمن القبر عندنا غالٍ جداً، وقد مات طفل ولم نستطع شراء قبر له لندفنه في مقابر المسلمين، فأخذناه إلى الغابة ودفناه بها، فما حكم ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا تعذر دفن المسلم في مقبرة خاصة بالمسلمين؛ لعدم وجودها أو ارتفاع كلفتها، فلا حرج في دفنه في صحراء أو غابة، ويسوى بالأرض حتى لا يتعرض للنبش.
فقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: ما حكم المسلم الذي يتوفى في فرنسا وتعذر نقله إلى بلاده العربية، وليس في البلد الذي هو متوفى فيه مقبرة مخصصة للمسلمين، فهل يدفن في مقبرة النصارى، أم ماذا؟ وكذلك ليس هناك موضع لتغسيل أموات المسلمين إلا الحجرة المخصصة لتغسيل أموات النصارى، فهل يمكن تغسيل أموات المسلمين فيها إذا تعذر تغسيل الميت المسلم في بيته؟
فأجابوا: "إذا لم يوجد مقبرة للمسلمين فإن المسلم إذا مات لا يدفن في مقابر الكفار، ولكن يلتمس له موضع في الصحراء يدفن فيه ويسوى بالأرض حتى لا يتعرض للنبش، وإن تيسر نقله إلى بلاد بها مقبرة للمسلمين بدون كلفة شديدة فهو أولى، أما تغسيل الميت المسلم في موضع تغسيل الكفرة فلا حرج فيه إذا لم يتيسر مكان سواه بدون كلفة " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (8/454)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4649)
تكفين الميت في قميص
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن يكفن الرجل في قميص؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأفضل أن لا يكفن الرجل في قميص، بل يكفن في ثلاثة أثواب، يلف فيها لفاًّ، كما فُعل برسول الله صلى الله عليه وسلم.
فعن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ يَمَانِيَةٍ بِيضٍ مِنْ كُرْسُفٍ لَيْسَ فِيهِنَّ قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ) رواه البخاري (1264) ومسلم (941) .
الكُرْسُف هُوَ الْقُطْن.
قال ابن حزم: " ما تخير الله تعالى لنبيه إلا أفضل الأحوال " انتهى.
"المحلى" (5/118) .
فالأفضل أن لا يكفن الرجل في قميص , وإن كان تكفينه في القميص جائزاً.
قال النووي: لا يكره تكفين الميت في القميص لحديث ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ لَمَّا تُوُفِّيَ , جَاءَ ابْنُهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَعْطِنِي قَمِيصَكَ أُكَفِّنْهُ فِيهِ , وَصَلِّ عَلَيْهِ، وَاسْتَغْفِرْ لَهُ , فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَمِيصَهُ , فَقَالَ: آذِنِّي أُصَلِّي عَلَيْهِ، فَآذَنَهُ , فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ جَذَبَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: أَلَيْسَ اللَّهُ نَهَاكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ؟ فَقَالَ: أَنَا بَيْنَ خِيَرَتَيْنِ , قَالَ: (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ) فَصَلَّى عَلَيْهِ , فَنَزَلَتْ: (وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ) رواه البخاري (5796) .
وعن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ حُفْرَتَهُ فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ , فَوَضَعَهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَنَفَثَ عَلَيْهِ مِنْ رِيقِهِ وَأَلْبَسَهُ قَمِيصَهُ , فَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَكَانَ كَسَا عَبَّاسًا قَمِيصًا قَالَ سُفْيَانُ: وَقَالَ أَبُو هَارُونَ يَحْيَى: وَكَانَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَمِيصَانِ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلْبِسْ أَبِي قَمِيصَكَ الَّذِي يَلِي جِلْدَكَ.
قَالَ سُفْيَانُ: فَيُرَوْنَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلْبَسَ عَبْدَ اللَّهِ قَمِيصَهُ مُكَافَأَةً لِمَا صَنَعَ. رواه البخاري (1270) .
وقد ترجم له البيهقي في "السنن الكبرى" (3/564) بقوله: " باب جواز التكفين في القميص وإن كنا نختار ما اختير لرسول الله صلى الله عليه وسلم " انتهى.
وسبب تكفينه صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن أبي في قميصه:
قيل: لتطييب قلب ابنه. قال النووي: وهو أظهر.
وقيل: لأنه كان قد كسا العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوباً حين أسر يوم بدر , فأعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم ثوباً بدله لئلا يبقى لكافر عنده فضل.
وقيل: فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم إجابة لسؤال ابنه حين سأله ذلك.
انظر: "المجموع" (5/152) ، "المغني" (3/384) .
وقال بعض العلماء بكراهة التكفين في القميص.
قال النووي: " وهذا ضعيف بل باطل من جهة الدليل , لأن المكروه ما ثبت فيه نهي مقصود , ولم يثبت في هذا شيء , فالصواب أنه لا يكره , لكنه خلاف الأولى " انتهى.
انظر: "المجموع" (5/153) , "المغني" (3/368) .
وأما المرأة؛ فتكفن في قميص، وانظر جواب السؤال رقم (98189) ففيه بيان صفة كفن المرأة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4650)
صفة كفن المرأة
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف تكفن المرأة إذا ماتت؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اتفقت المذاهب (الأحناف والمالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية) على أن المستحب أن تكفن المرأة في خمسة أثواب.
انظر: "بدائع الصنائع" (2/325) , "مواهب الجليل" (2/266) , "المجموع" (5/161) , "المغني" (3/390) , "المحلى" (5/120) .
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَكْثَرُ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَرَى أَنْ تُكَفَّنَ الْمَرْأَةُ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ.
"المغني" (3/391) .
وقال عطاء: تكفن المرأة في ثلاث أثواب. رواه عبد الرزاق في "المصنف" (3/273) .
وجمهور العلماء على أن تفصيل هذه الخمسة هي: إزار وخمار وقميص ولفافتان تلف فيهما.
وهو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة.
انظر: "مواهب الجليل" (2/266) , "المجموع" (5/162) , "المغني" (3/392) .
واستدلوا بما رواه أبو داود (3157) عن لَيْلَى بِنْتَ قَانِفٍ الثَّقَفِيَّةَ قَالَتْ: كُنْتُ فِيمَنْ غَسَّلَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ وَفَاتِهَا فَكَانَ أَوَّلُ مَا أَعْطَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحِقَاءَ ثُمَّ الدِّرْعَ ثُمَّ الْخِمَارَ ثُمَّ الْمِلْحَفَةَ ثُمَّ أُدْرِجَتْ بَعْدُ فِي الثَّوْبِ الْآخَرِ , قَالَتْ: وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ عِنْدَ الْبَابِ مَعَهُ كَفَنُهَا يُنَاوِلُنَاهَا ثَوْبًا ثَوْبًا) ضعفه الألباني في "إرواء الغليل" (723) .
وهذا الحديث له شاهد رواه الجوزقي عن أم عطية رضي الله عنها قالت: (فكفناها في خمسة أثواب وخمرناها كما يخمر الحي) قال الحافظ: إسناده صحيح. "فتح الباري" (3/159) .
قال ابن قدامة: " وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَزِيدُ فِي حَالِ حَيَاتِهَا عَلَى الرَّجُلِ فِي السَّتْرِ لِزِيَادَةِ عَوْرَتِهَا عَلَى عَوْرَتِهِ , فَكَذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ " انتهى.
انظر: "المغني" (3/391) .
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: كيف يكفن الرجل وكيف تكفن المرأة؟
فأجاب: " الأفضل أن يكفن الرجل في ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة , هذا هو الأفضل , والمرأة تكفن في خمس قطع: إزار وقميص وخمار ولفافتين , وإن كفن الميت في لفافة واحدة ساترة جاز سواء كان رجلاً أو امرأة , والأمر في ذلك واسع ".
"مجموع فتاوى ابن باز" (13/127) .
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (3/363) : " والمرأة يبدأ تكفينها بالإزار على العورة وما حولها , ثم قميص على الجسد , ثم القناع على الرأس وما حوله , ثم تلف بلفافتين " انتهى.
الشيخ: عبد العزيز بن باز , الشيخ: عبد الرازق عفيفي , الشيخ: عبد الله غديان , الشيخ: عبد الله بن قعود.
وقال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع: " وقد جاء في جعل كفن المرأة خمسة أثواب حديث مرفوع، إلا أن في إسناده نظراً؛ لأن فيه راوياً مجهولاً، ولهذا قال بعض العلماء: إن المرأة تكفن فيما يكفن به الرجل، أي: في ثلاثة أثواب يلف بعضها على بعض.
وهذا القول إذا لم يصح الحديث هو الأصح؛ لأن الأصل تساوي الرجال والنساء في الأحكام الشرعية، إلا ما دلّ الدليل عليه، فما دلّ الدليل على اختصاصه بالحكم دون الآخر، خص به وإلا فالأصل أنهما سواء.
وعلى هذا فنقول: إن ثبت الحديث بتكفين المرأة في هذه الأثواب الخمسة فهو كذلك، وإن لم يثبت فالأصل تساوي الرجال والنساء في جميع الأحكام، إلا ما دلّ عليه الدليل " انتهى.
"الشرح الممتع" (5/224) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4651)
تنظيم لقاء استذكاري للمتوفى
[السُّؤَالُ]
ـ[لدينا جمعية تهتم بكفالة اليتيم، وتقوم الجمعية بدور الوسيط بين المحسنين وأسر اليتامى. منذ حوالي شهرين توفي رئيس الجمعية رحمه الله، وكان مثالا في التضحية والوفاء وبذل الغالي والرخيص من أجل إدخال البهجة والسرور على أسر اليتامى. فكر الإخوة في مكتب الجمعية بتنظيم لقاء استذكاري للفقيد، ليس حفل تأبين، ولا الأربعين، أبدا، قرر المكتب أن يكون محور هذا اللقاء حول التذكير بدوره في العمل الخيري، كما قرروا تقديم شهادة تقدير لأهله اعترافا بالجهود التي بذلها الفقيد. ويتضمن اللقاء ورقة تعريفية عن الجمعية: الأنشطة والمنجزات. السؤال: هل هناك من حظر شرعي في تنظيم هذا اللقاء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إقامة المحاضرات والندوات واللقاءات للحديث عن المتوفى من العلماء أو الصالحين أو أهل الخير والإحسان جائز لا حرج فيه.
ولكن ينبغي التقيد بالشروط الآتية:
1- أن يكون الغرض منها حث الناس على الخير، وشكر أهله، والاستفادة من الجوانب المنيرة في حياة الشخصية المتحدث عنها، وتعريف الناس بها لتشجيعهم على الاقتداء بأخلاقها وفضائلها.
ولا يكون الغرض إثارة الأحزان والأشجان، وتذكر المصائب والآلام، لاستنزال الدموع واستثارة القلوب، فليست هذه الأمور من الشريعة في شيء، بل هي مضادة لما ندبت إليه من الصبر على المصائب، والرضا بقضاء الله وقدره.
2- ألا تجعل هذه اللقاءات عيدا يتكرر في كل عام، فإن المسلمين لا عيد لهم إلا عيد الفطر وعيد الأضحى فقط، ولا يجوز استحداث أي عيد في أي مناسبة غير ما جاء في الشرع.
3- أن يقتصر على كلمة الحق وقول الصدق، من غير مبالغة ولا مفاخرة، فإذا كان المتوفى مِن أهل الصلاح والعلم والخير يذكر ما قدمه لأمته ودينه، ولا يراد بهذا الذكر إلا وجه الله تعالى وحث الناس على الخير، وليس التقرب لمنصب ولا التزلف لولاية ولا التعصب لحزب أو جماعة، وأما إن كان من أهل المعاصي والشبهات، أو ممن خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا فلا يجوز تغرير الأمة بأمثالهم، ولا يحل الكذب في مدحهم والثناء عليهم بما ليس فيهم، والواجب تفويض أمرهم إلى الله تعالى.
4- ألا يصاحب هذه اللقاءات شيء من المنكرات، من عادات النياحة أو تعليق الصور أو استعمال المعازف، كما لا يجوز ربط هذه اللقاءات بليالي محددة كالأسبوع أو الأربعين ونحوها من الخرافات المنتشرة بين العوام.
جاء في "الفتاوى الفقهية الكبرى" لابن حجر الهيتمي (2/18) :
" قول ابن عبد السلام: بعض المراثي حرام، كالنوح؛ لما فيه من التبرم بالقضاء، إلا إذا ذكر مناقب عالم ورع أو صالح للحث على سلوك طريقته وحسن الظن به، بل هي حينئذ بالطاعة والموعظة أشبه، لما ينشأ عنها من البر والخير، ومن ثَمَّ ما زال كثير من الصحابة وغيرهم من العلماء يفعلونها على ممر الأعصار من غير إنكار " انتهى.
وجاء في تهذيب وترتيب ابن الشاط لكتاب "الفروق" للقرافي (2/180-182) :
" الْحَقُّ أَنَّ كُلًّا مِنْ النُّوَاحِ وَالْمَرَاثِي عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: حَرَامٌ كَبِيرَةٌ، وَحَرَامٌ صَغِيرَةٌ، وَمُبَاحٌ، وَمَنْدُوبٌ.
أَمَّا ضَابِطُ مَا هُوَ حَرَامٌ كَبِيرَةٌ مِنْ النُّوَاحِ وَالْمَرَاثِي:
فكل كلام يقرر في النفوس نسبة الرب سبحانه وتعالى إلى الظلم في قضائه وقدره، حيث يبالغ في تعداد فضائل الميت ومناقبه وأعماله التي انقطعت بموته، مما يعني أن موته كان مفسدة عظيمة، وأن الأصلح كان بقاؤه حيا.
وَأَمَّا ضَابِطُ مَا هُوَ حَرَامٌ صَغِيرَةٌ:
فكل كلام يهيج الأحزان ويؤدي إلى الضجر وعدم الصبر، وقد يؤدي إلى ضرب الخدود أو شق الثياب.
وَأَمَّا ضَابِطُ مَا هُوَ مُبَاحٌ مِنْ النُّوَاحِ وَالْمَرَاثِي:
فكل كلام ليس فيه إلا ذكر دين الميت وأنه انتقل إلى دار الجزاء، وأن جميع الخلق سيواجهون المصير نفسه.
وَأَمَّا ضَابِطُ الْمَنْدُوبِ مِنْ النُّوَاحِ وَالْمَرَاثِي:
فكل كلام فيه أمر أهل الميت بالصبر وحثهم عليه " انتهى باختصار وتصرف.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
ما أصل الذكرى الأربعينية، وهل هناك دليل على مشروعية التأبين؟
" أولا: الأصل فيها أنها عادة فرعونية، كانت لدى الفراعنة قبل الإسلام، ثم انتشرت عنهم وسرت في غيرهم، وهي بدعة منكرة لا أصل لها في الإسلام، يردها ما ثبت من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) رواه البخاري (2550) .
ثانيا: تأبين الميت ورثاؤه على الطريقة الموجودة اليوم؛ من الاجتماع لذلك، والغلو في الثناء عليه، لا يجوز؛ لما رواه أحمد وابن ماجه وصححه الحاكم من حديث عبد الله بن أبي أوفى قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المراثي.
ولما في ذكر أوصاف الميت من الفخر غالبا، وتجديد اللوعة وتهييج الحزن.
وأما مجرد الثناء عليه عند ذكره، أو مرور جنازته، أو للتعريف به بذكر أعماله الجليلة ونحو ذلك مما يشبه رثاء بعض الصحابة لقتلى أحد وغيرهم، فجائز؛ لما ثبت عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (مروا بجنازة فأثنوا عليها خيرا. فقال صلى اله عليه وسلم: وجبت، ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شرا فقال: وجبت. فقال عمر رضي الله عنه: ما وجبت؟ قال: هذا أثنيتم عليه خيرا فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شرا فوجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض) – متفق عليه – " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (9/154-155) .
وقد استحب بعض أهل العلم المعاصرين أن يكون تنظيم هذه اللقاءات والمحاضرات بعد فترة طويلة من الوفاة، كي لا تتجدد الأحزان.
فقد سئل الشيخ ابن عثيمين: يتم في بعض المساجد تخصيص خطبة يذكر فيها محاسن الميت ومآثره، مثل عالم أو داعية، فما حكم هذا الفعل؟
الجواب:
"رأيي ألا يفعل؛ لأنها في قرب موت العالم أو الداعية تعتبر من النعي , ولهذا تُهَيِّج الناس ويبكون , أما لو كان بعد مدة طويلة وبعد ما تنسى المصيبة وتذكر مآثره كتاريخ له فهذا لا بأس به , لأن العلماء كلهم يكتب عنهم مآثرهم وآثارهم , أما أن يقصد بها التهييج والتحزن على فقد هذا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النعي، وهو من النعي , وإذا جاءت بِرَنَّةٍ معينة صار من الندب أيضاً " انتهى.
"لقاءات الباب المفتوح" (لقاء رقم/207، سؤال رقم/15) .
والحاصل: أن تنظيمكم اللقاء الاستذكاري للحديث عن رئيس الجمعية لا حرج فيه إذا التزمت الشروط السابقة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4652)
السفر من أجل التعزية
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا توفي أحد أقرباء الشخص أو أصدقائه وهم في بلد غير البلد التي هو فيها، فهل يجوز له أن يسافر إلى البلد التي هم فيها لتأدية العزاء ومواساة أهله في فقيدهم أم أن هذا يعد شد رحل ولا يجوز؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" إذا كان العزاء يشتمل على بدع وخرافات مثل إقامة المآتم التي في بعض البلاد فلا يجوز أن يشاركهم سواء سافر أو لم يسافر؛ لأن هذا النوع من البدع والمنكرات، أما إذا كان العزاء مجرد مواساة للأحياء، وتطييب لخواطرهم، ودعاء للميت المسلم بالرحمة والمغفرة فلا بأس بذلك، خصوصاً إذا كانوا من أقاربه ففي سفره إليهم وعزائهم ومواساتهم تطمين لخواطرهم وتخفيف من مصابهم، وربما يكونون بحاجة لحضوره ".
"المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (2 / 269) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4653)
إذا مات وهو جنب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم من مات جنبا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
موت الإنسان وهو جنب لا يدل على ضعف دين أو سوء خاتمة، ما دام قد أجنب بسبب مباح، كجماع الزوجة أو الاحتلام.
وقد استشهد حنظلة رضي الله عنه وهو جنب، وغسلته الملائكة، وقصته مشهورة، رواها ابن إسحاق وغيره، كما قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري".
وروى الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنها أن حمزة رضي الله عنه استشهد وهو جنب. قال ابن حجر: إسناده لا بأس به.
ثانياً:
إذا مات الرجل جنبا، أو ماتت المرأة حائضا، فإنه يغسل غسلاً واحدا، فيكفي غسل الموت عن غسل الجنابة والحيض.
لأنه اجتمع سببان للغسل: الجنابة أو الحيض والموت فيكفي غسل واحد عنهما، كما لو اجتمع أكثر من سبب للوضوء، كخروج الريح، والبول، والنوم العميق، فإنه يكفي عنها جميعاً وضوء واحد.
وانظر: "كشاف القناع" (2/87) .
وقال النووي رحمه الله في "المجموع" (5/123) : " مذهبنا أن الجنب والحائض إذا ماتا غسلا غسلا واحدا , وبه قال العلماء كافة إلا الحسن البصري فقال: يغسلان غسلين. قال ابن المنذر: لم يقل به غيره " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4654)
هل يجوز دفن الزوج مع زوجته في قبر واحد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز دفن الزوج مع زوجته في نفس القبر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ذهب كثير من فقهاء الشافعية، وهو المذهب عند الحنابلة، إلى أنه لا يجوز أن يدفن في قبر واحد أكثر من ميت، إلا عند الضرورة، بأن يكثر القتلى، أو يكون وباء أو حريق أو غرق، ويعسر دفن كل واحد في قبر، فيجوز حينئذ دفن الاثنين والثلاثة في قبر واحد، ولا يدفن رجل مع امرأة إلا عند اشتداد الضرورة، ويجعل بينهما حاجز من تراب.
وقد دل على ذلك ما رواه البخاري (1343) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:
(كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ يَقُولُ أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ وَقَالَ أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَمَرَ بِدَفْنِهِمْ فِي دِمَائِهِمْ وَلَمْ يُغَسَّلُوا وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ)
وروى النسائي (2010) واللفظ له والترمذي (1713) وأبو داود (3215) عَنْ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: (شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْحَفْرُ عَلَيْنَا لِكُلِّ إِنْسَانٍ شَدِيدٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: احْفِرُوا وَأَعْمِقُوا وَأَحْسِنُوا وَادْفِنُوا الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ.
قَالُوا: فَمَنْ نُقَدِّمُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: قَدِّمُوا أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا قَالَ فَكَانَ أَبِي ثَالِثَ ثَلَاثَةٍ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ) والحديث صححه الألباني في صحيح النسائي.
قال النووي رحمه الله في المجموع (5/247) : " لا يجوز أن يدفن رجلان ولا امرأتان في قبر واحد من غير ضرورة , وهكذا صرح السرخسي بأنه لا يجوز , وعبارة الأكثرين: لا يدفن اثنان في قبر كعبارة المصنف , وصرح جماعة بأنه يستحب أن لا يدفن اثنان في قبر. أما إذا حصلت ضرورة بأن كثر القتلى أو الموتى في وباء أو هدم وغرق أو غير ذلك، وعسر دفن كل واحد في قبر فيجوز دفن الاثنين والثلاثة، وأكثر، في قبر , بحسب الضرورة للحديث المذكور , قال أصحابنا: وحينئذ يقدم في القبر أفضلهم إلى القبلة , فلو اجتمع رجل وصبي وامرأة قدم إلى القبلة الرجل , ثم الصبي , ثم الخنثى , ثم المرأة. قال أصحابنا: ويقدم الأب على الابن , وإن كان الابن أفضل لحرمة الأبوة , وتقدم الأم على البنت , ولا يجوز الجمع بين المرأة والرجل في قبر إلا عند تأكد الضرورة , ويجعل حينئذ بينهما تراب ليحجز بينهما بلا خلاف , ويقدم إلى القبلة الرجل وإن كان ابنا ".
وذهب بعض أهل العلم إلى أن دفن أكثر من شخص في قبر واحد، مكروه فقط، وهو مذهب المالكية، ورواية عن أحمد، اختارها شيخ الإسلام رحمه الله. ينظر "الإنصاف" (2/551) ، شرح الخرشي (2/134) .
وذهب آخرون إلى عدم الكراهة، وقالوا: إنه ترك للأفضل، فحسب.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " والراجح عندي - والله أعلم - القول الوسط، وهو الكراهة، كما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، إلا إذا كان الأول قد دفن واستقر في قبره، فإنه أحق به، وحينئذٍ فلا يُدخل عليه ثان، اللهم إلا للضرورة القصوى " انتهى من "الشرح الممتع" (5/369) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4655)
الوقوف عن يمين الإمام إذا ضاق المكان في صلاة الجنازة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يشرع أن يصف عن يمين الإمام في صلاة الجنازة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا دعت الحاجة فيصف عن يمينه وشماله والسنة الصلاة خلف الإمام، لكن لو كان المكان ضيقاً فلا بأس.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - م/13 ص/140.(5/4656)
هل يجوز استقبال القبر عند الدعاء لصاحبه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز استقبال القبر عند الدعاء لصاحبه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب أن نفرق بين أمرين اثنين مشتبهين:
الأول: القصد إلى القبر وتحري استقباله أثناء دعاء الإنسان لنفسه، تبركا، واعتقادا بقرب ذلك الإجابة: فهذا لا شك من البدع المحدثة، ومن الغلو الذي نهت عنه الشريعة، قد يؤدي إلى الوقوع في الشرك إذا صار الداعي يسأل صاحب القبر أن يقضي له الحاجات.
يقول ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (27/165) :
" وأما زيارة القبور لأجل الدعاء عندها أو التوسل بها أو الاستشفاع بها فهذا لم تأت به الشريعة أصلا، ولهذا كانت السنة عند الصحابة وأئمة المسلمين إذا سلم العبد على النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أن يدعو الله مستقبل القبلة، ولا يدعو مستقبل الحجرة، ولم أعلم الأئمة تنازعوا في أن السنة استقبال القبلة وقت الدعاء، لا استقبال القبر النبوي." انتهى
ويقول أيضا رحمه الله في "اقتضاء الصراط المستقيم" (364) :
" ولعل هذا الذي ذكره الأئمة أخذوه من كراهة الصلاة إلى القبر، فإن ذلك قد ثبت النهي فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما تقدم؛ فلما نهى أن يتخذ القبر مسجدا أو قبلة، أمروا بأن لا يتحرى الدعاء إليه كما لا يصلي إليه. قال مالك في المبسوط: لا أرى أن يقف عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم يدعو، ولكن يسلم ويمضى.
وهذا أصل مستمر، فإنه لا يستحب للداعي أن يستقبل إلا ما يستحب أن يصلي إليه، ألا ترى أن المسلم لما نهى عن الصلاة إلى جهة المشرق وغيرها، فإنه ينهى أن يتحرى استقبالها وقت الدعاء، ومن الناس من يتحرى وقت دعائه استقبال الجهة التي يكون فيها معظمه الصالح، سواء كانت في المشرق أو غيره، وهذا ضلال بين وشرك واضح." انتهى.
والمسلم حين يعبد الله بالدعاء يستحب له أن يتوجه إلى القبلة التي أمرنا بتعظيمها، وليس إلى قبور البشر الذين لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا.
جاء في "كشاف القناع" ـ من كتب الحنابلة ـ (1/367) :
" ويستقبل الداعي القبلة لأن خير المجالس ما استقبل به القبلة " انتهى.
ومثله في حاشية "تحفة المحتاج" ـ من كتب الشافعية ـ (2/105) .
ويقول ابن تيمية رحمه الله في "نقض التأسيس" (2/452) :
" إن المسلمين مجمعون على أن القبلة التي يشرع للداعي استقبالها حين الدعاء هي القبلة التي شرع استقبالها حين الصلاة " انتهى.
الثاني:
أما عند زيارة القبر للدعاء للميت والاستغفار له، كما يصنع الناس عند زيارة موتاهم في قبورهم، فلا حرج على من يستقبل القبر في دعائه حينئذ، فإنه لم يفعل ذلك تقصدا لبركة ذلك القبر أو تعظيما لجهته، إنما ليكون أقرب في مكانه من الميت، وأقرب في دعائه منه.
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله (13/338) ما يلي:
هل ينهى عن استقبال القبر حال الدعاء للميت؟
فأجاب رحمه الله:
" لا ينهى عنه؛ بل يدعى للميت سواء استقبل القبلة أو استقبل القبر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على القبر بعد الدفن، وقال: (استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل) رواه البخاري.
ولم يقل استقبلوا القبلة، فكله جائز، سواء استقبل القبلة أو استقبل القبر، والصحابة رضي الله عنهم دعوا للميت وهم مجتمعون حول القبر." انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4657)
إمام المسجد أحقّ بالإمامة في صلاة الجنازة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يصلي على الميت وليه أو الإمام الراتب؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يصلي عليه في المسجد الإمام الراتب.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - م/13 ص/137.(5/4658)
من مات بسبب تعطل الجهاز الهضمي فهو شهيد
[السُّؤَالُ]
ـ[ي بخصوص أنواع الشهداء فقد ذكر منهم المبطون.. ولدي أخ توفي منذ يومين بتوقف القلب كما ذكر في تقرير الوفاة ولكنه كان قد تعطل كل شيء لديه من الكلى للكبد وحتى الجهاز الهضمي لم يكن يعمل لديه فهل يعتبر ممن مات مبطوناً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
روى البخاري (2829) ومسلم (1914) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الشهداء خمسة: المطعون والمبطون والغرِق وصاحب الهدم والشهيد في سبيل الله) .
وروى أحمد (23804) وأبو داود (3111) والنسائي (1846) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما تعدون الشهادة؟ قالوا: القتل في سبيل الله تعالى. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الشهادة سبع سوى القتل في سبيل الله: المطعون شهيد، والغرق شهيد، وصاحب ذات الجنب شهيد، والمبطون شهيد، وصاحب الحريق شهيد، والذي يموت تحت الهدم شهيد، والمرأة تموت بجُمْع شهيدة) والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود.
قال في عون المعبود شرح سنن أبي داود:
" (المطعون) هو الذي يموت بالطاعون.
(وصاحب ذات الجنب) وهي قرحة أو قروح تصيب الإنسان داخل جنبه ثم تفتح ويسكن الوجع وذلك وقت الهلاك، ومن علاماتها الوجع تحت الأضلاع وضيق النفس مع ملازمة الحمى والسعال وهي في النساء أكثر. قاله القارى.
(والمبطون) من إسهال أو استسقاء أو وجع بطن.
(والمرأة تموت بجُمع) قال الخطابي: معناه أن تموت وفي بطنها ولد "انتهى باختصار.
وقال النووي رحمه الله في شرح مسلم: " وَأَمَّا (الْمَبْطُون) فَهُوَ صَاحِب دَاء الْبَطْن , وَهُوَ الإِسْهَال. قَالَ الْقَاضِي: وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي بِهِ الاسْتِسْقَاء وَانْتِفَاخ الْبَطْن , وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي تَشْتَكِي بَطْنه , وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي يَمُوت بِدَاءِ بَطْنه مُطْلَقًا " انتهى.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ورد في الحديث أن المبطون شهيد، ما معنى كلمة مبطون، وهل يدخل في معناها من توفي من تليّف في الكبد؟
فأجاب: "المبطون قال أهل العلم: من مات بداء البطن، والظاهر أن من جنسه من مات بالزائدة لأنها من أدواء البطن التي تميت، ولعل من ذلك أيضاً من مات بتليف الكبد لأنها داء في البطن مميت " انتهى من فتاوى الشيخ ابن عثيمين لمجلة الدعوة.
وبناء على ذلك فإن كان موت أخيك بسبب تعطل الكبد أو الجهاز الهضمي، فترجى له الشهادة.
ونسأل الله تعالى أن يغفر له ويرحمه ويعلي درجته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4659)
يكفي السلام على الموتى في أول المقبرة مرة واحدة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يكفي السلام على الموتى في أول المقبرة مرة واحدة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يكفي ذلك وتحصل به الزيارة، وإن كانت القبور متباعدة فزارها من جميع جهاتها فلا بأس.
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - م/13 ص/335
وسئل الشيخ رحمه الله أيضاً:
عند زيارة القبور هل يشرع للزائر أن يصل إلى القبر الذي يقصد زيارته؟
فأجاب رحمه الله:
يكفي عند أول القبور، وإن أحب أن يصل إلى قبر من يقصد زيارته ويسلم عليه فلا بأس.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد العزيز بن باز يرحمه الله(5/4660)
وضع المصحف على بطن الميت وهل للعزاء مدة محددة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم قراءة القرآن على الميت ووضع المصحف على بطنه، وهل للعزاء أيام محددة حيث يقال إنها ثلاثة أيام فقط؟ أرجو الإفادة جزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس لقراءة القرآن على الميت أو على القبر أصل صحيح بل ذلك غير مشروع، بل من البدع، وهكذا وضع المصحف على بطنه ليس له أصل، وليس بمشروع، وإنما ذكر بعض أهل العلم وضع حديدة أو شيء ثقيل على بطنه بعد الموت حتى لا ينتفخ.
وأما العزاء فليس له أيام محددة، بل يشرع من حين خروج الروح قبل الصلاة على الميت وبعدها، وليس لغايته حد في الشرع المطهر سواء كان ذلك ليلاً أو نهاراً، وسواء كان ذلك في البيت أو في الطريق أو في المسجد أو في المقبرة أو في غير ذلك من الأماكن.
والله ولي التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/8 ص/362.(5/4661)
تشييع جنازة المستغيث بالقبور
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تشييع جنازة من مات وهو يستغيث بالقبور؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين فأجاب:
إذا مات مصرا على الاستغاثة بالأموات لم يجز تشييعه، وإذا لم يناقشه أحد فننظر هل هو في بلد فيه موحدون ودعاة للتوحيد وسبل لمعرفة التوحيد فهذا يغلب على الظن إقامة الحجة عليه فلا يشيّع، وإلا فيشيّع. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الله بن جبرين(5/4662)
هل السلام على أهل المقابر للمار أم للداخل فقط
[السُّؤَالُ]
ـ[ذكر المقابر هل هو للداخل أو للمار؟ وإذا كان الشارع بمحاذاة سور المقبرة، هل يشرع أن يقوله وهو مار في الشارع؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
عُرض السؤال التالي على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله بقوله:
قال الفقهاء بأنه يُسَنُّ السلام على أهل المقابر للمارّ وللداخل. فعلى هذا يقف المار ويُسَلِّم وينصرف.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(5/4663)
تغسيل من مات بحادث قطَّع جسمه
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان إنسان في سيارة فتوفي، وكانت وفاة هذا الرجل مؤلمة جداً، بحيث كان أكثر عظامه قد تلوث بالدم، فهل يجوز لنا أن نغسله أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا تعذر غسله فإنه ييمم لعموم قوله تعلى: (فاتقوا الله ما استطعتم) التغابن/16، ولأن الله شرع التيمم للطهارة من الحدث الأكبر والأصغر في حالة عدم وجود الماء، أو العجز عن استعماله، أو التضرر باستعماله.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 8/371.(5/4664)
هل يُغسل ويُكفن الشهيد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا مات المجاهد في سبيل الله فهل نقوم بتغسيله وتكفينه أم ندفنه بثيابه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا مات الشهيد في المعركة فلا يُغّسل ولا يُكفن وهذا قول جمهور العلماء؛ لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم " أمر بدفن شهداء أحد في دمائهم ولم يُغسلهم " رواه البخاري 1346
وإنما تُرك الغُسل ليبقى أثر الشهادة عليهم فإنه جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " والذي نفسي بيده لا يُكلم أحدٌ في سبيل الله والله أعلم بمن يُكلم في سبيله إلا جاء يوم القيامة اللون لون الدم والريح ريح مسك " رواه البخاري (2803) ومسلم (1876)
وروى عبد الله بن ثعلبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " زِّملوهم بدمائهم فإنه ليس كلم يُكلم في الله إلا يأتي يوم القيامة يُدمى لونه لون الدم وريحه ريح المسك " رواه النسائي، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3573)
أنظر المغني مع الشرح الكبير (2/333) والموسوعة الفقهية (26/274) .
فإن كان الشهيد جنُباً فقد اختلف العلماء في تغسيله، والراجح أنه لا يُغسل إذ لا فرق بين الجُنب وغيره، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يغسل الذين قتلوا في أُحد، ولأن الشهادة تكفر كل شيء.
أما ما يُذكر من أن عبد الله بن حنظلة " غسلته الملائكة " فهذا إن صح فليس فيه دليل على أنه يُغسله البشر؛ لأن تغسيل الملائكة له ليس شيئاً محسوساً لنا، وأحكام البشر لا تقاس على أحكام الملائكة، وما حصل لحنظلة رضي الله عنه هو من باب الكرامة وليس من باب التكليف.
يراجع الشرح الممتع (5/365) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4665)
قول البعض في التعزية البقية في حياتك
[السُّؤَالُ]
ـ[اسمع بعض الناس يقول في التعزية: (البقية في حياتك) فما صحة هذه العبارة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا خطأ، فأي بقية بقيت، والله عز وجل يقول: (فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) الأعراف /34
فالميت يموت وقد استوفى أجله تماماُ، ولم يتقدم ولم يتأخر فأين تلك البقية؟.
ثم إن في ذلك مخالفة للسنة في التعزية، فالسنة أن يقال: لله ما أخذ ولله ما أعطى، أو أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك، وغفر لميتك وهكذا..
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب الإيمان بالقضاء والقدر لـ محمد بن إبراهيم الحمد ص 166.(5/4666)
هل يغَسَّل من قتل ظلماً
[السُّؤَالُ]
ـ[هل المقتول ظلماً مثل الشهيد لا يغسل ولا يصلى عليه أم أنه يغسل ويصلى عليه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المقتول ظلماً يغسل ويصلى عليه، فعمر الفاروق رضي الله عنه، قتل مظلوماً وعثمان رضي الله عنه قتل مظلوماً ومع هذا غُسلا وصلى عليهما الصحابة رضي الله عنهم، وهكذا علي رضي الله عنه قتل مظلوماً وغسل وصلي عليه.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - م/13 ص/121.(5/4667)
أفضلية كثرة المصلين على الجنازة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل في كثرة عدد المصلين على الجنازة فضل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ثبت في حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعهم الله فيه) رواه مسلم. ولذا استحب العلماء تحري المسجد الذي فيه جماعة كثيرة للصلاة على الميت فيه، وكلما كان العدد أكثر صار أقرب إلى الخير وأكثر للدعاء.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - م/13 ص/138.(5/4668)
حكم مشاهد القبور المكتوب عليها معلومات عن الميت
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز وضع قطعة من الحديد أو (لافتة) على قبر الميت مكتوب عليها آيات قرآنية. بالإضافة إلى اسم الميت وتاريخ وفاته.. إلخ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز أن يكتب على قبر الميت لا آيات قرآنية ولا غيرها، لا في حديدة ولا في لوح ولا في غيرهما، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث جابر رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم (نهى أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه) رواه الإمام مسلم في صحيحه، زاد الترمذي والنسائي بإسناد صحيح (وأن يكتب عليه) .
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/9 ص/378.(5/4669)
حكم قراءة القرآن على قبر الميت
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الناس في قريتنا يقومون بإحضار مجموعة من المشايخ ممن لهم دراية بقراءة القرآن فيقرؤون القرآن بحجة أن هذا القرآن ينفع الميت ويرحمه، والبعض الآخر يستدعي شيخاً أو اثنين لقراءة القرآن على قبر هذا الميت، والبعض الآخر يقيمون محفلاً كبيراً يدعون فيه واحداً من القراء المشاهير عبر مكبرات الصوت ليحيي الذكرى السنوية لوفاة عزيزه فما حكم الدين في ذلك؟ وهل قراءة القرآن تنفع الميت على القبر أو غيره، وما هي الطريقة المثلى لمنفعة الميت؟ أفتونا جزاكم الله عنا خير الجزاء ولكم منا جزيل الشكر والامتنان.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا العمل بدعة لا يجوز لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) متفق على صحته وقوله صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أخرجه مسلم في صحيحه، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
ولم يكن من سنته صلى الله عليه وسلم ولا من سنة خلفائه الراشدين رضي الله عنهم القراءة على القبور، أو الاحتفال بالموتى وذكرى وفاتهم. والخير كله في اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، وخلفائه الراشدين ومن سلك سبيلهم كما قال عز وجل: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم) التوبة/100، وقال صلى الله عليه وسلم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في خطبته يوم الجمعة: (أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة) والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
وقد أوضح النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة ما ينفع المسلم بعد موته فقال صلى الله عليه وسلم: (إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) أخرجه مسلم في صحيحه، وسأله صلى الله عليه وسلم رجل فقال: يا رسول الله هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (نعم؛ الصلاة عليهما والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما) والمراد بالعهد الوصية التي يوصي بها الميت، فمن بره إنفاذها إذا كانت موافقة للشرع المطهر. ومن بر الوالدين الصدقة عنهما والدعاء لهما والحج والعمرة عنهما، والله ولي التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/9 ص/319.(5/4670)
دفن الكافر في مقابر المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز دفن ولد كافر في مقابر المسلمين إذا أخذه المسلم متبنياً له ثم مات قبل أن يبلغ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز دفن كافر في مقابر المسلمين سواء كان متبني لمسلم أم لا وسواء بلغ أم لم يبلغ، لكن إذا وجد منه ما يدل على إسلامه دفن في مقابر المسلمين، علماً بأنه يحرم التبني في الإسلام لقوله تعالى: (ادعوهم لآبائهم) الأحزاب / 5.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 9/10.(5/4671)
الذكرى الأربعينية عادة فرعونية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما أصل الذكرى الأربعينية؟ وهل هناك دليل على مشروعية التأبين؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: الأصل فيها أنها عادة فرعونية، كانت لدى الفراعنة قبل الإسلام، ثم انتشرت عنهم وسرت في غيرهم، وهي بدعة منكرة لا أصل لها في الإسلام، ويردها ما ثبت من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) متفق على صحته.
ثانياً: تأبين الميت ورثاؤه على الطريقة الموجودة اليوم من الاجتماع لذلك والغلو في الثناء عليه لا يجوز، لما رواه أحمد وابن ماجه وصححه الحاكم من حديث عبد الله بن أبي أوفى قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المراثي) ، ولما في ذكر أوصاف الميت من الفخر غالباً وتجديد اللوعة وتهييج الحزن. وأما مجرد الثناء عليه عند ذكره أو مرور جنازته أو للتعريف به بذكر أعماله الجليلة ونحو ذلك مما يشبه رثاء بعض الصحابة لقتلى أحد وغيرهم فجائز، لما ثبت عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: مروا بجنازة فأثنوا عليها خيراً، فقال صلى الله عليه وسلم: (وجبت) ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شراً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (وجبت) ، فقال عمر رضي الله عنه: ما وجبت؟ قال صلى الله عليه وسلم: (هذا أثنيتم عليه خيراً فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شراً فوجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض) . رواه البخاري ومسلم.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - م/13 ص/398.(5/4672)
حكم زيارة النساء للقبور
[السُّؤَالُ]
ـ[توفي والد خالتي، وقد زارت خالتي قبره مرة وتريد أن تزوره مرة أخرى وسمعت حديثاً معناه تحريم زيارة المرأة للقبور، فهل هذا الحديث صحيح وإذا كان صحيحاً فهل عليها إثم يستوجب الكفارة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الصحيح أن زيارة النساء للقبور لا تجوز للحديث المذكور وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه لعن زائرات القبور فالواجب على النساء ترك زيارة القبور والتي زارت القبر جهلاً منها فلا حرج عليها وعليها أن لا تعود فإن فعلت فعليها التوبة والاستغفار والتوبة تجب ما قبلها. فالزيارة للرجال خاصة، قال صلى الله عليه وسلم: (زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة) وكانت الزيارة في أول الأمر ممنوعة على الرجال والنساء لأن المسلمين حدثاء عهد بعبادة الأموات والتعلق بالأموات فمنعوا من زيارة القبور سداً لذريعة الشر وحسماً لمادة الشرك، فلما استقر الإسلام وعرفوا الإسلام شرع الله لهم زيارة القبور لما فيها من العظة والذكرى من ذكر الموت والآخرة والدعاء للموتى والترحم عليهم ثم منع الله النساء من ذلك في أصح قولي العلماء لأنهن يفتن الرجال وربما فتن في أنفسهن ولقلة صبرهن وكثرة جزعهن فمن رحمة الله وإحسانه إليهن أن حرم عليهن زيارة القبور، وفي ذلك أيضاً إحسان للرجال لأن اجتماع الجميع عند القبر قد يسبب فتنة فمن رحمة الله أن منعهن من زيارة القبور.
أما الصلاة فلا بأس، فتصلي النساء على الميت وإنما النهي عن زيارة القبور فليس للمرأة زيارة القبور في أصح قولي العلماء للأحاديث الدالة على منع ذلك. وليس عليها كفارة وإنما عليها التوبة فقط.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/9 ص / 28.(5/4673)
جواز غسل أحد الزوجين للآخر بعد الوفاة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الأولى بتغسيل الرجل زوجته أو الرجال؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تغسيل المرأة زوجها أمر لا بأس به إذا كانت خبيرة بذلك، وقد غسل علي رضي الله عنه زوجته فاطمة رضي الله عنها، وغسلت أسماء بنت عميس زوجها أبا بكر الصديق رضي الله عنه.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - م/13 ص/107.(5/4674)
هل هناك أجر محدد لتجهيز الميت
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الأجر الذي يحصل عليه من يجهز جسد الميت ويعده للدفن؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا نعلم دليلا صحيحا يدل على مقدار الأجر الذي يحصل عليه من يجهز الميت ويعدّه للدفن، وفضل الله واسع. فالذي يصلي على جنازة له قيراط من الأجر (القيراط: مثل جبل أُحُد) ، والذي يتبعها إلى الدفن له قيراطان، فالذي يحتسب في تجهيزها نأمل أن يكون أجره أكثر.
سعد الحميد.
تغسيل الميت فرض كفاية فليس له أجر محدد، فإذا قام به من يكفي كان سنة على الباقين، فلم يأت شيء بخصوصه محدد. فعليه أجر لأنه من الواجبات وتركه إذا تم ففيه إثم.
الشيخ عبد الكريم الخضير.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/4675)
التعزية في أهل المعاصي
[السُّؤَالُ]
ـ[أحياناً تحدث وفاة شخص ما إما متعمد للانتحار، أو شخص سكير شرب مسكراً يحتوي على كمية كبيرة من المادة المؤدية للوفاة، أو شخص اعتدي عليه للخلاص من شره فهل يجوز مواساة والدة المتوفَّى بسبب من هذه الأسباب، أو غيرها ممن يمت له بصلة، حيث إنني أتردد كثيراً، هل أذهب أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا بأس بالتعزية، بل تستحب، وإن كان الفقيد عاصياً بانتحار أو غيره، كما تستحب لأسرة من قتل قصاصاً، أو حداً، كالزاني المحصن، وهكذا من شرب المسكر حتى مات بسبب ذلك، لا مانع في تعزية أهله فيه، ولا مانع من الدعاء له ولأمثاله من العصاة بالمغفرة والرحمة، ويغسل ويصلى عليه، لكن لا يصلي عليه أعيان المسلمين مثل السلطان والقاضي ونحو ذلك، بل يصلي عليه بعض الناس من باب الزجر عن عمله السيء. أما من مات بعدوان غيره عليه فهذا مظلوم، يُصلَّى عليه ويدعى له إذا كان مسلماً، وكذا من مات قصاصاً - كما تقدم - فهذا يصلى عليه ويدعى له ويعزى أهله في ذلك إذا كان مسلماً ولم يحصل منه ما يوجب ردته. والله ولي التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - م/13 ص/374.(5/4676)
لا يجوز إحراق جثة الميت بعد الموت
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد أسلمت حديثاً. وعندنا عادة في عائلتي تتمثل في أنهم يحرقون جثثهم بعد الموت. لقد كنت أتصور دائماً أن هذا هو أفضل شيء يمكن فعله للحفاظ على بيئة الأرض. هل لك أن تدلني إذا كان هذا مباحاً في الإسلام أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لابد من معرفة أن تعاليم الإسلام وشرائعه جاءت لإكرام الناس، قال تعالى: (ولقد كرمنا بني آدم) الإسراء/70، ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم عليه وسلم هو الذي يبلغنا شرع ربنا، فقد علمنا ما شرعه الله لنا في الأموات وما يجوز لنا تجاههم وما لا يجوز، ولذلك جاء هدي الإسلام مخالفاً لهَدْيِ سائر الامم , مشتملا على الاحسان إلى الميت ومعاملته بما ينفعه، فقد شرع الله لنا أنه إذا مات المسلم فإننا نُغَسِّلُهُ ونُنَظِّفُه ثم بعد ذلك نُكَفِّنُهُ في ثياب بيضاء، ونُصَلِّي عليه وندعو له بالرحمة والمغفرة ثم بعد ذلك أوجب علينا أن ندفنَه ونواريَه في التراب، ثم بعد ذلك نزور القبور وندعوا لأهلها من المسلمين، وليس مشروعاً في الإسلام أن يُحْرَقَ الميت بل هذا امْتِهَانٌ له وحَطٌ من كرامته , فقد حَرَّمَ الإسلام أن يُدَاسَ ويُمْشَى ويقعد على قبر الميت، فكيف بحرقه ْْ!! بل وحتى غير المسلمين يشرع دفنهم في الإسلام وهكذا يفعل المسلمون بمن مات في بلادهم من الكفار ولكن لا يدفن الكفار مع المسلمين في مكان واحد، وبعض الكفار ربما يحرقون جثث أمواتهم لعدم إيمانهم باليوم الآخر ولذلك فإنه لا يجوز إحراق الميت، وإنما الواجب دفن الميت. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/4677)
الاجتماع في بيت الميت والدعاء الجماعي له
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما يتوفى المرء تذهب العائلات إلى بيت الفقيد ويجلسون مع عائلته يدعون له جماعة. هل هذا جائز؟ كما أنه في المسجد يعقدون ما يسمى بـ "الختمة"، هل هذا مسموح به؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء ما يلي:
لا نعلم دليلا لا من الكتاب ولا من السنة يدل على مشروعية قراءة أي سورة من سور القرآن في مكان ما أو في سكن الميت ولا نعلم أحدا من الصحابة أو التابعين أو تابعي التابعين نُقل عنه ذلك والأصل منعه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) رواه مسلم (الأقضية/3243) أما الاجتماع والدعاء له فإن الدعاء عبادة والعبادة مبناها على التوقيف ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دعا بصحابته على جنازة ما، بعد الفراغ من الصلاة، والثابت عنه أنه كان يقف عند القبر بعد أن يسوى على صاحبه ويقول (استغفروا لأخيكم فإنه الآن يسأل) ، وبما تقدم يعلم أن الصواب عدم الدعاء بصفة جماعية بعد صلاة الميت وأن ذلك بدعة. انتهى فتاوى اللجنة الدائمة (9/16)
فادعوا لميتكم كل واحد منكم بمفرده ولا بأس بالدّعاء له في الصّلاة وخارج الصلاة في أوقات الإجابة كثلث الليل الآخر وآخر ساعة من العصر يوم الجمعة وبين الأذان والإقامة وغيرها، وأخلصوا له في الدّعاء، وعندما يكون الدعاء بينكم وبين الله تشعرون بخشوع فيه وإخلاص لا تجدونه في أدعية المجاملات التي يفعلها الناس جماعيا أمام أهل الميت، وفقنا الله وإياكم لكل خير.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/4678)
ترفض المزيد من غسل النساء الميتات منعاً لتبلد الإحساس
[السُّؤَالُ]
ـ[إحدى النساء كانت تغسل الأموات متطوعة وأخيراً رفضت القيام بهذا العمل رغم الحاجة إليها بحجة تبلد الإحساس والغلظة تجاه الأموات، فهل توافق على هذا الرأي أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المشروع لها أن تحتسب وتصبر في تغسيل الأموات إذا كانت الحاجة داعية إليها، وكانت معروفة بالخير والإتقان لهذا العمل، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته) متفق على صحته، وقوله صلى الله عليه وسلم: (والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه) أخرجه مسلم في صحيحه. والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - م/13ص/117.(5/4679)
هل يخبر مغسّل الميت الآخرين بعلامات الخير والشر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يبين المغسل بعض العلامات من الخير والشر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
علامات الخير لا بأس بالإخبار عنها، أما الشر فلا، لأنها غيبة، لكن لو قال: إن بعض الأموات يكون أسود أو غير ذلك فلا بأس، لكن الممنوع أن يقول غسلت فلاناً ورأيت فيه كذا من علامات الشر، لأن ذلك يحزن أهله ويؤذيهم وهو من الغيبة.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - م/13 ص/123.(5/4680)
حضور واتباع جنازة الجار غير المسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[وفقا لما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه الطبراني فيما يتعلق بحقوق الجار، يقول الحديث:
(حق الجار إذا مرض أن تزوره، وإذا مات أن تتبع جنازته،….) الحديث
حيث أن الحديث يتحدث عن الجار والجار يمكن أن يكون مسلماً ويمكن أن يكون غير مسلم. فهل من الممكن للمسلم أن يحضر جنازة غير المسلم؟ أرجو أن تسلط الضوء على هذه المسألة حسبما جاء في القرآن والسنة.
إضافة إلى أن هذه المسألة مهمة للمسلمين الجدد الذين لم يسلم والديهم. هل من الجائز حضور جنازة الوالدين غير المسلمين؟
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يبارك فيك. آمين]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز للمسلم شهود جنازة الكافر واتباعها إذا كان قريباً له كأن يكون الميت أمه وأباه أو أخاً أو ذا قرابة منه لكن لا يجوز له أن يشاركهم في الصلاة عليه ولا في شيء من شعائر دينهم،
قال زكريا الأنصاري رحمه الله: " وَلَهُ (أي يجوز للمسلم بلا كراهة) تَشْيِيعُ جِنَازَةِ كَافِرٍ قَرِيبٍ " لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد {عَنْ عَلِيٍّ قَالَ لَمَّا مَاتَ أَبُو طَالِبٍ أَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْت إنَّ عَمَّك الشَّيْخَ الضَّالَّ قَدْ مَاتَ قَالَ انْطَلِقْ فَوَارِهِ} (ورواه النسائي 190) ، قَالَ الأَذْرَعِيُّ وَلا يَبْعُدُ إلْحَاقُ الزَّوْجَةِ وَالْمَمْلُوكِ بِالْقَرِيبِ.. انْتَهَى، وَأَمَّا زِيَارَةُ قَبْرِهِ فَفِي الْمَجْمُوعِ: الصَّوَابُ جَوَازُهُ وَبِهِ قَطَعَ الأكثرون لِخَبَرِ مُسْلِمٍ {اسْتَأْذَنْت رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لأُمِّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي وَاسْتَأْذَنْته أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي} وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ {فَزُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمْ الْمَوْتَ} . أسنى المطالب شرح روض الطالب ج1 فصل: مشي المشيّع للجنازة
ومن الفروق في تشييع جنازة المسلم وجنازة الكافر ما ذكره المرداوي رحمه الله في كتابه الإنصاف حيث قال شارحا: قَوْلُهُ (وَأَنْ يَكُونُ الْمُشَاةُ أَمَامَهَا) يَعْنِي يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الأَصْحَابِ وَاخْتَارَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ: يَمْشِي حَيْثُ شَاءَ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي: حَيْثُ مَشَى فَحَسَنٌ،.. قَوْلُهُ (وَالرُّكْبَانُ خَلْفَهَا) يَعْنِي يُسْتَحَبُّ، وَهَذَا بِلا نِزَاعٍ فَلَوْ رَكِبَ وَكَانَ أَمَامَهَا كُرِهَ، قَالَهُ الْمَجْدُ. وَمُرَادُ مَنْ قَالَ " الرُّكْبَانُ خَلْفَهَا " إذَا كَانَتْ جِنَازَةَ مُسْلِمٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ جِنَازَةَ كَافِرٍ: فَإِنَّهُ يَرْكَبُ وَيَتَقَدَّمُهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ. الإنصاف ج2 كتاب الجنائز
وهذا كله مقيد بما إذا لم يكن يلزم من اتباع الجنازة الوقوع في محرم كسماع المعازف وما أشبه ذلك فإنّه يحرم حينئذ، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/4681)
من الأَوْلَى بتغسيل الميت
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أوصى الميت بتحديد من يغسله فهل تنفذ وصيته؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم تنفذ وصيته.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - م/13 ص/107.(5/4682)
حكم تخصيص يوم الجمعة لزيارة المقابر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تخصيص يوم الجمعة لزيارة المقابر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا أصل لذلك، والمشروع أن تزار القبور في أي وقت تيسر للزائر من ليل أو نهار، أما التخصيص بيوم معين أو ليلة معينة فبدعة لا أصل له، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) متفق على صحته، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أخرجه مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - م/13 ص/336.(5/4683)
حكم إخراج الجنين من المرأة الميتة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا ماتت المرأة وهي حامل وقرر الأطباء أن الجنين في بطنها ما يزال حياً، فهل يجوز إجراء عملية جراحية لها وإخراج الجنين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المرأة إذا ماتت وفي بطنها جنين فالغالب أنه يموت معها ولو بقي لا يبقى إلا لحظات قليلة، ولكن لو فرضنا أن الأمر صحيح ويمكن إنقاذه حياً بشق بطنها، فقد قرر الحنابلة أنه لا بأس إذا تحقق أنه يمكن إخراجه حياً من بطن أمه، قالوا: يشق بطنها ويستخرج حياً، ويخيط بطنها وتدفن والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى سماحة الشيخ عبد الله بن حميد ص 174(5/4684)
حكم زيارة المسلم لقبور الكفار
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم زيارة المسلم لقبور الكفار؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز زيارة قبر من مات على غير الإسلام للعبرة فقط.
وذلك لما رواه أبو هريرة، قال: (زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه، فبكى وأبكى من حوله، فقال: استأذنت ربي في أن أستغفر لها، فلم يؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت) أخرجه مسلم (3/65) وأبو داوود (2/72) والنسائي (1/286) وابن ماجه والحاكم والبيهقي وأحمد.
وكذلك ما رواه بريدة رضي الله عنه قال: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، وفي رواية في غزوة الفتح، فنزل بنا ونحن معه قريب من ألف راكب، فصلى ركعتين، ثم أقبل علينا بوجهه وعيناه تذرفان، فقام إليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ففداه بالأب والأم، يقول: يا رسول الله مالك؟ قال: إني سألت ربي عز وجل في الاستغفار لأمي، فلم يأذن لي، فدمعت عيناي رحمة لها من النار، واستأذنت ربي في زيارتها فأذن لي، وإني كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، ولتزدكم زيارتها خيراً) أخرجه أحمد (5/355-359) ، وابن أبي شيبة (4/139) وابن حبان والحاكم والزيادة الأخرى للحاكم وقال: (صحيح على شرط الشيخين) ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. ورواه الترمذي مختصراً وصححه.
وإذا زار قبر الكافر فلا يسلم عليه، ولا يدعو له، بل يبشره بالنار.
ودليل ذلك ما جاء في حديث سعد بن أبي وقاص قال: (جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبي كان يصل الرحم، وكان وكان، فأين هو؟ قال: في النار، فكأن الأعرابي وجد من ذلك، فقال: يا رسول الله! فأين أبوك؟ قال: (حيثما مررت بقبر كافر فبشره بالنار) قال: فأسلم الأعرابي بعد، فقال: لقد كلفني رسول الله صلى الله عليه وسلم تعباً! ما مررت بقبر كافر إلا بشرته بالنار) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (1/191) وابن السني في عمل اليوم والليلة (588) والضياء المقدسي في الأحاديث المختارة بسند صحيح وقال الهيثمي (1/117-118) : " رواه البزار والطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح.
وكذلك حديث أبي هريرة مرفوعاً: (إذا مررتم بقبورنا وقبوركم من أهل الجاهلية، فأخبروهم أنهم من أهل النار) رواه ابن السني في اليوم والليلة بسند فيه يحيى بن يمان وهو سيء الحفط عن محمد بن عمر، ولم أعرفه عن أبي سلمة عنه، لكن الظاهر أنه ابن عمرو بفتح العين وسكون الميم ثم واو بعد الراء، سقط من الطابع حرف الواو، وهو حسن الحديث. والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
من مختصر أحكام الجنائز للألباني بتصرف.(5/4685)
ماذا يفعل الشخص إذا فوجئ بوفاة شخص في بيته
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا يجب على أقارب الميت أن يفعلوا إذا فوجئوا بوفاة قريبهم، إنّ هذا الموقف يتكرر في كلّ الأسر والكثير ليس لديه علم بما ورد في الشّرع الإسلامي حول هذا، هلا وضّحتم لنا بالأدلّة ما هو الصّحيح أن يُفعل، حتى لو تعرّض الواحد منا إلى هذا الموقف لا يقع في بدعة أو خطأ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا قضى الميت وأسلم الروح، فعلى أقاربه فِعْل ما يلي:
أ - أن يغمضوا عينيه.
ب - ويدعوا له أيضا.
لحديث أم سلمة قالت: (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة وقد شق بصره، فأغمضه ثم قال: (إن الروح إذا قبض تبعه البصر، فضج ناس من أهله فقال: لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون) ثم قال: (اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وافسح له في قبره ونور له فيه) . أخرجه مسلم وأحمد والبيهقي وغيرهم.
ج - أن يغطوه بثوب يستر جميع بدنه.
لحديث عائشة رضي الله عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفي سجّى ببرد حِبَرَة) أخرجه الشيخان في صحيحيهما والبيهقي وغيرهم.
د - وهذا في غير من مات محرما، فإن المحرم لا يغطى رأسه ووجهه.
لحديث ابن عباس قال: " بينما رجل واقف بعرفة، إذ وقع عن راحلته فوقصته، أو قال: فأقعصته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبين، " وفي رواية: في ثوبيه [الذين أحرم فيهما] ... " ولا تحنطوه، " وفي رواية: ولا تطيبوه " ولا تخمروا رأسه [ولا وجهه] ، فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً) " أخرجه الشيخان في صحيحيهما وأبو نعيم في المستخرج والبيهقي وليست الزيادة عند البخاري.
هـ - أن يعجلوا بتجهيزه وإخراجه إذا بان موته.
لحديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: (أسرعوا بالجنازة فإن تك صالحة فخير تقدمونها عليه، وإن تك غير ذلك فشر تضعونه عن رقابكم) أخرجه الشيخان، والسياق لمسلم، وأصحاب السنن الأربعة، وصححه الترمذي وأحمد والبيهقي من طرق عن أبي هريرة.
و أن يدفنوه في البلد الذي مات فيه، ولا ينقلوه إلى غيره، لأنه ينافي الإسراع المأمور به.
ولذلك قالت عائشة رضي الله عنها لما مات أخ لها بوادي الحبشة فحمل من مكانه: (ما أجد في نفسي، أو يحزنني في نفسي إلا أني وددت أنه كان دفن في مكانه) . أخرجه البيهقي بإسناد صحيح. قال النووي في الأذكار: " وإذا أوصى بأن ينقل إلى بلد آخر لا تنفذ وصيته، فإن النقل حرام على المذهب الصحيح المختار الذي قاله الأكثرون، وصرح به المحققون) .
ز - أن يبادر بعضهم لقضاء دينه من ماله، ولو أتى عليه كله، فإن لم يكن له مال فعلى الدولة أن تؤدي عنه إن كان جهد في قضائه، فإن لم تفعل، وتطوع بذلك بعضهم جاز.
فعن سعد بن الأطول رضي الله عنه: (أن أخاه مات وترك ثلاثمائة درهم، وترك عيالاً، قال: فأردت أن أنفقها على عياله، قال: فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: إن أخاك محبوس بدينه " فاذهب " فاقض عنه " فذهبت فقضيت عنه، ثم جئت " قلت: يا رسول الله، قد قضيت عنه إلا دينارين ادعتهما امرأة، وليست لها بينة، قال أعطها فإنها محقة، " وفي رواية صادقة ") أخرجه ابن ماجه وأحمد والبيهقي وأحد إسناديه صحيح والآخر مثل إسناد ابن ماجه، وصححه البوصيري في الزوائد.
وعن سمرة بن جندب (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة " وفي رواية صلى الصبح " فلما انصرف قال: أههنا من آل فلان أحد؟ " فسكت القوم، وكان إذا ابتدأهم بشيء سكتوا " فقال ذلك مراراً " ثلاثاً لا يجيبه أحد "، " فقال رجل: هو ذا " قال: فقام رجل يجر إزاره من مؤخر الناس " فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما منعك في المرتين الأولين أن تكون أجبتني؟ " أما إني لم أنوه باسمك إلا لخير، إن فلاناً - لرجل منهم - مأسور بدينه " عن الجنة، فإن شئتم فافدوه، وإن شئتم فأسلموه لعذاب الله "، فلو رأيت أهله ومن يتحرون أمره قاموا فقضوا عنه، " حتى ما أحد يطلبه بشيء ") أخرجه أبو داوود والنسائي والحاكم والبيهقي والطيالسي في مسنده وكذا أحمد بعضهم عن الشعبي عن سمرة، ويعضهم أدخل بينهما سمعان بن مُشَنّج، وهو على الوجه الأول صحيح على شرط الشيخين كما قال الحاكم ووافقه الذهبي، وعلى الوجه الثاني صحيح فقط.
نسأل الله أن يغفر للمؤمنين والمؤمنات وصلى الله على نبينا محمد
[الْمَصْدَرُ]
من مختصر أحكام الجنائز للألباني بتصرف.(5/4686)
صنع الطعام في العزاء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم صنع الطعام للناس في العزاء وما حكم أكل ضيوف أهل الميت من الطعام الذي يأتيهم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأفضل أن يصنع الجيران والأقارب الطعام في بيوتهم ثم يهدوه إلى أهل الميت؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما بلغه موت ابن عمه جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه في غزوة مؤتة أمر أهله أن يصنعوا لأهل جعفر طعاماً وقال: (لأنهم قد أتاهم ما يشغلهم)
وأما كون أهل الميت يصنعون طعاماً للناس من أجل الميت فهذا لا يجوز وهو من عمل الجاهلية سواء كان ذلك يوم الموت أو في اليوم الرابع أو العاشر أو على رأس السنة، كل ذلك لا يجوز لما ثبت عن جرير بن عبد الله البجلي - أحد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصناعة الطعام بعد الدفن من النياحة) أما إن نزل بأهل الميت ضيوف زمن العزاء فلا بأس أن يصنعوا لهم الطعام من أجل الضيافة، كما أنه لا حرج على أهل الميت أن يدعوا من شاؤا من الجيران والأقارب ليتناولوا معهم ما أهدي لهم من الطعام، والله ولي التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/9 ص / 325.(5/4687)
وضع البلاستيك فوق الكفن لمنع الرائحة المؤذية
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن نعمل في مغسلة أموات خيرية وتأتينا بعض الحالات التي مضى على وفاتها أيام وتكون متعفنة أو بعض الحالات المتقطعة بسبب الحوادث فيكون فيها النزيف شديدا.. فنقوم بوضع بلاستيك بعد الكفن الذي يلي جسد الميت ثم باقي الأكفان تأتي من بعده..وذلك لكي نمنع الأذية التي تحدث للناس من خروج الدم والرائحة من الجنازة.. فهل هذا يجوز من باب دفع الضرر عن الناس والمساجد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في وضع البلاستيك فوق الكفن، لمنع خروج الدم والرائحة المؤذية، وإن كان الطيب كافياً في منع الرائحة المؤذية اقتُصر عليه.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: يجعل بعض المغسلين على الميت في حوادث السيارات كيساً من البلاستيك حتى لا يخرج الدم على الأكفان؟
فأجاب: " لا بأس أن يجعل على الجرح ما يمسكه ". انتهى من " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (13/128) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4688)
الصلاة على الميت بعد دفنه بسنوات
[السُّؤَالُ]
ـ[لي جدة توفيت ولم أصل عليها، وأنا في نفس المدينة، حيث دفنوها قبل حضوري لهم، وهي الآن متوفية منذ 3 سنوات. فهل علي شيء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يبدو من سؤالك أنك تشعر بالتقصير تجاه جدتك، فإذا كنت في المدينة نفسها وتتمكن من إدراك صلاة الجنازة والدفن فلماذا لم تفعل؟ وأي عذر منعك عن شهود خير ما يمكن أن تبر به جدتك في مماتها، بالصلاة عليها والدعاء والاستغفار لها!
والأجداد والجدات يجب برهم والإحسان إليهم كالوالدين.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (16/133) :
" الجد والجدة كالأبوين في البر " انتهى بتصرف.
وأمامك فرصة لتعويض ما فاتك إن شاء الله، إذ يمكنك أن تذهب فتصلي على قبرها صلاة الجنازة، فقد ذهب الإمام الشافعي وغيره إلى جواز الصلاة على الميت في قبره، ويدل على ذلك:
ما رواه البخاري (458) ومسلم (956) أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى على امرأة في قبرها، كانت تنظف المسجد، وكان الصحابة قد دفنوها من غير أن يخبروا الرسول صلى الله عليه وسلم بموتها.
وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِقَبْرٍ قَدْ دُفِنَ لَيْلا، فَقَالَ: مَتَى دُفِنَ هَذَا؟ قَالُوا: الْبَارِحَةَ. قَالَ: أَفَلا آذَنْتُمُونِي!؟ قَالُوا: دَفَنَّاهُ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ فَكَرِهْنَا أَنْ نُوقِظَكَ. فَقَامَ فَصَفَفْنَا خَلْفَهُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَنَا فِيهِمْ فَصَلَّى عَلَيْهِ) رواه البخاري (1321) .
وعن يَزِيدَ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه: (أَنَّهُمْ خَرَجُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فَرَأَى قَبْرًا جَدِيدًا، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: هَذِهِ فُلانَةُ، مَوْلاةُ بَنِي فُلَانٍ، فَعَرَفَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَاتَتْ ظُهْرًا وَأَنْتَ نَائِمٌ قَائِلٌ (أي: في القيلولة) فَلَمْ نُحِبَّ أَنْ نُوقِظَكَ بِهَا، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفَّ النَّاسَ خَلْفَهُ، وَكَبَّرَ عَلَيْهَا أَرْبَعًا، ثُمَّ قَالَ: لا يَمُوتُ فِيكُمْ مَيِّتٌ مَا دُمْتُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ إِلا آذَنْتُمُونِي بِهِ؛ فَإِنَّ صَلاتِي لَهُ رَحْمَةٌ) رواه النسائي (2022) وحسنه ابن عبد البر في "التمهيد" (6/271) وصححه الألباني في صحيح النسائي.
وقد روى ابن أبي شيبة في "المصنف" (3/239) مجموعة من الآثار عن الصحابة والتابعين ممن صلوا على القبور بعد الدفن: منهم عائشة رضي الله عنها حين صلت على قبر أخيها عبد الرحمن، وابن عمر صلى على قبر أخيه عاصم، وسليمان بن ربيعة وابن سيرين وغيرهم. وكذلك ذكره ابن حزم في "المحلى" (3/366) عن أنس وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم جميعا.
ومنع بعض الفقهاء من الصلاة على القبر مطلقا، وبعضهم قيده بشهر أو ثلاثة أيام، ولكن ليس هناك دليل على هذا التقييد.
قال ابن حزم رحمه الله "المحلى" (3/366) :
" أما أمر تحديد الصلاة بشهر أو ثلاثة أيام فخطأ لا يشكل، لأنه تحديد بلا دليل " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (5/436) :
" والصحيح أنه نصلي على القبر ولو بعد شهر، إلا أن بعض العلماء قيده بقيد حسن، قال: بشرط أن يكون هذا المدفون مات في زمن يكون فيه هذا المصلي أهلا للصلاة.
مثال ذلك: رجل مات قبل عشرين سنة، فخرج إنسان وصلى عليه وله ثلاثون سنة، فيصح؛ لأنه عندما مات كان للمصلي عشر سنوات، فهو من أهل الصلاة على الميت.
مثال آخر: رجل مات قبل ثلاثين سنة، فخرج إنسان وصلى عليه وله عشرون سنة ليصلي عليه، فلا يصح؛ لأن المصلي كان معدوما عندما مات الرجل، فليس من أهل الصلاة عليه.
ومن ثَمَّ لا يشرع لنا نحن أن نصلي على قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وما علمنا أن أحدا من الناس قال: إنه يشرع أن يصلي الإنسان على قبر النبي صلى الله عليه وسلم أو على قبور الصحابة، لكن يقف ويدعو " انتهى.
وللتوسع في المسألة انظر: "الأم" (1/452) ، "المجموع" (5/208-210) ، "المغني" (2/194-195) ، "بدائع الصنائع" (1/315) ، "الموسوعة الفقهية" (16/35) .
كما أن البر لا يتوقف على حياة الوالدين وكذا الجَدَّين، بل يستمر بعد وفاتهما، وأعظم ما يمكن أن يبر به المرء والديه الدعاء لهما والاستغفار لهما.
عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ السَّاعِدِيِّ قَالَ: (بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَلْ بَقِيَ مِنْ بِرِّ أَبَوَيَّ شَيْءٌ أَبَرُّهُمَا بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا؟ قَالَ: نَعَمْ، الصَّلاةُ عَلَيْهِمَا، وَالاسْتِغْفَارُ لَهُمَا، وَإِنْفَاذُ عَهْدِهِمَا مِنْ بَعْدِهِمَا، وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لا تُوصَلُ إِلا بِهِمَا، وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا) رواه أبو داود (5142) وحسنه ابن العربي في "عارضة الأحوذي" (4/307) وصححه الشيخ ابن باز في "مجموع الفتاوى" (9/295) .
قال صاحب "عون المعبود" (14/36) :
" (الصلاة عليهما) أي: الدعاء، ومنه صلاة الجنازة، قاله القارىء، وفي فتح الودود: والمراد بها الترحم " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4689)
المطلقة طلاقاً رجعياً يغسّلها زوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[المتوفاة المطلقة هل يغسلها زوجها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كانت رجعية فلا بأس، يعني طلقة واحدة أو اثنتين.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - م/13 ص/110.(5/4690)
حكم العادات والتقاليد إذا خالفت الشرع أو سببت الحرج
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك عادة عند فئة من الناس في الجنازة والتعزية لأهل فقيد بين قريتين، بينهما مسافة ساعة واحدة بالسيارة، جميع أهالي القريتين مسلمون، وهناك ترابط وثيق بين أهالي القريتين من قرابة بصلة رحم، زواج، مودة، جنسية واحدة، وكلهم أو أغلبهم في المذهب الحنفي. العادة: بعد ما يحضرون الجنازة، أو زيارة أهل الفقيد للتعزية من قرية إلى أخرى ... فورا مسرعين يرجعون إلى قريتهم ولا يقبلون أن يتأخروا قليلا للضيافة عند أقاربهم (دون أهل الفقيد) ، حتى عند أرحامهم، بحجة أنه لا يليق أو لا يجوز التأخر للضيافة أو الزيارة في هذه المناسبة. السؤال: هل هذه العادة لها أصل في الدين؟ أرجو جوابا شافيا ومفصلا لأن العادة قد تؤدي إلى إحراج، توتر، وسلبيات أخرى من الناحية الاجتماعية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لِلَّه
ليس في الشرع الحنيف شيء يدل على العادات التي ذكرتها في السؤال، ويبدو أنها مما اعتاد الناس عندكم عليها في حياتهم ولا ينسبونها إلى الدين، ويبدو أيضا أنها ترجع إلى أمورهم النفسية والاجتماعية.
وعلى كل حال، فبما أن هذه العادة لم ترد في الشريعة المطهرة، لا سيما وقد ذكرت في سؤالك أن الضيافة المسئول عنها لا تكون عند أهل الفقيد، وهذا هو الذي يُنهى عنه؛ فلا ينبغي أن يتخذها الناس شرعا مقدَّسًا لا يغيرونه ولا يبدلونه، وذلك لأن في هذه العادة تقصيرا – ولو بقدر ما – في صلة الأرحام، وزيارة الأهل والإخوان، وليس ثمة سبب وجيه للتقصير في هذه الصلة، خاصةً وأن العتب من قبل الأرحام قائم على أقاربهم الذين يصلون قريتهم دون أن يأتوا لزيارتهم، وقد يكون ذلك سببا لإيغار الصدور وظنون السوء.
والعادات والتقاليد التي تخالف الشرع مخالفة ظاهرة، أو تخالف مقاصد الشريعة العامة، أو تؤدي إلى المخالفة والتقصير، يجب نبذها والسعي إلى تغييرها، ويحتاج الأمر إلى شيء من الحكمة والرفق.
يقول الشيخ السعدي رحمه الله "رسالة في أصول الفقه" (7) :
(الأصل في العادات الإباحة إلا ما ورد عن الشارع تحريمه)
ويقول الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "مجموع الفتاوى" (6/510) :
" الواجب على كل مسلم أن لا يعتمد على العادات، بل يجب عرضها على الشرع المطهر، فما أقره منها جاز فعله، وما لا فلا، وليس اعتياد الناس للشيء دليلا على حله، فجميع العادات التي اعتادها الناس في بلادهم أو في قبائلهم يجب عرضها على كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، فما أباح الله ورسوله فهو مباح، وما نهى الله عنه وجب تركه وإن كان عادة للناس " انتهى.
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله "تفسير سورة البقرة 2" (299) :
" العادات لا تجعل غير المشروع مشروعاً؛ لقوله تعالى: (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا) مع أنهم اعتادوه واعتقدوه من البر؛ فمن اعتاد شيئاً يعتقده براً عُرِض على شريعة الله " انتهى.
وقد عد أهل العلم التمسك بالعادات والتقاليد التي تشق على الناس، وتؤدي إلى بعض المفاسد، أو تؤدي إلى بعض الشقاق والنزاع، أو توقع في الحرج، عد ذلك أهل العلم من الغلو المذموم، ومن التكلف والتنطع الذي جاء النهي عنه في شريعتنا.
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(هَلَكَ المُتَنَطِّعُونَ. قالها ثلاثا) رواه مسلم (2670)
قال النووي رحمه الله "شرح مسلم" (16/220) :
" أي: المتعمقون الغالون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم " انتهى.
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في حديثه عن أقسام الغلو "مجموع الفتاوى" (7/7) :
" القسم الرابع: الغلو في العادات: وهو التشدد في التمسك بالعادات القديمة وعدم التحول إلى ما هو خير منها. أما إن كانت العادات متساوية في المصالح فإن كون الإنسان يبقى على ما هو عليه خير من تلقي العادات الوافدة " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4691)
حكم صلاة المرأة على الجنازة
[السُّؤَالُ]
ـ[نلاحظ أن المرأة لا تحضر صلاة الجنازة والسؤال: هل ذلك ممنوع شرعاً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الصلاة على الجنازة مشروعة للرجال والنساء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من شهد الجنازة حتى يصلي عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان، قيل يا رسول الله، وما القيراطان؟ قال: (مثل الجبلين العظيمين) يعني من الأجر، متفق على صحته. لكن ليس للنساء اتباع الجنائز إلى المقبرة، لأنهن منهيات عن ذلك، لما ثبت في الصحيحين عن أم عطية رضي الله عنها قالت: (نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا) رواه مسلم، أما الصلاة على الميت فلم تنه عنها المرأة سواء كانت الصلاة عليه في المسجد أو في البيت أو في المصلى، وكان النساء يصلين على الجنائز في مسجده صلى الله عليه وسلم مع النبي صلى الله عليه وسلم وبعده. وأما الزيارة للقبور فهي خاصة بالرجال كاتباع إلى المقبرة، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لعن زائرات القبور، والحكمة في ذلك - والله أعلم - ما يخشى في اتباعهن الجنائز إلى المقبرة وزيارتهن للقبور من الفتنة بهن وعليهن، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء) متفق على صحته. وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - م/13 ص/133.(5/4692)
ماذا يفعل الابن المسلم بأبيه الكافر إذا مات
[السُّؤَالُ]
ـ[مات أبي وهو كافر؟ فما هي مسؤوليتي نحوه هل أقوم بدفنه وأقوم بجنازته؟ وهل أغسله وأكفنه أم لا؟ هل هناك حقوق لأبي عليّ في هذا الجانب؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جاء في الحديث الصحيح عن ناجية بن كعب عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: إن عمك الشيخ الضال قد مات (يقصد أباه أبا طالب) فمن يواريه؟ قال: (اذهب فوار أباك (الخطاب لعلي بن أبي طالب) قال: لا أواريه، إنه مات مشركاً، فقال: اذهب فواره ثم لا تحدثن حتى تأتيني، فذهبت فواريته، وجئته وعلي أثر التراب والغبار فأمرني فاغتسلت، ودعا لي بدعوات ما يسرني أن لي بهن ما على الأرض من شيء) .
السلسلة الصحيحة للألباني رقم 161
قال الشيخ في التعليق على الحديث:
1- أنه يشرع للمسلم أن يتولى دفن قريبه المشرك وأن ذلك لا ينافي بغضه إياه لشركه، ألا ترى أن عليّاًرضي الله عنه امتنع أول الأمر من مواراة أبيه معللاً ذلك بقوله: " إنه مات مشركأً " ظناً منه أن دفنه مع هذه الحالة قد يدخله في التولي الممنوع في مثل قوله تعالى: " لا تتولوا قوماً غضب الله عليهم " فلما أعاد صلى الله عليه وسلم عليه الأمر بمواراته بادر لامتثاله، وترك ما بدا له أول الأمر، وكذلك تكون الطاعة: أن يترك المرء رأيه لأمر نبيه صلى الله عليه وسلم، ويبدو لي أن دفن الولد لأبيه المشرك أو أمه هو آخر ما يملكه الولد من حسن صحبة الوالد المشرك في الدنيا، وأما بعد الدفن فليس له أن يدعو له أو يستغفر له لصريح قوله تعالى: (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى) ، وإذا كان الأمر كذلك، فما حال من يدعو بالرحمة والمغفرة على صفحات الجرائد والمجلات لبعض الكفار في إعلانات الوفيات من أجل دريهمات معدودات! فليتق الله من كان يهمه أمر آخرته.
2- أنه لا يُشرع له غسل الكافر ولا تكفينه ولا الصلاة عليه ولو كان قريبه لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بذلك علياً، ولو كان ذلك جائزاً لبينه صلى الله عليه وسلم، لِما تقرر أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز. وهذا مذهب الحنابلة وغيرهم.
3- أنه لا يُشرع لأقارب المشرك أن يتبعوا جنازته لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك مع عمه وقد كان أبر الناس به وأشفقهم عليه حتى أنه دعا الله له حتى جعل عذابه أخف عذاب في النار، ...
وفي ذلك كله عبرة لمن يغترون بأنسابهم، ولا يعملون لآخرتهم عند ربهم، وصدق الله العظيم إذ يقول: (فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون) .
السلسلة الصحيحة للألباني ص 94.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/4693)
حرمة الميت من المسلمين كحرمته حيا
[السُّؤَالُ]
ـ[وجدت في طرف أرضي ثلاثة قبور فماذا أصنع بها؟ هل يجوز أن أنقل رفاتها إلى مكان آخر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل أنهم قبروا في أرض موات ملكوها بقبرهم فيها، فلا يجوز التعرض لها لا بنبش ولا باستطراق ولا بابتذال وينبغي أن تحاط بسور يمنع عنها الامتهان والابتذال ويحفظ لأصحابها كرامتهم لأن حرمة الميت من المسلمين كحرمته حيا، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة فتاوى إسلامية 3/22(5/4694)
صلاة الجنازة على المفقود في البحر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يصلى على المفقود الذي فُقد في البحر إذا حكم القاضي بموته؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على الشيخ محمد بن عثيمين حفظه الله فكان جوابه كما يلي:
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، نعم يصلى عليه صلاة الجنازة مادام أنه حكم بموته لأنه ليس لنا إلا الظاهر وكما أنه يورث ماله إذا حكم القاضي بموته وتعتدّ امرأته وتحل للأزواج فكذلك الصلاة عليه.. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(5/4695)
حكم تغسيل المنتحر والصلاة عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل قاتل نفسه يغسَّل ويصلى عليه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قاتل نفسه يغسل ويصلى عليه ويدفن مع المسلمين، لأنه عاص وهو ليس بكافر، لأن قتل النفس معصية وليس بكفر. وإذا قتل نفسه والعياذ بالله يغسل ويكفن ويصلى عليه، لكن ينبغي للإمام الأكبر ولمن له أهمية أن يترك الصلاة عليه من باب الإنكار، لئلا يُظن أنه راض عن عمله. والإمام الأكبر أو السلطان أو القضاة أو رئيس البلد أو أميرها إذا ترك ذلك من باب إنكار هذا الشيء وإعلان أن هذا خطأ فهذا حسن، ولكن يصلي عليه بعض المصلين.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - م/13 ص/122.(5/4696)
تحليل جثة طفلة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الإسلام في الطفلة المولودة ميتة. علما أنه كان عمرها ستة أشهر قبل الإسقاط. فهل من المفروض دفنها أم الصلاة عليها؟ وهل من الجائز ترك الجثة في المستشفى من أجل إجراء الفحوصات الطبية عليها حيث إن هناك بعض المضاعفات الصحية والتي نريد معرفتها لتجنب مشاكل مستقبلية تتعلق بصحة أمها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أما أن يتلاعب الأطبة بجثة الطفلة تشريحا وتجربة وهي مسلمة فهذا لا يجوز، وأما أن يأخذوا منها للتحاليل فهذا لا بأس به.
الشيخ إبراهيم الخضيري.
وتدفن بعد أن تغسل وتكفن ويصلى عليها ولو كانت جنيناً ما دام قد نفخ فيه الروح.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/4697)
حكم السفر للتعزية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم السفر للعزاء والمكث عند أهل الميت؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
بحسب أحوال أهل الميت، فإذا كان فيه تثقيل عليهم فلا يجوز، أما إذا كانوا يحبون ذلك فلا حرج، والأمر في ذلك واسع.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - م/13 ص 376.(5/4698)
قراءة الفاتحة للميت
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم قراءة الفاتحة وإهداء ثوابها للميت؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إهداء الفاتحة أو غيرها من القرآن إلى الأموات ليس عليه دليل فالواجب تركه؛ لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه رضي الله عنهم ما يدل على ذلك ولكن يشرع الدعاء للأموات المسلمين والصدقة عنهم وذلك بالإحسان إلى الفقراء والمساكين، يتقرب العبد بذلك إلى الله سبحانه ويسأله أن يجعل ثواب ذلك لأبيه أو أمه أو غيرهما من الأموات أو الأحياء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) ، ولأنه ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أن رجلاً قال له: يا رسول الله إن أمي ماتت ولم توص أظنها لو تكلمت لتصدقت أفلها أجر إن تصدقت عنها قال: (نعم) متفق على صحته. وهكذا الحج عن الميت والعمرة عنه وقضاء دينه كل ذلك ينفعه حسبما ورد في الأدلة الشرعية، أما إن كان السائل يقصد الإحسان إلى أهل الميت والصدقة بالنقود والذبائح فهذا لا بأس به إذا كانوا فقراء.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/9 ص/324.(5/4699)
صفة صلاة الجنازة
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو أن توضحوا كيفية الصلاة على الجنازة كما ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم، لأن كثيراً من الناس يجهلونها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صفة الصلاة على الجنازة قد بينها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، وهي أن يكبر أولاً ثم يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ويسمي ويقرأ الفاتحة وسورة قصيرة أو بعض الآيات، ثم يكبر ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم مثلما يصلي عليه في آخر الصلاة، ثم يكبر الثالثة ويدعو للميت، والأفضل أن يقول: (اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان، اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم أبدله داراً خيراً من داره وأهلاً خيراً من أهله، اللهم أدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر ومن عذاب النار وافسح له في قبره ونور له فيه، اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تضلنا بعده) كل هذا محفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم وإن دعا له بدعوات أخرى فلا بأس مثل أن يقول: (اللهم إن كان محسناً فزد في إحسانه، وإن كان مسيئاً فتجاوز عن سيئاته، اللهم اغفر له وثبته بالقول الثابت) ، ثم يكبر الرابعة ويقف قليلاً، ثم يسلم تسليمة واحدة عن يمينه قائلاً: (السلام عليكم ورحمة الله) .
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله م/13 ص 141.(5/4700)
زيارة القبور وشهود مناسبة يزعمون فيها حضور أرواح الأولياء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم في زيارة القبور والصلاة هناك؟
في باكستان هناك شيء اسمه عرس يقام كل سنة، هل يجوز حضوره؟
الأشخاص الذين يحضرون يقولون إن الفقيد كان من أولياء الله ويمكن أن يوصل دعاءنا وأن الدعاء من رجل صالح يتم قبوله أكثر. فهل يمكن أن تلقي بعض الضوء على هذه القضية؟
جزاك الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
1. زيارة القبور نوعان:
أحدهما: مشروع ومطلوب لأجل الدعاء للأموات والترحم عليهم ولأجل تذكر الموت والإعداد للآخرة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة". رواه مسلم (976) .
وكان يزورها النبي صلى الله عليه وسلم وهكذا أصحابه رضي الله عنهم.
= عن عائشة أنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما كان ليلتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين وأتاكم ما توعدون، غدا مؤجلون، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد".
رواه مسلم (974) .
النوع الثاني: بدعي وهو زيارة القبور لدعاء أهلها والاستغاثة بهم أو للذبح لهم أو للنذر لهم وهذا منكر وشرك أكبر ويلتحق بذلك أن يزوروها للدعاء عندها والصلاة عندها والقراءة عندها وهذا بدعة غير مشروع.
2. أما الصلاة عندها: فإن كان المراد: صلاة الجنازة: فجائز غير ممنوع، وإن كان المراد غيرها من الفرائض والنوافل: فممنوع محرَّم.
= دليل جواز صلاة الجنازة في المقبرة.
عن أبي هريرة أن رجلا أسود أو امرأة سوداء كان يَقُمّ المسجد فمات فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عنه فقالوا مات قال: "أفلا كنتم آذنتموني به دلوني على قبره أو قال قبرها فأتى قبرها فصلى عليها". رواه البخاري (446) ومسلم (956) .
= ودليل عدم جواز صلاة غير الجنازة في المقبرة:
أ. عن عائشة وعبد الله بن عباس قالا: "لما نزل (أي الموت) برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتمّ كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك: " لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد". يحذِّر مثل ما صنعوا. رواه البخاري (425) ومسلم (531) .
ب. عن أبي مرثد الغنوي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها". رواه مسلم (972) .
3. أما العرس الذي يقام كل سنة: فإن كان فيه شيء من العبادات، أو يظن من يحضره أنهم يتقربون إلى الله تعالى به، أو كان فيه شيء من المعاصي والمنكرات: فلا يجوز حضوره، ولا المشاركة فيه.
ولو خلا من ذلك كله فلا تحضروا فيه أيضا لأنّ اتّخاذ عيد غير الأعياد الشرعية بدعة محرّمة واعتقاد الحاضرين أنّ روح الوليّ تحضر هذا العرس هو اعتقاد بدعيّ محرّم كذلك ولما قد يُفضي إليه في المستقبل من اعتقاد أنه من الدين، فيكون فتنة للناس. فيجب إنكار هذا والنهي عنه وعدم حضوره، والله الهادي إلى سواء السبيل.
4. أما طلب الدعاء من الرجل الصالح في حياته: فإنه يجوز، لما يرجى من إجابة دعوته لصلاحه، والدليل:
أ. عن عثمان بن حنيف رضي الله عنه" أن رجلاً ضريرَ البصر أتى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: ادْعُ الله أَنْ يُعَافِيَني. قاَلَ "إِنْ شِئْتَ دَعَوْتُ لَكَ، وَإِنْ شِئْتَ أَخَّرْتُ ذَلِكَ فَهُوَ خَيْرٌ" (وفي روايةٍ "وَإِنْ شِئْتَ صَبَرْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ") . فَقَالَ: أُدْعُهُ. فأَمَرَهُ أَنْ يتوَضَأَ فَيُحْسِنَ وُضُوءهُ، فَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ ... ".
رواه أحمد (4/138) والترمذي (5/569) وابن ماجة (1/441) ، وهو حديثٌ صحيحٌ.
ب. عن أنس قال بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة إذ قام رجل فقال يا رسول الله هلك الكراع وهلك الشاء فادع الله أن يسقينا فمد يديه ودعا. رواه البخاري (890) ومسلم (897) .
5. فإذا مات الولي أو النبي لم يكن من المشروع طلب الدعاء منه لأنه انقطع عن الدنيا، وهو باب من أبواب الشرك، لم يدخله أحد من صالحي هذه الأمة من الصحابة ومن تبعهم.
قال تعالى {ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين} [الأحقاف 5] .
قال شيخ الإسلام رحمه الله: وتفصيل القول: إن مطلوب العبد إن كان من الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله تعالى مثل أن يطلب شفاء مريضه من الآدميين والبهائم أو وفاء دينه من غير جهة معينة أو عافية أهله وما به من بلاء الدنيا والآخرة وانتصاره على عدوه وهداية قلبه وغفران ذنبه أو دخوله الجنة أو نجاته من النار أو أن يتعلم العلم والقرآن أو أن يصلح قلبه ويحسن خلقه ويزكي نفسه وأمثال ذلك: فهذه الأمور كلها لا يجوز أن تطلب إلا من الله تعالى ولا يجوز أن يقول لملك ولا نبي ولا شيخ سواء كان حيا أو ميتا اغفر ذنبي ولا انصرني على عدوي ولا اشف مريضي ولا عافني أو عاف أهلي أو دابتي وما أشبه ذلك.
ومن سأل ذلك مخلوقا كائنا من كان: فهو مشرك بربه من جنس المشركين الذين يعبدون الملائكة والأنبياء والتماثيل التي يصورونها على صورهم ومن جنس دعاء النصارى للمسيح وأمه قال الله تعالى: {وإذ قال الله يا عيسى بن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأميَ إلهين من دون الله} [المائدة 116] الآية، وقال الله تعالى: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح بن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون} [التوبة 31] .
" مجموع الفتاوى " 27 / 67، 68.
وقال:
وأما من يأتي إلى قبر نبيٍّ أو صالح أو من يعتقد فيه أنه قبر نبيٍّ أو رجل صالح وليس كذلك ويسأله ويستنجده فهذا على ثلاث درجات:
إحداها: أن يسأله حاجته مثل أن يسأله أن يزيل مرضه أو مرض دوابه أو يقضى دينه أو ينتقم له من عدوه أو يعافي نفسه وأهله ودوابه ونحو ذلك مما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل: هذا شرك صريح يجب أن يستتاب صاحبه فإن تاب وإلا قتل.
وإن قال أنا أسأله لكونه أقرب إلى الله مني ليشفع لي فى هذه الأمور لأنى اتوسل إلى الله به كما يتوسل إلى السلطان بخواصه وأعوانه: فهذا من أفعال المشركين والنصارى فإنهم يزعمون أنهم يتخذون أحبارهم ورهبانهم شفعاء يستشفعون بهم فى مطالبهم وكذلك أخبر الله عن المشركين أنهم قالوا: {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} [الزمر 3] وقال سبحانه وتعالى: {أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أو لو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون قل لله الشفاعة جميعا له ملك السموات والأرض ثم إليه ترجعون} [الزمر 47] ، وقال تعالى: {ما لكم من دونه من وليٍّ ولا شفيع أفلا تتذكرون} [السجدة 4] ، وقال تعالى {من ذا الذى يشفع عنده إلا بإذنه} [البقرة 255] فبين الفرق بينه وبين خلقه فإن من عادة الناس أن يستشفعوا إلى الكبير من كبرائهم بمن يكرم عليه فيسأله ذلك الشفيع فيقضي حاجته إما رغبة وإما رهبة وإما حياء وإما مودة وإما غير ذلك والله سبحانه لا يشفع عنده أحد حتى يأذن هو للشافع فلا يفعل إلا ما شاء وشفاعة الشافع من إذنه فالأمر كله له ... وقول كثير من الضلال هذا أقرب إلى الله مني وأنا بعيد من الله لا يمكنني أن أدعوه إلا بهذه الواسطة ونحو ذلك من أقوال المشركين فإن الله تعالى يقول: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان} [البقرة 187] ........ وفي الصحيح أنهم كانوا في سفر وكانوا يرفعون أصواتهم بالتكبير فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم " يا أيها الناس اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا بل تدعون سميعا قريبا إن الذى تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته "، وقد أمر الله تعالى العباد كلهم بالصلاة له ومناجاته وأمر كلا منهم أن يقولوا: {إياك نعبد وإياك نستعين} [الفاتحة 5] ، وقد أخبر عن المشركين أنهم قالوا: {ما نعبدهم إلا ليقربوا إلى الله زلفى} [الزمر 3] .
ثم يقال لهذا المشرك أنت إذا دعوت هذا فإن كنت تظن أنه أعلم بحالك وأقدر على عطاء سؤالك أو أرحم بك فهذا جهل وضلال وكفر وإن كنت تعلم أن الله أعلم وأقدر وأرحم فلم عدلت عن سؤاله إلى سؤال غيره ألا تسمع إلى ما خرجه البخارى وغيره عن جابر رضى الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعلمنا الإستخارة فى الأمور كما يعلمنا السورة من القرآن ...
وإن كنت تعلم أنه أقرب إلى الله منك وأعلى درجة عند الله منك فهذا حق لكن كلمة حق أريد بها باطل فإنه إذا كان أقرب منك وأعلى درجة منك فإنما معناه أن يثيبه ويعطيه أكثر مما يعطيك ليس معناه إنك إذا دعوته كان الله يقضى حاجتك أعظم مما يقضيها إذا دعوت أنت الله تعالى فإنك إن كنت مستحقا للعقاب ورد الدعاء مثلا لما فيه من العدوان فالنبى والصالح لا يعين على ما يكرهه الله ولا يسعى فيما يبغضه الله وإن لم يكن كذلك فالله أولى بالرحمة والقبول. أ. هـ
" مجموع الفتاوى " 27 / 72- 75.
وننصح الأخ السائل بالتوسع من المصدر السابق -. .
[الْمَصْدَرُ]
مجموع الفتاوى 27 / 72- 75.(5/4701)
وعظ الناس في المقبرة بعد الدّفن
[السُّؤَالُ]
ـ[يقوم بعض الإخوان بإلقاء خطب ومواعظ عند الدفن بغرض وعظ المشيعين، فما الحكم في ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله:
أرى أن هذا من البدع المحدثة، ولا يمكن أن يدّعي واعظ أنه أشد حبا لموعظة الناس من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ينقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقوم خطيبا يعظ الناس في المقبرة، غاية ما هنالك: " أنه انتهى في يوم من الأيام إلى قبر ولما يُلحد فجلس وجلس أصحابه حوله فجعل يحدثهم عما يكون عند الاحتضار وبعد الموت " هذا أبلغ ما يرد، وعلى هذا فما يفعله بعض الناس فهو اجتهاد ليس بالصواب لكونه يقوم خطيبا يعظ الناس.
سؤال:
فكون النبي صلى الله عليه وسلم فعله مرة واحدة …
الجواب:
لم يفعله، بل جعل يتحدث حديث الجالسين، ما قصد الموعظة وأن يقوم خطيبا.
سؤال:
فلو أن شخصا قعد حول القبر وحوله الناس قعدوا، وحدثهم بحديث أبي داوُد (حديث البراء) ، يعتبر عمله مشروعا؟
الجواب:
غير مشروع؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما قصد الجلوس للموعظة وإنما قصد الجلوس حتى ينتهوا من إلحاد القبر، فرق بين ما يحدث اتفاقا وما يحصل قصدا؛ ولهذا ما فعلها في غير هذا الموضع. والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(5/4702)
لبس الأسود عند المصائب.. شعار باطل لا أصل له
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لبس الثوب الأسود حزناً على المتوفى وخاصة إذا كان الزوج؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لبس السواد عند المصائب شعار باطل لا أصل له ... والإنسان عند المصيبة ينبغي له أن يفعل ما جاء به الشرع فيقول: (إنا لله وإنا إليه راجعون) ، اللهم ائجرني في مصيبتي، وأخلف لي خيراً منها، فإذا قال ذلك بإيمان واحتساب فإن الله سبحانه وتعالى يؤجره على ذلك ويبدله بخير منها، أما ارتداء لبس معين كالسواد، وما شابهه فإنه لا أصل له وهو أمر باطل ومذموم.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى الشيخ ابن عثيمين مجلة الدعوة العدد/1789، ص/60.(5/4703)
وقوف أهل الميت في المقبرة صفا لتلقي التعزية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الشرع في وقوف أهل الميت صفاً واحداً في المقبرة بعد الفراغ من الدفن لتلقي العزاء من المعزين, وأيضاً ما حكم وقوف أهل الميت صفاًُ واحداً في مكان العزاء بيت أو صالة عند استقبال المعزين ثم يجلسون بعد خروج المعزين ويعاودون الوقوف مرة أخرى عند قدوم آخرين وذلك فيما بين المغرب والعشاء؟
ما الحكم في المحاضر الذي يكثر من استعمال كلمة "الحبيب صلى الله عليه وسلم" كلما جاء ذكر النبي صلى الله عليه وسلم؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا حرج في تلقي أهل الميت العزاء في المقبرة، قبل الدفن أو بعده، سواء وقفوا صفا واحدا أو متفرقين، لأن وقوفهم في صف واحد هو لتسهيل الوصول إليهم وتعزيتهم.
وأما جلوسهم في البيت لتلقي العزاء، فليس من السنة، بل يُعزى المصاب حيث وجد، في المقبرة، أو في الشارع، أو في المسجد.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ما حكم اصطفاف أهل الميت عند باب المقبرة لتلقي تعازي الناس بعد دفن الميت مباشرة؟
فأجاب: الأصل أن هذا لا بأس به؛ لأنهم يجتمعون جميعا من أجل سهولة الحصول على كل واحد منهم ليعزى، ولا أعلم في هذا بأسا " انتهى.
وسئل رحمه الله: " بعد الفراغ من دفن الميت وتعزية أهله يقوم الناس بالذهاب إلى بيت الميت وعادة ما يكون ذلك بعد صلاة المغرب، ثم يشربون القهوة ويعزون أهل الميت مرة أخرى، ثم ينصرفون، فما الحكم في هذا؟
فأجاب: الحكم أن هذا من البدع، فما كان الصحابة رضي الله عنهم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا فيما بعده ينتظرون الناس في بيوتهم ليعزوهم، والحقيقة أن هذا يشعر أن المصاب جزع من المصيبة، كأنه يقول: يا أيها الناس إني جالس في بيتي محزونا فتقدموا لي بالعزاء.
والسنة أن الإنسان يغلق بيته، ثم من وجده في السوق، أو وجده في المسجد يعزيه إذا رآه مصابا حزينا، فيسليه بالتعزية، ويقول: اصبر واحتسب، الأمر أمر الله عز وجل، لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى " انتهى.
وقال رحمه الله: " ولهذا لو أن طلبة العلم بينوا للناس هذا الأمر وبدأوا بأنفسهم هم، كما بدأنا بأنفسنا، والدنا توفي ولم نجلس، ووالدتنا توفيت ولن نجلس للعزاء، لو أن أهل العلم فعلوا ذلك لكان فيه خير كثير، ولترك الناس هذه العادات " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (17/352، 374، 389) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4704)
آداب زيارة القبور
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أردت أن أزور قبر أبي فماذا أفعل، ما هي آداب زيارة المقابر، هل هناك أي أمور تنبغي مراعاتها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تشرع زيارة القبور للاتعاظ بها وتذكر الآخرة، شريطة أن لا يقول عندها ما يغضب الرب سبحانه وتعالى، كدعاء المقبور والاستغاثة به من دون الله تعالى، أو تزكيته، والقطع له بالجنة، ونحو ذلك.
والمقصود من زيارة القبور شيئان:
أ - انتفاع الزائر بذكر الموت والموتى، وأن مآلهم إما إلى جنة وإما إلى نار، وهو الغرض الأول من الزيارة.
ب - نفع الميت والإحسان إليه بالسلام عليه، والدعاء والاستغفار له، وهو خاص بالمسلم، ومن الأدعية:
(السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإن شاء الله بكم لاحقون، أسأل الله لنا ولكم العافية) .
ويجوز رفع اليدين في الدعاء. لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فأرسلت بريرة في أثره لتنظر أين ذهب، قالت: فسلك نحو بقيع الغرقد، فوقف في أدنى البقيع ثم رفع يديه، ثم انصرف، فرجعت إلى بريرة، فأخبرتني، فلما أصبحت سألته، فقلت، يا رسول الله أين خرجت الليلة؟ قال: (بعثت إلى أهل البقيع لأصلي عليهم) .
ولكنه لا يستقبل القبور حين الدعاء لها، بل الكعبة، لنهيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة إلى القبور والدعاء مخ الصلاة ولبها، كما هو معروف فله حكمها، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (الدعاء هو العبادة) ، ثم قرأ: (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم) .
ولا يمشي بين قبور المسلمين في نعليه. فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لأن أمشي على جمرة أو سيف، أو أخصف نعلي برجلي، أحب إلي من أن أمشي على قبر مسلم، وما أبالي أوسط القبور قضيت حاجتي أو وسط السوق) رواه ابن ماجه (1567) .
نسأل الله العلي القدير أن يرحم موتانا وموتى المسلمين.
[الْمَصْدَرُ]
من مختصر أحكام الجنائز للألباني بتصرف.(5/4705)
بماذا يعزى المسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[والدة جارنا المسلم ماتت ونريد أن نذهب لزيارته للتعزية فما هي التقاليد الإسلامية لهذا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا أردت تعزية مسلمة في وفاة قريب لها فإنك تحثينها بأيّ عبارة طيبة على الصبر وأنّ هذا حال الخلق لا بدّ من فنائهم وموتهم وإذا أردت أمثل عبارة يعزّي فيها المسلمين من فقد عزيزا أو قريبا فإنها قول المعزّي: إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكلّ شيء عنده بأجل مسمى فاصبري واحتسبي.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/4706)
حكم قضاء الحاجة في المقابر
[السُّؤَالُ]
ـ[في بعض البلدان نرى بعض الناس إذا أرادوا قضاء الحاجة دخل بعضهم مقبرة أو قفز من فوق سورها وقضى حاجته مع العلم أنّ فيها قبور مسلمين فما حكم هذا العمل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شكّ أن هذا عمل منكر وقبيح واعتداء على حرمة الأموات، والقبر للميت كالبيت للحيّ، وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم شناعة هذا الفعل بقوله: " لأَنْ أَمْشِيَ عَلَى جَمْرَةٍ أَوْ سَيْفٍ أَوْ أَخْصِفَ نَعْلِي بِرِجْلِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَمْشِيَ عَلَى قَبْرِ مُسْلِمٍ وَمَا أُبَالِي أَوَسْطَ الْقُبُورِ قَضَيْتُ حَاجَتِي أَوْ وَسْطَ السُّوقِ رواه ابن ماجة قال في الزوائد إسناده صحيح وصححه في إرواء الغليل 63
وقوله (أو أخصف نعلي برجلي) هذا من الأمور العسيرة جدا وإن أمكن فهو يُتعب تعبا شديدا فهو يقول إنّ هذا مع ما فيه أحبّ إليه من المشي على قبر مسلم، قوله (وما أبالي أوسط القبور قضيت حاجتي أم وسط السوق) يريد أنهما في القبح سيّان فمن أتى بأحدهما فهو لا يبالي بأيهما أتى. والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/4707)
دفن الكافر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الإنسان الذي أسلم ووالده كافر مشرك يعبد الأصنام حتى مات مشركاً، وهل يجوز لابنه المسلم أن يشترك في غسله ودفنه؟ وإذا اشترك في غسله ودفنه وعادات الكفار وما حكمه في الإسلام؟ وماذا يعمل ابن المسلم بعد هذه الأعمال؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل في الكافر إذا مات أن يواريه أقاربه في حفرة حتى لا يتأذى به الناس، ولا يغسل ولا يكفن، ولا يصلى عليه، ومن فعل غير ذلك أو اشترك مع الكفار في عاداتهم فعليه أن يتوب ويستغفر الله، لعل الله أن يتوب عليه.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 9/14.(5/4708)
تشييع جنازة عباد القبور
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الله تعالى: (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم) .
إن ظاهر الآية السابقة يمنع الاستغفار للمشركين ولو كانوا من ذوي القرابة، والكثير منا نحن أعراب البادية من له والدان وأقرباء وقد اعتادوا الذبح عند القبور والتوسل بأهلها، وتقديم النذور والاستعانة بتوسيط أهل القبور في فك الكربات، وشفاء المرضى وقد ماتوا على ذلك، ولم يصلهم من يعرفهم معنى التوحيد ومعنى لا إله إلا الله، ولم يصلهم من يعلمهم أن النذور والدعاء عبادة لا يصح صرفها إلا لله وحده، فهل يصح المشي في جنائزهم، والصلاة عليهم، والدعاء والاستغفار لهم وقضاء حجهم، والتصدق عليهم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
من مات على الحالة التي وصفت لا يجوز المشي في جنازته، ولا الصلاة عليه، ولا الدعاء ولا الاستغفار له، ولا قضاء حجه، ولا التصدق عنه؛ لأن أعماله المذكورة أعمال شركية، وقد قال سبحانه وتعالى، في الآية السابقة: (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى) التوبة /113، ولما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (استأذنت ربي في الاستغفار لأمي، فلم يأذن لي واستأذنته في زيارة قبرها فأذن لي) أخرجه أحمد 2/441، 5/355، 359، ومسلم 2/671 برقم (976) ، وأبو داود 3/557 برقم (3234) ، والنسائي 4/90 برقم (2034) ، وابن ماجه 1/501 برقم (1572) ، وابن أبي شيبة 3/343، وابن حبان 7/440 برقم (3169) ، والحاكم 1/375-376، 376، والبيهقي 4/76.
وليسوا معذورين بما يقال عنهم: أنهم لم يأتهم من يبين لهم أن هذه الأمور المذكورة التي يرتكبونها شرك؛ لأن الأدلة عليها في القرآن الكريم واضحة، وأهل العلم موجودون بين أظهرهم، ففي إمكانهم السؤال عما هم عليه من الشرك لكنهم قد أعرضوا ورضوا بما هم عليه.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 9/12.(5/4709)
تزكية الميت
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم قول بعض الناس إذا مات شخص (يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية) ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا لا يجوز أن يطلق على شخص بعينه، لأن هذه شهادة بأنه من هذا الصنف.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين.(5/4710)
تشيع جنازة الكافر
[السُّؤَالُ]
ـ[حكم الله في حضور جنائز الكفار، الذي أصبح تقليداً سياسياً وعرفاً متفقاً عليه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
إذا وجد من الكفار من يقوم بدفن موتاهم فليس للمسلمين أن يتولوا دفنهم، ولا أن يشاركوا الكفار ويعاونوهم في دفنهم، أو يجاملوهم في تشييع جنائزهم؛ عملاً بالتقاليد السياسية، فإن ذلك لم يعرف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن الخلفاء الراشدين، بل نهى الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقوم على قبر عبد الله بن أُبَي بن سلول، وعلل ذلك بكفره، قال تعالى: (ولا تصل على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون) التوبة 81، وأما إذا لم يوجد منهم من يدفنه دفنه المسلمون كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بقتلى بدر، وبعمه أبي طالب لما توفي قال لعلي: (اذهب فواره) .
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 9/10.(5/4711)
حكم إقامة دورات لتعليم تغسيل الأموات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم إقامة دورات لتعليم تغسيل الأموات؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تعليم تغسيل الموتى طيب ومشروع وليس فيه شيء، لأن بعض الناس لا يحسن التغسيل، والحاجة ماسة إلى معرفة كيفية تغسيل الميت.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - م/13 ص/118.(5/4712)
دفن تارك الصلاة مع المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[في بلادنا يدفن المسلمون في مقابر خاصة بهم، ولكن كل من يطلق عليه اسم مسلم يدفن فيها وأكثرهم ممن لا يصلي ولا يقيم حدود الدين، فما العمل عند زيارة تلك القبور التي لا يميز فيها المسلمون حقاً وغير المسلمين؟ وماذا علي إذا مت ودفنت مع أناس لا يصلون، هل أوصي بأن أدفن مع أناس يصلون، أم ماذا نفعل؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الواجب أن يخصص للمسلمين مقابر، ولا يدفن فيها غيرهم، والذي لا يصلي ويموت وهو تارك للصلاة لا يدفن في مقابر المسلمين؛ لأن تارك الصلاة جحداً لوجوبها كافر بالإجماع، وتاركها كسلاً كافر على الراجح من قولي العلماء، ويشرع للمسلم أن يوصي بأن يدفن في مقابر المسلمين إذا كان في البلد مقابر لغير المسلمين؛ خشية أن يدفن مع غير المسلمين.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 9/9.(5/4713)
هل يوجّه الميّت إلى القبلة عند موته
[السُّؤَالُ]
ـ[أخبرت بوجود حديث فيه أنه يجب تحريك المسلم فور موته بحيث يواجه الكعبة، وأن القبر نفسه يجب أن يكون مواجها للكعبة بمعنى أن تكون القدمان مواجهتين للكعبة. وقيل إن السبب في هذا أن المسلمين سيقومون من قبورهم يوم القيامة مواجهين للكعبة. ما قرأته وفهمته هو أن الرأس/ الوجه يجب أن يبقى في القبر مستقبلا القبلة. ما هي الحقيقة بالنسبة لهذا الموضوع. وجزاك الله خيرا أخي على العمل الجاد الذي تقوم به.]ـ
[الْجَوَابُ]
قال ابن حزم رحمه الله:
وتوجيه الميت إلى القبلة حسن فإن لم يوجّه فلا حرج قال الله تعالى: {فأينما تولوا فثم وجه الله} ولم يأت نص بتوجيهه إلى القبلة." المحلى " (5 / 174) .
والنبي صلى الله عليه وسلم مات في حِجْر عائشة رضي الله عنها، ووصفت لحظات موته بدقّة ولم تذكر أنها وجّهته إلى القبلة، وحديثها رواه: البخاري (4440) ومسلم (2444) .
وكذا لم يثبت ذلك عن صحابي، وما روي في ذلك عن أبي قتادة وأنه أوصى عند موته أن يستقبل به القبلة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أقره بقوله " أصاب الفطرة ": فضعيف لا يصح. انظر - في تضعيفه -: " إرواء الغليل " (3 / 153) .
وأما موضع الميت في قبره، فقد قال الإمام ابن حزم:
ويجعل الميت في قبره على جنبه اليمين، ووجهه قبالة القبلة، ورأسه ورجلاه إلى يمين القبلة ويسارها على هذا جرى عمل أهل الإسلام من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا وهكذا كل مقبرة (للمسلمين) على ظهر الأرض. " المحلى " (5 / 173) .
وأما دعوى أن خروج الناس من قبورهم يكون إلى الكعبة فهو خبر غيبي يحتاج إلى دليل فأين الدليل عليه؟! والذي ثبت أنّ الناس إذا قاموا إلى قبورهم يتجهون إلى أرض المحشر مباشرة، والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/4714)
هل التأثر لذكر الميت والحزن عليه يضره في قبره
[السُّؤَالُ]
ـ[يقال إن تذكر الميت من قبل الحي، مثل تذكر ولد والده الميت في كل حين، وفي كل مكان وزمان، والحزن عليه، والبكاء عليه، والتأثر به، يقال: إن الميت يتأثر من ذلك ويضره، ويسيء له، فينبغي عدم تذكر الميت بحزن وبكاء وتأثر، بل يكتفي بالدعاء والاستغفار له، والترحم عليه فقط.
فما صحة ذلك من عدمه. جزاكم الله خيرا، وماذا ينبغي أن يفعل بحق الميت؟ جزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال: " إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه " رواه البخاري (1286) ، وفسر ذلك بما إذا أوصى أهله بذلك، كفعل الجاهليين، وقيل هذا إذا كان من عادتهم النياحة والندب فلم يحذرهم، وقيل: إن العذاب هو التألم والحزن على فعلهم الذي لا يغني عنهم شيئا، وليس هو عذاب النار، فأما مجرد التذكر والحزن والاسترجاع، فلا يدخل في النهي، وذلك لأنه مما يغلب على الإنسان، ولا يستطيع حديث النفس، وما يخطر بالبال من تذكر الميت والحزن عليه، والتألم لفقده، فإذا تذكره واسترجع ودعا ربه أن يعينه على الصبر والسلوان، ويخلف له خيرا من مصيبته أثابه الله وآجره على مصيبته.
[الْمَصْدَرُ]
اللؤلؤ المكين من فتاوى الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين ص63.(5/4715)
طريقة دفن الميت وتعزية أهله
[السُّؤَالُ]
ـ[مات أبي قريباً في الحج وفي عاداتنا يأتي الناس ليقدموا تعازيهم وبعد ذلك يرفعوا أيديهم جميعاً لقراءة الفاتحة والدعاء للمتوفى وأنا أعرف أن ذلك لا يجوز فقد حاولت جاهداً أن أبتعد عن ذلك السلوك ولدي أسئلة:
ما ينبغي وما لا ينبغي عند التعزية.
ماذا ينبغي قوله عند حمل المتوفى.
ما ينبغي قوله عند وضع المتوفى في القبر.
هل يمكن وضع علامة بالاسم على القبر.
ما هو الدعاء بعد إتمام الدفن.
ما مدى صحة وضع ماء على قبر المتوفى.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يجب حمل الجنازة واتباعها، وذلك من حق الميت المسلم على المسلمين، وجاء في أجر من فعل ذلك فضلٌ عظيمٌ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من شَهِدَ الجنازة من بيتها وفي رواية من اتّبع جنازة مسلمٍ إيماناً واحتساباً حتى يُصَلّى عليه فله قيراط، ومن شَهِدَهَا حتى تُدْفن، فله قيراطان، قيل: يا رسول الله، وما القيراطان؟ قال: مثل الجبلين العظيمين) رواه البخاري (الجنائز/1240)
ولا يجوز أن تُتْبَع الجنائز بما يخالف الشريعة، ومن ذلك:
رفع الصوت بالبكاء، وإتْبَاعها البخور، ويَلحَقُ ذلك، رفع الصوت بالذكر أمام الجنازة، لأنه بدعة، ولقول قيس بن عباد: " كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهون رفع الصوت عند الجنائز " ولأن فيه تشبهاً بالنصارى.
ثانياً: الدفن:
لا يدفن المسلم مع الكافر، ولا الكافر مع المسلم، فالمسلم يُدفن في مقابر المسلمين.
والسنّة إدخال الميت من مؤخّر القبر، ويُجْعَل الميت في قبره على جَنْبِِه الأيمن، وَوَجْهُهُ قِبَالَة القبلة، ويقول الذي يضعه في لحده: " بسم الله وعلى سنة رسول الله أو على ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم " رواه الترمذي (الجنائز/ 967) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 836.
ويستحب لمن عند القبر أن يَحْثُو من التراب، ثَلاثَ حَثَوات بيديه جميعا، بعد الفراغ من سَدِّ اللّحد.
ويُسَنُّ بعد الفراغ من دفنه أمور:
أن يُرْفَع القبر عن الأرض قليلاً، نحو شِبْرٍ ولا يُسَوّى بالأرض، لِيَتَمَيّز، فَيُصان ولا يُهَان،، ويرفع قبره من الأرض نحواً من شبر، ولا بأس بأن يُعَلِّمَهُ بحجر أو نحوه ليدفن إليه من يموت من أهله ويُرَشّ بالماء ليَتَمَاسَك ترابُه ولا يَتَطَايَر، ولا يُلَقّن الميت التَلْقِين المعروف عند بعض الناس، بل يَقِفُ على القبر، يدعو له بالتثبيت ويستغفر له، ويأمر الحاضرين بذلك لحديث عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال: (استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فإنه الآن يسأل) رواه أبو داود (الجنائز/2804) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود/ 2758، ولا يُقْرَأ شيءٌ من القرآن عند القبر فإن هذا بدعة، لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم، ولا صحابته الكرام، ويَحْرُم البناء على القبور، وتَجْصِيصُها، والكتابة عليها، لقول جابر: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُجَصّصَ القبر وأن يُقْعَد عليه وأن يبنى عليه " رواه مسلم (الجنائز/1610) وعند أبي داود: " نهى أن تجصص القبور وأن يكتب عليها وأن لا توطأ " (الجنائز/3226) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود/ 2763.
ثالثاً:
تشرع التعزية لأهل الميت، والتعزية تكون بما يُظَنّ أنّ فيه تسلِيَةً لهم، وكفَّاً لحزنِهِمْ، ويَحملُهم على الصبر، ويعزيهم بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، إن كان يستحضره وإلا فبما يتيسر له من الكلام الحسن الذي يحقق الغرض ولا يخالف الشرع وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده إلى أجل مسمى فلتصبر ولتحتسب) روا هـ البخاري (الجنائز/1204) .
وينبغي اجتناب أمرين:
الاجتماع للتعزية وإن تتابع الناس عليه.
اتخاذ أهل الميت الطعام لضيافة الواردين للعزاء.
وإنما السنة أن يصنع أقرباء الميت وجيرانه لأهل الميت طعاما يشبعهم. والله أعلم
للمزيد يراجع كتاب أحكام الجنائز للألباني رحمه الله، وكتاب الملخص الفقهي للفوزان (213-216) .
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/4716)
دفن المسلمين في بلاد الكفار
[السُّؤَالُ]
ـ[يتشرف جماعة من المسلمين بمدينة بروكسل ببلجيكا بأن يطلبوا من سيادتكم فتوى فيما يخص دفن المسلمين بمقبرة نصرانية أو غيرها، وقد قررنا إيجاد مقبرة إسلامية بهذا البلد؛ لأن الحكومة البلجيكية طلبت منا فتوى؛ لأنكم تبذلون جهدكم لنشر هذا الدين، وفي انتظار جوابكم تقبلوا منا سيدي المفتي فائق احترامنا.]ـ
[الْجَوَابُ]
يجب دفن موتى المسلمين في مقبرة مستقلة لهم، ولا يجوز دفنهم في مقابر غير المسلمين، قال الإمام الشيرازي في المهذب: ولا يدفن كافر في مقبرة المسلمين، ولا مسلم في مقبرة الكفار، وقال الإمام النووي في المجموع: اتفق أصحابنا رحمهم الله على أنه لا يدفن مسلم في مقبرة كفار، ولا كافر في مقبرة مسلمين، ومن ذلك يظهر أنه يجب تخصيص مكان لدفن موتى المسلمين في مقبرة خاصة بهم.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 9/6.(5/4717)
لا يجوز امتهان المقابر
[السُّؤَالُ]
ـ[في قريتنا أصبحت المقابر تُمتهن حيث صارت طريقاً للإبل والبقر والماعز والسيارات، بل والأدهى من ذلك أن بعضاً من الناس تقدموا للبناء عليها، فما هو توجيه سماحتكم لهذا الأمر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا لا يجوز، فإن المقبرة لا يجوز أن يُتعرض لها بشيء ما دام أن رفات الموتى موجود فيها، فإن حرمة الميت كحرمة الحي. فلا يجوز امتهان المقبرة لا بوطء ولا بجعلها طرقاً، ولا بالصلاة فيها ولا بإدخالها في مساكن الناس، كل هذا لا يجوز، إلا إذا كانت المقبرة قد صار ساكنوها من الأموات رميماً تراباً لم يبق لهم أي جثة ما، فهذا وبهذه الحالة، لا بأس باستعمال المقبرة كمزارع أو بيوت أو غير ذلك، أما ما دام يوجد فيها شيء من جثث الموتى، فلا يجوز استعمالها والمشي عليها لأن المسلم الميت تقدم إلى هذا المكان قبلكم وسبق إليه فهو أحق به وحرمته وهو ميت كحرمته وهو حي، فالنبي صلى الله عليه وسلم لما رأى رجلاً يطأ القبور قال: (لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده، خير له من أن يجلس على قبر) رواه مسلم رقم (9711) وأبو داود رقم (3228) ، فهذا تحذير لما في ذلك من امتهان المسلم، وقد ذكر العلماء أنه: يحرم التخلي بين القبور، ولا يجوز الجلوس على القبور، ولا يجوز الجلوس على القبر، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تجلسوا على القبور، ولا تصلوا إليها) رواه مسلم رقم (972) ، وأبو داود رقم (3229) ، ولا الاتكاء عليه، ولا وطء القبور بالاقدام أو امتهانها، فكل ذلك لا يجوز، والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى سماحة الشيخ عبد الله بن حميد ص 161(5/4718)
كيفية قضاء ما فات من صلاة الجنازة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من أدرك مع الإمام تكبيرة من صلاة الجنازة، وفاته ثلاث تكبيرات، وماذا يفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يكمل صلاة الجنازة فيكبر ثلاث تكبيرات قضاء قبل رفع الجنازة، لما فاته ثم يسلم، ويعتبر ما أدركه مع الإمام أول صلاة، ويكفيه أقل الواجب بعد التكبيرة الثانية والثالثة، فيقول بعد الثانية: اللهم صل على محمد، وبعد الثالثة: اللهم اغفر له، ويسلم بعد الرابعة.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 8/399.(5/4719)
من ماتت عند الولادة فإنها شهيدة وتغسل ويصلى عليها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تغسل المرأة التي توفيت عند الولادة أو بعدها مباشرة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا ماتت المرأة عند الولادة أو بعدها مباشرة أو في مدة النفاس فإنها تعتبر شهيدة عند الله تعالى، ولها أجر الشهداء وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (8800) .
ولكنها تغسل ويصلى عليها كغيرها من المسلمين والمسلمات؛ وقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم على امرأة ماتت في نفاسها، رواه البخاري (1332) ومسلم (964)
وقال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/204) : " فأما الشهيد بغير قتل , كالمبطون , والمطعون , والغرق , وصاحب الهدم , والنفساء , فإنهم يغسلون , ويصلى عليهم ; لا نعلم فيه خلافا , إلا ما يحكى عن الحسن.. وقد صلى المسلمون على عمر وعلي رضي الله عنهما , وهما شهيدان ".
انتهى باختصار.
وإنما الشهيد الذي لا يغسَّل ولا يصلَّى عليه هو الذي مات في المعركة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4720)
هل يجوز دفن الميت بالليل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا مات ميت قبل منتصف الليل أو بعد منتصف الليل، فهل يجوز دفنه ليلاً، أو لا يجوز دفنه إلا بعد طلوع الفجر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز دفن الميت ليلاً لما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: " مات إنسان كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوده، فمات بالليل فدفنوه ليلاً، فلما أصبح أخبروه، فقال: (ما منعكم أن تعلموني؟) قالوا: كان الليل، وكانت ظلمة، فكرهنا أن نشق عليك، فأتى قبره فصلى عليه) رواه البخاري ومسلم، فلم ينكر دفنه ليلاً، وإنما أنكر على أصحابه أنهم لم يعلموه به إلا صباحاً، فلما اعتذروا إليه قبل عذرهم، وروى أبو داوود عن جابر قال: " رأى ناس ناراً في المقبرة فأتوها، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المقبرة يقول: ناولوني صاحبكم، وإذا هو الذي كان يرفع صوته بالذكر) ، وكان ذلك ليلاً كما يدل عليه قول جابر: (رأى ناراً في المقبرة..) إلخ. ودفن النبي صلى الله عليه وسلم ليلاً، روى الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما علمنا بدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعنا صوت المساحي من آخر الليل، ليلة الأربعاء، والمساحي هي الآلات التي يجرف بها التراب، ودفن أبو بكر وعثمان وعائشة وابن مسعود ليلاً، وما روي مما يدل على كراهية الدفن ليلاً فمحمول على ما إذا كان التعجيل بدفنه ليلاً يخل بالصلاة عليه كما جاء ذلك في الحديث الصحيح، أو من أجل أن لا يساء كفنه، ولأنه أسهل على من يشيع جنازته وأمكن لإحسان دفنه، واتباع السنة في كيفية لحده، وهذا إذا لم توجد ضرورة إلى تعجيل دفنه، وإلا وجب التعجيل بدفنه ولو ليلاً.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 8/397.(5/4721)
جمع رفات الشهداء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم جمع رفات الشهداء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
رفات الشهداء كغيره من الرفات، يدفن رفات كل شهيد في قبر يخصه إلا إذا كان هناك مشقة كبيرة في دفن كل واحد على حده، لكثرة الأموات بسبب وباء أو قتل ونحوهما، فلا بأس بدفن الاثنين والثلاثة في قبر واحد، ويقدم أفضلهم ديناً إلى القبلة، كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في قتلى أحد.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.(5/4722)
السنة أن يسنّم القبر ويرفع قدر شبر
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت الحديث عن تسوية القبور المرتفعة المروي عن علي (رضي الله عنه) . وقد كان قبر جدتي مرتفعاً بقدر أربعة أقدام تقريباً، ومبنيا من الرخام. وقد هدمت الجزء العلوي من القبر وجعلته منخفضاً – اتباعاً للسنة. وبعد ذلك صادف أن قرأت الإجابة عن السؤال رقم 8991 في هذا الموقع والذي يتضمن عبارة: " ومِن رفع القبور الداخل تحت الحديث: القُبب والمشاهد المبنية على القبور، واتخاذ القبور مساجد ... ". والآن أشعر بالقلق أنني ربما فعلت شيئاً فيه امتهان للقبر أو لروح جدتي؟!! ثانياً، كبار الأسرة يلعنوني بسبب ما فعلت. فهل ارتكبت خطأً، وإذا كان كذلك فماذا ينبغي أن أفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
السنة أن يرفع القبر عن الأرض قدر شبر، وأن يجعل مسنّما لا مسطحا، في قول جمهور العلماء؛ لما روى البخاري (1390) عَنْ سُفْيَانَ التَّمَّارِ أَنَّهُ رَأَى قَبْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسَنَّمًا.
وروى ابن حبان في صحيحه (6635) والبيهقي في السنن (6527) ـ حسنه الألباني ـ عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أُلحد، ونُصب عليه اللبن نصبا، ورفع قبره من الأرض نحوا من شبر.
قال في "زاد المستقنع": " ويرفع القبر عن الأرض قدر شبر مسنما ".
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه "الشرح الممتع" (5/364) : " أي السنة أن يرفع القبر عن الأرض، وكما أنه سنة، فإن الواقع يقتضيه؛ لأن تراب القبر سوف يعاد إلى القبر، ومعلوم أن الأرض قبل حرثها أشد التئاما مما إذا حرثت، فلا بد أن يربو التراب.
وأيضا فإن مكان الميت كان بالأول ترابا، والآن صار فضاء، فهذا التراب الذي كان في مكان الميت في الأول سوف يكون فوقه ...
واستثنى العلماء من هذه المسألة: إذا مات الإنسان في دار حرب، أي: في دار الكفار المحاربين، فإنه لا ينبغي أن يُرفع قبره، بل يسوى بالأرض خوفا عليه من الأعداء أن ينبشوه، ويمثلوا به، وما أشبه ذلك.
وقوله: " مسنما " أي: يجعل كالسنام بحيث يكون وسطه بارزا على أطرافه، وضد المسنم: المسطح الذي يجعل أعلاه كالسطح.
والدليل على هذا: أن هذا هو صفة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وقبري صاحبيه " انتهى.
وقال ابن القيم رحمه الله:
" ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم تعلية القبور ولا بناؤها بآجر ولا بحجر ولبن، ولا تشييدها ولا تطيينها، ولا بناء القباب عليها؛ فكل هذا بدعة مكروهة مخالفة لهديه صلى الله عليه وسلم....، وكانت قبور أصحابه لا مشرفة ولا لاطئة، وهكذا كان قبره الكريم وقبر صاحبيه؛ فقبره صلى الله عليه وسلم مسنم مبطوح ببطحاء العرصة الحمراء، لا مبني ولا مطين، وهكذا كان قبر صاحبيه، وكان يعلم قبر من يريد تعرف قبره بصخرة ".
انتهى من زاد المعاد (1/524)
ثانيا:
أما ما رواه مسلم (969) عَنْ أَبِي الْهَيَّاجِ الْأَسَدِيِّ قَالَ قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: أَلَا أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَنْ لَا تَدَعَ تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتَهُ وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ) .
فالمقصود بالتسوية هنا، أي تسويته بسائر القبور، وقد تقدم أنها تكون في حدود الشبر.
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: " فِيهِ أَنَّ السُّنَّة أَنَّ الْقَبْر لَا يُرْفَع عَلَى الْأَرْض رَفْعًا كَثِيرًا , وَلَا يُسَنَّم , بَلْ يُرْفَع نَحْو شِبْر وَيُسَطَّح , وَهَذَا مَذْهَب الشَّافِعِيّ وَمَنْ وَافَقَهُ , وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاض عَنْ أَكْثَر الْعُلَمَاء أَنَّ الْأَفْضَل عِنْدهمْ تَسْنِيمهَا وَهُوَ مَذْهَب مَالِك " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "القول المفيد شرح كتاب التوحيد":
" قوله: (ولا قبرا مشرفا) : عاليا.
قوله: (إلا سويته) . له معنيان:
الأول: أي سويته بما حوله من القبور.
الثاني: جعلته حسنا على ما تقتضيه الشريعة، قال تعالى: (الذي خلق فسوى) (الأعلى: 2) أي: سوى خلقه أحسن ما يكون، وهذا أحسن، والمعنيان متقاربان.
والإشراف له وجوه:
الأول: أن يكون مشرفا بكبر الأعلام التي توضع عليه، وتسمى عند الناس (نصائل) أو (نصائب) ، ونصائب أصح لغة من نصائل.
الثاني: أن يبنى عليه، هذا من كبائر الذنوب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن المتخذين عليه المساجد والسرج) .
الثالث: أن تشرف بالتلوين، وذلك بأن توضع على أعلامها ألوان مزخرفة.
الرابع: أن يرفع تراب القبر عما حوله ليكون ظاهرا.
فكل شي مشرف، ظاهر على غيره متميز عن غيره يجب أن يسوى بغيره، لئلا يؤدي ذلك إلى الغلو في القبور والشرك " انتهى.
ثالثا:
قد تبين مما سبق أن بناء القبب والمشاهد على القبور ممنوع، وهو ذريعة إلى تعظيمها والإشراك بها، وكذلك رفع القبر أكثر من شبر تقريبا، ممنوع أيضا.
قال الشوكاني رحمه الله:
" ومن رفع القبور الداخل تحت الحديث [يعني حديث علي السابق] دخولا أوليا: القبب والمشاهد المعمورة على القبور، وأيضا هو من اتخاذ القبور مساجد، وقد لعن النبي صلى الله علي وآله وسلم فاعل ذلك ...
وكم قد سرى عن تشييد أبنية القبور وتحسينها من مفاسد يبكي لها الإسلام؛ منها اعتقاد الجهلة لها كاعتقاد الكفار للأصنام، وعظُم ذلك فظنوا أنها قادرة على جلب النفع ودفع الضرر، فجعلوها مقصدا لطلب قضاء الحوائج وملجأ لنجاح المطالب، وسألوا منها ما يسأله العباد من ربهم، وشدوا إليها الرحال، وتمسحوا بها واستغاثوا؛ وبالجملة إنهم لم يَدَعوا شيئا مما كانت الجاهلية تفعله بالأصنام إلا فعلوه، فإنا لله وإنا إليه راجعون!!
ومع هذا المنكر الشنيع، والكفر الفظيع، لا نجد من يغضب لله ويغار حمية للدين الحنيف، لا عالما ولا متعلما، ولا أميرا ولا وزيرا ولا ملكا؟!!
وقد توارد إلينا من الأخبار ما لا يشك معه أن كثيرا من هؤلاء المقبوريين، أو أكثرهم، إذا توجهت عليه يمين من جهة خصمه حلف بالله فاجرا، فإذا قيل له بعد ذلك: احلف بشيخك ومعتقدك، الولي الفلاني، تلعثم وتلكأ وأبى واعترف بالحق؟!!
وهذا من أبين الأدلة الدالة على أن شركهم قد بلغ فوق شرك من قال إنه تعالى ثاني اثنين أو ثالث ثلاثة؛ فيا علماء الدين ويا ملوك المسلمين أي رزء للإسلام أشد من الكفر، وأي بلاء لهذا الدين أضر عليه من عبادة غير الله، وأي مصيبة يصاب بها المسلمون تعدل هذه المصيبة، وأي منكر يجب إنكاره إن لم يكن إنكار هذا الشرك البين واجبا:
لقد أسمعتَ لو ناديتَ حيا ... ولكن لا حياة لمن تنادي
ولو نارا نفختَ بها أضاءت ... ولكن أنت تنفخ في رماد "
انتهى من نيل الأوطار (4/83-84) .
وبهذا تعلم أن ما قمت به من هدم الرخام، وإزالة الجزء العلوي من القبر، أمر حسن، موافق للسنة التي أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم، وليس فيه من امتهان القبر أو صاحبه شيء، بل الإكرام للقبر وصاحبه أن يكون على سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما ما ذكرته من أن كبار السن صاروا يلعنونك على ما فعلت فهذا عدوان وظلم منهم، واصبر على ما أصابك من أجل ما قمت به من الطاعة؛ فهكذا حال من يأمر الناس بمعروف أو ينهاهم عن منكر. قال الله تعالى، فيما حكى لنا من وصايا لقمان الحكيم لابنه: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (لقمان:17)
لكن يجب أن يراعى في ذلك عدم حدوث مفسدة أعظم؛ فإن شرط إنكار المنكر ألا يخلفه ما هو أنكر منه.
ولهذا إذا غلب على ظن الإنسان أنه لو سوّى القبر، حدث بسبب ذلك فتنة في بلده أو قومه، أو ناله أذى من سجن أو ضرب، فإنه يسعه السكوت حينئذ، وقد يحرم عليه الإنكار إذا عظمت المفسدة، أو كانت تلحق غيره من أخ أو قريب.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4723)
دفن المسلم وتغسيله مع الكفار
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم المسلم الذي يتوفى في فرنسا وتعذر نقله إلى بلاده العربية، وليس في البلد الذي هو متوفى فيه مقبرة مخصصة للمسلمين، فهل يدفن في مقبرة النصارى، أم ماذا؟ وكذلك ليس هناك موضع لتغسيل أموات المسلمين إلا الحجرة المخصصة لتغسيل أموات النصارى، فهل يمكن تغسيل أموات المسلمين فيها إذا تعذر تغسيل الميت المسلم في بيته؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا لم يوجد مقبرة للمسلمين فإن المسلم إذا مات لا يدفن في مقابر الكفار، ولكن يلتمس له موضع في الصحراء يدفن فيه ويسوى بالأرض حتى لا يتعرض للنبش، وإن تيسر نقله إلا بلاد بها مقبرة للمسلمين بدون كلفة شديدة فهو أولى، أما تغسيل الميت المسلم في موضع تغسيل الكفرة فلا حرج فيه إذا لم يتيسر مكان سواه بدون كلفة.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 8/454.(5/4724)
حكم رثاء الأموات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم رثاء الأموات وإقامة الحفلات والاجتماعات لذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الرثاء هو بكاء الميت بعد موته ومدحه، وكذلك إذا نظمت فيه الأشعار.
انظر: "لسان العرب" (14/309) .
ويراد به أيضاً التوجع من الوقوع في مكروه. ومنه حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَكِنْ الْبَائِسُ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ) يَرْثِي لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ مَاتَ بِمَكَّةَ. رواه البخاري (1296) . وقد ذكر الحافظ في "الفتح" أن قوله: (يَرْثِي لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ مَاتَ بِمَكَّةَ) هو من كلام الزهري.
انظر: "الفائق" (2/36) .
وللعلماء رحمهم الله في رثاء الأموات قولان في الجملة.
القول الأول: أنه لا بأس بالمراثي، وهذا مذهب الحنفية، والشافعية.
انظر: "حاشية ابن عابدين" (2/239) ، "نهاية المحتاج" (3/17) .
واستدل هؤلاء بأن الكثير من الصحابة رضي الله عنهم فعله، وكذلك فعله كثير من أهل العلم.
انظر: "شرح المنهاج للجمل" (2/215) .
القول الثاني: أنه تكره المراثي، وهو قول للشافعية.
انظر: "نهاية المحتاج" (3/17) .
واستدل هؤلاء بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن المراثي، فعن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المراثي. رواه الإمام أحمد (18659) ، وابن ماجه (1592) .
ومدار الحديث على إبراهيم الهجري الراوي عن عبد الله قال عنه البوصيري في مصباح الزجاجة: وهو ضعيف جداً، ضعفه سفيان بن عيينة ويحيى بن معين والنسائي وغيرهم. وقال عنه البخاري: منكر الحديث. ولهذا ضعفه الألباني في ضعيف ابن ماجه.
جاء في الموسوعة الفقهية (22/98) :
" جَاءَ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ مِنْ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِتَرْثِيَةِ الْمَيِّتِ بِشِعْرٍ أَوْ غَيْرِهِ , لَكِنْ يُكْرَهُ الْإِفْرَاطُ فِي مَدْحِهِ لَا سِيَّمَا عِنْدَ جِنَازَتِهِ. وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ تَرْثِيَةُ الْمَيِّتِ بِذِكْرِ آبَائِهِ , وَخَصَائِلِهِ , وَأَفْعَالِهِ , وَالْأَوْلَى الِاسْتِغْفَارُ لَهُ. وَذَكَرَ الْحَنَابِلَةُ أَنَّ مَا هَيَّجَ الْمُصِيبَةَ مِنْ وَعْظٍ أَوْ إنْشَادِ شِعْرٍ فَمِنْ النِّيَاحَةِ أَيْ: الْمَنْهِيِّ عَنْهَا. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ " انتهى.
وقد قسّم القرافي في "الفروق" (2/174) المراثي إلى أربعة أقسام، فقال:
" لَيْسَ الْأَمْرُ عَلَى إبَاحَةِ الْمَرَاثِي وَعَدَمِ تَفْسِيقِ الشُّعَرَاءِ الَّذِينَ يَرْثُونَ الْمَوْتَى مِنْ الْمُلُوكِ وَالْأَعْيَانِ مُطْلَقًا , وَإِنْ اُشْتُهِرَ ذَلِكَ بَيْنَ النَّاسِ بَلْ الْحَقُّ أَنَّ الْمَرَاثِي عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: حَرَامٌ كَبِيرَةٌ، وَحَرَامٌ صَغِيرَةٌ، وَمُبَاحٌ، وَمَنْدُوبٌ.
, أَمَّا ضَابِطُ مَا هُوَ حَرَامٌ كَبِيرَةٌ فَكُلُّ كَلَامٍ يُقَرِّرُ فِي النُّفُوسِ وَيُوضِحُ لِلْأَفْهَامِ نِسْبَةَ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إلَى الْجَوْرِ فِي قَضَائِهِ، وَالتَّبَرُّمِ بِقَدَرِهِ , وَأَنَّ الْوَاقِعَ مِنْ مَوْتِ هَذَا الْمَيِّتِ لَمْ يَكُنْ مَصْلَحَةً، بَلْ مَفْسَدَةً عَظِيمَةً، فَيَحْمِلُ السَّامِعِينَ عَلَى اعْتِقَادِ ذَلِكَ يَكُونُ حَرَامًا كَبِيرَةً نَظْمًا كَانَ أَوْ نَثْرًا.
كَأَنْ يَقُولَ الشَّاعِرُ فِي رِثَائِهِ:
مَاتَ مَنْ كَانَ بَعْضُ أَجْنَادِهِ الْمَوْتَ وَمَنْ كَانَ يَخْتَشِيهِ الْقَضَاءُ
فَيَتَضَمَّنُ شِعْرُهُ مِنْ التَّعْرِيضِ لِلْقَضَاءِ بِقَوْلِهِ: "مَنْ كَانَ بَعْضُ أَجْنَادِهِ الْمَوْتَ" تَعْظِيمًا لِشَأْنِ هَذَا الْمَيِّتِ , وَأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْمَيِّتِ مَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَخْلُوَ مِنْهُ مَنْصِبُ الْخِلَافَةِ , وَمَتَى تَأْتِي الْأَيَّامُ بِمِثْلِ هَذَا؟ وَنَحْوِ ذَلِكَ , وَيُشِيرُ قَوْلُهُ: "يَخْتَشِيهِ الْقَضَاءُ" إلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ يَخَافُ مِنْهُ , وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ كُفْرًا صَرِيحًا وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ لَفْظِهِ فَهُوَ قَرِيبٌ مِنْهُ , فَلِذَا لَمَّا حَضَرَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي الْمَحْفِلِ الَّذِي جَمَعَ فِيهِ الْمَلِكُ الصَّالِحُ الْأَكَابِرَ وَالْأَعْيَانَ وَالْقُرَّاءَ وَالشُّعَرَاءَ لِعَزَاءِ الْخَلِيفَةِ بِبَغْدَادَ , وَأَنْشَدَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ فِي مَرْثِيَّتِهِ: مَاتَ مَنْ كَانَ بَعْضُ أَجْنَادِهِ الْمَوْتَ وَسَمِعَهُ الشَّيْخُ أَمَرَ بِتَأْدِيبِهِ وَحَبْسِهِ وَأَغْلَظَ الْإِنْكَارَ عَلَيْهِ , وَبَالَغَ فِي تَقْبِيحِ رِثَائِهِ , وَأَقَامَ بَعْدَ التَّعْزِيرِ فِي الْحَبْسِ زَمَانًا طَوِيلًا , ثُمَّ اسْتَتَابَهُ بَعْدَ شَفَاعَةِ الْأُمَرَاءِ وَالرُّؤَسَاءِ فِيهِ , وَأَمَرهُ أَنْ يَنْظِمَ قَصِيدَةً يُثْنِي فِيهَا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ تَكُونُ مُكَفِّرَةً لِمَا تَضَمَّنَهُ شِعْرُهُ مِنْ التَّعَرُّضِ لِلْقَضَاءِ وَالْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ يَخَافُ مِنْ الْمَيِّتِ , وَالشُّعَرَاءُ كَثِيرًا مَا يَهْجُمُونَ عَلَى أُمُورٍ صَعْبَةٍ مِثْلِ ذَلِكَ رَغْبَةً فِي الْإِغْرَابِ وَالتَّمَدُّحِ بِأَنَّهُ طَرَقَ مَعْنًى لَمْ يُطْرَقْ قَبْلَهُ فَيَقَعُونَ فِي هَذَا وَمِثْلِهِ.
وَهَذَا الْقِسْمُ شَرُّ الْمَرَاثِي.
وَأَمَّا ضَابِطُ مَا هُوَ حَرَامٌ صَغِيرَةٌ فَكُلُّ كَلَامٍ نَظْمًا أَوْ نَثْرًا لَمْ يَصِلْ إلَى الْغَايَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ إلَّا أَنَّهُ يُبْعِدُ السَّلْوَةَ عَنْ أَهْلِ الْمَيِّتِ , وَيُهِيجُ الْأَسَفَ عَلَيْهِمْ حَتَّى يُؤَدِّيَ إلَى تَعْذِيبِ نُفُوسِهِمْ وَقِلَّةِ صَبْرِهِمْ وَضَجرِهِمْ , وَرُبَّمَا بَعَثَهُمْ عَلَى الْقُنُوطِ وَشَقِّ الْجُيُوبِ وَضَرْبِ الْخُدُودِ، يَكُونُ حَرَامًا صَغِيرَةً.
وَأَمَّا ضَابِطُ مَا هُوَ مُبَاحٌ مِنْ الْمَرَاثِي فَكُلُّ كَلَامٍ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ مِمَّا فِي الْقِسْمَيْنِ قَبْلَهُ بَلْ ذُكِرَ فِيهِ دِينُ الْمَيِّتِ , وَأَنَّهُ انْتَقَلَ إلَى جَزَاءِ أَعْمَالِهِ الْحَسَنَةِ وَمُجَاوَرَةِ أَهْلِ السَّعَادَةِ. وَأَنَّهُ أَتَى عَلَيْهِ مَا قَضَى عَلَى عَامَّةِ النَّاسِ , وَأَنَّ هَذَا سَبِيلٌ لَا بُدَّ مِنْهُ وَأَنَّهُ مَوْطِنٌ اشْتَرَكَ فِيهِ جَمِيعُ الْخَلَائِقِ وَبَابٌ لَا بُدَّ مِنْ دُخُولِهِ، يَكُونُ مُبَاحًا خَالِيًا عَنْ التَّحْرِيمِ.
وَأَمَّا ضَابِطُ الْمَنْدُوبِ مِنْ الْمَرَاثِي فَكُلُّ كَلَامٍ زَادَ عَلَى مَا فِي قِسْمِ الْمُبَاحِ مِنْ أَمْرِ أَهْلِ الْمَيِّتِ بِالصَّبْرِ وَحَثِّهِمْ عَلَى طَلَبِ الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ , وَأَنَّهُمْ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَحْتَسِبُوا مَيِّتَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَعْتَمِدُونَ فِي حُسْنِ الْخَلَفِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَنَحْوُ ذَلِكَ، يَكُونُ مَنْدُوبًا إلَيْهِ مَأْمُورًا بِهِ.
وَمِنْهُ مَا رُوِيَ أَنَّ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رضي الله عنه لَمَّا مَاتَ عَظُمَ مُصَابُهُ عَلَى ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ فقَدِمَ أَعْرَابِيٌّ مِنْ الْبَادِيَةِ، فَسَأَلَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، فَلَمَّا دخل عليه قال:
اصْبِرْ نَكُنْ بِك صَابِرِينَ فَإِنَّمَا صَبْرُ الرَّعِيَّةِ عِنْدَ صَبْرِ الرَّاسِ
خَيْرٌ مِنْ الْعَبَّاسِ أَجْرُك بَعْدَهُ وَاَللَّهُ خَيْرٌ مِنْك لِلْعَبَّاسِ
فَلَمَّا سَمِعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَبَّاسِ رِثَاءَهُ وَاسْتَوْعَبَ شِعْرَهُ سَرَّى عَنْهُ عَظِيمَ مَا كَانَ بِهِ.
وَهَذَا كَلَامٌ فِي غَايَةِ الْجَوْدَةِ مِنْ الرِّثَاءِ، مُسَهِّلٌ لِلْمُصِيبَةِ، مُذْهِبٌ لِلْحُزْنِ، مُحْسِنٌ لِتَصَرُّفِ الْقَضَاءِ، مُثْنٍ عَلَى الرَّبِّ بِإِحْسَانٍ وَجَمِيلِ الْعَوَارِفِ , فَهَذَا حَسَنٌ جَمِيلٌ.
وَعَلَى هَذِهِ الْقَوَانِينِ يَتَخَرَّجُ جَمِيعُ مَا يَرِدُ عَلَيْك مِنْ َالْمَرَاثِي وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ " انتهى باختصار.
وقال في تحفة الأحوذي:
" فَإِنْ قِيلَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمَرَاثِي كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ , فَإِذَا نَهَى عَنْهُ كَيْفَ يَفْعَلُهُ؟ - يعني في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه المتقدم -
فَالْجَوَابُ: أَنَّ الْمَرْثِيَةَ الْمَنْهِيَّ عَنْهَا مَا فِيهِ مَدْحُ الْمَيِّتِ وَذِكْرُ مَحَاسِنِهِ الْبَاعِثُ عَلَى تَهْيِيجِ الْحُزْنِ وَتَجْدِيدِ اللَّوْعَةِ أَوْ فِعْلِهَا مَعَ الِاجْتِمَاعِ لَهَا أَوْ عَلَى الْإِكْثَارِ مِنْهَا دُونَ مَا عَدَا ذَلِكَ , وَالْمُرَادُ هُنَا تَوَجُّعُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَتَحَزُّنُهُ عَلَى سَعْدٍ لِكَوْنِهِ مَاتَ بِمَكَّةَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ مِنْهَا، لَا مَدْحَ الْمَيِّتِ لِتَهْيِيجِ الْحُزْنِ، كَذَا ذَكَرَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ " انتهى.
وانظر: "فتح الباري" (3/164-165) .
وسئل الشيخ ابن باز: القصائد التي فيها رثاء للميت هل هي من النعي المحرم؟
فأجاب: " ليست القصائد التي فيها رثاء للميت من النعي المحرم، ولكن لا يجوز لأحد أن يغلو في أحد ويصفه بالكذب، كما هي عادة الكثير من الشعراء " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز".
وعلى هذا؛ فإقامة حفلات الرثاء، والاجتماع لذلك منهي عنه، لا سيما إذا اقترن بذلك تهييج الأحزان أو الاعتراض على القدر، أو الكذب بوصف الميت بما ليس فيه، ونحو ذلك من الأمور المحرمة.
أما مجرد ذكر محاسن الميت وإظهار التوجع والحزن عليه، فهذا لا بأس به إذا خلا من المحظورات المتقدمة ونحوها.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4725)
إذا أجرى الطبيب عملية الإجهاض هل تلزمه الدية والكفارة
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن نعيش في دوله أجنبية وعندنا جارتنا حملت وكانت تقريبا في الشهر الخامس والأطباء أخبروهم بأن الطفل مشوه وإذا عاش سوف يكون معاقا فعملوا لها عملية وأنزلوا الطفل ودفنوه في غابة غير المقابر، لأن هنا القبر غالي جداً فما حكم ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يجوز إسقاط الجنين الذي تم له أربعة أشهر ولو كان مشوها، وانظر جواب السؤال رقم (12118) .
ثانياً:
إذا أسقطت الحامل جنينها بشرب دواء أو نحوه، بعد أن تم له أربعة أشهر، ففيه الدية باتفاق العلماء، والكفارة عند بعضهم.
والدية هنا: غُرّة، عبد أو أمة، فإن لم توجد، فديته خمس من الإبل، لأن دية الجنين عشر دية أمه، ومعلوم أن دية الحرة المسلمة خمسون من الإبل، فتكون دية الجنين خمساً من الإبل.
وهذه الدية تلزم كل مَنْ باشر إسقاط الجنين، فيشترك فيها الطبيب والمرأة إذا أخذت دواء يساعد على الإسقاط، وتدفع الدية إلى ورثة الجنين؛ ولا يأخذ قاتله منها شيئاً.
ودليل ذلك ما رواه البخاري (6910) ومسلم (1681) عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: (اقْتَتَلَتْ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ، فَرَمَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِحَجَرٍ، فَقَتَلَتْهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا، فَاخْتَصَمُوا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَضَى أَنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا غُرَّةٌ: عَبْدٌ أَوْ وَلِيدَةٌ) .
وأما الكفارة، فقد ذهب إلى وجوبها الشافعية والحنابلة، واستحبها الحنفية والمالكية.
وكفارة القتل: عتق رقبة، فإن لم توجد فصيام شهرين متتابعين.
قال ابن قدامة رحمه الله: " وإذا شربت الحامل دواء , فألقت به جنينا , فعليها غرة , لا ترث منها شيئا , وتعتق رقبة، ليس في هذه الجملة اختلاف بين أهل العلم نعلمه , إلا ما كان من قول من لم يوجب عتق الرقبة , وذلك لأنها أسقطت الجنين بفعلها وجنايتها , فلزمها ضمانه بالغرة , كما لو جنى عليه غيرها , ولا ترث من الغرة شيئا ; لأن القاتل لا يرث المقتول , وتكون الغرة لسائر ورثته , وعليها عتق رقبة " انتهى من "المغني" (8/327) .
وقال أيضاً: " وإن اشترك جماعة في ضرب امرأة , فألقت جنيناً , فديته أو الغرة عليهم بالحصص (أي: تقسم عليهم) , وعلى كل واحد منهم كفارة , كما إذا قتل جماعة رجلا واحدا. وإن ألقت أجنة , فدياتهم عليهم بالحصص , وعلى كل واحد في كل جنين كفارة , فلو ضرب ثلاثة بطن امرأة , فألقت ثلاثة أجنة , فعليهم تسع كفارات , على كل واحد ثلاثة " انتهى من "المغني" (8/326) .
وقال: " الغرة قيمتها نصف عشر الدية , وهي خمس من الإبل. روي ذلك عن عمر وزيد رضي الله عنهما، وبه قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي " انتهى باختصار.
ثالثاً:
إذا اجتمع آمر بالإجهاض (كالأم) ومباشر له (كالطبيب) فلا شك أنهما شريكان في إثم هذه الجريمة، لكن اختلف العلماء على أيهما يكون الضمان (الدية والكفارة) ؟
والصواب أنه على المباشر، لأنه هو القاتل حقيقة، وهو مذهب الإمام أحمد رحمه الله. وانظر "مطالب أولى النهى" (6/50) .
وذهب بعض العلماء كالشافعية إلى أن الضمان على الأم. وانظر: "أسنى المطالب" (4/39) .
وقد اختار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله القول الأول ورجحه.
رابعاً:
ولا حرج من دفنه في الغابة إذا لم تستطيعوا شراء قبر له، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال: (98064)
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4726)
التذكير في مجلس العزاء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن يحضر للتعزية أحد العلماء ليحمل أهل الميت على الصبر ويذكرهم بفناء الدنيا ويبين لهم فوائد الصبر ويسليهم بحيث يكون مجلس التعزية روضة من رياض الجنة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" ليس هذا من السنة , أن يحضر واعظ في مجلس التعزية ليعظ أهل الميت ويسمعه الحاضرون , بل إن الاجتماع للتعزية مكروهٌ , كما صرح بذلك كثيرٌ من العلماء , بل أطلق بعضهم عليه أنه بدعة , لذلك نحث إخواننا المسلمين على أن لا يفعلوا ذلك , أي أن لا يجلسوا للتعزية يستقبلون الناس.
أولاً: لأن ذلك لم يكن من هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا من هدي أصحابه.
وثانياً: أن لسان حال هذا الجالس الذي فتح بابه للناس , كأنه يقول: يا أيها الناس , ائتوا إليّ فإني مصابٌ فعزوني , وهذا أمرٌ لا يليق بالعاقل , بل الإنسان المصاب ينبغي له أن يتصبر ويتحمل دون أن يقول للناس بلسان الحال أو لسان المقال تعالوا عزوني.
وثالثاً: أن هذه المجالس قد بالغ فيها بعض الناس حتى أصبحوا يجعلونها كأنها حفل زواج , تمر في بعض المناطق فترى البيت مضاءً بقناديل الكهرباء , مفتوح الباب , قد بسط بالرمل أو بالفرش وبالكراسي , والناس هذا داخلٌ وهذا خارج وكأنهم في محفل عرس , وهذا لا شك أنه ليس من السنة , بل إنه خلاف السنة قطعاً , بل إنه يجعل الناس يحسون بهذه الأمور إحساساً ظاهرياً بدنياً , يريدون أن يسلوا أنفسهم بهذه المظاهر فقط , لا برجاء الثواب وتحمل الصبر , لأن هذه عبارة عن سرورٍ ظاهري جسدي فقط , لكن إذا بقي البيت على ما هو عليه وبقي أهلهم على ما هم عليه وتصابروا فيما بينهم وحث بعضهم بعضاً على الصبر , كان هذا هو السنة , ولهذا لما جاء نعي جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اصنعوا لآل جعفر طعاماً , فقد أتاهم ما يشغلهم) ولم يقل: " واذهبوا إليهم , واجتمعوا إليهم , وكلوا معهم " إنما قال: (اصنعوا لآل جعفر طعاماً , فقد أتاهم ما يشغلهم) يعني عن صنع الطعام , لأن النفوس مهما بلغت لا بد أن تتكدر , ولا سيما إذا كان المصاب جللاً عظيماً , لكن كون الناس يجتمعون وتصنع الولائم وتبعث إليهم أو ربما يصنعونها هم , فإن الصحابة يعدون صنع الطعام واجتماع الناس إليه من النياحة.
ولهذا نقول لإخواننا: خففوا على أنفسكم , لا تكلفوها مثل هذه الأعمال التي لا تزيدكم إلا إيغالاً في البدعة التي لم تكن معروفة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا في عهد أصحابه , ونحن نقول هذا الكلام , ونقول لمن سمعه: إذا كان عندك شيء من سنة الرسول عليه الصلاة والسلام يؤيد هذا فأهده إلينا , وأنت مشكورٌ على ذلك , ونحن بحول الله سننقاد له , أما إذا لم يكن عندك شيء فلماذا تحدث أمراً لم يصنعه الرسول عليه الصلاة والسلام ولا أصحابه؟! ألم تسمع قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي , تمسكوا بها , وعضوا عليها بالنواجذ , وإياكم ومحدثات الأمور) ؟
إذاً، فنقول: لا تَدْعُ عالماً يحضر مجلس أهل الميت من أجل أن يلقي فيهم المواعظ , بل إذا رأينا أن بعض الناس قد بلغ به الحزن مبلغاً عظيماً , فإننا نأتي إليه بواحدٍ من العائلة أو أحد طلبة العلم المعروف عنده يأتي إليه ويتكلم معه كلاماً عادياً في المجلس ويقول: اتق الله , اصبر، احتسب , فإن لله ما أخذ , وله ما أبقى , وكل شيء عنده بأجلٍ مسمى , هذا أمرٌ مكتوب قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة , والمكتوب لا بد أن يقع , قال النبي عليه الصلاة والسلام: (واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك , وما أخطأك لم يكن ليصيبك) وتشددك في الحزن والبكاء لا يرفع من الأمر شيئاً , بل يزيد الأمر شدة , ألم تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه) فيأتي إنسان عادي بصفة عادية يتكلم مع هذا الذي بلغت به المصيبة مبلغاً عظيماً ويخفف عليه , وأما الاجتماع وجلب الوعاظ للوعظ وما أشبه ذلك فكل هذا من البدع " انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين "فتاوى نور على الدرب"(5/4727)
هل يجوز أن تشتري أرضًا كي تدفن فيها حين تموت؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن يشتري الإنسان مساحة أرض، حتى إذا مات يدفن فيها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحكم في ذلك تابع للمقصد الدافع لشراء الأرض وتخصيصها للدفن فيها:
فإن كانت إنما تريد تهيئة مدفن كريم لها، لما تراه من امتهان المقبرة التي في بلدتها، أو لما تراه من دفن جماعي في مكان واحد – كما يحصل في بعض الدول الإسلامية -، أو كانت تريد وقف الأرض للدفن فيها، لها ولغيرها من الناس، ونحو ذلك من الأعذار والمقاصد الشرعية، فحينئذ لا حرج عليها في شراء قطعة الأرض هذه، والوصية بالدفن فيها، فإن مقصدها معتبر شرعا، والقاعدة الفقهية تقول: (الأمور بمقاصدها) .
قال الإمام أحمد رحمه الله: " لا بأس أن يشتري الرجل موضع قبره، ويوصي أن يدفن فيه، فعل ذلك عثمان بن عفان، وعائشة، وعمر بن عبد العزيز، رضي الله عنهم ".
[المغني 3/443] ، وانظر: أحكام المقابر في الشريعة، د عبد الله السحيباني (23-28) .
فإن لم يكن لها أي مقصد من الأمور السابقة، وإنما أرادت أن تتميز بقبرها، وتختص بمكانها دون الناس، فهذا مقصد غير معتبر شرعا، وليس في الكتاب والسنة ما يدل على شرعية مثل هذا الفعل، بل جاء في مقاصد الشريعة وكلام أهل العلم ما يدل على كراهته، ومن ذلك:
1- أن الفقهاء نصوا على استحباب الدفن في المقابر العامة، كي يصيب الميت من دعاء زوارها من المؤمنين، وتأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم، حيث كان يدفن من مات من أصحابه في مقبرة البقيع.
جاء في الموسوعة الفقهية (21/9) :
" المقبرة أفضل مكان للدفن، وذلك للاتباع، ولنيل دعاء الطارقين، وفي أفضل مقبرة بالبلد أولى، ويكره الدفن في الدار ولو كان الميت صغيرا، وقال ابن عابدين: وكذلك الدفن في مدفن خاص كما يفعله من يبني مدرسة ونحوها، ويبني له بقربه مدفنا " انتهى.
انظر "رد المحتار" (2/235) ، "المجموع" (5/245) ، "مغني المحتاج" (2/52)
2- ثم إن الدفن في أرض يملكها المتوفى يضر الورثة، حيث سيمنعهم ذلك من التصرف فيها، وقد كان له في مقابر المسلمين كفاية.
جاء في كتاب "الفروع" لابن مفلح الحنبلي (2/278) :
" ولو وصى بدفنه في ملكه دُفِنَ مع المسلمين؛ لأنه يضر الورثة " انتهى.
3- كما أن الوصية بالدفن في أرض خاصة قد تكون ذريعة فيما يستقبل من الزمان إلى العبث بهذا القبر، فإن المقبرة العامة متميزة عند جميع الناس، لا يمكن أن يعتدي عليها أحد بالبناء عليها أو الحفر ونحو ذلك، فسيمنعه الناس كلهم من إيذاء أمواتهم، أما الأرض الخاصة فإنها عرضة للتعدي، وعرضة لأطماع الناس لأخذ الأرض ونبش القبر وغير ذلك.
4- الدفن في الأرض الخاصة قد يؤدي إلى تعظيم القبر وتقديسه، فيظن الناس له خصوصية عن دون القبور، أو أنه قبر أحد الأولياء ونحو ذلك، فيرتكبون عنده أنواع الشرك أو التبرك المحرم، وذلك بسبب التميز عن الناس بالمدفن.
5- وأخيرا يخشى أن يكون الباعث على الوصية بالمدفن الخاص هو الكبر والأنفة عن مساواة الناس في مدافنهم، كما يظهر في قبور بعض الملوك والأمراء، حيث يجعلون لأنفسهم مدافن خاصة، ومعلوم أن الكبر من أعظم الذنوب، والعادة أن الموت يكسر كل متكبر ومتجبر، فلا ينبغي للمسلم أن يتشبه بالمتكبرين وعاداتهم.
يتبين مما سبق أن شراء أرض والوصية بالدفن فيها لغير مقصد شرعي خلاف الأولى، وأن الأولى هو الدفن مع جماعة المسلمين، والتعرض لبركة دعاء الصالحين من المسلمين.
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "لقاء الباب المفتوح" (1/559) :
" لا يلزم تنفيذ الوصية إذا أوصى الميت أن لا يدفن إلا في مكان معين، بل يدفن مع المسلمين، إذ إن الأرض كلها سواء، وكان الصحابة رضي الله عنهم إذا مات منهم ميت في أي مكان دفنوه، فهذه الوصية لا يلزم تنفيذها، لأنه ليس فيها مقصود شرعي " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4728)
حكم السفر لأجل الصلاة على الميت
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم السفر لأجل الصلاة على الميت؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في ذلك.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز – رحمه الله – م/13 ص/138.(5/4729)
يجوز للمرأة رؤية زوجها بعد موته
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك عادة عند المسلمين الأحناف في الهند أن الزوجة لا يجوز لها أن ترى جثة زوجها الميت. ويدعون أن المرأة إذا مات زوجها فهي أرملة.
ولا يجوز لها أن تظهر أمام أي من الرجال المحارم الأحياء منهم والميتين وهم يعتبرون أنه من المحرم على المرأة أن تشاهد جثة زوجها.
هل هناك حديث صحيح يؤيد هذا الكلام؟ أرجو التوضيح.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا السؤال فيه مسألتان:
الأولى: رؤية المرأة جثة زوجها بعد وفاته.
والثانية: رؤيتها لمحارمها.
الأولى: يجوز للمرأة أن ترى جثَّة زوجها، ولا مانع من ذلك، بل إن الزوجة لها أن تغسِّل زوجها الميت.
روى الإمام مالك في الموطأ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ غَسَّلَتْ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ حِينَ تُوُفِّيَ ثُمَّ خَرَجَتْ فَسَأَلَتْ مَنْ حَضَرَهَا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ فَقَالَتْ إِنِّي صَائِمَةٌ وَإِنَّ هَذَا يَوْمٌ شَدِيدُ الْبَرْدِ فَهَلْ عَلَيَّ مِنْ غُسْلٍ فَقَالُوا لا) (الجنائز/466) ، قال صاحب المنتقى على شرح الموطَّأ في هذا الحديث: يدل على جواز غسل المرأة زوجها بعد وفاته، لأن هذا كان بحضرة جماعة من الصحابة ... لا سيما أن أبا بكر أوصى بذلك ولم يعلم له مخالف من الصحابة فثبت أنه إجماع.
وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لَوْ كُنْتُ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا غَسَّلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ نِسَائِهِ) رواه ابن ماجة (الجنائز/1453) ، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة برقم (1196) فرؤية المرأة لجثَّة زوجها جائز من باب أولى.
ويقيد الجواز بما إذا كانت المرأة في عدتها، فإذا انقضت عدتها كأن تكون حاملاً فتضع بعد موت زوجها مباشرة: فلا يحل لها أن تغسله ولا أن تنظر إليه.
وقد سألتُ (الشيخ المنجد) الشيخ ابن عثيمين رحمه الله - قبل وفاته - عن رجل مات فولدت امرأته بعد ساعات فهل تغسل زوجها؟
فأجاب: لا، إذا ولدت: انقطعت العلاقة بينها وبين زوجها فلا يجوز أن تغسله لأنها صارت الآن غير زوجة له.
" شريط مائة فائدة من العلامة الشيخ ابن عثيمين ".
وإنما نُهِيَ النساء عن النياحة على الميت، وقد جاء في الحديث عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: أَخَذَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الْبَيْعَةِ: (أَنْ لا نَنُوحَ فَمَا وَفَتْ مِنَّا امْرَأَةٌ غَيْرَ خَمْسِ نِسْوَةٍ أُمِّ سُلَيْمٍ وَأُمِّ الْعَلَاءِ وَابْنَةِ أَبِي سَبْرَةَ امْرَأَةِ مُعَاذٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ ابْنَةِ أَبِي سَبْرَةَ وَامْرَأَةِ مُعَاذٍ وَامْرَأَةٍ أُخْرَى) رواه البخاري (الجنائز / 1223) ، وعن أبي مَالِكٍ الأَشْعَرِيَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لا يَتْرُكُونَهُنَّ الْفَخْرُ فِي الأَحْسَابِ وَالطَّعْنُ فِي الأَنْسَابِ وَالاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ وَالنِّيَاحَةُ وَقَالَ النَّائِحَةُ إِذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ) رواه مسلم (الجنائز/1550)
الثانية:
يجوز لها رؤية محارمها ولا يجب عليها أن تحتجب عنهم.
ولا علاقة بين موت زوج المرأة والنظر إلى محارمها، لذا استُحب لمحارمها أن يعزوها، ويكون هذا برؤيتها ومصافحتها والكلام والجلوس معها، ولا يعرف بين العلماء من يخالف في هذا.
قال النووي رحمه الله: قال الشافعي والأصحاب: يستحب أن يعزِّي جميع أقارب الميت أهلَه الكبار والصغار، الرجال والنساء، إلا أنْ تكون المرأةُ شابَّةً فلا يُعزِّيها إلا محارمُها.
"المجموع " (5 / 277) .
وما ذكره السائل إنما هو من خرافات العوام وجهالاتهم.
سئل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله عن تغطية المرأة وجهها عن محارمها فقال:
لا يجوز ذلك (أي تغطية الوجه) لأنه ليس من الشرع، بل هو خرافات العوام وخزعبلاتهم.
انظر الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة ج/2 ص/709، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/4730)
إذا صلى على أكثر من جنازة فكيف يكون الأجر
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل صلى على خمس جنائز صلاة واحدة، فهل له بكل جنازة قيراط أم أن القيراط على عدد الصلوات؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نرجو له قراريط بعدد الجنائز، لقول النبي صلى الله عليه وسلم من صلى على جنازة فيه قيراط، ومن تبعها حتى تدفن فله قيراطان) رواه مسلم، وما جاء في معنى ذلك من الأحاديث، وكلها دالة على أن القراريط تتعدد بعدد الجنائز، فمن صلى على جنازة فله قيراط ومن تبعها حتى تدفن فله قيراط، ومن صلى عليها وتبعها حتى يفرغ من دفنها فله قيراطان، وهذا من فضل الله سبحانه وجوده وكرمه على عباده، فله الحمد والشكر لا إله غيره ولا رب سواه، والله ولي التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز – رحمه الله – م/13 ص/136.(5/4731)
تغسيل الرجل امرأة من محارمه غير زوجته
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للرجل أن يغسل من محارمه غير زوجته؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للرجل أن يغسل غير زوجته من الإناث، سواء كن محارم أم أجنبيات، إلا الطفلة الصغيرة التي ماتت دون سبع سنوات، فله أن يغسلها، وعلى هذا إن ماتت امرأة بين رجال فقط، ليس فيهم زوج لها ولا امرأة يممت بالنية عن الوضوء والغسل جميعاً، تغليباً لجانب المحافظة على عورتها، فإن الغالب على من يباشر تغسيل الميت ولو بصب الماء عليه أن يقع بصره على شيء من عورته، وأن يمسها ويقلبه، ليتمكن من تعميم الماء على جسده، فكان التيمم لمن ماتت وليس معها إلا رجال، أحفظ لعورتها، وأحوط لصيانتها، ويلحق بزوجته في جواز تغسيلها جاريته التي ملكها ملكاً شرعياً إذا توفيت وهو مباحة له، بأن لا تكن في عصمة زوج حين وفاتها أو في عدتها منه.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. (8/364)(5/4732)
إلى كم يؤخر دفن الميت انتظاراً لأقاربه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز تأخير دفن الميت ريثما يحضر بعض أقاربه من مدن أخرى لأنهم طلبوا ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز أن يؤخر إلا في حدود حاجة تجهيزه أو انتظار حضور أقاربه أو جيرانه إذا لم يطل ذلك عرفاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أسرعوا بالجنازة) ... الحديث أخرجه مالك وأحمد 2/240 والبخاري 2/88-87، ولا يجوز أن يقام له مأتم، سرادقات ونحوها، بما يسمى بمراسم العزاء، ويصلي على قبره من لم يحضر للصلاة عليه إذا كان في المدينة التي هو فيها، إلى حدود شهرين، فإن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبر أم سعد وقد مضى على دفنها شهر.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث ص 355.(5/4733)
غسل الميت بالصابون والشامبو
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم البدء بغسل الميت بالصابون والشامبو إذا كان به أوساخ متراكمة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي أرى أن تعملوا بما تضمنه حديث أم عطية، فتغسلوا الميت بالماء والسدر في جميع الغسلات، وتبدأوا بميامنه ومواضع الوضوء منه مع العناية بإزالة الأوساخ المتراكمة وغيرها في جميع الغسلات حتى ينقى، ولو زاد على سبع، للحديث المذكور. ولا حاجة إلى الصابون والشامبو وغيرهما، إلا إذا لم يكف السدر في إزالة الأوساخ فلا بأس باستعمال الصابون والشامبو والأشنان وغيرها من الأنواع المزيلة للأوساخ بدءاً من الغسلة الأولى، ويجعل في الغسلة الأخيرة شيء من الكافور، للحديث المذكور، هذا هو السنة فيما أعلم من الأحاديث الصحيحة، لحديث أم عطية وما جاء في معناه.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز – رحمه الله – م/13 ص/111.(5/4734)
فتح القبر ونشر الحبوب عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا توفي واحد عندنا في السودان بعد أربعين يوما تقوم الأسرة بزيارة القبر النساء والأولاد يفتحون القبر ومعهم حبوب ذرة ينشرونها على الميت ويرمون فيما أعتقد حجارة على الميت، وهل الحريم يزرن القبر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا بدعة لا أصل له في الشرع، فرمي الحبوب والطيب والملابس كله منكر لا أصل له، فالقبر لا يفتح إلا لحاجة كأن ينسى العمال أدواتهم كالمسحاة فيفتح لأجل ذلك أو يسقط لأحدهم شيء له أهمية فيفتح القبر لذلك، أما أن يفتح للحبوب أو ملابسه أو نحو ذلك فلا يجوز، وليس للنساء زيارة القبر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن زائرات القبور، وروي ذلك عن أبي هريرة وابن عباس وحسان بن ثابت رضي الله عنهم، فلا يجوز لهن زيارتها، لكنها مشروعة للرجال، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة) رواه مسلم في صحيحه.
والحكمة - والله أعلم - في نهي النساء عن ذلك هي أنهن فتنة وقليلات الصبر
[الْمَصْدَرُ]
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ ابن باز 6/372(5/4735)
الصلاة على المرأة التي لم تتزوج
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا ماتت امرأة عابدة، ولم تتزوج بعد وفاة زوجها الأول، فهل يصلي عليها المسلمون؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، إذا ماتت وهي معروفة بين المسلمين بالإسلام صلى عليها المسلمون صلاة الجنازة، ولا يكون عدم زواجها مانعاً من الصلاة عليها، لكن لا ينبغي لمن مات زوجها أن تمتنع من الزواج إذا جاءها من هو كفء للزواج بها إلا إذا كان لديها مانع غير التعبد يدعوها إلى ترك الزواج، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالنكاح ونهى عن التبتل وقال: (من رغب عن سنتي فليس مني) .
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.(5/4736)
أين تُدفن النصرانية الحامل من زوج مسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[أين تُدفن النصرانية الحامل من زوج مسلم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية:
عن امرأة نصرانية، بعلها مسلم توفيت وفي بطنها جنين له سبعة أشهر، فهل تدفن مع المسلمين؟ أو مع النصارى؟
الجواب: لا تدفن في مقابر المسلمين، ولا مقابر النصارى؛ لأنه اجتمع مسلمٌ وكافرٌ، فلا يدفن الكافر مع المسلمين، ولا المسلم مع الكافرين؛ بل تدفن منفردة، ويُجعل ظهرُها إلى القبلة؛ لأن وجه الطفل إلى ظهرها، فإذا دفنت كذلك كان وجه الصبي المسلم مستقبل القبلة، والطفل يكون مسلماً بإسلام أبيه، وإن كانت أمُّه كافرةً باتفاق العلماء.
[الْمَصْدَرُ]
" الفتاوى الكبرى " (3 / 24، 25) .(5/4737)
حكم الأخذ من شارب وإبط وأظفار وعانة الميت
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أخذ شارب وإبط وأظفار الميت وعانته؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يستحب قص شاربه وقلم أظفاره، وأما حلق العانة، ونتف الإبط فلا أعلم ما يدل على شرعيته، والأولى ترك ذلك، لأنه شيء خفي وليس بارزاً كالظفر والشارب.
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز – رحمه الله – م/13 ص/114
وسئل الشيخ رحمه الله أيضاً:
هل يتعرض للميت بقص شاربه أو أظفاره؟
فأجاب رحمه الله:
ليس على ذلك دليل ولو أخذ شيء من ذلك فلا بأس، ونص بعض العلماء على الأظافر والشارب، أما حلق العانة والختان فلا يشرع فعلهما في حق الميت لعدم الدليل على ذلك.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/4738)
حكم عيادة المريض الكافر وشهود جنازته
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يعودُ المسلمُ المريضَ الكافرَ ويتبع جنازته؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن قومٍ مسلمين مجاوري النصارى، فهل يجوز للمسلم إذا مرض النصراني أن يعوده؟ وإذا مات أن يتبع جنازته؟ وهل على من فعل ذلك من المسلمين وزرٌ، أم لا؟
فأجاب:
الحمد لله رب العالمين، لا يتبع جنازته، وأما عيادته فلا بأس بها؛ فإنه قد يكون في ذلك مصلحة لتأليفه على الإسلام، فإذا مات كافراً فقد وجبت له النار، ولهذا لا يصلى عليه، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
" الفتاوى الكبرى " (3 / 6) .(5/4739)
صلاة الجنازة فرض كفاية
[السُّؤَالُ]
ـ[فريضة صلاة الجنازة أهي محصورة في الرجال خاصة أم عامة لكل مسلم، رجالاً ونساء على السواء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صلاة الجنازة فرض كفاية إذا قام بها البعض سقطت عن الباقين، وإذا تركها الجميع وهم يعلمون أثموا، ولا خصوصية للرجال بذلك، بل الرجال والنساء في مشروعية الصلاة على الجنازة سواء، وإن كان الأصل في مباشرة ذلك للرجال، لكن ليس للمرأة أن تتبع الجنازة لما ثبت من قول أم عطية: (نهينا عن اتباع الجنائز، ولم يعزم علينا) رواه البخاري ومسلم، وفي رواية: (نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ... ) الحديث.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.(5/4740)
تغسيل الولد لأمه بعد وفاتها
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل بلغت والدته سن الكبر 80 عاماً تقريباً، وأصابها مرض باطني حتى بلغت عامين وهي مريضة، ثم توفيت، وغسلها، وقصده من تغسيلها مبرة لنفسه، وليس من حاجة إلى من يقوم بذلك، فماذا يجب عليه في ذلك جزاك الله خيراً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي جرى عليه العمل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين رضي الله عنهم: أن المرأة إذا ماتت غسلها النساء دون الرجال، إلا الزوجة، فلزوجها أن يغسلها وله أن يترك تغسيلها للنساء، وكذا الأمة بالنسبة لسيدها مادامت مباحة له، وإذا مات الرجل غسله الرجال دون النساء، إلا الزوج، فلزوجته أن تغسله، ولها أن تترك ذلك إلى الرجال، وعلى ذلك فتغسيلك والدتك مخالف شرعاً، لما عرف عن النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنهم، وإن كانت كبيرة السن، فعليك أن تستغفر الله وتتوب إليه، ولا تفعل مثل هذا بعد ذلك مع أي واحدة من محارمك، ولو مع حسن النية وقصد المبرة.
وبالله التوفيق وصل الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.(5/4741)
معاملة السقط
[السُّؤَالُ]
ـ[أفيدكم أن زوجتي قبل وفاتها أسقطت جنيناً له أربعة شهور، وقد أخذته ودفنته بدون صلاة عليه، فأرجوكم إفادتي إن كان علي شيء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
كان ينبغي أن يغسل ويكفن ويصلى عليه على الصحيح من أقوال العلماء مادام قد أتم أربعة أشهر، لعموم ما رواه أبو داود والترمذي عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (السقط يصلى عليه) ولكن قد فات المطلوب ولا شيء عليك.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.(5/4742)
من غسل ميتاً فليغتسل
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجب على من غسل ميتا أن يغير ثيابه أو يغتسل قبل تأديته لصلاة الجنازة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الصحيح من أقوال أهل العلم أن الغسل من تغسيل الميت مستحب وليس بواجب.
وهو قول ابن عباس وابن عمر وعائشة والحسن البصري وإبراهيم النخعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور وابن المنذر وأصحاب الرأي، ورجحه ابن قدامة.
انظر: " سنن الترمذي " (3 / 318) و" المغني " (1 / 134) .
قال الشيخ الألباني رحمه الله:
ويستحب لمن أهل غسله – أي: غسل ميتاً – أن يغتسل، لقوله صلى الله عليه وسلم " من غسَّل ميتاً فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ ". أخرجه أبو داود (2 / 62 – 63) والترمذي (2 / 132) ... وبعض طرقه حسن، وبعضه صحيح على شرط مسلم ... وقد ساق له ابن القيم في " تهذيب السنن " إحدى عشر طريقاً عنه، ثم قال: " وهذه الطرق تدلُّ على أن الحديث محفوظ ".
قلت: وقد صححه ابن القطان، وكذا ابن حزم في " المحلى " (1 / 250) و (2 / 23– 25) ، والحافظ في " التلخيص " (2 / 134 – منيرية) وقال: " أسوأ أحواله أن يكون حسناً ".
وظاهر الأمر يفيد الوجوب، وإنما لم نقل به لحديثين موقوفين – لهما حكم الرفع -:
الأول:
عن ابن عباس: " ليس عليكم في غسل ميتكم غُسل إذا غسلتموه، فإنَّ ميتكم ليس بنجس، فحسبكم أن تغسلوا أيديكم ".
أخرجه الحاكم (1 / 386) والبيهقي (3 / 398) ....
ثم ترجح عندي أن الصواب في الحديث الوقف، كما حققته في " الضعيفة " (6304) .
الثاني:
قول ابن عمر رضي الله عنه: " كنا نغسل الميت، فمنَّا من يغتسل ومنَّا من لا يغتسل ".
أخرجه الدارقطني (191) والخطيب في " تاريخه " (5 / 424) بإسناد صحيح كما قال الحافظ، وأشار إلى ذلك الإمام أحمد، فقد روى الخطيب عنه أنه حضَّ ابنه على كتابة هذا الحديث. أ. هـ " أحكام الجنائز " (71، 72) .
وهو ما رجحته اللجنة الدائمة (1 / 318) ، والشيخ ابن عثيمين في " الشرح الممتع " (1 / 295) .
وأما غسل الثياب: فلا أصل له في السنة لا وجوباً ولا استحباباً.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4743)
هل يجب حضور وفاة المحتضر وماذا يفعل من حضر
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت مع والدي في المستشفى طوال الوقت أثناء مرض موته. لكني لم أتمكن من البقاء معه عندما حضرته الوفاة. وغادرت غرفته ولم أعد أليها. أنا لم أتمكن من رؤيته، لماذا؟ ربما لأني كنت خائفة. أنا الآن، وبعد مرور عامين على ذلك، أشعر بالذنب، وشعوري يتفاقم يوما بعد يوم. وقد قلت لنفسي إني لم أكن ابنة صالحة. فأرجو أن تخبرني كيف يكون تصرف المسلمة الصحيح إذا حضرت الوفاة (أحد) والديها وبعد ذلك. ولك الشكر..]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا حضرت الوفاة أحد الوالدين أو أحد الأقارب أو غيرهم فيسنّ لمن حضر أن يلقنه الشهادة، فإذا مات وخرجت روحه يغمض عينيه لأن الروح إذا خرجت تبعها البصر ولا يجوز حينئذ الجزع والنياحة ونحوها
وإذا كان الشخص بحيث لا يستطيع البقاء عند المحتضر لخوفه وعدم اعتياده حضور مثل هذه المشاهد فلا شيء عليه، لكن ينبغي أن يوطّن الإنسان نفسه على ذلك لأنه مما يعين على حياة القلوب، وقد يتعين على الشخص ذلك إذا لم يوجد غيره فيأثم بتركه.
الشيخ عبد الكريم الخضير
فإذا لم يوجد لتغميض المسلم الميت وتغطيته ثم تغسيله وتكفينه إلا شخص مسلم واحد فعليه وجوباً أن يبقى مع أخيه الميت ليقوم بالواجب نحوه وإذا وُجد من المسلمين من يقوم بذلك سقط الوجوب عن المسلمين الآخرين.
ويُشرع لمن كان موجوداً عند مسلم يحتضر أن يقرأ عليه سورة يس لأنها تسهّل خروج الروح، وتثبت المحتضر كما ثبت الإرشاد بقراءتها من بعض الصحابة.
وبعد موته وخروج روحه لا يُشرع قراءة القرآن عليه بل المشروع الدعاء له بالمغفرة والرحمة والتثبيت عند السؤال في القبر.
والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/4744)
تعزية النصارى
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز تقديم التعزية للنصارى وكيف يكون في حالة الإيجاب؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم يجوز تعزيتهم عند الوفاة، وعيادتهم عند المرض، ومواساتهم عند المصيبة. فعن أنس -رضي الله عنه- قال: (كان غلام يهودي يخدم النبي -صلى الله عليه وسلم- فمرض، فأتاه النبي -صلى الله عليه وسلم- يعوده، فقعد عند رأسه، فقال له: (أسلم) ، فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال له: أطع أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم- فأسلم، فخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يقول: (الحمد لله الذي أنقذه من النار) . أخرجه البخاري (1356) .
وعنه - رضي الله عنه - أن يهودياً دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى خبز شعير، وإهالة سنخة فأجابه. أخرجه أحمد (13201) بسند صحيح.
وينبّه على أن المسلم إذا فعل ذلك فعليه أن ينوي بذلك دعوتهم، وتأليف قلوبهم على الإسلام، ويدعوهم بالطريقة المناسبة في الوقت المناسب.
كما ينبّه أيضاً على أنه في حالة التعزية لا يدعى لميّتهم بالمغفرة وبالرحمة أو الجنة، لقوله تعالى: ((ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أُولي قربى)) وإنما يدعى لهم بما يناسب حالهم بحثهم على الصبر، ومواساتهم، وتذكيرهم بأن هذه سنّة الله في خلقه. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ/د. عبد الوهاب الطريري.(5/4745)
هل يجوز وضع علامة على القبر لمعرفة صاحبه
[السُّؤَالُ]
ـ[العادة عندنا أن القبر يوضع فيه حجر أو الإسمنت أو وتد من قصب في جهة رأس الميت وفي رجله وأحيانا في رأسه فقط , فما حكم الإسلام في ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
حرَّم الشرع البناء على القبور، وأمر بهدم ما بني عليها، وأجاز وضع علامة على قبر الميت يتعرف من خلالها أهله وأصحابه عليه، ولا ينبغي أن تكون هذه العلامة بناءً أو شيئاً آخر منع منه الشارع.
1. أما تحريم البناء على القبور فدليله:
عن جابر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُجَصَّصَ القبر وأن يُقعد عليه وأن يُبنى عليه.
رواه مسلم (970) .
التجصيص: الطلاء بالجص وهو الكِلس.
قال الشوكاني:
قوله " وأن يُبنى عليه ": فيه دليل على تحريم البناء على القبر.
وفصَّل الشافعي وأصحابه فقالوا: إن كان البناء في ملك الباني فمكروه، وإن كان في مقبرة مسبلة فحرام. ولا دليل على هذا التفصيل.
وقد قال الشافعي: رأيتُ الأئمة بمكة يأمرون بهدم ما يبنى.
ويدل على الهدم حديث علي المتقدم.
" نيل الأوطار " (4 / 132) ، وقول الشافعي في " الأم " (1 / 277) .
وحديث علي رضي الله عنه المشار إليه: هو الآتي في الفقرة التالية.
وأما الأمر بهدم ما بني على القبور، فقد ثبت ذلك في السنة.
عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم " أن لا تدع تمثالا إلا طمستَه ولا قبراً مشرفاً إلا سوَّيتَه.
رواه مسلم (969) .
قال الشوكاني:
قوله " ولا قبراً مشرفاً إلا سويتَه " فيه: أن السنة أن القبر لا يُرفع رفعاً كثيراً مِن غير فرقٍ بين مَن كان فاضلا ومَن كان غير فاضل.
والظاهر: أن رفع القبور زيادة على القدر المأذون فيه محرم، وقد صرح بذلك أصحاب أحمد وجماعة من أصحاب الشافعي ومالك.
والقول بأنه غير محظور لوقوعه من السلف والخلف بلا نكير كما قال الإمام يحيى والمهدي في " الغيث " لا يصح لأن غاية ما فيه أنهم سكتوا عن ذلك والسكوت لا يكون دليلا إذا كان في الأمور الظنية وتحريم رفع القبور ظني.
ومِن رفع القبور الداخل تحت الحديث دخولاً أوليّاً: القُبب والمشاهد المعمورة على القبور وأيضا هو من اتخاذ القبور مساجد وقد لعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاعل ذلك.
" نيل الأوطار " (4 / 130) .
وأما جواز تعليم القبر بشيء مباح، فقد جاء في السنة ما يبين ذلك.
عن كثير بن زيد المدني عن المطلب قال: لما مات عثمان بن مظعون أخرج بجنازته فدُفن؛ أَمَر النبي صلى الله عليه وسلم رجلا أن يأتيه بحجَرٍ فلم يستطع حملَه، فقام إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وحسر عن ذراعيه – قال كثير: قال المطلب: قال الذي يخبرني ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: - كأني أنظر إلى بياض ذراعي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حسر عنهما ثم حملها فوضعها عند رأسه، وقال: أَتَعَلَّمُ بها قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي.
رواه أبو داود (3206) .
والحديث: حسَّن إسنادَه الحافظ ابن حجر في " التلخيص الحبير " (2 / 133) .
قال ابن قدامة:
ولا بأس بتعليم القبر بحجر أو خشبة، قال أحمد: لا بأس أن يعلِّم الرجل القبرَ علامةً يعرفه بها، وقد علَّم النبي صلى الله عليه وسلم قبرَ عثمان بن مظعون.
" المغني " (2 / 191) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4746)
صلاة الجنازة على الطفل
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يغسل الطفل ويصلى عليه مع العلم أن عمر الطفل 8 سنوات؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الطفل يُغسل ويُصلى عليه عند عامة العلماء، قال ابن قدامة رحمه الله: بغير خلاف. ونقل ابن المنذر إجماع العلماء على أنه يُصَلَّى عليه. انظر: المغني (3/458) .
وإذا صُلِّي على الطفل فإنه لا يُدعَى له بالمغفرة، فلا يقال في الدعاء: اللهم اغفر له. وذلك لأنه لم يكتب عليه ذنب. بل يدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة. وذلك لما رواه أبو داود (3180) والترمذي (1031) عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (والطِّفْل يُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْعَى لِوَالِدَيْهِ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ) صححه الألباني في أحكام الجنائز ص: 73. يراجع سؤال رقم: 13985.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/4747)
تغسيل الزوجة لزوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يحل للمرأة أن ترى زوجها إذا مات أو يحرم عليها رؤيته، وهل لها أن تغسله إذا لم يوجد من يغسله؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
يجوز للمرأة أن ترى زوجها إذا مات، وأن تغسله على الصحيح من أقوال العلماء في حكم تغسيل كل من الزوجين الآخر بعد الموت، ولو وجد من يغسله سواهما، لقول عائشة رضي الله عنها: (لو استقبلنا من أمرنا ما استدبرنا ما غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نساؤه) رواه أبو داود، ولأن أبا بكر الصديق رضي الله عنه أوصى أن تغسله امرأته أسماء بنت عميس ففعلت، ولأن أبا موسى غسلته امرأته أم عبد الله، ويجوز أيضاً أن يغسل الرجل زوجته إذا ماتت على الصحيح عند أهل العلم، لما رواه ابن المنذر من أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه غسل فاطمة رضي الله عنها بعد وفاتها، واشتهر ذلك بين الصحابة رضي الله عنهم فلم ينكروا عليه، فكان ذلك إجماعاً.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.(5/4748)
لا يشرع وضع جريدة أو زهور على القبر
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت حديثاً فيه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وضع جريدة على قبر، فهل من السنة لمن زار القبور أن يفعل ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث الذي أشار إليه السائل رواه البخاري (218) ومسلم (292) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَبْرَيْنِ فَقَالَ: إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لا يَسْتَتِرُ مِنْ الْبَوْلِ، وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ، ثُمَّ أَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً فَشَقَّهَا نِصْفَيْنِ فَغَرَزَ فِي كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِمَ فَعَلْتَ هَذَا؟ قَالَ: لَعَلَّهُ يُخَفِّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا.
وقد علل بعض العلماء تخيف العذاب عنهما بأن الجريدة الرطبة تسبح الله تعالى فيكون ذلك سببا لتخفيف العذاب. وهذا فيه نظر.
قال النووي رحمه الله:
وَهَذَا مَذْهَب كَثِيرِينَ أَوْ الأَكْثَرِينَ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ فِي قَوْله تَعَالَى: (وَإِنْ مِنْ شَيْء إِلا يُسَبِّح بِحَمْدِهِ) الإسراء/44.
قَالُوا: مَعْنَاهُ وَإِنْ مِنْ شَيْء حَيّ , ثُمَّ قَالُوا: حَيَاة كُلّ شَيْء بِحَسَبِهِ فَحَيَاة الْخَشَب مَا لَمْ يَيْبَس , وَالْحَجَر مَا لَمْ يُقْطَع. وَذَهَبَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ وَغَيْرهمْ إِلَى أَنَّهُ عَلَى عُمُومه اهـ.
أي أن التسبيح ليس خاصاً بالرطب دون اليابس فكل شيء من رطب ويابس يسبح بحمد لله تعالى.
وَقَدْ اِسْتَنْكَرَ الْخَطَّابِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ وَضْعَ النَّاس الْجَرِيد وَنَحْوه فِي الْقَبْر عَمَلا بِهَذَا الْحَدِيث وَقَال عن هذا الحديث: هُوَ مَحْمُول عَلَى أَنَّهُ دَعَا لَهُمَا بِالتَّخْفِيفِ مُدَّة بَقَاء النَّدَاوَة , لا أَنَّ فِي الْجَرِيدَة مَعْنًى يَخُصّهُ , وَلا أَنَّ فِي الرَّطْب مَعْنًى لَيْسَ فِي الْيَابِس اهـ.
وعلى هذا، يكون ذلك خاصاًّ بالرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلا يستحب لأحد أن يضع جريدة ولا غيرها على القبر.
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة:
" إن وضع النبي صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلََّم الجريدة على القبرين ورجاءه تخفيف العذاب عمن وضعت على قبريهما واقعة عين لا عموم لها في شخصين أطلعه الله على تعذيبهما، وأن ذلك خاص برسول الله صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلََّم، وأنه لم يكن منه سنة مطردة في قبور المسلمين وإنما كان مرتين أو ثلاثاً على تقدير تعدد الواقعة لا أكثر، ولم يعرف فعل ذلك على أحد من الصحابة، وهم أحرص المسلمين على الاقتداء به صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلََّم، وأحرصهم على نفع المسلمين، إلا ما روي عن بريدة الأسلمي: أنه أوصى أن يجعل في قبره جريدتان، ولا نعلم أن أحداً من الصحابة رضي الله عنهم وافق بريدة على ذلك " اهـ.
وقال الشيخ ابن باز:
" لا يشرع ذلك بل هو بدعة؛ لأن الرسل صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما وضع الجريدة على قبرين أطلعه الله سبحانه على عذاب أصحابهما ولم يضعها على بقية القبور، فعلم بذلك عدم جواز وضعها على القبور؛ لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ) .
وفي لفظ لمسلم: (مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) .
وهكذا لا تجوز الكتابة على القبور ولا وضع الزهور عليها للحديثين المذكورين؛ وأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن تجصيص القبور والبناء عليها والقعود عليها والكتابة عليها " اهـ.
مجلة البحوث الإسلامية (68/50) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4749)
الطريق إلى حسن الخاتمة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك علامات تدل على حسن الخاتمة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: حسن الخاتمة …
حسن الخاتمة هو: أن يُوفق العبد قبل موته للابتعاد عما يغضب الرب سبحانه، والتوبة من الذنوب والمعاصي، والإقبال على الطاعات وأعمال الخير، ثم يكون موته بعد ذلك على هذه الحال الحسنة، ومما يدل على هذا المعنى ما صح عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أراد الله بعبده خيراً استعمله) قالوا: كيف يستعمله؟ قال: (يوفقه لعمل صالح قبل موته) رواه الإمام أحمد (11625) والترمذي (2142) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة 1334.
وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِعَبْدٍ خَيْرًا عَسَلَهُ قِيلَ وَمَا عَسَلُهُ قَالَ يَفْتَحُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ عَمَلًا صَالِحًا قَبْلَ مَوْتِهِ ثُمَّ يَقْبِضُهُ عَلَيْهِ " رواه أحمد 17330 وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة 1114.
ولحسن الخاتمة علامات، منها ما يعرفه العبد المحتضر عند احتضاره، ومنها ما يظهر للناس.
ثانياً:
أما العلامة التي يظهر بها للعبد حسن خاتمته فهي ما يبشر به عند موته من رضا الله تعالى واستحقاق كرامته تفضلا منه تعالى، كما قال جل وعلا: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون} فصلت / 30، وهذه البشارة تكون للمؤمنين عند احتضارهم. انظر تفسير ابن سعدي 1256
ومما يدل على هذا أيضا ما رواه البخاري (6507) ومسلم (2683) عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه " فقلت: يا نبي الله! أكراهية الموت، فكلنا نكره الموت؟ فقال: " ليس كذلك، ولكن المؤمن إذا بشر برحمة الله ورضوانه وجنته أحب لقاء الله، وإن الكافر إذا بشر بعذاب الله وسخطه كره لقاء الله وكره الله لقاءه "
وقال النووي رحمه الله: (معنى الحديث أن المحبة والكراهية التي تعتبر شرعا هي التي تقع عند النزع في الحالة التي لا تقبل فيها التوبة، حيث ينكشف الحال للمحتضر، ويظهر له ما هو صائر إليه)
أما عن علامات حسن الخاتمة فهي كثيرة، وقد تتبعها العلماء رحمهم الله باستقراء النصوص الواردة في ذلك فمن هذه العلامات:
1- النطق بالشهادة عند الموت، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة) رواه أبو داوود 3116، وصححه الألباني في صحيح أبي داوود 2673.
2- الموت برشح الجبين، أي: أن يكون على جبينه عرق عند الموت، لما رواه بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " موت المؤمن بعرق الجبين " رواه أحمد (22513) والترمذي (980) والنسائي (1828) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
3- الموت ليلة الجمعة أو نهارها لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر) رواه أحمد (6546) والترمذي (1074) قال الألباني: الحديث بمجموع طرقه حسن أو صحيح.
4- الموت غازياً في سبيل الله؛ لقول الله تعالى: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون. فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون. يستبشرون بنعمةٍ من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين} . وقال صلى الله عليه وسلم: " من قتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد " رواه مسلم 1915.
5- الموت بالطاعون لقوله صلى الله عليه وسلم: " الطاعون شهادة كل مسلم " رواه البخاري (2830) ومسلم (1916) وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الطَّاعُونِ فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ عَذَابٌ يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَأَنَّ اللَّهَ جَعَلَهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لا يُصِيبُهُ إِلا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ إِلا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ شَهِيدٍ " رواه البخاري 3474.
6- الموت بداء البطن، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " ... ومن مات في البطن فهو شهيد " رواه مسلم 1915
7- الموت بسبب الهدم والغرق، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغرق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله) أخرجه البخاري 2829 ومسلم 1915.
8- موت المرأة في نفاسها بسبب ولدها أو وهي حامل به، ومن أدلة ذلك ما رواه أبو داود (3111) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والمرأة تموت بجُمع شهيد) قال الخطابي: معناه أن تموت وفي بطنها ولد اهـ عون المعبود
وروى الإمام أحمد (17341) عن عبادة بن الصامت أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخبر عن الشداء، فذكر منهم: " والمرأة يقتلها ولدها جمعاء شهادة (يجرها ولدها بسُرَرِه إلى الجنة) " صححه الألباني في كتاب الجنائز ص 39
السرة: ما يبقى بعد القطع مما تقطعه القابلة، والسرر ما تقطعه.
9- الموت بالحرق وذات الجنب والسل، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " القتل في سبيل الله شهادة، والطاعون شهادة، والغرق شهادة، والبطن شهادة والنفساء يجرها ولدها بسرره إلى الجنة " (قال وزاد أبو العوام سادن بيت المقدس والحرق والسل) قال الألباني: حسن صحيح، صحيح الترغيب والترهيب (1396) .
10- الموت دفاعاً عن الدين أو المال أو النفس لقول النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قتل دون ما له فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد) رواه الترمذي 1421.
وروى البخاري (2480) ومسلم (141) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ ".
11- الموت رباطاً في سبيل الله، لما رواه مسلم (1913) عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأجري عليه رزقه، وأُمن الفتان ".
12- ومن علامات حسن الخاتمة الموت على عمل صالح، لقوله صلى الله عليه وسلم: (من قال لا إله إلا الله ابتغاء وجه الله ختم له بها دخل الجنة، ومن تصدق بصدقة ختم له بها دخل الجنة) رواه الإمام أحمد (22813) وصححه الألباني في كتاب الجنائز ص43. انظر كتاب الجنائز (ص34) للألباني رحمه الله.
وهذه العلامات هي من البشائر الحسنة التي تدل على حسن الخاتمة، ولكننا مع ذلك لا نجزم لشخص ما بعينه أنه من أهل الجنة إلا من شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة كالخلفاء الأربعة..
نسأل الله تعالى أن يرزقنا حسن الخاتمة.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4750)
هل يجوز عمل وليمة طعام بعد انتهاء عدة وفاة الزوج؟
[السُّؤَالُ]
ـ[توفي قريب وبعد انتهاء عدة زوجته مباشرةً (اليوم التالي لانتهاء العدة) قام أبناؤها بدعوة جميع أقارب زوجة المتوفى لوليمة عشاء، فما الحكم الشرعي لما قام به أبناؤها؟ وما الحكم فيمن حضر هذه الوليمة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
انتهاء عدة المرأة ليس من المناسبات السعيدة التي يستحب فيها دعوة الناس إلى الطعام كوليمة النكاح والعقيقة، بل هذا يشبه ما يفعله كثير من الناس من تجديد مجالس العزاء بعد أربعين يوماً من الوفاة، أو ما يسمونه بـ "الذكرى السنوية".
وقد توفي في زمان النبي صلى الله عليه وسلم أزواج كثيرون، ومكثت نساؤهم فترة العدة، ولم ينقل – على حد علمنا – أنه صَنع أهل الزوج أو أبناء الزوجة طعاماً ودعوا إليه أقارب الزوجة بعد انتهاء عدتها.
وعلى هذا؛ فلا يجوز صنع "وليمة" ودعوة الناس إليها بسبب انقضاء عدة المرأة المتوفى عنها زوجها.
وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: ما حكم العادات في العزاء، من الولائم، وقراءة القرآن، والأربعينيات، والسنوات، وما شاكل ذلك؟
فأجاب:
"هذه العادات لا أصل لها في الشرع المطهر، ولا أساس لها، بل هي من البدع، ومن أمر الجاهلية، فإقامة وليمة إذا مات الميت يدعو إليها الجيران والأقارب وغيرهم لأجل العزاء بدعة لا تجوز، وهكذا إقامة هذه الأمور كل أسبوع أو على رأس السنة كلها من البدع الجاهلية، وإنما المشروع لأهل الميت الصبر والاحتساب، والقول كما قال الصابرون: "إنا لله وإنا إليه راجعون"، وقد وعدهم الله خيرا كثيرا فقال سبحانه: (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) ولا حرج عليهم أن يصنعوا لأنفسهم الطعام العادي لأكلهم وحاجاتهم، وهكذا إذا نزل بهم ضيف لا حرج عليهم أن يصنعوا له طعاما يناسبه لعموم الأدلة في ذلك، ويشرع لأقاربهم وجيرانهم أن يصنعوا لهم طعاماً، يرسلونه إليهم، لأنه قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لما أتى نعي جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه حين قتل في مؤتة في الشام أنه قال لأهله: (اصنعوا لآل جعفر طعاما، فقد أتاهم ما يشغلهم) فدل ذلك على مشروعية إرسال الطعام إلى أهل الميت من أقاربهم أو غيرهم أيام المصيبة" انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (9 / 318) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4751)
قراءة سورة يس على المحتضَر
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في جواب السؤال (21870) أنه يُشرع لمن كان موجوداً عند مسلم يحتضر أن يقرأ عليه سورة يس لأنها تسهّل خروج الروح. فهل هناك دليل على هذا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ذهب جمهور العلماء (منهم الحنفية والشافعية والحنابلة) إلى استحباب قراءة سورة يس عند المحتضر , واستدلوا على ذلك ببعض الأدلة , ولكنها لا تخلو من ضعف:
روى أحمد (19789) وأبو داود (3121) عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اقْرَءُوا يس عَلَى مَوْتَاكُمْ) .
والحديث ضعيف، ضعفه النووي في "الأذكار"، وقال ابن حجر في " التلخيص" (2/104) : " أعله ابن القطان بالاضطراب وبالوقف وبجهالة حال روايه أبي عثمان وأبيه. ونقل ابن العربي عن الدارقطني أنه حديث ضعيف الإسناد مجهول المتن، ولا يصح في الباب حديث " انتهى.
وضعفه الألباني في "إرواء الغليل" (688) .
وروى أحمد (4/105) (16521) عن صَفْوَان قال: حَدَّثَنِي الْمَشْيَخَةُ أَنَّهُمْ حَضَرُوا غُضَيْفَ بْنَ الْحَارِثِ الثُّمَالِيَّ (صحابي) حِينَ اشْتَدَّ سَوْقُهُ، فَقَالَ: هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ يَقْرَأُ يس؟ قَالَ: فَقَرَأَهَا صَالِحُ بْنُ شُرَيْحٍ السَّكُونِيُّ، فَلَمَّا بَلَغَ أَرْبَعِينَ مِنْهَا قُبِضَ. قَالَ: فَكَانَ الْمَشْيَخَةُ يَقُولُونَ: إِذَا قُرِئَتْ عِنْدَ الْمَيِّتِ خُفِّفَ عَنْهُ بِهَا. قَالَ صَفْوَانُ: وَقَرَأَهَا عِيسَى بْنُ الْمُعْتَمِرِ عِنْدَ ابْنِ مَعْبَدٍ.
قال الحافظ في "الإصابة" (5/324) : إسناده حسن.
وانظر: "المجموع" (5/105) ، "شرح منتهى الإرادات" (1/341) ، "حاشية ابن عابدين" (2/191) .
وقد اختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
ففي "الاختيارات" (ص 91) :
" والقراءة على الميت بعد موته بدعة، بخلاف القراءة على المحتضر، فإنها تستحب بياسين " انتهى.
قالوا: والسبب في استحباب قراءتها:
أن هذه السورة مشتملة على التوحيد والمعاد , والبشرى بالجنة لمن مات على التوحيد , بقوله: (يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي) فتستبشر الروح بذلك , فيسهل خروجها.
انظر: "مطالب أولي النهى" (1/837) .
وذهب الإمام مالك رحمه الله إلى كراهة قراءة سورة يس أو غيرها عند المحتضر، لضعف الحديث الوارد في ذلك، ولأنه ليس من عمل الناس.
انظر: الفواكه الدواني" (1/284) ، "شرح مختصر خليل" (2/137) .
قال الشيخ الألباني في "أحكام الجنائز":
" وأما قراءة سورة يس عنده (يعني عند المحتضر) ، وتوجيهه نحو القبلة، فلم يصح فيه حديث " انتهى.
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز: هل قراءة سورة (يس) عند الاحتضار جائزة؟
فأجاب:
" قراءة سورة (يس) عند الاحتضار جاءت في حديث معقل بن يسار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اقرأوا على موتاكم يس) صححه جماعة وظنوا أن إسناده جيد، وأنه من رواية أبي عثمان النهدي عن معقل بن يسار، وضعفه آخرون، وقالوا: إن الراوي له ليس هو أبا عثمان النهدي ولكنه شخص آخر مجهول. فالحديث المعروف فيه أنه ضعيف لجهالة أبي عثمان، فلا يستحب قراءتها على الموتى. والذي استحبها ظن أن الحديث صحيح فاستحبها، لكن قراءة القرآن عند المريض أمر طيب، ولعل الله ينفعه بذلك، أما تخصيص سورة (يس) فالأصل أن الحديث ضعيف فتخصيصها ليس له وجه " انتهى.
"فتاوى ابن باز" (13/93) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل قراءة سورة (يس) عند المحتضر ثابتة في السنة أم لا؟
فأجاب:
" قراءة (يس) عند المحتضر سنة عند كثير من العلماء , لقوله صلى الله عليه وسلم: (اقرأوا على موتاكم يس) ، لكن هذا الحديث تكلم فيه بعضهم وضعفه، فعند من صححه تكون قراءة هذه السورة سنة، وعند من ضعفه لا تكون سنة. والله أعلم " انتهى.
"فتاوى ابن عثيمين" (17/72) .
وقال أيضاً:
" (اقرأوا على موتاكم يس) هذا الحديث ضعيف، فيه شيء من الضعف، ومحل القراءة إذا صح الحديث عند الموت إذا أخذه النزع، فإنه يقرأ عليه سورة يس، قال أهل العلم: وفيها فائدة وهو تسهيل خروج الروح، لأن فيها قوله تعالى: (قِيلَ ?دْخُلِ ?لْجَنَّةَ قَالَ ي?لَيْتَ قَوْمِى يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِى رَبِّى وَجَعَلَنِى مِنَ ?لْمُكْرَمِينَ) فيقرأها عند المحتضر هذا إن صح الحديث، وأما قراءتها على القبر فلا أصل له " انتهى.
"فتاوى ابن عثيمين" (17/74) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4752)
كفن الشهيد
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يكفن الشهيد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
السنة في الشهيد أن يدفن بثيابه التي قتل فيها.
انظر: "بدائع الصنائع" (2/368) , "مواهب الجليل" (2/294) , "المجموع" (5/229) , "المغني" (3/471) .
وقد ورد في ذلك عدة أحاديث، منها:
1- روى أحمد (33144) أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ أُحُدٍ: (زَمِّلُوهُمْ فِي ثِيَابِهِمْ) وصححه الألباني في تلخيص أحكام الجنائز (ص 36) .
2- وعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: (رُمِيَ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فِي صَدْرِهِ , أَوْ فِي حَلْقِهِ , فَمَاتَ فَأُدْرِجَ فِي ثِيَابِهِ كَمَا هُوَ , قَالَ: وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رواه أبو داود (3133) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود، وقال الحافظ في "التلخيص" (2/118) : إسناده صحيح على شرط مسلم.
3- وعَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لما قتل مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ يَوْمَ أُحُدٍ لَمْ يَتْرُكْ إِلا نَمِرَةً كُنَّا إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ خَرَجَتْ رِجْلاهُ , وَإِذَا غُطِّيَ بِهَا رِجْلاهُ خَرَجَ رَأْسُهُ , فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (غَطُّوا بِهَا رَأْسَهُ وَاجْعَلُوا عَلَى رِجْلِهِ الإِذْخِرَ) رواه البخاري (4047) ومسلم (940) .
وقد اختلف الفقهاء في أمر النبي صلى الله عليه وسلم بدفن الشهداء في ثيابهم , هل هو على سبيل الاستحباب والأولوية , أم على سبيل الوجوب؟ على قولين:
الأول: أنه على سبيل الاستحباب , قال به الشافعية وبعض الحنابلة.
قال النووي في "المجموع" (5/229) : " ثم وليه بالخيار إن شاء كفنه بما عليه , وإن شاء نزعه وكفنه بغيره , وتركه أفضل " انتهى.
وقال ابن قدامة في "المغني" (3/471) : " وليس هذا بحتم , لكنه الأولى , وللولي أن ينزع عنه ثيابه ويكفنه بغيرها " انتهى.
واستدلوا على عدم الوجوب بما رواه أحمد (1421) عن الزبير أن أمه صفية (وهي أخت حمزة) أتت يوم أحد بثوبين وقالت: هَذَانِ ثَوْبَانِ جِئْتُ بِهِمَا لأَخِي حَمْزَةَ فَقَدْ بَلَغَنِي مَقْتَلُهُ فَكَفِّنُوهُ فِيهِمَا , قَالَ: فَجِئْنَا بِالثَّوْبَيْنِ لِنُكَفِّنَ فِيهِمَا حَمْزَةَ فَإِذَا إِلَى جَنْبِهِ رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ قَتِيلٌ قَدْ فُعِلَ بِهِ كَمَا فُعِلَ بِحَمْزَةَ , قَالَ: فَوَجَدْنَا غَضَاضَةً وَحَيَاءً أَنْ نُكَفِّنَ حَمْزَةَ فِي ثَوْبَيْنِ وَالأَنْصَارِيُّ لا كَفَنَ لَهُ , فَقُلْنَا: لِحَمْزَةَ ثَوْبٌ وَلِلأَنْصَارِيِّ ثَوْبٌ , فَقَدَرْنَاهُمَا فَكَانَ أَحَدُهُمَا أَكْبَرَ مِنْ الآخَرِ فَأَقْرَعْنَا بَيْنَهُمَا فَكَفَّنَّا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الثَّوْبِ الَّذِي صَارَ لَهُ. وحسنه الألباني في أحكام الجنائز (ص 62) .
القول الثاني: أن الأمر على سبيل الوجوب , وهو مذهب المالكية والحنابلة واختاره ابن القيم والشوكاني.
قال المرداوي في "الإنصاف" (6/94) : " والصحيح في المذهب أنه يجب دفنه في ثيابه التي قتل فيها " انتهى.
وقال الإمام مالك: " إن أراد وليه أن يزيد على ما عليه وقد حصل له ما يجزئ في الكفن لم يكن له ذلك , ولا يزاد عليه شيء " انتهى من "مواهب الجليل" (2/294) .
وقال الشوكاني في "نيل الأوطار" (4/50) :
" والظاهر أن الأمر بدفن الشهيد بما قتل فيه من الثياب للوجوب " انتهى.
وأجابوا عن حديث حمزة:
بأنه كفن في كفن آخر لأن الكفار كانوا مثلوا به , وبقروا بطنه , واستخرجوا كبده , وأخذوا ثيابه , فلذلك كفن في كفن آخر. قاله ابن القيم في "زاد المعاد" (3/217) .
قال ابن رشد: " من عراه العدو لا رخصة في ترك تكفينه , بل ذلك لازم , كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم الشهداء يوم أحد اثنان في ثوب " انتهى. نقلاً من "مواهب الجليل" (2/294) .
مسألة:
هل يزال ما عليه من الحديد والسلاح والفرو والخف والمنطقة والقلنسوة وغيرها؟
أما الحديد والسلاح فاتفق العلماء على أنه يزال.
قال ابن القاسم في "المدونة": " وينزع عنه الدرع والسيف وجميع السلاح " انتهى.
"مواهب الجليل" (2/294) .
وقال النووي في "المجموع" (5/229) : " وأجمع العلماء على أن الحديد والجلود ينزع عنه " انتهى.
والظاهر أن المراد بقوله رحمه الله: "والجلود": السلاح وآلة الحرب، لأنه قد ذكر الاختلاف في نزع الفرو والخف قبل ذلك بسطر واحد فقط، فيكون المراد من الجلود هنا: السلاح، كالجراب الذي يعلق فيه السيف، أو ما يكون فيه السهام، وما أشبه ذلك.
وقد استدلوا على ذلك بـ:
1- ما رواه أبو داود (3134) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: (أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , بِقَتْلَى أُحُدٍ أَنْ يُنْزَعَ عَنْهُمْ الْحَدِيدُ وَالْجُلُودُ , وَأَنْ يُدْفَنُوا بِدِمَائِهِمْ وَثِيَابِهِمْ) وضعفه الحافظ في التلخيص (2/118) ، وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود.
2- ولكن يغني عن هذا لحديث الضعيف ما رواه أحمد (23144) أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ أُحُدٍ: (زَمِّلُوهُمْ فِي ثِيَابِهِمْ) وصححه الألباني في تلخيص أحكام الجنائز (ص 36) .
والحديد والسلاح ليست من الثياب، فلا تدخل في هذا الحديث.
وانظر: "بدائع الصنائع" (2/368) , "المغني" (3/471) .
وأما الفرو والخف والقلنسوة والمنطقة (الحزام الذي يلبس على الوسط) فقد اختلف العلماء في نزعها على قولين:
الأول: لا يزال , وهو مذهب المالكية.
قال الحطاب في "مواهب الجليل" (2/294) : " قال ابن القاسم: ... ولا ينزع من عليه شيء من ثيابه , ولا فرو , ولا خف , ولا قلنسوة , قال مطرف: ولا خاتمه إلا أن يكون نفيس الفص , ولا منطقة إلا أن يكون لها خطر (أي: تكون ثمينة) " انتهى.
واستدلوا بقول الرَسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شهداء أحد: (زَمِّلُوهُمْ فِي ثِيَابِهِمْ) وهو عام في جميع الثياب.
القول الثاني: أنه يزال , وهو مذهب الأحناف والشافعية والحنابلة.
واستدلوا بـ:
1- حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: (أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلَى أُحُدٍ أَنْ يُنْزَعَ عَنْهُمْ الْحَدِيدُ وَالْجُلُودُ , وَأَنْ يُدْفَنُوا بِدِمَائِهِمْ وَثِيَابِهِمْ) وهو ضعيف كما تقدم.
2- ما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال: ينزع من الشهيد الفرو والخف والقلنسوة.
وضعفه الشوكاني في "نيل الأوطار" (4/50) .
قال الكاساني في "بدائع الصنائع" (2/368-369) : " وهذا لأن ما يترك يترك ليكون كفناً , والكفن ما يلبس للستر , وهذه الأشياء تلبس إما للتجمل والزينة , أو لدفع البرد , أو لدفع معرة السلاح , ولا حاجة للميت إلى شيء من ذلك , فلم يكن شيء من ذلك كفناً , وبه تبين أن المراد من قوله صلى الله عليه وسلم (زملوهم بثيابهم) الثياب التي يكفن بها وتلبس للستر " انتهى.
وانظر: "المجموع" (5/229) , "المغني" (3/471) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4753)
من أحكام السقط
[السُّؤَالُ]
ـ[تُوفيت ابنتِي داخلَ الرحمِ بعد حملِها مدةَ سبعةِ شهور، هل كان يجبُ أن نعقَّ عنها؟ حيثُ إنّه لم يتمّ العَقُّ عنها. هل كان يجبُ تسميتُها؟ حيثُ لم تُسَمَّ.
لقد قامَ زوجي بغسلِها وتكفينِها والصلاةِ عليها ودفنِها فقط. هل ما تمَّ صحيحٌ؟
لقد طلَّقَني زوجي.. هل أتمكنُ أنا من العَقِّ عنها إذا كانت واجبةً؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
اعلمي – أختي السائلة – أنَّ الصبرَ على القضاءِ من مقاماتِ الصالحين، وأنَّ الرضا بقدرِ الله سبحانَه من منازلِ المقربين، وأنَّ خيرَ ما يستقبلُ العبدُ به البلاءَ أن يقولَ: الحمدُ لله، إنَّا للهِ وإنَّا إليه راجعون.
وخيرُ ما نبشرك به، ما جاءَ عن أبي موسى الأشعريِّ رضيَ اللهُ عنه:
أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم قال:
(إِذَا ماتَ ولدُ العَبْدِ، قالَ اللهُ لمَلائِكَتِهِ: قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ. فَيَقُولُ: قَبَضْتُم ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ. فَيَقُولُ: مَاْذَا قالَ عَبْدِيْ؟ فَيَقُولُونَ: حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ. فَيَقُولُ اللهُ: ابْنُوا لِعَبْدِيْ بَيْتًا فِيْ الجَنَّةِ , وَسَمُّوهُ بيتَ الحَمْدِ) .
رواه الترمذي (1021) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.
قال النوويُّ رحمهُ الله:
" موتُ الواحدِ من الأولادِ حجابٌ منَ النار، وكذا السقطُ، واللهُ أعلم ".
"المجموع" (5/287) ، وانظر: "حاشية ابن عابدين" (2/228) .
وعن مُعاذِ بنِ جبلٍ رضيَ اللهُ عنه عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلم قالَ:
(وَالَّذِيْ نَفْسِيْ بِيَدِهِ إِنَّ السِّقْطَ لَيَجُرُّ أُمَّهُ بِسَرَرِهِ إِلَىْ الجَنَّةِ إِذَا احْتَسَبَتْهُ) رواه ابن ماجه (1609) وضعفه النووي في "الخلاصة" (2/1066) والبوصيري، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه.
والسَّرَرُ: ما تقطعه القابلة من السرة. "النهاية" (3/99) .
وانظر السؤال رقم (5226) .
ثانيًا:
أجمعَ أهلُ العلمِ على أنَّ الطفلَ إذا عُرِفت حياتُه واستهلَّ – بصوتٍ – أنّه يُغَسَّلُ ويكفَّن ويُصَلى عليه.
نقل الإجماع ابن المنذر وابن قدامة في "المغني" (2/328) والكاساني في "بدائع الصنائع" (1/302) .
قالَ النوويُّ في "المجموع" (5/210) : ويكونُ كفنُه ككفنِ البالغِ ثلاثةَ أثواب.
وأما من لم يستهل بصوت , فقد سبق من جواب السؤال (13198) و (13985) أن العبرة في ذلك بنفخ الروح فيه , ويكون ذلك بعد تمام أربعة أشهر من الحمل , فإن نفخت فيه الروح غسِّل وكفّن وصلى عليه , وإن لم تكن نفخت فيه الروح فلا يغسل ولا يصلى عليه.
انظر: "المغني" (2/328) ، "الإنصاف" (2/504) .
ثالثًا:
وأمَّا العقيقةِ عن السقط إذا بلغ أربعة أشهر , فقد اختلف العلماء في مشروعيتها , وسبق في جواب السؤال (12475) و (50106) اختيار علماء اللجنة الدائمة للإفتاء والشيخ ابن عثيمين أنها مشروعة مستحبة , وفيهما أيضاً أنه يُسمَّى.
رابعًا:
الذي يؤمر بالعقيقة هو من تلزمه النفقة على المولود , وهو الأب إن كان موجوداً , فإن امتنع فلا حرج أن يفعلها غيره كالأم.
جاءَ في الموسوعةِ الفقهيةِ (30/279) :
" ذهبَ الشّافعيّةُ إلى أنّ العقيقةَ تُطلبُ من الأصلِ الّذي تلزمُه نفقةُ المولودِ، فيؤدّيها من مالِ نفسِه لا من مالِ المولود، ولا يفعلُها من لا تلزمُه النّفقةُ إلاّ بإذنِ من تلزمُه.
وصرّحَ الحنابلةُ أنّه لا يَعقّ غيرُ أبٍ إلاّ إن تعذّرَ بموتٍ أو امتناعٍ، فإن فعلَها غيرُ الأبِ لم تُكرَه، ولكنّها لا تكون عقيقةً، وإنّما عقّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن الحسن والحسين، لأنّه أولى بالمؤمنينَ من أنفسِهم " انتهى.
فإن كان الأبُ حيًا قادرًا، فإنه ينصح بالعقيقةِ عن المولود، فإن امتنعَ أو أذنَ للأمِّ بالعقيقةِ فيُشرَعُ لها ذلك.
والحاصل: أن ما فعله زوجك من غسلها وتكفينها والصلاة عليها صحيح مشروع، ولكن يبقى عليكم تسميتها والعقيقة عنها.
واللهُ أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4754)
ما هي صيغة الوصية الشرعية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك صيغ للوصية توجد في بعض المواقع على الانترنت وأريد أن أعرف مدى مشروعيتها؟ وهل يوجد لديكم صيغة محددة للوصية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
روى البخاري (2738) ومسلم (1627) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ) .
قال النووي رحمه الله: "فيه الْحَثّ عَلَى الْوَصِيَّة، وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْأَمْر بِهَا، لَكِنَّ مَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْجَمَاهِير أَنَّهَا مَنْدُوبَة لَا وَاجِبَة. وَقَالَ دَاوُدُ وَغَيْره مِنْ أَهْل الظَّاهِر: هِيَ وَاجِبَة؛ لِهَذَا الْحَدِيث، وَلَا دَلَالَة لَهُمْ فِيهِ، فَلَيْسَ فِيهِ تَصْرِيح بِإِيجَابِهَا، لَكِنْ إِنْ كَانَ عَلَى الْإِنْسَان دَيْن أَوْ حَقّ أَوْ عِنْده وَدِيعَة وَنَحْوهَا لَزِمَهُ الْإِيصَاء بِذَلِكَ. قَالَ الشَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّه: مَعْنَى الْحَدِيث: مَا الْحَزْم وَالِاحْتِيَاط لِلْمُسْلِمِ إِلَّا أَنْ تَكُون وَصِيَّته مَكْتُوبَة عِنْده.
وَيُسْتَحَبّ تَعْجِيلهَا، وَأَنْ يَكْتُبهَا فِي صِحَّته، وَيُشْهِد عَلَيْهِ فِيهَا، وَيَكْتُب فِيهَا مَا يَحْتَاج إِلَيْهِ، فَإِنْ تَجَدَّدَ لَهُ أَمْر يَحْتَاج إِلَى الْوَصِيَّة بِهِ أَلْحَقَهُ بِهَا. قَالُوا: وَلَا يُكَلَّف أَنْ يَكْتُب كُلّ يَوْم مُحَقَّرَات الْمُعَامَلَات وَجُزْئِيَّات الْأُمُور الْمُتَكَرِّرَة" انتهى.
فالوصية نوعان:
وصية واجبة: وهي الوصية ببيان ما عليه وما له من حقوق، كدين أو قرض أو أمانات مودعة عنده، أو حقوق له في ذمم الناس، فالوصية هنا واجبة لحفظ ماله، وبراءة ذمته.
ووصية مستحبة: وهي التبرع المحض، كوصية الإنسان بعد موته في ماله بالثلث فأقل، لقريب غير وارث، أو لغيره، أو الوصية في أعمال البر من الصدقة على الفقراء والمساكين أو في وجوه الخير. ينظر: "فتاوى اللجنة الدائمة" (16/264) .
وللإنسان أن يوصي أهله ببعض الأمور المتعلقة بجنازته، كمن يغسله ومن يصلي عليه ونحو ذلك، وأن يوصيهم بترك البدع والمحدثات، وتجنب النياحة وغير ذلك من المنهيات، لا سيما إذا كان يعلم من حالهم أنهم ربما فعلوا شيئا من ذلك.
ويدل لذلك ما رواه مسلم (121) أن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال وهو في سياق الموت: (فَإِذَا أَنَا مُتُّ فَلَا تَصْحَبْنِي نَائِحَةٌ وَلَا نَارٌ) .
وروى الترمذي (986) وابن ماجه (1476) عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رضي الله عنه قَالَ: (إِذَا مِتُّ فَلَا تُؤْذِنُوا بِي، إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ نَعْيًا، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ النَّعْيِ) والحديث حسنه الألباني في صحيح الترمذي.
وروى أحمد (10141) عَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: (إِذَا مُتُّ فَلَا تَضْرِبُوا عَلَيَّ فُسْطَاطًا، وَلَا تَتْبَعُونِي بِنَارٍ، وَأَسْرِعُوا بِي إِلَى رَبِّي، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِذَا وُضِعَ الْعَبْدُ أَوْ الرَّجُلُ الصَّالِحُ عَلَى سَرِيرِهِ قَالَ: قَدِّمُونِي قَدِّمُونِي، وَإِذَا وُضِعَ الرَّجُلُ السَّوْءُ قَالَ: وَيْلَكُمْ أَيْنَ تَذْهَبُونَ بِي) والحديث حسنه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند.
وروى الحاكم في المستدرك (1409) أن قيس بن عاصم رضي الله عنه أوصاهم عند موته فقال: (إذا أنا مت فلا تنوحوا علي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينح عليه) قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقال الذهبي في التلخيص: صحيح.
فهذا وغيره يدل على مشروعية الوصية ببعض الأمور المتعلقة بالجنازة أو بالتحذير من النياحة ونحوها.
لكن ليس للوصية صيغة معينة، يلتزم بها الإنسان، بل يوصي بما يناسب حاله وحال أهله، وما له وما عليه من الحقوق كما سبق.
والمهم ألا يُعتقد أن هناك صيغاً مأثورة، أو لابد منها. وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عن الوصية الواردة في كتيب: "هذه وصيتي الشرعية".
فأجابت: " بقراءة الوصية المذكورة لم يوجد فيها ما يخالف الشرع، ولكن صياغتها بشكل وصية من كل فرد وتوزيعها على الناس يوهم أنه يستحب لكل شخص أن يوصي بما فيها أو يشتريها ويدفعها لمن يتولى شأنه بعد موته، مع أنه لا داعي لذلك؛ لأن أحكام الجنائز المذكورة فيها موجودة في كتب الفقه، يراجعها من يحتاج إليها بدون إيصاء أو توزيع، لا سيما وعمل المسلمين في هذه البلاد والحمد لله في أحكام الجنائز يتمشى على السنة " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (16/289) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4755)
معنى تعذيب الميت ببكاء أهله عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أن الميت يعذب بالبكاء عليه؟ وما ذنب الميت حتى يعاقب على معصية فعلها غيره؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، قد صحت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وليس هذا من عقوبة الميت بذنب غيره، كما سيأتي.
وقد أنكرت عائشة رضي الله عنها أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قال هذه الأحاديث، لظنها أنها تتعارض مع قوله تعالى: (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) .
وهذه بعض الأحاديث الواردة في هذا، مع بيان معناها الصحيح الذي لا يتعارض مع هذه الآية، وجواب العلماء على اعتراض أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
روى البخاري (1291) ومسلم (933) عَنْ الْمُغِيرَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ نِيحَ عَلَيْهِ يُعَذَّبُ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ) زاد مسلم: (يَوْمَ الْقِيَامَةِ) .
وروى البخاري (1292) ومسلم (927) عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ) .
قال النووي: وَفِي رِوَايَة بِإِثْبَاتِ (فِي قَبْره) وَفِي رِوَايَة بِحَذْفِهِ اهـ.
وروى البخاري (1288) ومسلم (929) عن ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: تُوُفِّيَتْ ابْنَةٌ لِعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِمَكَّةَ، وَجِئْنَا لِنَشْهَدَهَا، وَحَضَرَهَا ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَإِنِّي لَجَالِسٌ بَيْنَهُمَا، فَإِذَا صَوْت مِنْ الدَّار، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لِعَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ: أَلا تَنْهَى عَنْ الْبُكَاءِ؟ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ) فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: قَدْ كَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ بَعْضَ ذَلِكَ، ثُمَّ حَدَّثَ قَالَ:....َلَمَّا أُصِيبَ عُمَرُ دَخَلَ صُهَيْبٌ يَبْكِي يَقُولُ: وَا أَخَاهُ! وَا صَاحِبَاهُ! فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَا صُهَيْبُ، أَتَبْكِي عَلَيَّ! وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ) .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: فَلَمَّا مَاتَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَقَالَتْ: رَحِمَ اللَّهُ عُمَرَ، وَاللَّهِ مَا حَدَّثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ لَيُعَذِّبُ الْمُؤْمِنَ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ) وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ لَيَزِيدُ الْكَافِرَ عَذَابًا بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ) وَقَالَتْ: حَسْبُكُمْ الْقُرْآنُ (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)
قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: وَاللَّهِ مَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا شَيْئًا.
وقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: لَمَّا بَلَغَ عَائِشَةَ قَوْلُ عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَتْ: إِنَّكُمْ لَتُحَدِّثُوني عَنْ غَيْرِ كَاذِبَيْنِ وَلا مُكَذَّبَيْنِ، وَلَكِنَّ السَّمْعَ يُخْطِئُ.
قال الحافظ:
قَوْله: (مَا قَالَ اِبْن عُمَر شَيْئًا) َقَالَ الزَّيْن بْن الْمُنِير: سُكُوته لا يَدُلّ عَلَى الإِذْعَان فَلَعَلَّهُ كَرِهَ الْمُجَادَلَة فِي ذَلِكَ الْمَقَام.
وروى مسلم (927) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عمر أَنَّ حَفْصَةَ بَكَتْ عَلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم، فَقَالَ: مَهْلًا يَا بُنَيَّةُ! أَلَمْ تَعْلَمِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ؟) .
فهذه الأحاديث رواها عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاثة من الصحابة وهم عمر وابن عمر والمغيرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم، وفيها تعذيب الميت ببكاء أهله عليه.
مسائل: المسألة الأولى:
المراد بالبكاء في هذه الأحاديث.
اتفق العلماء على أنه ليس المراد من هذه الأحاديث مطلق البكاء، بل المراد بالبكاء هنا النياحة ورفع الصوت.
قال النووي:
" وَأَجْمَعُوا كُلّهمْ عَلَى اِخْتِلَاف مَذَاهِبهمْ عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِالْبُكَاءِ هُنَا الْبُكَاء بِصَوْتٍ وَنِيَاحَة لَا مُجَرَّد دَمْع الْعَيْن " انتهى.
المسألة الثانية:
أما رد عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها هذه الأحاديث، فهو اجتهاد منها رَضِيَ اللَّهُ عَنْها، حيث ظنت أن عمر وابنه رضي الله عنهما قد وهما وأخطآ، وأن هذه الأحاديث معارضة لقول الله تعالى: (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) الأنعام/164.
قَالَ الْقُرْطُبِيّ: " إِنْكَار عَائِشَة رضي الله عنها ذَلِكَ وَحُكْمهَا عَلَى الرَّاوِي بِالتَّخْطِئَةِ أَوْ النِّسْيَان أَوْ عَلَى أَنَّهُ سَمِعَ بَعْضًا وَلَمْ يَسْمَع بَعْضًا بَعِيد , لأَنَّ الرُّوَاة لِهَذَا الْمَعْنَى مِنْ الصَّحَابَة كَثِيرُونَ وَهُمْ جَازِمُونَ فَلا وَجْه لِلنَّفْيِ مَعَ إِمْكَان حَمْلِهِ عَلَى مَحْمَل صَحِيح " انتهى.
فإن قيل: كيف حلفت عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها على أن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يقل هذا مع ثبوته عنه؟
فالجواب: أنها حلفت بناء على غلبة ظنها أن عمر وابنه عبد الله وهما رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما، والحلف على غلبة الظن جائز. قاله النووي رحمه الله بمعناه.
المسألة الثالثة:
الجمع بين هذه الأحاديث وبين ما استدلت به عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها من قول الله تعالى: (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) . وبيان أنه لا تعارض بينها.
اختلفت طريقة العلماء في توجيه الحديث وبيان عدم تعارضه مع الآية، ولهم في ذلك طرق:
أَوَّلهَا: طَرِيقَة الْبُخَارِيّ
أنه يعذب بذلك إذا كان من سنته وطريقته وقد أقرّ عليه أهله في حياته فيعذب لذلك، وإن لم يكن من طريقته فإنه لا يعذب. فإنه قال:
" بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَذَّبُ الْمَيِّتُ بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ النَّوْحُ مِنْ سُنَّتِهِ (أي من طريقته وعادته) "
قال الحافظ:
" فَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا أَنَّ الَّذِي يُعَذَّب بِبَعْضِ بُكَاء أَهْله مَنْ كَانَ رَاضِيًا بِذَلِكَ بِأَنْ تَكُون تِلْكَ طَرِيقَته إِلَخْ , وَلِذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّف (فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ سُنَّته) أَيْ كَمَنْ كَانَ لا شُعُور عِنْده بِأَنَّهُمْ يَفْعَلُونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ , أَوْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ بِأَنْ نَهَاهُمْ فَهَذَا لا مُؤَاخَذَة عَلَيْهِ بِفِعْلِ غَيْره , وَمِنْ ثَمَّ قَالَ اِبْن الْمُبَارَك: إِذَا كَانَ يَنْهَاهُمْ فِي حَيَاته فَفَعَلُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بَعْد وَفَاته لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْء " انتهى.
ثَانِيهَا:
وقد نسبه النووي إلى الْجُمْهُور وصححه، حملوا الحديث عَلَى مَنْ وَصَّى بِأَنْ يُبْكَى عَلَيْهِ وَيُنَاح بَعْد مَوْته فَنُفِّذَتْ وَصِيَّته , فَهَذَا يُعَذَّب بِبُكَاءِ أَهْله عَلَيْهِ وَنَوْحهمْ ; لِأَنَّهُ بِسَبَبِهِ وَمَنْسُوب إِلَيْهِ , فَأَمَّا مَنْ بَكَى عَلَيْهِ أَهْله وَنَاحُوا مِنْ غَيْر وَصِيَّة مِنْهُ فَلَا يُعَذَّب لِقَوْلِ اللَّه تَعَالَى: (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) .
قَالُوا: وَكَانَ مِنْ عَادَة الْعَرَب الْوَصِيَّة بِذَلِكَ، وَمِنْهُ قَوْل طَرَفَةَ بْن الْعَبْد:
إِذَا مِتُّ فَانْعِينِي بِمَا أَنَا أَهْله وَشُقِّي عَلَيَّ الْجَيْب يَا اِبْنَة مَعْبَدِ
قَالُوا: فَخَرَجَ الْحَدِيث مُطْلَقًا حَمْلا عَلَى مَا كَانَ مُعْتَادًا لَهُمْ.
ثَالِثهَا: هُوَ مَحْمُول عَلَى مَنْ أَوْصَى بِالْبُكَاءِ وَالنَّوْح، أَوْ لَمْ يُوصِ بِتَرْكِهِمَا.
فَأَمَّا مَنْ وَصَّى بِتَرْكِهِمَا فَلَا يُعَذَّب بِهِمَا إِذْ لا صُنْع لَهُ فِيهِمَا وَلَا تَفْرِيط مِنْهُ. وَحَاصِل هَذَا الْقَوْل إِيجَاب الْوَصِيَّة بِتَرْكِهِمَا , وَمَنْ أَهْمَلَهُمَا عُذِّبَ بِهِمَا. وَهُوَ قَوْل دَاوُد وَطَائِفَة.
رَابِعهَا: وَقَالَتْ طَائِفَة: مَعْنَى الأَحَادِيث أَنَّهُمْ كَانُوا يَنُوحُونَ عَلَى الْمَيِّت وَيَنْدُبُونَهُ بِتَعْدِيدِ شَمَائِله وَمَحَاسِنه فِي زَعْمهمْ , وَتِلْكَ الشَّمَائِل قَبَائِح فِي الشَّرْع يُعَذَّب بِهَا.
فمَعْنَى قَوْله " يُعَذَّب بِبُكَاءِ أَهْله " أَيْ بِنَظِيرِ مَا يَبْكِيه أَهْله بِهِ.
وَهَذَا اِخْتِيَار اِبْن حَزْم وَطَائِفَة ,
فكانوا يَنْدُبُونَ الميت بِرِيَاسَتِهِ الَّتِي ظلم فِيهَا , وَشَجَاعَته الَّتِي صَرَفَهَا فِي غَيْر طَاعَة اللَّه , وَجُوده الَّذِي لَمْ يَضَعهُ فِي الْحَقّ , فَأَهْله يَبْكُونَ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْمَفَاخِر وَهُوَ يُعَذَّب بِذَلِكَ.
خَامِسهَا: مَعْنَى التَّعْذِيب تَوْبِيخ الْمَلائِكَة لَهُ بِمَا يَنْدُبهُ أَهْله بِهِ كَمَا رَوَى ابن ماجه (1594) عن أَسِيدُ بْنُ أَبِي أَسِيدٍ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ، إِذَا قَالُوا: وَا عَضُدَاهُ، وَا كَاسِيَاهُ، وَا نَاصِرَاهُ، وَا جَبَلَاهُ، وَنَحْوَ هَذَا، يُتَعْتَعُ –أي يقلق ويزعج ويجر بشدة- وَيُقَالُ: أَنْتَ كَذَلِكَ؟ أَنْتَ كَذَلِكَ؟)
قَالَ أَسِيدٌ: فَقُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ! إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) .
قَالَ: وَيْحَكَ! أُحَدِّثُكَ أَنَّ أَبَا مُوسَى حَدَّثَنِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَرَى أَنَّ أَبَا مُوسَى كَذَبَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! أَوْ تَرَى أَنِّي كَذبْتُ عَلَى أَبِي مُوسَى؟! حسنه الألباني في صحيح ابن ماجه.
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ (1003) بِلَفْظِ: (مَا مِنْ مَيِّتٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ بَاكِيهِ فَيَقُولُ: وَا جَبَلاهْ وَا سَيِّدَاهْ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ إِلا وُكِّلَ بِهِ مَلَكَانِ يَلْهَزَانِهِ -أَيْ: يَضْرِبَانِهِ وَيَدْفَعَانِهِ- أَهَكَذَا كُنْتَ؟) حسنه الألباني في صحيح الترمذي.
ويشهد له ما رواه البخاري (4268) عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: أُغْمِيَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ، فَجَعَلَتْ أُخْتُهُ عَمْرَةُ تَبْكِي: وَا جَبَلاهْ وَا كَذَا وَا كَذَا تُعَدِّدُ عَلَيْهِ، فَقَالَ حِينَ أَفَاقَ: مَا قُلْتِ شَيْئًا إِلا قِيلَ لِي: آنْتَ كَذَلِكَ؟ فَلَمَّا مَاتَ لَمْ تَبْكِ عَلَيْهِ.
سَادِسهَا: مَعْنَى التَّعْذِيب تَأَلُّم الْمَيِّت بِمَا يَقَع مِنْ أَهْله مِنْ النِّيَاحَة وَغَيْرهَا , وَهَذَا اِخْتِيَار أَبِي جَعْفَر الطَّبَرِيّ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ , وَرَجَّحَهُ القاضي عِيَاض، وَنَصَرَهُ شيخ الإسلام اِبْن تَيْمِيَة وَجَمَاعَة مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ.
وَاسْتَشْهَدُوا لَهُ بِحَدِيثِ قَيْلَة بِنْت مَخْرَمَة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهاها عن البكاء على ابنها وقال: (أَيُغْْلَبُ أَحَدكُمْ أَنْ يُصَاحِب صُوَيْحِبه فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا , وَإِذَا مَاتَ اِسْتَرْجَعَ , فَوَاَلَّذِي نَفْس مُحَمَّد بِيَدِهِ إِنَّ أَحَدكُمْ لَيَبْكِي فَيَسْتَعْبِر إِلَيْهِ صُوَيْحِبه , فَيَا عِبَاد اللَّه , لا تَعَذِّبُوا مَوْتَاكُمْ) قال الحافظ: إسناده حسن. وقال الهيثمي: رجاله ثقات.
وهذا القول الأخير هو أولى الأقوال التي قيلت في معنى الحديث.
وقد سئل شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (34/364) : هَلْ يَتَأَذَّى الْمَيِّتُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ؟
فَأَجَابَ:
هَذِهِ مَسْأَلَةٌ فِيهَا نِزَاعٌ بَيْنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَالْعُلَمَاءِ.
وَالصَّوَابُ: أَنَّهُ يَتَأَذَّى بِالْبُكَاءِ عَلَيْهِ كَمَا نَطَقَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. . . ثم ذكر بعض هذه الأحاديث. ثم قال:
وَقَدْ أَنْكَرَ ذَلِكَ طَوَائِفُ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، وَاعْتَقَدُوا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ تَعْذِيبِ الإِنْسَانِ بِذَنْبِ غَيْرِهِ فَهُوَ مُخَالِفٌ لقوله تعالى: (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) ثُمَّ تَنَوَّعَتْ طُرُقُهُمْ فِي تِلْكَ الأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ. فَمِنْهُمْ مَنْ غَلَّطَ الرُّوَاةَ لَهَا كَعُمَرِ بْنِ الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ , وَهَذِهِ طَرِيقَةُ عَائِشَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا.
وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ ذَلِكَ عَلَى مَا إذَا أَوْصَى بِهِ فَيُعَذَّبُ عَلَى إيصَائِهِ وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ , كالمزني وَغَيْرِهِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ ذَلِكَ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ عَادَتُهُمْ، فَيُعَذَّبُ عَلَى تَرْكِ النَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ , وَهُوَ اخْتِيَارُ طَائِفَةٍ , مِنْهُمْ جَدِّي أَبُو الْبَرَكَاتِ.
وَكُلُّ هَذِهِ الأَقْوَالِ ضَعِيفَةٌ جِدًّا , وَالأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الصَّرِيحَةُ الَّتِي يَرْوِيهَا مِثْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ وَغَيْرِهِمْ لا تُرَدُّ بِمِثْلِ هَذَا.
وَاَلَّذِينَ أَقَرُّوا هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى مُقْتَضَاهُ ظَنَّ بَعْضُهُمْ أَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ عُقُوبَةِ الإِنْسَانِ بِذَنْبِ غَيْرِهِ وَأَنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ , وَاعْتَقَدَ هَؤُلاءِ أَنَّ اللَّهَ يُعَاقِبُ الإِنْسَانَ بِذَنْبِ غَيْرِهِ. . . .
واللَّه تعالى لا يُعَذِّبُ أَحَدًا فِي الآخِرَةِ إلا بِذَنْبِهِ، (ولا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) .
وَأَمَّا تَعْذِيبُ الْمَيِّتِ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ، فَهُوَ لَمْ يَقُلْ: إنَّ الْمَيِّتَ يُعَاقَبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ , بَلْ قَالَ: (يُعَذَّبُ) وَالْعَذَابُ أَعَمُّ مِنْ الْعِقَابِ، فَإِنَّ الْعَذَابَ هُوَ الأَلَمُ، وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ تَأَلَّمَ بِسَبَبٍ كَانَ ذَلِكَ عِقَابًا لَهُ عَلَى ذَلِكَ السَّبَبِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنْ الْعَذَابِ , يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ) فَسَمَّى السَّفَرَ عَذَابًا، وَلَيْسَ هُوَ عِقَابًا عَلَى ذَنْبٍ , وَالإِنْسَانُ يُعَذَّبُ بِالأُمُورِ الْمَكْرُوهَةِ الَّتِي يَشْعُرُ بِهَا مِثْلَ الأَصْوَاتِ الْهَائِلَةِ وَالأَرْوَاحِ الْخَبِيثَةِ وَالصُّوَرِ الْقَبِيحَةِ فَهُوَ يَتَعَذَّبُ بِسَمَاعِ هَذَا وَشَمِّ هَذَا وَرُؤْيَةِ هَذَا وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَمَلا لَهُ عُوقِبَ عَلَيْهِ , فَكَيْفَ يُنْكَرُ أَنْ يُعَذَّبَ الْمَيِّتُ بِالنِّيَاحَةِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ النِّيَاحَةُ عَمَلا لَهُ يُعَاقَبُ عَلَيْهِ؟
ولا نحكم على كل من ناح عليه أهله أنه يعذب بذلك:
ثم قال شيخ الإسلام:
ثُمَّ النِّيَاحَةُ سَبَبُ الْعَذَابِ , وَقَدْ يَنْدَفِعُ حُكْمُ السَّبَبِ بِمَا يُعَارِضُهُ فقَدْ يَكُونُ فِي الْمَيِّتِ مِنْ قُوَّةِ الْكَرَامَةِ مَا يَدْفَعُ عَنْهُ مِنْ الْعَذَابِ
وهذا العذاب الذي يحصل للمؤمن ببكاء أهله عليه، من جملة الشدائد والأذى التي يكفر الله بها عن المؤمن من ذنوبه.
وأما الكافر فإنه يزداد بذلك عذابه، فيجمع له بين ألم العقاب، والتألم الحاصل له ببكاء أهله عليه.
ثم قال شيخ الإسلام:
وَمَا يَحْصُلُ لِلْمُؤْمِنِ فِي الدُّنْيَا وَالْبَرْزَخِ وَالْقِيَامَةِ مِنْ الأَلَمِ الَّتِي هِيَ عَذَابٌ فَإِنَّ ذَلِكَ يُكَفِّرُ اللَّهُ بِهِ خَطَايَاهُ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: (مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ وَصَبٍ وَلا نَصَبٍ وَلا هَمٍّ وَلا حَزَنٍ وَلا أَذًى حَتَّى الشَّوْكَةَ يَشَاكُهَا إلا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ) انتهى باختصار.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه) ؟
فأجاب:
" معناه أن الميت إذا بكى أهله عليه فإنه يعلم بذلك ويتألم، وليس المعنى أن الله يعاقبه بذلك لأن الله تعالى يقول: (وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى?) والعذاب لا يلزم أن يكون عقوبة ألم تر إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن السفر قطعة من العذاب) والسفر ليس بعقوبة، لكن يتأذى به الإنسان ويتعب، وهكذا الميت إذا بكى أهله عليه فإنه يتألم ويتعب من ذلك، وإن كان هذا ليس بعقوبة من الله عز وجل له، وهذا التفسير للحديث تفسير واضح صريح، ولا يرد عليه إشكال، ولا يحتاج أن يقال: هذا فيمن أوصى بالنياحة، أو فيمن كان عادة أهله النياحة ولم ينههم عند موته، بل نقول: إن الإنسان يعذب بالشيء ولا يتضرر به " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (17/408) .
وانظر: "فتح الباري" (3/180- 185) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4756)
هل يترك تشييع جنازة شخص كان معروفا بالقسوة والوحشية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمسلم أن يتجنب الذهاب لمراسيم جنازة شخص كان يعرف بالقسوة والوحشية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اتباع الجنازة حتى يصلى عليها، أو حتى تدفن، حق للمسلم على أخيه المسلم، كما روى البخاري (1240) ومسلم (2162) أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلامِ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ) .
وفي رواية لمسلم: (خَمْسٌ تَجِبُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى أَخِيهِ ... ) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " والظاهر أن المراد به هنا وجوب الكفاية " انتهى من "فتح الباري" (3/136) .
أي أن اتباع الجنازة واجب على الكفاية، إذا قام به البعض سقط عن الآخرين، وإذا تركه الجميع أثموا.
وقد جاء الأمر باتباع الجنائز فيما رواه البخاري (2445) ومسلم (2066) عن الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعٍ وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ، فَذَكَرَ: (عِيَادَةَ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعَ الْجَنَائِزِ، وَتَشْمِيتَ الْعَاطِسِ، وَرَدَّ السَّلامِ، وَنَصْرَ الْمَظْلُومِ، وَإِجَابَةَ الدَّاعِي، وَإِبْرَارَ الْمُقْسِمِ) .
وجاء في فضل اتباع الجنازة حتى يصلى عليها وحتى تدفن قوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ شَهِدَ الْجَنَازَةَ حَتَّى يُصَلِّيَ فَلَهُ قِيرَاطٌ، وَمَنْ شَهِدَ حَتَّى تُدْفَنَ كَانَ لَهُ قِيرَاطَانِ. قِيلَ: وَمَا الْقِيرَاطَانِ؟ قَالَ: مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ) رواه البخاري (1325) ومسلم (945) .
ومع هذا فقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة على أناس، عقوبةً ونكالاً لهم، وزجراً عن أفعالهم، فلم يصل على الغالّ من الغنيمة، ولا على قاتل نفسه.
روى مسلم (978) عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: (أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ قَتَلَ نَفْسَهُ بِمَشَاقِصَ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ) .
والمشاقص: جمع مشقص، وهو سهم له طرف حاد عريض.
وروى أبو داود (2710) والنسائي (1959) وابن ماجه (2848) عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ (أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ يَوْمَ خَيْبَرَ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: (صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ) فَتَغَيَّرَتْ وُجُوهُ النَّاسِ لِذَلِكَ. فَقَالَ: (إِنَّ صَاحِبَكُمْ غَلَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) فَفَتَّشْنَا مَتَاعَهُ فَوَجَدْنَا خَرَزًا مِنْ خَرَزِ يَهُودَ لا يُسَاوِي دِرْهَمَيْنِ) .
والغلول: هو الأخذ من الغنيمة خفية قبل قسمتها.
وقد استفاد أهل العلم من هذا الحديث أن السنة في حق الإمام أن لا يصلي على الغال والقاتل نفسه، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم.
وهنا مسألتان:
الأولى: هل يلحق بالإمام غيره من أهل العلم والفضل؟
والثانية: هل يلحق بالغال والقاتل نفسه من هو مثلهم أو أشد كقطاع الطرق والظلمة وأصحاب الكبائر والمعاصي الظاهرة؟
والجواب: نعم، يلحق بالإمام غيره من أهل العلم والفضل، ويلحق بالغال والقاتل من هو مثلهم أو أشد.
قال الباجي في "المنتقى": " وَهَذِهِ سُنَّةٌ فِي امْتِنَاعِ الأَئِمَّةِ وَأَهْلِ الْفَضْلِ مِنْ الصَّلاةِ عَلَى أَهْلِ الْكَبَائِرِ عَلَى وَجْهِ الرَّدْعِ وَالزَّجْرِ عَنْ مِثْلِ فِعْلِهِمْ. وَأَمْرُ غَيْرِهِ بِالصَّلاةِ عَلَيْهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لَهُمْ حُكْمَ الإِيمَانِ لا يَخْرُجُونَ عَنْهُ بِمَا أَحْدَثُوهُ مِنْ مَعْصِيَةٍ " انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " ومن مات لا يزكي ولا يصلي إلا في رمضان ينبغي لأهل العلم والدين أن يدعوا الصلاة عليه عقوبة ونكالا لأمثاله؛ لتركه صلى الله عليه وسلم الصلاة على قاتل نفسه وعلى الغالّ والمدين الذي لا وفاء له، ولا بد أن يصلي عليه بعض الناس ... ومن مات مظهرا للفسق مع ما فيه من الإيمان كأهل الكبائر، ومن امتنع من الصلاة على أحدهم زجرا لأمثاله عن مثل فعله كان حسنا، ومن صلى على أحدهم يرجو رحمه الله ولم يكن في امتناعه مصلحة راجحة كان حسنا، ولو امتنع في الظاهر ودعا له في الباطن ليجمع بين المصلحتين كان أولى من تفويت إحداهما " انتهى.
"الاختيارات" (ص 80) .
ونقل المرداوي في "الإنصاف" (2/535) : عن الإمام أحمد أنه لا يصلى على أهل الكبائر. وقال: " واختار المَجْد (مجد الدين ابن تيمية جد شيخ الإسلام ابن تيمية) أنه لا يصلي على كل من مات على معصية ظاهرة بلا توبة. قال في الفروع: وهو متجه " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ولو قال قائل: أفلا ينبغي أن يُعدّى هذا الحكم إلى أمير كل قرية أو قضيها أو مفتيها، أي من يحصل بامتناعه النكال، هل يتعدى الحكم إليهم؟
فالجواب: نعم، يتعدى الحكم إليهم، فكل من في امتناعه عن الصلاة نكال فإنه يسن له أن لا يصلي على الغالّ، ولا على قاتل نفسه ".
ثم قال: " مسألة: هل يلحق بالغالّ، وقاتل النفس من هو مثلهم، أو أشد منهم أذية للمسلمين، كقطاع الطرق مثلا؟
الجواب: المشهور من المذهب: لا يلحق.
والقول الثاني: أن من كان مثلهم، أو أشد منهم، فإنه لا يصلي الإمام عليه؛ لأن الشرع إذا جاء بعقوبة على جرم من المعاصي، فإنه يلحق به ما يماثله، أو ما هو أشد منه.
فإذا كان الذي غل هذا الشيء اليسير لم يصل عليه النبي صلى الله عليه وسلم فما بالك بمن يقف للمسلمين في الطرق، ويقتلهم ويأخذ أموالهم، ويروعهم، أليس هذا من باب أولى أن ينكل به؟
الجواب: بلى، ولهذا فالصحيح: أن ما ساوى هاتين المعصيتين، ورأى الإمام المصلحة في عدم الصلاة عليه، فإنه لا يصلي عليه " انتهى من "الشرح الممتع" (5/442) .
وبناء على ذلك: فمن كان معروفا بالقسوة والوحشية بحيث يرتكب الكبائر أو يجاهر بالمعاصي، فينبغي أن يمتنع عن الصلاة عليه أهل العلم والفضل ممن يكون لامتناعهم تأثير في الزجر عن هذه المعاصي والتنفير منها ومن أهلها، وأما آحاد الناس الذين لا يترتب على امتناعهم عن الصلاة والتشييع مصلحة، فينبغي أن يتبعوا الجنازة ويصلوا عليها تحصيلا للأجر والثواب، وقياما بحق المسلم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4757)
لو تبع جنازة دون أن يصلي عليها فهل له قيراط من الأجر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لو تبع شخص جنازة بدون أن يصلي عليها فهل يأخذ " قيراطاً " أم يشترط أن يصلي عليها لكي يأخذ هذا الأجر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
دلت السنة على أن من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان.
روى البخاري (1325) ومسلم (945) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ شَهِدَ الْجَنَازَةَ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ، وَمَنْ شَهِدَهَا حَتَّى تُدْفَنَ فَلَهُ قِيرَاطَانِ. قِيلَ: وَمَا الْقِيرَاطَانِ؟ قَالَ: مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ) رواه البخاري (1325) ومسلم (945) .
وروى مسلم (945) عن سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ قَاعِدًا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما إِذْ طَلَعَ خَبَّابٌ، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، أَلا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ! أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ خَرَجَ مَعَ جَنَازَةٍ مِنْ بَيْتِهَا وَصَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ تَبِعَهَا حَتَّى تُدْفَنَ كَانَ لَهُ قِيرَاطَانِ مِنْ أَجْرٍ كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أُحُدٍ، وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ كَانَ لَهُ مِنْ الأَجْرِ مِثْلُ أُحُدٍ) فَأَرْسَلَ ابْنُ عُمَرَ خَبَّابًا إِلَى عَائِشَةَ يَسْأَلُهَا عَنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِ فَيُخْبِرُهُ مَا قَالَتْ، وَأَخَذَ ابْنُ عُمَرَ قَبْضَةً مِنْ حَصْبَاءِ الْمَسْجِدِ يُقَلِّبُهَا فِي يَدِهِ حَتَّى رَجَعَ إِلَيْهِ الرَّسُولُ، فَقَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: صَدَقَ أَبُو هُرَيْرَةَ، فَضَرَبَ ابْنُ عُمَرَ بِالْحَصَى الَّذِي كَانَ فِي يَدِهِ الأَرْضَ ثُمَّ قَالَ: لَقَدْ فَرَّطْنَا فِي قَرَارِيطَ كَثِيرَةٍ) .
والقيراط مقدار كبير من الأجر مثَّله النبي صلى الله عليه وسلم بجبل أحد.
والقيراط الذي يحصل بالصلاة، هل يحصل بالصلاة فقط أم لا بد أن يخرج مع الجنازة من بيتها؟
قال الحافظ ابن حجر: " وفي رواية خباب عند مسلم: (من خرج مع جنازة من بيتها) ولأحمد في حديث أبي سعيد الخدري: (فمشى معها من أهلها) ومقتضاه أن القيراط يختص بمن حضر من أول الأمر إلى انقضاء الصلاة، وبذلك صرح المحب الطبري وغيره. والذي يظهر لي: أن القيراط يحصل أيضا لمن صلى فقط، لأن كل ما قبل الصلاة وسيلة إليها، لكن يكون قيراط من صلى فقط دون قيراط من شيّع مثلا وصلى، ورواية مسلم عن أبي هريرة بلفظ: (أصغرهما مثل أحد) يدل على أن القراريط تتفاوت " انتهى من "فتح الباري" (3/ 234) .
ثانياً:
وأما من تبعها دون أن يصلي عليها أو يشهد دفنها، فلا يدخل في هذا الوعد، لكن يرجى له أن يحصل له ثواب بحسب نيته.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " قال الزين بن المنيّر ما محصله: ... القيراط لا يحصل إلا لمن اتبع وصلى، أو اتبع وشيّع وحضر الدفن، لا لمن اتبع مثلا وشيع ثم انصرف بغير صلاة؛ وذلك لأن الاتباع إنما هو وسيلة لأحد مقصودين: إما الصلاة وإما الدفن، فإذا تجردت الوسيلة عن المقصد لم يحصل المرتب على المقصود، وإن كان يرجى أن يحصل لفاعلِ ذلك فضلٌ ما بحسب نيته " انتهى من "فتح الباري" (3/230) .
ثالثاً:
وظاهر الحديث أن القيراط المرتب على الدفن لا يحصل إلا إذا تقدمه الصلاة على الميت.
روى البخاري (47) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ اتَّبَعَ جَنَازَةَ مُسْلِمٍ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا وَكَانَ مَعَهُ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا وَيَفْرُغَ مِنْ دَفْنِهَا فَإِنَّه يَرْجِعُ مِنْ الأَجْرِ بِقِيرَاطَيْنِ) .
قال النووي رحمه الله:
" ومقتضى هذا أن القيراطين إنما يحصلان لمن كان معها في جميع الطريق حتى تدفن، فإن صلى مثلا وذهب إلى القبر وحده فحضر الدفن لم يحصل له إلا قيراط واحد " انتهى من "فتح الباري" (3/234) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "شرح كتاب الجنائز من بلوغ المرام":
" من فوائد الحديث (يعني حديث أبي هريرة المذكور في أول الجواب) :
أن القيراطين لا يحصلان إلا لمن شهد الصلاة والدفن، لقوله صلى الله عليه وسلم: (ومن شهدها حتى تدفن) لأنه من المعلوم أن الصلاة سابقة على الدفن.
فإن شهد الدفن دون الصلاة، مثل أن يمر رجل بأناس في المقبرة يدفنون ميتاً فحضر وشاركهم في الدفن، فالحديث ليس فيه دليل على أنه يحصل له بالدفن وحده قيراط، إنما يحصل له بالدفن قيراط إذا انضم إلى الصلاة، ولا يلزم من حصول الأجر بانضمام شيء إلى آخر أن يحصل به منفرداً " انتهى من الشريط السادس، الوجه الثاني.
والحاصل أن اتباع الجنازة على خمس مراتب:
الأولى: أن يشهدها منذ خروجها من بيتها، حتى يصلي عليها ويفرغ من دفنها، وهذه أكمل المراتب، وفيها قيراطان عظيمان من الأجر.
الثانية: أن يشهدها منذ خروجها من بيتها حتى يصلي عليها، فله قيراط.
الثالثة: أن يصلي عليها، وإن لم يخرج معها من بيتها، فله قيراط على ما اختاره الحافظ ابن حجر، لكنه دون من شهدها من بيتها.
الرابعة: أن يشهد دفنها فقط دون أن يصلي عليها، فظاهر الحديث أنه ليس له قيراط، وإن كان له ثواب في الجملة بقدر عمله.
الخامسة: أن يتبعها مدة ثم ينصرف، دون أن يشهد الصلاة أو الدفن، فهذا يرجى له ثواب على قدر نيته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4758)
هل يصلون الجنازة على تارك الصلاة خشية الفتنة من تركها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قرية معظم سكانها لا يصلون، متمسكون ببعض التقاليد الإسلامية، وقد يكون من بينهم من هو كافر، ونحن جماعة ملتزمة وندعوهم إلى الله، ولنا أمل في هدايتهم، ونحن لا نصلي صلاة الجنازة إلا على المصلين، وهذا يحدث فتنة إن لم نصل على غير المصلين.
هل يجوز الصلاة على الجميع في سبيل الدعوة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
حكم الصلاة على تارك الصلاة مبني على اختلاف العلماء في حكمه هل هو مسلم عاصٍ أم كافر؟
والذي تدل عليه ظواهر النصوص وإجماع الصحابة رضي الله عنهم: أن تارك الصلاة كافر كفراً أكبر، وقد سبق بيان هذا في جواب السؤال رقم (10061) ، وفي جواب السؤال رقم (70278) : أن الذي لا يصلي لا تؤكل ذبيحته، وفي جواب السؤالين (37820) و (49698) : أن تارك الصلاة لا يقبل منه عمل، لا زكاة، ولا صيام، ولا حج ولا شيء، وفي جواب السؤال رقم (7864) : أن الواجب أن يخصص للمسلمين مقابر، ولا يدفن فيها غيرهم، والذي لا يصلي ويموت وهو تارك للصلاة لا يدفن في مقابر المسلمين.
وفي الوقت نفسه لا نستطيع إنكار وجود قول آخر في المسألة، ولا حرج على من تبناه معتقداً صحته.
فإذا كنتم ترون كفر تارك الصلاة فلا تصلوا على أحدٍ ممن مات وهو تارك لها، ولتصبروا على ما تلقونه من أذى من السفهاء.
وإن كنتم لا ترون كفر تارك الصلاة: فلا بأس من صلاتكم على من مات وهو تارك للصلاة، مع أن الأفضل هو عدم الصلاة عليه عقوبة له، وزجراً لغيره عن هذه المعصية الكبيرة. ولعل ترككم الصلاة على هذا وأمثاله يكون دافعا للناس لإقامة الصلاة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4759)
هل يجوز للمرأة الاعتكاف عن والديها الأموات؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمرأة الاعتكاف عن والديها الأموات؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ذهب بعض العلماء إلى جواز فعل أي عبادة وهبة ثوابها للأموات، وذهب آخرون إلى أنه يقتصر على ما ورد به النص من العبادات.
سئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
ما هي الأشياء التي يَنتفع بها الميت من قبَل الأحياء؟ وهل هناك فرق بين العبادات البدنية وغير البدنية؟ نرجو أن توضحوا لنا هذه المسألة وتضعوا لنا فيها قاعدة نرجع إليها كلما أشكل علينا مثل هذه المسائل، أفتونا بارك الله فيكم.
فأجاب: " ينتفع الميت من الحي بما دل عليه الدليل من الدعاء له والاستغفار له والتصدق عنه والحج عنه والعمرة عنه وقضاء الديون التي عليه وتنفيذ وصاياه الشرعية، كل ذلك قد دلت الأدلة على مشروعيته.
وقد ألحق بها بعض العلماء كل قربة فعلها مسلم وجعل ثوابها لمسلم حي أو ميت، والصحيح الاقتصار على ما ورد به الدليل، ويكون ذلك مخصصًا لقوله تعالى: (وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى) النجم /39، والله أعلم "
" المنتقى " (2 / 161) .
وأما بخصوص الوالدين: فإن الشرع جعل الولد من كسب أبيه.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ: عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ، وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ، وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ، أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ، أَوْ بَيْتًا لابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ، أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ، أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ) . رواه ابن ماجه (242) ، وصححه ابن خزيمة (4 / 121) وحسَّنه المنذري والألباني كما في " صحيح الترغيب " (1 / 18) .
قال السندي – في حاشيته على "سنن ابن ماجه ":
" عَدُّ الولد الصالح من العمل والتعليم حسنٌ؛ لأن الوالد هو سبب في وجوده، وسبب لصلاحه بإرشاده إلى الهدى، كما جُعل نفس العمل في قوله تعالى: (إِنَه عَمَلٌ غَيْرُ صَالِح) " انتهى.
وقال الشيخ الألباني رحمه الله:
" ما يفعله الولد الصالح من الأعمال الصالحة فإن لوالديه مثل أجره، دون أن ينقص من أجره شيءٌ؛ لأن الولد من سعيهما وكسبهما، والله عز وجل يقول: (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) النجم /39، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه) - رواه أصحاب السنن الأربعة وصححه الشيخ رحمه الله بشواهده – " انتهى.
"أحكام الجنائز" (ص 126، 217) .
وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
ما هي الأعمال التي تنفع وتفيد الوالدين أحياءً وأمواتًا؟
فأجاب: " الأعمال هي: برهما في حياتهما، والإحسان إليهما بالقول والعمل، والقيام بما يحتاجانه من النفقة والسكن وغير ذلك والأنس بهما، والكلام الطيب معهما وخدمتهما؛ لقوله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) الإسراء / 23، خصوصًا في كبرهما، أما بعد الممات: فإنه يبقى من برهما أيضًا الدعاء، والصدقة لهما، والحج والعمرة عنهما، وقضاء الديون التي في ذمتهما، وصلة الرحم المتعلقة بهما، وكذلك برُّ صديقهما، وتنفيذ وصاياهما المشروعة " انتهى.
" المنتقى " (2/162) .
ثانيا ً:
وأما بخصوص اعتكاف النساء: فإن الاعتكاف مستحب للرجال والنساء، ولكن ينبغي تقييده في حق النساء بأن يكون بإذن أهلها أو زوجها، وأن لا يكون في اعتكافها فتنة.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
" فالمرأة تعتكف ما لم يكن في اعتكافها فتنة، فإن كان في اعتكافها فتنة: فإنها لا تمكن من هذا؛ لأن المستحب إذا ترتب عليه الممنوع وجب أن يمنع، كالمباح إذا ترتب عليه الممنوع وجب أن يمنع، فلو فرضنا أنها إذا اعتكفت في المسجد صار هناك فتنة كما يوجد في المسجد الحرام، فالمسجد الحرام ليس فيه مكان خاص للنساء، وإذا اعتكفت المرأة فلا بد أن تنام إما ليلاً وإما نهاراً، ونومها بين الرجال ذاهبين وراجعين فيه فتنة.
والدليل على مشروعية الاعتكاف للنساء: اعتكاف زوجات الرسول صلّى الله عليه وسلّم في حياته، وبعد مماته، لكن إن خيف فتنة: فإنها تمنع؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم منع فيما دون ذلك، فإنه لما أراد أن يعتكف صلّى الله عليه وسلّم خرج ذات يوم، وإذا خباء لعائشة، وخباء لفلانة، وخباء لفلانة، فقال صلّى الله عليه وسلّم: (آلبر يرِدْن؟!) ثم أمر بنقضها، ولم يعتكف تلك السنة، وقضاه في شوال، وهذا يدل على أن اعتكاف المرأة إذا كان يحصل فيه فتنة: فإنها تمنع من باب أولى " انتهى.
"الشرح الممتع" (6/510، 511) .
والخلاصة: أنه ينبغي للإنسان أن يكثر من الأعمال الصالحة عن نفسه، قبل انقضاء أجله، وانقطاع عمله. وسيكون لوالديه نصيب من أجور هذه الأعمال من غير أن تنقص أجور أولادهم، والاعتكاف من الأعمال الصالحة، ومن المرأة لا بدَّ أن يون وفق ضوابط وشروط كما في كلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4760)
لا يشرع غرس الشجر على القبر
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الناس يضعون غرسا على القبر مثل الصبار بحجة أن الرسول صلى الله عليه وسلم وضع ذلك على قبرين من أصحابه، ما حكم ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" لا يشرع غرس الشجر على القبور، لا الصبار ولا غيره، ولا زرعها بشعير أو حنطة أو غير ذلك، لأن الرسول لم يفعل ذلك في القبور، ولا خلفاؤه الراشدون رضي الله عنهم.
أما ما فعله مع القبرين اللذين أطلعه الله على عذابهما من غرس الجريدة فهذا خاص به وبالقبرين، لأنه لم يفعل ذلك مع غيرهما، وليس للمسلمين أن يحدثوا شيئا من القربات لم يشرعه الله للحديث المذكور، ولقول الله سبحانه: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ) الشورى/21" اهـ.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (5/407) .
وراجع السؤال رقم (48958) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4761)
نبشت قبور مقبرة وبني مكانها مسجد فهل تجوز الصلاة فيه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أحد المساجد في مدينتنا وهو أكبرها ثبت أنه كان قد بني مكان مقبرة بعد نبش القبور وتحويلها إلى مكان آخر. المشكلة أن هناك من يقول إنه لم تتم إزالة جميع القبور أو جميع الرفات حيث جيء بجرافة لتسوية المكان بعد إزالة القبور الظاهرة وكلما وجدوا قبراً أزالوه , فما حكم الصلاة فيه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يجب على المسلمين احترام قبور أمواتهم، ولا يحل نبش قبورهم لغير ضرورة، فإن كانت هناك ضرورة فيجب عليهم دفن كل ميت في قبر جديد.
وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
أسكن في قرية على حافة جبل وبجوارنا من الجهة اليمانية جبل مرتفع ومن الجهة الغربية حافة جبل، ومن الجهة الشرقية كذلك ومدرجات زراعية تحيط بنا، وعندي قطعة أرض بجوار مقبرة فعزمت على أن أبني لي بيتاً لأن بيت والدي أصبح لا يسعنا، وبعد أن حفرت في نفس الأرض وطرحنا حجر الأساس للبيت، وجدنا قبوراً، فقمنا بإخراج العظم ونقلها إلى محل آخر حيث يوجد عندنا في القرية خندق تحت جبل يوجد فيه رؤوس وأيادي وأرجل وأجزاء من أجسام بني آدم وضعت من قديم الزمان، ولا ندري هل عملنا هذا مشروع أم لا؟ أفيدونا أفادكم الله.
فأجاب:
"هذا العمل لا يجوز، فما دامت الأرض فيها قبور: فالواجب تركها، فهي تبع المقبرة ما دامت المقبرة بجوار الأرض المذكورة، فالواجب أن لا يتعرض لها، ولا ينبش القبور، وإذا حفر ووجد القبور يتركها، ولا يجوز للناس أن ينبشوا القبور، ويضعوا بيوتهم في محل القبور، فهذا تعد على محل الموتى وظلم للموتى لا يجوز.
قد يجوز بعض الأشياء إذا دعت الضرورة إليها مثل إذا دعت الحاجة إلى شارع ينفع المسلمين، واعترضه شيء من القبور، ولا حيلة في صرف الشارع، فقد يجوز أخذ بعض المقبرة ونقل الرفات إلى محل آخر إذا كانت الضرورة دعت إلى توسعة هذا الشارع للمسلمين، ولا حيلة في صرفه عن المقبرة، أما أن يأخذ الناس من المقبرة لتوسعة بيوتهم فهذا لا يجوز" انتهى.
" فتاوى نور على الدرب " (السؤال 119) .
ثانياً:
فإن نبشت قبور الكفار – أو تُعدي على قبور المسلمين فنُبشت – جاز بناء المسجد مكان تلك القبور، فإن بقي من القبور شيء فلا يجوز بناء المسجد عليها، وقد ثبتت الأحاديث في النهي عن بناء المساجد على القبور في الصحيحين وغيرهما، وقد بنى النبي صلى الله عليه وسلم مسجده في المدينة بعد أن نبش قبور الكفار.
فإذا بني المسجد فوق قبور المسلمين: لم تجز الصلاة فيه، ويجب هدم المسجد لأن القبور سابقة عليه، فإن كانت القبور في زاوية المسجد وبني جدار فاصل بين المسجد وتلك القبور: جاز ذلك الفعل وصحت الصلاة فيه، وهذه فتاوى العلماء في هذه المسألة:
سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
توجد وسط مدينتنا مقبرة قديمة أزالت البلدية أنقاضها وأقامت مكانها حيّاً سكنيّاً ومباني لذوي الدخل المحدود وبقيت منها مساحة كبيرة أقام عليها أهل البر والإحسان مسجداً ليصلي فيه سكان الحي، وبعد بناء المسجد وقع خلاف بين أهل البلد حول جواز الصلاة في هذا المسجد أو عدم جوازها وانقسموا بين مؤيد ومعارض، ما حكم هذا المسجد؟ وهل يجب هدمه أم الإبقاء عليه؟ هل الصلاة في هذا المسجد صحيحة أم لا؟ .
فأجابوا:
"الأرض التي بني عليها مسجد إذا كانت خالية من القبور صحت الصلاة فيها، وإلا فيجب هدم المسجد الذي بني عليها" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (1 / 418، 419) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة – أيضاً -:
إن مسجدنا ببلدة " بايانج بمنطقة لاناودل سور " قد تم إنشاؤه بعد زلزال مدمر ضرب المنطقة عام 1955م، حيث تحطمت جدرانه وأساساته، وقد قرر المسئولون وزعماء البلدة تعميره واتفقوا على تسوية الأرض الواقعة على الجانب الشرقي من المسجد المذكور علما بأن هذه المساحة من الأرض كانت تستخدم في السابق مقبرة لدفن الموتى، وعند تسوية هذه الأرض بواسطة الآليات الحديثة (البلدوزرات) فقد تم العثور على عدد كبير من عظام رفات الأموات حيث تمت إعادة دفنها ونقل بعض منها إلى الجزء الغربي من المسجد ولكن بداخل سور نفس المسجد الحالي.
1- فهل من الجائز إقامة صلاة الجمعة والجماعة بداخل هذا المسجد؟ .
2- إذا كان الجواب بالنفي: فهل من الممكن معالجة الأمر بإقامة حاجز أو حائط فاصل داخل الجانب الغربي لهذا المسجد حيث تم نقل عظام رفات الموتى.
فأجابوا:
"إذا كان المسجد الحالي لم يعمر على أرض فيها قبور: فالواجب نبش القبور التي وضعت في جهته الغربية ونقل رفاتها إلى أرض المقابر، وإن كانت من المسلمين: فتنتقل إلى قبور المسلمين، وإن كانت قبور كفار: نقلت إلى مقابر الكفار، على أن يوضع رفات كل ميت مسلم في حفرة واحدة يسوى ظاهرها كبقية القبور حتى لا يمتهن، فإن تعذر نقل الرفات من غربي المسجد: فلا مانع من فصلها بجدار يفصلها عن بقية المسجد.
أما إن كانت أصل أرض المسجد فيها قبور: فالواجب التماس أرض أخرى سليمة يقع عليها المسجد، وتبقى أرض المسجد الأولى مقبرة كأصلها" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (1 / 419 – 421) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
"وإذا كان في المسجد قبر: وجب أن ينبش وينقل ما فيه من عظام - إن وجدت - إلى مقبرة البلد فيحفر لها وتدفن في المقبرة؛ لأنه لا يجوز شرعاً وضع قبور في المساجد ولا بناء المساجد عليها؛ لأن ذلك من وسائل الشرك والفتنة بالمقبور، كما قد وقع ذلك في أكثر بلاد المسلمين من أزمان طويلة بأسباب الغلو في أصحاب القبور، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بنبش القبور التي كانت في محل مسجده عليه الصلاة والسلام ...
فهذه الأحاديث وما جاء في معناها كلها تدل على تحريم البناء على القبور، واتخاذ المساجد عليها، والصلاة فيها وإليها وتجصيصها ونحو ذلك من أسباب الشرك بأربابها ...
وذكر أهل العلم أن القبر إذا وضع في مسجد وجب نبشه وإبعاده عن المسجد، وإن كان المسجد هو الذي حدث أخيرا بعد وجود القبر وجب هدم المسجد وإزالته؛ لأنه هو الذي حصل ببنائه المنكر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حذر من بناء المساجد على القبور ولعن اليهود والنصارى على ذلك، ونهى أمته عن مشابهتهم، وقال لعلي رضي الله عنه: (لا تدع صورة إلا طمستها ولا قبراً مشرفاً إلا سوَّيته) " انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (6 / 337، 338) .
وعلى هذا فينظر في المكان الذي بني عليه المسجد، إن كان تحت أرضية المسجد قبور، فلا تجوز الصلاة فيه، وإن لم يكن تحته قبور جازت الصلاة فيه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4762)
أنوع النعي وأحكامه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو النعي الجائز من المحرم؟ وهل الإشهار بموت إنسان في المسجد حرام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: تعريف النعي
النعي يطلق على الإخبار بموت الميت وإذاعة ذلك، ويطلق أيضاً على ما قد يصاحب ذلك من تعداد مناقب الميت.
قال الترمذي في جامعه ص (239) : " والنعي عندهم أن ينادى في الناس أن فلاناً مات ليشهدوا جنازته ".
وقال ابن الأثير في النهاية (5/85) : " نعى الميت إذا أذاع موته، وأخبر به، وإذا ندبه ".
وقال القليوبي في حاشيته (1/345) : " وهو النداء بموت الشخص، وذكر مآثره ومفاخره ".
ثانياً: أقسام النعي
النعي وهو الإخبار بموت الميت إما أن يكون إعلاماً مجرداً، وإما أن يكون إعلاماً بنداء ورفع صوت وذكر لمآثر الميت ونحو ذلك، ولكل منهما حكم.
أما الإعلام بالموت مجرداً فقد ذهب جمهور أهل العلم من الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، وغيرهم إلى جواز الإعلام بالموت من غير نداء؛ لأجل الصلاة على الميت.
انظر: فتح القدير (2/127) ، حاشية الدسوقي (1/24) ، نهاية المحتاج (3/20) ، الإقناع (1/331) ، تحفة الأحوذي (4/61) ، السيل الجرار (1/339) .
بل ذهب جماعة من العلماء إلى استحباب ذلك.
انظر: البناية شرح الهداية (3/267) ، الخرشي على مختصر خليل (2/139) ، الأذكار للنووي ص (226) .
واستدلوا بما رواه البخاري (1333) ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَى النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَخَرَجَ بِهِمْ إِلَى الْمُصَلَّى فَصَفَّ بِهِمْ، وَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ. وفي رواية للبخاري (1328) (نَعَى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّجَاشِيَّ صَاحِبَ الْحَبَشَةِ يَوْمَ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَقَالَ: اسْتَغْفِرُوا لأَخِيكُمْ) .
قال النووي في "شرح مسلم":
" فِيهِ: اِسْتِحْبَاب الإِعْلام بِالْمَيِّتِ لا عَلَى صُورَة نَعْي الْجَاهِلِيَّة , بَلْ مُجَرَّد إِعْلَام للصَّلَاة عَلَيْهِ وَتَشْيِيعه وَقَضَاء حَقّه فِي ذَلِكَ , وَاَلَّذِي جَاءَ مِنْ النَّهْي عَنْ النَّعْي لَيْسَ الْمُرَاد بِهِ هَذَا , وَإِنَّمَا الْمُرَاد نَعْي الْجَاهِلِيَّة الْمُشْتَمِل عَلَى ذِكْر الْمَفَاخِر وَغَيْرهَا " انتهى.
واستدلوا أيضاً بما رواه البخاري (458) ومسلم (956) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا أَسْوَدَ أَوْ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَ يَقُمُّ الْمَسْجِدَ، فَمَاتَ، فَسَأَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ، فَقَالُوا: مَاتَ. قَالَ: أَفَلا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي بِهِ؟! دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ أَوْ قَالَ قَبْرِهَا، فَأَتَى قَبْرَهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا.
وهذان الحديثان ظاهران في إباحة الإعلام بالموت لأجل الصلاة، والدعاء له، بل هما دالان على الاستحباب، ولأن ذلك وسيلة لأداء حقه من الصلاة عليه واتباع جنازته.
ومما يدل على جواز الإعلام بموت الميت لمصلحة غير الصلاة عليه: ما في صحيح البخاري (4262) عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَى زَيْدًا وَجَعْفَرًا وَابْنَ رَوَاحَةَ لِلنَّاسِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُمْ خَبَرُهُمْ، فَقَالَ: (أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَ جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَ ابْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ، وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ، حَتَّى أَخَذَ الرَّايَةَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ) .
ففي هذا الحديث: نعى النبي صلى الله عليه وسلم هؤلاء الثلاثة رضي الله عنهم، ولم يكن ذلك النعي لأجل الصلاة عليهم، إنما لأجل إخبار المسلمين بخبر إخوانهم، وما جرى لهم في تلك الوقعة.
وعليه؛ فيجوز الإعلام بالموت لكل غرض صحيح كالدعاء له، وتحليله وما أشبه ذلك.
انظر: "نهاية المحتاج" (3/20) .
وقال ابن عبد البر الاستذكار (3/26) : " وكان أبو هريرة رضي الله عنه يمر بالمجالس، فيقول: إن أخاكم قد مات فاشهدوا جنازته ".
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (8/402) :
" يجوز دعاء أقارب الميت وأصحابه وجيرانه إذا توفي من أجل أن يصلوا عليه، ويدعوا له ويتبعوا جنازته، ويساعدوا على دفنه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أصحابه لما توفي النجاشي رحمه الله بموته ليصلوا عليه " انتهى.
وأما الإعلام بالموت بنداء ورفع صوت وذكر مآثر الميت فهذا النعي قد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم.
روى الترمذي (986) عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رضي الله عنه قَالَ: إِذَا مِتُّ فَلا تُؤْذِنُوا بِي، إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ نَعْيًا، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ النَّعْيِ. حسنه الحافظ ابن حجر، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.
قال السندي في "حاشية ابن ماجه":
" َكَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة يُشْهِرُونَ الْمَوْت بِهَيْئَةِ كَرِيهَة، فَالنَّهْي مَحْمُول عَلَيْهِ، وَخَافَ حُذَيْفَة أَنْ يَكُون الْمُرَاد إِطْلاق النَّهْي، فَمَا سمِحَ بِهِ، فَهُوَ مِنْ بَاب الْوَرَع، وَإِلا فَخَبَر الْمَوْت سِيَّمَا إِذَا كَانَ لِمَصْلَحَةٍ كَتَكْثِيرِ الْجَمَاعَة جَائِز " انتهى.
وقال الحافظ في "الفتح":
" النَّعْي لَيْسَ مَمْنُوعًا كُلّه , وَإِنَّمَا نُهِيَ عَمَّا كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة يَصْنَعُونَهُ فَكَانُوا يُرْسِلُونَ مَنْ يُعْلِن بِخَبَرِ مَوْت الْمَيِّت عَلَى أَبْوَاب الدُّور وَالأَسْوَاق.
قَالَ سَعِيد بْن مَنْصُور: أَخْبَرَنَا اِبْن عُلَيَّة عَنْ اِبْن عَوْن قَالَ قُلْت لإِبْرَاهِيم: أَكَانُوا يَكْرَهُونَ النَّعْي؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ اِبْن عَوْن: كَانُوا إِذَا تُوُفِّيَ الرَّجُل رَكِبَ رَجُل دَابَّة ثُمَّ صَاحَ فِي النَّاس: أَنْعِي فُلانًا. وقَالَ اِبْن سِيرِينَ: لا أَعْلَم بَأْسًا أَنْ يُؤْذِن الرَّجُل صَدِيقه وَحَمِيمه.
وَحَاصِله أَنَّ مَحْض الإِعْلام بِذَلِكَ لا يُكْرَه , فَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَلا " انتهى.
وفي "تحفة الأحوذي":
" الظَّاهِرُ أَنَّ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَرَادَ بِالنَّعْيِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيَّ وَحَمَلَ النَّهْيَ عَلَى مُطْلَقِ النَّعْيِ. وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِنَّ الْمُرَادَ بِالنَّعْيِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ النَّعْيُ الْمَعْرُوفُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. قَالَ الأَصْمَعِيُّ: كَانَتْ الْعَرَبُ إِذَا مَاتَ فِيهَا مَيِّتٌ لَهُ قَدْرٌ رَكِبَ رَاكِبٌ فَرَسًا وَجَعَلَ يَسِيرُ فِي النَّاسِ وَيَقُولُ: نَعَاءِ فُلانٍ أَيْ أَنْعِيهِ وَأُظْهِرُ خَبَرَ وَفَاتِهِ , وَإِنَّمَا قَالُوا هَذَا لأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَى النَّجَاشِيَّ , وَأَيْضًا قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ بِمَوْتِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَجَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ حِينَ قُتِلُوا بِمُؤْتَةَ. وَأَيْضًا قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حِينَ أُخْبِرَ بِمَوْتِ السَّوْدَاءِ أَوْ الشَّابِّ الَّذِي كَانَ يَقُمُّ الْمَسْجِدَ: أَلا آذَنْتُمُونِي. فَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ الإِعْلامِ بِالْمَوْتِ لا يَكُونُ نَعْيًا مُحَرَّمًا وَإِنْ كَانَ بِاعْتِبَارِ اللُّغَةِ يَصْدُقُ عَلَيْهِ اِسْمُ النَّعْيِ , وَلِذَلِكَ قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ إِنَّ الْمُرَادَ بِالنَّعْيِ فِي قَوْلِهِ: (يَنْهَى عَنْ النَّعْيِ) النَّعْيُ الَّذِي كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ جَمْعًا بَيْنَ الأَحَادِيثِ.
قَالَ اِبْنُ الْعَرَبِيِّ: يُؤْخَذُ مِنْ مَجْمُوعِ الأَحَادِيثِ ثَلاثُ حَالاتٍ: الأُولَى إِعْلامُ الأَهْلِ وَالأَصْحَابِ وَأَهْلِ الصَّلاحِ فَهَذَا سُنَّةٌ , الثَّانِيَةُ: دَعْوَةُ الْحَفْلِ لِلْمُفَاخَرَةِ فَهَذِهِ تُكْرَهُ , الثَّالِثَةُ: الإِعْلامُ بِنَوْعٍ آخَرَ كَالنِّيَاحَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهَذَا يُحَرَّمُ " انتهى من "تحفة الأحوذي".
وقال النووي في "المجموع" (5/174) :
" والصحيح الذي تقتضيه الأحاديث التي ذكرناها وغيرها أن الإعلام بموته لمن لم يعلم ليس بمكروه , بل إن قصد به الإخبار لكثرة المصلين فهو مستحب وإنما يكره ذكر المآثر والمفاخر والتطواف بين الناس بذكره بهذه الأشياء , وهذا نعي الجاهلية المنهي عنه , فقد صحت الأحاديث بالإعلام فلا يجوز إلغاؤها وبهذا الجواب أجاب بعض أئمة الفقه والحديث المحققين " انتهى.
وأما النعي برفع الصوت من غير ذكر للمفاخر والمآثر فقد ذهب جمهور أهل العلم من الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة إلى كراهية النداء في الإعلام بموت الميت؛ لما تقدم من حديث حذيفة رضي الله عنه.
ولأن النداء ورفع الصوت بموت الميت يشبه من حيث الصورة نعي الجاهلية الذي ورد النهي عنه، فإنهم كانوا يرسلون من يعلن بخبر موت الميت على أبواب الدور والأسواق.
انظر: "العناية شرح الهداية" (3/267) ، "الخرشي على مختصر خليل" (2/139) ، "المهذب" (1/132) ، "الشرح الكبير" (6/287) .
قال ابن قدامة في "المغني":
" ويكره النعي , وهو أن يبعث مناديا ينادي في الناس: إن فلانا قد مات. ليشهدوا جنازته. . . وقال كثير من أهل العلم: لا بأس أن يعلم بالرجل إخوانه ومعارفه وذوو الفضل , من غير نداء. قال إبراهيم النخعي: لا بأس إذا مات الرجل أن يؤذن صديقه وأصحابه , وإنما كانوا يكرهون أن يطاف في المجالس: أنعي فلانا. كفعل الجاهلية " انتهى.
وذهب جماعة من الحنفية إلى أنه لا يكره النداء على الميت في الأزقة والأسواق إذا كان نداءً مجرداً عن ذكر المفاخر.
قالوا: لأن في ذلك تكثير الجماعة من المصلين والمستغفرين للميت، وليس مثله نعي الجاهلية، فإنهم كانوا يبعثون إلى القبائل ينعون مع ضجيج وبكاء وعويل وتعديد ونياحة.
انظر: "فتح القدير" (2/128) .
وأجاب الجمهور عن هذا بأن مقصود تكثير الجماعة من المصلين والمستغفرين للميت يمكن حصوله دون النداء ورفع الصوت.
انظر: "فتح الباري" (3/117) .
وأما النعي على المنائر في المساجد فقد سبق الجواب عليه في السؤال رقم (41959) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4763)
حكم تغطية النعش بغطاء مكتوب عليه بعض الآيات القرآنية أو "لا إله إلا الله"
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تغطية النعش بغطاء مكتوب عليه بعض الآيات القرآنية أو " لا إله إلا الله "؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" الواجب ترك ذلك والتواصي بالتحذير منه؛ لما في ذلك من تعريض الآيات القرآنية للامتهان، ولأن بعض الناس قد يظن أن ذلك ينفع الميت. وذلك خطأ منكر لا وجه له في الشرع المطهر".
وكذلك إذا كتب عليه " لا إله إلا الله " فإن "هذا غير مشروع؛ وإنما يشرع التلقين قبل الموت في حق المحتضر؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لقنوا موتاكم لا إله إلا الله) . رواه مسلم.
والموتى هنا المراد بهم المحتضرون حتى يكون آخر كلامهم لا إله إلا الله.
أما الكتابة على كفنه أو على قبره فلا يجوز" اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ ابن باز رحمه الله. "مجلة البحوث الإسلامية" (68/36، 37) .(5/4764)
لا يجوز كشف وجه الميت بعد وضعه في القبر
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا وضع الميت في قبره فهل نكشف وجهه أو نتركه مغطى؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ ابن باز رحمه الله:
" لا يكشف، بل يغطى كله إلا المحرم فيكشف وجهه ورأسه لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن المحرم الذي مات بعرفة: (لا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا) متفق عليه وفي لفظ لمسلم: (وَلا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ وَلا وَجْهَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا) ".
وقال أيضاً:
" لا يجوز كشف وجه الميت إذا وضع في اللحد سواء كان رجلا أو امرأة، وإنما الواجب ستره بالكفن إلا أن يكون محرما فإنه لا يغطي رأسه ولا وجهه. . . لكن إذا كان الميت امرأة فإنه يخمر وجهها بكفنها ولو كانت محرمة؛ لأنها عورة " اهـ.
"مجلة البحوث الإسلامية" (68/44) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4765)
رفع الصوت في الجنائز
[السُّؤَالُ]
ـ[عند تشييع الجنازة يرفع بعض الناس صوته ويطلب من الناس أن يقولوا: لا إله إلا الله أو الله أكبر، فيقول: وحدوه وكبروه، فما حكم ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" هذا منكر لا أصل له في الشرع المطهر، وإنما المشروع عند اتباع الجنائز تذكر الآخرة والموت والدعاء للميت بالمغفرة والرحمة من دون رفع الأصوات، وقد قال قيس بن عباد التابعي الجليل رحمه الله: كان أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكرهون الصوت عند ثلاث: عند الجنازة وعند الذكر، وعند القتال " اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ ابن باز رحمه الله. " مجلة البحوث الإسلامية " (68/36) .(5/4766)
هل الدعاء للميت عند القبر يكون جماعة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا دفن الميت في قبره يقوم بعض الناس بالدعاء للميت ويؤمن الناس على دعائه فهل هذا الفعل من السنة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أفتى الشيخ ابن باز رحمه الله بجواز الدعاء جماعة، فيدعو أحد المشيعين ويؤمن الناس على دعائه، أو يدعو كل شخص بمفرده.
قال رحمه الله:
"قد دلت السنة الثابتة عن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على شرعية الدعاء للميت بعد الدفن، فقد كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ: (اسْتَغْفِرُوا لأَخِيكُمْ، وَسَلُوا لَهُ بِالتَّثْبِيتِ، فَإِنَّهُ الآنَ يُسْأَلُ) رواه أبو داود (3221) . صححه الألباني في "صحيح أبي داود".
ولا حرج في أن يدعو واحد ويؤمن السامعون أو يدعو كل واحد بنفسه للميت" اهـ.
مجلة البحوث الإسلامية (68/53) .
وهذا من حيث الجواز، أما الأفضل والأقرب إلى السنة فيدعو كل واحد بمفرده.
قال الشيخ بن عثيمين رحمه الله عن الدعاء جماعة:
"ليس هذا من سنة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا من سنة الخلفاء الراشدين رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم، وإنما كان الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرشدهم إلى أن يستغفروا للميت ويسألوا له التثبيت، كلٌّ بنفسه، وليس جماعة" اهـ.
"فتاوى الجنائز" (ص 228) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4767)
ما يسن قوله عند الدفن
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا يقال في السنة عند الدفن؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يسن لمن يضع الميت في القبر أن يقول: بسم الله وعلى سنة رسول الله، أو: وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وذلك لحديث ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا وضع الميت في القبر قال: (وفي لفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا وضعتم موتاكم في القبور فقولوا: بسم الله وعلى سنة رسول الله) . وفي رواية: (وعلى ملة رسول الله) . أخرجه أبو داود (3213) والترمذي (1046) وابن ماجه (1550) والحاكم (1353) وصححه الألباني في أحكام الجنائز ص192.
ويسن بعد الفراغ من الدفن الاستغفار للميت والدعاء له بالتثبيت؛ لحديث عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال: (اسْتَغْفِرُوا لأَخِيكُمْ، وَسَلُوا لَهُ بِالتَّثْبِيتِ، فَإِنَّهُ الآنَ يُسْأَلُ) . رواه أبو داود (3221) ، وصححه الألباني في أحكام الجنائز ص198.
(وقف عليه) أي: على قبره.
(فقال استغفروا لأخيكم) أي اطلبوا له المغفرة من الله. أي قولوا: اللهم اغفر له.
(وسلوا له التثبيت) أي اطلبوا له من الله تعالى أن يثبت لسانه لجواب الملَكين. أي: قولوا: ثبته الله بالقول الثابت.
(فإنه الآن يسأل) أي: أي يأتيه في تلك الحال ملكان، وهما منكر ونكير ويسألانه، فهو أحوج ما كان إلى الاستغفار والتثبيت.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4768)
حكم لبس السواد حداداً على الميت
[السُّؤَالُ]
ـ[يلبس بعض الناس لباسا أسود عند وفاة قريب لهم، فهل هذا من البدع أم أنه ثبت في السنة المطهرة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم يثبت لبس الأسود عند وفاة أحد في السنة المطهرة، ولذلك عَدَّه العلماء من البدع.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم متابعة النساء للجنازة؟ ولبس الثوب الأسود؟
فأجاب:
" اتباع النساء للجنائز حرام لقلة صبرهن، ولما في ذلك من التعرض للفتنة والاختلاط بالرجال.
وأما لبس السواد عند المصيبة فمن البدع" اهـ.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (17/329) .
وسئل أيضاً (17/410) : ما حكم تخصيص لباس معين للتعزية كلبس السواد للنساء؟
فأجاب:
"تخصيص لباس معين للتعزية من البدع فيما نرى، ولأنه قد ينبىء عن تسخط الإنسان على قدر الله عز وجل، وإن كان بعض الناس يرى أنه لا بأس به، لكن إذا كان السلف لم يفعلوه، وهو ينبىء عن شيء من التسخط فلا شك أن تركه أولى؛ لأن الإنسان إذا لبسه فقد يكون إلى الإثم أقرب منه إلى السلامة" اهـ.
وقال أيضاً (17/414) :
"لبس السواد حداداً على الميت من البدع وإظهار الحزن، وهو شبيه بشق الجيوب ولطم الخدود الذي تبرأ النبي صلى الله عليه وسلم من فاعله حيث قال: (ليس منا من شق الجيوب، ولطم الخدود، ودعا بدعوى الجاهلية) " اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4769)
هل تجوز الصلاة على المنتحر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو إفادتي، هل يجوز صلاة الجنازة على المنتحر؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قتل النفس من كبائر الذنوب، وقد جاء الوعيد الشديد في حق من فعل ذلك، لكنه لا يخرج عن دائرة الإسلام، وقد جاءت السنة بجواز الصلاة على المنتحر من عامة الناس، والمشروع في حق الخاصة مثل أهل العلم والفضل ترك الصلاة عليه ردعاً وزجراً لأمثاله.
عن جابر بن سمرة قال: أُتِي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قتل نفسه بمشاقص فلم يصل عليه. رواه مسلم (978) .
والمِشقص: سهم عريض له طرف حاد.
قال النووي:
قال العلماء: هذا الحديث محمول على التنفير من الانتحار، كعدم صلاته الجنازة على من عليه ديْن، وقد صلت الصحابة على المدين بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك للتنفير من الديْن وليس لأنه كافر، وتكره عند مالك الصلاة على المرجوم بحد، والفساق، وذلك زجرًا لهم. " شرح مسلم " (7 / 47) .
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية:
عن رجل يدعي المشيخة: فرأى ثعبانا , فقام بعض من حضر ليقتله , فمنعه عنه , وأمسكه بيده , على معنى الكرامة له , فلدغه الثعبان فمات. فهل تجوز الصلاة عليه أم لا؟.
فأجاب:
الحمد لله رب العالمين، ينبغي لأهل العلم والدين أن يتركوا الصلاة على هذا , ونحوه , وإن كان يصلي عليه عموم الناس كما امتنع النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة على قاتل نفسه , وعلى الغال من الغنيمة , وقال: صلوا على صاحبكم، وقالوا لسمرة بن جندب: إن ابنك البارحة لم يبت , فقال: بشما؟ (أي هل عدم نومه بسبب كثرة الأكل) قالوا: نعم , قال: أما إنه لو مات لم أصلِّ عليه. فبين سمرة أنه لو مات بشما لم يصل عليه ; لأنه يكون قاتلا لنفسه بكثرة الأكل، فهذا الذي منع من قتل الحية , وأمسكها بيده حتى قتلته , أولى أن يترك أهل العلم والدين الصلاة عليه؛ لأنه قاتل نفسه ... " الفتاوى الكبرى " (3 / 20، 21) .
وقال شيخ الإسلام رحمه الله – أيضاً -:
ومن امتنع من الصلاة على أحدهم - أي: الغال والقاتل والمدين - زجراً لأمثاله عن مثل فعله كان حسناً، ولو امتنع في الظاهر ودعا له في الباطن ليجمع بين المصلحتين: كان أولى من تفويت إحداهما. " الاختيارات العلمية " (ص 52) .
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز:
من قتل نفسه فهل يصلَّى عليه؟ .
فأجاب:
يصلِّي عليه بعض المسلمين كسائر العصاة؛ لأنه لا يزال في حكم الإسلام عند أهل السنة.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (13 / 162) .
وسئل – رحمه الله -:
هل قاتل نفسه يغسل ويصلى عليه؟ .
فأجاب:
قاتل نفسه يغسل ويصلي عليه ويدفن مع المسلمين؛ لأنه عاص وهو ليس بكافر؛ لأن قتل النفس معصية وليس بكفر.
وإذا قتل نفسه والعياذ بالله يغسل ويكفن ويصلي عليه، لكن ينبغي للإمام الأكبر ولمن له أهمية أن يترك الصلاة عليه من باب الإنكار؛ لئلا يظن أنه راض عن عمله، والإمام الأكبر أو السلطان أو القضاة أو رئيس البلد أو أميرها إذا ترك ذلك من باب إنكار هذا الشيء وإعلان أن هذا خطأ فهذا حسن، ولكن يصلي عليه بعض المصلين.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (13 / 122) و " فتاوى إسلامية " (2 / 62) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4770)
هل يعتبر من مات نتيجة مداهمة سيارة له شهيداً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يعتبر من مات نتيجة مداهمة سيارة له شهيداً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يمكن أن يحصِّل من مات نتيجة حوادث السيارات أجر الشهيد في حالتين:
الأولى: إذا مات بسبب نزيف في بطنه، وهو ما يسمى " المبطون " سواء كان في سيارة أو كان ماشياً أو واقفاً فدهسته سيارة على قول بعض أهل العلم في أن المبطون هو الذي يموت بسبب داء فيه بطنه، أيّ داء كان.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الشهداء خمسة المطعون والمبطون والغرق وصاحب الهدم والشهيد في سبيل الله ".
رواه البخاري (2674) ومسلم (1914) .
وفي زيادة عند الترمذي (1846) وأبي داود (3111) وابن ماجه (2803) زيادة: " صاحب الجنب " و " والمرأة تموت بجمع ".
قال النووي:
فأما " المطعون " فهو الذي يموت في الطاعون، كما في الرواية الأخرى: " الطاعون شهادة لكل مسلم ".
وأما " المبطون " فهو صاحب داء البطن , وهو الإسهال، قال القاضي: وقيل: هو الذي به الاستسقاء وانتفاخ البطن , وقيل: هو الذي تشتكي بطنه , وقيل: هو الذي يموت بداء بطنه مطلقا.
وأما " الغرق " فهو الذي يموت غريقا في الماء، و " صاحب الهدم " من يموت تحته , و " صاحب ذات الجنب " معروف , وهي قرحة تكون في الجنب باطنا، و " الحريق " الذي يموت بحريق النار، وأما " المرأة تموت بجَمع " قيل: التي تموت حاملا جامعة ولدها في بطنها , وقيل: هي البكر , والصحيح الأول.
" شرح مسلم " (13 / 63) .
والحالة الثانية: أن يموت بسبب التصادم سواء مات داخل السيارة أو خارجها، وهذا قد يشبه صاحب الهدم " المذكور في الحديث السابق.
سئل علماء اللجنة الدائمة:
بعض الناس يقولون: إن من يموت بسبب حادث سيارة إنه شهيد، وله مثل أجر الشهيد، فهل هذا صحيح أم لا؟ .
فأجابوا:
نرجو أن يكون شهيداً؛ لأنه يشبه المسلم الذي يموت بالهدم، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه شهيد." فتاوى اللجنة الدائمة " (8 / 375) .
وفضل الله واسع، ونرجو أن يكون هذا شهيداً، ولكننا لا نجزم بذلك.
نسأل الله تعالى أن يُحسن خاتمتنا، ويقينا ميتة السوء. والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4771)
تكاليف الكفن والدفن والتغسيل
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان الميت فقيراً، فمن الذي يجب عليه أن يدفع تكاليف تكفينه وتغسيله ودفنه. . . إلخ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إذا كان الميت له مال فنفقات تجهيزه تكون من ماله، ويكون هذا مقدماً على قضاء ديونه، وتنفيذ وصيته إن كان أوصى بشيء، وقبل الميراث، بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي مات بعرفة: (وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ) رواه البخاري (1851) ومسلم (1206) .
قال ابن القيم في "زاد المعاد" (2/240) في الأحكام المستفادة من هذا الحديث:
" أن الكفن مقدم على الميراث، وعلى الدَّين، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن يكفن في ثوبيه، ولم يسأل عن وارثه، ولا عن دَيْن عليه، ولو اختلف الحال لسأل.
وكما أن كسوته في الحياة مقدمة على قضاء دَيْنه، فكذلك بعد الممات، هذا كلام الجمهور، وفيه خلاف شاذ لا يُعَوِّل عليه " انتهى.
وانظر: "المجموع" (5/147) ، "المغني" (3/457) .
وقال الكاساني في "بدائع الصنائع" (2/330) : " ويكفن من جميع ماله قبل الدين والوصية والميراث , لأن هذا من أصول حوائج الميت؛ فصار كنفقته في حال حياته " انتهى.
ثانياً:
وإذا لم يكن للميت مال وجب تكفينه على من تلزمه نفقته (كأبيه وابنه والزوج) , فإن لم يكن وجبت من بيت المال , فإن لم يكن وجب ذلك على عامة المسلمين.
انظر: " المجموع" (5/148-150) ، "بدائع الصنائع" (2/330) .
قال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (5/219) : " وإنما قُدم بيت مال المسلمين على عموم المسلمين؛ لأنه لا منّة فيه على الميت؛ بخلاف ما إذا كان من المسلمين، فإن هذا الذي سوف يعطيه سيكون في قلبه منة عليه " انتهى.
وقال أيضاً: (5/217) : " ولكن لو فرض أن هناك جهة مسؤولة ملتزمة بذلك، فلا حرج أن نكفنه منها إلا إذا أوصى الميت بعدم ذلك، بأن قال: كفنوني من مالي، فإنه لا يجوز أن نكفنه من الأكفان العامة، سواء كانت من جهة حكومية، أو من جهة خاصة " انتهى.
ثالثاً:
ولما كان الزوج يجب عليه النفقة على زوجته حال الحياة كان كفنها واجباً عليه.
وهو قول أبي حنيفة والشافعي ومالك , وقال أحمد: يجب في مالها.
انظر: "المجموع" (5/148-150) , "حاشية ابن عابدين" (3/101) .
قال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (5/219) تعليقاً على قول الجمهور: " وهذا القول أرجح إن كان موسراً " أي: غنياً.
وسئل الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: هل يجب على الزوج كفن الزوجة؟
فأجاب:
" الصحيح أنه يجب على الزوج كفن امرأته، موسرة كانت أو معسرة، وهو من النفقة، ومن المعاشرة بالمعروف، ومما يعده الناس منكراً أنه إذا ماتت زوجة الغني المعسرة أنه لا يجب عليه كفنها " انتهى.
"الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة" (2/542) .
وأما الزوجة فلا يلزمها كفن زوجها، لأنها لا يجب عليها أن تنفق عليه حال الحياة.
قال الكاساني في "بدائع الصنائع" (2/330) : " ولا يجب على الزوجة كفن زوجها بالإجماع , كما لا يجب عليها كسوته في حال الحياة " انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4772)
حكم تسويك الميت
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تسويك الميت؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا أعلم لهذا أصلاً، وإنما يوضأ ثم يغسل، وإذا سوكه عند المضمضة فلا بأس كالحي.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز – رحمه الله – م/13 ص/115.(5/4773)
الدعاء للكفار بالهداية
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت إجابة السؤال رقم (4569) . وجاء في الإجابة دعاء الشيخ بأن يهدي الله الرافضة، فهل هذا يليق؟ فالدعاء للمشركين لا يجوز. .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: نشكر للأخ السائل هذا الاهتمام وسؤاله عما يستشكله في بعض الإجابات.
ثانياً: للوقوف على حكم الرافضة وبعض أقوالهم يراجع السؤال رقم (1148) و (10272) .
ثالثاً: الاستغفار للمشركين لا شك أنه محرم، وقد دل على تحريمه الكتاب والسنة.
قال الله تعالى: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113) وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) التوبة / 113-114.
قال السعدي رحمه الله:
يعني: ما يليق ولا يحسن بالنبي والمؤمنين به " أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ " أي: لمن كفر بهُ وعبد معه غيره " وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ". . .
ولئن وجد الاستغفار من خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام لأبيه فإنه "عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ " في قوله "سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا" وذلك قبل أن يعلم عاقبة أبيه.
فلما تبين لإبراهيم أن أباه عدو للهُ سيموت على الكفر ولم ينفع فيه الوعظ والتذكير "تَبَرَّأَ مِنْهُ" موافقة لربه وتأدبا معه.
"إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ" أي: رجَّاع إلى الله في جميع الأمور كثير الذكر والدعاء والاستغفار والإنابة إلى ربه.
"حَلِيمٌ" أي: ذو رحمة بالخلق وصفح عما يصدر منهم إليه من الزلات لا يستفزه جهل الجاهلين ولا يقابل الجاني عليه بجرمه فأبوه قال له: "لَأَرْجُمَنَّكَ" وهو يقول له: "سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي" اهـ.
وروى البخاري (3884) أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عرض الإسلام على عمه أبي طالب وهو يموت، فأبى، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْهُ. فَنَزَلَتْ: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) وَنَزَلَتْ: (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) .
قال الحافظ:
(مَا لَمْ أَنَّهُ عَنْهُ) أَيْ: الاسْتِغْفَار , وَفِي رِوَايَة: (عَنْك) اهـ.
وروى مسلم (976) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لأُمِّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي.
قال النووي رحمه الله:
فِيهِ: النَّهْي عَنْ الاسْتِغْفَار لِلْكُفَّارِ اهـ.
وواضح من هذين الحديثين أن النهي إنما هو عن الاستغفار لهم وهو طلب المغفرة، ومثله الدعاء لهم بدخول الجنة أو النجاة من العذاب.
والحكمة من هذا النهي:
"أن الاستغفار لهم في هذه الحال (أي في حال تبين أنهم أصحاب الجحيم) غلط غير مفيد فلا يليق بالنبي والمؤمنين لأنهم إذا ماتوا على الشرك أو علم أنهم يموتون عليه فقد حقت عليهم كلمة العذاب ووجب عليهم الخلود في النار ولم تنفع فيهم شفاعة الشافعين ولا استغفار المستغفرين.
وأيضا: فإن النبي صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا معهُ عليهم أن يوافقوا ربهم في رضاه وغضبهُ ويوالوا من والاه اللهُ ويعادوا من عاداه اللهُ والاستغفار منهم لمن تبين أنه من أصحاب النار مناف لذلك مناقض له" اهـ. قاله السعدي رحمه الله.
وليس الدعاء للكفار بالهداية مما يشمله النهي عن الاستغفار لهم.
وقد ثبت دعاء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لبعض الكفار بالهداية.
قال البخاري رحمه الله في "الصحيح": بَابُ الدُّعَاءِ لِلْمُشْرِكِينَ بِالْهُدَى لِيَتَأَلَّفَهُمْ. ثم ذكر حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنَّ دَوْسًا قَدْ عَصَتْ وَأَبَتْ، فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَأْتِ بِهِمْ. رواه البخاري (2937) ومسلم (2524) .
قال الحافظ في "فتح الباري":
ذَكَرَ البخاري حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة فِي قُدُومِ الطُّفَيْلِ بْنِ عَمْرو الدَّوسِيِّ وَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "للَّهُمَّ اِهْدِ دَوسًا" وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا تَرْجَمَ لَهُ. وَقَوْلُه: "لِيَتَأَلَّفَهُمْ" مِنْ تَفَقُّهِ الْمُصَنِّفَ إِشَارَة مِنْهُ إِلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَقَامَيْنِ، وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ تَارَةً يَدْعُو عَلَيْهِمْ، وَتَارَةً يَدْعُو لَهُمْ، فَالْحَالَة الأُولَى حَيْثُ تَشْتَدُّ شَوْكَتُهُمْ، وَيَكْثُرُ أَذَاهُمْ، وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ حَيْثُ تُؤْمَنُ غَائِلَتُهُمْ، وَيُرْجَى تَأَلُّفُهُمْ كَمَا فِي قِصَّةِ دَوْسٍ اهـ.
وروى الترمذي (2739) عَنْ أَبِي مُوسَى الأشعري قَالَ: كَانَ الْيَهُودُ يَتَعَاطَسُونَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْجُونَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ: يَرْحَمُكُمْ اللَّهُ، فَيَقُولُ: يَهْدِيكُمُ اللَّهُ، وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ. صححه الألباني في صحيح الترمذي.
قال الحافظ:
حَدِيث أَبِي مُوسَى دَالّ عَلَى أَنَّهُمْ (يعني: الكفار) يَدْخُلُونَ فِي مُطْلَق الأَمْر بِالتَّشْمِيتِ , لَكِنْ لَهُمْ تَشْمِيت مَخْصُوص وَهُوَ الدُّعَاء لَهُمْ بِالْهِدَايَةِ وَإِصْلاح الْبَال وَهُوَ الشَّأْن وَلا مَانِع مِنْ ذَلِكَ , بِخِلافِ تَشْمِيت الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُمْ أَهْل الدُّعَاء بِالرَّحْمَةِ بِخِلافِ الْكُفَّار اهـ.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4774)
هل يمكن العودة للدنيا لعمل الصالحات؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أختي تموت ولا أظن أنها تعيش للشهر القادم والله أعلم، فعلت في حياتها الكثير من الأشياء التي ندمت على فعلها وتابت منها، ودائماً تتمنى أن يعود بها الزمن لتصحح ما فعلت، تريد أن تعرف شيئاً قبل أن تموت:
بما أن الله يعطي الذين يرحمهم ويدخلهم الجنة ما أرادوا ويحقق لهم ما يطلبون فهل سيحقق لهم طلبهم إن طلبوا أن يعودوا للماضي ويصححوا أخطاءهم وزلاتهم التي فعلوها ولو في الجنة؟
الله يقول بأنه أعد للمؤمنين في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فهل يعطي الله أهل الجنة أي شيء يخطر ببالهم ولم يستطيعوا الحصول عليه في الدنيا وبالتحديد ما تطلبه أختي؟
أرجو الإسراع في الإجابة لأنني لا أظنها تعيش أكثر من عدة أسابيع. والله أعلم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
اعلم رحمك الله تعالى أن الأعمار والآجال بيد الله سبحانه وتعالى، فقد قال سبحانه: (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ) الرعد /38. وقال سبحانه وتعالى: (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) لقمان /3.
ولا يمكن للإنسان أن يعلم متى سيموت، فما هي إلا ظنون قد تصدق، وقد تكذب.
ولا يعني المرض –مثلاً- أن هذا الشخص سيموت قريباً، كما لا يعني الشباب والقوة أن هذا الشخص سيعيش طويلاً.
فكم من شخص مريض توقع الناس له الوفاة قريبا فعاش حيناً من الدهر. وكم من شخص صحيح أتاه الموت فجأة.
وقد صدق الشاعر إذ يقول:
تَزَوَّدْ من التقوى فإنك لا تدري ... إذا جَنَّ ليلٌ هل تعيشُ إلى الفجرِ
فكم من فَتًى أمسى وأصبح ضاحكا ... وقد نُسِجَْت أكفانُه وهو لا يدرِي
وكم من صغارٍ يُرْتَجَى طولُ عمرهم ... وقد أُدخلت أجسامُهم ظلمةَ القبرِ
وكم من عروسٍ زينوها لزوجها ... وقد قُبضت أرواحُهم ليلةَ القدرِ
وكم من صحيحٍ مات من غير علةٍ ... وكم من عليلٍ عاش حيناً من الدهرِ
والمطلوب من المؤمن هو الاستعداد للموت في كل وقت بالتوبة إلى الله وعمل الصالحات، وقد روى ابن ماجه (4259) عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَفْضَلُ؟ قَالَ: أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا. قَالَ: فَأَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْيَسُ؟ (أي: أعقل) قَالَ: أَكْثَرُهُمْ لِلْمَوْتِ ذِكْرًا، وَأَحْسَنُهُمْ لِمَا بَعْدَهُ اسْتِعْدَادًا أُولَئِكَ الأَكْيَاسُ) وقال العراقي: إسناده جيد اهـ. وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه.
والحمد لله الذي وفق أختك للتوبة والندم على ما فات.
ونزف لها البشرى بأنها إن صدقت في توبتها فإن الله تعالى سيتوب عليها، وسيبدل سيئاتها حسنات. قال الله تعالى: (إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الفرقان /70.
انظر السؤال رقم (14289) .
ثانيا:
إذا دخل المؤمن الجنة أعطاه الله تعالى كل ما يتمناه، بل فوق ما يتمناه. قال الله تعالى: (يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) الزخرف/71.
وروى البخاري (806) عن أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما في حديث طويل أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخبر عن آخر أهل الجنة دخولاً الجنة أن الله تعالى يقول له:
تَمَنَّ، فَيَتَمَنَّى حَتَّى إِذَا انْقَطَعَ أُمْنِيَّتُهُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: مِنْ كَذَا وَكَذَا، أَقْبَلَ يُذَكِّرُهُ رَبُّهُ، حَتَّى إِذَا انْتَهَتْ بِهِ الأَمَانِيُّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ لأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَ اللَّهُ لَكَ ذَلِكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَمْ أَحْفَظْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلا قَوْلَهُ لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ إِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ ذَلِكَ لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ.
لكن إذا تمنى المؤمن أن يعود إلى الدنيا فإنه لا يجاب إلى ذلك، لأن الله تعالى قد قضى أنه لا يعود أحد إلى الدنيا.
قال الله تعالى: (وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) الأنبياء /95.
أي يمتنع على أهل القرى الذين أهلكهم الله أن يعودوا إلى الدنيا ليستدركوا ما فرطوا فيه.
انظر تفسير السعدي (868) .
وروى البخاري (2817) ومسلم (1877) عن أَنَس بْن مَالِكٍ قال: قال النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا مِنْ أَحَدٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا وَأَنَّ لَهُ مَا عَلَى الأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ غَيْرُ الشَّهِيدِ فَإِنَّهُ يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ فَيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ لِمَا يَرَى مِنْ الْكَرَامَةِ) .
غير أنه لا يجاب إلى ذلك.
روى الترمذي (3010) وابن ماجه (190) عن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَرَامٍ قال: لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَقَالَ: يَا جَابِرُ، أَلا أُخْبِرُكَ مَا قَالَ اللَّهُ لأَبِيكَ؟ قَالَ: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: مَا كَلَّمَ اللَّهُ أَحَدًا قَطُّ إِلا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَكَلَّمَ أَبَاكَ كِفَاحًا، فَقَالَ: يَا عَبْدِي، تَمَنَّ عَلَيَّ أُعْطِكَ. قَالَ: يَا رَبِّ تُحْيِينِي فَأُقْتَلُ فِيكَ ثَانِيَةً. فَقَالَ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ: إِنَّهُ سَبَقَ مِنِّي أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لا يَرْجِعُونَ. قَالَ: يَا رَبِّ فَأَبْلِغْ مَنْ وَرَائِي. قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) . صححه الألباني في صحيح ابن ماجه.
نسأل الله تعالى أن يمن على أختك والمسلمين جميعا بالتوبة النصوح.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4775)
حكم النعي على منارات المساجد في مكبرات الصوت
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الإشهار بموت إنسان في المسجد حرام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النعي، والمراد من هذا النهي ما كان أهل الجاهلية يفعلونه، حيث كانوا يرسلون من يعلن موت الميت رافعاً صوته بذلك، ولذلك ذهب جمهور العلماء إلى أن النعي إذا تضمن رفعاً للصوت كان منهيا عنه.
وذهب جماعة من الحنفية إلى أنه لا يكره النداء على الميت في الأزقة والأسواق إذا كان نداء مجرداً عن ذكر المفاخر.
قالوا: لأن في ذلك تكثيراً لجماعة المصلين والمستغفرين للميت، وليس مثله نعي الجاهلية، فإنهم كانوا يبعثون إلى القبائل ينعون مع ضجيج وبكاء وعويل وتعديد ونياحة.
وأجيب عن هذا بأن مقصود تكثير الجماعة من المصلين والمستغفرين للميت يمكن حصوله دون النداء ورفع الصوت.
ثم إن رفع الصوت في الإعلام بموت الميت يشبه من حيث الصورة نعي الجاهلية الذي ورد النهي عنه.
انظر: "العناية شرح الهداية" (3/267) ، "فتح القدير" (2/128) ، "الخرشي على مختصر خليل" (2/139) ، "المهذب" (1/132) ، "الشرح الكبير" (6/287) ، "فتح الباري" (3/117) .
قال الصنعاني في "سبل السلام" (1/482) :
" وفي النهاية: والمشهور في العرب أنهم كانوا إذا مات فيهم شريف أو قتل بعثوا راكبا إلى القبائل ينعاه إليهم، يقول: نعاء فلانا أو يا نعاء العرب، هلك فلان أو هلكت العرب بموت فلان.
ثم قال الصنعاني: ويقرب عندي أن هذا هو المنهي عنه، ومنه: النعي من أعلى المنارات كما يعرف في هذه الأمصار في موت العظماء " انتهى.
وقال الشيخ الألباني رحمه الله في بيان ما يحرم على أقارب الميت:
الإعلان عن موته على رؤوس المنائر ونحوها؛ لأنه من النعي، وقد ثبت عن حذيفة بن اليمان أنه: كان إذا مات له الميت قال: لا تؤذنوا به أحداً، إني أخاف أن يكون نعياً، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن النعي ...
والنعي لغة: هو الإخبار بموت الميت، فهو على هذا يشمل كل إخبار، ولكن قد جاءت أحاديث صحيحة تدل على جواز نوع من الإخبار، وقيد العلماء بها مطلق النهي، وقالوا: إن المراد بالنعي الإعلان الذي يشبه ما كان عليه أهل الجاهلية من الصياح على أبواب البيوت والأسواق ... .
وقال الحافظ: " وفائدة هذه الترجمة الإشارة إلى أن النعي ليس ممنوعاً كله، وإنما نهى عما كان أهل الجاهلية يصنعونه، فكانوا يرسلون من يعلن بخبر موت الميت على أبواب الدور والأسواق ".
قلت (الألباني) : وإذا كان هذا مسلَّما: فالصياح بذلك على رؤوس المنائر يكون نعياً من باب أولى، ولذلك جزمنا به، وقد يقترن به أمور أخرى هي في ذاتها محرمات أخر، مثل أخذ الأجرة على هذا الصياح! ومدح الميت بما يعلم أنه ليس كذلك، كقولهم: " الصلاة على فخر الأماجد المكرمين، وبقية السلف الكرام الصالحين! ".
"أحكام الجنائز" (ص 44– 46) باختصار.
هذا إذا كان المقصود من السؤال إشهار النعي على المنائر بمكبرات الصوت.
إما إذا كان المقصود من ذلك مجرد إعلام المصلين في المسجد من غير رفعٍ للصوت، فلا حرج في ذلك إن شاء الله، وهذا يشبه ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم بعد موت النجاشي، حيث أعلم بموته الصحابة ونعاه من أجل الصلاة عليه.
روى البخاري (1333) ومسلم (951) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَى النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَخَرَجَ بِهِمْ إِلَى الْمُصَلَّى فَصَفَّ بِهِمْ، وَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ. وفي رواية للبخاري (1328) (نَعَى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّجَاشِيَّ صَاحِبَ الْحَبَشَةِ يَوْمَ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَقَالَ: اسْتَغْفِرُوا لأَخِيكُمْ) .
قال النووي في "شرح مسلم":
" فِيهِ: اِسْتِحْبَاب الإِعْلام بِالْمَيِّتِ لا عَلَى صُورَة نَعْي الْجَاهِلِيَّة , بَلْ مُجَرَّد إِعْلام للصَّلاة عَلَيْهِ وَتَشْيِيعه وَقَضَاء حَقّه فِي ذَلِكَ , وَاَلَّذِي جَاءَ مِنْ النَّهْي عَنْ النَّعْي لَيْسَ الْمُرَاد بِهِ هَذَا , وَإِنَّمَا الْمُرَاد نَعْي الْجَاهِلِيَّة الْمُشْتَمِل عَلَى ذِكْر الْمَفَاخِر وَغَيْرهَا " انتهى.
وانظر السؤال (60008) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4776)
هل نضع جريدة رطبة على القبر لتخفيف العذاب عن الميت
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت في أحد الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع جريدتين على قبرين يعذب من فيها حتى يخفف عنهما ولم أعرف الحكمة من هذا وهل يشرع لنا أن نفعل مثل هذا الفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
" نعم ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مر بقبرين فقال: " إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ مِنْ كَبِيرٍ ثُمَّ قَالَ: بَلَى أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ يَسْعَى بِالنَّمِيمَةِ وَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ قَالَ: ثُمَّ أَخَذَ عُودًا رَطْبًا فَكَسَرَهُ بِاثْنَتَيْنِ ثُمَّ غَرَزَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى قَبْرٍ ثُمَّ قَالَ: لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا " رواه البخاري 1378 ومسلم (292) .
وهذا دليل على أنه قد يخفف العذاب، ولكن ما مناسبة هاتين الجريدتين لتخفيف العذاب عن هذين المعذبين؟
1- قيل: لأنهما أي الجريدتين تسبّحان ما لم تيبسا، والتسبيح يخفف من العذاب على الميت، وقد فرعوا على هذه العلة المستنبطة – التي قد تكون مستبعدة - أنه يسن للإنسان أن يذهب إلى القبور ويسبح عندها من أجل أن يخفف عنها.
2- وقال بعض العلماء: هذا التعليل ضعيف لأن الجريدتين تسبحان سواء كانتا رطبتين أم يابستين لقوله تعالى-: (تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم) الإسراء / 44. وقد سُمع تسبيح الحصى بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم، مع أن الحصى يابس، إذاً ما العلة؟
العلة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم، ترجّى من الله عز وجل أن يخفف عنهما من العذاب ما دامت هاتان الجريدتان رطبتين، يعني أن المدة ليست طويلة وذلك من أجل التحذير من فعلهما، لأن فعلهما كبير كما جاء في رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم: " بلى إنه كبير ".
أحدهما كان لا يستبرئ من البول، وإذا لم يستبرئ من البول صلى بغير طهارة.
والآخر كان يمشي بالنميمة يفسد بين عباد الله والعياذ بالله ويلقي بينهم العداوة، والبغضاء، فالأمر كبير.
وهذا هو الأقرب في معنى الحديث أنها شفاعة مؤقتة تحذيراً للأمة لا بخلاً من الرسول صلى الله عليه وسلم بالشفاعة الدائمة.
ثانياً:
إن بعض العلماء – عفا الله عنهم – قالوا: يسن أن يضع الإنسان جريدة رطبة، أو شجرة، أو نحوها على القبر ليخفف عنه، لكن هذا الاستنباط بعيد جداً ولا يجوز أن نصنع ذلك لأمور:
أولاً: أننا لم يكشف لنا أن هذا الرجل يعذب بخلاف النبي صلى الله عليه وسلم فقد كشف الله تعالى له بالوحي حال هذين القبرين.
ثانياً: أننا إذا فعلنا ذلك فقد أسأنا إلى الميت، لأننا ظننا به ظن سوء أنه يعذب وما يدرينا فلعله يُنعم، لعل هذا الميت ممن مَنَّ الله عليه بالمغفرة قبل موته لوجود سبب من أسباب المغفرة الكثيرة فمات وقد عفا رب العباد عنه، وحينئذ لا يستحق عذاباً.
ثالثاً: أن هذا الاستنباط مخالف لما كان عليه السلف الصالح فلم يكن هذا الفعل من هديهم وسنتهم وهم أعلم الناس بشريعة الله.
رابعاً: أن الله تعالى قد فتح لنا ما هو خير منه فكان النبي عليه الصلاة والسلام إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال: " استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل ".
" انتهى من مجموع فتاوى الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله (2/30) بتصرف.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4777)
هل تخلع السن الذهب من الميت؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا توفي إنسان وكان أحد أسنانه من ذهب هل يترك هذا السن أو يخلع؟ وإذا كان هذا الخلع يترتب عليه مضرة لبقية الأسنان فما الحكم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: يجب أن نعلم أن السن الذهب لا يجوز أن يركب إلا عند الحاجة إليه، فلا يجوز أن يركبه أحد للزينة اللهم إلا النساء إذا جرت عادتهن التزيّن بتحلية الأسنان بالذهب فلا بأس. أما الرجال فلا يجوز أبداً إلا لحاجة.
ثانياً: إذا مات من عليه أسنان من ذهب فإن كان يمكن خلع السن بدون مُثلةٍ (أي تمثيل به وهو تقطيع بعض أجزاء الميت) خُلِع؛ لأن ملكه انتقل إلى الورثة وإن كان لا يمكن خلعه إلا بمِثُلْة بحيث تسقط بقية الأسنان فإنه يبقى ويدفن معه.
ثم إن كان الوارث بالغاً عاقلاً رشيداً وسمح بذلك تُرك ولم يتعرض له، وإلا فقد قال العلماء: إنه إذا ظن أن الميت بَلي حُفر القبر وأخذ السن لأن بقاءه إضاعة مال. وقد نهى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك.
[الْمَصْدَرُ]
فضيلة الشيخ ابن عثيمين. الباب المفتوح (/155) .(5/4778)
تطيب الميت وتبخير الكفن للرجل والمرأة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا ماتت المرأة فهل تطيب كالرجل، وهل يطيب كفن الرجل والمرأة أيضاً، أم أن تطييب الميت خاص بالرجال؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يستحب تطييب الكفن، والميت رجلاً كان أم امرأة، وقد دلت السنة الصحيحة على ذلك.
فقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر النساء اللاتي يغسلن ابنته أن يجعلن في الغسلة الآخرة كافوراً أو شيئاً من كافور. رواه البخاري (1253) ومسلم (939) . والكافور نوع من الطيب.
قال الحافظ في "الفتح":
" قِيلَ: الْحِكْمَة فِي الْكَافُور مَعَ كَوْنه يُطَيِّب رَائِحَة الْمَوْضِع لأَجْلِ مَنْ يَحْضُر مِنْ الْمَلائِكَة وَغَيْرهمْ أَنَّ فِيهِ تَجْفِيفًا وَتَبْرِيدًا وَقُوَّة نُفُوذ وَخَاصِّيَّة فِي تَصْلِيب بَدَن الْمَيِّت، وَطَرْد الْهَوَامّ عَنْهُ، وَرَدْع مَا يَتَحَلَّل مِنْ الْفَضَلات، وَمَنْع إِسْرَاع الْفَسَاد إِلَيْهِ , وَهُوَ أَقْوَى الأَرَايِيح الطَّيِّبَة فِي ذَلِكَ , وَهَذَا هُوَ السِّرّ فِي جَعْله فِي الأَخِيرَة إِذْ لَوْ كَانَ فِي الأُولَى مَثَلا لأَذْهَبَهُ الْمَاء , وَهَلْ يَقُوم الْمِسْك مَثَلا مَقَام الْكَافُور؟ إِنْ نُظِرَ إِلَى مُجَرَّد التَّطَيُّب فَنَعَمْ , وَإِلا فَلا , وَقَدْ يُقَال: إِذَا عُدِمَ الْكَافُور قَامَ غَيْره مَقَامه وَلَوْ بِخَاصِّيَّةٍ وَاحِدَة مَثَلا " انتهى.
وقال النووي في شرح مسلم:
" فِيهِ: اِسْتِحْبَاب شَيْء مِنْ الْكَافُور فِي الأَخِيرَة , وَهُوَ مُتَّفَق عَلَيْهِ عِنْدنَا , وَبِهِ قَالَ مَالِك وَأَحْمَد وَجُمْهُور الْعُلَمَاء , لهَذَا الْحَدِيث ; وَلأَنَّهُ يُطَيِّب الْمَيِّت , وَيُصَلِّب بَدَنه وَيُبَرِّدهُ , وَيَمْنَع إِسْرَاع فَسَاده " انتهى.
وعن جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا أَجْمَرْتُمْ الْمَيِّتَ فَأَجْمِرُوهُ ثَلاثًا) رواه الإمام أحمد (14131) وقال النووي في "المجموع" (5/155) : إسناده صحيح. وصححه الألباني في صحيح الجامع (278) .
وَالْمَعْنَى: بَخَّرْتُمْ الْمَيِّت، والميت: يطلق على الذكر والأنثى.
والمراد: تبخير الكفن، وقد ذكر البيهقي في سننه (3/568) أن هذا الحديث رُوِي بلفظ: (جَمِّرُوا كَفَنَ الْمَيِّتِ ثَلاثًا) .
انظر: "بدائع الصنائع" (1/307) .
وعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما أَنَّهَا قَالَتْ لأَهْلِهَا: (أَجْمِرُوا ثِيَابِي إِذَا مِتُّ، ثُمَّ حَنِّطُونِي) . رواه مالك في "الموطأ" (528) والبيهقي في "السنن الكبرى" (3/568) .
قال في المنتقى: " الْحَنُوطُ مَا يُجْعَلُ فِي جَسَدِ الْمَيِّتِ وَكَفَنِهِ مِنْ الطَّيِّبِ وَالْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ وَالْكَافُورِ وَكُلِّ مَا الْغَرَضُ مِنْهُ رِيحُهُ دُونَ لَوْنِهِ ; لأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الرَّائِحَةِ دُونَ التَّجَمُّلِ بِاللَّوْنِ " انتهى.
وهذا الحكم (وهو استحباب تطيب الميت) لا يشمل المحرم بحج أو عمرة , لقول النبي صلى الله عليه وسلم في المحرم الذي مات بعرفة: (وَلا تَمَسُّوهُ بِطِيبٍ) رواه البخاري (1851) ومسلم (1206) ، وفي رواية لهما: (وَلا تُقَرِّبُوهُ طِيبًا) .
قال النووي: " يستحب تبخير الكفن إلا في حق المحرم والمحرمة ".
"المجموع" (5/156) .
ثانياً:
وأما صفة تطييب الميت، فيوضع الطيب على مواضع السجود لشرفها، وعلى الأماكن التي تجتمع فيها الأوساخ كباطن الركبتين، ولو طيب الميت كله، فلا بأس.
روى البيهقي (3/568) عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: الكافور يوضع على مواضع السجود.
وهي: الجبهة والأنف واليدان والركبتان والقدمان، لأنه كان يسجد بهذه الأعضاء فخصت بزيادة الكرامة.
انظر: "شرح فتح القدير" (2/110) .
وقال ابن قدامة في المغني (3/388) : " ويجعل الحنوط (الطيب الذي يصنع للميت) على المغابن (المفاصل) كباطن الركبتين وتحت الإبطين لأنها تجتمع فيها الأوساخ , ويجعل على أعضاء سجوده لأنها أشرف , وإن طيبه كله فلا بأس " انتهى.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل ورد تطييب جميع بدن الميت؟
فأجاب: " نعم، ورد عن بعض الصحابة رضي الله عنهم ".
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (17/97) .
ثالثاً:
إذا ماتت المعتدة من وفاة هل تطيب؟
قال النووي في المجموع (5/164-165) : " الصحيح أنه لا يحرم تطيبها، لأنه حرم عليها الطيب في العدة حتى لا يدعو إلى نكاحها , وقد زال هذا المعنى بالموت " اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4779)
تغسيل الميت المحترق
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يتم تغسيل الميت محروقا أم لا وما كيفية غسله علما بأنه يكون في حالة احتراق كاملة أحيانا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من مات بالحرق وأمكن تغسيله غسل. وإن خيف تهريه أو تقطعه بالغسل صب عليه الماء صبا، فإن خيف تقطعه بالصب، يمم إن أمكن ذلك.
قال ابن قدامة رحمه الله: (والمجدور , والمحترق , والغريق , إذا أمكن غسله غسل , وإن خيف تقطعه بالغسل صب عليه الماء صبا , ولم يمس , فإن خيف تقطعه بالماء لم يغسل , وييمم إن أمكن , كالحي الذي يؤذيه الماء , وإن تعذر غسل الميت لعدم الماء ييمم , وإن تعذر غسل بعضه دون بعض , غسل ما أمكن غسله , وييمم الباقي , كالحي سواء) انتهى من المغني 2/209
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله:
كيف يتم تغسيل الإنسان الذي يموت في حادث ويتشوه جسمه وربما تقطع بعض أجزائه؟
فأجاب رحمه الله:
يجب تغسله كما يغسل غيره إذا أمكن ذلك، فإن لم يمكن فإنه يُيمّم، لأن التيمم يقوم مقام التغسيل بالماء عند العجز عن ذلك.
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة 13/123
وفي فتاوى اللجنة الدائمة 8/371 عن تغسيل الميت بحادث قطّع جسمه:
(إذا تعذر غسله فإنه ييمم لعموم قوله تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم) ، لأن الله شرع التيمم للطهارة من الحدث الأكبر والأصغر في حالة عدم وجود الماء، أو العجز عن استعماله، أو التضرر باستعماله) .
والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4780)
حضور جنازة زميله غير المسلم في الكنيسة تقديرا للميت
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمسلم أن يحضر جنازة الصديق غير المسلم إذا كانت في كنيسة كاحترام أو تقدير للميت؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للمسلم أن يشيع جنازة الكافر، ولا أن يدخل كنائسهم، سواء على وجه الاحترام، أو على وجه التقدير ونحو ذلك؛ لأن التشييع فيه نوع محبة واحترام وتقدير، وهذا لا يجوز بذله للكافر على الصحيح.
ثم إن السائل يقول: (يحضر جنازة الصديق غير المسلم) ، ولا يجوز للمسلم أن يتخذ الكافر صديقا؛ لأن الله أمرنا بمعاداتهم وهجرهم والبعد عنهم، وهذا لا يعني عدم وجود التعامل معهم أو البيع أو الشراء أو الشركات معهم، فهذا شيء واتخاذهم أصدقاء شيء آخر، قال تعالى: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) المجادلة / 22، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام، وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه) رواه الإمام مسلم في صحيحه (2167) من حديث أبي هريرة.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ سليمان بن ناصر العلوان(5/4781)
يحرم على النساء زيارة قبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للنساء زيارة قبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ ابن باز رحمه الله:
لا يجوز لهن ذلك، لعموم الأحاديث الواردة في نهي النساء عن زيارة القبور ولعنهن على ذلك، والخلاف في زيارة النساء لقبر النبي صلى الله عليه وسلم مشهور، ولكن تركهن لذلك أحوط وأوفق للسنة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يستثن قبره ولا قبر غيره، بل نهاهن نهياً عاماً، ولعن من فعل ذلك منهن، والواجب الأخذ بالتعميم ما لم يوجد نص يخص قبره بذلك وليس هناك ما يخص قبره. والله ولي التوفيق اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى الشيخ ابن باز (17/419)(5/4782)
تلقين المحتضر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المراد بتلقين الميت: "لا إله إلا الله" في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لقنوا موتاكم لا إله إلا الله) ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التلقين هو التعليم والتفهيم؛ والمراد بتلقين الميت أن يكون عنده من يذكره بالنطق بـ (لا إله إلا الله) ، كما لو كان يُعَلِّم صبيا ويلقنه، والمراد بالميت هنا: المحتضَر الذي نزل به الموت.
وإنما استُحِب تلقين الميت كلمة الإخلاص في هذه الحال، لأجل أن يختم له بها، وتكون آخر ما نطق به من الكلام، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم به؛ فعن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ) رواه مسلم 916.
وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ كَانَ آخِرُ كَلامِهِ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ) رواه أحمد (21529) وأبو داود (3116) وحسنه الألباني في "إرواء الغليل" (687) .
وعَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَادَ رَجُلا مِنْ الأَنْصَارِ فَقَالَ: (يَا خَالُ، قُلْ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ. قَالَ: خَالٌ أَمْ عَمٌّ؟! قَالَ: بَلْ خَالٌ. قَالَ: وَخَيْرٌ لِي أَنْ أَقُولَهَا؟! قَالَ: نَعَمْ) رواه أحمد (13414) وقال الألباني في أحكام الجنائز: إسناده صحيح على شرط مسلم.
ولا ينبغي إيذاء المحتضر بالإكثار عليه في التلقين، إذا قالها ولم يتكلم بعدها بشيء
قال النووي:
" وَكَرِهُوا الإِكْثَار عَلَيْهِ وَالْمُوَالاة لِئَلا يَضْجَر بِضِيقِ حَاله وَشِدَّة كَرْبه، فَيَكْرَه ذَلِكَ بِقَلْبِهِ , وَيَتَكَلَّم بِمَا لا يَلِيق. قَالُوا: وَإِذَا قَالَهُ مَرَّة لا يُكَرِّر عَلَيْهِ إِلا أَنْ يَتَكَلَّم بَعْده بِكَلامٍ آخَر , فَيُعَاد التَّعْرِيض بِهِ لِيَكُونَ آخِر كَلَامه " انتهى.
ولَمَّا احْتُضِرَ عبد الله بْنُ المُبَارَكِ رحمه الله، جَعَلَ رَجُلٌ يُلَقِّنُهُ، قُلْ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ. فَأَكْثَرَ عَلَيْهِ.
فَقَالَ لَهُ: لَسْتَ تُحْسِنُ! وَأَخَافُ أَنْ تُؤْذِيَ مُسْلِماً بَعْدِي، إِذَا لَقَّنْتَنِي، فَقُلْتُ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، ثُمَّ لَمْ أُحْدِثْ كَلاَماً بَعْدَهَا، فَدَعْنِي، فَإِذَا أَحْدَثْتُ كَلاَماً، فَلَقِّنِّي حَتَّى تَكُوْنَ آخِرَ كَلاَمِي.
"سير أعلام النبلاء" (8/418) .
ويشرع هذا التلقين، ولو كان الميت كافرا، لأنه لو قالها قبل النزع نفعه قوله، ولو عذب ما عذب بذنوبه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقنوا موتاكم لا إله إلا الله؛ فإنه من كان آخر كلامه لا إله إلا الله عند الموت دخل الجنة يوما من الدهر، وإن أصابه قبل ذلك ما أصابه) رواه ابن حبان وصححه الألباني في صحيح الجامع (5150) .
ومما يدل على أن الأمر بالتلقين يعم الكافر، فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع عمه أبي طالب، ومع الغلام اليهودي الذي كان يخدمه.
فقد حضر النبي صلى الله عليه وسلم موت عمه أبي طالب، وقال له: (أَيْ عَمِّ، قُلْ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ) رواه البخاري (3884) ومسلم (24) .
وحضر النبي صلى الله عليه وسلم موت الغلام اليهودي الذي كان يخدمه، وقال له: (أَسْلِمْ - وفي رواية أحمد (12381) : قُلْ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ -) رواه البخاري (1356) .
فائدتان عن الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
أولا: هل يكون التلقين بلفظ الأمر؛ بمعنى أن الملقن يأمر المحتضر، فيقول له: قل: لا إله إلا الله، أو يتلفظ بها أمامه بحيث يتذكرها إذا سمع من يقولها بجانبه؟
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" ينبغي في هذا أن ينظر إلى حال المريض، فإن كان المريض قوياً يتحمل، أو كان كافراً فإنه يؤمر، فيقال: قل: لا إله إلا الله، اختم حياتك بلا إله إلا الله، وما أشبه ذلك.
وإن كان مسلماً ضعيفاً فإنه لا يؤمر، وإنما يذكر الله عنده حتى يسمع فيتذكر، وهذا التفصيل مأخوذ من الأثر، والنظر.
أما الأثر فلأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عمه أبا طالب عند وفاته أن يقول: لا إله إلا الله، قال: يا عم قل: لا إله إلا الله.
وأما النظر: فلأنه إن قالها فهو خير، وإن لم يقلها فهو كافر، فلو فرض أنه ضاق صدره بهذا الأمر ولم يقلها فهو باق على حاله لم يؤثر عليه شيئاً، وكذا إذا كان مسلماً وهو ممن يتحمل فإن أمرناه بها لا يؤثر عليه، وإن كان ضعيفاً فإن أمرناه بها ربما يحصل به رد فعل بحيث يضيق صدره، ويغضب فينكر وهو في حال فِراق الدنيا، فبعض الناس في حال الصحة إذا قلت له قل: لا إله إلا الله، قال: لن أقول: لا إله إلا الله، فعند الغضب يغضب بعض الناس حتى ينسى، فيقول: لا أقول: لا إله إلا الله، فما بالك بهذه الحال؟
ثانيا: " تلقينه لا إله إلا الله" ولم نقل: محمد رسول الله؛ لأن هذا هو الذي ورد فيه الحديث: "لقّنوا موتاكم لا إله إلا الله"، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة". فكلمة التوحيد مفتاح الإِسلام، وما يأتي بعدها فهو من مكملاتها وفروعها.
ولو جمع بين الشهادتين؛ فقال: لا إله إلا الله محمد رسول الله، لا يمنع هذا من أن يكون آخر كلامه من الدنيا "لا إله إلا الله"؛ لأن الشهادة للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة تابع لما قبلها ومتممٌ له، ولهذا جعلها النبي صلى الله عليه وسلم مع الشهادة لله بالألوهية ركناً واحداً، فلا يعاد تلقينه، وظاهر الأدلة أنه لا يكفي قول المحتضَر: أشهد أن محمداً رسول الله، بل لا بد أن يقول: لا إله إلا الله " انتهى من "الشرح الممتع" (5/177) .
وقد يستدل على أمر المسلم بها إذا كان قوي الإيمان بحديث الأنصاري المتقدم وفيه أمره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له بقول لا إله إلا الله (يَا خَالُ، قُلْ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ) .
وكذلك قول الطبيب لعمر بن الخطاب بعدما سقاه اللبن: (فَخَرَجَ اللَّبَنُ مِنْ الطَّعْنَةِ صَلْدًا أَبْيَضَ، فَقَالَ لَهُ الطَّبِيبُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، اعْهَدْ! فَقَالَ عُمَرُ: صَدَقَنِي، وَلَوْ قُلْتَ غَيْرَ ذَلِكَ كَذَّبْتُكَ، فَبَكَى عَلَيْهِ الْقَوْمُ حِينَ سَمِعُوا ذَلِكَ، فَقَالَ: لا تَبْكُوا عَلَيْنَا، مَنْ كَانَ بَاكِيًا فَلْيَخْرُجْ، أَلَمْ تَسْمَعُوا مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يُعَذَّبُ الْمَيِّتُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ) .
رواه أحمد (296) . قال أحمد شاكر: إسناده صحيح.
فواجهه بهذا الأمر.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4783)
حكم غرقى العبارة المصرية، والصلاة عليهم
[السُّؤَالُ]
ـ[حدث في هذه الأيام غرق العبارة المصرية، ويتوقع أن يكون عدد الغرقى في الحادث نحو ألف، فهل هؤلاء يعتبرون شهداء؟ وكيف نصلي على من لم يوجد منهم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أن الأمور كلها بيد الله عز وجل يصرفها كيف يشاء ولنا أمام هذا الحدث ما يلي:
أولاً:
قد يختار الله من عباده المؤمنين أصنافا من الناس أفراداً أو جماعات فيبتليهم ليرفع بالابتلاء درجتهم أو يكفر به ذنوبهم، فالمصائب سبب لتكفير الذنوب، ورفعة الدرجات، قال صلى الله عليه وسلم: (ما من شيء يصيب المؤمن حتى الشوكة تصيبه إلا كتب الله له بها حسنة، أو حطّت عنه بها خطيئة) رواه مسلم (2572) .
ثانياً:
المشروع للمسلم إذا أصابته مصيبة أن يصبر، ويقول ما أمرنا به النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي، وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا، إِلَّا أَخْلَفَ اللَّهُ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا) رواه مسلم (918) .
ثالثاً:
من مات غريقاً فهو شهيد، له ثواب الشهداء عند الله تعالى، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: الْمَطْعُونُ وَالْمَبْطُونُ وَالْغَرِقُ وَصَاحِبُ الْهَدْمِ وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) رواه البخاري (2829) ومسلم (1914) وفي لفظ عند مسلم (1915) : (والغريق شهيد) .
قال ابن التين رحمه الله: " هذه كلها ميتات فيها شدة تفضل الله على أمة محمد صلى الله عليه وسلم بأن جعلها تمحيصا لذنوبهم وزيادة في أجورهم يبَلِّغهم بها مراتب الشهداء ". "فتح الباري" (8/ 438) .
وانظر جواب السؤال رقم (22140) .
رابعاً:
من أنجاه الله تعالى من هذا الحادث وخرج سليماً، فليحمد ربه تعالى على العافية، وليحسن فيما بقي من عمره فإن الموت يأتي الإنسان بغتة، والله تعالى أمهله ونجاه، ولو شاء لكان الأمر بخلاف ذلك.
خامساً:
من خرج من الغرق ميتاً، فإنه يجب تغسيله وتكفينه والصلاة عليه. أما من لم يتم العثور عليه منهم، فهذا يجب أن يصلى عليه صلاة الغائب؛ لأن صلاة الجنازة فرض كفاية يجب القيام بها. فتصف الصفوف ويتقدم الإمام للصلاة عليه كأن الجنازة حاضرة بين أيديهم.
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:
" إذا وُجِدَ الغريقُ فإنَّه يغسَّل ويكفَّن، ويصلى عليه كأي ميت آخر، وإذا لم يعثر عليه فيصلى عليه صلاة الغائب عند الشافعية والحنابلة " انتهى.
ولكن الشافعية يشترطون - في المعتمد عندهم - أن يتقدم غسله لتصح الصلاة عليه، وذهب جماعة من متأخريهم إلى صحة الصلاة عليه إذا تعذر غسله.
وينظر: مغنى المحتاج (2/49) ، أسنى المطالب (1/321) .
وقد روى البخاري (1318) ومسلم (951) عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: نَعَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَصْحَابِهِ النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَخَرَجَ بِهِمْ إِلَى الْمُصَلَّى، ثُمَّ تَقَدَّمَ فَصَفُّوا خَلْفَهُ، فَكَبَّرَ أَرْبَعًا.
قال النووي رحمه الله: " فيه دليل للشافعي وموافقيه في الصلاة على الميت الغائب " انتهى.
وقد سبق تفصيل القول في الصلاة على الغائب في جواب السؤال (35853) .
ونسأل الله تعالى أن يتقبلهم شهداء، وأن يرزق أهلهم الصبر والسلوان.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4784)
حكم قراءة القرآن عند القبر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز قراءة القرآن عند القبر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قراءة القرآن عند القبر، غير مشروعة، لعدم ورودها عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء ما نصه: هل يجوز قراءة الفاتحة أو شيء من القرآن للميت عند زيارة قبره، وهل ينفعه ذلك؟
فأجابت:
(ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يزور القبور، ويدعو للأموات بأدعية علمها أصحابه، وتعلموها منه، من ذلك: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية) ، ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قرأ سورة من القرآن أو آيات منه للأموات مع كثرة زيارته لقبورهم، ولو كان ذلك مشروعاً لفعله، وبينه لأصحابه؛ رغبةً في الثواب، ورحمةً بالأمة، وأداءً لواجب البلاغ، فإنه كما وصفه تعالى بقوله: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) التوبة/128.
فلما لم يفعل ذلك مع وجود أسبابه دل على أنه غير مشروع، وقد عرف ذلك أصحابه رضي الله عنهم فاقتفوا أثره، واكتفوا بالعبرة والدعاء للأموات عند زيارتهم، ولم يثبت عنهم أنهم قرأوا قرآناً للأموات، فكانت القراءة لهم بدعة محدثة، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) متفق عليه)
انتهى من فتاوى اللجنة 9/38
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4785)
حكم الصلاة على الميت الغائب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الصلاة على الميت الغائب؟ وإذا كانت مشروعة فهل يصلى على كل غائب؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى أصحابه يوم مات النجاشي ملك الحبشة رحمه الله، فنعاه لهم، وصفهم وصلى عليه صلاة الجنازة.
فهذا الحديث دليل على مشروعية الصلاة على الغائب، إلا أن بعض العلماء كالحنفية والمالكية قالوا: إن هذا خاص بالرسول صلى الله عليه وسلم فلا تشرع صلاة الغائب لغيره.
وقد رد جمهور العلماء ذلك بأن الخصوصية لا تثبت إلا بدليل صحيح، والأصل: أن الأمة مأمورة بالاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم والتأسي به.
وقد اختلف العلماء القائلون بمشروعية الصلاة على الغائب، هل تشرع الصلاة على كل غائب أم لا؟ وكلهم يستدل بصلاة النبي صلى عليه وسلم على النجاشي.
فذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه تشرع الصلاة على كل غائب عن البلد، ولو صُلِّي عليه في المكان الذي مات فيه.
والقول الثاني: أنه تشرع الصلاة على الغائب إذا كان له نفع للمسلمين، كعالم أو مجاهد أو غني نفع الناس بماله ونحو ذلك.
وهذا القول رواية عن الإمام أحمد، واختارها الشيخ السعدي وبه أفتت اللجنة الدائمة.
والقول الثالث: أنها تشرع الصلاة على الغائب بشرط ألا يكون قد صُلِّي عليه في المكان الذي مات فيه، فإن صُلِّي عليه فلا تشرع صلاة الغائب عليه.
وهذا القول رواية أخرى عن الإمام أحمد، واختارها شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، ومال إليها من المتأخرين: الشيخ ابن عثيمين.
وهذه أقوال بعض العلماء في هذه المسألة:
قال الخرشي (مالكي) (2/142) : " وصلاته عليه الصلاة والسلام على النجاشي من خصوصياته " انتهى.
ونحوه في " بدائع الصنائع " للكاسائي (حنفي) (1/ 312) .
وقال النووي رحمه الله في "المجموع" (5/211) : " مذهبنا جواز الصلاة على الغائب عن البلد، ومنعها أبو حنيفة. دليلنا حديث النجاشي وهو صحيح لا مطعن فيه وليس لهم عنه جواب صحيح " انتهى بتصرف.
وقد قيَّد الشافعية جواز الصلاة على الغائب بقيد حسن وهو أن يكون المصلِّي على الميت من أهل الصلاة عليه يوم مات.
قال زكريا الأنصاري رحمه الله في "أسنى المطالب" (1/322) : " وإنما تجوز الصلاة على الغائب عن البلد لمن كان من أهل فرض الصلاة عليه يوم موته " انتهى بتصرف يسير.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " إلا أن بعض العلماء قَيَّده بقيد حسن قال: بشرط أن يكون هذا المدفون مات في زمن يكون فيه هذا المصلي أهلا للصلاة.
مثال ذلك: رجل مات قبل عشرين سنة، فخرج إنسان وصلى عليه وله ثلاثون سنة فيصح؛ لأنه عندما مات كان للمصلي عشر سنوات، فهو من أهل الصلاة على الميت.
مثال آخر: رجل مات قبل ثلاثين سنة، فخرج إنسان وله عشرون سنة ليصلي عليه فلا يصح؛ لأن المصلي كان معدوما عندما مات الرجل، فليس من أهل الصلاة عليه.
ومن ثمَّ لا يشرع لنا نحن أن نصلي على قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وما علمنا أن أحدا من الناس قال: إنه يشرع أن يصلي الإنسان على قبر النبي صلى الله عليه وسلم، أو على قبور الصحابة، لكن يقف ويدعو " انتهى من "الشرح الممتع".
وقال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/195) : " وتجوز الصلاة على الغائب في بلد آخر بالنية فيستقبل القبلة , ويصلي عليه كصلاته على حاضر , وسواء كان الميت في جهة القبلة أو لم يكن , وسواء كان بين البلدين مسافة القصر أو لم يكن. وبهذا قال الشافعي " انتهى.
وقال المرداوي في "الإنصاف" (2/533) : " (ويصلي على الغائب بالنية) هذا المذهب مطلقا (يعني سواء صُلِّي عليه أم لا، وسواء كان له نفع عام للمسلمين أم لا) , وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم , وعنه [أي عن الإمام أحمد] : لا تجوز الصلاة عليه.
وقيل: يُصَلَّى عليه إن لم يكن صُلِّي عليه , وإلا فلا، اختاره الشيخ تقي الدين , وابن عبد القوي " انتهى.
وقال الشيخ البسام رحمه الله في "نيل المآرب" (1/324) :
" اختلف العلماء في الصلاة على الغائب، فذهب أبو حنيفة ومالك وأتباعهما إلى أنها لا تشرع، وجوابهم عن قصة النجاشي والصلاة عليه أن هذه من خصوصيات النبي صلى الله عليه وسلم.
وذهب الشافعي وأحمد وأتباعهما إلى أنها مشروعة، وقد ثبتت بحديثين صحيحين، والخصوصية تحتاج إلى دليل، وليس هناك دليل عليها، وتوسط شيخ الإسلام فقال: إن كان الغائب لم يُصَلَّ عليه مثل النجاشي، صُلِّيَ عليه، وإن كان قد صُلِّيَ عليه، فقد سقط فرض الكفاية عن المسلمين.
وهذا القول رواية صحيحة عن الإمام أحمد، صححه ابن القيم في الهَدْي، لأنه توفي زمن النبي صلى الله عليه وسلم أناس من أصحابه غائبين، ولم يثبت أنه صلى على أحد منهم صلاة الغائب.
ونقل شيخ الإسلام عن الإمام أحمد أنه قال: إذا مات رجل صالح صلي عليه، واحتج بقصة النجاشي.
ورجح هذا التفصيل شيخنا عبد الرحمن السعدي يرحمه الله تعالى، وعليه العمل في نجد، فإنهم يصلون على من له فضل، وسابقة على المسلمين، ويتركون من عداه والصلاة هنا مستحبة " انتهى.
وقَالَ الْخَطَّابِيِّ: " لا يُصَلَّى عَلَى الْغَائِبِ إلا إذَا وَقَعَ مَوْتُهُ بِأَرْضٍ لَيْسَ فِيهَا مَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِ , وَاسْتَحْسَنَهُ الرُّويَانِيُّ من الشافعية , وَتَرْجَمَ بِذَلِكَ أَبُو دَاوُد فِي "السُّنَنِ" فَقَالَ: بَابُ الصَّلاةِ عَلَى الْمُسْلِمِ يَلِيهِ أَهْلُ الشِّرْكِ فِي بَلَدٍ آخَرَ. قَالَ الْحَافِظُ: وَهَذَا مُحْتَمَلٌ " انتهى من "فتح الباري".
وسئلت "اللجنة الدائمة" (8/418) : أيجوز أن نصلي صلاة الجنازة على الميت الغائب كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم مع حبيبه النجاشي، أو ذلك خاص به؟
فأجابت: " تجوز صلاة الجنازة على الميت الغائب لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، وليس ذلك خاصاً به، فإن أصحابه رضي الله عنهم صلوا معه على النجاشي، ولأن الأصل عدم الخصوصية، لكن ينبغي أن يكون ذلك خاصاً بمن له شأن في الإسلام، لا في حق كل أحد " انتهى.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه صلى على النجاشي صلاة الغائب، وسبب ذلك أنه ما كان هناك أحد من المسلمين يصلي عليه، وواقع المسلمين الآن يموتون جماعة وبالتأكيد لم يصل عليهم كما هو حاصل في وقتنا الحاضر يعني أتأكد أنه ما يصلى عليهم؟
فأجاب فضيلته بقوله: " إذا تأكدت أنه لم يصل عليهم فصل عليهم، لأن الصلاة فرض كفاية. لكن ربما أهله صلوا عليه، لأن الصلاة على الميت تكون بواحد، على كل حال إذا تأكدت أن شخصا ما لم يصل عليه فعليك أن تصلي عليه لأنها فرض كفاية ولابد منها " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (17/ 149) .
وقد تبين مما سبق أن الصلاة على الغائب مشروعة، لما ثبت من صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه على النجاشي، وأنه لم يقم دليل على أن ذلك خاص به صلى الله عليه وسلم.
لكن أعدل الأقوال في هذه المسألة قولان:
الأول: أنه لا يصلى إلا على من لم يُصل عليه.
والثاني: أنه يُصلَّى على من له منفعة للمسلمين، كعالم نفع الناس بعلمه، وتاجر نفع الناس بماله، ومجاهد نفع الناس بجهاده، وما أشبه ذلك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4786)
قطع الشوك والأشجار المؤذية من المقابر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز قطع الأشجار المؤذية من المقابر؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ينبغي قطعها لأنها تؤذي الزوار، وهكذا ما يوجد فيها من الشوك ينبغي إزالته إراحة للزوار من شره، ولا يشرع لأحد أن يغرس على القبور شيئا من الشجر أو الجريد لأن الله سبحانه لم يشرع ذلك.
والنبي صلى الله عليه وسلم إنما غرس جريدتين على قبرين عرفهما وأنهما معذبان، ولم يغرس على قبور المدينة وقبور البقيع، وهكذا الصحابة لم يفعلوا ذلك، فعلم أن ذلك خاص بصاحبي القبرين المعذبين نسأل الله السلامة.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز يرحمه الله، م/4، ص/379(5/4787)
حكم دفن الميت في تابوت
[السُّؤَالُ]
ـ[مات رجل وأوصى أن يدفن في تابوت فما الحكم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم يختلف العلماء رحمهم الله تعالى في كراهة دفن الميت في تابوت إذا لم تكن هناك حاجة، فإذا وجدت حاجة كما لو كانت الأرض ندية أو يخشى أن تحفرها السباع فإن بعض الفقهاء يجيز الدفن في التابوت إذاً.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (2/312) :
"لم يعرف وضع الميت في تابوت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عهد الصحابة رضي الله عنهم، وخير للمسلمين أن يسيروا على نهجهم، ولذا كُره وضع الميت في تابوت، سواء كانت الأرض صلبة أو رخوة أم نديّة، وإذا أوصى بوضعه في تابوت لم تنفذ وصيته. وأجاز الشافعية إذا كانت الأرض رخوة أو ندية ولا تنفذ وصيّته عندهم إلا في مثل هذه الحالة" اهـ.
وقال ابن قدامة:
وَلا يُسْتَحَبُّ الدَّفْنُ فِي تَابُوتٍ ; لأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلا أَصْحَابِهِ , وَفِيهِ تَشَبُّهٌ بِأَهْلِ الدُّنْيَا , وَالأَرْضُ أَنْشَفُ لِفَضَلاتِهِ اهـ.
وقال في "الإنصاف":
يُكْرَهُ الدَّفْنُ فِي تَابُوتٍ , وَلَوْ كَانَ الْمَيِّتُ امْرَأَةً نَصَّ عَلَيْهِ الإمام أحمد اهـ.
وقال الشربيني الخطيب الشافعي في كتابه "مغني المحتاج":
(وَيُكْرَهُ دَفْنُهُ فِي تَابُوتٍ) بِالإِجْمَاعِ ; لأَنَّهُ بِدْعَةٌ (إلا فِي أَرْضٍ نَدْيَةٍ أَوْ رِخْوَةٍ) فَلا يُكْرَهُ لِلْمَصْلَحَةِ وَلا تُنَفَّذُ وَصِيَّتُهُ بِهِ إلا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ , وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا إذَا كَانَ فِي الْمَيِّتِ تَهْرِيَةٌ بِحَرِيقٍ بِحَيْثُ لا يَضْبُطُهُ إلا التَّابُوتُ اهـ.
وفي الموسوعة الفقهية:
يُكْرَهُ دَفْنُ الْمَيِّتِ فِي تَابُوتٍ بِالإِجْمَاعِ ; لأَنَّهُ بِدْعَةٌ , وَلا تُنَفَّذُ وَصِيَّتُهُ بِذَلِكَ , وَلا يُكْرَهُ لِلْمَصْلَحَةِ , وَمِنْهَا الْمَيِّتُ الْمُحْتَرِقُ إذَا دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى ذَلِكَ اهـ.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4788)
كيفية السلام على أهل القبور
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي التحية التي تقال عند القبور؟ وهل هناك فرق بينها وبين تحية الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام؟
هل الصحيح أن نقول عند قبر الرسول صلى الله عليه وسلم السلام عليك يا رسول الله ونقول السلام عليكم يا أهل القبور عند دخول المقبرة أم يعتبر هذا شركاً؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
زيارة القبور مستحبة للرجال لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث بريدة بن الحصيب: (إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها) رواه مسلم 977، وفي رواية (فإنها تذكركم الآخرة) رواه أحمد 1240 وابن ماجة 1569 وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة.
ويستحب إذا زارها أن يسلم على أهل القبور ويدعو لهم بما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلمه أصحابه فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله: كيف أقول لهم - (يعني أهل القبور) - قال: قولي السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين وإنا إن شاء الله بكم للاحقون) رواه مسلم 974.
وعن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر فكان قائلهم يقول: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله للاحقون أسأل الله لنا ولكم العافية) رواه مسلم 975
وأما قبور الصحابة فيقول عندها ما سبق من الأدعية وليس لها دعاء خاص.
أما زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فالوارد عن الصحابة هو السلام، فقد كان ابن عمر يقول: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبتِ، ثم ينصرف. صححه الحافظ ابن حجر.
وبعض العلماء يزيد على هذا: السلام عليك يا خيرة الله من خلقه، السلام عليك يا سيد المرسلين ... أشهد أنك بلغت الرسالة. انظر الأذكار للنووي ص 174، والمغني 5 / 466
قال الطبري: وإن قال الزائر ما تقدم من التطويل فلا بأس إلا أن الإتباع أولى. اهـ، يعني الاقتصار على ما ورد عن الصحابة أولى.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في مناسك الحج والعمرة: " بعد أن يصلي في المسجد النبوي أول قدومه ما شاء الله أن يصلي، يذهب للسلام على النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
1- فيقف أمام قبر النبي صلى الله عليه وسلم مستقبلا للقبر مستدبرا للقبلة، فيقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، وإن زاد شيئا مناسبا فلا بأس، مثل أن يقول: السلام عليك يا خليل الله وأمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، أشهد أنك قد بلغت الرسالة، وأديت الأمانة ونصحت الأمة، وجاهدت في الله حق جهاده.
وإن اقتصر على الأول فحسن، وكان ابن عمر رضي الله عنهما إذا سلم يقول: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبتِ، ثم ينصرف.
2- ثم يخطو خطوة عن يمينه ليكون أمام أبي بكر رضي الله عنه فيقول: السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته، رضي الله عنك وجزاك عن أمة محمد خيرا.
3- ثم يخطو خطوة عن يمينه ليكون أمام عمر رضي الله عنه فيقول: السلام عليك يا عمر، السلام عليك يا أمير المؤمنين، رضي الله عنك وجزاك عن أمة محمد خيرا.
وليكن سلامه على النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه بأدب، وخفض صوت، فإن رفع الصوت في المسجد منهي عنه لاسيما في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعند قبر. "
مناسك الحج والعمرة والمشروع في الزيارة ص 107، 108
وقول القائل: السلام عليكم عند زيارته للمقابر، وقوله: السلام عليك يا رسول الله عند زيارته لقبر النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا لا يعتبر شركا، لأنه ليس دعاء للأموات ولا استعانة بهم، وإنما هو دعاء لهم أن يسلمهم الله من جميع الأخطار التي يلاقيها العبد بعد الموت من عذاب القبر ثم البعث والحساب وأهوال الآخرة.
نسأل الله تعالى السلامة والعافية في الدنيا والآخرة، والله اعلم.
انظر زاد المستنقع 5 / 473، أشراط الساعة للدكتور يوسف الوابل ص 337.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4789)
من الذي يُنزل الميت إلى القبر
[السُّؤَالُ]
ـ[من أولى الناس بإنزال الميت إلى قبره: المُتعلِّم أو ولي الميت؟ وهل هناك فرق بين الرجل والمرأة؟ وهل يشترط أن يكون الذي ينزل المرأة من محارمها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله:
" الأولى بذلك وصيّه، إذا كان له وصي (أي: الذي أوصى الميت أن ينزله في قبره) ، فإن لم يكن له وصي فالأقرب ثم الأقرب من أوليائه، وإذا كان هناك متعلم فهو أولى، وإن لم يكن هناك متعلم ودفنها غير متعلم فإنه يتلقى التعليم من المتعلم، ويوجهه المتعلم.
ولا يشترط أن يكون الذي ينزل للقبر محرماً للمرأة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا طلحة ـ رضي الله عنه ـ أن ينزل في قبر ابنته ويدفنها مع حضوره هو، وزوجها عثمان بن عفان رضي الله عنه.ِ (الحديث رواه البخاري (1342))
[الْمَصْدَرُ]
مجوع فتاوى ابن عثيمين رحمه الله 17/180.(5/4790)
هل البكاء على الميت بالدموع يعذب الميت؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل البكاء على الميت بالدموع يعذب الميت، وإن كان بعد مدة من الزمن؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ورد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أكثر من حديث أن الميت يُعَذَّب ببكاء أهله عليه من ذلك ما أخرجه مسلم في صحيحه (927) من حديث ابن عمر أن حفصة بكت على عمر، فقال: مهلاً يا بنية! ألم تعلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه) .
وقد ثبت أيضا عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أكثر من حادثة أنه بكى عند الميت، منها بكاؤه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند موت ابنه إبراهيم كما عند البخاري (2/105) ومسلم (7/76) من حديث أنس رضي الله عنه، وبكى أيضا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند موت إحدى بناته أثناء دفنها كما عند البخاري (1258) من حديث أنس رضي الله عنه.
وبكى أيضا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند وفاة أحد أحفاده كما عند البخاري (1284) ومسلم (923) من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما.
فإن قيل: كيف نوفق بين هذه الأحاديث التي تمنع من البكاء على الميت والأخرى التي تجيز ذلك؟
فالجواب:
قد بَيَّن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك فيما رواه البخاري (7377) ومسلم (923) عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكى على ابن إحدى بناته فَقَالَ لَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: مَا هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ.
قال النووي:
مَعْنَاهُ أَنَّ سَعْدًا ظَنَّ أَنَّ جَمِيع أَنْوَاع الْبُكَاء حَرَام , وَأَنَّ دَمْع الْعَيْن حَرَام , وَظَنَّ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَسِيَ فَذَكَرَهُ , فَأَعْلَمَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مُجَرَّد الْبُكَاء وَدَمع العَيْنٍ لَيْسَ بِحَرَامٍ وَلا مَكْرُوه بَلْ هُوَ رَحْمَة وَفَضِيلَة وَإِنَّمَا الْمُحَرَّم النَّوْح وَالنَّدْب وَالْبُكَاء الْمَقْرُون بِهِمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا كَمَا قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إنَّ اللَّه لا يُعَذِّب بِدَمْعِ الْعَيْن وَلا بِحُزْنِ الْقَلْب وَلَكِنْ يُعَذِّب بِهَذَا أَوْ يَرْحَم وَأَشَارَ إِلَى لِسَانه) اهـ.
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية - كما في "الفتاوى" (24/380) – عن بكاء الأم والإخوة على الميت هل فيه بأس على الميت؟ فقال رحمه الله: (أما دمع العين وحزن القلب فلا إثم فيه , لكن الندب والنياحة منهي عنه) اهـ.
أما بالنسبة للبكاء على الميت ولو بعد مدة من الزمن فليس هناك حرج من ذلك بشرط ألا يصحبه نياحة أو ندب أو تسخط على قدر الله تعالى.
روى مسلم (976) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: زار النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبر أمه فبكى وأبكى من حوله، فقال: (استأذنت ربي في أن استغفر لها فلم يؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت) .
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4791)
القبر ليس هو المثوى الأخير
[السُّؤَالُ]
ـ[يكثر في الصحف والأخبار قول إذا مات شخص ودفن، يقولون: انتقل إلى مثواه الأخير. فهل القبر هو المثوى الأخير؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "تفسير جزء عم" (ص 117) :
القبور ليست آخر المنازل، بل هي مرحلة، سمع أعرابي رجلاً يقرأ قول الله تعالى: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ) التكاثر/1-2. فقال الأعرابي: والله ما الزائر بمقيم.
فالأعرابي بفطرته عرف أن وراء هذه القبور شيئاً يكون المصير إليه، لأنه كما هو معلوم الزائر يزور ويمشي، وبه نعرف أن ما نقرؤه في الجرائد "فلان توفي ثم نقلوه إلى مثواه الأخير" أن هذه الكلمة غلط كبير، ومدلولها كفر بالله عز وجل، وكفر باليوم الآخر، لأنك إذا جعلت القبر هو المثوى الأخير فهذا يعني أنه ليس بعده شيء، والذي يرى أن القبر هو المثوى الأخير وليس بعده مثوى كافر، فالمثوى الأخير إما جنة وإما نار اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "تفسير جزء عم" (ص 117)(5/4792)
كيف يحصل على عفو الميت
[السُّؤَالُ]
ـ[ماتت جدتي قبل أربع سنوات (أسأل الله أن تكون في الجنة) تربيت عندها ولدي ذكريات عظيمة معها. علمتني الصلاة وكانت تقول لي حكماً وأشياء عظيمة، وأحبها حباً عظيما. بحماقتي فعلت شيئا كان يجب أن لا أفعله، ثم أسفت لفعله أسفا شديدا، فمن المحتمل أنني أهنتها بطريقة ما ولكنها لم تقل أي شيء عن هذا الموضوع.
لم تتح لي الفرصة لأطلب عفوها، تبت من الذنب الذي فعلته ودائما أسأل الله المغفرة.
هل هناك طريقة أطلب بها عفو جدتي الآن؟ فكرت في هذا الموضوع كثيرا ولكنني لم أستطع أن أجد أي طريقة مناسبة. سأكون شاكرا جدا إذا ساعدتني في هذا الموضوع.أسأل الله المغفرة لجميع الأحياء والأموات وشكرا لك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما دامت الجدّة قد ماتت وذهبت إلى ربها فأنت لا تدري هل سامحتك أم لا، وليس هناك من سبيل لطلب المسامحة منها بعد موتها، وهذا ما يؤكّد أهمية حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لا يَكُونَ دِينَارٌ وَلا دِرْهَمٌ إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ رواه لبخاري 2296
قال ابن حجر رحمه الله في شرح الحديث:
قوله: (من كانت له مظلمة لأخيه) .. أي من كانت عليه مظلمة لأخيه.
قوله: (من عِرْضه أو شيء) أي من الأشياء.. فيدخل فيه المال بأصنافه والجراحات حتى اللطمة ونحوها، وفي رواية الترمذي " من عرض أو مال ".
قوله: (قبل أن لا يكون دينار ولا درهم) أي يوم القيامة.
قوله: (أُخذ من سيئات صاحبه) أي صاحب المظلمة (فحمل عليه) أي على الظالم.. وهذا الحديث قد أخرج مسلم معناه من وجه آخر وهو أوضح سياقا من هذا ولفظه " المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا وسفك دم هذا وأكل مال هذا، فيعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه وطرح في النار "
وفي رواية للبخاري أيضا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لأَخِيهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهَا فَإِنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ وَلا دِرْهَمٌ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُؤْخَذَ لأَخِيهِ مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ أَخِيهِ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ رواه البخاري 6053
وعند أبي نعيم من حديث ابن مسعود يؤخذ بيد العبد فينصب على رءوس الناس وينادي مناد: هذا فلان ابن فلان فمن كان له حق فليأت، فيأتون فيقول الرب: آت هؤلاء حقوقهم، فيقول: يا رب فنيت الدنيا فمن أين أوتيهم، فيقول للملائكة: خذوا من أعماله الصالحة فأعطوا كل إنسان بقدر طلبته، فإن كان ناجيا وفضل من حسناته مثقال حبة من خردل ضاعفها الله حتى يدخله بها الجنة.
(و) أخرج أحمد والحاكم من حديث جابر عن عبد الله بن أنيس رفعه " لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولأحد من أهل النار عنده مظلمة حتى أقصه منه، حتى اللطمة. قلنا يا رسول الله كيف وإنما نحشر حفاة عراة؟ قال: بالسيئات والحسنات " فتح الباري شرح صحيح البخاري
وعلى أيّة حال أنت قد قمت بخطوة مهمة جدا وهي التوبة إلى الله جلّ وعلا، فإذا صدقت مع الله في التوبة وعملت ما يُمكن من البرّ بجدّتك (راجع لمعرفة ذلك السؤال رقم 763) ورأت في صحيفتها استغفارك لها فلعلّها أن تعفو عنك في ذلك الموقف إذا لم تكن قد عفت عنك في الدّنيا، وأكثر من الدعاء لها والله يعفو عنّا أجمعين.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/4793)
الصلاة عند القبور وشروط الشفاعة
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت في نقاش مع أحد الأصحاب الذين يتبعون مذهب الصوفية، وسألني عن رأيي في الصلاة على القبور وعن بعض العلماء المتدينين وشفاعتهم يوم القيامة.
قلت لذلك الشخص إن الصلاة على القبور شرك وأنه لا يشفع أحد يوم القيامة إلا النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأردت أن أعرف رأي أهل العلم بهذا الشأن وأين أجد الدليل على ذلك.
أرجو أن تتمكن من الإجابة على سؤالي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: مسألة الصلاة على القبور..
الصلاة على القبور على قسمين:
القسم الأول: الصلاة لصاحب القبر، وهذا شرك أكبر مخرج عن الملة لأن الصلاة عبادة والعبادة لا يجوز صرفها لغير الله قال تعالى: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً) النساء/36، وقال تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالاً بعيداً) النساء/116.
القسم الثاني: الصلاة لله في المقبرة، وهذا القسم تحته مسائل:
1- صلاة الجنازة على القبر، وهذه جائزة.
صورة المسألة: أن يموت شخص ولم تتمكن من الصلاة عليه في المسجد فيجوز لك أن تصلي عليه بعد دفنه.
دليل المسألة هو فعل النبي صلى الله عليه وسلم: فعن أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا أَسْوَدَ أَوْ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَ يَقُمُّ (أي يُنظِّف) الْمَسْجِدَ فَمَاتَ فَسَأَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ فَقَالُوا مَاتَ قَالَ أَفَلا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي بِهِ دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ أَوْ قَالَ قَبْرِهَا فَأَتَى قَبْرَهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا " رواه البخاري واللفظ له (458) ومسلم (956) .
2- صلاة الجنازة في المقبرة، وهذه جائزة.
صورة المسألة: أن يموت شخص ولم تتمكن من الصلاة عليه في المسجد، وحضرت إلى المقبرة فصليت عليه قبل أن يُدفن.
قال الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله: " تجوز الصلاة على الجنازة داخل المقبرة كما تجوز الصلاة عليها بعد الدفن؛ لما ثبت أن جارية كانت تقم المسجد، فماتت فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عنها فقالوا: ماتت، فقال: " أفلا كنتم آذنتموني؟ فدلوني على قبرها " فدلوه فصلى عليها ثم قال: " إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإن الله ينورها لهم بصلاتي عليهم " رواه مسلم 956 انتهى من فتاوى اللجنة الدائمة 8/392
3- الصلاة في المقبرة – ما عدا صلاة الجنازة – وهذه الصلاة باطلة ولا تصح، سواءً كانت فريضة أو نافلة.
الدليل: أولاً: قول النبي صلى الله عليه وسلم: " الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام " رواه الترمذي (317) وابن ماجه (745) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (606) .
ثانياً: قول النبي صلى الله عليه وسلم: " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " رواه البخاري (435) ومسلم (529) .
ثالثاً: (تعليل) وهو أن الصلاة في المقبرة قد تتخذ ذريعة إلى عبادة القبور، أو إلى التشبه لمن يعبد القبور، ولهذا لما كان الكفار يسجدون للشمس عند طلوعها وغروبها، نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة عند طلوعها وغروبها لئلا يُتخذ ذريعة إلى أن تُعبد الشمس من دون الله، أو إلى أن يتشبه بالكفار.
4- الصلاة إلى المقبرة، وهذه محرمة - على الصحيح -.
صورة المسألة: أن تصلي وفي قبلتك مقبرة أو قبر، ولكنك لا تصلي في أرض المقبرة، بل في أرض أخرى قريبة من المقبرة، وليس بينك وبين المقبرة سور أو حاجز.
الدليل على التحريم:
1- عَنْ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ وَلا تُصَلُّوا إِلَيْهَا " رواه مسلم (972) . فهذا يدل على تحريم الصلاة إلى المقبرة أو إلى القبور أو إلى القبر الواحد.
2- ولأن العلة من منع الصلاة في المقبرة موجودة في الصلاة إلى القبر فما دام الإنسان يتجه إلى القبر أو إلى المقبرة اتجاهاً يُقال إنه يُصلي إليها فإنه يدخل في النهي، وإذا كان داخلاً في النهي فلا يصح لقوله: " لا تصلوا " فالنهي هنا عن الصلاة، فإذا صلى إلى القبر فقد اجتمع في فعله هذا طاعة ومعصية، وهذا لا يمكن أن يتقرب إلى الله تعالى به.
تنبيه: إذا كان بينك وبين المقابر جدار فاصل فلا بأس من الصلاة حينئذٍ ولا نهي، كذلك إذا كان بينك وبينها شارع أو مسافة لا تصير بها مصلياً إلى المقابر فلا بأس. والله أعلم
انظر المغني (1/403) والشرح الممتع لابن عثيمين (2/232) رحم الله الجميع.
ثانياً: مسألة الشفاعة ...
قد أخطأت في قولك إنه لا يشفع أحد يوم القيامة إلا النبي صلى الله عليه وسلم، بل يشفع النبي صلى عليه وسلم ويشفع غيره من المؤمنين، انظر السؤال (11931) .
ولكن نضيف هنا مسألة لم تُذكر هناك، وهي أن الشفاعة لها شروط:
الأول: الإذن من الله للشافع أن يشفع.
الثاني: رضى الله عن المشفوع له.
والدليل على الشرطين قوله تعالى: (وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى) النجم/26 وقوله (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى) الأنبياء/28.
وأما الشفاعة الموهومة التي يظنها عبَّاد الأصنام من معبوديهم فهي شفاعة باطلة؛ لأن الله لا يأذن لأحد بالشفاعة إلا من ارتضاه من الشفعاء والمشفوع لهم. انظر " القول المفيد شرح كتاب التوحيد " للشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله ص (336-337) ط1.
إلا أن الإقرار بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وشفاعة المؤمنين ليس مسوغاً لطلبها منهم، كما يفعل البعض من طلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/4794)
امرأة مرت بجانب مقبرة فهل تسلم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[نعلم أن المرأة ممنوعة من زيارة المقابر ولكن ما تقول في امرأة مرت بجانب سور المقبرة وهي في طريقها ورأت القبور فهل تدعو بالذكر الوارد أم تمتنع عنه أم ماذا تفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا بأس أن تدعو بالذكر الوارد (السلام عليكم أهل الديار ... ) ولا إثم عليها، لأنها لم تقصد زيارة القبور ولم تدخل المقبرة وإنما مرت من غير قصد.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب ماذا تفعل في الحالات التالية ص 18.(5/4795)
اعتقاد خاطئ في رؤية الأموات للزائرين الأحياء عراة
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعنا أن زيارة النساء للقبور لا تجوز لأنّ الأموات يرون الأحياء عراة وأنا غير مقتنع وحيث أنّ أمي وأختي تريدان زيارة قبر أبي بل زارتاه فما هو الحكم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
السبب في منع زيارة النساء للقبور هو حديث النبي صلى الله عليه وسلم لعن الله زائرات القبور " وفي رواية " زوارات القبور " سنن الترمذي 294 وقال حديث حسن وليس لأن الأموات يرون الزائرين عراة فهذا سبب ساقط وأحكام عالم الأموات تختلف عن أحكام عالم الأحياء ولو كان السبب في منع الزيارة هو رؤية الأموات للزائرين عراة لكانت زيارة الرجال للقبور أيضا محرّمة.
وعليك أن تحثّ أمّك وأختك على الاجتهاد في الدعاء لأبيك الميت فهو أعظم ما ينتفع به الميت ولا تُقارن فائدته للميت بمجرّد الزيارة، وأعلمهما أنّ الدعاء يصل إليه في أيّ مكان كان الداعي موجودا فيه سواء كان بجانب القبر أو بعيدا عنه.
أسأل الله أن يرحم ميتكم ويرزقكم الصبر على فقده وإنا لله وإنا إليه راجعون.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/4796)
صفة الدعاء للميت في صلاة الجنازة
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يدعو للميت في صلاة الجنازة إن كانوا ذكوراً أو إناثاً أو اثنين وكيف يدعو إذا كان الميت طفلاً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يدعى للأموات جميعاً ذكوراً كانوا أم إناثاً، أو ذكوراً وإناثاً بقوله: اللهم اغفر لهم وارحمهم.. إلى آخره، وإن كانوا اثنين: الله اغفر لهما وارحمهما.. إلى آخر الدعاء.
أما الطفل فيقال في الدعاء له: اللهم اجعله ذخراً لوالديه، وفرطاً وشفيعاً مجاباً، اللهم أعظم به أجورهما، وثقل به موازينهما، وألحقه بصالح سلف المؤمنين، واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام، وقه برحمتك عذاب الجحيم.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز – رحمه الله – م/13 ص/145.(5/4797)
إذا مات الرجل وهو لم يختن، فهل نختنه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا مات الرجل وهو لم يختن، فهل نختنه أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ذهب أكثر العلماء إلى أنه لا يختتن.
قال النووي:
لو مات غير مختون: فثلاثة أوجه:
الصحيح الذي قطع به الجمهور لا يختن؛ لأن ختانه كان تكليفا وقد زال بالموت.
والثاني: يختن الكبير والصغير.
والثالث: يختن الكبير دون الصغير، حكاهما في البيان وهما شاذان ضعيفان.
" المجموع " (1 / 352) .
وقال ابن قدامة رحمه الله:
فأما الختان [يعني للميت] فلا يشرع، لأنه إبانة جزء من أعضائه. وهذا قول أكثر أهل العلم. وحُكي عن بعض الناس أنه يختن. حكاه الإمام أحمد. والأول أولى لما ذكرناه اهـ المغني (3/484) .
وسئلت اللجنة الدائمة عن طفل مات ولم يطهر [أي لم يختن) فهل يطهر أم لا؟
فقالت: لا يطهر لفوات زمان ختانه وهو مدة حياته.
فتاوى اللجنة الدائمة (8/369) .
وقال الشيخ ابن باز:
وأما حلق العانة والختان فلا يشرع فعلهما في حق الميت لعدم الدليل على ذلك اهـ مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (13/114) .
والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4798)
أفعال منكرة في المأتم
[السُّؤَالُ]
ـ[اطلب سماحتكم أن تفيدونا بما يتفق مع شرع الله في المأتم بأننا نعمل الآتي:
نقرأ سورة الفاتحة على قبر الميت.
وتكون التعزية في المأتم لمدة تصل إلى ثلاثة أيام أو أكثر، ونأكل ونشرب في المأتم، ونجمع من كل واحد خمسة وعشرين ريالاً وتُدفع لأهل الميت.
وتذبح ذبيحة شاة أو نحوها في ثالث أيام الوفاة.
وتجمع حصوات مع القول بصوت مرتفع (لا إله إلا الله) وتوضع على قبر الميت.
وترفع النسوة أصواتهن بالبكاء والعويل، ولطم الخدود، وذكر محاسن الميت،
ويلبسن الأسود الخشن حداداً على الميت،
ولا تباشر النساء في أيام العدة أي عمل، نحو إعداد الطعام والقيام بالأعمال المعتادة التي يقمن بها النساء.]ـ
[الْجَوَابُ]
هذه عادات جاهلية، أو بدع منكرة، عليكم تركها وبيان نكارتها.
1- فأما القراءة على القبر فلا تجوز، ولم يفعلها أحد من السلف، ولو كان خيراً لسبقونا إليه، وإنما ورد قراءة (ياسين) عند المحتضر قبل خروج روحه أما بعد موته وعند دفنه أو بعد الدفن فلا يشرع من القراءة، ولا التلقين ونحوه.
2- أما التعزية فهي سنة، ولا تكون في المأتم، بل يعزى أهل الميت في كل مكان، ولا بأس باجتماعهم ( ... ) ليقصدهم المعزون، ولا يجتمعون للأكل، وإنما يصلح لأهل الميت وحدهم طعام بقدرهم، ويكره لهم فعله للناس.
3- وهذه النقود التي تُجمع من كل واحد لا حاجة إليها إلا إذا كانوا فقراء تحل لهم الزكاة.
4- لا تجوز هذه الذبيحة سواء كانت من مال الميت أو من غيره، أما إذا أصلح لأهل الميت طعام ولو بذبيحة أو أكثر فلا بأس.
5- وجمع هذه الحصوات، والذكر عند الجمع، ووضعها على القبر بدعة منكرة، يجب تركها وإنكارها.
6- ورفع الصوت بالنياحة والعويل، ولطم الخدود، وتعداد محاسن الميت بدعة، ومن فعل الجاهلية، وقد ورد حديث: " ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية " رواه البخاري (1294 فتح 3/163) ومسلم (103) وأحمد (1/442) .
7- ولبس السواد حدادا على الميت بدعة، وإنما زوجاته يتجنبن لباس الشهرة والزينة، والحلي والجمال، والطيب زمن الإحداد.
8- وتركهن الأعمال والأشغال المعتادة زمن الإحداد بدعة، فللحادة أن تصلح الطعام، وتكنس الدار وتغسل الأواني والثياب، ولا حرج عليها في ذلك والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/4799)
حديث لا أصل له في قراءة "قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ" عند المرور بالقبور
[السُّؤَالُ]
ـ[روي عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من مر على المقابر وقرأ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) إحدى عشر مرة، ثم وهب أجرها للأموات أعطي من الأجر بعدد الأموات) هل هذا الحديث صحيح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"هذا الحديث لا أصل له عند أهل العلم، وهو من الأحاديث الموضوعة المكذوبة التي ليس لها سند صحيح، وليس من السنة أن يقرأ عند القبور ولا بين القبور، إنما السنة إذا زار القبور أن يقول: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين) أو: (السلام عليكم أهل الديار من المسلمين والمؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية) ، ويدعو لهم بالمغفرة والرحمة، هذا هو السنة، أما أن يقرأ عليهم القرآن، أو بينهم القرآن، فهذا لا أصل له " انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
فتاوى نور على الدرب" (1/196) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4800)
حديث ارحموا موتاكم بالصدقة
[السُّؤَالُ]
ـ[جاء في حاشية الستين: ذكر في نزهة المجالس عن كتاب " المختار ومطالع الأنوار " عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (لا يأتي على الميت أشد من الليلة الأولى، فارحموا موتاكم بالصدقة، فمن لم يجد فليصل ركعتين، يقرأ في كل ركعة منهما فاتحة الكتاب، وآية الكرسي، وألهاكم، وقل هو الله أحد إحدى عشرة مرة، ويقول اللهم ابعث ثوابها إلى قبره فلان ابن فلانة، فيبعث الله من ساعته إلى قبره ألف ملك، من كل ملك نور وهدية، يؤنسونه في قبره إلى أن ينفخ في الصور، ويعطي الله المصلى بعدد ما طلعت عليه الشمس حسنات ويرفع الله له أربعين ألف درجة ألف حجة وعمرة ويبنى له ألف مدينة في الجنة ويعطى ثواب ألف شهيد ويكسى ألف حلة.....) السؤال هل هذا الكلام صحيح , أرجو مساعدتنا بالإجابة لتصحيح أدياننا في البلاد غير الإسلامية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد حذر من الكذب عليه، وتوعد عليه أشد الوعيد، كما في الحديث الذي رواه البخاري (1209) ومسلم (5) عَنْ الْمُغِيرَةِ بن شعبة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ؛ مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ) .
والأحاديث في هذا كثيرة معلومة. وانظر جواب السؤال رقم 34725
وقد ذكر أهل العلم بعض علامات، يمكن للمشتغل بسنة النبي صلى الله عليه، الذي طالت ممارسته لأحاديثه، ومعرفته بما يخرج من مشكاته، أن يتعرف بها النص المروي، هل هو مما يشبه كلام النبي صلى الله عليه وسلم، أو لا؛ وذكروا بعضا من العلامات التي تشيع في أحاديث الكذابين والوضاعين.
فمن ذلك قول ابن القيم رحمه الله في هذه العلامات:
" فمنها: اشتماله على أمثال هذه المجازفات، التي لا يقول مثلها رسول الله صلى الله، وهي كثيرة جدا " انتهى. المنار المنيف (50) .
وهذا إذا كان للحديث المذكور إسناد مروي يمكن النظر فيه، والحكم عليه بما يقتضيه حاله، وفق قواعد علم الحديث؛ فكيف إذا كان مجرد حكاية مذكورة في كتاب، لا يعرف صاحبه بعلم السنة، أو التحقيق فيها.
وقد سئلت اللجنة الدائمة الحديث المذكور في السؤال، فأجابت:
" لا شك أن الحديث المذكور في السؤال من الأحاديث الموضوعة المكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن الصدقة والصلاة بالكيفية المذكورة في هذا الحديث الموضوع لا أصل لهما، ولا يشرع للمسلم أن يصلي عن أحد لا في أول ليلة يدفن فيها الميت ولا في غيرها، أما الصدقة فمشروعة عن الميت المسلم متى شاء أقاربه أو غيرهم الصدقة عنه؛ لما ثبت من الحديث الصحيح، أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أمي افتلتت نفسها ولم توص، وأظنها لو تكلمت تصدقت، أفلها أجر إن تصدقت عنها؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «نعم» ) .
ولم يخص ليلة الدفن ولا غيرها، وقد أجمع العلماء من أهل السنة والجماعة على أن الميت المسلم ينتفع بالصدقة عنه والدعاء له، أما المؤلف لكتاب (المختار ومطالع الأنوار) فلا نعرفه، ولم نقف على كتابه المذكور، ولكن ما نقلتم عنه يدل على أنه ليس من أهل العلم المعتبرين، فنسأل الله لنا ولك ولجميع المسلمين المزيد من العلم النافع والعمل الصالح ".
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: المجلد التاسع ـ الفتوى رقم (2090) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4801)
التصدق عن الميت وعلم الميت بها
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا ضحى شخص عن والده المتوفى أو تصدق عنه، أو دعا له، وزار قبره، فهل يحس أنه من ابنه فلان؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" الذي دلت عليه نصوص الشريعة انتفاع الميت بصدقة الحي عنه، ودعائه له، والضحية عنه نوع من أنواع الصدقة، فإذا أخلص المتصدق في صدقته عن الميت وفي دعائه له، انتفع الميت، وأثيب الداعي والمتصدق فضلاً من الله ورحمة، وحسبه أن يعلم الله منه الإخلاص وحسن العمل، ويأجر الطرفين، أما أنه يحس الميت بمن أسدى إليه المعروف فلم يدل عليه دليل شرعي فيما نعلم، وهو أمر غيبي، لا يُعلم إلا من وحي الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (9/32) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4802)
إهداء ثواب الأعمال إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه
[السُّؤَالُ]
ـ[من منطلق حبي لصحابة الرسول صلى الله عليه وسلم، وابتغاء مرضاة ربي، أريد أن أخرج أحدا من الناس ليؤدي فريضة الحج عن أحد الصحابة، فهل هذا جائز؟ وإن أمكن هل لكم بالتكرم بتزويدي بأسماء صحابة لم يتمكنوا من أداء فريضة الحج. أخبَرَني أحد الإخوان بأسماء بعض الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، ولكن كلهم ماتوا قبل سنة 6 للهجرة، قبل فرض فريضة الحج. وهل ممكن أن أجعل جزءا من مالي وقفاً لوجه الله تعالى للرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، وعن الرسل؟ ليست رغبتي من فعله سوى ابتغاء رحمة ربي، وأن يجمعني مع الرسول صلى الله عليه وسلم في الجنة، ومع الأنبياء والمرسلين وتابعيهم إلى يوم الدين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نسأل الله تعالى أن يزيدك حبا للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام، وأن يكتب لك عظيم الأجر والثواب عليه.
واحرص أن يكون حبك هذا دافعا لك للاقتداء بهم واتباعهم.
وذلك يقتضي مراقبة الله تعالى في السر والعلن، وإخلاص القلب من شوائب الشرك والرياء والحسد والعجب والكبر، وتذليل النفس لحسن العبودية لله تعالى.
ثانيا:
قد ورد من الأدلة الشرعية ما يدل على جواز إهداء ثواب بعض القربات إلى الأموات.
وقد سبق تقرير ذلك في جواب السؤال رقم (12652) .
لكن إهداء ثواب الأعمال إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى صحابته الكرام ليس من المندوبات المستحبات، وذلك لوجوه:
الأول: أننا لم نجد من السلف مَن فعل ذلك، وكل خير في اتباع من سلف، وكل شر في ابتداع من خلف، بل لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم بأحد من أصحابه، فقد ماتت زوجته خديجة وعمه حمزة قبل فريضة الحج، ولم ينقل أنه كلَّف من يحج عنهما، أو يتصدق عنهما، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
الثاني: قد ذكر الله تعالى في سورة الحشر فضيلة المهاجرين والأنصار، ثم أثنى على من جاؤوا بعدهم بقوله: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) الحشر/10. فلم يذكر شيئا غير الدعاء لهم، مما يدل على أن الدعاء هو أفضل ما يهدى للمسلم، لا الصلاة، ولا الصدقة، ولا الحج، ولا غير ذلك من الأعمال.
الثالث: أن من يهدي الثواب إلى النبي صلى الله عليه وسلم لم يستفد شيئاً إلا أنه حرم نفسه من ذلك الثواب ولم ينفع النبي صلى الله عليه وسلم بشيء، لأنه صلى الله عليه وسلم له مثل ثواب أمته في كل عمل صالح، لأنه هو الذي دلهم عليه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالة له عن إهداء الثواب إلى النبي صلى الله عليه وسلم (ص/125-126) :
" لم يكن من عمل السلف أنهم يصلُّون ويصومون ويقرؤون القرآن ويهدون للنبي صلى الله عليه وسلم، كذلك لم يكونوا يتصدقون عنه، ويعتقون عنه؛ لأن كل ما يفعله المسلمون فله مثل أجر فعلهم من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً" انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (3/213) :
" بعض المحبِّين للرَّسُول عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ يهدون إليه القُرَب؛ كالختمة والفاتحة على روح محمَّد كما يقولون وما أشبه ذلك، فنقول: هذا من البدع ومن الضلال.
أسألك أيُّها المُهْدي للرسول عبادة، هل أنت أشدُّ حُبًّا للرسول عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ من أبي بكر وعُمر وعُثمان وعليّ؟
إن قال: نعم، قلنا: كذبت، ثم كذبت، ثم كذبت، ثم كذبت.
وإن قال: لا، قلنا: لماذا لم يُهْدِ أبو بكر والخلفاء بعده للرسول صلى الله عليه وسلم ختمة ولا فاتحة ولا غيرها؟ فهذا بدعة.
ثم إن عملك الآن وإن لم تُهْدِ ثوابه سيكون للرَّسول صلى الله عليه وسلم مثله، فإذا أهديت الثَّوابَ، فمعناه أنك حرمت نفسك من الثواب فقط، وإلَّا فللرسول صلى الله عليه وسلم مثل عملك أهديت أم لم تُهْدِ " انتهى.
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (9/58-59) :
" لا يجوز إهداء الثواب للرسول صلى الله عليه وسلم، لا ختم القرآن ولا غيره؛ لأن السلف الصالح من الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم لم يفعلوا ذلك، والعبادات توقيفية، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) ، وهو صلى الله عليه وسلم له مثل أجور أمته في كل عمل صالح تعمله؛ لأنه هو الذي دعاها إلى ذلك، وأرشدها إليه، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من دل على خير فله مثل أجر فاعله) " انتهى.
وينظر جواب السؤال رقم: (52772) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4803)
إطعام الطيور في المقابر صدقة عن الأموات
[السُّؤَالُ]
ـ[بعد وفاة والدي كنت أزور المقابر، وألاحظ الناس يخصون ميتهم ببعض الأكل للطيور يوم الجمعة، فهل هذا صحيحٌ ويصل إلى الميت أجره؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا أراد المسلم أن ينفع أحدا من أقاربه الموتى، فله أن يتصدق عنهم، وينوي بلوغ أجر الصدقة إليهم.
دليل ذلك ما جاء عن عَائِشَةَ رضى الله عنها: أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلنَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم:
(إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا، وَأَظُنُّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ، فَهَلْ لَهَا أَجْرٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا؟
قَالَ: نَعَمْ) رواه البخاري (1388) ومسلم (1004) .
ومعلوم أن إطعام الطيور والبهائم من الصدقات التي يكتب فيها الأجر للمسلم، كما روى أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ، إِلاَّ كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ) رواه البخاري (2320) ومسلم (1553) .
لكن الأولى والأفضل والأكثر أجرا ونفعا التصدق على الفقراء والمساكين من المسلمين الذين ملؤوا أقطار الأرض اليوم، أما الطيور والبهائم فستجد رزقها الذي يسره الله لها.
وأما تخصيص الزيارة بيوم الجمعة، فقد سبق التنبيه على بدعيته في جواب السؤال رقم: (12322) ، وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله، عن حكم تخصيص يوم الجمعة لزيارة المقابر؟
فأجاب رحمه الله:
" لا أصل لذلك، والمشروع أن تزار القبور في أي وقت تيسَّر للزائر من ليل أو نهار، أما التخصيص بيوم معين أو ليلة معينة فبدعة لا أصل له؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) متفق على صحته، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) أخرجه مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (13/336) .
وينبغي أن يعلم أن نفع الميت ليس مقصوراً على إطعام الطيور، أو الصدقة بالمال، فهناك أشياء أخرى تنفع الميت، وأفضلها وأنفعها الدعاء له.
وانظر جواب السؤال رقم (763) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4804)
هل يحج عن أحد من الصحابة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن يحج عن أحد من الصحابة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا بأس أن يحج الإنسان عنهم كما يحج عن أي مسلم، لكن مع ذلك نرى الدعاء للأموات أفضل بكثير من الأعمال الصالحة، حتى الأب والأم إذا دعوت الله لهما فهو أفضل من أن تحج عنهما، إذا لم يكن فرضاً، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما تحدث عن عمل الإنسان بعد موته قال: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) ولم يقل عليه الصلاة والسلام: (يحج عنه، ولا يتصدق عنه، ولا يصوم عنه، ولا يزكي، ولا يحج) بل قال: (ولد صالح يدعو له) وهل تظن أيها المؤمن أحداً أنصح للأحياء والأموات من الرسول صلى الله عليه وسلم؟! لا والله لا نظن، بل نظن ونعتقد أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنصح الخلق للأحياء والأموات، ومع ذلك قال: (أو ولد صالح يدعو له) " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (24/23) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4805)
تريد أن تقسم حسناتها بينها وبين والديها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل أستطيع أن أقسم حسناتي ثلثا لي وثلثا لوالدتي وثلثا لوالدي – أي كل الحسنات المكتسبة من كل أعمال الخير التي يثاب الإنسان عليها في يومه وليله، من تسابيح واستغفار وصدقات ودعاء - من دون طبعا الصلاة والزكاة والحج والصيام -، أم أني أستطيع أن أقسم فقط حسنات الصدقات بيني وبينهم من دون سائر العبادات التي ذكرتها؟ وهل أستطيع أن أتصدق عنهم في حياتهم وبعد مماتهم؟ وهل أستطيع أن أجري لوالدي صدقات جارية من مالي الخاص ليأخذوا هم الثواب - كبناء مسجد وتوزيع مصاحف ... - وهم ما زالوا على قيد الحياة؟ وهل أستطيع أن أفعل ذلك بعد مماتهم؟ وهل أستطيع إذا اكتسبوا على سبيل المثال مالا حراما أن أسدده عنهم من مالي الخاص؟ وأخيرا، أنا في كل سجود أدعو الدعاء التالي ثلاث مرات: " رب اغفر لي ولوالدي ووالديهم وإخواني، ونجنا من عذاب القبر، وأخلدنا في الفردوس الأعلى " كما أستخدم السبحة للترديد يوميا 200 مرة: " رب اغفر لي ولوالدي ولإخواني وللمؤمنين والمؤمنات ". هل ما أفعله هو عمل طيب ويفيد أم هو بدعة وضياع للوقت؟ وهل إن كان ما أفعله جيدا ومفيدا، فهل فعلا ممكن بدعائي هذا المتواصل المتكرر أن يغفر الله لي ولوالدي ووالديهم ولإخواني كل ذنوبنا، وينجينا من عذاب القبر، ويخلدنا في الفردوس الأعلى؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نشكر لك حرصك على بر والديك وعلى إيصال الخير لهما، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يكتب لك الأجر والتوفيق، وأن يجمعك بوالديك وجميع المسلمين في الجنة.
لا خلاف بين أهل العلم جميعا على وصول ثواب الصدقة للأموات إذا أهدى المتصدق الثواب إليهم، وخاصة الوالدين، كذلك لا خلاف في أن الدعاء للأحياء والأموات يجلب لهم الخير والرحمة إذا تقبله الله عز وجل، وقد شهدت بذلك مجموعة من الأحاديث الواردة في السنة الصحيحة، والتي سبق بيانها بالشرح والتفصيل في مجموعة من أجوبة الموقع، يمكنك مراجعة بعضها في الأرقام الآتية: (12652) ، (42384) ، (102322) .
ثانيا:
يجوز للمتصدق أن ينوي تقسيم أجر صدقته بينه وبين والديه أثلاثا أحياءاً كانوا أم أمواتاً، "لأن الثواب ملك للمتصدق، فله أن يهديه جميعه وله أن يهدي بعضه، يوضحه أنه لو أهداه إلى أربعة مثلا يحصل لكل منهم ربعه، فإذا أهدى الربع وأبقى لنفسه الباقي جاز، كما لو أهداه إلى غيره" نقلا عن "الروح" لابن القيم (ص/190) ، يذكره في معرض المناقشة.
وقد ذكرنا في جواب السؤال رقم (20996) عن الشيخ ابن باز رحمه الله جواز الصدقة عن الحي والميت.
على أننا نرشدك إلى الأفضل وهو أن تعملي الأعمال الصالحة لنفسك، ويكون ثوابها كلها لك، وتكثري من الدعاء لوالديك فهذا هو الأفضل والأكمل. وانظري جواب السؤال رقم (42088) .
ثالثا:
أما سائر العبادات المندوبة كالصوم والحج والعمرة وقراءة القرآن والأذكار والإحسان إلى الناس ونحوها من أعمال البر، فقد اختلف العلماء في وصول ثوابها إلى الأموات.
قال ابن القيم في كتاب "الروح" (ص/170) :
" فمذهب الإمام أحمد وجمهور السلف وصولها، وهو قول بعض أصحاب أبي حنيفة.
نص على هذا الإمام أحمد - في رواية محمد بن يحيى الكحال - قال: قيل لأبي عبد الله: الرجل يعمل الشيء من الخير من صلاة أو صدقة أو غير ذلك، فيجعل نصفه لأبيه أو لأمه؟ قال: أرجو. أو قال: الميت يصل إليه كل شيء من صدقة أو غيرها.
وقال أيضا: اقرأ آية الكرسي ثلاث مرات، وقل هو الله أحد، وقل: اللهم إنَّ فضلَه لأهل المقابر.
والمشهور من مذهب الشافعي ومالك أن ذلك لا يصل " انتهى.
وقد سبق في الموقع ترجيح القول الثاني، أنه لا يصل إلى الميت ثواب شيء من الأعمال إلا ما دلت النصوص على وصوله، كالصدقة والدعاء والحج والعمرة، لقول الله تعالى: (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) النجم/39.
وراجعي جواب السؤال رقم (46698) .
رابعاًَ:
أما تسديد المال الحرام عنهم، فالمال الحرام كالمسروق والمغصوب والذي خُدع صاحبه ونحو ذلك يتعلق به حقان: الأول: حق الله تعالى في ارتكاب ما حرم.
الثاني: حق صاحب المال في أخذ ماله بغير حق.
وتسديد المال لصاحبه نرجو أن يسقط حق صاحب المال، ولكن يبقى حق الله تعالى، فلا يسقط إلى بالتوبة، أو بعفو الله تعالى عن المسيء.
خامساً:
أما الدعاء الذي ذكرته، فلا حرج فيه، لكن لا تلتزمي فيه عددا معينا، واجتهدي في الدعاء قدر استطاعتك، من غير تقييد بعدد معين ولا اعتقاد فضل معين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4806)
كيف يمكن أن يستفيد أقربائي من قراءتي
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن يستفيد أقربائي الذين توفاهم الله من قراءتي للقرآن. وأيضا فأنا أريد دعاء الله لنفسي ولعائلتي. فما هي الأمور التي ينبغي علي فعلها، فأنا أعلم أن رفع اليدين ومسح الوجه يعدان من البدعة؟ وجزاك الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الصحيح أن الميت ينتفع بالعبادات البدنية التي يفعلها أقرباؤه الأحياء مع قصد ثوابها له (العبادات البدنية: كالصوم وغيره) وكذلك العبادات المالية: كالصدقة عن الميت، والعتق عنه. وإن كان بعض ذلك لا يشرع.
يدل على ذلك حديث سعد بن عبادة رضي الله عنه أنه تصدق ببستانه لأمه التي ماتت فأجازه النبي صلى الله عليه وسلم. رواه البخاري، وغيرها من الأحاديث.
لكن الصدقة عن الميت أفضل من إهداء القراءة له، وكذا الدعاء له والاستغفار له أفضل من غيرها من الأعمال.
وأنت إذا تصدقت عن قريبك الميت أو دعوت له - أو غير ذلك من الأعمال - انتفع به الميت وكان لك أنت أيضا أجر وثواب وفضل الله واسع.
وأما رفع اليدين عند الدعاء: فليس بدعة، بل هو سنة من سنن الهدى، وهو من أسباب إجابة الدعاء، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن الله تعالى حيي كريم، يستحي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفرا خائبتين " رواه أحمد وأبو داود من حديث سلمان.
وإنما يكره رفع اليدين في مواطن: مثل رفعهما عند دعاء خطيب الجمعة فإنه مكروه إلا إذا استسقى الخطيب في الجمعة فعندها يشرع رفع اليدين فقد صح ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكذلك لا يجوز رفع اليدين جماعيا أو فرادى بعد الصلاة الفريضة إذ ليس على ذلك مستند.
وأما مسح الوجه أو الصدر أو البدن باليدين بعد الدعاء: فبدعة لا تجوز. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/4807)
إهداء ثواب الطاعات للنبي صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يقرأ القرآن مثلاً , ثم يقول: وهبت ثواب هذه القراءة للنبي صلى الله عليه وسلم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الصواب المقطوع به أن إهداء ثواب الطاعات إلى النبي صلى الله عليه وسلم بدعة , والدليل على هذا:
1- أن هذا الإهداء لا حاجة إليه , ولا داعي له , فإن النبي صلى الله عليه وسلم له مثل أجور أمته من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً , كما ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا) رواه مسلم (2674) .
وقال: (مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ) رواه مسلم (1017) .
وهو صلى الله عليه وسلم قد سن سنن الهدى جميعها لأمته، فصار إهداء العامل الثواب للنبي صلى الله عليه وسلم ليس فيه فائدة , بل فيه إخراج العامل للثواب عن نفسه من غير فائدة تحصل لغيره , فهذا العامل فاته ثواب العمل , والنبي صلى الله عليه وسلم له مثل هذا الثواب من غير إهداء.
2- أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسن هذا لأمته , وقد قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ عَمِلَ عَمَلا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) رواه البخاري (2697) ومسلم (1718) واللفظ لمسلم.
3- أن السلف - من الخلفاء الراشدين , وسائر الصحابة والتابعين - لم يكونوا يفعلون ذلك , وهم أعلم بالخير , وأرغب فيه , وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ) رواه أبو داود (4607) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
انظر رسالة: "إهداء الثواب للنبي صلى الله عليه وسلم" لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
وقد سئل ابن العطاء تلميذ النووي رحمهما الله: هل تجوز قراءة القرآن وإهداء الثواب إليه صلى الله عليه وسلم وهل فيه أثر؟
فأجاب:
" أما قراءة القرآن العزيز فمن أفضل القربات، وأما إهداؤه للنبي صلى الله عليه وسلم فلم ينقل فيه أثر ممن يعتد به، بل ينبغي أن يمنع منه، لما فيه من التهجم عليه فيما لم يأذن فيه، مع أن ثواب التلاوة حاصل له بأصل شرعه صلى الله عليه وسلم، وجميع أعمال أمته في ميزانه " انتهى.
ونقل السخاوي عن شيخه الحافظ ابن حجر رحمه الله أنه سئل عمن قرأ شيئا من القرآن وقال في دعائه: اللهم اجعل ثواب ما قرأته زيادة في شرف رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
فأجاب:
" هذا مخترع من متأخري القراء، لا أعلم لهم سلفاً فيه " انتهى نقلاً من: "مواهب الجليل" (2/454,544)
هذا مع أن قراءة القرآن وإهداء الثوب للأموات فيه خلاف بين العلماء، انظر السؤال (70317، 46698) لكن حتى لو قيل بجوازه، فلا يجوز الإهداء للنبي صلى الله عليه وسلم، لأنه لا يحصل به إلا حرمان العامل من الثواب من غير فائدة لغيره.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4808)
إهداء ثواب الذكر إلى أبويه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل لي أن أقول سبحان الله مائة مرة أو غير ذلك من الأذكار، داعياً أن يكون ثواب ذلك لأبي أمي؟ علماً أن أبي متوفى، وأمي لا زالت على قيد الحياة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اختلف العلماء في جواز إهداء الثواب للموتى وهل يصلهم ذلك على قولين:
القول الأول: أن كل عمل صالح يهدى للميت فإنه يصله، ومن ذلك قراءة القرآن والصوم والصلاة وغيرها من العبادات.
القول الثاني: أنه لا يصل إلى الميت شيء من الأعمال الصالحة إلا ما دل الدليل على أنه يصل. وهذا هو القول الراجح، والدليل عليه قوله تعالى: (وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى) النجم/39
وقوله عليه الصلاة والسلام: (إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) أخرجه مسلم (1631) ، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وقد مات عم النبي صلى الله عليه وسلم حمزة رضي الله عنه، وزوجته خديجة، وثلاث من بناته، ولم يرد أنه قرأ عن واحد منهم القرآن، أو ضحى أو صام أو صلى عنهم، ولم ينقل شيء من ذلك عن أحد من الصحابة، ولو كان مشروعاً لسبقونا إليه.
أما ما دل الدليل على استثنائه ووصول ثوابه إلى الميت فهو: الحج، والعمرة، والصوم الواجب، والصدقة، والدعاء.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله عند تفسير قوله تعالى: (وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى) : " ومن هذه الآية استنبط الشافعي ومن تبعه أن القراءة لا يصل إهداء ثوابها إلى الموتى؛ لأنه ليس من عملهم ولا كسبهم، ولهذا لم يندب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته ولا حثهم عليه، ولا أرشدهم إليه بنص ولا إيماء، ولم ينقل عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم، ولو كان خيراً لسبقونا إليه وباب القربات يقتصر فيه على النصوص، ولا يتصرف فيه بأنواع الأقيسة والآراء، فأما الدعاء والصدقة، فذاك مجمع على وصولها ومنصوصٌ من الشارع عليها " ا. هـ (تفسير ابن كثير 4/ 258) .
ثم لو سلمنا بأن ثواب الأعمال الصالحة كلها يصل إلى الميت فإن أفضل ما ينفع الميت هو الدعاء، فلماذا نترك ما حث عليه النبي صلى الله عليه وسلم إلى أمور أخرى لم يفعلها، ولم يفعلها أحد من أصحابه؟! والخير كل الخير في هدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه لله عن إهداء ثواب قراءة القرآن والصدقة للأم، سواء كانت حية أم ميتة، فأجاب:
" أما قراءة القرآن فقد اختلف العلماء في وصول ثوابها إلى الميت على قولين لأهل العلم، والأرجح أنها لا تصل لعدم الدليل؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعلها لأمواته من المسلمين كبناته اللاتي مُتْن في حياته عليه الصلاة والسلام، ولم يفعلها الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم فيما علمنا، فالأولى للمؤمن أن يترك ذلك ولا يقرأ للموتى ولا للأحياء ولا يصلي لهم، وهكذا التطوع بالصوم عنهم؛ لأن ذلك كله لا دليل عليه، والأصل في العبادات التوقيف إلا ما ثبت عن الله سبحانه أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم شرعيته. أما الصدقة فتنفع الحي والميت بإجماع المسلمين، وهكذا الدعاء ينفع الحي والميت بإجماع المسلمين، فالحي لا شك أنه ينتفع بالصدقة منه ومن غيره وينتفع بالدعاء، فالذي يدعو لوالديه وهم أحياء ينتفعون بدعائه، وهكذا الصدقة عنهم وهم أحياء تنفعهم، وهكذا الحج عنهم إذا كانوا عاجزين لكبر أو مرض لا يرجى برؤه فإنه ينفعهم ذلك، ولهذا ثبت عنه صلى الله عليه وسلم: أن امرأة قالت يا رسول الله إن فريضة الله في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: " حجي عنه" وجاءه رجل آخر فقال: يا رسول الله إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا الظعن أفأحج عنه وأعتمر؟ قال: " حج عن أبيك واعتمر" فهذا يدل على أن الحج عن الميت أو الحي العاجز لكبر سنه أو المرأة العاجزة لكبر سنها جائز، فالصدقة والدعاء والحج عن الميت أو العمرة عنه، وكذلك عن العاجز كل هذا ينفعه عند جميع أهل العلم، وهكذا الصوم عن الميت إذا كان عليه صوم واجب سواء كان عن نذر أو كفارة أو عن صوم رمضان لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: " من مات وعليه صيام صام عنه وليه" متفق على صحته، ولأحاديثٍ أخرى في المعنى، لكن من تأخر في صوم رمضان بعذر شرعي كمرض أو سفر ثم مات قبل أن يتمكن من القضاء فلا قضاء عنه ولا إطعام؛ لكونه معذورا اهـ. "مجموع فتاوى ومقالات الشيح ابن باز" (4/348) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يجوز أن يتصدق الرجل بمال ويشرك معه غيره في الأجر؟ فأجاب: يجوز أن يتصدق الشخص بالمال وينويها لأبيه وأمه وأخيه، ومن شاء من المسلمين، لأن الأجر كثير، فالصدقة إذا كانت خالصة لله تعالى ومن كسب طيب تضاعف أضعافاً كثيرة، كما قال اله تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) البقرة/261.
وكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يضحي بالشاة الواحدة عنه وعن أهل بيته " اهـ.
"فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (18/249) .
وبما تقدم يتضح أن ما ذكرتَه من إهدائك أجرَ الذكرِ لوالديك لا يصح على القول الراجح؛ سواء الحي منهما أو الميت، وإنما الوصية لك بالإكثار من الدعاء لهما، والصدقة عنهما , فإن الخير كل الخير في اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4809)
انتفاع الميت بالصدقة عنه
[السُّؤَالُ]
ـ[مات أبي رحمه الله وأريد أن أصنع صدقة جارية على روحه علها تزيد في حسناته وترفع درجاته عند مليكه مثل بناء مسجد أو طباعة كتاب علم ينتفع به المسلمون لكن أحد الشيوخ أفتانا بعدم جدوى ذلك لأنها ليست من ماله وأن الصدقة الجارية لابد أن تكون من صنع المرء بنفسه في حياته وقبل وفاته وتستمر معه بعد وفاته فهل كلام الشيخ صحيح؟
وإن لم يكن صحيحا فأفتوني وأشيروا عليّ بأفضل الطرق لنفع والدنا المتوفى. وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اتفق أهل العلم على أن الدعاء والاستغفار والصدقة والحج تصل للميت.
أما الدعاء والاستغفار فلقول الله تعالى: (والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل) وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء) .
وأما الصدقة فقد ثبت في الصحيحين عن عائشة: (أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم إن أمي افتلتت نفسها ولم توصي وأظنها لو تكلمت تصدقت أفلها أجر إن تصدقت عليها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم) رواه البخاري برقم 1388، ومسلم برقم 1004، وثبت في البخاري عن سعد بن عبادة: (أن أمه توفيت وهو غائب فقال: يا رسول الله إن أمي ماتت وأنا غائب فهل ينفعها إن تصدقت عنها فقال: نعم، فقال: أشهدك أن حائطي المخراف صدقة عنها) رواه البخاري برقم 2756.
وأما الحج فقد قال صلى الله عليه وسلم لمن سألته عن الحج: (أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته، قالت: نعم قال: فدين الله أحق بالقضاء) رواه البخاري برقم 6699، ومسلم برقم 1148.
ومما سبق تعلم أن الصدقة عن الميت تنفعه ويصل إليه ثوابها.
وقد روي حديث ضعيف في الصلاة عن الميت، وذكر الإمام مسلم في مقدمة صحيحه عن عبد الله بن المبارك أنه ضعف هذا الحديث ثم قال:
لَيْسَ فِي الصَّدَقَةِ (يعني عن الميت) اخْتِلافٌ اهـ.
قال النووي:
قَوْله: (لَيْسَ فِي الصَّدَقَة اِخْتِلافٌ) فَمَعْنَاهُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيث لا يُحْتَجُّ بِهِ , وَلَكِنْ مَنْ أَرَادَ بِرَّ وَالِدَيْهِ فَلْيَتَصَدَّقْ عَنْهُمَا فَإِنَّ الصَّدَقَة تَصِلُ إِلَى الْمَيِّتِ وَيَنْتَفِع بِهَا بِلا خِلَافٍ بَيْن الْمُسْلِمِينَ وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب. وَأَمَّا مَا حَكَاهُ أَقْضَى الْقُضَاةِ أَبُو الْحَسَن الْمَاوَرْدِيّ الْبَصْرِيّ الْفَقِيه الشَّافِعِيّ فِي كِتَابه الْحَاوِي عَنْ بَعْض أَصْحَاب الْكَلام مِنْ أَنَّ الْمَيِّت لا يَلْحَقُهُ بَعْد مَوْته ثَوَاب فَهُوَ مَذْهَبٌ بَاطِلٌ قَطْعًا وَخَطَأٌ بَيِّنٌ مُخَالِفٌ لِنُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاع الأُمَّة فَلا اِلْتِفَاتَ إِلَيْهِ وَلا تَعْرِيجَ عَلَيْهِ. وَأَمَّا الصَّلاة وَالصَّوْم فَمَذْهَب الشَّافِعِيّ وَجَمَاهِير الْعُلَمَاء أَنَّهُ لا يَصِلُ ثَوَابُهُمَا إِلَى الْمَيِّت إِلا إِذَا كَانَ الصَّوْم وَاجِبًا عَلَى الْمَيِّت فَقَضَاهُ عَنْهُ وَلِيُّهُ أَوْ مَنْ أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ فَإِنَّ فِيهِ قَوْلَيْنِ لِلشَّافِعِيِّ أَشْهَرُهُمَا عَنْهُ أَنَّهُ لا يَصِحّ وَأَصَحُّهُمَا عِنْد مُحَقِّقِي مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِهِ أَنَّهُ يَصِحّ. وَأَمَّا قِرَاءَة الْقُرْآن فَالْمَشْهُور مِنْ مَذْهَب الشَّافِعِيّ أَنَّهُ لا يَصِلُ ثَوَابُهَا إِلَى الْمَيِّت وَقَالَ بَعْض أَصْحَابه: يَصِل ثَوَابهَا إِلَى الْمَيِّت. وَذَهَبَ جَمَاعَات مِنْ الْعُلَمَاء إِلَى أَنَّهُ يَصِل إِلَى الْمَيِّت ثَوَاب جَمِيع الْعِبَادَات مِنْ الصَّلاة وَالصَّوْم الْقِرَاءَة وَغَيْر ذَلِكَ. . . ثم ذكر النووي أن الدُّعَاء وَالصَّدَقَة وَالْحَجّ يصِلُ ثوابها إلى الميت بِالإِجْمَاعِ اهـ بتصرف.
وقال في تحفة المحتاج (7/72) :
"وينفع الميت صدقة عنه ومنها وقف لمصحف وغيره وحفر بئر وغرس شجر منه في حياته أو من غيره عنه بعد موته" اهـ.
وأما أفضل الطرق لنفع والدك فعليك بالإكثار من الدعاء له، قال الله تعالى: (وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثَةٍ إِلا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ) رواه مسلم (1631) .
أما بالنسبة للصدقة فمن أفضل ما تبذل فيه الصدقات الجهاد في سبيل الله وبناء المساجد ومساعدة طلبة العلم بطباعة الكتب أو إعطائهم الأموال التي يحتاجون إليها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4810)
حكم قراءة القرآن لآخر حيا أو ميتا
[السُّؤَالُ]
ـ[لي والدة لا تقرأ وأحب أن أبرها وكثيرا ما أقرأ القرآن وأجعل ثوابه لها، ولما سمعت أنه لا يجوز عدلت عن ذلك وأخذت أتصدق عنها بدراهم، وهي الآن حية على قيد الحياة، فهل يصل ثواب الصدقة من مال وغيره إليها سواء كانت حية أو ميتة، أم لا يصل إلا الدعاء، حيث لم يرد إلا ذلك كما في الحديث: (إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث وذكر: ولد صالح يدعو له) ، وهل الإنسان إذا كان كثير الدعاء لوالديه في الصلاة وغيرها قائما وقاعدا يشهد له الحديث في بأنه صالح ويرجى له خير عند الله؟ أرجو الإفادة ولكم من الله الثواب الجزيل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أما قراءة القرآن فقد اختلف العلماء في وصول ثوابها إلى الميت على قولين لأهل العلم، والأرجح أنها لا تصل لعدم الدليل. لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعلها لأمواته من المسلمين كبناته اللاتي، متن في حياته عليه الصلاة والسلام، ولم يفعلها الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم فيما علمنا، فالأولى للمؤمن أن يترك ذلك ولا يقرأ للموتى ولا للأحياء ولا يصلي لهم، وهكذا التطوع بالصوم عنهم. لأن ذلك كله لا دليل عليه، والأصل في العبادات التوقيف إلا ما ثبت عن الله سبحانه أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم شرعيته.
أما الصدقة فتنفع الحي والميت بإجماع المسلمين، وهكذا الدعاء ينفع الحي والميت بإجماع المسلمين، وإنما جاء الحديث بما يتعلق بالميت. لأنه هو محل الإشكال: هل يلحقه أم لا يلحقه فلهذا جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) لما كان من المعلوم أن الموت تنقطع به الأعمال بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن هذا لا ينقطع، وأما الحي فلا شك أنه ينتفع بالصدقة منه ومن غيره وينتفع بالدعاء، فالذي يدعو لوالديه وهم أحياء ينتفعون بدعائه، وهكذا الصدقة عنهم وهم أحياء تنفعهم.
وهكذا الحج عنهم إذا كانوا عاجزين لكبر أو مرض لا يرجى برؤه فإنه ينفعهم ذلك، ولهذا ثبت عنه صلى الله عليه وسلم: أن امرأة قالت يا رسول الله: إن فريضة الله في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يثبت على الراحلة، أفأحج عنه. قال: (حجي عنه) .
وجاءه رجل آخر فقال: يا رسول الله: إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا الظعن أفأحج عنه وأعتمر؟ ، قال: (حج عن أبيك واعتمر) ، فهذا يدل على أن الحج عن الميت أو الحي العاجز لكبر سنه أو المرأة العاجزة لكبر سنها جائز، فالصدقة والدعاء والحج عن الميت أو العمرة عنه وكذلك عن العاجز كل هذا ينفعه عند جميع أهل العلم.
وهكذا الصوم عن الميت إذا كان عليه صوم واجب سواء كان عن نذر أو كفارة أو عن صوم رمضان لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) متفق على صحته، ولأحاديث أخرى في المعنى، لكن من تأخر في صوم رمضان بعذر شرعي كمرض أو سفر ثم مات قبل أن يتمكن من القضاء فلا قضاء عنه ولا إطعام لكونه معذورا.
وأنت أيها السائل على خير إن شاء الله في إحسانك إلى والديك بالصدقة عنهما والدعاء لهما، ولا سيما إذا كان الولد صالحا، فهو أقرب إلى إجابة الدعاء، لذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (أو ولد صالح يدعو له) لأن الولد الصالح أقرب إلى أن يجاب من الولد الفاجر، وإن كان الدعاء مطلوبا من الجميع للوالدين، ولكن إذا كان الولد صالحا صار أقرب في إجابة دعوته لوالديه.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز يرحمه الله، م/4، ص/348.(5/4811)
حكم الهبوط بالمظلة من الطائرة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز تجربة الهبوط بالمظلة من الطائرة، وهل إذا مات الشخص وهو يهبط يعتبر انتحارا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا كان الهبوط بالمظلة من الطائرة لغرض التدريب على أساليب القتال الحديثة والمناورات الحربية فلا بأس به، بل هو مأمور به، لقوله تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) الأنفال / 60
قال الشيخ السعدي رحمه الله:
" أي (وَأَعِدُّوا) لأعدائكم الكفار الساعين في هلاككم وإبطال دينكم (مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) أي: كل ما تقدرون عليه من القوة العقلية والبدنية وأنواع الأسلحة، ونحو ذلك مما يعين على قتالهم، فدخل في ذلك أنواع الصناعات التي تعمل فيها أصناف الأسلحة والآلات، من المدافع والرشاشات، والبنادق، والطيارات الجوية، والمراكب البرية والبحرية، والحصون والقلاع والخنادق، وآلات الدفاع، والرأْي والسياسة التي بها يتقدم المسلمون ويندفع عنهم به شر أعدائهم، وتَعَلُّم الرَّمْيِ، والشجاعة والتدبير.
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا إن القوة الرَّمْيُ) ومن ذلك: الاستعداد بالمراكب المحتاج إليها عند القتال، ولهذا قال تعالى: (وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) وهذه العلة موجودة فيها في ذلك الزمان، وهي إرهاب الأعداء، والحكم يدور مع علته.
فإذا كان شيء موجود أكثر إرهابا منها، كالسيارات البرية والهوائية، المعدة للقتال التي تكون النكاية فيها أشد، كانت مأمورا بالاستعداد بها، والسعي لتحصيلها، حتى إنها إذا لم توجد إلا بتعلُّم الصناعة، وجب ذلك؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب " انتهى.
"تفسير السعدي" (ص 324-325) .
وأما إذا كان الهبوط على سبيل اللعب واللهو والترفيه: فلا يجوز، وأقل أحواله الكراهة إن كان الغالب على الظن السلامة، فإن غلب على الظن أن ممارسه يتلف، أو يصيبه ضرر في بدنه أو نفسه: حرم حينئذ.
عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ، وَغَزَوْنَا نَحْوَ فَارِسَ، فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ بَاتَ فَوْقَ بَيْتٍ لَيْسَتْ لَهُ إِجَّارٌ، فَوَقَعَ فَمَاتَ، فَبَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ. وَمَنْ رَكِبَ الْبَحْرَ عِنْدَ ارْتِجَاجِهِ فَمَاتَ، فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ) .
رواه الإمام أحمد في مسنده (20224) ، وحسنه الألباني.
قال ابن بطال رحمه الله:
" ومعناه إن شاء الله -: فقد برئت منه ذمة الحفظ؛ لأنه ألقى بيده إلى التهلكة وغرر بنفسه، ولم يرد فقد برئت منه ذمة الإسلام؛ لأنه لا يبرأ أحد من الإسلام إلا بالكفر". انتهى.
"شرح البخاري" (5/89) .
وفيما تأوله من " ذمة الحفظ "، وإن كان ذلك ليس معناه على الكفر قطعا، بل هو من أحاديث الوعيد لأهل الكبائر والمعاصي، وليست على الكفر المخرج من الملة.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" ومفهومه الجواز عند عدمه، وهو المشهور من أقوال العلماء؛ فإذا غلبت السلامة فالبر والبحر سواء " انتهى. "فتح الباري" (6/88) .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين:
هل تجوز المغامرة بالنفس أو المخاطرة، كما نرى حالياً في بعض أنواع الرياضة العنيفة التي قد تؤدي بمن يمارسها إلى الهلاك؟
فأجاب رحمه الله تعالى:
" هذا محرم، ولا يجوز للإنسان أن يغرر بنفسه فيما يخشى منه التلف أو الضرر؛ لأن الله تعالى يقو (وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) وإذا كان الله تعالى قد نهى عن ذلك فقال (وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ) ؛ فإن كل شيء يؤدي إلى الموت أو يؤدي إلى الضرر فإنه أيضاً محرم. قال النبي صلى الله عليه وسلم (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام) فكما أن الإنسان لا يحل له أن يعتدي على غيره، فلا يحل له أن يعتدي على نفسه بتعريضها لما فيه التلف أو الضرر " انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (13/252) .
فالحاصل:
أن من قام بذلك النوع من الأعمال والمخاطرات: فإن كان ذلك من أجل التدريب على أساليب القتال الحديثة لإعداد القوة للأعداء: فلا حرج عليه فيه، بل هو مأجور عليه إن شاء الله، لكن ينبغي على المسؤول عن ذلك والقائم عليه: أن يتخير من يصلح لهذا النوع من المهمات، من حيث استعداده البدني والنفسي، وقدرته على القيام بهذا النوع من المهام، ومراقبة تدرجه في النهوض بأعباء ذلك، قبل أن يمارس المهمة فعلا.
فإن مات، أو تضرر بذلك، فليس قاتلا لنفسه، بل هو مأجور على قصده وعمله، إن شاء الله.
وأما لمجرد الرياضة والتسلية، كما هو شائع اليوم، فلا يجوز.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4812)
هل يجوز لوالدها منعها من المسجد لرفضها الدراسة المختلطة في الجامعة ببلاد الغرب؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل لوالدي الحق في أن يمنعني من الذهاب إلى المسجد للتدريس وحضور المحاضرات بسبب أني رفضت إكمال دراستي الجامعية في مكان مختلط هنا في إحدى جامعات الغرب؟ يقوم بفعل ذلك كوسيلة ضغط لأعاود دراستي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أن طاعة الوالدين وبرهما من أعظم القربات، قال الله عز وجل: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) الإسراء/23.
وقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: الصَّلَاةُ عَلَى مِيقَاتِهَا. قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ. قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) . متفق عليه.
إلا أن طاعة الوالدين إنما تكون إذا أمرا بمعروف، لا منكر.
روى الإمام أحمد (1098) عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) صححه الألباني في "الصحيحة" (179) وأصله في الصحيحين، ولفظه: (لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ) .
قال أبو عمر ابن عبد البر رحمه الله:
"أجمع العلماء على أن من أمر بمنكر لا تلزم طاعته، قال الله عز وجل: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) " انتهى.
"التمهيد" (23 / 277)
والدراسة في بلاد الغرب في جامعة مختلطة ليست من المعروف الذي يجب أن يطاع فيه الوالدان، وإنما هي من المنكر الذي يجب عدم طاعتهما فيه، ولكن بسلوك طريق الأدب والرفق والحرص على عدم السخط والغضب.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
هل يجوز للأخوات أن يدخلن ويتعلمن في المدارس والجامعات المختلطة، حيث لا يوجد في بلاد الغرب إلا التعليم المختلط، ولكن الأخوات يلتزمن بالزي الإسلامي مع مضايقات الكفار؟
فأجابوا:
"اختلاط الرجال والنساء في التعليم حرام ومنكر عظيم؛ فما فيه من الفتنة وانتشار الفساد وانتهاك المحرمات، وما وقع بسبب هذا الاختلاط من الشر والفساد الخلقي لهو من أوضح الدلائل على تحريمه، وإذا انضاف إلى ذلك كونه في بلاد الكفار كان أشد حرمة ومنعا، وتعلم المرأة بالمدارس والجامعات ليس من الضرورات التي تستباح بها المحرمات، وعليها أن تتعلم بالطرق السليمة البعيدة عن الفتن " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (12 / 181-182) .
وسئلوا أيضاً: ما حكم الإسلام في خروج المرأة لتعلم العلم الدنيوي، مع أنها تتحمل في هذا الخروج بعض المعاصي مثل: خلع النقاب، والاختلاط بالرجال، وتضيع الوقت فيما لا ينفع. مع العلم أن والدي يأمرني بالذهاب إلى الجامعة، فلما أصريت على عدم الذهاب غضبوا علي غضبا شديدا جدا، فهل علي أن أطيعهم في هذا الأمر؟ وإذا لم أطعهما فهل في هذه الحالة أأثم؟ فأجابوا:
"خلع الحجاب محرم، والاختلاط بالرجال في التعليم محرم، ولا تجب طاعة الوالدين في معصية الله تعالى، ولا إثم عليك في ذلك" انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (17 / 262) .
ثانياً:
لا يجوز لولي المرأة أن يمنعها من الخروج إلى المسجد، ما دامت تخرج ملتزمة بالآداب والأحكام الشرعية، ولا يترتب على خروجها مفسدة أو فتنة، وذلك لما رواه البخاري (900) ومسلم (442) أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ) .
ويتأكد هذا النهي إذا كان الأب إنما يمنع ابنته عقاباً لها على فرارها من معصية الله (كالتعليم الجامعي المختلط في بلاد الغرب) .
فهذا عقاب لها على أنها أطاعت الله تعالى، وهذا لا شك أنه لا يجوز.
والذي ننصحك به هو الرفق، ومعالجة الأمر بالحكمة والموعظة الحسنة، مع كمال حسن الأدب حين التحدث إليه، ولا بأس من الاستعانة بمن يمكنه أن يجلي للوالد حقائق الأمور، ويبصره بحكم الشريعة في مثل تلك القضايا، ويذكره بالله تعالى، من أهل النصح والعقل ممن يمكن للوالد تقبل نصحه وكلامه.
والله يسددكم ويرعاكم ويحفظكم من كل سوء، إنه سميع قريب.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4813)
حكم قتل الأجانب في بلاد المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأيكم في العمليات التي تحدث في بلاد المسلمين وتستهدف قتل الأجانب ولكنها تؤدي إلى قتل عدد من المسلمين أيضا وتدمير بعض المباني والمنشآت، وهل هذا من الجهاد كما يقول منفذوها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
هذه العمليات التي تحدث في بلاد المسلمين وتستهدف كما ذكرت الأجانب، ليست جهاداً، بل هي فساد وإفساد، وتخريب وتشويه، وهي دالة على جهل مرتكبيها وطيشهم، فإن هؤلاء الأجانب مستأمنون في بلاد المسلمين، لم يدخلوها إلا بإذن، فلا يجوز الاعتداء عليهم، لا بالضرب ولا بالنهب، فضلا عن القتل، فدماؤهم وأموالهم معصومة، والمتعرض لهم على خطر كبير، كما روى البخاري (3166) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا) .
وهذا شامل للذمي والمعاهد والمستأمن.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري": " وَالْمُرَاد بِهِ: مَنْ لَهُ عَهْد مَعَ الْمُسْلِمِينَ سَوَاء كَانَ بِعَقْدِ جِزْيَة، أَوْ هُدْنَة مِنْ سُلْطَان، أَوْ أَمَان مِنْ مُسْلِم " انتهى.
وفي قوله رحمه الله: " أو أمان من مسلم " إشارة إلى ما هو معروف عند الفقهاء من أن الأمان لا يشترط أن يكون من الحاكم والسلطان، بل يجوز أن يكون من رجل من عامة المسلمين، وهؤلاء الأجانب المشار إليهم يدخلون بلاد المسلمين بأمان من الدولة، وبأمان أيضاً من أحد من المسلمين في كثير من الأحوال، فلا يجوز التعرض لهم، ولو كانوا في الأصل محاربين.
وقد روى البخاري (3171) ومسلم (336) عن أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنها قال: ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: (مَنْ هَذِهِ؟ فَقُلْتُ: أَنَا أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ. فَقَالَ: مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ قَامَ فَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، زَعَمَ ابْنُ أُمِّي عَلِيٌّ أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلًا قَدْ أَجَرْتُهُ، فُلَانُ بْنُ هُبَيْرَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ) .
قال ابن قدامة رحمه الله: " (ومن أعطاهم الأمان منا ; من رجل , أو امرأة , أو عبد , جاز أمانة) .
وجملته: أن الأمان إذا أعطي أهل الحرب , حرم قتلهم ومالهم والتعرض لهم. ويصح من كل مسلم بالغ عاقل مختار , ذكراً كان أو أنثى , حراً كان أو عبداً. وبهذا قال الثوري والأوزاعي والشافعي وإسحاق وابن القاسم وأكثر أهل العلم" انتهى من "المغني" (9/195) .
ثانياً:
إذا نقض المستأمن أو المعاهد عهده لم يجز لآحاد المسلمين قتله؛ لما يترتب على ذلك من المفاسد، وقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم قتل عبد الله بن أبيّ بن سلول رأس النفاق مخافة أن يقال: إن محمداً يقتل أصحابه، وهكذا ليس لآحاد المسلمين قتل من ظهرت ردته وزالت عصمته؛ للمعنى الذي ذكرنا، وكم جَرَّ هذا من الشر والبلاء على أهل الإسلام، وكم حصل به من التضييق على الدعوة والدعاة، وكم استغله المغرضون لتشويه صورة الحق وأهله.
ثالثاً:
أما التسبب في قتل المسلمين المعصومين، فذلك جرم كبير، وذنب عظيم؛ فإن (زَوَال الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ) كما قال صلى الله عليه وسلم. رواه الترمذي (1395) والنسائي (3987) وابن ماجه (2619) من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وما يدعيه هؤلاء من الاستشهاد بمسألة التترس مردود عليهم، وهو دال على جهلهم وظلمهم، فإننا نمنع قتل الكافر مباح الدم لو كان وحده – لما ذكرنا من المفسدة – فكيف إذا انضاف إلى ذلك قتل غيره من معصومي الدم؟
فبان بهذا أن فعل هؤلاء ظلمات بعضها فوق بعض، وأن منشأها الجهل والعجلة وعدم الرجوع إلى أهل العلم الذين أُمرنا بسؤالهم ورد الأمر إليهم، وقد انتظمت كلمة الثقات الأثبات من أهل العلم على منع هذه العمليات وتجريمها لكونها محرمة من أصلها، أو لما يترتب عليها من المفاسد والشرور.
فعلى كل امرئ أن يتقي الله تعالى، وأن يحذر أشد الحذر من إخفار ذمة المسلم، وسفك الدم الحرام، وجلب الشر على أهل الإسلام.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4814)
شاب مسلم في بلد كافر يرفض الدراسة المختلطة ويرغب بالهجرة من تلك البلاد!
[السُّؤَالُ]
ـ[أرغمني والداي على الذهاب إلى مدرسة مختلطة، ضقت بها ذرعاً، فكنت أهرب، وأذهب إلى المسجد لسماع بعض الدروس، والمكوث فيه، كردة فعل، اتصلتْ المدرسة على البيت فلم يجدوني، فاتصلوا بالشرطة، ومن ثم انهالت عليَّ النصائح بضرورة الدراسة، وأن ما فعلته خطأ ... الخ. أسئلتي هي: هل حقّاً أن ما فعلته خطأ؟ فكل ما فعلته هو الذهاب إلى المسجد، وكيف أقنع والداي أن الاختلاط حرام، واللذان يتحججان بأنه ليس هناك خيار آخر إلا هذه المدرسة؟ وهل يجوز لي أن أهاجر من هذه البلاد – كندا - إلى بلاد الإسلام دون علمهما؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
في البداية نسأل الله أن يثبتك على طاعته، وكم فرحنا أن تكون هذه الرسالة من شاب عمره خمسة عشر عاماً! عنده حب الاستقامة، ويغار على دينه، ويخاف على نفسه من الفتنة، ومتعلق قلبه ببيت الله تعالى، وكم يوجد في سنِّك ممن يلهو ويفرِّغ قوة شبابه في المحرمات، ليس في بلاد الكفر، بل حتى في بلاد المسلمين.
ثانياً:
اعلم – أخانا الشاب – أنه لا يجوز للمسلم أن يدرس في مدْرسة، ولا جامعة مختلطة في بلاد المسلمين، فكيف في بلاد الغرب؛ وذلك لما يترتب على ذلك من مفاسد، ومحاذير، لا تخفى على أحد.
وقد بيَّنا في جواب السؤال رقم (1200) تفصيل الحكم في الاختلاط.
ثالثاً:
إذا وجد البديل للدراسة المختلطة فلا تجوز الدراسة في المدارس المختلطة ولا تجب طاعة الوالدين في الدراسة المختلطة؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لاَ طَاعَةَ في مَعْصِيَةٍ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ في الْمَعْرُوفِ) رواه البخاري (7257) ومسلم (1840) .
وإذا لم يوجد البديل المباح لهذه الدراسة المختلطة، وأصرَّ والداك على تلك المدرسة، فالنصيحة لك أن تصبر على ما تراه، حتى يفرِّج الله كربك، واجتهد بقدر الإمكان في البعد عن مواطن الاختلاط في المدرسة، واحرص على صحبة صالحة تعينك على أمر دينك.
وانظر جواب السؤال رقم (72448) .
رابعاً:
أما الهجرة من بلاد الكفر التي لا يستطيع المسلم أن يؤدي فيها شعائر الإسلام , وما أوجبه الله عليه: فهي واجبة عليه، فأغلى ما يملكه الإنسان هو دينه؛ فتجب المحافظة عليه , وعدم التفريط فيه، ولا يُعذر المسلم إلا أن يكون مُستَضعفاً، عاجزاً غير قادر على الهجرة.
قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً) النساء/97.
وقد سبق الجواب عن حكم الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام، وأقوال العلماء في ذلك، في جواب السؤال: (96532) .
ونظراً لأنه لا توجد الآن الدولة التي ترضى باستقبال هؤلاء المهاجرين، صار أمر الهجرة صعباً للغاية.
وانظر جواب السؤال رقم (13363) .
فالحقيقة.. الأمر محيِّر عندنا، وما نستطيع أن ننصحك به، هو:
أن تبقى بين أهلك، تلتزم ورداً من القرآن، ولا تترك الصلاة في المسجد، وأن تحرص على صحبة صالحة، وأن تتجنب مواطن الفتنة بقدر الإمكان.
واعلم أن بعض الصحابة كانوا صغاراً – كابن عباس – ولم يستطيعوا الهجرة إلى المدينة، وظلوا بين الكفار، ولم يؤثر ذلك عليهم، حتى فرَّج الله عنهم، وصار ابن عباس بعدها علَماً ف العلم، وإماماً يُقتدى به، فاصبر حتى ترى من الله فرَجاً.
ونسأل الله أن يثبتنا وإياك على الحق، وأن يوفقنا وإياك لما يحبه ويرضاه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4815)
هل المسلم المقتول ظلماً أو غدراً أو هدم عليه بيته يكون شهيداً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعرف أن المسلم الذي يموت دفاعاً عن نفسه فهو شهيد، ولو مات غريقاً، أو مات ببطنه: فهو شهيد أيضاً، لكن ما هو حال مَن مات على غِرَّة، ولم يكن قد منح الوقت ليأخذ قرار الدفاع عن النفس، كمن قُتل من الخلف، فهل يعدُّ هذا شهيداً أيضاً؟ وما حال من سقطت المتفجرات على بيوتهم مثل الناس في غزة دون توقع منهم، ولم يعطوا الفرصة للدفاع عن أنفسهم، فهل هم أيضاً في عداد الشهداء؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
كل مسلم يقتل ظلماً فله أجر الشهيد في الآخرة، وأما في الدنيا: فإنه يغسَّل، ويصلَّى عليه، ولا يُعامل معاملة قتيل المعركة.
جاء في " الموسوعة الفقهية " (29 / 174) :
"ذهب الفقهاء إلى أن للظلم أثراً في الحكم على المقتول بأنه شهيد، ويُقصد به غير شهيد المعركة مع الكفار، ومِن صوَر القتل ظلماً: قتيل اللصوص، والبغاة، وقطَّاع الطرق، أو مَن قُتل مدافعاً عن نفسه، أو ماله، أو دمه، أو دِينه، أو أهله، أو المسلمين، أو أهل الذمة، أو مَن قتل دون مظلمة، أو مات في السجن وقد حبس ظلماً.
واختلفوا في اعتباره شهيد الدنيا والآخرة، أو شهيد الآخرة فقط؟ .
فذهب جمهور الفقهاء إلى أن مَن قُتل ظلماً: يُعتبر شهيد الآخرة فقط، له حكم شهيد المعركة مع الكفار في الآخرة من الثواب، وليس له حكمه في الدنيا، فيُغسَّل، ويصلَّى عليه" انتهى.
ولا يشترط لتحصيل ثواب الشهداء أن يواجه المظلوم أولئك المعتدين، فإن قتلوه على حين غِرَّة: كان مستحقّاً لثواب الشهداء إن شاء الله.
ومما يدل على ذلك: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه طعنه أبو لؤلؤة المجوسي وهي يصلي الفجر بالمسلمين، وعثمان بن عفان رضي الله عنه، قتله الخارجون عليه ظلماً، وقد وصفهما النبي صلى الله عليه وسلم بأنهما شهداء.
فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: صَعِدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى " أُحُدٍ " وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ فَرَجَفَ بِهِمْ، فَضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ، قَالَ: (اثْبُتْ أُحُدُ، فَمَا عَلَيْكَ إِلاَّ نَبِيٌّ، أَوْ صِدِّيقٌ، أَوْ شَهِيدَانِ) رواه البخاري (3483) .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
" (فالنبي) هو عليه الصلاة والسلام، و (الصدِّيق) : أبو بكر، و (الشهيدان) : عمر، وعثمان، وكلاهما رضي الله عنهما قُتل شهيداً، أما عمر: فقُتل وهو متقدم لصلاة الفجر بالمسلمين، قُتل في المحراب، وأما عثمان: فقُتل في بيته، فرضي الله عنهما، وألحقنا وصالح المسلمين بهما في دار النعيم المقيم" انتهى.
" شرح رياض الصالحين " (4 / 129، 130) .
ثانياً:
أما إخواننا في غزة الذين تهدمت عليهم بيوتهم، فإننا نرجو أن يكونوا شهداء، وذلك لسببين:
1- أنهم قتلوا مظلومين.
2- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صَاحِبُ الْهَدْمِ شَّهِيدُ) رواه البخاري (2674) ومسلم (1914) .
3- ولا نكون مبالغين إذا أضفنا سببا ثالثا، وهو أنهم قتلوا بأيدي الكفار في ساحة المعركة، فيكونون شهداء في الدنيا والآخرة، لأن غزة كلها كانت ساحة للمعركة.
قال الأستاذ عبد الرحمن بن غرمان بن عبد الله حفظه الله:
"ذهب الجمهور، من الحنفية، والحنابلة، والصحيح من مذهب المالكية، وقول عند الشافعية: إلى أن مقتول الحربي بغير معركة: شهيد على الإطلاق، بأي صورة كان ذلك القتل، سواء كان غافلاً، أو نائماً، ناصبه القتال، أو لم يناصبه....
والذي يظهر لي - والله تعالى أعلم - رجحان قول الجمهور؛ لأن اشتراط القتل في المعترك: ليس عليه دليل بيِّن" انتهى باختصار.
" أحكام الشهيد في الفقه الإسلامي " (103 - 106) .
نسأل الله تعالى أن يتقبلهم شهداء، وأن يجعل الدائرة على اليهود الغاصبين، ويمكننا منهم، حتى نحكم فيهم بحكمه العدل.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4816)
الذي يتمنى الشهادة: هل ينال كرامة الشهيد؟!
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الذي يتمنى الشهادة بصدق ولم ينلها يعطى كرامات شهيد الحرب، كالتشفيع، وتزويجه 72 من الحور العين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
في هذه المسألة التفصيل الآتي:
1- من كان يجاهد في سبيل الله صادقا محتسبا، ويشارك في قتال الأعداء، ويرجو مِن الله أن يكتب له الشهادة، ولكن مع ذلك لم ينلها حقيقة، فمثله يكتب الله له أجر الشهيد كاملا غير منقوص.
2- ومن اتخذ الأسباب التي يملكها لنيل الشهادة، وسعى للمشاركة في الجهاد في سبيل الله، وسبق ذلك عزيمةٌ صادقةٌ، وسأل الله بإخلاص أن يكتب له هذه المرتبة، غير أنه حيل بينه وبين المشاركة الفعلية في الجهاد: فهذا يكتب الله له أجر الشهيد، ويعطيه مِن سعة فضله سبحانه ما يبلغ به أجر الشهداء.
3- وأما من نوى الجهاد في سبيل الله نية مجردة عن اتخاذ الأسباب والسعي التام لنيل الشهادة، فهذا له أجر نيته فقط، وليس له أجر الشهيد الذي قُتل في المعركة.
وقد ورد في السنة ما يدل على ما ذكرناه من أن من عزم على الجهاد عزما صادقا، وطلب الشهادة، أعطي كرامتها:
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ طَلَبَ الشَّهَادَةَ صَادِقًا أُعْطِيَهَا وَلَوْ لَمْ تُصِبْهُ) رواه مسلم (1908) ،
وعن سهل بن حنيف رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ) رواه مسلم (1909)
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(َمَنْ سَأَلَ اللَّهَ الْقَتْلَ مِنْ نَفْسِهِ صَادِقًا ثُمَّ مَاتَ أَوْ قُتِلَ فَإِنَّ لَهُ أَجْرَ شَهِيدٍ)
رواه أبو داود (2541) والترمذي (1653) وقال حسن صحيح. وصححه ابن دقيق العيد في " الاقتراح " (ص/123) والألباني في " صحيح أبي داود ".
يقول الإمام النووي رحمه الله:
" معنى الرواية الأولى مفسَّرٌ من الرواية الثانية، ومعناهما جميعا أنه إذا سأل الشهادة بصدق أعطي من ثواب الشهداء وإن كان على فراشه، وفيه استحباب سؤال الشهادة واستحباب نية الخير " انتهى. " شرح مسلم " (13/55)
وقد أخرج الحديث ابن حبان في " صحيحه " (7/464) وبوب عليه بقوله:
" ذكر تفضل الله جل وعلا على سائله الشهادة من قلبه بإعطائه أجر الشهيد وإن مات على فراشه " انتهى.
يقول ابن القيم رحمه الله:
" بل هذا النوع منقسم إلى:
1- معذور من أهل الجهاد، غلبه عذره، وأقعده عنه، ونيته جازمة لم يتخلف عنها مقدورها، وإنما أقعده العجز، فهذا الذي تقتضيه أدلة الشرع أن له مثل أجر المجاهد، وهذا القسم لا يتناوله الحكم بنفي التسوية، وهذا لأن قاعدة الشريعة أن العزم التام إذا اقترن به ما يمكن من الفعل أو مقدمات الفعل نزل صاحبه في الثواب والعقاب منزلة الفاعل التام، كما دل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار. قالوا: هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصاً على قت صاحبه)
وفي الترمذي ومسند الإمام أحمد من حديث أبى كبشة الأنماري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالاً وعلماً، فهو يتقي في ماله ربه ويصل به رحمه، ويعلم لله فيه حقاً، فهذا بأحسن المنازل، وعبد رزقه الله علماً ولم يرزقه مالاً، فهو يقول: لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان، فهو بنيته، وهما في الأجر سواءٌ، وعبد رزقه الله مالاً ولم يرزقه علماً، فهو لا يتقى في ماله ربه، ولا يصل به رحمه، ولا يعلم لله فيه حقاً، فهذا بأسوأ المنازل عند الله، وعبد لم يرزقه الله مالاً ولا علماً فهو يقول: لو أن لي مالاً لعملت بعمل فلان، فهو بنيته، وهما في الوزر سواءٌ)
فأخبر صلى الله عليه وسلم أن وزر الفاعل والناوي الذي ليس مقدوره إلا بقوله دون فعله سواءٌ؛ لأنه أتى بالنية ومقدورِه التام، وكذلك أجر الفاعل والناوي الذي اقترن قوله بنيته. وكذلك المقتول الذي سل السيف وأراد به قتل أخيه المسلم فقتل، نزل منزلة القاتل لنيته التامة التي اقترن بها مقدورها من السعي والحركة.
ومثل هذا قوله صلى الله عليه وسلم: (من دل على خير فله مثل أجر فاعله) ، فإن بدلالته ونيته نزل منزلة الفاعل.
ومثل هذا من كان له وِردٌ يُصَلِّيه من الليل فنام، ومن نيته أن يقوم إليه فغلب عينه نوم كتب له أجر ورده، وكان نومه عليه صدقة، ومثله المريض والمسافر إذا كان له عمل يعمله فشغل عنه بالمرض والسفر كتب له مثل عمله وهو صحيح مقيم، ومثله: (من سأل الله الشهادة بصدق بلَّغه الله منازل الشهداءِ ولو مات على فراشه) ونظائر ذلك كثيرة.
2- والقسم الثاني: معذور ليس من نيته الجهاد، ولا هو عازم عليه عزماً تاماً، فهذا لا يستوي هو والمجاهد في سبيل الله، بل قد فضَّل الله المجاهدين عليه وإن كان معذوراً؛ لأنه لا نية له تلحقه بالفاعل التام كنية أصحاب القسم الأول " انتهى.
" طريق الهجرتين " (ص/359)
فالخلاصة أن من نوى الجهاد، وسعى إليه، وبذل أسبابه، وسأل الله الشهادة بصدق، كتب الله له أجر شهيد.
ثانيا:
ومع ذلك ننبه هنا إلى أنه ليس المقصود أن الله يكتب لمن سأل الشهادة بصدق جميع ما للشهيد الذي قتل في المعركة من الأجر والكرامة؛ وإنما يكتب له قدر أجر الشهادة مجردة عن كل أجور الأعمال المقترنة بالعمل الجهادي من تعب ونصب وجراح وبذل مال ونحو ذلك، فالشهيد وسائل الشهادة بصدق يستويان في أصل الأجر وليس في نوعه ومتعلقاته.
يقول الإمام النووي رحمه الله:
" واعلم أن الشهيد ثلاثة أقسام: أحدها: المقتول في حرب بسبب من أسباب القتال، فهذا له حكم الشهداء في ثواب الآخرة وفي أحكام الدنيا، وهو أنه لا يغسَّل ولا يصلَّى عليه.
والثاني: شهيد في الثواب دون أحكام الدنيا، وهو المبطون , والمطعون , وصاحب الهدم , ومن قتل دون ماله , وغيرهم ممن جاءت الأحاديث الصحيحة بتسميته شهيداً، فهذا يغسَّل ويصلَّى عليه وله في الآخرة ثواب الشهداء , ولا يلزم أن يكون مثل ثواب الأول.
والثالث: من غل في الغنيمة، وشبهه ممن وردت الآثار بنفي تسميته شهيداً، إذا قتل في حرب الكفار، فهذا له حكم الشهداء في الدنيا فلا يغسل , ولا يصلَّى عليه , وليس له ثوابهم الكامل في الآخرة " انتهى.
" شرح مسلم " (2/164)
ويقول الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" والذي يظهر أن المذكورين - في الشهداء خمسة وغيرهم - ليسوا في المرتبة سواء، ويدل عليه ما روى أحمد وابن حبان في صحيحه من حديث جابر، والدارمي وأحمد والطحاوي من حديث عبد الله بن جحش، وابن ماجه من حديث عمرو بن عتبة: أن النبي صلى الله عليه وسلم، سئل أي الجهاد أفضل؟ قال: من عقر جواده وأهريق دمه.
وروى الحسن بن علي الحلواني في (كتاب المعرفة) له بسناد حسن من حديث ابن أبي طالب قال: " كل موتة يموت بها المسلم فهو شهيد، غير أن الشهادة تتفاضل " انتهى.
"فتح الباري" (6/44)
ويقول المناوي رحمه الله:
" (وإن مات على فراشه) لأن كلا منهما نوى خيرا وفعل ما يقدر عليه، فاستويا في أصل الأجر، ولا يلزم من استوائهما فيه من هذه الجهة: استواؤهما في كيفيته وتفاصيله، إذ الأجر على العمل ونيته يزيد على مجرد النية، فمن نوى الحج ولا مال له يحج به يثاب دون ثواب من باشر أعماله، ولا ريب أن الحاصل للمقتول من ثواب الشهادة تزيد كيفيته وصفاته على الحاصل للناوي الميت على فراشه، وإن بلغ منزلة الشهيد، فهما وإن استويا في الأجر لكن الأعمال التي قام بها العامل تقتضي أثرا زائدا وقربا خاصا، وهو فضل الله يؤتيه من يشاء، فعلم من التقرير أنه لا حاجة لتأويل البعض وتكلفه بتقدير مِن بَعد قوله: (بلغه الله) ، فأعط ألفاظ الرسول صلى الله عليه وسلم حقها، وأنزلها منازلها، يتبين لك المراد " انتهى.
" فيض القدير " (6/186)
وبناء عليه فالفضل الوارد في حديث الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ سِتُّ خِصَالٍ: يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ، وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنْ الْجَنَّةِ، وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَيَأْمَنُ مِنْ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ، الْيَاقُوتَةُ مِنْهَا خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنْ الْحُورِ الْعِينِ، وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ)
رواه الترمذي (حديث رقم/1663) وقال: حسن صحيح غريب. وسبق ذكرها في جواب رقم: (8511)
يظهر أن هذه الفضائل إنما تكتب لشهيد المعركة، بدليل قوله: (يغفر له في أول دفعة) ، يعني من دمه، فنال هذه الخصال الستة بسبب ما أريق من دمه في سبيل الله، فلا ينال هذه الخصال غيره وإن نال أجر الشهادة الأصلي.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4817)
حديث: (رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر)
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هذا الحديث صحيح: (رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر) يعني: جهاد النفس؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"حديث: (رجعنا من الجهاد الأصغر، إلي الجهاد الأكبر) رواه البيهقي بسند ضعيف، قاله الحافظ العراقي في تحقيق أحاديث الإحياء، نقله عنه العجلوني في كشف الخفاء، وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: هو كلام إبراهيم بن أبي عبلة وليس بحديث، نقله أيضا العجلوني عن الحافظ في الكشف، وهذا ملخص ما ذكره العجلوني، وفي رواية البيهقي: (قالوا: وما الجهاد الأكبر؟ قال: جهاد القلب) ، ورواه الخطيب البغدادي بلفظ: (رجعنا من الجهاد الأصغر إلي الجهاد الأكبر، قالوا: وما الجهاد الأكبر؟ قال: مجاهدة العبد هواه) ، وقد روياه جميعا عن جابر، كذا في كشف الخفاء، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "الفتاوى" (11/197) : أما الحديث الذي يرويه بعضهم أنه قال في عزوة تبوك: (رجعنا من الجهاد الأصغر، إلى الجهاد الأكبر، فلا أصل له) ، ولم يروه أحد من أهل المعرفة بأقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (26/381) .
وانظر جواب السؤال رقم (10455) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4818)
أبناؤه يرفضون العودة إلى بلاد الإسلام؟!
[السُّؤَالُ]
ـ[ذهبتُ مع اثنين من أبنائي منذ 5 سنوات للدراسة في دولة غير مسلمة يحملون جنسيتها، وهي متقدمة جدّاً، ثم أحضرت الثالث في السنة التالية، ورغم أن الأول أكمل الماجستير: فإنه يرفض مساعدتي له في تكاليف الزواج، أو العودة، بحجة انخفاض الرواتب، أما الثاني: لم يسمع النصيحة، ولم ينهِ دراسته، وحوَّل لكليَّة أخرى تحتاج 4 سنوات أخرى، وهو يقول إنها دولة غير مسلمة، ويكره العيش فيها، ومع ذلك يغير مجال الدراسة، ويرفض العودة لبلده، مع أنه يستطيع إنهاء الدراسة بعد سنتين ونصف بأقل من عشر المصاريف في بلد مسلم ويحصل على بكالوريوس، حيث أنني أعطيته الفرصة، وفشل، وهو يرفض العودة، فماذا أفعل؟ والثالث انتهى من دراسة دبلوم لمدة عامين في أربع سنوات، ويعمل به بدلاً من الانتهاء من البكالوريوس والعودة للعمل في بلاد المسلمين، ويرفض العودة بحجة أنه ربما يدرس مستقبلاً، والرواتب في البلاد العربية أقل بكثير من الغرب، ويرفض الزواج رغم قيامي بعرض دفع كل المصاريف من مهر، وشبكة، وشقة، فماذا أفعل؟ وما هو موقفي الشرعي من أبنائي الثلاثة؟ علماً بأن زوجتي تقول: إنه خطؤنا أن أرسلناهم هناك، مع أنهم يصلون، ويؤدون الفرائض، ولكنهم لا يسمعون النصيحة، وهي لجانبهم دوماً، وأنا لا أدري ماذا أفعل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أوجب الله تعالى على الآباء العناية بأولادهم، وأمرهم عز وجل أن يقوهم نار جهنم، وهذا واضح في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) التحريم/6.
ومما يؤسف له في هذا الزمان أنه قد حصر كثير من الآباء أوجه تلك العناية والرعاية بالطعام، والشراب، واللباس، والدراسة، حتى لو كان ذلك على حساب دين أولادهم، وسلوكهم، ومن أخطر ما زلَّ فيه أولئك الآباء أنهم حرصوا أشد الحرص على تدريس أولادهم، وبذلوا في ذلك جهدهم، وطاقتهم، بل كثير منهم حمَّلوا أنفسهم ما لا يطيقون، وحرص الواحد منهم على اختيار جامعة، أو كلية، ليدرِّس فيها أولاده، الذكور منهم والإناث، ولم يلتفتوا إلى خطر تلك المعاهد والجامعات، ولا خطر تلك البلدان التي توجد فيها تلك المؤسسات التعليمية، ووافق ذلك كون أولئك الأولاد في أوائل فورة الشهوة الجنسية، وبداية تفتح العقل على الأشياء، فأغرتهم تلك الأشياء المادية في تلك البلاد، وسلبت عقولهم أولئك النسوة الشقراوات الحسناوات، فحصل كثير من المفاسد، حتى إنه ليتخلى كثير من أولئك الأولاد الطلاب عن دينهم، ويسفل سلوكهم، وتتردى أخلاقهم، والآباء يرون ذلك، ويسكت عنه كثير منهم؛ انتظاراً لشهادة تافهة يأتي بها ولده؛ ليرفع رأسه بين أقربائه وأقرانه وجيرانه! ؛ وليكن بعدها ما يكن من خراب ودمار.
هذا للأسف هو حال كثير من أحوال بيوت المسلمين الذين يرضون لأولادهم ما ذكرناه، ثم عندما يأتي وقت قطاف ثمار عناء وتعب أولئك الآباء: تظهر آثار تلك البيئات السيئة التي درس فيها أولئك الأولاد، ويظهر تأثير مناهج الدراسة على حياتهم، فيلتفت الأب المسكين حوله، وتنظر تلك الأم المدهوشة، كلٌّ يبحث عن أولاده – وخاصة الأبناء – فلا يجدون منهم أحداً، ومن وجدوه فليس هو كما يريد عقلاء الأهل وصالحوهم.
ثانياً:
ذلك الواقع المرير هو ما عاشه ويعيشه الأب السائل، وإننا لنشعر معك، ونتألم لألمك، وما حصل من الأبناء بعد ذلك إنما هو نتيجة تأثير تلك الدراسة، وتلك البيئة، والتي لا تهتم لجمع الأسرة تحت سقف واحد، ولا للم شملها تحت قيادة واحدة، وكلٌّ يسير وفق المنهج الذي يريد، بزعم الحرية، وقوانين تلك البلاد تؤيدهم، وتقويهم على من يخالفهم.
ثالثاً:
والواجب عليك وعلى أمهم:
1. التوبة والاستغفار مما حصل من تقصير وتفريط منكما تجاه أبنائكما، ولا تضع الحِمل والوزر على أمهم فقط، فأنت تتحمل المسئولية الأكبر.
2. عدم اليأس من محاولات إرجاعهم، بالتي هي أحسن، وابذلا في ذلك كل ممكن، من بيان حقكما عليهم، إلى إرسال من يثقون بهم من الناس لنصحهم وإرشادهم، إلى غير ذلك من الوسائل المباحة لتحقيق تلك الغاية. ولتحتفظ ـ أيها الوالد الكريم ـ دائما بأكبر قدر ممكن من العلاقة السوية الأسرية بينكم، ولا تقطعا ـ أنت وزوجك ـ حبال التواصل معهم، وكونا ـ في تلك البلد ـ بجانبهم، ما دام هناك أمل في أن يعودوا معكما، ولو بعد فترة من الدراسة، ولا تتخلوا ـ أبدا ـ عن واجبكما تجاهم.
3. الإلحاح على الله تعالى بالدعاء، وخاصة من الأم، أن يهدي الله تعالى أبناءكم، وأن يرجعهم سالمين في دينهم وسلوكهم، وعليكما اختيار الأوقات والأحوال الفاضلة للدعاء، كالدعاء في ثلث الليل الآخر، وفي السجود.
04 الاستعانة على ذلك بتعويضه عما يفوته في هذه البلاد، ببذلك المغريات المادية منكما، لمن ينفع فيه ذلك، إن هو عاد إلى بلاده، وأكمل مسيرته، حيث يكون أكثر أمنا على دينه.
05 تذكير أبنائكما بمخاطر العيش في تلك البلاد، بحقارة ما يمكن أن يحصلوا عليه من أمر الدنيا، في جنب ما يفوتهم من راحة البال، واجتماع الشمل، وصلاح أمر الدين، مع الاستعانة بأمثلة من الواقع، لأناس أضاعوا شبابهم وأعمارهم في تلك البلاد، ثم صاروا جزءا من تلك المجتمعات البائسة، بكل ما فيها من ضياع وشتات، ثم من أجل ماذا، من أجل الحصول على قليل من أمر العيش: (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ) الروم /6-7
ونسأل الله أن يردَّ عليكم أبناءكم وهم على أحسن حال، عاجلاً غير آجل، ونسأله تعالى أن يصبِّركم على فراقهم، وأن يكتب لكم أجور ذلك كاملاً موفوراً.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4819)
معنى تحديث النفس بالغزو والجمع بين الدعوة والجهاد
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب جامعي أدرس هندسة الحاسب الآلى بإحدى الجامعات.إن شاء الله أتخرج العام المقبل.لله الحمد متزوج وأنتظر مولودا إن شاء الله
لله الحمد أحاول تعلم أمور ديني وأطبقها على منهج السلف الصالح وأعلم يقينا أنه الطريق الصحيح ولكن هناك موضوع استعصى عليَّ فهمه وهو الجهاد وبمشيئة الله تتضح لي الأمور بالمتعلقات الآتية:
1-واجبي تجاه المنظور الجهادى.
2-معنى الحديث والذي رواه مسلم: مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ.
3-كيف أعد نفسي للجهاد.
4-كيف أربط بين العلم وتحصيله والدعوة والجهاد
أرجو تقديم الرد على ما قيل به]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الإمام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه: بَاب ذَمِّ مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ بِالْغَزْوِ. ثم ساق حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ " صحيح مسلم 3533
قال النووي رحمه الله: المراد أن من فعل هذا فقد أشبه المنافقين المتخلفين عن الجهاد في هذا الوصف، فإن ترك الجهاد أحد شعب النفاق. وفي هذا الحديث: أن من نوى فعل عبادة فمات قبل فعلها لا يتوجه عليه من الذمّ ما يتوجه على من مات ولم ينوها.
وقال السندي في حاشيته على سنن النسائي: قوله (ولم يحدث نفسه) من التحديث قيل بأن يقول في نفسه يا ليتني كنت غازيا، أو المراد ولم ينو الجهاد وعلامته إعداد الآلات قال تعالى: " ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عُدّة ".
ويكون إعداد النَّفس للجهاد بأمور كثيرة منها: معرفة فضل الجهاد وأحكامه وإعداد النّفس بأنواع الطّاعات والعبادات وتربيتها على التّضحية ومراغمتها على الإيثار والبذل في سبيل الله وكذلك الاطلاع والقراءة في سير المجاهدين وأبطال الإسلام والمعارك الإسلامية وتحديث النّفس باستمرار أنّه لو قام قائم الجهاد ووُجد السبيل وحصلت الاستطاعة فلا بدّ من النّفير ومعرفة خطيئة المتولّي يوم الزّحف وإثم الفارّ أمام الكفّار ودراسة السيرة النبوية في المرحلة المكيّة والمدنية وغزوات النبي صلى الله عليه وسلم وكيف تحرّك في ذلك الواقع وبأيّ شيء بدأ وكيف كان يستعدّ ويأخذ بالأسباب وفهم مسألة المرحلية في الجهاد والبدء بالعدو الأقرب حتى الانتقال إلى قتال المشركين كافّة، والحذر من حركات النّفاق مع القيام بأنواع الجهاد الأربعة جهاد النفس والشّيطان والكفّار والمنافقين وأهمية الجهاد بالمال مع الجهاد بالنفس، واعلم يا أخي أنّه لا يعسر الجمع بين الدّعوة والجهاد فكل منهما له وقته ومجاله بل كان المسلمون المجاهدون الفاتحون يقومون بالدعوة إلى الله قبل المعركة وإذا فتحوا البلد قاموا بدعوة أهلها وتعليمهم دين الإسلام وإذا لم يكن الوقت وقت جهاد وليست هناك معركة قائمة ولا ساحة مفتوحة فإن أبواب الدّعوة مفتوحة على مصاريعها في مجال دعوة الزوجة والأولاد والأهل الأقارب والجيران وعامة المسلمين وغير المسلمين بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، وفّقنا الله وإياك لما يحبّ ويرضى، وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/4820)
أحاديث المهدي ونزول المسيح عليه السلام ليست مدعاة لترك العمل
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الناس يفهم من أحاديث المهدي أو نزول المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام، أنها مدعاة لترك العمل للإسلام، فيجلس منتظراً خروج المهدي، أو نزول المسيح حتى تعود العزة للإسلام والمسلمين، فما رأيكم في هذا الفهم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن هذه الحال المزرية التي وصلت إليها الأمة الإسلامية اليوم، حال يندى لها الجبين، وكل المسلمين مسئول عن إصلاح هذا الوضع، غير أن بعض المسلمين يعطل العمل، اكتفاءً بالأمل، ويهرب من إصلاح الواقع المرير للأمة بحجة أنه تسبب فيه من قبلنا، وسيصلحه من بعدنا!! ويتوقف عن السعي للتمكين لدين الله، بحجة أن المهدي هو الذي سيفعل.
إنه هروب إلى الأماني مع تعطيل الأسباب الشرعية، والله تعالى يقول: (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً) النساء/123.
إن هذه السلبية التي يعاني منها بعض المسلمين اليوم، لا يمكن للنصوص الشرعية أن تكون دالة عليها، وإنما هو سوء الفهم، والعجز والكسل، والهروب من تحمل المسئولية.
فإن الله تعالى أمر المسلمين بالعمل لهذا الدين، والدعوة إلى الله، ومجادلة الكفار ودعوتهم بالحكمة والموعظة الحسنة، وقتالهم حتى لا يكون شرك على الأرض، قال الله تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) الأنفال/39.
قال ابن كثير رحمه الله:
أمر تعالى بقتال الكفار حتى لا تكون فتنة أي شرك ويكون الدين لله أي يكون دين الله هو الظاهر على سائر الأديان اهـ.
وهذا الأمر ليس خاصاًًّ بزمان دون زمان، بل المسلمون في كل زمان ومكان مأمورون بهذا.
ولا شك أن العمل للإسلام وتمكينه في الأرض يستلزم من المسلمين الاجتهاد والبذل والأخذ بالأسباب المؤدية إلى هذا.
وبعض الناس يسيء فهم هذه الأحاديث الواردة في خروج المهدي أو نزول المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام فيتواكل ويترك العمل ويجلس منتظراً لخروج المهدي أو نزول المسيح فيترك الدعوة إلى الله ... والعمل لإعلاء كلمة الله. وقد أمر الله تعالى ورسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالأخذ بالأسباب والسعي في الأرض والعمل.
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً) النساء/71
قال سبحانه: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) الأنفال/60. وقال عز وجل: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) الملك/15. وقال تعالى: (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) المطففين/26. وقال سبحانه: (لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ) الصافات/61. وقال جل وعلا: (وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً) الإسراء/19. وقال تعالى: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) البقرة/197.
وأمر الله تعالى مريم أن تأخذ الأسباب، وهي في أشدّ ضعفها، فقال عز وجل: (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً) مريم/25.
وكان رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وسَلَّم يعُدّ لكل أمر عدّته ويرسم له خطّته، كما حدث في رحلة الهجرة فقد أعدّ الرواحل والدليل واختار الرّفيق، وحدد مكان الاختفاء إلى أن يهدأ الطلب، وأحاط ذلك كله بسياج من الكتمان، وكذلك كانت سيرته في غزواته كلّها، وعليه ربّى أصحابه الكرام، فكانوا يلقون عدوّهم متحصنين بأنواع السلاح، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكّة والبيضة (الخوذة) على رأسه مع أن الله سبحانه وتعالى قال: (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) المائدة/67. وكان إذا سافر في جهاد أو حجّ أو عمرة حمل الزاد والمزاد.
وقال صَلَّى الله عَلَيْه وسَلَّم: " احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلا تَعْجَزْ " رواه مسلم (2664)
ولنا أن نتخيّل الحال التي كان يمكن أن يؤول إليها مصير الدعوة والأمة لو أن الأجيال السابقة أصغوا إلى نداءات الاستسلام حتى يخرج المهدي، هل كانوا سيهزمون التتار والصليبين ويفتحون القسطنطينية؟!
وهذا الفهم الخاطئ للنصوص الشرعية الواردة في شأن المهدي والمسيح عليه السلام قد تصدى له كثير من العلماء والدعاة والكتاب.
قال الشيخ الألباني رحمه الله:
" لا يجوز للمسلمين أن يتركوا العمل للإسلام، وإقامة دولته على وجه الأرض انتظاراً منهم لخروج المهدي، ونزول عيسى ـ عليهما السلام، يأساً منهم أو توهماً أن ذلك غير ممكن قبلهما، فإن هذا توهّم باطل، ويأس عاطل، فإن الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم لم يخبرنا أن لا عودة للإسلام ولا سلطان له على وجه الأرض إلا في زمانهما، فمن الجائز أن يتحقق ذلك قبلهما إذا أخذ المسلمون بالأسباب الموجبة لذلك، لقوله تعالى: (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) محمد/7. وقوله: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ) الحج/40. . . . إن أحاديث نزول عيسى عليه السلام وغيرها، الواجب فيها الإيمان بها، وردّ ما توهّمه المتوهّمون منها من ترك العمل، والاستعداد الذي يجب القيام به في كل زمان ومكان.." اهـ.
وقال الأستاذ عبد العزيز مصطفى:
" جهاد الكفار أياً كانوا وأينما كانوا وفي أي زمان كانوا واجب بالشرع المحكم غير المنسوخ، وهذه حقيقة إسلامية ثابتة، وهذا الجهاد واجب بشروطه، وضوابطه وأحكامه، وليس من هذه الشروط أو
الضوابط أو الأحكام أن يؤخر الجهاد انتظاراً لتحول الغيب إلى شهادة، ما هكذا فهم المسلمون الأوائل، وما هكذا فعلوا، بل إنهم لما أُخبروا بأن الله تعالى سيكسر مُلك كسرى بسيوفهم ما قبعوا في البيوت ينتظرون تحقق الخبر، ووقوع الأمر بلا مقدمات يبذلونها، وجهود يقدمونها، لا، بل أعدوا للأمر عُدّته وأخذوا للشأن أهبته، حتى وقع النصر، وتطابق أمر الشرع مع أمر القدر ... أما بعض مسلمي اليوم فيقولون: لا.. إن جهاد اليهود لن يكون حتى يخرج الدجال. . ولعل هذا من جملة فِتن الدجال في هذه الدنيا.
وانطلى هذا الكلام السخيف على قطاعات من الشباب المسلم، فألقوا عن كواهلهم تحمل أية مسؤولية تجاه المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله، تماماً كما انطلى على كثير منهم من قبل كلام أسخف منه، مؤداه أن الدولة الإسلامية والخلافة لن تقوم حتى يخرج المهدي!!
وعجباً لمروجي هذا الكلام ومردديه، كأنهم يقولون بلسان حالهم لليهود: اشتدوا في عدائكم.. وللنصارى استمروا في طغيانكم.. وللمسلمين استمروا في تشتتكم وتفرقكم وتنازعكم وغثائكم، حتى يخرج المهدي إليكم، ولا أدري: بأية حجج وأدلة يقعون في هذه الزلّة، متوهمين أن المهدي سيخرج إلى قوم قاعدين أو سينصره أناس خاملون" اهـ.
انظر كتاب المهدي وفقه أشراط الساعة للشيخ محمد بن إسماعيل ص (710-722)
نسأل الله تعالى أن يرد المسلمين إلى دينهم رداًّ جميلاً.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4821)
الجهاد الأكبر والأصغر
[السُّؤَالُ]
ـ[الجهاد الأكبر, أهو مجاهدة النفس, أم الجهاد الفعلي في ساحة القتال؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحديث الذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأصحابه لما رجعوا من الغزو: (رجعنا من الجهاد الأصغر، إلى الجهاد الأكبر) ، قالوا: وهل هناك جهاد أعظم من جهاد الكفار؟ قال: (نعم. جهاد النفس) .
وهذا الحديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ولا ريب أن جهاد النَّفس سابقٌ على جهاد الكفار، وذلك لأنّ الإنْسَان لا يجاهد الكفار، إلا بعد مجاهدة نفسه، لأن القتال مكروه إلى النفس، قال تعالى: (كُتِبَ عليكم القِتَالُ وهو كُرْهٌ لَكُمْ وعَسَى أن تكرهوا شيئا وهو خيرٌ لكم وعسى أنْ تحبوا شيئا وهو شرٌ لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون) البقرة/216، فالمهم أن جهاد الأعداء لا يتم إلا بعد جهاد النفس عليه، وتَحْمِيلها هذا الأمر. حتى تَنْقَادَ وتَطْمَئِنّ.
فتاوى منار الإسلام للشيخ ابن عثيمين رحمه الله 2/421.
قال ابن القيم: " فالجهاد أربع مراتِب: جهاد النفس، وجهاد الشياطين، وجهاد الكفار، وجهاد المنافقين.
وجهاد النفس بأن يُجَاهِدَهَا على تَعَلُّمِ الهُدَى، والعَمَلِ به بَعْدَ عِلْمِهِ، والدعوة إليه، والصبر على مَشَاقّ الدّعوة إلى الله، وجهاد الشيطان: جهاده على دفع ما يُلْقِي إلى العبد من الشُبُهَاتِ والشّهَوَات، والشكُوكِ القَادِحة في الإيمان، وجهاده على ما يُلْقِي إليه من الإرادات الفاسدة والشهوات، وجهاد الكفار والمنافقين بالقلب واللسان والمال والنفس، وجهاد الكفار أخَصُّ باليَدِ وجهاد المنافقين أخَصُّ باللِّسان ... قال: وأكْمَلُ الخَلْقِ من كَمَّلَ مراتِبَ الجِهَاد كلّها، والخَلْقُ مُتَفَاوِتُونَ في منازِلِهِمْ عند الله، تفاوتهم في مراتب الجهاد ... " ا. هـ. زاد المعاد 3/9-12،
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/4822)
يستطيع أن يقيم دينه في دول الكفر أكثر من بلاده، فهل تلزمه الهجرة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعيش في إحدى الدول الغربية، وأستطيع بحمد الله أداء شعائر ديني دون مضايقة، وقد اطلعت في موقعكم على بعض الأحاديث النبوية التي تمنع الإقامة في بلاد الكفر والسكن بين الكفار، وأصبحت الآن في حيرة هل أرجع إلى بلدي أم أبقى في هذه البلاد، علماً بأني إذا رجعت إلى بلدي تعرضت لمضايقات وأذى بسبب التزامي بأحكام الله، ولن أستطيع أن أجد من الحرية في عبادتي ما أجده في البلد الذي أقيم فيه.
فأرجو منكم الإجابة على سؤالي وبيان حكم إقامتي في هذا البلد، لاسيما أن بلاد المسلمين أصبحت لا تختلف كثيراً عن غيرها من ناحية الالتزام بشعائر الإسلام.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل أنه لا يجوز للمسلم أن يقيم بين المشركين، وعلى هذا دلت الأدلة من الكتاب والسنة والنظر الصحيح.
أما الكتاب؛ فقد قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً) النساء / 97.
وأما السنة؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ) . رواه أبو داود (2645) . وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وأما النظر الصحيح؛ فإن المسلم المقيم بين المشركين لا يستطيع أن يقيم كثيراً من شعائر الإسلام وعباداته الظاهرة، مع ما في ذلك من تعريضه نفسَه للفتن، لما في تلك البلاد من الإباحية الظاهرة التي تحميها قوانينهم، وليس للمسلم أن يعرض نفسه للفتن والابتلاءات.
هذا إذا نظرنا إلى أدلة الكتاب والسنة نظرةً مجردةً عن واقع الدول الإسلامية ودول الكفر. وأما إذا نظرنا إلى واقع الدول الإسلامية فإننا لا نوافق السائل على قوله (وخصوصا أن بلاد المسلمين أصبحت لا تختلف كثيراً عن غيرها من ناحية الالتزام بشرائع الإسلام) فهذا التعميم غير صحيح، فليست الدول الإسلامية على درجة واحدة من البعد أو القرب من الالتزام بشرائع الإسلام، بل هي متفاوتة في ذلك، بل البلد الواحد يتفاوت باختلاف مناطقه ومدنه.
ثم دول الكفر أيضاً ليست على درجة واحدة من الإباحية والتحلل الخلقي، بل هي متفاوتة في ذلك أيضاً.
فنظراً لهذا التفاوت بين الدول الإسلامية بعضها البعض، وبين دول الكفر بعضها البعض.
ونظراً لأن المسلم لا يستطيع أن يذهب إلى أي دولة إسلامية ويقيم بها - لوجود قوانين التأشيرات والإقامة الصارمة وما أشبه ذلك -.
ونظراً لأن المسلم قد لا يتمكن من إقامة دينه في بعض الدول الإسلامية، في حين أنه قد يتمكن من ذلك أو من بعضه على الأقل في بعض دول الكفر.
فلكل ما سبق لا يمكن الآن أن يصدر حكم عام يعم جميع البلاد وجميع الأشخاص، بل يقال: لكل مسلم حالته الخاصة به، وحكمه الخاص به، وكل امرئ حسيب نفسه، فإن كانت إقامته لدينه في الدول الإسلامية التي يمكنه أن يسكن بها أكثر من إقامته لدينه في بلاد الكفر لم يجز له الإقامة في دول الكفر، وإن كان الأمر بالعكس جازت إقامته في دول الكفر بشرط أن يأمن على نفسه من الشهوات والفتن التي بها بأن يحصن نفسه منها بالوسائل المشروعة.
وهذه أقوال لأهل العلم تؤيد ما سبق:
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن هذه المسألة فقال: إن هذه المسألة من أشكل المسائل الآن نظراً لاختلاف البلدان كما سبق بيانه، ولأن بعض المسلمين المقيمين في دول الكفر إذا رجعوا إلى بلدهم اضطهدوا وعذبوا وفتنوا عن دينهم في حين أنهم يأمنون من ذلك في دول الكفر، ثم إذا قلنا: لهم يحرم عليكم الإقامة بين الكفار. فأين الدولة الإسلامية التي تستقبلهم وتسمح لهم بالإقامة فيها؟! هذا معنى كلامه رحمه الله.
قال زكريا الأنصاري الشافعي في كتابه "أسنى المطالب" (4/207) :
تَجِبُ الْهِجْرَةُ مِنْ دَارِ الْكُفْرِ إلَى دَارِ الإِسْلامِ عَلَى مُسْتَطِيعٍ لَهَا إنْ عَجَزَ عَنْ إظْهَارِ دِينِهِ اهـ.
وقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ المالكي: الْهِجْرَةُ هِيَ الْخُرُوجُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إلَى دَارِ الإِسْلامِ , وَكَانَتْ فَرْضًا فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَاسْتَمَرَّتْ بَعْدَهُ لِمَنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ اهـ. من "نيل الأوطار" (8/33) للشوكاني.
وقال الحافظ ابن حجر عن قوله صلى الله عليه وسلم: (أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ) قال:
وَهَذَا مَحْمُول عَلَى مَنْ لَمْ يَأْمَن عَلَى دِينه اهـ. "فتح الباري" شرح حديث رقم (2825) .
وفي "الموسوعة الفقهية" (20/206) :
دَارُ الْحَرْبِ: هِيَ كُلُّ بُقْعَةٍ تَكُونُ أَحْكَامُ الْكُفْرِ فِيهَا ظَاهِرَةً. (من) الأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِدَارِ الْحَرْبِ: الْهِجْرَةُ. قَسَّمَ الْفُقَهَاءُ النَّاسَ فِي شَأْنِ الْهِجْرَةِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إلَى ثَلاثَةِ أَضْرُبٍ:
أ - مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْهِجْرَةُ , وَهُوَ مَنْ يَقْدِرُ عَلَيْهَا , وَلا يُمْكِنُهُ إظْهَارُ دِينِهِ مَعَ الْمُقَامِ فِي دَارِ الْحَرْبِ , وَإِنْ كَانَتْ أُنْثَى لا تَجِدُ مَحْرَمًا , إنْ كَانَتْ تَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهَا فِي الطَّرِيقِ , أَوْ كَانَ خَوْفُ الطَّرِيقِ أَقَلَّ مِنْ خَوْفِ الْمُقَامِ فِي دَارِ الْحَرْبِ. . .
ب - مَنْ لا هِجْرَةَ عَلَيْهِ: وَهُوَ مَنْ يَعْجِزُ عَنْهَا , إمَّا لِمَرَضٍ , أَوْ إكْرَاهٍ عَلَى الإِقَامَةِ فِي دَارِ الْكُفْرِ , أَوْ ضَعْفٍ كَالنِّسَاءِ , وَالْوِلْدَانِ. لقوله تعالى: (إلا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلا) .
ج - مَنْ تُسْتَحَبُّ لَهُ الْهِجْرَةُ , وَلا تَجِبُ عَلَيْهِ , وَهُوَ: مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْهِجْرَةِ وَيَتَمَكَّنُ مِنْ إظْهَارِ دِينِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ , فَهَذَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الْهِجْرَةُ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْجِهَادِ , وَتَكْثِيرِ الْمُسْلِمِينَ اهـ. باختصار
وفي فتاوى اللجنة الدائمة 12/50:
وتكون الهجرة أيضاً من بلاد شرك إلى بلاد شرك أخف شراً، وأقل خطراً على المسلم، كما هاجر بعض المسلمين من مكة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم إلى بلاد الحبشة. أ. هـ
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4823)
هل يرجع للإقامة في بلاد الكفر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[نصحني كثير من أهل العلم بعدم السكن في بلاد الكفار (أمريكا) ، أنا عربي أمريكي عشت طوال عمري في أمريكا وأعمل الآن في إحدى الدول الإسلامية، الأمور أصبحت صعبة بالنسبة لي لكي أستمر هنا - (قلة الدخل والسكن) -، وأفكر بالعودة لأمريكا، وسبب رئيسي آخر للعودة هو العناية الصحية المجانية لزوجتي المريضة.
أرجو أن تعطيني جواباً مفصلاً بالدليل من القرآن والسنة، هل أعاني وأبقى في هذا البلد أم أرجع لأمريكا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل هو حرمة الإقامة بين أظهر المشركين وفي ديارهم، ومن يسَّر الله عز وجل له الخروج من تلك الديار إلى بلاد الإسلام: فلا ينبغي له أن يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير إلا لعذرٍ قاهر يجيز له الرجوع.
ونحن ننصحك بما نصحك به الآخرون بعدم السكن في بلاد الكفر، إلا أن تكون مضطراً إلى سكن مؤقت كعلاج لا يتيسر لك في بلاد المسلمين.
واعلم أن من ترك شيئا لله عوَّضه الله خيراً منه، وأن مع العسر يسراً، وأنه من يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب، واعلم أن الحفاظ على رأس المال خير من المخاطرة في الربح، ورأس مال المسلم هو دينه، فلا يفرِّط فيه لأجل دنيا زائلة.
وللشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – فتوى مفصَّلة في حكم الإقامة في بلاد الكفر، نذكر منها – الآن – ما يتيسر.
قال الشيخ ابن عثيمين:
الإقامة في بلاد الكفار خطر عظيم على دين المسلم، وأخلاقه، وسلوكه، وآدابه، وقد شاهدنا وغيرنا انحراف كثير ممن أقاموا هناك فرجعوا بغير ما ذهبوا به، رجعوا فُسّاقًا، وبعضهم رجع مرتدًا عن دينه وكافرًا به وبسائر الأديان - والعياذ بالله - حتى صاروا إلى الجحود المطلق والاستهزاء بالدين وأهله السابقين منهم واللاحقين، ولهذا كان ينبغي بل يتعين التحفظ من ذلك ووضع الشروط التي تمنع من الهويّ في تلك المهالك.
فالإقامة في بلاد الكفر لابد فيها من شرطين أساسين:
الشرط الأول: أمن المقيم على دينه بحيث يكون عنده من العلم والإيمان، وقوة العزيمة ما يطمئنه على الثبات على دينه والحذر من الانحراف والزيغ وأن يكون مضمراً العداوة للكافرين وبغضهم مبتعدًا عن موالاتهم ومحبتهم، فإن موالاتهم ومحبتهم مما ينافي الإيمان قال الله تعالى: {لا تجد قومًا يؤمنون بالله واليوم الآخر يُوادّون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم} المجادلة / 22.
وقال - تعالى -: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين. فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمرٍ من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين} المائدة / 51، 52.
وثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: " أن من أحب قومًا فهو منهم "، وأن " المرء مع من أحب ".
ومحبة أعداء الله عن أعظم ما يكون خطرًا على المسلم لأن محبتهم تستلزم موافقتهم واتباعهم، أو على الأقل عدم الإنكار عليهم ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من أحب قومًا فهو منهم ".
الشرط الثاني: أن يتمكن من إظهار دينه بحيث يقوم بشعائر الإسلام بدون ممانع، فلا يمنع من إقامة الصلاة والجمعة والجماعات إن كان معه من يصلي جماعة ومن يقيم الجمعة، ولا يمنع من الزكاة والصيام والحج وغيرها من شعائر الدين، فإن كان لا يتمكن من ذلك لم تجز الإقامة لوجوب الهجرة حينئذ،....
وقال الشيخ ابن عثيمين – في بيان أقسام الناس من حيث الإقامة هناك -:
القسم الرابع: أن يقيم لحاجة خاصة مباحة كالتجارة والعلاج فتباح الإقامة بقدر الحاجة، وقد نص أهل العلم رحمهم الله على جواز دخول بلاد الكفار للتجارة وأثروا ذلك عن بعض الصحابة رضي الله عنهم.
وقال الشيخ – في آخر الفتوى -:
وكيف تطيب نفس مؤمن أن يسكن في بلاد كفار تعلن فيها شعائر الكفر ويكون الحكم فيها لغير الله ورسوله وهو يشاهد ذلك بعينه ويسمعه بأذنيه ويرضى به، بل ينتسب إلى تلك البلاد ويسكن فيها بأهله وأولاده ويطمئن إليها كما يطمئن إلى بلاد المسلمين مع ما في ذلك من الخطر العظيم عليه وعلى أهله وأولاده في دينهم وأخلاقهم.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (فتوى رقم 388) .
وانظر جواب السؤال رقم (14235) و (3225) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4824)
هل منع الأذان بالمكبّر يعتبر عدم إقامة للشعيرة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يعتبر منع المسليمن من إعلان أذانهم بالمكبرات داخلا في عدم القدرة على إظهار شعائر الدين الذي يلزم منه وجوب الهجرة وعدم الإقامة بتلك البلد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين فأجاب حفظه الله:
لا يعتبر ذلك داخلا فيه لأن المكبرات أمر جديد، فيؤذنون بأصواتهم المجردة ويقيمون شعيرتهم. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الله بن جبرين(5/4825)
هل تجاهد المرأة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل جهاد المرأة غير واجب؛ سواءٌ أكان جهاد الدعوة أو جهاد الكفار؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس جهاد الكفار بالقتال واجبا على المرأة، ولكن عليها جهاد بالدعوة إلى الحق، وبيان التشريع، في حدود لا تنتهك فيها حرمتها، مع لبس ما يستر عورتها، وعدم الاختلاط بالرجال غير المحارم، وعدم الخضوع بالقول والخلوة بالأجانب، قال الله تعالى في نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم: " واذكرن ما يتلى في بيوتكن من ءايات الله والحكمة " الأحزاب/34 وثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله هل على النساء من جهاد؟ قال: " نعم، عليهن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة " أخرجه أحمد 6/68 وابن ماجه 2/968.
وثبت عنها أيضا أنها قالت: يا رسول الله نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد؟ قال: " لكن أفضل الجهاد حج مبرور " أخرجه أحمد 6/67 والبخاري 2/141.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 12/34.(5/4826)
ما هو مِلك اليمين؟ وهل يشترط لمالك اليمين أن يكون متزوجاً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو " ملك اليمين "؟ وهل يجب أن يكون الشخص متزوجاً كي يحصل على واحدة منهن؟ وكيف لك أن تنهي الأمر وتحصل على واحدة، وتنص على أنها من ملك يمينك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إذا أقدر الله تعالى المجاهدين المسلمين على الكفار المحاربين: فإن رجالهم يكون أمرهم بين القتل أو الفداء أو العفو عنهم أو استرقاقهم وجعلهم عبيداً، ويكون الأمر راجعاً في اختيار واحدة من هذه الأربع إلى الإمام حسب ما يراه من المصلحة في ذلك.
وأما النساء فإنهن يصرنَ إماء وملك يمين، والأطفال الذكور يصيرون عبيداً، ويقسِّم القائد والإمام هؤلاء بين المحاربين المجاهدين.
قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله: وسبب الملك بالرق: هو الكفر، ومحاربة الله ورسوله، فإذا أقدر اللهُ المسلمينَ المجاهدين الباذلين مُهَجهم وأموالهم وجميع قواهم وما أعطاهم الله لتكون كلمة الله هي العليا على الكفار: جعلهم ملكاً لهم بالسبي إلا إذا اختار الإمام المنَّ أو الفداء لما في ذلك من المصلحة للمسلمين.
" أضواء البيان " (3 / 387) .
فقد حصر الإسلام مصادر الرق التي كانت قبل الرسالة المحمدية في مصدر واحد وهو: رق الحرب الذي يفرض على الأسرى من الكفار.
وقد أكرمهن الإسلام في رقهن عما كنَّ يلقينه في غير بلاد الإسلام، فلم تعد أعراضهن نهباً مباحاً لكل طالب على طريقة البغاء، وكان هذا هو مصير أسيرات الحروب في أغلب الأحيان، وإنما جعلهن ملكاً لصاحبهن وحده، وحرَّم أن يشترك معه أحد في جماعها حتى لو كان ابنه، وجعل من حقهن نيل الحرية بالمكاتبة، ورغَّب في عتقها ووعد بالثواب على ذلك، وجعل عتقها واجباً شرعياً في بعض الكفارات ككفارة القتل الخطأ والظِهار واليمين، وكن يلقين أحسن المعاملة من أسيادهن كما أوصاهم بذلك الشرع المطهر.
ثانياً:
ولا يجب أن يكون المجاهد متزوجاً حتى يحصل على ملك اليمين، ولم يقل أحدٌ من أهل العلم بهذا.
ثالثاً:
إذا تملك المجاهد أمة أو عبداً فإنه يجوز له أن يبيعهما، وفي كلا الحالتين – التملُّك من المعركة أو من البيع – لا يجوز للرجل أن يعاشر الأمَة إلا بعد أن تحيض حيضة يُعلم بها براءة رحمها من الحمل، فإن كانت حاملاً: فعليه أن ينتظر حتى تضع حملها.
عن رويفع بن ثابت الأنصاري قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم حنين قال: " لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره - يعني: إتيان الحبالى -، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقع على امرأة من السبي حتى يستبرئها، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيع مغنما حتى يقسم ".
رواه أبو داود (2158) ، وحسَّنه الشيخ الألباني في " صحيح أبي داود " (1890) .
ولأسباب متعددة منها: ترك المسلمين الجهاد من أزمات متطاولة، وصار وجود الرقيق الآن نادراً جداً، مما يوجب على المسلم الإحتياط ومزيد التثبت من إثبات الرق لأحد رجلاً كان أم امرأةً.
وللمزيد يراجع السؤال رقم (26067)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4827)
الإقامة في بلد لا يستطيع إظهار دينه فيه
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا يجب على المسلم الملتزم الذي يعيش في البلدان غير الإسلامية التي تفرض عليه حلق اللحية وعدم الصلاة والمجاهرة بالمعاصي؟ وهل تركه لأهله وماله يعتبر هجرة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب على المسلم أن يحذر الإقامة في بلد يدعوه إلى ما حرم الله، أو يلزمه بذلك؛ من ترك الصلاة، أو حلق اللحى، أو إتيان الفواحش مثل الزنا والخمور، فيجب عليه ترك هذه البلاد؛ لأنها بلاد سوء فلا يجوز الإقامة فيها أبداً، بل يجب أن يهاجر منها، وإن خالف وعصى والديه؛ لأن طاعة الله مقدمة، وطاعة الوالدين إنما تكون في المعروف؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الطاعة في المعروف) و (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) ، فكل بلد لا يستطيع إظهار دينه فيه، أو يجبر على المعاصي فيه يجب أن يهاجر منه.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/8 ص / 278(5/4828)
الحكمة من الجهاد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل معنى الجهاد ببساطة هو قتل غير المسلمين؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الجهاد لغة: بذل الإنسان جهده وطاقته.
اصطلاحا: بذل المسلم جهده لإعلاء لكلمة الله تعالى والتمكين لدينه في الأرض.
وليس المقصود من الجهاد في الإسلام قتل غير المسلمين، وإنما المقصود هو إقامة دين الله في الأرض، وتحكيم شرعه وإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، قال الله تعالى: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله) الأنفال/39.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي في تفسير هذه الآية:
ذكر تعالى المقصود من القتال في سبيله، وأنه ليس المقصود به سفك دماء الكفار وأخذ أموالهم، ولكن المقصود به أن يكون الدين لله تعالى، فيظهر دين الله على سائر الأديان، ويدفع كل ما يعارضه من الشرك وغيره، وهو المراد بالفتنة، فإذا حصل المقصود فلا قتل ولا قتال.
" تفسير ابن سعدي " (ص 98) .
والكفار الذين نجاهدهم هم أنفسهم مستفيدون من الجهاد، فإننا نجاهدهم ونقاتلهم حتى يدخلوا في دين الله المقبول عنده، وذلك سبب نجاتهم في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) آل عمران/110.
روى البخاري (4557) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) قَالَ: خَيْرَ النَّاسِ لِلنَّاسِ، تَأْتُونَ بِهِمْ فِي السَّلاسِلِ فِي أَعْنَاقِهِمْ حَتَّى يَدْخُلُوا فِي الإِسْلامِ.
قَالَ اِبْن الْجَوْزِيّ: مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ أُسِرُوا وَقُيِّدُوا , فَلَمَّا عَرَفُوا صِحَّة الإِسْلام دَخَلُوا طَوْعًا فَدَخَلُوا الْجَنَّة اهـ.
وفي جواب السؤال رقم (20214) ذكرنا مراتب الجهاد وهي أربع مراتب: جهاد النفس، وجهاد الشيطان، وجهاد الكفار، وجهاد المنافقين.
وفي جواب السؤال رقم (34647) بيان الحكمة من الجهاد فلينظر فهو مهم، وهو المطلوب معرفته في السؤال.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4829)
تعمل في دار للعجزة وتطبخ الخنزير وتقدم الخمر
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أسكن في بلاد الغربة، وبما أنني أدرس بالنهار بحثت عن عمل بالليل للضرورة؛ لأنَّ والدي لا يستطيع دفع تكاليف المدرسة، فأنا المرأة المسلمة الوحيدة التي تعمل هناك في مطبخ لدار العجزة، وعملي يحتم عليَّ طبخ لحم الخنزير، وصب الخمر في الكؤوس، وغير ذلك، فما حكم الشرع في ذلك؟ للعلم بحثت عن عمل في مكان آخر، ولم يتقبلوني؛ لأنني أرتدي الحجاب.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
شرعَ الله تعالى في الإسلام أحكاماً غاية في الحكمة، وجاءت الأحكام لتُصلح حال الفرد والمجتمع، ومن خالف هذه الأحكام فإنه يُعرض نفسه لعقوبة الآخرة، وقد يُعاقب في الدنيا قبل ذلك.
ولسنا في صدد تفصيل عظيم حكَم الله تعالى في تشريعاته، إلا أننا اضطررنا لهذه التقدمة بسبب سؤال أختٍ مسلمة تبحث عن حكم دراستها أو عملها، وهي تعيش بين الكفار، وفي بلادهم، ويضايقونها بسبب التزامها بدينها، فأي نفسية تعيش به تلك المسلمة وغيرها كثير من مثيلاتها؟! ومتى سينتبه الآباء والأمهات فيستيقظون من غفلتهم، ويتركون تلك الديار التي أضاعت على كثيرين دينهم وشخصيتهم، وها هم العقلاء يعضون أصابع الندم على اهتمامهم بالمال على حساب دينهم وأعراضهم.
ثانياً:
الإقامة في ديار الكفر محرَّمة على من يعجز عن إظهار دينه، أو يخشى أن يفتن في دينه.
وانظري أجوبة الأسئلة: (27211) و (14235) و (3225) .
ثالثاً:
دراستك في تلك البلاد لا شك أنها مختلطة، ولا شك أنكِ ترين من المعاصي والفجور في تلك الأماكن ما يؤلم قلب المسلم العفيف، فلو كانت الدراسة في بلاد الإسلام مختلطة ما جازت، فكيف ستكون جائزة في ديار الكفر؟
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
"دراسة المرأة للعلوم الشرعية وغيرها مما تحتاج إليه المرأة أو يعينها على معرفة أمور دينها مشروعة، إذا لم يترتب عليها محذور شرعي، أما إذا ترتب عليها محذور شرعي: كالاختلاط بالرجال غير المحارم، وعدم الحجاب: فإنها لا تجوز؛ لأن هذه أمور محرمة؛ ولأن ذلك يؤدي إلى الفساد" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (12 / 170، 171) .
وقالوا – أيضاً -:
"الاختلاط بين الرجال والنساء في المدارس أو غيرها: من المنكرات العظيمة، والمفاسد الكبيرة في الدين والدنيا، فلا يجوز للمرأة أن تَدرس أو تعمل في مكان مختلط بالرجال والنساء، ولا يجوز لوليها أن يأذن لها بذلك" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (12 / 156) .
رابعاً:
عملك في دار العجزة أيضاً محرَّم؛ لكونه مختلطاً بالرجال؛ ولكونه يشتمل على صنع الطعام من لحم الخنزير الذي نصَّ الله تعالى على حرمته، وكذا السنَّة النبوية، وإجماع المسلمين؛ ولكونه يشتمل على تقديم الخمر التي جاء تحريمها في الكتاب والسنَّة والإجماع.
قال علماء اللجنة الدائمة:
"لا يجوز للمرأة أن تشتغل مع رجال ليسوا محارم لها؛ لما يترتب على وجودها معهم من المفاسد، وعليها أن تطلب الرزق من طرق لا محذور فيها، ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً، وقد صدر من اللجنة فتوى في ذلك، هذا نصها:
أما حكم اختلاط النساء بالرجال في المصانع، أو في المكاتب، بالدول غير الإسلامية: فهو غير جائز، ولكن عندهم ما هو أبلغ منه، وهو الكفر بالله جل وعلا، فلا يستغرب أن يقع بينهم مثل هذا المنكر، وأما اختلاط النساء بالرجال في البلاد الإسلامية وهم مسلمون: فحرام، وواجب على مسئولي الجهة التي يوجد فيها هذا الاختلاط أن يعملوا على جعل النساء على حدة والرجال على حدة؛ لما في الاختلاط من المفاسد الأخلاقية التي لا تخفى على من له أدنى بصيرة" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (17 / 232، 233) .
وللوقوف على زيادة فائدة حول حكم عمل المرأة، وشروط جوازه: انظري جواب السؤال رقم (22397) .
وفي جواب السؤال رقم (6666) وصايا مهمة فيما يتعلق بعمل المرأة المختلط.
وانظري جواب السؤال رقم (26788) فهو شبيه سؤالك.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4830)
هل ننصحه بالسفر لبلاد الكفر ليتقوَّى ماديّاً ويرجع لبلده المسلم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أقيم في بلد عربي، والحالة المعيشية لنا لا تمكننا من بناء أسرة في ظل الفساد الخلقي الحاصل عندنا، إذ إنه من شبه المستحيلات أن نوفر مسكناً للزواج، والاستقرار في وقت كثر فيه الفحش، والعري، والإباحيات، وغلاء الأسعار، والكثير من الشباب يهاجر إلى أوروبا أو أمريكا لمواصلة الدراسات العليا، والعمل، والزواج، لتحسين ظروفنا المعيشية، والعودة بعد تكوين أنفسنا ماديّاً، ودراسيّاً للاستقرار في بلداننا، أو في البلدان العربية. هل يعتبر هذا من عدم التوكل على الله؟ أم أنه من باب الأخذ بالأسباب؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يجب على المسلم أن يعتقد اعتقاداً جازماً أن الله تعالى قد قدَّر عليه رزقه في الأزل، وأنه تعالى أمر ملائكته أن يكتبوا رزقه وهو في بطن أمه، وعليه أن يعتقد أنه لن تموت نفسٌ حتى تستوفي رزقها الذي قدَّره الله لها، كما تستوفي أجلها الذي كتبه الله لها، وبذلك جاءت النصوص النبوية الواضحة، وسيأتي ذِكرها بعد قليل.
ثانياً:
ننبه في هذا السياق إلى أمور غاية في الأهمية، منها:
1. ما قلناه آنفاً لا ينافي الأخذ بالأسباب في تحصيل الرزق، والمسلم مأمور ببذل الأسباب التي تأتي له بالمال، لكن لا ينبغي له الاتكال على هذه الأسباب وجعلها مسبِّبات للرزق! .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"فالالتفات إلى الأسباب: شرك في التوحيد، ومحو الأسباب أن تكون أسباباً: نقصٌ في العقل، والإعراض عن الأسباب المأمور بها: قدحٌ في الشرع، فعلى العبد أن يكون قلبُه معتمداً على الله، لا على سبب من الأسباب، والله ييسر له من الأسباب ما يصلحه في الدنيا والآخرة، فإن كانت الأسباب مقدورة له، وهو مأمور بها: فعَلَها مع التوكل على الله، كما يؤدي الفرائض، وكما يجاهد العدو، ويحمل السلاح، ويلبس جنَّة الحرب (الدرع) ، ولا يكتفي في دفع العدو على مجرد توكله بدون أن يفعل ما أمر به من الجهاد، ومَنْ تَرَكَ الأسباب المأمور بها: فهو عاجز، مفرِّط، مذموم" انتهى.
" مجموع الفتاوى " (8 / 528، 529) .
2. لا يجوز للمسلم سلوك الطرق المحرَّمة في تحصيل المال.
3. لا ينبغي للمسلم أن يعيش مع همِّ الرزق، وهمِّ تأمين المستقبل لأولاده – كما يقول كثيرون -، وينذر حياته من أجل هذا الأمر، ومثل هذا الأمر فيه مفسدتان:
أ. أنه يدل على خلل في اعتقاده بأن رزقه مكتوب لا ريب فيه.
ب. أنه قد يجعله يرتكب المحرَّمات من أجل تحصيل المال، كأن يأخذ المال بالربا، أو يعمل في أماكن لا يحل له العمل بها، أو يسافر إلى بلاد الكفر لأجل تحصيل المال.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
هل يعتبر قول المرأة العاملة أو اعتقادها: (أنها تعمل من أجل أن تؤمِّن مستقبلها، ومستقبل أبنائها فيما لو طلقت أو توفي زوجها، فهي لا تدري ما تأتي به الأيام من أمور) : هل يعتبر هذا من القدح في عقيدة القضاء والقدر لدى المسلم؟ .
فأجابوا:
"المسلم يؤمن بقضاء الله وقدره، وأن الله كتب رزقه عند نفخ الروح فيه وهو في بطن أمه، وأن رزقه آتيه لا محالة؛ لما ثبت عن عبد الله بن مسعود قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أحدكم يُجمع خلقه في بطن أمه - إلى قوله -: ثم يبعث الله ملكا بأربع كلمات، فيكتُب عملَه وأجلَه ورزقَه وشقي أو سعيد) الحديث – متفق عليه -؛ ولما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيها الناس اتقوا الله، وأجملوا في الطلب، فإن نفساً لن تموت حتى تستوفي رزقها، وإن أبطأ عنها، فاتقوا الله، وأجملوا في الطلب، خذوا ما حل ودعوا ما حرم) رواه ابن ماجه في " سننه " (ج 2 ص 725) ، ورواه ابن حبان في " صحيحه ".
واعتقاد ذلك والإيمان به لا ينافي أن يسعى الإنسان في طلب الرزق، وبذل الأسباب المشروعة في ذلك، مع عدم الاعتماد عليها، والاعتقاد بأن الرازق، والنافع، والضار: هو الله وحده سبحانه.
وما يجري على ألسن بعض الناس من قوله: " أؤمِّن مستقبلي، أو مستقبل أولادي ": فهذه الألفاظ التي يستعملها من يغلو في الاعتماد على النفس والمناصب والماديات وحدها.
فينبغي للمسلم أن يبتعد عن مثل هذه الألفاظ، التي تقدح في كمال توكله على الله، وفي كمال رجائه لله، وخوفه منه، وأن يلجأ إلى الله سبحانه ويتضرع بين يديه في الشدة والرخاء، مع الأخذ بالأسباب المشروعة، كما أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " 2 (2 / 505 – 507) .
ثالثاً:
السفر إلى بلاد الكفر محرَّم إلا لضرورة علاج، أو تجارة، أو دعوة، لما يؤدي إليه من مفاسد دينيَّة وأخلاقيَّة لا تخفى على أحد.
والذي يعيش في تلك الديار قد يحصِّل مالاً، لكن ذلك – في غالب الأحيان – سيكون على حساب شيء كثير من دينه وسلوكه، وإن نجا هو من ذلك فلن تنجو أسرته من بنين وبنات بسهولة، فهو يخاطر ويغامر، ولكن للأسف يخاطر ويغامر بدينه، وقلَّ من يسلم.
وبما أن الله تعالى جعل لكم باب رزق في بلاد عربية مسلمة: فأنتم في غنى عن ارتكاب محرَّم يُبعدكم عن ربكم تعالى، فالتزم التقوى، واحرص على الفضيلة، ولا تلتفت لبناء دنيا على حساب دين، ولا تعمِّر دنياك بخراب آخرتك.
واعلم أن كثيرين عضوا - ويعضون - أصابع الندم على ذهابهم لتلك البلاد، وعدم قدرتهم على الرجوع لبلادهم، إما فتنة بالحياة هناك والمال، وإما بسبب عجزه وضعفه بسبب كبر أولاده، وعدم القدرة على السيطرة عليهم، فانظر إلى الهالك كيف هلك ولا تسلك طريقه، وانظر إلى الناجي كيف نجا واحرص على المشي على طريقه.
سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
هل تجوز الهجرة إلى بلاد الكفر للعمل فيه، وهل يجوز أخذ جنسية غير جنسية إسلامية؟ .
فأجابوا:
"إذا أردت العمل وطلب الرزق: فعليك بالسفر إلى بلاد المسلمين لأجل ذلك، وفيها غنية عن بلاد الكفار؛ لما في السفر إلى بلاد الكفر من الخطر على العقيدة، والدين، والأخلاق، ولا يجوز التجنس بجنسية الكفار؛ لما في ذلك من الخضوع لهم، والدخول تحت حكمهم" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (12 / 58) .
وقد بيّنا في جوابي السؤالين (13342) و (59897) حكم السفر والإقامة في بلاد الكفر، فلينظرا.
ونسأل الله تعالى أن يرزقك رزقاً حسناً، وأن يوفقك لما فيه رضاه، وأن يثبتك على الحق، وأن يجمع شملك مع أسرتك على طاعته.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4831)
نصائح وتوجيهات للمسلمين في " فنلندا "
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن أفراد الجالية الإسلامية البالغ عددها حوالي 35 ألفاً إلى 40 ألفاً، والمكونة من فِرق متعددة، المكلفون بعمل الإحصاءات هنا لا يفرِّقون بين شيعي، وبهائي، وحبشي، وسنِّي! اندمج هؤلاء المسلمون مع مواطني الدولة المسيحية البالغ عدد سكانها حوالي 5 مليون نسمة، حتى علم الدولة محتوي على رمز المسيحية، ألا وهو الصليب. خلال الأشهر الماضية قام جماعة من المنتمين حديثاً للإسلام (سنَّة) بتشكيل حزب سياسي، وجعلوا من بين أهدافهم: محاولة منع بيع الخمور في المحلات، بل ذهبوا لأبعد من ذلك بإعلانهم عن رغبتهم في إقامة الشريعة في هذه الدولة المسيحية! لا بدَّ أن تأخذوا في الاعتبار أن المسلمين هنا لا يتمتعون بالحقوق العادية، كالحق في أن يكون لديهم مقابر خاصة، أو الحق في إظهار شعائر معينة، كذبح الأضاحي، وما إلى ذلك. كان لدينا مقابر خاصة، ولكنها امتلأت، وبسبب حدوث بعض الأخطاء في تنظيمها، والخلاف بين الفرق المختلفة على مسك زمام المسؤولية، استفادت السلطات هنا من الخلاف، وجعلوا الأمر صعباً جدّاً على المسلمين، ولم يمكنوهم من امتلاك مقابر خاصة بهم، ولذلك إذا مات أحد المسلمين هنا: يُدفن بجوار المسيحي، والملحد! . تلك الجماعة من المنتمين حديثاً للإسلام يحاولون أن يتوحدوا، ويبتعدوا عن حزبية وقبلية الصوماليين، وعن محادثات العرب، الآن تركز وسائل الإعلام هنا على الإسلام والمسلمين بصورة سلبية، وذلك عن طريق مناقشة موضوعات مثل: - الطلاق في الإسلام بيد الرجل، ولا تستطيع المرأة أن تحصل على حقوقها كاملة، وعلى حريتها إذا ما أرادت أن تنهي زواجها. - العقاب البدني للأطفال في البيوت، فضرب الأبناء في هذه الدولة يعدُّ جريمة يعاقب عليها القانون. - تقوم العائلات المسلمة بعزل أبنائهم عن المجتمع، وحرمانهم من الاشتراك في ممارسة السباحة (بنات، وأولاد معاً) ، ويقومون أيضاً بحرمانهم من حضور دروس الموسيقى. وأيضا يناقشون (ماذا يريد المسلمون هنا: أن يتبعوا شريعتهم، أم نظام الدولة؟!) . وهدف الإعلام من ذلك هو تشويه صورة الإسلام، وزرع الكراهية في قلوب عامة الناس تجاه الإسلام والمسلمين. الناس هنا عموماً يشتكون أن المسلمين يتمتعون بأموالهم، والخدمات التي تقدمها الدولة للمواطنين، والآن يضاف إلى قائمة الشكاوى أن المسلمين يريدون أن يقيموا الشريعة على أرض الدولة، بينما بلدانهم الأصلية لا تطبق الشريعة، علماً بأن من يقومون بأداء الواجبات الدينية هنا من المسلمين: أقلية، بينما الأغلبية اندمجت تماماً في المجتمع. تبني وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث نتائجها على رأي أي شخص يمكنه الإجابة، والذي قد يكون جاهلاً، خصوصاً أن معظم الناس حاليّاً يجرون وراء الشهرة، والمكاسب الدنيوية، وقد فاض بهم الكيل من بلدانهم الأصلية التي لا يحصلون فيها على حقوق، ولا تقدرهم كمواطنين، ومن أجل الحصول على تقدير غير المسلمين لهم يفعلون أي شيء! فقد سمعنا حتى عن أفراد ارتدوا عن الإسلام، وأصبحوا مسيحيين! . عندما نصح البعض رئيسَ ذلك الحزب الإسلامي بشأن الخطوات التي ينبغي عليه أن يتخذها قال: إنه فقط يسعى لعمل دعاية إيجابية للإسلام - هذا الشخص كان ناشطاً سياسيّاً في شبابه -. الآن نطلب منكم نصيحة عامة للمسلمين في هذا البلد، وخصوصاً لمكوني الحزب السياسي من المنتمين للإسلام حديثاً، وأن تذكرونا بواجبنا تجاه البلد، وتجاه مواطني البلد الأصليين ومسؤوليه، وأن تبينوا لنا الحدود التي لا ينبغي علينا تخطيها، حتى لا ندمر بيوتنا بأيدينا، أو على الأقل حتى لا نُحرم من الحقوق القليلة التي نتمتع بها في هذه الدولة، فليس كل مسلم هنا قادرا على الهجرة إلى بلد إسلامي. إذا أردتم المزيد من المعلومات حول الموضوع: فأرجوكم أن تراسلونا، وسنكون سعداء جدّاً بإرسال مزيد من التفاصيل إليكم، أرجوكم أن تردوا علينا بسرعة، حيث ما زال هناك المزيد من الوقت لغلق أبواب الفتنة، وقبل فوات الأوان.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قرأنا أكثر ما يتعلق بواقع الدولة التي تعيشون فيها – فنلندا – وقد ساءتنا أخبار، وأفرحتنا أخرى، ساءنا ما علمناه من تفرق بينكم، وساءنا تهاون كثيرين في الدعوة إلى الله والاهتمام بأسرته وأولاده، كما ساءنا ما علمناه من تزوج بعض المسلمات من نصارى تلك البلد، وهي عقود فاسدة باطلة، كما ساءنا تخلي كثيرين عن الالتزام بطاعة الله والاستقامة على دينه، وكل ذلك يجعل العبء على أهل الخير والعلم كبيراً، ويحملهم مسئوليات جمَّة تجاه تلك الجالية المسلمة في ذلك البلد الأوروبي.
والذي أفرحنا هو تزايد عدد المسلمين في تلك البلاد حتى وصل عدد الجالية المسلمة مئة ألف مسلم، وفق بعض التقديرات، وإن كنا لا ندري نسبة أهل السنَّة منهم، وأفرحنا دخول كثير من أهل تلك البلاد في دين الله تعالى.
والذي نوصيكم به، ونرجو أن يكون لكلامنا وقع حسن في قلوبكم وأعمالكم:
1. الحرص أولاً وقبل كل شيء أن يعود كل مسلم لبلده، وأن ينتقل من دخل في الإسلام إلى بلد إسلامي يمكنه أن يمارس فيه شعائر دينه، آمنا مطمئنا، وأن يترك تلك الديار التي أفسدت أديان وعقول وقلوب الكثير من المسلمين، متى قدر الواحد منكم على ذلك.
2. ومن لم يستطع، أو لم يستجب لهذا: فليتق الله ربه في نفسه، وفي أهل بيته، ويجب عليه أن يخلص النصح لهم، وأن يحوطهم برعايته وعنايته، وأن يقي نفسه وإياهم نار الله تعالى.
3. يجب عليكم العمل على إنشاء حلقات قرآنية وعلمية، يتم فيها تعليم الجاهل، وتربية النشء المسلم على طاعة الله تعالى، ولا يحل لكم التهاون في هذا الأمر، فقد قرأنا كيف حافظ " التتر " في " فنلندا " على لغتهم وثقافتهم وحضارتهم، فإسلامكم ولغتكم العربية أولى بأن يكون لهما الاهتمام الكبير في برنامج حياتكم.
4. احرصوا على دعوة أهل العلم وطلبته إليكم؛ ليقوموا بواجب الدعوة، والوعظ، والإرشاد، والتعليم، ومثل هذه اللقاءات من شأنها أن تساهم في اجتماع كلمتكم، وإيقافكم على الأحكام الشرعية التي لها تعلق بواقع معيشتكم.
5. لا تدَعوا مجالاً لشياطين الإنس والجن أن يفرقوا صفكم، ويشتتوا كلمتكم، ويجب أن تراعوا أنكم في مجتمع نصراني، ودولة نصرانية، يحمل علمُها الصليب! واعلموا أن ما يحدث بين المختلفين من المسلمين ليس هو كاختلافكم مع أهل الأديان الأخرى، فالخلاف بين أهل القبلة المسلمين خلاف بين السنة والبدعة، وقد يكون ـ في بعض الأحيان ـ خلافا بين الراجح والمرجوح، وأما الخلاف بينكم وبين أهل الأديان الأخرى فهو خلاف بين الإسلام والكفر، وشتان بين الأمرين.
6. هذا الحزب الذي يسعى لإنشاء دولة إسلامية في " فنلندا ": فليفكِّر بعقله قبل قلبه، ولينظر لواقعه ولا يغمض عينيه، فأنتم لا تستطيعون دفن مسلم في مقبرة خاصة بكم، فهل أنتم قادرون على إغلاق محلات الخمور، وإقامة دولة إسلامية هناك؟!
ما هذا، يا عباد الله؛ إن هذا الطموح الخيالي، والتفكير البعيد، قد يعذر فيه رجل لم يعايش الواقع عندكم، ولم يعلم شيئا عن الصعوبات التي تواجهونها، وأما رجل يرى ما ترون، ويعي ما تعون، فالواجب عليه أن يفكر تفكيرا سليما في الفطرة والشرع والعقل، وليكن جهده وسعيه في تحصيل أكبر قدر من المصالح للمسلمين عندكم، ودفع ما يمكن دفعه عنهم من الشر والأذى والظلم.
وعليه: فإن كان لأولئك القوم حزب إسلامي فليستثمروا نفوذهم في إقامة مؤسسات إسلامية، ومدارس تربوية، ومقابر شرعية، وليدعوا عن أنفسهم التفكير في إقامة الدولة الإسلامية، فإن هذا بالفعل أشبه شيء بالمستحيل، وخيالات الأوهام، في ظل مانرى من عجز المسلمين عن ذلك، حتى في بلدانهم، فكيف في عقر دار القوم؟! وسيكون لمجرد المطالبة بدولة إسلامية من الشر والسوء ما الله به عليم، فكيف إن تقدم أولئك خطوة عملية نحو ذلك، وإذا كانت الدولة عاجزة عن صدهم – وليس الأمر كذلك – فليتخيلوا مصيرهم لو تدخل " الاتحاد الأوروبي " في صدِّ ذلك ومنعه، فكيف سيكون مصير البناء الذي بُني لعقود من الزمان؟! وقد قرأنا عن أحوال المسلمين والمسلمات في بلادكم الحالية بعد الحادي عشر من أيلول، فكيف لو نشرت المؤسسات الحاقدة على الإسلام أن المسلمين لا يريدون الحكم إلا من أجل تطبيق الإسلام، والحد من الحريات، والتضييق على النساء، نعم، هم يبالغون ويكذبون، لكننا نقدم لهم السلاح الذي يشهرونه في وجوهنا.
7. وليكن من أولويات ذلك الحزب الإسلامي: الحفاظ على الهوية الإسلامية، والسعي نحو تقديم رسالة الإسلام الصافي من الشوائب، تقدمونه للمسلمين؛ ترجعونهم به إلى سابق عهدهم من الالتزام والاستقامة، وتثبتون لغير المسلمين أن دينكم دين الوحدة، والتآخي، والتعاون على البر والتقوى.
8. استمرار الإخوة المسلمين من أهل البلد في الدعوة إلى الله بين أفراد أسرهم وأقربائهم، ومشاركة الناس الفرحة التي غمرتهم بدخولهم الإسلام، والظاهر أن هؤلاء يكونون أكثر تأثيراً على أهل بلدهم من المسلمين المهاجرين من دول شتَّى.
9. السعي الفوري نحو شراء قطع أراضي وتخصيصها لقبر المسلمين الموحدين، والسعي الأكيد نحو نقل المسلمين الذين دفنوا مع غير المسلمين إلى هذه المقابر الإسلامية.
010 ينبغي أن يكون من أولويات التجمعات الإسلامية، والأحزاب السياسية، وخاصة تلك التي تسعى لإقامة دولة إسلامية، كما ذكرنا أن تحافظ على هوية المسلمين الذي يعيشون هناك، ومن أعظم وسائل المحافظة على الهوية تزويج المسلمين من المسلمات، والحرص على إشاعة جو إسلامي في الحياة الاجتماعية، وأن يوجد في الأحزاب والتجمعات الإسلامية من يصرف أمور المسلمين الخاصة في الزواج والطلاق والعلاقات الاجتماعية، بما يوافق شرع الله، ودون أن نحاول فرض ذلك فرضا عاما على الدولة النصرانية، فهو أمر ـ كما قلنا ـ بعيد المنال جدا، وعاقبته وآثاره وخيمة عليكم.
11. نوصي الجميع بالرفق في الدعوة إلى الله، وسلوك طريق الأنبياء والمرسلين، والدعاة الناجحين، ولتصل دعوتكم للقادة والساسة وأصحاب القرار والصحفيين والكتاَّب وجميع أصناف الناس، فعسى الله تعالى أن يهدي رجلاً منهم فيكون أمَّة وحده، واحرصوا على إزالة المنكرات من حياة المسلمين بالتي هي أحسن.
012 ينبغي أن تكون لكم مراسلات واتصالات دائمة بإخوانكم المسلمين، في أوروبا وفي بلاد الإسلام، تشاورونهم في أموركم، وتستفتون أهل العلم منهم فيما ينزل بكم من القضايا والمشكلات؛ فالمؤمن مرآة أخيه، وضعيفان يغلبان قويا.
نسأل الله أن يوفقكم لما فيه رضاه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4832)
هل يجوز لها الدراسة في مكان مختلط في بلاد كافرة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[شيخنا الفاضل حفظك الله لي سؤال حول الدراسة في الدول الأوروبية وهو: ما حكم الدراسة في معهد مختلط علما بأنني مرافقة لزوجي، ومدة بعثته خمس سنوات، وأنا أريد كسب اللغة ودراسة الماجستير بعد ذلك، وملتزمة بالحجاب الكامل الفضفاض، لا أُخرج إلا عيني مع تحرزي الشديد، وأكمامي طويلة لا يخرج إلا أطراف الأصابع، جلوسي في القاعة يكون بجانب النساء، وعدد الطلاب لا يتجاوز (12) طالبا، ومحتاجة للغة للتخاطب مع من حولي وفي مجال الدعوة حتى أستطيع توضيح الإسلام لهم، خاصة وأنهم كثيراً ما يسألونني عن السر في ارتداء الحجاب. أرجو الإجابة، فأنا بانتظارها؛ لأنني أكملت السنة والأربعة أشهر في الغربة وأنا أبحث عن فتوى لسؤالي؛ لأنني أريد الدراسة، ولكن تحت فتوى شرعية منكم. والله يحفظكم ويرعاكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نشكر لك - بدايةً – حرصك على تحري الصواب وموافقة الشرع في أفعالك، وهذا الذي ينبغي على كل مسلم فعله، على أن يكون ذلك قبل الإقدام على ما يريد القيام به، من تجارة، أو سفر، أو وظيفة؛ لأن مقتضى الصدق في الاتباع أن يسأل عن حكم فعله قبل الإقدام عليه.
ثانياً:
سؤالك فيه مسألتان، لا مسألة واحدة، أما الأولى: فهي السفر إلى بلاد الكفر، وأما الثانية: فهي الدراسة المختلطة في تلك البلاد.
وقد سبق في فتاوى متعددة حكم السفر لمثل تلك البلاد، والإقامة فيها، وقد بينَّا أن الأصل فيها التحريم، وأنه يجوز في حالات، وضمن شروط، وليس من الجواز أن يذهب المسلم لدراسة علوم تتوفر في بلده، أو في غيرها من دول الإسلام.
انظري أجوبة الأسئلة: (27211) و (14235) و (3225) .
وعليه: فالأصل هو عدم ذهاب زوجك أصلاً للدراسة في تلك الديار، فإذا أصرَّ على الذهاب، ويمكنه المحافظة على نفسه لقوة دينه، أو لقصر مدة إقامته هناك: فلا داعي لذهابك معه؛ لأنه ليست ثمة حاجة ولا ضرورة، فإن صعب عليك البقاء في بلدك، أو تخافين على نفسك الفتنة من الوحدة، أو كان يخاف هو على نفسه الفتنة في تلك البلاد: ففي هذه الحال تُعذرين في مرافقته.
ثالثاً:
أما بخصوص دراستك في مكان مختلط في تلك البلاد: فإنه محرَّم ولا شك، ولو كانت دراستك المختلطة في بلدٍ مسلم لم تكن جائزة، فكيف أن تكون بتلك الديار؟! .
سئل علماء اللجنة:
هل يجوز للأخوات أن يدخلن ويتعلمن في المدارس والجامعات المختلطة، حيث لا يوجد في بلاد الغرب إلا التعليم المختلط، ولكن الأخوات يلتزمن بالزي الإسلامي، مع مضايقات الكفار؟ .
فأجابوا:
اختلاط الرجال والنساء في التعليم: حرام، ومنكر عظيم؛ لما فيه من الفتنة، وانتشار الفساد، وانتهاك المحرمات، وما وقع بسبب هذا الاختلاط من الشرِّ والفساد الخلقي لهو من أوضح الدلائل على تحريمه، وإذا انضاف إلى ذلك كونه في بلاد الكفار: كان أشد حرمةً ومنعاً، وتعلُّم المرأة بالمدارس والجامعات ليس من الضرورات التي تستباح بها المحرمات، وعليها أن تتعلم بالطرق السليمة البعيدة عن الفتن، وننصحها بأن تستفيد من الأشرطة السليمة التي صدرت من علماء السنَّة، كما ننصحها وغيرها بالاستفادة من " نور على الدرب " في إذاعة القرآن الكريم في المملكة العربية السعودية.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (12 / 181، 182) .
وقالوا:
لا يجوز للطالب المسلم أن يدرس في فصول مختلطة بين الرجال والنساء؛ لما في ذلك من الفتنة العظيمة، وعليك التماس الدراسة في مكان غير مختلط؛ محافظة على دينك، وعِرضك، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا) .
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (12 / 173) .
وحتى لو وافق زوجك على دراستك، فإن هذا لا يبيح لكِ تلك الدراسة المختلطة.
قال علماء اللجنة:
الاختلاط بين الرجال والنساء في المدارس أو غيرها: من المنكرات العظيمة، والمفاسد الكبيرة في الدين والدنيا، فلا يجوز للمرأة أن تَدرس أو تعمل في مكان مختلط بالرجال والنساء، ولا يجوز لوليها أن يأذن لها بذلك.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (12 / 156) .
فهذه فتاوى العلماء التي رغبت بمعرفتها قبل إقدامك على الالتحاق بذلك المعهد المختلط، وقد عرفتِ أنه لا يجوز لك ذلك، ولا ينفعك لبسك للحجاب كاملاً مع وجود أولئك الطلاب في القاعة، ويمكنك تعلم اللغة الإنجليزية عن طريق مدرسة تأتيك لبيتك، أو عن طريق أشرطة الصوت والفيديو والكتب، وهو متيسر جدّاً في الأسواق، كما يمكنك الانتساب لإحدى الجامعات أو المعاهد، وتقديم الامتحان بالمراسلة أو مع وجود زوجكِ، فتجمعين بين تحقيق هدفك في تعلم اللغة والحصول على شهادة، مع الحفاظ على الستر والنفس من أذية سفهاء القوم وشواذهم.
ونسأل الله تعالى أن يوفقك لما فيه رضاه.
وانظري أجوبة الأسئلة: (1200) و (33710) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4833)
لم يتحلل جسمها بعد ستة أشهر من دفنها
[السُّؤَالُ]
ـ[ماتت امرأة، وبعد حوالي ستة أشهر توفيت امرأة أخرى، ففتحوا التربة لدفنها، فوجدوا المتوفية الأولى على حالتها، لم تتحلل، فهل هذا دليل على صلاحها، أو أنها من الشهداء لأنها ماتت بمرض بالمعدة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
روى البخاري (2829) ومسلم (1914) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: الْمَطْعُونُ، وَالْمَبْطُونُ، وَالْغَرِقُ، وَصَاحِبُ الْهَدْمِ، وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)
قال النووي رحمه الله:
" وَأَمَّا (الْمَبْطُون) فَهُوَ صَاحِب دَاء الْبَطْن , وَهُوَ الإسْهَال. قَالَ الْقَاضِي: وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي بِهِ الاسْتِسْقَاء وَانْتِفَاخ الْبَطْن , وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي تَشْتَكِي بَطْنه , وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي يَمُوت بِدَاءِ بَطْنه مُطْلَقًا " انتهى.
فنرجو لهذه المرأة ولكل من مات بداءٍ في معدته أن يكتب الله له أجر الشهداء.
ثانيا:
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يَبْلَى كُلُّ شَيْءٍ مِنْ الْإِنْسَانِ إِلَّا عَجْبَ ذَنَبِهِ فِيهِ يُرَكَّبُ الْخَلْقُ) رواه البخاري (4814) ومسلم (2955) .
فظاهر هذا أن جميع بني آدم تأكلهم الأرض، ولا يبقى من أجسادهم شيء إلا عجب الذنب، وهو عظم صغير في أسفل الظهر.
ولم يرد - فيما نعلم – استثناء أحد لا تأكله الأرض إلا الأنبياء فقط، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ) رواه أبو داود (1047) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن الشهيد لا تأكله الأرض أيضاً.
قال ابن عبد البر في "التمهيد" (18/173) :
" روي في أجساد الأنبياء والشهداء أن الأرض لا تأكلهم، وحسبك ما جاء في شهداء أحد وغيرهم، وإذا جاز أن لا تأكل الأرض عجب الذنب جاز أن لا تأكل الشهداء، وذلك كله حكم الله وحكمته " انتهى باختصار.
وقال القرطبي في "المفهم شرح مسلم" (7/307) :
" وظاهر هذا: أن الأرض لا تاكل أجساد الشهداء، والمؤذنين المحتسبين، وقد شوهد هذا فيمن اطلع عليه من الشهداء، فوجدوا كما دفنوا بعد آماد طويلة، كما ذكر في السير وغيرها " انتهى.
ولكننا لا نعلم دليلا صحيحا من السنة النبوية يدل على أن الشهيد لا تأكله الأرض، غير أنه وجد في وقائع كثيرة بقاء بعض الشهداء مدة بعد دفنهم.
روى البخاري (1351) عَنْ جَابِرٍ رضى الله عنه، في قصة استشهاد والده في غزوة أحد، قال (فَأَصْبَحْنَا فَكَانَ أَوَّلَ قَتِيلٍ، وَدُفِنَ مَعَهُ آخَرُ فِى قَبْرٍ، ثُمَّ لَمْ تَطِبْ نَفْسِى أَنْ أَتْرُكَهُ مَعَ الآخَرِ، فَاسْتَخْرَجْتُهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَإِذَا هُوَ كَيَوْمِ وَضَعْتُهُ هُنَيَّةً، غَيْرَ أُذُنِهِ) .
وفي رواية أبي داود (3232) (فَمَا أَنْكَرْتُ مِنْهُ شَيْئًا إِلاَّ شُعَيْرَاتٍ كُنَّ فِى لِحْيَتِهِ مِمَّا يَلِى الأَرْضَ) .
وقد عقد القرطبي في "التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة" بابا ذكر فيه شيئا من ذلك.
ولكن لا نستطيع الجزم بأن ذلك يكون لكل شهيد، وأنه يبقى إلى يوم القيامة.
قال ابن أبي العز الحنفي في "شرح الطحاوية" (ص/396) :
" وحرم الله على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء كما روي في السنن، وأما الشهداء: فقد شوهد منهم بَعدَ مُدَدٍ مِن دفنه كما هو لم يتغير، فيحتمل بقاؤه كذلك في تربته إلى يوم محشره، ويحتمل أنه يبلى مع طول المدة، والله أعلم، وكأنه - والله أعلم - كلما كانت الشهادة أكمل والشهيد أفضل، كان بقاء جسده أطول " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين في "لقاءات الباب المفتوح" (204/سؤال رقم/1) :
" أما الشهداء والصديقون والصالحون فهؤلاء قد لا تأكل الأرض بعضهم كرامة لهم، وإلا فالأصل أنها تأكله ولا يبقى إلا عجب الذنب " انتهى.
وعلى هذا؛ فالمرأة المسؤول عنها نرجو أن يكون الله تعالى تقبلها شهيدة، وأبقى جسمها هذه المدة كرامة لها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4834)
أجبرها أهلها على زواج صوري ليحصل الزوج على إقامة وجنسية!
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة أبلغ من العمر 23 سنة، أعيش في ألمانيا منذ 15 سنة مع والدتي وأخي، وذلك أثر طلاق والداي، قبل سنة أرغمتني والدتي على الزواج برجل ادَّعت أنه في حاجة ماسة للإعانة، وأمام غطرستها، وتهديدها الدائم لي بالغضب عليَّ، وانعدام المسؤولية عند أخي: لم يكن لي أي خيار، منذ قليل اكتشفت حماقتي، وجهلي , إذ إن أمي تبرر كل أوامرها بحجج تدَّعي أنها من الدين، وتم الزواج لدى المحاكم الألمانية , زواج صوري، يمكِّن هذا الرجل الذي لم أره سوى عند كتابة العقد من البقاء في ألمانيا والحصول على الجنسية الألمانية بعد سنتين، بعد محاولات عديدة أمكن لي الحصول على موافقة والدتي للبداية في إجراءات الطلاق، الرجل الذي أصبح اليوم قادراً على البقاء في ألمانيا موافق على طلاق التراضي، كما كان اتفاقه مع والدتي منذ البداية. سؤالي هو الآتي: كيف أكفِّر عن ذنبي؟ هل عليَّ عدة المطلقات؟ لقد تقدم شاب لي، ويود الزواج بي، وأنا حائرة، إن أعلمته أخشى أن يتركني، وإن لم أفعل أكون خدعته، ثم متى أحل له، أبعد الطلاق من الزواج الباطل أم قبل ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يجوز لأحدٍ أن يُكره موليته على النكاح ممن لا ترغب، والعقد الذي يثبت أن المرأة البالغ زُوِّجت فيه بغير إرادتها: باطل عند بعض العلماء، ومتوقف عليها لإمضائه عند آخرين، وفي كل الأحوال لا يجوز أن تُجبر البالغ على الزواج.
وتفصيل ذلك في جواب السؤال رقم: (47439) .
ولا نرى أنك صغيرة بحيث يتحكم في تزويجك والدتك وأخوك، فكان الأجدر بك الوقوف في وجوههم، والاعتراض على مثل هذا الزوج والزواج، وبخاصة أنكم في بلد يدَّعي أهله أنهم ينصرون النساء! .
ثانياً:
العقود التي تُجرى في محاكم الدول الكافرة: قد تكون عقوداً باطلة، وقد تكون صحيحة، فإن كان سبقها عقد شرعي، اشتمل على إيجاب، وقبول، وموافقة ولي، وشهود أو إعلان: كانت العقود أمام تلك المحاكم للتوثيق، والتثبيت، لا للإنشاء، وإن لم يسبقها عقود شرعية: فلا قيمة لها، ولا يُبنى عليها أحكام؛ لأنها باطلة أصلاً.
وينظر جواب السؤال رقم: (4458) .
ثالثاً:
ثمة عقود زواج تُبرم في دول الكفر لا لأجل العفاف والستر وإنشاء أسرة، بل لغايات الإقامة والجنسية! وليُعلم أن الزواج هو " كلمة الله " وهو " الميثاق الغليظ "، وأنه لا يجوز الاستهانة بهذه العقود، وجعلها مجالاً للعبث.
وليُعلم أن هذه العقود " الصُّورية " أو " الشكلية " إذا تمَّت وفق الشرع فإنه تترتب عليها آثارها الشرعية، من المهر، والعدَّة، وغير ذلك، وأما إذا لم تتم وفق الأحكام الشروط الشرعية: فإنه لا تترتب عليها آثارها الشرعية، مع وجود الإثم.
سئل علماء اللجنة الدائمة:
نحن شباب مسلم - والحمد لله -، من مصر، ولكننا نقيم في هولندا، ونسأل عن حكم الإسلام في بعض الشباب المسلم الذي يلجأ للزواج من الأوربية، أو بعض النسوة الأجنبيات اللاتي معهن أوراق الإقامة، وذلك للحصول على الإقامة في هولندا، مع العلم أن هذا الزواج صوري، أي: حبر على ورق - كما يقولون – أي: أنه لا يعيش معها، ولا يعاشرها كزوجة، هو فقط يذهب معها إلى مبنى الحكومة، ومعه شاهدان، ويتم توثيق العقد، وبعد ذلك كل ينصرف لطريقه؟ .
فأجابوا:
عقد النكاح من العقود التي أكد الله عِظم شأنها، وسمَّاه " ميثاقاً غليظاً "، فلا يجوز إبرام عقد النكاح على غير الحقيقة من أجل الحصول على الإقامة.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (18 / 98، 99) .
وفي جواب السؤال رقم: (2886) فتوى أخرى بالتحريم والمنع، فلتنظر.
فالذي يظهر لنا أن والدك موجود وعلى قيد الحياة، وهو في هذه الحال وليك في الزواج، ولو كان مطلِّقاً لأمك، وأخوك ليس وليّاً لك مع وجود والدكِ، فإذا تمَّ الزواج بموافقة والدك، وحضور شهود، مع رضاكِ به: فهو عقد شرعي تترتب عليه آثاره، ولو لم يكن من أجل العيش معه؛ لأن واقعه – والحالة هذه – أنه عقد شرعي مكتمل الأركان، فلا يحل لك الزواج بغيره إلا بعد أن تحصلي على الطلاق، وتنتهي عدتك.
وأما إن تمَّ العقد في الدوائر الرسمية فقط، ودون موافقتك أو موافقة والدك: فهو عقد غير شرعي، ولا تترتب عليه آثاره، ولا حاجة للحصول على الطلاق، إلا من أجل أنك زوجة في الأوراق الرسمية، لا من أجل أنك زوجة شرعاً، مع استحقاق من ساهم في وجوده للإثم؛ لاستهانته بالعقد الشرعي، وجعله مجالاً للعبث.
والخلاصة: أن الواجب عليك الاحتياط في أمر زواجك الجديد، على الأقل، وألا تقدمي على إتمام الخطبة الجديدة، إلا بعد طلاقك من الأول، وبإمكانك إتمام الخطبة والزواج الجديد بمجرد إنهاء الطلاق من الأول، وليس عليك عدة تنتظرينها، ولا فاصل زمني بين الزواجين.
وأما بخصوص إعلام الخاطب الجديد، فإن كان يغلب على ظنك أنه لن يعلم بما حدث، فلا ننصحك بإخباره، وأتمي زواجك به، كأن شيئاً لم يكن.
وإن كنت تظنين أنه سوف يعلم ذلك، فليعلمه منك أفضل وأكرم، والقلوب بيد الرحمن يقلبها كيف شاء، فاستعين بربك سبحانه، على صرف قلبه إليك، إن كان في زواجك منه خير لك.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4835)
متى نصر الله؟
[السُّؤَالُ]
ـ[متى نصر الله؟ وما هي أسبابه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نصر الله للمسلمين على أعدائهم من الكفار المحاربين لهم وعدُ حقٍّ، وقولُ صدقٍ، وقد وعد الله تعالى به المؤمنين، وأخبرهم أنه قريب، وإنما يؤخره تعالى لحكَم جليلة، ومن كان قوي الإيمان، صادق اليقين فسيعلم أن ذلك يكون قريباً كما أخبر به الرب تعالى.
قال الله تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) البقرة/ 214.
قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله:
" فمعنى الكلام: أم حسبتم أنكم أيها المؤمنون بالله ورسله تدخلون الجنة ولم يصبكم مثلُ ما أصاب مَن قبلكم مِن أتباع الأنبياء والرسل من الشدائد والمحن والاختبار، فتُبتلوا بما ابتُلوا واختبروا به من " البأساء "، وهو شدة الحاجة والفاقة، " والضراء "، وهي العلل والأوصاب، ولم تزلزلوا زلزالهم، يعني: ولم يصبهم من أعدائهم من الخوف والرعب شدة وجهدٌ، حتى يستبطئ القومُ نصرَ الله إياهم، فيقولون: متى الله ناصرنا؟ ثم أخبرهم الله أن نصره منهم قريبٌ، وأنه مُعليهم على عدوِّهم، ومظهرهم عليه، فنجَّز لهم ما وعدهم، وأعلى كلمتهم، وأطفأ نار حرب الذين كفروا " انتهى.
"تفسير الطبري" (4/288) .
وذكر الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – بعض الفوائد المستقاة من الآية –:
" ومنها:
1. أنه ينبغي للإنسان ألا يسأل النصر إلا من القادر عليه، وهو الله عزّ وجلّ؛ لقوله تعالى: (متى نصر الله) .
2. أن المؤمنين بالرسل منهاجهم منهاج الرسل، يقولون ما قالوا؛ لقوله تعالى: (حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله) ، يتفقون على هذه الكلمة استعجالاً للنصر.
3. تمام قدرة الله عزّ وجلّ؛ لقوله تعالى: (ألا إن نصر الله قريب) .
4. حكمة الله حيث يمنع النصر لفترة معينة من الزمن، مع أنه قريب.
5. أن الصبر على البلاء في ذات الله عزّ وجلّ من أسباب دخول الجنة؛ لأن معنى الآية: اصبروا حتى تدخلوا الجنة.
6. تبشير المؤمنين بالنصر ليتقووا على الاستمرار في الجهاد ترقباً للنصر المبشرين به " انتهى.
"تفسير سورة البقرة" (3/42) .
ثانياً:
نصر الله تعالى القريب ليس لكل من ادعى الإيمان، وزعم الإسلام، إنما هو لمن حقق الإيمان بقلبه، وعمل بالإسلام بجوارحه.
قال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ. وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) النور/55، 56.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله:
" هذا وعدٌ من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم بأنه سيجعل أمته خلفاء الأرض، أي: أئمةَ الناس، والولاةَ عليهم، وبهم تصلح البلاد، وتخضع لهم العباد، ولَيُبدلَنّ بعد خوفهم من الناس أمناً وحكماً فيهم، وقد فعل تبارك وتعالى ذلك، وله الحمد والمنَّة، فإنه لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى فتح الله عليه مكة، وخيبر، والبحرين، وسائر جزيرة العرب، وأرض اليمن بكمالها، وأخذ الجزية من مَجُوس هَجَر، ومن بعض أطراف الشام، وهاداه هرقل ملك الروم، وصاحب مصر والإسكندرية - وهو المقوقس -، وملوك عُمان، والنجاشي ملك الحبشة، الذي تَملَّك بعد أصْحَمة، رحمه الله وأكرمه.
ثم لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم واختار الله له ما عنده من الكرامة: قام بالأمر بعده خليفته أبو بكر الصديق " انتهى.
"تفسير ابن كثير" (6/77) .
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: " هذا من أوعاده الصادقة، التي شوهد تأويلها ومخبرها، فإنه وعدَ من قام بالإيمان والعمل الصالح من هذه الأمة أن يستخلفهم في الأرض، يكونون هم الخلفاء فيها، المتصرفين في تدبيرها، وأنه يمكِّن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وهو دين الإسلام، الذي فاق الأديان كلها، ارتضاه لهذه الأمة، لفضلها وشرفها ونعمته عليها، بأن يتمكنوا من إقامته، وإقامة شرائعه الظاهرة والباطنة، في أنفسهم، وفي غيرهم، لكون غيرهم من أهل الأديان وسائر الكفار مغلوبين ذليلين، وأنه يبدلهم من بعد خوفهم الذي كان الواحد منهم لا يتمكن من إظهار دينه، وما هو عليه إلا بأذى كثير من الكفار، وكون جماعة المسلمين قليلين جدّاً بالنسبة إلى غيرهم، وقد رماهم أهل الأرض عن قوس واحدة، وبغوا لهم الغوائل.
فوعدهم الله هذه الأمور وقت نزول الآية، وهي لم تشاهد الاستخلاف في الأرض والتمكين فيها، والتمكين من إقامة الدين الإسلامي، والأمن التام، بحيث يعبدون الله، ولا يشركون به شيئاً، ولا يخافون أحداً إلا الله، فقام صدر هذه الأمة من الإيمان والعمل الصالح بما يفوقون على غيرهم، فمكَّنهم من البلاد والعباد، وفتحت مشارق الأرض ومغاربها، وحصل الأمن التام والتمكين التام، فهذا من آيات الله العجيبة الباهرة، ولا يزال الأمر إلى قيام الساعة، مهما قاموا بالإيمان والعمل الصالح: فلا بد أن يوجد ما وعدهم الله، وإنما يسلط عليهم الكفار والمنافقين، ويديلهم في بعض الأحيان: بسبب إخلال المسلمين بالإيمان والعمل الصالح " انتهى.
"تفسير السعدي" (ص/573) .
وانظر أيضا: "أضواء البيان" للشنقيطي (6/36) ، "فتح القدير" للشوكاني (4/69) .
ثالثاً:
صدق الناس في إيمانهم بربهم، وإقامتهم لشرعه، دليل على ما يكون من حالهم، حين يمكن الله تعالى لهم، وهؤلاء هم الذي وعدهم الله تعالى بالنصر والتمكين.
قال تعالى: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) الحج/ 41.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله - بعد أن ساق آيات فيها بيان نصر الله تعالى للمؤمنين -: " وفي قوله تعالى: (الذين إِنْ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأرض) الحج/ 41 الآية: دليل على أنه لا وعدَ من الله بالنصر إلا مع إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، فالذين يمكِّن الله لهم في الأرض، ويجعل الكلمة فيها والسلطان لهم، ومع ذلك لا يقيمون الصلاة، ولا يؤتون الزكاة، ولا يأمرون بالمعروف، ولا ينهون عن المنكر: فليس لهم وعدٌ من الله بالنصر؛ لأنهم ليسوا من حزبه، ولا من أوليائه الذين وعدهم بالنصر، بل هم حزب الشيطان وأولياؤه، فلو طلبوا النصر من الله بناء على أنه وعدهم إياه: فمثلهم كمثل الأجير الذي يمتنع من عمل ما أجر عليه، ثم يطلب الأجرة، ومَن هذا شأنه: فلا عقل له.
وقوله تعالى: (إِنَّ الله لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) العزيز: الغالب الذي لا يغلبه شيء، كما قدمناه مراراً بشواهده العربية.
وهذه الآيات تدل على صحة خلافة الخلفاء الراشدين؛ لأن الله نصرهم على أعدائهم؛ لأنهم نصروه، فأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وأمروا بالمعروف، ونهوا عن المنكر، وقد مكَّن لهم، واستخلفهم في الأرض، كما قال: (وَعَدَ الله الذين آمَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرض) .
والحق: أن الآيات المذكورة تشمل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل من قام بنصرة دين الله على الوجه الأكمل، والعلم عند الله تعالى " انتهى.
"أضواء البيان" (5/272) .
رابعاً:
وبالإضافة لما سبق بيانه: فإنه يجب أن يُعلم أن للنصر أسبابه، ومن أراد النصر دون القيام بأسبابه فهو مخالف للشرع والعقل.
قال الشيخ سعيد بن علي بن وهف القحطاني – حفظه الله -: " من المعلوم يقينًا أن النصر على الأعداء له أسباب تحققه للمسلمين على عدوهم بإذن الله تعالى، ومن هذه الأسباب ما يأتي:
1. الإيمان والعمل الصالح.
قال الله تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) النور/55.
2. نصر دين الله تعالى.
ومن أعظم أسباب النصر: نصر دين الله تعالى، والقيام به، قولاً، واعتقاداً، وعملاً، ودعوةً.
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ. وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ) محمد /7، 8.
3. التوكل على الله، والأخذ بالأسباب.
التوكل على الله مع إعداد القوة من أعظم عوامل النصر.
قال تعالى: (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) آل عمران/ 159.
ولابد من التوكل من الأخذ بالأسباب؛ لأن التوكل يقوم على ركنين عظيمين:
الأول: الاعتماد على الله والثقة بوعده ونصره تعالى.
الثاني: الأخذ بالأسباب المشروعة؛ ولهذا قال الله تعالى: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ) الأنفال/ 60.
4. المشاورة بين المسؤولين لتعبئة الجيوش الإسلامية.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشاور أصحابه، مع كمال عقله، وسداد رأيه؛ امتثالاً لأمر الله تعالى، وتطييبًا لنفوس أصحابه، قال سبحانه: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) الشورى/ 38.
5. الثبات عند لقاء العدو.
من عوامل النصر: الثبات عند اللقاء، وعدم الانهزام والفرار.
عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا أيها الناس، لا تمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف) .
6. الشجاعة والبطولة والتضحية.
من أعظم أسباب النصر: الاتصاف بالشجاعة، والتضحية بالنفس، والاعتقاد بأن الجهاد لا يقدم الموت، ولا يؤخره.
قال الله تعالى: (أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ) النساء/ 78.
7. الدعاء وكثرة الذِّكر.
من أعظم وأقوى عوامل النصر: الاستغاثة بالله، وكثرة ذكره؛ لأنه القوي القادر على هزيمة أعدائه، ونصر أوليائه.
قال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) البقرة/ 186
8. طاعة الله، ورسوله صلى الله عليه وسلم.
طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من أقوى دعائم وعوامل النصر.
قال تعالى: (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) النور/ 52.
9. الاجتماع وعدم النزاع.
يجب على المجاهدين أن يحققوا عوامل النصر ولا سيما الاعتصام بالله، والتكاتف، وعدم النزاع والافتراق.
قال الله تعالى: (وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) الأنفال/ 46.
10. الصبر والمصابرة.
لابد من الصبر في الأمور كلها، ولا سيما الصبر على قتال أعداء الله ورسوله.
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) آل عمران/ 200.
11. الإخلاص لله تعالى.
لا يكون المقاتل والغازي مجاهداً في سبيل الله إلا بالإخلاص.
قال الله تعالى: (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَراً وَرِئَاءَ النَّاسِ) الأنفال/ 47.
12. الرغبة فيما عند الله تعالى.
مما يعين على النصر على الأعداء هو: الطمع في فضل الله، وسعادة الدنيا، والآخرة.
13. إسناد القيادة لأهل الإيمان.
من أسباب النصر: تولية قيادة الجيوش، والسرايا، والأفواج، والجبهات، لمن عُرفوا بالإيمان الكامل، والعمل الصالح، ثم الأمثل فالأمثل.
قال الله تعالى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات/ 13.
14. التحصن بالدعائم المنجيات من المهالك والهزائم ونزول العذاب.
وتتلخص في اتباع الدعائم المنجيات الآتية:
أولاً: التوبة، والاستغفار من جميع المعاصي والذنوب، كبيرها، وصغيرها، ولا تقبل التوبة إلا بشروط على النحو الآتي:
الإقلاع عن جميع الذنوب وتركها.
العزيمة على عدم العودة إليها.
الندم على فعلها.
فإن كانت المعصية في حق آدمي فلها شرط رابع وهو التحلل من صاحب ذلك الحق.
ثانياً: تقوى الله تعالى، وهي أن يجعل العبد بينه وبين ما يخشاه من ربه ومن غضبه وسخطه وعقابه وقاية تقيه من ذلك.
ثالثاً: أداء جميع الفرائض، وإتباعها بالنوافل.
رابعاً: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
خامساً: الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في جميع الاعتقادات، والأقوال، والأفعال.
سادساً: الدعاء، والضراعة " انتهى.
"الجهاد في سبيل الله، فضله، ومراتبه، وأسباب النصر على الأعداء" للشيخ سعيد بن علي بن وهف القحطاني (ص21 - 30) باختصار.
وانظر أجوبة الأسئلة: (31888) و (34830) و (46807) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4836)
حكم الجهاد وأنواعه
[السُّؤَالُ]
ـ[في هذا الوقت وهذا العمر، هل الجهاد فرض على كل رجل قادر عليه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الجهاد مراتب، منها ما هو واجب على كل مكلف، ومنها هو واجب على الكفاية، إذا قام بعض المكلفين سقط التكليف عن الباقين، ومنها ما هو مستحب.
فجهاد النفس وجهاد الشيطان واجبان على كلِّ مكلف، وجهاد المنافقين والكفار وأرباب الظلم والبدع والمنكرات واجب على الكفاية، وقد يتعين جهاد الكفار باليد على كل قادر في حالات معينة يأتي ذكرها.
قال ابن القيم رحمه الله:
إذا عرف هذا فالجهاد أربع مراتب: جهاد النفس، وجهاد الشيطان، وجهاد الكفار، وجهاد المنافقين.
فجهاد النفس أربع مراتب أيضاً:
إحداها: أن يجاهدها على تعلم الهدى ودين الحق الذي لا فلاح لها ولا سعادة في معاشها ومعادها إلا به ومتى فاتها عمله شقيت في الدارين.
الثانية: أن يجاهدها على العمل به بعد عمله، وإلا فمجرد العلم بلا عمل إن لم يضرها لم ينفعها.
الثالثة: أن يجاهدها على الدعوة إليه وتعليمه من لا يعلمه وإلا كان من الذين يكتمون ما أنزل الله من الهدى والبينات ولا ينفعه علمه ولا ينجيه من عذاب الله.
الرابعة: أن يجاهدها على الصبر على مشاق الدعوة إلى الله وأذى الخلق ويتحمل ذلك كله لله.
فإذا استكمل هذه المراتب الأربع صار من الربانيين، فإن السلف مجمعون على أن العالم لا يستحق أن يسمى ربانيا حتى يعرف الحق ويعمل به ويعلّمه فمن علّم وعمل وعلم فذاك يدعى عظيما في ملكوت السماوات.
وأما جهاد الشيطان فمرتبتان:
إحداهما: جهاده على دفع ما يلقي إلى العبد من الشبهات والشكوك القادحة في الإيمان.
الثانية: جهاده على دفع ما يلقي إليه من الإرادات الفاسدة والشهوات.
فالجهاد الأول يكون بعده اليقين، والثاني يكون بعده الصبر، قال تعالى: {وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون} السجدة/24، فأخبر أن إمامة الدين إنما تنال بالصبر واليقين، فالصبر يدفع الشهوات، والإرادات الفاسدة واليقين يدفع الشكوك والشبهات.
وأما جهاد الكفار والمنافقين فأربع مراتب:
بالقلب واللسان والمال والنفس.
وجهاد الكفار أخص باليد، وجهاد المنافقين أخص باللسان.
وأما جهاد أرباب الظلم والبدع والمنكرات فثلاث مراتب:
الأولى: باليد إذا قدر، فإن عجز انتقل إلى اللسان، فإن عجز جاهد بقبله.
فهذه ثلاثة عشر مرتبة من الجهاد، و " من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق " – رواه مسلم (1910) -.
" زاد المعاد (3 / 9 – 11) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
الجهاد أقسام: بالنفس، والمال، والدعاء، والتوجيه والإرشاد، والإعانة على الخير من أي طريق، وأعظم الجهاد: الجهاد بالنفس، ثم الجهاد بالمال والجهاد بالرأي والتوجيه، والدعوة كذلك من الجهاد، فالجهاد بالنفس أعلاها.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (7 / 334، 335) .
ثانياً:
وجهاد الكفار باليد مرَّ في مراحل متنوعة بحسب الحال الذي كانت عليه أمة الإسلام:
قال ابن القيم رحمه الله:
أول ما أوحى إليه ربه تبارك وتعالى أن يقرأ باسم ربه الذي خلق وذلك أول نبوته فأمره أن يقرأ في نفسه ولم يأمره إذ ذاك بتبليغ، ثم أنزل عليه (يا أيها المدثر قم فأنذر) المدثر فنبأه بقوله {اقرأ} ، وأرسله بـ {يا أيها المدثر} .
ثم أمره أن ينذر عشيرته الأقربين، ثم أنذر قومه، ثم أنذر من حولهم من العرب، ثم أنذر العرب قاطبة، ثم أنذر العالمين، فأقام بضع عشرة سنة بعد نبوته ينذر بالدعوة بغير قتال ولا جزية ويؤمر بالكف والصبر والصفح.
ثم أُذن له في الهجرة، وأذن له في القتال.
ثم أمره أن يقاتل مَن قاتله ويكف عمن اعتزله ولم يقاتله.
ثم أمره بقتال المشركين حتى يكون الدين كله له.
ثم كان الكفار معه بعد الأمر بالجهاد ثلاثة أقسام: أهل صلح وهدنة، وأهل حرب، وأهل ذمة.
" زاد المعاد " (3 / 159) .
ثالثاً:
وحكم الجهاد باليد للكفار: فرض على الكفاية:
قال ابن قدامة:
قال: (والجهاد فرض على الكفاية، إذا قام به قوم، سقط عن الباقين) :
معنى فرض الكفاية، الذي إن لم يقم به من يكفي، أثم الناس كلهم، وإن قام به من يكفي، سقط عن سائر الناس. فالخطاب في ابتدائه يتناول الجميع، كفرض الأعيان، ثم يختلفان في أن فرض الكفاية يسقط بفعل بعض الناس له، وفرض الأعيان لا يسقط عن أحد بفعل غيره والجهاد من فروض الكفايات، في قول عامة أهل العلم.
" المغني " (9 / 163) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز:
سبق أن بينَّا أكثر من مرة أن الجهاد فرض كفاية لا فرض عين، وعلى جميع المسلمين أن يجاهدوا في نصر إخوانهم بالنفس والمال والسلاح والدعوة والمشورة، فإذا خرج منهم من يكفي: سلم الجميع من الإثم، وإذا تركوه كلهم أثموا جميعاً.
فعلى المسلمين في المملكة وإفريقيا والمغرب وغيرها أن يبذلوا طاقتهم، والأقرب فالأقرب، فإذا حصلت الكفاية من دولة أو دولتين أو ثلاث أو أكثر سقط عن الباقين، وهم مستحقون للنصر والتأييد، والواجب مساعدتهم ضد عدوهم؛ لأنهم مظلومون، والله أمر بالجهاد للجميع، وعليهم أن يجاهدوا ضد أعداء الله حتى ينصروا إخوانهم، وإذا تركوا ذلك أثموا، وإذا قام به من يكفي: سقط الإثم عن الباقين.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (7 / 335) .
رابعاً:
ويكون الجهاد الكفار باليد واجباً في أربع حالات هي:
1- إذا حضر المسلم الجهاد.
2- إذا حضر العدو وحاصر البلد.
3- إذا استنفر الإمام الرعية يجب عليها أن تنفر.
4- إذا احتيج إلى ذلك الشخص ولا يسد أحد مسدَّه إلا هو.
يقول الشيخ ابن عثيمين:
يجب الجهاد ويكون فرض عين إذا حضر الإنسان القتال وهذا هو الموضع الأول من المواضيع التي يتعين فيها الجهاد؛ لقول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفاً لقتال أو متحيزاً إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير} الأنفال/16، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: أن التولي يوم الزحف من الموبقات حيث قال: " اجتنبوا السبع الموبقات، وذكر منها التولي يوم الزحف " متفق عليه إلا أن الله تعالى استثنى حالتين:
الأولى: أن يكون متحَرّفاً لقتال بمعنى أن يذهب لأجل أن يأتي بقوة أكثر.
الثانية: أن يكون منحازاً إلى فئة بحيث يذكر له أن فئة من المسلمين من الجانب الآخر تكاد تنهزم فيذهب من أجل أن يتحيز إليها تقوية لها، وهذه الحالة يشترط فيها: أن لا يخاف على الفئة التي هو فيها، فإن خيف على الفئة التي هو فيها فإنه لا يجوز أن يذهب إلى الفئة الأخرى، فيكون في هذا الحالة فرض عين عليه لا يجوز له الانصراف عنه.
الثاني: إذا حصر بلده العدو فيجب عليه القتال دفاعاً عن البلد، وهذا يشبه من حضر الصف في القتال؛ لأن العدو إذا حصر البلد فلا بد من الدفاع؛ إذ إن العدو سيمنع الخروج من هذا البلد، والدخول إليه، وما يأتي لهم من الأرزاق، وغير ذلك مما هو معروف، ففي هذا الحال يجب أن يقاتل أهل البلد دفاعاً عن بلدهم.
الثالث: إذا قال الإمام انفروا، والإمام هو ولي الأمر الأعلى في الدولة، ولا يشترط أن يكون إماماً للمسلمين؛ لأن الإمامة العامة انقرضت من أزمنة متطاولة، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: " اسمعوا وأطيعوا ولو تأمر عليكم عبد حبشي "، فإذا تأمر إنسان على جهة ما صار بمنزلة الإمام العام، وصار قوله نافذاً، وأمره مطاعاً.
" الشرح الممتع " (8 /10
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/4837)