أخذ النقود للحج عن الغير بنية جمع الدراهم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من أخذ نقودًا ليحج عن غيره وليس في نيته إلا جمع الدراهم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرض هذا السؤال على الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله فقال:
" يقول العلماء: إن الإنسان إذا حج للدنيا لأخذ الدراهم، فإن هذا حرام عليه، ولا يحل له أن ينوي بعمل الآخرة شيئا من الدنيا؛ لقوله تعالى: {من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نُوفِّ إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون} .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: من حج ليأخذ، فليس له في الآخرة من خلاق، وأما إذا أخذ ليحج أو ليستعين به على الحج، فإن ذلك لا بأس به ولا حرج عليه.
وهنا يجب على الإنسان أن يحذر من أن يأخذ الدراهم للغرض الأول، فإنه يُخشى ألا يُقبَل منه وألا يُجزِئ الحج عمن أخذه عنه، وحينئذٍ يلزمه أن يُعيد النفقة والدراهم إلى صاحبها إذا قلنا بأن الحج لم يصح ولم يقع عن المستنيب.
ولكن يأخذ الإنسان الدراهم والنفقة ليحج بها عن غيره، ليستعين بها على الحج، ويجعل نيته في ذلك أن يقضي غرض صاحبها وأن يتقرب إلى الله تعالى بما يتعبد به في المشاعر وعند بيت الله.
[الْمَصْدَرُ]
انتهى من كتاب دليل الأخطاء التي يقع فيها الحاج والمعتمر.(5/3856)
حج بمال حرام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من حج بمال حرام يصح حجه أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يصح حجه، فيكون قد أدى الحج الواجب عليه، لكن حجه ليس مبروراً، وثوابه ناقص نقصاً كبيراً. راجع السؤال رقم (34517) .
قال النووي في المجموع (7/62) : إذا حج بمال حرام أثم وصح حجه وأجزأه، وبه قال أكثر الفقهاء اهـ. بتصرف.
وفي الموسوعة الفقهية (17/131) :
فَإِنْ حَجَّ بِمَالٍ فِيهِ شُبْهَةٌ أَوْ بِمَالٍ مَغْصُوبٍ صَحَّ حَجُّهُ فِي ظَاهِرِ الْحُكْمِ , لَكِنَّهُ عَاصٍ وَلَيْسَ حَجًّا مَبْرُورًا , وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ , وَأَبِي حَنِيفَةَ رحمهم الله وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلْفِ , وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: لا يُجْزِيهِ الْحَجُّ بِمَالٍ حَرَامٍ. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى يَصِحُّ مَعَ الْحُرْمَةِ. وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم: ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ , أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ , يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ , وَمُشْرَبُهُ حَرَامٌ , وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ , وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ , فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ اهـ.
وقال الشيخ ابن باز:
الحج صحيح إذا أداه كما شرعه الله، ولكنه يأثم لتعاطيه الكسب الحرام، وعليه التوبة إلى الله من ذلك ويعتبر حجه ناقصاً بسبب تعاطيه الكسب الحرام، لكنه يسقط عنه الفرض اهـ. فتاوى ابن باز (16/387) .
وفي فتاوى اللجنة الدائمة (11/43) كون الحج من مال حرام لا يمنع من صحة الحج، مع الإثم بالنسبة لكسب الحرام، وانه ينقص أجر الحج، ولا يبطله اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3857)
إذا أخذ المال للحج عن شخص فنقص أو زاد فما الحكم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أعطى رجل رجلاً مبلغاً معيناً لكي يحج عن ميت، ثم ذهب الرجل إلى الحج ثم نقص عليه هذا المبلغ أو زاد، ما حكم ذلك؟ كما أرجو الإفادة هل له أجر إذا أحسن هذه المواقف عن الميت؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المسلمون على شروطهم، فإذا حصل اشتراط بين الدافع والآخذ على أن الآخذ يرد الزائد وعلى أن الدافع يكمل النقص، فعلى كلٍّ أن يفي بالتزامه، وإذا لم يكن بينهما شرط فإنه يأخذ الزائد ويكمل النقص، أما الأجر فله أجر إن شاء الله إذا أخذ المال بنية صالحة وأدى الواجب عليه.
وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (11/59)(5/3858)
الصعوبات التي تواجه الحاج
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الصعوبات التي تواجه من أراد الحج؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يمكن إجمال الصعوبات بما يلي:
1. الطواف: حيث يكثر الطائفون، ويشتد الزحام، وبالأخص عند الحجر الأسود، لذا لا ننصح بمزاحمة الناس لتقبيل أو استلام الحجر الأسود، حيث سيترتب على ذلك من الأذى ما هو أعظم من أجر هذا الفعل، وكذا يختار المسلم الوقت المناسب للطواف حيث يخف الزحام ويستطيع أداء العبادة على الوجه المطلوب.
وقد أفتى العلماء بجواز الطواف على الطابق العلوي وهو وإن كان شاقا لكنه أدعى للقيام بأداء العبادة كما ينبغي، ويبتعد به المسلم عن مزاحمة الناس وما يترتب عليه من مفاسد.
2. السعي: ويقال فيه ما قيل في الطواف، وهو أضيق مكاناً من الطواف وأشد صعوبة.
3. الوقوف بعرفة: حيث يجتمع الحجاج كلهم في وقت واحد على مكان واحد، ثم يكون الدفع في آن واحد، وهو ما يسبب مشقة لكثير من الناس، سواء في الوقوف أو في الدفع من عرفة.
4. مزدلفة: والصعوبة تكمن في عدم توفر الخدمات التي توجد في الأماكن الأخرى، وأهمها أماكن قضاء الحاجة.
لذا ننصح في عرفة ومزدلفة أن يقلل الحاج من الطعام والشراب، حتى لا يحتاج معه إلى قضاء الحاجة فيشق عليه أن يجد فيقع في حرج.
5. رمي الجمرات: وهناك تقتتل الناس ويظهر جهلهم في مدافعتهم للناس، وفي رمي الجمار من أماكن بعيدة، وفي رمي الأحذية والخشب مما يسبب ضرراً للحجاج، ويجتمع الناس هناك في وقت واحد مما يسبب زيادة في الازدحام.
لذا ننصح الحاج تجنب وقت الذروة في الزحام وهو وقت الفجر في يوم العيد، ووقت الزوال من باقي أيام التشريق، وأن يرمي الجمرات في الليل حيث يخف الزحام جدا، ويستطيع معه إقامة ذكر الله بهدوء وطمأنينة، وقد أفتى العلماء بأن وقت الرمي يمتد من الزوال إلى الفجر، فلا حاجة بعده للذهاب في وقت اجتماع الناس والتسبب في أذية النفس وأذية الآخرين.
6. وفي طواف الوداع: يحاول الحجاج أن ينصرفوا إلى أهليهم مبكرين، لذا يجتمع الجميع - تقريباً – في وقت واحد مما يسبب لهم الأذى والضرر سواء في الذهاب إلى الحرم أو في الطواف نفسه أو في الخروج من مكة.
لذا ننصح الحجاج بتأخير نسكه إلى اليوم الثالث من أيام التشريق لا أن يعجِّل، فيستفيد أجراً زائداً على مَن عجَّل، وننصحه أن يحاول تأخير رجوعه ولو أياماً قلائل إلى أن ينصرف أكثر الحجاج فيستطيع أداء طواف الوداع كما يحب ربنا ويرضى.
هذا مجمل ما يصيب الحاج من صعوبة، وحكمة الله تعالى اقتضت أن تكون المناسك في تلك البقعة المقفرة من النبات والزرع، والشديدة الحرارة حتى يميز الله عباده بعضهم من بعض، فلا يلبي نداء الحق إلا من أخلص نيته لربه.
ولا نخلو المقام من التذكير أن هذه الصعوبات لا تصد المسلم عن أداء هذه العبادة التي فرضها الله في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الأجر يكون على قدر المشقة، فكلما زادت المشقة والصعوبات كلما زاد الأجر والثواب.
عن أم المؤمنين قالت: قلت يا رسول الله يصدر الناس بنسكين وأصدر بنسك واحد قال " انتظري فإذا طهرت فاخرجي إلى التنعيم فأهلي منه ثم القينا عند كذا وكذا قال أظنه قال غدا ولكنها على قدر نصبك أو قال نفقتك ".
رواه البخاري (1695) ومسلم (1211) .
قال النووي:
قوله صلى الله عليه وسلم " ولكنها على قدر نصبك أو قال نفقتك " هذا ظاهر في أن الثواب والفضل في العبادة يكثر بكثرة النصب والنفقة والمراد النصب الذي لا يذمه الشرع وكذا النفقة.
" شرح مسلم " (8 / 152، 153) .
وعلق الحافظ ابن حجر على كلامه فقال:
وهو كما قال، لكن ليس ذلك بمطرد فقد يكون بعض العبادة أخف من بعض وهو أكثر فضلا وثوابا بالنسبة إلى الزمان كقيام ليلة القدر بالنسبة لقيام ليال من رمضان غيرها وبالنسبة للمكان كالصلاة ركعتين في المسجد الحرام بالنسبة لصلاة ركعات في غيره وبالنسبة إلى شرف العبادة المالية والبدنية كصلاة الفريضة بالنسبة إلى أكثر من عدد ركعاتها أو أطول من قراءتها ونحو ذلك من صلاة النافلة وكدرهم من الزكاة بالنسبة إلى أكثر منه من التطوع أشار إلى ذلك بن عبد السلام في القواعد قال وقد كانت الصلاة قرة عين النبي صلى الله عليه وسلم وهي شاقة على غيره وليست صلاة غيره مع مشقتها مساوية لصلاته مطلقا والله أعلم.
" فتح الباري " (3 / 611) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3859)
هل يجزئ غسل الإحرام عن غسل الجنابة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[شخص أجنب في أثناء سفره للحج، ولما وصل إلى الميقات نسي ما عليه من الجنابة، واغتسل للإحرام فقط، ثم طاف بالبيت، وأدى سائر المناسك وهو كذلك؟ فهل يصح حجه ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه المسألة سئل عنها الشيخ ابن عثيمين، رحمه الله، فقال:
(اغتساله للإحرام يجزئ عن اغتساله للجنابة؛ لأنه غسل مشروع، خصوصا مع النسيان، وقد نص الفقهاء على ذلك بقولهم: " وإن نوى غسلا مسنونا أجزأ عن واجب "، وقيده بعضهم بما إذا كان ناسيا. وحالة الرجل المذكور منطبقة على كلا القولين، بأن ذلك يجزئه.)
فتاوى ابن عثيمين 22/373.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3860)
أيهما أولا حج الفريضة أو قضاء دين الأب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يقدم حج الفريضة أم أداء دين أبيه المطالب به؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين حفظه الله، فأجاب بما يلي:
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد: يقدِّم حج الفريضة لأنه لا يلزمه أداء الدين عن أبيه، ولكن أباه إن كان خلّف تركةً وجب قضاء دينه منها وإن لم يخلف تركةً فأمره إلى الله عز وجل لكن ليبشر الولد بأن أباه إذا كان أخذ أموال الناس يريد أداءها فإن الله يؤدي عنه فيتحمل عنه ما يكون لدائنه فلا يقلق ولا يتعب ضميره، والخلاصة أنه يجب أن يؤدي فريضة الحج لأنه استطاع إليه سبيلا.. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(5/3861)
أخذ المال مقابل الحج عن الغير
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي رحمه الله متوفى، وأريد بإذن الله أن أوكل شخصاً يحج له حجة هذا العام، هل يصح لمن يقوم بالحج عنه أن يأخذ مالاً عن تعبه غير المال الذي يأخذه كأجر المواصلات وثمن الغذاء والأكل والشرب، أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز لمن وُكِّل أن يحج عن غيره أن يأخذ ما جُعل له من الأجر عن قيامه بذلك الحج، ولو كان أكثر مما أنفقه في المواصلات والطعام والشراب، ونحو ذلك مما يحتاجه لأداء الحج، ويشرع له أن يقصد بذلك المشاركة في الخير وأداء ما ييسر الله له من العبادات في الحرم الشريف، وألا يكون قصده المال فقط.
وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (11/60) .(5/3862)
صحة حديث الحج كل خمس سنوات ومعناه
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نفهم الحديث الموجود في صحيح الترغيب والترهيب للألباني وهو حديث قدسي، ويقول الله " من أعطاه الله الصحة ولم يزر بيت الله كل خمس سنوات فهو محروم "؟ . هل يقصد الحج أم العمرة أم كلاهما؟ ماذا نفهم من الحديث؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نص الحديث:
عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله: " إنَّ عبداً أصححتُ له جسمه ووسعتُ عليه في المعيشة تمضي عليه خمسة أعوام لا يفد إليَّ لمحروم ".
رواه أبو يعلى (2 / 304) والبيهقي (5 / 262) .
ثانياً:
الكلام عليه:
قد تكلم بعض أهل العلم على الحديث فذهب بعضهم - كابن العربي المالكي - إلى أنه موضوع، وضعفه آخرون كالدارقطني والعقيلي والسبكي، وقد ذهب ابن حبان والشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (1662) إلى أنه صحيح.
ثالثاً:
حمل بعض العلماء معنى الحديث على الحج أو العمرة، وعلى هذا بوَّب الهيثمي للحديث في كتابه " موارد الظمآن "، فقال: " باب فيمن مضت عليه خمسة أعوام وهو غني ولم يحج أو يعتمر ".
" موارد الظمآن " (ص 239) .
وحمله آخرون على الحج فقط كما بوب له المنذري في الترغيب والترهيب بقوله: (ترهيب من قدر على الحج فلم يحج) ا. هـ
وقد استدلَّ بعض العلماء بالحديث على وجوب الحج في كل خمس سنوات مرة على المستطيع، وهو قول ضعيف، إما لضعف الحديث وعدم صحته أو لأن الحديث محمول على الاستحباب لا الوجوب.
قال السبكي:
وقد اتفق العلماء على أن الحج فرض عين على كل مكلف حر مسلم مستطيع مرة في العمر إلا من شذ فقال: إنه يجب كل خمسة أعوام مرة , ومتعلقه ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " على كل مسلم في كل خمسة أعوام أن يأتي بيت الله الحرام " حكاه ابن العربي، وقال: قلنا: رواية هذا الحديث حرام فكيف إثبات حكم به، انتهى كلامه.
وقال الدارقطني: وقد روي من غير طريق، ولا يصح منها شيء.
" فتاوى السبكي " (1 / 263) .
وقال الحطاب:
(وقال بعض من شذ: إنه يجب في كل سنة وعن بعضهم أنه يجب في كل خمسة أعوام لما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال " على كل مسلم في كل خمسة أعوام أن يأتي بيت الله الحرام "، قال ابن العربي: رواية هذا الحديث حرام فكيف إثبات حكم به؟ , يعني أنه موضوع , وقال النووي: هذا خلاف الإجماع فقائله، محجوج بإجماع من قبله. ا. هـ
وعلى تسليم وروده فيحمل على الاستحباب والتأكد في مثل هذه المدة. أ. هـ
" مواهب الجليل " (2 / 466) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3863)
هل يجوز أن يحج عن شخص ويعتمر عن آخر في نفس العام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من سافر إلى الحج ونوى عمرته لأمه وحجه لأبيه، والعام الثاني يعكس يحج لأمه ويعتمر لأبيه، فهل يجوز أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" كل من الحج والعمرة نسك مستقل، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم كيفية أدائهما قِراناً وإفراداً وتمتعاً بالعمرة إلى الحج، فمن أراد الإحرام بالعمرة عن أمه مثلاً والإحرام بالحج بعد التحلل من العمرة عن أبيه أو العكس فله ذلك، وإذا أحرم بأحد النسكين عن نفسه، وبعد أن تحلل منه أحرم بالآخر عن أبيه مثلاً كان جائزاً؛ لأن الأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى " انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
"فتاوى اللجنة الدائمة" (11/58) .(5/3864)
هل الأفضل أن يكرر الحج عن نفسه أم يحج عن أقاربه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الأفضل للإنسان تكرار الحج لنفسه تطوعاً أو ينوي ذلك لأحد أقاربه المتوفين أو الأحياء العاجزين عن الحج بعض السنين؟ أي: سنة يحج لنفسه، والحجة التي تليها ينويها لأحدهم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" الأفضل أن يحج عن نفسه؛ لأنه الأصل، ويدعو لنفسه ولغيره من الأقارب وسائر المسلمين، إلا إذا كان أحد والديه أو كلاهما لم يحج الفريضة فله أن يحج عنهما بعد حجه عن نفسه، براً بهما، وإحساناً إليهما عند العجز أو الموت، على أن يحج أو يعتمر عن كل واحد على حدة، وليس له جمعهما بعمرة (واحدة) ولا حج (واحد) " انتهى.
فتاوى اللجنة الدائمة" (11/66) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: امرأة أرادت أن تحج عن والدتها وهي متوفاة ووالدتها قد حجت الفريضة، فما هو الأفضل: أن تحج أو تدعو لها؟
فأجاب:
" الأفضل أن تحج لنفسها، وأن تدعو لأمها، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما قال: (إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ) لم يقل: ولد صالح يحج عنه أو يصوم عنه أو يتصدق عنه أو يصلى عنه، فإذا سألنا سائل: أيهما أفضل أن أصلي وأجعل الثواب لأبي، أو أتصدق وأجعل الثواب لأبي، أو أن أدعو لأبي؟ قلنا: الأفضل أن تدعو لأبيك، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أعلم منا، وأنصح منا، وأفصح منا، ولم يقل: أو ولد صالح يعمل له، بل قال: ولد صالح يدعو له، هذا ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم " انتهى
"فتاوى ابن عثيمين" (21/251) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3865)
حج عن غيره فهل له فضائل الحج؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا حج الشخص عن غيره، فهل يناله ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: (من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه) ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" يتوقف الجواب على هذا السؤال: هل هذا الرجل حج عن نفسه أو عن غيره؟
الجواب:
أنه إنما حج عن غيره، ولم يحج لنفسه، فلا يدرك الأجر الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه إنما قام بالحج عن غيره، لكنه إن شاء الله إذا قصد نفع أخيه، وقضاء حاجته فإن الله تعالى يثيبه " انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
"فتاوى ابن عثيمين" (21/34) .(5/3866)
نذرت أن تحج ولم تحج الفريضة
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة نذرت إن رزقها الله بمولود أن تحج ورزقها الله به فهل عليها الحج للنذر؟ علماً بأنها لم تحج الفرض.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" يجب أن يعلم أن النذر منهي عنه، نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (إِنَّهُ لا يَأْتِي بِخَيْرٍ) . ولهذا ذهب بعض العلماء إلى أن النذر حرام. فلماذا تنذر؟ ولماذا تكلف نفسك؟ وهل الله عز وجل لا يمن عليك بالشفاء أو على قريبك بالشفاء إلا إذا اشترط له شرطاً؟ سبحان الله! لا تنذر، بل اسأل الله الشفاء والعافية، فإن كان الله أراد أن يشفي شفى سواء نذرت أم لم تنذر، فإذا فعلت ونذرت فإن كان نذر طاعة وجب عليك الوفاء به، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ) وبناء على هذا نقول لهذه المرأة المذكورة: يجب أن تحجي. لكن تبدأ بحج الفريضة، ثم تأتي بحج النذر وجوباً، فإن لم تفعل فقد عرضت نفسها لعقوبة عظيمة، ذكرها الله في قوله: (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) التوبة/75، 76.
عاهدوا الله إن الله أغناهم أن يتصدقوا، وأن يكونوا من الصالحين، أعطاهم الله ذلك، ولكنهم بخلوا بالمال، وأعرضوا عن الصلاح (فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ) إلى متى؟ (إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ) إلى الموت (بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُونَ) التوبة/77.
والخلاصة:
احذروا النذر، لا تنذروا فأنتم في عافية، ولا تلزموا أنفسكم ما لم يلزمكم الله به إلا بفعلكم، فمن كان عنده مريض فليقل: اللهم اشفه، ومن كان يريد الاختبار فليقل: اللهم نجحني، لأن بعض الطلبة إذا كانت الدروس صعبة وخاف من السقوط يقول: لله عليَّ نذر إن نجحت لأفعل كذا وكذا. من الطاعات، ثم إذا نجح أخذ يسأل ويجيء للعالم الفلاني يقول: خلصوني خلصوني، ولكن لا مفر لا بد من الوفاء بالنذر " انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
"فتاوى ابن عثيمين" (21/54) .(5/3867)
جاءته صدقه من أموال ربوية فهل يحج بها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لم أحج الفريضة، وقد أعطاني أحد الأشخاص مالاً لأحج به، وهو معروف بأنه يتعامل بالربا، فهل يجوز لي أن أحج بهذا المال؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" لا حرج على الإنسان إذا تصدق عليه أحد المرابين أن يحج بما تصدق به عليه، ولا حرج عليه أن يقبل ما أهدى إليه، لأن ذنب الربا على صاحبه. أما الذي أخذه بطريق شرعي: بطريق الهبة، بطريق الصدقة (فلا ذنب عليه) .
والدليل على هذا أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم قبل الهدية من اليهود، وأكل طعام اليهود، واشترى من اليهود، مع أن اليهود معروفون بالربا وأكل السحت.
نعم، لو فرضنا أن شخصاً سرق شاة من غَنَمِ رجلٍ، وجاء وأهداها إليه، فهنا تحرم، لأنك تعرف أن هذه الشاة ليس ملكاً له، أما إذا كان يتعامل الربا فإثمه على نفسه، ومن أخذ منه بطريق شرعي فهو مباح له، فنقول لهذه المرأة: لا حرج عليك أن تحجي بالمال الذي أعطاك إياه من كان معروفاً بالربا " انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. "فتاوى ابن عثيمين" (21/105) .(5/3868)
الحج عن الميت أفضل أم الصدقة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الأفضل أن أحج عن والدي المتوفيين، مع العلم أنهما قد حجا الفريضة؟ أو أصرف ذلك في بناء المساجد والجهاد في سبيل الله؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" أحسن ما يبر به الوالدان ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم وهو الدعاء لهما، والاستغفار لهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا صلة لك فيها إلا بهما، هذه هي التي نص عليها الرسول صلى الله عليه وسلم حين سأله السائل: فقال: يا رسول الله، هل عليَّ من بر أبوي شيء بعد موتهما؟ فأجابه بذلك، وأما الحج عنهما والأضحية عنهما والصدقة عنهما فهي جائزة لا شك، ولا نقول: إنها حرام، لكنها مفضولة، إذ إن الدعاء لهما أفضل من هذا، واجعل هذه الأعمال التي تريد أن تجعلها لوالديك اجعلها لنفسك، حج أنت لنفسك، تصدق لنفسك، ضح لنفسك وأهلك، ابذل في المساجد والجهاد في سبيل الله لنفسك، لأنك سوف تكون محتاجاً إلى العمل الصالح كما احتاج إليه الوالدان، والوالدان قد أرشدك النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما هو أنفع وأفضل، هل تظنون أن الرسول صلى الله عليه وسلم غاب عنه أن الأفضل أن تحج وتتصدق؟!
أبداً لا نعتقد أن الرسول غاب عنه ذلك، فلنعلم أن الرسول اختار هذه الأشياء الأربعة: الدعاء، والاستغفار، وإكرام الصديق، وصلة الرحم، لأنها هي البر حقيقة، ولهذا صح عنه أنه قال: (إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثَةٍ: إِلا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ) لم يقل: أو ولد صالح يتصدق عنه، أو يضحي عنه، أو يحج عنه، أو يصوم عنه، مع أن الحديث عن الأعمال، فعدل النبي عليه الصلاة والسلام عن جعل الأعمال للميت إلى الدعاء، ونحن نشهد الله، ونعلم علم اليقين أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لن يعدل إلى شيء مفضول ويدع الشيء الفاضل أبداً، لأنه صلوات الله وسلامه عليه أعلم الخلق، وأنصح الخلق، فلو كانت الصدقة أو الأضحية، أو الصلاة، أو الحج، لو كانت مشروعة لأرشد إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا أقول: إنه ينبغي لطلبة العلم في مثل هذه الأمورالتي يكون فيها العامة سائرين على الطريق المفضول ينبغي لطالب العلم أن يبين، وأن يوضح، وأن يقول: ائتوني بنص واحد يأمر فيه النبي صلى الله عليه وسلم أن يتطوع الإنسان لوالديه بصوم أو صدقة، أبداً لا يوجد، لكن قال: (مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ) فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن نصوم الفرض عن الميت، ولكن التطوع أبداً، قلّب في السنة كلها من أولها إلى آخرها هل تجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر أن يتصدق الإنسان عن والديه، أو يصوم تطوعاً عن والديه، أو يحج تطوعاً عن والديه، أو يبذل دراهم في المصالح العامة لوالديه؟ أبداً، لا يوجد، غاية ما هنالك أن الرسول صلى الله عليه وسلم أقر هذا الشيء، وإقرار الشيء لا يعني أنه مشروع، فقد أقر سعد بن عبادة حين استأذن منه أن يجعل مخرافه يعني بستانه صدقة لأمه، قال: (نعم) ، وكذلك أقر عليه الصلاة والسلام الرجل الذي قال: إن أمي افتلتت نفسها وأظنها لو تكلمت لتصدقت، أفأتصدق عنها؟ قال: "نعم"، لكن هل أمر أمته أن يتطوعوا لله ويجعلوها للأموات؟ هذا لا يوجد، ومن عثر على شيء من ذلك فليتحفنا به، إلا بالشيء الواجب، فالواجب لابد منه " انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
"فتاوى ابن عثيمين" (21/267) .(5/3869)
معنى الحديث: (من حج فلم يرفث. .)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى قوله عليه الصلاة والسلام: (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه) ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث رواه البخاري (1521) ومسلم (1350) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ) .
وفي رواية للترمذي (811) : (غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبه) . صححه الألباني في صحيح الترمذي.
وهذا الحديث كقوله تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) البقرة/197.
وَالرَّفَث: اِسْم لِلْفُحْشِ مِنْ الْقَوْل , وَقِيلَ: هُوَ الْجِمَاع.
قال الحافظ:
" وَاَلَّذِي يَظْهَر أَنَّ الْمُرَاد بِهِ فِي الْحَدِيث مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ , وَإِلَيْهِ نَحَا الْقُرْطُبِيّ , وَهُوَ الْمُرَاد بِقَوْلِهِ فِي الصِّيَام (فَإِذَا كَانَ صَوْم أَحَدكُمْ فَلا يَرْفُث) " انتهى.
أي أن الرفث في الحديث يشمل الفحش في القول والجماع معاً.
(وَلَمْ يَفْسُقْ) أَيْ لَمْ يَأْتِ بِسَيِّئَةٍ وَلا مَعْصِيَةٍ.
وَمَعْنَى (كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمّه) : أَيْ بِغَيْرِ ذَنْب.
وَظَاهِره غُفْرَان الصَّغَائِر وَالْكَبَائِر. قاله الحافظ.
" وإليه ذهب القرطبي والقاضي عياض، وقال الترمذي: هو مخصوص بالمعاصي المتعلقة بحق الله لا العباد " قاله المناوي في "فيض القدير".
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: معنى قوله عليه الصلاة والسلام: (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه) : أن الإنسان إذا حج واجتنب ما حرم الله عليه من الرفث وهو إتيان النساء، والفسوق وهو مخالفة الطاعة، فلا يترك ما أوجب الله عليه، ولا يفعل أيضاً ما حرم الله عليه، فإن خالف فهذا هو الفسوق. فإذا حج الإنسان ولم يفسق ولم يرفث فإنه يخرج من ذلك نقياً من الذنوب، كما أن الإنسان إذا خرج من بطن أمه فإنه لا ذنب عليه، فكذلك هذا الرجل إذا حج بهذا الشرط فإنه يكون نقياً من ذنوبه".
"فتاوى ابن عثيمين" (21/20) .
وقال أيضاً (21/40) : "ظاهر الحديث أن الحج يكفر الكبائر، وليس لنا أن نعدو الظاهر إلا بدليل، وقال بعض العلماء: إذا كانت الصلوات الخمس لا تُكَفِّر إلا إذا اجْتُنِبَت الكبائر وهي أعظم من الحج وأحب إلى الله، فالحج من باب أولى، لكن نقول: هذا ظاهر الحديث، ولله تعالى في حكمه شئون، والثواب ليس فيه قياس " انتهى بتصرف يسير.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3870)
كيف يكون حجك مقبولاً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الأمور التي ينبغي أن يعملها المسلم ليكون حجه مقبولاً إن شاء الله؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" الأمور التي ينبغي أن يعملها ليكون حجه مقبولاً: أن ينوي بالحج وجه الله عز وجل وهذا هو الإخلاص. وأن يكون متبعاً في حجه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا هو المتابعة، وكل عمل صالح فإنه لا يقبل إلا بهذين الشرطين الأساسيين: الإخلاص، والمتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم. لقول الله تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) البينة/5. ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى) ولقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ عَمِلَ عَمَلا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) .
فهذا أهم ما يجب على الحاج أن يعتمد عليه: الإخلاص، والمتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم. وكان النبي عليه الصلاة والسلام يقول في حجته: (لِتَأْخُذُوا عني مَنَاسِكَكُمْ) .
ومنها: أن يكون الحج بمال حلال، فإن الحج بمال حرام محرم، لا يجوز، بل قد قال بعض أهل العلم: إن الحج لا يصح في هذه الحالة، ويقول بعضهم:
إذا حججت بمال أصله سحت فما حججت ولكن حجت العير
يعني حجت الإبل.
ومنها: أن يتجنب ما نهى الله عنه، لقوله تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) البقرة/197.
فيتجنب ما حرم الله عليه تحريماً عاماً في الحج وغيره من الفسوق والعصيان، والأقوال المحرمة، والأفعال المحرمة، والاستماع إلى آلات اللهو ونحو ذلك، ويجتنب ما حرم الله عليه تحريماً خاصاً في الحج: كالرفث وهو إتيان النساء، وحلق الرأس، واجتناب ما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لبسه في الإحرام. وبعبارة أعم: يجتنب جميع محظورات الإحرام.
وينبغي أيضاً للحاج أن يكون ليناً سهلاً كريماً في ماله وعمله، وأن يحسن إلى إخوانه بقدر ما يستطيع، ويجب عليه أن يجتنب إيذاء المسلمين، سواء كان ذلك في المشاعر، أو في الأسواق، فيجتنب الإيذاء عند الازدحام في المطاف، وعند الازدحام في المسعى، وعند الازدحام في الجمرات، وغير ذلك. فهذه الأمور التي ينبغي على الحاج، أو يجب للحاج أن يقوم بها، ومن أقرب ما يحقق ذلك: أن يصحب الإنسان رجلاً من أهل العلم حتى يذكره بدينه، وإذا لم يتيسر ذلك فليقرأ من كتب أهل العلم ما كان موثوقاً قبل أن يذهب إلى الحج، حتى يعبد الله على بصيرة " انتهى.
فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله "فتاوى ابن عثيمين" (21/20) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3871)
سافر إلى الحج ولكنه مات قبل الحج فهل يعتبر حاجاً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل نوى الحج وعندما ذهب وافته المنية، وقد كان باع ما عنده من أجل الحج، فما حكم هذا؟ وهل يعتبر حاجاً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا عزم الرجل على الحج ثم مات فلا يخلو إما أن يموت قبل الإحرام أو بعده.
فإن مات قبل الإحرام فإن الله تعالى يثيبه على نيته، ولكن يجب أن يحج عنه حجة الإسلام.
وإن كان مات بعد الإحرام فإن له ثواب الحج، بل يبعث يوم القيامة ملبياً، وعلى هذا فلا يحج عنه.
سئل الشيخ ابن عثيمين عمن جمع مالاً للحج ثم مات قبل أن يحج، فأجاب:
" هذا الرجل الذي عزم على الحج فباع ما عنده ليحج به فوافته المنية قبل أن يقوم بالحج، نرجو الله عز وجل أن يكتب له أجر الحجاج، لأنه نوى العمل الصالح، وفعل ما قدر عليه من أسبابه، ومن نوى العمل وفعل ما قدر عليه من أسبابه فإنه يكتب له، قال الله تبارك وتعالى: (وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) النساء/100.
وإذا كان هذا الرجل الذي باع ماله ليحج، لأن الحج فريضة الإسلام فإنه يحج عنه بعد موته بهذه الدراهم التي هيأها، إما أن يحج عنه أحد من أوليائه أو أحد من غيرهم، ففي حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت فأحج عنها؟ قال: (نعم) وكان ذلك في حجة الوداع " انتهى.
"فتاوى ابن عثيمين" (21/232) .
وسئل أيضاً: رجل جاء من بلده للحج ثم تحطمت الطائرة قبل أن يصل هل يعتبر حاجاً؟
فأجاب:
" إذا هلك من سافر للحج قبل أن يخرج فليس بحاج، لكن الله عز وجل يثيبه على عمله، أما إذا أحرم وهلك فهو حاج، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي وقصته ناقته وهو واقف بعرفة فقال: (اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تحنطوه، ولا تخمروا رأسه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً) . ولم يأمرهم بقضاء حجه، وهذا يدل على أنه يكون حاجاً " انتهى.
"فتاوى ابن عثيمين" (21/252) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3872)
هل يحج عن أمه أو عن أبيه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قد حججت والحمد لله، ولكن والدي ماتا ولم يحجا، وأنا أريد أن أحج عنهما، فهل أبدأ بأمي؟ وإن حججت عن أحدهما فأنا أريد أن أقترض للآخر وأوكل من يحج عنه.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
حق الأم في البر أعظم من حق الأب.
روى البخاري (5971) ومسلم (2548) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: أُمُّكَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أَبُوكَ.
" قَالَ اِبْن بَطَّال: مُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُون لِلأُمِّ ثَلاثَة أَمْثَال مَا لِلأَبِ مِنْ الْبِرّ , قَالَ: وَكَانَ ذَلِكَ لِصُعُوبَةِ الْحَمْل ثُمَّ الْوَضْع ثُمَّ الرَّضَاع , فَهَذِهِ تَنْفَرِد بِهَا الأُمّ وَتَشْقَى بِهَا , ثُمَّ تُشَارِك الأَب فِي التَّرْبِيَة. وَقَدْ وَقَعَتْ الإِشَارَة إِلَى ذَلِكَ فِي قَوْله تَعَالَى: (وَوَصَّيْنَا الإِنْسَان بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمّه وَهْنًا عَلَى وَهْن وَفِصَاله فِي عَامَيْنِ) فَسَوَّى بَيْنهمَا فِي الْوِصَايَة , وَخَصَّ الأُمّ بِالأُمُورِ الثَّلاثَة.
قَالَ الْقُرْطُبِيّ: الْمُرَاد أَنَّ الأُمّ تَسْتَحِقّ عَلَى الْوَلَد الْحَظّ الأَوْفَر مِنْ الْبِرّ , وَتُقَدَّمَ فِي ذَلِكَ عَلَى حَقّ الأَب عِنْد الْمُزَاحَمَة.
وَقَالَ عِيَاض: وَذَهَبَ الْجُمْهُور إِلَى أَنَّ الأُمّ تَفْضُل فِي الْبِرّ عَلَى الأَب , وَقِيلَ: يَكُون بِرّهمَا سَوَاء , وَالصَّوَاب الأَوَّل " انتهى من "فتح الباري".
وقال النووي في "شرح مسلم":
" الصَّحَابَة هُنَا بِمَعْنَى الصُّحْبَة. قَالَ الْعُلَمَاء: وَسَبَب تَقْدِيم الأُمّ كَثْرَة تَعَبهَا عَلَيْهِ , وَشَفَقَتهَا , وَخِدْمَتهَا , وَمُعَانَاة الْمَشَاقّ فِي حَمْله , ثُمَّ وَضْعه , ثُمَّ إِرْضَاعه , ثُمَّ تَرْبِيَته وَخِدْمَته وَتَمْرِيضه , وَغَيْر ذَلِكَ " انتهى.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن مثل هذا السؤال، فأجاب:
" حج عن أمك أولاً، لأن الأم أحق بالبر عن الأب، وهذا في الفريضة، أما لو كان حج الأم نفلاً والأب فريضة فتبدأ بالفريضة للأب، لكن لا تقترض لتنيب من يحج عن أبيك، فإذا كان العام القادر وأنت قادر فحج عن أبيك، وكونك الذي تؤدي الحج خير من كونك تنيب غيرك، لأن إخلاصك لأبيك أكبر من إخلاص غيرك لأبيك، لهذا نقول: لا يجوز لك أن تقترض من أجل أن تنيب من يحج عن أبيك، بل حج عن أمك هذا العام ما دمت قادراً، وفي العام القادم إن كنت قادراً فحج عن أبيك " انتهى.
"فتاوى ابن عثيمين" (21/ 134) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3873)
مكانة الحج في الإسلام وشروط وجوبه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي مكانة الحج في الإسلام؟ وعلى من يجب؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" الحج إلى بيت الله الحرام أحد أركان الإسلام، ومبانيه العظام، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (بُنِيَ الإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ وَحَجِّ ْبَيْتِ الله الحرام) وهو فرض بكتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإجماع المسلمين. قال الله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) آل عمران/97.
وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَرَضَ عَلَيْكُمْ الْحَجَّ فَحُجُّوا) ، وأجمع المسلمون على ذلك، وهو من المعلوم من الدين بالضرورة، فمن جحد وجوبه وهو ممن عاش بين المسلمين فإنه يكون كافراً، وأما من تركه تهاوناً فإنه على خطر عظيم؛ لأن من العلماء من قال: إنه يكفر. وهذا القول رواية عن الإمام أحمد رحمه الله، ولكن القول الراجح: أنه لا يكفر بترك الأعمال إلا الصلاة فقط، قال عبد الله بن شقيق رحمه الله - وهو من التابعين -: (ما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة) فمن تهاون بالحج حتى مات فإنه لا يكفر على القول الراجح، ولكنه على خطر.
فعلى المسلم أن يتقي الله، وأن يبادر بأداء الحج إذا تمت شروط الوجوب في حقه، لأن جميع الواجبات تجب المبادرة بها إلا بدليل، فكيف تطيب نفس المسلم أن يترك الحج إلى بيت الله الحرام مع قدرته عليه، وسهولة الوصول إليه؟! وكيف يؤخره وهو لا يدري لعله لا يستطيع الوصول إليه بعد عامه؟! فقد يكون عاجزاً بعد القدرة، وقد يكون فقيراً بعد الغنى، وقد يموت وقد وجب عليه الحج، ثم يفرط الورثة في قضائه عنه.
أما شروط الوجوب فخمسة:
الشرط الأول: الإسلام، وضده الكفر، فالكافر لا يجب عليه الحج، بل لو حج الكافر لم يقبل منه.
الشرط الثاني: البلوغ، فمن لم يبلغ فلا حج عليه، ولو حج صح حجه تطوعاً وله أجره، فإذا بلغ أدى الفريضة، لأن حجة قبل البلوغ لا يسقط به الفرض.
الشرط الثالث: العقل، وضده الجنون، فالمجنون لا يجب عليه الحج، ولا يحج عنه.
الشرط الرابع: الحرية، فالرقيق المملوك لا يجب عليه الحج، ولو حج صح حجه تطوعاً، وإذا عتق وجب عليه أن يؤدي الفريضة، لأن حجة قبل أن يتحرر لا يجزئ عن الفرض.
وقال بعض العلماء: إذا حج الرقيق بإذن سيده أجزأه عن الفريضة، وهذا القول هو الراجح.
الشرط الخامس: الاستطاعة بالمال والبدن، ومن الاستطاعة أن يكون للمرأة محرم، فإن لم يكن لها محرم فلا حج عليها " انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. "فتاوى ابن عثيمين" (21/9-11) .(5/3874)
قول بعض الناس: من حج فليترك المجال لغيره!
[السُّؤَالُ]
ـ[تتوق النفس للحج ولكن نسمع كلمات من الناس لا ندري أهي صحيحة أم لا؟
يقولون: من حج فليترك المجال لغيره، فهل هذا القول صحيح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" هذا القول ليس بصحيح، أعني القول بأن من حج فرضه ليترك المجال لغيره، لأن النصوص دالة على فضيلة الحج، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) .
والإنسان العاقل يمكن أن يذهب إلى الحج ولا يؤذي ولا يتأذى إذا كان يعامل الناس بالرفق، فإذا وجد مجالاً فسيحاً فعل ما يقدر عليه من الطاعة، وإذا كان المكان ضيقاً عامل نفسه وغيره بما يقتضيه هذا الضيق، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم حين دفع من عرفة يأمر الناس بالسكينة، وشنق لناقته الزمام يعنى جذبه حتى لا تسرع، لكنه إذا وجد فجوة نَصَّ. قال العلماء: يعني إذا وجد متسعاً أسرع، فدل هذا على أن الحاج ينبغي له أن يتعامل مع الحالة التي هو عليها، فإذا وجد الضيق فليتأن في مشيه، وليرفق بالناس، وبهذا لا يتأذى ولا يؤذي، فهذا الذي نراه في هذه المسألة، يحج ويستعين الله تعالى على الحج، ويقوم بما يلزمه من واجبات، ويحرص على أن لا يؤذي أحداً، ولا يتأذى بقدر المستطاع. ولو فرض أن هناك مصلحة أنفع من الحج مثل أن يكون بعض المسلمين محتاجاً إلى الدراهم للجهاد في سبيل الله، فالجهاد في سبيل الله أفضل من الحج النافلة، وحينئذ يصرف هذه الدراهم إلى المجاهدين، أو كان هناك مسغبة يعني جوعاً شديداً على المسلمين، فهنا صرف الدراهم في إزالة المسغبة أفضل من الحج بها " انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
"فتاوى ابن عثيمين" (21/28، 29) .(5/3875)
هل يستخير قبل الحج؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تستحب الاستخارة لمن أراد أن يسافر للحج؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" الحديث الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الاستخارة شامل عام في كل أمر يهم به الإنسان، ولا يدري الخيرة في فعله أم في تركه، فيستخير الله تعالى، ولكنه لا يتناول الأمور المفروضة على المرء، لأن فعل الأمور المطلوبة على المرء خير بلا تردد، وعلى هذا فإذا وجب الحج على الإنسان وتمت شروط الوجوب فإن عليه أن يحج بدون استخارة، كما أنه إذا أذن لصلاة الظهر مثلاً، فإنه يجب عليه أن يصلي بدون استخارة، وكذلك إذا وجب عليه الجهاد فصار فرض عين عليه، فإنه يجب عليه أن يجاهد بدون استخارة، ولكن إذا كان الشيء مشروعاً وليس بواجب عليه فإنه يمكن أن تدخل فيه الاستخارة، بمعني أن المشروعات بعضها أفضل من بعض، فقد يريد الإنسان أن يعتمر عمرة تطوع، أو يحج حج تطوع، ولكن لا يدري: الحج أفضل أم بقاؤه في بلده للدعوة إلى الله والإرشاد وتوجيه المسلمين، والقيام بمصالح أهل بيته أفضل؟ فيستخير الله سبحانه وتعالى، لا لأنه قد شك في فضل العمرة، ولكن لأنه قد شك هل الذهاب للعمرة أفضل أم البقاء في بلده أفضل؟ وهذا أمر وارد، ويمكن فيه الاستخارة، فمن تأمل حديث الاستخارة، وهدي النبي صلى الله عليه وسلم علم أنها لا تشرع إلا في الأمر الذي يتردد فيه الإنسان: أما الأمر الذي ليس فيه تردد فإنه لا استخارة فيه، وكما أسلفت: أن الأمور الواجبة لا تحتمل التردد والشك في فعلها، لوجوب القيام بها على من توفرت فيه شروط الوجوب " انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
"فتاوى ابن عثيمين" (21/26، 27) .(5/3876)
حكم الاستنابة في الحج والعمرة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الاستنابة في الحج أو العمرة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" توكيل الإنسان من يحج عنه لا يخلو من حالين:
الحال الأولى: أن يكون ذلك في فريضة.
والحال الثانية: أن يكون ذلك في نافلة، فإن كان ذلك في فريضة فإنه لا يجوز أن يوكل غيره ليحج عنه ويعتمر، إلا إذا كان في حال لا يتمكن بنفسه من الوصول إلى البيت لمرض مستمر لا يرجى زواله، أو لكبر ونحو ذلك، فإن كان يرجى زوال هذا المرض فإنه ينتظر حتى يعافيه الله ويؤدى الحج بنفسه، وإن لم يكن لديه مانع من الحج بل كان قادراً على أن يحج بنفسه فإنه لا يحل له أن يوكل غيره في آداء النسك عنه، لأنه هو المطالب به شخصياً. قال الله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) آل عمران/97. فالعبادات يقصد بها أن يقوم الإنسان بنفسه فيها، ليتم له التعبد والتذلل لله سبحانه وتعالى، ومن المعلوم أن من وكل غيره فإنه لا يحصل على هذا المعنى العظيم الذي من أجله شرعت العبادات.
وأما إذا كان الموكل قد أدى الفريضة وأراد أن يوكل عنه من يحج أو يعتمر فإن في ذلك خلافاً بين أهل العلم: فمنهم من أجازه، ومنهم من منعه، والأقرب عندي: المنع، وأنه لا يجوز لأحد أن يوكل أحداً يحج عنه، أو يعتمر إذا كان ذلك نافلة، لأن الأصل في العبادات أن يقوم بها الإنسان بنفسه، وكما أنه لا يوكل أحداً يصوم عنه، مع أنه لو مات وعليه صيام فرض صام عن وليه، فكذلك في الحج، والحج عبادة يقوم فيها الإنسان ببدنه، وليست عبادة مالية يقصد بها نفع الغير، وإذا كان عبادة بدنية يقوم الإنسان فيها ببدنه فإنها لا تصح من غيره عنه، إلا فيما وردت به السنة، ولم ترد السنة في حج الإنسان عن غيره حج نفل، وهذه إحدى الروايتين عن الإمام أحمد رحمه الله - أعني أن الإنسان لا يصح أن يوكل غيره في نفل حج أو عمرة سواءً كان قادراً أو غير قادر.
ونحن إذا قلنا بهذا القول صار في ذلك حث للأغنياء القادرين على الحج بأنفسهم، لأن بعض الناس تمضي عليه السنوات الكثيرة ما ذهب إلى مكة، اعتماداً على أنه يوكل من يحج عنه كل عام، فيفوته المعنى الذي من أجله شرع الحج، بناء على أنه يوكل من يحج عنه " انتهى.
"فتاوى ابن عثيمين" (21/136) .
وقد اختار علماء اللجنة الدائمة جواز الاعتمار والحج عن الحي العاجز عن فعلهما ولو كان ذلك نافلة.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/81) :
إذا اعتمرت عن نفسك جاز لك أن تعتمر عن أمك وأبيك إذا كانا عاجزين، لكبر أو مرض لا يرجى برؤه " انتهى.
وهو ما اختاره أيضاً الشيخ ابن باز رحمه الله، فإنه سئل: أريد أن أحج عن والدتي، فهل لا بد أن أستأذنها، علماً بأنها سبق أن أدت حجة الفريضة؟
فأجاب:
" إذا كانت والدتك عاجزة عن الحج لكبر سنها أو مرض لا يرجى برؤه فلا بأس أن تحج عنها ولو بغير إذنها، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استأذنه رجل قائلاً: يا رسول الله، إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج والعمرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حج عن أبيك واعتمر) واستأذته امرأة قائلة: يا رسول الله إن أبي شيخ كبير ولا يستطيع الحج ولا الظعن أفأحج عنه؟ فقال صلى الله عليه وسلم: حجي عن أبيك. وهكذا الميت يحج عنه لأحاديث صحيحة وردت في ذلك، ولهذين الحديثين " انتهى.
"فتاوى ابن باز" (16/414) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3877)
هل يحج عن جدته ولو لم يرض أبوه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل طاعة الوالدين تجب في كل شيء، إذا أمراني بترك النافلة كصيام تطوع أو صلاة النافلة فهل طاعتهم واجبة؟ فقد عزمت على أن أحج عن جدتي لأمي فرفض والدي وقال: أولادها أحق بها فهل تلزمني طاعته في هذا الأمر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" طاعة الوالدين تجب في كل ما فيه منفعة لهما ولا ضرر عليك به، فأما إذا أمراك بترك النوافل نظرنا؛ إذا كانا يحتاجان إلى عمل لا تقوم به إذا كنت منشغلاً بهذه النافلة فأطعهما، مثل أن يقول لك أبوك: يا فلان، انتظر الضيوف، ولا تصل النافلة، فهنا يجب عليك أن تطيعه لأن هذا لغرضٍ له، وأما إذا قال: لا تصل الضحى، لأنه يكره مثل هذه الأمور، يكره النوافل لأنه ليس عنده إيمان قوي، فلا تطعه، ولكن دارِهِ ما استطعت، بمعنى أن تخفي عنه ما تفعله من الخير.
فنقول للسائل: حج عنها، وإذا قال لك أبوك: لا تحج. فقل: لا بأس، وحج، وليس في هذا كذب إذا كنت تستطيع التأويل، والتأويل معناه: أن تقول له: لا أحج، يعني العام القادم، لأن هذا الأب يأمر بقطيعة الرحم، أو هو جاهل، فقل: نعم، لا أحج عنها إرضاء لك، وتنوي لا أحج عنها في العام القادم. لأنك سوف تحج هذا العام، ومثل ذلك بعض الأمهات إذا رأت العلاقة بين ابنها وزوجته طيبة، قالت: يا ولدي إما أنا وإما هي، ليطلقها، كذلك الأب ربما يكون معه سوء تفاهم من الزوجة يقول طلقها. فلا يطلقها. وسأل رجل الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله فقال: إن أبي أمرني أن أطلق امرأتي وأنا أحبها. قال: لا تطلقها. فقال السائل: إن ابن عمر لما أمره أبوه عمر رضي الله عنه أن يطلق زوجته وسأل النبي صلى الله عليه وسلم قال: طلق زوجتك، فأمر عبد الله بن عمر أن يطيع والده في تطليق زوجته، فقال له الإمام أحمد قولاً سديداً: وهل أبوك عمر؟! وهذه الكلمة لها معنى، لأن عمر رضي الله عنه لم يأمر ابنه أن يطلق زوجته إلا أنه رأى سبباً شرعياً يقتضي ذلك، لكن أباك لعله لحاجة شخصية بينه وبين المرأة " انتهى بتصرف يسير.
[الْمَصْدَرُ]
"فتاوى ابن عثيمين" (21/265) .(5/3878)
حكم الطواف أثناء خطبة الجمعة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن أطوف طواف الوداع بالحرم والإمام يخطب خطبة الجمعة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اختلف العلماء في حكم الطواف أثناء خطبة الجمعة، سواء كان الطواف واجبا كطواف الإفاضة والوادع وطواف العمرة، أم كان مستحباً.
فذهب المالكية إلى منعه، قياساً على الصلاة، فإن المأموم منهي عن الصلاة أثناء خطبة الجمعة إلا تحية المسجد، وذلك لما فيها من الإعراض عن الخطيب والانشغال عن الخطبة، والطواف كالصلاة في هذا.
انظر "مواهب الجليل" (3/78) .
وذهب الشافعية إلى جواز الطواف أثناء خطبة الجمعة، ومنعوا قياسه على الصلاة، لأن الطواف لا ينافي الاستماع للخطبة، بخلاف الصلاة فالانشغال بها أقوى.
وانظر: "الغرر البهية" (2/ 29) ، " الفتاوى الفقهية الكبرى " (1/ 239) .
واختار الشيخ ابن جبرين المنع من الطواف أثناء خطبة الجمعة، فقد سئل: ما حكم الطواف تطوعاً للمقيم والمسافر والخطيب يخطب يوم الجمعة؟
فأجاب: " إذا ابتدأ الخطيب يخطب وجب على المصلين الإنصات للخطبة والبقاء في أماكنهم ولم يجز الاشتغال بغير ذلك إلا لمن دخل والخطيب يخطب، فإنه يصلي ركعتين يخففهما، سواء كان من أهل مكة أو من غيرهم، فالأدلة عامة في النهي عن الحركة والكلام حال خطبة الخطيب، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا قلت لصاحبك أنصت والإمام يخطب فقد لغوت) . هكذا حذر من هذه الكلمة مع أنها للصلاة، فعلى هذا نرى أنه لا يجوز الطواف على كل حال ما دام الإمام يخطب خطبة الجمعة، وقد كان الأئمة قديماً يمنعون من الطواف حال الخطبة، ولكن تساهل المتأخرون وادعوا أنهم عاجزون عن حجز أولئك الذين يطوفون، والذين يتعللون بأنهم مسافرون يودّعون البيت بهذا الطواف، أو يرون فضل الطواف على الإنصات لسماع الخطبة، ولكن هذا غير صحيح، فنرى لزوم منعهم حتى يفرغ من الصلاة، وأما خطبة العيد فلا بأس بالطواف حال خطبته وذلك لأنها سنة، ولا يلزم البقاء للمصلين إلى انتهائها " انتهى نقلا عن مجلة الحرس الوطني، عدد 272 بتاريخ 1/1/2005.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3879)
الحج على نفقة الغير
[السُّؤَالُ]
ـ[حججت مع ابني وأنفق هو كل تكاليف الحج، وكنت أريد أن أحج على نفقتي الخاصة. فهل يؤثر ذلك على صحة الحج؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا بأس أن يحج الإنسان على نفقة غيره، سواء كان ذلك الغير ابنه أو أخاه أو صديقه. . الخ، ولا يؤثر ذلك على صحة الحج، وليس من شروط صحة الحج أن ينفق الإنسان على الحج من ماله.
سئلت اللجنة الدائمة عن امرأة تكلف مضيفها بنفقة الحج كاملة هل يصح حجها؟
فأجابت:
أداؤها الفريضة لا يؤثر على صحته أنها لم تنفق عليه شيئاً من مالها، أو أنها أنفقت الشيء القليل وقام غيرها بإنفاق الشيء الكثير من تكاليف حجها، وعليه فإذا كان حجها مستكملاً الشروط والأركان والواجبات فهو مسقط عنها فريضة الحج وإن قام غيرها بتكاليفه اهـ. فتاوى اللجنة الدائمة (11/34) .
وسئلت اللجنة الدائمة (11/36) عن حكم الحج من نفقات الحاكم. فأجابت:
يجوز لهم ذلك، وحجهم صحيح، لعموم الأدلة اهـ
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة أيضاً (11/37) :
إذا حج الولد فرضه من مال أبيه فحجه صحيح اهـ.
وقالت اللجنة الدائمة أيضاً (11/40) عمن فاز في مسابقة دينية وكانت جازتها الحج:
يجزئ حجك، ويعتبر أداء الفريضة عن نفسك اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3880)
هل يكثر من الطواف أم الصلاة في المسجد الحرام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الأفضل لمن كان بمكة أن يكثر من الصلاة في المسجد الحرام أم يكثر من الطواف؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الصلاة في المسجد الحرام والطواف بالكعبة كلاهما له فضل عظيم، روى أحمد (14284) وابن ماجه (1406) عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (صَلاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلاةٍ فِيمَا سِوَاهُ) . قال الحافظ: رجال إسناده ثقات اهـ وصححه الألباني في إرواء الغليل (1129) .
وروى الترمذي (959) عَنْ عبد الله بْن عُمَرَ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ أُسْبُوعًا (أي سبعة أشواط) فَأَحْصَاهُ كَانَ كَعِتْقِ رَقَبَةٍ، لا يَضَعُ قَدَمًا وَلا يَرْفَعُ أُخْرَى إِلا حَطَّ اللَّهُ عَنْهُ خَطِيئَةً وَكَتَبَ لَهُ بِهَا حَسَنَةً) . صححه الألباني في صحيح الترمذي.
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: هل الأحسن للمقيم بمكة الطواف بالبيت أم الصلاة؟
فأجاب:
. . أما تفضيل الصلاة على الطواف أو الطواف على الصلاة فهذا محل نظر (أي فيه تفصيل) ، فقد ذكر جمع من أهل العلم أن الغريب الأفضل له أن يكثر من الطواف، لأن الصلاة يمكنه الإتيان بها في كل مكان، ولا تختص بالمسجد الحرام، أما الطواف فلا يحصل له الطواف إلا بمكة، وهو ليس مقيماً في مكة بل سوف يخرج ويبتعد عنها فاغتنامه الطواف أولى.
أما المقيم بمكة فالصلاة له أفضل لأن جنس الصلاة أفضل من جنس الطواف، فإذا أكثر من الصلاة كان أفضل اهـ بتصرف.
مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (16/367) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3881)
فضل يوم النحر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك مزايا خاصة لليوم العاشر من ذي الحجة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كان لهم يومان يلعبون فيهما، فقال: " إن الله قد أبدلكم يومين خيراً منهما، يوم الفطر، والأضحى " رواه أبو داود (1134) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2021) .
فأبدل الله هذه الأمة بيومي اللعب واللهو يومي الذِّكر والشكر والمغفرة والعفو.
ففي الدنيا للمؤمنين ثلاثة أعياد:
عيدٌ يتكرر كلَّ أسبوع، وعيدان يأتيان في كل عام مرَّةً مرَّة، من غير تكرر في السنة.
فأما العيد المتكرر كل أسبوع فهو يوم الجمعة.
وأما العيدان اللذان لا يتكرران في العام، وإنما يأتي كلُّ واحدٍ منهما في العام مرةً واحدة.
فأحدهما: عيد الفطر من صوم رمضان، وهو مرتب على إكمال صيام رمضان، وهو الركن الثالث من أركان الإسلام ومبانيه، فإذا استكمل المسلمون صيام شهرهم المفروض عليهم، شرع الله لهم عقيب إكمالهم لصيامهم عيداً يجتمعون فيه على شكر الله وذكره وتكبيره على ما هداهم له. وشرع لهم في ذلك العيد الصَّلاة والصَّدقة.
والعيد الثاني: عيد النحر وهو اليوم العاشر من شهر ذي الحجة، وهو أكبر العيدين وأفضلهما، وهو مترتب على إكمال الحجِّ، فإذا أكمل المسلمون حجَّهم غُفر لهم.
وإنما يكمُلُ الحجُّ بيوم عرفة والوقوف بعرفة؛ فإنه ركن الحجِّ الأعظم، كما قال صلى الله عليه وسلم: " الحج عرفة " رواه الترمذي (889) وصححه الألباني في إرواء الغليل (1064) .
ويوم عرفة هو يوم العتق من النار، فيُعتق الله فيه من النار من وقف بعرفة ومن لم يقف بها من أهل الأمصار من المسلمين، فلذلك صار اليوم الذي يليه عيداً لجميع المسلمين في جميع أمصارهم، من شهد الموسم منهم ومن لم يشهده.
وشُرع للجميع التقرُّب إليه بالنُّسُك، وهو إراقة دماء القرابين.
وتتلخص فضائل هذا اليوم بما يلي:
1- أنه خير الأيام عند الله:
قال ابن القيم – رحمه الله – في زاد المعاد (1/54) : " خير الأيام عند الله يوم النحر، وهو يوم الحج الأكبر كما في سنن أبي داود (1765) عن النبي صلى الله عليه وسلم: " إن أعظم الأيام عند الله يوم النحر " وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
2- أنه يوم الحج الأكبر..
فعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ وَقَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ بَيْنَ الْجَمَرَاتِ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي حَجَّ وَقَالَ هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الأَكْبَرِ " رواه البخاري 1742
وذلك لأن معظم أعمال الحج تكون في هذا اليوم، ففيه يفعل الحجاج ما يلي:
1- رمي جمرة العقبة.
2- النحر.
3- الحلق أو التقصير.
4- الطواف.
5- السعي.
3- أنه يوم عيد المسلمين:
قال صلى الله عليه وسلم: " يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب " رواه الترمذي (773) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3882)
يخرج من منى نهارا ويعود إليها ليلاً أيام التشريق
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا من أهل الرياض، وأريد الحج مع بعض الزملاء لي في جدة , وخلال أيام التشريق في منى أريد الذهاب إلى جدة للراحة والرجوع لمنى بالليل لأقضي معظم الليل في منى ما بين الساعة 10 إلى 4 صباحا.
سؤالي: هل يجوز أن أذهب إلى جدة كل يوم أثناء أيام التشريق والرجوع إلى منى بالليل؟ وكم ساعة يجب أن أقضي من الليل في منى حتى أكون قد بت في منى؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
السنة للحاج أن يبقى في منى طوال اليوم، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم فإنه لم يخرج من منى إلا لطواف الإفاضة، ويجب عليه أن يبيت بمنى معظم الليل.
ولا حرج عليه لو خرج من منى أثناء النهار إلى مكة أو غيرها، لاسيما إذا كان ذلك لعدم وجود مكان يجلس فيه.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: شخص أفاض من عرفات ثم رمى الجمرة الأولى ثم طاف وسعى فجلس في منزله بمكة حتى العصر ثم رجع لمنى وذبح هديه، هل عليه شيء في هذا الجلوس؟
فأجاب: " لا حرج عليه في ذلك، فمن جلس في مكة في نهار يوم العيد أو في أيام التشريق في بيته، أو عند أصحابه فلا حرج عليه في ذلك، وإنما الأفضل البقاء في منى إذا تيسر ذلك، تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، فإذا لم يتيسر له ذلك أو شق عليه ذلك ودخل مكة وأقام بها في النهار ثم رجع في الليل لمنى وبات فيها فلا بأس بهذا ولا حرج " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (17/365) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن بعض الحجاج من سكان العزيزية ينزلون إلى مساكنهم في النهار أيام التشريق.
فأجاب: " الذي أرى أنه لا ينبغي لساكن العزيزية أن ينزل إلى بيته بالنهار، فمن السنة بلا شك أن يبقى في الخيمة بمنى؛ لأن الحج نوع من الجهاد في سبيل الله عز وجل كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها عندما قالت: هل على النساء جهاد؟ فقال: (نعم جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة) فالمشروع في حق الحاج أن يبقى ليلا ونهارا في منى " انتهى.
وسئل رحمه الله أيضاً: هل الخروج في أيام التشريق إلى ما قرب من مكة كجدة مثلا غير مخلّ بالحج؟
فأجاب: " لا يخل بالحج، ولكن الأفضل أن يبقى الإنسان ليلا ونهارا بمنى كما بقي النبي صلى الله عليه وسلم فيها ليلا ونهارا ". انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (23/241، 243) .
ثانيا:
ضابط المبيت بمنى: أن يبقى فيها الحاج أكثر من نصف الليل، وتحسب ساعات الليل من غروب الشمس إلى طلوع الفجر.
وعليه: فتحسب الزمن من المغرب إلى الفجر، حسب التوقيت في منى، فإن كان جلوسك ست ساعات في منى هو أكثر من نصف الزمن، فقد أتيت بالواجب.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما مقدار مبيت الحاج في منى ليالي التشريق؟
فأجاب: ذكر العلماء رحمهم الله أن المبيت في منى يجب أن يكون معظم الليل، فإذا قدَّرنا أن الليل عشر ساعات فليكن خمس ساعات ونصف كلها في منى، وما زاد على ذلك فهو سنة " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (23/244) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3883)
الحج بمال حرام
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجتي كانت تعمل بوظيفة بائعة في محل للألبسة النسائية المحرمة شرعاً، ولكن الحمد لله تركت العمل. وطبيعي أن يكون لها من المستحقات المالية علي فترة العمل السابقة، وبهذا المبلغ اتفقنا أنا وزوجتي وبرضاها وموافقتها أن نوفره لمصاريف الحج لأبي وأمي علي الرغم أن أبي حج من قبل لكن أمي لم تحج، لكن هم في سن كبير الآن فهل يجوز ذلك أم الأولى أن نحج أنا وزوجتي. مع العلم أنه أنا وزوجتي نرغب بالحج العام الذي يليه إن شاء الله. ومع العلم أيضا أنه لا توجد لدينا أي مدخرات مالية سوي هذا المبلغ فهل يجوز أصلا أن نستغل هذا المبلغ للحج في أي الحالتين. أرجو الإفادة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الواجب على من أراد الحج أَنْ تكون نفقته حلالاً طيبةً ; لِأَنَّ الْحَلَالَ يُعِينُ عَلَى الطَّاعَةِ، وَيُكَسِّلُ عَنْ الْمَعْصِيَةِ.
ويُخشى على من حج بمال حرام ألا يتقبل الله تعالى حجه، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلا طَيِّبًا) رواه مسلم (1015) .
(قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ رحمه الله: وَاعْلَمْ أَنَّ عِمَادَ الدِّينِ وَقِوَامَهُ هُوَ طِيبُ الْمَطْعَمِ، فَمَنْ طَابَ مَكْسَبُهُ زَكَا عَمَلُهُ، وَمَنْ لَمْ يُصَحِّحْ طيبَ مَكْسَبِهِ خِيفَ عَلَيْهِ أَنْ لا تُقْبَلَ صَلاتُهُ وَصِيَامُهُ وَحَجُّهُ وَجِهَادُهُ وَجَمِيعُ عَمَلِهِ ; لأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ: (إنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ) . وَنَظَرَ عُمَرُ إلَى الْمُصَلِّينَ فَقَالَ: لا يَغُرُّنِي كَثْرَةُ رَفْعِ أَحَدِكُمْ رَأْسَهِ وَخَفْضِهِ، الدِّينُ الْوَرَعُ فِي دِينِ اللَّهِ، وَالْكَفُّ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ، وَالْعَمَلُ بِحَلالِ اللَّهِ وَحَرَامِهِ.
وقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَفْضَلُ الْحُجَّاجِ أَخْلَصُهُمْ نِيَّةً، وَأَزْكَاهُمْ نَفَقَةً، وَأَحْسَنُهُمْ يَقِينًا) اهـ من "المدخل" (4/210) لابن الحاجب المالكي.
وَيُرْوَى لِبَعْضِ الأَئِمَّةِ:
إذَا حَجَجْت بِمَالٍ أَصْلُهُ سُحْتٌ فَمَا حَجَجْت وَلَكِنْ حَجَّتْ الْعِيرُ
لا يَقْبَلُ اللَّهُ إلا كُلَّ طَيِّبَةٍ مَا كُلُّ مَنْ حَجَّ بَيْتَ اللَّهِ مَبْرُورُ.
و (العير) الدابة التي يركبها الحاج. (أي: الجمل) .
وفي "مواهب الجليل شرح مختصر خليل" (2/530) :
مَنْ حَجَّ بِمَالٍ حَرَامٍ فَحَجُّهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَذَلِكَ لِفِقْدَانِ شَرْطِ الْقَبُولِ، لقوله تعالى: (إنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ) . . .
وَقَدْ أَشَارَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَى عَدَمِ الْقَبُولِ مِنْهُمْ الْغَزَالِيُّ وَالْقَرَافِيُّ وَالْقُرْطُبِيُّ وَالنَّوَوِيُّ وَنَقَلَهُ الْغَزَالِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَكَفَى بِهِ حَجَّةً.
وَقال الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ رُشَيْدٍ الْبَغْدَادِيُّ فِي قَصِيدَتِهِ الَّتِي فِي الْمَنَاسِكِ الْمُسَمَّاةِ بِالذَّهَبِيَّةِ:
وَحُجَّ بِمَالٍ مِنْ حَلَالٍ عَرَفْتَهُ وَإِيَّاكَ وَالْمَالَ الْحَرَامَ وَإِيَّاهُ
فَمَنْ كَانَ بِالْمَالِ الْمُحَرَّمِ حَجُّهُ فَعَنْ حَجِّهِ وَاَللَّهِ مَا كَانَ أَغْنَاهُ
إذَا هُوَ لَبَّى اللَّهَ كَانَ جَوَابُهُ مِنْ اللَّهِ لا لَبَّيْكَ حَجٌّ رَدَدْنَاهُ اهـ باختصار.
ثانياً: لا يجوز الانتفاع بالمال الحرام، والتوبة منه تكون بالتخلص منه وإنفاقه في وجوه الخير.
وإنفاقك هذا المال على أبيك وأمك فيه انتفاع لك بهذا المال لأنه مقابل النفقة الواجبة وهذا غير جائز.
ثالثاً: إذا لم يكن عندك من المال الحلال ما تحج به أنت وزوجتك فانتظر حتى تكتسب مالاً حلالاً تحج به لقول الله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا) آل عمران / 98.
فإذا رزقكما لله رزقا حلالاً طيباً فعليكما المبادرة بالحج.
نسأل الله تعالى أن يتقبل منا منكم، ويعيننا على التوبة النصوح.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/3884)
صفة العمرة
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف صفة العمرة بالتفصيل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
العبادة لا تكون مقبولة عند الله تعالى إلا إذا توفر فيها شرطان، وهما:
الأول: الإخلاص لله عز وجل، بأن يقصد بها وجه الله والدار الآخرة، لا يقصد بها رياءً ولا سمعة ولا حظاً من الدنيا.
الثاني: اتباع النبي صلى الله عليه وسلم فيها قولا وعملا. واتباع النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن تحقيقه إلا بمعرفة سنته صلى الله عليه وسلم.
لذلك فالواجب على من أراد أن يتعبد لله تعالى بعبادة –سواء كانت العمرة أو الحج أو غيرهما- أن يتعلم هدي النبي صلى الله عليه وسلم فيها؛ حتى يكون عمله موافقاً للسنة.
وسنلخص في هذه الأسطر صفة العمرة كما وردت في السنة.
والعمرة تتكون من أربعة أشياء وهي:
الإحرام، والطواف بالبيت الحرام، والسعي بين الصفا والمروة، والحلق أو التقصير.
أولاً: الإحرام
الإحرام هو نية الدخول في النسك –الحج أو العمرة-.
إذا أراد أن يحرم فالسنة أن يتجرد من ثيابه ويغتسل كما يغتسل للجنابة، ويتطيب بأطيب ما يجد من مسك أو غيره، في رأسه ولحيته، ولا يضره بقاء ذلك بعد الإحرام لما في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يحرم تطيب بأطيب ما يجد، ثم أرى وبيص المسك في رأسه ولحيته بعد ذلك. رواه البخاري (271) ومسلم (1190) .
والوبيص هو البريق واللمعان.
والاغتسال عند الإحرام سنة في حق الرجال والنساء، حتى النفساء والحائض لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أسماء بنت عميس حين نفست أن تغتسل عند إحرامها وتستثفر بثوب وتحرم. رواه مسلم (1209) .
ثم بعد الاغتسال والتطيب يلبس ثياب الإحرام، ثم يصلي غير الحائض والنفساء الفريضة إن كان في وقت فريضة، وإلا صلى ركعتين ينوي بهما سنة الوضوء، فإذا فرغ من الصلاة استقبل القبلة وأحرم، وله أن يؤخر الإحرام حتى يركب دابته (سيارته) ويستعد للمسير، فيحرم قبل انطلاقه من الميقات إلى مكة.
ثم يقول: لبيك اللهم بعمرة.
ثم يلبي بما لبى النبي صلى الله عليه وسلم به وهو: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك) ، وكان من تلبيته صلى الله عليه وسلم: (لبيك إله الحق) ، وكان ابن عمر يزيد في التلبية: (لبيك وسعديك، والخير بيديك، والرغباء إليك والعمل) . يرفع الرجل صوته بذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي ومن معي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية) صححه الألباني في صحيح أبي داوود (1599) ، وقوله صلى الله عليه وسلم: (أفضل الحج العجُّ والثج) حسنه الألباني في صحيح الجامع (1112) .
والعج رفع الصوت بالتلبية، والثج سيلان دماء الهدي.
والمرأة تقول بقدر ما يسمع من بجنبها، إلا أن يكون بجانبها رجل ليس من محارمها فإنها تلبي سراً.
وإذا كان من يريد الإحرام خائفا من عائق يعوقه عن إتمام نسكه (كمرض أو عدو أو حبس أو غير ذلك) فإنه ينبغي أن يشترط عند الإحرام فيقول: إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني - أي: إن منعني مانع من إتمام نسكي من مرض أو تأخر أو غيرهما فإني أحل من إحرامي - لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ضباعة بنت الزبير حين أرادت الإحرام وهي مريضة أن تشترط وقال: إن لك على ربك ما استثنيت. رواه البخاري (5089) ومسلم (1207) .
فمتى اشترط وحصل له ما يمنعه من إتمام نسكه فإنه يحل من إحرامه ولا شيء عليه.
وأما من لا يخاف من عائق يعوقه عن إتمام نسكه فإنه لا ينبغي له أن يشترط لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشترط ولم يأمر بالاشتراط كل أحد، وإنما أمر به ضباعة بنت الزبير لوجود المرض بها.
وينبغي للمحرم أن يكثر من التلبية خصوصا عند تغير الأحوال والأزمان، مثل أن يعلو مرتفعا أو ينزل منخفضا أو يقبل الليل أو النهار، وأن يسأل الله بعدها رضوانه والجنة، ويستعيذ برحمته من النار.
والتلبية مشروعة في العمرة من الإحرام إلى أن يبدأ في الطواف، فإذا بدأ في الطواف قطع التلبية.
الاغتسال لدخول مكة
وينبغي إذا قرب من مكة أن يغتسل لدخولها إن تيسر له ذلك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل عند دخوله مكة. رواه مسلم (1259) .
ثانياً: الطواف
فإذا دخل المسجد الحرام قدم رجله اليمنى وقال: بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك، أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وبسلطانه القديم من الشيطان الرجيم، ثم يتقدم إلى الحجر الأسود ليبتدئ الطواف فيستلم الحجر بيده اليمنى ويقبله، فإن لم يتيسر تقبيله استلمه بيده وقَبَّل يده (والاستلام هو مسح الحجر بيده) فإن لم يتيسر استلامه بيده فإنه يستقبل الحجر ويشير إليه بيده ويكبر، ولا يقبل يده.
وفي استلام الحجر الأسود فضل كبير؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ليبعثن الله الحجر يوم القيامة وله عينان يبصر بهما، ولسان ينطق به، يشهد على من استلمه بحق) صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1144) .
والأفضل أن لا يزاحم فيؤذي الناس ويتأذى بهم، لما في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أه قال لعمر: (يا عمر إنك رجل قوي لا تزاحم على الحجر فتؤذي الضعيف، إن وجدت خلوة فاستلمه، وإلا فاستقبله وكبر) رواه أحمد (191) وقواه الألباني في رسالة مناسك الحج والعمرة ص 21.
ثم يأخذ ذات اليمين ويجعل البيت عن يساره فإذا بلغ الركن اليماني (وهو ثالث الأركان بعد الحجر الأسود) استلمه من غير تقبيل ولا تكبير، فإن لم يتيسر له استلامه انصرف، ولا يزاحم عليه. ويقول بين الركن اليماني والحجر الأسود: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) رواه أبو داوود وحسنه الألباني في صحيح أبي داوود (1666) .
وكلما مر بالحجر الأسود استقبله وكبر، ويقول في بقية طوافه ما أحب من ذكر ودعاء وقراءة قرآن فإنما جعل الطواف بالبيت لإقامة ذكر الله تعالى.
وفي هذا الطواف ينبغي للرجل أن يفعل شيئين:
أحدهما: الاضطباع من ابتداء الطواف إلى انتهائه , والاضطباع أن يكشف كتفه الأيمن بأن يجعل وسط ردائه تحت إبطه الأيمن وطرفيه على كتفه الأيسر فإذا فرغ من الطواف أعاد رداءه إلى حالته قبل الطواف، لأن الاضطباع محله الطواف فقط.
والثاني: الرمل في الأشواط الثلاثة الأولى فقط، والرمل هو إسراع المشي مع مقاربة الخطوات، وأما الأشواط الأربعة الباقية فليس فيها رمل وإنما يمشي كعادته.
فإذا أتم الطواف سبعة أشواط غطى كتفه الأيمن ثم يتقدم إلى مقام إبراهيم فيقرأ: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) ثم يصلي ركعتين خلف المقام يقرأ في الأولى بعد الفاتحة (قل يا أيها الكافرون) وفي الثانية (قل هو الله أحد) بعد الفاتحة. ثم إذا فرغ من الصلاة ذهب إلى الحجر الأسود واستلمه إن تيسر له، والمشروع هنا الاستلام فقط، فإن لم يتمكن من الاستلام انصرف ولا يشير إليه.
ثالثاً: السعي
ثم يخرج إلى المسعى فإذا دنا من الصفا قرأ: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) ويقول: (نبدأ بما بدأ الله به) ثم يرقى على الصفا حتى يرى الكعبة فيستقبلها ويرفع يديه فيحمد الله ويدعو بما شاء أن يدعو. وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم هنا: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له , له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. لا إله إلا الله وحده أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده) رواه مسلم (1218) .
يكرر ذلك ثلاث مرات ويدعو بين ذلك. فيقول هذا الذكر ثم يدعو، ثم يقوله الثانية ثم يدعو، ثم يقوله الثالثة وينزل إلى المروة ولا يدعو بعد الثالثة.
فإذا بلغ العلم الأخضر ركض ركضا شديدا بقدر ما يستطيع ولا يؤذي أحداً لما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم سعى بين الصفا والمروة وهو يقول: (لا يُقطع الأبطح إلا شَدًّا) أي: إلا عَدْواً. رواه ابن ماجه وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (2419) .
والأبطح هم المسافة بين العلمين الأخضرين الموجودين الآن.
فإذا بلغ العلم الأخضر الثاني مشى كعادته حتى يصل إلى المروة فيرقى عليها ويستقبل القبلة ويرفع يديه ويقول ما قاله على الصفا، ثم ينزل من المروة إلى الصفا فيمشي في موضع مشيه ويسعى في موضع سعيه، فإذا وصل الصفا فعل كما فعل أول مرة، وهكذا المروة حتى يُكَمِّل سبعة أشواط , ذهابه من الصفا إلى المروة شوط , ورجوعه من المروة إلى الصفا شوط آخر، ويقول في سعيه ما أحب من ذكر ودعاء وقراءة قرآن.
تنبيه:
قوله تعالى: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) يقولها من أراد السعي إذا اقترب من الصفا في بداية السعي فقط، ولا يستحب تكرارها كلما اقترب من الصفا والمروة كما يفعله بعض الناس.
رابعاً: الحلق أو التقصير
فإذا أتم سعيه سبعة أشواط حلق رأسه إن كان رجلاً، أو قصر من شعره.
ويجب أن يكون الحلق شاملا لجميع الرأس، وكذلك التقصير يعم به جميع جهات الرأس، والحلق أفضل من التقصير لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا للمحلقين ثلاثا وللمقصرين مرة. رواه مسلم (1303) .
وأما المرأة فإنها تُقصِّر من شعرها بمقدار أنملة.
وبهذه الأعمال تمت العمرة فتكون العمرة: الإحرام والطواف والسعي والحلق أو التقصير.
نسأل الله تعالى أن يوفقنا لصالح الأعمال، وأن يتقبل منا إنه قريب مجيب.
انظر كتاب مناسك الحج والعمرة للألباني، وكتاب صفة الحج والعمرة وكتاب المنهج لمريد العمرة والحج لابن عثيمين رحم الله الجميع.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3885)
تاريخ الحج
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد منكم أن تخبروني عن تاريخ الحج ومشاعرها؟ مثالاً على ذلك أن المسلمون يسعون بين الصفا والمروة هي ما فعلته هاجر أما عن الباقي فلا أدري فأرجو إفادتي كرمي الجمار والطواف والوقوف بعرفة وشرب ماء زمزم والمبيت بمنى ومزدلفة وذبح الهدي ... الخ. ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فمن المجمع عليه بين أهل الإسلام قاطبة قديماً وحديثاً، سلفاً وخلفا، أن الحج إلى بيت الله الحرام أحد أركان الإسلام الخمس كما ثبت ذلك في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما وغيره.
ومن المعروف أن الحج كسائر العبادات، له أعمال خاصة به، وكل عمل من هذه الأعمال له هيئة يجب أن تؤتى على وجهها الصحيح، كالإحرام من الميقات، والطواف، والسعي بين الصفا والمروة، والوقوف بعرفة، والمبيت بمزدلفة، ومن رمي الجمار والذبح، إلى غير ذلك من أعمال الحج المعروفة، فالواجب في هذه الأعمال أن تؤدى وفق هدي النبي صلى الله عليه وسلم , والأحاديث التي تبين صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة جدا , وقد توسع الإمام ابن القيم في "زاد المعاد" والحافظ ابن كثير في كتابه "البداية والنهاية" في جمع هذه الأحاديث , وبيان ما تدل عليه وتفيده من أحكام، وعلى المسلم أن يهتم بمعرفة هذه الأحكام والعمل بها.
ثم ليعلم أن المقصود الأساسي من أعمال الحج إقامة ذكر الله تعالى , كما قال تعالى: (فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ. ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) ... إلى أن قال تعالى: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) البقرة / 198- 203.
وجاء عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: إنما جعل الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله عز وجل. علقه البيهقي (5/145) , وروي مرفوعا وفيه ضعف.
والمسلم إنما يعظم مشاعر الحج لأن الله عز وجل أمره بتعظيمها، كما قال تعالى: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) الحج / 32، وروى البخاري (1610) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قبل الحجر الأسود وقال: لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك.
يقول ابن الجوزي رحمه الله تعالى وهو في معرض كلامه عن أعمال الحج وشرحها وبسط الكلام عنها: «ثم زالت تلك الأشياء وبقيت آثارها وأحكامها وربما أشكلت هذه الأمور على من يرى صورها ولا يعرف أسبابها فيقول: هذا لا معنى له، فقد بينت لك الأسباب من حيث النقل، وها أنا أمهد لك من المعنى قاعدة تبنى عليها ما جاءك من هذا.
اعلم أن أصل العبادة معقول، وهو ذل العبد لمولاه بطاعته، فإن الصلاة فيها من التواضع والذل ما يفهم منه التعبد.
وفي الزكاة إرفاق ومواساة يفهم معناه.
وفي الصوم كسر شهوة النفس لتنقاد طائعة إلى مخدومها.
وفي تشريف البيت ونصبه مقصداً وجعل ما حوله حرماً تفخيماً له، وإقبال الخلق شعثاً غبراً كإقبال العبد إلى مولاه ذليلاً معتذراً أمر مفهوم، والنفس تأنس من التعبد بما تفهمه، فيكون ميل الطبع إليه مُعيناً على فعله وباعثا، فوظفت لها وظائف لا يفهمها، ليتم انقيادها كالسعي والرمي، فإنه لا حظ في ذلك للنفس، ولا أُنس فيه للطبع، ولا يهتدي العقل إلى معناه، فلا يكون الباعث إلى امتثال الأمر فيه سوى مجرد الأمر والانقياد المحض، وبهذا الإيضاح تعرف أسرار العبادات الغامضة» اهـ. انظر: مثير العزم الساكن (1/285-286) .
إذا تبين هذا فإن الكثير من تاريخ أعمال الحج قبل الرسول الله صلى الله عليه وسلم غير معلوم لنا , وهذه الأمور لا يضر الجهل بها , وهناك بعض الأمور وردت الإشارة إلى شيء من تاريخها في بعض النصوص، ونذكر هنا شيئا من ذلك:
1- متى فرض الحج؟ أو: متى كان بدء الحج؟
يقول تعالى ? وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ? الحج / 27.
يقول ابن كثير في تفسيره (3/221) لهذه الآية «أي نادِ (يا إبراهيم) في الناس بالحج، داعيا لهم إلى الحج إلى هذا البيت الذي أمرناك ببنائه، فذكر أنه قال: " يا رب كيف أبلغ الناس وصوتي لا ينفذهم؟ " فقال: " نادِ وعلينا البلاغ " فقام على مقامه، وقيل على الحجر، وقيل على الصفا، وقيل على أبي قبيس، وقال: " يا أيها الناس إن ربكم قد اتخذ بيتاً فحجوه " فيقال إن الجبال تواضعت حتى بلغ الصوت أرجاء الأرض، وأسمع من في الأرحام والأصلاب، وأجابه كل شيء سمعه من حجر ومدر وشجر، ومن كتب اله أنه يحج إلى يوم القيامة، ليبك اللهم لبيك، هذا مضمون ما ورد عن ابن عباس، ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وغير واحد من السلف والله أعلم.» أ. هـ.
ونقل ابن الجوزي في كتابه " مثير العزم الساكن (1/354) نحواً من ذلك مختصراً وعزاه إلى أهل السير.
هذا عن تاريخ فرض الحج قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، أما عن تاريخ فرض الحج في الإسلام فقد اختلف فيه، فقيل: فرض سنة ست، وقيل سنة سبع، وقيل سنة تسع، وقيل سنة عشر، وجزم الإمام ابن القيم رحمه الله بأن فرضه كان في العام التاسع أو العاشر، قال رحمه الله تعالى: في زاد المعاد: «لا خلاف أنه لم يحج - أي النبي صلى الله عليه وسلم - بعد هجرته إلى المدينة سوى حجة واحدة وهي حجة الوداع، ولا خلاف أنها كانت سنة عشر ... ولما نزل فرض الحج بادر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحج من غير تأخير، فإن فرض الحج تأخر إلى سنة تسع أو عشر ... فإن قيل: فمن أين لكم تأخير نزول فرضه إلى التاسعة أو العاشرة؟ قيل: لأن صدر سورة آل عمران نزل عام الوفود، وفيه قدم وفد نجران على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصالحهم على أداء الجزية، والجزية إنما نزلت عام تبوك سنة تسع، وفيها نزل صدر سورة آل عمران ... » أ. هـ.
قال القرطبي في تفسيره (2/4/92) : «وقد كان الحج معلوماً عند العرب مشهوراً لديهم؛ فلما جاء الإسلام خوطبوا بما علموا وألزموا بما عرفوا.» وانظر كذلك أحكام القرآن لابن العربي (1/286) . انظر السؤال رقم (32662)
2- الطواف بالبيت:
قال تعالى: (وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ) البقرة / 125 , وهذه الآية تفيد أن الطواف بالبيت كان على عهد إبراهيم عليه السلام.
3- الرمل.
والرمل هو الإسراع في المشي مع تقارب الخطى. وهو سنة للرجال دون النساء في طواف القدوم وهو أول طواف يطوفه إذا قدم مكة.
- كيف كان بدء الرمل؟
أخرج البخاري في صحيحه (2/469-470) (1602) ومسلم (2/991-992) (1262) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فقال المشركون: إنه يقدم عليكم قوم قد وهنتهم حُمى يثرب. فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرملوا الأشواط الثلاثة ... ) . وفي رواية زيادة: (قال: ارملوا ليرى المشركون قوتكم ... ) .
4- ماء زمزم والسعي بين الصفا والمروة.
أخرج البخاري في صحيحه (6/396-397) (3364) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء إبراهيم بهاجر وابنها إسماعيل - وهي ترضعه - حتى وضعها عند البيت، عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذ أحد، وليس بها ماء، فوضعها هنالك، ووضع عندهما جراباً فيه تمرٌ، وسقاءً فيه ماءً.
ثم قضى - أي رجع - إبراهيم منطلقا، فتبعته أم إسماعيل فقالت: يا إبراهيم! أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شيء، فقالت له ذلك مراراً، وجعل لا يلتفت إليها، فقالت له: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت: إذن لا يضيعنا. ثم رجعت، فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت ثم دعا بهؤلاء الكلمات ورفع يديه فقال: (ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون) إبراهيم / 37.
وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل، وتشرب من ذلك الماء، حتى إذا نفد ما في السقاء عطشت وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوى - أو قال: يتلبط - فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصفا أقرب جبل من الأرض يليها، فقامت عليه، ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحداً، فلم تر أحداً فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها، ثم سعت سعي الإنسان المجهود؛ حتى جاوزت الوادي.
ثم أتت المروة، فقامت عليها فنظرت هل ترى أحداً، فلم تر أحداً، ففعلت ذلك سبع مرات.
قال ابن عباس: قال النبي صلى الله عليه وسلم (فذلك سعى الناس بينهما) فلما أشرفت على المروة سمعت صوتاً فقالت: صه - تريد نفسها - ثم تسمعت أيضا فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غواث، فإذا هي بالملك عند موضع زمزم، فبحث بعقبه - أو قال: بجناحه - حتى ظهر الماء، فجعلت تحوضه وتقول بيديها هكذا، وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعدما تغرف قال ابن عباس: قال النبي صلى الله عليه وسلم: يرحم الله أم إسماعيل، لو تركت زمزم - أو قال: لو لم تغرف من الماء - لكانت زمزم عينا معينا. قال: فقال لها الملك، لا تخافوا الضيعة، فإن ها هنا بيت الله يبنيه هذا الغلام وأبوه، وإن الله لا يضيع أهله ... ) الحديث.
قال ابن الجوزي في كتابه " مثير العزم الساكن " (2/47) : " وهذا الحديث قد بان فيه معنى تسميتها بزمزم، فإن الماء لما فاض زمته هاجر، قال ابن فارس اللغوي: زمزم من قولك زممت الناقة، إذا جعلت لها زماماً تحبسها به) اهـ.
5- الوقوف بعرفة:
روى أبو داود والترمذي (883) من حديث يزيد بن شيبان قال: كنا وقوفا بعرفة مكانا بعيدا من الموقف , فأتانا ابن مِربع الأنصاري , فقال: إني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم يقول لكم: " كونوا على مشاعركم , فإنكم على إرث من إرث أبيكم إبراهيم " وصححه الألباني في "صحيح أبي داود " (1688) .
والكثير من أعمال الحج كان على عهد إبراهيم عليه السلام , ولكن المشركين ابتدعوا بعض الأمور التي لم تكن مشروعة , فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم , خالفهم في ذلك وين المشروع من أعمال الحج.
فهذه نبذة يسيرة عن تاريخ الحج وتاريخ بعض مشاعره، وللزيادة يمكنك الرجوع إلى كتاب الحافظ ابن الجوزي رحمه الله المسمى بـ " مثير العزم الساكن إلى أشرف الأماكن " المجلد الأول منه كاملاً مع بداية المجلد الثاني.
وبإمكان السائل مراجعة السؤال رقم (3748) لمعرفة نبذة عن تاريخ المسجد الحرام.
والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3886)
سبب جعل الكعبة عن يسار الطائفين
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أعرف مغزى الطواف حول الكعبة المشرفة والغرض منه، ولم جُعِلت الكعبة عن يسار الطائف؟ وهل الطواف في مكة فقط أم أنه يتم يومياً أيضاً؟ أشكركم جزيل الشكر على أية معلومات يمكن أن توافوني بها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
االسبب الأساس لجعل الكعبة عن يسار الطائف والدوران حولها هو اتباع النبي صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى: (وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون) ، وقال عزّ وجلّ: (قل إن كنتم تحبّون الله فاتبّعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم) .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في شأن أعمال الحجّ والعمرة: " لتأخذوا عني مناسككم " رواه مسلم/1297
ويكفي هذا سببا للمسلم ليطوف في هذا الاتجّاه المعيّن ولسنا بحاجة إلى أسباب أخرى كربط ذلك بحركة الأفلاك أو النجوم أو دوران الكواكب وغير ذلك لأنّ من طبيعة المسلم الإيمان والتسليم والتنفيذ لكلّ ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم فإذا عرف سببا أو حكمة فالحمد لله وإلاّ فهو مستسلم لأمر الله ورسوله مأجور على الاتّباع والتنفيذ.
وهذا الدوران خاصّ بالكعبة ولا يُفعل في غيرها تعبدّا. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/3887)
هل يمكن إرسال شخص للحج عن المتوفى بدلا من ابنه
[السُّؤَالُ]
ـ[تُوفي والدي في العام الماضي. وكان ينوي أداء الحج هذا العام. فهل يمكن أن أرسل شخصا آخر ليحج عنه؟ وهل يجب أن يكون هذا الشخص من الأقارب؟ ماذا عن التضحية (القربان) الذي يُؤدى وقت الحج، هل يجب أن يكون باسم والدي أم باسم الشخص الموكل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا مات المسلم بعد القدرة على الحج، فعلى وارثه أن يحج عنه بنفسه، أو يوكل من يحج عنه من مال الميت لأنه دينٌ عليه، وهو أحقُّ بالقضاء ولايلزم أن يكون الوكيل من الأقارب، والهدي _ القربان _ الذي يُؤدى وقت الحج يكون باسم الوالد المتوفى لا بإسم المُوكَّل، إذا كان من مستلزمات الحج، وإن كان الحج إفراداً فلا هدي (واجبا) إلا إذا ارتكب المُوكَّل محظوراً فيه الفدية، فعليه الفدية.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الكريم الخضير(5/3888)
وضع مزيل العرق المعطر أثناء الإحرام جاهلا بالحكم
[السُّؤَالُ]
ـ[اعتمرت ولله الحمد - اسأل الله القبول - لكني قبل أن أحل إحرامي وضعت مزيلاً للعرق وهو معطر، جهلاً مني بحكم ذلك فهل علي شيء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للمحرم استعمال الطيب في بدنه أو ملابسه؛ لحديث ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْا أَنَّ رَجُلًا وَقَصَهُ بَعِيرُهُ وَنَحْنُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ، وَلَا تُمِسُّوهُ طِيبًا، وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا) رواه البخاري (1267) ومسلم (1206) .
قال ابن قدامة رحمه الله: "أجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوع من الطيب" انتهى.
"المغني" (3/147) .
ويدخل في الطيب الممنوع على المحرم: مزيل العرق المعطر.
ولكن من فعل ذلك ناسياً أو جاهلاً فلا شيء عليه؛ لقوله تعالى: (رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) البقرة/286، وقوله تعالى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الأحزاب/5.
وينظر جواب السؤال رقم (49026) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3889)
أقام في مكة ستة أشهر بعد الحج ثم سافر إلى المدينة، فهل عليه وداع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[حججت هذا العام وأكملت جميع فرائض الحج، ولكن بدون طواف الوداع، علما بأنني من سكان مكة لأنني بقيت بها ستة أشهر وتركت طواف الوداع مجبرا نظرا لارتباطي مع الكفيل بعمل، والذي نقلت إلى المدينة المنورة فجأة. فما الحكم في ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كنت من أهل مكة – كما ذكرت – وأقمت في مكة بعد انتهاء الحج فليس عليك طواف وداع , فإذا أردت أن تسافر من مكة لزمك أن تطوف.
قال النووي رحمه الله: " قال أصحابنا: من فرغ من مناسكه، وأراد المقام بمكة، ليس عليه طواف الوداع، وهذا لا خلاف فيه، سواء كان من أهلها، أو غريبا، وإن أراد الخروج من مكة إلى وطنه أو غيره طاف للوداع "
المجموع 8/254 ".
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "إذا كان الرجل من أهل مكة، وحج وسافر بعد الحج، فليطف للوداع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ينفرن أحدكم حتى يكون آخر عهده بالبيت) مسلم 1327، وهذا عام، فنقول لهذا المكي: ما دمت سافرت في أيام الحج، وقد حججت، فلا تسافر حتى تطوف" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/339) .
فعلى هذا؛ كان يلزمك أن تطوف للوداع قبل السفر إلى المدينة، فإن كنت لم تطف فالواجب عليك أن تذبح شاة في مكة وتوزعها على المساكين.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: "من ترك طواف الوداع أو شوطاً منه فعليه دم يذبح في مكة ويوزع على فقرائها" انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (16/158) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3890)
من فعل شيئا من المحظورات، جاهلا بما يترتب عليها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم فيمن ارتكب شيئا من محظورات الإحرام، وهو جاهل ما يجب عليه من الكفارة إذا فعل هذا المحظور؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا: ينبغي أن ننبه هنا إلى أن جهل كثير من الحجاج والمعتمرين بأحكام المناسك، هو الذي يوقعهم في ارتكاب المحظورات، أو أداء العبادة على غير الصفة المطلوبة منه؛ فترى الواحد منهم أنفق أموالا كثيرة، خاصة إذا كان يأتي من دول بعيدة ثم أهدر أجره، أو نقصه بسبب جهله بما يجب عليه من أحكام.
فلذلك كان الواجب على من أراد أن يؤدي المناسك أن يتعلم أحكامها قبل الشروع فيها. وقد جاء عن أنس، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (طلب العلم فريضة على كل مسلم) رواه ابن ماجة وغيره، وصححه الألباني في تخريج مشكلة الفقر؛ قال الإمام أحمد: معناه أن يلزمه طلب علم ما يحتاج إليه، من وضوئه، وصلاته، وزكاته، إن كان له مال، وكذلك الحج وغيره. جامع بيان العلم، لابن عبد البر 1/52، وقال الحسن بن شقيق: سألت عبد الله بن المبارك: ما الذي يجب على الناس من تعلم العلم؟ قال: أن لا يقدم الرجل على الشيء إلا بعلم؛ يسأل ويتعلم، فهذا الذي يجب على الناس من تعلم العلم.. الفقيه والمتفقه، للبغدادي /45، ولهذا بوب الإمام البخاري، رحمه الله، في صحيحه: (باب العلم قبل القول والعمل) .
وليس معنى ذلك أنه يجب على كل أحد أن يحفظ كتابا من كتب المناسك، عن ظهر قلب، بل الواجب على كل مسلم أن يتعلم من ذلك ما يناسب حاله، إما بنفسه، إن كان عنده أهلية ذلك، أو بسؤال أهل العلم، أو بصحبة من يدله على أحكام المناسك، ويعرفه بالواجب عليه، كلما احتاج.
وأما محظورات الإحرام فقد سبق بيانها في السؤال [11356] .
لكن من فعل شيئا من هذه المحظورات جاهلا بأن الله، تعالى، حرم عليه ذلك في حال الإحرام، فلا شيء عليه؛ قال الله تعالى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الأحزاب/5.
لكن إن كان يعلم أن الفعل الذي فعله محظور من محظورات الإحرام، التي يحرم عليه فعلها ما دام محرما، لكنه لم يظن أن تترتب عليه كل هذه الأحكام فقد قال الشيخ ابن عثيمين، رحمه الله:
(هذا ليس بعذر؛ لأن العذر أن يكون الإنسان جاهلا بالحكم، لا يدري أن هذا الشيء حرام، وأما الجهل بما يترتب على الفعل، فليس بعذر، ولذلك لو أن رجلا محصنا يعلم أن الزنا حرام، وهو بالغ عاقل، وقد تمت شروط الإحصان في حقه، لوجب عليه الرجم، ولو قال: أنا لم أعلم أن الحد هو الرجم، ولو علمت أن الحد هو الرجم ما فعلت، قلنا له هذا ليس بعذر، فعليك الرجم، وإن كنت لا تدري ما عقوبة الزنى، ولهذا لما جاء الرجل الذي جامع في نهار رمضان يستفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ماذا يجب عليه، ألزمه النبي صلى الله عليه وسلم بالكفارة، مع أنه كان حين جماعه جاهلا بما يجب عليه، فدل ذلك على أن الإنسان إذا تجرأ على المعصية، وانتهك حرمات الله، عز وجل، ترتب عليه آثار تلك المعصية، وإن كان لا يعلم بآثارها حين فعلها.) الفتاوى 22/173-174.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3891)
يسأل عن التخيير في الفدية
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الناس يظن أنه حين يقع في شيء من محظورات الإحرام، فالواجب عليه دم، أو صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين، وله أن يختار من هذه الثلاثة ما يشاء.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يحرم على المحرم بحج أو عمرة حلق الشعر، وقلم الأظفار، وتغطية الرأس بما يلاصقها، ولبس المخيط للرجل، والبرقع والقفازين للمرأة، والطيب في البدن أو الثوب، وقتل الصيد، وعقد النكاح، والجماع ومقدماته. [راجع السؤال 11356]
فإذا وقع المحرم في شيء من هذه المحظورات، فإنه لا يخلو من أحوال:
(الأولى: أن يفعله ناسيا، أو جاهلا، أو مكرها، أو نائما، فلا شيء عليه.
الثانية: أن يفعله عمدا، ولكن لعذر يبيح فعل المحظور، فلا إثم عليه، ويلزمه فدية ذلك المحظور، ويأتي بيانها.
الثالثة: أن يفعله عمدا بلا عذر، فهو آثم، وفديته على أقسام:
القسم الأول: ما ليس فيه فدية، وهو عقد النكاح.
القسم الثاني: ما فديته بَدَنة (بعير) ، وهو الجماع في الحج قبل التحلل الأول.
القسم الثالث: ما فديته صيام ثلاثة أيام، إن شاء متوالية، وإن شاء متفرقة، أو ذبح شاة مما يجزئ في الأضحية، أو ما يقوم مقامه من سُبع بدنة، أو سُبع بقرة، ويفرق اللحم على الفقراء، ولا يأكل منه شيئا، أو إطعام ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع مما يطعم. فهو مخير بين هذه الأشياء الثلاثة في إزالة الشعر والظفر، والطيب، والمباشرة لشهوة [يعني مباشرة المرأة من غير جماع] ، ولبس القفازين، وانتقاب المرأة، ولبس الذكر المخيطَ، وتغطية رأسه.
القسم الرابع: ما فديته جزاؤه، أو ما يقوم مقامه، وهو قتل الصيد؛ فإن كان للصيد مثل خير بين ثلاثة أشياء:
1- إما ذبح المثل، وتفريق لحمه على فقراء الحرم.
2- أن ينظر كم يساوي المثل، ويخرج ما يقابل قيمته طعاما يفرق على المساكين، لكل مسكين نصف صاع.
3- أن يصوم عن إطعام كل مسكين يوما.
أما إذا لم يكن للصيد مثل، فإنه يخير بين شيئين:
1- أن ينظر كم يساوي الصيد المقتول، ويخرج ما يقابلها طعاما، يفرقه على المساكين، لكل
مسكين نصف صاع.
2- أن يصوم عن إطعام كل مسكين يوما) [فتاوى الشيخ ابن عثيمين 22/205-206) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3892)
حكم صيام النّفل بنيّة القضاء
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كانت المسلمة متعودة على صيام الإثنين والخميس، فهل يجوز لها أن تستغل صيامها لتلك الأيام لقضاء ما فاتها من شهر رمضان؟ أم أن النية يجب أن تكون منفصلة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا بأس في صيام يومي الاثنين والخميس لقضاء ما فاتها من الأيام في شهر رمضان بشرط أن يكون الصيام بنيّة القضاء،.. ولعلّها تدرك الأجرين معاً أجر القضاء، وأجر النافلة وفضل الله واسع، وعلى فرض أنها لا تدرك إلا القضاء فإن القضاء أفضل من النفل. وأما إذا نوت بصيامها التطوع، ولم تنو القضاء فإنه لا يسقط بها الفرض، وعليها أن تصوم الأيام التي أفطرتها من رمضان. والله أعلم وصلى الله على نبيّنا محمد وآله وصحبه.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب فتاوى إسلامية ج/2 ص/149-150، فتاوى اللجنة الدائمة ج/10 ص/383.(5/3893)
مرض ولم يستطع أن يُحرم بثياب الإحرام
[السُّؤَالُ]
ـ[قد حج والدي في سنة ماضية، وكان مريضاً مرضاً شديداً ولم يقدر على لبس ثياب الإحرام فما الواجب عليه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا أحرم الحاج بملابسه لدعاء الحاجة إلى ذلك بسبب برد ومرض ونحو ذلك فهو مأذون له في ذلك شرعاً، والواجب عليه بالنسبة إلى لبس المخيط صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين؛ لكل مسكين نصف صاع من قوت البلد، أو ذبح شاة تجزئ أضحية، وكذلك الحكم إذا غطى رأسه، ويجزئه الصيام في كل مكان، أما الإطعام والشاة فإن محلها الحرم المكي.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (فتاوى اللجنة 11/180) .(5/3894)
تسريح الشعر للمرأة المحرمة
[السُّؤَالُ]
ـ[سأذهب للحج هذه السنة إن شاء الله.. الكثير قالوا لي: إن تسريح الشعر لا يجوز في الإحرام، مع العلم أنه من الصعب علي ترك شعري دون تسريح.. وقد قمت بالبحث عن إجابة لسؤالي، ولم أجد إلا فتوى تخص المحرم الرجل، وهي أنه لا ينبغي ذلك. فما حكم تسريح الشعر للمرأة المحرمة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إزالة شعر الرأس من محظورات الإحرام، بأي وسيلة كانت تلك الإزالة، بالحلق أو التقصير أو النتف أو الحك ونحوه، لقوله سبحانه وتعالى: (وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) البقرة/196.
وقد اتفق أهل العلم على هذا الحكم، كما اتفقوا على أن تسريح الشعر وتمشيطه مُحرَّم إذا جزم بتساقط بعض الشعر بسبب امتشاطه.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (11/179) :
" إذا تيقَّنَ المُحرِم سقوط الشعر بالترجيل: فلا خلاف بين الفقهاء في حرمته حينئذ " انتهى.
فإن كان شعره لا يتساقط بالتسريح: فقد اختلف أهل العلم في على ثلاثة أقوال:
القول الأول: الجواز والإباحة: وهو مذهب ابن حزم الظاهري، حيث يقول في "المحلى" (5/186) : " أما نقض الرأس والامتشاط فلا يكره ذلك في الإحرام، بل هو مباح مطلق " انتهى.
واستدل بعض العلماء لهذا القول بالحديث الذي يرويه البخاري (316) ومسلم (1211) عن عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: أَهْلَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَكُنْتُ مِمَّنْ تَمَتَّعَ وَلَمْ يَسُقِ الْهَدْىَ، فَزَعَمَتْ أَنَّهَا حَاضَتْ، وَلَمْ تَطْهُرْ حَتَّى دَخَلَتْ لَيْلَةُ عَرَفَةَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَذِهِ لَيْلَةُ عَرَفَةَ، وَإِنَّمَا كُنْتُ تَمَتَّعْتُ بِعُمْرَةٍ. فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: انْقُضِى رَأْسَكِ، وَامْتَشِطِى، وَأَمْسِكِى عَنْ عُمْرَتِكِ.
قالوا: فقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة بالامتشاط مع أنها محرمة، وإنما أمرها بالاغتسال لإحرام الحج، فقد كان إحرامها في أصله للعمرة.
يقول الشوكاني في "نيل الأوطار" (5/94) :
" قوله: (وامتشطي) فيه دليل على أنه لا يكره الامتشاط للمحرم , وقيل: إنه مكروه.
قال النووي: وقد تأول العلماء فعل عائشة هذا على أنها كانت معذورة، بأن كان برأسها أذى فأباح لها الامتشاط كما أباح لكعب بن عجرة الحلق للأذى. وقيل: ليس المراد بالامتشاط هنا حقيقة الامتشاط بالمشط بل تسريح الشعر بالأصابع عند الغسل للإحرام بالحج لا سيما إن كانت لبدت رأسها كما هو السنة وكما فعله النبي صلى الله عليه وسلم فلا يصح غسلها إلا بإيصال الماء إلى جميع شعرها ويلزم من هذا نقضه " انتهى.
القول الثاني: التحريم: وهو قول بعض الحنفية، مستدلين بحديث ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَامَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَنِ الحَاجُّ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: الشَّعِثُ التَّفِلُ. رواه الترمذي (2998) .
قالوا: والمراد بالشعث انتشار شعر الحاج، فلا يجمعه بالتسريح والدهن والتغطية ونحوه.
انظر: "الاختيار لتعليل المختار" (1/143) ، "الموسوعة الفقهية" (11/179) .
إلا أن الحديث ضعيف، قال عنه الألباني في ضعيف سنن الترمذي: ضعيف جدا.
القول الثالث: الكراهة: لما فيه من تعرُّضٍ لمحظور من محظورات الإحرام، وهو قول الشافعية والحنابلة.
قال النووي في "المجموع" (7/374) : " ويكره مشط رأسه ولحيته , لأنه أقرب إلى نتف الشعر " انتهى.
وقال البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (2/424) :
"للمحرم غسل رأسه وبدنه فعل ذلك عمر وابنه وأرخص فيه علي وجابر بلا تسريح، لأن تسريحه تعريض لقطعه " انتهى بتصرف.
ونحوه في "الإنصاف" (3/460) .
وهذا القول الأخير بالكراهة هو أعدل الأقوال وأوسطها، إذ ينبغي أن يكون المسلم حريصا على عبادته، فلا يتعرض لما قد يخرمها ولو من وجه بعيد.
قال الشيخ ابن عثيمين – كما في "فتاوى نور على الدرب" (فتاوى الحج والجهاد/ باب محظورات الإحرام) :
" تمشيط المحرم رأسه لا ينبغي؛ لأن الذي ينبغي للمحرم أن يكون أشعث أغبر، ولا حرج عليه أن يغسله، وأما تمشيطه فإنه عرضة لتساقط الشعر " انتهى باختصار.
ثانيا:
إذا امتشطت المرأة أو الرجل ورأى في مشطه شعرات لا يدري هل قطعت بسبب المشط أو كانت ساقطة أصلا، فلا تلزمه الفدية في هذه الحالة، لاحتمال أن تكون مقطوعة من الأصل، ولا يجب على العبد الفدية بمجرد الشك والاحتمال.
وقد نص على ذلك النووي رحمه الله في "المجموع" (7/262) ، ونحوه في "كشاف القناع" (2/423) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3895)
استعمال الكريمات غير المعطّرة أثناء الإحرام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن أن نستعمل السواك أو معجون الأسنان أو المرطبات الجلدية أو الكريمات غير المعطرة أثناء الحج؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا خلت هذه الأشياء من الطيب فلا يحرم استعمالها، لأن المحظور في الإحرام هو الطيب أو التدهّن بشيء فيه طيب ـ عطر ـ
قال ابن قدامة في الكلام على محظورات الإحرام: وإن طيّب بدنه أو ثوبه، (أو ادّهن بمطيّب) . والمقصود من الادهان بالمطيّب: إذا مسح على جلده بدهن فيه طيب، فإنه لا يجوز، لأن ذلك سوف يعلق به وتبقى رائحته.
[الْمَصْدَرُ]
انظر الشرح الممتع لابن عثيمن ج/7 ص/158.(5/3896)
شرب المحرم بالحج أو العمرة لقهوة فيها زعفران
[السُّؤَالُ]
ـ[كنا محرمين وفي طريقنا إلى مكة شربنا الشاي والقهوة، وكان في القهوة زعفران، فهل يلزمنا شيء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا كان ذلك عن جهل منهم فإنه لا يلزمهم شيء، وإذا كان عندهم شك هل هذا زعفران أو لا؟ فلا يلزمهم شيء، وإن تيقنوا أنه زعفران وقد علموا أن المحرم لا يجوز أن يشرب القهوة التي فيها الزعفران، فإنه إن كانت الرائحة موجودة فقد أساءوا، وإن كانت غير موجودة وليس فيه إلا مجرد لون فلا حرج عليهم في هذا.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله
http://www.ibnothaimeen.com/all/noor/article_6040.shtml.
وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: امرأة محرمة بالعمرة شربت قهوة في زعفران قبل أن تكمل العمرة. هل الزعفران من أنواع الطيب؟ وهل يخل بالعمرة أم لا؟
فأجاب:
"المحرم الذي يشرب القهوة وفيها زعفران يكون قد أساء؛ لأن الزعفران طيب فلا ينبغي استعماله في القهوة في حق المحرم، كما لا ينبغي استعماله في ملابسه ولا في بدنه وهو محرم، فإذا فعل ذلك الرجل المحرم أو المرأة المحرمة جهلا أو نسيانا فلا شيء عليهما، أما إن تعمد ذلك وهو يعلم أنه محرم ولا يجوز، فإنه يتصدق بإطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من التمر أو الحنطة، أو يصوم ثلاثة أيام، أو يذبح شاة" انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (17/129) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3897)
محظورات الإحرام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الأمور التي يجب على المحرم أن يمتنع عنها ?.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
محظورات الإحرام: هي الممنوعات التي يمنع منها الإنسان بسبب الإحرام، ومنها:
1- حلق شعر الرأس، لقوله تعالى: (ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محلَّه) البقرة/196، وألحق العلماء بحلق الرأس حلق سائر شعر الجسم، وألحقوا به أيضاً تقليم الأظافر، وقصها.
2- استعمال الطيب بعد عقد الإحرام، سواء في ثوبه أو بدنه، أوفي أكله أو في تغسيله أو في أي شيء يكون. فاستعمال الطيب محرم في الإحرام، لقوله صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي وقصته ناقته: (اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تخمروا رأسه، ولا تحنطوه) والحنوط أخلاط من الطيب تجعل على الميت.
3- الجماع. لقوله تعالى: (فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) البقرة/197
4- المباشرة لشهوة. لدخولها في عموم قوله (فلا رفث) ولأنه لا يجوز للمحرم أن يتزوج ولا أن يخطب، فلأن لا يجوز أن يباشر من باب أولى.
5- قتل الصيد. لقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) المائدة/95، وأما قطع الشجر فليس بحرام على المحرم، إلا ما كان داخل الأميال (وهي حدود الحرم) ، سواء كان محرماً أو غير محرم، ولهذا يجوز في عرفة أن يقلع الأشجار ولو كان محرماً، لأن قطع الشجر متعلق بالحرم لا بالإحرام.
6- من المحظورات الخاصة بالرجال لبس القميص والبرانس والسراويل والعمائم والخفاف، لقول النبي صلى الله عليه وسلم وقد سئل ما يلبس المحرم؟ فقال: (لا يلبس القميص ولا البرانس ولا السراويل ولا العمائم ولا الخفاف) إلا أنه صلى الله عليه وسلم استثنى من لم يجد إزاراً فليلبس السراويل، ومن لم يجد النعلين فليلبس الخفين.
وهذه الأشياء الخمسة صار العلماء يعبرون عنها بلبس المخيط، وقد توهم بعض العامة أن لبس المخيط هو لبس ما فيه خياطة، وليس الأمر كذلك، وإنما قصد أهل العلم بذلك أن يلبس الإنسان ما فصل على البدن، أو على جزء منه كالقميص والسراويل، هذا هو مرادهم، ولهذا لو لبس الإنسان رداءً مرقّعاً، أو إزاراً مرقّعاً فلا حرج عليه، ولو لبس قميصاً منسوجاً بدون خياطة كان حراماً.
7- ومن محظورات الإحرام وهو خاص بالمرأة النقاب، وهو أن تغطي وجهها، وتفتح لعينيها ما تنظر به، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهي عنه، ومثله البرقع، فالمرأة إذا أحرمت لا تلبس النقاب ولا البرقع، والمشروع أن تكشف وجهها إلا إذا مرّ الرجال غير المحارم بها، فالواجب عليها أن تستر وجهها ولا يضرها إذا مس وجهها هذا الغطاء.
وبالنسبة لمن فعل هذه المحظورات ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً، فلا شيء عليه، لقول الله تعالى: (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمّدت قلوبكم) الأحزاب/5 وقال تعالى في قتل الصيد وهو من محظورات الإحرام: (يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمداً فجزاء مثل ما قتل من النعم) المائدة /95 فهذه النصوص تدل على أن من فعل المحظورات ناسياً أو جاهلاً فلا شيء عليه.
وكذلك إذا كان مكرهاً لقوله تعالى: (من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم) النحل / 106 فإذا كان هذا من الإكراه على الكفر، فما دونه أولى.
ولكن إذا ذكر من كان ناسياً وجب عليه التخلي عن المحظور، وإذا علم من كان جاهلاً وجب عليه التخلي عن المحظور، وإذا زال الإكراه عمن كان مكرهاً وجب عليه التخلي عن المحظور، مثال ذلك لو غطى المحرم رأسه ناسياً ثم ذكر فإنه يزيل الغطاء، ولو غسل يده بالطيب ثم ذكر وجب عليه غسلها حتى يزول أثر الطيب وهكذا.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب فتاوى منار الإسلام للشيخ ابن عثيمين ج/2 ص/391-394.(5/3898)
فدية المحظور تخرج في الحرم أو في محل ارتكاب المحظور؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا صاحب السؤال رقم 104178 وسؤالي هو بالنسبة لكفارات محظورات الإحرام هل إطعام الستة مساكين يكون في مكة أو مدينتي التي أقيم فيها؟ حيث إني فعلت المحظورات التي فعلتها كانت في مكة وأيضا بلدي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما وجب من الفدية بسبب ارتكاب محظور من محظورات الإحرام، يخيّر فيه الإنسان بين فعله في الحرم، أو في محل ارتكاب المحظور، إلا جزاء الصيد فإنه يكون في الحرم.
قال في "الروض المربع": " وفدية الأذى أي الحلق واللبس ونحوهما كطيب وتغطية رأس وكل محظور فعله خارج الحرم ودم الإحصار: حيث وجد سببه من حل أو حرم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم نحر هديه في موضعه بالحديبية وهي من الحل، ويجزئ بالحرم أيضا.
ويجزئ الصوم والحلق بكل مكان؛ لأنه لا يتعدى نفعه لأحد، فلا فائدة لتخصيصه " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "شرح الكافي": " ما وجب لفعل محظور كحلق الرأس ولبس الثياب وما أشبه ذلك غير جزاء الصيد فهذا على المذهب يخيّر بين أن يذبحه في مكان فعل المحظور لأنه مكان سببه أو في مكة؛ لأن الأصل في الهدايا أن تبلغ الكعبة، وهذا هو المذهب وهو الصحيح، أن الإنسان يخير فيما وجب لفعل محظور سوى جزاء الصيد بين أن يذبحه في مكانه لوجود سببه فيه، أو ينقله إلى مكة لأن الأصل في الهدايا أن تكون بالغة الكعبة " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3899)
ما حكم استعمال المحرم المناديل المعطرة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم استعمال المناديل المعطرة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"المناديل المعطرة إذا كانت رطبة وفيها طيب رطب يعلق باليد فلا يجوز للمحرم أن يستعملها، أما إذا كانت جافة وكانت مجرد رائحة تفوح كرائحة النعناع والتفاح فلا بأس" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 155) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3900)
لن يتمكن من لبس ملابس الإحرام بسبب طبيعة عمله
[السُّؤَالُ]
ـ[أقيم بالمملكة للعمل، وأنوي أداء فريضة الحج، وجهة عملي ندبتني هذا العام للعمل بالمشاعر المقدسة، وعملي هناك لا يمنعني من أداء جميع المناسك، إلا أنني لن أتمكن من لبس ملابس الإحرام؛ لأن طبيعة عملي ونظامه تفرض علي ملبساً معيناً من المخيط. فماذا أفعل؟ وهل يكون حجي صحيحاً إذا ذبحت فداء دون أن ألبس ملابس الإحرام طوال أيام الحج؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا كان الواقع كما ذكر فحجك صحيح؛ ولا إثم عليك في لبسك ملابس غير ملابس الإحرام؛ دفعاً للحرج عن نفسك، ولكن تلزمك فدية لذلك وهي إطعام ستة مساكين من مساكين الحرم، أو ذبح ذبيحة تصلح أضحية تطعمها مساكين مكة أو سائر الحرم، ولا تأكل منها، أو تصوم ثلاثة أيام، أي ذلك فعلت أجزأك، وعليك مثل ذلك عند غطاء الرأس، إن كنت غطيت رأسك.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/182، 183) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3901)
هل يجوز للمرأة أن تتطيب وهي محرمة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمرأة أن تتطيب وهي محرمة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا يجوز لمحرم التطيب بعد الإحرام، سواء كان رجلاً أو امرأة؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (ولا تلبسوا شيئاً من الثياب مسه الزعفران أو الورس) ، وقول عائشة رضي الله عنها: (طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت) متفق عليه، ولقوله صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي مات وهو محرم: (لا تمسوه طيباً) متفق على صحته.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/190- 192) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3902)
لا يجوز تطييب ثياب الإحرام
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الناس إذا أراد أن يحرم يطيب جسمه ورأسه، ويطيب ملابس الإحرام، ثم يلبسها ويحرم، ما حكم ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أما تطييب الرأس والبدن فهو سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد سبق بيانه في جواب السؤال رقم (106550) .
وأما تطيب ملابس الإحرام فلا يجوز، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى المحرم عن لبس ثوب مسه طيب، وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن تطييب ملابس الإحرام فقال:
"لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تلبسوا ثوباً مسه الزعفران ولا الورس) " انتهى.
"مجموع الفتاوى" لابن عثيمين (22/9) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3903)
حكم استعمال المحرم للصابون المعطر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الاغتسال بالصابون المعطر وقت الإحرام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا بأس به؛ لأن هذه الرائحة ليست طيباً ولا تستعمل للطيب، وإنما هي لتطييب النكهة فقط" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 160) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3904)
حكم مسك الإحرام بالدبابيس
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم ما يفعله بعض الناس من مسك الإحرام بالدبابيس أو المشابك حتى يصل البعض أن يجعلها كالثياب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" الأولى ألا يشبك الإنسان رداءه، بل يجعله على كتفيه، لكن إذا كان يعمل كالطباخ والقهوجي وما أشبه ذلك وأراد أن يزره بمشبك، فلا بأس بذلك، أما ما أشار إليه السؤال من أن بعض الناس يزره بمشابك من الرقبة إلى السرة، حتى يكون كأنه قميص، فأنا أشك في جواز هذا؛ لأنه حينذاك يشبه القميص، والنبي صلى الله عليه وسلم قال في المحرم: (لا يلبس القميص) " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 135، 136) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3905)
هل يجوز للمحرم لبس الكمامة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمحرم لبس الكمامة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الكمامة للمحرم للحاجة لا بأس بها، مثل أن يكون في الإنسان حساسية في أنفه فيحتاج للكمامة، أو يمر بدخان كثيف فيحتاج للكمامة، أو يمر برائحة فيحتاج للكمامة، فلا بأس" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 130، 131) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3906)
هل يجوز للمحرم أن يلبس الحزام الطبي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم استعمال الحزام الطبي وذلك أثناء الطواف، فبعض الناس لا يمكنه التحرك والمشي بدونه وهذا الحزام مخيط، فهل يجوز له أن يستخدم ذلك الحزام في الحج؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"نعم؛ يجوز أن يستخدم الإنسان الحزام في الحج وفي العمرة أيضاً ولو كان مخيطاً. ويجب أن نعلم أن قول العلماء – رحمهم الله -: يحرم على الرجل لبس المخيط. أن مرادهم لبس القميص والسراويل وما أشبهه، فلهذا يجب أن نفهم كلام العلماء على ما أرادوه، ثم هذه العبارة: (لبس المخيط) ليست مأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قيل: إن أول من قال بها أحد فقهاء التابعين إبراهيم النخعي رضي الله عنه وأما النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقل للأمة لا تلبسوا المخيط. بل سئل: ما يلبس المحرم؟ قال: (لا يلبس القميص ولا السراويل، ولا العمائم ولا البرانس ولا الخفاف) ولم يذكر لفظ المخيط إطلاقاً، فيجب أن نفهم النصوص على ما أرادها المتكلم" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 140) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3907)
هل يجوز للمحرم أن يغطي رأسه عند النوم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمحرم أن يغطي رأسه عند النوم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إن كان أنثى فمعروف أنه يجوز أن تغطي رأسها، أما إذا كان رجلا فلا يجوز لا عند النوم ولا في حال اليقظة، لكن لو أنه غطاه وهو نائم ثم استيقظ وجب عليه كشف رأسه ولا شيء عليه؛ لأن النائم مرفوع عنه القلم" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 128) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3908)
هل للمحرم أن يتنظف بالصابون والشامبو؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم التنظيف للمحرم بصابون أو شامبو ذي الرائحة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا بأس باغتسال المحرم فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل وهو محرم.
وأما الشامبو فالظاهر أن رائحته ليست عطرية، وإنما هي رائحة ونكهة محبوبة للنفس كما في النعناع وورق التفاح وما أشبه ذلك، والمهم أن ما كان طيباً لا يجوز استعماله للمحرم" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 160) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3909)
حكم لبس النقاب الأفغاني للمحرمة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم لبس النقاب الأفغاني للمحرمة؟ وهو عبارة عن غطاء كامل للوجه، وجهة العينين تكون قطعة قماش أخف من باقي النقاب وتكون مثبتة به ولا يمكن فتحها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المرأة المحرمة تمنع من لبس النقاب والبرقع؛ لما روى البخاري (1741) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين)
قال ابن قدامة رحمه الله: " قال ابن المنذر: وكراهية البرقع ثابتة عن سعد وابن عمر وابن عباس وعائشة، ولا نعلم أحداً خالف فيه......، فأما إذا احتاجت إلى ستر وجهها لمرور الرجال قريباً منها فإنها تسدل الثوب من فوق رأسها على وجهها، روي ذلك عن عثمان وعائشة، وبه قال عطاء ومالك والثوري والشافعي وإسحاق ومحمد بن الحسن، ولا نعلم فيه خلافاً، وذلك لما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه) رواه أبو داود
" المغني " (3 / 154) ، وحديث عائشة صححه الألباني في كتابه حجاب المرأة المسلمة.
وعليه، فالمحرمة تستر وجهها بشيء تسدله من على رأسها، لا بالنقاب ولا بالبرقع، والنقاب الأفغاني فيما بلغنا هو كالبرقع. فلا يجوز لبسه للمرأة المحرمة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3910)
حكم لبس الملابس الداخلية للمحرِم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا ذاهب للحج هذا العام، ولكن حالتي الصحية تستوجب أن أقوم بارتداء ملابس داخلية ضيقة (ملابس داخلية عادية) لمنع قطرات من البول تخرج مني أثناء القيام ببعض الحركات، كما يحدث في الصلاة من أن تلوث ملابسي الخارجية، ونظراً لهذه الظروف فهل يجوز لي ارتداء ملابس داخلية عادية تحت ثوب الإحرام؟ وفي حال ما لم يكن جائزاً فما هو الحل البديل؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
اختلف العلماء في حكم لبس اللباس الداخلي للرجل الذي يغطي العورة المغلظة وهو ما يسميه العلماء بـ " التُّبَّان " فذهب بعضهم إلى جوازه من غير ضرورة ولا حاجة، وقالوا: بأنه لم يرد النص في المنع منه فيما لا يلبسه المحرم.
وذهب الجمهور إلى أن لبسه ممنوع، وأنه يقاس على السراويل، بل ذهب بعض العلماء إلى أنه أولى بالمنع منه،
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
" وكذلك التبان أبلغ من السراويل " انتهى.
" مجموع الفتاوى " (21 / 206) .
وقال ابن القيم – رحمه الله -:
" قال المزني: الفقهاء من عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا وهلم جرّاً استعملوا المقاييس في الفقه في جميع الأحكام في أمر دينهم.
قال:
وأجمعوا بأن نظير الحق حق، ونظير الباطل باطل، فلا يجوز لأحد إنكار القياس، لأنه التشبيه بالأمور والتمثيل عليها ... .
ومن ذلك: نهي النبي صلى الله عليه وسلم المُحرم عن لبس القميص والسراويل والعمامة والخفين، ولا يختص ذلك بهذه الأشياء فقط، بل يتعدى النهي إلى الجباب والأقبية والطاقية والجوربين والتبان، ونحوه" انتهى باختصار.
" إعلام الموقعين " (1 / 205 – 207) .
وبه يتبين خطأ من استدل بجواز لبس التبان بكونه لم يُنص عليه في الحديث الذي بيَّن فيه النبي صلى الله عليه وسلم ما لا يلبسه المحرم.
قال ابن عبد البر – رحمه الله -:
وفي معنى ما ذكر في هذا الحديث من القمص والسراويلات والبرانس يدخل المخيط كله بأسره، فلا يجوز لباس شيء منه للمحرم، عند جميع أهل العلم.
" التمهيد " (15 / 104) .
وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -:
" قال عياض: أجمع المسلمون على أن ما ذُكر في هذا الحديث لا يلبسه المحرم، وأنه نبَّه بالقميص والسراويل على كل مخيط، وبالعمائم والبرانس على كل ما يغطي الرأس به مخيطاً أو غيره، وبالخفاف على كل ما يستر الرجل. انتهى.
وخصَّ ابن دقيق العيد الإجماع الثاني بأهل القياس، وهو واضح.
والمراد بتحريم المخيط: ما يلبس على الموضع الذي جعل له، ولو في بعض البدن " انتهى.
" فتح الباري " (3 / 402) .
واستدل من قال بجواز لبس المحرم للتبان بما ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها أجازت لبسه للحمَّالين، وما ورد عن عمَّار بن ياسر رضي الله عنه أنه كان يلبسه.
أ. أثر عائشة:
قال البخاري – رحمه الله – في " صحيحه " (2 / 558) -:
باب الطيب عند الإحرام وما يلبس إذا أراد أن يحرم ... ولم تر عائشة رضي الله عنها بالتُبَّانِ بأساً للذين يرحلون هودجها.
انتهى
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -:
" وقد وصل أثر عائشة: سعيد بن منصور، من طريق عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة: " أنها حجت ومعها غلمان لها، وكانوا إذا شدوا رحلها يبدو منهم الشيء، فأمرتهم أن يتخذوا التبابين، فيلبسونها وهم محرمون ".
وفي هذا رد على ابن التين في قوله " أرادت النساء "؛ لأنهن يلبسن المخيط، بخلاف الرجال، وكأن هذا رأي رأته عائشة، وإلا فالأكثر على أنه لا فرق بين التبان والسراويل في منعه للمحرم ". انتهى من " فتح الباري " (3 / 397)
وقد يُجاب عن هذا بأن عائشة رضي الله عنها أمرتهم بلبسه للضرورة، لأن عورتهم كانت تنكشف، فلا يدل على جواز لبسه بدون ضرورة.
ب. أثر عمار:
روى ابن أبي شيبة عن حبيب بن أبي ثابت قال: رأيت على عمار بن ياسر تُبَّاناً، وهو بعرفات.
" مصنف ابن أبي شيبة " (6 / 34) .
وهذا محمول على الضرورة، حيث ورد عند ابن شبة في " أخبار المدينة " (3 / 1100) ما يدل على إصابة عمار بن ياسر رضي الله عنه زمن عثمان بن عفان رضي الله، وفيه قوله " فلا يستمسك بولي ".
وفي " النهاية في غريب الأثر " (2 / 126) :
وفي حديث عبد خير قال: رأيت على عمار دقرارة، وقال: " إني ممثون "
الدقرارة: التبَّان، وهو السراويل الصغير الذي يستر العورة وحدها، والممثون: الذي يشتكي مثانته.
وفي " لسان العرب " (13 / 71) :
وفي حديث عمار أنه صلَّى في تبَّان، فقال: إني ممثون، أي: يشتكي مثانته. انتهى
وهذه الآثار لو فرض عدم ثبوت آحادها: فهو يدل على أن لها أصلاً.
والصحيح: أنه يمنع الرجل المحرم من لبس التبَّان، ويُحمل ما ورد عن عائشة رضي الله عنها أنه للضرورة، وليس فيه نفي الفدية عمن لبسه.
ويُحمل ما ورد عن عمار بن ياسر أنه كان للضرورة بسبب إصابته في المثانة
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله -:
" وما ذُكر عن عائشة رضي الله عنها ظاهره أنها إنما رخّصت في التبان لمن يُرَحِّل هودجها لضرورة انكشاف العورة، وهو يدل على أنه لا يجوز لغير ضرورة، والعلم عند الله تعالى ". انتهى
" أضواء البيان " (5 / 464) .
ثانياً:
يجوز لبس التبان لمن كان يعمل في التحميل – مثلاً - ويَخشى انكشاف عورته، كما يجوز لبسه لمن يتمزق جلده بسبب الاحتكاك، ويخشى على نفسه الضرر، ويجوز كذلك لمن به جرح في عورته ويحتاج لتغطيته، ومثله من كان مبتلى بسلس البول – وهي حالة مشابهة لحالة عمار بن ياسر -، وفي كل تلك الأحوال – وما يشبهها – على لابسه الفدية، وهي: إطعام ستة مساكين، أو صيام ثلاثة أيام، أو ذبح شاة
قال تعالى: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) البقرة/ 196.
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ قَالَ: جَلَسْتُ إِلَى كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَسَأَلْتُهُ عَنْ الْفِدْيَةِ فَقَالَ نَزَلَتْ فِيَّ خَاصَّةً وَهِيَ لَكُمْ عَامَّةً، حُمِلْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِي فَقَالَ: (مَا كُنْتُ أُرَى الْوَجَعَ بَلَغَ بِكَ مَا أَرَى - أَوْ: مَا كُنْتُ أُرَى - الْجَهْدَ بَلَغَ بِكَ مَا أَرَى، تَجِدُ شَاةً؟ فَقُلْتُ: لَا. فَقَالَ: فَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ)
رواه البخاري (1721) ومسلم (1201)
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: عن لبس المحرم للتبان، لأنه إذا لم يلبسه لحقه ضرر.
فأجاب:
إن خاف أن يلحقه ضرر فلا بأس أن يلبسه، ولكن إن حَصَّل أن يطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع فهو أحسن.
" لقاءات الباب المفتوح " (177 / السؤال 16) .
وانظر أجوبة الأسئلة: (20870) و (49033)
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3911)
اعتمرت ونسيت التقصير من شعرها وجامعها زوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت مع زوجتي في مكة لأداء العمرة، وبعد عودتنها إلى البيت تمت عملية الجماع بيننا، ثم تذكرت زوجتي أنها لم تتحلل؟ فما هو الحكم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحلق أو التقصير من واجبات العمرة، ومن نسيه أتى به عند تذكره، فإن فعل قبل ذلك شيئا من المحظورات جاهلا أو ناسيا فلا شيء عليه، على الراجح من كلام أهل العلم.
وعليه، فيلزم زوجتك الآن أن تقصر من شعرها، وتحل بذلك من عمرتها، ولا شيء عليها فيما حصل من الجماع؛ لأنها إنما فعلت ذلك وهي تعتقد أنها تحللت من العمرة.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في امرأة لم تتم عمرتها: " وأما ما فعلته من المحظورات ولنفرض أن زوجها جامعها - والجماع في النسك هو أعظم المحظورات - فإنه لا شيء عليها؛ لأنها جاهلة، وكل إنسان يفعل محظوراً من محظورات الإحرام جاهلاً أو ناسياً أو مكرهاً فلا شيء عليه " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (21/351) باختصار.
وذهب بعض أهل العلم إلى أن الجماع بعد السعي وقبل الحلق أو التقصير فيه الفدية، ولو كان عن نسيان أو جهل، وهي فدية على التخيير، كفدية الأذى، أي كمن حلق شعره للتأذي من القمل ونحوه، كما دل عليه قوله تعالى: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) البقرة/196.
فيصوم ثلاثة أيام، أو يطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من بر أو غيره، أو يذبح شاة توزع على فقراء الحرم (مكة) .
وانظر: "شرح منتهى الإرادات" (1/556) .
فلو أخذت زوجتك بهذا القول احتياطاً، فحسن، فتصوم ثلاثة أيام، أو تطعم ستة مساكين أو تذبح شاة تعطى لفقراء الحرم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3912)
نوم المحرم مع زوجته في فراش واحد ولمسها بدون شهوة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل النوم مع الزوجة بعد الإحرام حرام إذا كان في فراش واحد ولمسها بدون شهوة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المحظور على المحرم هو الجماع، والمباشرة بشهوة، لمسا أو تقبيلا؛ لقوله تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) البقرة/197.
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (1/319) : " وقوله (فلا رفث) أي من أحرم بالحج أو العمرة فليجتنب الرفث، وهو الجماع، كما قال تعالى: (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم) وكذلك يحرم تعاطي دواعيه من المباشرة والتقبيل ونحو ذلك، كذلك التكلم به بحضرة النساء " انتهى.
وقال النووي رحمه الله: " اتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على أنه يحرم على المحرم المباشرة بشهوة كالمفاخذة والقبلة واللمس باليد بشهوة ... وأما اللمس بغير شهوة فليس بحرام بلا خلاف " انتهى.
وفي "الموسوعة الفقهية" (2/168) : " يحرم على المحرم باتفاق العلماء وإجماع الأمة الجماع ودواعيه الفعلية أو القولية وقضاء الشهوة بأي طريق " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع (7/184) أثناء ذكره لمحظورات الإحرام: المحظور التاسع: مباشرة النساء لشهوة أم المباشرة لغير شهوة كما لو أمسك الرجل بيد امرأته فهذا ليس حراماً. اهـ
وعليه فإذا نام المحرم مع زوجته في فراش واحد، أو لمسها دون شهوة، فلا حرج عليه، إلا إن خشي أن يؤدي ذلك إلى وقوعه في المحظور، فعليه أن ينام في فراش مستقل.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3913)
لبست النقاب والقفازين أثناء طواف الإفاضة
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي استفسارات متعلقة بالحج، أرجو التفضل على إجابتها مأجورين. وهو: أني حججت هذا العام وكنت قد نويتها قرانا، ولدي في حجتي هذه إشكالان: في أول مجيئنا لمكة المكرمة لم نعتمر وأجلناها إلى اليوم الثامن، وخلال أيام إحرامي نزلنا عند جماعة هم بنات مثلنا وأجبروني وأنا محرمة على أن يضعوا لي مكياج وأنا كنت منكرة هذا الأمر إنكاراً فقط ليس بناء على أنه لا يجوز الزينة في الإحرام لأن هذا ذهب عن بالي، ثم بعد ذلك استخدمت كريم نيفيا لإزالة آثار المكياج، فما أدري هل عليّ شيء بصنعي هذا؟ مع العلم أنني كنت متحرزة شديدة التحرز من الروائح ولم نستخدم الصابون ولا أي شيء له رائحة ولم أعمل أي محظور سوى هذا. ثم بعد ذلك لما أردنا في اليوم الثامن أن نعتمر أصبت عذراً حتى اليوم الثاني من أيام التشريق، مع العلم أنني في اليوم الأول من أيامه قد رمى ولينا عنا وهي جمرة العقبة، وأحللنا قبل طواف الإفاضة، وهذا جائز لمن قد اعتمر، أما أنا فقارنة لم أعتمر فقد أحللت إحرامي ناسية ثم ذبحت دما، وقبل انصرافنا من مكة طاف من معي الوداع وأنا طفت الإفاضة وسعيت على اعتبار أنها عمرة الحج – وقد كنت لابسة النقاب والقفازين، ثم خلعتها بعد الطواف وأنا مترددة في أمري فلست أدري هل علي شيء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
القارن بين الحج والعمرة لا يعتمر عند قدومه مكة، وإنما يطوف للقدوم وهو سنة ليس واجباً، ثم إن شاء سعى بعده أو يؤخر هذا السعي بعد طواف الإفاضة، ويكفي هذا السعي عن الحج والعمرة جميعاً، وعليه فكونك لم تطوفي ولم تسعي عند وصولك إلى مكة لا شيء فيه.
ويلزم القارن أيضاً طوافان: الأول طواف الإفاضة بعد رجوعه من عرفات والمزدلفة، وطواف الوداع عند خروجه من مكة، وله أن يؤخر طواف الإفاضة فيطوف عند خروجه من مكة طوافاً واحداً للإفاضة والوداع معاً، كما فعلت.
ثانيا:
استعمال المحرمة للزينة التي ليست طيبا، لا حرج فيه. والمحظور هو استعمال الطيب. وعليه فلا حرج فيما صنعت من وضع المكياج، واستعمال الكريم لإزالته، وإن كان الأحوط عدم استعمال هذا الكريم لأجل ما فيه من الرائحة، لكنه ليس طيبا في الأظهر، ولا يسمى صاحبه متطيبا.
ثالثا:
إذا رمى الحاج جمرة العقبة، وقصر من شعره، فقد تحلل التحلل الأول، سواء كان مفردا أو متمتعا أو قارنا، فيباح له كل شيء إلا النساء، فيجوز له استعمال الطيب، وتقليم الأظافر، ولبس المخيط إن كان رجلا، وتلبس المرأة النقاب والقفازين , وإنما يمنع بعد هذا التحلل من الجماع فقط.
ويجوز التوكيل في الرمي للضعفة والنساء عند شدة الزحام.
وقد ذكرت أنك تحللت بعد الرمي، ولم تبيني مرادك بالتحلل، ولم تذكري شيئا عن تقصير الشعر، فإن كنت قد قصرت من شعرك فقد تحللت التحلل الأول، فيحل لك كل شيء إلا الجماع، ويكون لبسك للنقاب والقفازين في طواف الإفاضة جائزاً، أما إذا كنت لم تقصري شعرك قبل الطواف فأنت باقية على إحرامك ويكون لبسك للنقاب والقفازين في طواف الإفاضة غير جائز، وعليك الفدية، وهي صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين من مساكين الحرم، أو ذبح شاة توزع على فقراء الحرم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3914)
لم يكمل طواف العمرة، وهو متمتع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل دخل في الإحرام بنية التمتع، وطاف طواف العمرة، غير أنه لم يكمل الأشواط السبعة، ثم سعى، وقصر، ثم تحلل وأتى أهله، ثم أدى مناسك الحج كاملة بعد ذلك، فهل يصح حجه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الطواف ركن من أركان العمرة، لا تصح إلا به، والطواف المجزئ في العمرة سبعة أشواط تبدأ من الحَجَر الأسود، وتنتهي به، لأن النبي، صلى الله عليه وسلم، طاف هكذا، وقد قال: (خذوا عني مناسككم) .
قال النووي، رحمه الله: (شرط الطواف أن يكون سبع طوفات، كل مرة من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود، ولو بقيت خطوة من السبع لم يحسب طوافه، سواء كان باقيا في مكة أو انصرف عنها وصار في وطنه، ولا ينجبر شيء منه بالدم، ولا بغيره) المجموع 8/21.
وبناء على ذلك، فإن عمرته لم تتم، ولم يتحلل منها، وما فعله من التحلل وإتيان أهله، محظورات ارتكبها وهو لا يزال محرماً بالعمرة، وقد فعل تلك المحظورات وهو يظن أنه قد أنهى عمرته وتحلل منها، ولذلك لا شيء عليه في هذه المحظورات. راجع السؤال (36522) ، ثم هذا الرجل قد أحرم بالحج على أنه متمتع، ولكنه في الواقع لم يتم عمرته فيكون قد أدخل الحج على العمرة، فيصير قارنا.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين ن رحمه الله، عن رجل حج متمتعا، وطاف طوافا ناقصا، أي أربعة أشواط، ثم سعى وقصر، وحل، وحصل منه جماع، وأكمل حجه؟
فأجاب:
(هذا يصير قارنا، لأنه أدخل الحج على العمرة قبل طوافها؛ لأن الطواف الأول لاغٍ، وإدخال الحج على العمرة قبل الطواف يجعل النسك قرانا، ويبقى النظر الآن في كونه حل، ولبس , وجامع، لكنه جاهل، فلا شيء عليه، وعلى هذا فيكون حجه تاما، لكنه قارن، وليس متمتعا) . الفتاوى 22/178.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3915)
لبس الجوارب في الإحرام للرجل والمرأة
[السُّؤَالُ]
ـ[أحْرَمْتُ بالعمرة فكان الجو بارداً، فلبِسْتُ الجوربين، فماذا يلزمني؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للرجل المحرم أن يلبس الجوربين. أما المرأة فيجوز لها ذلك.
قال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع (7 / 154) : مسألة: هل يحرم عليها (أي المرأة المحرمة) الجوارب؟
الجواب: لا. الجوارب حرام على الرجل. اهـ.
فإن احتاج الرجل المحرم إلى لبسهما، جاز له لبسها، وعليه فدية، وهي إما ذبح شاة أو إطعام ستة مساكين أو صيام ثلاثة أيام، يفعل ما يشاء من هذه الأمور الثلاثة.
سئلت اللجنة الدائمة ما حكم لبس الشراب في الرجلين والطواف بها طواف القدوم في الحج، وطواف العمرة في العمرة؟
الجواب:
لا يجوز للرجل لبس الشراب وهو محرم بالحج أو العمرة، فإن احتاج إلى لبسها لمرض ونحوه جاز ووجب عليه فدية، وهي صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من تمر ونحوه، أو ذبح شاة.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (11/183) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3916)
لا يستطيع أن يلبس لبس الإحرام، فهل له أن يحرم في ثيابه
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل يرغب في أداء العمرة ولكن لا يستطيع لبس الإحرام لأنه معاق ومشلول: فهل يستطيع العمرة بثيابه وهل عليه كفارة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" نعم إذا كان الإنسان لا يستطيع أن يلبس ثياب الإحرام فإنه يلبس ما يناسبه من اللباس الآخر والجائز وعليه عند أهل العلم إما أن يذبح شاة يوزعها على الفقراء، أو يطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، أو يصوم ثلاثة أيام.
هكذا قال أهل العلم قياسا على ما جاء في حلق الرأس حيث قال الله تعالى: (وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) البقرة/196
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن الصيام صيام ثلاثة أيام، وأن الصدقة إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، وأن النسك ذبح شاة. ويكون الذبح والإطعام في هذه المسالة بمكة احتياطا، لأن انتهاك محظور اللبس سيستمر إلى التحلل ".
[الْمَصْدَرُ]
مجموع فتاوى ابن عثيمين (21/138) .(5/3917)
قبل الطيب من غيره، مجاملة له، وهو محرم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم فيمن قبل الطيب من غيره وهو محرم، مع علمه بأن المُحْرِم لا يجوز له استعمال الطيب؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المحرم ليس له أن يستعمل شيئا من الطيب في بدنه أو ثوبه:
أما بدنه فلقول النبي، صلى الله عليه وسلم، في الذي مات محرما: (اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ، وَلا تُحَنِّطُوهُ ... ُ فَإِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا) رواه البخاري 1265 ومسلم 1206
وقوله: (وَلا تُحَنِّطُوهُ) أَيْ: لا تُمِسُّوه حَنُوطًا , وَالْحَنُوط َ أَخْلَاط مِنْ طِيب تُجْمَع لِلْمَيِّتِ خَاصَّة , لا تُسْتَعْمَل فِي غَيْره.
وفي رواية لمسلم: (ولا تمسوه بطيب) ، فنهي النبي، صلى الله عليه وسلم عن أن يُمَسَّ هذا الميت بحنوط، وهو الطيب كما في رواية مسلم، مع أن وضع الطيب في غسل الميت وكفنه مستحب وذكر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علة ذلك وهي أنه يبعث يوم القيامة ملبياً: أي أن إحرامه لم يبطل بموته، وهذا يدل على أن المحرم ممنوع من الطيب. وعلى هذا أجمع العلماء.
قال ابن قدامة: (أجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوع من الطيب) المغني 5/140.
وأما ثوبه، فلقول النبي، صلى الله عليه وسلم: (ولا تلبسوا شيئا مسه زعفران ولا الورس) البخاري 1838 ومسلم 1177. قال ابن قدامة: (لا نعلم بين أهل العلم اختلافا في هذا) المغني 5/142.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين عن رجل نوى الحج، ثم طيبه آخر، فقبل منه الطيب، مجاملة، وهو يعرف أن الطيب ممنوع على المحرم، فما الحكم؟
فأجاب: (لا يجوز للإنسان أن يجامل في معصية الله، عز وجل؛ فيعصي الله من أجل المجاملة، فالواجب عليك حين عرض عليك الطيب، أن تقول: إنه لا يجوز للمحرم الطيب.
وهذا الرجل [الذي أعطى الطيب لغيره] قد يخفى عليه أن المحرم يحرم عليه استعمال الطيب، وربما ينسى فيطيبك ...
وبناء على أنك لم تفعل هذا وجاملته في معصية الله، فإنه يجب عليك التوبة إلى الله مما صنعت، والعلماء يقولون: يجب عليك واحد من أمور ثلاثة: إما ذبح شاة في مكة؛ تتصدق بها على الفقراء، وإما إطعام ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع، بمكة أيضا، وإما أن تصوم ثلاثة أيام، ولو في بلدك. وقالوا أيضا: يجوز أن يذبح الشاة، وأن يطعم المساكين في مكة، ويجوز في المكان الذي وقع فيه المحظور) الفتاوى 22/153-154.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3918)
حجت وهي منتقبة فماذا عليها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[حججت واعتمرت في العام الماضي، كنت أعلم أن النقاب لا يجوز، ومع هذا فكان علي أن أتنقب لأنه كان كثير من الناس حولي وقت الحج، قيل لي بأن ما فعلتُه كان خطأ وأنني كان من المفترض أن أغطي وجهي بشيء آخر، ماذا يجب أن أفعل الآن لأصحح هذا الخطأ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لبس النقاب من محظورات الإحرام، ويمكن للمرأة أن تغطي وجهها أمام الأجانب بعد الإحرام بشيء من الثياب تسدله من أعلى رأسها على وجهها، من غير أن ترتكب المحظور الذي هو لبس النقاب.
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قام رجل فقال يا رسول الله ماذا تأمرنا أن نلبس من الثياب في الإحرام فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تلبسوا القميص ولا السراويلات ولا العمائم ... ولا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين " رواه البخاري (1741) .
قال ابن قدامة:
قال ابن المنذر: وكراهية البرقع ثابتة عن سعد وابن عمر وابن عباس وعائشة، ولا نعلم أحداً خالف فيه، وقد روى البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ولا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين "، فأما إذا احتاجت إلى ستر وجهها لمرور الرجال قريباً منها فإنها تسدل الثوب من فوق رأسها على وجهها، روي ذلك عن عثمان وعائشة، وبه قال عطاء ومالك والثوري والشافعي وإسحاق ومحمد بن الحسن، ولا نعلم فيه خلافاً، وذلك لما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: " كان الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه " رواه أبو داود (1833) والأثرم) " المغني " (3 / 154) ، وحديث عائشة صححه الألباني في رسالة جلباب المرأة.
وفِعل إحدى محظورات الإحرام عمداً لعذر: يوجب الفدية وهي: إما صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين من مساكين الحرم، أو ذبح شاة في الحرم، وليس عليه إثم لوجود العذر في فعله للمحظور. والظاهر أن حالك من هذا النوع لأنك ذكرتِ فيه أنك احتجتِ للانتقاب بسبب كثرة الرجال فيلزمك الفدية التي سبق ذكرها ولا إثم عليكِ، هذا إذا كنت تعنين بالانتقاب في سؤالكِ لبس النقاب لا التغطية للوجه بغير اللبس المعتاد للنقاب، أما كان الذي وقع منك إنما هو تغطية بغير النقاب أو بغير طريقة لبسه المعتادة فلا يلزمكِ شيء وتؤجرين إن شاء الله على حرصك على التستر والبعد عن نظر الرجال.
قال الشيخ ابن عثيمين:
وإذا فعل المُحرم شيئاً من المحظورات السابقة من الجماع أو قتلِ الصيد أو غيرهما فله ثلاث حالاتٍ:
الأولى: أن يكون ناسياً أو جاهلاً أو مُكرَهاً أو نائماً، فلا شيء عليه، لا إثم ولا فدية ولا فساد نسك؛ لقوله تعالى: (رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَآ إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلَنَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَفِرِينَ) البقرة/286، وقوله: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الأحزاب/5
الثانية: أن يفعل المحظور عمداً لكن لِعُذرٍ يبيحُه، فعليه ما يترتب على فعل المحظور، ولا إثم عليه؛ لقوله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) البقرة/196
الثالثة: أن يفعل المحظور عَمداً بلا عُذرٍ يبيحه، فعليه ما يترتب على فعله مع الإثم.
" مناسك الحج والعمرة " (الفصل الخامس / محظورات الإحرام) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3919)
هل يجوز تغطية وسط الجسم بقطعة قماش تلف حوله في ملابس الإحرام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إن شاء الله أنا ذاهب لأداء العمرة وبعض منتجي ملابس الإحرام في مصر يصنعون غطاء للعورة بدون مخيط أسفل القطعتين العلوية والسفلية أي تصبح الملابس ثلاث (3) قطع، هل يصح ارتداؤها؟ وإن كان هناك كفارة بالفدو - مثلاً - أرجو الرد للاحتياج الشديد.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل للمحرم أنه يلبس ما يشاء إلا ما نصَّ الشرع على منعه، وهو ما كان مفصَّلاً على قدر أي عضو من أعضاء جسمه، أو على قدر البدن كله، وهو الذي يُسمَّى في كتب الفقهاء " المخيط "، وكذا لا يلبس المحرم ثياباً عليها الطيب، ولما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عما يلبسه المحرِم ذكَر ما لا يلبسه.
فعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنْ الثِّيَابِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ الْقَمِيصَ وَلَا السَّرَاوِيلَ وَلَا الْبُرْنُسَ وَلَا الْخُفَّيْنِ إِلَّا أَنْ لَا يَجِدَ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ مَا هُوَ أَسْفَلُ مِنْ الْكَعْبَيْنِ وَلاَ ثَوْباً مَسَّهُ زَعْفَران وَلاَ وَرْس) رواه البخاري (5458) ومسلم (1177) .
البرنس: ثوب ملتصق به غطاء الرأس.
الورس: نبت أصفر يُصبغ به طيب الرائحة.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
المخيط عند الفقهاء: كل ما خيط على قياس عضو، أو على البدن كله، مثل: القميص، والسراويل، والجبة، والصدرية، وما أشبهها، وليس المراد بالمخيط ما فيه خياطة، بل إذا كان مما يلبس في الإحرام فإنه يلبس ولو كان فيه خياطة.
" الشرح الممتع " (7 / 126) .
وقال:
لا بد أن يلبس على عادة اللبس، فلو وضعه وضعاً فليس عليه شيء، أي: لو ارتدى بالقميص (أي: وضعه على كتفيه) فإن ذلك لا يضر؛ لأنه ليس لبساً له.
والدليل على هذا: حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أن النبي صلّى الله عليه وسلّم سئل ما يلبس المحرم؟ فقال: (لا يلبس القميص، ولا السراويل، ولا البرانس، ولا العمائم، ولا الخفاف) ، فذكر خمسة أشياء لا تلبس مع أنه سئل عن الذي يلبس، فأجاب بما لا يلبس، ومعنى هذا أنه يلبس المحرم ما سوى هذه الخمسة، وإنما عدل عن ذكر ما يلبس إلى ذكر ما لا يلبس لأن ما لا يلبس أقل مما يلبس.
" الشرح الممتع " (7 / 126،127) .
وقطعة اللباس التي تلف على الجسم يغطى بها منطقة العورة: لا يظهر أنها محظورة، بل هي جائزة؛ لأن المحظور هو لبس " السراويل " ويشبهه في المحظور أن يلبس " التُبَّان " وهي الثياب الداخلية التي يلبسها الناس، بخلاف القطعة التي جاءت في السؤال، وهي تشبه الإزار في كونها تلف على الجسم، وليست مفصلة على قدر عضو من الجسم.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
المهم أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم عد ما يحرم عدًّا، فما كان بمعناه ألحقناه به، وما لم يكن بمعناه لم نُلحقه به، وما شككنا فيه فالأصل الحل، ومما نشك فيه الإزار المخيط، فبعض الناس يلبس إزاراً مخيطاً، أي: لا ينفتح، ثم يلفه على بدنه ويشده بحبل، فهل نقول: إن هذا جائز، أو أنه يشبه القميص أو السراويل؟ .
نقول: إنه جائز؛ لأنه لا يشبه القميص ولا السراويل، فالسراويل لكل قدمٍ كمٌّ، والقميص في أعلى البدن، ولكل يدٍ كُمٌّ - أيضاً -، وبهذا خرج عن مشابهة السراويل والقميص فكان لا بأس به، ويستعمله بعض الناس الآن؛ لأنه أبعد عن انكشاف العورة، فنقول: ما دام يطلق عليه اسم إزار فهو إزار، ويكون حلالاً.
" الشرح الممتع " (7 / 133، 134) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3920)
المرور على الميقات من غير إحرام وهو يريد العمرة أو الحج
[السُّؤَالُ]
ـ[انتدبت للعمل كطبيب خلال موسم الحج ولا أستطيع عمل عمرة عند دخولي مكة ولا أستطيع ارتداء ملابس الإحرام، فماذا عليَّ أن أفعله إذا تبقى لديَّ يومان بعد انتهائي من عملي لكي أقوم بأداء عمرة قبل عودتي إلى مدينتي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إذا لم تكن جازماً بعمل العمرة في ذلك السفر، فإنه لا يلزمك الإحرام من الميقات، فإذا عزمت عليها وأنت في مكة فإنك تخرج إلى خارج الحرم (التنعيم أو غيره) لتحرم بالعمرة.
أما إذا كنت جازماً بفعل العمرة في ذلك السفر فكان الواجب عليك أن تحرم من الميقات، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: وقَّت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، فهنَّ لهنَّ ولمن أتى عليهنَّ من غير أهلهن لمن كان يريد الحج والعمرة، فمن كان دونهن فمهلُّه من أهله، وكذاك حتى أهل مكة يهلون منها. رواه البخاري (1454) ومسلم (1181) .
فمن مرَّ على ميقات من هذه المواقيت مريداً الحج أو العمرة فإنه يجب عليه أن يُحرم منه، فإن كان يسكن دون هذه المواقيت فإنه يُحرم من مكانه، فإن كان في مكة فإنه يُحرم للحج من مكانه، ويحرم للعمرة من أي مكان من الحل كالتنعيم أو عرفة؛ لحديث عائشة رضي الله عنها لما أرادت العمرة بعد حجها، أمر النبي صلى الله عليه وسلم أخاها أن يخرج بها إلى الحل لتحرم بالعمرة من هناك. متفق عليه.
وانظر السؤال (32845) .
ثانياً:
إن مرَّ مريد الحج والعمرة على الميقات دون أن ينوي الإحرام منه: فإنه يلزمه أن يرجع إلى الميقات الذي مرَّ عليه ليحرم منه، فإن لم يفعل وأحرم من مكانه فإنه يلزمه – على قول جمهور العلماء – ذبح شاة في مكة وتوزيعها على مساكين الحرم.
سئل علماء اللجنة الدائمة عمن سافر من أجل العمل في موسم الحج، ويقيمون خارج مكة، ولم يحرموا من الميقات، فمن أين يحرمون؟
فأجابت:
" بالنسبة للإحرام للعمرة أو الحج مادام أنكم ذهبتم للعمل وتجاوزتم الميقات فإذا أراد أحد الإحرام فإنه يحرم من مكانه داخل الميقات؛ لأنه دخل بنية العمل، وقد قال صلى الله عليه وسلم عند ذكر المواقيت: (ومن كان دون ذلك فمهله من حيث أنشأ، حتى أهل مكة من مكة) إلا من كان منكم عازماً على الحج أو العمرة حين مروره على الميقات فإن عليه أن يرجع إلى الميقات ليحرم منه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لما وقَّت المواقيت: (هنَّ لهنَّ ولمن أتى عليهنَّ من غير أهلهنَّ ممن أراد الحج والعمرة) " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (11/140، 141) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
" من تجاوز الميقات بدون إحرام فلا يخلو من حالين: إما أن يكون مريداً للحج والعمرة: فحينئذٍ يلزمه أن يرجع إليه ليحرم منه بما أراد من النسك – الحج أو العمرة - فإن لم يفعل فقد ترك واجباً من واجبات النسك، وعليه عند أهل العلم فدية: دم يذبحه في مكة، ويوزعه على الفقراء هناك.
وأما إذا تجاوزه وهو لا يريد الحج والعمرة: فإنه لا شيء عليه " انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (21/السؤال رقم 341) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3921)
لبس حمالة الطفل أثناء الإحرام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم لبس حمالة الأطفال التي تعلق على الجسم أثناء أداء فريضة العمرة " تسمى بالإنجليزية " Kangoro".؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في لبس ما يسمى بحمالة الأطفال، أثناء الإحرام؛ لأن ذلك ليس من الألبسة المنصوص على منعها حال الإحرام، ولا هي في معنى المنصوص.
وهي أشبه ما تكون بحمل قربة الماء، أو وعاء النفقة، أو بحمل المتاع على الظهر مع شده بحبل على الصدر، وهذا لا محظور فيه كما سيأتي.
والألبسة التي منع منها المحرم: هي القميص (الثوب) ، السراويل، البرانس (وهي ثياب واسعة لها غطاء يغطى به الرأس متصل بها) العمائم، الخفاف (جمع خف، وهو ما يلبس على الرِّجْل من جلد) .
وقد دل على ذلك: ما رواه البخاري (5805) ومسلم (1177) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عمر رضي الله عنهما قَالَ: قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا تَأْمُرُنَا أَنْ نَلْبَسَ إِذَا أَحْرَمْنَا؟ قَالَ: (لا تَلْبَسُوا الْقَمِيصَ وَالسَّرَاوِيلَ وَالْعَمَائِمَ وَالْبَرَانِسَ وَالْخِفَافَ إِلا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ لَيْسَ لَهُ نَعْلَانِ فَلْيَلْبَسْ الْخُفَّيْنِ أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ، وَلا تَلْبَسُوا شَيْئًا مِنْ الثِّيَابِ مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ وَلا وَرْسٌ) .
ويلحق بذلك ما كان في معناه، كالجبة والعباءة، والتبان (السراويل القصير) ، والطاقية، والجورب، وكل ما كان مفصلا على الجسم أو بعض الجسم مما يلبس عادة.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله مبينا اللباس الذي يمنع منه المحرم: " ويتضح بالحديث المذكور أن المراد بالمخيط ما خيط أو نسج على قدر البدن كله كالقميص، أو نصفه الأعلى كالفنيلة، أو نصفه الأسفل كالسراويل. ويلحق بذلك ما يخاط أو ينسج على قدر اليد كالقفاز أو الرجل كالخف) انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (17/118) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ولو تقلد الإنسان بسيف أو مسدس جاز؛ لأنه لا يدخل فيما نص عليه الرسول صلى الله عليه وسلم لا لفظا ولا معنى. ولو ربط بطنه بحزام جاز. ولو علق على كتفه قربة ماء جاز، أو وعاء نفقة جاز. المهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم عدّ ما يحرم عدا، فما كان بمعناه ألحقناه به، وما لم يكن بمعناه لم نلحقه به، وما شككنا فيه فالأصل الحل) انتهى من "الشرح الممتع" (7/152) .
فحمالة الطفل المسئول عنها لا تزيد على ما ذكره الشيخ من تعليق القربة على الكتف، وهي شبيهة أيضا بحمل المتاع مع شده بحبل ونحوه.
وقد نص بعض العلماء على أنه يجوز للمحرم أن يحمل متاعه على ظهره، ويشده بحبل على صدره إذا احتاج لذلك، هذا يشبه إلى حد بعيد حمالة الطفل.
انظر: "منح الجليل شرح مختصر خليل" (2/308) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3922)
لماذا يحرم على الحاج لبس المخيط
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا حرم الله على الحجاج لبس المخيط، وما الحكمة من ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: فرض الله الحج على من استطاع إليه سبيلاً من المكلفين، مرة في العمر، وجعله ركناً من أركان الإسلام، لما هو معلوم من الدين بالضرورة، فعلى المسلم أن يؤدي ما فرضه الله عليه؛ إرضاءً لله وامتثالاً لأمره، رجاءَ ثوابه وخوف عقابه، مع الثقة بأن الله تعالى حكيم في تشريعه وجميع أفعاله، رحيم بعباده، فلا يشرع لهم إلا ما فيه مصلحتهم وما يعود عليهم بالنفع العميم في الدنيا والآخرة، فإلى ربنا الملك الحكيم سبحانه التشريع، وعلى العبد الامتثال مع التسليم.
ثانياً: لمشروعية التجرد من المخيط في الحج والعمرة حكم كثيرة منها: تذكر أحوال الناس يوم البعث، فإنهم يبعثون يوم القيامة حفاة عراة ثم يكسون، وفي تذكر أحوال الآخرة عظة وعبرة، ومنها: إخضاع النفس، وإشعارها بوجوب التواضع، وتطهيرها من درن الكبرياء، ومنها إشعار النفس بمبدأ التقارب والمساواة والتقشف، والبعد عن الترف الممقوت، ومواساة الفقراء والمساكين ... إلى غير ذلك من مقاصد الحج على الكيفية التي شرعها الله وبينها رسوله صلى الله عليه وسلم.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (فتاوى اللجنة 11/179)
(* تنبيه: ليس المراد بالمخيط ما كان فيه خيوط، بل المراد بالمخيط هو ما فُصِّل على أعضاء الجسم كالجاكيت – المفصل على اليدين والصدر – والسروال – المفصل على الرجلين – والخفين – المفصل على القدمين – والقفازين للمرأة – المفصل على الكفين -، وبناءً عليه فيجوز لبس الساعة التي فيها خيوط، والحذاء الذي فيه خيوط، والحزام الذي فيه خيوط ... الخ) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/3923)
تقليم الأظافر للمحرم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للرجل عندما يحرم من الميقات أن يجلس ويقلم أظافره، أم لا يجوز له ذلك إلا بعد أن يذبح الهدي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا فعل ذلك قبل الإحرام فلا حرج في ذلك، إلا أن يكون أراد أن يضحي وقد دخل شهر ذي الحجة فلا يجوز له ذلك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، وأما فعل ذلك بعد الإحرام أي بعد نية الدخول في الإحرام فلا يجوز مطلقاً؛ لأن المحرم ليس له أن يقلم أظفاره أو يأخذ شيئاً من شعره إلا إذا فرغ من طوافه وسعيه للعمرة، فإنه يتحلل من إحرامه بالحلق أو التقصير، وهكذا في الحج إذا رمى جمرة العقبة، فإنه يشرع له أن يحلق أو يقصر، والحلق أفضل، ثم يتحلل سواء كان ذلك قبل الذبح أو بعده، وكونه بعد الذبح أفضل إذا تيسر ذلك.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (فتاوى اللجنة 11/178) .(5/3924)
قبل وباشر زوجته وهو محرم
[السُّؤَالُ]
ـ[شخص حاج، وقع في محذور، وهو تقبيل زوجته وإنزاله خارج القبل بشهوة بعد رمي جمرة العقبة والحلق وقبل طواف الإفاضة، وهي غير حاجة، أفتونا مأجورين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز لمسلم أحرم لحج أو عمرة أو بهما أن يتعرض لما يفسد إحرامه، أو ينتقص عمله، والقبلة حرام على من أحرم بالحج حتى يتحلل التحلل الكامل، وذلك برمي جمرة العقبة، والحلق أو التقصير وطواف الإفاضة والسعي إن كان عليه سعي؛ لأنه لا يزال في حكم الإحرام الذي يحرم عليه النساء، ولا يفسد حج من قبل امرأته وأنزل بعد التحلل الأول، وعليه أن يستغفر الله ولا يعود لمثل هذا العمل، ويجبر ذلك بذبح رأس من الغنم يجزئ في الأضحية يوزعه على فقراء الحرم المكي، والواجب المبادرة إلى ذلك حسب الإمكان.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (فتاوى اللجنة 11/188) .(5/3925)
لبس الإحرام ثم أراد ترك الحج
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا لبس الإحرام لعمرة أو لحج ثم فسخها ماذا يجب عليه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا لبس الإزار والرداء ولم ينو الدخول في الحج أو العمرة ولم يلب بذلك فهو بالخيار: إن شاء دخل في الحج أو العمرة، وإن شاء ترك ذلك، ولا حرج عليه إذا كان قد أدى حجة وعمرة الإسلام، أما إن كان قد نوى الدخول في الحج أو العمرة فليس له فسخ ذلك والرجوع عنه، بل يجب عليه أن يكمل ما أحرم به على الوجه الشرعي؛ لقول الله سبحانه: {وأتموا الحج والعمرة لله} البقرة196، وبهذا يتضح لك: أن المسلم إذا دخل في حج أو عمرة بالنية فليس له رفض ذلك، بل يجب عليه أن يكمل ما شرع فيه؛ للآية الكريمة المذكورة، إلا أن يكون قد اشترط، وحصل المانع الذي خاف منه فله أن يتحلل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لضباعة بنت الزبير لما قالت: يارسول الله إني أريد الحج وأنا شاكية، قال: «حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني» متفق على صحته.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (فتاوى اللجنة 11/166) .(5/3926)
أصلع تضره الشمس فهل يغطي رأسه وهو محرم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني أرغب في الحج إن شاء الله ومشكلتي هي: أنني رجل أصلع - بدون شعر يغطي الرأس -، وبشرتي حساسة جداً، وأي أشعة شمس تؤثر على صحتي، وتسبب التهاباً شديداً في بشرة الرأس، وظهور الشرايين بالرأس خاصة وبالوجه عامة، وكما تعلم أن من محظورات الإحرام تغطية الرأس، أرجو من سماحتكم إفتائي عن هذه الحالة، علماً أنني رجل قصير القامة، ولا أستطيع أن أحمل المظلة؛ لأنها تؤذي من حولي. هذا والله يرعاكم ويسدد خطاكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الأمر كما ذكر فإنك تغطي رأسك وأنت محرم، وتفدي فتذبح شاة تطعمها الفقراء في مكة، أو تطعم ستة مساكين بالحرم: لكل مسكين نصف صاع من تمر أو غيره من قوت البلد، أو تصوم ثلاثة أيام.
هذا بالنسبة للإحرام بالحج، وكذلك لو أحرمت بالعمرة فعليك فدية أخرى.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (فتاوى اللجنة الدائمة 11/181)(5/3927)
تغيير ملابس الإحرام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمحرم من الرجال والنساء تغيير إحرامه بإحرام آخر، سواء كان في وقت الحج أو العمرة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز للمحرم بحج أو عمرة تغيير إحرامه بملابس أخرى للإحرام، ولا تأثير لهذا التغيير على إحرامه بالحج أو العمرة.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (فتاوى اللجنة 11/185)(5/3928)
هل يلبس القفازين في الطواف حتى لا يمس النساء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لبس القفازات أثناء الإحرام؟ خصوصاً أثناء الطواف والسعي بسبب التقارب الشديد بين النساء والرجال والذي قد يسبب اللمس ونقض الوضوء.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للمحرم أن يلبس القفازين، رجلاً كان أم امرأة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تَنْتَقِبْ الْمَرْأَةُ الْمُحْرِمَةُ وَلا تَلْبَسْ الْقُفَّازَيْنِ) . رواه البخاري (1838) .
والحديث وإن كان في حق المرأة إلا أن العلماء اتفقوا على تحريم لبس الرجل القفازين وهو مُحرم. انظر "المغني" (5/120) . وفتح الباري (4/53) .
وأما لمس النساء في الطواف والسعي، فإن لمس المرأة الأجنبية حرام، فعلى الرجل أن يحتاط، ويبتعد عن أماكن النساء، ثم إذا لمس امرأة من غير قصد فلا حرج عليه، لقول الله تعالى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) الأحزاب/5.
وأما نقض الوضوء بلمس المرأة فقد سبق في إجابة السؤال رقم (2178) أن الأرجح من أقوال العلماء أن لمس المرأة لا ينقض الوضوء.
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن حكم طواف من لامس امرأة أجنبية فقال:
لمس الإنسان جسم المرأة حال طوافه أو حال الزحمة في أي مكان لا يضر طوافه، ولا يضرّ وضوءه، في أصح قولي العلماء، وقد تنازع الناس في لمس المرأة هل ينقض الوضوء؟ على أقوال:
قيل: لا ينقض مطلقاً.
وقيل: ينقض مطلقاً.
وقيل: ينقض إن كان مع الشهوة.
والأرجح من هذه الأقوال والصواب منها أنه لا ينقض الوضوء مطلقاً، وأن الرجل إذا مس المرأة أو قبّلها لا ينتقض وضوؤه في أصح الأقوال، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قَبَّل بعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ، ولأن الأصل سلامة الوضوء، وسلامة الطهارة....وبهذا يُعلم أن الذي مسّ جسمه جسم امرأة في الطواف أن طوافه صحيح، وهكذا الوضوء، ولو مسّ امرأته أو قبّلها فوضوؤه صحيح ما لم يخرج منه شيء، لكن ليس له أن يمس جسم امرأة ليست محرماً له على وجه العمد " اهـ.
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة ج/17ص/218-219.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3929)
لماذا يلبس الحجاج تلك الملابس؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا الحاج يرتدي تلك الملابس في الحج؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أمرنا الله على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بارتداء الإزار والرداء في الحج وفي العمرة لحكمة يعلمها، فوجب علينا الامتثال؛ رجاءَ الثواب، سواء علمنا الحكمة أم لم نعلمها، ومما ذكره العلماء في ذلك: التذكير بحال الناس يوم الجمع والنشور يوم القيامة، وإشعار الحاج بالتواضع والتساوي بين الغني والفقير، نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد والثبات على الحق حتى نلقاه.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (فتاوى اللجنة 11/171)(5/3930)
انتقبت في حجها فهل عليها شيء
[السُّؤَالُ]
ـ[ذهبت للحج منذ سنتين وكنت منقبة ثم علمت انه لا يجوز تغطية الوجه خلال الحج، ولكني عندما لبست النقاب كان قد قيل لي ومن مصدر موثوق به أنه يجوز تغطية الوجه.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1. ستر الوجه للمرأة خلق حسن ورحم الله المتنقبات رحمة كبيرة ولعلك أختي في الله لم تسألي إلا حرصاً على دينك – زادك الله حرصاً – إلا أن من الحرص الأعظم أن نحافظ على أوامر الدين التي تأمر النساء بنزع النقاب عن وجوههن عند الصلاة وفي الحج ولكن في الصلاة خاصة فإنه لا يحل ستر الوجه بحال إلا إن حضر من الرجال من هو من غير المحارم وفي الحج يجوز للمرأة أن تسدل على وجهها الغطاء إن لم يكن مفصلاً على حدود وجهها فالنقاب وهو ما يسمى (البرقع) لا يحل للمحرمة اتخاذه ويحل لها أن تسدل على وجهها غطاءاً تلقيه من رأسها على وجهها إلا إن تعذر غير النقاب (البرقع) وحضر من لا يحل له النظر إلى وجه المرأة فإنه يحل لها النقاب (البرقع) وإلا فلا.
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: " قام رجل فقال يا رسول الله ماذا تأمرنا أن نلبس من الثياب في الإحرام فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تلبسوا القميص ولا السراويلات ولا العمائم ولا البرانس إلا أن يكون أحد ليست له نعلان فليلبس الخفين وليقطع أسفل من الكعبين ولا تلبسوا شيئا مسه زعفران ولا الورس ولا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين ". رواه البخاري (1468) ومسلم (1177) .
2. وأما جواز السدل على الوجه بغير النقاب أو خشية الرجال الأجانب، فقد صحَّ ذلك عن بعض الصحابيات الجليلات:
عن عائشة قالت: كنا نخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن محرمات فإذا التقينا الركبان سدلنا الثوب على وجوهنا سدلاً. رواه أبو داود (1833) وابن ماجه (2935) .
يقول الشيخ ابن عثيمين:
لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حرّم على المحرمة تغطية وجهها وإنما حرم عليها النقاب فقط لأنه لباس الوجه وفرق بين النقاب وتغطية الوجه وعلى هذا فلو أن المرأة المحرمة غطت وجهها لقلنا: هذا لا بأس به ولكن الأفضل أن تكشفه ما لم يكن حولها رجال أجانب فيجب عليها أن تستر وجهها عنهم. " الشرح الممتع " (7/153) .
3. أما بالنسبة لما مضى من حجك بالصورة التي ذكرتِ فلاشيء عليك لعذر الجهل، وكل محظورات الإحرام من فعلها جاهلاً أو ناسياً: فلا إثم عليه ولا فدية.
فعن يعلى بن أمية رضي الله عنه أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة قد أهل بالعمرة وهو مُصفر لحيته ورأسه وعليه جبة فقال يا رسول الله إني أحرمت بعمرة وأنا كما ترى فقال انزع عنك الجبة واغسل عنك الصفرة وما كنت صانعا في حجك فاصنعه في عمرتك. رواه البخاري (1697) ومسلم (1180) .
قال الشيخ ابن عثيمين:
ومثل النسيان: الجهل والإكراه، أي: لو أن الإنسان نسي فلبس ثوباً وهو محرم فليس عليه شيء، ولكن عليه متى ذكر أن يخلعه ويلبس الإزار والرداء، وكذلك الطيب، فلو تطيب وهو محرم ناسياً فلا شيء عليه، لكن عليه إذا ذكر أن يبادر بغسله. " الشرح الممتع " (7/222) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3931)
تغطية الرأس للمحرم، والتظليل بالشمسية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز تغطية الرأس بمظلة أثناء الحج لتحمي الجسم من أشعة الشمس؟ هذه المظلة يمكن أن توضع على الكتف وتكون اليدان طليقتين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
اتفق العلماء على أن ستر الرأس محرم على الرجل في الإحرام، وقد دل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي مات بعرفة وهو محرم: (اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ وَلا تُمِسُّوهُ طِيبًا وَلا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ فَإِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا) . رواه البخاري (1267) ومسلم (1206) .
ومعنى: (لا تخمروا رأسه) أي: لا تغطوه.
وروى البخاري (1542) ومسلم (1177) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنْ الثِّيَابِ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا يَلْبَسُ الْقُمُصَ، وَلا الْعَمَائِمَ، وَلا السَّرَاوِيلاتِ، وَلا الْبَرَانِسَ، وَلا الْخِفَافَ) . والبرنس ثوب يلبسه أهل المغرب، له رأس متصلة به.
ثانياً: تغطية المحرم رأسه على أقسام:
الأول: أن يغطيها بما يلاصق الرأس، كالطاقية والعمامة وما أشبه ذلك فهذا حرام، ودليل تحريمه الحديثان السابقان.
الثاني: أن يغطي رأسه بما لا يلاصقه كالشمسية والخيمة وسقف السيارة ونحو ذلك، فلا بأس به، لقول أم حصين رضي الله عنها: حَجَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ فَرَأَيْتُهُ حِينَ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَانْصَرَفَ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَمَعَهُ بِلالٌ وَأُسَامَةُ أَحَدُهُمَا يَقُودُ بِهِ رَاحِلَتَهُ وَالآخَرُ رَافِعٌ ثَوْبَهُ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الشَّمْسِ. رواه ومسلم (1298) .
قال النووي:
فِيهِ: جَوَاز تَظْلِيل الْمُحْرِم عَلَى رَأْسه بِثَوْبٍ وَغَيْره , وَهُوَ مَذْهَبنَا وَمَذْهَب جَمَاهِير الْعُلَمَاء اهـ.
وقال الشيخ ابن عثيمين: وهذا كالشمسية تماماً اهـ
وقال الشيخ ابن باز: لا حرج على المحرم أن يستعمل الشمسية اتقاءً للشمس، كما يستظل في الخيمة وسقف السيارة اهـ فتاوى ابن باز (17/115) .
الثالث: حمل المتاع على الرأس، فلا بأس به لأنه لا يقصد به الستر غالباً، لكن إن قصد به الستر فهو حرام.
قال الشيخ ابن باز:
وأما حمل المتاع فليس من الغطاء المحرم كحمل الطعام ونحوه إذا لم يفعل ذلك حيلة، لأن الله سبحانه وتعالى قد حرم على عباده التحيل لفعل ما حرم اهـ فتاوى ابن باز (17/115) .
والله أعلم
انظر: الشرح الممتع (7/141-143) مناسك الحج والعمرة (ص 52-53) للشيخ ابن عثيمين.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3932)
وقع في العادة السرية في ليالي منى في الحج!
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل - في دينه رقة - أدى الحج ووقع في العادة السرية مرة واحدة في إحدى ليالي المبيت بمنى، فهل عليه شيء؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يتعجب المرء حين يسمع عن حجاج تركوا ديارهم وأهلهم، وأقبلوا بقلوبهم وأبدانهم على أداء النسك الذي جعله الله تعالى ركناً من أركان الإسلام، ثم يعصي الواحد منهم ربَّه تعالى، وأين؟ في المشاعر! بل وفي الحرم، فـ " منى " من المشاعر وهي داخلة في حدود الحرم، وقد سبق في جواب السؤال (329) حرمة العادة السرية، ومما لا شك فيه أن المعصية تعظم بعظم الزمان والمكان، وهو ما حصل في تلك المعصية، والتي فُعلت في الحرم وفي زمان معظَّم وهي أيام التشريق أيام المناسك وذكر الله تعالى.
والمعصية في الحج تنقص ثوابه، وقد قال العلماء عن الحج المبرور: إنه الذي لا يخالطه إثم. ويدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ) أي: بغير ذنب. رواه البخاري (1521) ومسلم (1350) .
فالواجب على الشخص المسئول عنه أن يتوب إلى الله ويستغفر، وأن يندم ندماً صادقاً على فعله، وأن يعزم على عدم العوْد لهذا الذنب، مع الإكثار من الطاعات ودعاء الله تعالى أن يتقبل منه.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" المعصية مطلقا تنقص من ثواب الحج، لقوله تعالى:) فمن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) البقرة/197.
بل إن بعض أهل العلم قال: إن المعصية في الحج تفسد الحج؛ لأنه منهي عنها في الحج، ولكن جمهور أهل العلم على قاعدتهم المعروفة أن التحريم إذا لم يكن خاصا بالعبادة فإنه لا يبطلها، والمعاصي ليست خاصة بالإحرام، إذ المعاصي حرام في الإحرام وغير الإحرام، وهذا هو الصواب، وأن هذه المعاصي لا تبطل الحج ولكنها تُنْقِصُ الحج " اهـ. "فتاوى أركان الإسلام" ص 571.
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله عن رجل زاول العادة السرية بعد أن أحرم بالحج وقبل الذهاب إلى عرفات، فأجاب:
" الحج صحيح في أصح قولي العلماء. وعليك التوبة إلى الله من ذلك؛ لأن تعاطي العادة السرية محرم في الحج وغيره، لقول الله عز وجل: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) المؤمنون/5 – 7.
[الْمَصْدَرُ]
(5/3933)
هل يجوز أن يلبس الجاكيت في الإحرام إذا كان الجو بارداً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن نتغطى بالجاكيت أو أي شيء آخر أثناء الإحرام إذا كان الجو بارداً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلا قال: يا رسول الله ما يلبس المحرم من الثياب؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يلبس المحرم القميص ولا السراويل ولا البرنس ولا الخفين إلا أن لا يجد النعلين فليلبس ما هو أسفل من الكعبين) رواه البخاري (5458) ومسلم (1177) .
ففي الحديث: نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن لبس أشياء مخصوصة للمحرِم، وإباحة ما سواها، ويقاس على ما نهى عنه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما كان مثله، فالجاكيت أو العباءة إذا وضعهما المحرم على كتفيه فهو لباس منهي عنه، ويجوز له أن يلتحف بهما إذا أراد الدفء دون لبسهما.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
" وكذلك يجوز أن يلبس كل ما كان من جنس الإزار والرداء، فله أن يلتحف بالقباء والجبة والقميص ونحو ذلك، ويتغطى به - باتفاق الأئمة - عرضا، ويلبسه مقلوباً، يجعل أسفله أعلاه ويتغطى باللحاف وغيره، ولكن لا يغطي رأسه إلا لحاجة " انتهى.
" مجموع الفتاوى " (26 / 110) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – في بيان ما يحرم على المحرم من الرجال لبسه -:
" لا يلبس القميص ولا العمائم ولا البرانس ولا السراويل ولا الخفاف إلا إذا لم يجد إزاراً فيلبس السراويل، أو لم يجد نعلين فيلبس الخفاف.
ولا يلبس ما كان بمعنى ما سبق، فلا يلبس العباءة ولا القباء ولا الطاقية ولا الفنيلة ونحوها " انتهى.
" كيف يؤدي المسلم مناسك الحج والعمرة " (ص 7، 8) .
وقال أيضاً:
ولا بأس أن يلف القميص على جسمه بدون لبس، ولا بأس أن يجعل العباءة رداءً بحيث لا يلبسها كالعادة.
" مناسك الحج والعمرة " (ص 64) .
وعلى هذا، فإذا كان الجو بارداً فللمحرم أن يلتحف بعباءة أو غيرها من غير أن يلبسها على الوجه المعتاد، فإذا احتاج إلى لبس جاكيت لكونه لا يجد شيئاً يدفع به البرد إلا هو فلا حرج عليه في لبسه، وعليه أن يخرج الفدية: ذبح شاة أو صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين. يفعل أي واحد من هذه الأشياء الثلاثة لحديث كعب بن عجرة رضي الله عنه لما احتاج أن يحلق رأسه وهو محرم، قال له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَاحْلِقْ، وَصُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، أَوْ انْسُكْ نَسِيكَةً) رواه البخاري (4190) ومسلم (1201) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3934)
فعل العادة السرية وهو محرم
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا على من فعل العادة السرية في اليوم الثامن من أيام الحج وهو محرم؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحج صحيح في أصح قولي العلماء. وعليك التوبة إلى الله من ذلك، لأن تعاطي العادية السرية، محرم في الحجّ وغيره، لقول الله عز وجل: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِين * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) المؤمنون / 5-7، ولما فيها من المضار الكثيرة التي أوضحها العلماء.
نسأل الله لنا ولكم الهداية والتوفيق. وعليك دم يذبح في مكّة للفقراء. اهـ
فتاوى الشيخ ابن باز 17/139
ولمعرفة حكم الاستمناء راجع سؤال رقم 329.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3935)
هل يجوز للمحرم أن يسرح شعره؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمحرم أن يسرح شعره بالمشط؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال ابن عثيمين رحمه الله:
تمشيط المحرم شعره لا ينبغي لأن الذي ينبغي للمحرم أن يكون أشعث أغبر، ولا حرج عليه أن يغسله، وأما تمشيطه فإنه عرضة لتساقط الشعر، ولكن إذا سقط شعر من المحرم بدون قصد إما لحك رأسه أو لفركه وما أشبه ذلك فإنه لا حرج عليه في هذا، لأنه غير متعمد إزالته، وليعلم أن جميع محظورات الإحرام إذا لم يتعمدها الإنسان ووقعت منه على سبيل الخطأ أو على سبيل النسيان فإنه لا حرج عليه فيه، لأن الله سبحانه وتعالى قال في كتابه:
(وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الأحزاب / 5. وقال سبحانه وتعالى: (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) البقرة / 286. فقال الله: قد فعلت اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى أركان الإسلام (ص521-522)(5/3936)
لا بأس بلبس الحزام في الإحرام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لبس الحزام لأضع فيه النفقة والأوراق التي أحتاج إليها، مع أنه مخيط؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ ابن عثيمين:
وضع الحزام على الإزار لا بأس به، ولا حرج فيه.
أما قول السائل: " أنه مخيط " هذا القول مبني على فهم خاطئ من بعض العامة، حيث ظنوا أن المراد به ما كان فيه خياطة، وليس كذلك بل مراد أهل العلم بلبس المخيط ما كان مصنوعاً على قدر العضو وليس على هيئته المعتادة كالقميص والسراويل والفنيلة، وما أشبه ذلك، وليس مراد أهل العلم ما كان به خياطة، ولهذا لو أن الإنسان أحرم برداء مرقع أو بإزار مرقع لم يكن عليه في ذلك بأس وإن كان قد خيط بعضه ببعض اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى أركان الإسلام (ص525)(5/3937)
من فعل محظوراً من محظورات الإحرام ناسياً أو جاهلاً
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا فعل المحرم شيئاً من محظورات الإحرام ناسياً أو جاهلاً أنه حرام فما الحكم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ ابن عثيمين:
إذا فعل شيئاً من محظورات الإحرام ناسياً أو جاهلاً فلا شيء عليه، ولكن يجب عليه بمجرد ما يزول العذر أن يتخلى عن ذلك المحظور والواجب تذكير الناسي، وتعليم الجاهل.
مثال هذا: لو أن رجلاً نسي فلبس ثوباً وهو محرم فلا شيء عليه، ولكن من حين ما يذكر يجب عليه أن يخلع هذا الثوب، وكذلك لو نسي فأبقى سرواله عليه، ثم تذكر بعد أن عقد النيّة ولبى، فإنه يجب عليه أن يخلع سرواله فوراً ولا شيء عليه، وكذلك لو كان جاهلاً فإنه لا شيء عليه مثل أن يلبس فنيلة ليس فيها خياطة، ظناً منه أن المُحَرَّم لبس ما فيه خياطة فإنه لا شيء عليه، ولكن إذا تبيّن له أن الفنيلة وإن لم يكن بها خياطة فإنها من اللباس الممنوع فإنه يجب عليه أن يخلعها.
والقاعدة العامة في هذا أن جميع محظورات الإحرام إذا فعلها الإنسان ناسياً أو جاهلاً أو مكرها فلا شيء عليه لقوله تعالى: (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) البقرة /286. فقال الله تعالى: قد فعلت. ولقوله تعالى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الأحزاب /5. ولقوله تعالى في خصوص الصيد، هو من محظورات الإحرام: (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً) المائدة /95. ولا فرق في ذلك بين أن يكون محظور الإحرام من اللباس، والطيب ونحوهما، أو من قتل الصيد وحلق شعر الرأس ونحوهما، وإن كان بعض العلماء فرّق بين هذا وهذا، ولكن الصحيح عدم التفريق، لأن هذا من المحظور الذي يعذر فيه الإنسان بالجهل والنسيان والإكراه.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى أركان الإسلام (ص 536-537)(5/3938)
إصدار خطاب تعريف بالراتب لمن يشتري عن طريق البنك
[السُّؤَالُ]
ـ[الذين يشترون السيارات عن طريق البنوك أو الإيجار المنتهي بالتمليك يطلبون من جهة العمل خطاب تعريف بالراتب، الشخص المسؤول عن إصدار هذه الخطابات هل يجوز له أن يمنحها لهم أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله:
إذا كان يعلم أنهم إنما يريدون ذلك ليتوصلوا به إلى هذه المعاملة المحرمة صار ذلك حراماً، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه، وقد نهى الله تعالى عن ذلك فقال: (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) . والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين(5/3939)
غسل الجسم للتبرد أثناء الإحرام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمحرم أن يغسل جسمه كله للتبرد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز للمسلم أن يغسل جسمه كله للتبرد إذا كان فيه حر، وهذا فيه تنشيط له على هذه العبادة، ويحرص في أثناء الغسل على أنه لا يتساقط شيء من شعره أو بشرته.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (فتاوى اللجنة 11/184)(5/3940)
هل يجوز للمحرم لبس النِّعال
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو أن تفيدني ما إذا كان يجوز للمحرم أن يلبس النعال ذات الشريطين. وهل ورد أي تحريم بخصوص ما ينتعل به المحرم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
السنة أن يُحرم الذكر في نعلين لأنه جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين) فالأفضل أن يُحرم في نعلين حتى يتوقى الشوك والرمضاء والشيء البارد، فإن لم يُحرم في نعلين فلا حرج عليه. انظر فتاوى إسلامية ج/2 ص/232.
والنعال هو الحذاء قال الفيروزأبادي: ما وُقيت به القدم من الأرض. القاموس المحيط ج/ ص/1374 فكلُّ ما يصدق عليه أنه نعال فإنه يجوز له أن يُحرم فيه. ولا عبرة في الخيطان الموجودة، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/3941)
النعناع ليس من الطيب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل النعناع يعد من الطيب المحظور في الإحرام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
النعناع ليس من الطيب، بل هو أولى من الريحان الفارسي، الريحان الفارسي يشبه اليشموم، وهو وإن كانت رائحته طيبة فليس من الطيب، بخلاف الريحان المعروف فإنه طيب طرياً ويابساً.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله.(5/3942)
هل من المحظورات وضع كيس على عضو من به سلس
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم أن يضع المحرم صاحب السلس شيئاً على العضو - مثل الكيس - حتى لا تنتشر النجاسة؟ هل هو من محظورات الإحرام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله بأن هذا ليس من محظورات الإحرام.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(5/3943)
أحرم بالعمرة في آخر شعبان وأداها في رمضان فهل له أجر عمرة في رمضان؟
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل أحرم بالعمرة قبل أذان المغرب في آخر يوم في شعبان، وبعد المغرب أُعلن دخول رمضان، فهل تحسب له عمرة في رمضان أم لا؟ والمقصود: أنه دخل في نية الإحرام قبل المغرب، وأدى العمرة في الليل - ليلة رمضان -.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
للعمرة في رمضان ثواب جليل، وهو أجر حجة.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لِامْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ: (مَا مَنَعَكِ أَنْ تَحُجِّي مَعَنَا؟ قَالَتْ: لَمْ يَكُنْ لَنَا إِلَّا نَاضِحَانِ [بعيران] ، فَحَجَّ أَبُو وَلَدِهَا وَابْنُهَا عَلَى نَاضِحٍ، وَتَرَكَ لَنَا نَاضِحًا نَنْضِحُ عَلَيْهِ، قَالَ: فَإِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَاعْتَمِرِي، فَإِنَّ عُمْرَةً فِيهِ تَعْدِلُ حَجَّةً) وفي رواية لمسلم: (حجة معي) رواه البخاري (1782) ومسلم (1256) .
وحتى يحصِّل المسلم ذلك الأجر العظيم: فإن عليه أن يحرم للعمرة، ويؤدي مناسكها في شهر رمضان، لا أن يحرم لها في اليوم الأخير لشعبان، ولو أدى مناسكها في رمضان، ولا أن يحرم لها في رمضان، ويؤدي مناسكها في شوال.
فهما صورتان لا يكون لمؤدي العمرة فيهما أجر حجة:
الصورة الأولى: أن يحرم للعمرة في آخر شهر شعبان، ويؤدي المناسك بعد دخول شهر رمضان.
الصورة الأخرى: أن يحرم للعمرة قبل غروب شمس اليوم الأخير من رمضان، ويؤدي مناسكها في ليلة العيد.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
"والمعتمر في رمضان لا بد أن تكون عمرته من ابتداء الإحرام إلى انتهائه في رمضان، وبناء على ذلك نأخذ مثالاً آخر:
لو أن رجلاً وصل إلى الميقات في آخر ساعة من شعبان، وأحرم بالعمرة، ثم غربت الشمس، ودخل رمضان بغروب الشمس، ثم قدم مكة، وطاف، وسعى، وقصَّر، هل يقال: إنه اعتمر في رمضان؟ .
الجواب: لا؛ لأنه ابتدأ العمرة قبل دخول شهر رمضان.
مثال ثالث: رجل أحرم بالعمرة قبل غروب الشمس من آخر يوم من رمضان، وطاف، وسعى للعمرة في ليلة العيد، فهل يقال: إنه اعتمر في رمضان؟ .
الجواب: لا، لأنه لم يعتمر في رمضان؛ لأنه أخرج جزءاً من العمرة عن رمضان، والعمرة في رمضان من ابتداء الإحرام إلى انتهائه" انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " (21 / 352، 353) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3944)
هل يعتمر الزوجان جميعاً، أو يدخرا المال ليحج الزوج وحده؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الأولى الادخار للحج السنة القادمة أم العمرة الآن؟ الآن أنا وزوجي معنا مال يكفي لنعتمر معاً ولكن إذا لم نعتمر حتى العام القادم ممكن يتوفر بعض المال ليحج هو وحده ولكن هذا غير مؤكد فما هو الأولى؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي ننصحكما به هو المبادرة إلى أداء العمرة، ما دمتم مستطيعين وذلك لعدة أسباب:
1- أن المشروع للمؤمن أن يبادر إلى الأعمال الصالحة، قال الله تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) آل عمران/133، وقال تعالى: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ) الحديد/21.
وقال بعض السلف: من فتح له باب من الخير فلينتهزه، فإنه لا يدري متى يغلق عنه.
2- أنك غير متأكدة من استطاعة زوجك الحج العام القادم بسبب كفاية المال، بل حتى لو وجد المال فقد توجد أمور أخرى كالانشغال أو غيره تمنعه من الحج، فيكون قد أخَّر العمرة من غير حاجة أو مصلحة أعظم، ولم يتمكن من الحج.
3- أنكما الآن تستطيعان العمرة، فهي واجبة عليكما، وأما الحج، فليس واجباً عليكما الآن ـ بسبب عدم الاستطاعة ـ وليس من الحكمة أن يؤجل الإنسان ما يجب عليه الآن، من أجل أن يأتي فيما بعد بما لم يكن واجباً عليه.
فأنتما الآن مأموران بالعمرة، ـ ما دمتما مستطيعين ـ ولستما مأمورين بالحج، لعدم الاستطاعة، فعليكما الإتيان بالعمرة، امتثالا لأمر الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/16، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ) رواه البخاري (7288) ومسلم (1337) .
4- ثم إنك لم تذكري شيئاً عن هذا المبلغ المدخر، هل هو ملك لزوجك، أو ملك لكما ادخرتماه معاً؟
فإن كان المبلغ لكما، فقد ذكر العلماء رحمهم الله أنه لا يجوز الإيثار بالطاعات الواجبة، فليس لك أن تعطي مالك لزوجك ليحج هو به، ثم لا تعتمرين أنت.
قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله:
"الإيثار بالقرب على نوعين:
النوع الأول: القرب الواجبة: فهذه لا يجوز الإيثار بها، ومثاله رجل معه ماء يكفي لوضوء رجل واحد فقط، وهو على غير وضوء، وصاحبه الذي معه على غير وضوء ففي هذه الحال لا يجوز أن يؤثر صاحبه بهذا الماء؛ لأنه يكون قد ترك واجباً عليه وهو الطهارة بالماء، فالإيثار في الواجب حرام ... " انتهى.
"لقاءات الباب المفتوح" اللقاء/35 ص 22.
ونسأل الله لكما التوفيق إلى ما يحب ويرضى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3945)
يقوم البنك بعمل قرعة ويعطي الفائز مالاً يؤدي به العمرة
[السُّؤَالُ]
ـ[كل سنة يقوم أحد البنوك بعمل قرعة والفائزون يحصلون على أموال للعمرة، فهل يجوز أداء العمرة بهذه الأموال من البنك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان البنك إسلاميا تنضبط معاملاته بالشرع، ودفع هذه الجوائز من ماله للتشجيع على التعامل معه، فلا حرج عليك في أخذ المال وأداء العمرة به.
وأما إن كان البنك ربويا، فإنه لا يجوز الإيداع فيه إلا لضرورة حفظ المال، ولا يجوز الانتفاع بالفائدة التي يقدمها، بل تصرف في المصالح العامة.
وعليه؛ فما جاءك من هذا المال لا يجوز أن تعتمر منه ولا أن تنتفع به لنفسك، بل تتخلص منه بإنفاقه في وجوه الخير ومصالح المسلمين.
وهذه الجوائز التي تعطيها البنوك للمودعين فيها هي صورة من صور الربا، وحيلة من الحيل حتى يخدعوا بها الناس، ليقبلوا على التعامل الربوي مع هذا البنك.
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: عن بعض البنوك التجارية بدول الخليج تقوم بوضع جوائز مثل: سيارات أو بيوت جاهزة لمن يفتح في البنك حساب توفير لحفظ أمواله، وتعمل قرعة بين زبائن البنك، ثم يفوز بالجائزة أحد الزبائن، فما حكم هذه الجائزة سواء كانت عينية أو مادية؟
فأجابوا: " إذا كان الأمر كما ذكر، فإن هذه الجوائز غير جائزة؛ لأنها فوائد ربوية مقابل إيداع الأموال في البنوك الربوية، وتغيير الأسماء لا يغير الحقائق " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (15/196) .
وينظر جواب السؤال رقم (72413) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3946)
حجت مفردة مع زوجها وتركا السعي
[السُّؤَالُ]
ـ[حججت مع زوجي مفردة، وأنا من سكان مكة، ولم نقم بالسعي، فماذا علينا؟ وإن كان هناك فدي فما هي الجهة التي يمكن الاعتماد عليها في توزيعه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
السعي ركن من أركان الحج، لا يتم الحج بدونه، ولا يتحلل المحرم التحلل الأكبر حتى يأتي به، وأما التحلل الأصغر الذي يباح به كل شيء إلا النساء فيحصل بالرمي والحلق، فإذا طاف المحرم وسعى تحلل التحلل الأكبر، وحل له كل شيء.
والمفرد لا يلزمه إلا سعي واحد، فإن سعى بعد طواف القدوم كفاه هذا السعي.
وعليه؛ فإذا لم تكوني سعيت بعد طواف القدوم، فأنت على إحرامك الآن، لم تتحللي التحلل الأكبر، ولا يجوز لزوجك أن يجامعك حتى تتحللا، وذلك بفعل السعي.
وإن كان قد وقع الجماع في هذه المدة عن جهل، فلا شيء عليكما، والأحوط أن تخرجا فدية، وهي ذبح شاة أو إطعام ستة مساكين أو صيام ثلاثة أيام، عن كل واحد منكما.
ولا يحصل لكما التحلل إلا بالسعي.
وعليكما الاستغفار والتوبة من هذا التقصير والتفريط، فلا أنتما فعلتما النسك كما أمر الله، ولا سألتما أهل العلم خلال هذه المدة الطويلة، مع وجودكما في مكة ويسر إتيانكما بالسعي.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: أنا من سكان مكة حججت العام الماضي وطفت ولكن لم أسع، فما الحكم؟
فأجاب: "عليك السعي، وهذا غلط منك، ولا بد من السعي سواء كنت من أهل مكة أو من غيرهم، لا بد من السعي بعد الطواف بعد النزول من عرفات تطوف وتسعى، فالذي ترك السعي يسعى الآن، وإذا كان أتى زوجته عليه ذبيحة يذبحها في مكة للفقراء؛ لأنه لن يحصل له التحلل الثاني إلا بالسعي، فعليه أن يسعى الآن بنية الحج السابق، وعليه دم إن كان قد أتى زوجته " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (17/341) .
وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله فيمن حج وترك السعي لعجزه عن المشي واستئجار عربة: " وأما بالنسبة لترك السعي، فهذا غلط؛ لأنه يجب عليك إتمام المناسك، والسعي ركن من أركان الحج لا يتم الحج إلا به، فإن كنت قد أحرمت مفردًا بالحج أو قارنًا بين الحج والعمرة وسعيت بعد طواف القدوم فإنه ليس عليك سعي آخر بعد طواف الإفاضة، أما إن كنت متمتعًا أو كنت قارنًا أو مفردًا ولم تسع بعد طواف القدوم فإن السعي باق عليك، فيجب عليك أن تذهب وأن تسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط بنية سعي الحج، وإذا كان حصل منك مواقعة لزوجتك في هذه المدة، فإنك تذبح شاة دم جبران توزعه على فقراء مكة، وإذا أردت العودة إلى بلدك فإنك تطوف للوداع " انتهى من "المنتقى من فتاوى الفوزان".
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3947)
الحكمة من تشريع الحج مرة واحدة في العمر
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا ينبغي على المسلمين أن يزوروا مكة على الأقل مرة واحدة في العمر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
وبعد: فنحن المسلمين نشعر بالشرف، والفخر أننا عبيدٌ لله الواحد الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، وأنه ربنا ولا رب لنا سواه، ولذا فإننا نتلقى أوامر الرب الكريم ونحن في غاية الخضوع والتسليم لما يأمرنا به؛ لأننا نعلم أنه هو الحكيم الذي ليس فوق حكمته حكمةُ أحد، ونعلم أنه هو الرحيم الذي لا أحد أرحم منه سبحانه وبحمده، ولذا فنحن نحبه حبا يُلزمنا بطاعته فيما يأمرنا به، ولو كان هذا الأمر فيه مشقة علينا؛ فنحن نشعر بالفخر والسعادة والراحة ونحن نؤدِّي ما يأمرُنا به.
وإذا كان الإنسان إذا أحب إنساناً آخر فإنه يحب أن يخدمه، وربما يسعد بذلك، فما بالك بالرب الكبير العظيم الذي خلقنا ورزقنا وكل ما بأيدينا فهو نعمة منه سبحانه ـ وله المثل الأعلى ـ فنحن مدينون لربنا بكل شيء، فيجب علينا أن نسارع لكل ما يأمرنا به، لعلنا نشكر شيئاً يسيراً جدّاً من نعمه العظيمة، ولن نستطيع لكن الله الكريم بفضله الواسع يقبل منا أعمالنا القليلة، ويجازينا عليها بالكثير.
فمثلًا: (الحج) : لو أنَّ مسلما أدَّى الحج على الوجه الذي طلبه منه ربه فإن الله وعده بأن يغفر له ذنبه، ويدخله الجنة بشرط أن لا يفسد هذا العمل بارتكاب مخالفات عظيمة تغضب الله جل جلاله.
ومن زيادة رحمة الله بهذه الأمة، أن الله جعل وجوب طاعته فيما يأمرنا به أو يأمرنا به رسوله صلى الله عليه وسلم معلقاً بالاستطاعة، فمتى كان العبد مستطيعاً قادراً وجب عليه أن يأتي بالأمر المطلوب منه وإلا سقط عنه، وهو معذور، قال تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا) البقرة/286 أي: طاقتها، وفي " الحج " – خاصة - قال تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) آل عمران/97.
ومن رحمته أن أوجبه على عباده مرة واحدة في العمر حتى لا يشق عليهم، لكنه حث من كان لديه قدرة وطاقة أن يكثر من الحج والعمرة فقال صلى الله عليه وسلم: " تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد " رواه النسائي (2 / 4) وهو حديث صحيح كما قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " (1200) .
وهذه العبادة العظيمة إنما شرعها الله لنعظّمه ونكبّره ونشكرَه على جميل نعمه، وعظيم فضله، فليس المقصود من الطواف بالكعبة هو مجرد الدوران على هذه الأحجار ! لا، بل المقصود هو أن الله أمرنا أن نطوف بها سبعا فنحن نطيع الله ونطوف بها سبعا لا نزيد ولا ننقص بل نفعل ما أمرنا به ونحن نشعر أننا عبيد له أذلاء بين يديه فنكبره ونعظمه ونشكره أن شرفنا بعبوديتنا له عن كثير من بني البشر الذين يعبدون آلهة شتى، بل ربما يعبدون ذواتهم أو شهواتهم.
وهكذا في جميع مناسك الحج، بل في جميع العبادات التي شرعها الله لنا، فالحمد لله الذي شرفنا بهذا الدين العظيم.
ثم إن اهتمامك بالسؤال عن الحج وأنت بهذا السن يدل على حرص منك على المعرفة والتعلم، فننصحك بمزيد التعرف على الإسلام والقراءة حوله وستكتشف بنفسك أنه دين الفطرة الذي يضع قدمك على الطريق الموصلة لرضا ربك العظيم، الذي خلقك ورزقك فهو يستحق منك أن تعبده وحده دون غيره.
ولعل من المناسب أن تعلم أن نبينا صلى الله عليه وسلم قد أخبرنا أن أخاه نبيّ الله عيسى عليه السلام سوف ينزل في آخر الزمان وسوف يحج لهذا البيت العظيم وهو يعلن التوحيد لله سبحانه، ونحن نؤمن أن هذا سيقع كما أخبرنا عليه الصلاة والسلام، كما نؤمن أن الشمس تطلع في وضح النهار، قال صلى الله عليه وسلم: " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُهِلَّنَّ ابْنُ مَرْيَمَ بِفَجِّ الرَّوْحَاءِ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا أَوْ لَيَثْنِيَنَّهُمَا " رواه مسلم (1252) ، ومعنى (ليهلن) : أي: ليلبين بالحج أو بالعمرة أو بهما معا، و (فج الروحاء) : مكان بين مكة والمدينة.
نسأل الله أن يشرح صدرك للهدى.. آمين.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/3948)
الذي يحج عن غيره هل يأخذ مالاً؟ وهل يدعو لنفسه؟ وهل الأجر كاملاً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[في حالة الحج بالإنابة عن شخص ما، هل ينصرف أجر الذِّكر والدعاء في الطواف والسعي ويوم عرفة للشخص المنيب أم للشخص الذي يقوم بالحج؟ وهل يجوز للذي يحج عن غيره أن يدعو لنفسه ولأهله خلال الحج في الطواف أو السعي أو يوم عرفة أم لا؟ وما هي الأعمال التي يمكن أن يقوم بها من يحج عن غيره خلال الحج ويكون ثوابها له؟ وهل له أجر أم أن أجره المال الذي أخذه مقابل الحج فقط؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الحج بالإنابة ثابت في السنَّة الصحيحة عن المريض في بدنه العاجز عن الوصول لمكة لأداء المناسك، وعن الميت الذي لم يحج، بشرط أن يكون النائب حج عن نفسه أولاً.
ولا يجوز الحج عمن لا يستطيع الحج إذا كان عذره مؤقتا ويرجى زواله، كامرأة لا يوجد محرم لها يسافر معها، أو رجل ليس عنده إثبات شخصية، أو رجل تمنعه دولته من السفر، فهؤلاء يمكن أن تتغير أحوالهم، وتتبدل ظروفهم إلى أن يستطيعوا القيام بالنسك بأنفسهم، بخلاف العاجز في بدنه عجزاً مزمناً.
ثانياً:
لا يجوز لمن يحج عن غيره أن يكون قصده المال، فليست العبادة عرضة للتجارة، ولا من مجالات الربح، والأفضل لمن أراد أن يحج عن غيره أن يتبرع بها كاملة من غير أن يأخذ مالاً، وهذا له أجر عظيم، وهو في أعلى المراتب، كما يجوز أن يطلب من أهل من سيحج عنهم تكاليف السفر وأداء المناسك، دون أن يستوفي زيادة على قدر تلك التكاليف، إلا أن يعطوه شيئاً منهم عن طيب نفسٍ منهم، وله أجر على فعله ذاك، وهو في أوسط المراتب، وأما من قصد بالحج عن غيره المال والدنيا: فلا ثواب له على عمله ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"الحاجَّة عن الميت: إن كان قصدها الحج، أو نفع الميت: كان لها في ذلك أجرٌ، وثواب، وإن كان ليس مقصودها إلا أخذ الأجرة: فما لَها في الآخرة مِن خلاق [أي: نصيب] " انتهى.
" مجموع الفتاوى " (26 / 18) .
وقال رحمه الله:
"الحاج عن الغير لأن يوفي دَيْنه: فقد اختلف فيها العلماء أيهما أفضل، والأصح: أن الأفضل: الترك؛ فإن كون الإنسان يحج لأجل أن يستفضل شيئاً من النفقة: ليس من أعمال السلف، حتى قال الإمام أحمد: ما أعلم أحداً كان يحج عن أحدٍ بشيءٍ، ولو كان هذا عملاً صالحاً: لكانوا إليه مبادرين، والارتزاق بأعمال البر ليس من شأن الصالحين، أعني: إذا كان إنما مقصوده بالعمل اكتساب المال.
وهذا المَدين يأخذ من الزكاة ما يوفي به دَيْنه خير له من أن يقصد أن يحج ليأخذ دراهم يوفي بها دَيْنه، ولا يستحب للرجل أن يأخذ مالاً يحج به عن غيره إلا لأحد رجلين:
إما رجل يحب الحج، ورؤية المشاعر، وهو عاجز، فيأخذ ما يقضي به وطره الصالح، ويؤدي به عن أخيه فريضة الحج.
أو رجل يحب أن يُبرئ ذمَّة الميت عن الحج، إما لصلة بينهما، أو لرحمة عامة بالمؤمنين، ونحو ذلك، فيأخذ ما يأخذ ليؤدي به ذلك.
وجِماع هذا: أن المستحب أن يأخذ ليحج، لا أن يحج ليأخذ، وهذا في جميع الأرزاق المأخوذة على عمل صالح، فمن ارتزق ليتعلم، أو ليعلِّم، أو ليجاهد: فحسن ... .
وأمَّا من اشتغل بصورة العمل الصالح لأن يرتزق: فهذا من أعمال الدنيا، ففرق بين من يكون الدين مقصوده، والدنيا وسيلة، ومن تكون الدنيا مقصوده، والدِّين وسيلة، والأشبه: أن هذا ليس له في الآخرة مِن خلاق، كما دلت عليه نصوص" انتهى.
" مجموع الفتاوى " (26 / 19، 20) .
وسئل الشيخ عبد العزيز باز رحمه الله:
هل الحج عن الآخرين مشروع على الإطلاق أم خاص بالقرابة؟ ثم هل يجوز أخذ الأجرة على ذلك؟ ثم إذا أخذ الأجرة على حجة عن غيره فهل له أجر في عمله هذا؟ .
فأجاب:
"الحج عن الآخرين ليس خاصّاً بالقرابة، بل يجوز للقرابة، وغير القرابة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم شبَّهه بالدَّيْن، فدل ذلك على أنه يجوز للقرابة، وغير القرابة.
وإذا أخذ المال وهو يقصد بذلك المشاهدة للمشاعر العظيمة، ومشاركة إخوانه الحجاج، والمشاركة في الخير: فهو على خير إن شاء الله، وله أجر.
أما إذا كان لم يقصد إلا الدنيا: فليس له إلا الدنيا، ولا حول ولا قوة إلا بالله؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) متفق على صحته" انتهى.
" مجموع فتاوى ابن باز " (16 / 423) .
ثالثاً:
إذا حج الإنسان عن غيره فإنَّ أجر المناسك من طواف وسعي والوقوف بعرفة ومزدلفة وغيرها هو لمن جُعل الحج له، وأما الصلاة والدعاء: فهما لمن قام بالحج إلا ركعتي الطواف فهما تابعتان للحج لأنهما من المناسك، والأفضل أن يشرك معه في الدعاء من يحج عنه، ويُرجى أن يكون للمحجوج عنه أجر تلك الصلاة والدعاء؛ لأنه السبب في طاعة من قام بالحج.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
"الذي يحج عن غيره: إنما يجعل الحج وما يتعلق به للغير، أما الدعاء: فهو لنفسه، ولكن من الأحسن أن يشرك غيرَه، أي: يشرك الذي حج عنه، أو اعتمر، بالدعاء، فيقول: اللهم اغفر لمن كانت له هذه الحجة، أو كانت له هذه العمرة؛ اغفر له ولي، وارحمنا، ويدعو بما يشمل نفسه، ون أعطاه المال ليحج به، أما بقية الأفعال كالطواف والسعي والوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة ورمي الجمرات، والمبيت بمنى، وطواف الوداع: فكل هذا للذي حج عنه، وليس له منه شيء" انتهى.
" اللقاء الشهري " (16 / 15) .
وسئل الشيخ رحمه الله: شخص حج عن غيره ولكنه ظل يدعو لنفسه في الحج دون غيره؟ .
فأجاب:
"لا حرج في هذا، يعني: لو أن الإنسان حج عن غيره، ولكنه عند الميقات قال: " لبيك عن فلان " ونوى أن هذا النسك لفلان، وكان في طوافه وسعيه ووقوفه بعرفة يدعو لنفسه: فحجه صحيح؛ لأن الدعاء ليس شرطاً في صحة الحج، ولكننا نرى أن الأولى: أن يدعو لنفسه ولأخيه؛ لأن أخاه هو الذي تكفل بمؤونة الحج، فلا يحرمه من الدعاء، وأما النسك: فقد تم بدون دعاء" انتهى.
" لقاءات الباب المفتوح " (88 / السؤال رقم 9) .
رابعاً:
اختلف العلماء فيمن حجَّ عن غيره، هل يأخذ أجر الحج عن غيره وعن نفسه، ويرجع كيوم ولدته أمه أم أن هذا فقط للمحجوج عنه؟ ولا شك أن هذا الخلاف هو فيمن حج عن غيره ولم يكن قصده بذلك تحصيل المال، والذي ذكرناه عن الشيخين ابن باز والعثيمين أن له أجراً، لكن ليس كأجر الحج عن نفسه – وينظر كلام الشيخ العثيمين أيضاً في جواب السؤال رقم (45766) ، وهو قول علماء اللجنة الدائمة للإفتاء.
فقد سئلوا عن الرجل الذي يحج بأجرة عن ميت؛ سواء كان رجلا أو امرأة، أو عن عاجز، لكبر سنٍّ، أو مرض لا يرجى برؤه، هل هذا المؤجر له أجر من الله؟ .
فأجابوا:
"مَن حجَّ أو اعتمر عن غيره بأجرة أو بدونها: فثواب الحج والعمرة لمن ناب عنه، ويُرجى له أيضا أجر عظيم، على حسب إخلاصه ورغبته للخير، وكل من وصل إلى المسجد الحرام وأكثر فيه من نوافل العبادات وأنواع القربات: فإنه يُرجى له خيرٌ كثيرٌ إذا أخلص عمله لله" انتهى.
الشيخ عبد العزيز باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (11 / 77، 78) .
وخالف بعض العلماء في ذلك، فقالوا بأن له ولمن حج عنه الأجر كاملاً؛ لعموم حديث (مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوم وَلَدَتْهُ أُمُّهُ) متفق عليه، وإذا كان (مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ) كما صحَّ الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: فأولى لمن قام بالفعل حقيقة أن يأخذ الأجر كاملاً.
وفضل الله تعالى واسع، يعطي من يشاء بغير حساب.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3949)
حكم من أحس بتعب قبل إكمال الطواف
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة مريضة ذهبت إلى العمرة وعندما طفت ثلاثة أشواط أصبت بالدوخة ماذا يجب علي أن أفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"عليك أن تستريحي وتكملي الطواف، فإن طال الفصل فأعيدي الطواف من أوله. أما إذا زالت الدوخة بسهولة وسرعة فكملي الطواف ويكفي والحمد لله" انتهى.
فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله.
"مجموع فتاوى ابن باز" (17/435، 436) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3950)
لا يجب الإحرام على من دخل مكة إلا إذا كان مريداً للنسك
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجب على من دخل مكة للعمل أن يحرم بالحج أو العمرة عند دخوله إليها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"من توجه إلى مكة ولم يرد حجا ولا عمرة؛ كالتاجر، والحطَّاب، والبريد ونحو ذلك فليس عليه إحرام إلا أن يرغب في ذلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر المواقيت: (هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة) ، فمفهومه أن من مر على المواقيت ولم يرد حجا ولا عمرة فلا إحرام عليه.
وهذا من رحمة الله بعباده وتسهيله عليهم، فله الحمد والشكر على ذلك، ويؤيد ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أتى مكة عام الفتح لم يحرم، بل دخلها وعلى رأسه المغفر؛ لكونه لم يرد حينذاك حجا ولا عمرة، وإنما أراد افتتاحها وإزالة ما فيها من الشرك" انتهى.
فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله.
"مجوع فتاوى ابن باز" (16/44، 45) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3951)
اعتمر وترك السعي
[السُّؤَالُ]
ـ[معتمر قبل سبع سنوات ترك السعي ليخرج مع رفقته معتقداً أنه إذا أبطل هذا العمل بطل حجه، وحج بعد ذلك واعتمر ماذا يلزمه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"تأخير هذا السائل سؤاله إلى ما بعد سبع سنوات خطأ عظيم، يجب على المرء أن يسأل عن دينه أولاً قبل أن يعمل، ثم إذا عمل وشك في نفسه من بعض الأفعال التي فعلها فليسأل عنها مباشرة، ولكن الأمر وقد وقع الآن، فالذي أرى أنه يجب عليه أن يذهب إلى مكة، ويأتي بعمرة فيطوف ويسعى ويقصر، ثم يأتي بالسعي الأول، لأنه ما زال دَيْناً في ذمته، والحجات التي حجها بعد ذلك هي حجات منفصلة ما نواها قضاء عما سبق" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (24/59، 60) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3952)
زوجته ترضع فهل يؤخر الحج إلى العام القادم
[السُّؤَالُ]
ـ[نويت الحج هذا العام، لكن زوجتي ترضع، فقررت تأجيل الحج إلى السنة القادمة إن شاء الله، مع العلم أن حالتي المادية ميسرة والحمد لله؛ فهل علي شيء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كنت قد حججت حج الفريضة، فأنت مخير في حج التطوع بين أن تأتي به هذا العام، أو تؤخره لعام قادم نظرا لما ذكرت من انشغالك بأهلك أو رغبتك في مرافقتهم لك ونحو ذلك، ولك ألا تأتي به أصلا؛ لأنه تطوع غير مفروض.
وإذا كان السؤال عن حج الفرض، فهذا ينبني على كون الحج واجبا على الفور أو على التراخي، وفي ذلك خلاف بين الفقهاء، والراجح أنه واجب على الفور، فمن ملك الزاد والراحلة وجب عليه أن يحج، ولم يجز له تأخيره، وانظر السؤال رقم (41702) .
وبناء على ذلك: فإن كان تركك لأهلك لا يترتب عليه مضرة لها أو لرضيعها، لزمك الحج هذا العام، وليس لك تأخيره رغبة في ذهاب أهلك معك.
وأما زوجتك فإن كان لديها من المال ما تحج به، أو تبرعتَ أنت لها بنفقة الحج، ولم يكن عليها أو على رضيعها مضرة في ذهابها للحج، أو كان يمكنها تركه لدى من يرعاه ويقوم عليه، لزمها الحج، وإلا جاز لها التأخير.
والمقصود أنه قد يجب الحج على الزوج، ولا يجب على الزوجة، بالنظر لتوفر الشروط أو وجود الموانع، فلا يؤخر الزوج حجه الواجب رغبة في اصطحاب أهله للحج.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ما نصه: " زوجتي لم تؤد فريضة الحج إلى الآن، ولدينا طفل عمره أربعة أشهر وهو يرضع من أمه، فهل تحج أم تبقى عند طفلها، وهل الأفضل إذا حجت أن تأخذ حبوباً لإيقاف دم الحيض أم لا تأخذ أفيدونا وفقكم الله؟ فأجاب: " إذا كان الطفل لا يتأثر ولا يتضرر بسفرها عنه، بأن يرضع من لبن غير لبن أمه، وعنده من يحضنه حضانة تامة، فلا حرج عليها أن تحج خصوصاً إذا كانت فريضة، أما إذا كان يخشى على الطفل، فإنه لا يحل لها أن تحج ولو كانت حجة الفريضة؛ لأن المرضع يباح لها أن تدع صيام الفرض إذا خافت على ولدها، فكيف لا تدع المبادرة بالحج إذا خافت على الولد؟ فإذا خافت على الولد فإن الواجب أن تبقى، وإذا كبر في العام القادم حجت، ولا حرج عليها إذا بقيت وتركت الحج؛ لأن الحج في هذه الحالة لا يجب عليها على الفور.
أما استعمال الحبوب في الحج أو في العمرة فلا بأس بها؛ لأن هذه حاجة، ولكن يجب أن تستأذن الطبيب وأن تراجعه؛ لأنه قد تكون الحبوب ضارة فتضرها " انتهى من "اللقاء الشهري" (10/25) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3953)
ما هو الحجّ
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحج؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحج هو قصد الكعبة بيت الله الحرام لأداء المناسك وهي أفعال وأقوال جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفة حجّه كالطواف سبعا بالبيت الحرام والسعي سبعا بين جبلي الصّفا والمروة والوقوف في عرفة ورمي الجمرات بمنى وغير ذلك، وفيه منافع عظيمة للعباد من إعلان التوحيد لله والمغفرة العظيمة للحجاج والتعارف بين المسلمين وتعلّم أحكام الدّين وغير ذلك. واهتمامك بالسّؤال عن الحجّ أيّها الفتى مع صغر سنّك وبُعْد مكانك في كندا هو أمر جيد تُشكر عليه، ونسأل الله لك التمكين من حجّ بيته وقضاء فرضه، وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/3954)
أثر الحج على نفس المسلم وحياته
[السُّؤَالُ]
ـ[ما أثر أداء الحج على نفس المسلم وحياته؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لأداء مناسك الحج فضائل متعددة وحِكَم بالغة من وفق لفهمهما والعمل بها وفق لخير عظيم، وسنحاول هنا ذكر ما تيسر:
1. سفر الإنسان إلى الحج لأداء المناسك: يتذكر سفره إلى الله والدار الآخرة، وكما أن في السفر فراق الأحبة والأهل والأولاد والوطن؛ فإن السفر إلى الدار الآخرة كذلك.
2. وكما أن الذاهب في هذا السفر يتزود من الزاد الذي يبلغه إلى الديار المقدسة، فليتذكر أن سفره إلى ربه ينبغي أن يكون معه من الزاد ما يبلغه مأمنه، وفي هذا يقول الله تعالى: (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى) البقرة/197.
3. وكما أن السفر قطعة من العذاب فالسفر إلى الدار الآخرة كذلك، وأعظم منه بمراحل، فأمام الإنسان النزع والموت والقبر والحشر والحساب والميزان والصراط ثم الجنة أو النار، والسعيد من نجَّاه الله تعالى.
4. وإذا لبس المحرم ثوبي إحرامه فإنه يذكر كفنه الذي سيكفن فيه، وهذا يدعوه إلى التخلص من المعاصي والذنوب، وكما تجرد من ثيابه فعليه أن يتجرد من الذنوب، وكما لبس ثوبين أبيضين نظيفين، فكذلك ينبغي أن يكون قلبه وأن تكون جوارحه بيضاء لا يشوبها سواد الإثم والمعصية.
5. وإذا قال في الميقات " لبيك اللهم لبيك " فهو يعني أنه قد استجاب لربه تعالى، فما باله باقٍ على ذنوب وآثام لم يقل لربه بها " لبيك اللهم لبيك " يعني: استجبت لنهيك لي عنها وهذا أوان تركها؟
6. وتركه للمحظورات أثناء إحرامه، واشتغاله بالتلبية والذكر: يبين له حال المسلم الذي ينبغي أن يكون عليه، وفيه تربية له وتعويد للنفس على ذلك، فهو يروض نفسه ويربيها على ترك مباحات في الأصل لكن الله حرمها عليه ها هنا، فكيف يتعدى على محرمات حرمها الله عليه في كل زمان ومكان؟
7. ودخوله لبيت الله الحرام الذي جعله الله أمناً للناس يتذكر به العبد الأمن يوم القيامة، وأنه لا يحصله الإنسان إلا بكد وتعب، وأعظم ما يؤمن الإنسان يوم القيامة التوحيد وترك الشرك بالله، وفي هذا يقول الله تعالى: (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) الأنعام/81.
وتقبيله للحجر الأسود وهو أول ما يبدأ به من المناسك يربي الزائر على تعظيم السنة، وأن لا يتعدى على شرع الله بعقله القاصر، ويعلم أن ما شرع الله للناس فيه الحكمة والخير، ويربي نفسه على عبوديته لربه تعالى، وفي هذا يقول عمر رضي الله عنه بعد أن قبَّل الحجر الأسود: (إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبِّلُك ما قبلتك) رواه البخاري (1520) ومسلم (1720) .
8. وفي طوافه يتذكر أباه إبراهيم عليه السلام، وأنه بنى البيت ليكون مثابة للناس وأمناً، وأنه دعاهم للحج لهذا البيت، فجاء نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ودعا الناس لهذا البيت أيضاً، وكذا كان يحج إليه موسى وعيسى عليهما السلام، فكان هذا البيت شعاراً لهؤلاء الأنبياء، وكيف لا وقد أمر الله تعالى إبراهيم عليه السلام ببنائه وتعظيمه.
9. وشربه لماء زمزم يذكره بنعمة الله تعالى على الناس في هذا الماء المبارك والذي يشرب منه ملايين الناس على مدى دهور طويلة ولم ينضب، ويحثه على الدعاء عند شربه لما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم (أن ماء زمزم لما شرب له) رواه ابن ماجه (3062) وأحمد (14435) وهو حديث حسن حسَّنه ابن القيم رحمه الله في " زاد المعاد " (4 / 320) .
10. ويعلمه السعي بين الصفا والمروة عظيم تحمل أمنا هاجر للابتلاء، وكيف أنها كانت تتردد بين الصفا والمروة بحثاً عن نفسٍ تخلصها مما هي فيه من محنة، وخاصة في شربة ماء لولدها الصغير – إسماعيل -، فإذا صبرت هذه المرأة على هذا الابتلاء ولجأت لربها فيه، فلنا فيها أسوة حسنة، فالرجل يتذكر جهاد المرأة وصبرها فيخفف عليه ما هو فيه، والمرأة تتذكر من هي من بنات جنسها فتهون عليها الشدائد.
11. والوقوف بعرفة يذكر الحاج بازدحام الخلائق يوم المحشر، وأنه إن كان الحاج ينصب ويتعب من ازدحام آلاف فكيف بازدحام الخلائق حفاة عراة غرلا – غير مختونين –؟
12. ومثل ما قلنا في تقبيل الحجر الأسود نقول في رمي الجمار حيث يعوِّد المسلم نفسه على الطاعة، والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وفي هذا إظهار للعبودية المحضة.
13. وأما ذبح الهدي فيذكره بالحادثة العظيمة في تنفيذ أبينا إبراهيم لأمر الله تعالى بذبح ولده البكر إسماعيل، وأنه لا مكان للعاطفة التي تخالف أمر الله ونهيه، ويعلمه كذلك خلق الاستجابة لما أمر الله بقول الذبيح إسماعيل: (يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين) الصافات/102.
14. فإذا ما تحلل من إحرامه وحلَّ له ما حرمه الله عليه بسبب الإحرام، رباه ذلك على الصبر، وأن مع العسر يسراً، وأن عاقبة المستجيب لأمر الله الفرح والسرور وهذه فرحة لا يشعر بها إلا من ذاق حلاوة الطاعة، كالفرحة التي يشعرها الصائم عند فطره، أو القائم في آخر الليل بعد صلاته.
15. وإذا انتهى من مناسك الحج وجاء به على ما شرع الله وأحب، وأكمل مناسكه رجا ربه أن يغفر له ذنوبه كلها كما وعد بذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (مَن حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه) رواه البخاري (1449) ومسلم (1350) ، ودعاه ذلك ليفتح صفحة جديدة في حياته خالية من الآثام والذنوب.
16. وإذا رجع إلى أهله وبنيه وفرح بلقائهم ذكَّره ذلك بالفرح الأكبر بلقائهم في جنة الله تعالى، وعرَّفه ذلك بأن الخسارة هي خسارة النفس والأهل يوم القيامة، كما قال تعالى: (قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين) الزمر/15.
هذا ما تيسر ذكره
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3955)
إذا كان لديه مال يكفي للحج أو الهجرة الواجبة فأيهما يقدم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا توفر لي مال يكفي للحج الواجب أو الهجرة من بلد كافر وتبرج عظيم ... إلى بلاد إسلام فماذا أختار؟ مع العلم أن والدي مقيمان الآن في هذا البلد الكافر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الحج واجب على الفور في أصح قولي العلماء، ومعنى ذلك: أنه يجب على المكلف الحج بمجرد التمكن من فعله، ولا يجوز له تأخيره من غير عذر، وراجع السؤال رقم (41702)
ثانيا:
الهجرة من بلاد الكفر تكون واجبة أو مستحبة بحسب حال الإنسان، فإن قدر على إظهار دينه، وأمن الفتنة على نفسه، لم تجب عليه الهجرة، وإن لم يقدر على إظهار دينه، أو خشي الفتنة على نفسه، وجبت.
وإذا وجبت الهجرة، ولم يجد الإنسان مالا ليهاجر ويحج، فالهجرة مقدمة، لأن الحج لا يجب إلا عند وجود نفقة زائدة على الحوائج الأساسية، والهجرة الواجبة تدخل في الحوائج الأساسية، فتقدم على الحج.
وأيضا: تأخير الهجرة بعد وجوبها ضرر على المسلم في دينه، وأما الحج فيجوز تأخيره بعذر، ولا ضرر في ذلك.
وهذا الكلام إنما يتصور في حال وجوب الهجرة في وقت الحج، وإلا فإن وجبت الهجرة قبل الحج، تعين فعلها، ثم إن جاء الحج، وتوفر المال، وجب، وإن لم يكن مال لم يجب.
ونسأل الله تعالى أن يحفظك بحفظه، وأن يثبتك على طاعته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3956)
تأخير الحج بدون عذر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من أخر الحج بدون عذر وهو قادر عليه ومستطيع؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
من قدر على الحج ولم يحج الفريضة وأخره لغير عذر، فقد أتى منكراً عظيماً ومعصية كبيرة، فالواجب عليه التوبة إلى الله من ذلك والبدار بالحج؛ لقول الله سبحانه: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن غني عن العالمين) آل عمران/97
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: " بني الإسلام على خمس: شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت" متفق على صحته (خ/ 8، م/ 16)
ولقوله صلى الله عليه وسلم لما سأله جبرائيل عليه السلام عن الإسلام، قال:" أن تشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا " أخرجه مسلم في صحيحه (8) ، من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
والله ولي التوفيق. ا. هـ.
[الْمَصْدَرُ]
من مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن باز رحمه الله (16 /359)(5/3957)
حجت قبل استقامتها فهل تعيد الحج؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا كنت قد أديت فريضة الحج قبل أن ألتزم دينيا بسنوات وقبل أن أرتدي الحجاب. الحمد لله قد أصبحت الآن على قدر من الالتزام وأرتدي الحجاب والنقاب. هل علي تأدية فريضة الحج أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحمد لله
أولا:
نحمد الله تعالى أن وفقك وهداك، وأخذ بيدك إلى طاعته ومرضاته، ونسأله سبحانه لنا ولك الثبات حتى نلقاه.
ثانيا:
حجك الماضي يكفيك عن حجة الإسلام، ولا يلزمك إعادته، حتى لو كنت مقصرة في التزامك وتمسكك بالدين وارتداء الحجاب، إلا إذا كنت في تلك الفترة تتركين الصلاة، واستمر تركك لها أثناء الحج أيضا، فحينئذ لا يعتدّ بحجك، لأن ترك الصلاة كفر، ولا يصح الحج مع وجود الكفر.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا حج من لا يصلي ولا يصوم فما حكم حجه وهو على تلك الحال؟
فأجاب: " ترك الصلاة كفر مخرج عن الملة، موجب للخلود في النار، كما دل على ذلك الكتاب والسنة وقول السلف رحمهم الله، وعلى هذا فهذا الرجل الذي لا يصلي لا يحل له أن يدخل مكة؛ لقوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا) .
وحجه وهو لا يصلي غير مجزئ ولا مقبول، وذلك لأنه وقع من كافر، والكافر لا تصح منه العبادات؛ لقوله تعالى: (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلا وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنْفِقُونَ إِلا وَهُمْ كَارِهُونَ) " انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (21/45) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3958)
أتاها الحيض قبل أن تقوم بعمرتها
[السُّؤَالُ]
ـ[ذهبت أنا وزوجتي إلى مكة قبل يومين لأداء العمرة، وفي الطائرة نوينا الإحرام للعمرة، وعند وصولنا إلى مكة ذهبنا للفندق لوضع الحقائب هناك، وبعد ذلك اكتَشَفَت زوجتي أنها أتتها الدورة الشهرية عندما وصلنا للفندق. فما الحكم في ذلك؟ هل عليها فدية؟ وكم مقدار الفدية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحيض لا يمنع المرأة من الإحرام بالحج والعمرة، ولكن يحرم عليها الطواف بالبيت إلا بعد أن تطهر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة رضي الله عنها لما حاضت قبل دخول مكة: (افْعَلِي كَمَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي) متفق عليه.
وثبت في صحيح البخاري أنها لما طهرت طافت بالبيت، وسعت بين الصفا والمروة، وهذا يدل على أنه إذا حاضت المرأة قبل الطواف فإنها لا تطوف ولا تسعى حتى تطهر.
وعلى هذا فالواجب على زوجتك أن تنتظر حتى تطهر ثم تطوف بالبيت، وتسعى بين الصفا والمروة، ثم تقصر شعرها، وبهذا تكون قد أتمت عمرتها، وليس عليها فدية من أجل حيضها وهي محرمة.
وانظر جواب السؤال (40608) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3959)
حكم أداء العمرة عن الغير بين العمرة والحج للمتمتع
[السُّؤَالُ]
ـ[حججت حج تمتع هذه السنة، فهل يجوز للشخص أن يؤدي العمرة بالنيابة عن شخص آخر خلال الفترة بين الحج والعمرة (أذهب للتنعيم وأعتمر من هناك) ؟
قيل لي بأنه لا يجوز ولكنني أعرف ناس حجوا حج تمتع وبين عمرتهم وحجهم قاموا بعدة عمرات بالنيابة عن أشخاص آخرين وكذلك عمرة نفل لأنفسهم، فهل يجوز هذا أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا جائز، لكنه ليس من السنة، السنة للإنسان أن لا يكرر العمرة في السفرة الواحدة، إنما يكتفي بنسكٍ واحد فقط؛ لأن هذا هو فعل النبي صلى الله عليه وسلم، أما الشخص يريد أن يعتمر عنه، فإن الأفضل أن يدعو له، هذا هو الأفضل في ذلك.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ / خالد المشيقح(5/3960)
تغيير الرأي لمن كان يريد الحج والعمرة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان الشخص يفكر في الذهاب في إجازة، وأتته فكرة الذهاب لتأدية العمرة، فإذا قرر عدم الذهاب للعمرة، لكنه ذهب بدلا عن ذلك إلى مكان آخر، فهل من بأس في ذلك؟
لقد أُخبرت دائما بأن الشخص يذهب للعمرة والحج فقط إذا كان هناك طلب (نداء) وحان الوقت لذهابه. ومجرد مناقشة إمكانية الذهاب، وبعدها لا يذهب، فإن ذلك لا يعني أن الوقت (وقت قيام الشخص بالعمرة أو الحج) قد حان، أليس كذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أما حجّ الفريضة فينبغي المبادرة فيه لقوله عليه الصلاة والسلام: " تعجلوا الحج، فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له "، ولقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: من مات ولم يحج وله جدة فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا. وأما حجّ النافلة أو العمرة فللإنسان أن يغير رأيه، ولا يأثم مادام لم يدخل في النسك لقوله تعالى: (وأتموا الحج والعمرة لله) ، وله أن يختار الوقت الذي يناسبه ولو عزم على السفر ثم تراجع فلا حرج عليه.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ ابراهيم الخضيري.(5/3961)
بلغت وتوفيت قبل موسم الحج
[السُّؤَالُ]
ـ[بلغت ابنته ثم توفيت قبل أن يأتي موسم الحج، هل يجب أن يحج عنها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله:
هل خلّفت مالا؟
-: إذا كان الجواب نعم.
فأجاب:
يُحجّ عنها والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(5/3962)
لا يجب الحج على من اعتمر في أشهر الحج
[السُّؤَالُ]
ـ[قال لي أحد الأشخاص بأن الحج وجب عليَّ لأني اعتمرت قبل دخول شهر ذي الحجة، مع أني حججت قبل عامين، فهل ما قاله صحيح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما قاله لك هذا الشخص غير صحيح، لأن الحج لا يجب إلا مرة واحدة في العمر، لحديث ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ الْحَجُّ فِي كُلِّ سَنَةٍ أَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً؟ قَالَ: بَلْ مَرَّةً وَاحِدَةً، فَمَنْ زَادَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ) رواه أَبُو دَاوُد (1721) وصححه الألباني
وحيث إنك قد حججت قبل ذلك فلا يجب عليك الحج مرة أخرى.
وأشهر الحج ثلاثة وهي شوال وذو القعدة وذو الحجة، ولعل هذا الشخص فهم من تسميتها أشهر الحج أن من اعتمر فيها وجب عليه الحج، وهذا الفهم غير صحيح، بل معنى كونها أشهر الحج أن الحج لابد أن يقع فيها لا قبلها ولا بعدها.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين عن رجل حج متمتعا، ثم بعد أدائه للعمرة رجع إلى بلده ولم يحج، فهل عليه شيء ?
فأجاب:
لا شيء عليك لأن المتمتع إذا أحرم بالعمرة ثم بدا له أن لا يحج قبل أن يحرم بالحج فلا شيء عليه إلا أن ينذر أن يحج هذا العام، فإذا نذر وجب عليه الوفاء بنذره. اهـ.
فتاوى ابن عثيمين (2/679) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3963)
هل يجوز تبديل ملابس الإحرام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[احتلمت وأنا نائم في " منى " عندما كنت في الحج، عندما استيقظت اغتسلت وغيرت ملابس الإحرام فهل فعلت الشيء الصحيح؟ وهل حجي صحيح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، يجوز للمحرم أن يغير ملابس إحرامه، وقد سبق ذكر فتوى علماء اللجنة الدائمة في جواب السؤال رقم (26722) ، ونزيد هنا فتوى للشيخ ابن عثيمين – رحمه الله -.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين:
يجوز للمحرم بحج أو عمرة رجلاً كان أو أنثى تبديل ثياب الإحرام التي أحرم بها ولبس ثياب غيرها إذا كانت الثياب الثانية مما يجوز للمحرم لباسه.
" المنهج لمريد العمرة والحج " (الفائدة الخامسة) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3964)
حج المرأة عن الرجل
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمرأة أن تحج عن أبيها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، يجوز أن تحج المرأة عن الرجل.
روى البخاري (1513) ومسلم (1334) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لا يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ.
قال ابن حزم في "المحلى" (5/317) :
" وَجَائِزٌ أَنْ تَحُجَّ الْمَرْأَةُ عَنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ , وَالرَّجُلُ عَنْ الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ , لأَمْرِ النَّبِيِّ عليه السلام الْخَثْعَمِيَّةَ أَنْ تَحُجَّ عَنْ أَبِيهَا , وَأَمْرِهِ عليه السلام الرَّجُلَ أَنْ يَحُجَّ عَنْ أُمِّهِ ; وَالرَّجُلَ أَنْ يَحُجَّ عَنْ أَبِيهِ , وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ يَنْهَى عَنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ , وَقَالَ تَعَالَى: (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ) وَهَذَا خَيْرٌ , فَجَائِزٌ أَنْ يَفْعَلَهُ كُلُّ أَحَدٍ عَنْ كُلِّ أَحَدٍ " انتهى.
وقال ابن قدامة في "المغني" (5/27) :
" يَجُوزُ أَنْ يَنُوبَ الرَّجُلُ عَنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ , وَالْمَرْأَةُ عَنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ , فِي الْحَجِّ , فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ. لا نَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا , إلا الْحَسَنَ بْنَ صَالِحٍ , فَإِنَّهُ كَرِهَ حَجَّ الْمَرْأَةِ عَنْ الرَّجُلِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: هَذِهِ غَفْلَةٌ عَنْ ظَاهِرِ السُّنَّةِ , فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ الْمَرْأَةَ أَنْ تَحُجَّ عَنْ أَبِيهَا " انتهى.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يجوز للمرأة أن تحج عن والدها ولو كان لها إخوة ذكور بالغون؟
فأجاب:
" يجوز للمرأة أن تحج عن والدها، ولو كان لها إخوة ذكور بالغون، والنيابة يقوم بها الرجال والنساء، ولهذا سألت امرأة من خثعم النبي صلى الله عليه وسلم. . وذكر الحديث المتقدم ثم قال: فأذن لها أن تحج، وهي امرأة عن رجل. ولكن لابد من المحرم في كل سفر، سواء سفر الحج أو غيره، وسواء سافرت المرأة لحجها عن نفسها، أو لحجها عن غيرها " انتهى.
"فتاوى ابن عثيمين" (21/247) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3965)
مات ولم يحج تفريطا فهل يحج عنه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[من مات ولم يحج وهو في الأربعين، وكان مقتدراً على الحج مع أنه محافظ على الصلوات الخمس، وكان في كل سنة يقول: سوف أحج هذه السنة، ومات وله ورثة هل يحج عنه؟ وهل عليه شيء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" اختلف العلماء في هذا، فمنهم من قال: إنه يحج عنه وأن ذلك ينفعه، ويكون كمن حج لنفسه، ومنهم من قال: لا يحج عنه، وأنه لو حج عنه ألف مرة لم تقبل. يعني لم تبرأ بها ذمته، وهذا القول هو الحق، لأن هذا الرجل ترك عبادة واجبة عليه مفروضة على الفور بدون عذر، فكيف يذهب عنها، ثم نلزمه إياها بعد الموت، ثم التركة الآن تعلق بها حق الورثة، كيف نحرمهم من ثمن هذه الحجة وهي لا تجزئ عن صاحبها، وهذا هو ما ذكره ابن القيم رحمه الله في "تهذيب السنن"، وبه أقول: إن من ترك الحج تهاوناً مع قدرته عليه لا يجزئ عنه الحج أبداً، لو حج عنه الناس ألف مرة، أما الزكاة فمن العلماء من قال: إذا مات وأديت الزكاة عنه برأت الذمة، ولكن القاعدة التي ذكرتها تقتضي ألا تبرأ ذمته من الزكاة، لكني أرى أن تخرج الزكاة من التركة، لأنه تعلق بها حق الفقراء والمستحقين للزكاة، بخلاف الحج، فلا يؤخذ من التركة، لأنه لا يتعلق به حق إنسان، والزكاة يتعلق بها حق الإنسان، فتخرج الزكاة لمستحقيها، ولكنها لا تجزئ عن صاحبها، سوف يعذب بها عذاب من لم يزك، نسأل الله العافية، كذلك الصوم إذا علم أن هذا الرجل ترك الصيام وتهاون في قضائه، فإنه لا يقضى عنه، لأنه تهاون وترك هذه العبادة، التي هي ركن من أركان الإسلام بدون عذر، فلو قضي عنه لم ينفعه، وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ) . فهذا فيمن لم يفرط، وأما من ترك القضاء جهراً وجهاراً بدون عذر شرعي فما الفائدة أن نقضي عنه " انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
"فتاوى ابن عثيمين" (21/226) .(5/3966)
وجوب الحج على الفور
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للشخص القادر على الحج أن يؤخر الحج عدة سنوات؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من استطاع الحج وتوفرت فيه شروط وجوبه، وجب عليه الحج على الفور، ولا يجوز له تأخيره.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني":
" من وجب عليه الحج , وأمكنه فعله , وجب عليه على الفور , ولم يجز له تأخيره. وبهذا قال أبو حنيفة ومالك، لقول الله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) آل عمران/97. والأمر على الفور، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ) . رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه. وفي رواية أحمد وابن ماجه: (فَإِنَّهُ قَدْ يَمْرَضُ الْمَرِيضُ، وَتَضِلُّ الضَّالَّةُ، وَتَعْرِضُ الْحَاجَةُ) حسنه الألباني في صحيح ابن ماجه " انتهى بتصرف.
ومعنى أن الأمر على الفور: أنه يجب على المكلف فعل المأمور به بمجرد التمكن من فعله، ولا يجوز له تأخيره من غير عذر.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: هل وجوب الحج على الفور أم علي التراخي؟
فأجاب:
" الصحيح أنه واجب على الفور، وأنه لا يجوز للإنسان الذي استطاع أن يحج بيت الله الحرام أن يؤخره، وهكذا جميع الواجبات الشرعية، إذا لم تُقيد بزمن أو سبب، فإنها واجبة على الفور " انتهى.
"فتاوى ابن عثيمين" (21/13) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3967)
هل يلزم الزوج أن يحج بزوجته؟
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجتي لم تحج الفريضة، فهل يجب علي أن أذهب بها للحج؟ وهل تلزمني نفقتها في الحج؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" إن كانت الزوجة قد اشترطت عليه في العقد أن يحج بها وجب عليه أن يفي بهذا الشرط، وأن يحج بها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ) ، وقد قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) المائدة/1. وقال: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً) الإسراء/34.
أما إذا لم تشترط عليه ذلك، فإنه لا يلزمه أن يحج بها، ولكني أشير عليه أن يحج بها لأمور:
أولاً: طلباً للأجر، لأنه يكتب له من الأجر مثل ما كتب لها، وهي قد أدت فريضة.
ثانياً: أن ذلك سبب للألفة بينهما، وكل شيء يوجب الألفة بين الزوجين فإنه مأمور به.
ثالثا: أن يمدح ويثني عليه بهذا العمل، ويُقتدى به.
فليستعن بالله ويحج بزوجته. سواء شرطت عليه أم لم تشترط. وأما إذا اشترطت فيجب عليه أن يوفي به " انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. "فتاوى ابن عثيمين" (21/114) .(5/3968)
آداب السفر إلى الحج أو غيره
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك آداب معينة ينبغي مراعاتها على المسافر لاسيما من سافر إلى الحج؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
آداب المسافر كثيرة جداً، وقد اعتنى العلماء بجمعها، وممن جمعها جمعاً حسناً النووي رحمه الله في كتابه " المجموع" (4/264- 287) فقد ذكر اثنين وستين أدباً، ونذكر بعض هذه الآداب مختصرة، ومن أراد التوسع فعليه بمراجعة كلام النووي رحمه الله.
قال رحمه الله:
" بَابُ آدَابِ السَّفَرِ.
هَذَا بَابٌ مُهِمٌّ، تَتَكَرَّرُ الْحَاجَةُ إلَيْهِ، وَيَتَأَكَّدُ الِاهْتِمَامُ بِهِ.
وَالْمَقْصُودُ هُنَا الإِشَارَةُ إلَى آدَابِهِ مُخْتَصَرَةً:
1- إذَا أَرَادَ سَفَرًا اُسْتُحِبَّ أَنْ يُشَاوِرَ مِنْ يَثِقُ بِدِينِهِ وَخِبْرَتِهِ وَعِلْمِهِ فِي سَفَرِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَيَجِبُ عَلَى الْمُسْتَشَارِ النَّصِيحَةُ وَالتَّخَلِّي مِنْ الْهَوَى وَحُظُوظِ النُّفُوسِ , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْر) وَتَظَاهَرَتْ الأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانُوا يُشَاوِرُونَهُ فِي أُمُورِهِمْ.
2- إذَا عَزَمَ عَلَى السَّفَرِ فَالسُّنَّةُ أَنْ يَسْتَخِيرَ اللَّهَ تَعَالَى فَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ يَدْعُو بِدُعَاءِ الاسْتِخَارَةِ.
3- إذَا اسْتَقَرَّ عَزْمُهُ لِسَفَرِ حَجٍّ أَوْ غَزْوٍ أَوْ غَيْرِهِمَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَبْدَأَ بِالتَّوْبَةِ مِنْ جَمِيعِ الْمَعَاصِي وَالْمَكْرُوهَاتِ وَيَخْرُجَ عَنْ مَظَالِمِ الْخَلْقِ وَيَقْضِيَ مَا أَمْكَنَهُ مِنْ دُيُونِهِمْ , وَيَرُدَّ الْوَدَائِعَ وَيَسْتَحِلَّ كُلَّ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مُعَامَلَةٌ فِي شَيْءٍ أَوْ مُصَاحَبَةٌ وَيَكْتُبَ وَصِيَّتَهُ وَيُشْهدَ عَلَيْهِ بِهَا وَيُوَكِّلَ مَنْ يَقْضِي مَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ قَضَائِهِ مِنْ دُيُونِهِ وَيَتْرُكَ لأَهْلِهِ وَمَنْ يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ نَفَقَتَهُمْ إلَى حِينِ رُجُوعِهِ.
4- إرْضَاء وَالِدَيْهِ وَمَنْ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ بِرُّهُ وَطَاعَتُهُ.
5- إذَا سَافَرَ لِحَجٍّ أَوْ غَزْوٍ أَوْ غَيْرِهِمَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْرِصَ أَنْ تَكُونَ نَفَقَتُهُ حَلالا خَالِصَةً مِنْ الشُّبْهَةِ , فَإِنْ خَالَفَ وَحَجَّ أَوْ غَزَا بِمَالٍ مَغْصُوبٍ عَصَى وَصَحَّ حَجُّهُ وَغَزْوُهُ فِي الظَّاهِرِ , لَكِنَّهُ لَيْسَ حَجًّا مَبْرُورًا.
6- يُسْتَحَبُّ لِلْمُسَافِرِ فِي حَجٍّ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يَحْمِلُ فِيهِ الزَّادَ أَنْ يَسْتَكْثِرَ مِنْ الزَّادِ وَالنَّفَقَةِ لِيُوَاسِيَ مِنْهُ الْمُحْتَاجِينَ , وَلْيَكُنْ زَادُهُ طَيِّبًا لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ)
وَالْمُرَادُ بِالطَّيِّبِ هُنَا: الْجَيِّدُ , وَالْخَبِيثُ: الرَّدِيءُ , وَيَكُونُ طَيِّبَ النَّفْسِ بِمَا يُنْفِقُهُ لِيَكُونَ أَقْرَبَ إلَى قَبُولِهِ.
7- إذَا أَرَادَ سَفَرَ حَجٍّ أَوْ غَزْوٍ لَزِمَهُ تَعَلُّمُ كَيْفِيَّتِهِمَا ; إذْ لا تَصِحُّ الْعِبَادَةُ مِمَّنْ لا يَعْرِفُهَا , وَيُسْتَحَبُّ لِمُرِيدِ الْحَجِّ أَنْ يَسْتَصْحِبَ مَعَهُ كِتَابًا وَاضِحًا فِي الْمَنَاسِكِ جَامِعًا لِمَقَاصِدِهَا وَيُدِيمَ مُطَالَعَتَهُ , وَيُكَرِّرَهَا فِي جَمِيعِ طَرِيقِهِ لِتَصِيرَ مُحَقَّقَةً عِنْدَهُ , وَمَنْ أَخَلَّ بِهَذَا مِنْ الْعَوَامّ يُخَافُ أَنْ لا يَصِحَّ حَجُّهُ لإِخْلَالِهِ بِشَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ أَرْكَانِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ , وَرُبَّمَا قَلَّدَ بَعْضُهُمْ بَعْضَ عَوَامِّ مَكَّةَ وَتَوَهَّمَ أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ الْمَنَاسِكَ مُحَقَّقَةً فَاغْتَرَّ بِهِمْ , وَذَلِكَ خَطَأٌ فَاحِشٌ , وَكَذَا الْغَازِي وَغَيْرُهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَصْحِبَ مَعَهُ كِتَابًا مُعْتَمَدًا مُشْتَمِلا عَلَى مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ , وَيَعْلَمُ الْغَازِي مَا يَحْتَاجُ مِنْ أُمُورِ الْقِتَالِ وَأَذْكَارِهِ , وَتَحْرِيمِ الْغَدْرِ وَقَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ , وَيَتَعَلَّمُ الْمُسَافِرُ لِتِجَارَةٍ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْبُيُوعِ وَمَا يَصِحُّ وَمَا يَبْطُلُ وَمَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ. . . وهكذا.
8- يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ رَفِيقًا رَاغِبًا فِي الْخَيْرِ كَارِهًا لِلشَّرِّ، إنْ نَسِيَ ذَكَّرَهُ , وَإِنْ ذَكَرَ أَعَانَهُ , وَإِنْ تَيَسَّرَ لَهُ مَعَ هَذَا كَوْنُهُ عَالِمًا فَلْيَتَمَسَّكْ بِهِ فَإِنَّهُ يَمْنَعُهُ بِعِلْمِهِ وَعَمَلِهِ مِنْ سُوءِ مَا يَطْرَأُ عَلَى الْمُسَافِرِ مِنْ مَسَاوِئِ الأَخْلاقِ وَالضَّجَرِ وَيُعِينُهُ عَلَى مَكَارِمِ الأَخْلاقِ وَيَحُثُّهُ عَلَيْهَا.
ثُمَّ يَنْبَغِي أَنْ يَحْرِصَ عَلَى إرْضَاءِ رَفِيقِهِ فِي جَمِيعِ طَرِيقِهِ , وَيَحْتَمِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ وَيَرَى لِصَاحِبِهِ عَلَيْهِ فَضْلا وَحُرْمَةً , وَيَصْبِرَ عَلَى مَا يَقَعُ مِنْهُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ.
9- يُسْتَحَبُّ أَنْ يُوَدِّعَ أَهْلَهُ وَجِيرَانَهُ وَأَصْدِقَاءَهُ وَسَائِرَ أَحْبَابِهِ وَأَنْ يُوَدِّعُوهُ وَيَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ لِصَاحِبِهِ: أَسْتَوْدِعُ اللَّهَ دِينَكَ وَأَمَانَتَكَ وَخَوَاتِيمَ عَمَلِكَ , ويقول المقيم للمسافر: زَوَّدَكَ اللَّهُ التَّقْوَى وَغَفَرَ لَكَ ذَنْبَكَ وَيَسَّرَ الْخَيْرَ لَكَ حَيْثُمَا كُنْتَ.
10- السُّنَّةُ أَنْ يَدْعُوَ إذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ: (بِاسْمِ اللَّهِ، تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلا بِاَللَّهِ، اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ، أَوْ أَزِلَّ أَوْ أُزَلَّ، أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ، أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلِيَّ) .
11- السُّنَّةُ: إذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ وَأَرَادَ رُكُوبَ دَابَّتِهِ أَنْ يَقُولَ: بِسْمِ اللَّهِ , فَإِذَا اسْتَوَى عَلَيْهَا قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ , ثُمَّ يقول: الْحَمْدُ لِلَّهِ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ، اللَّهُ أَكْبَرُ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ، سُبْحَانَكَ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي إنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلا أَنْتَ.
ويقول: اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ فِي سَفَرِنَا هَذَا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى وَمِنْ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى اللَّهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا , وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ , اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ , وَالْخَلِيفَةُ فِي الأَهْلِ , اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ , وَكَآبَةِ الْمَنْظَرِ , وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ فِي الْمَالِ وَالأَهْلِ وَإِذَا رَجَعَ قَالَهُنَّ , وَزَادَ فِيهِنَّ: آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ.
مَعْنَى مُقْرِنِينَ: مُطِيقِينَ , وَالْوَعْثَاءُ - هِيَ الشِّدَّةُ، وَالْكَآبَةُ: هِيَ تَغَيُّرُ النَّفْسِ مِنْ خَوْفٍ وَنَحْوِهِ، وَالْمُنْقَلَبُ: الْمَرْجِعُ.
12- يُسْتَحَبُّ أَنْ يُرَافِقَ فِي سَفَرِهِ جَمَاعَةً لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (لَوْ أَنَّ النَّاسَ يَعْلَمُونَ مِنْ الْوَحْدَةِ مَا أَعْلَمُ مَا سَارَ رَكْبٌ بِلَيْلٍ وَحْدَهُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
13- يُسْتَحَبُّ أَنْ يُؤَمِّرَ الرِّفْقَةُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَفْضَلَهُمْ وَأَجْوَدَهُمْ رَأْيًا , وَيُطِيعُوهُ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إذَا خَرَجَ ثَلاثَةٌ فِي سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ) حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ.
14- يُسْتَحَبُّ السُّرَى (السير ليلاً) فِي آخِرِ اللَّيْلِ لِحَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (عَلَيْكُمْ بِالدُّلْجَةِ فَإِنَّ الأَرْضَ تُطْوَى بِاللَّيْلِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ , وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ: هُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ , وَقَالَ فِي رِوَايَةٍ: (ِإنَّ الأَرْضَ تُطْوَى بِاللَّيْلِ لِلْمُسَافِرِ) .
وَالدُّلْجَة سَيْر آخِر اللَّيْل , وَقِيلَ سَيْر اللَّيْل كُلّه.
15- يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَ الرِّفْقَ وَحُسْنَ الْخُلُقِ , وَيَتَجَنَّبَ الْمُخَاصَمَةَ وَمُزَاحَمَةَ النَّاسِ فِي الطُّرُقِ , وَأَنْ يَصُونَ لِسَانَهُ مِنْ الشَّتْمِ وَالْغِيبَةِ وَلَعْنَةِ الدَّوَابِّ وَجَمِيعِ الْأَلْفَاظِ الْقَبِيحَةِ.
16- يُسْتَحَبُّ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يُكَبِّرَ إذَا صَعِدَ مكانا عالياً من الأرض، وَيُسَبِّحَ إذَا هَبَطَ الأَوْدِيَةَ وَنَحْوَهَا.
17- يُسْتَحَبُّ إذَا أَشْرَفَ عَلَى قَرْيَةٍ يُرِيدُ دُخُولَهَا أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ أَهْلِهَا وَخَيْرَ مَا فِيهَا , وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ أَهْلِهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا.
18- يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَدْعُوَ فِي سَفَرِهِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الأَوْقَاتِ ; لأَنَّ دَعْوَتَهُ مُجَابَةٌ.
19- يَنْبَغِي لَهُ الْمُحَافَظَةُ عَلَى الطَّهَارَةِ وَعَلَى الصَّلاةِ فِي أَوْقَاتِهَا , وَقَدْ يَسَّرَ اللَّهُ - تَعَالَى بِمَا جَوَّزَهُ مِنْ التَّيَمُّمِ وَالْجَمْعِ وَالْقَصْرِ.
20- السُّنَّةُ أَنْ يَقُولَ: إذَا نَزَلَ مَنْزِلًا مَا رَوَتْهُ خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ قَالَتْ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (مَنْ نَزَلَ مَنْزِلا ثُمَّ قَالَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ لَمْ يُضَرَّ بِشَيْءٍ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
21- يُسْتَحَبُّ لِلرِّفْقَةِ فِي السَّفَرِ أَنْ يَنْزِلُوا مُجْتَمِعِينَ وَيُكْرَهُ تََرُّقُهُمْ لِغَيْرِ حَاجَةٍ لِحَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّاسُ إذَا نَزَلُوا مَنْزِلا تَفَرَّقُوا فِي الشِّعَابِ وَالأَوْدِيَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إنَّ تَفَرُّقَكُمْ فِي هَذِهِ الشِّعَابِ وَالأَوْدِيَةِ إنَّمَا ذَلِكُمْ مِنْ الشَّيْطَانِ، فَلَمْ يَنْزِلُوا بَعْدَ ذَلِكَ مَنْزِلا إلا انْضَمَّ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ.
22- السُّنَّةُ لِلْمُسَافِرِ إذَا قَضَى حَاجَتَهُ أَنْ يُعَجِّلَ الرُّجُوعَ إلَى أَهْلِهِ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنْ الْعَذَابِ، يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ، فَإِذَا قَضَى أَحَدُكُمْ نَهْمَتَهُ مِنْ سَفَرِهِ فَلِيُعَجِّلْ إلَى أَهْلِهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. نَهْمَتُهُ: مَقْصُودُهُ.
23- السُّنَّةُ أَنْ يَقُولَ فِي رُجُوعِهِ مِنْ السَّفَرِ مَا ثَبَتَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا قَفَلَ مِنْ غَزْوٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ يُكَبِّرُ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ مِنْ الأَرْضِ (مكان مرتفع) ثَلاثَ تَكْبِيرَاتٍ , ثُمَّ يَقُولُ: لا إلَهَ إلا اللَّهُ، وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ , لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ , وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ , آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ سَاجِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ , وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى إذَا كُنَّا بِظَهْرِ الْمَدِينَةِ قَالَ: (آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ , فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُ ذَلِكَ حَتَّى قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
24- السُّنَّةُ إذَا وَصَلَ مَنْزِلَهُ أَنْ يَبْدَأَ قَبْلَ دُخُولِهِ بِالْمَسْجِدِ الْقَرِيبِ إلَى مَنْزِلِهِ فَيُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ بِنِيَّةِ صَلاةِ الْقُدُومِ , لِحَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَرَكَعَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
25- يُسْتَحَبُّ النَّقِيعَةُ , وَهِيَ طَعَامٌ يُعْمَلُ لِقُدُومِ الْمُسَافِرِ , وَيُطْلَقُ عَلَى مَا يَعْمَلُهُ الْمُسَافِرُ الْقَادِمُ , وَعَلَى مَا يَعْمَلُهُ غَيْرُهُ لَهُ , وَمِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ لَهَا حَدِيثُ جَابِرٍ صلى الله عليه وسلم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ مِنْ سَفَرِهِ نَحَرَ جَزُورًا أَوْ بَقَرَةً. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
26 - يَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تُسَافِرَ من غير محرم مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، سَوَاءٌ بَعُدَ أَمْ قَرُبَ , لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ عَلَيْهَا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ ".
انتهى كلام النووي رحمه الله ملخصاً مع تصرف يسير.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
" آداب سفر الحج تنقسم إلى قسمين: آداب واجبة، وآداب مستحبة. فأما الآداب الواجبة: فهي أن يقوم الإنسان بواجبات الحج وأركانه، وأن يتجنب محظورات الإحرام الخاصة، والمحظورات العامة، الممنوعة في الإحرام وفي غير الإحرام. لقوله تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) البقرة/197.
وأما الآداب المستحبة في سفر الحج: أن يقوم الإنسان بكل ما ينبغي له أن يقوم به؛ من الكرم بالنفس والمال والجاه، وخدمة إخوانه وتحمل أذاهم، والكف عن مساوئهم، والإحسان إليهم، سواء كان ذلك بعد تلبسه الإحرام، أو قبل تلبسه بالإحرام، لأن هذه الآداب عالية فاضلة، تطلب من كل مؤمن في كل زمان ومكان، وكذلك الآداب المستحبة في نفس فعل العبادة، كأن يأتي الإنسان بالحج على الوجه الأكمل، فيحرص على تكميله بالآداب القولية والفعلية " انتهى
"فتاوى ابن عثيمين" (21/16) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3969)
هل يكثر من الحج أم يكتفي بمرة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الأفضل أن نحج أكثر من مرة واحدة أم الحج مرة واحدة أفضل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أما الوجوب فلا يجب الحج إلا مرة واحدة في العمر، عن أبي هريرة قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا، فقال رجل: أكلَّ عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم، ثم قال: ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه". رواه مسلم (1337) .
وعن ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْحَجُّ فِي كُلِّ سَنَةٍ أَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً؟ قَالَ: بَلْ مَرَّةً وَاحِدَةً، فَمَنْ زَادَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ) رواه أَبُو دَاوُد (1721) وصححه الألباني
وأما الأفضلية فكلما أكثر المسلم من الحج فهو أفضل، حتى لو استطاع أن يحج كل سنة، وقد ورد الترغيب في كثرة أداء الحج، ومن ذلك:
أ. عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أي العمل أفضل؟ فقال: إيمان بالله ورسوله، قيل: ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله، قيل: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور. رواه البخاري (26) ومسلم (83) .
ب. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه ". رواه البخاري (1449) ومسلم (1350) .
ج. عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة ". رواه الترمذي (810) والنسائي (2631) . وصححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (1200) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3970)
حكم العمرة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل العمرة واجبة أو سنة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أجمع العلماء على مشروعية العمرة وفضلها.
واختلفوا في وجوبها، فذهب الإمامان أبو حنيفة ومالك –واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية- إلى أنها سنة مستحبة وليست واجبة.
واستدلوا بما رواه الترمذي (931) عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الْعُمْرَةِ أَوَاجِبَةٌ هِيَ؟ قَالَ: لا، وَأَنْ تَعْتَمِرُوا هُوَ أَفْضَلُ.
غير أن هذا الحديث ضعيف، ضعفه الشافعي وابن عبد البر وابن حجر والنووي، والألباني في ضعيف الترمذي، وغيرهم.
قال الشافعي رحمه الله: هُوَ ضَعِيفٌ , لا تَقُومُ بِمِثْلِهِ الْحُجَّةُ , وَلَيْسَ فِي الْعُمْرَةِ شَيْءٌ ثَابِتٌ بِأَنَّهَا تَطَوُّعٌ اهـ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: رُوِيَ ذَلِكَ بِأَسَانِيدَ لا تَصِحُّ , وَلا تَقُومُ بِمِثْلِهَا الْحُجَّةُ اهـ.
وقال النووي في "المجموع" (7/6) : اتفق الحفاظ على أنه ضعيف اهـ.
ومما يدل على ضعفه أن جابراً رضي الله عنه ثبت عنه القول بوجوب العمرة كما سيأتي.
وذهب الإمامان الشافعي وأحمد إلى وجوبها. واختار هذا القول الإمام البخاري، رحم الله الجميع.
واستدل القائلون بالوجوب بعدة أدلة:
1- ما رواه ابن ماجه (2901) عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، عَلَيْهِنَّ جِهَادٌ لا قِتَالَ فِيهِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ. قال النووي في "المجموع" (7/4) : إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم اهـ. وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه.
ووجه الاستدلال من الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم (عَلَيْهِنَّ) وكلمة (على) تفيد الوجوب.
2- حديث جبريل المشهور لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام والإيمان والإحسان والساعة وعلاماتها، فقد رواه ابن خزيمة والدارقطني عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفيه زيادة ذكر العمرة مع الحج، ولفظه: (الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتحج البيت وتعتمر، وتغتسل من الجنابة، وتتم الوضوء، وتصوم رمضان) قال الدارقطني: هذا إسناد ثابت صحيح.
3- ما رواه أبو داود (1799) والنسائي (2719) عَنْ الصُّبَيّ بْن مَعْبَدٍ قال كُنْتُ أَعْرَابِيًّا نَصْرَانِيًّا. . . فَأَتَيْتُ عُمَرَ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنِّي أَسْلَمْتُ، وَإِنِّي وَجَدْتُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ مَكْتُوبَيْنِ عَلَيّ فَأَهْلَلْتُ بِهِمَا، فَقَالَ عُمَرُ: هُدِيتَ لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
4- قول جماعة من الصحابة منهم ابن عباس وابن عمر وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم.
قال جابر: لَيْسَ مُسْلِم إِلا عَلَيْهِ عُمْرَة. قال الحافظ: رَوَاه اِبْن الْجَهْم الْمَالِكِيّ بِإِسْنَادٍ حَسَن اهـ.
وقال البخاري رحمه الله: بَاب وُجُوبِ الْعُمْرَةِ وَفَضْلِهَا، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: لَيْسَ أَحَدٌ إِلا وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: إِنَّهَا لَقَرِينَتُهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) اهـ وقوله: (لَقَرِينَتُهَا) أي: قرينة فريضة الحج.
وقال الشيخ ابن باز: الصواب أن العمرة واجبة مرة في العمر كالحج اهـ مجموع فتاوى ابن باز (16/355) .
وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (7/9) : اختلف العلماء في العمرة، هل هي واجبة أو سنة؟ والذي يظهر أنها واجبة اهـ.
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (11/317) :
الصحيح من قولي العلماء أن العمرة واجبة، لقوله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) البقرة/166، ولأحاديث وردت في ذلك اهـ.
والله تعالى أعلم.
انظر: "المغني" (5/13) ، "المجموع" (7/4) ، "فتاوى ابن تيمية" (26/5) ، "الشرح الممتع" للشيخ ابن عثيمين (7/9) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3971)
أتاها الحيض قبل الميقات فذهبت إلى جدة، ثم أرادت العمرة فمن أين تحرم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أما بعد امرأة قدمت من اليمن بنية العمرة وقبل أن تصل إلى الميقات ظهر عليها دم الحيض فذهبت إلى جدة ومكثت فيها أسبوعا وهي الآن تريد أن تعتمر. فهل تحرم من جدة أم تذهب إلى ميقات يلملم لتحرم منه.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ينبغي أن يُعلم أن الإحرام لا تشترط له الطهارة، فللحائض أن تحرم بالعمرة أو الحج، وتفعل ما يفعل الحاج غير أنها لا تطوف بالبيت، لما ورد في حديث عائشة رضي الله عنها قالت: " نفست أسماء بنت عميس بمحمد بن أبي بكر بالشجرة فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر يأمرها أن تغتسل وتهل " رواه مسلم 1209، والحائض والنفساء حكمهما واحد، ولأمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة لما قدمت وهي حائض أن تصنع مثل ما يصنع الحاج غير ألا تطوف بالبيت. رواه البخاري 1516
وهذه المرأة إن كانت قد عدلت عن العمرة حين أصابها الحيض، وتجاوزت الميقات لا تنوي النسك، فلما أتت جدة بدا لها أن تعتمر، فلا حرج عليها في ذلك، وتحرم من محلها في جدة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ " رواه البخاري 1524 ومسلم 1181، أي من كان دون المواقيت، فيحرم من مكانه.
أما إن كانت تنوي العمرة لحظة مرورها أو محاذاتها للميقات، ولم تحرم منه فيجب عليها أن ترجع لتحرم من الميقات فإذا لم تفعل وأحرمت من جدة فيجب عليها دم، فتذبح شاة في مكة وتوزعها على فقراء ومساكين الحرم.
قال ابن قدامة رحمه الله: (وجملة ذلك أن من جاوز الميقات مريدا للنسك غير محرم , فعليه أن يرجع إليه ليحرم منه , إن أمكنه , سواء تجاوزه عالما به أو جاهلا , علم تحريم ذلك أو جهله. فإن رجع إليه , فأحرم منه , فلا شيء عليه، لا نعلم في ذلك خلافا. وبه يقول جابر بن زيد , والحسن , وسعيد بن جبير , والثوري , والشافعي , وغيرهم ; لأنه أحرم من الميقات الذي أمر بالإحرام منه , فلم يلزمه شيء , كما لو لم يتجاوزه وإن أحرم من دون الميقات فعليه دم) . انتهى من المغني 3/115
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3972)
استحباب العمرة في جميع رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[هل العمرة مستحبة في العشر الأواخر من رمضان؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
رَغَّبَ النبيُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أداء العمرة في شهر رمضان، روى البخاري (1782) ومسلم (1256) عن ابْنِ عَبَّاسٍ قال: قَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عُمرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةٌ) .
وهذا يشمل جميع رمضان، وليس مختصًّا بالعشر الأواخر.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3973)
تفسير قوله تعالى: (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى قوله تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) البقرة /197؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه الآية الكريمة يذكر الله تعالى فيها بعض الأحكام والآداب المتعلقة بالحج.
يقول الله تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ)
أي: وقت الحج أشهر معلومات وهي شوال وذو القعدة وعشر ذي الحجة. وذهب بعض العلماء إلى أن شهر ذي الحجة كله من أشهر الحج.
وقوله تعالى: (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ)
أي: أحرم به، لأنه إذا أحرم بالحج وجب عليه إتمامه، لقوله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) البقرة /196.
وقوله تعالى: (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ)
أي: إذا أحرم بالحج وجب عليه تعظيمه فيصونه عن كل ما يفسده أو ينقصه من الرفث والفسوق والجدال.
والرفث هو الجماع، ومقدماته القولية والفعلية كالتقبيل والكلام المتعلق بالجماع والشهوة ونحو ذلك.
ويطلق الرفث أيضاً على الكلام الفاحش البذيء.
والفسوق هو المعاصي كلها كعقوق الوالدين وقطيعة الرحم وأكل الربا وأكل مال اليتيم والغيبة والنميمة.. الخ. ومن الفسوق: محظورات الإحرام.
والجدال معناه المخاصمة والمنازعة والمماراة بغير حق، فلا يجوز للمحرم بالحج أو العمرة أن يجادل بغير حق.
أما المجادلة بالتي هي أحسن لبيان الحق فهذا مما أمر الله به في قوله: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن) النحل /125.
فهذه الأشياء (الفحش في القول والمعاصي والجدال بالباطل) وإن كانت ممنوعة في كل مكان وزمان فإنه يتأكد المنع منها في الحج، لأن المقصود من الحج الذل والانكسار لله والتقرب إليه بما أمكن من الطاعات، والتنزه عن مقارفة السيئات، فإنه بذلك يكون مبروراً، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة.
نسأل الله تعالى أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.
والله أعلم.
انظر: فتح الباري (3/382) ، تفسير السعدي (ص 125) ، فتاوى ابن باز (17/144) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3974)
تكرار الحج
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يستحسن الحج كل سنة لمن يرغب ذلك ولا يشق عليه، أو الأفضل كل ثلاث سنوات مرة أو كل سنتين مرة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فرض الله الحج على كل مكلف مستطيع مرة في العمر، وما زاد على ذلك فهو تطوع وقربة يتقرب بها إلى الله، ولم يثبت في التطوع بالحج تحديد بعدد، وإنما يرجع تكراره إلى وضع المكلف المالي والصحي وحال من حوله من الأقارب والفقراء، وإلى اختلاف مصالح الأمة العامة ودعمه لها بنفسه وماله، وإلى منزلته في الأمة ونفعه لها حضراً أو سفراً في الحج وغيره، فلينظر كلٌّ إلى ظروفه وما هو أنفع له وللأمة فيقدمه على غيره.
وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (11/14)(5/3975)
وجوب الحج ولو برفقة المبتدعة
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن من أهل السنة، ونعيش في دولة شيعية، ونريد أداء فريضة الحج، ولا نستطيع أن نسافر مع أهل البلد لكونهم من الشيعة تحسباً لما ينجم من مشاكل في الطريق.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب عليكم أن تحجوا ولو مع الشيعة إذا كنتم مستطيعين للحج، وعليكم مع ذلك الحذر من شبهات الشيعة ومذهبهم الباطل، وإن تمكنتم أن تنصحوهم وتدعوهم إلى اعتناق مذهب أهل السنة وجب عليكم ذلك؛ لقول الله سبحانه: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) النحل / 125، وغيرها من الآيات الدالة على وجوب الدعوة إلى الله سبحانه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. أصلح الله حال الجميع.
انظر اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (11/18) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3976)
المبادرة في أداء الفريضة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لي تأجيل تأدية فريضة الحج لعام آخر أو عامين، وأنا الذي قد توفر لي شرط الاستطاعة، من أجل زيارة الأهل والزوجة التي سأتغيب عنها مدة سنتين إذا ما أديت فريضة الحج هذا العام، ولن يتيسر لي أداء الحج وزيارة الأهل معاً، فإما أن أحج وإما أن أزور الأهل فأؤجل الحج. أفتونا مشكورين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب على المسلم المبادرة إلى تأدية فريضة الحج متى كان مستطيعاً؛ لأنه لا يدري ماذا يحدث له لو أخَّرَه، وقد قال الله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً) آل عمران / 97 وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (تعجلوا إلى الحج - يعني الفريضة - فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له) خرجه الإمام أحمد رحمه الله (1/314) وحسَّنه الألباني في إرواء الغليل (990) .
وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (11/17)(5/3977)
آثار الحج ومقاصده بين الواقع والمطلوب
[السُّؤَالُ]
ـ[رأيت في التلفاز مشاهد الحجاج وهي تتوافد على بيت الله الحرام، فتحركت الأشجان، ودمعت العينان على هذا المشهد العظيم.. فيا ليتني كنت معهم فأفوز فوزاً عظيماً..
سؤالي يا شيخ: هل لهذا التجمع العظيم، من آثار على المسلم وعلى أهل الإسلام؟ وما هو المطلوب من الحاج أن يتذكره وهو متوجه إلى بيت الله الحرام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نشكرك على هذا السؤال وهذا الاهتمام، ونسأل الله التوفيق لمن حج بمغفرة الذنوب، ولمن لم يحج بحصول المرغوب والنجاة من المرهوب.. آمين.. آمين.
أما مقاصد الحج فهي مقاصد عظيمة، وأهدافه سامية، إليك شيئاً منها:
1. الارتباط بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام من لدن أبينا إبراهيم وبنائه للبيت إلى نبينا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيمه لحرمة مكة، فيتذكر الحاج حين تردده في المشاعر وأداء للشعائر تردد أولئك المطهرين في هذه البقاع الشريفة.
روى مسلم (241) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ رسول الله صلى الله عليه وسلم بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَمَرَرْنَا بِوَادٍ فَقَالَ: أَيُّ وَادٍ هَذَا فَقَالُوا: وَادِي الأَزْرَقِ فَقَالَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مُوسَى رسول الله صلى الله عليه وسلم ... وَاضِعًا إِصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ لَهُ جُؤَارٌ إِلَى اللَّهِ بِالتَّلْبِيَةِ مَارًّا بِهَذَا الْوَادِي.
قَالَ ثُمَّ سِرْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى ثَنِيَّةٍ فَقَالَ أَيُّ ثَنِيَّةٍ هَذِهِ قَالُوا هَرْشَى أَوْ لِفْتٌ فَقَالَ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى يُونُسَ عَلَى نَاقَةٍ حَمْرَاءَ عَلَيْهِ جُبَّةُ صُوفٍ خِطَامُ نَاقَتِهِ لِيفٌ خُلْبَةٌ مَارًّا بِهَذَا الْوَادِي مُلَبِّيًا.
2. بياض اللباس ونقاؤه إشارة إلى طهارة الباطن ونقاء القلب وبياض الرسالة والمنهج، وفيه طرح للزينة، وإظهار للمسكنة، وتذكر الموت حين يلبس الإحرام ذلكم اللباس الشبيه بالكفن فكأنه مستعد للقدوم على الله جل وعلا.
3. الإحرام من الميقات، يجسد التعبد والرق لله بطاعته والاستسلام لأمره وشرعه، فلا يتجاوزه أحد لأنه أمر الله، والشرع شرعه سبحانه، وفي هذا وحدة الأمة وانتظامها وضبطها لئلا يحصل التفرق والاختلاف في تحديد المواقيت.
4. الحج شعار التوحيد من أول لحظة يتلبس به الحاج: قال جابر بن عبد الله في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم: " ثم أهل بالتوحيد لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك " رواه مسلم (2137) . أنظر السؤال (21617) .
5. تذكر الآخرة حين يجتمع الناس في صعيد واحد في عرفات وغيرها ليس بينهم تفاضل ولا تغاير الكل في هذا البلد سواء لا فضل لأحد على أحد فيه.
6. الحج شعار الوحدة فإن الحج جعل الناس سواسية في لباسهم وأعمالهم وشعائرهم وقبلتهم وأماكنهم، فلا فضل لأحد على أحد: الملك والمملوك، الغني والفقير في ميزان واحد.
فالناس سواسية في الحقوق والواجبات، وهم سواسية في هذا البيت الحرام لا فرق بين الألوان والجنسيات وليس لأحد أن يفرق بينهم.
وحدة في المشاعر.. ووحدة في الشعائر.
وحدة في الهدف.. وحدة في العمل.
وحدة في القول "الناس من آدم، وآدم من تراب لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى "
أكثر من مليوني مسلم يقفون كلهم في موقف واحد.. وبلباس واحد.. لهدف واحد.. وتحت شعار واحد.. يدعون ربا واحدا.. ويتبعون نبيا واحدا.. وأي وحدة أعظم من هذه.
قال تعالى: {إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم}
7. تربية على القناعة في اللباس والسكن حيث يلبس خرقة من قطعيتين فتكفيه، ويسكن في مكان بقدر نومه فيغنيه.
8. إرهاب أهل الكفر والضلال بهذا الاجتماع العظيم للمسلمين فإنهم وإن كانوا متفرقين مختلفين فإن مجرد اجتماعهم على اختلافهم في وقت معين ومكان معين يدل على إمكان اجتماعهم في غيره.
9. بيان أهمية الاجتماع والتآلف بين المسلمين فإن كل إنسان تجده يسافر وحده، بينما عند الحج تجده مع مجموعة....
10. التعرف على أحوال المسلمين من خلال المصادر الموثوقة، حيث يسمع المسلم من أخيه مباشرة عن أحوال إخوانه المسلمين في البلاد التي قدم منها.
11. تبادل المنافع والخبرات بين المسلمين عامة.
12. اجتماع أهل الرأي والعلم والحل والعقد من جميع البلدان وتدارس أحوال المسلمين وحاجاتهم، وأهمية تضامنهم وتعاونهم.
13. تحقيق عبودية الله تعالى في وقوفه في المشاعر إذ يترك المسجد الحرام، الذي هو أفضل البقاع ويقف بعرفات.
14. غفران الذنوب لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه ".
15. فتح باب الأمل لأهل المعاصي وتربيتهم على تركها ونبذها في تلك المشاعر؛ حيث يتركون كثيرا من عاداتهم السيئة خلال فترة الحج وفي المشاعر.
16. بيان أن الإسلام دين النظام ففي احج ترتيب للمناسك والوقت، كل عمل في مكانه وفي وقته المحدد له.
17. تربية النفس على النفقة في وجوه الخير والبعد عن الشح فالحاج يبذل الأموال الكثيرة من أجل الحج في الراحلة وفي الطريق وفي المشاعر.
18. اكتساب تقوى القلوب وصلاحها بتعظيم شعائر الله، يقول الله تعالى: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
19. تربية للأغنياء بترك تميزهم في لباسهم وسكنهم ومساواتهم للفقراء في اللباس والمشاعر من طواف وسعي ورمي، وفي هذا تربية لهم على التواضع، ومعرفة حقارة الدنيا.
20. مداومة الحاج على الطاعة وذكر الله تعالى في أيام الحج وهو ينتقل من مشعر إلى مشعر ومن عمل إلى آخر، وهذا بمثابة دورة سنوية مكثفة في طاعة الله وذكره.
21. تربية النفس على الإحسان إلى الناس فيرشد الضال، ويعلم الجاهل، ويساعد الفقير، ويقف مع العاجز والضعيف.
22. التخلق بالأخلاق الحسنة من الحلم وتحمل الأذى من الخلق، فإن الحاج لابد له من أن يتعرض لمزاحمة أو مخاصمة أو غير ذلك، قال تعالى: (الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج)
23. التربية على الصبر وتحمل المشقة كالحر وطول الطريق والبعد عن الأهل والتردد بين المشاعر والزحام فيها.
24. التدرب على ترك العادات والتقاليد والمألوفات، فإن الحاج ملزم بكشف رأسه وترك لباسه. وسيترك ما اعتاده من سكن وطعام وشراب.
25. في سعي الحاج بين الصفا والمروة يتذكر أن من أطاع الله وتوكل عليه واعتصم به فإنه لا يضيعه بل يرفع ذِكْرَهُ، فهذه هاجر أم إسماعيل عليهما السلام لما قالت لإبراهيم: " آلله أمرك بهذا " قال: " نعم " قالت: اذاً فلن يضيعنا " فرفع الله ذِكْرَها وبدأ الناس يسعون مثلها بما فيهم الأنبياء عليهم السلام.
26. تربية النفس على عدم اليأس من روح الله مهما اشتدت الخطوب وعظمت الكروب فإن الله بيده الفرج فهذه أم إسماعيل كاد وليدها أن يهلك، وبدأت تركض من جبل إلى آخر تتطلع للفرج فأتاها من حيث لا تحتسب إذ نزل الملك فضرب الأرض فخرج ماء زمزم وما فيه من شفاء لأمراض القلوب والأبدان.
27. يتذكر الحاج أنه في هذه المشاعر في ضيافة الرحمن فاجتماع الحج لم تدع له حكومة ولا هيئة ولا ملك ولا رئيس، إنما دعا إليه رب العالمين، وجعله مقاما يلتقي فيه المسلمون على قدم المساواة لا فضل فيه لأحد على أحد، قال تعالى: (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم..) .
وروى النسائي (2578) عن أبي هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ رسول الله صلى الله عليه وسلم وَفْدُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثَلاثَةٌ الْغَازِي وَالْحَاجُّ وَالْمُعْتَمِرُ. صححه الألباني في صحيح النسائي (2462) .
28. الموالاة للمؤمنين، يتمثل ذلك بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن دماءكم وأعراضكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا " رواه البخاري (65) ومسلم (3180) .
29. موسم الحج تبرز فيه المفاصلة التامة مع أهل الشرك والكفر ويحظر عدم حضورهم بأي وجه كان. حيث حُظِرَ عليهم دخول منطقة الحرم في كل وقت مهما كان المقصد قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إن الله عليم حكيم}
وروى البخاري أن أبا هريرة قال: " بعثني أبو بكر رضي الله عنه في تلك الحجة في المؤذنين، بعثهم يوم النحر يؤذنون بمنى: أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ".
والله تعالى أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
د. يحي بن إبراهيم اليحي
المصدر موقع الشيخ يحيى اليحيى(5/3978)
فضل الحج
[السُّؤَالُ]
ـ[الحج المبرور هل يغفر كبائر الذنوب؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه) رواه البخاري (1521) ومسلم (1350) ، وقال صلى الله عليه وسلم: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) رواه البخاري (1773) ومسلم (1349) .
فالحج وغيره من صالح الأعمال من أسباب تكفير السيئات، إذا أداها العبد على وجهها الشرعي، وقد ذهب جمهور أهل العلم إلى أن الأعمال الصالحة لا تكفر إلا الصغائر، أما الكبائر فلابد لها من توبة واستدلوا بما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر) رواه مسلم (1/209) .
وذهب الإمام ابن المنذر رحمه الله وجماعة من أهل العلم إلى أن الحج المبرور يكفر جميع الذنوب؛ لظاهر الحديثين المذكورين.
والله اعلم
انظر: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (11/13) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3979)
متى فرض الحج؟
[السُّؤَالُ]
ـ[في أي سنة من الهجرة فُرض الحج؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اختلف العلماء في السنة التي فرض فيها الحج، فقيل في سنة خمس، وقيل في سنة ست، وقيل في سنة تسع، وقيل في سنة عشر، وأقربها إلى الصواب القولان الأخيران، وهو أنه فرض في سنة تسع أو سنة عشر.
(والدليل قوله تعالى: (ولله على الناس حجُّ البيت من استطاع إليه سبيلا) ففي هذه الآية وجوب الحج وقد نزلت عام الوفود أواخر سنة تسع، فيكون الحج فرض أواخر سنة تسع. انظر زاد المعاد 3/595)
والله أعلم.
وبالله التوفيق.
أنظر فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 11/10.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3980)
يسافر ليحج ويتاجر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن أسافر للحج واشتري بضاعة من مكة وأبيعها في بلدي لأربح منها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز الاتجار في مواسم الحج، أخرج الطبري في تفسيره بسنده، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم) البقرة / 198. قال: لا حرج عليكم في الشراء والبيع قبل الإحرام وبعده.
وبالله التوفيق
[الْمَصْدَرُ]
انظر فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (11/13)(5/3981)
كم مرة يزور البيت الحرام في العمر
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت مؤخرا من مصدرين أن السنة تحتوي على إشارة بضرورة تحقيق مبدأ إسلامي يدعو إلى زيارة مكة المكرمة 7 مرات والقدس مرة واحدة في العمر.
هل لكم أن تتفضلوا بمساعدتي في التأكد من صحة ما سبق حيث أني لم أجد له دليلا بمفردي]ـ
[الْجَوَابُ]
1. جاءت الأحاديث في بيان فضل الصلاة في بيت الله الحرام في مكة، وفي المسجد النبوي، وفي المسجد الأقصى.
= عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام ". رواه البخاري (1133) ومسلم (1394) .
= عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه.
رواه ابن ماجه (1406) وأحمد (14847) . والحديث صححه البوصيري في " الزوائد " - هامش سنن ابن ماجه -.
= أما الصلاة في المسجد الأقصى: فالصحيح أنها على الربع من فضل الصلاة في مسجد المدينة.
عن أبي ذر رضي الله عنه قال: تذاكرنا ونحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أيهما أفضل: مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو مسجد بيت المقدس؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه، ولَنِعْم المصلَّى......".
رواه الحاكم (4 / 509) وصصححه ووافقه الذهبي والألباني كما في " السلسلة الصحيحة " في آخر الكلام على حديث رقم (2902) .
وأما الحديث المشهور أن الصلاة فيه بخمسمائة صلاة: فضعيف.
انظر " تمام المنة " للشيخ الألباني رحمه الله (ص 292) .
2. وقد ورد في توقيت زيارة بيت الله الحرام حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيه:
" إن الله يقول: إنَّ عبداً أصححتُ له جسمَه، ووسعتُ عليه في المعيشة، تمضي عليه خمسة أعوام لا يفدُ إليَّ لمحروم ". رواه ابن حبان (960) وأبو يعلى (1 / 289) والبيهقي (5 / 262) . والحديث: صححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (1662) .
وكلما كثر التردّد على بيت الله الحرام كان أفضل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " تابعوا بين الحجّ والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب.." رواه الترمذي 810
وأما ما أشرت إليه في سؤالك من ادّعاء زيارة الكعبة سبع مرات في العمُر ومرّة للمسجد الأقصى فطالب الذي أخبرك بذلك بمصدره ودليله كما قال الله: (قل هاتوا برهانكم) ، فإنه لا يجوز إيجاب شيء أو ادّعاء أفضلية لأمر دون دليل صحيح، وفقنا الله وإياك لما يحبّ ويرضى وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/3982)
لا يحجّ المسلم عن غيره إلا بعد أن يحجّ عن نفسه
[السُّؤَالُ]
ـ[توفيت والدتي في أول شهر رمضان ولم تكن قد أدت فريضة الحج من قبل. ولذلك فإنني أنوي الحج عنها، علما بأنني لم أؤدِ فريضة الحج عن نفسي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أسأل الله تعالى أن يُثيبك على مشاعرك الطيبة تجاه والدتك وعلى حرصك على نفعها وبرّها بعد موتها، أما بالنسبة لسؤالك فإنّ المسلم إذا أراد أن يحجّ عن غيره فلا بدّ أن يكون قد حجّ عن نفسه أولا، والدليل على ذلك حديث ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ رَجُلا يَقُولُ لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ قَالَ مَنْ شُبْرُمَةُ قَالَ أَخٌ لِي أَوْ قَرِيبٌ لِي قَالَ حَجَجْتَ عَنْ نَفْسِكَ قَالَ لا قَالَ حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ رواه أبو داود في سننه: كتاب المناسك باب الرجل يحجّ عن غيره وهو حديث صحيح، نسأل الله أن يغفر لوالدتك وأن يُدخلها في رحمته والله وليّ المتقين.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/3983)
اعتمرت قبل عشر سنوات وهي حائض حرجا ثم تزوجت واعتمرت عدة مرات
[السُّؤَالُ]
ـ[ذهبت للعمرة قبل عشر سنوات وعندما وصلت للميقات كنت حائضا فمن الحياء لم أخبر من معي وأتممت معهم مناسك العمرة وكنت حينها غير متزوجة وبعد أربع سنوات من حينها تزوجت وذهبت للعمرة مع زوجي خمس مرات وأنا طاهرة فهل علي شيء أو كفارة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا يجوز للمرأة الحائض أن تدخل المسجد الحرام، ولا أن تطوف بالكعبة، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة وقد حاضت قبل دخول مكة في حجة الوداع: (افْعَلِي كَمَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي) رواه البخاري (1650) ومسلم (1211) .
والله تعالى أحق أن يستحيى منه، فلا يجوز للحائض الطواف بالبيت بدعوى أنها استحيت أن تخبر أهلها.
ثم إننا نعيب على السائلة أنها لم تسأل عن حكم ذلك إلا بعد عشر سنوات، وكان الواجب عليها أن تبادر بالسؤال حتى تستدرك ما فاتها.
ثانياً:
إذا طافت المرأة وهي حائض فطوافها غير صحيح، وعمرتها لم تتم، وهي باقية على إحرامها حتى تتم عمرتها، وقد ذكرت أنك اعتمرت بعد ذلك عدة مرات، فتقع الأولى من هذه العمرات إتماماً لهذه العمرة التي طفت فيها وأنت حائض، غير أنك ذكرت أنك تزوجت قبل الاعتمار، وهذا يعني أنه قد تم عقد النكاح وأنت محرمة.
وعلى هذا فالذي يلزمك ما يلي:
1- إعادة عقد النكاح لأن العقد على المُحْرِم أو المُحْرِمة لا يصح.
2- وجوب إتمام العمرة، وقد تم ذلك.
3- إن كان حصل جماع قبل إتمام العمرة الأولى ـ وهو الظاهر من السؤال ـ فهذا يعني أن العمرة قد فسدت، فعليك قضاؤها، وتبقى هذه العمرة في ذمتك حتى يتم قضاؤها، ولا يكفي ما اعتمرتيه بعد ذلك عن القضاء، لأن القضاء لا بد فيه من نية.
4- وعليك فدية عن الجماع، وهي شاة، تذبح وتوزع على مساكين الحرم.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله:
لي قريبة اعتمرت في رمضان، ولما دخلت الحرم أحدثت حدثا أصغر، خرج منها ريح وخجلت أن تقول لأهلها أريد أن أتوضأ، ثم طافت ولما انتهت من الطواف ذهبت لوحدها وتوضأت ثم أتت بالسعي، فهل عليها دم أم كفارة؟
فأجاب:
"طوافها غير صحيح؛ لأن من شرط صحة الطواف الطهارة كالصلاة، فعليها أن ترجع إلى مكة وأن تطوف بالبيت، ويستحب لها أن تعيد السعي؛ لأن أكثر أهل العلم لا يجيز تقديمه على الطواف، ثم تقصر من جميع رأسها وتحل، وإن كانت ذات زوج وقد جامعها زوجها فعليها دم يذبح في مكة للفقراء، وعليها أن تأتي بعمرة جديدة من الميقات الذي أحرمت منه للعمرة الأولى؛ لأن العمرة الأولى فسدت بالجماع، فعليها أن تفعل ما ذكرنا ثم تأتي بالعمرة الجديدة من الميقات الذي أحرمت للعمرة الأولى منه، سواء كان ذلك في الحال أو في وقت آخر، حسب طاقتها" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (17/214-215) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
هناك امرأة طافت حول الكعبة وهي حائض، ولم تخبر والدها وأهلها بذلك وأكملت عمرتها، فما عليها؟
فأجاب:
"طواف العمرة ركن، وهي الآن على إحرامها تماماً، فيجب عليها أن تتجنب جميع محظورات الإحرام.
السائل: لكن هي اعتمرت وحجت بعدها مرات.
الشيخ: اعتمرت وحجت هل نوت القضاء؟ إن نوت القضاء فهذا مقبول، وإن لم تنو القضاء فيبقى هل صحت عمرها التي وقعت في جوف العمرة الأولى أو لم تصح؟ أنا أقول أسأل الله لي العفو العافية: إن هذه العمرة صحيحة إن شاء الله لأنها جاهلة، وإلا لكان إحرامها بعمرة في جوف عمرة لا يصح، فنقول: إحرامها إن شاء الله صحيح وعمرتها صحيحة، وما دامت لم تنو القضاء فعليها القضاء" انتهى باختصار.
"اللقاء الشهري" (4/417-418) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3984)
سعيا للعمرة أربعة عشر شوطا جهلا، فهل تصح عمرتهما؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ذهب والداي للعمرة هذا العام بعد أن ظلا يحلمان بها لما يقارب عشرة أعوام أو أكثر وعندما وصلا إلى السعي بين الصفا والمروة سعيا 14 مرة بدلاً من سبع مرات ظناً منهما أن السعية الواحدة الكاملة هي بالسعي من الصفا الى المروة ثم العكس. فهل عمرتهما صحيحة على هذا النحو ام يلزمهما اداءها من جديد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الواجب على كل مسلم أن يتعلم ما يحتاجه من أمر دينه ما تصح به عقيدته وعبادته، وهو ما أرشد النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه إليه، في حجته التي حجها بالناس، فقال لهم: (لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ؛ فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ) .
رواه مسلم (1297) من حديث جابر.
قال النووي رحمه الله:
" هَذِهِ اللَّام لَام الْأَمْر , وَمَعْنَاهُ: خُذُوا مَنَاسِككُمْ, وَتَقْدِيره: هَذِهِ الْأُمُور الَّتِي أَتَيْت بِهَا فِي حَجَّتِي مِنْ الْأَقْوَال وَالْأَفْعَال وَالْهَيْئَات هِيَ أُمُور الْحَجّ وَصِفَته وَهِيَ مَنَاسِككُمْ، فَخُذُوهَا عَنِّي، وَاقْبَلُوهَا وَاحْفَظُوهَا، وَاعْمَلُوا بِهَا وَعَلِّمُوهَا النَّاس.
قيل للإمام أحمد: طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ؟
قَالَ: نَعَمْ، لِأَمْرِ دِينِك وَمَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ، مِنْ أَنْ يَنْبَغِيَ أَنْ تَعْلَمَهُ.
وَقَالَ أيضا: يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَطْلُبَ مِنْ الْعِلْمِ مَا يَقُومُ بِهِ دِينُهُ، وَلَا يُفَرِّطُ فِي ذَلِكَ.
قيل: فَكُلُّ الْعِلْمِ يَقُومُ بِهِ دِينُهُ؟
قَالَ: الْفَرْضُ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ فِي نَفْسِهِ، لَا بُدَّ لَهُ مِنْ طَلَبِهِ.
قيل: مِثْلُ أَيِّ شَيْءٍ؟
قَالَ: الَّذِي لَا يَسَعُهُ جَهْلُهُ: صَلَاتُهُ وَصِيَامُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ.
"الآداب الشرعية" لابن مفلح (2/99-100) .
ثانيا:
حيث أن الوالدين قد زادا في عدد الأشواط عن جهل منهما بالحكم: فعمرتهما صحيحة، وقد تم سعيهما بالأشواط السبعة المطلوبة، وما زاد على ذلك فهو لاغ، لا حكم له.
وقد سئل الشخ ابن باز رحمه الله:
لقد سعيت بين الصفا والمروة، ولكن عملت الشوط من الصفا إلى الصفا على أنه واحد، هل علي شيء في ذلك؟
فأجاب الشيخ:
" هذه زيادة منك، فقد سعيت أربعة عشر شوطا والواجب سبعة، والسبعة الأخرى لا تجوز؛ لأنها خلاف الشرع، لكنك معذور بالجهل، وعليك التوبة إلى الله من ذلك، وعدم العود إلى مثلها إذا حججت أو اعتمرت؛ لأن الذي حصل به المقصود سبعة من الصفا للمروة ثم من المروة للصفا، تبدأ بالصفا وتختم بالمروة، سبعة أشواط " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (17 / 341-342) .
وينظر: فتاوى الشيخ ابن عثيمين (22/424) .
وراجع لصفة العمرة إجابة السؤال رقم: (31819) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3985)
الاعتمار لأكثر من شخص في سفرة واحدة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الاعتمار لأكثر من شخص؟ علماً أن المعتمر يعتمر لأول مرة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ليس من السنة، ولا من هدي السلف، تكرار العمرة في سفرة واحدة، لا عن نفسه، ولا عن غيره؛ إذ الأصل أن لكل عمرة سفرة.
فمن سافر للعمرة أداها مرة واحدة في سفره هذا، ولا يشرع في حقه تكرارها، إلا إذا خرج من مكة مسافراً ثم رجع إليها.
قال ابن القيم رحمه الله:
"ولم يكن في عُمَره صلى الله عليه وسلم عمرةٌ واحدةٌ خارجاً من مكة، كما يفعل كثير من الناس اليوم، وإنما كانت عمَرُه كلُها داخلاً إلى مكة، وقد أقام بعد الوحي بمكة ثلاث عشرة سنة، لم ينقل عنه أنه اعتمر خارجاً من مكة في تلك المدة أصلاً، فالعمرة التي فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرعها هي عمرة الداخل إلى مكة، لا عمرة من كان بها فيخرج إلى الحل ليعتمر، ولم يَفعل هذا على عهده أحدٌ قط، إلا عائشة وحدها بين سائر من كان معه؛ لأنها كانت قد أهلت بالعمرة فحاضت فأمرها فأدخلت الحج على العمرة وصارت قارنة، وأخبرها أن طوافها بالبيت وبين الصفا والمروة قد وقع عن حجتها وعمرتها، فوجدت في نفسها أن يرجع صواحباتها بحج وعمرة مستقلين - فإنهن كن متمتعات، ولم يحضن، ولم يقرنَّ - وترجع هي بعمرة في ضمن حجتها، فأمر أخاها أن يُعمرها من التنعيم؛ تطييباً لقلبها، ولم يعتمر هو من التنعيم في تلك الحجة، ولا أحدٌ ممن كان معه " انتهى.
" زاد المعاد " (2 / 89، 90) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
بعض الناس يأتي من مكان بعيد لهدف العمرة إلى مكة، ثم يعتمرون ويحلون، ثم يذهبون إلى التنعيم ثم يؤدون العمرة، يعني: في سفره عدة عمرات، فكيف هذا؟
فأجاب:
"هذا بارك الله فيك من البدع في دين الله؛ لأنه ليس أحرص من الرسول صلى الله عليه وسلم ولا من الصحابة، والرسول صلى الله عليه وسلم كما نعلم جميعاً دخل مكة فاتحاً في آخر رمضان، وبقي تسعة عشر يوماً في مكة ولم يخرج إلى التنعيم ليحرم بعمرة، وكذلك الصحابة، فتكرار العمرة في سفر واحد من البدع" انتهى.
لقاء الباب المفتوح - (121 / 28) .
وقال الشيخ الألباني رحمه الله:
" الإحرام بعمرة من التنعيم، حيث أحرمت منه السيدة عائشة، فهذا حكمٌ خاص بعائشة ومن يكون مثلها، وأنا أعبر عن هذه العمرة من التنعيم بأنها عمرة الحائض، ذلك لأن عائشة رضي الله عنها لما خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم حاجة في حجة الوداع وكانت قد أحرمت بالعمرة، فلما وصلت إلى مكان قريب من مكة، يعرف بـ " سَرِف " دخل عليها الرسول عليه السلام فوجدها تبكي، فقال لها: (ما لكِ تبكين؟ أنفستِ؟) قالت: نعم، يا رسول الله، قال عليه السلام: (هذا أمر كتبه الله على بنات آدم، فاصنعي ما يصنع الحاج غير أن لا تطوفي ولا تصلي) فما طافت ولا صلت حتى طَهُرَتْ في عرفات، ثم تابعت مناسك الحج وأدت الحج بكامله، لما عزم الرسول عليه السلام على السفر والرجوع إلى المدينة، دخل عليها في خيمتها فوجدها أيضاً تبكي، قال: (مالكِ؟) قالت: مالي؟ يرجع الناس بحج وعمرة، وأرجع بحج دون عمرة، ذلك لأنه بسبب حيضها انقلبت عمرتها إلى حج، حج مفرد [هذا ما اختاره الشيخ الألباني رحمه الله، واختار غيره من العلماء أنها صارت قارنة، وليست مفردة] ، فأشفق الرسول عليه السلام عليها , وأمر أخاها عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق أن يردفها خلفه على الناقة وأن يخرج بها إلى التنعيم ففعل ورجعت واعتمرت فطابت نفسها، فلذلك نحن نقول: من أصابها مثل ما أصابها (أي عائشة) من النساء حيث حاضت وهي معتمرة ولا تستطيع أن تكمل العمرة , فتنقلب عمرتها إلى حج , فتعوِّض ما فاتها بنفس الأسلوب الذي شرعه الله على لسان رسوله لعائشة , فتخرج هذه الحائض الأخى إلى التنعيم وتأتي بالعمرة، أما الرجال فهم والحمد لله لا يحيضون , فما لهم ولحكم الحائض؟ والدليل أنه كما يقول بعض العلماء بالسيرة وبأحوال الصحابة: حج مع الرسول مئة ألف من الصحابة ما أحد منه جاء بعمرة كعمرة عائشة رضي الله عنها" انتهى.
فلا يشرع لمن كان في مكة أن يخرج إلى التنعيم ليحرم بعمرة، وإنما يشرع له إذا خرج من مكة لحاجة، كما لو خرج إلى المدينة أو جدة أو الطائف.. ثم أراد الرجوع إلى مكة، فلا حرج عليه أن يرجع بعمرة.
وقد يرخص لمن كان بمكة في الخروج إلى التنعيم ليحرم بعمرة عن غيره إذا كان قد جاء من بلاد بعيدة يحتاج إلى تأشيرة ونفقات كثيرة لدخول بلاد الحرمين الشريفين، ولا يدري هل سيتيسر له ذلك أم لا؟
فمثل هذا قد يرخص له في الاعتمار عن غيره من التنعيم، أما من يتيسر العودة إلى مكة فلا يعتمر في السفرة الواحدة أكثر من مرة، سواء عن نفسه أو غيره.
ثانياً:
الاعتمار عن الغير يجوز إذا كان هذا الغير عاجزاً لكبر سن أو مرض لا يرجى برؤه، أو كان ميتاً، بشرط أن يكون المعتمر قد اعتمر عن نفسه أولاً.
فقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
أريد العمرة لبيت الله الحرام، وأردت إذا ما فرغت من عمرتي فحينئذ أعتمر عن والدي -وهما على قيد الحياة، والحمد لله- وعن والديهما - وهما قد ماتا رحمهما الله – هل هذه الطريقة صحيحة لي أم لا؟
فأجابوا:
"إذا اعتمرت عن نفسك جاز لك أن تعتمر عن أمك وأبيك إذا كانا عاجزين لكبر سن أو مرض لا يرجى برؤه. كما يجوز لك أن تعتمر عن والدي والديك المتوفين" انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (11 / 80-81) .
ولمزيد الفائدة: يراجع جواب السؤال رقم: (111501) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3986)
حكم من رمى الجمار ثم تبين له في بلده أنها أقل من سبع حصيات
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما ذهبتْ والدتي إلى الحج: ذهبت لرمي الجمرات، فأخذتْ بعض الحصوات في جيبها، فرمتها، ثم عادت إلى الفندق، وخلعت العباءة التي كانت ترتديها، عندما عادت إلى " هولندا ": وجدت أنه بقي بعض الحصى في جيب العباءة، فهل عليها من شيء في هذا؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا خلاف بين العلماء في أن النبي صلى الله عليه وسلم قد رمى الجمار بسبع حصيات، وأن هذا هو هديه، ولا ريب.
قال ابن القيم رحمه الله:
"قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رمَى الجمرة بسبع حصيات، من رواية عبد الله بن عباس , وجابر بن عبد الله , وعبد الله بن عمر" انتهى.
" حاشية ابن القيم على مختصر سنن أبي داود " (5 / 312) .
وقد اختلف أهل العلم في حكم من نقص من حصيات الرمي في الحج اختلافاً كثيراً، وليس في المسألة نص يُرجع إليه ليحسم الخلاف.
جاء في " الموسوعة الفقهية " (17 / 80، 81) :
مذهب الشافعية والحنابلة أنه يجب الدم على من ترك الرمي كلَّه، أو ترك رمي يوم، أو يومين، أو ترك ثلاث حصيات من رمي أي جمرة.
وعند الشافعية في الحصاة: يجب مدٌّ واحد، وفي الحصاتين: ضعف ذلك.
وعند الحنابلة في الحصاة، أو الحصاتين: روايات.
قال في " المغني ": الظاهر عن أحمد أنه لا شيء عليه في حصاة، ولا حصاتين.
وذهب الحنفية إلى أنه يجب الدم إن ترك الحاج رمي الجمار كلها في الأيام الأربعة، أو ترك رمي يوم كامل، ويلحق به ترك رمي أكثر حصيات يوم أيضا؛ لأن للأكثر حكم الكل، فيلزم فيه الدم، أما إن ترك الأقل من حصيات يوم: فعليه صدقة، لكل حصاة نصف صاع من بُرٍّ، أو صاع من تمر، أو شعير.
ومذهب المالكية: يلزمه دم في ترك حصاة، أو في ترك الجميع. انتهى.
والذي يظهر لنا ـ والله أعلم ـ أنها إن تيقنت أنها تركت ثلاث حصيات فأكثر من جمرة واحدة، أنها توكل من يذبح عنها شاة بمكة ويوزعها على مساكين الحرم، فإن لم تتيقن ذلك فلا شيء عليها.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3987)
حكم التلبية الجماعية بصوت واحد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن يقوم واحد بالتلبية بعد الإحرام ويردد المعتمرون وراءه أم ماذا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التلبية بصوت جماعي بأن يشرع المعتمرون جميعا بالتلبية معا يبتدوؤن وينتهون بصوت واحد من الأخطاء التي يقع فيها كثير من الناس اليوم، إذ لم يعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أنهم كانوا يلبون بصوت واحد، وإنما يلبي كل منهم بصوته سواء وافق أصوات الملبين الآخرين أو خالفهم.
وانظر جواب السؤال رقم: (33746) .
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: ما حكم التلبية الجماعية للحجاج؟ حيث أحدهم يلبي والآخرين يتبعونه؟.
فأجابت:
"لا يجوز ذلك، لعدم وروده عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن خلفائه الراشدين رضوان الله عليهم، بل هو بدعة " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" قول أنس رضي الله عنه: (حججنا مع النبي صلّى الله عليه وسلّم فمنا المُكبِّر ومنا المُهل) – متفق عليه - يدل على أنهم ليسوا يلبون التلبية الجماعية، ولو كانوا يلبون التلبية الجماعية لكانوا كلهم مهلين أو مكبّرين، لكن بعضهم يكبر، وبعضهم يهل، وكل يذكر ربه على حسب حاله " انتهى.
" الشرح الممتع " (7/111) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3988)
اعتمر ولم يحلق شعره جهلا ولبس ثيابه
[السُّؤَالُ]
ـ[من لم يحلق شعره جاهلا الحكم وقد لبس ثيابه ما الحكم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من اعتمر ولم يحلق شعره أو يقصرْه جاهلا ثم لبس ثيابه، فإنه يلزمه إذا علم أن ينزع ثيابه، ويحلق أو يقصر، ولا شيء عليه فيما ارتكبه من محظور اللبس أو غيره، على الراجح؛ لكونه جاهلا، لكن عليه أن يتوب إلى الله تعالى من تقصيره في تعلم ما يجب عليه، فإن من أراد عبادة أو معاملة لزمه تعلم حكمها، وهذا من العلم المفروض عليه.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: ما حكم من نسي الحلق أو التقصير في العمرة فلبس المخيط ثم ذكر أنه لم يقصر أو يحلق؟
فأجاب: "من نسي الحلق أو التقصير في العمرة فطاف وسعى ثم لبس قبل أن يحلق أو يقصر فإنه ينزع ثيابه إذا ذكر ويحلق أو يقصر ثم يعيد لبسهما، فإن قصر أو حلق وثيابه عليه جهلا منه أو نسيانا فلا شيء عليه، وأجزأه ذلك، ولا حاجة إلى الإعادة للتقصير أو الحلق، لكن متى تنبه فإن الواجب عليه أن يخلع حتى يحلق أو يقصر وهو محرم " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (17/436) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3989)
اعتمرت ونسيت أن تقصر شعرها ثم اعتمرت مرة أخرى
[السُّؤَالُ]
ـ[اعتمرت ونسيت أن أقصر شعري ثم ذهبت وأحرمت بعمرة جديدة وطفت وسعيت وقصرت شعري. فما حكم عمرتي الأولى والثانية وماذا يجب علي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سألت عن هذا شيخنا عبد الرحمن البراك فأجاب:
إدخال العمرة على العمرة ليس عند فقهاء المسلمين، فتكون العمرة الثانية لاغية، وتقصيره يقع عن العمرة الأولى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3990)
طاف للإفاضة والوداع في اليوم العاشر
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني من أهل جدة ولقد من علي الله بحج البيت هذا العام وحججت أنا وزوجتي (علما أننا حججنا دون حملة ولا يوجد لنا مكان هناك) وأدينا النسك ليوم عرفة ومزدلفة وفي اليوم العاشر أدينا جميع نسكه من رمي وتقصير وسعي وطواف الإفاضة مع الوداع أديناه في اليوم العاشر. ثم نزلنا إلي جدة وجلسنا فيها إلى التاسعة مساءا وطلعنا إلي مني لنقيم بها ليلنا ثم نزلنا إلى جدة بعدما صلينا فجرنا في مني ليوم الحادي عشر ثم نزلنا جدة وطلعنا مرة أخرى إلى مني مغرب الحادي عشر ورمينا جمارنا لذلك اليوم وأقمنا في مني إلى الساعة الثانية بعد منتصف الليل ثم رجعنا إلى جدة ثم طلعنا إلى مني بعد صلاة ظهر الثاني عشر ورمينا الجمار ثم خرجنا من مني الرابعة عصرا ذلك اليوم ورجعنا إلى جدة هل علينا طواف وداع في شهر الحج؟ هل علينا دم في شيء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
السنة للحاج أن يبقى في منى نهارا، لفعله صلى الله عليه وسلم، وله أن يخرج منها إلى مكة أو جدة ونحوها، لا سيما إذا كان ذلك لعدم وجود مكان له في منى.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل الخروج في أيام التشريق إلى ما قرب من مكة كجدة مثلا غير مخلّ بالحج؟
فأجاب: "لا يخل بالحج، ولكن الأفضل أن يبقى الإنسان ليلا ونهارا بمنى كما بقي النبي صلى الله عليه وسلم فيها ليلا ونهارا ". انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (23/241، 243) .
وينظر جواب السؤال رقم 36244.
ثانيا:
طواف الوداع إنما يكون بعد فراغ الإنسان من نسكه، أي بعد أيام منى ورمي الجمرات، ولا يجوز ولا يصح تقديمه على ذلك، فمن طاف للوداع في اليوم العاشر أو الحادي عشر، لم يجزئه.
ويجوز تأخير طواف الإفاضة لوقت الوداع، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم 36870.
قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: " وأما من مسكنه في جدة وطاف طواف الإفاضة قبل أن يخلّص الرجم ونوى في طوافه أن الطواف طواف إفاضة ووداع، فهذا لا يجزيه عن الوداع، لأنه لم يكمل أعمال الحج بعد.
ولو كان طوافه للإفاضة المذكور بعد فراغه من الرمي ونواه للإفاضة، واكتفى به عن الوداع، ولم يقم بعده بل سافر في الحال. كفاه عن الوداع " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن إبراهيم" (6/108) .
والحاصل: أن طوافكم للوداع غير صحيح، وانصرافكم إلى جدة بعد المناسك دون طواف، يلزمكم فيه دم، وهو شاة تذبح في الحرم وتوزع على فقرائه.
وكذلك الزوجة يلزمها ذبح شاة، ما لم تكن في وقت الوداع حائضا؛ لأن الوداع يسقط عن الحائض، لما روى البخاري (1755) ومسلم (1328) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: (أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ إِلَّا أَنَّهُ خُفِّفَ عَنْ الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ) .
ولا يصح طوافكم للوداع الآن، ولا يسقط عنكم الدم بفعله، لأنكم غادرتم مكة بلا وداع.
فقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: نحن من سكان جدة قدمنا العام الماضي للحج، وأكملنا جميع المناسك ما عدا طواف الوداع، فقد أجلناه إلى نهاية شهر ذي الحجة، وبعد أن خف الزحام عدنا، هل حجنا صحيح؟
فأجاب: "إذا حج الإنسان وأخر طواف الوداع إلى وقت آخر فحجه صحيح، وعليه أن يطوف للوداع عند خروجه من مكة، فإن كان في خارج مكة كأهل جدة وأهل الطائف والمدينة وأشباههم فليس له النفير حتى يودع البيت بطواف سبعة أشواط حول الكعبة فقط ليس فيه سعي؛ لأن الوداع ليس فيه سعي بل طواف فقط، فإن خرج ولم يودع البيت فعليه دم عند جمهور أهل العلم، يذبح في مكة ويوزع على الفقراء والمساكين وحجه صحيح كما تقدم، هذا هو الذي عليه جمهور أهل العلم، فالحاصل أن طواف الوداع نسك واجب في أصح أقوال أهل العلم، وقد ثبت عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: " من ترك نسكا أو نسيه فليهرق دما " وهذا نسك تركه الإنسان عمدا، فعليه أن يريق دما يذبحه في مكة للفقراء والمساكين، وكونه يرجع بعد ذلك لا يسقطه عنه، هذا هو المختار، وهذا هو الأرجح عندي والله أعلم " انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (17/ 397) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3991)
حكم تكرار العمرة من مكة، وحكم طواف الإفاضة للحائض
[السُّؤَالُ]
ـ[أنوي الحج هذا العام، وكما يعلم الجميع ليس من السهل الحصول عليه؛ لتكاليفه؛ ووجود القرعة، وأريد أن أستفيد من الحج إلى أقصى مدى، حيث أنني أنوي أن أجري العمرة عدة مرات لأبي، وجدي، وعمي، وعمتي، الذين ماتوا قبل أن أولد ولم يحجوا. وسؤالي: أني إذا أحرمت بالتمتع، وأجريت العمرات: لا أستطيع إجراء طواف الحج لوجود عذر شرعي ما بين 9 و 17 ذي الحجة، ويوم 17 يجب أن أذهب إلى المدينة مع البعثة، علماً بأني مع زوجي، هل أنوي أقرن وأجري العمرات ولا حرج عليَّ؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
اختلف أهل العلم في حكم تكرار العمرة في السفرة الواحدة، والصحيح: أنها لا تشرع، وأنه لا يجوز الإتيان بأكثر من عمرة في السفرة الواحدة، ومن دخل مكة ليعتمر فلا يشرع له تكرارها لا عن نفسه، ولا عن غيره، إلا أن يخرج من مكة بغير قصد الرجوع إليها بعمرة، فيجوز له إن دخلها ثانية أن يعتمر عن نفسه، أو عمن لم يعتمر من أقربائه أو أهله، وما يفعله الآن كثيرون من تكرار العمرة في السفرة الواحدة ليس من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ولا من هدي أصحابه رضي الله عنهم، وهم الذين كانوا يبذلون الجهد للوصول لمكة المكرمة، ويحدوهم الشوق للاعتمار؛ لما له من أجر جزيل.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
قال أبو طالب: قلت لأحمد قال طاوس: " الذين يعتمرون من التنعيم لا أدري يؤجرون أو يعذبون "، قيل له: لم يعذبون؟ قال: لأنه ترك الطواف بالبيت، ويخرج إلى أربعة أميال، ويخرج، إلى أن يجيء من أربعة أميال قد طاف مائتي طواف، وكلما طاف بالبيت كان أفضل من أن يمشي في غير شيء ".
فقد أقرَّ أحمد قول طاوس هذا الذي استشهد به أبو طالب لقوله، رواه أبو بكر في الشافي.
" مجموع الفتاوى " (26 / 265) .
وقال – رحمه الله -:
مثل أن يعتمر من يكون منزله قريباً من الحرم كل يوم، أو كل يومين، أو يعتمر القريب من المواقيت التي بينها وبين مكة يومان، في الشهر خمس عمَر، أو ست عمَر، ونحو ذلك، أو يعتمر من يرى العمرة من مكة كل يوم عمرة أو عمرتين: فهذا مكروه باتفاق سلف الأمة، لم يفعله أحدٌ من السلف، بل اتفقوا على كراهيته، وهو وإن كان استحبه طائفة من الفقهاء من أصحاب الشافعي وأحمد: فليس معهم في ذلك حجةٌ أصلاً إلا مجرد القياس العام، وهو أن هذا تكثيرٌ للعبادات أو التمسك بالعمومات في فضل العمرة، ونحو ذلك.
" مجموع الفتاوى " (26 / 270) .
وقال ابن القيم – رحمه الله -:
ولم يكن في عُمَره عمرةٌ واحدةٌ خارجا من مكة، كما يفعل كثير من الناس اليوم، وإنما كانت عمَرُه كلُها داخلاً إلى مكة، وقد أقام بعد الوحي بمكة ثلاث عشرة سنة، لم ينقل عنه أنه اعتمر خارجاً من مكة في تلك المدة أصلاً، فالعمرة التي فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرعها هي عمرة الداخل إلى مكة، لا عمرة من كان بها فيخرج إلى الحل ليعتمر، ولم يفعل هذا على عهده أحدٌ قط، إلا عائشة وحدها بين سائر من كان معه؛ لأنها كانت قد أهلت بالعمرة فحاضت فأمرها فأدخلت الحج على العمرة وصارت قارنة، وأخبرها أن طوافها بالبيت وبين الصفا والمروة قد وقع عن حجتها وعمرتها، فوجدت في نفسها أن يرجع صواحباتها بحج وعمرة مستقلين - فإنهن كن متمتعات، ولم يحضن، ولم يقرنَّ - وترجع هي بعمرة في ضمن حجتها، فأمر أخاها أن يُعمرها من التنعيم؛ تطييباً لقلبها، ولم يعتمر هو من التنعيم في تلك الحجة، ولا أحدٌ ممن كان معه.
" زاد المعاد " (2 / 89، 90) .
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله –:
ما هي المدة المحددة بعد أخذ العمرة، أتى شخص بعد أسبوع مثلاً، اعتمر قبل أسبوع، فهل يعتمر الآن؟
فأجاب: ذكر الإمام أحمد رحمه الله حدّاً مقارباً، قال رحمه الله: إذا حمم رأسه، أي: إذا اسود رأسه بعد حلقه فإنه يأخذ العمرة؛ لأن العمرة لا بد فيها من تقصير أو حلق، ولا يتم ذلك إلا بعد نبات الشعر، وأما ما يفعله بعض الناس اليوم في رمضان، أو في أيام الحج من تكرار العمرة كل يوم: فهذا بدعة، وهم إلى الوزر أقرب منهم إلى الأجر، فلذلك يجب على طلبة العلم أن يبينوا لهؤلاء أن ذلك أمر محدَث، وأنه بدعي، فليسوا أحرص من الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولا من الصحابة، ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقي في مكة تسعة عشرة يوماً في غزوة الفتح ولم يحدِّث نفسه أن يخرج ويعتمر، وكذلك في عمرة القضاء أدى العمرة وبقي ثلاثة أيام، ولم يعتمر، وكذلك الصحابة رضي الله عنهم لم يكونوا يكررون العمرة.
" لقاءات الباب المفتوح " (72 / السؤال رقم 20) .
وينظر خلاف العلماء في حكم تكرار العمرة في السنَة الواحدة: جواب السؤال رقم: (109321) .
ثانياً:
الأصل فيمن أصابها الحيض أنها تمتنع عن الطواف بالبيت، فإذا كانت طافت طواف الإفاضة: فإنها تنفر، ويسقط عنها طواف الوداع، وإن لم تكن قد طافت طواف الإفاضة: فإنه يجب عليها الانتظار حتى تطهر ثم تطوف بالبيت، ووجودها في قافلة ليس بعذرٍ لترك الطواف، أو للطواف على حالها، إن كان يمكنهم انتظارها، أو كان مكنها تأخير الخروج من مكة برفقة وليها.
وينبغي التفريق بين من يمكنها الرجوع إلى مكة لأداء ذلك الطواف، وبين من لا يمكنها ذلك إلا بحرج شديد، فمن كانت قريبة الدار من مكة، أو كان يمكنها الرجوع لمكة لأداء ما عليها من طواف الإفاضة: فإنه يمكنها النفير مع قافلتها – إن لم تستطع البقاء في مكة – على أن ترجع لأداء ذلك الطواف، وبشرط أن لا يقربها زوجها – إن كانت متزوجة -؛ لأنها لم تحل التحلل الأكبر، فترجع لمكة، وتطوف طواف الإفاضة، وتُنهي بذلك حجها.
وأما من لا يمكنها البقاء في مكة، ولا الرجوع إليها إلا بحرج شديد: فإنه يجوز لها الطواف على حالها، فتغتسل، وتشد على نفسها ثياباً تمنع نزول الدم، ثم تطوف طواف الإفاضة.
وانظر جواب السؤال رقم: (14217) .
وينظر جواب السؤال رقم (20465) في حيض المرأة في العمرة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3992)
كيف تقصر المرأة من شعرها في الحج والعمرة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال: بعد أن أدت والدتي العمرة قصت خصلة واحدة من شعرها جهلاً منها فما الحكم في ذلك؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحلق أو التقصير من واجبات العمرة، وليس على النساء حلق، وإنما المشروع لهن التقصير.
ويلزم التقصير من جميع الشعر، على الراجح، وهو مذهب المالكية والحنابلة، فإن كان لها ضفائر أخذت من أطرافها جميعاً، وإلا جمعت شعرها وأخذت من جميعه، والمستحب أن تأخذ قدر أنملة، ولها أن تقصر أقل من ذلك؛ لأنه لم يرد تحديد له في الشرع.
قال الباجي رحمه الله في "المنتقى" (3/29) : " وأما المرأة فإنها إذا أرادت الإحرام أخذت من قرونها لتقصر فإذا حلت قصرت.
وكم مقدار ما تقصر؟ روي عن ابن عمر أنه قال: مقدار أنملة. وقد روى ابن حبيب عن مالك قدر الأنملة أو فوق ذلك بقليل أو دونه بقليل. قال مالك: ليس لذلك عندنا حد معلوم وما أخذت منه أجزأها ولا بد من أن تعم بالتقصير الشعر كله طويله وقصيره " انتهى باختصار.
وقال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (3/196) : " يلزم التقصير أو الحلق من جميع شعره , وكذلك المرأة. نص عليه. وبه قال مالك " انتهى.
وقال: " وأي قدر قصّر منه أجزأه. وقال أحمد: يقصر قدر الأنملة. وهو قول ابن عمر , والشافعي , وإسحاق , وأبي ثور. وهذا محمول على الاستحباب ; لقول ابن عمر " انتهى.
وقال في (3/226) : " والمرأة تقصر من شعرها مقدار الأنملة. الأنملة: رأس الإصبع من المفصل الأعلى. والمشروع للمرأة التقصير دون الحلق. لا خلاف في ذلك. قال ابن المنذر: أجمع على هذا أهل العلم. وقد روى ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس على النساء حلق , إنما على النساء التقصير) رواه أبو داود. وعن علي رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تحلق المرأة رأسها) رواه الترمذي. وكان أحمد يقول: تقصر من كل قرن قدر الأنملة. وهو قول ابن عمر , والشافعي , وإسحاق , وأبي ثور. وقال أبو داود: سمعت أحمد سئل عن المرأة تقصر من كل رأسها؟ قال: نعم , تجمع شعرها إلى مقدم رأسها , ثم تأخذ من أطراف شعرها قدر أنملة " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (7/329) : " قوله: " وتقصر منه المرأة قدر أنملة "، أي: أنملة الأصبع وهي مفصل الإصبع، أي أن المرأة تمسك ضفائر رأسها إن كان لها ضفائر، أو بأطرافه إن لم يكن لها ضفائر، وتقص قدر أنملة، ومقدار ذلك اثنان سنتيمتر تقريباً، وأما ما اشتهر عند النساء أن الأنملة أن تطوي المرأة طرف شعرها على إصبعها فمتى التقى الطرفان فذاك الواجب فغير صحيح " انتهى.
وبناء على ذلك، فمن قصرت من خصلة واحدة فإنها لم تقصر التقصير المعتبر، ويلزمها الآن أن تقصر من شعرها على نحو ما ذكرنا، ولا شيء عليها فيما ارتكبته من محظورات الإحرام فيما سبق.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في امرأة لم تتم عمرتها: " وأما ما فعلته من المحظورات ولنفرض أن زوجها جامعها والجماع في النسك هو أعظم المحظورات فإنه لا شيء عليها، لأنها جاهلة، وكل إنسان يفعل محظوراً من محظورات الإحرام جاهلاً أو ناسياً أو مكرهاً فلا شيء عليه " انتهى من مجموع فتاوى ابن عثيمين (21/351) باختصار.
وسئل رحمه الله عن: رجل قصر شعره من جانب واحد بعد العمرة، ثم رجع إلى أهله وتبين له أن فعله غير صحيح، فماذا عليه؟ فأجاب: " إن فعل هذا الأمر جاهلاً فالواجب عليه أن يخلع ملابسه الآن (ويلبس إحرامه) ويحلق حلقاً كاملاً أو يقصر، ويكون ما فعله في محل العفو؛ لأنه كان جاهلاً، والحلق أو التقصير لا يشترط أن يكون في مكة، بل يكون في مكة وفي غيرها. أما إن كان ما فعله بناءً على فتوى من أحد العلماء، فليس عليه شئ؛ لأن الله يقول (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) ، وبعض العلماء يرى: أن التقصير من بعض الرأس كالتقصير من كل الرأس " انتهى من "اللقاء الشهري" رقم 10.
والمرأة لا يلزمها أن تخلع ملابسها قبل التقصير؛ لأنه لا يحرم عليها لبس الثياب المعتادة في الإحرام، وإنما تمنع فقط من النقاب والقفازين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3993)
لا يشرع استقبال قبر النبي صلى الله عليه وسلم عند الدعاء
[السُّؤَالُ]
ـ[رأيت في المسجد النبوي أن الناس يستقبلون قبر النبي صلى الله عليه وسلم عند الدعاء ويرفعون أيديهم، فهل هذا من السنة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" ما يفعله بعض الزوار وغيرهم من تحري الدعاء عند قبره صلى الله عليه وسلم مستقبلا للقبر رافعا يديه يدعو، فهذا خلاف ما عليه السلف الصالح من أصحاب رسول الله وأتباعهم بإحسان.
بل هو من البدع المحدثات، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة) أخرجه أبو داود، والنسائي بإسناد حسن، وقال صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) أخرجه البخاري ومسلم، وفي رواية لمسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) .
ورأى علي بن الحسين زين العابدين رضي الله عنهما رجلا يدعو عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فنهاه عن ذلك، وقال: ألا أحدثك حديثا سمعته من أبي، عن جدي، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تتخذوا قبري عيدا، ولا بيوتكم قبورا، وصلوا علي، فإن تسليمكم يبلغني أينما كنتم) أخرجه الحافظ محمد بن عبد الواحد المقدسي في كتابه: "الأحاديث المختارة".
وهكذا ما يفعله بعض الزوار عند السلام عليه صلى الله عليه وسلم من وضع يمينه على شماله فوق صدره أو تحته كهيئة المصلي فهذه الهيئة لا تجوز عند السلام عليه صلى الله عليه وسلم، ولا عند السلام على غيره من الملوك والزعماء وغيرهم؛ لأنها هيئة ذل وخضوع وعبادة لا تصلح إلا لله، كما حكى ذلك الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح عن العلماء، والأمر في ذلك جلي واضح لمن تأمل المقام وكان هدفه اتباع هدي السلف الصالح.
وأما من غلب عليه التعصب والهوى والتقليد الأعمى وسوء الظن بالدعاة إلى هدي السلف الصالح فأمره إلى الله، ونسأل الله لنا وله الهداية والتوفيق لإيثار الحق على ما سواه، إنه سبحانه خير مسئول" انتهى.
فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله.
"مجموع فتاوى ابن باز" (16/108- 110) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3994)
نصيحة إلى الحجاج الذين يؤذون جيرانهم بالتدخين والأغاني
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من نصيحة توجه إلى الحجاج الذين يؤذون الناس بالمحرمات كالتدخين أو أصوات الأغاني؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا ريب أن إيذاء المسلمين من المحرمات المعلومة من الدين، كما قال الله سبحانه: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) الأحزاب/58، وإذا كان الإيذاء بالتدخين أو بفتح الراديو أو المسجلات على الأغاني كان الأذى أكبر والإثم أعظم؛ لأن الغناء محرم وهكذا التدخين من المحرمات المضرة بالدين والدنيا والصحة.
وقد قال الله عز وجل: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ الآية بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) لقمان/6. قال أكثر العلماء: المراد بلهو الحديث الغناء وآلات اللهو.
وقال عز وجل: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ) المائدة/4، وقال في وصف نبيه صلى الله عليه وسلم: (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) الأعراف/157، فبين المولى سبحانه أنه لم يحل لعباده إلا الطيبات، وأن نبيه صلى الله عليه وسلم إنما أحل لأمته الطيبات، وهي الأشياء النافعة بلا مضرة، والدخان من الأشياء الضارة الخبيثة، وقد أجمع العارفون به من الأطباء وغيرهم على أنه مضر بالصحة، خبيث العاقبة، خبيث الرائحة.
وفق الله الجميع للفقه في الدين والثبات عليه وأعاذ الجميع من نزغات الشيطان" انتهى.
فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله.
"مجموع فتاوى ابن باز" (16/351، 352) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3995)
بعض الحجاج يلتقطون الصور في المشاعر المقدسة
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الناس يلتقطون الصور في المشاعر المقدسة وربما رفع الشخص يديه في الدعاء من أجل التصوير فقط فهل هذا جائز؟ وهل يخل بالحج أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"التقاط الصور للحجاج في مكان العبادة غير جائز من وجهين:
الوجه الأول: أنهم يفعلون ذلك للاحتفاظ بالصور والذكرى، وكل تصوير يقصد منه الاحتفاظ للذكرى فإنه حرام.
الوجه الثاني: أنه لا يسلم غالباً من الرياء؛ لأن الإنسان يأخذ الصور ليريها للناس أنه حج، ولهذا يفعل كما قال السائل يرفع يديه للدعاء، وهولا يدعو لكن من أجل أن تلتقط له صورة.
أما إذا احتيج إلى ذلك لكون هذا الرجل نائباً عن شخص فقال: ألتقط الصورة لأثبت أنني حججت، فإذا وصل إلى صاحبه الذي أنابه مزق الصورة، فإن ذلك لا بأس به؛ لأن الحاجة داعية إلى ذلك، ولم يقصد به مجرد الذكرى، أو الاقتناء" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (24/70، 71) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3996)
هل يجوز أن يحج للرسول صلى الله عليه وسلم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[من باب المحبة للرسول صلى الله عليه وسلم هل يجوز للإنسان أن يحج عنه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إهداء القرب للرسول صلى الله عليه وسلم من السفه من حيث العقل، ومن البدعة من حيث الدين، أما كونه بدعة في الدين فلأن الصحابة رضي الله عنهم الذين شاهدوا الرسول صلى الله عليه وسلم ولازموه وأحبوه أكثر منا، ما كانوا يفعلون [ذلك] ، ثم نأتي نحن في آخر الدنيا ونهدي للرسول بالحج عنه، أو بالصدقة عنه هذا غلط من ناحية شرعية.
ومن الناحية العقلية هو سفه، لأن كل عمل صالح يقوم به العبد فالنبي صلى الله عليه وسلم له مثله؛ لأن من دل على خير فله مثل فاعله، وإذا أهديت ثواب العمل الصالح للرسول صلى الله عليه وسلم فهذا يعني أنك حرمت نفسك فقط، لأن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم منتفع بعملك، له مثل أجرك سواء أعطيته أم لم تعطه، وأظن هذه البدعة لم تحدث إلا في القرن الرابع، وعلى ذلك أنكرها العلماء، وقالوا: لا وجه لها، وإذا كنت صادقاً في محبة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم – وأرجو أن تكون صادقاً – فعليك باتباعه واتباع سنته وهديه" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (24/23) .
وللفائدة انظر جواب السؤال رقم (52772) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3997)
حج قارنا وضحى ولم يؤدِّ الهدي
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل قرن الحج بالعمرة وفعل جميع مناسك الحج، وفي أيام منى ذبح أضحية ولم يؤدِّ الهدي لجهله حتى انتهت أيام منى، فهل عليه الهدي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا كان الواقع كما ذكرت وجب عليه أن يذبح هدياً عن القران بمكة، وله أن يأكل منه، وله أن يُوَكِّل أميناً يذبحه عنه بمكة المكرمة، ولا يجزئ عنه ما ذبح بنية الضحية.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (11/370) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3998)
حكم التلبية الجماعية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم التلبية الجماعية للحجاج؟ حيث أحدهم يلبي والآخرين يتبعونه.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا يجوز ذلك لعدم وروده عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن خلفائه الراشدين رضوان الله عليهم، بل هو بدعة.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (11/358) .
وانظر جواب السؤال (33746) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3999)
طاف في الحج من داخل الحجر
[السُّؤَالُ]
ـ[حججت لأول مرة، وعند الطواف بالكعبة اقتصرت في أكثر الأشواط على الطواف بالكعبة، وتركت الجدار الفاصل والمجاور للكعبة من الجهة الشمالية، فما هو حكم حجي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا كان الطواف الذي سألت عنه هو طواف الإفاضة -وهو الذي يكون بعد الوقوف بعرفات- فطوافك غير صحيح، ولا يجزئك هذا الحج إلا إذا أعدت هذا الطواف؛ لأن طواف الإفاضة ركن من أركان الحج، فلا بد من رجوعك إلى المسجد الحرام لتطوف بالكعبة سبعة أشواط تبدأ الشوط من الحجر الأسود وينتهي السابع عند الحجر الأسود، ويكون طوافك الأشواط كلها خارج حجر إسماعيل من وراء الجدار، بهذا يجزئك حجك، أما إن كان الطواف طواف الوداع فعليك دم يذبح بمكة للفقراء؛ تكميلاً لحجك، وليس عليك الرجوع إلى البيت، ولو رجعت لم يجزئك عن الدم، أما إذا كان الطواف نافلة فليس عليك شيء.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (11/234) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4000)
طافوا للوداع وسافروا يوم الحادي عشر ووكلوا من يرمي عنهم اليوم الثاني عشر
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الحجاج عندما رموا جميع الجمرات يوم الحادي عشر من ذي الحجة، استأجروا من يرمي عنهم يوم الثاني عشر، وذهبوا إثر ذلك إلى مكة وطافوا طواف الوداع، وذهبوا إلى جدة وركبوا الطائرة؛ ولأن تذكرة الطائرة محددة بذلك الوقت فلا بد من الحضور. هل حجهم صحيح؟ وهل عليهم دم؟ وكم عدد الذبائح عليهم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا كان الواقع كما ذكر فحجهم صحيح لكنه ناقص بمقدار ما نقصوه من انصرافهم قبل أن يبيتوا بمنى ليلة الثاني عشر، ويرموا الجمرات الثلاث بعد زوال ذلك اليوم، ويودعوا بعده، وهم بلا شك آثمون لفعلهم هذا، المخالف لقوله تعالى: (وأتموا الحج والعمرة لله) ، وقوله عليه الصلاة والسلام: (خذوا عني مناسككم) ، وعليهم أن يستغفروا الله ويتوبوا إليه من ذلك، وعلى كل واحد منهم على القول الراجح دم يجزئ في الأضحية عن ترك المبيت، وآخر عن ترك رمي الجمرات، وثالث عن ترك الوداع؛ لأنهم في حكم من لم يرم؛ لنفرهم قبل الرمي، وفي حكم من لم يودع؛ لوقوع طواف الوداع قبل إكمال مناسكهم.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (11/292) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4001)
ما حكم صعود جبل الرحمة في يوم عرفات والصلاة عليه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك ثواب معين في صعود جبل الرحمة في يوم عرفات والصلاة عليه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حث على صعود جبل عرفات الذي اشتهر عند الناس باسم: جبل الرحمة، ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم صعود هذا الجبل في حجه ولا اتخذه منسكاً، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (خذوا عني مناسككم) ، ودرج على ذلك الخلفاء الراشدون وسائر الصحابة ومن تبعهم بإحسان، فلم يكونوا يصعدون على هذا الجبل في حجهم ولا اتخذوه منسكاً لهم؛ اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي ثبت أنه صلى الله عليه وسلم وقف تحت هذا الجبل عند الصخرات الكبار، وقال: (وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف، وارفعوا عن بطن عرنة) ولذا قال كثير من العلماء: إن صعود هذا الجبل في الحج على وجه النسك بدعة، منهم الإمام النووي، وشيخ الإسلام ابن تيمية، والشيخ صديق خان، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم أن يصلي نفلاً بموقف عرفات، بل اكتفى بصلاة الظهر والعصر في مسجد نمرة، جمعاً وقصراً، ولا اتخذ مصلى بما يسمى جبل الرحمة ليصلي فيه من صعد على هذا الجبل نافلة أو فريضة في يوم عرفات، بل اشتغل بعد صلاته الظهر والعصر بذكر الله تسبيحاً وتهليلاً وتحميداً وتكبيراً وتلبية، وبدعاء ربه والضراعة إليه، حتى غربت الشمس. فاتخاذ مصلى أو مسجد على هذا الجبل ليصلي فيه من صعد عليه من البدع التي أحدثها الجهال.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ إبراهيم بن محمد آل الشيخ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن منيع.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (11/206-208) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"الصعود على جبل عرفات ليس من الأمور المشروعة، بل هو إن اتخذه الإنسان عبادة بدعة، لا يجوز للإنسان أن يعتقده عبادة، ولا أن يعمل به على أنه عبادة، والرسول صلى الله عليه وسلم أحرص الناس على فعل الخير، وأبلغ الناس في تبليغ الرسالة، وأعلم الناس بدين الله، لم يصعده ولم يأمر أحداً بصعوده، ولا أقر أحداً بصعوده فيما أعلم، وعلى هذا فإن صعود هذا الجبل ليس بمشروع، بل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وقف خلفه من الناحية الشرقية قال: (وقفت هاهنا، وعرفة كله موقف) وكأنه صلى الله عليه وسلم يشير بهذا إلى أن كل إنسان يقف في مكانه، ولا يزدحمون على هذا المكان الذي وقف فيه الرسول صلى الله عليه وسلم" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/32) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4002)
هل ممكن أن يوكل من يرمي عنه الجمرات ثم يسافر إلى بلده؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للحاج أن يوكل من يرمي الجمرات عنه يوم العيد أو اليوم الثاني، ثم يعود إلى بلده؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"أمر الله سبحانه في كتابه الكريم بإتمام الحج والعمرة بقوله: (وأتموا الحج والعمرة لله) ، وتمامهما لا يحصل إلا بإخلاصهما لله، والمتابعة فيهما لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز لمسلم أحرم بحج أو عمرة أن يخل بشيء من أعمالهما، أو أن يرتكب من الأمور المنهي عنها ما ينقصهما، ومن وكل في رمي جمراته أيام التشريق أو أحد أيام التشريق ونفر يوم النحر يعتبر مخطئاً مستهتراً بشعائر الله، ومن يوكل في رمي الجمرات اليوم الحادي عشر أو الثاني عشر من أيام التشريق ويطوف طواف الوداع ليتعجل بالسفر فقد خالف هدي الرسول صلى الله عليه وسلم، وما أمر به في أداء المناسك وترتيبها، وعليه التوبة والاستغفار من ذلك، ويلزم من فعل ذلك دم عن ترك المبيت بمنى، ودم عن تركه رمي الجمرات التي وكل فيها ونفر، ودم ثالث عن طواف الوداع وإن كان طاف بالبيت لدى مغادرته؛ لوقوع طوافه في غير وقته؛ لأن طواف الوداع إنما يكون بعد انتهاء رمي الجمرات.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (11/288-289) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4003)
بعض الأخطاء التي تحدث في الذهاب إلى منى وفي المبيت بها ليلة عرفة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الأخطاء التي تحدث في الذهاب إلى منى وفي المبيت فيها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"من الأخطاء التي تكون في الذهاب إلى منى:
أن بعض الناس لا يجهر بالتلبية مع مشروعية الجهر بها، فتمر بك أفواج الحجاج ولا تكاد تسمع واحداً يلبي، وهذا خلاف السنة، وخلاف ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، فالسنة للإنسان في التلبية أن يجهر بها ويرفع صوته بذلك ما لم يشق عليه، وليعلم أنه لا يسمعه شيء من حجر أو مدر، إلا شهد له يوم القيامة عند الله سبحانه وتعالى.
ومن ذلك أيضاً: أن بعض الحجاج يذهب رأساً إلى عرفة ولا يبيت في منى، وهذا وإن كان جائزاً؛ لأن المبيت في منى قبل يوم عرفة ليس بواجب، لكن الأفضل للإنسان أن يتبع السنة التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحيث ينزل في منى من ضحى يوم الثامن إلى أن تطلع الشمس لليوم التاسع، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك وقال: (لتأخذوا عني مناسككم) رواه مسلم (1218) .
لكنه لو تقدم إلى عرفة ولم يبت في منى في ليلة التاسع فلا حرج عليه؛ لحديث عروة بن المضرس أنه أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر يوم العيد في مزدلفة وقال: يا رسول الله، أكللت راحلتي وأتعبت نفسي، فلم أر جبلاً إلا وقفت عنده فهل لي من حج؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً، فقد تم حجه وقضى تفثه) رواه أبو داود (1950) .
ولم يذكر الرسول صلى الله عليه وسلم المبيت بمنى ليلة التاسع، وهذا يدل على أنه ليس بواجب.
ومن الأخطاء في بقاء الناس في منى في اليوم الثامن: أن بعض الناس يقصر ويجمع في منى، فيجمع الظهر مع العصر، والمغرب مع العشاء، وهذا خلاف السنة، فإن المشروع للناس في منى أن يقصروا الصلاة بدون جمع، هكذا جاءت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان الجمع جائزاً؛ لأنه في سفر، والمسافر يجوز له الجمع نازلاً وسائراً، لكن الأفضل لمن كان نازلاً من المسافرين أن لا يجمع إلا لسبب، ولا سبب يقتضي الجمع في منى، ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجمع في منى، ولكن يقصر الصلاة الرباعية إلى ركعتين، فيصلي الظهر ركعتين في وقتها، والعصر ركعتين في وقتها، والمغرب ثلاثاً في وقتها، والعشاء ركعتين في وقتها، والفجر في وقتها" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/16) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4004)
تعجل ثم تبين له أنه أخطأ في الرمي فرجع ورمى ليلاً فهل يبقى على التعجل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[حاج تعجل ثم تبين له أن رميه في اليوم الثاني عشر كان خطأ فرجع ليلاً ورمى هل لا يزال متعجلاً، أم يلزمه المبيت في منى والرمي من الغد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"هذا الرجل الذي تعجل، وخرج من منى قبل غروب الشمس، ثم بان له أن رميه كان فيه خطأ، فعاد فقضاه فإن له أن يرمي ثم يخرج من منى، لأن هذا الرمي كان قضاءاً لما فات، والله سبحانه وتعالى يقول: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنْ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) البقرة/203.
أما لو أخر الرمي يوم الثاني عشر إلى الليل، فإنه يبقى في تلك الليلة ليبيت في منى، ثم يرمي الجمرات في اليوم الثالث عشر" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/303) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4005)
خرج من عرفات قبل المغرب بسبب المرض؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من خرج من عرفة قبل غياب قرص الشمس لمرض، أو ضعف، أو كبر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"القول الراجح أن البقاء بعرفة حتى تغرب الشمس واجب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدفع قبل أن تغرب الشمس، ولو كان جائزاً لدفع قبل أن تغرب الشمس؛ لأنه نهار وأيسر للناس، وأيضاً إذا دفع الإنسان قبل أن تغرب الشمس فقد خرج عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم إلى سنة الجاهلية؛ لأن أهل الجاهلية هم الذين يدفعون من عرفة قبل غروب الشمس، ومن فعل ذلك فإن كان متعمداً ترتب على فعله أمران:
الأول: الإثم.
الثاني: عند أكثر العلماء فدية يذبحها في مكة، ويوزعها على الفقراء، أما إذا خرج قبل غروب الشمس من عرفة وهو جاهل فإنه يسقط عنه الإثم، لكن يجب عليه عند أكثر العلماء البدل، وهو أن يذبح شاة في مكة، يوزعها على الفقراء" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/29) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4006)
طاف طواف الإفاضة وهو جنب
[السُّؤَالُ]
ـ[حاج أصابته جنابة ليلة عرفة ومضى في حجه حتى انتهى ورجع إلى بلده فماذا عليه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"على هذا الإثم العظيم الكبير حيث أمضى كل هذه الأيام وهو يصلي على غير طهارة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة بغير طهور) فالواجب عليه نحو صلاته أن يعيد كل ما صلى قبل اغتساله.
أما بالنسبة للحج فعليه أن يعيد طواف الإفاضة، لأنه طاف وعليه جنابة ولا يصح الطواف من الإنسان وهو عليه جنابة، لأن من عليه جنابة ممنوع من اللبث في المسجد كما قال تعالى: (وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ) النساء/43، وعليه إذا كان متزوجاً أن يتجنب أهله حتى يرجع إلى مكة ويطوف طواف الإفاضة، وفي هذا الحال يحرم من الميقات بالعمرة، ثم يطوف ويسعى ويقصر، ثم يأتي بطواف الإفاضة وعليه – مع ذلك كله – التوبة إلى الله بالندم على ما حصل منه، وأن يرى نفسه مقصراً، مفرطاً في حق الله، وأن يعزم على أن لا يعود إلى مثل هذا" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 363، 364) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4007)
أحوال وأحكام من قصد " جدة " لعمل أو زيارة ثم اعتمر
[السُّؤَالُ]
ـ[سافر أبي من الأردن إلى جدة لمؤتمر له هناك، وقيل لهم: إنهم سوف يؤدون العمرة بعد أن يبيتوا ليلة أو ليلتين في جدة بعد انتهاء المؤتمر، وفي الطائرة أعلن عن وصول الميقات لمن أراد أن يحرم، ولم يحرم، ولكن عندما وصل جدة تفاجأ أن البرنامج قد تغير، وأنه في ليلة وصولهم عليهم أداء العمرة، فأحرم من جدة، وأدَّى العمرة، ولم يخرج كفارة، هل عليه شيء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يخلو من قصد جدة للعمل، واعتمر من حالين:
الأولى: أن ينوي العمرة قبل وصوله لها، فيكون في سفره إلى جدة قاصداً العمل والعمرة معاً، بقطع النظر أيهما يكون أولاً.
والثانية: أن يقصد جدة ولم ينو العمرة، ثم يبدو له أن يعتمر.
ففي الحال الأولى يجب عليه أن يُحرم من الميقات، ثم يقضي عمله في جدة، ثم يعتمر، والأفضل له أن يبدأ بالاعتمار.
فإن تعذر عليه أن يبدأ بالعمرة، وشق عليه أن يبقى أياما في جدة بثياب الإحرام فله ألا يحرم من الميقات عند مروره عليه، لكن إذا أراد الإحرام بالعمرة بعد انتهاء عمله في جدة وجب عليه أن يخرج إلى الميقات ليحرم منه، فإن لم يفعل وأحرم من جدة، فقد ترك واجباً من واجبات الإحرام، ويجب عليه أن يذبح شاة في مكة ويوزعها على فقراء الحرم.
وأما الحال الثانية: فلا يلزمه أن يُحرم في الميقات؛ لأنه لا يقصد العمرة أصلاً، ولو نوى العمرة بعد انتهاء عمله في جدة: فإنه يُحرم من مكانه في جدة.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
إنني في عطلة الربيع الماضية اصطحبت أهلي وأولادي بنية زيارة أختي في الطائف، ونأخذ عمرة والعلاج في جدة، هذه هي النية أساساً، الذي حصل أننا أقمنا في الطائف يوماً، ثم ذهبنا إلى جدة مارين بمكة ولم نحرم من السيل، حيث كنت أعتقد أن ما في ذلك شيء، فأخرنا العمرة حتى العودة من جدة، وفعلاً بعد انتهائنا من جدة أحرمنا بالعمرة، ... فأرجو من سماحتكم توجيهنا للصواب، وماذا يترتب علينا؟ .
فأجابوا:
" الواجب على مَن نوى العمرة ثم مرَّ بالميقات: أن يُحرم منه، ولا يجوز له مجاوزته بدون إحرام، وحيث لم تحرموا من الميقات: فإنه يجب على كل منكم دم، وهو ذبح شاة تجزئ في الأضحية تُذبح بمكة المكرمة، وتقسم على فقرائها، ولا تأكلوا منها شيئاً " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (11 / 176، 177) .
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: مَن سافر مِن بلده إلى جدة ثم أراد العمرة فهل يحرم من جدة؟
فأجاب:
" لا يخلو الأمر مِن حالين:
1. أن يكون الإنسان قد سافر إلى جدة بدون نية العمرة، ولكن طرأت له العمرة وهو في جدة: فإنه يُحرم من جدة، ولا حرج في ذلك؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما حين ذكر المواقيت قال: (ومَن كان دون ذلك: فمِن حيث أنشأ، حتى أهل مكة من مكة) .
2. أن يكون سافر من بلده بنية العمرة عازماً عليها: فإنه يجب في هذه الحالة أن يُحرم من الميقات الذي يمر به، ولا يجوز الإحرام من جدة؛ لأنها دون الميقات، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه وقَّت المواقيت فقال: (هنَّ لهنَّ ولمن مرَّ عليهن مِن غير أهلهن لمن أراد الحج والعمرة) .
فإن أحرم من جدة ونزل إلى مكة في هذه الحال: فإن عليه عند أهل العلم فدية، دماً يذبحه في مكة، ويتصدق به على الفقراء، وعمرته صحيحة، فإن لم يحرم من جدة بعد وصوله إليها، وهو ناوٍ العمرة قبل وصوله: فإنه يرجع إلى الميقات، ويحرم منه، ولا شيء عليه.
"فتاوى أركان الإسلام " (السؤال رقم 467) .
وسئل الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله:
القادم بالطائرة من الرياض، ويريد العمرة ومرَّ بمدينة جدة لزيارة بعض الأهل، أو الأصدقاء ليوم أو ليومين، هل يلزمه أن يحرم مما يحاذي الميقات من الجو؟
فأجاب:
" يجب عليه أن يحرم من هذا الميقات إذا مرَّ به أو مرَّ محاذياً له من الأرض أو من الجو، فإنه لا يتجاوزه إلا بإحرام، فالذي يذهب بالطائرة يتهيأ للإحرام قبل الركوب بما يريد أن يتهيأ به، وإذا حاذى الميقات إما أن يسأل الملاحين أو هم يعلنون ذلك للناس أو هو يحتاط ويحرم إذا غلب على ظنه بأنه قرب من الميقات، فيحرم من الجو، أما أن يتعداه إلى أن ينزل في مطار جدة: فهذا خطأ، وإذا فعل هذا فيكون عليه دم " انتهى بتصرف.
وسئل – حفظه الله -:
حتى لو كان سيبقى في جدة ليوم أو ليومين للزيارة؟ .
فأجاب:
" ولو كان، سيبقى في جدة ليوم أو ليومين إن أراد أن يبقى في جدة قبل أداء النسك، يبقى في إحرامه، وإن نزل إلى مكة وأدَّى النسك ثم رجع إلى جدة إلى عمله: فهذا أحسن؛ لأن المبادرة بأداء النسك أحسن، يعني: ما دام نوى العمرة لا يجوز له أن يتعدى الميقات إلا بإحرام، لا شك في هذا، ثم هو بعد ذلك هو في خيار، إن شاء بقي في جدة بإحرامه، وإن شاء نزل إلى مكة، وعاد إلى جدة لعمله " انتهى.
" المنتقى من فتاوى الفوزان " (4 / 119، 120، السؤال رقم 118 و 119) .
والخلاصة:
إذا كان والدك في سفره من الأردن إلى جدة ناوياً للعمرة – وهذا هو الظاهر -، فكان الواجب عليه أن يحرم من الميات أو يخرج من جدة للإحرام من الميقات، وبما أنه لم يفعل واحداً من الأمرين، فعليه أن يذبح شاة في مكة ويوزعها على الفقراء، فإن كان قد غادر مكة ورجع إلى الأردن، فيبحث عمن يرسل له الأموال ويوكله في الذبح في مكة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4008)
طاف للعمرة من داخل الحِجْر
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة وزوجها أخذا عمرة وطافا ستة أشواط وفي الشوط السابع دخلا ما بين الكعبة والحِجْر ثم رجعا إلى بلدهما. فما الحكم في هذه الحالة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الطواف الذي يدخل فيه الإنسان بين الحِجْر وبين الكعبة طواف ناقص، لأن الواجب أن يكون الطواف بجميع الكعبة مع الحِجْر لقول الله تعالى: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) الحج/29، وإذا كان ناقصاً لم يكن عليه أمر الله ورسوله. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أي مردود عليه.
وبهذا يتبين أن طواف هذين الشخصين – الرجل وزوجته – طواف غير صحيح، فيجب عليهما الآن، فوراً أن يلبسا ثياب الإحرام، وأن يذهبا إلى مكة فيطوفا بنية العمرة، ويسعيا ويقصرا، أو يحلق الرجل وتقصر المرأة، وبذلك يحلان من إحرامهما. هذا هو الواجب عليهما الآن.
وأما ما ارتكباه من فعل المحظور وهو صادر عن جهل منهما فلا إثم عليهما فيه ولا فدية، لقول الله تبارك وتعالى: (رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) البقرة/286، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى قال: (قد فعلت) " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 352، 353) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4009)
يريد أن يسافر من مكة ثم يعود لطواف الوداع بعد خفة الزحام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لأهل جدة أن يتركوا طواف الوداع ثم يعودون إلى مكة للإتيان به بعد خفة الزحام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز لأحد من الحجاج أن يسافر من مكة قبل طواف الوداع.
سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ هل يصح لأهل جدة النفر من منى إلى جدة دون طواف الوداع ومن ثم الرجوع بعد أيام لطواف الوداع؟
فأجاب ـ رحمه الله ـ:
لا يجوز لأهل جدة ولا غيرهم أن يذهبوا إلى بلادهم قبل طواف الوداع ثم يرجعوا إلى مكة إذا خف الزحام يجب ألا يغادوا مكة حتى يطوفوا الوداع، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ينفر أحدكم حتى يكون آخر عهده بالبيت) وقال ابن عباس: كان الناس ينصرفون من كل وجه يعني من كل ناحية، فقال صلى الله عليه وسلم: (لا ينفر أحدكم حتى يكون آخر عهده بالبيت) . مجموع فتاوى ابن عثيمين (23/353)
بل إذا رجع بعد ذلك لطواف الوداع فإنه لا ينفعه، قال الشيخ ابن عثيمين (إذا خرج من مكة يريد جدة ووصل جدة فإنه لو أتى به (يعني طواف الوداع) لا ينفعه؛ لأنه خرج وودع فكيف ينفعه بعد أن ودع وذهب) اهـ مجموع فتاوى ابن عثيمين (23/353) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4010)
لا يستطيع إخراج تأشيرة حج لوالدته إلا بدفع مال للموظف
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا بألمانيا بإحدى الدول الأوروبية أريد أن أحجج أمي من هنا نظرا لأن الحج في بلادنا العربية لا يتم إلا بالقرعة ولكن لكي أتحصل على تأشيرة لوالدتي من السفارة السعودية طلب مني دفع إضافة 300 يورو لأن أمي غير مقيمة في ألمانيا، هذا المبلغ المالي لا يذهب إلى ميزانية السفارة وإنما إلى موظف في السفارة لكي يتدبر أمر التأشيرة لوالدتي فهل يعتبر هذا المبلغ رشوة أم أجرا مقابل إسداء خدمة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان هذا المال يعطى للموظف، ولا يذهب إلى ميزانية السفارة، فهو من الرشوة، وهدايا العمال المحرمة ويأخذه الموظف سحتاً ومالاً حراماً؛ لكن إذا لم تتمكن من استخراج التأشيرة إلا بدفع هذا المبلغ له فلا حرج عليه إن شاء الله، والإثم عليه.
فقد استثنى الفقهاء من الرشوة المحرمة ما دفعه الإنسان ليتوصل به إلى حقه، فتحرم حينئذ على الآخذ دون المعطي.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " فأما إذا أهدى له هدية ليكف ظلمه عنه أو ليعطيه حقه الواجب كانت هذه الهدية حراما على الآخذ , وجاز للدافع أن يدفعها إليه , كما كان النبي يقول: (إني لأعطي أحدهم العطية فيخرج بها يتأبطها نارا. قيل: يا رسول الله , فلم تعطيهم؟ قال: يأبون إلا أن يسألوني ويأبى الله لي البخل) انتهى من "الفتاوى الكبرى" (4/174) .
وقال تقي الدين السبكي رحمه الله: " والمراد بالرشوة التي ذكرناها ما يعطى لدفع حق أو لتحصيل باطل، وإن أعطيت للتوصل إلى الحكم بحق فالتحريم على من يأخذها , وأما من لم يعطها فإن لم يقدر على الوصول إلى حقه إلا بذلك جاز وإن قدر إلى الوصول إليه بدونه لم يجز. وهكذا حكم ما يعطى على الولايات والمناصب يحرم على الآخذ مطلقا ويفَصَّل في الدافع على ما بينا " انتهى من "فتاوى السبكي" (1/204) .
ولزيادة التفصيل راجع السؤال رقم (72268)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4011)
لبست النقاب والقفازين أثناء طواف الإفاضة
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي استفسارات متعلقة بالحج، أرجو التفضل على إجابتها مأجورين. وهو: أني حججت هذا العام وكنت قد نويتها قرانا، ولدي في حجتي هذه إشكالان: في أول مجيئنا لمكة المكرمة لم نعتمر وأجلناها إلى اليوم الثامن، وخلال أيام إحرامي نزلنا عند جماعة هم بنات مثلنا وأجبروني وأنا محرمة على أن يضعوا لي مكياج وأنا كنت منكرة هذا الأمر إنكاراً فقط ليس بناء على أنه لا يجوز الزينة في الإحرام لأن هذا ذهب عن بالي، ثم بعد ذلك استخدمت كريم نيفيا لإزالة آثار المكياج، فما أدري هل عليّ شيء بصنعي هذا؟ مع العلم أنني كنت متحرزة شديدة التحرز من الروائح ولم نستخدم الصابون ولا أي شيء له رائحة ولم أعمل أي محظور سوى هذا. ثم بعد ذلك لما أردنا في اليوم الثامن أن نعتمر أصبت عذراً حتى اليوم الثاني من أيام التشريق، مع العلم أنني في اليوم الأول من أيامه قد رمى ولينا عنا وهي جمرة العقبة، وأحللنا قبل طواف الإفاضة، وهذا جائز لمن قد اعتمر، أما أنا فقارنة لم أعتمر فقد أحللت إحرامي ناسية ثم ذبحت دما، وقبل انصرافنا من مكة طاف من معي الوداع وأنا طفت الإفاضة وسعيت على اعتبار أنها عمرة الحج – وقد كنت لابسة النقاب والقفازين، ثم خلعتها بعد الطواف وأنا مترددة في أمري فلست أدري هل علي شيء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
القارن بين الحج والعمرة لا يعتمر عند قدومه مكة، وإنما يطوف للقدوم وهو سنة ليس واجباً، ثم إن شاء سعى بعده أو يؤخر هذا السعي بعد طواف الإفاضة، ويكفي هذا السعي عن الحج والعمرة جميعاً، وعليه فكونك لم تطوفي ولم تسعي عند وصولك إلى مكة لا شيء فيه.
ويلزم القارن أيضاً طوافان: الأول طواف الإفاضة بعد رجوعه من عرفات والمزدلفة، وطواف الوداع عند خروجه من مكة، وله أن يؤخر طواف الإفاضة فيطوف عند خروجه من مكة طوافاً واحداً للإفاضة والوداع معاً، كما فعلت.
ثانيا:
استعمال المحرمة للزينة التي ليست طيبا، لا حرج فيه. والمحظور هو استعمال الطيب. وعليه فلا حرج فيما صنعت من وضع المكياج، واستعمال الكريم لإزالته، وإن كان الأحوط عدم استعمال هذا الكريم لأجل ما فيه من الرائحة، لكنه ليس طيبا في الأظهر، ولا يسمى صاحبه متطيبا.
ثالثا:
إذا رمى الحاج جمرة العقبة، وقصر من شعره، فقد تحلل التحلل الأول، سواء كان مفردا أو متمتعا أو قارنا، فيباح له كل شيء إلا النساء، فيجوز له استعمال الطيب، وتقليم الأظافر، ولبس المخيط إن كان رجلا، وتلبس المرأة النقاب والقفازين , وإنما يمنع بعد هذا التحلل من الجماع فقط.
ويجوز التوكيل في الرمي للضعفة والنساء عند شدة الزحام.
وقد ذكرت أنك تحللت بعد الرمي، ولم تبيني مرادك بالتحلل، ولم تذكري شيئا عن تقصير الشعر، فإن كنت قد قصرت من شعرك فقد تحللت التحلل الأول، فيحل لك كل شيء إلا الجماع، ويكون لبسك للنقاب والقفازين في طواف الإفاضة جائزاً، أما إذا كنت لم تقصري شعرك قبل الطواف فأنت باقية على إحرامك ويكون لبسك للنقاب والقفازين في طواف الإفاضة غير جائز، وعليك الفدية، وهي صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين من مساكين الحرم، أو ذبح شاة توزع على فقراء الحرم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4012)
نسي طواف الإفاضة وعاد إلى بلده ولم يمكنه الرجوع إلى مكة
[السُّؤَالُ]
ـ[خالي شيخ متقدم في السن أعمى حج منذ 4 سنوات ونسي القيام بطواف الإفاضة ولم يقدر على القيام بطواف الوداع فماذا عليه أن يفعل ليتم حجه؟ هل يجوز له أن يوكل من يعوضه لقضاء الطواف؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
طواف الإفاضة ركن من أركان الحج لا يتحلل المحرم التحلل الأكبر إلا بفعله، وبناء على ذلك فخالك لا يزال محرما، والواجب في حقه أمور:
1- الامتناع عن الجماع حتى يطوف للإفاضة، ويتحلل التحلل الأكبر.
وإن كان قد جامع وهو لا يدري أنه لا يزال محرماً فلا شيء عليه، لكن يلزمه الامتناع عن الجماع من الآن.
2- الذهاب إلى مكة، والطواف للإفاضة.
ويستحب أن يكون الدخول إلى مكة بعمرة، ثم إذا فرغ منها وقصر من شعره، طاف للإفاضة، وذلك حتى لا يدخل مكة بغير إحرام.
ينظر: "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/194) .
3- أما طواف الوداع فإذا طاف للإفاضة ثم خرج من مكة عقب الطواف أجزأ طواف الإفاضة عن طواف الوداع.
ثانيا:
لا يجوز له أن يوكل من يطوف عنه؛ لأن الطواف ركن، فلا تدخله النيابة.
لكن إن عجز عن المجيء لمكة، لمرض أو عجز عجزا ماليا، فإن بعض أهل العلم يعتبرونه في حكم المحصر، فيذبح شاة في مكانه ويوزعها على الفقراء والمساكين، وبهذا يتحلل، ولا شيء عليه بعد ذلك. لكن إن كانت هذه هي حجة الإسلام، فإنها تبقى في ذمته؛ لأن حجه هذا لم يكتمل، فمتى ما استطاع الحج وجب عليه.
قال الرملي في حاشيته على "أسنى المطالب" (1/529) : " استنبط البلقيني من الإحصار عن الطواف أن الحائض إذا لم تطف للإفاضة , ولم تمكنها الإقامة حتى تطهر وجاءت بلدها , وهي محرمة وعدمت النفقة , ولم يمكنها الوصول إلى البيت أنها كالمحصر فتتحلل بالنية والذبح والحلق " انتهى.
ومثله في "مغني المحتاج" (2/314) و "نهاية المحتاج" (3/317) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4013)
الوشم على الجسم هل يمنع من أداء الحج
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الوشم على الجسم وهل هو مانع إذا ما أراد الموشوم أداء فريضة الحج؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يحرم الوشم في الجسم لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: (لعن الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة) والوشم يكون في الخد والشفة وغيرهما من الجسم بأن يغير لونها بزرقة أو خضرة أو سواد ولا يمنع الوشم من أداء الحج.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 5/198(5/4014)
نزل عليها دم فاسد فظنته حيضاً ولم تطف طواف الوداع
[السُّؤَالُ]
ـ[لما أرادت طواف الوداع نزل عليها دم فظنته حيضاً، فسافرت، ثم تبين لها بعد رجوعها أنها حامل، وأن الدم دم فساد، فهل يلزمها شيء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله:
لا شيء عليها. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(5/4015)
الذهاب للمزارات والمساجد التي صلى بها الرسول صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[أرى بعض الناس عند زيارة المدينة المنورة يأتون المساجد السبعة بالإضافة إلى المسجد النبوي ومسجد قباء، وفي الطائف يحرصون على أن يأتوا مسجد عداس وكذلك مساجد في مكة للصلاة فيها، فما حكم ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قصد المسجد النبوي بالسفر عمل مشروع دل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاث مساجد: مسجدي هذا ومسجد الحرام والمسجد الأقصى " رواه البخاري ومسلم واللفظ له، وأيضا الصلاة فيه خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام.
ومما يضاف إليه من الأماكن المشروع زيارتها دون قصدها بالسفر زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبري صاحبيه وزيارة قبور أهل البقيع وقبور شهداء أحد وآخر ذلك: زيارة مسجد قباء.
أما زيارة تلك القبور فمشروعيتها داخلة في عموم قوله صلى الله عليه وسلم " إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها " رواه مسلم.
قال شيخ الإسلام - رحمه الله -: " ويستحب أيضا زيارة قبور أهل البقيع وشهداء أحد للدعاء لهم والاستغفار لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصد ذلك مع أن هذا مشروع لجميع موتى المسلمين " (مجموع الفتاوى 17/470)
وأما زيارة مسجد قباء فدليل ذلك ما جاء في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي قباء راكبا وماشيا " وفي رواية: " فيصلي فيه ركعتين " رواه البخاري ومسلم ولقوله صلى الله عليه وسلم: " من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء وصلى فيه صلاة كان له كأجر عمرة " رواه أحمد والنسائي وابن ماجه والحاكم وصححه ووافقه الذهبي وصححه الألباني في صحيح الجامع (6154) .
أما زيارة بقية المساجد والأماكن الأثرية وادعاء أنها " مما ينبغي أن يزورها المرء " فهذا لا أصل له، ويجب المنع من زيارتها للوجوه التالية:
الوجه الأول:
عدم ورود الدليل الشرعي على تخصيص تلك المساجد بالزيارة كما هو الحال بالنسبة لمسجد قباء , والعبادات كما هو معلوم مبناها على الاتباع لا على الابتداع.
الوجه الثاني:
أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا أحرص الناس على اقتفاء سنة النبي صلى الله عليه وسلم ومع ذلك لم يعرف عنهم زيارة تلك المساجد أو الأماكن الأثرية، ولو كان خيرا لسبقونا إليه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: (كان أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار يذهبون من المدينة إلى مكة حجاجا وعمارا ومسافرين ولم يقل أحد منهم أنه تحرى الصلاة في مصليات النبي صلى الله عليه وسلم ومعلوم أن هذا لو كان عندهم مستحبا لكانوا إليه أسبق فإنهم أعلم بسنته وأتبع لها من غيرهم) (اقتضاء الصراط المستقيم 2/748) .
الوجه الثالث:
المنع من زيارتها سدا للذريعة، وهذا المنع يدل عليه عمل السلف الصالح وعلى رأسهم الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فعن المعرور بن سويد رحمه الله قال: " خرجنا مع عمر بن الخطاب فعرض لنا في بعض الطريق مسجد فابتدره الناس يصلون فيه فقال عمر: ما شأنهم؟ فقالوا: هذا مسجد صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر: أيها الناس إنما هلك من كان قبلكم باتباعهم مثل هذا حتى أحدثوها بيعا فمن عرضت له فيه صلاة فليصل ومن لم تعرض له فيه صلاة فليمض " (أخرجه ابن وضاح في كتابه البدع والنهي عنها وصححه ابن تيمية في المجموع 1/281) .
قال شيخ الإسلام - رحمه الله - معلقا على هذه القصة: (لما كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يقصد تخصيصه بالصلاة فيه، بل صلى فيه لأنه موضع نزوله رأى عمر أن مشاركته في صورة الفعل من غير موافقة له في قصده ليس متابعة، بل تخصيص ذلك المكان بالصلاة من بدع أهل الكتاب التي هلكوا بها، ونهى المسلمين عن التشبه بهم في ذلك، ففاعل ذلك متشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم في الصورة، ومتشبه باليهود والنصارى في القصد الذي هو عمل القلب، وهذا هو الأصل فإن المتابعة في النية أبلغ من المتابعة في صورة العمل " (مجموع الفتاوى 1/281)
وورد في قصة أخرى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بلغه أن ناسا يأتون الشجرة التي بويع تحتها النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بها فقطعت " (أخرجه ابن وضاح في كتابه البدع والنهي عنها، وابن أبي شيبة في مصنفه 2/375، وصحح إسناده ابن حجر في فتح الباري 7/448، وقال الألباني رحمه الله: رجال إسناده ثقات) ، قال ابن وضاح القرطبي رحمه الله: (وكان مالك ابن أنس وغيره من علماء المدينة يكرهون إتيان المساجد وتلك الآثار للنبي صلى الله عليه وسلم ما عدا قباء وأحدا) (البدع والنهي عنها ص43) والمراد بقوله أحدا: زيارة قبور شهداء أحد.
قال شيخ الإسلام - رحمه الله -: (ولهذا لم يستحب علماء السلف من أهل المدينة وغيرها قصد شيء من المزارات التي بالمدينة وما حولها بعد مسجد النبي صلى الله عليه وسلم إلا مسجد قباء لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقصد مسجدا بعينه يذهب إليه إلا هو) (مجموع الفتاوى 17/469) .
وقال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - بعد أن ذلك المواضع التي يشرع زيارتها في المدينة: (أما المساجد السبعة ومسجد القبلتين وغيرها من المواضع التي يذكر بعض المؤلفين في المناسك زيارتها فلا أصل لذلك ولا دليل عليه والمشروع للمؤمن دائما هو الاتباع دون الابتداع) (فتاوى إسلامية 2/313) .
وقال فضيلة الشيخ العلامة محمد بن عثيمين حفظه الله: (ليس هناك شيء يزار في المدينة سوى هذه: زيارة المسجد النبوي، زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، زيارة البقيع، زيارة شهداء احد، زيارة مسجد قباء، وما عدا ذلك من المزارات فإنه لا أصل له) (فقه العبادات ص 405) .
وقد يظن بعضهم أن اشتراط عدم اعتقاد فضلها كاف في تسويغ الذهاب إليها أو إلى غيرها من الأماكن الأثرية وهذا مردود للأسباب التالية:
أولا: السلف الصالح - رحمهم الله - منعوا الذهاب إليها مطلقا دون تفصيل.
ثانيا: أن الذهاب إليها وتخصيصها بالزيارة لكونها على أرض المدينة التي شهدت ظهور الدعوة وبها مواقع بعض الغزوات دليل اعتقاد فضلها إذ لولا قيام هذا الاعتقاد في القلب لما انبعث القلب لتخصيصها بالزيارة.
ثالثا: لو سلمنا جدلا عدم وجود اعتقاد فضيلتها عند زيارتها فإن زيارتها ذريعة إلى ذلك وإلى حدوث ما لا يشرع، وسد الذرائع مما جاءت به الشريعة كما لا يخفى بل إن العلامة ابن القيم - رحمه الله - ذكر تسعة وتسعين وجها يدل على هذه القاعدة ثم بعد أن ذكر الوجه التاسع والتسعين قال: " وباب سد الذرائع أحد أرباع التكليف، فإنه أمر ونهي، والأمر نوعان أحدهما: مقصود لنفسه، والثاني: وسيلة إلى المقصود، والنهي نوعان أحدهما: ما يكون النهي عنه مفسدة في نفسه، والثاني: ما يكون وسيلة إلى المفسدة، فصار سد الذرائع المفضية إلى الحرام أحد أرباع الدين " (إعلام الموقعين 3/143)
رابعا: التغرير بالجهال عندما يشاهدون كثرة من يزور تلك المساجد أو الأماكن الأثرية فيعتقدون أنه عمل مشروع.
خامسا: أن التوسع في ذلك والدعوة إلى زيارة الأماكن الأثرية كجبل أحد وجبل النور بقصد السياحة والترفيه ذريعة من ذرائع الشرك، وقد جاء في فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء رقم (5303) المنع من صعود غار حراء لهذا الأمر، والله المستعان.
[الْمَصْدَرُ]
مجلة الدعوة العدد/1754 ص/55.(5/4016)
حكم تقبيل أستار الكعبة والمصحف والحجر الأسود
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تقبيل أستار الكعبة – الحجر الأسود – المصحف؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تقبيل أي مكان في الأرض بدعة إلا الحجر الأسود ولولا الإتباع لكان تقبيل الحجر الأسود بدعة وكان عمر رضي الله عنه الله عنه يقول (إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا النبي صلى الله عليه وسلم قبلّك ما قبلتك) لذلك لا يجوز تقبيل أستار الكعبة أو الحجرات أو الركن اليماني أو المصحف وكذلك التمّسح به إذا كان من أجل التبرك به إذ أن مسحه للتعبد فقط.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله.(5/4017)
أخطأ فرمى قبل وقت الرمي
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا يجب على من رمى الجمار ضحى ثاني يوم العيد، ثم علم بعد ذلك أن وقت الرمي هو بعد الظهر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من رمى الجمار ثاني يوم عيد الأضحى قبل الزوال فعليه أن يعيد رميها بعد زوال ذلك اليوم، فإن لم يعلم خطأه إلا في اليوم الثالث أو الرابع أعاد رميها بعد الزوال من اليوم الثالث أو الرابع بعد الزوال، قبل أن يرمي لذلك اليوم الذي ذكر فيه، فإن لم يعلم إلا بعد غروب شمس اليوم الرابع لم يرم، وعليه دم يذبح بالحرم ويطعمه الفقراء.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة (فتاوى اللجنة 11/273) .(5/4018)
حكم تجاوز الميقات بدون إحرام
[السُّؤَالُ]
ـ[حكم تجاوز الميقات بدون إحرام]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الإحرام من الميقات من واجبات الحج والعمرة، فلا يجوز لأحد تجاوزُ الميقاتِ بدون إحرام وهو يريد أحد هذين النسكين (الحج أو العمرة) ، سواء أتى برا أم بحرا أم جوا.
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله عن حكم من تجاوز الميقات بدون إحرام فأجاب بقوله: " من تجاوز الميقات بدون إحرام فلا يخلو من حالين: إما أن يكون مريدا للحج أو العمرة، فحينئذ يلزمه أن يرجع إليه ليحرم منه بما أراد من النسك، الحج أو العمرة، فإن لم يفعل فقد ترك واجبا من واجبات النسك، وعليه عند أهل العلم فدية؛ دم يذبحه في مكة، ويوزعه على الفقراء هناك.
وأما إذا تجاوزه وهو لا يريد الحج ولا العمرة، فإنه لا شيء عليه، سواء طالت مدة غيابه عن مكة أم قصرت، وذلك لأننا لو ألزمناه بالإحرام من الميقات لكان الحج يجب عليه أكثر من مرة أو العمرة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الحج لا يجب في العمر إلا مرة، وأن ما زاد فهو تطوع، وهذا هو القول الراجح من أقوال أهل العلم فيمن تجاوز الميقات بغير إحرام أي أنه إذا كان لا يريد الحج ولا العمرة، فليس عليه شيء، ولا يلزمه الإحرام من الميقات ". فقه العبادات ص 283 وفتاوى أركان الإسلام ص 513.
وعلى هذا، فكان الواجب عليك أن تعود إلى الميقات بعد هبوط الطائرة لتحرم منه، فإن لم ترجع وأحرمت بعد مجاوزة الميقات فالواجب عليك عند أهل العلم أن تذبح شاة وتوزعها على الفقراء في مكة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4019)
أحرمت وطافت وسعت وهي حائض ...
[السُّؤَالُ]
ـ[ي عن امرأة حجت منذ سنوات، وأحرمت من الميقات وطافت وسعت وهي حائض (لا أدري هل عن جهل) أرجو الإفادة في كل الأحوال , ثم إنها اعتمرت بعد ذلك مرات عديدة , فما الحكم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يشترط في الإحرام والسعي الطهارةُ من الحيض، غير أن المرأة الحائض ممنوعة من الطواف بالبيت حتى تطهر.
وعلى هذا فإن المرأة التي تريد الحج أو العمرة تحرِمُ من الميقات وهي حائض وينعقد إحرامها، والدليل على ذلك أن أسماء بنت عميس زوجة أبي بكر رضي الله عنها ولدت والنبي صلى الله عليه وسلم نازل في ذي الحليفة (ميقات أهل المدينة) يريد الحج، فأرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم كيف أصنع؟ قال: " اغْتَسِلِي وَاسْتَثْفِرِي بِثَوْبٍ وَأَحْرِمِي " رواه مسلم (1218) ومعناه أنها تشد على فرجها خرقة وتربطها ثم تحرم سواء بالحج أو بالعمرة، ودم الحيض كدم النفاس فالمرأة الحائض إذا مرت بالميقات تغتسل وتستثفر بثوب وتحرم عملا بالحديث.
وكذلك يصح السعي بين الصفا والمروة من المرأة وهي حائض، أما الطواف فغير صحيح، والدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة رضي الله عنها حين حاضت في أثناء العمرة: (افْعَلِي كَمَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي) رواه البخاري (1650) ومسلم (1211) .
وعلى هذا، فهذه المرأة لم تتحلل التحلل الثاني من إحرامها بالحج ويلزمها إعادة الطواف ولا يباشرها زوجها إن كانت متزوجة حتى تطوف.
هذا هو حكم هذه المسألة سواء فعلت ذلك بعلم أم فعلته جاهلة، غير أنها إذا فعلت ذلك بعلم فإنها تأثم لارتكابها هذا المنكر بلا عذر، أما إذا كانت جاهلة فإنها لا إثم عليها، لكن يلزمها الإتيان بهذا الطواف ولا تتحلل التحلل الثاني حتى تأتي به كما سبق، وكونها اعتمرت بعد هذا مرات عديدة لا يسقط عنها هذا الطواف.
سئلت اللجنة الدائمة عن حكم حجة الحائض فأجابت: " الحيض لا يمنع من الحج، وعلى من تحرم وهي حائض أن تأتي بأعمال الحج، غير أنها لا تطوف بالبيت إلا إذا انقطع حيضها واغتسلت، وهكذا النفساء، فإذا جاءت بأركان الحج فحجها صحيح ". فتاوى اللجنة الدائمة 11/172
وسئل الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله عمن دخلت الحرم وطافت وسعت وصلَّت وهي حائض فأجاب بقوله: " لا يحل للمرأة إذا كانت حائضا أو نفساء أن تصلي، سواء في مكة أو في بلدها أو في أي مكان لقول النبي صلى الله عليه وسلم في المرأة: (أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم) ، وقد أجمع المسلمون على أنه لا يحل لحائض أن تصوم ولا يحل لها أن تصلي، وعلى هذه المرأة التي فعلت ذلك عليها أن تتوب إلى الله وأن تستغفر مما وقع منها، وأما طوافها حال الحيض فهو غير صحيح وأما سعيها فصحيح، لأن القول الراجح جواز تقديم السعي على الطواف في الحج وعلى هذا فيجب عليها أن تعيد الطواف؛ لأن طواف الإفاضة ركن من أركان الحج، ولا يتم التحلل الثاني إلا به، وبناء عليه فإن هذه المرأة لا يباشرها زوجها إن كانت متزوجة حتى تطوف ولا يعقد عليها النكاح إن كانت غير متزوجة حتى تطوف) مجموعة فتاوى الشيخ محمد صالح بن عثيمين 22/382.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4020)
المرور بالحِجر أثناء الطواف
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الناس أثناء الطواف يدخل من باب الحِجْر، ولا يكمل الطواف من خارج الحِجر، لاسيما في أوقات الزحام، فهل يصح طوافهم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ محمد ابن عثيمن – رحمه الله -:
" هذا خطأ عظيم جدًا؛ أن بعض الناس يدخل في الطواف من باب الحجر، ويخرج من الباب الثاني في أيام الزحام، يرى أن هذا أقرب وأسهل وهذا خطأ عظيم؛ لأن الذي يفعل ذلك لا يعتبر طائفًا بالبيت، والله تعالى يقول: (وليطَّوفوا بالبيت العتيق) الحج / 29.
والنبي صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت من وراء الحجر، فإذا طاف الإنسان من داخل الحجر، فإنه لا يعتبر طائفاً بالبيت، فلا يصح طوافه، وهذه مسألة خطيرة، لاسيما إذا كان الطواف ركنا، كطواف العمرة وطواف الإفاضة. ودواء ذلك أن نُبين للحجاج أنه لا يصح الطواف إلا بجميع البيت، ومنه الحِجر.
تسمية الحجر بحجر إسماعيل:
وبهذه المناسبة أود أن أبين أن كثيرًا من الناس يطلقون على هذا الحجر اسم (حجر إسماعيل) والحقيقة أن إسماعيل لا يعلم به، وأنه ليس حجرًا له، وإنما هذا الحجر حصل حين قصرت النفقة على قريش، حين أرادوا بناء الكعبة، فلم تَكفِ النفقة لبناء الكعبة على قواعد إبراهيم، فأخرجوا منها هذا الجانب،، وسُمِّي حَطيمًا وحجرًا. فليس لإسماعيل فيه أي علم أو أي عمل.
وهناك بعض الناس لا يلتزم بجعل الكعبة عن يساره، فتجده يطوف معه نساؤه، ويكون قد وضع يده مع زميله لحماية النساء، فتجده يطوف والكعبة خلف ظهره، وزميله الآخر يطوف والكعبة بين يديه وهذا خطأ عظيم أيضا، لأن أهل العلم يقولون: من شرط صحة الطواف أن يجعل الكعبة عن يساره، فإذا جعلها خلف ظهره، أو جعلها أمامه، أو جعلها يمينه وعكس الطواف، فكل هذا طواف لا يصح. والواجب على الإنسان أن يعتني بهذا الأمر، وأن يحرص على أن تكون الكعبة عن يساره في جميع طوافه.
ومن الناس من تجعل الكعبة خلف ظهره أو أمامه لبضع خطوات من أجل الزحام، وهذا خطأ، فالواجب على المرء أن يحتاط لدينه، وأن يعرف حدود الله تعالى في العبادة قبل أن يتلبس بها، حتى يعبد الله تعالى على بصيرة.
وإنك لتعجب أن الرجل إذا أراد أن يسافر إلى بلد يجهل طريقه، فإنه لا يسافر إليها حتى يسأل ويبحث عن هذا الطريق، وعن الطريق السهل، ليصل إليها براحة وطمأنينة، وبدون ضياع أو ضلال، أما في أمور الدين، فإن كثيرا من الناس- مع الأسف- يتلبس بالعبادة وهو لا يدري حدود الله تعالى فيها، وهذا من القصور، بل من التقصير، نسأل الله لنا ولإخواننا المسلمين الهداية، وأن يجعلنا ممن يعلمون حدود ما أنزل الله على رسوله.
[الْمَصْدَرُ]
انتهى من دليل الأخطاء التي يقع فيها الحاج والمعتمر.(5/4021)
يجب طوف الوداع على أهل جدة
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن من جدة وبعد الحج، قال بعض من معنا ليس على أهل جدة طواف وداع، وتركنا طواف الوداع، فماذا نفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
طواف الوداع واجب على من أراد السفر من مكة بعد تمام النسك، لما رواه البخاري (1755) ومسلم (1328) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ، إِلا أَنَّهُ خُفِّفَ عَنْ الْحَائِضِ.
قال الحافظ في الفتح:
" فِيهِ دَلِيل عَلَى وُجُوب طَوَاف الْوَدَاع لِلأَمْرِ الْمُؤَكَّد بِهِ وَلِلتَّعْبِيرِ فِي حَقّ الْحَائِض بِالتَّخْفِيفِ , وَالتَّخْفِيف لا يَكُون إِلا مِنْ أَمْر مُؤَكَّد " انتهى. ونحوه قاله النووي في "شرح مسلم".
واختلف العلماء فيمن يجب عليه طواف الوداع، فذهب بعضهم إلى أنه من سافر وتجاوز الميقات، أما من دون الميقات فلا يجب عليه طواف الوداع.
انظر " "رد المحتار" (3/545) .
وذهب آخرون إلى أنه يجب على من سافر مسافة قصر (80 كم تقريباً) ، أما من دونها فلا يجب عليه.
وذهب الشافعي وأحمد إلى أنه واجب على كل من سافر من مكة وخرج عنها.
قال النووي في "المجموع" (8/236) :
" ذكرنا عن البغوي أن طواف الوداع يتوجه على كل من أراد مفارقة مكة إلى مسافة القصر. قال: ولو أراد دون مسافة القصر لا وداع عليه , والصحيح المشهور أنه يتوجه على من أراد مسافة القصر ودونها , سواء كانت مسافة بعيدة أم قريبة , لعموم الأحاديث " انتهى.
وقال ابن قدامة في "المغني" (5/337) :
" ومن كان منزله في الحرم فهو كالمكي , لا وداع عليه. ومن كان منزله خارج الحرم , قريباً منه , فظاهر كلام الخرقي أنه لا يخرج حتى يودع البيت. وهذا قول أبي ثور وقياسُ قول مالك. لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت) . ولأنه خارج من مكة , فلزمه التوديع , كالبعيد " انتهى بتصرف يسير.
فالقول بأن أهل جدة ليس عليهم طواف وداع قد قال به بعض أهل العلم، غير أن الصحيح وجوبه عليهم، وعلى هذا يكون على من تركه دم (شاة أو سُبْع بقرة) يذبح بمكة ويوزع على فقراء الحرم، وهكذا كل من ترك واجباً من واجبات النسك.
قال الشيخ ابن عثيمين:
" من كان من أهل جدة فإنه يجب عليه أن لا يخرج من مكة حتى يودع " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/353) .
وسئل الشيخ ابن باز عن جماعة من أهل جدة تركوا طواف الوداع ورجعوا إلى جدة.
فأجاب:
" الحج صحيح، ولكن أسأتم في ترك الوداع، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر الحاج بالوداع، فقال: (لا ينفرن أحد منكم حتى يكون آخر عهده بالبيت) وهذا خطاب للحجاج يشمل أهل جدة وغيرهم، فالواجب على جميع أهل البلدان – سواء في جدة أو الطائف وغيرهم – أن يودعوا البيت، وقد تسامح بعض العلماء بالنسبة لمن منزله دون مسافة قصر كأهل بحرة وأشباههم، قالوا: إنه لا وداع عليه، والأحوط لكل من كان خارج الحرم أن يودع إذا انتهى حجه، وأهل جدة بعيدون، وهكذا أهل الطائف، فالواجب عليهم أن يودعوا قبل أن يخرجوا، لأنهم يشملهم الحديث، وعليهم دم يذبح في مكة عن كل واحد منهم ترك طواف الوداع، توزع على الفقراء، شاة أو سُبْع بدنه أو سُبْع بقرة " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (17/394) .
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (11/303) :
" إذا حججت فلا تسافر عقب حجك إلى جدة حتى تطوف طواف الوداع، وإذا سافرت قبل الوداع فعليك هدي تذبحه في الحرم، ولا تأكل منه، بل أطعمه الفقراء، لأن طواف الوداع واجب بعد الحج، لعموم حديث ابن عباس رضي الله عنهما: (أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن المرأة الحائض) متفق على صحته، وعليك التوبة إلى الله من خروجك إلى جدة قبل طواف الوداع " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4022)
يدرس في جدة ويقيم في الرياض وينوي العمرة بعد الاختبارات فمن أين يحرم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا موظف في الرياض وأدرس منتسباً في جدة وأنوي العمرة من الرياض، ولكن بعد الاختبارات، فهل يجب عليَّ أن أذهب من جدة إلى " السيل الكبير " وأحرم للعمرة أو أني أحرم من جدة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب على من مرَّ على الميقات وهو يريد الحج أو العمرة أن يحرم منه. راجع السؤال رقم (33798) و (36646) .
ولك أن تؤخر إحرامك بالعمرة حتى تنقضي مدة إقامتك في جدة ثم تعود إلى الميقات فتحرم منه، ولا يجوز لك الإحرام من جدة.
سئلت اللجنة الدائمة عن طالب يدرس في مدينة جدة، ويسكن في القنفذة تبعد عنها مسافة 350 كم، وفي خلال يومي الخميس والجمعة يذهب إلى القنفذة ثم يعود إلى جدة فإذا أراد العمرة فمن أين يحرم؟
فأجابت:
" إذا أنشأت العمرة من جدة فأحرم من جدة، وإذا نويتها وأنت في القنفذة فإنك تحرم من ميقات أهل اليمن" اهـ. فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (11/136)
وسئل الشيخ ابن عثيمين عن رجل سافر من بلده إلى جدة ثم أراد العمرة فهل يحرم من جدة؟
الجواب:
لا يخلو الأمر من حالين:
الحالة الأولى: أن يكون الإنسان قد سافر إلى جدة بدون نية العمرة، ولكن طرأت له العمرة وهو في جدة، فإنه يحرم من جدة ولا حرج في ذلك، لحديث ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ حيث ذكر المواقيت قال: " وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ " رواه البخاري (1524) ومسلم (1181)
الحالة الثانية: أن يكون سافر من بلده بنية العمرة عازما عليها فإنه يجب في هذه الحالة أن يحرم من الميقات الذي يمر به، ولا يجوز الإحرام من جدة؛ لأنها دون الميقات، وقد ثبت عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه وقت المواقيت فقال: " هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أهلهن مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ "
فإن أحرم من جدة ونزل إلى مكة في هذه الحال فإن عليه عند أهل العلم فديةً دماً، يذبحه في مكة ويتصدق به على الفقراء وعمرته صحيحة.
فإن لم يحرم من جدة بعد وصوله إليها وهو ناوٍ العمرة قبل وصوله فإنه يرجع إلى الميقات ويحرم منه ولا شيء عليه. والله أعلم. مجموع فتاوى ابن عثيمين (21/291)
وسئل الشيخ ابن عثيمين أيضا عن مجموعة من الحجاج عقدوا العزم على الحج وهم من أهل الرياض وقد كلفوا للعمل في مطار جدة وبعضهم عقد نية الإفراد وبعضهم تمتع والآخرون بالقران لكنهم تجاوزوا الميقات ولم يحرموا حيث إن هناك زمنا طويلا بين بداية عملهم وبين موسم الحج بما يقارب الشهر فهل عليهم دم كلهم أو بعضهم حسب النية؟
الجواب:
أما من أراد منهم التمتع فإن عدم إحرامه من الميقات خطأ مخالف للحكمة؛ لأن الأولى به أن يحرم من الميقات ويأت بالعمرة ويخرج، إلى جدة، وأما من أراد القران والإفراد فصحيح أنه يشق عليه أن يجلس شهرا كاملا في إحرامه، وإذا جاء وقت الحج خرجوا إلى الميقات الذي تجاوزوه وأحرموا منه، فإن قُدِّرَ أن تَعَذَّر هذا ولم يتمكنوا من الذهاب إلى الميقات فلهم أن يحرموا من جدة، وعليهم عند أهل العلم دم يذبح في مكة ويوزع على الفقراء، والتمتع مثلهم ما دام إلى الآن لم يحرم فإذا أراد الإحرام بالعمرة فلا بد أن يذهب إلى السيل (ميقات أهل الرياض) ويحرم منه ويطوف ويسعى ويقصر ويحل. مجموع فتاوى ابن عثيمين (21/291)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4023)
هل يجب طواف الوداع على أهل جدة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن مقيمون في جدة وأردنا الحج، وذهبنا للحج، ولم نطف طواف الوداع لأن والدي رفض وقال لنا: لا يطوفه إلا المسافر، فماذا نفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سئل علماء اللجنة الدائمة:
أقيم في مدينة جدة، وأذهب إلى مكة دائماً فهل أودع البيت الحرام بعد الحج، أم أُأخر لحين سفري إلى بلدي، وهل في تأخير طواف الوداع كفارة؟
فأجابوا:
" إذا حججت فلا تسافر عقب حجِّك إلى جدة حتى تطوف طواف الوداع، وإذا سافرت قبل الوداع فعليك هدي تذبحه في الحرم، ولا تأكل منه، بل أطعمه الفقراء، لأن طواف الوداع واجب بعد الحج، لعموم حديث ابن عباس رضي الله عنهما: " أُمِرَ الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن المرأة الحائض " متفق على صحته، وعليك التوبة إلى الله من خروجك إلى جدة قبل طواف الوداع.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (11/303)
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
هل يجوز للحاج أن يسافر إلى جدة دون أن يطوف طواف الوداع؟ وما الذي يلزم من فعل ذلك؟
فأجاب:
لا يجوز للحاج أن ينفر من مكة بعد الحج إلا بعد طواف الوداع لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا ينفرن أحد منكم حتى يكون آخر عهده الطواف بالبيت " رواه مسلم، وفي الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: " أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن المرأة الحائض" فلا يجوز لأهل جدة ولا لأهل الطائف ولا غيرهم الخروج من مكة بعد الحج إلا بعد الوداع.
فمن سافر قبل الوداع فإن عليه دماً لكونه ترك واجباً، وقيل في ذلك أقوال أخرى، ولكن هذا هو الصواب عند أهل العلم في هذه المسألة، وقال بعض أهل العلم: لو رجع بنيّة طواف الوداع أجرأه ذلك وسقط عنه الدم، ولكن هذا فيه نظر، والأحوط للمؤمن ما دام سافر مسافة قصر ولم يودع فإن عليه دماً يجبر به حجه " (مجلة الدعوة العدد 1685)
وإذا لم يستطع ذبح شاة لعجزه فلا شيء عليه ولا يلزمه الصيام.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله بعد تفصيل علمي في حكم من ترك واجباً:
وحينئذ نقول لمن ترك واجباً: اذبح فدية في مكة ووزعها على الفقراء بنفسك أو وكِّل من تثق به من الوكلاء، فإن كنت غير قادر: فتوبتك تجزئ عن الصيام وهذا هو الذي نراه في المسألة. اهـ. الشرح الممتع (7/441)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4024)
اعتمرت عدة مرات ولم تكن تأخذ من شعرها فما الحكم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من عملت عمرة أو أكثر ولكنها لم تقصر من شعرها، وبعدها عملت أكثر من عمرة وقصرت، فهل عليها شيء فيما مضى؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من ترك واجباً من واجبات الحج أو العمرة كالحلق أو التقصير فعليه عند العلماء فدية (دم) يذبح في مكة ويوزع على الفقراء
سئل الشيخ ابن عثيمين عمن اعتمر ولم يحلق أو لم يقصر ناسيا أو جاهلا فما حكم عمرته؟
فأجاب:
العمرة صحيحة وإن لم يحلق أو يقصر، وذلك لأن الحلق أو التقصير ليس من أركان العمرة، وإنما هو من الواجبات، وإذا تركه الإنسان ناسيا فإنه يحلق متى ذكر إلا إذا فات الأوان، فإنه يذبح في مكة فدية يتصدق بها على الفقراء، ولا إثم عليه [في] هذه الحال ما دام ناسيا أو جاهلا. اهـ.
مجموع فتاوى ابن عثيمين (22/466) 1000
وسئل أيضاً عن رجل تحلل من عمرته بعد أن طاف وسعى ولم يحلق ولم يقصر ثم أحرم بالحج، ماذا يلزمه؟
فأجاب:
الظاهر أنه باق على تمتعه، ولكنه يلزمه عن ترك الحلق أو التقصير فدية، بناء على ما هو مشهور عند الفقهاء من أن ترك الواجب تلزم فيه الفدية فإذا كان موسرا قادرا وجب عليه أن يذبح فدية في مكة وتوزع كلها على الفقراء، وإن لم يكن قادرا فلا شيء عليه، أما النسك فهو تمتع، لأن هذه هي نيته. اهـ.
مجموع فتاوى ابن عثيمين (22/468) 1004.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4025)
طافت ابنته الصغيرة شوطين ولم تكمل العمرة لمرضها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا من قاطني مدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية ذهبت في شهر رمضان لأداء العمرة أنا وزوجتي وأبنائي الثلاثة وأحرمت بنتي الكبرى (10 سنوات) ونوت العمرة ولم تشترط وكانت مريضة فطافت شوطين ولم تستطع أن تكمل عمرتها وعدنا إلى الرياض، فهل علي شيء وماذا أفعل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كانت ابنتك قد بلغت وقت قطعها إحرامها: فإنه يلزمها الفدية – وهي شاة تُذبح في مكة وتوزع على فقراء الحرم - عند جمهور العلماء، وهو حكم كل من أُحصر بعدو أو مرض أو نحوهما مما يعيقه عن تتمة نسكه ولم يكن قد اشترط.
وللمسلم أن يشترط في إحرامه إذا كان يخشى أن يعيقه أي ظرف طارئ عن إتمام عمرته وحجه كالمرض أو الخوف أو غير ذلك، فيقول بعد إحرامه: " إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني "، وفائدة هذا الاشتراط أنه لو عاقه شيء فإنه يحل من إحرامه بلا فدية.
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
إذا تجاوز الميقات ملبيا بحج أو عمرة ولم يشترط وحصل له عارض كمرض ونحوه يمنعه من إتمام نسكه فماذا يلزمه أن يفعل؟
فأجاب:
هذا يكون محصراً، إذا كان لم يشترط ثم حصل عليه حادث يمنعه من التمام: إن أمكنه الصبر لعله يزول أثر الحادث ثم يكمل: صبر، وإن لم يتمكن من ذلك: فهو محصَر على الصحيح، والله قال في المحصر: {فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي} البقرة / 196، والصواب أن الإحصار يكون بالعدو ويكون بغير العدو، فيهدي ويحلق ويقصر ويتحلل، هذا هو حكم المحصر: يذبح ذبيحة في محله الذي أحصر فيه، سواء كان في الحرم أو في الحل ويعطيها الفقراء في محله ولو كان خارج الحرم.
فإن لم يتيسر حوله أحد نقلت إلى فقراء الحرم أو إلى من حوله من الفقراء أو إلى فقراء بعض القرى ثم يحلق أو يقصر ويتحلل، فإن لم يستطع الهدي صام عشرة أيام ثم حل أو قصر وتحلل.
" تحفة الإخوان بأجوبة مهمة تتعلق بأركان الإسلام ".
وإن كانت غير بالغة: فقد اختار بعض أهل العلم بأنه ليس عليك ولا عليها شيء؛ وذهبوا إلى عدم لزوم المضي فيما أحرم به الصبي؛ وذلك لأن الصبي ليس من أهل الالتزام؛ ولأنه أرفق بالناس؛ إذ قد يظن الولي أن الإحرام به سهل ثم يتبين له أن الأمر بخلاف ذلك.
وهذا قول الحنفية وابن حزم واختاره من المتأخرين الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/4026)
اعتمرت وصلت وهي حائض
[السُّؤَالُ]
ـ[حججت وجاءتني الدورة الشهرية قبل طواف الإفاضة فاستحييت أن أخبر أحدا ودخلت الحرم فصليت وطفت وسعيت فماذا عليّ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله:
" لا يحل للمرأة إذا كانت حائضا أو نفساء أن تصلي سواء في مكة أو في بلدها أو في أي مكان لقول النبي صلى الله عليه وسلم في المرأة: " أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم ". .
وقد أجمع المسلمون على أنه لا يحل لحائض أن تصوم ولا يحل لها أن تصلي، وعلى هذه المرأة التي فعلت ذلك عليك أن تتوب إلى الله وأن تستغفر مما وقع منها وأما طوافها حال الحيض فهو غير صحيح وأما سعيها فصحيح لأن القول الراجح جواز تقديم السعي على الطواف في الحج وعلى هذا فيجب عليها أن تعيد الطواف لأن طواف الإفاضة ركن من أركان الحج ولا يتم التحلل الثاني إلا به وبناء عليه فإن هذه المرأة لا يباشرها زوجها إن كانت متزوجة حتى تطوف ولا يعقد عليها النكاح إن كانت غير متزوجة حتى تطوف والله تعالى أعلم "
[الْمَصْدَرُ]
انتهى من رسالة 60 مسألة في الحيض(5/4027)
إذا طاف للوداع خرج ومشى كعادته ولا يمشي ووجهه للكعبة
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الحجاج بعد طواف الوداع لا يعطي الكعبة ظهره بل يمشي بظهره ووجهه إلى الكعبة حتى يخرج من المسجد. فهل هذا من السنة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الفعل ليس من السنة، بل هو من البدع المنكرة، وهذا يفعله بعض الناس ويزعمون أنهم بذلك يعظمون الكعبة، ولو كان هذا حقاًّ لكان أولى الناس بفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولكنه لم ينقل عنهم شيء من ذلك.
قال الشيخ ابن باز:
فإذا فرغ من توديع البيت وأراد الخروج من المسجد مضى على وجهه حتى يخرج، ولا ينبغي له أن يمشي القهقرى (أي يمشي بظهره) لأن ذلك لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه، بل هو من البدع المحدثة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ عَمِلَ عَمَلا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) رواه مسلم (1718) . وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ) رواه أبو داود (4607) ، وصححه الألباني في صحيح أبي داود. نسأل الله الثبات على دينه، والسلامة مما خالفه، إنه جواد كريم اهـ.
وقال الشيخ ابن عثيمين وهو يعدد الأخطاء التي تقع من بعض الناس في طواف الوداع:
خروجهم من المسجد بعد طواف الوداع على أقفيتهم يزعمون بذلك تعظيم الكعبة، وهذا خلاف السنة بل هو من البدع التي حذرنا منها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال فيها: (كل بدعة ضلالة) . والبدعة: كل ما أحدث من عقيدة أو عبادة على خلاف ما كان عليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وخلفاؤه الراشدون، فهل يظن هذا الراجع على قفاه تعظيماً للكعبة على زعمه أنه أشدُّ تعظيماً لها من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو يظن أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يكن يعلم أن في ذلك تعظيماً لها، لا هو ولا خلفاؤه الراشدون؟!! اهـ. (مناسك الحج والعمرة ص 135) .
فتاوى الشيخ ابن باز (16/98) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4028)
يحرم على النساء زيارة قبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للنساء زيارة قبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ ابن باز رحمه الله:
لا يجوز لهن ذلك، لعموم الأحاديث الواردة في نهي النساء عن زيارة القبور ولعنهن على ذلك، والخلاف في زيارة النساء لقبر النبي صلى الله عليه وسلم مشهور، ولكن تركهن لذلك أحوط وأوفق للسنة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يستثن قبره ولا قبر غيره، بل نهاهن نهياً عاماً، ولعن من فعل ذلك منهن، والواجب الأخذ بالتعميم ما لم يوجد نص يخص قبره بذلك وليس هناك ما يخص قبره. والله ولي التوفيق اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى الشيخ ابن باز (17/419)(5/4029)
أخطاء تقع في طواف الوداع
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الأخطاء التي يقع فيها بعض الحجاج في طواف الوداع؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ محمد ابن عثيمين – رحمه الله -: " ثبت في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: أُمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خفف عن الحائض " رواه البخاري (1755) ومسلم (1328) .
فالواجب أن يكون الطواف آخر عمل يقوم به الإنسان من أعمال الحج.
والناس يخطئون في طواف الوداع في أمور:
الأول:
أن بعض الناس لا يجعل الطواف آخر أمره؛ بل ينزل إلى مكة ويطوف طواف الوداع، وقد بقي عليه رمي الجمرات، ثم يخرج إلى منى فيرمي الجمرات ثم يغادر، وهذا خطأ، ولا يجزئ طواف الوداع في مثل هذه الحال، وذلك لأنه لم يكن آخر عهد الإنسان بالبيت الطواف؛ بل كان آخر عهده رمي الجمرات.
الثاني:
أن بعض الناس يطوف للوداع ويبقى في مكة بعده، وهذا يوجب إلغاء طواف الوداع، وأن يأتي ببدله عند سفره. نعم لو أقام الإنسان في مكة بعد طواف الوداع لشراء حاجة أو لتحميل العفش أو ما أشبه ذلك فهذا لا بأس به.
الثالث:
أن بعض الناس إذا طاف للوداع وأراد الخروج من المسجد رجع القهقرى، أي: رجع على قفاه، يزعم أنه يتحاشى بذلك تولية الكعبة ظهره، وهذا بدعة لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من أصحابه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أشد منا تعظيما لله تعالى ولبيته، ولو كان هذا من تعظيم الله وبيته لفعله صلى الله عليه وسلم. وحيئذ فإن السنة إذا طاف الإنسان للوداع أن يخرج على وجهه ولو ولى البيت ظهره في هذه الحالة.
الرابع:
أن بعض الناس إذا طاف للوداع ثم انصرف ووصل إلى باب المسجد الحرام اتجه إلى الكعبة وكأنه يودّعها، فيدعو أو يُسلِّم أو ما أشبه ذلك، وهذا من البدع أيضا لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعله، ولو كان خيرا لفعله النبي صلى الله عليه وسلم "
[الْمَصْدَرُ]
انتهى من دليل الأخطاء التي يقع فيها الحاج والمعتمر "(5/4030)
أخطاء تقع في الحلق والتقصير
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الأخطاء التي يرتكبها بعض الناس أثناء الحلق أو التقصير؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" من الأخطاء التي تكون في الحلق أو التقصير ما يلي:
الأول:
أن بعض الناس يحلق بعض رأسه حلقًا تامًا بالموسى، ويبقي البقية، وقد شاهدت ذلك بعيني، فقد شاهدت رجلاً يسعى بين الصفا والمروة، وقد حلق نصف رأسه تمامًا وأبقى بقية شعره، فأمسكت به وقلت له: لماذا صنعت هذا؟ فقال: صنعت هذا، لأني أريد أن أعتمر مرتين، فحلقت نصفه للعمرة الأولى، وأبقيت نصفه لعمرتي هذه. وهذا جهل وضلال لم يقل به أحد من أهل العلم.
الثاني:
أن بعض الناس إذا أراد أن يتحلل من العمرة، قصَّر شعرات قليلة من رأسه، ومن جهة واحدة، وهذا خلاف ظاهر الآية الكريمة، فإن الله تعالى يقول: (مُحلقِّين رؤوسكم ومقصِّرين) الفتح / 27، فلا بد أن يكون للتقصير أثرٌ بيِّن على الرأس، ومن المعلوم أن قص شعرة أو شعرتين أو ثلاث شعرات لا يؤثر، ولا يظهر على المعتمر أنه قصر، فيكون مخالفا لظاهر الآية الكريمة.
ودواء هذين الخطأين أن يحلق جميع الرأس إذا أراد حلقه، وأن يقصر من جميع الرأس إذا أراد تقصيره ولا يقتصر على شعرة أو شعرتين.
الثالث:
من الناس من إذا فرغ من السعي ولم يجد من يحلق عنده أو يقصر، ذهبَ إلى بيته، فتحلل ولبس ثيابه، ثم حلق أو قصر بعد ذلك. وهذا خطأ عظيم؛ لأن الإنسان لا يحل من العمرة إلا بالحلق أو التقصير؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم حين أمر أصحابه في حجة الوداع ممن لم يسق الهدي أن يجعلها عمرة، قال: (فليقصر ثم ليحلل) رواه البخاري (1691) ، ومسلم (1229) . وهذا يدل على أنه لا حل إلا بعد التقصير.
وعلى هذا، فإذا فرغ من السعي ولم يجد حلاقًا أو أحدًا يقصر رأسه، فليبق على إحرامه حتى يحلق أو يقصر، ولا يحل له أن يتحلل قبل ذلك، فلو قُدِّر أن شخصًا فعل هذا جاهلا بأن تحلل قبل أن يحلق أو يقصر، ظنًا منه أن ذلك جائز، فإنه لا حرج عليه لجهله، ولكن يجب عليه حين يعلم أن يخلع ثيابه ويلبس ثياب الإحرام؛ لأنه لا يجوز التمادي في التحلل من الإحرام مع علمه بأنه لم يحل، ثم إذا حلق أو قصر تحلل "
[الْمَصْدَرُ]
انتهى من دليل الأخطاء التي يقع فيها الحاج والمعتمر للشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله(5/4031)
مخالفات تقع عند زيارة المسجد النبوي
[السُّؤَالُ]
ـ[لاحظت في زيارة للمسجد النبوي أن بعض الناس يتمسح بجدران الحجرة النبوية، والبعض يقف كأنه يصلي فتجده يضع يديه على صدره وهو مستقبل القبر، فهل ما يعملونه صحيح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تقدمت الإشارة إلى آداب الزيارة لمسجد النبي صلى الله عليه وسلم في السؤال (36863) ومما ينبه عليه ما يقع فيه بعض الزوار من المخالفات:
المخالفة الأولى:
دعاء الرسول أو نداؤه أو الاستغاثة به أو الاستعانة به كقول بعضهم: " يا رسول الله اشف مريضي، يا رسول الله اقض ديني، يا وسيلتي، يا باب حاجتي " أو غير ذلك من الأقوال الشركية، المضادَّة للتوحيد الذي هو حق الله على العبيد.
المخالفة الثانية:
الوقوف أمام القبر كهيئة المصلي، بوضع اليمين على الشمال على الصدر أو تحته، وذلك فعل محرّم؛ لأن تلك الهيئة هيئة ذل وعبادة لا تجوز إلا لله عز وجل.
المخالفة الثالثة:
الانحناء عند القبر أو السجود أو غير ذلك مما لا يجوز فعله إلا لله، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله: (لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر) أخرجه أحمد (3/158) وصححه الألباني في صحيح الترغيب (1936، 1937) وإرواء الغليل (1998) .
المخالفة الرابعة:
دعاء الله عند القبر، أو اعتقاد أن الدعاء عنده مستجاب، وذلك فعل محرَّم لأنه من أسباب الشرك، ولو كان الدعاء عند القبور أو عند قبر النبي أفضل وأصوب وأحبَّ إلى الله لرغبنا فيه رسول الله؛ لأنه لم يترك شيئًا يقرب إلى الجنة إلا وحث أمته عليه، فلما لم يفعل ذلك عُلم أنه فعل غير مشروع، وعمل محرم وممنوع، وقد روى أبو يعلى والحافظ الضياء في المختارة أن علي بن الحسين رضي الله عنهما رأى رجلاً يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيدخل فيها فيدعو، فنهاه وقال: ألا أحدثكم حديثًا سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تتخذوا قبري عيدًا ولا بيوتكم قبورًا، وصلوا عليَّ فإن تسليمكم يبلغني أين كنتم " رواه أبو داود (2042) وصححه الألباني في صحيح أبي داود (1796) .
المخالفة الخامسة:
إرسال من عجز عن الوصول إلى المدينة سلامه لرسول الله صلى الله عليه وسلم مع بعض الزوار، وقيام بعضهم بتبليغ هذا السلام، وهذا فعل مُبتدع، وأمر مخترع، فيا مرسل السلام، ويا مبلغه كفّا عن ذلك، فقد كُفيتما بقوله: (صلوا عليَّ فإن تسليمكم يبلغني أين كنتم) .
وبقوله عليه الصلاة والسلام: (إن لله في الأرض ملائكة سياحين يبلِّغوني من أمتي السلام) أخرجه أحمد (1/441) ، والنسائي (1282) وصححه الألباني في صحيح الجامع (2170)
المخالفة السادسة:
التكرار والإكثار من زيارة قبره، كأن تكون الزيارة بعد كل فريضة، أو في كل يوم بعد صلاة بعينها، وفي هذا مخالفة لقوله عليه الصلاة والسلام: (لا تجعلوا قبري عيدًا) قال ابن حجر الهيتمي في شرح المشكاة: " العيد اسم من الأعياد، يقال: عاده واعتاده وتعوّده صار له عادة، والمعنى: لا تجعلوا قبري محلاً لاعتياد المجيء إليه متكررًا تكرارًا كثيرًا، فلهذا قال: (وصلوا عليَّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم) فإن فيها كفاية عن ذلك " انتهى كلامه رحمه الله تعالى.
وفي كتاب الجامع للبيان لابن رشد: " سئل مالك رحمه الله تعالى عن الغريب يأتي قبر النبي كل يوم، فقال: ما هذا من الأمر، وذكر حديث: (اللهم لا تجعل قبري وثنًا يُعبد) صححه الألباني في: تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد (ص24-26) .
قال ابن رشد: فيُكره أن يُكثر المرور به والسلام عليه، والإتيان كل يوم إليه لئلا يُجعل القبر كالمسجد الذي يؤتى كل يوم للصلاة فيه، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله: (اللهم لا تجعل قبري وثنًا) " انظر البيان والتحصيل لابن رشد (18/444-445) .
انتهى كلامه رحمه الله.
وسئل القاضي عياض عن أناس من أهل المدينة يقفون على القبر في اليوم مرة أو أكثر، ويسلمون ويدعون ساعة، فقال: " لم يبلغني هذا عن أحد من أهل الفقه، ولا يُصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولَها، ولم يبلغني عن أول هذه الأمة وصدرها أنهم كانوا يفعلون ذلك " الشفا بتعريف حقوق المصطفى (2/676) .
المخالفة السابعة:
التوجه إلى قبره الشريف من كل نواحي المسجد، واستقباله له كلما دخل المسجد أو كلما فرغ من الصلاة، ووضع اليدين على الجنبين، وتنكيس الرؤوس والأذقان أثناء السلام عليه في تلك الحال، وهذه من البدع المنتشرة، والمخالفات المشتهرة.
فاتقوا الله عباد الله، واحذروا سائر البدع والمخالفات، واحذروا الهوى والتقليد الأعمى، وكونوا من أمركم على بينة وهدى، قال جل في علاه: {أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيّنَةٍ مّن رَّبّهِ كَمَن زُيّنَ لَهُ سُوء عَمَلِهِ وَاتَّبَعُواْ أَهْوَاءهُمْ} محمد/ 14.
نسأل الله أن يجعلنا من الهداة المهتدين، المتبعين لسنة سيد المرسلين.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4032)
أخطاء تقع في الطريق إلى مزدلفة وفي مزدلفة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الأخطاء التي تنصحونا بتجنبها أثناء ذهابنا إلى مزدلفة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ محمد ابن عثيمين – رحمه الله -: " من الأخطاء التي تقع في الانصراف من عرفة إلى مزدلفة ":
الأول:
أنه في دفعهم من عرفة إلى المزدلفة تحدث المضايقات من بعضهم لبعض، ومنها الإسراع الشديد الذي يؤدي أحيانا إلى تصادم السيارات، وقد دفع النبي صلى الله عليه وسلم من عرفة بسكينة، وكان عليه الصلاة والسلام دفع وقد شنق لناقته القصواء الزمام، وهو يقول بيده الكريمة: أيها الناس، السكينة السكينة؛ ولكنه صلى الله عليه وسلم مع ذلك إذا أتى فجوة أسرع، وإذا أتى حبلا من الحبال – أي مرتفعاً - أرخى لناقته الزمام حتى تصعد فكان صلى الله عليه وسلم يراعي الأحوال في مسيره هذا، ولكن إذا دار الأمر بين كون الإسراع أفضل أو التأني، فالتأني أفضل.
الثاني:
أن بعض الناس ينزلون قبل أن يصلوا إلى مزدلفة، ولا سيما المشاة منهم، يعييهم المشي ويتعبهم، فينزلون قبل أن يصلوا إلى مزدلفة، ويبقون هنالك حتى يصلوا الفجر ثم ينصرفوا منه إلى منى، ومن فعل هذا فإنه قد فاته المبيت في المزدلفة، وهذا أمر خطير جدا؛ لأن المبيت بمزدلفة ركن من أركان الحج عند بعض أهل العلم، وواجب من واجباته عند جمهور أهل العلم، وسنة في قول بعضهم، والصواب أنه واجب من واجبات الحج، وأنه يجب على الإنسان أن يبيت في مزدلفة، وألا ينصرف إلا في الوقت الذي أجاز الشارع له فيه الانصراف كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
الثالث:
أن بعض الناس يصلي المغرب والعشاء في الطريق على العادة، قبل أن يصل إلى مزدلفة، وهذا خلاف السنة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل في أثناء الطريق وبال وتوضأ، قال له أسامة بن زيد الصلاة يا رسول الله؟ قال: " الصلاة أمامك " أخرجه البخاري (1669) ومسلم (1280) . وبقي صلى الله عليه وسلم ولم يصل إلا حين وصل إلى مزدلفة، وكان قد وصلها بعد دخول وقت العشاء فصلى فيها المغرب والعشاء جمع تأخير.
الرابع:
إن بعض الناس لا يصلي المغرب والعشاء حتى يصل إلى مزدلفة ولو خرج وقت صلاة العشاء، وهذا لا يجوز وهو حرام من كبائر الذنوب، لأن تأخير الصلاة عن وقتها محرم بمقتضى دلالة الكتاب والسنة، قال الله تعالى: (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) النساء / 103، وبين النبي صلى الله عليه وسلم هذا الوقت وحدده، وقال الله تعالى: {ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه} الطلاق / 1، وقال سبحانه: {ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون} البقرة / 229.
فإذا خشي الإنسان خروج وقت العشاء قبل أن يصل إلى مزدلفة، فإن الواجب عليه أن يصلي وإن لم يصل إلى مزدلفة، يصلي على حسب حاله، إن كان ماشيا وقف وصلى الصلاة بقيامها وركوعها وسجودها، وإن كان راكبا ولم يتمكن من النزول فإنه يصلي ولو على ظهر سيارته، لقوله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} التغابن / 16، وإن كان عدم تمكنه من النزول في هذه الحال أمرا بعيدا؛ لأنه بإمكان كل إنسان أن ينزل ويقف على جانب الخط من اليمين أو اليسار ويصلي.
وعلى كل حال فإنه لا يجوز لأحد أن يؤخر صلاة المغرب والعشاء حتى يخرج وقت العشاء، بحجة أنه يريد أن يطبق السنة فلا يصلي إلا في مزدلفة، فإن تأخيره هذا مخالف للسنة، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أخر، لكنه صلى الصلاة في وقتها.
الخامس:
أن بعض الحجاج يصلون الفجر قبل وقته، فيصلون وينصرفون، وهذا خطأ عظيم، فإن الصلاة قبل وقتها غير مقبولة؛ بل محرمة، لأنها اعتداء على حدود الله عز وجل، فإن الصلاة موقتة بوقت حدد الشرع أوله وآخره؛ فلا يجوز لأحد أن يتقدم بالصلاة قبل دخول وقتها.
فيجب على الحاج أن ينتبه لهذه المسألة، وألا يصلي الفجر إلا بعد أن يتيقن أو يغلب على ظنه دخول وقت الفجر، صحيح أنه ينبغي المبادرة بصلاة الفجر في المزدلفة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم بادر بها، ولكن لا يعني ذلك أن تصلى قبل الوقت. فليحذر الحاج من هذا العمل.
السادس:
أن بعض الحجاج يدفعون من مزدلفة قبل أن يمكثوا فيها أدنى مكث، فتجده يمر بها مرورا ويستمر ولا يقف، ويقول: إن المرور كاف، وهذا خطأ عظيم، فإن المرور غير كاف؛ بل السنة تدل على أن الحاج يبقى في مزدلفة حتى يصلي الفجر، ثم يقف عند المشعر الحرام يدعو الله تعالى حتى يسفر جدا، ثم ينصرف إلى منى (والإسفار هو انتشار ضوء النهار قبل طلوع الشمس) ، ورخص النبي صلى الله عليه وسلم للضعفة من أهله أن يدفعوا من مزدلفة بليل. وكانت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما ترقب غروب القمر فإذا غاب القمر دفعت من مزدلفة إلى منى.
وهذا - الدفع بعد غروب القمر - ينبغي أن يكون هو الحد الفاصل، لأنه فعل صحابي، والنبي صلى الله عليه وسلم أذن للضعفة من أهله أن يدفعوا بليل، ولم يبين في هذا الحديث حد هذا الليل، ولكن فعل الصحابي قد يكون مبينا له ومفسرا له. وعليه، فالذي ينبغي أن يحدد الدفع للضعفة ونحوهم ممن يشق عليهم مزاحمة الناس، ينبغي أن يقيد بذلك بغروب القمر، وغروب القمر في الليلة العاشرة يكون قطعا بعد منتصف اليل، يكون بمضي ثلثي الليل تقريبا.
السابع:
أن بعض الناس في ليلة المزدلفة يحيي هذه الليلة بالقيام والقراءة والذكر، وهذا خلاف السنة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة لم يتعبد لله عز وجل بمثل هذا، بل في صحيح مسلم من حديث جابر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى العشاء اضطجع حتى طلع الفجر ثم صلى الصبح. وهذا يدل على أن تلك الليلة ليس فيها تهجد أو تعبد أو تسبيح أو ذكر أو قرآن.
الثامن:
أن بعض الحجاج يبقون في مزدلفة حتى تطلع الشمس، ويصلون صلاة الشروق أو الإشراق، ثم ينصرفون بعد ذلك، وهذا خطأ؛ لأن فيه مخالفة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، وموافقة لهدي المشركين، فإن النبي صلى الله عليه وسلم دفع من مزدلفة قبل أن تطلع الشمس حين أسفر جدا. والمشركون كانوا ينتظرون حتى تطلع الشمس.
فمن بقي في مزدلفة تعبدا لله عز وجل حتى تطلع الشمس، فقد شابه المشركين، وخالف سنة سيد المرسلين صلوات الله وسلامه عليه "
[الْمَصْدَرُ]
انتهى من دليل الأخطاء التي يقع فيها الحاج والمعتمر(5/4033)
الحج عن والدٍ متوفَّى كان لا يصلي
[السُّؤَالُ]
ـ[والدي توفي من مدة طويلة، وأعلم أنه كان لا يصلي، وقد حضرت إلى السعودية وقمت بأداء فريضة الحج ثلاث مرات، وقد نويت في المرة الأخيرة أن تكون لوالدي المتوفًّى، ولكنني سمعت عن حكم من لم يصلِّ أنه في حكم الشرع كافر، وقد حزنت كثيرًا عندما فكرت في موقف والدي، وسؤالي: هل تجوز له هذه الحجة؟ وهل تكفر عنه هذا التقصير في الصلاة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرض هذا السؤال على الشيخ محمد ابن عثيمين – رحمه الله – فقال: " إن هذه السائلة ذكرت في سؤالها أنها قد أدت فريضة الحج ثلاث مرات، والصحيح أن فريضة الحج مرة واحدة في العمر لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الحج مرة فما زاد فهو تطوع) . وكونك عبَّرت بهذا التعبير ثلاث مرات فهذا خطأ.
وأما كونك قد حججت لوالدك وهو لا يصلي فالكفار لا ينتفعون بالأعمال الصالحة، ولا يجوز الاستغفار لهم، لقوله تعالى: (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم) التوبة / 113.
ولكن نظرًا لأن والدك قد يصلي في بعض الأحيان، أو يُشك في كفره فإنه لا حرج أن تحجي عنه وتقولي: اللهم اجعل أجر ذلك لوالدي إن كان مؤمنًا، وتعلِّقي ذلك بكون أبيك مؤمنًا، فمثل ذلك لا حرج فيه، فإن تعليق الأمر جائز في العبادات وفي الدعاء.
أما في العبادات: فلقول النبي صلى الله عليه وسلم لضباعة بنت الزبير رضي الله عنهما، وقد أرادت أن تحج وهي مريضة قال لها صلى الله عليه وسلم: (حجي واشترطي فإن لك على ربك ما استثنيت) رواه البخاري (5089) ومسلم (1207) .
وأما في الدعاء: فلقوله تعالى في آية اللعان: (والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين) النور/7.
[الْمَصْدَرُ]
انتهى من دليل الأخطاء التي يقع فيها الحاج والمعتمر(5/4034)
الحج بدون إذن الزوج
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة متزوجة، وعدها زوجها بالحج، ولكنه لم يفِ بالوعد فمرَّ عليها أهلها في طريق سفرهم إلى مكة وأخذوها معهم دون علم الزوج، ولا رضاه، فهل حجها صحيح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ محمد ابن عثيمين – رحمه الله -: " قبل الإجابة أود أن أبين أنه لا يجوز للمرأة أن تخرج بدون رضا زوجها، حتى ولو كان في البلد، فكيف تحج بدون رضاه، هذا حرام، ولا يجوز لها، ويجب على الزوج الذي وعد زوجته بالحج أن يفي بوعده، فيحج بها، لاسيما إن كان هذا مشروطا عليه في العقد، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج) رواه البخاري (2729) ومسلم (1418) .
وإذا كان هذا الوعد بعد العقد، فإن العلماء اختلفوا بالوفاء به، والصواب وجوب الوفاء به إذا لم يكن على الواعد ضرر؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل إخلاف الوعد من صفات المنافقين. تحذيرا من إخلافه.
انظر دليل الأخطاء التي يقع فيها الحاج والمعتمر.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4035)
الدعاء الجماعي أثناء الطواف
[السُّؤَالُ]
ـ[نلاحظ أن بعض الطائفين يسيرون خلف رجلٍ يقال له (مُطَوِّف) حيث يدعو والبقية تُؤمن على دعائه فما رأيكم بهذا العمل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ محمد ابن عثيمين – رحمه الله -: " من الخطأ الذي يرتكبه بعض الطائفين أن يجتمع جماعة على قائد يطوف بهم ويُلَقِنَهُم الدعاء بصوت مرتفع فيتبعه الجماعة بصوت واحد، فتعلو الأصوات، وتحصل الفوضى، ويتشوش بقية الطائفين، فلا يدرون ما يقولون، وفي هذا إذهاب للخشوع، وإيذاءٌ لعباد الله في هذا المكان الآمن.
ويا حبذا لو أن هذا القائد إذا أقبل بهم على الكعبة وقف بهم وقال: افعلوا كذا، وقولوا كذا، ادعوا بما تحبون، وصار يمشي معهم في المطاف حتى لا يخطئ منهم أحد، فطافوا بخشوع وطمأنينة، يدعون ربهم خوفاً وطمعاً، وتضرعاً وخفيةً بما يحبونه، وما يعرفون معناه ويقصدونه،وسلم الناس من أذاهم.
(وكذلك) رفع الصوت بالدعاء فإن بعض الطائفين يرفع صوته بالدعاء رفعاً مزعجاً، يُذهب الخشوع، ويُسقط هيبة البيت، ويُشوش على الطائفين؛ والتشويش على الناس في عباداتهم أمر منكر، (فعن أبي سعيد قال اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف الستر وقال ألا إن كلكم مناج ربه فلا يؤذين بعضكم بعضا ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة أو قال في الصلاة) أخرجه أبو داوود (1332) وصححه الألباني في صحيح أبي داوود 1183.
ولكن بعض الناس - نسأل الله لنا ولهم الهداية - في المطاف يرفعون أصواتهم بالدعاء، وهذا كما أن فيه المحذورات التي ذكرناها، وهي إذهاب الخشوع، وسقوط هيبة البيت، والتشويش على الطائفين، فهو مخالف لظاهر قوله تعالى: (ادعوا ربكم تضرعاً وخفية إنه لا يحب المعتدين) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4036)
التمسح بالكعبة
[السُّؤَالُ]
ـ[في أثناء الطواف يشاهد بعض الناس يتمسحون بجدار الكعبة وبكسوتها، وبمقام إبراهيم، فما حكم ذلك العمل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرض هذا السؤال على الشيخ محمد ابن عثيمين – رحمه الله – فقال:
" هذا العمل يفعله الناس، يريدون به التقرب إلى الله عز وجل والتعبد له، وكل عمل تريد به التقرب إلى الله والتعبد له، وليس له أصل في الشرع فإنه بدعة، حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة " رواه الترمذي (2676) وأبو داوود (4607) .
ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح سوى الركن اليماني والحجر الأسود.
وعليه فإذا مسح الإنسان أي ركن من أركان الكعبة أو جهة من جهاتها، غير الركن اليماني والحجر الأسود، فإنه يعتبر مبتدعا، ولما رأى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما يمسح الركنين الشماليين، نهاه، فقال له معاوية رضي الله عنه: ليس شيء من البيت مهجورا، فقال ابن عباس رضي الله عنهما: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) الأحزاب / 21
وقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح الركنين اليمانيين، يعني الركن اليماني والحجر الأسود، فرجع معاوية رضي الله عنه إلى قول ابن عباس.
ومن باب أولى في البدعة، ما يفعله بعض الناس من التمسح بمقام إبراهيم، فإن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تمسح في أي جهة من جهات المقام.
وكذلك ما يفعله بعض الناس من التمسح بزمزم، والتمسح بأعمدة الرواق – وهي أعمدة المبنى العثماني القديمة -، وكل ذلك مما لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم فكله بدعة، وكل بدعة ضلالة "
[الْمَصْدَرُ]
انتهى من دليل الأخطاء التي يقع فيها الحاج والمعتمر(5/4037)
الأخطاء التي تقع في زيارة المسجد النبوي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الأخطاء التي تقع عند زيارة المسجد النبوي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" الأخطاء التي يقع فيها بعض الحجاج في زيارة المسجد النبوي تقع في أمور:
الأول:
اعتقاد بعض الحجاج بأن زيارة المسجد النبوي من متعلقات الحج وأن الحج لا يجوز بدونها بل ربما جعلها بعض الجهال أوكد من الحج! وهذا اعتقاد باطل؛ فلا علاقة بين الحج وزيارة المسجد النبوي، فالحج يتم بدونها، وهي تتم بدون الحج، ولكن الناس اعتادوا من قديم أن يجعلوها في سفر الحج لمشقة تكرار الأسفار عليهم، وكذا ليست أوكد من الحج؛ فالحج من أركان الإسلام ومبادئه العظام وليست الزيارة كذلك. ولا نعلم أحدا من أهل العلم قال بوجوب زيارة المسجد النبوي أو قبر النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من حج ولم يزرني فقد جفاني) فحديث كَذِب على الرسول صلى الله عليه وسلم مُناف للمعلوم من الدين إذ لو صح لكانت زيارة قبره من أوجب الواجبات.
الثاني:
أن بعض الزائرين للمسجد النبوي يطوفون بقبر النبي صلى الله عليه وسلم، ويتمسحون بشباك الحجرة وجدرانها، وربما قبلوها بشفاههم ووضعوا خدودهم عليها وكل هذا من البدع المنكرة؛ فإن الطواف بغير الكعبة بدعة محرمة، وكذلك الاستلام والتقبيل ووضع الخدود إنما يشرع في مكانه من الكعبة؛ فالتعبد لله تعالى بمثل ذلك في جدران الحجرة لا يزيد المرء من الله إلا بعدا.
الثالث:
أن بعض الزائرين يتمسح بالمحراب والمنبر وجدران المسجد، وكل هذا من البدع.
الرابع:
وهو الأدهى والأعظم نكرا، أن بعض الزائرين يدعو النبي صلى الله عليه وسلم لكشف الكربات أو حصول الرغبات، وهذا شرك أكبر مُخرِجٌ عن الملة لا يرضى به الله ورسوله؛ قال الله تعالى: (وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا) الجن / 18، وقال تعالى: (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) غافر / 60، وقال تعالى: (إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر) الزمر/7.
وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على رجل قال له: ما شاء الله وشئت فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أجعلتني لله ندا، ما شاء الله وحده) رواه ابن ماجه (2118) . فكيف بمن يدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم لكشف الضر وحصول النفع وهو الذي قال الله له: (قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله) الأعراف / 188، وقال: (قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا) الجن / 21.
فعلى المؤمن أن يعلق رجاءه ورغبته بخالقه وفاطره الذي يملك له تحقيق ما يرجوه وكشف ما يخافه، وأن يعرف لنبيه صلى الله عليه وسلم حقه من الإيمان به ومحبته واتباعه ظاهراً وباطناً، ويسأل الله الثبات على ذلك، ولا يتعبد لله تعالى بغير ما شرع "
[الْمَصْدَرُ]
انتهى من كلام الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله – كتاب أخطاء يقع فيها الحاج والمعتمر.(5/4038)
لا يشرع للمفرد أن يعتمر بعد الحج
[السُّؤَالُ]
ـ[هل السنة للحاج إذا انتهى من الحج أن يخرج إلى التنعيم ليعتمر كما فعلت ذلك عائشة رضي الله عنها؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ ابن باز رحمه الله:
وأما ما يفعله بعض الناس من الإكثار من العمرة بعد الحج من التنعيم أو الجعرانة أو غيرهما وقد سبق أن اعتمر قبل الحج فلا دليل على شرعيته بل الأدلة تدل على أن الأفضل تركه، لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه لم يعتمروا بعد فراغهم من الحج، وإنما اعتمرت عائشة من التنعم لكونها لم تعتمر مع الناس حين دخول مكة بسبب الحيض، فطلبت من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تعتمر بدلاً من عمرتها التي أحرمت بها من الميقات فأجابها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى ذلك وقد حصلت لها العمرتان: العمرة التي مع حجها، وهذه العمرة المفردة، فمن كان مثل عائشة فلا بأس أن يعتمر بعد فراغه من الحج، عملاً بالأدلة كلها، وتوسيعاً على المسلمين.
ولا شك أن اشتغال الحجاج بعمرة أخرى بعد فراغهم من الحج سوى العمرة التي دخلوا بها مكة يشق على الجميع، ويسبب كثرة الزحام والحوادث، مع ما فيه من المخالفة لهدي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسنته اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
مجموع فتاوى ابن باز (16/46)(5/4039)
أخطاء تقع عند دخول الحرم
[السُّؤَالُ]
ـ[نشاهد بعض المحرمين عند دخول الحرم يقومون بقراءة أدعية معينة لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك يلتزمون بالدخول من باب معين، فهل هذا العمل صحيح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه من الأخطاء التي تقع عند دخول الحرم، ويمكن توضيحها على النحو التالي:
" أولاً:
أن بعض الناس يظن أنه لا بد أن يدخل الحاج أو المعتمر من باب معين في المسجد الحرام، فيرى بعض الناس مثلا أنه لا بد أن يدخل، إذا كان معتمرا، من الباب الذي يسمى: باب العمرة، وأن هذا أمر لا بد منه أو أمر مشروع، ويرى آخرون أنه لا بد أن يدخل من باب السلام، وأن الدخول من غيره يكون إثمًا أو مكروهًا، وهذا لا أصل له، فللحاج والمعتمر أن يدخل من أي باب كان، وإذا دخل المسجد فليقدم رجله اليمنى وليقل ما ورد في الدخول لسائر المساجد، فيسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: " اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك " رواه مسلم (713) .
ثانياً:
أن بعض الناس يبتدع أدعية معينة عند دخول المسجد ورؤية البيت، يبتدع أدعية لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم فيدعو الله بها، وهذا من البدع، فإن التعبد لله تعالى بقول أو فعل أو اعتقاد لم يكن عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بدعة وضلالة، وحذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثالثاً:
يخطئ بعض الناس- حتى من غير الحجاج - حيث إنهم يعتقدون أن تحية المسجد الحرام الطواف، بمعنى أنه يسن لكل من دخل المسجد الحرام أن يطوف اعتمادًا على قول بعض الفقهاء في أن سنة المسجد الحرام الطواف، والواقع أن الأمر ليس كذلك، فالمسجد الحرام كغيره من المساجد التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين " رواه البخاري (444) ومسلم (714) .
ولكن إذا دخلت المسجد الحرام للطواف سواء كان الطواف طواف نسك كطواف العمرة والحج، أو كان طواف تطوع كالأطوفة في غير النسك، فإنه يجزئك أن تطوف وإن لم تصل ركعتين، هذا هو معنى قولنا إن المسجد الحرام تحيته الطواف، وعلى هذا فإذا دخلت بغير نية الطواف ولكن لانتظار الصلاة أو لحضور مجلس علم أو ما أشبه ذلك، فإن المسجد الحرام كغيره، يسن فيه أن تصلي ركعتين قبل أن تجلس لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك "
[الْمَصْدَرُ]
انتهى من دليل الأخطاء التي يقع فيها الحاج والمعتمر للشيخ ابن عثيمين رحمه الله.(5/4040)
أخطاء تقع في الطواف
[السُّؤَالُ]
ـ[في الطواف نلاحظ أن بعض الناس يقف في بداية المطاف ويتلفظ بنية الطواف، كما أننا نلاحظ أن بعضهم يزاحم مزاحمة شديدة من أجل الوصول إلى الحجر، وربما اقتتلوا عليه، فما رأيكم في هذه الأعمال؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه من الأخطاء التي تقع في الطواف وهي على وجوه:
" الأول:
النطق بالنية عند إرادة الطواف، فتجد الحاج يقف مستقبلا الحَجَر إذا أراد الطواف، فيقول: اللهم إني نويت أن أطوف سبعة أشواط للعمرة، أو اللهم إني نويت أن أطوف سبعة أشواط للحج، أو اللهم إني نويت أن أطوف سبعة أشواط تقربًا إليك.
والتلفظ بالنية بدعة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعله، ولم يأمر أمته به، وكل من تعبد لله بأمر لم يتعبد به رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يأمر أمته به، فقد ابتدع في دين الله ما ليس منه، فالتلفظ بالنية عند الطواف خطأ وبدعة، وكما أنه خطأ من ناحية الشرع فهو خطأ من ناحية العقل، فما الداعي إلى أن تتلفظ بالنية مع أن النية بينك وبين ربك، والله سبحانه وتعالى عالم بما في الصدور وعالم بأنك سوف تطوف هذا الطواف، وإذا كان الله سبحانه وتعالى عالماً بذلك فلا حاجة أن تظهر هذا لعباد الله.
والنبي صلى الله عليه وسلم قد طاف قبلك ولم يتكلم بالنية عند طوافه، والصحابة رضي الله عنهم قد طافوا قبلك ولم يتكلموا بالنية عند طوافهم، ولا عند غيره من العبادات؛ فهذا خطأ.
الثاني:
أن بعض الطائفين يزاحم مزاحمة شديدة عند استلام الحَجَر والركن اليماني، مزاحمة يتأذى بها ويؤذي غيره، مزاحمة قد تكون مع امرأة، وربما ينزغه من الشيطان نزع فتحصل في قلبه شهوة عندما يزاحم هذه المرأة في هذا المقام الضنك، والإنسان بشر قد تستولي عليه النفس الأمارة بالسوء، فيقع في هذا الأمر المنكر تحت بيت الله عز وجل، وهذا أمر يكبر ويعظم باعتبار مكانه كما أنه فتنة في أي مكان كان.
والمزاحمة الشديدة عند استلام الحجر أو الركن اليماني ليست مشروعة، بل إن تيسر لك بهدوء فذلك المطلوب، وإن لم يتيسر فإنك تشير إلى الحجر الأسود.
أما الركن اليماني فلم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أشار إليه، ولا يمكن قياسه على الحجر الأسود؛ لأن الحجر الأسود أعظم منه، والحجر الأسود ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أشار إليه.
والمزاحمة كما أنها غير مشروعة في هذه الحال، وكما أنه يُخشى من الفتنة فيما إذا كان الزحام مع امرأة، فهي أيضًا تُحدث تشويشاً في القلب والفكر، لأن الإنسان لا بد عند المزاحمة من أن يسمع كلاما يكرهه، فتجده يشعر بامتعاض وغضب على نفسه إذا فارق هذا المحل.
والذي ينبغي للطائف أن يكون دائما في هدوء وطمأنينة، من أجل أن يستحضر ما هو متلبس به من طاعة الله، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله.
الثالث:
أن بعض الناس يظنون أن الطواف لا يصح بدون تقبيل الحجر، وأن تقبيل الحجر شرط لصحة الطواف، ولصحة الحج أيضًا أو العمرة، وهذا ظن خطأ، وتقبيل الحجر سنة وليست سنة مستقلة أيضًا، بل هي سنة للطائف، ولا أعلم أن تقبيل الحجر يسن في غير الطواف، وعلى هذا فإذا كان تقبيل الحجر سنة وليس بواجب ولا شرط، فإن من لم يقبل الحجر لا نقول إن طوافه غير صحيح أو إن طوافه ناقص نقصا يأثم به؛ بل طوافه صحيح وإذا وُجد زحام شديد فإن الإشارة أفضل من الاستلام؛ لأنه هو العمل الذي فعله الرسول صلى الله عليه وسلم عند الزحام، ولأن الإنسان يتقي به أذى يكون منه لغيره، أو يكون من غيره له.
فلو سألنا سائل وقال: إن المطاف مزدحم فماذا ترون: هل الأفضل أن أُزاحم فأستلم الحجر وأقبله، أم الأفضل أن أشير إليه؟
قلنا: الأفضل أن تشير إليه؛ لأن السنة هكذا جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
الرابع:
تقبيل الركن اليماني. وتقبيل الركن اليماني لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعبادة إذا لم تثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي بدعة وليست بقربة، وعلى هذا فلا يشرع للإنسان أن يقبل الركن اليماني، لأن ذلك لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما ورد فيه حديث ضعيف لا تقوم به الحجة.
الخامس:
بعض الناس عندما يمسح الحجر الأسود أو الركن اليماني يمسحه بيده اليسرى كالمتهاون به، وهذا خطأ فإن اليد اليمنى أشرف من اليد اليسرى، واليد اليسرى لا تُقدَّم إلا للأذى، كالاستنجاء بها والاستجمار بها، والامتخاط بها وما أشبه ذلك، وأما مواضع التقبيل والاحترام، فإنه يكون لليد اليمنى.
السادس:
أنهم يظنون أن استلام الحجر والركن اليماني للتبرك لا للتعبد، فيتمسحون به تبركًا وهذا بلا شك خلاف ما قصد به، فإن المقصود بالتمسح بالحجر الأسود أو بمسحه وتقبيله تعظيم الله عز وجل، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا استلم الحجر قال: الله أكبر، إشارة إلى أن المقصود بهذا تعظيم الله عز وجل، وليس المقصود التبرك بمسح هذا الحجر، ولهذا قال أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه عند استلامه الحجر: والله إني لأعلم أنك حجر، لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك.
هذا الظن الخاطئ من بعض الناس- وهو أنهم يظنون أن المقصود بمسح الركن اليماني والحجر الأسود التبرك- أدى ببعضهم إلى أن يأتي بابنه الصغير فيمسح الركن أو الحجر بيده، ثم يمسح ابنه الصغير أو طفله بيده التي مسح بها الحجر أو الركن اليماني، وهذا من الاعتقاد الفاسد الذي يجب أن يُنهى عنه، وأن يُبَيَّن للناس أن مثل هذه الأحجار لا تضر ولا تنفع، وأن المقصود بمسحها تعظيم الله عز وجل وإقامة ذكره، والاقتداء برسوله صلى الله عليه وسلم.
....
وكل هذه الأمور وأمثالها مما لا شرعية فيه، بل هو بدعة ولا ينفع صاحبه بشيء؛ لكن إن كان صاحبه جاهلا ولم يطرأ على باله أنه من البدع، فيُرجى أن يعفى عنه، وإن كان عالمًا أو متهاونًا لم يسأل عن دينه، فإنه يكون آثما.
السابع:
أن بعض الناس يخصص كل شوط بدعاء معين، وهذا من البدع التي لم ترد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فلم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يخص كل شوط بدعاء، ولا أصحابه أيضًا، وغاية ما في ذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول بين الركن اليماني والحجر الأسود: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) وقال صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الطواف بالبيت والصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله) .
وتزداد هذه البدع خطأ، إذا حمل الطائف كتيبا، كُتب فيه لكل شوط دعاء، وهو يقرأ هذا الكتيب، ولا يدري ماذا يقول؛ إما لكونه جاهلا باللغة العربية، ولا يدري ما المعنى، وإما لكونه عربيًا ينطق باللغة العربية ولكنه لا يدري ما يقول، حتى إننا نسمع بعضهم يدعو بأدعية هي في الواقع مُحرَّفة تحريفًا بينًا، من ذلك أننا سمعنا من يقول: اللهم أغنني بجلالك عن حرامك، والصواب: بحلالك عن حرامك.
ومن ذلك أيضًا أننا نشاهد بعض الناس يقرأ هذا الكتيب، فإذا انتهى دعاء الشوط وقف ولم يدع في بقية شوطه، وإذا كان المطاف خفيفًا، وانتهى الشوط قبل انتهاء الدعاء، قطع الدعاء.
ودواء ذلك أن نبين للحجاج، بأن الإنسان في الطواف يدعو بما شاء وبما أحب، ويذكر الله تعالى بما شاء، فإذا بُيِّن للناس هذا زال الإشكال.
حكم من وقع في هذه البدع:
الناس في هذه الأمور التي يفعلونها:
إما جاهل جهلاً مطبقًا لا يطرأ بباله أن هذا محرم، فهذا يُرجى أن لا يكون عليه شيء.
وإما عالم متعمد ليَضلَّ ويُضلَّ الناس، فهذا آثم بلا شك وعليه إثم من اتبعه واقتدى به.
وإما رجل جاهل ومتهاون في سؤال أهل العلم، فيُخشى أن يكون آثما بتفريطه وعدم سؤاله.
هذه الأخطاء التي سقناها في الطواف نرجو الله سبحانه وتعالى أن يهدي إخواننا المسلمين لإصلاحها، حتى يكون طوافهم موافقا لما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم. وليس الدين يؤخذ بالعاطفة والميل، ولكنه يؤخذ بالتلقي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
انتهى من دليل الأخطاء التي يقع فيها الحاج والمعتمر للشيخ ابن عثيمين رحمه الله.(5/4041)
حديث ضعيف في فضل الصلاة في المسجد النبوي أربعين يوماً
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت أن من صلى في المسجد النبوي أربعين صلاة تكتب له براءة من النفاق. فهل هذا الحديث صحيح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث رواه أحمد (12173) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (مَنْ صَلَّى فِي مَسْجِدِي أَرْبَعِينَ صَلاةً لا يَفُوتُهُ صَلاةٌ كُتِبَتْ لَهُ بَرَاءَةٌ مِنْ النَّارِ، وَنَجَاةٌ مِنْ الْعَذَابِ، وَبَرِئَ مِنْ النِّفَاقِ) . وهو حديث ضعيف.
ذكره الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (364) وقال: ضعيف اهـ. وذكره في "ضعيف الترغيب" (755) وقال: منكر اهـ.
وذكر الألباني في كتابه "حجة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" (ص185) أن من بدع زيارة المدينة النبوية "التزام زوار المدينة الإقامة فيها أسبوعا حتى يتمكنوا من الصلاة في المسجد النبوي أربعين صلاة، لتكتب لهم براءة من النفاق وبراءة من النار" اهـ.
وقال الشيخ ابن باز:
أما ما شاع بين الناس من أن الزائر يقيم ثمانية أيام حتى يصلي أربعين صلاة فهذا وإن كان قد روي في بعض الأحاديث: (أن من صلى فيه أربعين صلاة كتب الله له براءة من النار، وبراءة من النفاق) إلا أنه حديث ضعيف عند أهل التحقيق لا تقوم به الحجة ولا يعتمد عليه. والزيارة ليس لها حد محدود، وإذا زارها ساعة أو ساعتين، أو يوماً أو يومين، أو أكثر من ذلك فلا بأس اهـ باختصار.
فتاوى ابن باز (17/406) .
ويغني عن هذا الحديث الضعيف حديثٌ حسن رواه الترمذي (241) في فضل المحافظة على تكبيرة الإحرام مع الجماعة عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَلَّى لِلَّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي جَمَاعَةٍ يُدْرِكُ التَّكْبِيرَةَ الأُولَى كُتِبَتْ لَهُ بَرَاءَتَانِ بَرَاءَةٌ مِنْ النَّارِ وَبَرَاءَةٌ مِنْ النِّفَاقِ " حسنه الألباني في صحيح الترمذي (200) .
والفضل المترتب على هذا الحديث عام في كل مسجد جماعة، في أي بلد، وليس خاصاً بالمسجد الحرام أو المسجد النبوي.
وبناءً عليه فمن حافظ على صلاة أربعين يوماً يدرك فيها تكبيرة الإحرام مع الجماعة كتبت له براءتان براءة من النار وبراءة من النفاق، سواء كان مسجد المدينة أو مكة أو غيرهما من المساجد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4042)
أخطأ وتعجل في اليوم الحادي عشر
[السُّؤَالُ]
ـ[من ترك الرمي في اليوم الثاني عشر ظناً منه أن هذا هو التعجّل وغادر ولم يطف للوداع فما حكم حجه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" حجّه صحيح، لأنه لم يترك فيه ركناً من أركان الحجّ، ولكنه ترك فيه ثلاث واجبات إن كان لم يبت ليلة الثاني عشر بمنى.
الواجب الأول: المبيت بمنى ليلة الثاني عشر.
والواجب الثاني: رمي الجمار في اليوم الثاني عشر.
والواجب الثالث: طواف الوداع.
ويجب عليه لكل واحد منها دمّ يذبحه في مكّة ويوزعه على الفقراء ". "فتاوى أركان الإسلام" (ص 566) .
لأن من ترك واجباً من واجبات الحج لزمه دم ويذبحه في مكة ويفرقه على الفقراء.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4043)
زيارة مقابر الشهداء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم زيارة بعض مقابر المدينة كالبقيع وشهداء أحد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" زيارة القبور سنة في كل مكان، ولاسيما زيارة البقيع التي دُفن فيه كثير من الصحابة رضي الله عنهم، ومنهم أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، وقبره هناك معروف.
وكذلك يُسنُّ أن يخرج إلى أُحد ليزور قبور الشهداء هنالك، ومنهم حمزة بن عبد المطلب، عم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكذلك ينبغي أن يزور مسجد قباء، يخرج متطهرا فيصلي فيه ركعتين فإن في ذلك فضلا عظيما. (فقد قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: " صلاة في مسجد قباء كعمرة " صحيح الترغيب 1180، وقال عليه الصلاة والسلام: " من تطهر في بيته، ثم أتى مسجد قباء، فصلى فيه صلاة؛ كان له كأجر عمرة ". صحيح الترغيب 1181.)
وليس هناك شيء يُزار في المدينة سوى هذه: زيارة المسجد النبوي، وزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وزيارة البقيع، وزيارة شهداء أحد، وزيارة مسجد قباء، وما عدا ذلك من المزارات كالمساجد السبعة ومسجد الغمامة فإنه لا أصل له وزيارتها بقصد التعبد لله بدعة؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز لأحد أن يُثبت لزمان أو مكان أو عمل أن فعله أو قصده قُربة إلا بدليل من الشرع.
[الْمَصْدَرُ]
انتهى من كلام الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله – كتاب: دليل الأخطاء التي يقع فيها الحاج والمعتمر.(5/4044)
حج المرأة في رفقة نساء دون محرم
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة تقول: إنني مقيمة في المملكة بحكم عملي بها، وقد ذهبت للحج العام الماضي، وكان معي اثنتان من زميلاتي وليس معنا محرم. فما هو الموقف من ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ محمد ابن عثيمين – رحمه الله -: " هذا العمل وهو الحج بدون مَحرم: مُحرَّم لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو يخطب: لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، فقام رجل فقال: يا رسول الله، إن امرأتي خرجت حاجة، وإنني قد اكتُتِبتُ في غزوة كذا وكذا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: انطلق فحج مع امرأتك " رواه البخاري (3006) ومسلم (1341) .
فلا يجوز للمرأة السفر بدون محرم، والمحرم: من تحرم عليه على التأبيد بنسب أو سبب مباح، ويشترط أن يكون بالغا عاقلا، وأما الصغير فلا يكون محرما، وغير العاقل لا يكون محرما أيضا، والحكمة من وجود المحرم مع المرأة حفظها وصيانتها، حتى لا تعبث بها أهواء مَن لا يخافون الله عز وجل ولا يرحمون عباد الله.
ولا فرق بين أن يكون معها نساء أو لا، أو تكون آمنة أو غير آمنة، حتى ولو ذهبت مع نساء من أهل بيتها وهي آمنة غاية الأمن، فإنه لا يجوز لها أن تسافر بدون محرم؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر الرجل بالحج مع امرأته لم يسأله ما إذا كان معها نساء وهل هي آمنة أم لا، فلما لم يستفسر عن ذلك دل على أنه لا فرق، وهذا هو الصحيح.
وقد تساهل بعض الناس في وقتنا الحاضر فسوَّغ أن تذهب المرأة في الطائرة بدون محرم، وهذا لا شك أنه خلاف النصوص العامة الظاهرة، والسفر في الطائرة كغيره تعتريه الأخطار.
فإن المسافرة في الطائرة إذا شيعها محرمها في المطار فإنه ينصرف بمجرد دخولها صالة الانتظار، وهي وحدها بدون محرم وقد تغادر الطائرة في الوقت المحدد وقد تتأخر. وقد تقلع في الوقت المحدد فيعتريها سبب يقتضي رجوعها، أو أن تنزل في مطار آخر غير المطار المتجهة إليه، وكذلك ربما تنزل في المطار الذي تقصده بعد الوقت المحدد لسبب من الأسباب، وإذا قُدِّر أنها نزلت في وقتها المحدد فإن المحرم الذي يستقبلها قد يتأخر عن الحضور في الوقت المعين لسبب من الأسباب، إما لنوم أو زحام سيارات أو عطل في سيارته أو لغير ذلك من الأسباب المعلومة، ثم لو قدر أنه حضر في الوقت المحدد واستقبل المرأة فإن من يكون إلى جانبها في الطائرة قد يكون رجلا يخدعها ويتعلق بها وتتعلق به.
والحاصل أن المرأة عليها أن تخشى الله وتخافه فلا تسافر لا إلى الحج ولا إلى غيره إلا مع محرم يكون بالغًا عاقلا. والله المستعان " انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
المرجع كتاب دليل الأخطاء التي يقع فيها الحاج والمعتمر(5/4045)
أخطاء تقع عند رمي الجمرات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الأخطاء التي يرتكبها بعض الحجاج أثناء رمي الجمرات؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رمى جمرة العقبة وهي الجمرة القصوى التي تلي مكة بسبع حصيات، ضُحى يوم النحر، يكبِّر مع كل حصاة منها، مثل حصا الخذف؛ أي: فوق الحِمَّص قليلا.
وروى ابن ماجه (3029) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة العقبة وهو واقف على راحلته: هات الْقُطْ لي قال: فلقطت له حصيات هن حصى الخذف، فوضعهن في يده، وقال: بأمثال هؤلاء فارموا ... ، وإياكم والغلو فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين " وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (2455) .
وروى أحمد وأبو داود عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنما جعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله. هذه هي الحكمة من مشروعية رمي الجمرات.
والأخطاء التي يرتكبها بعض الحجاج في رمي الجمرات تكون من وجوه متعددة:
الأول:
أن بعض الناس يظنون أنه لا يصح الرمي إلا إذا كانت الحصى من مزدلفة، ولهذا تجدهم يتعبون كثيرا في لقط الحصى من مزدلفة، قبل أن يذهبوا إلى منى، وهذا ظن خاطئ، فالحصى يؤخذ من أي مكان، من مزدلفة، من منى، من أي مكان يؤخذ، المقصود أن يكون حصى.
ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه التقط الحصى من مزدلفة حتى نقول: إنه من السنة. فليس من السنة. ولا من الواجب أن يلتقط الإنسان الحصى من مزدلفة؛ لأن السنة إما قول الرسول صلى الله عليه وسلم أو فعله أو إقراره، وكل هذا لم يكن في لقط الحصى من مزدلفة.
الثاني:
أن بعض الناس إذا لقط الحصى غسله، إما احتياطا لخوف أن يكون أحد قد بال عليه، وإما تنظيفا لهذا الحصى؛ لظنه أن كونه نظيفا أفضل. وعلى كل حال فغسل حصى الجمرات بدعة، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعله، والتعبد بشيء لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم بدعة، وإذا فعله الإنسان من غير تعبد كان سفها وضياعا للوقت.
الثالث:
أن بعض الناس يظنون أن هذه الجمرات شياطين، وأنهم يرمون شياطين، فتجد الواحد منهم يأتي بعنف شديد وحنق وغيظ، منفعلا انفعالا عظيما، كأن الشيطان أمامه، ثم يرمي هذه الجمرات، ويحدث من ذلك مفاسد عظيمة:
1- أن هذا ظن خاطئ فإنما نرمي هذه الجمرات إقامة لذكر الله تعالى، واتباعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وتحقيقا للتعبد، فإن الإنسان إذا عمل طاعة وهو لا يدري فائدتها، إنما يفعلها تعبدا لله، كان هذا أدل على كمال ذله وخضوعه لله عز وجل.
2- أن الإنسان يأتي بانفعال شديد وغيظ وحنق وقوة واندفاع، فتجده يؤذي الناس إيذاء عظيما، حتى كأن الناس أمامه حشرات لا يبالي بهم، ولا يسأل عن ضعيفهم، وإنما يتقدم كأنه جمل هائج.
3- أن الإنسان لا يستحضر أنه يعبد الله عز وجل أو يتعبد لله عز وجل بهذا الرمي، ولذلك يعدل عن الذكر المشروع إلى قول غير مشروع، فتجده يقول حين يرمي: اللهم غضبا على الشيطان ورضى للرحمن. مع أن هذا ليس بمشروع عند رمي الجمرة، بل المشروع أن يكبر كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
4- أنه بناء على هذه العقيدة الفاسدة تجده يأخذ أحجارا كبيرة يرمي بها، بناء على ظنه أنه كلما كان الحجر أكبر كان أشد أثرا وانتقاما من الشيطان. وتجده أيضا يرمي بالنعال والخشب وما أشبه ذلك مما لا يشرع الرمي به.
إذن: إذا قلنا: إن هذا الاعتقاد اعتقاد فاسد، فما الذي نعتقده في رمي الجمرات؟ نعتقد في رمي الجمرات أننا نرمي الجمرات تعظيما لله عز وجل، وتعبدا له، واتباعا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الرابع:
أن بعض الناس يتهاون ولا يبالي هل وقعت الحصاة في المرمى أم لا؟
والحصاة إذا لم تقع في المرمى فإن المرمى لا يصح، ويكفي أن يغلب على ظنه وقوع الحصاة في المرمى ولا يشترط اليقين لأن اليقين في هذه الحال قد يتعذر، وإذا تعذر اليقين عمل بغلبة الظن؛ ولأن الشارع أحال على غلبة الظن فيما إذا شك الإنسان في صلاته: كم صلى، ثلاثا أم أربعا؟ فقال عليه الصلاة والسلام: " ليتحر الصواب ثم ليتم عليه " أخرجه أبو داوود (1020)
وهذا يدل على أن غلبة الظن في أمور العبادة كافية، وهذا من تيسير الله عز وجل؛ لأن اليقين أحيانا يتعذر.
وإذا وقعت الحصاة في الحوض، فقد برئت بها الذمة، سواء بقيت في الحوض أو تدحرجت منه.
الخامس:
أن بعض الناس يظن أنه لا بد أن تصيب الحصاة العمود الموجود بالمرمى، وهذا ظن خطأ، فإنه لا يشترط لصحة الرمي أن تصيب الحصاة هذا العمود، فإن هذا العمود إنما جعل علامة على المرمى الذي تقع فيه الحصى، فإذا وقعت الحصاة في المرمى أجزأت سواء أصابت العمود أم لم تصبه.
السادس:
وهو من الأخطاء العظيمة الفادحة، أن بعض الناس يتهاون في الرمي، فيوكل من يرمي عنه مع قدرته عليه، وهذا خطأ عظيم، وذلك لأن رمي الجمرات من شعائر الحج ومناسكه، وقد قال الله تعالى: (وأتموا الحج والعمرة لله) البقرة / 196، وهذا يشمل إتمام الحج بجميع شعائره؛ فيجب على الإنسان أن يقوم بها بنفسه، وألا يوكل فيها أحدا.
يقول بعض الناس: إن الزحام شديد، وإنه يشق علي. فنقول له: إذا كان الزحام شديدا أول ما يقدم الناس إلى منى من مزدلفة، فإنه لا يكون شديدا في آخر النهار، ولا يكون شديدا في الليل، وإذا فاتك الرمي في النهار فارم في الليل؛ لأن الليل وقت للرمي، وإن كان النهار أفضل، لكن كون الإنسان يأتي بالرمي في الليل بطمأنينة وهدوء وخشوع أفضل من كونه يأتي به في النهار، وهو ينازع الموت من الزحام والضيق والشدة، وربما يرمي ولا تقع الحصاة في المرمى، المهم أن من احتج بالزحام نقول له: إن الله قد وسع الأمر، فلك أن ترمي في الليل.
وكذلك المرأة إذا كانت تخشى من شيء في الرمي مع الناس، فلتؤخر الرمي إلى الليل، ولهذا لم يرخص النبي صلى الله عليه وسلم للضعفة من أهله - كَسَوْدة بنت زمعة وأشباهها - أن يَدَعُوا الرمي ويوكلوا من يرمي عنهم - لو كان من الأمور الجائزة - بل أذن لهم أن يدفعوا من مزدلفة في آخر الليل، ليرموا قبل حَطَمة الناس؛ وهذا أكبر دليل على أن المرأة لا توكل لكونها امرأة.
نعم لو فرض أن الإنسان عاجز ولا يمكنه الرمي بنفسه، لا في النهار ولا في الليل، فهنا يتوجه القول بجواز التوكيل؛ لأنه عاجز، وقد ورد عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يرمون عن صبيانهم، لعجز الصبيان عن الرمي.
على كل حال: التهاون في هذا الأمر - أعني: التوكيل في رمي الجمرات إلا من عذر لا يتمكن معه الحاج من الرمي - خطأ كبير؛ لأنه تهاون في العبادة، وتخاذل عن القيام بالواجب.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4046)
حكم تسمية جبل عرفة بجبل الرحمة
[السُّؤَالُ]
ـ[يطلق على جبل عرفة: جبل الرحمة، فما حكم هذه التسمية وهل لها أصل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أجاب الشيخ محمد ابن عثيمين - رحمه الله – على هذا السؤال فقال:
" هذه التسمية لا أعلم لها أصلا من السنة، أي: أن الجبل الذي في عرفة، الذي وقف عنده النبي صلى الله عليه وسلم يسمى جبل الرحمة، وإذا لم يكن له أصل من السنة فإنه لا ينبغي أن يُطلق عليه ذلك، والذين أطلقوا عليه هذا الاسم لعلهم لاحظوا أن هذا الموقف موقف عظيم، تتبين فيه مغفرة الله ورحمته للواقفين في عرفة فسموه بهذا الاسم، والأولى ألا يسمى بهذا الاسم، وليقال: جبل عرفة، أو الجبل الذي وقف عنده النبي صلى الله عليه وسلم، وما أشبه ذلك "
[الْمَصْدَرُ]
انتهى من دليل الأخطاء التي يقع فيها الحاج والمعتمر(5/4047)
تجاوز الميقات بدون إحرام لمن أراد الحج أو العمرة
[السُّؤَالُ]
ـ[رجلٌ قدم من بلده إلى جدة وهو يريد الحج والعمرة ولكنه لم يُحرم من الميقات بل أحرم في مطار جدة فما الحكم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ محمد ابن عثيمين – رحمه الله -:
عين النبي صلى الله عليه وسلم للإحرام أماكن مخصوصة يحرم منها من أراد الحج والعمرة ولا يحل له أن يتعداها حتى يحرم؛ لأن تعديها قبل الإحرام من تعدي حدود الله تعالى، وقد قال الله سبحانه: (ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون) البقرة / 229، وقال في آية أخرى: (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) الطلاق / 1.
وفي الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم (وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، وقال: هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن كان يريد الحج أو العمرة، ومن كان دون ذلك فمهله من أهله) رواه البخاري (1524) ومسلم (1181) .
وفيهما أيضا من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مُهَلُّ أهل المدينة من ذي الحليفة) رواه مسلم (1183) ، وهو خبر بمعنى الأمر لكنه صيغ بلفظ الخبر تأكيدا لتنفيذه.
وعن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل العراق ذات عرق) أخرجه أبو داوود (1739) وصححه الألباني في صحيح أبي داوود (1531)
وفي صحيح البخاري (1531) : (أن أهل الكوفة والبصرة أتوا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقالوا: يا أمير المؤمنين، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حد لأهل نجد قرنا، وهو جورٌ عن طريقنا وإنا إن أردنا قرنا شق علينا. قال: فانظروا حذوها من طريقكم) .
جور: أي مائل
فإحرام من أراد الحج أو العمرة واجب من هذه المواقيت إذا أتى عليها أو حاذاها، سواء أتى من طريق البر أو البحر أو الجو.
فإن كان من طريق البر نزل فيها إن مر بها أو فيما حاذاها إن لم يمر بها، وأتى بما ينبغي أن يأتي به عند الإحرام، من الاغتسال وتطييب بدنه ولبس ثياب إحرامه، ثم يحرم قبل مغادرته.
وإن كان من طريق البحر، فإن كانت الباخرة تقف عند محاذاة الميقات اغتسل وتطيب ولبس ثياب إحرامه حال وقوفها، ثم أحرم قبل سيرها، وإن كانت لا تقف عند محاذاة الميقات اغتسل وتطيب ولبس ثياب إحرامه قبل أن تحاذيه، ثم يحرم إذا حاذته.
وإن كان من طريق الجو، اغتسل عند ركوب الطائرة وتطيب ولبس إحرامه قبل محاذاة الميقات، ثم أحرم قبيل محاذاته، ولا ينتظر حتى يحاذيه؛ لأن الطائرة تمر به سريعة فلا تعطي فرصة، وإن أحرم قبله احتياطا فلا بأس.
[الْمَصْدَرُ]
دليل الأخطاء التي يقع فيها الحاج والمعتمر.(5/4048)
أخطاء تقع في الإحرام بالحج يوم التروية
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان اليوم الثامن (يوم التروية) نلاحظ أمرين على بعض الناس:
1- أنهم يحرمون للحج من المسجد الحرام.
2- أنهم لا يُحرمون بملابس الإحرام التي أحرموا بها في العمرة.
فهل هذا العمل صواب أم خطأ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه من الأخطاء التي تقع في إحرام الحج وسنتناولها بشيء من التفصيل:
قال الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله:
" من الأخطاء التي تقع في إحرام الحج يوم التروية ما يلي:
أولا:
بعض الناس يعتقد أنه يجب أن يحرم من المسجد الحرام، فتجده يتكلف ويذهب إلى المسجد الحرام ليحرم منه، وهذا ظن خطأ؛ فإن الإحرام من المسجد الحرام لا يجب، بل السنة أن يحرم بالحج من مكانه الذي هو نازل فيه، لأن الصحابة الذين حلوا من العمرة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم ثم أحرموا بالحج يوم التروية، لم يأتوا إلى المسجد الحرام ليحرموا منه؛ بل أحرم كل إنسان منهم من موضعه، وهذا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون هذا هو السنة، فالسنة للمحرم بالحج أن يكون إحرامه من المكان الذي هو نازل فيه، سواء كان في مكة أو في منى، كما يفعله بعض الناس الآن حيث يتقدمون إلى منى من أجل حماية الأمكنة لهم.
ثانياً:
أن بعض الحجاج يظن أنه لا يصح أن يحرم بثياب الإحرام التي أحرم بها في عمرته إلا أن يغسلها وهذا ظن خطأ أيضا لأن ثياب الإحرام لا يشترط أن تكون جديدة أو نظيفة، صحيح أنه كلما كانت أنظف فهو أولى، وأما أنه لا يصح الإحرام بها لأنه أحرم بها في العمرة، فإن هذا ظن ليس بصواب. هذا ما يحضرني الآن بالنسبة للأخطاء التي يرتكبها بعض الحجاج في الإحرام بالحج ".
[الْمَصْدَرُ]
انتهى من كتاب دليل الأخطاء التي يقع فيها الحاج والمعتمر(5/4049)
أخطاء تقع في الذهاب إلى عرفة وفي عرفة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الأخطاء التي يرتكبها بعض الحجاج يوم عرفة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ محمد بن عثيمين – رحمه الله -:
" ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مكث يوم عرفة بنمرة (وهو موضع قبل عرفة) حتى زالت الشمس (وهو أول وقت الظهر) ، ثم ركب، ثم نزل في بطن وادي عرنة (وهو واد بين نمرة وعرفات) ، فصلى الظهر والعصر ركعتين ركعتين جمع تقديم، بأذان واحد وإقامتين، ثم ركب حتى أتى موقفه فوقف، وقال: وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف، فلم يزل واقفا مستقبل القبلة رافعًا يديه يذكر الله ويدعوه حتى غربت الشمس وغاب قرصها فدفع إلى مزدلفة.
ومن الأخطاء التي يرتكبها الحجاج في عرفة ما يلي:
الأول:
أن الحجاج يمرون بك ولا تسمعهم يلبون، فلا يجهرون بالتلبية في مسيرهم من منى إلى عرفة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة في يوم العيد.
الثاني:
ومن الأخطاء العظيمة الخطيرة أن بعض الحجاج ينزلون خارج عرفة، ويبقون في منزلهم حتى تغرب الشمس، ثم ينطلقون منه إلى مزدلفة، وهؤلاء الذين وقفوا هذا الموقف ليس لهم حج، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " الحج عرفة " رواه الترمذي (889) وصححه الألباني في إرواء الغليل (1064) . فمن لم يقف في عرفة في المكان الذي هو منها، وفي الزمان الذي عين للوقوف بها فإن حجه لا يصح للحديث الذي أشرنا إليه، وهذا أمر خطير.
وقد جُعلت علامات واضحة لحدود عرفة لا تخفى إلا على رجل مفرط متهاون، فالواجب على كل حاج أن يتفقد الحدود حتى يعلم أنه وقف في عرفة لا خارجها.
ويا حبذا لو أن القائمين على الحجِّ أعلنوا للناس بوسيلة تبلغ جميعهم، وبلغات متعددة، وعهدوا إلى المُطَوّفين بتحذير الحُجّاج من ذلك، ليكون الناس على بصيرة من أمرهم، ويُؤَدُّوا حجَّهم على الوجه الذي تبرأ به الذِّمةُ.
الثالث:
أن بعض الناس إذا اشتغلوا بالدعاء في آخر النهار، تجدهم يتجهون إلى الجبل الذي وقف عنده رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أن القبلة تكون خلف ظهورهم أو عن أيمانهم أو عن شمائلهم، وهذا أيضًا جهل وخطأ؛ فإن المشروع في الدعاء يوم عرفة أن يكون الإنسان مستقبل القبلة، سواء كان الجبل أمامه أو خلفه، أو عن يمينه أو عن شماله، وإنما استقبل النبي صلى الله عليه وسلم الجبل؛ لأن موقفه كان خلف الجبل، فكان صلى الله عليه وسلم مستقبل القبلة، وإذا كان الجبل بينه وبين القبلة فبالضرورة سيكون مستقبلا له.
الرابع:
أن بعضهم يظن أنه لا بد أن يذهب الإنسان إلى موقف الرسول صلى الله عليه وسلم الذي عند الجبل ليقف هناك، فتجدهم يتجشَّمون المصاعب، ويركبون المشاق، حتى يصلوا إلى ذلك المكان، وربما يكونون مشاة جاهلين بالطرق فيعطشون ويجوعون إذا لم يجدوا ماء وطعاما، ويضلُّون في الأرض، ويحصل عليهم ضرر عظيم بسبب هذا الظن الخاطئ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف ".
وكأنه صلى الله عليه وسلم يشير إلى أنه: ينبغي للإنسان ألا يتكلف ليقف في موقف النبي صلى الله عليه وسلم، بل يفعل ما تيسر له، فإن عرفة كلها موقف.
الخامس:
أن بعض الناس يعتقدون أن الأشجار في عرفة كالأشجار في منى ومزدلفة، أي: لا يجوز للإنسان أن يقطع منها ورقة أو غصنًا أو ما أشبه ذلك؛ لأنهم يظنون أن قطع الشجر له تعلق بالإحرام كالصيد، وهذا ظن خاطئ، فإن قطع الشجر لا علاقة له بالإحرام، وإنما علاقته بالمكان، فما كان داخل حدود الحرم - أي: داخل الأميال - من الأشجار فهو محترم، لا يعضد ولا يقطع منه ورق ولا أغصان، وما كان خارجًا عن حدود الحرم فإنه لا بأس بقطعه ولو كان الإنسان محرما، وعلى هذا فقطع الأشجار في عرفة لا بأس به ... ، (وأما الأشجار التي غرسها الناس فلا يشملها تحريم قطع الشجرة من أجل الحرم، ولكنها قد يحرم قطعها بسبب آخر وهو الاعتداء على حق من غرسها، وعلى حق الحجاج أيضاً إذا كانت إنما غرست من أجل أن تلطف الجو ويستظل بها الناس من حر الشمس.
وعلى هذا فالأشجار المغروسة بعرفة لا يجوز قطعها لا من أجل الحرم وإنما لأن قطعها اعتداء على حق المسلمين عموماً) .
السادس:
أن بعض الحجاج يعتقدون أن للجبل الذي وقف عنده النبي صلى الله عليه وسلم قدسية خاصة، ولهذا يذهبون إليه، ويصعدونه، ويتبركون بأحجاره وترابه، ويعلقون على أشجاره قصاصات الخرق، وغير ذلك مما هو معروف، وهذا من البدع، فإنه لا يشرع صعود الجبل ولا الصلاة فيه، ولا أن تعلق قصاصات الخرق على أشجاره؛ لأن ذلك كله لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل فيه شيء من رائحة الوثنية، فإن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ على شجرة للمشركين يعلقون بها أسلحتهم، فقال من معه: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الله أكبر، إنها السنن، لتركبن سنَن من كان قبلكم، قلتم- والذي نفسي بيده- كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اجعل لنا إلها كما لهم آلهة. رواه الترمذي (2180) وحسنه الألباني في صحيح السنة للابن أبي عاصم.
وذا الجبل ليس له قدسية، بل هو كغيره من الروابي التي في عرفة، والسهول التي فيها، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم وقف هناك، فكان المشروع أن يقف الإنسان في موقف الرسول صلى الله عليه وسلم إن تيسر له، وإلا فليس بواجب، ولا ينبغي أن يتكلف الإنسان الذهاب إليه لما سبق.
السابع:
أن بعض الناس يظن أنه لا بد أن يصلي الإنسان الظهر والعصر مع الإمام في المسجد، ولهذا تجدهم يذهبون إلى ذلك المكان من أماكن بعيدة ليكونوا مع الإمام في المسجد، فيحصل عليهم من المشقة والأذى والتيه ما يجعل الحج في حقهم حرجا وضيقا، ويضيق بعضهم على بعض، ويؤذي بعضهم بعضا، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الوقوف: " وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف "، وقال صلى الله عليه وسلم أيضا: " جُعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ". فإذا صلى الإنسان في خيمته صلاة يطمئن فيها بدون أذى عليه ولا منه، وبدون مشقة تلحق الحج بالأمور المحرجة، فإن ذلك خير وأولى.
الثامن:
أن بعضهم يخرج من عرفة قبل أن تغرب الشمس، فيدفع منها إلى المزدلفة، وهذا خطأ عظيم، وفيه مشابهة للمشركين الذين كانوا يدفعون من عرفة قبل غروب الشمس، ومخالفة للرسول صلى الله عليه وسلم الذي لم يدفع من عرفة إلا بعد أن غابت الشمس وذهبت الصفرة قليلا، كما جاء في حديث جابر رضي الله عنه.
وعلى هذا فإنه يجب على المرء أن يبقى في عرفة داخل حدودها حتى تغرب الشمس؛ لأن هذا الوقوف مؤقت بغروب الشمس، فكما أنه لا يجوز للصائم أن يفطر قبل غروب الشمس، فلا يجوز للواقف بعرفة أن ينصرف منها قبل أن تغرب الشمس.
التاسع:
إضاعة الوقت في غير فائدة، فتجد الناس من أول النهار إلى آخر جزء منه وهم في أحاديث قد تكون بريئة سالمة من الغيبة والقدح في أعراض الناس، وقد تكون غير بريئة لكونهم يخوضون في أعراض الناس ويأكلون لحومهم، فإن كان الثاني فقد وقعوا في محظورين:
أحدهما: أكل لحوم الناس وغيبتهم، وهذا خلل حتى في الإحرام؛ لأن الله تعالى يقول: {فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج} .
والآخر: إضاعة الوقت.
أما إن كان الحديث بريئا لا يشتمل على محرم ففيه إضاعة الوقت، لكن لا حرج على الإنسان أن يشغل وقته بالأحاديث البريئة فيما قبل الزوال، وأما بعد الزوال وصلاة الظهر والعصر فإن الأولى أن يشتغل بالدعاء والذكر وقراءة القرآن، وكذلك الأحاديث النافعة لإخوانه إذا مل من القراءة والذكر، فيتحدث إليهم أحاديث نافعة؛ في بحث من العلوم الشرعية أو نحو ذلك مما يدخل السرور عليهم، ويفتح لهم باب الأمل والرجاء لرحمة الله سبحانه وتعالى، ولكن لينتهز الفرصة في آخر ساعات النهار، فيشتغل بالدعاء ويتجه إلى الله عز وجل متضرعا إليه، مخبتا منيبا طامعا في فضله راجيا، لرحمته، ويلح في الدعاء، ويكثر من الدعاء الوارد في القرآن وفي السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن هذا خير الأدعية، وإن الدعاء في هذه الساعة حري بالإجابة "
[الْمَصْدَرُ]
انتهى من دليل الأخطاء التي يقع فيها الحاج والمعتمر(5/4050)
الأخطاء التي يقع فيها المُحرم
[السُّؤَالُ]
ـ[نأتي إلى جدة بالطائرة، فهل يجوز لنا أن نؤخر الإحرام بالحج حتى نصل إلى جدة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ محمد ابن عثيمين – رحمه الله -: "
من الأخطاء التي يقع فيها بعض الحجاج في الإحرام
الأمر الأول:
ترك الإحرام من الميقات، فإن بعض الحجاج ولا سيما القادمون بطريق الجو، يدعون الإحرام من الميقات حتى نزولهم إلى جدة، مع أنهم يمرون فوقه، وقد وقت النبي صلى الله عليه وسلم المواقيت لأهلها وقال: " هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن " رواه البخاري (1524) ومسلم (1181)
وثبت في صحيح البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه لما شكا إليه أهل العراق أن قرن المنازل التي وقتها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل نجد جَوْرٌ عن طريقهم، أي بعيدة ومائلة عن الطريق، قال رضي الله عنه: " انظروا إلى حذوها من طريقكم " أخرجه البخاري (1531) وهذا يدل على أن محاذاة الميقات كالمرور به، والذي يأتي محاذيا للميقات من فوق الطائرة كالمار به، فعليه أن يحرم إذا حاذى الميقات، ولا يجوز له أن يتعدى الميقات لينزل في جدة ويحرم منها.
والطريق لتصحيح هذا الخطأ أن يغتسل الإنسان في بيته أو في المطار، ويتأهب في الطائرة فيلبس ثوب الإحرام ويخلع ثيابه المعتادة، فإذا حاذى الميقات أحرم منه، فلبى بما يريد أن يحرم به من عمرة أو حج، ولا يحل له أن يؤخر ذلك إلى جدة، فإن فعل فقد أخطأ، وعليه عند جمهور أهل العلم فدية يذبحها في مكة، ويوزعها على الفقراء؛ لأنه ترك واجبا من الواجبات.
الأمر الثاني:
أن بعض الناس يعتقد أنه لا بد أن يحرم بالنعلين، وأنه إذا لم يكن النعلان عليه حين الإحرام، فإنه لا يجوز له لبسهما، وهذا خطأ، فإن الإحرام في النعلين ليس بواجب ولا شرط، فالإحرام ينعقد بدون أن يكون عليه النعلان، ولا يمنع إذا أحرم من غير نعلين أن يلبسهما فيما بعد؛ فله أن يلبس النعلين فيما بعد، وإن كان لم يحرم بهما، ولا حرج عليه في ذلك.
الأمر الثالث:
أن بعض الناس يظن أنه لا بد أن يحرم بثياب الإحرام، وتبقى عليه إلى أن يحل من إحرامه، وأنه لا يحل له تبديل هذه الثياب، وهذا خطأ؛ فإن الإنسان المحرم يجوز له أن يغير ثياب الإحرام لسبب أو لغير سبب، إذا غيرها إلى شيء يجوز لبسه في الإحرام.
ولا فرق في ذلك بين الرجال والنساء، فكل من أحرم بشيء من ثياب الإحرام وأراد أن يغيره فله ذلك، لكن أحيانا يجب عليه تغييره كما لو تنجس بنجاسة لا يمكن غسله إلا بخلعه، وأحيانا يكون تغييره أحسن إذا تلوث تلوثا كثيرا بغير نجاسة، فينبغي أن يغيره إلى ثوب إحرام نظيف.
وتارة يكون الأمر واسعا، إن شاء غير وإن شاء لم يغير. المهم أن هذا الاعتقاد غير صحيح، وهو أن يعتقد الحاج أنه إذا أحرم بثوب لا يجوز له خلعه حتى يحل من إحرامه.
الأمر الرابع:
أن بعض الناس يضطبعون بالإحرام من حين الإحرام، أي من حين عقد النية، والاضطباع أن يخرج الإنسان كتفه الأيمن ويجعل طرفي الرداء على كتفه الأيسر، فنرى كثيرا من الحجاج- إن لم يكن أكثر الحجاج- يضطبعون من حين أن يحرموا إلى أن يحلوا وهذا خطأ؛ لأن الاضطباع إنما يكون في طواف القدوم فقط، ولا يكون في السعي ولا فيما قبل الطواف.
الأمر الخامس:
اعتقاد بعضهم أنه يجب أن يصلي ركعتين عند الإحرام، وهذا خطأ أيضا؛ فإنه لا يجب أن يصلي الإنسان ركعتين عند الإحرام؛ بل القول الراجح الذي ذهب إليه أبو العباس شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، أنه لا يسن للإحرام صلاة خاصة؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فإذا اغتسل الإنسان ولبس ثياب الإحرام أحرم بدون صلاة، إلا إذا كان وقت صلاة مثل أن تكون صلاة الفريضة قد حان وقتها أو قرب وقتها، وهو يريد أن يمكث في الميقات حتى يصلي، فهنا الأفضل أن يكون إحرامه بعد الصلاة، أما أن يتعمد صلاة معينة في الإحرام، فإن القول الراجح أنه ليس للإحرام صلاة تخصه.
[الْمَصْدَرُ]
انتهى من كتاب دليل الأخطاء التي يقع فيها الحاج والمعتمر.(5/4051)
التلبية الجماعية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل السنة أن يلبي الحجاج بصون واحد، أو يلبي كل رجل بمفرده؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
التلبية بصوت جماعي لم يرد عن الصحابة رضي الله عنهم؛ بل قال أنس بن مالك: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم - يعني في حجة الوداع- فمنا المكبر، ومنا المهلل، ومنا الملبي. وهذا هو المشروع للمسلمين؛ أن يلبي كل واحد بنفسه، وألا يكون له تعلق بغيره.
والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4052)
الوقوف على الحجر الأسود وتعطيل الطواف
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الحجاج إذا جاء إلى هذا الخط الذي وضع علامة على ابتداء الطواف وقف طويلا فيضيق على إخوانه الطائفين ويؤذيهم. فما حكم الوقوف على هذا الخط والدعاء الطويل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرض هذا السؤال على الشيخ محمد ابن عثيمين – رحمه الله – فقال:
" الوقوف عند هذا الخط لا يحتمل وقوفا طويلا؛ بل يستقبل الإنسان الحجر ويشير إليه ويكبر ويمشي، وليس هذا موقفا يطال فيه الوقوف، لكني أرى بعض الناس يقفون ويقولون: نويت أن أطوف لله تعالى سبعة أشواط، طواف العمرة، أو تطوعا، أو ما أشبه ذلك، وهذا يرجع إلى الخطأ في النية، وأن التكلم بالنية في العبادات بدعة، لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه؛ فأنت تؤدي العبادة لله سبحانه وتعالى، وهو عالم بنيتك فلا يحتاج إلى أن تجهر بها "
[الْمَصْدَرُ]
انتهى من دليل الأخطاء التي يقع فيها الحاج والمعتمر(5/4053)
ابتداء الطواف من باب الكعبة
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الناس يبدأ الطواف من باب الكعبة، ولا يبدأ من الحجر الأسود فهل طوافه صحيح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ محمد ابن عثيمين – رحمه الله -:
" الذي يبتدئ من عند باب الكعبة ويُتم طوافه على هذا الأساس لا يعتبر متماً للطواف؛ لأن الله يقول: (وليطوفوا بالبيت العتيق) الحج / 29.
وقد بدأ النبي صلى الله عليه وسلم من الحجر الأسود وقال للناس: " لتأخذوا عني مناسككم " أخرجه مسلم (1297) .
وإذا ابتدأ الطواف من عند الباب أو من دون محاذاة الحجر الأسود ولو بقليل، فإن هذا الشوط الأول الذي ابتدأه يكون ملغياً؛ لأنه لم يتم، وعليه أن يأتي ببدله إن ذكر قريباً، وإلا فليُعِد الطواف من أوله. (والواجب عليه أن يبدأ من محاذاة الحجر الأسود) .
وقد وضع خط على الأرض محاذاة الحجر الأسود إلى آخر المطاف، ليكون علامة على ابتداء الطواف ونهايته، والناس من بعد وجود هذا الخط صار خطؤهم في هذه الناحية قليلا، لكنه يوجد من بعض الجهال، وعلى كل حال فعلى المرء أن ينتبه لهذا الخطأ، لئلا يقع في خطر عظيم من عدم تمام طوافه "
[الْمَصْدَرُ]
انظر دليل الأخطاء التي يقع فيها الحاج والمعتمر(5/4054)
حكم ذبح الهدي في غير مكة
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الحجاج يدفع نقودا لبعض المؤسسات الخيرية التي تتولى ذبح هديه وتوزيعه في شرق الأرض وغربها. فما حكم هذا العمل أثابكم الله؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرض هذا السؤال على الشيخ محمد ابن عثيمين – رحمه الله – فقال:
" هذا عمل خاطئ مخالف لشريعة الله، وتغرير بعباد الله عز وجل، وذلك أن الهدي محل ذبحه مكة، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما ذبح هديه بمكة، ولم يذبحه في المدينة ولا في غيرها من البلاد الإسلامية، والعلماء نصوا على هذا وقالوا: إنه يجب أن يذبح هدي التمتع والقران والهدي الواجب- لترك واجب - يجب أن يذبح في مكة، وقد نص الله على ذلك في جزاء الصيد، فقال تعالى: (يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة) فما قُيِّد في الشرع بأماكن معينة لا يجوز أن ينقل إلى غيرها، بل يجب أن يكون فيها، فيجب أن تكون الهدايا في مكة، وتوزع في مكة، وإن قدر أنه لا يوجد أحد يقبلها في مكة، وهذا فرض قد يكون محالا فإنه لا حرج أن تذبح في مكة، وتنقل لحومها إلى من يحتاجها من بلاد المسلمين، الأقرب فالأقرب، أو الأشد حاجة فالأشد "
[الْمَصْدَرُ]
انتهى من كتاب دليل الأخطاء التي يقع فيها الحاج والمعتر(5/4055)
زيارة جبل عرفة
[السُّؤَالُ]
ـ[يلتزم بعض الحجاج زيارة هذا الجبل قبل الحج أو بعده ويصلون في أعلاه، فما حكم زيارة هذا الجبل وما حكم الصلاة فيه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرض هذا السؤال على الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله فقال: " حكمه كما يعلم من القاعدة الشرعية، بأن كل من تعبد الله تعالى بما لم يشرعه الله فهو مبتدع، فُيعلَم من هذا أن قصد هذا الجبل للصلاة عليه أو عنده والتمسح به، وما أشبه ذلك مما يفعله بعض العامة بدعة، ينكر على فاعلها، ويقال له: لا خصيصة لهذا الجبل. إلا أنه يسن أن يقف الإنسان يوم عرفة عند الصخرات، كما وقف النبي صلى الله عليه وسلم، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف هناك عند الصخرات وقال: وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف.
وبناء على ذلك فلا ينبغي أيضا أن يشق الإنسان على نفسه في يوم عرفة، ليذهب إلى ذلك الجبل، فربما يضيع عن قومه، ويتعب بالحر والعطش، ويكون بهذا آثما، حيث شق على نفسه في أمر لم يوجبه الله عليه "
[الْمَصْدَرُ]
دليل الأخطاء التي يقع فيها الحاج والمعتمر(5/4056)
التلفظ بالنية في الحج والعمرة
[السُّؤَالُ]
ـ[بما أن التلفظ بالنية بدعة فما الحكمة من تلفظ النية في الحج والعمرة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
النية محلها القلب، والتلفظ بها بدعة، ولم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قد تلفظوا بالنية قبل أي عبادة.
والتلبية في الحج والعمرة ليست هي النية.
قال الشيخ ابن باز – رحمه الله -:
التلفظ بالنية بدعة، والجهر بذلك أشد في الإثم، وإنما السنَّة النيَّة بالقلب؛ لأن الله سبحانه وتعالى يعلم السرَّ وأخفى، وهو القائل عز وجل: {قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} الحجرات / 16.
ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحدٍ من أصحابه ولا عن الأئمة المتبوعين التلفظ بالنية، فعلم بذلك أنه غير مشروع بل من البدع المحدَثة، والله ولي التوفيق.
" فتاوى إسلامية " (2 / 315) .
قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله -:
التلفظ بالنية لم يرِد عن النبي صلى الله عليه وسلم لا في الصلاة ولا في الطهارة ولا في الصيام ولا في أي شيء من عباداته صلى الله عليه وسلم، حتى في الحج والعمرة لم يكن صلى الله عليه وسلم يقول إذا أراد الحج والعمرة " اللهم إني أريد كذا وكذا " ما ثبت عنه ذلك ولا أمَر به أحداً من أصحابه، غاية ما ورد في هذا الأمر أن ضباعة بنت الزبير رضي الله عنها شَكَت إليه أنها تريد الحج وهي شاكية " مريضة " فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم " حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني، فإن لكِ على ربِّك ما استثنيتِ " إنما كان الكلام هنا باللسان؛ لأن عقد الحج بمنزلة النذر، والنذر يكون باللسان؛ لأن الإنسان لو نوى أن ينذر في قلبه: لم يكن ذلك نذراً ولا ينعقد النذر، ولما كان الحج مثل النذر في لزوم الوفاء عند الشروع فيه أمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تشترط بلسانها وأن تقول: " إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني ".
وأما ما ثبت به الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مِن قوله: " إن جبريل أتاني وقال: صلِّ في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرة في حجة، أو عمرة وحجة ": فليس معنى ذلك أنه يتلفظ بالنية، ولكن معنى ذلك أنه يذكر نسكه في تلبيته، وإلا فالنبي عليه الصلاة والسلام ما تلفَّظ بالنية.
" فتاوى إسلامية " (2 / 216) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4057)
لا يحجّ المسلم عن غيره إلا بعد أن يحجّ عن نفسه
[السُّؤَالُ]
ـ[توفيت والدتي في أول شهر رمضان ولم تكن قد أدت فريضة الحج من قبل. ولذلك فإنني أنوي الحج عنها، علما بأنني لم أؤدِ فريضة الحج عن نفسي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أسأل الله تعالى أن يُثيبك على مشاعرك الطيبة تجاه والدتك وعلى حرصك على نفعها وبرّها بعد موتها، أما بالنسبة لسؤالك فإنّ المسلم إذا أراد أن يحجّ عن غيره فلا بدّ أن يكون قد حجّ عن نفسه أولا، والدليل على ذلك حديث ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ رَجُلا يَقُولُ لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ قَالَ مَنْ شُبْرُمَةُ قَالَ أَخٌ لِي أَوْ قَرِيبٌ لِي قَالَ حَجَجْتَ عَنْ نَفْسِكَ قَالَ لا قَالَ حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ رواه أبو داود في سننه: كتاب المناسك باب الرجل يحجّ عن غيره وهو حديث صحيح، نسأل الله أن يغفر لوالدتك وأن يُدخلها في رحمته والله وليّ المتقين.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/4058)
حج هو وامرأته ولم يتما حجهما بسبب قلقهما على ابنتهما المريضة
[السُّؤَالُ]
ـ[حججت أنا وزوجتي ووقفنا بعرفة حتى الساعة الثانية ظهراً وبسبب قلقنا على ابنتنا المريضة التي كانت برفقة الخادمة لم نكمل حجتنا، مع العلم أننا حججنا حجة الفريضة فماذا يجب علينا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب عليكم إتمام الحج، فانصرافكم قبل الليل عليكم فيه دم، وإذا تركتم المبيت في مزدلفة فعليكم دم آخر، وإذا تركتم المبيت في منى فعليكم دم ثالث، وإذا تركتم الرمي فعليكم دم رابع، وإذا تركتم طواف الوداع فعليكم كل واحد منكم دم خامس، وكذلك إذا لم تطوفوا طواف الحج ولم تؤدوا سعي الحج فإنه لا يتم حجّكم، وتبقون على إحرامكم وتحرم زوجتك عليك حتى تكمل حجتك بالطواف والسعي، وعليك أن تأتي بهذه الذبائح التي عليك حتى يتم بذلك حجك وحجّ امرأتك.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله.(5/4059)
حكم الإحرام فوق الميقات لمن كان في الطّائرة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل في طيارات خاصة بالقاعدة الجويّة، ويركب معنا ناس نوصلهم من منطقة إلى منطقة، وفي رحلة كانت متجهة إلى جدة، ركب معنا رجال متجهون إلى مكة، قالوا لنا: إذا وصلنا فوق الميقات قولوا لنا، فنسينا أن نخبرهم وما ذكرناهم، فلما بقي قليل على الوصول إلى جدة، ذَكَرْتُهم فسألت الكابتن، فقال: قل لهم: إنا الآن فوق الميقات، فهل عليهم شيء؟ وإذا عليهم شيء ماذا يفعلون؟ وعلى من الذنب؟ وشكرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إنّ النّبي صلّى الله عليه وسلّم حدّد المواقيت المكانيّة في حديث ابن عبّاس رضي الله عنهما بقوله: وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ - صلّى الله عليه وسلّم - لأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ، وَلأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ، وَلأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ. قَالَ «فَهُنَّ لَهُنَّ، وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، فَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ فَمِنْ أَهْلِهِ، وَكَذَا فَكَذَلِكَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا» . أخرجه البخاريّ برقم (1524) ، ومسلم برقم (1181) .
وقد أجمع الفقهاء على هذه المواقيت، وعلى أنّها لأهلها، ولمن أتى عليها.
ينظر: الإشراف لابن المنذر (3/177) ، ومراتب الإجماع (ص42) ، والاستذكار (11/76) ، والمغني (5/56) .
وعلى هذا فلا يجوز لمن يريد الحجّ أو العمرة أن يتجاوز الميقات المحدّد له، سواء كان من طريق البرّ أو البحر أو الجوّ؛ لأثر ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا – قَالَ: (لَمَّا فُتِحَ هَذَانِ الْمِصْرَانِ، أَتَوْا عُمَرَ فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدَّ لِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنًا، وَهُوَ جَوْرٌ عَنْ طَرِيقِنَا، وَإِنَّا إِنْ أَرَدْنَا قَرْنًا شَقَّ عَلَيْنَا؟ قَالَ: فَانْظُرُوا حَذْوَهَا مِنْ طَرِيقِكُمْ، فَحَدَّ لَهُمْ ذَاتَ عِرْقٍ) . أخرجه البخاريّ برقم (1531) .
فجعل عمر رضي الله عنه ميقات من لم يمرّ بالميقات محاذاته، ومن حاذاه جواً فهو كمن حاذاه براً.
فالواجب على من حاذى الميقات في الطّائرة أن يحرم، والأولى له أن يحرم قبل المحاذاة؛ لسرعة الطّائرة.
وينظر جواب السؤال رقم (4635) .
أمّا من سألت عنهم فالواجب عليهم أن يلبسوا الإحرام، ويُهلوا بالعمرة، أو الحج، وإن كانوا لابسين لملابس الإحرام، فما عليهم إلا أن يهلوا بالنسك، فور إخباركم لهم بالميقات، ولا شيء عليهم سوى ذلك، ما داموا لم يتعمدوا تجاوز الميقات بلا إحرام، بل لم يعلموا ـ أصلا ـ أنهم تجاوزوه من غير إحرام، وإنما ظنوا أن المكان الذي أحرموا منه هو ميقاتهم، بناء على خبركم.
وأما بالنسبة لكم، فقد كان الواجب عليكم أن تنبهوهم قبل وصول الميقات بزمن يكفي لاستعدادهم للإحرام، فهذه هي أمانتكم أنتم ومسؤوليتكم.
وحيث إنكم نسيتم ذلك، فليس عليكم إثم في هذا النسيان، لقول الله تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) البقرة/286.
وفي الحديث القدسي: قال الله تعالى: (قد فعلت) . رواه مسلم (126) .
وعَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) .
رواه ابن ماجة (2043) وصححه الألباني.
لكن المشكلة الكبيرة بالنسبة لكم هي أنه كان الواجب عليكم أن تعلموهم بحقيقة الحال، وأنكم قد تجاوزتم الميقات فعلا، وحينئذ كان يجب عليهم أن يؤخروا إحرامهم إلى أن ينزلوا من الطائرة، ثم يعودوا إلى الميقات فيحرموا منه.
فإن أحرموا، وقد علموا أنهم تجاوزوا الميقات: كان عليهم أن يذبحوا فدية.
والواقع أن الإثم الذي وقعتم فيه، أنت والكابتن، هو في غشكم لهم، وعدم إخبارهم بحقيقة الحال، وحيث إن الأمر لم يعد ممكنا تداركه: فالواجب عليك ـ أنت ومن شارك في ذلك ـ أن تتوبوا إلى الله تعالى من تدليسكم عليهم، خاصة والأمر يتعلق بصحة العبادة، وحدود الله فيها.
وينبغي عليكم ـ مع توبتكم إلى الله تعالى من ذلك ـ أن تحصوا عدد هؤلاء المعتمرين، ولو على وجه التقريب، وتذبحوا عن كل واحد منهما هديا، لأنكم أنتم الذين تسببتم في تعدي من معكم للميقات بدون إحرام، ثم قطعتم عليهم فرصة الرجوع لاستدراك ما فاتهم.
سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى عن جماعة ذهبوا للحج بالنقل الجماعي، ولم ينتبه السائق للميقات إلا بعد أن تجاوزه بمائة كيلو، فطالبه الركاب بالرجوع للميقات ليحرموا منه، فرفض العودة إليه، وواصل الرحلة حتى وصلوا إلى جدة فماذا يلزمهم؟
فأجاب:
" الواجب على السائق أن يتوقف عند الميقات ليحرم الناس منه؛ فإن نسي ولم يذكر إلا بعد مائة كيلو، كما قال السائل، فإن الواجب عليه أن يرجع بالناس حتى يحرموا من الميقات، لأنه يعلم أن هؤلاء يريدون العمرة أو يريدون الحج؛ فإذا لم يفعل وأحرموا من مكانهم، أي بعد تجاوز الميقات بمائة كيلو، فإن عليهم على كل واحد فدية يذبحها في مكة، ويوزعها على الفقراء، لأنهم تركوا واجباً من واجبات النسك، سواء في حج أو عمرة.
وفي هذه الحال لو حاكموا هذا السائل، لربما حكمت المحكمة عليه بغرم ما ضمنوه من هذه الفدية، لأنه هو الذي تسبب لهم في غرمها، وهذا يرجع إلى المحكمة؛ إذا رأى القاضي أن من المصلحة أن يقول للسائق: عليك قيمة الفدى التي ذبحها هؤلاء، لأنك أنت الذي اعتديت عليهم، والنسيان منك، أنت فرطت أولا، ثم اعتديت عليهم ثانيا بمنعهم من حق الرجوع ".
"مجموع فتاوى الشيخ" (21/368) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4060)
يعيش في جدة وأحرم للحج من مكة
[السُّؤَالُ]
ـ[أعيش في جدة وفي السنة الماضية أديت فريضة الحج أنا وزوجتي، لكننا قمنا بأداء العمرة قبل الحج بثمانية أيام، وأحرمنا من مسجد عائشة في مكة بدلاً من أن نحرم من منزلنا. فهل ما فعلناه صحيح، أم إن علينا فدية؟ وكيف، ولمن تقدم هذه الفدية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من كان من أهل جدة وأنشأ الحج أو العمرة منها فإنه يحرم منها؛ لأنها تعتبر داخل الميقات، فحكم أهلها حكم من جاوروا مكة، ممن هم دون المواقيت، يحرمون من حيث أنشأوا النية.
وذلك لما رواه البخاري (1526) ومسلم (1181) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:
" وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلِأَهْلِ الشَّأْمِ الْجُحْفَةَ وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ، فَهُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ لِمَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، فَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ فَمُهَلُّهُ مِنْ أَهْلِهِ، وَكَذَاكَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا ".
قال سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله:
" الواجب على المعتمر ... الإحرام من الميقات الذي يمر عليه حين قدومه إلى مكة، إن كان خارج المواقيت.
أما إن كان داخل المواقيت كأهل جدة وأم السلم وبحره ولزيمة والشرائع ونحوها، فإنه يلزمه الإحرام من محله الذي أنشأ فيه نية الدخول في الحج أو العمرة " انتهى.
"فتاوى إسلامية" (2/690)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" الذي قصد أن يعتمر، وهو من أهل جدة: فيجب أن يحرم من جدة ولا يؤخر " انتهى.
"لقاء الباب المفتوح" (121/24) .
وعلى ما تقدم: كنت تقصد بالإحرام من مسجد عائشة: الإحرام بالعمرة التي قمتما بأدائها قبل الحج، فقد تجاوزتما الميقات الذي يلزمكما الإحرام منه، وهو مكان إقامتكما: جدة.
والأحوط لكما: أن تذبحا، عن كل واحد منكما شاة، تذبح في مكة، ويوزع لحمها على الفقراء، ولا يأكل منه شيئا.
قال ابن عثيمين:
" إذا أحرم الإنسان لحجٍ أو عمرة من غير الميقات الذي عينه الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فالإحرام لازم وصحيح، والحج والعمرة صحيحان، لكن العلماء يقولون: إن إيقاع الإحرام من الميقات من واجبات الحج أو العمرة، وأن من ترك واجباً من واجبات الحج أو العمرة فعليه فدية يفدي بها ليجبر هذا النقص، تذبح في مكة وتوزع على الفقراء ولا يأكل منها شيئاً، ثم إن لم يستطع فبعضهم قال: يصوم عشرة أيام، وبعضهم قال: لا شيء عليه. والصحيح: أنه لا شيء عليه إذا لم يستطع؛ لأنه ليس هناك دليل صحيح على أن من عجز عن فدية ترك الواجب أن يصوم عشرة أيام ".
"لقاء الباب المفتوح" (175/14)
وأما إن كان الإحرام الذي وقع منكما في مسجد عائشة، هو إحرامكما للحج، بعد أداء العمرة، وكان إحرامكما للعمرة من جدة: فلا شيء عليكما في ذلك، مع أن إحرامكما بالحج إنما يجب من حيث تنزلون، في مكة، أو في غيرها، من غير حاجة إلى الخروج إلى مسجد عائشة، أو إلى غيره من الحل.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4061)
مزيد من الإيضاح في حكم نظر الكافرة إلى المسلمة
[السُّؤَالُ]
ـ[قلت بأن الكافرات يجوز لهن أن ينظرن إلى المسلمة بدون حجاب, وأنا لست مقتنعة بعد لأنك ذكرت حديثا واحدا أن عائشة رضي الله عنها ظهرت أمام يهودية. أرجو أن تتوسع في توضيح الموضوع حيث أن أقاربي بحكم الزوجية هم من الكفار.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فحرصك أيتها السائلة على الحشمة والاحتشام في الملبس حتى أمام الكافرات مما يستحق الإشادة والشكر خاصة في زمن قل فيه الحياء، وضعفت فيه الغيرة.
وأما ما يتعلق بمسألة نظر الكافرة إلى ما يظهر عادةً من المسلمة فهذه المسألة اختلف فيها العلماء قديماً وحديثاً، وتجدين في السؤال (2198) ملخصاً لأقوال العلماء وأدلة كل قول، وستلحظين أن من قال بجواز نظر الكافرة إلى المسلمة دون حجاب؛ لديهم أكثر من دليل على ذلك.
ولكن مما تجدر الإشارة إليه ما يلي:
1- أن المسلم الصادق إذا ثبت عنده الدليل الصحيح في أي مسألة شرعية، وكانت دلالته على المسألة ظاهرةً واضحةً لزمه العمل به، ولا يلزم وجود دليلين أو أكثر في كل مسألة.
2- أن المرأة الكافرة إذا كانت غير مأمونة فخُشِي منها أن تصف المرأة المسلمة أو تسيء إلى عرضها لزم المسلمة التحرز منها بالحجاب أو بالامتناع عن مجالستها ونحو ذلك.
3- أن القول باحتجاب المرأة المسلمة عن الكافرات قول معتبر وله وجه من الصحة، وقد قال به كثير من السلف؛ فلو رغبت المسلمة أن تحتاط لدينها وتعمل بهذا القول فلها ذلك، ويرجى لها الخير لتورِّعها، وحرصها على البعد عن الشبهات. لكن لا ينبغي لها أن تنكر على من خالفها في ذلك مادامت المسألة محل اجتهاد ونظر بين العلماء. وخصوصاً إذا أمنت الفتنة من هذه الكافرة.
4- ينبغي للنساء ألا يتوسعن في التكشف أمام محارمهن أو النساء المسلمات فضلاً عن الكافرات، بل لا يُظهرن إلا ما ينكشف في العادة من اليدين والساقين والرقبة والشعر، (والحياء شعبة من الإيمان) وفي السؤال (6596) مزيد من التوضيح والفائدة. والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/4062)
أتى جدة بنية الذهاب للمدينة والإحرام منها فمنع من الذهاب للمدينة وأحرم من جدة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا وزوجتي ذهبنا للحج الماضي. لم نلبس ملابس الإحرام حتى وصلنا إلى جدة بسبب أننا كنا نفترض أن نذهب إلى المدينة أولاً. لكن السلطات في جدة لم تسمح لنا بالذهاب إلى المدينة بسبب توقيت الحج. كان خمسة أيام قبل الحج. كانت نيتنا أن نلبس الإحرام من المدينة قبل أن نعود إلى جدة. هل يجب علينا أن نذبح، كلانا؟ وكيف علينا أن ندفع المال للذبيحتين من الولايات المتحدة الأمريكية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الأمر كما ذكرت من وصولكم جدة دون إحرام لعزمكم على الذهاب إلى المدينة أولا ثم الإحرام منها، وأن السلطات منعتكم من الذهاب إلى المدينة، فأحرمتم من جدة، فلا حرج عليكم؛ لأن ذهابكم إلى جدة أولا لم تكونوا قاصدين به الحج، فلم يلزمكم الإحرام من الميقات عند مروركم عليه، وإنما قصدتم الحج من سفركم من المدينة، فيلزمكم الإحرام من ميقاتها (ذو الحليفة) .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: رجل جاء من جدة ولم يحرم، أولاً ذهب إلى المدينة المنورة لزيارة المسجد النبوي، ثم أحرم من ميقات أهل المدينة، هل هذا صحيح؟
فأجاب: " لا بأس، يعني: لو أن الإنسان جاء من بلده قاصداً المدينة أولاً، ونزل في جدة، ثم سافر من جدة إلى المدينة، ثم رجع من المدينة محرماً من ميقات أهل المدينة فلا بأس " انتهى من " لقاء الباب المفتوح " (121/29) .
وحيث تعذر السفر إلى المدينة، وعزمتم على الحج فإنكم تحرمون من مكانكم، أي من جدة، وهذا ما فعلتم والحمد لله، فلا يلزمكم شيء.
ونسأل الله لنا ولكم القبول.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4063)
حكم من أحرم بعد تجاوز الميقات
[السُّؤَالُ]
ـ[ذهبت هذه السنة أنا وزوجي إلى الحج، كانت الرحلة متجهة من أبو ظبي إلى جدة، وكان كابتن الطائرة ليس مسلمًا، واخبرنا أنه خلال 45 دقيقة سوف نحاذي الميقات، وبعد انتهاء المدة لم يخبرنا بمحاذاة الميقات، وسمعنا أن ركاب الطائر بدؤوا بالتلبية، فهل يكون علينا دم أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن كنتم أحرمتم بعد تجاوز الميقات، فالواجب عليك أن تذبح شاة عن نفسك وأخرى عن زوجتك، تذبحان في مكة وتوزعان على المساكين هناك.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (22/140) :
" من جاوز الميقات غير محرم وجب عليه أن يرجع إليه ليحرم منه إن أمكنه، فإن رجع إليه فأحرم منه فلا دم عليه، وهذا باتفاق؛ لأنه أحرم من الميقات الذي أمر بالإحرام منه.
وإن تجاوز الميقات وأحرم فعليه دم، سواء رجع إلى الميقات أو لم يرجع، وهذا عند المالكية والحنابلة" انتهى.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: ما حكم تجاوز الميقات في الحج والعمرة؟
فأجاب:
" لا يجوز للمسلم إذا أراد الحج أو العمرة أن يتجاوز الميقات الذي يمر به إلا بإحرام.
فإن تجاوزه بدون إحرام لزمه الرجوع إليه والإحرام منه.
فإن ترك ذلك وأحرم من مكان دونه أو أقرب منه إلى مكة فعليه دم عند الكثير من أهل العلم، يذبح في مكة ويوزع بين الفقراء؛ لكونه ترك واجبا وهو الإحرام من الميقات الشرعي " انتهى باختصار.
"مجموع فتاوى ابن باز" (17/9) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ركبت الطائرة من الرياض إلى جدة بنية العمرة، ثم أعلن قائد الطائرة أنه بعد خمس وعشرين دقيقة سنمر فوق الميقات، ولكن غفلت عن زمن المرور فوق الميقات بمقدار أربع أو خمس دقائق، وأتممنا مناسك العمرة، فما الحكم يا فضيلة الشيخ؟
فأجاب:
"الحكم أنه على ما ذكره العلماء يلزم هذا السائل أن يذبح شاةً في مكة ويوزعها على الفقراء، فإن لم يجد فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
لكني أنصح الإخوة: أنه إذا أعلن القائد أنه بقي خمسةً وعشرين دقيقة أو عشر دقائق أن يحرموا؛ لأن بعض الناس ينام بعد هذا الإعلان ولا يشعر إلا وهو قريب من مطار جدة، وأنت إذا أحرمت قبل الميقات بخمس دقائق أو عشر دقائق أو ساعة أو ساعتين فلا عليك شيء، إنما المحذور أن تؤخر الإحرام حتى تتجاوز الميقات، والخمس الدقائق للطيارة تبلغ مسافة طويلة.
فأقول للأخ السائل: اذبح فدية في مكة ووزعها على الفقراء عن كل واحد منكم لم يحرم إلا بعد الميقات، لكن في المستقبل انتبهوا إذا أعلن قائد الطائرة فالأمر واسع أحرموا، حتى إذا نمتم بعد ذلك لم يضركم " انتهى.
"اللقاء الشهري" (رقم/56، سؤال رقم/4) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4064)
يعمل في الرياض وله منزل في خليص فمن أين يحرم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[نويت الحج هذا العام إن شاء الله وسؤالي بالتحديد من أين أقوم بالإحرام؟ حيث إني أعمل بالرياض وأسكن أنا وزوجتي في شقة إيجار , وفي الإجازات مثل إجازة الحج وإجازة عيد الفطر دائما أتوجه إلى منطقتنا خليص في الغربية قرب مكة وأسكن في بيتي الذي أملكه فهل أحرم من بيتي في خليص حيث لا أمر بأي ميقات أو أحرم من أي ميقات أم ماذا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من له سكنان أحدهما خارج الميقات والثاني دون الميقات، وأراد السفر إلى مكة لأداء المناسك فله أن يحرم من البعيد أو القريب، والأولى أن يحرم من البعيد.
قال ابن قدامه رحمه الله:
"إذا كان للمتمتع قريتان، قريبة بعيدة ... له أن يحرم من القريبة ... وقال القاضي: له حكم القرية التي يقيم بها أكثر" انتهى من "المغني" (3/246) .
وهذا الذي اختاره القاضي هو مذهب الشافعية.
قال في تحفة المحتاج (4/151) : "ومن له مسكنان قريب من الحرم وبعيد عنه اعتبر ما مقامه به أكثر" انتهى.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله:
أنا طلب أدرس في المنطقة الشرقية وأهلي في جدة وأريد الحج فمن أين أحرم؟ هل من قرن المنازل أو من سكني في جدة؟
فأجاب: "أنت مخير ما دمت من سكان جدة دون الميقات وإذا أحرمت من قرن المنازل فهو أفضل وأولى، لكونك وافداً، وأخذت بالأكمل والأحوط، وإن أنت قصدت أهلك ثم أحرمت منهم فلا بأس" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (17/54) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4065)
من تجاوز الميقات ونسي أن يحرم وجب عليه الرجوع إلى ميقاته
[السُّؤَالُ]
ـ[شخص ذهب للعمرة بالطائرة وأعلن قائد الطائرة أن محاذاة الميقات ستكون بعد ثلث ساعة ولكنه نام ولم يستيقظ إلا في المطار فذهب إلى السيل وأحرم من هناك وأتى بعمرته فهل عليه شيء أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا كان هذا من أهل الرياض وذهب إلى السيل وأحرم فلا شيء عليه؛ لأنه أحرم من ميقاته، وأما إذا كان جاء من المدينة فالواجب أن يذهب إلى ميقات أهل المدينة ويحرم منه، فإن أحرم من السيل فعليه فدية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما وقت المواقيت قال: (هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن) فتجاوز ميقات أهل المدينة لمن مر به من غيرهم، كتجاوز أهل نجد ميقات أهل نجد وهم لم يحرموا" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (21/309) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4066)
نسي أن يحرم في الطائرة فهل يعود إلى الميقات ليحرم منه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[من نسي الإحرام أو انشغل عنه في الطائرة حتى تجاوز الميقات فلم يحرم وأراد الرجوع بالسيارة إلى الميقات الذي تجاوزه فهل يجوز له ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"نعم، يجوز، والقاعدة: إذا تجاوز الإنسان الميقات وقد أراد الحج أو العمرة ولم يحرم منه، فإن أحرم من مكانه الذي دون الميقات لزمه الدم، وإذا رجع إلى الميقات وأحرم منه فلا شيء عليه.
وبناء على ذلك لو فرضنا أنه ركب طائرة من مطار القصيم وهو يريد العمرة، ثم نزل إلى جدة قبل أن يحرم، نقول له: إما تذهب إلى السيل الكبير وتحرم منه، وإن أحرمت من جدة فعليك دم" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (21/302) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وحواب(5/4067)
تجاوز السائق الميقات ورفض أن يعود إليه
[السُّؤَالُ]
ـ[ذهبنا إلى العمرة بالباص، ولم ينتبه السائق للميقات إلا بعد تجاوزه بمائة كيلو، فرفض العودة إليه وواصل الرحلة حتى وصلت جدة. فماذا علينا والحال هكذا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الواجب على السائق أن يتوقف عند الميقات ليحرم الناس منه، فإن نسي ولم يذكر إلا بعد مائة كيلو كما قال السائل فإن الواجب عليه أن يرجع بالناس حتى يحرموا من الميقات؛ لأنه يعلم أن هؤلاء يريدون العمرة أو يريدون الحج. فإذا لم يفعل وأحرموا من مكانهم، أي بعد تجاوز الميقات بمائة كيلو فإن على كل واحد فدية يذبحها في مكة ويوزعها على الفقراء؛ لأنهم تركوا واجباً من واجبات النسك سواء في حج أو عمرة.
وفي هذه الحال لو حاكموا هذا السائق لربما حكمت المحكمة عليه بغرم ما ضمنوه من هذه الفدية لأنه هو الذي تسبب لهم في غرمها، وهذا يرجع إلى رأي القاضي إذ يمكنه أن يلزم السائق بقيمة الفدية التي دفعها هؤلاء، لأنه فرط في حقهم بنسيانه، ثم اعتدى عليهم بمنعهم من حق الرجوع للإحرام" انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
"فتاوى علماء البلد الحرام" (ص 218) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4068)
من سكان الجبيل وله أهل بمكة فمن أين يحرم بالحج؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا من سكان الجبيل وأريد الحج مفردا وعندي أهل في مكة وأريد الذهاب إليهم ثاني يوم في الشهر قبل بدء الحج فهل لابد من الإحرام من الميقات السيل الكبير؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان مقامك واستقرارك في الجبيل، وعزمت على الحج وأنت به، فيلزمك الإحرام من الميقات، وهو قرن المنازل (وادي السيل) ؛ لما روى البخاري (1524) ومسلم (1181) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: (إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلِأَهْلِ الشَّأْمِ الْجُحْفَةَ، وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ، وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ، هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ، حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ) .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: رجل من أهل جدة سكن في الجبيل ويريد الحج متمتعا فمن أين يحرم للعمرة؟ هل يحرم من الميقات أو من بيت أهله في جدة؟ وإذا كان اليوم الثامن من ذي الحجة فمن أين يحرم بالحج؟ وهل يلزمه أن يرجع للميقات فيحرم منه؟
فأجاب: " إذا كان الإنسان من أهل جدة وكان يعمل في بلاد أخرى كالجبيل أو الظهران أو الرياض وغيرها فإنه إذا أراد الحج يحرم من أول ميقات يمر به، يحرم بالعمرة، فإذا كان في اليوم الثامن أحرم من جدة، ولا يلزمه أن يأتي الميقات مرة أخرى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقت المواقيت وقال: (من كان دون ذلك فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة) فيكون جواب هذا السؤال: أن السائل يجوز له إذا حل من عمرته أن يذهب إلى أهله في جدة فإذا كان اليوم الثامن أحرم مع أهله أو أحرم بنفسه من جدة وخرج إلى منى " انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (21/327) .
وسئل أيضا رحمه الله: رجل متزوج ويسكن مع زوجته وأولاده في الرياض، وأمه وأبوه في جدة فما الحكم؟
فأجاب: "هذا إذا جاء إلى جدة فهو مسافر، فهنا إذا أراد أن يذهب إلى أهله للزيارة، وهو مريد أن يعتمر نقول: لابد أن تحرم من الميقات؛ لأن وطنك الرياض، أما جدة فهي وطن أبيه وأمه، ولهذا لو كان في رمضان فله أن يفطر إذا سافر إلى مقر أبيه وأمه وهو ساكن في بلد آخر " انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (21/329) .
وأنت مخير بين أن تحرم بالحج مفردا، وتظل على إحرامك إلى أن تتحلل يوم النحر، وبين أن تحرم بالعمرة متمتعا بها إلى الحج، وهذا أفضل وأيسر، فإذا فرغت من عمرتك حللت من إحرامك، ثم إذا كان اليوم الثامن أحرمت بالحج من مكانك في مكة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4069)
متى يحرم راكب الطائرة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أريد الحج هذه السنة بإذن الله وأريد أن أسافر من الرياض إلى جدة عن طريق الجو "بالطائرة" فمتى أحرم بالضبط؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ميقاتك في هذه الحالة هو (قرن المنازل) ويسمى الآن (السيل الكبير) .
ويجب الإحرام من الميقات لمن مَرَّ به، فإن لم يمر به وجب عليه الإحرام إذا حاذاه براً أو بحراً أو جواً. فيجب عليك أن تحرم إذا حاذيت الميقات بالطائرة، ونظراً لأن الطائرة تمر على الميقات بسرعة فلا بأس أن تحرم قبله بقليل احتياطاً.
قال الشيخ بن جبرين:
ومن لم يكن في طريقه ميقات: أحرم إذا حاذى أقربها إليه سواء كان طريقه برّاً أو بحراً أو جوّاً ويحرم راكب الطائرة إذا حاذى الميقات أو يحتاط قبله حتى لا يجاوزه قبل إحرامه، فمن أحرم بعد ما جاوز الميقات فعليه دم جبران، والله أعلم اهـ
" فتاوى إسلامية " (2 / 198) .
ومن فتاوى اللجنة الدائمة:
جدة ليست ميقاتاً لحج أو عمرة إلا للمستوطنين أو المقيمين بها، وكذا من وصل إليها لحاجة غير عازم على حج أو عمرة، ثم بدا له أن يحج أو يعتمر. أما من كان له ميقات قبلها كذي الحليفة بالنسبة لأهل المدينة وما وراءها، أو حاذاها براً أو جواً، وكالجحفة لأهلها ومن حاذاها براً أو بحراً أو مر بها جواً، وكيلملم كذلك، فإنه يجب عليه أن يحرم من ميقاته أو مما يحاذيه جواً أو بحراً أو براً اهـ. "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/130) .
والدليل على الإحرام مما يحاذي الميقات ما أخرجه البخاري (1458) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لما فُتح هذا المصران – يعني: الكوفة والبصرة - أتَوا عمر فقالوا: يا أمير المؤمنين إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدَّ لأهل نجد قرناً وهو جورٌ عن طريقنا، وإذا أردنا قرناً شق علينا قال: فانظروا حذوها من طريقكم فحدَّ لهم ذات عرق.
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (3/389) :
" فانظروا حذوها " أي: اعتبروا ما يقابل الميقات من الأرض التي تسلكونها من غير مَيل فاجعلوه ميقاتاً اهـ
وينبغي أن يعلم أنه ليس من السنة أن يحرم الإنسان قبل الميقات، لأنَّ هذا لم يفعله النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وخير الهدي هدي محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلا إذا كان الرجل في طائرة فلا يتمكن من الوقوف عند محاذاة الميقات فهذا يحتاط بما يغلب على ظنه أنه لن يتجاوز الميقات إلا وهو محرم.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
فلم يُنقل عن أحدٍ ممن حجَّ مع النَّبي صلى الله عليه وسلم أنه أحرم قبل ذي الحليفة، ولولا تعين الميقات لبادروا إليه لأنه يكون أشق فيكون أكثر أجراً. "فتح الباري" (3 / 387) .
والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4070)
هل لها أن تأتي جدة دون إحرام ثم ترجع إلى ميقاتها فتحرم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة قادمة من مصر إلى السعودية يوم 7/12/1428 وتريد الحج إلا أنها تريد جدة قبل الحج للقاء زوجها القادم من جنوب المملكة: والسؤال: ما الحكم لو حصلت هناك عشرة زوجية (في جدة) ما الأحكام المترتبة على ذلك؟ السؤال الثاني: من أين تحرم يوم التروية للذهاب إلى الحج؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الأمر كما ذكرت، فأمامها خياران، تفعل الأنسب لها:
الأول وهو الأفضل: أن تحج متمتعة، فتنوي العمرة عند مرورها بالميقات، وتأتي جدة وهي محرمة فلا يعاشرها زوجها، ثم تذهب إلى مكة، فإذا فرغت من عمرتها قصرت من شعرها، وتحللت، وجاز لزوجها معاشرتها إذا لم يكن محرما. ثم في اليوم الثامن (يوم التروية) تحرم بالحج من مكانها سواء كانت في مكة أو جدة.
الثاني: أن تأتي جدة من مصر دون إحرام، ولزوجها معاشرتها في هذه الحالة ما لم يكن محرماً، ثم إذا أرادت الحج ذهبت إلى ميقاتها، [رابغ] لتحرم منه بالحج.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: من تجاوز الميقات عالماً عامداً لكنه أراد الراحة، مثلاً: تجاوز ميقات قرن إلى الشرائع؛ ليرتاح عند أقربائه، ثم يرجع إلى الميقات ويحرم منه، وهو يريد نسكاً، هل يأثم بهذا التجاوز أم أن الأمر فيه سهولة؟
الجواب: "لا، الأمر فيه سهولة، يعني: الأفضل ألا يتجاوز الميقات حتى يحرم، ويمكنه أن يستريح عند أقاربه وهو محرم، والناس لا يرون في هذا بأساً ولا خجلاً ولا حياء، لكن لو فعل، وقال: سأذهب أستريح الآن، وأرجع إلى الميقات وأحرم منه؛ فلا حرج.
السائل: تكون مدة أسبوع؟ الشيخ: ما هناك مانع أبداً، المهم أنه يتجاوز الميقات ونيته أن يرجع ويحرم منه. السائل: يلزمه أن يرجع إلى الميقات الذي تجاوزه. الشيخ: يلزمه أن يرجع إلى الميقات الذي تجاوزه. السائل: بعُد أم قرُب؟ الشيخ: سواء بعد أم قرب " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (93/26) .
وليعلم أن المُحْرم بحج أو عمرة يحرم عليه الجماع ومقدماته، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (11356) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4071)
لا يلزم من أراد الحج أو العمرة شيء إذا تجاوز الميقات ونسي أن يحرم ثم رجع إليه وأحرم
[السُّؤَالُ]
ـ[ذهبت للعمرة مؤخرا من الرياض. لقد لبست إحرامي وأنا في البيت ولم أنو، ظانا أني سأنوي وأنا في الطائرة قبل المرور بمحاذاة الميقات. وللأسف، فإني لم أسمع الإعلان عن الميقات في الطائرة ولم أتمكن من النية لأن الطائرة كانت قد تجاوزت الميقات. وقررت الذهاب لمكة. وعندما وصلت إلى مكة، خلعت إحرامي ولبست ملابسي العادية وسقت السيارة إلى قرن المنازل (القريبة من) الطائف. وارتديت إحرامي هناك مرة أخرى ونويت للعمرة ورجعت إلى مكة وأديت مناسك عمرتي. أرجو أن تخبرني ما إذا كانت قد أديت عمرتي بشكل صحيح، أم أن علي أن أدفع كفارة؟ وإذا كان علي دفع كفارة، فماذا علي أن أفعل. أرجو أن ترد علي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من تجاوز الميقات بغير إحرام فعليه أن يرجع إليه ليحرم من هناك فإذا نزل من الطائرة بجدة ركب سيارة إلى ميقات أهل نجد وأحرم منه، فإن أحرم من جدة وهو عازم على الحج والعمرة لزمه دم جبران عن تجاوز الميقات.
فتوى الشيخ ابن جبرين
وانظر فتاوى مشابهة في كتاب فتاوى إسلامية 2/202
وأنت أيها السائل قد أصبت في رجوعك إلى الميقات وإحرامك من هناك، ولا يعتبر خلعك لملابس الإحرام موجباً للدَّم لأنك لم تُحرم أصلاً، فإن الإحرام هو نية الدخول في النسك لا لبس الإحرام، وبناء عليه فإن فعلك صحيح وليس عليك كفارة ولله الحمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/4072)
لا يجب الإحرام على من دخل مكة إلا إذا كان مريداً للنسك
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجب على من دخل مكة للعمل أن يحرم بالحج أو العمرة عند دخوله إليها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"من توجه إلى مكة ولم يرد حجا ولا عمرة؛ كالتاجر، والحطَّاب، والبريد ونحو ذلك فليس عليه إحرام إلا أن يرغب في ذلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر المواقيت: (هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة) ، فمفهومه أن من مر على المواقيت ولم يرد حجا ولا عمرة فلا إحرام عليه.
وهذا من رحمة الله بعباده وتسهيله عليهم، فله الحمد والشكر على ذلك، ويؤيد ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أتى مكة عام الفتح لم يحرم، بل دخلها وعلى رأسه المغفر؛ لكونه لم يرد حينذاك حجا ولا عمرة، وإنما أراد افتتاحها وإزالة ما فيها من الشرك" انتهى.
فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله.
"مجوع فتاوى ابن باز" (16/44، 45) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4073)
قدم إلى جدة غير ناوٍ للعمرة، ثم نوى العمرة وأحرم من جدة
[السُّؤَالُ]
ـ[حضرت من الأردن بالطائرة إلى جدة قاصداً مدينة بيشة، وليس بنيتي أداء العمرة ولا حتى الذهاب إلى مكة، ولكن تأخرت الطائرة إلى بيشة فجلست في جدة يومين، وعند ذلك قمت بالإحرام من جدة وتوجهت إلى مكة لأداء العمرة، فهل هذه العمرة صحيحة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"هذا الإحرام صحيح؛ لأنك أنشأته من جدة، ولم تنو العمرة قبل ذلك، ولا دم عليك فيه، والأصل في ذلك حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: وَقَّت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، قال: (فهن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن كان يريد الحج والعمرة، فمن كان دونهن فمهله من أهله وكذلك أهل مكة يهلون منها) متفق عليه. وما دل عليه عموم هذا الحديث من أن من أراد الإحرام بالعمرة فإنه يحرم من مكة ليس على ظاهره، فقد جاء ما يدل على أن من أراد الإحرام بالعمرة وهو بمكة فإنه يحرم من الحل، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم المُحَصَّب فدعا عبد الرحمن بن أبي بكر فقال: (اخرج بأختك من الحرم فتهل بعمرة ثم لتطف بالبيت، فإني أنتظركما هنا) قالت: فخرجنا، فأهللت ثم طفت بالبيت وبالصفا والمروة، فجئنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في منزله في جوف الليل فقال: (هل فرغت؟) قلت: نعم، فأَذَّن في أصحابه بالرحيل، فخرج فمر بالبيت فطاف به قبل صلاة الصبح ثم خرج إلى المدينة. متفق عليه.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/150، 151) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4074)
مسافر من المدينة إلى جدة بالطائرة فكيف يصنع في الإحرام بالعمرة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[من ركب الطائرة من المدينة إلى جدة وهو يريد العمرة، ماذا يفعل، هل يلبس الإحرام من مطار المدينة وينوي العمرة من حين ركوبه، أم ماذا يفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا أردت السفر بالطائرة من المدينة إلى مكة للعمرة فإنه يشرع لك أن تغتسل وتتوضأ وضوء الصلاة وتلبس إحرامك، وبعد إقلاع الطائرة من المطار تلبي بالعمرة، وذلك قبل مجاوزة ميقات أهل المدينة، وهو آبار علي.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/151، 152) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4075)
من أهل القنفدة ويدرس في جدة فمن أين يحرم للعمرة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب أدرس في مدينة جدة، وأسكن في القنفذة تبعد عنها 350 كم، وفي خلال يومي الخميس والجمعة أذهب إلى القنفذة. والسؤال: هل من السنة في إقامتي في القنفذة أن أقصر من الصلاة أم ماذا؟ وإذا أردت العمرة من جدة هل يجوز هذا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا أنشأت العمرة من جدة فأحرم من جدة، وإذا نويتها وأنت في القنفذة فإنك تحرم من ميقات أهل اليمن (السعدية) ، وليس لك أن تقصر الصلاة في بلدك؛ لأنها وطنك، بل عليك أن تصلي أربعاً، وهكذا في جدة عليك أن تصلي أربعاً عند جمهور العلماء؛ لأنك تنوي الإقامة أكثر من أربعة أيام.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/136) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4076)
ميقات أهل اليمن والجنوب إذا جاؤوا من طريق الساحل
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو إفادتي عن ميقات أهل الجنوب عن طريق الساحل، وهل يجوز لي الإحرام من جدة؟ لأن طريقي على الساحل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"ميقات أهل اليمن الذين أتوا عن طريق الساحل يلملم المسماة اليوم بالسعدية، فلا يجوز لمن مر عليه أو حاذاه مريداً الحج أو العمرة أن يتجاوزه بدون إحرام، وليست جدة ميقاتاً لهم، وإنما هي ميقات لأهلها ولمن أراد الحج والعمرة وهو مقيم بها، أو وافد عليها بدون نية الحج أو العمرة ثم عزم على الحج.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/134) .
وانظر جواب السؤال رقم (107988) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4077)
يعسكرون في الشرائع لحفظ الأمن، فمن أين يحرمون؟
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن من أفرد القوات المسلحة، ونشارك في مهمة الحج سنوياً، ونقيم في منطقة الشرائع مدة المشاركة ما يقارب شهراً، وفي أثناء أدائنا للمهمة نذهب على شكل قافلة، ولا يسمح للقافلة بالتوقف في الميقات، ونتعدى الميقات إلى منطقة الشرائع خارج مكة، فهل نخرج إلى الجعرانة للإحرام منها، أم نرجع إلى السيل الكبير ونحرم منه؛ لأننا اجتزناه في أثناء مسيرنا أو نحرم من مكان معسكرنا الذي هو الشرائع خارج مكة قرب الأميال؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"ما دام أنكم ذهبتم للعمل وتجاوزتم الميقات فإذا أراد أحد الإحرام فإنه يحرم من مكانه داخل الميقات؛ لأنه دخل بنية العمل، وقد قال صلى الله عليه وسلم عند ذكر المواقيت: (ومن كان دون ذلك فمهله من حيث أنشأ، حتى أهل مكة من مكة) إلا من كان منكم عازماً على الحج أو العمرة حين مروره على الميقات؛ فإن عليه أن يرجع إلى الميقات ليحرم منه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لما وقت المواقيت: (هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج أو العمرة) .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/140- 142) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4078)
هل يجب على النائب أن يحج من مكان من يحج عنه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة من اليمن أوصت ورثتها قبل موتها أن يجعلوا من يحج عنها من مالها الخاص، فهل يجوز الحج عن هذه المرأة ممن هم في مدينة جدة؟ وهل يحرم من بيته في جدة، أو يذهب إلى ميقات أهل اليمن الساحلي ويحرم من هناك، أو أنه يجب على الذي سيحج عن هذه المرأة أن يكون من اليمن؛ أي خروجه للحج يكون من اليمن؟ وهل يجب أن يكون هذا الحاج من بلدة هذه المرأة صاحبة الوصية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجب على النائب أن يحج من بلد مَنْ يحج عنه، ولا أن يحرم من ميقاته، بل يُحرم النائب من ميقاته هو، ولا حرج أن يحج من جدة عن امرأة من أهل اليمن، ويحرم النائب من جدة.
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عن رجل من أهل أفريقيا يريد أن يكلف شخصاً بالحج عن أمه، فأجابت:
"يجوز للشخص المذكور أن يقيم من مكة أو غيرها من الثقات من يحج عن أمه إذا كانت متوفاة أو عاجزة عن مباشرة الحج بنفسها؛ لكبر سن أو مرض لا يرجى برؤه. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/80) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4079)
ميقات أهل الباحة إذا جاءوا مكة من طريق الساحل
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن من سكان مدينة الباحة وقبل سنتين تقريبا نزلنا إلى مكة من طريق الباحة - الطائف وعلمنا أن ميقات أهل الباحة هو ميقات أهل الطائف (السيل الكبير " قرن المنازل ") فمررنا به وأحرمنا بعمرة وأتممنا العمرة ولله الحمد. أما الآن فسوف ننزل إلى مكة من طريق المخواة – طريق الساحل، وهذا يمر بميقات أهل اليمن (يلملم) . هل يجوز لنا الإحرام منه بالعمرة؟ أم علينا الذهاب إلى ميقات قرن المنازل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما دمتم ستأخذون طريق الساحل، فميقاتكم (يلملم) ميقات أهل اليمن، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل اليمن يلملم، ثم قال بعد ذكر المواقيت: (هُنَّ لَهُنَّ، وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ، مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ) رواه البخاري (1524) ومسلم (1181) .
وهذا هو ميقاتكم الأصلي، وأما ميقات السيل الكبير فإنكم تحرمون منه إن أتيتم مكة من طريق الطائف.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4080)
أحوال وأحكام من قصد " جدة " لعمل أو زيارة ثم اعتمر
[السُّؤَالُ]
ـ[سافر أبي من الأردن إلى جدة لمؤتمر له هناك، وقيل لهم: إنهم سوف يؤدون العمرة بعد أن يبيتوا ليلة أو ليلتين في جدة بعد انتهاء المؤتمر، وفي الطائرة أعلن عن وصول الميقات لمن أراد أن يحرم، ولم يحرم، ولكن عندما وصل جدة تفاجأ أن البرنامج قد تغير، وأنه في ليلة وصولهم عليهم أداء العمرة، فأحرم من جدة، وأدَّى العمرة، ولم يخرج كفارة، هل عليه شيء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يخلو من قصد جدة للعمل، واعتمر من حالين:
الأولى: أن ينوي العمرة قبل وصوله لها، فيكون في سفره إلى جدة قاصداً العمل والعمرة معاً، بقطع النظر أيهما يكون أولاً.
والثانية: أن يقصد جدة ولم ينو العمرة، ثم يبدو له أن يعتمر.
ففي الحال الأولى يجب عليه أن يُحرم من الميقات، ثم يقضي عمله في جدة، ثم يعتمر، والأفضل له أن يبدأ بالاعتمار.
فإن تعذر عليه أن يبدأ بالعمرة، وشق عليه أن يبقى أياما في جدة بثياب الإحرام فله ألا يحرم من الميقات عند مروره عليه، لكن إذا أراد الإحرام بالعمرة بعد انتهاء عمله في جدة وجب عليه أن يخرج إلى الميقات ليحرم منه، فإن لم يفعل وأحرم من جدة، فقد ترك واجباً من واجبات الإحرام، ويجب عليه أن يذبح شاة في مكة ويوزعها على فقراء الحرم.
وأما الحال الثانية: فلا يلزمه أن يُحرم في الميقات؛ لأنه لا يقصد العمرة أصلاً، ولو نوى العمرة بعد انتهاء عمله في جدة: فإنه يُحرم من مكانه في جدة.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
إنني في عطلة الربيع الماضية اصطحبت أهلي وأولادي بنية زيارة أختي في الطائف، ونأخذ عمرة والعلاج في جدة، هذه هي النية أساساً، الذي حصل أننا أقمنا في الطائف يوماً، ثم ذهبنا إلى جدة مارين بمكة ولم نحرم من السيل، حيث كنت أعتقد أن ما في ذلك شيء، فأخرنا العمرة حتى العودة من جدة، وفعلاً بعد انتهائنا من جدة أحرمنا بالعمرة، ... فأرجو من سماحتكم توجيهنا للصواب، وماذا يترتب علينا؟ .
فأجابوا:
" الواجب على مَن نوى العمرة ثم مرَّ بالميقات: أن يُحرم منه، ولا يجوز له مجاوزته بدون إحرام، وحيث لم تحرموا من الميقات: فإنه يجب على كل منكم دم، وهو ذبح شاة تجزئ في الأضحية تُذبح بمكة المكرمة، وتقسم على فقرائها، ولا تأكلوا منها شيئاً " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (11 / 176، 177) .
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: مَن سافر مِن بلده إلى جدة ثم أراد العمرة فهل يحرم من جدة؟
فأجاب:
" لا يخلو الأمر مِن حالين:
1. أن يكون الإنسان قد سافر إلى جدة بدون نية العمرة، ولكن طرأت له العمرة وهو في جدة: فإنه يُحرم من جدة، ولا حرج في ذلك؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما حين ذكر المواقيت قال: (ومَن كان دون ذلك: فمِن حيث أنشأ، حتى أهل مكة من مكة) .
2. أن يكون سافر من بلده بنية العمرة عازماً عليها: فإنه يجب في هذه الحالة أن يُحرم من الميقات الذي يمر به، ولا يجوز الإحرام من جدة؛ لأنها دون الميقات، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه وقَّت المواقيت فقال: (هنَّ لهنَّ ولمن مرَّ عليهن مِن غير أهلهن لمن أراد الحج والعمرة) .
فإن أحرم من جدة ونزل إلى مكة في هذه الحال: فإن عليه عند أهل العلم فدية، دماً يذبحه في مكة، ويتصدق به على الفقراء، وعمرته صحيحة، فإن لم يحرم من جدة بعد وصوله إليها، وهو ناوٍ العمرة قبل وصوله: فإنه يرجع إلى الميقات، ويحرم منه، ولا شيء عليه.
"فتاوى أركان الإسلام " (السؤال رقم 467) .
وسئل الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله:
القادم بالطائرة من الرياض، ويريد العمرة ومرَّ بمدينة جدة لزيارة بعض الأهل، أو الأصدقاء ليوم أو ليومين، هل يلزمه أن يحرم مما يحاذي الميقات من الجو؟
فأجاب:
" يجب عليه أن يحرم من هذا الميقات إذا مرَّ به أو مرَّ محاذياً له من الأرض أو من الجو، فإنه لا يتجاوزه إلا بإحرام، فالذي يذهب بالطائرة يتهيأ للإحرام قبل الركوب بما يريد أن يتهيأ به، وإذا حاذى الميقات إما أن يسأل الملاحين أو هم يعلنون ذلك للناس أو هو يحتاط ويحرم إذا غلب على ظنه بأنه قرب من الميقات، فيحرم من الجو، أما أن يتعداه إلى أن ينزل في مطار جدة: فهذا خطأ، وإذا فعل هذا فيكون عليه دم " انتهى بتصرف.
وسئل – حفظه الله -:
حتى لو كان سيبقى في جدة ليوم أو ليومين للزيارة؟ .
فأجاب:
" ولو كان، سيبقى في جدة ليوم أو ليومين إن أراد أن يبقى في جدة قبل أداء النسك، يبقى في إحرامه، وإن نزل إلى مكة وأدَّى النسك ثم رجع إلى جدة إلى عمله: فهذا أحسن؛ لأن المبادرة بأداء النسك أحسن، يعني: ما دام نوى العمرة لا يجوز له أن يتعدى الميقات إلا بإحرام، لا شك في هذا، ثم هو بعد ذلك هو في خيار، إن شاء بقي في جدة بإحرامه، وإن شاء نزل إلى مكة، وعاد إلى جدة لعمله " انتهى.
" المنتقى من فتاوى الفوزان " (4 / 119، 120، السؤال رقم 118 و 119) .
والخلاصة:
إذا كان والدك في سفره من الأردن إلى جدة ناوياً للعمرة – وهذا هو الظاهر -، فكان الواجب عليه أن يحرم من الميات أو يخرج من جدة للإحرام من الميقات، وبما أنه لم يفعل واحداً من الأمرين، فعليه أن يذبح شاة في مكة ويوزعها على الفقراء، فإن كان قد غادر مكة ورجع إلى الأردن، فيبحث عمن يرسل له الأموال ويوكله في الذبح في مكة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4081)
لا حرج أن يصلي ركعتين سنة الوضوء ليحرم بعدهما وإن لم يكن من عادته فعلهما
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان الإنسان ليس من عادته أن يصلي ركعتين بعد الوضوء، فهل يصليهما عند الإحرام من أجل أن يحرم بعدهما؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، لا حرج من صلاتهما ليحرم بعدهما، حتى يكون إحرامه بعد صلاة.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: قلتم يجعل الإحرام بعد سنة الوضوء إن كان من عادته أنه يصليها. فإذا لم يكن من عادته أنه يصليها فما الحكم؟
فأجاب:
"أرى أنه لا بأس، فلا يلزم أن الإنسان إذا فعل شيئاً أن يفعله في كل حال، فما دام السنة في الوضوء مشروعة وأراد أن يصلي فهذا لا بأس به ولا حرج حتى لو كان من عادته أنه لا يصليها" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/14) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4082)
حكمة تحريم الذهب على الرجال
[السُّؤَالُ]
ـ[يسأل أحد زملائي الهندوس في العمل عن الحكمة وراء عدم جواز ارتداء الرجال المسلمين للذهب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن شريعة الله عز وجل جاءت بأحكام تنطوي على مصالح العباد في دنياهم وأخراهم، لأنها الشريعة المنزلة من خالق هذا الإنسان العالم بما يصلحه ويفسده، لكن الحكمة من وراء التشريع قد تظهر لكل أحد وقد لا تظهر، والمؤمن مأمور بالتسليم والإذعان لأحكام الله لأن ذلك مقتضى إيمانه بالله ربا وإلهاً، ومن ثم فالكافر ينبغي أن يكون الجدال معه في إثبات هذا الإيمان أولاً، ثم بعد ذلك يخوض المرء في الحديث عن الحِكَم من وراء التشريعات.
وفي الجواب عن هذا السؤال بخصوصه نقول:
إن الله جل شأنه خلق الإنسان وجعله زوجين، ذكراً وأنثى، وجعل لكل واحد منهما خصائص تتناسب مع الوظيفة الموكلة إليه في هذه الحياة، فللرجل وظائف وأعمال لا تطيقها المرأة، وللمرأة وظائف وأعمال لا يطيقها الرجل.
وإذا كان الأمر كذلك فإن من تمام الحكمة أن يهيئ كل واحد منهما لتلك الوظائف، التي تطلب منه.
ومن المعلوم أن الذهب مما يتجمل به الإنسان ويتزين به فهو زينة وحلية، والرجل غير مقصودٍ بهذا الأمر، أي ليس إنسانا يتكمل بغيره، بل الرجل كامل بنفسه، لما فيه من الرجولة، فليس بحاجة إلى أن يتزين لشخص آخر تتعلق به رغبته، بخلاف المرأة، فإن المرأة محتاجة إلى التجمل، حتى يكون ذلك مدعاة للعشرة بينها وبين زوجها، ولهذا أبيح لها أن تتجمل بالذهب وغيره حتى تتعلق بها رغبة الرجل، فيطلبها، فيتحقق المقصود من النكاح، وهو المحافظة على الجنس البشري، فالتنشئة في الزينة والنعومة إنما تليق بالمرأة، أما الرجل فإن ذلك في حقه من المذام والمعايب، ولذلك قال الله تعالى: (أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ) الزخرف/18.
هذا خلاصة ما أجاب به أهل العلم عن هذا السؤال كما ذكر ذلك العلامة ابن عثيمين رحمه الله في مجموع فتاويه (11/60) .
وإذا كان الذهب والتزين به أمراً يوافق طبيعة المرأة والوظيفة التي خلقت لها فإن من الحكمة الظاهرة أن يمنع الرجل من التشبه بالمرأة في ذلك، يقول العلامة ابن القيم رحمه الله في " إعلام الموقعين" (2/109) :
" وكذلك تحريم الذهب والحرير على الرجال حُرِّم لسد ذريعة التشبه بالنساء " انتهى.
ومن العجائب الآن: أنك ترى كثيراً من الشباب يتجملون بلبس سلاسل الذهب وغيرها، بل تجدهم يضعون المكياج على وجوههم، وهذا انتكاس في الفطرة، ويتنافى مع الرجولة والحزم اللذين يجب أن يتصف بهما الرجل، ولذلك لا تجد عاقلاً صاحب أعمال جادة يفعل ذلك، وإنما هم إما من الشواذ، أو ممن عندهم نقص في نفوسهم، وفراغ في أوقاتهم، فيحاولون ملأ نقص نفوسهم وفراغ أوقاتهم بذلك.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4083)
له منزل في الشرائع وآخر في الطائف فمن أين يحرم
[السُّؤَالُ]
ـ[إنسان له مسكنان إحداهما في مكة (الشرائع) والآخر في الطائف ولا يذهب إلى مسكنه الثاني في مكة إلا في أيام الإجازات وليس كل الإجازات وأيام الشتاء ونوى الحج.. فمن أين يحرم؟ ثم هل يجوز له إذا لم يطف طواف الوداع أن يأتي لوالدته في الطائف ويسلم عليها ثم يذهب إلى بيته في مكة ويطوف طواف الوداع..؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا كان الأمر كما ذكرت، فإنك تحرم بالحج من المكان الذي نويت فيه الحج، فإن كنت في الطائف ونويت الحج لزمك الإحرام من الميقات (السيل الكبير) ، وإن كنت في الشرائع وأردت الحج، أحرمت من مكانك؛ لما روى البخاري (1526) ومسلم (1181) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: (وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلِأَهْلِ الشَّأْمِ الْجُحْفَةَ وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ فَهُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ لِمَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ فَمُهَلُّهُ مِنْ أَهْلِهِ وَكَذَاكَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا) .
ثانيا:
إذا فرغت من أعمال الحج، فليس لك الخروج إلى الطائف إلا بعد طواف الوداع، لما
رواه البخاري (1755) ومسلم (1328) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ، إِلا أَنَّهُ خُفِّفَ عَنْ الْحَائِضِ) .
قال ابن قدامة في "المغني" (5/337) : " ومن كان منزله في الحرم فهو كالمكي , لا وداع عليه. ومن كان منزله خارج الحرم , قريباً منه , فظاهر كلام الخرقي أنه لا يخرج حتى يودع البيت.
وهذا قول أبي ثور وقياسُ قول مالك. لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت) . ولأنه خارج من مكة , فلزمه التوديع , كالبعيد " انتهى بتصرف يسير.
وسئل الشيخ ابن باز عن جماعة من أهل جدة تركوا طواف الوداع ورجعوا إلى جدة.
فأجاب: " الحج صحيح، ولكن أسأتم في ترك الوداع، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر الحاج بالوداع، فقال: (لا ينفرن أحد منكم حتى يكون آخر عهده بالبيت) وهذا خطاب للحجاج يشمل أهل جدة وغيرهم، فالواجب على جميع أهل البلدان - سواء في جدة أو الطائف وغيرهم - أن يودعوا البيت، وقد تسامح بعض العلماء بالنسبة لمن منزله دون مسافة قصر كأهل بحرة وأشباههم، قالوا: إنه لا وداع عليه، والأحوط لكل من كان خارج الحرم أن يودع إذا انتهى حجه، وأهل جدة بعيدون، وهكذا أهل الطائف، فالواجب عليهم أن يودعوا قبل أن يخرجوا، لأنهم يشملهم الحديث، وعليهم دم يذبح في مكة عن كل واحد منهم ترك طواف الوداع، توزع على الفقراء، شاة أو سُبْع بدنه أو سُبْع بقرة " انتهى "مجموع فتاوى ابن باز" (17/394) .
ثالثا:
وأما قبل الفراغ من أعمال الحج، فلك الذهاب إلى الطائف دون وداع، ثم العودة لإكمال النسك، كالخروج إلى الطائف نهار يوم النحر أو في أيام التشريق.
وراجع السؤال رقم (36244)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4084)
يأتي من مصر إلى جدة ثم يذهب إلى المدينة ويحرم من ذي الحليفة
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في أحد الأسئلة عما يفعله بعض الحجاج وتجاوزهم للميقات دون إحرام ثم بقاؤهم في جدة لثلاثة أيام وإحرامهم منها! وقد بينتم أن هذا الفعل غير جائز، لكن حدث معي وأسرتي أننا ذهبنا لنعتمر العام الماضي، ولكن والديّ أرادا زيارة المدينة أولاً ثم الذهاب إلى مكة، حتى يمكننا أن نصلي الجمعة في الحرم (يبدو أن لدى أهلي اعتقاداً أن صلاة الجمعة في المسجد الحرام أفضل منها في المسجد النبوي) ، وفعلاً ركبنا الطائرة وتجاوزنا الميقات من دون أن نحرم فبتنا في جدة ليلة واحدة وبعد ذلك توجهنا للمدينة وبتنا فيها ليلتين. وعندما أردنا الرحيل إلى مكة قمت أنا ولبست إحرامي في فندق المدينة، وكذلك أحرمت النسوة اللواتي كن معنا من الفندق، بينما أحرم والدي وإخوتي من ميقات أهل المدينة (ذو الحليفة) ، ومن ثم توجهنا إلى مكة وأدينا العمرة. فهل ما فعلناه كان خطئاً مشابهاً لخطأ أولئك الذين يتوجهون إلى مكة بنية الحج ويتجاوزون الميقات من دون إحرام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج عليكم فيما فعلتم، لأن سفركم إلى جدة لم تكونوا قاصدين به العمرة، فلم يلزمكم الإحرام من الميقات عند مروركم عليه، وإنما قصدتم العمرة من سفركم من المدينة، فيلزمكم الإحرام من ميقاتها (ذو الحليفة) .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: رجل جاء من جدة ولم يحرم، أولاً ذهب إلى المدينة المنورة لزيارة المسجد النبوي، ثم أحرم من ميقات أهل المدينة، هل هذا صحيح؟
فأجاب: " لا بأس، يعني: لو أن الإنسان جاء من بلده قاصداً المدينة أولاً، ونزل في جدة، ثم سافر من جدة إلى المدينة، ثم رجع من المدينة محرماً من ميقات أهل المدينة فلا بأس " انتهى من " لقاء الباب المفتوح " (121/29) .
وسئل أيضا عن رجل قدم للحج وميقاته يلملم، ولكنه لم يحرم من الميقات، ونزل جدة، وذهب إلى المدينة للزيارة، ثم عاد إلى مكة وأحرم من ذي الحليفة، فهل عليه شيء؟
فأجاب:
"إن كان قصده المدينة من الأصل ثم يرجع فيحرم من ذي الحليفة فلا شيء عليه" انتهى باختصار.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (21/345) .
ثانيا:
الصلاة في المسجد الحرام أفضل من الصلاة بالمسجد النبوي؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام) رواه البخاري (1190) ومسلم (1394) ، وهذا يشمل الجمعة وغيرها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4085)
هل يقدم هدية لصديقة بمناسبة شراء منزل بقرض ربوي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أود السؤال عن حكم إعطاء هدية لشخص بمناسبة شرائه لبيت عن طريق القرض الربوي علما أني قد نصحت هذا الشخص قبل شرائه البيت ولكنه أصر فهل يجوز أن ألبي دعوته لحفلة بمناسبة شراء البيت الجديد وأن أهديه هدية للمنزل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الأمر كما ذكرت من وقوعه في هذا الذنب العظيم، وإصراره عليه، رغم نصحك له، فلا ينبغي أن تلبي دعوته في حضور احتفاله بشراء هذا البيت، ولا أن تهدي له شيئا بهذه المناسبة، وهو في الحقيقة يحتاج إلى من يعزيه لا إلى من يهنيه، فإن الربا من أكبر الكبائر وأعظم الذنوب، قال الله تعالى: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) البقرة/276، وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278، 279.
وروى مسلم (1598) عن جابر رضي الله عنه قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه. وقال: هم سواء.
وقال صلى الله عليه وسلم: (درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد عند الله من ستة وثلاثين زنية) رواه أحمد والطبراني، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (3375) .
وينبغي أن تستمر في نصحه ليتوب إلى الله تعالى مما اقترف.
نسأل الله أن يغفر لنا وله، وأن يصلح أحوال المسلمين أجمعين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4086)
حكم التسجيل في حملة تبيت خارج منى
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم النزول مع الحملات التي تذهب للحج وتكون خيامهم بمزدلفة خارج حدود منى؟ هل هذه الخيام امتداد لمنى أم لا؟ وهل هناك حرج إن ذهبت مع هذه الحملات؟ وهل يؤثر على صحة الحج في شيء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
المبيت في منى ليلة الحادي عشر وليلة الثاني عشر من ذي الحجة، واجب في قول جمهور العلماء، ويلزم من تركه بدون عذر: دم، شاة تذبح في مكة وتوزع على فقرائها.
وإذا لم يجد الإنسان مكانا في منى نزل حيث انتهت الخيام، ولو في مزدلفة؛ لقوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/16، وقوله: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) البقرة/286.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: شخص حج وسكن خارج منى فماذا يلزمه؟ وما الضابط في المبيت في منى؟
فأجاب: " إذا لم يجد الإنسان مكانا في منى فلينزل حيث انتهت الخيام، أما إذا كان يجد مكانا فإن الواجب أن يبيت فيها.
أما الضابط في المبيت فإنه يكون في منى معظم الليل، يعني أكثر الليل. لكن من نزل من منى مثلا لطواف الإفاضة في أول الليل ثم لم يتيسر له من الزحام أن يرجع إلا بعد طلوع الفجر فإنه لا شيء عليه ".
وقال رحمه الله: " فالواجب على الإنسان أن يبحث عن مكان في منى قبل أن ينزل في مزدلفة، فإذا لم يجد مكانا فلينزل في مزدلفة ويبقى فيها، ولا يلزمه أن يذهب إلى منى يدور فيها بسيارته معظم الليل، أو يجلس على الأرصفة بين السيارات، وقد يكون ذلك خطرا عليه، فنقول: إذا لم تجد مكانا في منى فاجلس في مزدلفة، عند منتهى الخيام، ولا يلزمك شيء ما دمت بحثت عن مكان ولم تجد؛ لأن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها " انتهى من " فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (23/240، 241) .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " إذا اجتهد الحاج في التماس مكان في منى ليبيت فيه فلم يجد فلا حرج عليه أن ينزل خارجها، ولا فدية عليه؛ لعموم قول الله سبحانه: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (16/149) .
وعلى هذا، فالواجب عليه أن يسجل في حملة تبيت في منى. أو يسجل في حملة تبيت في مزدلفة وفي نيته أنه سيبحث عن مكان في منى. فإن وجد بات فيه نصف الليل وإن لم يجد فلا حرج عليه من البقاء في مزدلفة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4087)
يسكن في الظهران ووالداه في جدة فهل يحرم للعمرة من جدة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا من جدة وانتقلت للعمل في الظهران حاليا وبصفة دائمة ووالدتي وإخوتي لازالوا هناك.. سؤالي.. إجازتي السنوية بعد أسبوعين (والهدف الأساسي هو الذهاب إليهم) وأفكر بالعمرة.. هل يلزمني الذهاب للميقات أم أني أحسب من أهل جدة خصوصا وأن الغرض الأساسي من ذهابي هناك هو زيارة أهلي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما دامت إقامتك في الظهران دائمة، فإذا سافرت لزيارة والديك في جدة، وأنت عازم على أداء العمرة، لزمك أن تحرم من الميقات الذي تمر عليه.
أما إن كانت إقامتك في الظهران مؤقتة فأنت مخير بين الإحرام من الميقات، وبين إنشاء العمرة من جدة.
قال في مطالب أولى النهى (2/298) : " ومن له منزلان , جاز أن يحرم من أقربَ لمكة وإحرامه من أبعدَ عن مكة أفضل , لأنها أشق على النفس ".
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله كما في "مجموع الفتاوى" (17/54) :
أنا طالب أدرس في المنطقة الشرقية وأهلي في جدة وأريد الحج فمن أين أحرم هل من قرن المنازل أو من سكني في جدة؟
فأجاب:
أنت مخير ما دمت من سكان جدة دون الميقات، وإذا أحرمت من قرن المنازل فهو أفضل وأولى لكونك وافداً وأخذت بالأكمل والأحوط، وإن قصدت أهلك ثم أحرمت منهم فلا بأس " انتهى.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن رجل متزوج ويسكن مع زوجته وأولاده في الرياض وأمه وأبوه في جدة فما الحكم؟
فأجاب: " هذا إذا جاء إلى جدة فهو مسافر، فهنا إذا أراد أن يذهب إلى أهله للزيارة، وهو مريد أن يعتمر نقول لا بد أن تحرم من الميقات؛ لأن وطنك الرياض، أما جدة فهي وطن أبيه وأمه، ولهذا لو كان في رمضان فله أن يفطر إذا سافر إلى مقر أبيه وأمه وهو ساكن في بلد آخر " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (21/ 329) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4088)
المكي إذا خرج إلى الطائف وفي نيته الحج هل يلزمه الإحرام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قمت أنا وزوجتي وعمتي ولله الحمد بأداء فريضة الحج للعام المنصرم1426 هـ أنا وزوجتي من سكان مكة المكرمة أما عمتي فهي من سكان مدينة الباحة وقد قامت بالسفر إلى مدينة الطائف حيث ذهبت أنا وزوجتي لإحضارها من مدينة الطائف إلى مكة المكرمة في اليوم السادس من ذي الحجة حيث أحرمت من ميقات " وادي محرم " وفي اليوم السابع قامت بأداء طواف القدوم وفي اليوم الثامن قمت أنا وزوجتي بالإحرام من منزلنا في مكة للحج وانطلقنا نحن الثلاثة لأداء فريضة الحج في إحدى الحملات.... سؤالي: هل يلزمنا فدية لأننا لم نحرم من ميقات " وادي محرم " أي أننا تجاوزناه أنا وزوجتي بدون أن نحرم منه لأننا من سكان مكة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج عليكم في تجاوز الميقات دون إحرام؛ لكونكم لم تريدوا الحج أو العمرة في ذلك الوقت، وفي نيتكم الإحرام في اليوم الثامن من منازلكم، لمفهوم قوله صلى الله عليه وسلم في المواقيت: (هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ، حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ) رواه البخاري (1524) ومسلم (1181) .
وهكذا إذا خرج المكي إلى الطائف أو جدة، ثم رجع وهو غير مريد للنسك، فلا يلزمه الإحرام، على الراجح من قولي العلماء.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/122) : " من مر على أي واحد من المواقيت التي ثبتت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو حاذاها جوا أو برا أو بحرا وهو يريد الحج أو العمرة وجب عليه الإحرام، وإذا كان لا يريد حجا ولا عمرة فلا يجب عليه أن يحرم " انتهى.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا خرج المكي إلى جدة مثلا ثم رجع إلى مكة في اليوم الخامس من ذي الحجة وهو يريد الحج من عامه فهل يلزمه الإحرام من جدة؟ وهل له أن يحرم بالعمرة ويكون متمتعا؟
فأجاب: " له أن يحرم بالعمرة ويكون متمتعا، وإذا كان يريد الحج لم يلزمه (يعني الإحرام من جدة) ؛ لأن أهله في مكة " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (21/326) .
وقوله رحمه الله: " لأن أهله في مكة " المقصود أنه من أهل مكة أو المقيمين بها، فلا يؤثر كون أهلك خرجوا معك إلى الطائف، فالحكم واحد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4089)
أحرمت بالعمرة من مكة ونسيت شوطا أو شوطين من السعي
[السُّؤَالُ]
ـ[في السنة الماضية أخذت عمرة، ولكن بعد ثلاثة أو أربعة أيام من قدومي إلى مكة، وهناك قال لي البعض: إن الإحرام يكون من مكة وأنا زائرة؟ ثم أخذت العمرة بعد الإحرام من مكة، ولكن أظن أنني نسيت شوطين من السعي، وذلك بعد مراجعة نفسي، أو ربما شوطاً؟ وأنا أريد أن أذهب يوم الثلاثاء القادم إلى العمرة فماذا علي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا أحرمت بالعمرة من داخل مكة، ولم تخرجي إلى موضعٍ من الحِلِّ، كالتنعيم أو ما يسمى بمسجد عائشة رضي الله عنها، فقد فاتك واجب من واجبات العمرة، وهو الإحرام من الميقات، وميقات العمرة لأهل مكة ومن كان بها هو الحِلُّ، فيلزم من كان بها وأراد العمرة أن يخرج إلى أي مكان في الحِلِّ ليحرم منه، فإن لم يفعل لزمه دم، شاة تذبح وتوزع على فقراء الحرم، وراجعي السؤال رقم (48955) .
ثانيا:
ما ذكرتيه من نقص أشواط السعي إن كان مجرد شك أو ظن حصل بعد فراغك من السعي، فلا عبرة به؛ لأن الشك بعد الفراغ من العبادة لا يؤثر.
قال ابن قاسم العبادي في حاشيته على "تحفة المحتاج" (4/81) : " ولو شك في العدد قبل تمامه أخذ بالأقل إجماعا , وإن ظن خلافه أو شك في ذلك بعده أي بعد فراغه لم يؤثر " انتهى.
وإن تيقنت أنك سعيت ستة أشواط أو خمسة، فإن سعيك لم يكتمل، وتحللك من عمرتك لا يصح، لبقاء ركن من أركان العمرة وهو السعي، فلا تزالين على إحرامك، ويلزمك ثلاثة أمور:
الأول: أن تجتنبي جميع محظورات الإحرام؛ لأنك لازلت على إحرامك.
الثاني: أن تعودي إلى مكة فتأتي بالسعي من أوله.
الثالث: أن تتحللي بالأخذ من شعرك قدر أنملة؛ لأن تحللك الأول وقع قبل تمام النسك، فلم يُعتدّ به.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عن رجل أدى عمرة ولكن سعيه ناقص شوطاً فماذا يلزمه؟
فأجاب: "هذا الرجل لا يزال على إحرامه، يجب أن يخلع ثيابه ويتجنب محظورات الإحرام، ويلبس ثياب الإحرام من بلده الذي هو فيها فوراً، ويذهب إلى مكة ويسعى من جديد، لأنه إلى الآن في عمرته" انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (22/435) .
وما ارتكبتيه من محظورات الإحرام خلال هذه المدة، إن كان عن جهل بالحكم، فلا شيء عليك فيه، وإن كان مع علمك بأنك لا تزالين محرمة، فتلزمك الفدية عنه.
وراجعي السؤال رقم (36522) .
ثالثا:
لا يشرع لك الإحرام بالعمرة من الميقات في سفرك القريب المذكور (يوم الثلاثاء) ؛ لأنك لا زلت على إحرامك بالعمرة الأولى كما سبق، لكن إذا وصلت مكة، وأتممت عمرتك الأولى وتحللتِ منها، ثم أردت الاعتمار ثانيا، فإنك تخرجين إلى التنعيم أو أي موضعٍ من الحل، وتحرمين بالعمرة.
نسأل الله تعالى أن يتقبل منا ومنك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4090)
أحرمت بالعمرة من مكة فماذا عليها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا من سكان مكة وأردت العمرة ولم أذهب للميقات لإصرار أخي أنه لا يلزم ذلك، ولكن أنا أعلم بوجوب الميقات. ما الحكم؟ وإذا كان عليّ دم عمرة وأردت إرساله لخارج المملكة فهل يجوز ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
من كان بمكة وأراد أن يعتمر فإنه يجب عليه الخروج إلى الحل (خارج حدود الحرم) ليحرم بالعمرة، ولا يجوز له أن يحرم بالعمرة من مكة، فإن فعل ذلك فعليه عند جمهور العلماء دم أي: يذبح شاة في مكة ويوزعها على مساكين الحرم.
روى البخاري (1556) ومسلم (1211) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ. . . فذكرت الحديث وقالت: فَلَمَّا قَضَيْنَا الْحَجَّ أَرْسَلَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ إِلَى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرْتُ.
وروى البخاري (1215) ومسلم (1211) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اعْتَمَرْتُمْ وَلَمْ أَعْتَمِرْ. فَقَالَ: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، اذْهَبْ بِأُخْتِكَ فَأَعْمِرْهَا مِنْ التَّنْعِيمِ، فَأَحْقَبَهَا عَلَى نَاقَةٍ فَاعْتَمَرَتْ. (أَحْقَبَهَا) أي أركبها خلفه.
وفي رواية للبخاري ومسلم: قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن: (اخْرُجْ بِأُخْتِكَ مِنْ الْحَرَمِ فَلْتُهِلَّ بِعُمْرَةٍ) .
قال النووي:
(اُخْرُجْ بِأُخْتِك مِنْ الْحَرَم فَلْتُهِلَّ بِعُمْرَةٍ) فِيهِ دَلِيل لِمَا قَالَهُ الْعُلَمَاء أَنَّ مَنْ كَانَ بِمَكَّة وَأَرَادَ الْعُمْرَة فَمِيقَاته لَهَا أَدْنَى الْحِلّ , وَلا يَجُوز أَنْ يُحْرِم بِهَا مِنْ الْحَرَم. . .
قَالَ الْعُلَمَاء: وَإِنَّمَا وَجَبَ الْخُرُوج إِلَى الْحِلّ لِيَجْمَع فِي نُسُكه بَيْن الْحِلّ وَالْحَرَم , كَمَا أَنَّ الْحَاجّ يَجْمَع بَيْنهمَا فَإِنَّهُ يَقِف بِعَرَفَاتٍ وَهِيَ فِي الْحِلّ , ثُمَّ يَدْخُل مَكَّة لِلطَّوَافِ وَغَيْره هَذَا تَفْصِيل مَذْهَب الشَّافِعِيّ , وَهَكَذَا قَالَ جُمْهُور الْعُلَمَاء أَنَّهُ يَجِب الْخُرُوج لإِحْرَامِ الْعُمْرَة إِلَى أَدْنَى الْحِلّ , وَأَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِهَا فِي الْحَرَم وَلَمْ يَخْرُج لَزِمَهُ دَم. وَقَالَ عَطَاء: لا شَيْء عَلَيْهِ. وَقَالَ مَالِك: لا يُجْزِئهُ حَتَّى يَخْرُج إِلَى الْحِلّ. قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: وَقَالَ مَالِك: لا بُدّ مِنْ إِحْرَامه مِنْ التَّنْعِيم خَاصَّة. قَالُوا: وَهُوَ مِيقَات الْمُعْتَمِرِينَ مِنْ مَكَّة , وَهَذَا شَاذّ مَرْدُود , وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْجَمَاهِير أَنَّ جَمِيع جِهَات الْحِلّ سَوَاء , وَلا تَخْتَصّ بِالتَّنْعِيمِ. وَاَللَّه أَعْلَم اهـ.
وأما من كان بمكة وأراد أن يحرم بالحج فإنه يحرم من موضعه بمكة ولا يلزمه الخروج إلى الحل.
ودليل ذلك ما رواه البخاري (1524) ومسلم (1181) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلأَهْلِ الشَّأْمِ الْجُحْفَةَ وَلأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ وَلأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ.
قال الحافظ:
(حَتَّى أَهْل مَكَّة مِنْ مَكَّة) أَيْ لَا يَحْتَاجُونَ إِلَى الْخُرُوج إِلَى الْمِيقَات لِلإِحْرَامِ مِنْهُ بَلْ يُحْرِمُونَ مِنْ مَكَّة, وَهَذَا خَاصّ بِالْحَاجِّ. وَأَمَّا الْمُعْتَمِر فَيَجِب عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُج إِلَى أَدْنَى الْحِلّ. قَالَ الْمُحِبّ الطَّبَرِيُّ: لا أَعْلَم أَحَدًا جَعَلَ مَكَّة مِيقَاتًا لِلْعُمْرَةِ اهـ.
وقال الشيخ ابن عثيمين في "مناسك الحج والعمرة" (ص 27) بعد أن ذكر المواقيت، قال:
ومن كان أقرب إلى مكة من هذه المواقيت فميقاته مكانه فيحرم منه، حتى أهل مكة يحرمون من مكة إلا في العمرة فيحرم من كان في الحرم من أدنى (أي أقرب) الحل اهـ. ثم استدل بحديث عائشة المتقدم مع أخيها عبد الرحمن.
ثانيا:
يجب ذبح الشاة بمكة وتوزيعها على مساكين الحرم، ولا يجوز توزيعها خارج مكة. وذلك لقول الله تعالى في جزاء الصيد في الإحرام: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ) المائدة /95. وقوله تعالى: (ثُمَّ مَحِلُّهَا إلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) .
وسئلت اللجنة الدائمة عن جماعة أحرموا بالعمرة من كدى (مكان بمكة) ولم يخرجوا إلى التنعيم.
فأجابت:
أخطأ هؤلاء الذين أحرموا بالعمرة من كدى، لأن كدى ليست من الحل، بل من الحرم، وليست كالتنعيم، ولا الجعرانة، لأن كلا من التنعيم والجعرانة من الحل، وقد اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم من الجعرانة، ولم يعتمر من التنعيم، وإنما أمر عبد الرحمن بن أبي بكر أن يذهب مع أخته عائشة لتحرم بالعمرة من التنعيم، لأنها أقرب مكان من الحل إلى الحرم، ولو كان الإحرام بالعمرة داخل حدود الحرم جائزا شرعا لأذن لعائشة أن تحرم من مكانها بالأبطح، ولم يكلفها وأخاها الذهاب إلى التنعيم للإحرام منه بالعمرة، لما في ذلك من المشقة دون حاجة وهم على سفر، وكان صلى الله عليه وسلم إذا خير بين أمرين اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، وقياس كدى على التنعيم والجعرانة غير صحيح،لأن الإحرام من المواقيت تعبدي وعمرتهم صحيحة، وعلى كل منهم ذبيحة لإحرامهم بالعمرة من الحرم اهـ.
وقال الشيخ ابن عثيمين في فتاوى أركان الإسلام (صـ 515) :
فيجب على من أراد الحج أو العمرة إذا مر بالميقات أن يهل منه، ولا يتجاوزه، فإن فعل وتجاوز وجب عليه أن يرجع ليحرم منه، وإذا رجع وأحرم منه فلا فدية عليه، فإن أحرم من مكانه ولم يرجع فعليه عند أهل العلم فدية يذبحها ويوزعها على فقراء مكة اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4091)
المرور على الميقات من غير إحرام وهو يريد العمرة أو الحج
[السُّؤَالُ]
ـ[انتدبت للعمل كطبيب خلال موسم الحج ولا أستطيع عمل عمرة عند دخولي مكة ولا أستطيع ارتداء ملابس الإحرام، فماذا عليَّ أن أفعله إذا تبقى لديَّ يومان بعد انتهائي من عملي لكي أقوم بأداء عمرة قبل عودتي إلى مدينتي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إذا لم تكن جازماً بعمل العمرة في ذلك السفر، فإنه لا يلزمك الإحرام من الميقات، فإذا عزمت عليها وأنت في مكة فإنك تخرج إلى خارج الحرم (التنعيم أو غيره) لتحرم بالعمرة.
أما إذا كنت جازماً بفعل العمرة في ذلك السفر فكان الواجب عليك أن تحرم من الميقات، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: وقَّت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، فهنَّ لهنَّ ولمن أتى عليهنَّ من غير أهلهن لمن كان يريد الحج والعمرة، فمن كان دونهن فمهلُّه من أهله، وكذاك حتى أهل مكة يهلون منها. رواه البخاري (1454) ومسلم (1181) .
فمن مرَّ على ميقات من هذه المواقيت مريداً الحج أو العمرة فإنه يجب عليه أن يُحرم منه، فإن كان يسكن دون هذه المواقيت فإنه يُحرم من مكانه، فإن كان في مكة فإنه يُحرم للحج من مكانه، ويحرم للعمرة من أي مكان من الحل كالتنعيم أو عرفة؛ لحديث عائشة رضي الله عنها لما أرادت العمرة بعد حجها، أمر النبي صلى الله عليه وسلم أخاها أن يخرج بها إلى الحل لتحرم بالعمرة من هناك. متفق عليه.
وانظر السؤال (32845) .
ثانياً:
إن مرَّ مريد الحج والعمرة على الميقات دون أن ينوي الإحرام منه: فإنه يلزمه أن يرجع إلى الميقات الذي مرَّ عليه ليحرم منه، فإن لم يفعل وأحرم من مكانه فإنه يلزمه – على قول جمهور العلماء – ذبح شاة في مكة وتوزيعها على مساكين الحرم.
سئل علماء اللجنة الدائمة عمن سافر من أجل العمل في موسم الحج، ويقيمون خارج مكة، ولم يحرموا من الميقات، فمن أين يحرمون؟
فأجابت:
" بالنسبة للإحرام للعمرة أو الحج مادام أنكم ذهبتم للعمل وتجاوزتم الميقات فإذا أراد أحد الإحرام فإنه يحرم من مكانه داخل الميقات؛ لأنه دخل بنية العمل، وقد قال صلى الله عليه وسلم عند ذكر المواقيت: (ومن كان دون ذلك فمهله من حيث أنشأ، حتى أهل مكة من مكة) إلا من كان منكم عازماً على الحج أو العمرة حين مروره على الميقات فإن عليه أن يرجع إلى الميقات ليحرم منه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لما وقَّت المواقيت: (هنَّ لهنَّ ولمن أتى عليهنَّ من غير أهلهنَّ ممن أراد الحج والعمرة) " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (11/140، 141) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
" من تجاوز الميقات بدون إحرام فلا يخلو من حالين: إما أن يكون مريداً للحج والعمرة: فحينئذٍ يلزمه أن يرجع إليه ليحرم منه بما أراد من النسك – الحج أو العمرة - فإن لم يفعل فقد ترك واجباً من واجبات النسك، وعليه عند أهل العلم فدية: دم يذبحه في مكة، ويوزعه على الفقراء هناك.
وأما إذا تجاوزه وهو لا يريد الحج والعمرة: فإنه لا شيء عليه " انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (21/السؤال رقم 341) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4092)
ميقات أهل مكة في العمرة
[السُّؤَالُ]
ـ[من أين يحرم أهل مكة للعمرة؟ وإذا كان مصيفهم في الهدا (وهو قبل الميقات) أين يحرمون للعمرة أيضاً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أهل مكة يحرمون للعمرة من خارج الحرم كالتنعيم، وإذا سكنوا في الهدا وقت الصيف فإنهم يحرمون للعمرة من مكانهم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لما وقت المواقيت: (.. ومن كان دون ذلك فمهله من حيث أنشأ، حتى أهل مكة يهلون من مكة) متفق عليه، وثبت في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم أمر عائشة لمَّا أرادت العمرة وهي في مكة أن تحرم من الحل. (أي: خارج الحرم)
وبالله التوفيق
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (11/129) .(5/4093)
ميقات أهل السودان والصومال وأثيوببيا
[السُّؤَالُ]
ـ[من أين يحرم أهل أثيوبيا والصومال والسودان؟
وما حكم من آتى منهما للحج أو العمرة بدون إحرام ثم أحرم بعد أيام وذهب إلى مكة مباشرة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ميقات أهل أثيوبيا والصومال إذا جاءوا من الجنوب فإنهم يحاذون يلملم التي وقتها النبي صلى الله عليه وسلم لأهل اليمن، فيحرمون إذا حاذوها، وإن جاءوا من شمال جدة فميقاتهم الجحفة التي وقتها النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الشام، وجعل الناس بدلاً منها رابغ، لأنها خربت، أما إذا جاءوا من بين ذلك قصداً إلى جدة فإن ميقاتهم جدة، لأنهم يصلون إلى جدة قبل محاذات الميقاتين المذكورين، وكذلك أهل السودان إذا جاءوا قصداً إلى جدة فميقاتهم جدة، وإن جاءوا من الناحية الشمالية فإن ميقاتهم إذا حاذوا الجحفة أو رابغاً، وإن جاءوا من الناحية الجنوبية فإن ميقاتهم إذا حاذوا يلملم، فيكون ميقات أهل تلك البلاد مختلف بحسب الطريق الذي جاءوا منه. هذا إذا جاءوا للعمرة أو للحج.
أما من جاء للعمل وقد أدى فريضة العمرة والحج فإنه لا يجب أن يحرم؛ لأن الحج والعمرة لا يجبان إلا مرة واحدة في العمر، فإذا أداهما الإنسان لم يجبا عليه مرة أخرى، اللهم إلا بنذر.
ومن قدم للحج أو للعمرة ولم يحرم إلا بعد أن جاوز الميقاتين وقد مر بأحدهما فإن أهل العلم يقولون: إن إحرامه صحيح، ولكن عليه دم يذبح في مكة ويوزع على الفقراء؛ لأنه ترك واجباً من واجبات الإحرام وهو كونه من الميقات، فمن حصل له مثل ذلك فعليه ذبح الدم في مكة يوزع على الفقراء إن كان غنياً، وإن كان فقيراً فليس عليه شيء، لقول الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/16.
انظر: "فتاوى ابن عثيمين" (21/283، 284) .
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن ميقات أهل السودان، فأجاب:
" على حسب الطريق، إن كان طريقهم يمر بميقات الجحفة لزمهم الإحرام إذا حاذوها، وإن كان طريقهم لا يحاذي ميقاتاً قبل جدة فإنهم يحرمون منها، إذا كانوا ممن أراد الحج والعمرة " انتهى.
"فتاوى ابن باز" (17/35) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4094)
من أين يحرم من لم يمر على الميقات؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا لم يمر المحرم على شيء من المواقيت المعروفة فمن أين يحرم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" إذا كان لا يمر بشيء من هذه المواقيت فإنه ينظر إلى حذو الميقات الأقرب إليه (فيحرم منه) ، إذا مر في طريق بين يلملم وقرن المنازل ينظر أيهما أقرب إليه، فإذا حاذى أقربهما إليه أحرم من محاذاته، ويدل لذلك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جاءه أهل العراق وقالوا: يا أمير المؤمنين إن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل نجد قرناً، وإنها جَوْر عن طريقنا - يعني فيها ميول وبعد عن طريقنا - فقال رضي الله عنه: انظروا إلى حذوها من طريقكم. فأمرهم أن ينظروا إلى محاذاة قرن المنازل ويحرموا، هكذا جاء في صحيح البخاري، وفي حكم عمر رضي الله عنه - هذا فائدة جليلة، وهي أن الذين يأتون عن طريق الطائرات وقد نووا الحج أو العمرة ويمرون بهذه المواقيت إما فوقها أو عن يمينها أو يسارها يجب عليهم أن يحرموا إذا حاذوا هذه المواقيت، ولا يحل لهم أن يؤخروا الإحرام حتى ينزلوا في جدة، كما يفعله كثير من الناس، فإن هذا خلاف ما حدده النبي عليه الصلاة والسلام، وقد قال الله تعالى: (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) الطلاق/1. وقال الله تعالى: (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) البقرة/229.
فعلى الإنسان إذا جاء عن طريق الجو وهو يريد الحج أو العمرة أن يكون متهيئاً للإحرام في الطائرة، فإذا حاذى أول ميقات يمر به وجب عليه أن يحرم، أي أن ينوي الدخول في النسك ولا يؤخر هذا حتى يدخل في مطار جدة " انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
"فتاوى ابن عثيمين" (21/276) .(5/4095)
ميقات العمرة لأهل جدة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا ساكن في جدة وأنا طالب في الجامعة ومتزوج وأهلي يسكنون (أبي وأمي) في مكة وسوف أذهب إلى مكة لزيارتهم والبقاء عندهم إلى يوم السبت , فهل يجوز لي ولزوجتي الإحرام للعمرة يوم السبت من جعرانة لأنها قريبة من سكن أهلي في الشرائع.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كنت عازما على العمرة في سفرك هذا فالواجب عليك أن تحرم بها من جدة، لأن جدة أقرب إلى مكة من الميقات، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن ذكر المواقيت: (فَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ فَمُهَلُّهُ مِنْ أَهْلِهِ،.. حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا) . رواه البخاري (1526) .
وفي حديث آخر: (وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ، حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ) . رواه البخاري (1524) .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله:
جدة ميقات لأهلها والمقيمين بها اهـ
فتاوى ابن باز (17/34) .
وفي فتاوى اللجنة الدائمة (11/126) :
وأما جدة فهي ميقات لأهل جدة والمقيمين بها إذا أراد حجاً أو عمرة اهـ
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4096)
العبرة بميقات الوكيل
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد توفي رجل قبل سنتين ولم يستطع إلى الحج سبيلاً، والآن عائلته وأولاده يرغبون في الحج نيابة عنه، ولكن ليس عندهم فلوس بقدر ما يكفي لهم لإركاب أحد من باكستان ليقوم بالحج عنه، ولذلك يريدون توكيل أحد المسلمين الموجودين بمكة المكرمة ويعطونه مصاريف الحج والهدي. فهل يتم الحج هكذا عنه، ويناله من ثوابه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الصحيح من قولي العلماء أن العبرة بميقات النائب عن غيره وهو الذي يباشر الحج بنفسه، وليست العبرة بميقات من يحج ويعتمر عنه، وعلى هذا يجوز أن توكلوا من يحج عن والدكم من أهل مكة ونحوها من البلاد القريبة من الحرم.
[الْمَصْدَرُ]
انظر فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (11/134)(5/4097)
يشق عليه الإحرام في الطائرة فماذا يفعل
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أراد الحج أو العمرة، ويشق عليه الإحرام بالطائرة، ثم هو مع ذلك لا يعرف مقدار الميقات، فهل له تأخير الإحرام إلى جدة أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا أراد الحج والعمرة وهو في الطائرة فله أن يغتسل في بيته، ويلبس الإزار والرداء إن شاء، وإذا بقي على الميقات شيء قليل أحرم بما يريد من حج أو عمرة، وليس في ذلك مشقة، وإذا كان لا يعرف الميقات فإنه يسأل قائد الطائرة، أو أحد المساعدين له، أو أحد المضيفين، أو الركاب ممن يثق به من أهل الخبرة بذلك.
وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (11/153)(5/4098)
أقام في جدة ثلاثة أيام ثم أحرم منها
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الناس يقول للقادمين إلى جدة للحج أو العمرة: اجلسوا في جدة ثلاثة أيام ثم أحرموا منها، وكثير من الناس يفعلون هذا. فهل هذا الفعل صحيح؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الفعل غير صحيح، والواجب عليهم أن يحرموا من الميقات، فإذا تجاوزوه من غير إحرام وجب عليهم الرجوع إليه ليحرموا منه، فإذا لم يفعلوا وأحرموا من جدة فعليهم ذبح شاة، تذبح وتوزع في مكة على المساكين.
وقد سئل الشيخ ابن باز عن هذه المسألة، فأجاب:
يلزمهم أن يعودوا إلى ميقاتهم إذا كانوا قادمين للحج أو العمرة ولا يجوز لهم تجاوز الميقات بدون إحرام؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام لما وقّت المواقيت لأهل المدينة والشام ونجد واليمن وغيرهم قال: (هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة) فلا بد أن يحرموا من الميقات الذي يمرون عليه إذا كانوا قاصدين الحج أو العمرة فيحرموا منه، فإذا تجاوزوه فإن عليهم الرجوع إليه، فإن تجاوزوه ولم يرجعوا وأحرموا بعده لزمهم دم، وهكذا إن عجزوا عن الرجوع إليه أحرموا من مكانهم وعليهم دم يجزئ في الأضحية يذبح في مكة للفقراء ويقسم بينهم اهـ.
فتاوى الشيخ ابن باز (17/36) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4099)
سيسافر إلى جدة ولا يدري هل يتمكن من الحج أو لا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[سأسافر إلى جدة للعمل قبل الحج إن شاء الله تعالى، وفي نيتي أن أحج إذا تمكنت من ذلك، مع العلم أني قد لا أتمكن من الحج بسبب ظروف العمل. فمن أين أحرم بالحج؟ هل أرجع إلى الميقات أم أحرم من جدة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس عليك الرجوع إلى الميقات، بل تحرم من مكانك الذي عزمت على الحج وأنت فيه، سواء كان من جدة أو غيرها، وذلك لأنك لما مررت بالميقات لم تكن عازماً عزماً جازماً على الحج.
قال الشيخ ابن باز:
من أتى مكة وهو ينوي الحج إن تيسر له ثم تيسر له ذلك فعزم على الحج فإنه يحرم من مكانه سواء كان داخل المواقيت أو في مكة. أما إن كان يعلم أنه يسمح له بذلك فإنه يلزمه الإحرام بالحج من الميقات الذي يمر عليه إذا مر عليه وهو عازم على الحج، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة، ومن كان دون ذلك فمهله من حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة) . متفق عليه اهـ.
فتاوى ابن باز (17/53) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4100)
الاستعداد للإحرام قبل الميقات بنحو (3) ساعات
[السُّؤَالُ]
ـ[نبعد عن مكة حوالي (300) كيلو متر وهذه المسافة لا تستغرق بالسفر في السيارة أكثر 3 ساعات، فهل يجوز لنا أن نغتسل ونلبس ثياب الإحرام في بيوتنا ثم نسافر إلى مكة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم يجوز ذلك، ولكن لا تحرموا إلا عند المرور بالميقات.
وقد سئل الشيخ ابن باز عمن يبعد عن مكة (350) كيلو متر ويسافر إليها بالسيارة هل يجوز له أن يستعد للإحرام في بلده بالاغتسال ولبس ثياب الإحرام؟ وهل يجوز أن يحرم من بلده؟
فأجاب:
لا حرج في الاغتسال ولبس ملابس الإحرام والتطيب من منازلهم لقربهم من الميقات بواسطة السيارات لكن المشروع لهم ألا يحرموا إلا من الميقات، والإحرام هو نية الدخول في النسك هذا هو الإحرام، ثم يشرع لهم مع النية التلفظ بالنسك فيقول لبيك عمرة أو لبيك حجاً، ثم يلبي التلبية الشرعية وهي: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك. وفق الله الجميع لما فيه رضاه اهـ.
فتاوى ابن باز (17/51) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4101)
من أين أحرم النبي صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الرسول صلى الله عليه وسلم أحرم واغتسل من المدينة المنورة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أحرم النبي صلى الله عليه وسلم من ذي الحليفة (وتسمى الآن أبيار علي) ، أي: أهلَّ بالنسك ولبَّى به منها لا من المدينة، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت المواقيت المكانية لنسك الحج والعمرة، فجعل ذا الحليفة ميقاتاً لأهل المدينة، وما كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بشيء ويخالفه، وقد ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة، ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ، حتى أهل مكة من مكة) رواه البخاري (1524) ومسلم (1181)
وثبت عن سالم بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم أنه سمع أباه يقول: (ما أهلَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من عند المسجد، يعني: مسجد ذي الحليفة) رواه البخاري (1541) ومسلم (1186) ، واغتسل بذي الحليفة أيضاً؛ لما روي عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم تجرد لإهلاله واغتسل. رواه الترمذي وحسنه (وصححه الألباني في المشكاة 2547)
وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (11/124) .(5/4102)
يريد أن يعتمر عن نفسه وعن أبيه المتوفى
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الخطوات السليمة لأداء مناسك العمرة عن أبى المتوفى بعد أدائها لنفسى؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عليك أن تحرم بالعمرة عن نفسك من الميقات الذي ستمر به، ثم إذا أتممت العمرة عن نفسك بالطواف والسعي والتقصير من شعرك تخرج إلى التنعيم أو غيره من الحل (خارج الحرم) ثم تحرم عن أبيك بالعمرة فتقول: لبيك اللهم بعمرة عن أبي، ثم تطوف وتسعى وتحلق أو تقصر، والحلق أفضل. ولا يلزمك الرجوع إلى الميقات للإحرام بالعمرة عن أبيك.
قال الشيخ ابن باز:
إذا أردت الحج أو العمرة لك أو لغيرك من الأموات أو العاجزين عن أدائها لكبر سن أو مرض لا يرجى برؤه، فإن الواجب عليك أن تحرم من الميقات الذي تمر عليه وأنت قاصد الحج أو العمرة فإذا فرغت من أعمال العمرة أو الحج فلا حرج عليك أن تأخذ عمرة لنفسك من أدنى الحل كالتنعيم والجعرانة ونحوهما، ولا يلزمك الرجوع إلى الميقات؛ لأن عائشة رضي الله عنها أحرمت بالعمرة من ميقات المدينة مع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فلما فرغت من حجها وعمرتها استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في عمرة مفردة فأمر أخاها عبد الرحمن أن يذهب بها إلى التنعيم فاعتمرت بعد الحج ولم يأمرها بالرجوع إلى الميقات. وكانت قد أدخلت الحج على عمرتها التي أحرمت بها من الميقات بأمر النبي صلى الله عليه وسلم لما حاضت قبل أن تؤدي أعمالها. وبالله التوفيق اهـ
فتاوى ابن باز (17/15) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4103)
ميقات حجاج استراليا
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن نعيش في استراليا، وفي هذا العام يريد وفد كبير من مسلمي استراليا القيام بفريضة الحج، ونحن نسافر من سدني مثلاً وأول محطة لنا وهي أحد ثلاث موانئ جوية: جدة، أبو ظبي، البحرين، فأين ميقات إحرامنا؟ هل نحرم من سدني أو من أي مكان آخر؟ أرجو الإجابة ولكم الشكر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليست سدني ولا أبو ظبي ولا البحرين ميقاتاً لحج ولا عمرة، وليست جدة ميقاتاً لمثلكم، وإنما هي ميقاتٌ لأهلها.
ويجب أن تحرموا إذا كنتم مررتم جواً فوق أول ميقات تمرون عليه قاصدين إلى مكة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لمَّا وقت المواقيت: (هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة) ، وبإمكانكم أن تسألوا مُضِيف الطائرة قبل المرور عليه، وإن نويتم الدخول في الإحرام بالحج أو العمرة ولبيتم بذلك قبل الميقات الذي ستمرون عليه خشية أن تتجاوزوه غير محرمين فلا بأس، أما التهيؤ للإحرام بتنظيف أو غسل أو ارتداء ملابس الإحرام فيجوز في أي مكان.
وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (11/131) .(5/4104)
تجاوز الميقات لمن نوى الحج أو العمرة ثم الرجوع إليه
[السُّؤَالُ]
ـ[حاج ينوي الحج ولكنه له غرض في مكة ثم إلى المدينة، وتجاوز الميقات ولم يحرم، ودخل مكة ثم سافر إلى المدينة وأحرم من ميقات المدينة حاجاً. فما حكم تصرفه هذا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
مادام أن الحاج خرج إلى ميقات أهل المدينة، وأتى محرماً فلا شيء عليه في دخوله بدون إحرام، وكان الأولى له أن يدخل من ميقاته الأول محرماً.
وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (11/155)(5/4105)
تجاوز الميقات من غير أن يحرم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من تجاوز الميقات من غير أن يحرم وهو يريد الحج؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من مَرَّ على الميقات وهو يريد الحج أو العمرة وجب عليه الإحرام من الميقات، فإن تجاوزه ولم يحرم وجب عليه الرجوع ليحرم منه، فإن لم يفعل وأحرم بعد مجاوزته للميقات فالمشهور عند العلماء أن عليه دماً، فيذبح شاة في مكة ويوزعها على المساكين.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله:
من جاوز الميقات لحجٍّ أو عمرة ولم يحرم وجب عليه الرجوع والإحرام بالحج والعمرة من الميقات؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بذلك بقوله: " يهل أهل المدينة من ذي الحليفة ويهل أهل الشام من الجحفة ويهل أهل نجد من قرن ويهل أهل اليمن من يلملم " …. فإذا كان قصده الحج أو العمرة يلزمه الإحرام من الميقات الذي يمر عليه فإذا كان من طريق المدينة أحرم من ذي الحليفة، وإن كان من طريق الشام أو مصر أو المغرب أحرم من الجحفة من رابغ الآن وإن كان من طريق اليمن أحرم من يلملم وإن كان من طريق نجد أو الطائف أحرم من وادي قرن ويسمى حاليا " السيل " ويسميه بعض الناس " وادي محرم " فيحرم من ذلك بحجة أو عمرة أو بهما جميعا..إلخ
فتاوى إسلامية (2 / 201) .
قال الشيخ بن جبرين:
فمن أحرم بعد ما جاوز الميقات فعليه دم جبران، والله أعلم اهـ
"فتاوى إسلامية" (2/198) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4106)
إشكال في ميقات أهل مكة للعمرة
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا يقول العلماء في حديث عائشة رضي الله عنها الذي ورد فيه خروجها إلى التنعيم للعمرة وحديث ابن عباس رضي الله عنهما الذي ورد فيه: «حتى أهل مكة يهلون منها، ممن أراد الحج أو العمرة» ، وكيف نجمع بينهما؟ بينوا لنا الرأي الصحيح الموافق للكتاب والسنة، ومن أين يحرم أهل مكة للعمرة، من التنعيم أم من مكة المكرمة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يحسن أن نذكر أولاً لفظ الحديثين ثم نبين وجه الجمع بينهما.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (وقّت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، قال: «فهن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة، ومن كان دونهن فمهله من أهله، وكذلك أهل مكة من مكة» رواه البخاري ومسلم.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم المحصب (اسم مكان) ، فدعا عبد الرحمن بن أبي بكر فقال: «اخرج بأختك من الحرم (وفي رواية إلى التنعيم) فلتهل بالعمرة، ثم لتطف بالبيت، فإني أنتظركما هاهنا» ، قالت: فخرجنا فأهللت، ثم طفت بالبيت وبالصفا والمروة، فجئنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في منزله في جوف الليل، فقال: «هل فرغت؟» فقلت: نعم، فأذن في أصحابه بالرحيل، فخرج فمر بالبيت فطاف به قبل صلاة الفجر، ثم خرج إلى المدينة. رواه البخاري ومسلم.
وعلى هذا يقال: إن حديث ابن عباس رضي الله عنهما عام في أن أهل مكة يحرمون من مكة بالحج مفرداً وبالعمرة مفردة وبالحج والعمرة قراناً، وحديث خروج عائشة من الحرم مع أخيها عبد الرحمن لتحرم من التنعيم بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وإرشاده خاص، والقاعدة المعروفة المسلمة عند العلماء: أن العام والخاص إذا تعارضا حُمِل العام على الخاص، فيُعمل بالخاص، وهو هنا الإحرام بالعمرة من التنعيم، أو غيره من الحل، فيكون معنى «حتى أهل مكة من مكة» : أن أهل مكة يحرمون بالحج مفرَدَاً أو بالحج والعمرة قراناً، لا يحتاجون إلى الخروج إلى الحل، أو إلى ميقات من المواقيت الأخرى المذكورة في الحديث؛ ليحرموا منه بذلك.
أما العمرة مفردة فعلى من أراد الإحرام بها وهو في مكة أو داخل حدود الحرم أن يخرج إلى الحل -التنعيم أو غيره - ليحرم بها، وبهذا قال جمهور العلماء، بل قال المحب الطبري: لا أعلم أحداً جعل مكة ميقاتاً للعمرة. اهـ.
فيتعين حمل قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس رضي الله عنهما: «حتى أهل مكة من مكة» على القارن والمفرد، دون المعتمر عمرة مفردة.
ويؤيد ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً، فلو كان الإحرام بالعمرة مفردة من الحرم مأذوناً فيه لاختاره لعائشة؛ لكونه أيسر وأقل التزاماً وكلفة بالنسبة له ولعائشة وأخيها، ولم يأمرها بالخروج إلى الحل أو التنعيم؛ لتحرم منه، فعدوله عن الإحرام من الحرم وهو أيسر للجميع إلى الإحرام من الحل مع ما فيه من المشقة والكلفة التي لا توجد في الأمر الأول دليل على أن الإحرام بالعمرة من الحل دون الحرم مقصود إليه مأمور به شرعاً لمن أراد أن يعتمر عمرة مفردة وهو بالحرم.
وبالله التوفيق.
انظر اللجنة الدائمة (11/143) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4107)
هل تضاعف الصلاة في حرم المدينة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[الصلاة في حدود الحرم النبوي أجرها مثل الصلاة في الحرم , وكذلك مكة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ثبت تضعيف أجر الصلاة في المسجد الحرام والمسجد النبوي فيما رواه أحمد وابن ماجه (1406) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ) .
والحديث صححه المنذري والبوصيري، وقال الألباني: " سنده صحيح على شرط الشيخين " انتهى من "إرواء الغليل" (4/146) .
ثانيا:
سبق في جواب السؤال رقم (124812) ذكر الخلاف في " المسجد الحرام " الذي ثبت فيه التضعيف هل يختص بمسجد الكعبة أم يشمل ما كان داخل حدود الحرم، وبَيَّنَّا أن الراجح هو الأول.
ثالثا:
حرم المدينة لا تضعيف فيه، بل التضعيف مختص بالمسجد الذي بناه الرسول صلى الله عليه وسلم، واختلف الفقهاء في حصول ذلك في الزيادة التي طرأت على المسجد بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، والجمهور على أن الصلاة تضاعف فيها كما تضاعف في أصل المسجد.
واستدلوا على ذلك ببعض الآثار.
قال ابن رجب رحمه الله: " وحكم الزيادة حكم المزيد فيه في الفضل أيضا، فما زيد في المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم كله سواء في المضاعفة والفضل.
وقد قيل: إنه لا يعلم عن السلف في ذلك خلاف، إنما خالف فيه بعض المتأخرين من أصحابنا، منهم ابن عقيل وابن الجوزي، وبعض الشافعية.
ولكن قد روي عن الإمام أحمد التوقف في ذلك:
قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله: الصف الأول في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أي صف هو، فإني رأيتهم يتوخون دون المنبر، ويدعون الصف الأول؟ قال: ما أدري. قلت لأبي عبد الله: فما زيد في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فهو عندك منه؟ فقال: وما عندي، إنما هم أعلم بهذا - يعني: أهل المدينة.
وقد روى عمر بن شبة في كتاب أخبار المدينة بإسناد فيه نظر عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو بني هذا المسجد إلى صنعاء لكان مسجدي) فكان أبو هريرة يقول: لو مد هذا المسجد إلى باب داري ما عدوت أن أصلي فيه.
وبإسناد فيه ضعف عن أبي عمرة قال: زاد عمر في المسجد في شاميه، ثم قال: لو زدنا فيه حتى نبلغ الجبانة كان مسجد النبي صلى الله عليه وسلم.
وبإسناده عن ابن أبي ذئب قال: قال عمر: لو مد مسجد النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذي الحليفة كان منه " انتهى من "فتح الباري" لابن رجب (2/479) .
وفي "الموسوعة الفقهية" (37/251) : " طرأت على بناء المسجد النبوي توسعة وزيادات في بنائه عما كان عليه في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، وقد بحث العلماء حكم هذه الزيادة من جهة نيل الثواب، فمنهم من قال إن الفضل الثابت لمسجده صلى الله عليه وسلم ثابت لما زيد فيه.
وإلى هذا ذهب الحنفية والحنابلة وهو اختيار ابن تيمية، قال ابن عابدين: " ومعلوم أنه قد زيد في المسجد النبوي، فقد زاد فيه عمر ثم عثمان ثم الوليد ثم المهدي، والإشارة بهذا [يعني في قول النبي صلى الله عليه وسلم (ومسجدي هذا) ] إلى المسجد المضاف إليه صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن جميع المسجد الموجود الآن يسمى مسجده صلى الله عليه وسلم، فقد اتفقت الإشارة والتسمية على شيء واحد فلم تلغ التسمية فتحصل المضاعفة المذكورة في الحديث، فيما زيد فيه ".
ونقل الجراعي عن ابن رجب مثل ذلك، وأنه قد قيل إنه لا يعلم عن السلف في ذلك خلاف.
وروي عن الإمام أحمد التوقف.
ورجح السمهودي - من المالكية - أن ما زيد في المسجد النبوي داخل في الأفضلية الواردة بالحديث، ونقل عن الإمام مالك أنه سئل عن حد المسجد الذي جاء فيه الخبر هل هو على ما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أو هو على ما عليه الآن؟ فقال بل هو على ما هو الآن، وقال لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بما يكون بعده وزويت له الأرض فأري مشارق الأرض ومغاربها، وتحدث بما يكون بعده فحفظ ذلك من حفظه في ذلك الوقت ونسي ذلك من نسيه، ولولا هذا ما استجاز الخلفاء الراشدون المهديون أن يزيدوا فيه بحضرة الصحابة ولم ينكر عليهم ذلك منكر.
وذهب الشافعية إلى أن هذه الفضيلة مختصة بنفس مسجده صلى الله عليه وسلم الذي كان في زمانه دون ما زيد فيه بعده.
وإلى هذا ذهب ابن عقيل وابن الجوزي وجمع من الحنابلة " انتهى باختصار.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4108)
هل مكة والمدينة محفوظتان من الطاعون والأوبئة العامة كانفلونزا الخنازير؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن لمرض انفلونزا الخنازير أو غيره من الأوبئة أو الطاعون أن ينتشر في مكة والمدينة، أم أنهما محفوظتان من الأوبئة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليست مكة والمدينة في مأمن من الأوبئة، فقد وقع بالمدينة وباء في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقد روى البخاري (2643) عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ قَالَ: (أَتَيْتُ الْمَدِينَةَ وَقَدْ وَقَعَ بِهَا مَرَضٌ، وَهُمْ يَمُوتُونَ مَوْتًا ذَرِيعًا، فَجَلَسْتُ إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ... إلخ) .
ومعنى: ذريعاً: أي: سريعاً.
غير أنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن المدينة لا يدخلها الطاعون، وجاء في بعض ألفاظ الحديث أنه لا يدخل مكة أيضاً.
روى البخاري (1880) ومسلم (1379) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عَلَى أَنْقَابِ الْمَدِينَةِ مَلَائِكَةٌ لَا يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ وَلَا الدَّجَّالُ) .
قال الحافظ في "الفتح":
"وَوَقَعَ فِي بَعْض طُرُق حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة: (الْمَدِينَة وَمَكَّة مَحْفُوفَتَانِ بِالْمَلَائِكَةِ عَلَى كُلّ نَقْب مِنْهُمَا مَلَك لَا يَدْخُلهُمَا الدَّجَّال وَلَا الطَّاعُون) أَخْرَجَهُ عُمَر بْن شَبَّة فِي " كِتَاب مَكَّة " عَنْ شُرَيْح عَنْ فُلَيْح عَنْ الْعَلَاء بْن عَبْد الرَّحْمَن عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا وَرِجَاله رِجَال الصَّحِيح" انتهى.
وقد ذكر النووي رحمه الله عن أبي الحسن المدائني أن مكة والمدينة لم يقع بهما طاعون قط.
"الأذكار" ص 139.
ولكن.. ذكر بعض العلماء أن مكة قد دخلها طاعون عام 749 هـ.
وأجاب الحافظ ابن حجر رحمه الله عن ذلك بأنه لم يكن طاعوناً، وإنما كان وباء آخر، فظن من نقل ذلك أنه طاعون.
فالحاصل: أن مكة والمدينة محفوظتان من الطاعون، وليستا محفوظتان من غيره من الأمراض والأوبئة.
نسأل الله تعالى السلامة والعافية لجميع المسلمين.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4109)
هل الأفضل أن يؤم الناس للتروايح أو يصلي مأموماً في المسجد الحرام
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب من سكان مكة وأحفظ 10 أجزاء من القرآن فأيهما أفضل أصلي التراويح في المسجد الحرام أم الإمامة بالناس؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
أولاً: إذا كان الإنسان قائماً على مسجد، ومكلفاً بإمامة المصلين فيه من الجهات المسئولة أو القائمين على المسجد، ويتقاضى على ذلك مكافأة شهرية، لزمه القيام بواجب الإمامة كما ينبغي، ولا يجوز له الإخلال بها، ولا التخلّف عنها إلا لعذر غالب.
وليس له ترك المسجد القائم عليه، للصلاة في مسجد آخر، ولو كان المسجد الحرام، اللهم إلا أن يقيم مقامه الكفء الذي يرضى عنه أهل المسجد، وتوافق عليه الجهات المسئولة عن المسجد.
قال الشيخ ابن عثيمين: " إذا كان الإنسان موظفاً، أو كان إماماً في مسجد فإنه لا يدع الوظيفة، أو يدع الإمامة ويذهب إلى الصلاة في المسجد الحرام، لأن الصلاة في المسجد الحرام سنة، وأما القيام بالواجب الوظيفي فإنه واجب، ولا يمكن أن يترك الواجب من أجل فعل السنة.
وقد بلغني أن بعض الأئمة يتركون مساجدهم ويذهبون إلى مكة من أجل الاعتكاف في المسجد الحرام، أو من أجل صلاة التراويح، وهذا خطأ؛ لأن القيام بالواجب واجب، والذهاب إلى مكة لإقامة التراويح أو الاعتكاف ليس بواجب ". انتهى من " مجموع الفتاوى والرسائل" (14/241) .
ثانياً: أما إذا كان الإنسان متطوعاً بالإمامة، ويوجد من يقوم مقامه في هذا الأمر، فالأفضل له أن يصلي في المسجد الحرام لعظم أجر الصلاة فيه.
وليس لمن كان مقيماً في مكة أن يزهد في هذا الفضل، بناء على أن فضل الصلاة في المسجد الحرام يشمل جميع مساجد الحرم.
قال الشيخ ابن باز: " الصلاة في المسجد الحرام الذي قرب الكعبة أفضل من وجوه: لكثرة الجمع، ولقربه من الكعبة ومشاهدتها، وللاحتياط في ذلك، واليقين بأنه تضاعف له الصلاة إذا قبلها الله منه، بخلاف من كان في المساجد الأخرى، فإن في ذلك خلافا بين العلماء ".. انتهى "مجموع الفتاوى" ابن باز (30 /78) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4110)
يجوز أخذ لقطة الحرم إذا كانت يسيرة
[السُّؤَالُ]
ـ[وجدت لقطة في مكة حوالي عشرة إلى خمسة عشر ريالا، ما حكمها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"اللقطة الحقيرة لا قيمة لها، إن عرفها فلا بأس، وإن أكلها فلا بأس، وإن تصدق بها فلا بأس؛ لأنها حقيرة ما تتحمل التعريف، العشرة والعشرين والثلاثين أو ما أشبه ذلك، هذه اللقطة اليوم ليس لها أهمية فإن تصدق بها عن صاحبها فلا بأس، وإن استعملها فلا بأس، وإن تركها فلا بأس" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (19/441) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4111)
اللقطة اليسيرة لا تعرف ولو كانت في مكة
[السُّؤَالُ]
ـ[وجدت خمسين ريالاً أثناء رمي الجمار في الحج فماذا أفعل بها؟ وهل أتصدق بها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"هذا مبلغ قليل لا يتحمل التعريف، ولا يتحمل التكلف والتعريف، لكن لو أعطيتها المسؤولين عن اللقطات فلا بأس، وإن عرفتها ما تيسر لك ذلك تقول: من له الدراهم حول المرمى، وفي مجامع الناس لعله يأتيك أحد يصفها ثم تعطيه إياها إذا وافق الوصف فلا بأس، ولو تصدقت بها فلا بأس؛ لأنه مبلغ قليل إن تصدقت بها عن صاحبها فلا بأس إن شاء الله، ولك أجر" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (19/438) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4112)
الأعمال الصالحة في مكة أفضل من غيرها، لكن لا ندري مقدار تفضيلها إلا الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[ (صوم رمضان في مكة يعدل صيام ألف شهر فيما سواه) ، هل هذا حديث صحيح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"ليس بصحيح، فقد ورد حديث ضعيف لا يصح، إنما الثابت في الصلاة فقط، الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة فيما سواه، وفي مسجد النبي صلى الله عليه وسلم خير من ألف صلاة فيما سواه، وأما الصوم فلم يثبت فيه شيء، سوى حديث ضعيف، أنه خير من مائة ألف فيما سواه، لكنه ضعيف، لكن الأعمال الصالحة لها فضل في مكة، الصوم والصدقة والأذكار وغير هذا من الأعمال الصالحة لها فضل، لكن ليس هناك دليل على بيان المضاعفة لكميتها ما عدا الصلاة" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (25/211) .
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(5/4113)
من هم حاضرو المسجد الحرام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قال الله تعالى: (ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) البقرة/196، من هم حاضرو المسجد الحرام؟ هل هم أهل مكة أم أهل الحرم؟ وما رأيكم فيمن قال: إن المكي لن يتمتع ولن يقرن بدون أهله؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"هذا الذي ذكره السائل هو جزء من آية ذكرها الله سبحانه وتعالى فيمن تمتع فقال: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ) البقرة/196، وقد اختلف العلماء رحمهم الله في المراد بحاضري المسجد الحرام.
فقيل: هم من كان داخل حدود الحرم، فمن كان خارج حدود الحرم فليسوا من حاضري المسجد الحرام.
وقيل: هم أهل المواقيت ومن دونهم.
وقيل: هم أهل مكة ومن بينه وبينها دون مسافة القصر.
والأقرب أن حاضري المسجد الحرام هم أهل الحرم.
فمن كان من حاضري المسجد الحرم فإنه إذا تمتع بالعمرة إلى الحج فليس عليه هدي مثل: لو سافر الرجل من أهل مكة إلى المدينة مثلاً في أشهر الحج ثم رجع من المدينة فأحرم من ذي الحليفة بالعمرة مع أنه قد نوى أن يحج هذا العام فإنه لا هدي عليه هنا؛ لأنه من حاضري المسجد الحرام، وكذلك أهل مكة يمكن أن يقرنوا ولكن لا هدي عليهم مثل: أن يكون أحد من أهل مكة في المدينة ثم يحرم من ذي الحليفة في أيام الحج بعمرة وحج قارناً بينهما، فهذا قارن ولا هدي عليه أيضاً، لأنه من حاضري المسجد الحرام" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 70، 71) .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/389) :
"اختلف أهل العلم في المعنى بـ: (حاضري المسجد الحرام) ، والراجح أنهم أهل الحرم.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4114)
ما هو الشيء الذي في الجنة يوجد في الكعبة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الشيء الذي في الجنة يوجد في الكعبة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا نعرف شيئاً في الكعبة ورد في السنة النبوية أنه من الجنة إلا شيئين:
1- الحجر الأسود، وقد ورد ذلك من حديث ابْن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (نَزَلَ الحَجَرُ الأَسْوَدُ مِنَ الجَنَّةِ، وَهُوَ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، فَسَوَّدَتْهُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ) رواه الترمذي (877) .
قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وصححه ابن خزيمة (4/219) ، والضياء المقدسي في "المختارة" (10/260) ، وحسنه ابن القطان في "بيان الوهم والإيهام" (5/732) ، والحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (3/540) ، والألباني في "السلسلة الصحيحة" (2618) .
وجاء من قول ابن عباس وابن عمرو وغيرهما أيضا، انظر "مصنف ابن أبي شيبة" (4/35) ، ومن قول أنس رضي الله عنه في "مسند أحمد" (3/277) .
وانظر جواب السؤال رقم: (1902) ، (21402) ، (45643) .
2- مقام إبراهيم: وقد ورد ذلك في حديث عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو رضي الله عنهما قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ الرُّكْنَ وَالمَقَامَ يَاقُوتَتَانِ مِنْ يَاقُوتِ الجَنَّةِ، طَمَسَ اللَّهُ نُورَهُمَا، وَلَوْ لَمْ يَطْمِسْ نُورَهُمَا لأَضَاءَتَا مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ) .
جاء من طريق مسافع بن شيبة الحجبي عن عبد الله بن عمرو بن العاص.
وقد رواه عن مسافع جماعة من الرواة على وجهين:
أ- موقوفا من كلام عبد الله بن عمرو بن العاص:
كذا رواه الزهري وشعبة، كما ذكره أبو حاتم في "العلل" (1/300) دون أن يورد الأسانيد. ب- مرفوعا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم:
رواه رجاء أبو يحيى عن مسافع.
كما في "مسند أحمد" (2/213) ، وسنن الترمذي (878) ، وصحيح ابن خزيمة (4/219) وصحيح ابن حبان (9/24) ، ومستدرك الحاكم (1/627) .
ورجاء هو ابن صبيح الحَرَشي، قال فيه ابن معين: ضعيف، وقال أبو حاتم: ليس بقوي، وقال ابن خزيمة: لست أعرف أبا رجاء هذا بعدالة ولا جرح، ولست أحتج بخبر مثله.
وقد وثقه الإمام البخاري وابن حبان، وقد اختار توثيقهما الشيخ أحمد شاكر في تحقيق المسند.
انظر: "تهذيب التهذيب" (3/268) .
ورواه مرفوعا أيضا:
شبيب بن سعيد الحبطي، وأيوب بن سويد، عن يونس بن يزيد، عن الزهري عن مسافع، الأول عند البيهقي في "السنن الكبرى" (5/75) ، والثاني عند ابن خزيمة في "صحيحه" (4/219) ، والحاكم في "المستدرك" (1/626) ومن طريقه البيهقي في "السنن الكبرى" (5/75) ، وهذا السند صحيح، فإن شبيب بن سعيد ثقة، وثقة ابن المديني.
انظر ترجمة في: "تاريخ بغداد" (11/329) و "تاريخ الإسلام" (28/381) .
وقد صححه النووي في "المجموع" (8/36) وقال: صحيح على شرط مسلم. وابن تيمية في "المناسك من شرح العمدة" (2/434) ،.
وقال الألباني في تحقيقه لصحيح ابن خزيمة (2731) : إسناده حسن لغيره، فإن أيوب بن سويد سيء الحفظ، وقد تابعة شبيب بن سعيد الحبطي عند البيهقي، وهو ثقة، عن رواية ابنه أحمد عنه، فإسناده صحيح. انتهى.
وقال عنه شعيب الأرنؤوط في تحقيقه لابن حبان (3710) : حديث حسن لغيره، وصححه الألباني أيضاً في صحيح الترمذي (878) .
وقد صححه الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تحقيقه المسند (7000) وأطال في تخريجه.
وقد اختار محققو مسند الإمام أحمد أن الأصح وقفه على عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، وأن إسناد المرفوع ضعيف، وكأن الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في "فتح الباري" (3/540) يميل إلى هذا القول.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4115)
هل يجوز جلب حصى أو تراب من مزدلفة أو من الحرم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أديت فريضة الحج العام الماضي، وعندما كنا في مزدلفة أخذت صخرتين واحتفظت بهم، إلى الآن، فهل في هذا شيء؟ هل يجب عليَّ التخلص منهما؟ وكيف؟ هل تعد مزدلفة من الحرم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله أن يتقبل حجك، وأن تكوني من المغفور لهم ذنوبهم، والذين رجعوا من حجهم بلا ذنب ولا إثم.
ثانياً:
" المزدلفة " من المشاعر، وهي في حدود الحرم، وقد سمَّاها الله تعالى في كتابه " المشعر الحرام " فقال: (فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ) البقرة/198.
قال ابن حزم الأندلسي رحمه الله:
وأما مزدلفة: فهي المشعر الحرام، وهي من الحرم.
" المحلى " (7 / 188) .
وقال النووي رحمه الله:
واعلم أن المزدلفة كلها من الحرم.
" شرح مسلم " (8 / 187) .
ثالثاً:
لا ينبغي أخذ شيء من آثار مكة أو المدينة؛ لعدم ثبوت ذلك عن أحد من سلف هذه الأمَّة؛ لأن ذلك مظنة تعظيم هذه الآثار واعتقاد نفعها، وهو ما جاءت الشريعة بمحاربته، وإغلاق طرقه، نعم، لو كانت الوصية بإحضار ماء زمزم لكان ذلك جائزاً؛ لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ لأنه أخبرنا أنها ماء مباركة، وأن فيها شفاء بإذن الله، وأما ما عداها كترابٍ من عرفة، أو حصى من مزدلفة، أو ما يشبه ذلك: فليس لأحد حمله معه إلى بلاده.
وقد اختلف العلماء في حكم إخراج التراب والحجارة من الحرم إلى ثلاثة أقوال: الجواز، والكراهة، والتحريم، وإلى الجواز ذهب الحنفية، وإلى الكراهة ذهب بعض الشافعية، والتحريم هو قول جمهور الشافعية، وهو الذي لا ينبغي القول بغيره، إذا عُلم أن من يخرجه يريد التبرك به أو تعظيمه. لأن تراب الحرم وحجارته لا يُتبرك بها لا وهي في مكانها في الحرم، ولا هي خارجة عنه.
والخلاف المذكور بين العلماء إنما هو في مجرد الإخراج من الحرم، وليس في التبرك بها، والتعظيم لها.
قال الإمام الشافعي رحمه الله:
"لا خيرَ في أن يُخرج من حجارة الحرم، ولا ترابه شيء إلى الحل؛ لأنَّ له حرمة ثبتت بايَنَ بها ما سواها من البلدان، ولا أرى - والله تعالى أعلم - أن جائزاً لأحد أن يزيله من الموضع الذي باين به البلدان إلى أن يصير كغيره" انتهى.
" الأم " (7 / 155) .
وقال ابن حزم رحمه الله:
"ولا يخرج شيء من تراب الحرم ولا حجارته إلى الحل، ... عن عطاء قال: يُكره أن يُخرج من تراب الحرم إلى الحل، أو يدخل تراب الحل إلى الحرم.
وهو قول ابن أبى ليلى، وغيره، ولا بأس بإخراج ماء زمزم؛ لأن حرمة الحرم إنما هي للأرض، وترابها، وحجارتها، فلا يجوز له إزالة حرمتها، ولم يأت في الماء تحريم" انتهى.
" المحلى " (7 / 262، 263) .
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
يريد أن يحج، ومحمل عدة وصايا، يقول: إنه قد طَلب منه مجموعة من الناس أن يأتي لهم بشيء من مكة، والمدينة، مثل حجر، أو ماء، أو قليل تراب، أو ما شابه ذلك، فكيف أصنع؟ .
فأجاب:
"هذه الوصايا التي أشار إليها، أن يأتي إلى من أوصوه بتراب، أو ماء، أو أحجار من الحرم: لا يلزمه أن يفي بها، وله أن يردها عليهم، ولو كانت وصاياهم بأن يدعو الله لهم في هذه المشاعر: لكان ذلك أولى وأجدر.
إذا استبدل هذه الوصايا بأن يدعو الله لهم في هذه المشاعر بما فيه خيرهم في دينهم ودنياهم: كان ذلك أولى، وأجدر، وأحسن" انتهى.
" فتاوى نور على الدرب ".
رابعاً:
من أخذ شيئا من تراب الحرم إلى خارجه فعليه أن يستغفر الله تعالى من فعله أولاً، ثم عليه أن يرجعه إلى أي بقعة في الحرم إن استطاع، ولا يجب أن يردَّه بنفسه، بل لو أعطاه لمن يوثق به ليرده: جاز له ذلك، فإن لم يستطع هذا ولا ذاك: فيضعها في أي مكان طاهر، وقد قال تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) البقرة/ 286.
جاء في " الموسوعة الفقهية " (17 / 195) :
"صرح الشافعية بحرمة نقل تراب الحرم، وأحجاره، وما عمل من طينه - كالأباريق وغيرها - إلى الحل، فيجب رده إلى الحرم" انتهى.
وقال الماوردي رحمه الله:
"فإن أخرج من حجارة الحرم، أو من ترابه شيئاً: فعليه ردُّه إلى موضعه، وإعادته إلى الحرم" انتهى.
" الحاوي في الفقه الشافعي " (4 / 314) .
ونقله عنه النووي في " المجموع " (7 / 460) وأقرَّه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4116)
قامت بأخذ عيّنة من نباتات في مكة لعمل بحث، فهل تجب عليها كفارة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قبل حوالي أربع سنوات وأنا طالبة في الجامعة، قمت بعمل بحث على أنواع النباتات، وقد أخذت عينه من نباتات مكة (من 3 إلى 5) أوراق شجر من داخل منطقة الحرم، مع العلم أنني لم أقم بقطع غصن أو ما شابه ذلك، مع علمي بحرمة البلد الحرام؛ ولكن عللت فعلي بأنه في سبيل العلم، وأنه جائز؟! أفيدوني بارك الله فيكم: هل تجب علي كفارة؟ وإذا وجبت بكم تقدر وكيف توزع؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فقد وردت الأحاديث الكثيرة في الصحيحين وغيرهما في تحريم شجر الحرم المكي، من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم عن مكة: (أَلَا وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ بَعْدِي، أَلَا وَإِنَّهَا حَلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ؛ أَلَا وَإِنَّهَا سَاعَتِي هَذِهِ حَرَامٌ؛ لَا يُخْتَلَى [أي: لا يحصد] شَوْكُهَا وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا وَلَا تُلْتَقَطُ سَاقِطَتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ) رواه البخاري (112) ومسلم (1355) .
قال الإمام ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (3/161) : " أجمع أهل العلم على تحريم قطع شجر الحرم , وإباحة أخذ الإذخر , وما أنبته الآدمي من البقول والزروع والرياحين. حكى ذلك ابن المنذر" انتهى.
وهم وإن أجمعوا على تحريم قطع شجر الحرم، فقد اختلفوا في مسائل، منها:
هل يحرم كل شيء في الحرم، أم التحريم خاص لما نبت بنفسه؟ فأكثر أهل العلم يقولون المحرم إنما هو ما نبت بنفسه، أما ما غرسه الآدمي فليس بحرام.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (7/218) : " المحرم ما كان من شجر الحرم، لا من شجر الآدمي، وعلى هذا فما غرسه الآدمي أو بذره من الحبوب فإنه ليس بحرام، لأنه مُلْكه ولا يضاف إلى الحرم، بل يضاف إلى مالكه." انتهى.
ومنها: هل يحرم أخذ الورق من الشجر المحرم أم لا؟ فالحنابلة لا يجيزون أخذ الورق، خلافاً لجمهور أهل العلم القائلين بجواز أخذه؛ لأنه لا يضر بالشجر، وعلى هذا المذاهب الثلاثة. قال ابن قدامة في "المغني" (3/170) : " وليس له أخذ ورق الشجر. وقال الشافعي: له أخذه ; لأنه لا يضر به. وكان عطاء يرخص في أخذ ورق السَّنَى [نبت يُتداوى به] , يستمشي به [أي يُشرَبُ ماؤُه للمَشِيِّ، كما في تاج العروس] , ولا يُنزع من أصله. ورخص فيه عمرو بن دينار.
ولنا , أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {لا يخبط شوكها , ولا يعضد شجرها} , رواه مسلم. ولأن ما حرم أخذه حرم كل شيء منه , كريش الطائر.
وقولهم: لا يضر به. لا يصح فإنه يضعفها , وربما آل إلى تلفها " انتهى.
وعلى هذا فإن كان ما أخذته الأخت السائلة من الأوراق قد أخذته من شجر لم يغرسه الأدمييون، فإن أخذها له محل خلاف بين العلماء؛ والجمهور على جوازه، ويمنعه الحنابلة، إن لم تكن هناك حاجة عامة تدعو إلى أخذه؛ فإن كانت قد أخذته مع إمكان أن تستغني عنه بغيره من أشجار الحل، فينبغي أن تستغفر وتتوب إلى الله تعالى، وإن كانت هناك حاجة تعليمية تعود على عموم الناس بالنفع ولا يقوم شجر الحل مقامها، فلا حرج إن شاء الله.
وعلى كل الاحتمالات، لا ضمان عليها ولا كفارة، لأن الفقهاء الذين يمنعون أخذ الورق وهم الحنابلة، لا يوجبون ضمان شجر الحرم، وبهذا أفتت اللجنة الدائمة للإفتاء.
جاء فيها: " وإذا أتلف شيئاً من شجر الحرم أو حشائشه مملوكاً لأحد فكذلك عليه قيمته لمالكه، وإن لم يكن مملوكاً لأحد فلا شيء عليه، ولا ينبغي له تعمد ذلك؛ لنهيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك "
"فتاوى اللجنة الدائمة" (13/209)
... أما إن كان هذا الشجر مملوكاً فلا حرج في أخذ هذه الأوراق إن شاء الله لأن هذا مما جرت العادة بالمسامحة فيه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4117)
هل الحجر الأسود من السماء
[السُّؤَالُ]
ـ[عن عمر أنه قبَّل الحجر وقال: إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُك ما قبلتك. هل الحجر الأسود نزل من السماء؟ أو هو حجر كسائر الأحجار؟ وما المراد بوضع هذا الحجر في ذلك الموضع؟ وبعض الناس يظنون أنها هي قبلة المسلمين في صلاتهم، معاذ الله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحجر الأسود اختصه الله سبحانه بما شرعه لنا من تقبيله واستلامه، وأراد أن يكون في ركن الكعبة التي نستقبلها في صلاتنا، وشرع تقبيله واستلامه للطائفين؛ مع القدرة، فإن لم يتيسر فالإشارة إليه عند محاذاته مع التكبير، وقد ورد حديث رواه الترمذي وغيره في أنه نزل من الجنة، لكن في سنده ضعف........ (والحديث رواه الترمذي وصححه الألباني في صحيح الترمذي 695) .
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (فتاوى اللجنة 11/228) .(5/4118)
حكم إدخال الخادمات غير المسلمات لمكة في موسم الحج
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز إدخال غير المسلمين إلى مكة المكرمة كالخادمات لفترة الحج أو العمرة، بحجة أن الشخص لا يجد لها مكاناً يبقيها فيه خلال فترة غيابه عن بلده؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
اتخاذ خادمات في البيوت له مفاسد لم تعد تخفى على أحد، وكم تسبب وجود الخادمات في كثير من المشكلات في بيوت المسلمين، ووقع كثيرون في المعاصي الصغيرة والكبيرة بسبب ذلك، فمنهن من يستعملن السحر لتثبيت وجودها في المنزل، أو لكف الأذى عنها، ومنهن من توقع صاحب المنزل أو أبناءه في غرامها، وتُفعل الفواحش في تلك البيوت، ومنهن من تتسبب بالأذى والضرر للأطفال الصغار سواء في بدنه أو في دينه، وهكذا في مفاسد يصعب حصرها.
ويرجى النظر في جواب السؤال رقم (26282) ففيه زيادة بيان حول مفاسد إحضار الخادمات، وشروط جواز ذلك.
ثانياً:
إذا كانت الأسرة مضطرة لوجود خادمة في البيت، بسبب كثرة الأعمال البيتية، وبشرط الالتزام بالشروط الشرعية: فإنه يجوز لصاحب البيت إحضار خادمة للعمل، ويُفضَّل أن تكون مسلمة؛ لما في اتخاذها كافرة من مخاطر كبيرة على الأسرة.
ولينظر جواب السؤال رقم (31242) ففيه شروط استخدام خادم غير مسلم.
وأما إن كانت الأسرة تعيش في " الجزيرة العربية " فإنه لا يجوز لهم إحضار الخادمات الكافرات للعمل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإخراج المشركين من جزيرة العرب.
فعن عُمَر بْن الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لَأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، حَتَّى لاَ أَدَعَ فِيهَا إِلَّا مُسْلِماً) رواه مسلم (1767) .
وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَوْصَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ مَوْتِهِ بِثَلَاثٍ منها: (أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ) رواه البخاري (2888) ومسلم (1637) .
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (1 04806) .
ثالثاً:
أما جلب الخادمات الكافرات وغيرهن من الكفار إلى الحرم: فلا يجوز سواء للعمرة أو للحج أو لغيرهما، وهذا وجه آخر في المنع من دخولهم الحرم، فهو من جهة داخل قطعاً في " جزيرة العرب " التي نص النبي صلى الله عليه وسلم على تحريم دخولهم فيها، وكذلك من وجه آخر أنه قد وردت النصوص بتخصيص الحرم من منع دخولهم فيه، وهو المعمول به منذ أزمان بعيدة بفضل الله تعالى وتوفيقه.
ومعنى هذا أنه من كان لوجوده في جزيرة العرب من الكفار مصلحة للمسلمين، أو كان أحدٌ قد تساهل في جلب الكفار لها: فإنه لا يجوز التعدي على الشرع من الجهة الأخرى بإدخالهم إلى حدود الحرم.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا) التوبة/28.
والمسجد الحرام هنا هو: الحرم كله.
قال النووي رحمه الله:
والمراد بالمسجد الحرام ها هنا: الحرم كله، فلا يمكَّن مشرك من دخول الحرم بحال، حتى لو جاء في رسالة أو أمر مهم لا يمكَّن من الدخول، بل يُخرج إليه من يقضى الأمر المتعلق به، ولو دخل خفية ومرض ومات: نبش وأخرج من الحرم.
" شرح مسلم " (9 / 116) .
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: بالنسبة لحكم استصحاب الخادمة الكافرة وإدخالها إلى الحرم؟ .
فأجاب:
أجبني: كيف يذهب بامرأة كافرة إلى المسجد الحرام والله عز وجل يقول: (فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ) التوبة/28؟ لا، هذا حرام عليه، وإذا قدِّر أنه اضطر إلى هذا يقول لها: أسلمي، فإن أسلمت: فهذا المطلوب، وإن لم تسلم: إما أن يبقى معها، وإما أن يرسلها إلى أهلها، وأما أن يأتي بها إلى مكة: فهذا لا يجوز، أولاً: معصية لله عز وجل، ثانياً: امتهان للحرم.
السائل:
هو يا شيخ من غير هذه البلاد، وجاء بها، وعندما سأل عن الحكم وقيل له: لا يجوز، هل يرجع هو وإياها؟ .
الشيخ:
نعم، يرجع هو وإياها، أو يردها إلى بلدها.
" لقاءات الباب المفتوح " (196 / السؤال رقم 18) .
والخلاصة:
أن جلب الخادمات وعملهن في بيوت المسلمين فيه محاذير ومخالفات شرعية كثيرة، وتزداد هذه المحاذير إذا كانت الخادمة غير مسلمة، وأنه لا يجوز جلب الخادمات الكافرات إلى جزيرة العرب، ولا دخولهن حدود الحرم.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4119)
ليس على الحائض حرج في دخولها للمدينة النبوية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمرأة أن تدخل الحرم المدني وهي حائض؟ وماذا عليها إذا كانت حائضاً وهي في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا تُمنع المرأة الحائض من دخول مكة ولا المدينة، وليس في النصوص ما يمنعها من دخولهما، بل النصوص تدل على عكس ذلك، فالنساء اللاتي يأتين للحج والعمرة يمكن أن يكنَّ حيَّضاً وهنَّ ممنوعات من الطواف بالبيت فقط، وقد كانت عائشة رضي الله عنها مع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وحاضت قبل دخول مكة، ولم يمنعها صلى الله عليه وسلم من دخولها حتى تطهر! بل أمرها أن تفعل جميع مناسك الحج إلا الطواف بالبيت، فإنها تؤجله حتى تطهر، فقال صلى الله عليه وسلم: (افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي) رواه البخاري (305) ومسلم (1211) .
والنساء اللاتي يسكنَّ المدينة ألم يكن يصيبهن الحيض؟ فهل كانوا يخرجن من المدينة؟! فالحاصل أنه لا حرج في دخول الحائض مكة والمدينة وبقائها فيهما، والأمر أوضح من أن يستدل له.
وأما دخول الحائض المسجد (سواء كان المسجد الحرام بمكة، أو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، أو غيرهما من المساجد) فقد سبق في جواب السؤال (33649) أنه لا يحل لها دخول المسجد، فلينظر.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4120)
ما حكم إرسال السلام للنبي صلى الله عليه وسلم مع الذاهبين للمدينة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم إرسال السلام مع الحجاج للنبي صلى الله عليه وسلم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الفعل غير مشروع، ولم يكن هذا من فعل أهل القرون الفاضلة، ولا عقلاء المسلمين؛ لأنه يمكن لأي أحدٍ أن يسلِّم على النبي صلى الله عليه وسلم في أي مكانٍ كان، وقد تكفَّل الله تعالى بتوصيل هذا السلام مع ملائكة جعل الله هذا الأمر وظيفتهم، وعليه: فإن من يسلم على النبي صلى الله عليه وسلم في أي مكان فإن سلامه سيصل يقيناً، فأين هذا من تكليف زائر للمدينة النبوية بالسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يُدرى أيصل أم لا، ولا يُدرى أيذكر أم ينسى؟
فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أمتي السلام) رواه النسائي (1282) وصححه الألباني في " صحيح الترغيب " (1664) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، ولا تجعلوا قبري عيداً، وصلُّوا عليَّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم) رواه أبو داود (2042) وصححه الألباني في " صحيح الجامع " (7226) .
قال علماء اللجنة الدائمة:
تحميل الإنسان غيره السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم أو غيره من الأموات: ليس مشروعاً، بل هو بدعة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار) .
فالواجب ترك هذا العمل وتنبيه من يقع فيه إلى أنه لا يجوز، ومِن فضل الله علينا أن جعلَ سلامَنا على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يبلغه أينما كنَّا، في مشارق الأرض ومغاربها، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن لله في الأرض ملائكة سياحين يبلغوني من أمتي السلام) رواه الإمام أحمد والنسائي وغيرهما، وقال صلى الله عليه وسلم: (خير أيامكم يوم الجمعة، فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم) ، وقال عليه الصلاة والسلام: (لا تجعلوا قبري عيداً، ولا بيوتكم قبوراً، وصلُّوا عليَّ، فإن صلاتكم تبلغني أين كنتم) ، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (16 / 29، 30) .
قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك حفظه الله - عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية -:
إرسال السلام على النبي صلى الله عليه وسلم مع مَن يسافر إلى المدينة: لا أصل له، فلم يكن من عادة السلف الصالح من الصحابة رضي الله عنهم، والتابعين، وأهل العلم إرسال السلام، ولم ينقل عن أحد منهم شيء من ذلك؛ لأنه صلى الله عليه وسلم يُبلَّغُ صلاة أمته وسلامها عليه، كما في الحديث الصحيح: (لا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا، وَلا تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا، وَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ صَلاتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُمْ) أخرجه أبو داود (2042) ، وفي لفظ: (فإنَّ تَسْلِيمَكُمْ يَبْلُغُنِي أَيْنَمَا كُنْتُمْ) أخرجه أبو يعلى (469) .
وعلى هذا: فالتعبد بإرسال السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم: بدعة، بل ولا يشرع إرسال السلام إلى الميت، وإنما يسلم على الميت من يزوره، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يزور أهل البقيع ويسلم عليهم ويدعو لهم، ويُعلِّمُ أصحابه رضي الله عنهم كيف يقولون إذا زاروا القبور، كقوله صلى الله عليه وسلم: (السَّلامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَلاحِقُونَ، أَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمْ الْعَافِيَةَ) أخرجه مسلم (975) وقال لعائشة رضي الله عنها: (قُولِي: السَّلامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَيَرْحَمُ اللَّهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالْمُسْتَأْخِرِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَلاحِقُونَ) أخرجه مسلم (974) ، وإنما يبلغ السلام من الغائب للحي.
والمقصود: أن الله يسَّر على هذه الأمة أن يصلُّوا ويسلِّموا على نبيِّهم صلى الله عليه وسلم، ويكثروا من ذلك في أي بقعة من الأرض، وقد ورد أن الله وكّل بقبره صلى الله عليه وسلم ملائكة يبلغونه من أمته صلاتهم وسلامهم عليه، صلى الله عليه وسلم، والله أعلم.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
ومع هذا نقول: أنتَ لو سلَّمتَ عليه في أقصى الدنيا فإن سلامك سوف يبلغه؛ لأن الله وكَّل ملائكة سيَّاحين في الأرض إذا سلَّم أحدٌ على الرسول صلى الله عليه وسلم نقلوا السلام إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فنحن الآن إذا قلنا: " اللهم صلِّ وسلِّم على رسول الله ": نُقل سلامنا إليه، في الصلاة تقول: " السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته " يُنقل السلام إليه. . .
سمعتُ بعض الناس يقول في المدينة: إن أبي وصَّاني أن أسلِّم على الرسول، وقال: سلِّم لي على الرسول، وهذا غلط، والرسول صلى الله عليه وسلم ليس حيّاً حتى يُنقل سلام الحي له، ثم إذا سلَّم أبوك على الرسول نَقل سلامَه مَن هو أقدر منك على إبلاغه وأوثق منك، وهم الملائكة.
إذن: لا حاجة إلى هذا، ونقول: أنت في مكانك، في أي مكان من الأرض تقول " السلام عليك أيها النبي " وسيبلغه بأسرع من هذا وأوثق وأحسن.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (23/416، 417) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4121)
الركن اليماني
[السُّؤَالُ]
ـ[يتعلق سؤالي بالكعبة المشرفة , فقد ذهبت لأداء العمرة منذ سنتين ومن حسن حظي أنني قمت بالطواف قريبا جدا من جدران الكعبة. ولدهشتي وجدت أن للركن اليماني للكعبة شيئا غريبا يشبه الحجر وعليه علامات. أود أن أعرف ما هذا الشيء , وما هو اسمه , وهل يسمح لنا بتقبيله , كما نقبل الحجر الأسود؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد جاء في كتاب (التاريخ القويم لمكة وبيت الله الكريم) لمؤلفه محمد طاهر الكردي المكي ج3 ص 256 أن حجر الركن اليماني يرجع عهده إلى بناء عبد الله بن الزبير رضي الله عنه، وأنه باق إلى يومنا هذا، وأن كل من جدد بناء الكعبة حافظ على هذا الركن. وذكر أنه في عام 1040 هـ في عهد السلطان مراد الرابع الذي جدد بناء الكعبة، انكسر طرف حجر الركن، فوُضع في محل ذلك رصاص مذاب.
وقد سبق ذلك إلصاق قطع الركن وتسميرها، في عهد الفاطميين.
فلعل ما شاهدته هو ذلك الرصاص وأثر المسامير، مع تغير لونها من أثر الطيب واستلام الطائفين.
والمشروع هو استلام هذا الركن دون تقبيل أو تكبير فإن لم يتمكن من استلامه فإنه لا يشير إليه؛ لعدم ورود ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
الركن اليماني كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستلمه ولم يكن يكبر، وعلى هذا فلا يسن التكبير عند استلامه.
الشرح الممتع 7/283
وقال الشيخ الألباني رحمه الله:
ويستلم الركن اليماني بيده في كل طوافة، ولا يقبله، فإن لم يتمكن من استلامه لم تشرع الإشارة إليه بيده.
مناسك الحج والعمرة ص 22
أما الاستلام فقد دل عليه ما رواه الحاكم من حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا طاف بالبيت استلم الحجر والركن في كل طواف " صحيح الجامع رقم 4751.
وجاء في فضل استلام الركن اليماني قوله صلى الله عليه وسلم: " إن مسح الحجر الأسود والركن اليماني يحطان الخطايا حطا " رواه أحمد عن ابن عمر وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 2194
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4122)
حِجر إسماعيل، تسمية لا أصل لها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل دفنَ إسماعيل عليه السلام والدته هاجر في "حِجْرِ إسماعيل"؟ فقد سمعت ذلك من أحد شيوخنا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ننبه أولا إلى أن تسمية الناس للحِجر بحِجر إسماعيل تسمية لا أصل لها، ولا علم لإسماعيل عليه السلام بهذا الحجر، فقد بنى إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام الكعبة بناء كاملا مشتملا على هذا الحجر، ثم إن جدران الكعبة تصدعت من أثر حريق وسيل جارف حدث قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، فهدمت قريش ما بقي من جدرانها، ثم أعادت بناءها، فقصرت بها النفقة الطيبة عن إتمام البناء على قواعد إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، فأخرجوا منها الحِجر، وبنوا عليه جدارا قصيرا دلالة على أنه منها، وكانوا قد شرطوا على أنفسهم ألا يدخلوا في بنائها إلا نفقة طيبة، لا يدخلها مهر بغي ولا بيع ربا، ولا مظلمة لأحد.
وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الجَدْر أمن البيت هو؟ قال نعم. قلت: فما بالهم لم يدخلوه في البيت؟ قال إن قومك قصرت بهم النفقة "
رواه البخاري 1584 ومسلم 1333.
والجَدر: لغة في الجدار، والمراد به الحِجر.
فالصواب أن يقال: الحجر، دون أن ينسب إلى إسماعيل عليه السلام.
ولم يثبت في حديث مرفوع أن هذا الحجر دفن فيه إسماعيل عليه السلام، أو دفنت فيه هاجر. لكن وردت آثار موقوفة بأسانيد واهية تفيد أن قبر إسماعيل عليه السلام في الحجر.
وانظر في ذلك: تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد للشيخ اللأباني رحمه الله ص 75، 76
وكون إسماعيل عليه السلام يدفن أمه داخل الكعبة، أو يدفنه أبناؤه فيها أمر مستبعد غاية الاستبعاد، والقول به فرع عن ثبوته، ولم يثبت شيء من ذلك ولله الحمد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4123)
هل يجوز دخول غير المسلم المدينة المنورة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز دخول غير المسلم المدينة المنورة أي: داخل الحرم (للحاجة) ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يجوز أن يمكَّن الكفار من السكنى في جزيرة العرب، وقد اختلف أهل العلم في تحديد الجزيرة، لكنهم لم يختلفوا في كون المدينة النبوية منها.
قال ابن قدامة:
ولا يجوز لأحد منهم (يعني: الكفار) سكنى الحجاز، وبهذا قال مالك , والشافعي، إلا أن مالكا قال: أرى أن يجلوا من أرض العرب كلها ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يجتمع دينان في جزيرة العرب "، وروى أبو داود بإسناده عن عمر أنه " سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب , فلا أترك فيها إلا مسلما " قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وعن ابن عباس قال: " أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاثة أشياء , قال: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب , وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم، وسكت عن الثالث " رواه أبو داود. " المغني " (9 / 285، 286) .
ثانياً:
يجوز للكفار دخول المدينة للتجارة دون الإقامة، ويُعطون وقتا كافياً ثم يؤمرون بالمغادرة.
قال ابن قدامة – رحمه الله -:
ويجوز لهم دخول الحجاز للتجارة ; لأن النصارى كانوا يتجرون إلى المدينة في زمن عمر رضي الله عنه وأتاه شيخ بالمدينة , فقال: أنا الشيخ النصراني , وإن عاملك عَشَّرَني (أي: أخذ مني العشر) مرتين، فقال عمر: وأنا الشيخ الحنيف، وكتب له عمر: أن لا يُعَشِّروا في السنة إلا مرة، ولا يؤذن لهم في الإقامة أكثر من ثلاثة أيام - على ما روي عن عمر , رضي الله عنه - ثم ينتقل عنه، وقال القاضي: يقيم أربعة أيام حد ما يتم المسافر الصلاة. " المغني " (9 / 286) .
ثالثاً:
ما ذكرناه في المدينة وحرمها لا ينطبق على الحرم المكي، إذ الكفار ممنوعون من دخوله على كل حال.
جاء في " الموسوعة الفقهية " (3 / 130، 131) :
يرى الجمهور , ومعهم محمد بن الحسن من الحنفية: أنه لا يجوز للكافر دخول الحرم المكي بحال، ومذهب الحنفية أن ذلك جائز بصلح أو إذن.
وأما حرم المدينة فإنه لا يمنع من دخوله لرسالة أو تجارة أو حمل متاع، وأما ما عدا ذلك - من أرض العرب - فلا يدخله الكافر إلا بإذن أو صلح، وللفقهاء في ذلك تفصيل ... انتهى
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4124)
ما هو الملتزَم؟ وما هي كيفية الدعاء عنده؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الملتزم؟ وما كيفية الدعاء عنده؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الملتزم: هو من الكعبة المشرَّفة ما بين الحجر الأسود وباب الكعبة، ومعنى التزامه أي: وضع الداعي صدره ووجهه وذراعيه وكفيه عليه ودعاء الله تعالى بما تيسر له مما يشاء.
وليس هناك دعاء معين يدعوه المسلم في ذلك المكان، وله أن يلتزمه عند دخوله الكعبة (إن تيسَّر له دخولها) ، وله أن يفعله قبل طواف الوداع، وله أن يفعله في أي وقت شاء، وينبغي للداعي أن لا يضيِّق على غيره فيطيل الدعاء، كما لا يجوز مزاحمة الناس وأذيتهم من أجله، فإن رأى فسحة ومجالاً دعا وإلا فيكفيه الدعاء في الطواف وسجود الصلاة.
والذي جاء عن الصحابة – رضي الله عنهم – في الالتزام أصح مما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم.
عن عبد الرحمن بن صفوان قال: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قلت: لألبسن ثيابي، وكانت داري على الطريق فلأنظرن كيف يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلقت فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم قد خرج من الكعبة هو وأصحابه وقد استلموا البيت من الباب إلى الحطيم وقد وضعوا خدودهم على البيت ورسول الله صلى الله عليه وسلم وسطهم. رواه أبو داود (1898) وأحمد (15124) .
وفيه: يزيد بن أبي زياد، ضعَّفه ابن معين وأبو حاتم وأبو زرعة وغيرهم.
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه قال: طفت مع عبد الله فلما جئنا دبر الكعبة قلت: ألا تتعوذ؟ قال: نعوذ بالله من النار، ثم مضى حتى استلم الحجر، وأقام بين الركن والباب، فوضع صدره ووجهه وذراعيه وكفيه هكذا وبسطهما بسطا، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله. رواه أبو داود (1899) وابن ماجه (2962) . وفيه: المثنى بن الصباح، ضعَّفه الإمام أحمد وابن معين الترمذي والنسائي وغيرهم. والحديثان يشهد كلٌّ منهما للآخر. وقد صححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (2138)
وذكر عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: " الملتزم بين الركن والباب ".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
وإنْ أحبَّ أنْ يأتيَ الملتزم - وهو ما بين الحجر الأسود والباب - فيضع عليه صدره ووجهه وذراعيه وكفيه ويدعو ويسأل الله تعالى حاجته فعل ذلك، وله أنْ يفعل ذلك قبل طواف الوداع فإنَّ هذا الالتزام لا فرق بين أنْ يكون حالَ الوداع أو غيره، والصحابة كانوا يفعلون ذلك حين دخول مكة، وإنْ شاء قال في دعائه الدعاء المأثور عن ابن عباس: اللهمَّ إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك حملتني على ما سخرتَ لي مِن خلقك وسيرتَني في بلادك حتى بلغتَني بنعمتِك إلى بيتِك وأعنتَني على أداء نسكي فإنْ كنتَ رضيتَ عني فازدَدْ عني رضا وإلا فمِن الآن فارضَ عني قبل أنْ تنآى عن بيتك داري فهذا أوان انصرافي إنْ أذنتَ لي غير مستبدلٍ بك ولا ببيتِك ولا راغبٍ عنك ولا عن بيتِك اللهمَّ فأصحبني العافيةَ في بدني والصحةَ في جسمي والعصمة في ديني وأحسن منقلبي وارزقني طاعتك ما أبقيتَني واجمع لي بين خيري الدنيا والآخرة إنك على كل شيء قدير.
ولو وقف عند الباب ودعا هناك من غير التزام للبيت كان حسناً. " مجموع الفتاوى " (26 / 142، 143) .
وقال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله -:
وهذه مسألة اختلف فيها العلماء مع أنها لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم (يعني لم ترد في حديث صحيح، بناءً على تضعيف الأحاديث الواردة في هذا) ، وإنما عن بعض الصحابة رضي الله عنهم، فهل الالتزام سنة؟ ومتى وقته؟ وهل هو عند القدوم، أو عند المغادرة، أو في كل وقت؟ .
وسبب الخلاف بين العلماء في هذا: أنه لم ترد فيه سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن الصحابة – رضي الله عنهم – كانوا يفعلون ذلك عند القدوم.
والفقهاء قالوا: يفعله عند المغادرة فيلتزم في الملتزم، وهو ما بين الركن الذي فيه الحجر والباب ...
وعلى هذا: فالالتزام لا بأس به ما لم يكن فيه أذية وضيق. " الشرح الممتع " (7 / 402، 403) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4125)
أسئلة عن الحجر الأسود
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت مقالة عن " الحجر الأسود " وأريد أن أتأكد من صحة الأحاديث والروايات هل هي صحيحة ويؤخذ بها أم أنها موضوعة جزاك الله كل خير؟ والمقالة هي:
" صدِّق أو لا تصدق "
نعم، هناك حجر واحد فقط على وجه الأرض يطفو فوق الماء، إنه " الحجر الأسود " الموجود في الركن الجنوبي الشرقي من الكعبة المشرفة في الحرم الشريف في مكة المكرمة، قال جلال السيوطي: يقال إنه لما اشترى المطيع لله الحجر الأسود من أبي طاهر القرمطي جاء عبد الله بن عُكيم المحدث وقال: إن لنا في حجرنا آيتين: إنه يطفو على الماء، ولا يحمو بالنار، فأتى بحجر مضمخ بالطيب مغشي بالديباج ليوهموه بذلك، فوضعوه في الماء فغرق، ثم جعلوه في النار فكاد أن يتشقق، ثم أتي بحجر آخر ففعل به ما فعل بما قبله فوقع له ما وقع له، ثم أتي بالحجر الأسود فوضع في الماء فطفا، ووضع في النار فلم يحم، فقال عبد الله: هذا حجرنا، فعند ذلك عجب أبو طاهر القرمطي وقال: من أين لكم؟ فقال عبد الله: ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الحجر الأسود يمين الله في أرضه يأتي يوم القيامة له لسان يشهد لمن قبَّله بحق أو باطل لا يغرق في الماء ولا يحمى بالنار ... ".
و" الحجر الأسود " هو الذي يبدأ منه الطواف في الركن الجنوبي الشرقي من الكعبة المشرفة، وأصله من يواقيت الجنة، ولونه المغمور أبيض كلون المقام، وهو موضع سكب العبرات، واستجابة الدعاء، ويُسن استلامه وتقبيله، وهو يمين الله في الأرض بمعنى أنه مقام مصافحة العهد مع الله على التوبة، ويشهد يوم القيامة لكل من استلمه، ومن فاوضه فإنما يعاهد يد الرحمن، ومسحه يحط الخطايا حطّاً، وهو ملتقى شفاه الأنبياء والصالحين والحجاج والمعتمرين والزوار فسبحان الله العظيم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الحجر الأسود هو: الحجر المنصوب في الركن الجنوبي الشرقي للكعبة المشرفة من الخارج في غطاء من الفضة وهو مبدأ الطواف ويرتفع عن الأرض الآن متراً ونصف المتر.
وما ذُكر في المقال الوارد ضمن السؤال فيه حق عليه أدلة صحيحة، وفيه ما لا أصل له.
وقد ذكرنا في جواب السؤال رقم (1902) أكثر ما ورد في السنة الصحيحة عن " الحجر الأسود "، ومنه: أن الحجر الأسود أنزله الله تعالى إلى الأرض من الجنة، وكان أشد بياضا من اللبن فسودته خطايا بني آدم، وأنه يأتي يوم القيامة له عينان يبصر بهما ولسان ينطق به يشهد لمن استلمه بحق، وأن استلامه أو تقبيله أو الإشارة إليه: هو أول ما يفعله من أراد الطواف سواء كان حاجا أو معتمراً أو متطوعاً، وقد قبَّله النبي صلى الله عليه وسلم، وتبعه على ذلك أمته، فإن عجز عن تقبيله فيستلمه بيده أو بشيء ويقبل هذا الشيء، فإن عجز: أشار إليه بيده وكبَّر، ومسح الحجر مما يكفِّر الله تعالى به الخطايا.
ثانياً:
وأما بخصوص سرقة القرامطة للحجر الأسود له ومكثه عندهم فترة كبيرة: فصحيح.
قال ابن كثير – في حوادث 278 هـ -:
وفيها تحركت القرامطة، وهم فرقة من الزنادقة الملاحدة أتباع الفلاسفة من الفرس الذين يعتقدون نبوة زرادشت ومزدك، وكانا يبيحان المحرمات.
ثم هم بعد ذلك أتباع كل ناعق إلى باطل، وأكثر ما يفسدون من جهة الرافضة ويدخلون إلى الباطل من جهتهم؛ لأنهم أقل الناس عقولاً، ويقال لهم: الإسماعيلية؛ لانتسابهم إلى إسماعيل الأعرج بن جعفر الصادق.
ويقال لهم: القرامطة، قيل: نسبة إلى قرمط بن الأشعث البقار، وقيل: إن رئيسهم كان في أول دعوته يأمر من اتبعه بخمسين صلاة في كل يوم وليلة ليشغلهم بذلك عما يريد تدبيره من المكيدة ...
والمقصود: أن هذه الطائفة تحركت في هذه السنة، ثم استفحل أمرهم وتفاقم الحال بهم - كما سنذكره - حتى آل بهم الحال إلى أن دخلوا المسجد الحرام فسفكوا دم الحجيج في وسط المسجد حول الكعبة وكسروا الحجر الأسود واقتلعوه من موضعه، وذهبوا به إلى بلادهم في سنة سبع عشرة وثلاثمائة، ثم لم يزل عندهم إلى سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة، فمكث غائباً عن موضعه من البيت ثنتين وعشرين سنة، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
" البداية والنهاية " (11 / 72، 73) .
ثالثاً:
وأما ما ذكر من وصف الحجر الأسود بأنه موضع سكب العبرات، فقد ورد في ذلك حديث عند ابن ماجه (2945) عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: اسْتَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَجَرَ ثُمَّ وَضَعَ شَفَتَيْهِ عَلَيْهِ يَبْكِي طَوِيلًا ثُمَّ الْتَفَتَ فَإِذَا هُوَ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَبْكِي، فَقَالَ: (يَا عُمَرُ، هَاهُنَا تُسْكَبُ الْعَبَرَاتُ) . ولكنه حديث ضعيف ذكره الألباني في "إرواء الغليل" (1111) وقال: ضعيف جدا اهـ.
وأما حديث " الحجر الأسود يمين الله في الأرض " فالجواب عنه: أنه حديث باطل لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن الجوزي في " العلل المتناهية ": " هذا حديث لا يصح ".
" العلل لابن الجوزي " (2 / 575) ، وانظر " تلخيص العلل " للذهبي (ص 191) ، وقال ابن العربي:حديث باطل فلا يلتفت إليه، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: " روي عن لنبي صلى الله عليه وسلم بإسناد لا يثبت، وعلى هذا فلا حاجة للخوض في معناه ".
" مجموع الفتاوى " (6 / 397) .
وأما ما ذكرت من وصف الحجر الأسود بأنه موضع سكب العبرات، فقد ورد في ذلك حديث عند ابن ماجة ولكنه حديث ضعيف لا يصح.
رابعاً:
وأما ما ذُكر من وصف الحجر الأسود بأنه " يطفو على الماء "، وأنه " لا يحمو بالنار " و " استجابة الدعاء ": فمما لا أصل له في السنَّة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4126)
هل تضاعف السيئة والحسنة في رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أن السيئة تضاعف في رمضان كما أن الحسنة تضاعف؟ وهل ورد دليل على ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، تضاعف الحسنة والسيئة في الزمان والمكان الفاضلين، ولكن هناك فرق بين مضاعفة الحسنة ومضاعفة السيئة، فمضاعفة الحسنة مضاعفة بالكم والكيف، والمراد بالكم: العدد، فالحسنة بعشر أمثالها أو أكثر، والمراد بالكيف أن ثوابها يعظم ويكثر، وأما السيئة فمضاعفتها بالكيف فقط أي أن إثمها أعظم والعقاب عليها أشد، وأما من حيث العدد فالسيئة بسيئة واحدة ولا يمكن أن تكون بأكثر من سيئة.
قال في مطالب أولي النهى (2/385) :
(وتضاعف الحسنة والسيئة بمكان فاضل كمكة والمدينة وبيت المقدس وفي المساجد , وبزمان فاضل كيوم الجمعة , والأشهر الحرم ورمضان. أما مضاعفة الحسنة ; فهذا مما لا خلاف فيه , وأما مضاعفة السيئة ; فقال بها جماعة تبعا لابن عباس وابن مسعود. . . وقال بعض المحققين: قول ابن عباس وابن مسعود في تضعيف السيئات: إنما أرادوا مضاعفتها في الكيفية دون الكمية) اهـ.
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: (الصيام هل يحصّل به المسلم تكفير الذنوب صغيرها وكبيرها؟ وهل إثم الذنوب يتضاعف في رمضان؟)
فأجاب: (المشروع للمسلم في رمضان وفي غيره مجاهدة نفسه الأمارة بالسوء حتى تكون نفسا مطمئنة آمرة بالخير راغبة فيه، وواجب عليه أن يجاهد عدو الله إبليس حتى يسلم من شره ونزغاته، فالمسلم في هذه الدنيا في جهاد عظيم متواصل للنفس والهوى والشيطان، وعليه أن يكثر من التوبة والاستغفار في كل وقت وحين، ولكن الأوقات يختلف بعضها عن بعض، فشهر رمضان هو أفضل أشهر العام، فهو شهر مغفرة ورحمة وعتق من النار، فإذا كان الشهر فاضلا والمكان فاضلا ضوعفت فيه الحسنات، وعظم فيه إثم السيئات، فسيئة في رمضان أعظم إثما من سيئة في غيره، كما أن طاعة في رمضان أكثر ثوابا عند الله من طاعة في غيره. ولما كان رمضان بتلك المنزلة العظيمة كان للطاعة فيه فضل عظيم ومضاعفة كثيرة، وكان إثم المعاصي فيه أشد وأكبر من إثمها في غيره، فالمسلم عليه أن يغتنم هذا الشهر المبارك بالطاعات والأعمال الصالحات والإقلاع عن السيئات عسى الله عز وجل أن يمن عليه بالقبول ويوفقه للاستقامة على الحق، ولكن السيئة دائما بمثلها لا تضاعف في العدد لا في رمضان ولا في غيره، أما الحسنة فإنها تضاعف بعشر أمثالها إلى أضعاف كثيرة؛ لقول الله عز وجل في سورة الأنعام:) مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) الأنعام / 160
والآيات في هذا المعنى كثيرة.
وهكذا في المكان الفاضل كالحرمين الشريفين تضاعف فيهما أضعافا كثيرة في الكمية والكيفية، أما السيئات فلا تضاعف بالكمية ولكنها تضاعف بالكيفية في الزمان الفاضل والمكان الفاضل كما تقدمت الإشارة إلى ذلك، والله ولي التوفيق)
انتهى من مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (15/446) .
وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (7/262) :
تضاعف الحسنة والسيئة بمكان وزمان فاضل.
فالحسنة تضاعف بالكم وبالكيف. وأما السيئة فبالكيف لا بالكم، لأن الله تعالى قال في سورة الأنعام وهي مكية: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) الأنعام/160. وقال: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) الحج/25. ولم يقل: نضاعف له ذلك. بل قال: (نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) فتكون مضاعفة السيئة في مكة أو في المدينة مضاعفة كيفية. (بمعنى أنها تكون أشد ألماً ووجعاً لقوله تعالى: وقال: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) الحج/25.اهـ
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4127)
هل يودع حمام المدينة المنورة الكعبة قبل موته
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت أحد حجاج بيت الله الحرام يقول: إن أي حمامة بالمدينة المنورة إذا قرب أجل موتها تطير إلى مكة المكرمة وتشق سماء الكعبة المشرفة كوداع لها ثم تموت بعد أن تطير مسافة من الأميال فهل هذا صحيح أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس لحمام المدينة ولا لحمام مكة ميزة تخصها دون غيرها من الحمام سوى أنه لا يجوز صيده ولا تنفيره لمحرم بالحج أو العمرة أو غير محرم ما دام في حرم مكة أو حرم المدينة، فإذا خرج عنهما حل صيده لغير المحرم بالحج أو العمرة كسائر الصيد، لعموم قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم " ولعموم قوله صلى الله عليه وسلم: " إن الله حرم مكة فلم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي وإنما أحلت لي ساعة من نهار لا يختلى خلاها ولا يعضد شجرها ولا ينفر صيدها.. الحديث رواه البخاري، وقوله صلى الله عليه وسلم: " إن إبراهيم حرم مكة وإني حرمت المدينة ما بين لابتيها لا يقطع عضاهُها ولا يصاد صيدها " رواه مسلم، فمن ادعى أن أي حمامة بالمدينة المنورة إذا دنا أجلها طارت إلى مكة ومرت بهواء الكعبة فهو جاهل قد ادعى شيئا لا أساس له من الصحة فإن الآجال لا يعلمها إلا الله، قال الله تعالى: " وما تدري نفس بأي أرض تموت " ووداع الكعبة إنما يكون بطواف من حج أو اعتمر حولها، فدعوى أن الحمام يعلم دنو أجله، وأنه يوادع الكعبة بالطيران فوقها دعوى كاذبة لا يجرؤ عليها إلا جاهل يفتري الكذب على الله وعلى عباده والله المستعان.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 3/64(5/4128)
مخالفات تقع عند زيارة المسجد النبوي
[السُّؤَالُ]
ـ[لاحظت في زيارة للمسجد النبوي أن بعض الناس يتمسح بجدران الحجرة النبوية، والبعض يقف كأنه يصلي فتجده يضع يديه على صدره وهو مستقبل القبر، فهل ما يعملونه صحيح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تقدمت الإشارة إلى آداب الزيارة لمسجد النبي صلى الله عليه وسلم في السؤال (36863) ومما ينبه عليه ما يقع فيه بعض الزوار من المخالفات:
المخالفة الأولى:
دعاء الرسول أو نداؤه أو الاستغاثة به أو الاستعانة به كقول بعضهم: " يا رسول الله اشف مريضي، يا رسول الله اقض ديني، يا وسيلتي، يا باب حاجتي " أو غير ذلك من الأقوال الشركية، المضادَّة للتوحيد الذي هو حق الله على العبيد.
المخالفة الثانية:
الوقوف أمام القبر كهيئة المصلي، بوضع اليمين على الشمال على الصدر أو تحته، وذلك فعل محرّم؛ لأن تلك الهيئة هيئة ذل وعبادة لا تجوز إلا لله عز وجل.
المخالفة الثالثة:
الانحناء عند القبر أو السجود أو غير ذلك مما لا يجوز فعله إلا لله، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله: (لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر) أخرجه أحمد (3/158) وصححه الألباني في صحيح الترغيب (1936، 1937) وإرواء الغليل (1998) .
المخالفة الرابعة:
دعاء الله عند القبر، أو اعتقاد أن الدعاء عنده مستجاب، وذلك فعل محرَّم لأنه من أسباب الشرك، ولو كان الدعاء عند القبور أو عند قبر النبي أفضل وأصوب وأحبَّ إلى الله لرغبنا فيه رسول الله؛ لأنه لم يترك شيئًا يقرب إلى الجنة إلا وحث أمته عليه، فلما لم يفعل ذلك عُلم أنه فعل غير مشروع، وعمل محرم وممنوع، وقد روى أبو يعلى والحافظ الضياء في المختارة أن علي بن الحسين رضي الله عنهما رأى رجلاً يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيدخل فيها فيدعو، فنهاه وقال: ألا أحدثكم حديثًا سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تتخذوا قبري عيدًا ولا بيوتكم قبورًا، وصلوا عليَّ فإن تسليمكم يبلغني أين كنتم " رواه أبو داود (2042) وصححه الألباني في صحيح أبي داود (1796) .
المخالفة الخامسة:
إرسال من عجز عن الوصول إلى المدينة سلامه لرسول الله صلى الله عليه وسلم مع بعض الزوار، وقيام بعضهم بتبليغ هذا السلام، وهذا فعل مُبتدع، وأمر مخترع، فيا مرسل السلام، ويا مبلغه كفّا عن ذلك، فقد كُفيتما بقوله: (صلوا عليَّ فإن تسليمكم يبلغني أين كنتم) .
وبقوله عليه الصلاة والسلام: (إن لله في الأرض ملائكة سياحين يبلِّغوني من أمتي السلام) أخرجه أحمد (1/441) ، والنسائي (1282) وصححه الألباني في صحيح الجامع (2170)
المخالفة السادسة:
التكرار والإكثار من زيارة قبره، كأن تكون الزيارة بعد كل فريضة، أو في كل يوم بعد صلاة بعينها، وفي هذا مخالفة لقوله عليه الصلاة والسلام: (لا تجعلوا قبري عيدًا) قال ابن حجر الهيتمي في شرح المشكاة: " العيد اسم من الأعياد، يقال: عاده واعتاده وتعوّده صار له عادة، والمعنى: لا تجعلوا قبري محلاً لاعتياد المجيء إليه متكررًا تكرارًا كثيرًا، فلهذا قال: (وصلوا عليَّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم) فإن فيها كفاية عن ذلك " انتهى كلامه رحمه الله تعالى.
وفي كتاب الجامع للبيان لابن رشد: " سئل مالك رحمه الله تعالى عن الغريب يأتي قبر النبي كل يوم، فقال: ما هذا من الأمر، وذكر حديث: (اللهم لا تجعل قبري وثنًا يُعبد) صححه الألباني في: تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد (ص24-26) .
قال ابن رشد: فيُكره أن يُكثر المرور به والسلام عليه، والإتيان كل يوم إليه لئلا يُجعل القبر كالمسجد الذي يؤتى كل يوم للصلاة فيه، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله: (اللهم لا تجعل قبري وثنًا) " انظر البيان والتحصيل لابن رشد (18/444-445) .
انتهى كلامه رحمه الله.
وسئل القاضي عياض عن أناس من أهل المدينة يقفون على القبر في اليوم مرة أو أكثر، ويسلمون ويدعون ساعة، فقال: " لم يبلغني هذا عن أحد من أهل الفقه، ولا يُصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولَها، ولم يبلغني عن أول هذه الأمة وصدرها أنهم كانوا يفعلون ذلك " الشفا بتعريف حقوق المصطفى (2/676) .
المخالفة السابعة:
التوجه إلى قبره الشريف من كل نواحي المسجد، واستقباله له كلما دخل المسجد أو كلما فرغ من الصلاة، ووضع اليدين على الجنبين، وتنكيس الرؤوس والأذقان أثناء السلام عليه في تلك الحال، وهذه من البدع المنتشرة، والمخالفات المشتهرة.
فاتقوا الله عباد الله، واحذروا سائر البدع والمخالفات، واحذروا الهوى والتقليد الأعمى، وكونوا من أمركم على بينة وهدى، قال جل في علاه: {أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيّنَةٍ مّن رَّبّهِ كَمَن زُيّنَ لَهُ سُوء عَمَلِهِ وَاتَّبَعُواْ أَهْوَاءهُمْ} محمد/ 14.
نسأل الله أن يجعلنا من الهداة المهتدين، المتبعين لسنة سيد المرسلين.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4129)
توجيهات إسلامية لزوار المدينة النبوية
[السُّؤَالُ]
ـ[أعرف مجموعة من الإخوة سيقومون بزيارة المسجد النبوي بعد حجهم هذا العام، ويريدون منكم النصيحة والتوجيه.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أيها الوافدون على مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قدِمتم خير مقدَم، وغنمتم خيرَ مغنم، وطاب في طيبة بقاؤكم، وتقبّل الله صالح أعمالكم، وبلّغكم خير آمالكم، حُيِّيتم في دار الهجرة والنصرة بلد المصطفى المختار، ومهاجَر الصحابة الأخيار، وديار الأنصار.
وهذه توجيهات يسيرة لمن أراد زيارة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم:
1- أيها الوافدون لطابة، إنكم في بلد هي بعد مكة خير البقاع، وأشرف الأماكن والأصقاع، فاعرفوا حقَّها، واقدروا قدرها، وراعوا حرمتَها وقداستها، وتأدبوا فيها بأحسن الآداب، واعلموا أن الله توعد من أحدث فيها بأشدِّ العذاب، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي أنه قال: (المدينة حرم، فمن أحدث فيها حدثًا أو آوى محدِثًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفًا ولا عدلاً) رواه البخاري (1867) ومسلم (1370) واللفظ له.
فمن أتى فيها إثمًا أو آوى من أتاه وضمّه إليه وحماه فقد عرّض نفسه للعذاب المهين وغضب إله العالمين.
وإن من أعظم الإحداث تكدير صفوها بإظهار البدع والمحدثات، وتعكيرها بالخرافات والخزعبلات، وتدنيس أرضها الطاهرة بنشر المقالات البدعية، والكتب الشركية، وما يخالف الشريعة الإسلامية من ألوان المنكرات والمحرمات، والمحِدث والمؤوي له في الإثم سواء.
2- زيارة المسجد النبوي سنة من المسنونات، وليست واجبًا من الواجبات، ليس لها علاقة بالحج ولا هي له من المتمِّمات، وكل ما يُروى من أحاديث في إثبات علاقتها أو علاقة زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم بالحج فهو من الموضوعات والمكذوبات، ومن قصد بشدِّ رحله إلى المدينة زيارة المسجد والصلاة فيه فقصده مبرور، وسعيه مشكور، ومن لم يقصد بشدّ رحله إلا زيارة القبور والاستعانة بالمقبور فقصده محظور، وفعله منكور، فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تُشَدّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى) رواه البخاري (1189) ومسلم (1397) .
وعن جابر رضي الله عنهما، عن رسول الله أنه قال: (إن خير ما رُكبت إليه الرواحل مسجدي هذا والبيت العتيق) أخرجه أحمد (3/350) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1648) .
3- الصلاة في مسجد المدينة مضاعفة الجزاء، فرضًا ونفلاً في أصحّ قولي العلماء، يقول عليه الصلاة والسلام: (صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواها إلا المسجد الحرام) رواه البخاري (1190) ومسلم (1394) .
إلا أن صلاة النافلة في البيت أفضل من صلاتها في المسجد حتى ولو كانت مضاعفة؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة) رواه البخاري (731) ومسلم (781) .
4- أيها الزائر المكرَّم لهذا المسجد المعظم، اعلم أنه لا يجوز التبرك بشيء من أجزاء المسجد النبوي، كالأعمدة أو الجدران أو الأبواب أو المحاريب أو المنبر، بالتمسح بها أو تقبيلها، كما لا يجوز التبرك بالحجرة النبوية باستلامها أو تقبيلها أو مسح الثياب بها، ولا يجوز الطواف بها، ومن فعل شيئًا من ذلك وجب عليه التوبة وعدم العودة.
5- ويُشرع لمن زار المسجد النبوي أن يُصلي في الروضة الشريفة ركعتين أو ما شاء من النفل لما ثبت فيها من الفضل، فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على حوضي) رواه البخاري (1196) ومسلم (1391) .
وعن يزيد بن أبي عبيد قال: كنت آتي مع سلمة بن الأكوع فيصلِّي عند الأسطوانة التي عند المصحف، أي في الروضة الشريفة، فقلت: يا أبا مسلم، أراك تتحرّى الصلاة عند هذه الأسطوانة! فقال: فإني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرّى الصلاة عندها. رواه البخاري (502) ومسلم (509) .
والحرص على الصلاة في الروضة لا يسوِّغ الاعتداء على الناس، أو مدافعة الضعاف، أو تخطّي الرقاب.
6- ويُشرع لزائر المدينة والساكن بها إتيان مسجد قباء للصلاة فيه؛ اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم وتحصيلاً لأجر عمرة، فعن سهل بن حنيف قال: قال رسول الله: (من خرج حتى يأتي هذا المسجد ـ يعني: مسجد قباء ـ فيصلي فيه كان كعدل عمرة) أخرجه أحمد (3/487) ، والنسائي (699) وصححه الألباني في صحيح الترغيب (1180، 1181) .
وعند ابن ماجه: (من تطهّر في بيته ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه صلاة كان له أجر عمرة) رواه ابن ماجه (1412) .
وفي الصحيحين أن رسول الله كان يأتي مسجد قباء كل سبت ماشيًا وراكبًا فيصلي فيه ركعتين رواه البخاري (1191) ومسلم (1399)
7- أيها الزائر المكرَّم، لا يُشرع زيارة شيء من المساجد في المدينة النبوية سوى هذين المسجدين: مسجد رسول الله ومسجد قباء، ولا يشرع للزائر ولا لغيره قصد بقاع بعينها، يرجو الخير بقصدها أو التعبد عندها لم يرد في زيارتها دليل من كتاب أو سنة أو فعل الصحابة رضي الله عنهم.
وليس من المشروع تتبع مواطن أو مساجد صلى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أو غيره من الصحابة الكرام لقصد الصلاة فيها أو التعبد بالدعاء ونحوه عندها، وهو لم يأمر بقصدها، ولم يحث على زيارتها، فعن المعرور بن سويد رحمه الله تعالى قال: خرجنا مع عمر بن الخطاب، فعرض لنا في بعض الطريق مسجد، فابتدره الناس يصلون فيه، فقال عمر: (ما شأنهم؟!) فقالوا: هذا مسجد صلى فيه رسول الله، فقال عمر: (أيها الناس، إنما هلك من كان قبلكم باتباعهم مثل هذا، حتى أحدثوها بيعًا، فمن عرضت له فيه صلاة فليصل، ومن لم تعرض له فيه صلاة فليمض) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (7550) .
ولما بلغ عمر بن الخطاب أن ناسًا يأتون الشجرة التي بُويع تحتها النبي أمر بها فقطعت. أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (7545) .
8- شرع لزوار المسجد النبوي من الرجال زيارةُ قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبري صاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، للسلام عليهم والدعاء لهم، أما النساء فلا يجوز لهن زيارة القبور في أصح قولي العلماء لما رواه أبو داود (3236) والترمذي (320) وابن ماجه (1575) عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي لعن زائرات القبور " صححه الألباني في إصلاح المساجد.
ولما رواه الترمذي (1056) عن أبي هريرة أن رسول الله لعن زوارات القبور " وقال: " حسن صحيح "، وأخرجه أيضاً أحمد (2/337) ، وابن ماجه (1574) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي (843) ومشكاة المصابيح (1770) .
وصفة الزيارة أن يأتي الزائر القبر الشريف فيستقبله بوجهه ويقول: " السلام عليك يا رسول الله " ثم يتقدم إلى يمينه قدر ذراع فيسلم على أبي بكر ويقول: "السلام عليك يا أبا بكر " ثم يتقدم قليلاً إلى يمينه قدر ذراع للسلام على عمر بن الخطاب فيقول: " السلام عليك يا عمر"
9- ويُشرع لزوار المدينة من الرجال زيارة أهل بقيع الغرقد وشهداء أحد؛ للسلام عليهم والدعاء لهم، فعن بريدة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا المقابر يقول: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية) أخرجه مسلم في صحيحه (974،975) .
10- زيارة القبور إنما شرعت لمقصدين عظيمين:
أولهما: للزائر لغرض الاعتبار والادكار.
وثانيهما: للمزور بالدعاء له والترحم عليه والاستغفار.
ويُشترط لجواز زيارة القبور عدم قول الهُجر وأعظمه الشرك أو الكفر، فعن بريدة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فمن أراد أن يزور فليزر، ولا تقولوا هُجْرًا) أخرجه النسائي (2033) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (886) .
وقد أخرجه مسلم برقم (977) دون قوله: (ولا تقولوا هجراً) .
فلا يجوز الطواف بهذه القبور ولا غيرها، ولا الصلاة إليها ولا بينها، ولا التعبد عندها بقراءة القرآن أو الدعاء أو غيرهما؛ لأن ذلك من وسائل الإشراك برب الأملاك والأفلاك، ومن اتخاذها مساجد حتى ولو لم يُبن عليها مسجد، فعن عائشة وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما قالا: لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم الموت، طفق يطرح خميصةً على وجهه، فإذا اغتمّ بها كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك: (لعنة الله على اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) يحذر ما صنعوا. أخرجه البخاري (436) ومسلم (529) .
وقال عليه الصلاة والسلام: (إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء، والذين يتخذون القبور مساجد) أخرجه أحمد (1/405) . وأصله في البخاري معلقاً: كتاب الفتن، باب ظهور الفتن (7067) ، ومسلم: كتاب الفتن، باب قرب الساعة (2949) دون ذكر اتخاذ القبور مساجد.
وعن أبي مرثد الغنوي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: (لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها) أخرجه مسلم (972) .
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام) أخرجه أحمد (3/83) ، والترمذي (317) وصححه الألباني في إرواء الغليل (1/320) .
وفي حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يُصلَّى بين القبور. أخرجه ابن حبان (1698) قال عنه الهيثمي في مجمع الزوائد (2/27) "رجاله رجال الصحيح".
ولا يجوز السجود على المقابر، بل ذلك وثنية جاهلية، وشذوذ فكري، وتخلف عقلي، ولا يجوز لزائر تلك القبور ولا غيرها التبرك بها بمسحها أو تقبيلها أو إلصاق شيء من أجزاء البدن بها أو الاستشفاء بتربتها بالتمرغ عليها، أو أخذ شيء منها للاغتسال بها، ولا يجوز لزائرها أو غيرها دفن شيء من شعره أو بدنه أو مناديله أو وضع صورته أو غير ذلك مما معه في تربتها لقصد البركة، ولا يجوز رمي النقود أو شيء من الطعام كالحبوب ونحوها عليها، ومن فعل شيئًا من ذلك وجب عليه التوبة وعدم العودة، ولا يجوز تطييبها، ولا القسم على الله بأصحابها، ولا يجوز سؤال الله بهم أو بجاههم وحقهم، بل ذلك توسل محرم من وسائل الشرك، ولا يجوز رفع القبور ولا البناء عليه؛ لأن ذلك وسيلة إلى تعظيمها والافتتان بها، ولا يجوز بيع طعام أو طيب أو غير ذلك لمن عُلم استخدامه لها في تلك المخالفات العظيمة.
والاستغاثة بالأموات أو الاستعانة بهم أو طلب المدد منهم أو نداؤهم وسؤالهم سدَّ الفاقات وإغاثة اللهفات وجلب الفوائد ودفع الشدائد شركٌ أكبر يخرج صاحبه عن ملة الإسلام، ويجعله من عُبَّاد الأوثان، إذ لا يفرِّج الهموم ولا يكشف الغموم إلا الله وحده لا شريك له جل في علاه: (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَاَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ. إِن تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُواْ دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُواْ مَا اسْتَجَابُواْ لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلاَ يُنَبّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) فاطر / 13، 14.
ويقول جل في علاه: (قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرّ عَنْكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً. أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبّكَ كَانَ مَحْذُورًا) الإسراء / 56، 57.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ صلاح البدير – إمام وخطيب المسجد النبوي(5/4130)
هل المسجد الأقصى يعتبر حرماً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل المسجد الأقصى يعتبر حرماً كحرم مكة والمدينة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: المسجد الأقصى له فضيلة على غيره من المساجد، فأفضل المساجد على الإطلاق المسجد الحرام، ثم المسجد النبوي، ثم المسجد الأقصى.
وهذه المساجد الثلاثة هي المساجد التي يشرع السفر إليها للعبادة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلا إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى، وَمَسْجِدِي هَذَا) رواه البخاري (1996) .
والصلاة في المسجد الأقصى بمائتين وخمسين صلاة.
عن أبي ذر رضي الله عنه قال: تذاكرنا ونحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أيهما أفضل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أم بيت المقدس؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة في مسجدي أفضل من أربع صلوات فيه ولنعم المصلى هو، وليوشكن أن يكون للرجل مِثْل شطن فرسه من الأرض حيث يَرى منه بيت المقدس خيراً له من الدنيا جميعاً ". رواه الحاكم (4 / 509) وصححه ووافقه الذهبي والألباني كما في " السلسلة الصحيحة " في آخر الكلام على حديث رقم (2902) .
(شطن فرسه) هو حبل الفرس.
والصلاة في المسجد النبوي بألف صلاة، فتكون الصلاة في المسجد الأقصى بمائتين وخمسين صلاة.
وأما الحديث المشهور أن الصلاة فيه بخمسمائة صلاة: فضعيف. انظر " تمام المنة " للشيخ الألباني رحمه الله (ص 292) .
ثانياً: الحرم له أحكام تخصه، شرعها الله تعالى.
منها: تحريم القتال فيه.
ومنها: أنه يحرم صيد الحيوانات والطيور الموجودة به، ويحرم قطع نباته الذي نبت بفعل الله تعالى ولم يزرعه أحد.
وقد امتن الله تعالى على أهل مكة بأن جعل لهم مكة حرما آمناً، يأمن فيه الناس والدواب، قال الله تعالى: (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) القصص/57.
وقال: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) العنكبوت / 67.
وقال تعالى: (وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا) البقرة / 97.
وروى مسلم (1362) عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ، وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ. . . لا يُقْطَعُ عِضَاهُهَا وَلا يُصَادُ صَيْدُهَا) .
والعضاه كل شجر فيه شوك، وإذا حُرِّم قطعُ الشجر الذي فيه شوك فتحريم قطع الشجر الذي لا شوك فيه من باب أولى.
وروى مسلم (1374) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ فَجَعَلَهَا حَرَمًا، وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ. . . أَنْ لا يُهْرَاقَ فِيهَا دَمٌ، وَلا يُحْمَلَ فِيهَا سِلاحٌ لِقِتَالٍ، وَلا تُخْبَطَ فِيهَا شَجَرَةٌ إِلا لِعَلْفٍ. . . الحديث) .
قال النووي:
فِيهِ: جَوَاز أَخْذ أَوْرَاق الشَّجَر لِلْعَلْفِ , وَهُوَ الْمُرَاد هُنَا بِخِلَافِ خَبْط الْأَغْصَان وَقَطْعهَا ; فَإِنَّهُ حَرَام اهـ.
والقدس ليس حرماً بهذا المعنى باتفاق المسلمين، وقد توسع الناس في إطلاق هذا الوصف (أعني: الحرم) فصارت القدس حرماً! وصار مسجد إبراهيم الخليل في فلسطين حرما! بل صارت الجامعات يقال عنها: الحرم الجامعي!!! وليس هناك حرم في الأرض إلا حرم مكة، والمدينة، ووادٍ بالطائف اسمه (وُج) اختلف العلماء فيه هل هو حرم أم لا؟
قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (27/14-15) :
وليس ببيت المقدس مكان يسمى حرما ولا بتربة الخليل ولا بغير ذلك من البقاع، إلا ثلاثة أماكن:
أحدها: هو حرم باتفاق المسلمين، وهو حرم مكة، شرفها الله تعالى.
والثاني: حرم عند جمهور العلماء، وهو حرم النبي (يعني المدينة النبوية) فإن هذا حرم عند جمهور العلماء، كمالك والشافعي وأحمد، وفيه أحاديث صحيحة مستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والثالث: وُج، وهو وادٍ بالطائف، فإن هذا رُوِيَ فيه حديث، رواه أحمد في المسند، وليس في الصحاح، وهذا حرم عند الشافعي لاعتقاده صحة الحديث، وليس حرماً عند أكثر العلماء، وأحمد ضعف الحديث المروى فيه فلم يأخذ به.
وأما ما سوى هذه الأماكن الثلاثة فليس حرماً عند أحد من علماء المسلمين، فإن الحرم ما حرم اللهُ صيده ونباته، ولم يحرم الله صيد مكان ونباته خارجا عن هذه الأماكن الثلاثة اهـ.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4131)
زيارة المسجد النبوي
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أراد الحاج والمعتمر أن يزور المسجد النبوي فهل ينوي زيارة المسجد أم زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وما هي آداب زيارة المسجد النبوي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ محمد بن عثيمين – رحمه الله -:
" إذا أحب الحاج أن يزور المسجد النبوي قبل الحج أو بعده فلينو زيارة المسجد النبوي لا زيارة القبر؛ فإن شد الرحل على وجه التعبد لا يكون لزيارة القبور وإنما يكون للمساجد الثلاثة المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى كما في الحديث الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى " رواه البخاري (1189) ومسلم (1397)
فإذا وصل المسجد النبوي قدم رجله اليمنى لدخوله وقال: بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وبسلطانه القديم من الشيطان الرجيم , ثم يصلي ما شاء.
والأولى أن تكون صلاته في الروضة وهي ما بين منبر النبي صلى الله عليه وسلم وحجرته التي فيها قبره لأن ما بينهما روضة من رياض الجنة , فإذا صلى وأراد زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم فليقف أمامه بأدب ووقار وليقل: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد , اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. أشهد أنك رسول الله حقا وأنك قد بلغت الرسالة وأديت الأمانة ونصحت الأمة وجاهدت في الله حق جهاده , فجزاك الله عن أمتك أفضل ما جزى نبيا عن أمته.
ثم يأخذ ذات اليمين قليلا فيسلم على أبي بكر الصديق ويترضى عنه. ..
ثم يأخذ ذات اليمين قليلا أيضا فيسلم على عمر بن الخطاب ويترضى عنه وإن دعا له ولأبي بكر رضي الله عنهما بدعاء مناسب فحسن.
ولا يجوز لأحد أن يتقرب إلى الله بمسح الحجرة النبوية أو الطواف بها، ولا يستقبلها حال الدعاء بل يستقبل القبلة لأن التقرب إلى الله لا يكون إلا بما شرعه الله ورسوله، والعبادات مبناها على الاتباع لا على الابتداع.
والمرأة لا تزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم ولا قبر غيره لأن النبي صلى الله عليه وسلم لَعَنَ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ " رواه الترمذي وحسنه الألباني في صحيح الترمذي (843) لكن تصلي وتسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهي في مكانها فيبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم في أي مكان كانت ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: صلوا عليَّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم، وقال: إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أمتي السلام " رواه النسائي (1282) وصححه الألباني في صحيح النسائي (1215) .
(فائدة: زُوَّارات بمعنى زائرات، لأن زُوَّارات جمع زُوّار أي زائر. انظر زايارة القبور للنساء ص 17 للشيخ أبو بكر أبو زيد) .
وينبغي للرجل خاصة أن يزور البقيع وهو مقبرة المدينة فيقول: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين نسأل الله لنا ولكم العافية اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم واغفر لنا ولهم.
وإن أحب أن يأتي (جبل أُحد) ويتذكر ما جرى للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في تلك الغزوة من جهاد وابتلاء وتمحيص وشهادة ثم يسلم على الشهداء هناك مثل حمزة بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم فلا بأس بذلك فإن هذا قد يكون من السير في الأرض المأمور به والله أعلم "
[الْمَصْدَرُ]
كتاب المنهج لمريد العمرة والحج.(5/4132)
هل يقدم الحج على الزواج بثانية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا ما كان رجل لديه زوجة وأطفال وأراد أن يتزوج مرة أخرى من امرأة أخرى، ولكنه لم يقض فريضة الحج بعد، فهل يكون عليه أن ينفق ماله في الحج أولاً ثم بعد ذلك يتزوج من أخرى؟ ولكنه يريد الزواج من أخرى في الوقت الحالي وأن يحج ولكنه لا يملك المال الكافي للأمرين معاً. أرجو أن تخبروني أي الأمرين أفضل، مع العلم بأن لديه زوجة وأطفالاً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ذكر أهل العلم أن الرجل إذا لم يكن متزوجاً فإنه يقدم الحج على الزواج، إلا أن يخاف العنت، وهو الوقوع في الفاحشة أو المشقة، فيقدم حينئذ الزواج على الحج.
قال الشيرازي في "المهذب" (1 / 197) .
" وإن احتاج إلى النكاح وهو يخاف العنت قدم النكاح " انتهى.
وقال المرداوي في "الإنصاف" (3/404) :
" إذَا خَافَ الْعَنَتَ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْحَجِّ: قَدَّمَ النِّكَاحَ عَلَيْهِ , عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ , نَصَّ عَلَيْهِ [يعني الإمام أحمد] , وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ , وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ لِوُجُوبِهِ إذَنْ , وَحَكَاهُ الْمَجْدُ إجْمَاعًا , لَكِنْ نُوزِعَ فِي ادِّعَاءِ الْإِجْمَاعِ " انتهى.
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
"إن كان المسلم لا يخاف على نفسه من الزنا وجب عليه تقديم الحج على الزواج، وإن كان يخاف على نفسه من ذلك قدم الزواج على الحج من أجل إعفاف نفسه، ولأن الحج إنما يجب على المستطيع، وهذا يعتبر غير مستطيع حتى يعف نفسه " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (23 / 320) .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله:
"من اشتدت حاجته إلى الزواج وجبت عليه المبادرة به قبل الحج؛ لأنه في هذه الحال لا يسمى مستطيعاً، إذا كان لا يستطيع نفقة الزواج والحج جميعاً فإنه يبدأ بالزواج حتى يعف نفسه" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (16 / 359) .
وانظر جواب السؤال رقم (27120) .
أما من كان متزوجاً، فقد أعف نفسه بالزواج، فالواجب عليه المبادرة بالحج قبل الزواج بثانية؛ فإنه ركن من أركان الإسلام، وقد قال الله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) آل عمران/97.
وقد يكون الرجل متزوجاً ولكنه يحتاج إلى أخرى، إما لكونه قوي الشهوة، أو لكون الأولى مريضة أو غير ذلك من الأسباب، ففي هذه الحالة يقدم الزواج بثانية على الحج، لحاجته إليه.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"لو كان الأب نفسه يحتاج إلى نكاح ويخشى على نفسه إن لم يتزوج وليس في يده إلا هذه الدراهم فهو إما أن يحج بها وأما أن يتزوج فحينئذٍ نقول: قدم الزواج.
ولا تعجب إذا قلت إن الأب محتاج إلى الزواج وليس عنده إلا هذه الدراهم؛ لأن هذا يقع كثيرا قد يكون الرجل كثير الشهوة لم تغنه المرأة الأولى، أو تكون المرأة الأولى قد ماتت أو طلقت فيحتاج إلى زوجة أخرى" انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (227 / 30) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4133)
هل يجب حج المدين على نفقة غيره
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا رجلٌ مدين وقد عرض علي أخٌ في الله أن أحج معه ويتكفل بالنفقة فهل يجب علي الحج؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سُئل الشيخ محمد بن عثيمين هذا السؤال فقال رحمه الله:
إذا كان هذا الأخ يريد أن يتحمل عنك نفقة الحج بحيث لا يضرك الذهاب معه فلا بأس أن تحج معه لكنه لا يجب عليك الحج معه وإنما قلنا لا يجب لأن فيه مِنَّةًً عليك يُخشى في يوم من الأيام أن لا يكون أخاً لك في الله ثم بعد ذلك يمن عليك ويقول هذا جزائي حججت بك في العام الفلاني وتفعل بي ما تفعل.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/4134)
هل يقدم الحج أم الزواج؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أيهما أولى للشخص؛ أن يحج بما معه من مال أم يتزوج به؟ لأن هذا الوقت وقت فتن يخاف فيه المرء على نفسه.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الرجل يحتاج إلى الزواج، ويشق عليه تأخيره فإنه يقدم الزواج على الحج.
أما إذا كان لا يحتاج إلى الزواج فإنه يقدم الحج.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (5/12) :
وَإِنْ احْتَاجَ إلَى النِّكَاحِ , وَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْعَنَتَ (أي المشقة) , قَدَّمَ التَّزْوِيجَ , لأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ , وَلا غِنَى بِهِ عَنْهُ , فَهُوَ كَنَفَقَتِهِ , وَإِنْ لَمْ يَخَفْ , قَدَّمَ الْحَجَّ ; لأَنَّ النِّكَاحَ تَطَوُّعٌ , فَلا يُقَدَّمُ عَلَى الْحَجَّ الْوَاجِبِ اهـ. وانظر أيضاً: "المجموع" (7/71) للنووي.
وسئل الشيخ ابن عثيمن رحمه الله:
هل يجوز تأجيل الحج إلى ما بعد الزواج للمستطيع، وذلك لما يقابل الشباب في هذا الزمن من المغريات والفتن صغيرة كانت أم كبيرة؟
فأجاب:
لا شك أن الزواج مع الشهوة والإلحاح أولى من الحج لأن الإنسان إذا كانت لديه شهوة ملحة فإن تزوجه حينئذٍ من ضروريات حياته، فهو مثل الأكل والشرب، ولهذا يجوز لمن احتاج إلى الزواج وليس عنده مال أن يدفع إليه من الزكاة ما يُزوج به، كما يعطى الفقير ما يقتات به وما يلبسه ويستر به عورته من الزكاة.
وعلى هذا فنقول: إنه إذا كان محتاجاً إلى النكاح فإنه يقدم النكاح على الحج لأن الله سبحانه وتعالى اشترط في وجوب الحج الاستطاعة فقال: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا) آل عمران / 97.
أما من كان شاباً ولا يهمه أن يتزوج هذا العام أو الذي بعده فإنه يقدم الحج لأنه ليس في ضرورة إلى تقديم النكاح اهـ
فتاوى منار الإسلام (2/375) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4135)
حكم من حجج والديه ولم يحج عن نفسه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من حجج والديه ولم يحج بنفسه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من استطاع الحج، وتوفرت فيه شروطه، وجب عليه أن يحج في عامه، ولا يجوز له تأخير الحج، لأجل والديه أو غيرهما؛ لأن الحج واجب على الفور في أصح قولي العلماء، وفرض العين مقدم على بر الوالدين؛ لقوله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين) آل عمران /97، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (عجلوا الخروج إلى مكة، فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له من مرض أو حاجة) رواه أبو نعيم في الحلية، والبيهقي في شعب الإيمان، وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم (3990) .
وينظر جواب السؤال رقم (41702) .
لكن حج الوالدين في هذه الحالة صحيح، وعلى هذا الابن أن يبادر بالحج عند الاستطاعة.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: هل يجوز للإنسان أن يرسل والديه إلى الحج قبل أن يذهب هو إلى الحج؟
فأجابوا: الحج فريضة على كل مسلم حر عاقل بالغ مستطيع السبيل إلى أدائه، مرة في العمر. وبر الوالدين وإعانتهما على أداء الواجب أمر مشروع بقدر الطاقة، إلا أن عليك أن تحج عن نفسك أولاً، ثم تعين والديك إن لم يتيسر الجمع بين حج الجميع، ولو قدمت والديك على نفسك صح حجهما، وبالله التوفيق " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (11/70)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4136)
لديه مال لو اشترى به سيارة لم يتمكن من الحج
[السُّؤَالُ]
ـ[أصبحت بحمد الله قادرا على الحج ولكنني أود شراء سيارة , فهل يجوز شراؤها؟ علما بأن هذا قد يؤجل الحج.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كنت بحاجة إلى السيارة، فلا حرج عليك في شرائها ولو أدى ذلك إلى تأخير الحج؛ لأن من شرط وجوب الحج الاستطاعة المالية، وهي ملك مال فائض عن حوائج الإنسان الأصلية، ومن هذه الحوائج: السيارة التي يركبها الإنسان، إذا كانت تناسب حاله، ولم يبالغ في شراء ما غلا ثمنه، تقليدا ومباهاة لغيره، وراجع شروط الحج في جواب السؤال رقم (41957) .
أما إذا كنت غير محتاج للسيارة فيجب عليك تقديم الحج على شرائها.
ونسأل الله تعالى أن يوسع عليك ويرزقك رزقاً طيبا مباركا فيه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4137)
هل يحج حج الفريضة أم يزوج ابنه بهذا المال
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان هناك رجل يريد أن يحج حج الفريضة (لأول مرة) وكان لديه ابن أعزب في عمر الزواج، وكان لدى هذا الرجل مبلغ من المال يكفي فقط لأن يحج أو يزوج ابنه، في هذه الحالة أيهما أولى: أن يقوم بأداء فريضة الحج؟ أم يقوم بتزويج ابنه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يلزم الرجل أن يزوج ولده إذا كان الولد محتاجاً إلى الزواج، وعاجزاً عن تكاليفه، في أصح قولي العلماء؛ لأن الحاجة إلى النكاح قد لا تقل عن الحاجة إلى الأكل والشرب، فتدخل في النفقة الواجبة.
قال المرداوي في "الإنصاف" (9/204) : " يجب على الرجل إعفاف من وجبت نفقته عليه من الآباء والأجداد والأبناء وأبنائهم وغيرهم , ممن تجب عليه نفقتهم. وهذا الصحيح من المذهب - يعني مذهب الإمام أحمد - " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " حاجة الإنسان إلى الزواج ملحة قد تكون في بعض الأحيان كحاجته إلى الأكل والشرب، ولذلك قال أهل العلم: إنه يجب على من تلزمه نفقة شخص أن يزوجه إن كان ماله يتسع لذلك، فيجب على الأب أن يزوج ابنه إذا احتاج الابن للزواج ولم يكن عنده ما يتزوج به، لكن سمعت أن بعض الآباء الذين نسوا حالهم حال الشباب إذا طلب ابنه منه الزواج قال له: تزوج من عرق جبينك. وهذا غير جائز، وحرام عليه إذا كان قادراً على تزويجه، سوف يخاصمه ابنه يوم القيامة إذا لم يزوجه مع قدرته على تزويجه " انتهى من " فتاوى أركان الإسلام" (ص440-441) .
ثانيا:
إذا تعارض حج الوالد مع زواج الابن، لكون المال الذي يملكه الأب لا يكفي إلا لأحدهما، فإنه ينظر في نكاح الابن هل يجب الآن أم يمكن تأخيره؟ فإن كان الابن محتاجا للنكاح ويخشى على نفسه الوقوع في الحرام، فإن زواجه مقدم على حجه هو لنفسه، ومقدم على حج أبيه كذلك لأمرين:
الأول: أن إعفافه وصيانته عن الوقوع في الحرام أمر واجب لا يحتمل التأخير، أما الحج فيمكن تأخيره إلى أن ييسر الله له.
والثاني: أن الحج لا يجب على الأب إلا إذا ملك مالا فائضاً عن نفقته ونفقة من تلزمه نفقته، وقد لزمه هنا تزويج ابنه حتى لا يقع في الحرام.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (5/12) : " وَإِنْ احْتَاجَ إلَى النِّكَاحِ , وَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْعَنَتَ (أي المشقة) , قَدَّمَ التَّزْوِيجَ – يعني: على الحج - لأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ , وَلا غِنَى بِهِ عَنْهُ , فَهُوَ كَنَفَقَتِهِ. وَإِنْ لَمْ يَخَفْ , قَدَّمَ الْحَجَّ ; لأَنَّ النِّكَاحَ تَطَوُّعٌ , فَلا يُقَدَّمُ عَلَى الْحَجَّ الْوَاجِبِ " انتهى.
وانظر أيضاً: "المجموع" (7/71) للنووي.
وانظر السؤال رقم (27120) .
أما إن كان الولد لا يحتاج إلى النكاح أو لا يخاف على نفسه الوقوع في الحرام لو أخر النكاح، فإنه لا يلزم تزويجه الآن، وعليه فيكون الحج واجبا على الأب؛ لأنه ملك مالا فائضا عن نفقته ونفقة من يعول، قال الله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) آل عمران/ 97.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4138)
هل يحج قبل أن يسدد فاتورة الكهرباء والهاتف؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا صدرت فاتورة مثل فاتورة جوال أو كهرباء وغيره هل يلزم بتسديدها قبل الحج؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ينبغي للإنسان أن يسدد ديونه قبل سفره – سواء كان سفره إلى الحج أم غيره – أو يترك من الأموال ما يكفي لسدادها، حتى تبرأ ذمته، ولا يكون مطالباً عند الله بشيء من حقوق العباد.
وأما السفر إلى الحج لمن عليه دين، فيقال إن الديون على ثلاثة أنواع:
الأول: دين غير مؤجل وجاء وقت سداده ويطالب به أصحابه، فيجب سداده، ولا يجوز تأخيره لأجل الحج أو غيره، لأن ذلك يدخل في المَطْل المحرم.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: (مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ) رواه البخاري (2287) ومسلم (1564) .
وقال صلى الله عليه وسلم: (لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ) رواه النسائي (4689) وأبو داود (3628) وابن ماجه (2427) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود.
و (لَيُّ الْوَاجِدِ) بمعنى (مطل الغني) وهو مماطلة الغني القادر على سداد الدين وتأخيره للسداد من غير عذر.
والمقصود بحل عرضه: أن يقال: مطلني فلان، أو يا ظالم يا معتدي، وعقوبته: حبسه.
ولو فرض أن سداد هذا الدين يؤدي إلى عدم الحج، فإنه يجب السداد، ولا إثم في ترك الحج حينئذ؛ لأنه لا يجب إلا على المستطيع له ماديا وبدنيا.
الثاني: دين يتسامح فيه أهله، ويرضون بتأخيره، ويأذنون لصاحبه في الحج، وهذا لا إشكال فيه، لكن الأفضل هو السداد؛ حتى تبرأ الذمة؛ لأن الدائن لو أذن للمدين بالحج فإن ذمة المدين تبقى مشغولة بالدين، ولا تبرأ ذمته بهذا الإذن، ولذلك يقال للمدين: اقض الدين أولاً ثم إن بقي معك ما تحج به وإلا فالحج غير واجب عليك.
وإذا مات المدين الذي منعه سداد الدين عن الحج فإنه يلقى الله كامل الإسلام غير مضيع ولا مفرط، لأن الحج لم يجب عليه، أما لو قَدَّم الحج على قضاء الدين ومات قبل قضائه فإنه يكون على خطر، إذ إن الشهيد يغفر له كل شيء إلا الدين، فكيف بغيره؟!
الثالث: دين مؤجل، لم يحن وقته في زمن الحج، فهذا لا يمنع المدين من الحج، إلا إن علم أن بذله المال في الحج سيمنعه من سداد الدين، إما لقرب موعد السداد، أو لقلة ذات اليد ونحو ذلك، فهذا إن حج كان مفرطا متهاونا في أداء ما عليه من حق.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/46) : " من شروط الحج: الاستطاعة، ومن الاستطاعة: الاستطاعة المالية. ومن كان عليه دَيْن مطالبٌ به بحيث أن أهل الدَّين يمنعون الشخص عن الحج إلا بعد وفاء ديونهم فإنه لا يحُجّ، لأنه غير مستطيع، وإذا لم يطالبوه ويعلم منهم التَّسامح فإنه يجوز الحج ويكون صحيحاً. ويجوز الحج كذلك إذا كان الدَّين غير محدد الوقت للقضاء بميعادٍ معيَّن، ويكون قضاؤه متى تيسر، وقد يكون الحج سبب خيرٍ لأداء الدين. والله أعلم " انتهى.
والذي يظهر أن فاتورة الكهرباء والهاتف ونحو ذلك هي من الدين المؤجل، وذلك لأنهم يحددون فترة تسدد فيها الفاتورة، قد تكون قريبة من الشهر، فإن استطاع الإنسان أن يحج ثم إذا رجع سدَّد الفاتورة، فلا حرج عليه، أما إذا كان وقت السداد ينتهي قبل رجوعه من الحج، فليبدأ أولاً بسداد الفاتورة، ثم إن بقي معه مال يكفي للحج، فالحمد لله، وإن لم يكف فإنه يؤجل الحج إلى أن ييسر الله له.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4139)
هل يحج أم يفي بوعده لأخيه ويعطيه المال؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قبل فترة من الزمن طلب مني أخي نقودا فوعدته بإعطائه الذي أملك وبعد ذلك بأسبوعين اتصل علي خالي وطلب سلفة هو الآخر وقمت بإعطائه المال الذي طلبه ولم أستطع رده لأن له جميلا سابقا، طبعا المال الذي وهبته هو جزء من المال الذي وعدت به أخي.
السؤال: أني نويت الحج فما أفعل: هل أخلف الوعد مع أخي علما بأنه محتاج له وأحج به؟ هل أعطيه المال وأستلف للحج؟ طبعا لا يجوز، أم هل يتم تأجيل الحج الى السنة القادمة بمشيئة الله؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نشكر لك حسن صنيعك وصلتك للرحم ومساعدتك لأقاربك بالمال، ونسأل الله تعالى
أن يجزيك خيراً.
ثانيا:
يجوز للإنسان أن يقترض ليتمكن من الحج، إذا كان واثقاً من قدرته على الوفاء، كما لو كان موظفاً وله راتب، ويعلم أن راتبه يكفيه لقضاء الدين، أو كان صاحب تجارة ونحو ذلك.
قال في "مواهب الجليل" (2/531) :
" وفي منسك ابن جماعة الكبير: " وإن اقترض للحج مالا حلالا في ذمته وله وفاء به ورضي المقرض فلا بأس به " انتهى.
وبهذا أفتت اللجنة الدائمة، والشيخ ابن باز رحمه الله.
انظر: " فتاوى اللجنة الدائمة " (11/41) ، " فتاوى الشيخ ابن باز " (16/393) .
فإذا فعلت ذلك فإنك تكون قد جمعت بين جميع المصالح: حججت، وأحسنت إلى أخيك، ووفيت بما وعدته به.
ثالثا:
أما إذا لم تجد من يقرضك فإنك تحاول النظر في المصالح وتقدم الأهم منها، وتقدم أيضاً المصلحة التي لا تحتمل التأخير على تلك التي يمكن تأخيرها.
فتنظر في الحج: هل هو واجب عليك؟ أم سبق لك أن حججت الفريضة، وتريد أن تحج النافلة.
وتنظر في حاجة أخيك: هل هي حاجة ماسة أم لا؟ وهل يمكن تأجيلها شهراً أو شهرين أم لا؟ وهل يمكنك أن تقضي له جزءً من حاجته الآن وتؤجل الباقي أم لا؟ .........إلخ.
ونسأل الله تعالى أن يوفقك لما فيه الخير.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4140)
أخذت قرضا ربويا وأعطته لأخيها ليحج
[السُّؤَالُ]
ـ[كان أخي مشتاقا للذهاب إلى الحج وليس له الإمكانيات المادية لذلك فقد قررت مساعدته.
لي أموال في البنك، ولكني فضلت الاحتفاظ بها لأنني أخشى أن أحتاج إليها في أشياء أكثر أهمية، وأخذت قرضاً من البنك وساعدت به أخي، فسؤالي هو ما حكم عمل الخير الذي أردت فعله؟ وهل لي جزاء في ذلك أو بما أن القرض من البنوك حرام فليس لي أي حسنة في هذا العمل؟ وماذا عن حج أخي، هل هو صحيح ما دام ليس مسئولا عن مصدر المال؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
بذل المال لمساعدة الأخ أو غيره في الحج عمل عظيم من أعمال البر؛ لأنه إعانة على أداء هذه الطاعة العظيمة، التي يترتب عليها رفع الدرجات ومحو السيئات، لكن لا يجوز أن تكون هذه المساعدة سببا لوقوعك فيما حرم الله تعالى، كالاقتراض من البنك الربوي، فإن الربا شأنه عظيم، وقد ورد فيه من الوعيد ما لم يرد في غيره من الذنوب والمعاصي.
وانظري لمعرفة ذلك السؤال رقم (6847) ورقم (9054) .
والواجب عليك أن تتوبي إلى الله تعالى من التعامل بالربا.
واعلمي أنه لا يجوز الإيداع في البنك الربوي إلا عند الخوف على المال، وعدم وجود بنك إسلامي، ويجب أن يكون الإيداع حينئذ من غير فوائد؛ لما تقرر في قواعد الشريعة من أن "الضرورات تبيح المحظورات"، وأن "الضرورة تقدر بقدرها".
ثانيا:
حج أخيك صحيح إن شاء الله، لأنه أخذ المال منك بطريق مباح، إما الصدقة أو الهبة أو القرض الحسن.
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن المال الذي اكتسبه الإنسان بطريق محرم – كالربا – يحرم على من اكتسبه فقط، ولا يحرم على من أخذه منه بعد ذلك بطريق مباح كالبيع والهدية ونحو ذلك. وقد سبق بيان هذا في جواب السؤال (45018) .
فالتحريم إنما يتوجه لما قمت به من الاقتراض بالربا، ولا يتوجه إلى أخيك.
وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4141)
يخاف أن يفصل من عمله ولديه مال فهل يجب الحج منه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[بمشيئة الله تعالى خلال العام القادم سيتوفر معي مبلغ من المال يكفى لقيامي بالحج بمفردي دون زوجتي، وهذا المبلغ سوف يكون سنداً لي لأية ظروف، وخاصة أني أعمل بالقطاع الخاص، ربما يفصلوني من العمل في أي وقت فهل يجب عليّ الحج أم لا؟ مع العلم أنني الآن معي مبلغ آخر ولكنه يلزمني لإتمام البناء (أنا عاقد قران) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يشترط لوجوب الحج على المكلف: الاستطاعة المالية والبدنية؛ لقوله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا) آل عمران / 97.
وقد فسر الفقهاء الاستطاعة المالية بأنها ملك الزاد والراحلة، أي النفقة التي توصله إلى بيت الله الحرام ذاهبا وإيابا، إذا كانت هذه النفقة فاضلة عن حاجاته الأصلية، ونفقاته الشرعية، وقضاء ديونه.
والمعتبر في النفقة أن يكون عنده ما يكفيه وأهله إلى أن يعود، وأن يكون له بعد عودته ما يقوم بكفايته وكفاية من ينفق عليهم كأجرة عقار أو راتب أو تجارة ونحو ذلك، ولذلك لا يلزمه أن يحج برأس مال تجارته الذي ينفق على نفسه وأهله من ربحها، إذا كان سيترتب على نقص رأس المال نقصُ الأرباح بحيث لا تكفيه وأهله. وانظر بيان ذلك في جواب السؤال رقم (11534) .
فإذا كان لديك المال الذي يكفي لحجك، وهو زائد عن حاجتك، فإنه يلزمك الحج، إلا إذا كان الخوف من ترك العمل خوفاً حقيقياً له قرائن تقوِّيه، فلا يجب عليك الحج حينئذ، أما إذا كان هذا الخوف مجرد أوهام وظنون لا أساس لها، فإنه يلزمك الحج.
وأما المال الذي رصدته للنكاح، فلا يلزمك الحج منه إذا خشيت على نفسك العَنَََت والمشقة بتأخير النكاح، بل تقدم النكاح، فإن بقي مال آخر حججت منه، وإلا فالحج غير واجب عليك لعدم استطاعتك.
قال ابن قدامة رحمه الله: " وإن احتاج إلى النكاح , وخاف على نفسه العنت , قدم التزويج (يعني على الحج) ؛ لأنه واجب عليه , ولا غنى به عنه , فهو كنفقته.
وإن لم يخف , قدم الحج ; لأن النكاح تطوع , فلا يقدم على الحج الواجب " انتهى من "المغني" (3/88) .
وانظر جواب السؤال رقم (27120) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4142)
مريض بالصرع فهل يجب عليه الحج
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا رجل مريض بمرض الصرع منذ 17 عاما وحالتي غير مستقرة مع تعاطي الأدوية، فنوبات الصرع شديدة وليس لها وقت معين وليست منتظمة وأبول على نفسي أريد أن أسألكم عن الحج في حالتي؟ هل يجوز أن أبعث أحدا ليحج عني؟ مع العلم أن هناك مبلغا كبيرا لإخوتي علي، وهم يرثوني لأني ليس لدي أولاد؟ وكذلك هم سامحوني فيه لأنهم عالجوني به.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نسأل الله تعالى أن يشفيك ويعافيك ويأجرك على ما أصابك.
ثانيا:
يشترط لوجوب الحج: الاستطاعة المالية والبدنية؛ لقوله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) آل عمران/97.
فمن كان مريضا لا يستطيع السفر إلى الحج، أو لا يستطيع تأدية النسك، أو يشق عليه ذلك مشقة شديدة، فإنه لا يجب الحج عليه بنفسه.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: " ولا ينبغي أن يختلف في أن المرض القوي الذي يشق معه السفر مشقة فادحة، مسقط لوجوب الحج " انتهى من "أضواء البيان".
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: رجل مريض بمرض الصرع منذ ثلاث عشرة سنة ويستعمل دواء يمنع بقدرة الله تعالى حدوث نوبة الصرع، ولكن إذا تعب وأجهد حدث له الصرع فهل يجوز له أن يوكل أحدا يحج عنه؟ أم يحج ويتحمل؟
فأجاب: " إذا كان هذا لا يرجى أن يزول، فليوكل من يحج ويعتمر عنه إن كان عنده مال. وإن لم يكن عنده مال فالحج غير واجب عليه. أما إذا كان يرجى زواله باستمرار الدواء فلينتظر حتى يشفيه الله، وأسأل الله تبارك وتعالى أن يشفيه ويعافيه ويرفع عنه ما يجد " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (21/167) .
وما ذكره الشيخ رحمه الله من الإنابة في هذه المسألة هو قول جمهور العلماء، قال ابن قدامة رحمه الله: " من وجدت فيه شرائط وجوب الحج , وكان عاجزا عنه لمانع مأيوس من زواله , كزمانة , أو مرض لا يرجى زواله , أو كان نضو الخلق (أي: ضعيف وهزيل) ، لا يقدر على الثبوت على الراحلة إلا بمشقة غير محتملة، والشيخ الفاني، ومن كان مثله، متى وجد من ينوب عنه في الحج، ومالا يستنيبه به، لزمه ذلك. وبهذا قال أبو حنيفة، والشافعي " انتهى من "المغني" (3/91) .
والدليل في ذلك ما رواه البخاري (1513) ومسلم (1334) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ) .
وبناء على ذلك: فإنه لا يلزمك الذهاب إلى الحج بنفسك الآن، ثم إن كان مرضك هذا مما يرجى زواله حسب نظر الأطباء الثقات، فلا شيء عليك حتى يشفيك الله وتجد مالا تحج به.
أما إن كان المرض لا يرجى زواله، وكان لديك المال الكافي، فإنه يجب أن تنيب من يحج عنك، بشرط أن يكون قد حج عن نفسه أولا.
ثالثا:
طالما أن إخوتك قد سامحوك في هذا المبلغ الكبير الذي أخذته منهم، فلا أثر له على حكم حجك، والحمد لله.
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4143)
حجّ من عليه أقساط شراء ربوية
[السُّؤَالُ]
ـ[والداي اشتريا بيتا بالتقسيط وهم يدفعون فوائد على هذا القرض، وقررا الآن أن يذهبا للحج وقد بقي 15 سنة لكي يتموا دفع الأقساط فهل يجوز لهم الحج مع انهم مدينين؟ أم انهم يجب أن ينتظروا 15 سنة أولا؟ وهل لهم أن يعتمروا خلال هذا الوقت إذا كان الحج غير جائز لهم حاليا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز لهم الحج إذا سددوا القسط الحالّ، وليس عليهم أن ينتظروا إلى آخر الأقساط، بل إذا كانا قادرين على تسديد القسط الذي حلّ، وقادرين على الحج وجب ذلك عليهما - وكذلك العمرة، مع التوبة إلى الله من الربا الذي ورّطا أنفسهما فيه، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/4144)
التوكيل في العمرة والحج
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لشخص مقيم في السعودية أن يؤدي العمرة لشخص في بلده الأصلي:
أ) إذا كان ذلك الشخص قادراً على القدوم للملكة حتى لو في المستقبل؟
ب) إذا كان لا يستطيع القدوم للمملكة إما لسبب صحي أو مادي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا تصح النيابة عن القادر الذي يستطيع أداء العمرة ببدنه، (لو حضر بنفسه) .
أما الذي لا يستطيع لسبب مادي فهذا لا يجب عليه الحج ولا العمرة، وإنما تصح النيابة في العمرة والحج عن العاجز عن مُبَاشَرةِ ذلك بِبَدَنِهِ، والميِّت، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 11/52.(5/4145)
ذهاب المريض إلى الحج
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا رجل ياباني ولكني غير مسلم ولي صديق أسلم منذ فترة قصيرة ويريد الذهاب لأداء مناسك الحج ولكن في إحدى رجليه جرح كبير، ولا يستطيع المشي إلا بعكاز فهل يحج؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الله تعالى في كتابه العزيز: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين) آل عمران / 97.
وكلام العلماء في الاستطاعة يدور على وجود المركب الذي يوصله ونفقة الطريق ذهابا وإيابا بعد أن يترك نفقة عياله ومن تلزمه نفقتهم مدة غيابه وبعد قضاء ما عليه من الديون مع الصحّة وأمن الطريق والمحرم للمرأة.
وحيث أنّ قضية صاحبك المسلم تدور على الصحّة فنتوقّف عندها قليلا:
جاء عن عكرمة رحمه الله في تفسير الآية السابقة قوله: السبيل الصحة (تفسير بن كثير سورة آل عمران آية 97)
فسلامة البدن من الأمراض والعاهات التي تعوق عن الحج شرط لوجوب الحجّ فلو كان الشخص مريضا مرضا مزمنا أو مصابا بعاهة دائمة أو مُقعدا أو شيخا كبيرا لا يمكنه التنقّل فلا يجب عليه أداء فريضة الحجّ.
ومن كان قادرا على الحجّ بمساعدة غيره وجب عليه الحجّ إذا تيسّر له من يُعينه (الموسوعة الفقهية 17/34) .
قال ابن كثير رحمه الله: " وأما الاستطاعة فأقسام، تارة يكون الشخص مستطيعا بنفسه، وتارة بغيره كما هو مقرر في كتب الأحكام ". (التفسير في الموضع المتقدّم) .
ومن أُصيب بعاهة تمنعه من الحجّ ولا يُرجى زوالها فيجب عليه أن ينيب من يحجّ عنه، أما إذا أُصيب بعاهة يُرجى زوالها فإنّه ينتظر حتى تزول ثمّ يحجّ بنفسه ولا يجوز له أن يوكّل من يحجّ عنه. (الموسوعة الفقهية 17/34) .
وبناء على ما تقدّم يتبيّن لك جواب مسألتك أيها السائل الكريم لتخبر به صاحبك المسلم ولا يفوتني أن أشكرك على اهتمامك بمعرفة الحكم الشرعي لهذه المسألة المتعلّقة بالركن الخامس من أركان الإسلام وأنتهزها فرصة لأناشدك وأدعوك للانضمام إلى ركب هذه القافلة العظيمة: قافلة الإسلام. والسلام.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/4146)
هل للحامل أن تحج
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للحامل أن تؤدي مناسك العمرة والحج؟ وهل لمدة الحمل تأثير على ذلك (مثلا كونها في شهرها الرابع مقارنة بالشهر الثامن) ؟ حيث يمكن أن تسقط المرأة أو تمرض نتيجة للازدحام.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1. لا مانع من ذهاب المرأة الحامل إلى الحج، والحامل طاهر يلزمها الصلاة والصيام وطلاقها طلاق سنَّة.
2. بل قد ثبت في السنَّة أن أسماء بنت عميس رضي الله عنها قد خرجت للحج مع النبي صلى الله عليه وسلم وهي حامل مُتِمٌّ، حتى أنها ولدت في الميقات.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: نُفست أسماء بنت عميس – زوجة أبي بكر - بمحمد بن أبي بكر بالشجرة فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر يأمرها أن تغتسل وتهل.
رواه مسلم (1209) .
نفست أي: ولدت.
بالشجرة أي بذي الحليفة وهي ميقات أهل المدينة.
قال النووي – في فوائد الحديث -:
وفيه: صحة إحرام النفساء والحائض، واستحباب اغتسالهما للإحرام، وهو مجمع على الأمر به، لكن مذهبنا ومذهب مالك وأبي حنيفة والجمهور أنه مستحب، وقال الحسن وأهل الظاهر: هو واجب.
والحائض والنفساء يصح منهما جميع أفعال الحج إلا الطواف وركعتيه لقوله صلى الله عليه وسلم " اصنعي ما يصنع الحاج غير أن لا تطوفي ".
" شرح مسلم " (8 / 133) .
وإذا كانت المرأة لم تحج حجة الإسلام فليس الحمل عذراً لها في ترك الحج، لأنه بإمكانها تجنب مواضع الزحام والمدافعة، فإذا لم تستطع رمي الجمار بنفسها فإنها توكل من يرمي عنها، وإذا لم تستطع الطواف والسعي ماشية فإنها تطوف وتسعى على العربة ... وهكذا.
وكثير من الناس يحجون وهم في حالة كبيرة من الراحة، من حيث الطريق والمسكن وأداء المناسك.
3. نعم، لو وجدت امرأة حامل وأخبرها طبيب ثقة أن في خروجها إلى الحج خطراً عليها أو على جنينها لكونها مريضة أو ضعيفة أو لغير ذلك من الأسباب فإنها تُمنع من أداء الحج في عامها هذا، ويدل على هذا المنع قوله صلى الله عليه وسلم " لا ضرر ولا ضرار " رواه ابن ماجه (2340) وهو حديث حسن، وانظر تخريجه في " جامع العلوم والحكم " لابن رجب (1 / 302) .
4. وبعض الأطباء يفرِّق بين كون الحمل في أوله، فيخشى عليها وعلى جنينها، وبين أن يكون في أشهره الأخيرة، فيكون الخوف من غير مخوِّف.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4147)
تأخير الدورة الشهرية من أجل الحج
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلمة سأذهب للحج هذه السنة إن شاء الله وأتوقع أن تبدأ دورتي الشهرية عند وصلي مكة، نصحني الناس بأن أستعمل حبوباً يصفها لي الطبيب لتؤخر موعد الدورة حتى أنتهي من الحج.
ما هو موقف الشرع من أخذ مثل هذه الحبوب التي تؤخر الدورة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يباح استخدام هذه الحبوب إذا لم يكن فيها ضرر على المرأة، ويعرف ذلك باستشارة الطبيب المختص.
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عن هذا الأمر فأجابت:
يجوز للمرأة أن تستعمل حبوب منع الحيض وقت الحج خوفا من العادة، ويكون ذلك بعد استشارة طبيب مختص على سلامة المرأة، وهكذا في رمضان إذا أحبت الصوم مع الناس.
الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة 2/495.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4148)
إذن الوالدين لحج التطوع والفريضة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل له الحج بغير إذن والديه، ويصح حجه، والخروج في طلب العلم، وهل يأثمان
بمنعه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
لهما منعه من حج التطوع، ولا يأثمان بذلكم، وليس لهما منعه من الحج المفروض، ويأثمان بمنعه، ومتى حج بغير إذنهما صح حجه مطلقاً - وإن كان عاصياً في التطوع - وله السفر في طلب العلم بغير إذنهما.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب فتاوى الإمام النووي ص 94(5/4149)
هل يؤجل الحج من أجل الاختبارات؟
[السُّؤَالُ]
ـ[من المعلوم أن اختبارات بعض الجامعات بعد الحج مباشرة، فهل يجوز تأجيل الحج إلى العام القادم من أجل الاختبارات؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" القول الراجح من أقوال أهل العلم: أن الحج واجب على الفور، وأنه لا يجوز للإنسان أن يؤخره إلا بعذر شرعي، لأن الإنسان لا يدري ما يعرض له، فقد يؤخر الحج هذه السنة ثم يموت ويبقى الحج دينا في ذمته، ولكن إذا كان حجه يؤثر عليه في الامتحان فله أن يؤخره إلى السنة القادمة، ولكني أشير عليه أن يأخذ دروسه معه ويحج، هذا إن كان يسافر إلى الحج مبكراً، ويمكنه أن يؤخر سفره إلى الحج، ثم يتعجل في أيام الرمي، وبهذا لا يستغرق الحج إلا أياماً يسيرة لا تضره إن شاء الله.
فالإنسان الحريص يمكنه أن يحج، ولا يؤثر ذلك عليه شيئاً، كما أن الإنسان إذا اعتمد على الله وتوكل عليه، وأتى بالحج واثقاً بالله عز وجل فغن الله سييسر له الأمر " انتهى.
"فتاوى ابن عثيمين" (21/63) بتصرف.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4150)
هل يجب استئذان الوالدين في الذهاب إلى الحج؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجب استئذان الوالدين في الذهاب إلى الحج؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" أما إذا كان فرضاً فإنه لا يشترط رضاهما ولا إذنهما، بل لو منعاه من الحج وهو فرض وجب عليه أن يحج ولا يطيعهما، لقول الله: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً) لقمان/15. ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ) .
أما إذا كان نفلاً فلينظر إلى المصلحة: إن كان أبوه وأمه لا يستطيعان الصبر عنه، ولا أن يغيب عنهما فبقاؤه عندهما أولى، لأن رجلاً استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في الجهاد، فقال له: (أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟) قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: (فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ) . ففي الفريضة لا يطاعان، والنافلة ينظر ما هو الأصلح " انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
"فتاوى ابن عثيمين" (21/68) .(5/4151)
شروط وجوب الحج
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي شروط وجوب الحج؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ذكر العلماء رحمهم الله شروط وجوب الحج، والتي إذا توفرت في شخص وجب عليه الحج، ولا يجب الحج بدونها، وهي خمسة: الإسلام، العقل، البلوغ، الحرية، الاستطاعة.
1- الإسلام.
وهذا الشأن في جميع العبادات، وذلك لأن العبادة لا تصح من الكافر، لقول الله تعالى: (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ) التوبة/54.
وفي حديث معاذ لما بعثه النبي صلى الله عليم وسلم إلى اليمن: (إِنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ) متفق عليه.
فالكافر يؤمر أولاً بالدخول في الإسلام، فإذا أسلم أمرناه بالصلاة والزكاة والصيام والحج وسائر شرائع الإسلام.
2، 3 - العقل والبلوغ
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاثَةٍ: عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ) . رواه أبو داود (4403) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
فالصبي لا يجب عليه الحج، لكن لو حج به وليه صح حجه وللصبي أجر الحج، ولوليه أجر أيضاً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لما رفعت إليه امرأة صبيا وقالت: ألهذا حج؟ قال: نعم، ولك أجر. رواه مسلم.
4- الحرية. فلا يجب الحج على العبد لأنه مشغول بحق سيده.
5- الاستطاعة (القدرة)
قال الله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا) آل عمران/97.
وهذا يشمل الاستطاعة البدنية والاستطاعة المالية.
أما الاستطاعة البدنية فمعناها أن يكون صحيح البدن ويتحمل مشقة السفر إلى بيت الله الحرام.
وأما الاستطاعة المالية فمعناها أن يملك النفقة التي توصله إلى بيت الله الحرام ذهاباً , وإياباً.
قالت اللجنة الدائمة (11/30) :
الاستطاعة بالنسبة للحج أن يكون صحيح البدن وأن يملك من المواصلات ما يصل به إلى بيت الله الحرام من طائرة أو سيارة أو دابة أو أجرة ذلك بحسب حاله، وأن يملك زاداً يكفيه ذهاباً وإياباً على أن يكون ذلك زائداً عن نفقات من تلزمه نفقته حتى يرجع من حجه، وأن يكون مع المرأة زوج أو محرم لها حتى في سفرها للحج أو العمرة اهـ.
ويشترط أن تكون النفقة التي توصله إلى البيت الحرام فاضلةً عن حاجاته الأصلية، ونفقاته الشرعية، وقضاء ديونه.
والمراد بالديون حقوق الله كالكفارات وحقوق الآدميين.
فمن كان عليه دين، وماله لا يتسع للحج وقضاء الدين فإنه يبدأ بقضاء الدين ولا يجب عليه الحج.
ويظن بعض الناس أن العلة هي عدم إذن الدائن، فإذا استأذنه وأذن له فلا بأس.
وهذا الظن لا أصل له، بل العلة هي انشغال الذمة، ومعلوم أن الدائن لو أذن للمدين بالحج فإن ذمة المدين تبقى مشغولة بالدين، ولا تبرأ ذمته بهذا الإذن، ولذلك يقال المدين: اقض الدين أولاً ثم إن بقي معك ما تحج به وإلا فالحج غير واجب عليك.
وإذا مات المدين الذي منعه سداد الدين عن الحج فإنه يلقى الله كامل الإسلام غير مضيع ولا مفرط، لأن الحج لم يجب عليه، فكما أن الزكاة لا تجب على الفقير فكذلك الحج.
أما لو قَدَّم الحج على قضاء الدين ومات قبل قضائه فإنه يكون على خطر، إذ إن الشهيد يغفر له كل شيء إلا الدين، فكيف بغيره؟!
والمراد بالنفقات الشرعية: النفقات التي يقرها الشرع كالنفقة على نفسه وأهله، من غير إسراف ولا تبذير، فإن كان متوسط الحال وأراد أن يظهر بمظهر الغني فاشترى سيارة ثمينة ليجاري بها الأغنياء، وليس عنده مال يحج به، وجب عليه أن يبيع السيارة ويحج من ثمنها، ويشتري سيارة تناسب حاله.
لأن نفقته في ثمن هذه السيارة الثمينة ليست نفقة شرعية، بل هو إسراف ينهى الشرع عنه.
والمعتبر في النفقة أن يكون عنده ما يكفيه وأهله إلى أن يعود.
ويكون له بعد عودته ما يقوم بكفايته وكفاية من ينفق عليهم كأجرة عقار أو راتب أو تجارة ونحو ذلك.
ولذلك لا يلزمه أن يحج برأس مال تجارته الذي ينفق على نفسه وأهله من ربحها، إذا كان سيترتب على نقص رأس المال نقصُ الأرباح بحيث لا تكفيه وأهله.
سئلت اللجنة الدائمة (11/36) عن رجل له مبلغ من المال في بنك إسلامي وراتبه مع أرباح المال تكفيه بصورة معتدلة، فهل يجب عليه الحج من رأس المال مع العلم أن ذلك سيؤثر على دخله الشهري ويرهقه مادياً؟ فأجابت:
" إذا كانت حالتك كما ذكرت فلست مكلفاً بالحج لعدم الاستطاعة الشرعية، قال الله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا) . وقال: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) " انتهى.
والمراد بالحاجات الأصلية: ما يحتاج إليه الإنسان في حياته كثيراً، ويشق عليه الاستغناء عنه.
مثل: كتب العلم لطالب العلم، فلا نقول له: بع كتبك وحج بثمنها، لأنها من الحوائج الأصلية.
وكذلك السيارة التي يحتاج إليها، لا نقول له بعها وحج بثمنها، لكن لو كان عنده سيارتان وهو لا يحتاج إلا إلى واحدة فيجب عليه أن يبيع إحداهما ليحج بثمنها.
وكذلك الصانع لا يلزمه أن يبيع آلات الصنعة لأنه يحتاج إليها.
وكذلك السيارة التي يعمل عليها وينفق على نفسه وأهله من أجرتها، لا يجب عليه بيعها ليحج.
ومن الحوائج الأصلية: الحاجة إلى النكاح.
فإذا احتاج إلى النكاح قدم النكاح على الحج وإلا قدم الحج.
انظر جواب السؤال (27120) .
إذاً فالمراد من الاستطاعة المالية أن يفضل عنده ما يكفيه للحج بعد قضاء الديون، والنفقات الشرعية، والحوائج الأصلية.
فمن كان مستطيعاً ببدنه وماله وجب عليه المبادرة بالحج.
ومن كان غير مستطيع ببدنه وماله، أو كان مستطيعاً ببدنه ولكنه فقير لا مال له، فلا يجب عليه الحج.
ومن كان مستطيعاً بماله، غير أنه لا يستطيع ببدنه نظرنا:
فإن كان عجزه يرجى زواله كمريض يرجى شفاء مرضه فإنه ينتظر حتى يشفيه الله ثم يحج.
وإن كان عجزه لا يرجى زواله كمريض السرطان أو كبير السن الذي لا يستطيع الحج فهذا يجب عليه أن يقيم من يحج عنه، ولا يسقط عنه الحج لعدم استطاعته ببدنه إذا كان مستطيعاً بماله.
والدليل على ذلك:
ما رواه البخاري (1513) أن امرأة قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لا يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ.
فأقرها النبي صلى الله عليه وسلم على قولها إن الحج فرض على أبيها مع أنه لا يستطيع الحج ببدنه. ويشترط لوجوب الحج على المرأة أن يكون لها محرم ولا يحل لها أن تسافر للحج فرضاً كان أو نفلاً إلا مع ذي محرم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ) رواه البخاري (1862) ومسلم (1341) .
والمحرم هو زوجها ومن تحرم عليه على التأبيد بنسب أو رضاع أو مصاهرة.
وزوج الأخت أو زوج الخالة أو العمة ليس من المحارم، وبعض النساء تتساهل فتسافر مع أختها وزوج أختها، أو مع خالتها وزوج خالتها، وهذا حرام.
لأن زوج أختها، أو زوج خالتها ليس من محارمها.
فلا يحل لها أن تسافر معه.
ويُخشى أن يكون حجها غير مبرور، فإن الحج المبرور هو الذي لا يخالطه إثم، وهذه آثمة في سفرها كله إلى أن تعود.
ويشترط في المحرم أن يكون عاقلاً بالغاً.
لأن المقصود من المحرم حفظ المرأة وصيانتها والصبي والمجنون لا يحصل منهما ذلك.
فإذا لم يوجد للمرأة محرم، أو وجد ولكن امتنع من السفر معها، فلا يجب عليها الحج.
وليس من شروط الوجوب على المرأة إذن زوجها، بل يجب عليها الحج إذا توفرت شروط الوجوب ولو لم يأذن الزوج.
قالت اللجنة الدائمة (11/20) :
حج الفريضة واجب إذا توفرت شروط الاستطاعة، وليس منها إذن الزوج، ولا يجوز له أن يمنعها، بل يشرع له أن يتعاون معها في أداء هذا الواجب اهـ.
وهذا في حج الفريضة أما النافلة فنقل ابن المنذر الإجماع على أن الزوج له منع زوجته من حج النافلة، لأن حق الزوج واجب عليها فلا تفوته بما لا يجب عليها. المغني (5/35) .
انظر الشرح الممتع (7/5-28) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4152)
هل يحج من عليه ديون طويلة الأجل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعلم أن الحج لا يجب على من عليه دين، فهل هذا ينطبق على الديون طويلة الأجل؟ فقد يكون على بعض الناس دين للبنك العقاري يستغرق عمره كله في تسديده، فهل يجب عليه الحج؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" الدين إذا كان حالاً فإنه مقدم على الحج، لسبقه وجوب الحج، فيوفي الدين ويحج، وإذا لم يكن عنده شيء بعد وفاء الدين ينتظر حتى يغنيه الله، وإذا كان مؤجلاً نظامياً فإن كان الإنسان واثقاً من نفسه أنه إذا حل الأجل يسدده فإن الدين هنا لا يمنع وجوب الحج، سواء أذن له الدائن أم لم يأذن، وإن كان لا يضمن القدرة على الوفاء فإنه ينتظر حتى يحل الأجل.
وبناء على ذلك نقول: من عنده دين لصندوق التنمية العقارية إذا كان يعلم من نفسه أنه إذا حل الأجل أوفى يجب عليه الحج، ولو كان عليه دين ".
"فتاوى ابن عثيمين" (21/96) .
وانظر جواب السؤال (36852) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4153)
استئذان الزوج في الحج
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمرأة أن تحج ولو لم يأذن لها زوجها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الحج فريضة عليها ومنعها زوجها منه فإنها تحج ولو لم يأذن زوجها، ولا يجوز لزوجها أن يمنعها من حج الفريضة، أما إذا كان نافلة فإنها لا تحج إلا إذا أذن لها زوجها.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (5/35) :
" وليس للرجل منع امرأته من حجة الإسلام. وبهذا قال النخعي , وإسحاق , وأبو ثور , وأصحاب الرأي , وهو الصحيح من قولي الشافعي، لأنه فرض , فلم يكن له منعها منه , كصوم رمضان , والصلوات الخمس. ويستحب أن تستأذنه في ذلك. نص عليه أحمد. فإن أذن وإلا خرجت بغير إذنه. فأما حج التطوع , فله منعها منه.
قال ابن المنذر: أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم أن له منعها من الخروج إلى الحج التطوع. وذلك لأن حق الزوج واجب , فليس لها تفويته بما ليس بواجب " انتهى باختصار.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: إذا منع الزوج زوجته فهل يأثم؟
فأجاب:
" نعم، يأثم إذا منع زوجته من الحج الذي تمت شروطه، فهو آثم، يعنى لو قالت: هذا مَحْرَمٌ، هذا أخي يحج بي، وأنا عندي نفقة، ولا أريد منك قرشاً، وهي لم تؤد الفريضة فيجب أن يأذن لها، فإن لم يفعل حجت ولو لم يأذن، إلا أن تخاف أن يطلقها فتكون حينئذ معذورة " انتهى.
"فتاوى ابن عثيمين" (21/115) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4154)
إعطاء الفقير من الزكاة ليحج
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز إعطاء الفقير من الزكاة لأداء فريضة الحج؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ذكر الله تعالى مصارف الزكاة في قوله: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)
واتفق العلماء على أن قوله تعالى: (وفي سبيل الله) المراد به الجهاد في سبيل الله.
ثم اختلفوا هل يشمل مع الجهاد الحج أم لا؟
فذهب أكثر العلماء إلى أنه خاص بالجهاد ولا يشمل الحج، وذهب الإمام أحمد إلى أنه يدخل فيه الحج واستدل بما رواه أبو داود (1988) عن أُمِّ مَعْقَلٍ أنها قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ عَلَيَّ حَجَّةً وَإِنَّ لأَبِي مَعْقَلٍ بَكْرًا (والبكر هو الفتي من الإبل) قَالَ أَبُو مَعْقَلٍ صَدَقَتْ جَعَلْتُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطِهَا فَلْتَحُجَّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. صححه الألباني في صحيح أبي داود.
وثبت عن ابن عمر أنه قال: أَمَا إِنَّ الْحَجَّ مِنْ سَبِيلِ اللَّهِ. قال الحافظ: أَخْرَجَهُ أَبُو عُبَيْد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ اهـ.
انظر: المغني (9 / 328) والمجموع (6/212) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الاختيارات" (105) :
ومن لم يحج حجة الإسلام وهو فقير أعطى ما يحج به اهـ يعني من الزكاة.
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (10 / 38) :
(يجوز صرف الزكاة في إركاب فقراء المسلمين لحج فريضة الإسلام، ونفقتهم فيه، لدخوله في عموم قوله تعالى: (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) من آية مصارف الزكاة اهـ.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4155)
هل يشترط في المحرم للسفر أن يكون زوجاً؟ وهل للزوجة رفضها له محرماً لها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن أرفض أن أذهب لأداء فريضة الحج في صحبة زوجي، ويرجع السبب من سؤالي هذا في أني لا أريد أن أذهب معه للحج: هو أنه منذ 8 سنوات - هي عمر زواجنا - وهو يؤذيني في مشاعري كزوجة، ولقد آذاني كثيراً، وأرى أن الذهاب لأداء الحج يعد فريضة خاصة، وعظيمة، واجب عليَّ أدائها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يحل للمرأة أن تسافر للحج، ولا لغيره، إلا مع ذي محرم، ولا تخرج للحج، ولا لغيره، إلا بإذن زوجها. وقد سبق بيان ذلك في جوابي السؤالين: (96670) و (99539) .
ثانياً:
لا يُلزم الزوج بأن يحج مع امرأته، كما لا تلزمه نفقة حجها، إلا أن يكون اشتُرط عليه ذلك عند عقد الزواج.
فقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: هل يجب على الرجل أن يحج بزوجته فيكون محرماً لها؟ وهل هو مطالب بنفقة زوجته أيام الحج؟
فأجاب:
"لا يجب على الزوج أن يحج بزوجته، إلا أن يكون مشروطاً عليه حال عقد الزواج، فيجب عليه الوفاء به، وليس مطالباً بنفقة زوجته، إلا أن يكون الحج فريضة، ويأذن لها فيه، فإنه يلزمه الإنفاق عليها بقدر نفقة الحضر فقط" انتهى.
" فتاوى الشيخ العثيمين " (21 / 208) .
ثالثاً:
لا يشترط في محرم المرأة أن يكون زوجاً.
وتعريف المحرم عند العلماء: هو من حرُم عليه نكاحها على التأبيد، بسبب مباح؛ لحرمتها، أي: بسبب نسب، أو رضاع، أو مصاهرة.
مثل: الأب والجد والابن والأخ والعم والخال وابن الأخ وابن الأخت.... أو أبوها أو أخوها من الرضاعة، أو أبو زوجها أو ابنه.
انظر: " مغني المحتاج " (1 / 681) ، و " المغني " لابن قدامة (5 / 32) .
وينبغي أن يكون مأموناً، عاقلاً، وقد اشترط الجمهور أن يكون بالغاً.
وجاء في " الموسوعة الفقهية " (17 / 36، 37) :
"المحرم الأمين المشروط في استطاعة المرأة للحج هو كل رجل مأمون، عاقل، بالغ، يحرم عليه بالتأبيد التزوج منها، سواء كان التحريم بالقرابة، أو الرضاعة، أو الصهرية" انتهى.
رابعاً:
نظراً لأن المحرَم لا يشترط أن يكون الزوج: فلا تُلزم المرأة بالسفر معه للحج، ويمكنها اختيار غيره ليحج معها.
وعليه: فما ذكرته الأخت السائلة من طبيعة علاقة زوجها به: يعد عذراً لها – إن شاء الله – لئلا تسافر للحج مع زوجها، على أن تجد محرماً آخر يسافر معها.
وللزوج أن يمنع من يرى أنه لا يصلح محرماً لزوجته، بسبب فسقه – مثلاً -، أو ضعفه، أو مرضه.
جاء في " الموسوعة الفقهية " (17/37) :
"إذا وجدتْ محرَماً: لم يكن للزوج منعها من الذهاب معه لحج الفرض" انتهى.
وإذا أصرَّ الزوج على منع سفر أحدٍ من محارمك إلا أن يكون هو ذلك المحرم لك: فإننا ننصحك بقبول ذلك منه، لما يترتب على مخالفته من آثار سيئة، ولما يمكن أن يكون حجه سبباً في هدايته، فعسى الله أن يغيِّر من حاله، وأخلاقه، ولا يدري الإنسان أين الخير المقدَّر له، ولا سببه.
ونسأل الله أن يهديه لأحسن الأخلاق، وأن يجمع بينكما على خير.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4156)
أعطى لزوجته مالاً لتحج ثم مات فهل لها أن تصرفه في غير الحج
[السُّؤَالُ]
ـ[لو أن شخصاً دفع لزوجته مبلغاً لكي تحج، ثم مات قبل أن يأتي موسم الحج، فهل يجب على المرأة أن تحج بهذا المبلغ؟ أم إنها تستطيع أن تستخدم هذا المبلغ في أشياء أخرى، آمل بيان السبب في كلا الحالين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، يلزم المرأة أن تحج بهذا المال متى استطاعت ووجدت محرما، لأن الزوج إنما أعطاها المال لتحج به، فالظاهر أنه لو كان يعلم منها أنها لن تحج بالمال لم يعطها إياه. والأصل في أموال التبرعات أن تنفق فيما حدده المنفق من أوجه البر، فلا تتعدى إلى غيرها؛ بخلاف التبرعات العامة التي لم يقصد بها غرض معين، فإنها تصرف في كافة أعمال البر.
قال الشيخ زكريا الأنصاري رحمه الله:
" (وَلَوْ أَعْطَاهُ دَرَاهِمَ وَقَالَ اشْتَرِ لَك) بِهَا (عِمَامَةً أَوْ اُدْخُلْ بِهَا الْحَمَّامَ) أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ (تَعَيَّنَتْ) لِذَلِكَ مُرَاعَاةً لِغَرَضِ الدَّافِعِ هَذَا (إنْ قَصَدَ سَتْرَ رَأْسِهِ) بِالْعِمَامَةِ (وَتَنْظِيفَهُ) بِدُخُولِهِ الْحَمَّامَ لِمَا رَأَى بِهِ مِنْ كَشْفِ الرَّأْسِ وَشَعَثِ الْبَدَنِ وَوَسَخِهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ بِأَنْ قَالَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّبَسُّطِ الْمُعْتَادِ (فَلَا) تَتَعَيَّنُ لِذَلِكَ بَلْ يَمْلِكُهَا أَوْ يَتَصَرَّفُ فِيهَا كَيْفَ شَاءَ " انتهى.
""أسنى المطالب شرح روض الطالب" (2/479-480) .
وقال الشيخ سليمان بن عمر الجمل رحمه الله:
" لَوْ دَفَعَ لَهُ تَمْرًا لِيُفْطِرَ عَلَيْهِ تَعَيَّنَ لَهُ عَلَى مَا يَظْهَرُ فَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي غَيْرِهِ نَظَرًا لِغَرَضِ الدَّافِعِ " انتهى.
"حاشية الجمل على شرح المنهج" (2/328) .
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4157)
إذا كان وجه المرأة عورة، فلماذا أمرت بكشفه في الإحرام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[المرأة – المحرمة - مأمورة بكشف وجهها في الحج والعمرة، فهل هذا يدل على أن وجه المرأة ليس بعورة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يصح الاستدلال بنهي النبي صلى الله عليه وسلم المرأة المحرمة أن تلبس النقاب على أن وجه المرأة ليس عورة.
وبيان ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر المرأة المحرمة بكشف وجهها، وإنما نهاها عن لبس النقاب، وفرق بين الأمرين، فإنها لا تلبس النقاب ولكن تستر وجهها بغير النقاب، كالسدال أو الطرحة.
وهذا، كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل المحرم أن يلبس القميص، فليس معناه أن يمشي عارياً، بل يستر بدنه بغير القميص، كالإزار والرداء.
ولهذا كانت النساء على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يغطين وجوههن في الإحرام بغير النقاب، إذا كُنَّ قريبات من الرجال.
فعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: (كنا نغطي وجوهنا من الرجال في الإحرام) رواه الحاكم، وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، قال الألباني: " إنما هو على شرط مسلم وحده " انتهى.
"حجاب المرأة المسلمة" (ص108) .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كَانَ الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بِنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْرِمَاتٌ، فَإِذَا حَاذَوْا بِنَا سَدَلَتْ إِحْدَانَا جِلْبَابَهَا مِنْ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا، فَإِذَا جَاوَزُونَا كَشَفْنَاهُ) رواه أحمد (23501) وأبو داود (1833) ، قال الألباني: " سنده حسن من الشواهد، ومن شواهده حديث أسماء المتقدم " انتهى.
"حجاب المرأة المسلمة" (ص107) .
ولهذا قال من قال من العلماء: إن وجه المرأة كبدن الرجل، أي أنها تستره ولكن بغير النقاب.
قال ابن القيم رحمه الله في "بدائع الفوائد" (3/664) : " وأما المرأة المحرمة فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع لها كشف الوجه في الإحرام ولا غيره، وإنما جاء النص بالنهي عن النقاب خاصة، كما جاء بالنهي عن القفازين، وجاء النهي عن لبس القميص والسراويل، ومعلوم أن نهيه عن لبس هذه الأشياء لم يُرِدْ أنها تكون مكشوفة لا تستر البتة، بل قد أجمع الناس على أن المحرمة تستر بدنها بقميصها ودرعها، وأن الرجل يستر بدنه بالرداء، وأسافله بالإزار، مع أن مخرج النهي عن النقاب والقفازين والقميص والسراويل واحد، وكيف يزاد على موجب النص ويفهم منه أنه شرع لها كشف وجهها بين الملأ جهاراً، فأي نص اقتضى هذا أو مفهوم أو عموم أو قياس أو مصلحة! بل وجه المرأة كبدن الرجل يحرم ستره بالمُفَصَّل على قَدْرِه كالنقاب والبرقع، بل وكيَدِها يحرم سترها بالمُفَصَّل على قَدْرِ اليد كالقفاز، وأما سترها بالكم وستر الوجه بالملاءة والخمار والثوب فلم ينه عنه البته.
ومن قال: إن وجهها كرأس المحرم، فليس معه بذلك نص ولا عموم، ولا يصح قياسه على رأس المحرم، لما جعل الله بينهما من الفرق.
وقول من قال من السلف: إحرام المرأة في وجهها، إنما أراد به هذا المعنى، أي: لا يلزمها اجتناب اللباس كما يلزم الرجل، بل يلزمها اجتناب النقاب فيكون وجهها كبدن الرَّجل، ولو قُدِّر أنه أراد وجوب كشفه فقوله ليس بحجة، ما لم يثبت عن صاحب الشرع أنه قال ذلك وأراد به وجوب كشف الوجه، ولا سبيل إلى واحد من الأمرين " انتهى.
وقال أيضاً في حاشيته على مختصر سنن أبي داود:
"وأما نهيه صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر المرأة أن تنتقب، وأن تلبس القفازين، فهو دليل على أن وجه المرأة كبدن الرجل لا كرأسه، فيحرم عليها فيه ما وضع وفُصَّل على قَدْر الوجه، كالنقاب والبرقع، ولا يحرم عليها سترة بالمقنعة والجلباب ونحوهما، وهذا أصح القولين.
فإن النبي صلى الله عليه وسلم سَوَّى بين وجهها ويديها، ومنعها من القفازين والنقاب، ومعلوم أنه لا يحرم عليها ستر يديها، وأنهما كبدن المحرم، يحرم سترهما بالمُفَصِّل على قَدْرِهما، وهما القفازان، فهكذا الوجه، إنما يحرم ستره بالنقاب ونحوه، وليس عن النبي صلى الله عليه وسلم حرف واحد في وجوب كشف المرأة وجهها عند الإحرام، إلا النهي عن النقاب، وهو كالنهي عن القفازين، فنسبة النقاب إلى الوجه كنسبة القفازين إلى اليد سواء وهذا واضح بحمد الله.
وقد ثبت عن أسماء أنها كانت تغطي وجهها وهي محرمة، وقالت عائشة كانت الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها على وجهها فإذا جاوزونا كشفنا ذكره أبو داود " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم نهي المرأة [المحرمة] عن تغطية وجهها، وإنما ورد النهي عن النقاب، والنقاب أخص من تغطية الوجه، لكون النقاب لباس الوجه، فكأن المرأة نهيت عن لباس الوجه، كما نهي الرجل عن لباس الجسم " انتهى.
"الشرح الممتع" (7/165) .
وبهذا يظهر أن القول بأن المرأة المحرمة أُمرت بكشف وجهها، غير صحيح.
وعليه؛ فالاستدلال بذلك على أن وجه المرأة ليس عورة غير صحيح أيضاً.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4158)
تقبيل المرأة للحجر الأسود
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يصح للمرأة حين تقبيل الحجر أن تكشف وجهها وبجوارها الرجال؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تقبيل الحجر الأسود في الطواف سنة مؤكدة من سنن الطواف إن تيسر فعلها بدون مزاحمة أو إيذاء لأحد بفعلك؛ اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، وإن لم يتيسر إلا بمزاحمة وإيذاء تعين الترك والاكتفاء بالإشارة إليه باليد، ولا سيما المرأة؛ لأنها عورة، ولأن المزاحمة في حق الرجال لا تشرع، ففي حق النساء أولى، كما أنه لا يجوز لها عند تيسر التقبيل بدون مزاحمة أن تكشف وجهها أثناء تقبيل الحجر الأسود؛ لوجود من ليس هو بمحرم لها في ذلك الموقف.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 11/229(5/4159)
متى تطوف الحائض والنفساء
[السُّؤَالُ]
ـ[المرأة النفساء إذا بدأ نفاسها يوم التروية وأكملت أركان الحج عدا الطواف والسعي إلا أنها لاحظت أنها طهرت مبدئيا بعد عشرة أيام فهل تتطهر وتغتسل وتؤدي الركن الباقي الذي هو طواف الحج؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" لا يجوز لها أن تغتسل وتطوف حتى تتيقن الطهر.
والذي يفهم من السؤال حين قالت (مبدئيا) أنها لم ترى الطهر كاملا فلا بد أن ترى الطهر كاملا، فمتى طهرت اغتسلت وأدت الطواف والسعي، وإن سعت قبل الطواف فلا حرج لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل في الحج عمن سعى قبل أن يطوف فقال: لا حرج "
[الْمَصْدَرُ]
انتهى من رسالة 60سؤال في الحيض(5/4160)
تريد العمرة ولا تجد محرماً
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أذهب للعمرة ولكن لا يوجد لدي محرم وهذا الأمر يحزنني، فزوجي مشغول دائماً بعمله ولا يستطيع ترك عمله لمدة 8 أو 10 أيام، أرجو أن ترشدني كيف أستطيع أن أعتمر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المرأة التي لا تجد محرماً تسافر معه لا يجب عليها الحج ولا العمرة، وهي معذورة في ترك ذلك، ويحرم عليها السفر للحج أو لغيره من غير محرم، وعليها أن تصبر حتى ييسر الله أحد محارمها ليسافر معها.
وسبل الخير كثيرة، فإذا لم يستطع المسلم فعل بعض العبادات، فإنه يجتهد فيما يستطيعه من العبادات حتى يوفقه الله وييسر له ما لا يستطيعه من العبادات.
ومن فضل الله تعالى على عباده المؤمنين أن العبد إذا عزم على فعل طاعة ولكنه لم يستطع فعلها لعذر، فإنه يثاب الفاعل لها روى البخاري (4423) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَعَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ فَدَنَا مِنْ الْمَدِينَةِ فَقَالَ: (إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلا كَانُوا مَعَكُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ قَالَ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ)
قال علماء اللجنة الدائمة:
المرأة التي لا محرم لها لا يجب عليها الحج؛ لأن المحرم بالنسبة لها من السبيل، واستطاعة السبيل شرط في وجوب الحج، قال الله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً) ، ولا يجوز لها أن تسافر للحج أو غيره إلا ومعها زوج أو محرم لها؛ لما رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم "، فقام رجل فقال: يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، قال: " انطلِق فحج مع امرأتك "، وبهذا القول قال الحسن والنخعي وأحمد وإسحاق وابن المنذر وأصحاب الرأي، وهو الصحيح؛ للآية المذكورة، مع عموم أحاديث نهي المرأة عن السفر بلا زوج أو محرم، وخالف في ذلك مالك والشافعي والأوزاعي، واشترط كل منهم شرطاً لا حجة له عليه، قال ابن المنذر: تركوا القول بظاهر الحديث، واشترط كل منهم شرطاً لا حجة له عليه.
" فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " (11 / 90، 91) .
وقالوا:
إذا كان الواقع كما ذكر - من عدم تيسر سفر زوجك أو محرم لك معك لتأدية فريضة الحج - فلا يجب عليك مادمت على هذه الحال؛ لأن صحبة الزوج أو المحرم لك في السفر للحج شرط في وجوبه عليك، ويحرم عليك السفر للحج وغيره بدون ذلك، ولو مع زوجة أخيك ومجموعة من النساء، على الصحيح من قولي العلماء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم) متفق على صحته، إلا إذا كان أخوك مع زوجته فيجوز السفر معه؛ لأنه محرم لك، واجتهدي في الأعمال الصالحات التي لا تحتاج إلى سفر، واصبري رجاء أن ييسر الله أمرك، ويهيء لك سبيل الحج مع زوج أو محرم.
" فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " (11 / 96) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4161)
كيف تقصر المرأة من شعرها في الحج والعمرة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال: بعد أن أدت والدتي العمرة قصت خصلة واحدة من شعرها جهلاً منها فما الحكم في ذلك؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحلق أو التقصير من واجبات العمرة، وليس على النساء حلق، وإنما المشروع لهن التقصير.
ويلزم التقصير من جميع الشعر، على الراجح، وهو مذهب المالكية والحنابلة، فإن كان لها ضفائر أخذت من أطرافها جميعاً، وإلا جمعت شعرها وأخذت من جميعه، والمستحب أن تأخذ قدر أنملة، ولها أن تقصر أقل من ذلك؛ لأنه لم يرد تحديد له في الشرع.
قال الباجي رحمه الله في "المنتقى" (3/29) : " وأما المرأة فإنها إذا أرادت الإحرام أخذت من قرونها لتقصر فإذا حلت قصرت.
وكم مقدار ما تقصر؟ روي عن ابن عمر أنه قال: مقدار أنملة. وقد روى ابن حبيب عن مالك قدر الأنملة أو فوق ذلك بقليل أو دونه بقليل. قال مالك: ليس لذلك عندنا حد معلوم وما أخذت منه أجزأها ولا بد من أن تعم بالتقصير الشعر كله طويله وقصيره " انتهى باختصار.
وقال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (3/196) : " يلزم التقصير أو الحلق من جميع شعره , وكذلك المرأة. نص عليه. وبه قال مالك " انتهى.
وقال: " وأي قدر قصّر منه أجزأه. وقال أحمد: يقصر قدر الأنملة. وهو قول ابن عمر , والشافعي , وإسحاق , وأبي ثور. وهذا محمول على الاستحباب ; لقول ابن عمر " انتهى.
وقال في (3/226) : " والمرأة تقصر من شعرها مقدار الأنملة. الأنملة: رأس الإصبع من المفصل الأعلى. والمشروع للمرأة التقصير دون الحلق. لا خلاف في ذلك. قال ابن المنذر: أجمع على هذا أهل العلم. وقد روى ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس على النساء حلق , إنما على النساء التقصير) رواه أبو داود. وعن علي رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تحلق المرأة رأسها) رواه الترمذي. وكان أحمد يقول: تقصر من كل قرن قدر الأنملة. وهو قول ابن عمر , والشافعي , وإسحاق , وأبي ثور. وقال أبو داود: سمعت أحمد سئل عن المرأة تقصر من كل رأسها؟ قال: نعم , تجمع شعرها إلى مقدم رأسها , ثم تأخذ من أطراف شعرها قدر أنملة " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (7/329) : " قوله: " وتقصر منه المرأة قدر أنملة "، أي: أنملة الأصبع وهي مفصل الإصبع، أي أن المرأة تمسك ضفائر رأسها إن كان لها ضفائر، أو بأطرافه إن لم يكن لها ضفائر، وتقص قدر أنملة، ومقدار ذلك اثنان سنتيمتر تقريباً، وأما ما اشتهر عند النساء أن الأنملة أن تطوي المرأة طرف شعرها على إصبعها فمتى التقى الطرفان فذاك الواجب فغير صحيح " انتهى.
وبناء على ذلك، فمن قصرت من خصلة واحدة فإنها لم تقصر التقصير المعتبر، ويلزمها الآن أن تقصر من شعرها على نحو ما ذكرنا، ولا شيء عليها فيما ارتكبته من محظورات الإحرام فيما سبق.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في امرأة لم تتم عمرتها: " وأما ما فعلته من المحظورات ولنفرض أن زوجها جامعها والجماع في النسك هو أعظم المحظورات فإنه لا شيء عليها، لأنها جاهلة، وكل إنسان يفعل محظوراً من محظورات الإحرام جاهلاً أو ناسياً أو مكرهاً فلا شيء عليه " انتهى من مجموع فتاوى ابن عثيمين (21/351) باختصار.
وسئل رحمه الله عن: رجل قصر شعره من جانب واحد بعد العمرة، ثم رجع إلى أهله وتبين له أن فعله غير صحيح، فماذا عليه؟ فأجاب: " إن فعل هذا الأمر جاهلاً فالواجب عليه أن يخلع ملابسه الآن (ويلبس إحرامه) ويحلق حلقاً كاملاً أو يقصر، ويكون ما فعله في محل العفو؛ لأنه كان جاهلاً، والحلق أو التقصير لا يشترط أن يكون في مكة، بل يكون في مكة وفي غيرها. أما إن كان ما فعله بناءً على فتوى من أحد العلماء، فليس عليه شئ؛ لأن الله يقول (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) ، وبعض العلماء يرى: أن التقصير من بعض الرأس كالتقصير من كل الرأس " انتهى من "اللقاء الشهري" رقم 10.
والمرأة لا يلزمها أن تخلع ملابسها قبل التقصير؛ لأنه لا يحرم عليها لبس الثياب المعتادة في الإحرام، وإنما تمنع فقط من النقاب والقفازين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4162)
لا يشرع للمرأة الهرولة لا في الطواف ولا في السعي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تهرول المرأة في الطواف بين العلمين الأخضرين في السعي بين الصفا والمروة، كما يفعل ذلك الرجل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أنه لا رَمَل على النساء حول البيت، ولا بين الصفا والمروة، وليس عليهن اضطباع؛ وذلك لأن الأصل فيهما إظهار الجَلَد [القوة] ، ولا يقصد ذلك في النساء؛ ولأن النساء يقصد فيهن الستر، وفي الرمل والاضطباع تعرض للكشف.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/226، 227) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4163)
لبست البرقع وهي محرمة وكانت لا تعلم أنه حرام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمرأة أن تلبس البرقع وهي محرمة؟ فقد لبسه أهلي فلما رجعوا من الحج قيل لهم: إن حجكم غير مقبول؛ لأنكم لبستم البرقع.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لبس البرقع لا يجوز للمرأة في الإحرام؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (لا تنتقب المرأة ولا تلبس قفازين) رواه البخاري، ولا شيء على من تبرقعت في الإحرام جاهلة للتحريم وحجتها صحيحة.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/190- 192) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4164)
هل تقبل المرأة الحجر الأسود؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يصح للمرأة حين تقبيل الحجر أن تكشف وجهها ويكون الرجال حولها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"تقبيل الحجر الأسود في الطواف سنة مؤكدة من سنن الطواف؛ إن تيسر فعلها بدون مزاحمة أو إيذاء لأحد بفعلك؛ اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، وإن لم يتيسر إلا بمزاحمة وإيذاء تعين الترك، والاكتفاء بالإشارة إليه باليد، ولا سيما المرأة؛ لأنها عورة، ولأن المزاحمة في حق الرجال لا تشرع، ففي حق النساء أولى، كما أنه لا يجوز لها عند تيسر التقبيل لها بدون مزاحمة أن تكشف وجهها أثناء تقبيل الحجر الأسود؛ لوجود من ليس هو بمحرم لها في ذلك الموقف.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/229) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4165)
هل يجوز للمرأة أن تحرم وهي تلبس الذهب؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يصح لها الإحرام بالذهب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"يجوز للمرأة أن تحرم وبيدها أسورة ذهب أو خواتم ونحو ذلك، ويشرع لها ستر ذلك عن الرجال غير المحارم؛ خشية الفتنة بها.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/190- 192) .
وقد قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 201) : "لا بأس أن تلبس المرأة حال الإحرام من الذهب ما شاءت إذا لم يخرج إلى حد الإسراف حتى الخواتم والأساور في اليدين، لكن في هذه الحال تستره عن الرجال الأجانب خوفاً من وقوع الفتنة" انتهى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4166)
هل يلزم الزوج الغني تكاليف حج زوجته؟
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجة لا تملك نفقات الحج وزوجها غني، فهل هو ملزم شرعاً بنفقات حجها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا يلزم الزوج شرعاً بنفقات حجها وإن كان غنياً، وإنما ذلك من باب المعروف، وهي غير ملزمة بالحج لعجزها عن نفقته.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/35) .
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (11/94) أيضاً:
"لا يجب على الزوج لزوجته نفقات حجها مثل ما تجب عليه نفقات أكلها وكسوتها وسكناها، ولكن بذله من باب حسن العشرة ومكارم الأخلاق، ويجب لها عليه في سفر حجها ما يقابل نفقتها حال كونها مقيمة" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن قعود.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4167)
هل توكل المرأة من يرمي عنها خوفاً من الزحام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل توكل المرأة من يرمي عنها الجمار، نظراً لشدة الزحام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الزحام الشديد الذي يخشى على النساء منه لا يجوز أن تخوض المرأة غماره؛ لأن ذلك تعب عليها، ولأنها سترمي الجمرة وهي لا تشعر من شدة الزحام، فمثلاً إذا كان يريد أن يتعجل في يومين ويحب أن يرمي من حين الزوال وينصرف، هنا لا يمكن أن ترمي المرأة أبداً، لأنه خطر عليها، فنقول في هذه الحال: توكل ولا حرج، أما في غير ذلك، مثلاً: في اليوم الحادي عشر يمكن أن تؤخر الرمي عن الزوال إلى العصر، أو إلى الليل، ولها إلى الفجر فالأمر والحمد لله واسع".
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/122) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: هل يجوز رمي الجمار أيام الحج في وقتنا هذا عن النساء؛ نظراً لشدة الزحام؟
فأجابوا:
"قال تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) ، وقال تعالى: (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج) ، فالعسر والحرج منفيان عن هذه الشريعة بهاتين الآيتين، وما جاء في معناهما، والنساء تختلف أحوالهن: فمنهن الحامل، وضخمة الجسم جداً، والهزيلة، والمريضة، والمسنة العاجزة، ومنهن القوية، فأما المرأة التي يوجد فيها عذر من الأعذار المشار إليها ونحوها فتجوز النيابة عنها، ولا إشكال في ذلك، والذي يرمي عنها لا ينوب عنها إلا بإذنها قبل الرمي عنها، فيرمي عن نفسه ثم عنها. وأما القوية فإذا حصلت مشقة غير مألوفة جازت النيابة عنها على الوصف الذي سبق في كيفية النيابة، وأنه يرمي عنها بعد ما يرمي عن نفسه. والشخص الذي يكون نائباً في الرمي عن غيره يكون من الحجاج.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن منيع.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (11/283) .
وجاء فيها أيضاً (11/284) :
"يجوز عند الزحام في رمي الجمرات أن توكل المرأة من يرمي عنها، ولو كانت حجتها حجة الفريضة، وذلك من أجل مرضها أو ضعفها، أو المحافظة على حملها إن كانت حاملاً، وعلى عرضها وحرمتها؛ حتى لا تَنتهك حرمتها شدة الزحام.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن منيع.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4168)
إذا تعجلت المرأة فلا حرج أن توكل من يرمي عنها لشدة الزحام
[السُّؤَالُ]
ـ[يخاف بعض الرجال على نسائهم من شدة الزحام عند رمي الجمرات فيوقفهم على الجمرات فإن كانت الجمرات زحام رمى عنهن وإذا قل الزحام رمين فهل يصح لهن أن يرمين الجمرات إذا خف الزحام، أم أن رمي الرجال عنهن أثناء الزحام كان كافياً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا كان هذا الزحام لابد منه مثل أن يكون في اليوم الثاني عشر، وهم يميلون إلى أن يتعجلوا، ولا يمكن أن يتأخروا حتى يخف، فلا حرج أن تؤكل المرأة، بل لابد أن توكل في هذه الحال؛ لأن دخولها غمار الزحام، لا شك أنه خطر عليها.
أما بقية الأيام فيمكن أن تؤخر الرمي إلى آخر الليل ويكون يسيراً" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/116) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4169)
استعملت مانعاً للحيض ونزلت عليها كدرة
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة استعملت مانعاً للحيض من أجل الحج ومع التعب نزل عليها شيء مثل الكدرة فما حكمه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"هذا ليس بشي، قالت أم عطية رضي الله عنها: (كنا لا نعد الصفرة والكدرة شيئاً) حتى وإن استمر، ما دام لم يكن دماً خالصاً فليس بشي" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 91، 92) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4170)
امرأة حاضت بعد طواف العمرة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم لو حاضت المرأة بعد نهاية طواف العمرة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا أتاها الحيض بعد الطواف فإنها تمضي في عمرتها ولا يضرها شيء، لأن ما بعد الطواف لا يشترط فيه الطهارة من الحدث ولا الطهارة من الحيض" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 95) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4171)
هل يجوز استعمال إبرة توقف الحيض لمدة ساعات، من أجل الطواف؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم استعمال الإبرة الموقفة للعادة الشهرية أو الحبوب الموقفة للعادة الشهرية علماً بأنها توقف لمدة ساعات فقط؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا بأس به للضرورة، لكن بشرط أن يكون هذا بعد موافقة الطبيب، فإذا قال الطبيب لا بأس أن تستعملي هذه الإبرة أو الحبوب فلا بأس أن تستعملها من أجل الضرورة. سواء كان لساعات أو أيام" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 392) .
وسئل الشيخ أيضاً: عن امرأة في أثناء طواف الإفاضة نزلت عليها العادة فأخبرت طبيبة الحملة بذلك فقالت: سوف أعطيك إبرة توقف عنك الدم لمدة ست ساعات وفعلا توقف الدم ست ساعات، فطافت من جديد وسعت، بعد ست ساعات جاءت الدورة، فهل ما فعلته صحيح أم ماذا؟
فأجاب: "إذا كان الوقوف طهراً كاملاً – والنساء يعرفن الطهر – فلا بأس، ويكون طوافها صحيحاً، وأما إذا لم يكن طهراً صحيحاً فقد طافت قبل أن تطهر، وطواف المرأة قبل طهرها غير صحيح" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 393، 394) .
وللفائدة راجع جواب السؤال رقم (20467) ، (36600) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4172)
هل للمرأة أن تربط غطاء الوجه في الإحرام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل بإمكان المرأة أن تربط غطاء الوجه أو تضع غطاء على الرأس دون أن تربطه، ذلك أنه أثناء الطواف والسعي ليس من السهل الرؤية بوضوح حينما نسدل الجلباب على الوجه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا بأس بربط غطاء الوجه إذا كان يمكن إلا بشده أو ربطه في حال الإحرام أو غيره" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 194) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4173)
هل تجوز عمرة بناتها بلا محرم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد السفر للعمرة مع أولاد أخي ومعي بناتي فهل تجوز عمرة بناتي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
يجوز أن تسافري للعمرة مع أبناء أخيك لأنهم محارم لك.
وأما بناتك فإن كن بالغات فلا يجوز لهن السفر من غير محرم؛ لما روى البخاري (1729) ومسلم (2391) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ، وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ، فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا، وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ. فَقَالَ: اخْرُجْ مَعَهَا) .
ولا فرق بين سفر المرأة للحج أو للعمرة أو لغير ذلك، فالجميع يشترط له المحرم؛ لعموم الأحاديث، بل ولما جاء في هذا الحديث من أن المرأة خرجت للحج، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم زوجها أن يخرج معها ويدع الجهاد.
وإذا لم تجد المرأة محرما، لم تجب عليها العمرة ولا الحج.
وإذا خرجت بلا محرم، كانت آثمة بذلك.
وينظر جواب السؤال رقم (25841) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4174)
لم لا تكون المساجد فيها اختلاط النساء بالرجال مثل الطواف؟!
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا لا يجوز للنساء الصلاة مع الرجال فى المسجد بينما يعبد الله فى مكة كل من الرجال والنساء جنبا إلى جنب؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
هذا الإشكال مبني على خطأ في معرفة حكم الشرع في اختلاط الرجال والنساء في الطواف، فالأخ السائل يعتقد أن الشريعة تبيح اختلاط الرجال بالنساء " جنباً إلى جنب " في الطواف! وهو يستشكل عدم وجود هذا في الصلاة، ومعنى كلامه أنه يريد صفوف النساء والرجال متداخلة، فيتراص الرجال والنساء في صفوف الصلاة الكعب بالكعب، والمنكب بالمنكب! وهذا لا يمكن تصور وجوده في الشريعة المحكمة التي تغلق أبواب الفتنة، وتسد على الشيطان طرقه في الغواية.
وحتى يزول أصل الخلل لا بدَّ من توضيح مسألة طواف النساء والرجال حكماً وواقعاً.
أما حكماً: فهو أن يكون طواف النساء خلف الرجال وحدهن، أو في الليل حيث لا يكون أحد في الطواف من الرجال.
وأما الواقع: فهو مخالف للشرع، وما نراه من اختلاط الرجال بالنساء بالصورة الموجودة اليوم مرفوض في الشرع، ولا يزال العلماء ينكرونه، ويحاولون إصلاحه، ولصعوبة الأمر فإن كثيراً من المحاولات لم تنجح، بسبب جهل الناس وعدم تعاونهم، وبسبب الازدحام الشديد، وعدم القدرة على ضبط الناس في الطواف.
وقد حاول بعض الحكام الأمويين الفصل التام بين الرجال والنساء في الطواف، واستدل عليه بالفعل الموجود في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وبيَّن أهل العلم أنه لا يلزم من الإذن لهن بالطواف مع الرجال أن يكون اختلاط ومماسة! ومما يدل على هذا الذي ذكرناه:
1. ما رواه البخاري (1539) عن ابْن جُرَيْجٍ قال: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ إِذْ مَنَعَ ابْنُ هِشَامٍ النِّسَاءَ الطَّوَافَ مَعَ الرِّجَال قَال: كَيْفَ يَمْنَعُهُنَّ وَقَدْ طَافَ نِسَاءُ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مَعَ الرِّجَال؟ قُلتُ: أَبَعْدَ الحِجَابِ أَوْ قَبْلُ؟ قَال: إِي لعَمْرِي لقَدْ أَدْرَكْتُهُ بَعْدَ الحِجَابِ، قُلتُ: كَيْفَ يُخَالطْنَ الرِّجَال؟ قَال: لمْ يَكُنَّ يُخَالطْنَ، كَانَتْ عَائِشَةُ رَضِي الله عَنْهَا تَطُوفُ حَجْرَةً مِنَ الرِّجَال لا تُخَالطُهُمْ، فَقَالتِ امْرَأَةٌ: انْطَلقِي نَسْتَلمْ يَا أُمَّ المُؤْمِنِينَ – أي: الحجر الأسود - قَالتِ: انْطَلقِي عَنْكِ وَأَبَتْ، يَخْرُجْنَ مُتَنَكِّرَاتٍ بِالليْل فَيَطُفْنَ مَعَ الرِّجَال، وَلكِنَّهُنَّ كُنَّ إِذَا دَخَلنَ البَيْتَ قُمْنَ حَتَّى يَدْخُلنَ وَأُخْرِجَ الرِّجَالُ.
حَجرة من الرجال: بعيدة عنهم.
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -:
وظاهر هذا أن ابن هشام أول من منع ذلك، لكن روى الفاكهي من طريق زائدة عن إبراهيم النخعي قال: نهى عمر أن يطوف الرجال مع النساء، قال فرأى رجلا معهن فضربه بالدِّرة، وهذا إن صح لم يعارض الأول؛ لأن ابن هشام منعهن أن يطفن حين يطوف الرجال مطلقاً، فلهذا أنكر عليه عطاء، واحتج بصنيع عائشة، وصنيعها شبيه بهذا المنقول عن عمر.
قال الفاكهي: ويُذكر عن ابن عيينة أن أول من فرَّق بين الرجال والنساء في الطواف: خالد بن عبد الله القسري. ا. هـ.
وهذا إن ثبت فلعله منَعَ ذلك وقتاً، ثم تركه؛ فإنه كان أمير مكة في زمن عبد الملك بن مروان، وذلك قبل ابن هشام بمدة طويلة.
" فتح الباري " (3 / 480) .
فهذا إنكارٌ لواقع الطواف الذي تختلط فيه النساء بالرجال، ولم يكن ليرضَ أحدٌ بذلك من الولاة فضلاً عن العلماء.
قال ابن جُماعة - رحمه الله -:
ومن أكبر المنكرات: ما يفعله جهلة العوام في الطواف من مزاحمة الرجال بأزواجهم سافرات عن وجههن، وربما كان ذلك في الليل، وبأيديهم الشموع متقدة ... .
إلى أن قال:
" نسأل الله أن يلهم ولي الأمر إزالة المنكرات ".
وقال ابن حجر الهيتمي - بعد أن نقل كلامه -:
فتأمله تجده صريحاً في وجوب المنع حتى من الطواف عند ارتكابهن دواعي الفتنة.
" الفتاوى الفقهية " (1 / 201، 202) .
وقد علَّق الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله - على هذا الحديث من صحيح البخاري بقوله:
طواف النساء مع الرجال لا بأس به، ولا يمكن منعه خصوصاً في أوقاتنا هذه؛ لأن كل امرأة مع محرمها، ولو مُنع النساء من الاختلاط مع الرجال: لضاعت النساء، وحصل من الشر أكثر، ولكن لو جُعلن كما تفعل عائشة حَجرة، يعني: بعيدات عن الرجال: لكان هذا طيباً، وكانوا هنا يفعلونه في الأيام التي ليس فيها زحام شديد، يجعلون النساء على الجانب، وهو عمل طيب، وأما أن تُمنع النساء ويقال لهن: لا تطفن إلا في الليل مثلاً: فهذا صعب، وفي وقتنا هذا الأمر أصعب، لو قلنا: الرجال وحدهم والنساء وحدهن: لحصل فتنة كبيرة، كل إنسان يستطيع أن يصيد المرأة بدون من يعارضه، ولكن على الإنسان أن يتقي الله عز وجل ويتجنب زحام النساء بقدر المستطاع، وعلى المرأة أيضاً أن تنتبه لأولئك الفجار الذين يتصيدون النساء في المطاف - والعياذ بالله - وتجد الرجل يلتصق بها من أول الطواف إلى آخر الطواف - نسأل الله العافية - وكم ضُبط من قضية.
انتهى من " شرح صحيح البخاري " كتاب الحج، بَاب طَوَافِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَال، الشريط السابع، الوجه الثاني.
2. عَنْ أُمِّ سَلمَةَ رَضِي الله عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَالتْ شَكَوْتُ إِلى رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَنِّي أَشْتَكِي فَقَال طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ فَطُفْتُ وَرَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ حِينَئِذٍ يُصَلي إِلى جَنْبِ البَيْتِ وَهُوَ يَقْرَأُ وَالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ.
رواه البخاري (452) ومسلم (1276) .
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -:
أمَرها أن تطوف من وراء الناس ليكون أستر لها، ولا تقطع صفوفهم أيضاً، ولا يتأذون بدابتها.
" فتح الباري " (3 / 481) .
وقال الشيخ سليمان الباجي المالكي – رحمه الله -:
وأما طواف النساء من وراء الرجال فهو للحديث الذي ذكرناه (طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَة) ولم يكن لأجل البعير ... وأما المرأة فإن مِن سنَّتها أن تطوف وراء الرجال ; لأنها عبادة لها تعلق بالبيت، فكان مِن سنَّة النِّساء أن يكنَّ وراء الرجال، كالصلاة.
" المنتقى شرح الموطأ " (2 / 295) .
وقال علماء اللجنة الدائمة - ردّاً على من قال بجواز الاختلاط قياساً على الاختلاط في الطواف -:
أما قياس ذلك على الطواف بالبيت الحرام: فهو قياس مع الفارق؛ فإن النساء كن يطفن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مِن وراء الرجال متسترات، لا يداخلنهم ولا يختلطن بهم.. .
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن قعود، الشيخ عبد الله بن غديان.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (12 / 164، 165) .
ثانياً:
أما صلاة النساء مع الرجال في المسجد: فإن لها ضوابط وأحكاماً تؤدي كلها إلى حفظ الأعراض، وتساهم في بناء المجتمعات على معالي الأخلاق، ومن هذه الضوابط والأحكام:
1. أن يكون للنساء باب للدخول منه إلى المسجد غير باب الرجال.
عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَوْ تَرَكْنَا هَذَا الْبَابَ لِلنِّسَاءِ) قَالَ نَافِعٌ: فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ ابْنُ عُمَرَ حَتَّى مَاتَ.
رواه أبو داود (462) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
وفي " عون المعبود " (2 / 92) :
(لو تركنا هذا الباب) : أي باب المسجد الذي أشار النبي صلى الله عليه وسلم.
(للنساء) : لكان خيراً، وأحسن؛ لئلا تختلط النساء بالرجال في الدخول والخروج من المسجد، والحديث فيه دليل أن النساء لا يختلطن في المساجد مع الرجال، بل يعتزلن في جانب المسجد، ويصلين هناك بالاقتداء مع الإمام , فكان عبد الله بن عمر أشد اتباعا للسنة , فلم يدخل من الباب الذي جعل للنساء حتى مات. انتهى
2. جعل النساء في صفوف خاصة خلف الرجال، حتى لو كانت امرأة واحدة.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ لَهُ فَأَكَلَ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ قُومُوا فَلِأُصَلِّ لَكُمْ قَالَ أَنَسٌ فَقُمْتُ إِلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدْ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفَفْتُ وَالْيَتِيمَ وَرَاءَهُ وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا فَصَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ.
رواه البخاري (373) ومسلم (658) .
قال النووي – رحمه الله -:
وفيه: أن المرأة تقف خلف الرجال , وأنها إذا لم يكن معها امرأة أخرى: تقف وحدها متأخرة.
" شرح مسلم " (5 / 163) .
3. الترغيب في الصفوف الخلفية للنساء والترغيب في الصفوف الأولى للرجال.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا) .
رواه مسلم (440) .
قال النووي – رحمه الله -:
وإنما فضل آخر صفوف النساء الحاضرات مع الرجال لبعدهن من مخالطة الرجال، ورؤيتهم، وتعلق القلب بهم عند رؤية حركاتهم، وسماع كلامهم، ونحو ذلك , وذم أول صفوفهن لعكس ذلك.
" شرح مسلم " (4 / 159، 160) .
4. جعل صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد، ولو كان المسجد الحرام.
عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خَيْرُ مَسَاجِدِ النِّسَاءِ قَعْرُ بُيُوتِهِنَّ) .
رواه أحمد (26002) وحسَّنه الشيخ الألباني في " صحيح الترغيب " (341) .
5. انتظار الرجال بعد الصلاة قليلاً، وإسراع خروج النساء قليلاً.
عن أُمّ سَلَمَة زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ النِّسَاءَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنَّ إِذَا سَلَّمْنَ مِنْ الْمَكْتُوبَةِ قُمْنَ، وَثَبَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْ صَلَّى مِنْ الرِّجَالِ مَا شَاءَ اللَّهُ، فَإِذَا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ الرِّجَالُ.
رواه البخاري (828) .
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَلَّمَ قامَ النِّسَاءُ حِينَ يَقْضِي تَسْلِيمَهُ وَمَكَثَ يَسِيراً قَبْلَ أَنْ يَقُومَ ".
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ (وهو الزهري) : فَأُرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مُكْثَهُ لِكَيْ يَنْفُذَ النِّسَاءُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُنَّ مَنِ انْصَرَفَ مِنَ الْقَوْمِ.
رواه البخاري (802) .
قال بدر الدين العيني – رحمه الله -:
فيه: خروج النساء إلى المساجد، وسبقهن بالانصراف، والاختلاط بهن مظنة الفساد، ويمكث الإمام في مصلاه والحالة هذه.
" عمدة القاري " (6 / 122) .
قال السندي – رحمه الله – في بيان سبب مكثه صلى الله عليه وسلم بعد السلام -:
أي: ليتبعه الرجال في ذلك، حتى تنصرف النساء إلى البيوت، فلا يحصل اجتماع الطائفتين في الطريق.
" حاشية سنن ابن ماجه " (حديث 932) .
6. الحفاظ على الحجاب والستر في القدوم للمسجد والانصراف منه.
عن عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنَّ نِسَاءُ الْمُؤْمِنَاتِ يَشْهَدْنَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْفَجْرِ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ (أي: متسترات بثوب يغطي جسدهن كله) .
رواه البخاري (553) ومسلم (645) .
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
فإنَّ النساء كنَّ يطفن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم من وراء الرجال متسترات، لا يداخلنهم، ولا يختلطن بهم، وكذا حالهن مع الرجال في مصلى العيد، فإنهن كنَّ يخرجن متسترات، ويجلسن خلف الرجال في المصلى، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب الرجال خطبة العيد انصرف إلى النساء، فذكَّرهن ووعظهن، فلم يكن اختلاط بين الرجال والنساء، وكذا الحال في حضورهن الصلوات في المساجد، كنَّ يخرجن متلفعات بمروطهن، ويصلين خلف الرجال، لا تخالط صفوفهن صفوف الرجال.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن قعود، الشيخ عبد الله بن غديان.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (12 / 164، 165) .
ونرجو أن نكون بذلك قد أزلنا الخلل الذي يستدل به بعض الناس على جواز اختلاط الرجال بالنساء الاختلاط المستهتر، ظناً منهم أن الشرع يبيح ذلك الاختلاط في الطواف فهذا الواقع مخالف للشرع، نسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4175)
أذِن لها زوجها في السفر لحج النافلة ثم تراجع فهل تسافر دون إذنه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوجة منذ أربع سنوات، ولكني لم أشعر بالسعادة يوماً طوال هذه الزيجة، لقد ارتكبت بعض الأخطاء التى تعلمت منها، لكن زوجي لم يغفر لي هذه الأخطاء، فهو أقرب لكونه ديكتاتوراً منه كزوج، قامت إحدى الصديقات بدفع مصاريف الحج ولكني لم أقبلها إلا بعد الحصول على إذن من زوجى لأنها ليست حجة الفريضة، ولكنه قام بالتراجع عن هذا الإذن بعد عمل جميع الترتيبات بسبب بعض الخلافات البسيطة التى بيننا، الآن إذا لم أذهب للحج ستغضب صديقتي لأنه قد تم غلق الباب أمام إصدار تأشيرة أخرى لشخص آخر. فهل لزوجي الحق في أن يفعل ذلك أم أنه يسيء استخدام سلطته كزوج؟ برجاء تقديم الإرشاد.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الواجب على الزوج أن يتقي الله في معاملته لزوجته، وأن يعاشرها بالمعروف، وإن كان كره منها خلُقاً فليعلم أن لها أخلاقاً أخرى تستحق رضاه عنها، وعليه أن يعلم أنه هو لا يسلم من الخطأ والزلل، فليعفُ عن خطئها، وليصفح عن زللها إن هي تابت لربها وأنابت، وليحسن معاملتها حتى يجعل الله تعالى بينه وبين زوجته مودة ورحمة.
ثانياً:
لا يحل للمرأة أن تسافر للحج أو لغيره إلا مع ذي محرَم، ولم يرِد في سؤالك أية إشارة إلى وجود محرم معك أو عدم وجوده، فإن لم يكن معك محرم في السفر فلا يجوز لك السفر سواء أذن زوجك أو لم يأذن، ولو كان ذلك في حج الفريضة.
قال علماء اللجنة للإفتاء:
" قد تقرر في الشرع المطهر تحريم سفر المرأة بلا محرم؛ للأدلة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن ذلك، وهذا يعم أي سفر كان، سواء لغرض مباح، أم واجب، أم مسنون، وقد صدرت منا فتوى في تقرير ذلك برقم (16042) هذا نصها:
" لا يجوز للمرأة المسلمة أن تسافر بدون محرم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس (لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم) رواه أحمد والبخاري ومسلم، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو يخطب (لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، فقام رجل فقال: إن امرأتي خرجت حاجة، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، فقال: انطلق فحج مع امرأتك) رواه أحمد والبخاري ومسلم.
فالمرأة ممنوعة من كل ما يسمَّى سفراً، إلا إذا كان معها محرم يصونها ويحفظها ويقوم بمصالحها، والمحرم هو: زوجها، أو من تحرم عليه على التأبيد، لقرابة، أو رضاع، أو مصاهرة: كأبيها، وابنها، وأخيها، وابن أخيها، وعمها، وخالها، وأبي زوجها، وابن زوجها، وابنها من الرضاع، أو أخيها من الرضاع، ونحوهم، وسواء كانت المرأة شابة، أو عجوزاً، وسواء كانت وحدها، أو مع نساء، ومجموعة النساء لا تكفي عن المحرم؛ لعموم الأحاديث؛ ولعدم انتفاء المحذور.
فالواجب على النساء وعلى أوليائهن تقوى الله، والمحافظة على أوامر الله ورسوله، وترك ما نهى الله عنه ورسوله، خصوصا في المحافظة على الحياء والعفة، وتجنب وسائل الشر والفساد، ولا يجوز أن يحملهم الطمع في الدنيا على التساهل في هذا الأمر ".
لهذا: فإنه لا يجوز سفر المرأة لأداء فريضة الحج من غير محرم لها، ويجب منع أصحاب حملات الحج من ذلك؛ حذراً من إثم الوقوع فيما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، وسدّاً لأبواب الشر والفساد، والله سبحانه وتعالى يقول: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) ، والمرأة من شروط استطاعتها: وجود محرمها، وبذله نفسه للسفر بها، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (17 / 334 – 336) .
ثالثاً:
كما ينبغي أن تعلمي أنه لا يجوز لك للمرأة أن تسافر إلا بإذن الزوج، وقد اتفق العلماء على أنه لا يجوز للمرأة الذهاب لحج النافلة إلا بإذن زوجها.
قال ابن قدامة – رحمه الله -:
فأما حج التطوع: فله منعها منه، قال ابن المنذر: أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم أن له منعها من الخروج إلى الحج التطوع.
وذلك لأن حق الزوج واجب، فليس لها تفويته بما ليس بواجب.
" المغني " (3 / 192) .
ولا يجوز لك السفر للحج – ولو وجد المحرَم – إذا كان زوجك قد تراجع عن إذنه.
ولا ينبغي للزوج أن يمنع زوجته من سفر الطاعة إن كان منعه لها من غير سبب شرعي، وهو شريك في الأجر الذي تحصله إن أذن لها، فإن أعانها ازداد أجره.
وقد ذكر ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (3/283) : أن الزوج إذا أذن لزوته بالحج نافلة، فله الرجوع في الأذن قبل أن تحرم، فإن أحرمت لم يجز له الرجوع في الإذن.
وعليك أن تعتذري لصديقتك وتبيني لها سبب عدم سفرك معها، وأن ذلك طاعة لله تعالى وفراراً من معصيته، وليس للمسلم أن يقدم إرضاء مخلوق كائناً من كان على إرضاء الله تعالى.
نسأل الله تعالى أن ييسر أمرك، ويصلح ما بينك وبين زوجك.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4176)
حج النفساء
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا طهرت النفساء قبل الأربعين فهل يصح حجها؟ وإذا لم تر الطهر فماذا تصنع مع العلم أنها ناوية الحج؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله:
" إذا طهرت النفساء قبل الأربعين فإنها تغتسل وتصلي وتفعل كل ما تفعله الطاهرات حتى الطواف لأن النفاس لا حد لأقله.
أما إذا لم تر الطهر فإن حجها صحيح أيضا لكن لا تطوف بالبيت حتى تطهر لأن النبي صلى الله عليه وسلم منع الحائض من الطواف بالبيت والنفاس مثل الحيض في هذا ".
[الْمَصْدَرُ]
انتهى من رسالة 60 مسألة في الحيض(5/4177)
هل لثياب المرأة في الإحرام لون أو تفصيل خاص
[السُّؤَالُ]
ـ[تعتقد بعض النساء أن للإحرام ثياباً خاصة فما صحة ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المرأة تحرم بما شاءَت من الثياب الساترة وتجتنب لباس الشهرة والثياب الضيقة التي تصف تقاطيع الجسم وتجتنب الطيب والنقاب ولبس القفازين ولا حرج عليها في لبس الحلي وتغيير الثياب متى ما شاءَت.
والاعتقاد السائد في بعض البلاد أن المرأة تحرم من الثياب بلون كذا وكذا ليس له أصل في الشرع.
وقد قالت عائشة رضي الله عنها: المحرمة تلبس من الثياب ما شاءَت إلا ثوباً مسه ورس أو زعفران ... ) رواه البخاري في صحيحه معلقاً ووصله البيهقي في السنن (5 / 47) من طريق شعبة عن يزيد الرشك عن معاذة عن عائشة ورواته ثقات.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ سليمان بن ناصر العلوان.(5/4178)
مرت بالميقات وهي حائض ولم تُحرم
[السُّؤَالُ]
ـ[ذهبت للعمرة ومررت بالميقات وأنا حائض فلم أحرم وبقيت في مكة حتى طهرت فأحرمت من مكة فهل هذا جائز أم ماذا أفعل وما يجب علي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله:
" هذا العمل ليس بجائز، والمرأة التي تريد العمرة لا يجوز لها مجاوزة الميقات إلا بإحرام، حتى لو كانت حائضا فإنها تحرم وهي حائض وينعقد إحرامها ويصح؛ والدليل لذلك أن أسماء بنت عميس زوجة أبي بكر رضي الله عنهما ولدت - والنبي صلى الله عليه وسلم نازل في ذي الحليفة يريد حجة الوداع - فأرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم كيف أصنع؟
قال: "اغتسلي واستثفري بثوب وأحرمي ".
ودم الحيض كدم النفاس، فنقول للمرأة الحائض: إذا مررت بالميقات وأنت تريدين العمرة أو الحج فاغتسلي واستثفري بثوب وأحرمي "
والاستثفار معناه: أنها تشد على فرجها خرقة وتربطها ثم تحرم، سواء بالحج أو بالعمرة ".
ولكنها إذا أحرمت ووصلت إلى مكة لا تأتي إلى البيت ولا تطوف به حتى تطهر ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة حين حاضت في أثناء العمرة قال لها: " افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي في البيت حتى تطهري " هذه رواية البخاري ومسلم، وفي صحيح البخاري أيضا ذكرت عائشة أنها لما طهرت طافت بالبيت وبالصفا والمروة، فدل هذا على أن المرأة إذا أحرمت بالحج أو العمرة وهي حائض أو أتاها الحيض قبل الطواف فإنها لا تطوف ولا تسعى حتى تطهر وتغتسل أما لو طافت وهي طاهرة وبعد أن انتهت من الطواف جاءها الحيض فإنها تستمر وتسعى ولو كان عليها الحيض وتقص من رأسها وتنهي عمرتها لأن السعي بين الصفا والمروة لا يشترط له الطهارة."
[الْمَصْدَرُ]
انتهى من رسالة 60 سؤال في الحيض(5/4179)
تريد العمرة وتخشى من الزحام مع الرجال
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعمل عمرة في شهر رمضان، لكن هذا الاختلاط الشديد بالرجال بل الالتصاق أيضا، هل هذا جائز؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الاختلاط بين الرجال والنساء حرام، وقد سبق تفصيل هذا في جواب السؤال رقم (1200) فلينظر.
ثانياً:
قد راعت الأحكام الشرعية طبيعة المرأة، واستغلال الشيطان لفتنتها، فجاءت النصوص الشرعية الصحيحة تأمرها بأن تقر في بيتها، وأن لا تتبرج، وأن لا تزاحم الرجال، بل إن النصوص الشرعية لم توجب عليها ما أوجبته على الرجال مثل حضور صلاة الجمعة والجماعات.
ومزاحمة المرأة للرجال من أعظم أسباب الفتن , ولذلك جاء الشرع بسد هذا الباب من أبواب الفتن , وحماية العبادات عن كل ما ينافيها , ففي صلاة العيد: أمر الرسول صلى الله عليه وسلم النساء بالخروج إليها , ولكن يكنَّ في مصلىً خاص بهن بعيداً عن الرجال. وفي الحج والعمرة أيضاً جاء الشرع بمنع اختلاط الرجال والنساء , وبما يحفظ النساء عن مزاحمة الرجال , ويتبين ذلك من وجوه:
أولها: أن الشارع لم يوجب على المرأة حجّاً أو عمرة إلاّ إذا كان معها محرم.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم، فقال رجل: يا رسول الله إني أريد أن أخرج في جيش كذا وكذا وامرأتي تريد الحج، فقال: اخرج معها) رواه البخاري (1763) ومسلم (1341) .
ثانيها: أن الشارع رخَّص لمن كان معه نساء , أن يدفع من مزدلفة بليل.
فعن عبد الله مولى أسماء عَنْ أَسْمَاءَ أَنَّهَا نَزَلَتْ لَيْلَةَ جَمْعٍ عِنْدَ الْمُزْدَلِفَةِ فَقَامَتْ تُصَلِّي فَصَلَّتْ سَاعَةً ثُمَّ قَالَتْ: يَا بُنَيَّ هَلْ غَابَ الْقَمَرُ؟ قُلْتُ: لا، فَصَلَّتْ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَتْ: يَا بُنَيَّ هَلْ غَابَ الْقَمَرُ؟ قُلْت: نَعَمْ، قَالَتْ: فَارْتَحِلُوا، فَارْتَحَلْنَا، وَمَضَيْنَا حَتَّى رَمَتْ الْجَمْرَةَ، ثُمَّ رَجَعَتْ، فَصَلَّتْ الصُّبْحَ فِي مَنْزِلِهَا، فَقُلْتُ لَهَا: يَا هَنْتَاهُ مَا أُرَانَا إِلا قَدْ غَلَّسْنَا، قَالَتْ: يَا بُنَيَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ لِلظُّعُنِ. رواه البخاري (1595) .
والحديث بوَّب عليه الإمام البخاري بقوله: " بَاب مَنْ قَدَّمَ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ بِلَيْلٍ فَيَقِفُونَ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَيَدْعُونَ وَيُقَدِّمُ إِذَا غَابَ الْقَمَرُ ".
يا هَنْتاه: يا هذه.
الظُّعُن: جمع ظعينة، وهي المرأة.
ثالثها: استحباب البعد عن البيت في الطواف لئلا تختلط بالرجال، ولو كان في البعد عدم استلام الحجر الأسود.
فعن عَطَاء قَالَ: طَافَ نِسَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الرِّجَالِ. قيل له: كَيْفَ يُخَالِطْنَ الرِّجَالَ؟ قَالَ: لَمْ يَكُنَّ يُخَالِطْنَ كَانَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَطُوفُ حَجْرَةً مِنْ الرِّجَالِ لا تُخَالِطُهُمْ، فَقَالَتْ امْرَأَةٌ: انْطَلِقِي نَسْتَلِمْ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَتْ: انْطَلِقِي عَنْكِ وَأَبَتْ. رواه البخاري (1539) .
حَجرة من الرجال: بعيدة عنهم.
وقال ابن جماعة رحمه الله:
" ومن أكبر المنكرات ما يفعله جهلة العوام في الطواف من مزاحمة الرجال بأزواجهم سافرات عن وجههن، وربما كان ذلك في الليل، وبأيديهم الشموع متقدة ... "
إلى أن قال:
" نسأل الله أن يلهم ولي الأمر إزالة المنكرات ".
وقال ابن حجر الهيتمي - بعد أن نقل كلامه -:
" فتأمله تجده صريحاً في وجوب المنع حتى من الطواف عند ارتكابهن دواعي الفتنة ".
" الفتاوى الفقهية " (1 / 201، 202) .
ثالثاً:
وإذا أرادت المرأة أن تعتمر فيجب عليها أن تسافر ع محرم لها , حتى يحفظها ويصونها , وعليها أن تختار الأوقات التي يكون الحرم فيها غير مزدحم , أما مواسم الزحام كشهر رمضان فالأحسن لها أن تجتنب أداء العمرة فيها , لما يحصل من مزاحمتها للرجال، ولا يمكنها التحفظ منهم.
وفي جواب السؤال رقم (36514) ذكرنا كلام الشيخ ابن باز رحمه الله أن الأفضل للمرأة الآن في ظل الزحام الشديد ألا تكرر الحج لأن ذلك أسلم لدينها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4180)
هل يلزم الزوج نفقة حج زوجته
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجب على المسلم أن يرسل زوجته للحج إذا كان يملك من المال ما يكفي لذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجب على الزوج أن يتحمل عن زوجته نفقة الحج ولو كان غنياً، وإنما ذلك مستحب يؤجر عليه ولا يأثم بتركه.
إذ لم يوجب ذلك كتاب ولا سنة، والزوجة جعل الإسلام لها المهر حقّاً خالصاً لها، وأباح لها التصرف في مالها.
وإنما أوجب الشرع على الزوج أن ينفق على زوجته بالمعروف، ولم يوجب عليه قضاء ديْنها، ولا دفع الزكاة عنها، ولا دفع ما تتكلفه في الحج وغيره.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين: هل يؤجر الزوج إذا وكل من يحج عن زوجته وقد توفيت ولم تحج ……..؟ .
فقال: الأفضل أن يقوم هو بالحج عنها من أجل أن يقوم بالنسك على الوجه الأكمل الذي يحب ….. ثم قال: أما الوجوب فلا يجب عليه.
" اللقاء الشهري " (34) رقم السؤال (579) .
فما دام أنه لا يجب القضاء عنها بعد موتها فكذلك لا يجب عليه حجها في حياتها.
هذا من حيث الوجوب، أما من حيث البر بها والعشرة بالمعروف: فإنه إن فعل فإن الله لا يضيع أجر المحسنين، ويكتب الله تعالى له أجر حجها.
وقد ذكر الفقهاء رحمهم الله أنه يجب على الزوج نفقة زوجته في حالة أن يتعمد إفساد حجها كمن أكرهها على الجماع قبل التحلل الأول – مثلاً -.
قال الشيخ عبد الكريم زيدان:
وليس من حقوق الزوجة على زوجها أن يتحمل نفقة حجها، أو يشاركها في هذه النفقة.
" المفصل في أحكام المرأة " (2 / 177) .
وقد سئل الشيخ الألباني رحمه الله عن هذه المسألة بعينها فأجاب: أنه لا يجب على الزوج دفع نفقات حج زوجته. هذا بالنسبة للرجل أما المرأة فإن كان عندها من الأموال ما يكفيها للحج وجب عليها الحج، وإن لم يكن عندها لم يجب عليها الحج.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4181)
هل هناك سن لا تحتاج فيه المرأة لمحرم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا آنسة في سن 38، مدرِّسة، لم أتزوج بعدُ، الوالد متوفى، وأنا أعول والدتي إلى حد ما في نفقات المنزل، رغبت في الحج، وتقدمت، وفزت بالقرعة، ولكن أحتاج لمحرم، وأخي المحرم لا يملك النفقات الخاصة به، وأعلم أنني يجب أن أسدد عنه، ولكن أنا مستقبلا في حاجة لما معي، فقررت أن أؤجل الفريضة إلى سن لا أحتاج فيه لمحرم، ما جزاء هذا الفعل؟ أرجوكم إفادتي لشدة قلقي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يجب الحج إلا على المستطيع لقول الله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا) آل عمران/97. ومن الاستطاعة بالنسبة للمرأة أن تجد محرماً ويوافق على السفر معها، فإذا لم تجد لم يجب عليها الحج.
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (11/93) : من شروط الحج الاستطاعة، ومن الاستطاعة وجود المحرم للمرأة، فإذا فقد المحرم فلا يجوز لها السفر، ولا يجب عليها الحج إلا بوجوده وموافقته على السفر معها، قال تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا) آل عمران/97.
راجع السؤال رقم (316) ، (5207) ، (34380) .
ثانياً:
ليس هناك سن تبلغه المرأة لا تحتاج فيه لمحرَم، بل في جميع سني عمرها بعد بلوغها لا يحل لها السفر إلا مع ذي محرم، من غير تفريق بين شابة وعجوز، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم) رواه البخاري ومسلم.
وقد سبق بيان هذا في أجوبة الأسئلة: (47029) و (25841) .
ثالثاً:
إن وجدت المرأة محرَماً: وجبت عليها نفقته.
قال ابن قدامة – رحمه الله -:
ونفقة المحرم في الحج عليها، نص عليه أحمد؛ لأنه من سبيلها، فكان عليها نفقته كالراحلة، فعلى هذا يعتبر في استطاعتها أن تملك زادا وراحلة لها ولمحرمها. " المغني " (3 / 99) .
وقال السرخسي:
المحرم إذا كان يخرج معها فنفقته في مالها. " المبسوط " (4 / 163) .
رابعاً:
وأما تأخيرك للحج بسبب حاجتك للنفقة، فيراجع السؤال رقم (11534) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4182)
إذا حاضت المعتمرة انتظرت حتى تطهر
[السُّؤَالُ]
ـ[قدمت للعمرة أنا وأهلي ولكن حين وصولي إلى جدة أصبحت زوجتي حائضا ولكني أكملت العمرة بمفردي دون زوجتي فما الحكم بالنسبة لزوجتي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله:
" الحكم بالنسبة لزوجتك أن تبقى حتى تطهر ثم تقضي عمرتها لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما حاضت صفية رضي الله عنها قال: " أحابستنا هي؟ قالوا: إنها قد أفاضت، قال: فلتنفر إذن ".
فقوله صلى الله عليه وسلم " أحابستنا هي " دليل على أنه يجب على المرأة أن تبقى إذا حاضت قبل طواف الإفاضة حتى تطهر ثم تطوف وكذلك طواف العمرة مثل طواف الإفاضة لأنه ركن من أركان العمرة فإذا حاضت المعتمرة قبل الطواف انتظرت حتى تطهر ثم تطوف.
[الْمَصْدَرُ]
انتهى من رسالة 60 مسألة في الحيض(5/4183)
هل تحرم بالعمرة وهي حائض؟
[السُّؤَالُ]
ـ[سنسافر لأداء العمرة لمدة 10 أيام سنسافر أولاً للمدينة النبوية ثم إلى مكة، إلا أنني سيكون عندي الدورة عندما نذهب من المدينة إلى مكة وبالتالي طبعاً كل من معنا سيحرمون من أبيار علي، فهل يصح لي الإحرام مثلهم برغم وجود الدورة، وستنتهي الدورة ونحن في مكة، فمن أي مكان أحرم من مكة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحائض إذا مرت على الميقات وهي تريد الحج أو العمرة وجب عليها أن تحرم من الميقات ولا يجوز لها تأخير الإحرام حتى تصل إلى مكة وتطهر.
وقد دلت السنة وإجماع العلماء على أن الحيض لا ينافي الإحرام، فتحرم المرأة وهي حائض ثم لا تؤدي العمرة حتى تطهر وتغتسل.
روى مسلم (1210) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي حَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ حِينَ نُفِسَتْ بِذِي الْحُلَيْفَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُهِلَّ.
قال النووي:
(نُفِسَتْ) أَيْ: وَلَدَتْ.
وَفِيهِ: صِحَّة إِحْرَام النُّفَسَاء وَالْحَائِض , وَاسْتِحْبَاب اِغْتِسَالهمَا لِلإِحْرَامِ اهـ.
وروى البخاري (1556) ومسلم (1211) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ. . فَقَدِمْتُ مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَلا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: انْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ. . . الحديث. ورواه البخاري في باب كيف تهل (أي: تحرم) الحائض والنفساء.
قال النووي:
فِي هَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّ الْحَائِض وَالنُّفَسَاء وَالْمُحْدِث وَالْجُنُب يَصِحّ مِنْهُمْ جَمِيع أَفْعَال الْحَجّ وَأَقْوَاله وَهَيْئَاته إِلا الطَّوَاف وَرَكْعَتَيْهِ , فَيَصِحّ الْوُقُوف بِعَرَفَاتٍ وَغَيْره كَمَا ذَكَرْنَا , وَكَذَلِكَ الأَغْسَال الْمَشْرُوعَة فِي الْحَجّ تُشْرَع لِلْحَائِضِ وَغَيْرهَا مِمَّنْ ذَكَرْنَا. وَفِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ الطَّوَاف لا يَصِحّ مِنْ الْحَائِض , وَهَذَا مُجْمَع عَلَيْهِ اهـ.
وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ إِذَا أَتَتَا عَلَى الْوَقْتِ (أَيْ: الْمِيقَات) تَغْتَسِلانِ وَتُحْرِمَانِ وَتَقْضِيَانِ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا غَيْرَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (1744) وصححه الألباني في سنن أبي داود.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى الكبرى" (1/447) :
"الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ , أَمَرَهُمَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالإِحْرَامِ وَالتَّلْبِيَةِ , وَمَا فِيهِمَا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ , وَشُهُودِهِمَا عَرَفَةَ مَعَ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ , وَرَمْيِ الْجِمَارِ , مَعَ ذِكْرِ اللَّهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ , وَلا يُكْرَهُ لَهَا ذَلِكَ , بَلْ يَجِبُ عَلَيْهَا" اهـ.
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (16/126) :
إذا وصلت الحائض أو النفساء للميقات وجب عليهما أن تحرما إذا كان الحج فريضة أو العمرة، أما إن كان مستحبين وقد أدتا حجة الإسلام وعمرة الإسلام فإنه يشرع لهما الإحرام من الميقات كغيرهما من الطاهرات في الحج والعمرة اهـ.
وقال الشيخ ابن عثيمين:
"المرأة التي حاضت قبل أن تحرم يمكنها أن تحرم وهي حائض لأن النبي صلى الله عليه وسلّم أمر أسماء بنت عميس امراة أبي بكر رضي الله عنهما حين نفست في ذي الحليفة أمرها أن تغتسل وتسثفر بثوب وتحرم، وهكذا الحائض أيضاً، وتبقى على إحرامها حتى تطهر، ثم تطوف بالبيت وتسعى) اهـ. "رسالة 60 سؤالاًَ في أحكام الحيض".
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4184)
هل يؤثر نزول الكدرة على الحج والعمرة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت حاملاً في الشهر الثاني وسقط الجنين قبل ذهابي للحج بيومين، وكنت طاهرة إلا أنه في يوم التروية في الليل وجدت قليلا من الإفرازات الغامقة تشبه الإفرازات التي تكون في آخر أيام الدورة الشهرية، أي: إنها ليست دماً بل وسخ بني، إلا أني أكملت حجي، فهل حجي صحيح؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما رأيتِهِ من الإفرازات لا يؤثر على حجك ولا عمرتك، فهو ليس دم حيض ولا نفاس، بل إفرازات تسمى " الكدرة "، وحكم هذه الإفرازات أنها توجب الوضوء عند جمهور العلماء، فإذا توضأت عند طواف الإفاضة فطوافك صحيح بإجماع العلماء، فإن لم تكوني توضأت فقد اختلف العلماء: هل يصح الطواف من غير طهارة أم لا؟
وسبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (34695) ، والذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وتابعه الشيخ ابن عثيمين أنه لا يشترط.
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
" فما بعد الطهر من كدرة، أو صفرة، أو نقطة، أو رطوبة، فهذا كله ليس بحيض، فلا يمنع من الصلاة، ولا يمنع من الصيام، ولا يمنع من جماع الرجل لزوجته؛ لأنه ليس بحيض.
قالت أم عطية: (كنا لا نعد الصفرة والكدرة شيئاً) أخرجه البخاري، وزاد أبو داود: (بعد الطهر) وسنده صحيح، وعلى هذا نقول: كل ما حدث بعد الطهر المتيقن من هذه الأشياء فإنها لا تضر المرأة ولا تمنعها من صلاتها وصيامها ومباشرة زوجها إياها، ولكن يجب أن لا تتعجل حتى ترى الطهر؛ لأن بعض النساء إذا جف الدم عنها بادرت واغتسلت قبل أن ترى الطهر، ولهذا كان نساء الصحابة يبعثن إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بالكرسف - يعني: القطن - فيه الدم فتقول لهن: لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء " انتهى.
" 60 سؤالاً عن أحكام الحيض " (السؤال رقم 24) .
والحاصل: أن حجك صحيح إن شاء الله تعالى، وهذه الإفرازات التي نزلت ليست حيضاً ولا نفاساً.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4185)
هل تذهب للحج في عدة وفاة زوجها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة مات عنها زوجها، وظهر اسمها في قرعة الحج ولم تكمل العدة، فهل يجوز لها السفر إلى الحج؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اتفق الأئمة على أنه لا يجوز للمرأة المتوفى عنها زوجها أن تسافر إلى الحج في فترة العدة (الحداد) .
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
عن امرأة عزمت على الحج هي وزوجها، فمات زوجها فى شعبان، فهل يجوز لها أن تحج؟ .
فأجاب:
" ليس لها أن تسافر فى العدة عن الوفاة إلى الحج في مذهب الأئمة الأربعة " انتهى.
" مجموع الفتاوى " (34 / 29) .
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله:
" ليس للمرأة التي في الحداد السفر للحج، كما هو مذهب الأئمة الأربعة، أما ما ذكرتَ من أنه لا يحصل لك إجازة إلا في هذا الوقت: فليس بمسوغ شرعي يجيز السفر بالمرأة التي في عدة الوفاة " انتهى.
" فتاوى المرأة المسلمة " (2 / 899، 900) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4186)
أحرمت للعمرة ثم بدا لها أن لا تفعل فماذا يجب عليها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت في الطائف وقررت أن أذهب إلى مكة لقضاء بعض الأيام هناك، وفي اليوم المحدد فكرت في الإحرام للعمرة، وبالفعل اغتسلت وقلت: " لبيك اللهم بعمرة لبيك اللهم لبيك " ثم قبل مغادرة المنزل طرأ لي ما جعلني أؤجل فكرة العمرة، وحيث إني امرأة فإنه لا يتغير كثير من حالي حين الإحرام، لذلك نسيت أني قد نطقت بالتلبية، فنزلت مكة ولم أعتمر، وقضيت هناك أياماً ثم رجعت إلى الطائف ليوم واحد ومنها أحرمت للعمرة ونزلت مكة واعتمرت (ولم أتذكر أنني قد لبيت المرة الأولى إلا عندما لبيت عند الميقات في المرة الثانية) ، فماذا عليَّ في ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب على كل من أحرم بالعمرة والحج أن يتم نسكهما وإن كانا نفليْن؛ لقوله تعالى: (وأتموا الحج والعمرة لله) ، ومن نوى الإحرام وترك تتمة النسك لغير عذر شرعي وقع في المحظور.
قال علماء اللجنة الدائمة:
إذا كان لبس الإزار والرداء ولم ينو الدخول في الحج أو العمرة ولم يلب بذلك فهو بالخيار: إن شاء دخل في الحج أو العمرة، وإن شاء ترك ذلك، ولا حرج عليه إذا كان قد أدى حجة وعمرة الإسلام، أما إن كان قد نوى الدخول في الحج أو العمرة فليس له فسخ ذلك والرجوع عنه، بل يجب عليه أن يكمل ما أحرم به على الوجه الشرعي؛ لقول الله سبحانه: (وأتموا الحج والعمرة لله) ، وبهذا يتضح لك: أن المسلم إذا دخل في حج أو عمرة بالنية فليس له رفض ذلك، بل يجب عليه أن يكمل ما شرع فيه؛ للآية الكريمة المذكورة، إلا أن يكون قد اشترط، وحصل المانع الذي خاف منه فله أن يتحلل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لضباعة بنت الزبير لما قالت: يارسول الله إني أريد الحج وأنا شاكية، قال: " حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني " متفق على صحته. فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " (11 / 166، 167) .
وبناء على هذا، فإن العمرة التي أديتها تقع عن العمرة التي أحرمت بها أولاً.
وأما محظورات الإحرام التي فعلتيها في تلك الأيام فإنها معفو عنها.
لأن الظاهر أنك كنت لا تعلمين تحريم فسخ نية العمرة بعد عقدها.
وقد سبق في إجابة السؤال (36522) أن من فعل محظوراً من محظورات الإحرام جاهلاً أو ناسياً أنه لا شيء عليه.
سئل الشيخ ابن عثيمين عن امرأة أحرمت بالعمرة ثم فسخت العمرة واعتمرت بعدها بعدة أيام عمرة أخرى فهل هذا العمل صحيح؟ وما حكم ما فعلته من محظورات الإحرام؟
فأجاب: هذا العمل غير صحيح، لأن الإنسان إذا دخل في عمرة أو حج حرم عليه أن يفسخه إلا لسبب شرعي قال الله تعالى: (وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي) ، فعلى هذه المرأة أن تتوب إلى الله عز وجل مما صنعت، وعمرتها صحيحة لأنها وإن فسخت العمرة فإنها لا تنفسخ العمرة، وهذا من خصائص الحج، والحج له خصائص عجيبة لا تكون في غيره، فالحج إذا نويت إبطاله لم يبطل، وغيره من العبادات إذا نويت إبطال بطل، فلو أن الإنسان وهو صائم نوى إبطال صومه بطل صومه، ولو أن المتوضئ أثناء وضوئه نوى إبطال الوضوء بطل الوضوء.
لو أن المعتمر أثناء العمرة نوى إبطالها لم تبطل، أو نوى إبطال الحج أثناء تلبسه بالحج لم يبطل.
ولهذا قال العلماء: إن النسك لا يرتفض برفضه.
وعلى هذا نقول: إن هذه المرأة ما زالت محرمة منذ عقدت النية إلى أن أتمت العمرة، ويكون نيتها الفسخ غير مؤثرة فيه، بل هي باقية عليه.
وخلاصة الجواب: بالنسبة للمرأة نقول: إن عمرتها صحيحة، وإن عليها أن لا تعود لرفض الإحرام مرة ثانية، لأنها لو رفضت الإحرام لم تتخلص منه.
وأما ما فعلته من المحظورات ولنفرض أن زوجها جامعها والجماع في النسك هو أعظم المحظورات فإنه لا شيء عليها، لأنها جاهلة، وكل إنسان يفعل محظوراً من محظورات الإحرام جاهلاً أو ناسياً أو مكرهاً فلا شيء عليه. اهـ من مجموع فتاوى ابن عثيمين (21/351) باختصار.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4187)
استئذان الزوج في الحج
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمرأة أن تحج ولو لم يأذن لها زوجها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الحج فريضة عليها ومنعها زوجها منه فإنها تحج ولو لم يأذن زوجها، ولا يجوز لزوجها أن يمنعها من حج الفريضة، أما إذا كان نافلة فإنها لا تحج إلا إذا أذن لها زوجها.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (5/35) :
" وليس للرجل منع امرأته من حجة الإسلام. وبهذا قال النخعي , وإسحاق , وأبو ثور , وأصحاب الرأي , وهو الصحيح من قولي الشافعي، لأنه فرض , فلم يكن له منعها منه , كصوم رمضان , والصلوات الخمس. ويستحب أن تستأذنه في ذلك. نص عليه أحمد. فإن أذن وإلا خرجت بغير إذنه. فأما حج التطوع , فله منعها منه.
قال ابن المنذر: أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم أن له منعها من الخروج إلى الحج التطوع. وذلك لأن حق الزوج واجب , فليس لها تفويته بما ليس بواجب " انتهى باختصار.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: إذا منع الزوج زوجته فهل يأثم؟
فأجاب:
" نعم، يأثم إذا منع زوجته من الحج الذي تمت شروطه، فهو آثم، يعنى لو قالت: هذا مَحْرَمٌ، هذا أخي يحج بي، وأنا عندي نفقة، ولا أريد منك قرشاً، وهي لم تؤد الفريضة فيجب أن يأذن لها، فإن لم يفعل حجت ولو لم يأذن، إلا أن تخاف أن يطلقها فتكون حينئذ معذورة " انتهى.
"فتاوى ابن عثيمين" (21/115) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4188)
ما تفعله الحائض من الميقات إلى آخر الحج
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا تفعل المرأة إذا أتتها الدورة الشهرية في بداية أيام الحج قبل دخول مكة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا مرت الحائض بالميقات وهي تريد الحج فإنها تحرم من الميقات ثم إذا أتت مكة فإنها تفعل جميع أفعال الحج غير الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة فإنها تؤخرهما حتى تطهر. وهكذا تفعل من أتاها الحيض بعد الإحرام وقبل الطواف.
أما من حاضت بعد الطواف فإنها تسعى بين الصفا والمروة ولو كانت حائضاً.
سئل علماء اللجنة الدائمة:
ما حكم حجة الحائض؟ .
فأجابوا:
الحيض لايمنع من الحج، وعلى من تحرِم وهي حائض أن تأتي بأعمال الحج، غير أنها لاتطوف بالبيت إلا إذا انقطع حيضها واغتسلت، وهكذا النفساء، فإذا جاءت بأركان الحج فحجها صحيح.
" فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " (11 / 172، 173) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين:
والمرأة التي تريد العمرة لا يجوز لها مجاوزة الميقات إلا بإحرام حتى لو كانت حائضاً، فإنها تحرم وهي حائض وينعقد إحرامها ويصح، والدليل لذلك أن أسماء بنت عميس زوجة أبي بكر - رضي الله عنهما – ولدت والنبي صلى الله عليه وسلّم نازل في ذي الحليفة يريد حجة الوداع، فأرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلّم كيف أصنع؟ قال: " اغتسلي واستثفري بثوب وأحرمي ".
ودم الحيض كدم النفاس، فنقول للمرأة الحائض - إذا مرت بالميقات وهي تريد العمرة أو الحج نقول لها -: اغتسلي واستثفري بثوب وأحرمي، والاستثفار معناه: أنها تشد على فرجها خرقة وتربطها ثم تحرم سواء بالحج أو بالعمرة، ولكنها إذا أحرمت ووصلت إلى مكة لا تأتي إلى البيت ولا تطوف به حتى تطهر، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلّم لعائشة حين حاضت في أثناء العمرة قال لها: " افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي في البيت حتى تطهري " هذه رواية البخاري ومسلم، وفي صحيح البخاري أيضاً ذكرت عائشة أنها لما طهرت طافت بالبيت وبالصفا والمروة، فدل هذا على أن المرأة إذا أحرمت بالحج أو العمرة وهي حائض أو أتاها الحيض قبل الطواف: فإنها لا تطوف ولا تسعى حتى تطهر وتغتسل، أما لو طافت وهي طاهرة وبعد أن انتهت من الطواف جاءها الحيض: فإنها تستمر وتسعى ولو كان عليها الحيض، وتقص من رأسها، وتنهي عمرتها؛ لأن السعي بين الصفا والمروة لا يشترط له الطهارة.
" 60 سؤالاً في الحيض " (السؤال 54) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4189)
لم تطف طواف العمرة لأنها كانت حائضاً
[السُّؤَالُ]
ـ[أديت العمرة في آخر يومين من رمضان ولكن وقتها كان لدي الحيض، فأحرمت من الميقات وسعيت بين الصفا والمروة وقصرت، ومنعني الحيض من الطواف، وبعد انتهاء الحيض بحوالي يوم أديت صلاة العيد، وأديت طواف الوداع، ورجعنا إلى بلادنا، فهل هذه العمرة صحيحة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أصبتِ في أشياء وأخطأتِ في أخرى، فقد أصبتِ في الإحرام من الميقات – وأنتِ حائض -، وأصبتِ في الامتناع عن الطواف، لكنك أخطأتِ في السعي والتقصير، وأخطأتِ في عدم الإتيان بطواف العمرة والسعي بعد طهارتك.
وتقديم السعي على الطواف يرى بعض العلماء أنه جائز في الحج دون العمرة.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين:
"يشترط تقديم الطواف على السعي، فلو بدأ بالسعي قبل الطواف: وجب عليه إعادته بعد الطواف؛ لأنه وقع في غير محله.
فإن قال قائل: ما تقولون فيما صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سئل، فقال له رجل: سعيتُ قبل أن أطوف قال: " افعل ولا حرج "؟
فالجواب: أن هذا في الحج وليس في العمرة...." انتهى.
" الشرح الممتع " (7 / 310) .
وأنت الآن لا تزالين على إحرامك بالعمرة، لأنها لم تتم، والواجب عليكِ: الرجوع إلى مكة والقيام بطواف العمرة الذي تركتيه، وإعادة السعي مرة أخرى، وعليك التقصير بعده، ولا عبرة بتقصيرك السابق لأنه وقع في غير محله.
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء فيمن طاف على غير طهارة:
"لا تزال محرماً بالعمرة؛ إذا كنت لم تعد للطواف وأنت طاهر، وعليك: أن تتوجه إلى مكة محرماً في أسرع وقت، وتطوف بالبيت وتسعى ثم تحلق أو تقصر، وبذلك تمت عمرتك" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (11/237، 238) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4190)
المسعى ليس من المسجد الحرام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل المسعى من المسجد الحرام؟ وهل تقربه الحائض؟ وهل يجب على من دخل الحرم من المسعى أن يصلي تحية المسجد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله:
" الذي يظهر أن المسعى ليس من المسجد ولذلك جعلوا جدارا فاصلا بينهما لكنه جدار قصير، ولا شك أن هذا خير للناس لأنه لو أدخل في المسجد وجعل منه لكانت المرأة إذا حاضت بين الطواف والسعي امتنع عليها أن تسعى..
والذي أفتي به أنها إذا حاضت بعد الطواف وقبل السعي فإنها تسعى لأن المسعى لا يعتبر من المسجد.
وأما تحية المسجد فقد يقال إن الإنسان إذا سعى بعد الطواف ثم عاد إلى المسجد فإنه يصليها ولوترك تحية المسجد فلا شيء عليه والأفضل أن ينتهز الفرصة ويصلي ركعتين لما في الصلاة في هذا المكان من الفضل "
[الْمَصْدَرُ]
انتهى من رسالة 60 مسألة في الحيض(5/4191)
يجوز للحائض قراءة القرآن والدعاء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للحائض أن تقرأ الأدعية في عرفات، وبها آيات قرآنية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" لا حرج أن تقرأ الحائض والنفساء الأدعية المكتوبة في مناسك الحج، ولا بأس أن تقرأ القرآن على الصحيح أيضاً؛ لأنه لم يرد فيها نص صريح يمنع الحائض والنفساء من قراءة القرآن، إنما ورد في الجنب خاصة بأن لا يقرأ القرآن وهو جنب، أما الحائض والنفساء فورد فيهما حديث ابن عمر: "لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً " ولكنه ضعيف، ولكنها تقرأ بدون مس المصحف عن ظهر قلب، فمن باب أولى أن تقرأ الكتب التي فيها الأدعية المخلوطة من الأحاديث والآيات إلى غير ذلك، هذا هو الصواب، وهو أصح قولي العلماء رحمهم الله في ذلك " اهـ من كلام الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى ابن باز (17/66)(5/4192)
خصوصيات النساء في الحج
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد عزمت على الحج هذا العام إن شاء الله، فأرجو تزويدي ببعض النصائح والتوجيهات التي تنفعني في الحج. كما أود طرح هذا السؤال: هل للنساء خصوصيات في الحج تتميز بها عن الرجال؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أختي المسلمة هنيئا لك ما عزمت عليه من الذهاب إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج، تلك الفريضة التي غابت عن كثير من نساء المسلمين، فبعضهن يجهلن أن الحج فريضة عليهن، وبعضهن يعلمن ولكن يركبن مركب التسويف حتى يفجأهن الأجل وهن تاركات للحج، وبعضهن لا يدرين شيئا عن المناسك، فيقعن في المحظور والمحرم، وربما بطل حجهن دون أن يشعرن، والله المستعان.
والحج فريضة الله على عباده، وهو ركن الإسلام الخامس، وهو جهاد المرأة؟ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: "جهادكن الحج " رواه البخاري
- وهذه أختي المسلمة- بعض النصائح والتوجيهات والأحكام التي تختص بها من أرادت الحج، وهي مما يعين على جعل الحج متقبلا مبرورا، والحج المبرور كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " ليس له ثواب إلا الجنة " متفق عليه.
1- الإخلاص لله شرط في صحة وقبول أي عبادة ومنها الحج، فأخلصي لله تعالى في حجك، وإياك والرياء فإنه يحبط العمل ويوجب العقوبة.
2- متابعة السنة ووقوع العمل وفق هدي النبي صلى الله عليه وسلم شرط ثان في صحة وقبول العمل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " رواه مسلم.
وهذا يدعوك إلى تعلم أحكام الحج وفق سنة النبي صلى الله عليه وسلم مستعينة على ذلك بالكتب المفيدة التي تعتمد على الأدلة الصحيحة من الكتاب والسنة.
3- احذري الشرك الأكبر والأصغر والمعاصي بجميع أنواعها، فإن الشرك الأكبر يوجب الخروج من الإسلام وحبوط العمل والعقوبة، والشرك الأصغر يوجب حبوط العمل والعقوبة، والمعاصي توجب العقوبة.
4- لا يجوز للمرأة أن تسافر للحج أو لغيره بدون محرم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم " متفق عليه.
والمحرم هو الزوج وكل من تحرم عليه المرأة تحريما دائما بقرابة أو رضاعة أو مصاهرة، وهو شرط في وجوب الحج على المرأة، فإذا لم يكن للمرأة محرم يسافر معها لم يجب عليها الحج.
5- للمرأة أن تحرم فيما شاءت من الثياب من أسود أو غيره، مع الحذر مما فيه تبرج أو شهرة كالثياب الضيقة والشفافة والقصيرة والمشقوقة والمزخرفة، وكذلك يجب على المرأة الحذر مما فيه تشبه بالرجال، أو مما هو من ألبسة الكفار.
ومن هنا نعلم أن تخصيص بعض العامة من النساء للإحرام لونا معينا كالأخضر أو الأبيض ليس عليه دليل، بل هو من البدع المحدثة.
6- يحرم على المحرمة بعد عقد نية الإحرام التطيب بجميع أنواع الطيب، سواء كان في البدن أو في الثياب.
7- يحرم على المحرمة إزالة الشعر من الرأس وجميع البدن بأي وسيلة وكذلك تقليم الأظافر.
8- يحرم على المحرمة لبس البرقع والنقاب، ولبس القفازين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين " رواه البخاري.
9- المحرمة لا تكشف وجهها ولا يديها أمام الرجال الأجانب، متعللة بأن النقاب والقفازين من محظورات الإحرام، لأنها يمكن أن تستر وجهها وكفيها بأي شيء كالثوب والخمار ونحوهما، فقد قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: " كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات، فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه " رواه أبو داود وصححه الألباني في حجاب المرأة المسلمة.
10- بعض النساء إذا أحرمن يضعن على رءوسهن ما يشبه العمائم أو الرافعات حتى لا يلامس الوجه شيء من الخمار أو الجلباب، وهذا تكلف لا داعي له؛ لأنه لا حرج في أن يمس الغطاء وجه المحرمة.
11- يجوز للمحرمة أن تلبس القميص والسراويل والجوارب للقدمين، وأساور الذهب والخواتم والساعة ونحوها، ولكن يتعين عليها ستر زينتها عن الرجال غير المحارم في الحج وفي غير الحج.
12- بعض النساء إذا مرت بالميقات تريد الحج أو العمرة وأصابها الحيض، قد لا تحرم ظنا منها أن الإحرام تشترط له الطهارة من الحيض، فتتجاوز الميقات بدون إحرام، وهذا خطأ واضح، لأن الحيض لا يمنع الإحرام، فالحائض تحرم وتفعل ما يفعله الحاج غير أنها لا تطوف بالبيت، فتؤخر الطواف إلى أن تطهر، وإن أخرت الإحرام وجاوزت الميقات بدونه، فالواجب عليها الرجوع لتحرم من الميقات، فإن لم ترجع فعليها دم لترك الواجب عليها.
13- للمرأة أن تشترط عند الإحرام إذا خافت من عدم إكمال نسكها فتقول: " إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني " فلو حدث لها ما يمنعها من إتمام الحج تحللت ولا شيء عليها.
14- تذكري أعمال الحج:
أولا:- إذا كان يوم التروية، وهو اليوم الثامن من ذي الحجة، اغتسلي وأحرمي ولبي قائلة: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك.
ثانياً: اخرجي إلى منى، وصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر مع قصر الصلاة الرباعية ركعتين بدون جمع.
ثالثاً:- إذا طلعت شمس يوم التاسع سيري إلى عرفة، وصلي بها الظهر والعصر جمعا وقصرا في وقت الظهر، وامكثي في عرفة داعية ذاكرة مبتهلة تائبة إلى غروب الشمس.
رابعاً:- إذا غربت الشمس اليوم التاسع سيري من عرفة إلى مزدلفة، وصلي بها المغرب والعشاء جمعا وقصرا، وامكثي بها إلى صلاة الفجر، واجتهدي بعد الفجر في الذكر والدعاء والمناجاة حتى يسفر جدا.
خامساً:- انطلقي من مزدلفة إلى منى قبل شروق شمس يوم العيد، فإذا وصلت إلى منى فافعلي ما يلي:
أ - أرمي جمرة العقبة بسبع حصيات، وكبري مع كل حصاة.
ب - اذبحي الهدي بعد ارتفاع الشمس.
ج - قصري من كل أطراف شعرك قدر أنملة. (2 سنتيمتر تقريبا)
د - انزلي إلى مكة، وطوفي طواف الإفاضة، واسعي بين الصفا والمروة سعي الحج إذا كنت متمتعة، أو لم تسعي مع طواف القدوم إذا كنت مفردة أو قارنة.
سادساً: ارمي الجمرات في اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر بعد الزوال إذا أردت التأخر، أو الحادي عشر والثاني عشر إذا أردت التعجل، مع المبيت بمنى تلك الليالي.
سابعاًَ: إذا أردت الرجوع إلى بلدك فطوفي للوداع، وبهذا تنتهي أعمال الحج.
15- المرأة لا تجهر بالتلبية، بل تسر بها فتسمع نفسها ومن بجوارها من النساء، ولا تسمع الرجال الأجانب حذرا من الفتنة ولفت الأنظار إليها. ووقت التلبية يبدأ من بعد الإحرام بالحج ويستمر إلي رمى جمرة العقبة يوم النحر.
16- إذا حاضت المرأة بعد الطواف وقبل السعي، فإنها تكمل بقية المناسك فتسعى ولو كان عليها الحيض؛ لأن السعي لا يشترط له الطهارة.
17- يجوز للمرأة استعمال حبوب منع الحيض لتتمكن من أداء نسكها بشرط عدم حدوث ضرر عليها.
18- احذري مزاحمة الرجال في جميع مناسك الحج، وبخاصة في الطواف عند الحجر الأسود والركن اليماني، وكذلك في السعي وعند رمي الجمرات، وتخيري الأوقات التي يخف فيها الزحام، فقد كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تطوف في ناحية منفردة عن الرجال، وكانت لا تستلم الحجر أو الركن إن كان هناك زحام.
19- ليس على المرأة رمل في الطواف ولا ركض في السعي: والرمل هو إسراع الخطا في الأشواط الثلاثة الأولى من الطواف، والركض يكون بين العلمين الأخضرين في جميع أشواط السعي، وهما سنة للرجال.
20- احذري هذا الكتاب: وهو كتاب صغير يحوي بعض الأدعية المبتدعة، وفيه دعاء مخصوص لكل شوط من أشواط الطواف أو السعي، وليس في ذلك دليل من كتاب أو سنة، فالدعاء مشروع في حال الطواف والسعي بما شاء الإنسان من خيري الدنيا والآخرة، وإن كان دعاء مأثورا عن النبي صلى الله عليه وسلم كان أولى.
21- للمرأة الحائض أن تقرأ كتب الأدعية والأذكار الشرعية، ولو كان بها آيات من القرآن، ويجوز لها أيضا أن تقرأ القرآن دون أن تمس المصحف.
22- احذري كشف شيء من بدنك: وبخاصة في الأماكن التي يمكن أن يراك فيها الرجال، كأماكن الوضوء العامة، فإن بعض النساء لا تبالي بوجود الرجال قريبا من تلك الأماكن، فينكشف منها حال الوضوء ما لا يجوز كشفه من وجه وذراعين وساقين، وربما خلعت ما على رأسها من خمار، فتظهر الرأس والرقبة، وكل ذلك محرم لا يجوز، وفيه فتنة عظيمة لها ولغيرها من الرجال.
23- يجوز للنساء الدفع من مزدلفة قبل الفجر: فقد رخص النبي صلى الله عليه وسلم لبعض النساء ولا سيما الضعيفات بالانصراف من مزدلفة بعد مغيب القمر في آخر الليل، وذلك حتى يرمين جمرة العقبة قبل الزحام، ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن سودة رضي الله عنها استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم ليلة جمع- أي مزدلفة- أن تدفع قبل حطمة الناس، وكانت امرأة ثبطة - أي ثقيلة- فأذن لها.
24- يجوز تأخير الرمي إلى الليل إذا رأى ولي المرأة أن الزحام قد اشتد حول جمرة العقبة، وأن في ذلك خطرا على من معه من النساء، فيجوز تأخير رميهن الجمرة حتى يخف الزحام أو يزول، ولا شيء عليهن في ذلك.
وكذلك الحال عند الرمي في أيام التشريق الثلاثة، يمكن أن يرمين الجمرات بعد العصر، وهو وقت يخف فيه الزحام جدا كما هو مشاهد ومعلوم، فإن لم يمكن فلا حرج في تأخير الرمي إلى الليل.
25- احذري احذري:
لا يجوز للمرأة أن تمكن زوجها من جماعها أو مباشرتها طالما أنها لم تتحلل التحلل الكامل، ويحصل هذا التحلل بثلاثة أمور:
الأول: رمي جمرة العقبة بسبع حصيات.
الثاني: " التقصير من جميع الشعر قدر أنملة، وهي ما يقدر بـ (2 سنتيمتر) .
الثالث: طواف الحج (طواف الإفاضة) .
* فإذا فعلت المرأة هذه الثلاثة مجتمعة جاز لها كل شيء حرم عليها بالإحرام حتى الجماع، وإذا فعلت اثنين منها جاز لها كل شيء إلا الجماع.
26- لا يجوز للمرأة أن تبدي شعرها للرجال الأجانب وهي تقصر من أطرافه، كما تفعل كثير من النساء عند المسعى؛ لأن الشعر عورة لا يجوز كشفه أمام أحد من الرجال الأجانب.
27- احذري النوم أمام الرجال: وهذا ما نشاهده من كثير من النساء اللاتي يحججن مع أهاليهن دون مخيم أو أي شيء يسترهن عن أعين الرجال، فينمن في الطرقات وعلى الأرصفة وتحت الجسور العلوية وفي مسجد الخيف مختلطين مع الرجال، أو قريبا من الرجال، وهذا من أعظم المنكرات التي يجب منعها والقضاء عليها.
28- ليس على الحائض والنفساء طواف وداع، وهذا من تخفيف الشرع وتيسيره على النساء، فللمرأة الحائض أن تعود مع أهلها وإن لم تطف طواف الوداع، فاحمدي الله أيتها المرأة المسلمة واشكريه على هذا التيسير وتلك النعمة.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4193)
الحائض وركعتا الإحرام
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف تصلي الحائض ركعتي الإحرام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ينبغي أن نعلم أن الإحرام ليس له صلاة فإنه لم يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه شرع لأمته صلاة للإحرام لا بقوله ولا بفعله ولا بإقراره.
ثانيا:
إن هذه المرأة الحائض التي حاضت قبل أن تحرم يمكنها أن تحرم وهي حائض لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أسماء بنت عميس امرأة أبي بكر رضي الله عنه وعنها - حين نفست في ذي الحليفة - أن تغتسل بثوب وتحرم،وهكذا الحائض أيضا وتبقى على إحرامها حتى تطهر ثم تطوف بالبيت وتسعى.
انتهى من كلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، رسالة 60 سؤال في الحيض
أنظر السؤال (2564) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4194)
هل الأفضل للمرأة أن تحج نافلة مع تعرضها لمزاحمة الرجال؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لا يخفى على فضيلتكم ما تجده المرأة من مشقة في الحج من مزاحمة الرجال والاختلاط بهم، في الطواف والسعي وغير ذلك من المشاعر، فهل الأفضل للمرأة التي حجت الفريضة أن تكرر الحج أم تكتفي بحجة الفريضة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ ابن باز رحمه الله:
لا شك أن تكرار الحج فيه فضل عظيم للرجال والنساء، ولكن بالنظر إلى الزحام الكثير في هذه السنين الأخيرة بسبب تيسر المواصلات، واتساع الدنيا على الناس، وتوفر الأمن، واختلاط الرجال بالنساء في الطواف، وأماكن العبادة، وعدم تحرز الكثير منهن عن أسباب الفتنة، نرى أن عدم تكرارهن الحج أفضل لهن، وأسلم لدينهن، وأبعد عن المضرة على المجتمع الذي قد يفتن ببعضهن، وهكذا الرجال إذا أمكن ترك الاستكثار من الحج لقصد التوسعة على الحجاج، وتخفيف الزحام عنهم، فنرجو أن يكون أجره في الترك أعظم من أجره في الحج، إذا كان تركه بسبب هذا القصد الطيب اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
مجموع فتاوى ابن باز (16/361)(5/4195)
معتمرة تريد تأخير تقصير شعرها حتى تعودها لبلدها
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة من الرياض سوف تعتمر في رمضان ثم تعود بعد يومين وتقصر تقصير العمرة عند مشغل نسائي في الرياض، هل يجوز لها ذلك؟ وإذا كان يجوز ما هي المحظورات؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التقصير من شعر الرأس واجب من واجبات العمرة، ولا تتحلل المرأة من إحرامها إلا به، وللرجل أن يحلق أو يقصر، والحلق له أفضل.
ولا حرج فيما ذكرت من تأخير المرأة تقصير شعرها إلى حين عودتها إلى الرياض، لكن يلزمها اجتناب محظورات الإحرام من الطيب وقص الأظافر وغير ذلك حتى تقصّر.
وينظر في صفة تقصير الشعر جواب السؤال رقم (110804) .
وينظر في محظورات الإحرام جواب السؤال رقم (11356) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4196)
خرج من مكة قبل أن يطوف ويسعى للحج
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم في الخروج من مكة قبل أن يطوف ويسعى للحج، علماً بأن الحاج من أهل مكة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ينبغي على المسلم أن يحرص على تمام حجه على وفق السنة، وخاصة إذا كانت حجة الفريضة، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، ومن بره تحري إتمامه على السنة، ومن السنة أن يتم النسك على تواليه دون قطعه بعارض
إلا أن يضطر إليه.
والوقت المفضل لطواف الإفاضة والسعي في الحج هو يوم النحر اقتداء به صلى الله عليه وسلم، لأنه طاف وسعى يوم النحر، وقال: (خذوا عني مناسككم) . رواه مسلم (1297)
أما آخر وقته، فقد قال ابن قدامة رحمه الله:
"الصَّحِيحُ أَنَّ آخِرَ وَقْتِهِ غَيْرُ مَحْدُودٍ ; فَإِنَّهُ مَتَى أَتَى بِهِ صَحَّ بِغَيْرِ خِلَافٍ , وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي وُجُوبِ الدَّم " انتهى.
"المغني" (3/227) .
وجاء في الموسوعة الفقهية:
" فَلَيْسَ لِآخِرِهِ حَدٌّ مُعَيَّنٌ لِأَدَائِهِ فَرْضًا , بَلْ جَمِيعُ الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي وَقْتُهُ إجْمَاعًا. لَكِنَّ الْإِمَامَ أَبَا حَنِيفَةَ أَوْجَبَ أَدَاءَهُ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ , فَلَوْ أَخَّرَهُ حَتَّى أَدَّاهُ بَعْدَهَا صَحَّ , وَوَجَبَ عَلَيْهِ دَمٌ جَزَاءَ تَأْخِيرِهِ عَنْهَا. وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بِالتَّأْخِيرِ شَيْءٌ إلَّا بِخُرُوجِ ذِي الْحِجَّةِ , فَإِذَا خَرَجَ لَزِمَهُ دَمٌ. وَذَهَبَ الصَّاحِبَانِ , وَالشَّافِعِيَّةُ , وَالْحَنَابِلَةُ , إلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِالتَّأْخِيرِ أَبَدًا ". انتهى.
"الموسوعة الفقهية" (17/52) ، وينظر: أضواء البيان، للشنقيطي (4/406) ، فتاوى اللجنة الدائمة (11/227) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين: عن رجل سافر إلى أرضه ولم يطف طواف الإفاضة؟
فأجاب:
" يجب على هذا الرجل أن يمتنع عن أهله، لأنه قد حلّ التحلل الأول دون الثاني، ومن تحلل التحلل الأول دون الثاني أبيح له كل شيء إلا النساء، ويلزمه أن يذهب إلى مكة ويطوف طواف الإفاضة لإنهاء نسكه " انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (223/15-16) .
والخلاصة: أن هذا الذي خرج من مكة قبل أن يطوف ويسعى للحج، إن كان قد عاد في أيام الحج، أو في شهر ذي الحجة، فطاف وسعى: فقد صح حجه، ولا شيء عليه.
وإن كان قد أخره حتى خرج شهر ذي الحجة، ثم عاد فأداه: فقد فعل الواجب عليه، وصح حجه، إلا أن الأحوط له أن يذبح دما عن هذا التأخير، كما سبق نقله المالكية وغيرهم، ولأن بعض أهل العلم يرى أن وقت الطواف والسعي، وهكذا سائر أعمال الحج، ينتهي بخروج شهر ذي الحجة، لقول الله تعالى: (الحج أشهر معلومات) .
وينظر: مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله (21/379) .
والله تعالى أعلم.
وينظر جوال السؤال رقم (26254) و (106551)
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4197)
أحرم ولم يشترط ومنع من دخول مكة فعاد لبلده
[السُّؤَالُ]
ـ[أحرمت من ذي الحليفة ولم أشترط ومنعت من قبل الشرطة لانتهاء الفيزا، ورجعت إلى بلدي، ماذا علي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من أحرم بالحج أو العمرة ومنعه مانع من الوصول للبيت الحرام وإتمام نسكه، فإن كان قد اشترط عند إحرامه بأن قال: اللهم محلي حيث حبستني، تحلل ولا شيء عليه، وإن لم يكن قد اشترط فهو محصر، فيذبح شاة في مكانه الذي أحصر فيه، سواء كان في الحرم أو في الحل، ويعطيها الفقراء في مكانه أو ينقلها إلى فقراء الحرم، ثم يحلق أو يقصر شعره، ويتحلل.
قال الله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) البقرة/196.
قال ابن قدامة رحمه الله: "أجمع أهل العلم على أن المحرم إذا حصره عدو من المشركين , أو غيرهم , فمنعوه الوصول إلى البيت , ولم يجد طريقا آمنا , فله التحلل. وقد نص الله تعالى عليه بقوله: (فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي) . وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه يوم حصروا في الحديبية أن ينحروا , ويحلقوا , ويحلوا. وسواء كان الإحرام بحج أو بعمرة , أو بهما , في قول إمامنا (الإمام أحمد) , وأبي حنيفة , والشافعي..... وعلى من تحلل بالإحصار: الهدي , في قول أكثر أهل العلم، لقول الله تعالى: (فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي) . قال الشافعي: لا خلاف بين أهل التفسير أن هذه الآية نزلت في حصر الحديبية" انتهى من "المغني" (3/172) .
وذهب بعض العلماء إلى أن المحصر إذا لم يجد الهدي فإنه يصوم عشرة أيام، قياساً على المتمتع.
واختار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أن المحصر إذا لم يجد الهدي لا يلزمه الصيام، لأن الله تعالى لم يذكر الصيام في آية الإحصار.
ولأن الظاهر من حال الصحابة في صلح الحديبية أنهم كانوا فقراء، ولم يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من ليس معه هدي منهم أن يصوم عشرة أيام.
وانظر: "الشرح الممتع" (7/184، 185) .
وعلى هذا؛ فالواجب عليك الآن أن توكل من يذبح عنك ذبيحة في مكة توزع على فقراء الحرم، ثم تحلق أو تقصر وتتحلل.
ويلزمك اجتناب محظورات الإحرام كلها حتى يتم تحللك.
وما وقع منك من المحظورات أثناء هذه المدة جهلا منك فلا يلزمك فيه شيء.
فإن لم تستطع ذبح الهدي فإنك تحلق أو تقصر وبذلك تكون قد تحللت من إحرامك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4198)
إذا اعتمر ليحج متمتعا وكرر العمرة قبل الحج، فهل يتضاعف عليه الدم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[بالنسبة للمتمتع الذي أتم عمرته وفي انتظار يوم التروية للإحرام بالحج هل يجوز له القيام بعمرة أخرى؟ فعندنا من يدعي بأن ذلك جائز للمتحلل ما دام ينتظر الحج. وإذا كان ذلك جائزا فهل عليه هدي على كل عمرة عملا بالآية (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز للمتمتع الذي أنهى عمرته وجلس في مكة ينتظر الحج أن يعتمر خلال هذه المدة، لا سيما إذا خرج من مكة إلى المدينة ونحوها ثم عاد إلى مكة، ولا يترتب على ذلك مضاعفة دم التمتع، لأن المقصود من الآية الكريمة أن من حج متمتعا فعليه دم، وهذا وإن كرر العمرة إلا أنه لن يحج إلا مرة واحدة، فلا يلزمه غير دم واحد.
وهل يشرع تكرار العمرة لمن جلس في مكة ولم يخرج منها كما يفعله كثير من الناس اليوم، يخرجون إلى التنعيم للإحرام بالعمرة؟
في ذلك خلاف بين أهل العلم، فمنهم من رخص فيه، ومنهم من كرهه ورآه مخالفا لفعل السلف.
وينظر جواب السؤال رقم (49897) ، ورقم (111501) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4199)
المجزئ في رمي الجمرات أن تسقط في الحوض
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يكفي أن تقع الحجارة في الحوض أو الصحن المخصص للرمي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
رمي الجمار هو رمي الحصيات المعينة العدد في الأماكن الخاصة بالرمي في منى (الجمرات) ، وهي إحدى شعائر الحج العظيمة التي ينشغل بها الحجاج في أيام معدودات في منى، وليست الجمرة هي الشاخص (العمود) الذي يوجد في منتصف المرمى , بل الجمرة هي المرمى المحيط بذلك الشاخص، فمن وقعت حصاته في الحوض، أو الصحن، المخصص للرمي فقد صح رميه وأجزأه باتفاق العلماء.
يقول الإمام الشافعي رحمه الله:
" أقل ما عليه في الرمي أن يرمي حتى يوقع حصاه في موضع الحصى , وإن رمى بحصاة فغابت عنه فلم يدر أين وقعت: أعادها، ولم تجز عنه حتى يعلم أنها قد وقعت في موضع الحصى " انتهى.
" الأم " (2/235)
ويقول ابن قدامة رحمه الله:
" لا يجزئه الرمي إلا أن يقع الحصى في المرمى , فإن وقع دونه لم يجزئه في قولهم جميعا ; لأنه مأمور بالرمي ولم يرم.
وإن طرحها طرحا ; أجزأه ; لأنه يسمى رميا.
وهذا قول أصحاب الرأي وقال ابن القاسم: لا يجزئه.
وإن رمى حصاة فالتقمها طائر قبل وصولها لم يجزه ; لأنها لم تقع في المرمى.
وإن وقعت على موضع صلب في غير المرمى , ثم تدحرجت على المرمى , أو على ثوب إنسان , ثم طارت فوقعت في المرمى , أجزأته , لأن حصوله بفعله.
وإن رمى حصاة فشك: هل وقعت في المرمى أو لا؟ لم يجزئه ; لأن الأصل بقاء الرمي في ذمته , فلا يزول بالشك. وإن كان الظاهر أنها وقعت فيه أجزأته ; لأن الظاهر دليل " انتهى.
" المغني " (3/219-220)
ويقول الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
" لا يشترط بقاء الحصى في المرمى ولكن يشترط وقوعه فيه، فلو وقعت الحصاة في المرمى ثم خرجت منه أجزأت في ظاهر كلام أهل العلم، وممن صرح بذلك النووي رحمه الله في المجموع. ولا يشرع رمي الشاخص بل السنة الرمي في الحوض " انتهى.
" مجموع فتاوى ابن باز " (16/144-145)
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" من شرط الرمي أن تقع الحصاة في الحوض، وإذا وقعت الحصاة في الحوض، فقد برئت بهذا الذمة، سواء بقيت في الحوض أو تدحرجت منه، ومن الأخطاء أيضا في الرمي: أن بعض الناس يظن أنه لا بد أن تصيب الحصاة الشاخص، أي: العمود، وهذا ظن خطأ؛ فإنه لا يشترط لصحة الرمي أن تصيب الحصاة هذا العمود، فإن هذا العمود إنما جعل علامة على المرمى الذي تقع فيه الحصى، فإذا وقعت الحصاة في المرمى، أجزأت سواء أصابت العمود أم لم تصبه " انتهى.
" فقه العبادات " (ص 383، السؤال رقم 279) .
ويقول أيضا رحمه الله:
" المقصود أن تقع الحصاة في الحوض، سواءٌ ضربت العمود أم لم تضربه " انتهى.
" الشرح الممتع " (7/321)
ويقول الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
" ولا بد أن تقع كل حصاة في الحوض، سواء استقرت فيه، أو سقطت منه بعد ذلك، فإن لم تقع في الحوض لم تجز " انتهى.
" الملخص الفقهي " (1/446)
وانظر جواب السؤال رقم: (34420)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4200)
الدليل على شعيرة رمي الجمرات في الحج
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الدليل من الكتاب والسنة على رمي الجمرات؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
رمي الجمرات من شعائر الحج الواجبة والمشروعة لكل من قصد هذا المنسك العظيم؛ وقد ورد التصريح بهذه الشعيرة العظيمة في السنة النبوية المتفق على صحتها بين أهل العلم:
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضى الله عنهما أَنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَرْدَفَ الْفَضْلَ، فَأَخْبَرَ الْفَضْلُ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى الْجَمْرَةَ.
رواه البخاري (1685) ومسلم (1282)
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضى الله عنه أَنَّهُ انْتَهَى إِلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى جَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ، وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ، وَرَمَى بِسَبْعٍ، وَقَالَ: هَكَذَا رَمَى الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ صلى الله عليه وسلم. رواه البخاري (1748) ومسلم (1296)
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ كَانَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ الدُّنْيَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ عَلَى إِثْرِ كُلِّ حَصَاةٍ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ حَتَّى يُسْهِلَ فَيَقُومَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ فَيَقُومُ طَوِيلاً، وَيَدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَرْمِي الْوُسْطَى، ثُمَّ يَأْخُذُ ذَاتَ الشِّمَالِ فَيَسْتَهِلُ وَيَقُومُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ فَيَقُومُ طَوِيلاً وَيَدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ، وَيَقُومُ طَوِيلاً، ثُمَّ يَرْمِي جَمْرَةَ ذَاتِ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي، وَلاَ يَقِفُ عِنْدَهَا ثُمَّ يَنْصَرِفُ. فَيَقُولُ: هَكَذَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُهُ.
رواه البخاري (1751)
قال ابن المنذر رحمه الله:
" وأجمعوا على أن من رمى الجمار في أيام التشريق بعد زوال الشمس أن ذلك يجزئه".
الإجماع، لابن المنذر (11) .
وقال ابن حزم رحمه الله:
" واتفقوا أن ثلاثة أيام بعد يوم النحر هي أيام رمي الجمار وأن من رماها فيها بعد الزوال أجزأه ".
مراتب الإجماع، لابن حزم (46) .
وقال ابن قدامة رحمه الله:
" إذا وصل منى بدأ بجمرة العقبة , وهي آخر الجمرات مما يلي منى وأولها مما يلي مكة , وهي عند العقبة , وكذلك سميت جمرة العقبة، فيرميها بسبع حصيات , يكبر مع كل حصاة , ويستبطن الوادي , ويستقبل القبلة , ثم ينصرف ولا يقف. وهذا بجملته قول من علمنا قوله من أهل العلم " انتهى.
" المغني " (3/218)
قال أبو حامد الغزالي رحمه الله:
" أما رمي الجمار فاقصد به الانقياد للأمر، إظهارا للرق والعبودية، وانتهاضا لمجرد الامتثال، من غير حظ للعقل والنفس فيه، ثم اقصد به التشبه بإبراهيم عليه السلام، حيث عرض له إبليس لعنه الله تعالى في ذلك الموضع ليُدخل على حَجِّه شبهة، أو يفتنه بمعصية، فأمره الله عز وجل أن يرميه بالحجارة طردا له وقطعا لأمله، فإن خطر لك أن الشيطان عرض له وشاهده فلذلك رماه، وأما أنا فليس يعرض لي الشيطان فاعلم أن هذا الخاطر من الشيطان، وأنه الذي ألقاه في قلبك ليفتر عزمك في الرمي، ويخيل إليك أنه فعل لا فائدة فيه، وأنه يضاهي اللعب فَلِمَ تشتغل به، فاطرده عن نفسك بالجد والتشمير في الرمي فيه برغم أنف الشيطان، واعلم أنك في الظاهر ترمي الحصى إلى العقبة، وفي الحقيقة ترمي به وجه الشيطان وتقصم به ظهره، إذ لا يحصل إرغام أنفه إلا بامتثالك أمر الله سبحانه وتعالى تعظيما له بمجرد الأمر من غير حظ للنفس والعقل فيه " انتهى.
" إحياء علوم الدين " (1/270)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4201)
فرغت من عمرتها وذهبت مع الناس إلى منى وأكملت المناسك دون أن تحرم بالحج
[السُّؤَالُ]
ـ[ذهبت والدتي والتي تبلغ من العمر 57 سنة إلى الحج وكانت تنوي أن تؤدي حجا متمتعا وبعد أن أدت العمرة في الثامن من شهر ذي الحجة قامت بقص شعرها ولكنها لم تحرم من جديد وذلك لعدم معرفة منها، وأكملت باقي مناسك الحج وذبحت في آخره، فهل عليها من فدية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المتمتع إذا تحلل من عمرته، ثم جاء وقت الحج، أحرم به، والإحرام هو نية الدخول في النسك، والنية محلها القلب، ولا يشترط التلفظ بها ولا يستحب، كما لا يشترط الاغتسال والتنظف، وإن كان الأفضل أن يغتسل عند الإحرام.
والمرأة تحرم في ثيابها، ولا يلزمها لباس معين.
فإن كان مرادك أنها لم تغتسل أو لم تتلفظ بالنية أو لم تلبي، أو لم تلبس لبسا خاصا، فهذا لا يضر.
وخروجها مع الناس إلى منى، ثم عرفة، وأداؤها المناسك، وامتناعها من المحظورات، كل ذلك يدل على وجود نية الحج.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: امرأة لا تعلم بأنساك الحج الثلاثة ولا تعلم النية فيها، ولها خمس حجج وهي تحج يوم التروية، وتذهب مع الناس، إذا ذهبوا عرفة وكذلك مزدلفة، وترمي الجمار، ليس لها نية محددة من الأنساك الثلاثة، فهل حجها في هذه الأعوام صحيح؟
فأجاب: "الظاهر أن حجها صحيح، لأنها كأنها تقول: أحرمت بما الناس محرمون به، والإحرام بما أحرم به فلان جائز، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب في حجة الوداع وكان قدم من اليمن مع أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما فقال له: (بما أهللت) فقال: بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: فإن معي الهدي، فجعله قارناً، وأما أبو موسى الأشعري فقال: إنه أهل بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن لما لم يكن معه هدي أمره أن يجعلها عمرة، لأن التمتع أفضل من القران.
فهذه المرأة لا شك مما يظهر لنا أنها أحرمت بما أحرم به الناس، وإنها تقول: دربي درب الناس، لكن الواجب على الإنسان إذا أراد العبادة سواء حجا أو صوماً أو صدقة أو غير ذلك الواجب أن يتعلم قبل أن يتقدم، أما بعد أن فعل يأتي ويقول: ما الحكم؟ هذا لا شك أنه خلاف الأولى" انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/22) .
فالذي يظهر أن هذه المرأة حجها صحيح، وليس عليها شيء.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4202)
لم يصلوا مزدلفة إلا بعد طلوع الشمس
[السُّؤَالُ]
ـ[ذهبت هذه السنة أنا وزوجي إلى الحج وعندما أراد أصحاب الحملة الذهاب إلى مزدلفة سألوا الجميع من يريد البيات في مزدلفة ومن لا يريد وعندما علم أن هناك مجموعة من الأشخاص تريد البقاء والمبيت في مزدلفة قالوا لنا انتظروا إلى أن يحضر الباص وحضر الباص الساعة العاشرة ليلا وركبنا وكان الباص بطيئا جدا بحيث وصلنا إلى مزدلفة الساعة السابعة صباحا فهل علي دم لأني لم أستطع دخول مزدلفة والمبيت فيها وكذالك الصلاة فيها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
المبيت بمزدلفة واجب عند جمهور العلماء، وذهب بعضهم إلى أنه ركن.
واختُلف في القدر الواجب على أقوال، ومذهب الشافعية والحنابلة: أن الوجود بمزدلفة واجب ولو لحظة , بشرط أن يكون ذلك في النصف الثاني من الليل بعد الوقوف بعرفة , ولا يشترط المكث , بل يكفي مجرد المرور بها.
فإذا كنتم دخلتم داخل حدود مزدلفة ولو لحظة فيما بين منتصف الليل إلى الفجر، فقد أتيتم بالواجب.
وإن لم تتمكنوا من دخول مزدلفة، لزحمة السير، فلا شيء عليكم؛ لأن الواجبات تسقط بالعذر، قال تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) البقرة/286.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: لم نستطع المبيت في مزدلفة لأننا لم نجد مكاناً إلا على الطريق ولا يسمحون لأحد بالوقوف على الطريق. فانصرفنا إلى منى فهل علينا شيء؟
فأجاب: "إن كان لم يجد مكاناً في مزدلفة أو منعه الجنود من النزول بها فلا شيء عليه؛ لقول الله سبحانه: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ، وإن كان ذلك على تساهل منه فعليه دم مع التوبة" انتهى من "فتاوى ابن باز" (17/287) .
وينظر جواب السؤال رقم 14632.
ثانيا:
قد أخطأتم خطأ عظيما بتأخير الصلاة عن وقتها؛ لأن ذلك محرم، بل كبيرة من كبائر الذنوب، قال الله تعالى: (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) النساء / 103، وقال سبحانه: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) مريم/59، والسنة تأخير المغرب وجمعها مع العشاء في مزدلفة، لكن إذا خشي الإنسان خروج وقت العشاء قبل أن يصل إلى مزدلفة، فإن الواجب عليه أن يصلي في الطريق، ويصلي على حسب حاله، إن كان ماشيا وقف وصلى الصلاة بقيامها وركوعها وسجودها، وإن كان راكبا ولم يتمكن من النزول فإنه يصلي وهو راكب سيارته، لقوله تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم) التغابن / 16.
ومن بقي في عرفة إلى نحو الساعة العاشرة ليلا، وهو يعلم ازدحام السير، فإن الأولى له أن يصلي المغرب والعشاء في عرفة، لا سيما إن كان معه نساء، يصعب عليهن النزول والصلاة أثناء الطريق.
والمقصود أنه لا يُترك الواجب لأجل تحصيل السنة.
والواجب عليكم هو التوبة إلى الله تعالى من تأخير الصلاة، ولا شيء عليكم غير هذا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4203)
مختصر صفة الحج عن النفس أو الغير، وأنواع النسك
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أحج هذا العام بالنيابة عن والدي المتوفى علما بأني حججت عن نفسي قبل عدة سنوات، فأرجو أن توضح لي أفضل طريقة لأداء الحج حسب السنَّة، وما هي الفروق بين أنواع الحج؟ وأيها الأفضل أن يؤديها الإنسان لنفسه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
هذا ملخص لما يقوم به الحاج وفق السنَّة الصحيحة:
1. يحرم الحاج في اليوم الثامن من ذي الحجة من مكة أو قربها من الحرم، ويفعل عند إحرامه بالحج كما فعل عند إحرامه بالعمرة من الغسل والطيب والصلاة فينوي الإحرام بالحج ويلبي , وصفة التلبية في الحج كصفة التلبية في العمرة إلا أنه يقول هنا: لبيك حجا بدل قوله: لبيك عمرة , وإن كان خائفا من عائق يمنعه من إتمام حجه اشترط فقال: وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني وإن لم يكن خائفا من عائق لم يشترط.
2. ثم يذهب إلى " مِنى " فيبيت بها، ويصلي بها خمس صلوات الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر.
3. فإذا طلعت الشمس من اليوم التاسع سار إلى " عرفة "، وصلى بها الظهر والعصر جمع تقديم قصراً، ثم يجتهد في الدعاء والذكر والاستغفار إلى أن تغرب الشمس.
4. فإذا غربت سار إلى " مزدلفة "، فصلى بها المغرب والعشاء حين وصوله، ثم يبيت بها إلى أن يصلي الفجر، فيذكر الله تعالى ويدعوه إلى قبيل طلوع الشمس.
5. ثم يسير منها إلى " مِنى " ليرمي جمرة العقبة، وهي الأخيرة مما يلي مكة بسبع حصيات متعاقبات واحدة بعد الأخرى كل واحدة بقدر نواة التمر تقريبا يكبر مع كل حصاة.
6. ثم يذبح الهدي، وهو شاة أو سبع بدنة أو سبع بقرة.
7. ثم يحلق رأسه إن كان ذكراً , وأما المرأة فحقها التقصير دون الحلق، ويكون تقصيرها بمقدار أنملة من جميع شعرها.
8. ثم يذهب إلى مكة فيطوف طواف الحج.
9. ثم يرجع إلى " منى " فيبيت فيها تلك الليالي، أي: ليلة الحادي عشر والثاني عشر من شهر ذي الحجة، ويرمي الجمرات الثلاث بعد زوال الشمس كل واحدة بسبع حصيات متعاقبات، يبدأ بالصغرى - وهي البعيدة من مكة - ثم الوسطى، ويدعو بعدهما، ثم جمرة العقبة وليس بعدها دعاء.
10. فإذا أتم رمي الجمار في اليوم الثاني عشر فإن شاء تعجل ونزل من منى , وإن شاء تأخر فبات بها ليلة الثالث عشر ورمى الجمار الثلاث بعد الزوال كما سبق , والتأخر أفضل , ولا يجب إلا أن تغرب الشمس من اليوم الثاني عشر وهو بمنى , فإنه يلزمه التأخر حتى يرمي الجمار الثلاث بعد الزوال , لكن لو غربت عليه الشمس بمنى في اليوم الثاني عشر بغير اختياره مثل أن يكون قد ارتحل وركب ولكن تأخر بسبب زحام السيارات ونحوه فإنه لا يلزمه التأخر لأن تأخره إلى الغروب بغير اختياره.
11. فإذا انتهت تلك الأيام وأراد السفر: لم يسافر حتى يطوف بالبيت طواف الوداع سبعة أشواط، إلا المرأة الحائض والنفساء فلا وداع عليهما.
12. إذا كان الحاج متطوعا بالحج نيابة عن غيره سواء أكان قريباً له أو غير قريب فإنه لا بد أن يكون قد حج عن نفسه قبل ذلك، ولا يتغير من صفة الحج إلا النية بأن ينوي الحج عن هذا الشخص ويسميه في التلبية فيقول (لبيك عن فلان) ، ثم في الدعاء في المناسك يدعو لنفسه ويدعو لهذا الذي يحج عنه.
ثانياً:
أما أنواع الحج فهي ثلاثة: التمتع , والقِرَان , والإفراد
التمتع: هو الإحرام بالعمرة في أشهر الحج – وهي: شوال , ذو القعدة , عشر من ذي الحجة - ويفرغ منها الحاج، ثم يحرم بالحج من مكة أو قربها يوم التروية في عام عُمرته.
القران: وهو الإحرام بالعمرة والحج معا ولا يحل منهما الحاج إلا يوم النحر أو يُحرم بالعمرة ثم يدخله عليها قبل الشروع في طوافها.
الإفراد: وهو أن يحرم بالحج من الميقات أو من مكة إذا كان مقيما بها أو بمكان آخر دون الميقات ثم يبقى على إحرامه إلى يوم النحر إذا كان معه هديٌ فإن لم يكن معه هديٌ شُرع له فسخ حجه إلى العمرة فيطوف ويسعى ويقصّر ويحل كما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم الذين أحرموا بالحج وليس معهم هدي. وهكذا القارن إذا لم يكن معه هدي يشرع له فسخ قرانه إلى العمرة لما ذكرنا
وأفضل الأنساك التمتع لمن لم يسق الهدي لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به أصحابه وأكده عليهم.
وننصحك – للمزيد في معرفة أحكام الحج والعمرة – بالرجوع إلى كتاب مناسك الحج والعمرة للشيخ ابن عثيمين رحمه الله، ويمكنك التحصُّل عليه من خلال موقع الشيخ على الشبكة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4204)
كيف تقصر المرأة من شعرها في الحج والعمرة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال: بعد أن أدت والدتي العمرة قصت خصلة واحدة من شعرها جهلاً منها فما الحكم في ذلك؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحلق أو التقصير من واجبات العمرة، وليس على النساء حلق، وإنما المشروع لهن التقصير.
ويلزم التقصير من جميع الشعر، على الراجح، وهو مذهب المالكية والحنابلة، فإن كان لها ضفائر أخذت من أطرافها جميعاً، وإلا جمعت شعرها وأخذت من جميعه، والمستحب أن تأخذ قدر أنملة، ولها أن تقصر أقل من ذلك؛ لأنه لم يرد تحديد له في الشرع.
قال الباجي رحمه الله في "المنتقى" (3/29) : " وأما المرأة فإنها إذا أرادت الإحرام أخذت من قرونها لتقصر فإذا حلت قصرت.
وكم مقدار ما تقصر؟ روي عن ابن عمر أنه قال: مقدار أنملة. وقد روى ابن حبيب عن مالك قدر الأنملة أو فوق ذلك بقليل أو دونه بقليل. قال مالك: ليس لذلك عندنا حد معلوم وما أخذت منه أجزأها ولا بد من أن تعم بالتقصير الشعر كله طويله وقصيره " انتهى باختصار.
وقال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (3/196) : " يلزم التقصير أو الحلق من جميع شعره , وكذلك المرأة. نص عليه. وبه قال مالك " انتهى.
وقال: " وأي قدر قصّر منه أجزأه. وقال أحمد: يقصر قدر الأنملة. وهو قول ابن عمر , والشافعي , وإسحاق , وأبي ثور. وهذا محمول على الاستحباب ; لقول ابن عمر " انتهى.
وقال في (3/226) : " والمرأة تقصر من شعرها مقدار الأنملة. الأنملة: رأس الإصبع من المفصل الأعلى. والمشروع للمرأة التقصير دون الحلق. لا خلاف في ذلك. قال ابن المنذر: أجمع على هذا أهل العلم. وقد روى ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس على النساء حلق , إنما على النساء التقصير) رواه أبو داود. وعن علي رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تحلق المرأة رأسها) رواه الترمذي. وكان أحمد يقول: تقصر من كل قرن قدر الأنملة. وهو قول ابن عمر , والشافعي , وإسحاق , وأبي ثور. وقال أبو داود: سمعت أحمد سئل عن المرأة تقصر من كل رأسها؟ قال: نعم , تجمع شعرها إلى مقدم رأسها , ثم تأخذ من أطراف شعرها قدر أنملة " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (7/329) : " قوله: " وتقصر منه المرأة قدر أنملة "، أي: أنملة الأصبع وهي مفصل الإصبع، أي أن المرأة تمسك ضفائر رأسها إن كان لها ضفائر، أو بأطرافه إن لم يكن لها ضفائر، وتقص قدر أنملة، ومقدار ذلك اثنان سنتيمتر تقريباً، وأما ما اشتهر عند النساء أن الأنملة أن تطوي المرأة طرف شعرها على إصبعها فمتى التقى الطرفان فذاك الواجب فغير صحيح " انتهى.
وبناء على ذلك، فمن قصرت من خصلة واحدة فإنها لم تقصر التقصير المعتبر، ويلزمها الآن أن تقصر من شعرها على نحو ما ذكرنا، ولا شيء عليها فيما ارتكبته من محظورات الإحرام فيما سبق.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في امرأة لم تتم عمرتها: " وأما ما فعلته من المحظورات ولنفرض أن زوجها جامعها والجماع في النسك هو أعظم المحظورات فإنه لا شيء عليها، لأنها جاهلة، وكل إنسان يفعل محظوراً من محظورات الإحرام جاهلاً أو ناسياً أو مكرهاً فلا شيء عليه " انتهى من مجموع فتاوى ابن عثيمين (21/351) باختصار.
وسئل رحمه الله عن: رجل قصر شعره من جانب واحد بعد العمرة، ثم رجع إلى أهله وتبين له أن فعله غير صحيح، فماذا عليه؟ فأجاب: " إن فعل هذا الأمر جاهلاً فالواجب عليه أن يخلع ملابسه الآن (ويلبس إحرامه) ويحلق حلقاً كاملاً أو يقصر، ويكون ما فعله في محل العفو؛ لأنه كان جاهلاً، والحلق أو التقصير لا يشترط أن يكون في مكة، بل يكون في مكة وفي غيرها. أما إن كان ما فعله بناءً على فتوى من أحد العلماء، فليس عليه شئ؛ لأن الله يقول (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) ، وبعض العلماء يرى: أن التقصير من بعض الرأس كالتقصير من كل الرأس " انتهى من "اللقاء الشهري" رقم 10.
والمرأة لا يلزمها أن تخلع ملابسها قبل التقصير؛ لأنه لا يحرم عليها لبس الثياب المعتادة في الإحرام، وإنما تمنع فقط من النقاب والقفازين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4205)
متمتع أحرم بالحج يوم التروية من عرفة
[السُّؤَالُ]
ـ[متمتع أحرم بالحج يوم التروية من عرفة فهل عليه شيء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا شيء عليه، لأن الإحرام بالحج يجوز أن يكون من الحرم ومن الحل" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/9) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4206)
ما الدليل على وجوب المبيت بمزدلفة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الدليل على وجوب المبيت بمزدلفة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الدليل على وجوبه قوله تعالى: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنْ الضَّالِّينَ) البقرة/198.
والأصل في الأمر الوجوب حتى يقوم دليل على صرفه عن الوجوب، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لعروة بن مضرس رضي الله عنه وقد اجتمع به في صلاة الفجر يوم مزدلفة فقال: يا رسول الله، إني أتعبت نفسي وأكللت راحلتي، وما تركت جبلاً إلا وقفت عنده، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً، فقد تم حجه، وقضى تفثه) .
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للضعفة أن يدفعوا من مزدلفة في آخر الليل، والترخيص يدل على أن الأصل العزيمة والوجوب، بل إن بعض أهل العلم ذهب إلى أن الوقوف بمزدلفة ركن من أركان الحج، لأن الله تعالى أمر به في قوله: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنْ الضَّالِّينَ) البقرة/198.
والنبي صلى الله عليه وسلم حافظ عليه، وقال: (وقفت هاهنا وجَمْع ـ أي مزدلفة ـ كلها موقف) رواه مسلم. ولكن القول الوسط من أقوال أهل العلم أن المبيت بها واجب وليس بركن، ولا بسنة " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/52) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4207)
ليس هناك دعاء معين لكل شوط في الطواف أو السعي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم التزام دعاء معين لكل شوط من أشواط الطواف أو السعي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"ليس هناك دعاء معين لكل شوط، بل تخصيص كل شوط بدعاء معين من البدع؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وغاية ما ورد التكبير عند استلام الحجر الأسود وقول: (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) البقرة/201، بين الركن اليماني والحجر الأسود، وأما الباقي فهو ذكر مطلق وقرآن ودعاء لا يخصص به شوط دون آخر" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 336، 337) .
وانظر جواب السؤال رقم (34644) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4208)
له بيت في الطائف وآخر في مكة، فهل عليه هدي إذا تمتع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل له بيت في الطائف يسكن فيه هو وأهله في الصيف لمدة أربعة أشهر تقريباً وبيت آخر في مكة يسكن فيه بقية العام فإذا تمتع فهل عليه هدي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"ليس عليه هدي لأنه من حاضري المسجد الحرام، إذ إن لأكثر إقامته بمكة" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 72) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4209)
لا يلزم من سعى من الدور الثاني أو الثالث أن يدور على قبة الصفا وقبة المروة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يلزم الإنسان إذا سعى في الدور الثاني أو السطح أن يدور على قبة الصفا وقبة المروة أو أن ذلك ليس بلازم حيث نرى الزحام في الدوران عليهما؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الدوران على قبة الصفا أو المروة ليس بلازم؛ لأن الواجب استيعاب السعي إلى نهاية ممر العربيات، وممر العربيات دون مكان الدوران بكثير" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 437، 438) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4210)
لا يشرع النطق بالنية في الحج ولا في العمرة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا قال الحاج لبيك عمرة أو لبيك حجاً، فهل هذا يكون نطقاً بالنية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا قال في النسك: لبيك حجاً، لبيك عمرة، ليس هذا من باب ابتداء النية، لأنه قد نوى من قبل، ولهذا لا يشرع أن نقول: اللهم إني أريد العمرة، اللهم إني أريد الحج، بل انو بقلبك ولب بلسانك، وأما التكلم بالنية في غير الحج والعمرة فهذا أمر معلوم أنه ليس بمشروع، فلا يسن للإنسان إذا أراد أن يتوضأ أن يقول: اللهم إني أريد أن أتوضأ، اللهم إني نويت أن أتوضأ أو بالصلاة: اللهم إني أريد أن أصلى، اللهم إني نويت أن أصلى. كل هذا غير مشروع، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/20) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4211)
لا يجوز نحر هدي التمتع خارج الحرم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز نحر هدي التمتع خارج الحرم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"يقول أهل العلم: إن الواجب نحر هدي التمتع داخل حدود الحرم لقوله تعالى: (ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) الحج/33، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم نحر هديه في منى وقال: (لتأخذوا عني مناسككم) .
ولأن الهدي دم يجب للنسك فوجب أن يكون في مكانه وهو الحرم، وعلى هذا فمن نحر خارج الحرم لم يجزئه الهدي وتلزمه إعادته في الحرم، ثم إن كان جاهلاً فلا إثم عليه وإن كان عالماً فعليه الإثم.
وقد أشار صاحب الفروع (3/465) إلى أن وجوب الذبح في الحرم باتفاق الأئمة الأربعة، لكن قال الشيرازي في "المهذب" (ص 411) : "إذا وجب على المحرم دم لأجل الإحرام كدم التمتع والقران، ودم الطيب وجزاء الصيد وجب عليه صرفه لمساكين الحرم لقوله تعالى: (هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ) المائدة/95، فإن ذبحه في الحل وأدخله الحرم نظر فإن تغير وأنتن لم يجزئه، لأن المستحق لحم كامل غير متغير فلا يجزئه المنتن المتغير، وإن لم يتغير ففيه وجهان:
أحدهما: لا يجزئه، لأن الذبح أحد مقصودي الهدي فاختص بالحرم كالتفرقة.
والثاني: يجزئه؛ لأن المقصود هو اللحم، وقد أوصل ذلك إليهم" أهـ.
قال النووي: وهو الصحيح.
ولكن الأحوط المنع؛ للأدلة التي ذكرناها في صدر الجواب" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 226، 227) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4212)
لا يجوز للمتمتع أن يقدم سعي الحج على الوقوف بعرفة والمزدلفة
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل متمتع أدى العمرة ثم ذهب إلى جدة وفي اليوم الثامن أتى إلى مكة فطاف وسعى بقصد أن يسقط عنه السعي يوم العيد أيسقط عنه أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"المتمتع من المعلوم أنه يحل بالعمرة يطوف ويسعى ويقصر ويحل، فإذا كان يوم الثامن أحرم بالحج وخرج إلى منى، ولا ينفعه إذا سعى قبل ذلك، لأن سعي الحج لا يجوز تقديمه على الوقوف بعرفة أو مزدلفة، إلا إذا كان قارناً أو مفرداً وسعي بعد طواف القدوم، وعلى هذا الرجل الذي فعل السعي قبل وقته أن يتجنب أهله إن كان عنده أهله، ويجب عليه أن يسافر إلى مكة ويأتي بالسعي، لأنه في غير وقته، والأفضل أن يحرم بعمرة إذا وصل الميقات ويطوف ويسعى ويقصر ثم يأتي بسعي الحج" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/87، 88) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4213)
لا يجوز تحويل الإحرام من التمتع إلى الإفراد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن يتحول من التمتع إلى الإفراد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"التحول من التمتع إلى الإفراد لا يجوز ولا يمكن، وإنما يجوز أن يتحول من الإفراد إلى التمتع، بمعنى أن يكون محرماً للحج مفرداً، ثم بعد ذلك يحول إحرامه بالحج إلى عمرة ليصير متمتعاً. وكذلك القارن يجوز أن يحول نيته من القران إلى العمرة ليصير متمتعاً إلا من ساق الهدي في الصورتين، فإنه لا يجوز له ذلك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه الذين معه أن يجعلوا إحرامهم بالحج المفرد أو المقرون بالعمرة أن يجعلوه عمرة ليصيروا متمتعين إلا من ساق الهدي" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 88، 89) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4214)
لا حرج من ذبح الهدي في مزدلفة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز ذبح الهدي في مزدلفة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الذبح في مزدلفة وفي مكة وفي منى كله جائز، فكل ما كان داخل الحرم فإن ذبح الهدي فيه جائز ولا حرج لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل فجاج مكة طريق ومنحر) " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/248) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4215)
ماذا يفعل من أراد الحج أو العمرة عند الميقات؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا يفعل من أراد الحج أو العمرة عند الميقات؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا وصل إلى الميقات استحب له أن يغتسل ويتطيب؛ لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم تجرد من المخيط عند الإحرام واغتسل، ولما ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت) ، وأمر صلى الله عليه وسلم عائشة لما حاضت وقد أحرمت بالعمرة أن تغتسل وتحرم بالحج، وأمر صلى الله عليه وسلم أسماء بنت عميس لما ولدت بذي الحليفة أن تغتسل وتستثفر بثوب وتحرم، فدل ذلك على أن المرأة إذا وصلت إلى الميقات وهي حائض أو نفساء تغتسل وتحرم مع الناس، وتفعل ما يفعله الحاج غير الطواف بالبيت، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وأسماء بذلك.
ويستحب لمن أراد الإحرام أن يتعاهد شاربه وأظافره وعانته وإبطيه، فيأخذ ما تدعو الحاجة إلى أخذه؛ لئلا يحتاج إلى أخذ ذلك بعد الإحرام وهو محرم عليه، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم شرع للمسلمين تعاهد هذه الأشياء في كل وقت، كما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الفطرة خمس: الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وقلم الأظافر، ونتف الآباط) ، وفي صحيح مسلم عن أنس رضي الله عنه قال: (وُقِّتَ لنا في قص الشارب، وقلم الأظافر، ونتف الإبط، وحلق العانة: أن لا نترك ذلك أكثر من أربعين ليلة) .
وأخرجه النسائي بلفظ: (وَقَّت لنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم) ، وأخرجه أحمد وأبو داود والترمذي بلفظ النسائي، وأما الرأس فلا يشرع أخذ شيء منه عند الإحرام، لا في حق الرجال ولا في حق النساء.
وأما اللحية فيحرم حلقها أو أخذ شيء منها في جميع الأوقات، بل يجب إعفاؤها وتوفيرها؛ لما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خالفوا المشركين، وفروا اللحى، وأحفوا الشوارب) ، وأخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (جزوا الشوارب، وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس) .
وقد عظمت المصيبة في هذا العصر بمخالفة كثير من الناس هذه السنة ومحاربتهم للحى، ورضاهم بمشابهة الكفار والنساء، ولا سيما من ينتسب إلى العلم والتعليم، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ونسأل الله أن يهدينا وسائر المسلمين لموافقة السنة والتمسك بها، والدعوة إليها، وإن رغب عنها الأكثرون، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ثم يلبس الذكر إزارا ورداء، ويستحب أن يكونا أبيضين نظيفين، ويستحب أن يحرم في نعلين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين) ، أخرجه الإمام أحمد رحمه الله.
وأما المرأة فيجوز لها أن تحرم فيما شاءت من أسود أو أخضر أو غيرهما، مع الحذر من التشبه بالرجال في لباسهم، لكن ليس لها أن تلبس النقاب والقفازين حال إحرامها، ولكن تغطي وجهها وكفيها بغير النقاب والقفازين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى المرأة المحرمة عن لبس النقاب والقفازين، وأما تخصيص بعض العامة إحرام المرأة في الأخضر أو الأسود دون غيرهما فلا أصل له.
ثم بعد الفراغ من الغسل والتنظيف ولبس ثياب الإحرام، ينوي بقلبه الدخول في النسك الذي يريده من حج أو عمرة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) .
ويشرع له التلفظ بما نوى، فإن كانت نيته العمرة قال: (لبيك عمرة) أو (اللهم لبيك عمرة) ، وإن كانت نيته الحج قال: (لبيك حجا) أو (اللهم لبيك حجا) ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، وإن نواهما جميعا لبى بذلك فقال: (اللهم لبيك عمرة وحجا) ، والأفضل أن يكون التلفظ بذلك بعد استوائه على مركوبه من دابة أو سيارة أو غيرهما؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أهل بعد ما استوى على راحلته، وانبعثت به من الميقات للسير، هذا هو الأصح من أقوال أهل العلم.
ولا يشرع له التلفظ بما نوى إلا في الإحرام خاصة؛ لوروده عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما الصلاة والطواف وغيرهما فينبغي له ألا يتلفظ في شيء منها بالنية، فلا يقول: نويت أن أصلي كذا وكذا، ولا نويت أن أطوف كذا، بل التلفظ بذلك من البدع المحدثة، والجهر بذلك أقبح وأشد إثما، ولو كان التلفظ بالنية مشروعا لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم، وأوضحه للأمة بفعله أو قوله، ولسبق إليه السلف الصالح.
فلما لم ينقل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه رضي الله عنهم علم أنه بدعة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة) . أخرجه مسلم في صحيحه، وقال عليه الصلاة والسلام: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) . متفق على صحته، وفي لفظ لمسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) " انتهى.
فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله.
"مجموع فتاوى ابن باز" (16/37- 42) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4216)
يجب على المتمتع سعيان أحدهما للعمرة والثاني للحج
[السُّؤَالُ]
ـ[هل المتمتع يكفيه سعي واحد بين الصفا والمروة للعمرة والحج أم يجب عليه أن يسعى مرتين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب على المتمتع أن يسعى سعيين بين الصفا والمروة، الأول للعمرة والثاني للحج.
" ولا يكفي سعي واحد في أصح أقوال العلماء؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت الحديث، وفيه فقال: (ومن كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا. . . إلى أن قالت: فطاف الذين أهلوا بالعمرة بالبيت وبالصفا والمروة ثم حلوا ثم طافوا طوافا آخر بعد أن رجعوا من منى لحجهم) رواه البخاري ومسلم.
وقولها رضي الله عنها - عن الذين أهلوا بالعمرة -: (ثم طافوا طوافا آخر بعد أن رجعوا من منى لحجهم) تعني به: الطواف بين الصفا والمروة، على أصح الأقوال في تفسير هذا الحديث، وأما قول من قال: أرادت بذلك طواف الإفاضة، فليس بصحيح؛ لأن طواف الإفاضة ركن في حق الجميع وقد فعلوه، وإنما المراد بذلك: ما يخص المتمتع، وهو الطواف بين الصفا والمروة مرة ثانية بعد الرجوع من منى لتكميل حجه، وذلك واضح بحمد الله، وهو قول أكثر أهل العلم، ويدل على صحة ذلك أيضا ما رواه البخاري في الصحيح تعليقا مجزوما به، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه سئل عن متعة الحج، فقال: أَهَّل المهاجرون والأنصار وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، في حجة الوداع وأهللنا، فلما قدمنا مكة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اجعلوا إهلالكم بالحج عمرة إلا من قلد الهدي) ، فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة، وأتينا النساء، ولبسنا الثياب، وقال: (من قلد الهدي فإنه لا يحل حتى يبلغ الهدي محله) ، ثم أمرنا عشية التروية أن نهل بالحج، فإذا فرغنا من المناسك جئنا فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة) . انتهى المقصود منه، وهو صريح في سعي المتمتع مرتين. والله أعلم.
وأما ما رواه مسلم عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يطوفوا بين الصفا والمروة إلا طوافا واحدا طوافهم الأول، فهو محمول على من ساق الهدي من الصحابة؛ لأنهم بقوا على إحرامهم مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى حلوا من الحج والعمرة جميعا، والنبي صلى الله عليه وسلم قد أهل بالحج والعمرة وأمر من ساق الهدي أن يهل بالحج مع العمرة، وألا يحل حتى يحل منهما جميعا. والقارن بين الحج والعمرة ليس عليه إلا سعي واحد، كما دل عليه حديث جابر المذكور وغيره من الأحاديث الصحيحة.
وهكذا من أفرد الحج وبقي على إحرامه إلى يوم النحر ليس عليه إلا سعي واحد، فإذا سعى القارن والمفرد بعد طواف القدوم كفاه ذلك عن السعي بعد طواف الإفاضة، وهذا هو الجمع بين حديثي عائشة وابن عباس وبين حديث جابر المذكور رضي الله عنهم، وبذلك يزول التعارض ويحصل العمل بالأحاديث كلها.
ومما يؤيد هذا الجمع أن حديثي عائشة وابن عباس حديثان صحيحان، وقد أثبتا السعي الثاني في حق المتمتع، وظاهر حديث جابر ينفي ذلك، والمثبت مقدم على النافي، كما هو مقرر في علمي الأصول ومصطلح الحديث، والله سبحانه وتعالى الموفق للصواب، ولا حول ولا قوة إلا بالله" انتهى.
فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله.
"مجموع فتاوى ابن باز" (16/79- 81) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4217)
نوى السعي أثناء الشوط الأول
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل ذهب إلى المسعى وسعى وهو يظن أنه مكان الطواف فلما وصل إلى العلم الأخضر عرف أنه في المسعى فنوى السعي فما حكم ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"يجب عليه أن يعود من الأول، فإن لم يكن فعل ذلك فليعد السعي الآن، لأن السعي الأول لم يصح، حيث إنه لم ينوه من أوله، نواه من أثنائه فعليه الآن أن يعيد السعي" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (24/100) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4218)
هل الأفضل صلاة التراويح مع الإمام أم الطواف؟ لأن النساء يمنعن من الطواف عند صلاة التراويح
[السُّؤَالُ]
ـ[بما أن النساء يمنعن من الطواف أثناء صلاة التراويح فهل الأفضل للرجل الطواف أم الاستمرار في صلاة التراويح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الأفضل أن يستمر في صلاة التراويح ليكتب له قيام الليلة كلها، والطواف له وقت آخر" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (24/53) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4219)
هل الحجاج من أهل مكة يقصرون الصلاة في عرفة ومزدلفة ومنى؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يقصر الحاج من أهل مكة الصلاة في المشاعر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"المشهور عند أصحاب الأئمة الثلاثة: الشافعي ومالك وأحمد رحمهم الله أن المكي لا يقصر ولا يجمع لأنه غير مسافر، إذ إن السفر ما بلغ ثلاثة وثمانين كيلو، أو أكثر، والمعروف أن عرفة هي أبعد المشاعر عن مكة لا تبلغ هذا المبلغ، فعلى هذا لا يجمع أهل مكة ولا يقصرون، بل يتمون ويصلون كل صلاة في وقتها، سواء في عرفة، أو في مزدلفة، أو في منى.
وذهب أبو حنيفة رحمه الله إلى أنهم يجمعون ويقصرون، وقال: إن الجمع والقصر سببه النسك، وليس سببه السفر، فيقصرون، ولو كانوا في منى وهي أقرب المشاعر إلى مكة.
ولكن الصحيح أن القصر في منى وفي عرفة ومزدلفة، ليس سببه النسك بل سببه السفر، والسفر لا يتقيد بالمسافة، بل يتقيد بالحال وهو أن الإنسان إذا خرج وتأهب واستعد لهذا الخروج وحمل معه الزاد والشراب فهو مسافر.
وبناء على ذلك نقول: إن الناس في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا يتزودون للحج، أهل مكة وغير أهل مكة، ولهذا كان أهل مكة مع الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، يجمعون ويقصرون تبعاً للرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يقل: يا أهل مكة أتموا. وهذا هو القول الراجح، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله....
وعلى القول الثاني الذي رجحناه فإن الإنسان إذا كان في مزدلفة أو في عرفة يكون في مكان منفصل عن مكة فيترخص برخص السفر، أما إذا كان في منى فإن منى في الوقت الحاضر صارت كأنها حي من أحياء مكة، فلهذا نرى أن الاحتياط للمكي أن لا يجمع ولا يقصر في منى، مع أنه لا جمع في منى حتى لغير المكيين، إذ إن منى السنة فيها لغير المكيين القصر بدون جمع، أما مزدلفة وعرفة فهي منفصلة عن مكة ولم تتصل بها حسب ما رأيت أنه لم يتصل البناء، وعلى كل حال لو فرض أن مكة كبرت في المستقبل وصارت المزدلفة منها مثل منى فالحكم واحد" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (24/61-63) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4220)
هل يستحب الاشتراط لكل من أراد الإحرام بالحج أو العمرة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يستحب لكل من أراد الحج أو العمرة أن يشترط عند الإحرام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الاشتراط في الحج هو أن يشترط الإنسان عند عقد الإحرام: إن حبسه حابس فمحله حيث حبس.
وقد اختلف العلماء رحمهم الله في مشروعية الاشتراط فمنهم من قال: إنه ليس بمشروع مطلقاً، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم حج واعتمر ولم ينقل عنه أنه اشترط في حجه ولا في عمرته. ومن المعلوم أنه يكون معه المرضى ولم يرشد الناس إلى الاشتراط، فها هو كعب بن عجرة رضي الله عنه في عمرة الحديبية أتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وفيه مرض والقمل يتناثر على وجهه من رأسه فقال صلى الله عليه وسلم: (ما كنت أرى الوجع بلغ بك ما أرى) وأمره أن يحلق رأسه وأن يفدي، أو يصوم، أو يطعم، والقصة معروفة في الصحيحين وغيرهما.
ومن العلماء من قال: إنه مشروع مطلقاً، وأن الإنسان يستحب له عند عقد الإحرام أن يشترط: إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، وعللوا ذلك بأنه لا يأمن العوارض التي تحدث له في أثناء إحرامه وتوجب له التحلل، فإذا كان قد اشترط على الله سهل عليه التحلل.
ومن العلماء من قال: إن خاف من عائق اشترط وإلا فلا.
والصحيح أن الاشتراط ليس بمشروع إلا أن يخاف الإنسان من عائق يحول دونه وإتمام نسكه، مثل أن يكون مريضاً ويشتد به المرض فلا يستطيع أن يتم نسكه فهنا يشترط، وأما إذا لم يكن خائفاً من عائق يمنعه، أو من عائق يحول بينه وبين إتمام نسكه فلا يشترط، وهذا القول تجتمع به الأدلة، ووجه ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر وحج ولم يشترط، ولم يقل للناس على سبيل العموم: اشترطوا عند الإحرام، ولكن لما أخبرته ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب رضي الله عنها أنها تريد الحج وهي شاكية، أي: مريضة، قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني، فإن لك على ربك ما استثنيت) فمن كان في مثل حالها فإنه يشترط، ومن لم يكن فإنه لا يشترط" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/26- 28) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4221)
ما يقول أثناء الطواف؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هذه الأذكار جمعها أحد محبي العمرة، وكان يريد نشرها بين المعتمرين، فتوقف حتى يعود إليكم مشكورين فى بيان الصحيح والسقيم، منها أذكار يحتاج إليها المعتمر: ما يقول أثناء الطواف: تبدأ الشوط الأول بحمد الله والثناء عليه، ثم الصلاة على نبيه، ثم الدعاء، مع تقديم دعوات الدين على الدنيا، مع حضور القلب.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ـ فيما نعلم ـ أدعية أو أذكار تقال في الطواف، إلا فيما بين الركن اليماني والحجر الأسود: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار) ، رواه أحمد في "المسند" (3/411) وصححه ابن حبان (9/134) ، والحاكم (1/625) ، والتكبير كلما حاذى الحجر الأسود، رواه البخاري (4987) .
أما في باقي الطواف فهو مخير بين الذكر والدعاء وقراءة القرآن.
قال ابن قدامة في "المغني" (3/187) :
" ويستحب الدعاء في الطواف , والإكثار من ذكر الله تعالى ; لأن ذلك مستحب في جميع الأحوال , ففي حال تلبسه بهذه العبادة أولى، ويستحب أن يَدَعَ الحديثَ [الكلام] , إلا ذكرَ الله تعالى , أو قراءةَ القرآن , أو أمرا بمعروف , أو نهيا عن منكر , أو ما لا بد منه " انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – كما في "مجموع الفتاوى" (26/122) -:
" وليس فيه - يعني الطواف - ذكر محدود عن النبي صلى الله عليه وسلم، لا بأمره، ولا بقوله، ولا بتعليمه، بل يدعو فيه بسائر الأدعية الشرعية، وما يذكره كثير من الناس من دعاء معين تحت الميزاب، ونحو ذلك فلا أصل له، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يختم طوافه بين الركنين بقوله: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) ، كما كان يختم سائر دعائه بذلك، وليس في ذلك ذكر واجب باتفاق الأئمة " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يكبر الله تعالى كلما أتى على الحجر الأسود، وكان يقول بين الركن اليماني والحجر الأسود: (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) البقرة/201.
ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الطواف دعاء مخصص لكل شوط.
وعلى هذا؛ فيدعو الطائف بما أحب من خيري الدنيا والآخرة ويذكر الله تعالى بأي ذكر مشروع من تسبيح أو تحميد أو تهليل أو تكبير أو قراءة قرآن" انتهى باختصار.
"مجموع الفتاوى" (24/327) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4222)
سعى للعمرة قبل طوافها
[السُّؤَالُ]
ـ[سافرت للعمرة، ولم أكن أعرف أن الطواف قبل السعي، وسعيت قبل الطواف، فما حكم عمرتي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"ليس عليه إعادة السعي؛ لما روى أبو داود في سننه بإسناد صحيح إلى أسامة بن شريك قال: خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم حاجاً، فكان الناس يأتونه، فمن قائل: يا رسول الله سعيت قبل أن أطوف، أو قدمت شيئاً وأخرت شيئاً، فكان يقول: (لا حرج، لا حرج، إلا على رجل اقترض عرض رجل مسلم وهو ظالم، فذلك الذي حَرِجَ وهَلكَ) .
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (11/320) .
(لَا حَرَج لَا حَرَج) : أَيْ لَا إِثْم.
(اِقْتَرَضَ) : أَيْ اِقْتَطَعَ.
(عِرْض رَجُل مُسْلِم) : أَيْ نَالَ مِنْهُ وَقَطَعَهُ بِالْغِيبَةِ أَوْ غَيْرهَا.
(فَذَلِكَ الَّذِي حَرِجَ) : أَيْ وَقَعَ مِنْهُ حَرَج (وَهَلَكَ) : أَيْ بِالْإِثْمِ.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4223)
طاف في صحن المسجد ثم أكمل الطواف في الطابق العلوي
[السُّؤَالُ]
ـ[طفنا للوداع ستة أشواط حول الكعبة، وكان الزحام شديداً جداً، فصعدنا إلى الدور العلوي وأكملنا الشوط المتبقي، وأثناء ذلك شربنا من ماء زمزم، فقال لنا بعض الناس إن الطواف والحج غير صحيح.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا كان الواقع كما ذكر فحجكم وطوافكم كلاهما صحيح، ولا شيء عليكم في طوافكم الشوط السابع في الدور العلوي من المسجد، ولا في الفصل بينه وبين الأشواط الستة الأولى بالصلاة أو بشرب أو بكلام.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (11/231) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4224)
طاف للوداع ليلاً ولم يتمكن من الخروج من مكة إلا صباح اليوم التالي
[السُّؤَالُ]
ـ[حججت هذا العام وأديت طواف الوداع بالليل، ولم أتمكن من الذهاب خارج مكة المكرمة وبت، وفي الصباح سافرت، فما الحكم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"المشروع أن يكون طواف الحاج للوداع عند مغادرته لمكة المكرمة؛ لحديث ابن عباس المتفق عليه: (أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض) ، وما دمت طفت بنية الخروج بالليل ولم تتمكن إلا في الصباح فلا شيء عليك في ذلك إن شاء الله، ولو كنت أعدت الطواف عند خروجك لكان أحوط.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (11/303) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4225)
كم المدة التي يجب مكثها في منى بعد النحر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كم المدة التي يجب مكثها في منى بعد النحر؟ وفيه آية كريمة في ذلك: (فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"المدة التي يجب على الحاج أن يمكثها في منى بعد يوم النحر يومان، هي: الحادي عشر، والثاني عشر من ذي الحجة، أما اليوم الثالث عشر من ذي الحجة فلا يجب عليه أن يمكثه في منى، ولا يجب عليه رمي الجمرات فيه، بل يستحب فقط، إلا إذا غربت عليه شمس اليوم الثاني عشر وهو في منى، فيجب عليه المبيت ليلة الثالث عشر ثم رمي الجمرات الثلاث بعد الزوال.
وأما معنى ما ذكر من الآية: فمن تعجل بالنزول من منى بعد أن بات ليلتين بها عقب يوم النحر، وبعد رمي الجمرات الثلاث في اليوم الحادي عشر والثاني عشر فلا إثم عليه ولا يجب عليه دم؛ لأنه أدى ما وجب عليه، ومن تأخر بمنى فبات بها ليلة الثالث عشر ورمى الجمرات الثلاث في اليوم الثالث عشر فلا إثم عليه، بل مبيته بمنى هذه الليلة ورميه الجمرات في يومها أفضل وأعظم أجراً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك. ثم ختم سبحانه وتعالى الآية بالحث على التقوى والإيمان باليوم الآخر، وما فيه من حساب وجزاء؛ ليكون باعثاً لمن تذكر ما فيه على الإكثار من الأعمال الصالحات، وعلى اجتناب المنكرات؛ رجاءَ رحمة الله وخوف عقابه.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن منيع.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (11/266) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4226)
لا حرج في الذهاب إلى عرفة ليلة تسع خوفاً من الزحام
[السُّؤَالُ]
ـ[ذهبت للحج مع حملة وبتنا في منى ليلة تسع من ذي الحجة، وغادرناها إلى عرفة قبل صلاة الفجر حيث صلينا في عرفة الفجر، حيث القائمين على الحملة قاموا بهذا الإجراء خوفاً من الزحام، هل علينا شيء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"ليس عليكم شيء، ولكن الأفضل للحاج أن يذهب من منى إلى عرفة بعد طلوع الشمس من اليوم التاسع من شهر ذي الحجة.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم".
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/210، 211) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4227)
لا يجب على المعتمر طواف الوداع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا كنت ألزم المعتمرين بطواف الوداع عند خروجهم من مكة، وقد سمعت أنه لا وداع لها، فأرجو زيادة البيان في هذا الموضوع.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"يجب طواف الوداع على من حج بيت الله الحرام عند سفره؛ لقول ابن عباس رضي الله عنهما: (أُمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خفف عن الحائض) متفق عليه، ولقوله: (كان الناس ينصرفون من كل وجهة؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا ينصرف أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت) رواه أحمد ومسلم، وهذا أمر للحجاج بقرينة الحال، فإنه صلى الله عليه وسلم قاله عند الفراغ من الحج؛ إرشاداً للحجاج.
أما المعتمر فلا يجب عليه طواف الوداع، لكن يسن له أن يطوفه عند سفره؛ لعدم الدليل على الوجوب، ولأنه صلى الله عليه وسلم لم يطف للوداع عند خروجه من مكة بعد عمرة القضاء فيما علمنا من سنته في ذلك.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (11/336) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4228)
لا يجوز تأخير رمي جمرة العقبة إلى أيام التشريق بلا عذر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للحاج تأخير رمي جمرة العقبة الأولى إلى اليوم الثاني أو الثالث من أيام التشريق بدون عذر أم لا، وما حكم من فعل ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا يجوز للحاج تأخير رمي جمرة العقبة إلى اليوم الثاني أو الثالث من أيام التشريق بدون عذر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رماها يوم العيد، وتبعه في ذلك الصحابة فلم يؤخروها إلى أيام التشريق بلا عذر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خذوا مني مناسككم) ، ومن أخرها إلى أيام التشريق بلا عذر فقد خالف السنة، وحُرِمَ من بعض أجر نسكه، وعليه أن يستغفر الله لما مضى، ويحرص على أداء نسكه على وجهه الشرعي في المستقبل.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/217) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4229)
متى يتحلل الحاج والمعتمر من الإحرام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو موعد فك لبس الإحرام؛ هل بعد الحج وطواف الإفاضة والسعي والتقصير – إذا كانت النية حج فقط – أي الإفراد بالحج (تحللاً كاملاً) تحلل أكبر، أم لا تتحلل من الإحرام إلا بعد ثلاثة أيام التشريق ورمي الجمرات؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"التحلل من الإحرام بالحج للرجل والمرأة يكون بعد رمي جمرة العقبة وحلق الرجل رأسه أو تقصير شعره، وليس للمرأة إلا التقصير، فيحل لكل منهما بذلك كل شيء كان محرماً عليهما بالإحرام إلا الجماع، أما التحلل الأكبر فيكون بالفراغ من طواف الإفاضة والسعي إذا كان عليه سعي، فيحل لهما كل شيء كان محرماً عليهما بالإحرام حتى الجماع.
وأما التحلل من العمرة فيكون لكل من الرجل والمرأة بعد الفراغ من طوافهما وسعيهما، وحلق الرجل رأسه أو تقصير شعره، أما المرأة فالمشروع لها التقصير لا الحلق، فيحل لهما بذلك كل شيء كان حراماً عليهما بالإحرام، والقارن بين الحج والعمرة حكمه في التحلل حكم المفرد.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/222، 223) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4230)
هل للعمرة طواف وداع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل للعمرة في غير وقت الحج طواف وداع أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"يشرع للمعتمر ولا سيما إن أقام بمكة بعد أداء عمرته أن يطوف طواف الوداع لدى خروجه من مكة المكرمة، ولا يلزمه ذلك على الصحيح من قولي العلماء.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (11/298-299) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4231)
بات خارج المزدلفة بسبب الزحام
[السُّؤَالُ]
ـ[أديت مناسك الحج، ولكن ظهر أنه وقع لنا خطأ بالنسبة للوقوف بمزدلفة بسبب الزحام في المرور. ومكثنا في مكاننا خارج مزدلفة إلى صباح يوم العيد، وتوجهنا من هناك وقت شروق الشمس إلى منى، وبناء على هذا فإننا لم نقف ليلة العيد بمزدلفة فما حكم حجنا هذا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا كان الواقع لك في حجك ما ذكر فلا هدي عليك من أجل عدم مبيتك بمزدلفة؛ لأنك معذور وحجك صحيح.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/213، 214) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4232)
هل يجب أن يدخل المسجد من باب السلام ويخرج من باب الوداع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الخروج من باب الوداع لازم لمن ودع أم لا؟ وهل الدخول من باب السلام لازم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا يلزم المودع الخروج من الباب المسمى: باب الوداع، ولا يلزم القادم أن يدخل من باب السلام.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (11/299) .
وانظر السؤال رقم (34869) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4233)
هل يجوز تأخير السعي عن الطواف بساعتين أو أكثر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لنا أن نفرق بين الطواف والسعي بساعتين فأكثر ثم نسعى بعد ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، لا حرج من تأخير السعي عن الطواف، وإن كان الأفضل أن يكون السعي عقب الطواف.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (10/240) :
"ولا تجب الموالاة بين الطواف والسعي.
قال الإمام أحمد: لا بأس أن يؤخر السعي حتى يستريح أو إلى العشي.
وكان عطاء , والحسن لا يريان بأسا لمن طاف بالبيت أول النهار أن يؤخر الصفا والمروة إلى العشي. وفعله القاسم , وسعيد بن جبير" انتهى.
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة:
"السنة أن يكون السعي متصلاً بالطواف بقدر الاستطاعة، فإن أخر السعي كثيراً ثم سعى أجزأه.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (11/263) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"لا تشترط الموالاة بين الطواف والسعي حتى وإن لم يكن ضرورة، فلو فرض أن الإنسان طاف في أول النهار وسعى في آخره فلا حرج عليه، أو طاف في أول الليل وسعى في النهار فلا حرج، لأن الموالاة بين الطواف والسعي سنة وليست بواجبة" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/201) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4234)
هل يختتم الطواف بالتكبير عند الحجر الأسود؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يختم الطواف بالتكبير عند الحجر الأسود كما بدأ به أولا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الطواف بالكعبة من العبادات المحضة، والأصل في العبادات التوقيف، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يكبر في طوافه كلما حاذى الحجر الأسود، ولا شك أن الطائف يحاذيه في نهاية الشوط السابع، فيسن له أن يكبر كما سن له التكبير في بدء كل شوط عند محاذاته إياه؛ اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم مع استلام الحجر وتقبيله إذا تيسر ذلك.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/224، 225) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4235)
لا يصح تغيير النية من التمتع إلى الإفراد.
[السُّؤَالُ]
ـ[كنا ننوي الحج متمتعين، وحصل أن تأخرنا في الطريق فغيرنا الإحرام إلى إفراد وذهبنا إلى عرفات مباشرة، فهل يجوز ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المتمتع إذا لم يتمكن من الاعتمار قبل الحج، فإنه يغير نيته من التمتع إلى القران، فينوي أنه صار قارناً بين الحج والعمرة معاً.
وهذا هو ما وقع لعائشة رضي الله عنها، فإنها كانت متمتعة ثم حاضت ولم تتمكن من الاعتمار قبل الحج فأدخلت الحج على العمرة فصارت قارنة. رواه البخاري ومسلم.
ولا يجوز للمتمتع تغيير النية إلى إفراد، لأنه لما نوى العمرة وجب عليه إتمامها، لقوله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) البقرة/196.
ومعنى الإفراد أنه لن يعتمر وإنما يحج فقط، وعلى هذا، فتغييركم النية إلى الإفراد غير صحيح، وتكونون بذلك قارنين، فيلزمكم الهدي.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن مجموعة من الشباب خافوا ألا يتمكنوا من الاعتمار قبل الحج، فغيروا النية إلى الإفراد. فأجاب:
"إن كان تغيير النية قبل الإحرام فلا حرج في ذلك، وإن كان بعد الإحرام فإن حجهم كان قراناً، ولم يكن إفراداً، ومعنى أنه كان قراناً أنه لما أدخلوا الحج على العمرة صاروا قارنين، فإن القران له صورتان:
الأولى: أن يحرم بالحج والعمرة جميعاً من أول عقد الإحرام.
الثانية: أن يحرم بالعمرة أولاً ثم يدخل الحج عليها قبل الشروع في طوافها.
وعلى هذا ما دمتم أحرمتم بالعمرة أولاً ثم بدا لكم أن تجعلوها حجاً فإنكم تكونون قارنين، فإن كنتم قد ذبحتم هدياً في عيد الأضحى من حجكم ذلك العام فقد أتيتم بالواجب وتم لكم الحج والعمرة، فإن لم تكونوا قد ذبحتموه فإن عليكم أن تذبحوه الآن بمكة وتأكلوا منه وتتصدقوا. فمن لم يجد الهدي منكم ـ أي ما يشتري به الهدي ـ فإن عليه أن يصوم عشرة أيام الآن" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/39) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4236)
إذا وصل إلى مزدلفة صلى المغرب والعشاء جمع تقديم أو تأخير
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن جماعة وصلنا إلى مزدلفة بعد غروب الشمس مباشرة وقالوا نصلي المغرب والعشاء جمع تقديم لكن قلت لهم: نصليها جمع تأخير لأنه فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولأني أعلم أن بعض العلماء قالوا بجمع التأخير بمزدلفة وذكر بعضهم أنه لو قدمها لم تجزئه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الصحيح أن الإنسان إذا وصل إلى مزدلفة يصلي من حين أن يصل؛ لأن هذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم، لكن كان يجمع جمع تأخير بالنسبة للرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن المسافة بعيدة وهو قد جاء على بعير ثم إنه نزل في أثناء الطريق وبال وتوضأ، ومثل هذا لا يصل إلى مزدلفة إلا بعد دخول العشاء ولذلك جمع بينهما جمع تأخير، لكن إذا وصل الآن قبل دخول وقت العشاء فصلِّ المغرب، ولكن هل نقول صلِّ المغرب وانتظر للعشاء حتى يدخل وقتها أو نقول اجمعها معها؟ في وقتنا الحاضر نرى أن الأرفق بالإنسان أن يجمع العشاء مع المغرب؛ لأنه يسلم من التعب في تحصيل الماء فربما ينتقص وضوؤه فيحتاج إلى وضوء ولا يجد الماء، وإذا وجده ربما يضيع إذا انطلق من مكانه، فنقول: الأرفق بالناس أن يصلوا العشاء مع المغرب ولو كانوا وصلوا إلى مزدلفة في وقت المغرب، وكان ابن مسعود رضي الله عنه إذا وصل إلى مزدلفة قبل وقت العشاء يصلي المغرب ثم يدعو بعشاء فيتعشى ثم يأمر مؤذنه فيؤذن ثم يصلي العشاء، وهذا يدل على أنه رضي الله عنه يرى أن الإنسان إذا وصل إلى مزدلفة في وقت المغرب يصليها ولا يجمع إليها العشاء" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/63) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4237)
اعتمر متمتعاً، ثم خرج من مكة فهل يلزمه الرجوع محرماً بالحج؟
[السُّؤَالُ]
ـ[من أدى العمرة في أشهر الحج متمتعاً ثم زار المسجد النبوي بين العمرة والحج أو خرج إلى الطائف هل يلزمه الإحرام إذا رجع إلى مكة وهو متمتع؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا يلزمه الإحرام، فإذا أدى المتمتع العمرة وخرج من مكة إلى الطائف، أو إلى جدة، أو إلى المدينة، ثم رجع، فإنه لا يلزمه الإحرام بالحج لأنه رجع إلى مقره، فإنه لما جاء حاجاً صار مقره مكة، فإذا سافر إلى المدينة ثم رجع فقد رجع إلى مقره فيحرم بالحج يوم التروية من مكة، كما لو كان من أهل مكة وذهب إلى المدينة في أشهر الحج ثم رجع من المدينة وهو في نيته أن يحج في هذا العام، فإنه لا يلزمه الإحرام بالحج إلا من مكة" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 78) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4238)
الأصلع الذي لا شعر له يمرر الموسى على رأسه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[الرجل الأصلع الذي ليس له شعر ماذا يفعل إذا أراد التحلل بعد جمرة العقبة؟ وهل يلزمه أن يمر الموسى على رأسه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان لا شعر له فلا يلزمه شيء، ولا يمر الموسى على رأسه، ويتحلل بدون حلق.
أما إذا كان له شعر مهما كان قليلاً فإنه يمر الموسى عليه ويحلقه، وبهذا يتحلل.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن الأصلع الذي لا شعر له مطلقاً، ماذا يفعل عند التحلل، وهل يمر الموسى على رأسه؟
فأجاب: "ليس عليه شيء، ولا يمر الموسى، وبعض العلماء قال: يمر الموسى عليه، لكن هذا ليس بصحيح" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/159) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4239)
تعجل ثم تبين له أنه أخطأ في الرمي فرجع ورمى ليلاً فهل يبقى على التعجل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[حاج تعجل ثم تبين له أن رميه في اليوم الثاني عشر كان خطأ فرجع ليلاً ورمى هل لا يزال متعجلاً، أم يلزمه المبيت في منى والرمي من الغد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"هذا الرجل الذي تعجل، وخرج من منى قبل غروب الشمس، ثم بان له أن رميه كان فيه خطأ، فعاد فقضاه فإن له أن يرمي ثم يخرج من منى، لأن هذا الرمي كان قضاءاً لما فات، والله سبحانه وتعالى يقول: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنْ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) البقرة/203.
أما لو أخر الرمي يوم الثاني عشر إلى الليل، فإنه يبقى في تلك الليلة ليبيت في منى، ثم يرمي الجمرات في اليوم الثالث عشر" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/303) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4240)
جلس أثناء الطواف ساعة ليستريح
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل طاف من الطواف شوطين ولكثرة الزحام خرج من الطواف وارتاح لمدة ساعة أو ساعتين ثم رجع للطواف ثانية فهل يبدأ من جديد أو يكمل طوافه من حيث انتهى؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا كان الفصل طويلاً كالساعة والساعتين فإن الواجب عليه إعادة الطواف، وإذا كان قليلاً فلا بأس، وذلك لأنه يشترط في الطواف وفي السعي الموالاة وهي تتابع الأشواط، فإذا فصل بينهما بفاصل طويل بطل أول الأشواط، ويجب عليه أن يستأنف الطواف من جديد، أما إذا كان الفصل ليس طويلاً جلس لمدة دقيقتين أو ثلاث ثم أكمل فلا بأس" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 293) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4241)
حجت مثل ما يحج الناس ولم تكن تعلم الأنساك الثلاثة
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة لا تعلم بأنساك الحج الثلاثة ولا تعلم النية فيها، ولها خمس حجج وهي تحج يوم التروية، وتذهب مع الناس، إذا ذهبوا عرفة وكذلك مزدلفة، وترمي الجمار، ليس له نية محددة من الأنساك الثلاثة، فهل حجها في هذه الأعوام صحيح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الظاهر أن حجها صحيح، لأنها كانت تقول: أحرمت بما الناس محرمون به، والإحرام بما أحرم به فلان جائز، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب في حجة الوداع وكان قدم من اليمن مع أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما فقال له: (بما أهللت) فقال: بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: فإن معي الهدي، فجعله قارناً، وأما أبو موسى الأشعري فقال: إنه أهل بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن لما لم يكن معه هدي أمره أن يجعلها عمرة، لأن التمتع أفضل من القران.
فهذه المرأة لا شك مما يظهر لنا أنها أحرمت بما أحرم به الناس، وإنها تقول: دربي درب الناس، لكن الواجب على الإنسان إذا أراد العبادة سواء حجا أو صوماً أو صدقة أو غير ذلك الواجب أن يتعلم قبل أن يتقدم، أما بعد أن فعل يأتي ويقول: ما الحكم؟ هذا لا شك أنه خلاف الأولى " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/22) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4242)
خرج من عرفات قبل المغرب بسبب المرض؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من خرج من عرفة قبل غياب قرص الشمس لمرض، أو ضعف، أو كبر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"القول الراجح أن البقاء بعرفة حتى تغرب الشمس واجب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدفع قبل أن تغرب الشمس، ولو كان جائزاً لدفع قبل أن تغرب الشمس؛ لأنه نهار وأيسر للناس، وأيضاً إذا دفع الإنسان قبل أن تغرب الشمس فقد خرج عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم إلى سنة الجاهلية؛ لأن أهل الجاهلية هم الذين يدفعون من عرفة قبل غروب الشمس، ومن فعل ذلك فإن كان متعمداً ترتب على فعله أمران:
الأول: الإثم.
الثاني: عند أكثر العلماء فدية يذبحها في مكة، ويوزعها على الفقراء، أما إذا خرج قبل غروب الشمس من عرفة وهو جاهل فإنه يسقط عنه الإثم، لكن يجب عليه عند أكثر العلماء البدل، وهو أن يذبح شاة في مكة، يوزعها على الفقراء" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/29) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4243)
دفع من مزدلفة إلى مكة وسعى وأَخَّر طواف الإفاضة ليجمعه مع الوداع
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل حج مع والديه حج إفراد واتجهوا إلى عرفات مباشرة وباتوا في مزدلفة ولكنهم يوم العيد اتجهوا إلى مكة وسعوا سعي الحج ولم يطوفوا الإفاضة حتى يجمعوه مع الوداع لعجز والديه ثم حلقوا ثم حلوا جهلاً ثم رموا جمرة العقبة يوم العيد فهل عليهم شيء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا شيء في هذا، إذا أحرم الرجل بالإفراد أو بالقران، وخرج إلى عرفة ووقف بها، ثم بمزدلفة ثم قدم إلى منى، ونزل إلى مكة وسعى سعي الحج، وأخر الطواف إلى عند السفر فلا حرج، ولكن هذا الرجل تحلل قبل الرمي فإذا كان جاهلاً فلا شيء عليه" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/158) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4244)
دفعوا من مزدلفة آخر الليل ورموا الجمار وطافوا وسعوا قبل الفجر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا جاز لجماعة من الحجاج الضعفة الدفع من مزدلفة بعد مغيب القمر مباشرة وتمكنوا من الرمي والطواف والسعي قبل الفجر فما الحكم في ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"عملهم جائز، ولا بأس به؛ لأنه إذا جاز للإنسان أن يدفع من مزدلفة جاز له أن يفعل كل ما يترتب على ذلك، فإذا دفعوا مثلاً من مزدلفة في آخر الليل بعد مغيب القمر ووصلوا إلى منى فليرموا الجمرة ولينزلوا إلى مكة ويطوفوا ويسعوا، ويرجعوا، ولو رجعوا قبل طلوع الشمس فلا بأس، لأنه إنما جاز الدفع للضعفة من أجل أن يأتوا بمناسك الحج قبل زحمة الناس" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/76) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4245)
سعى شوطاً واحداً ثم صعد إلى السطح ليكمل السعي
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل سعى الشوط الأول ومن شدة الزحام انتقل إلى السطح هل يلغي الشوط الأول أو يبني عليه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا بأس أن يبني على الأول إذا كان سعى ثم شق عليه للزحام فانتقل إلى فوق بلا حرج، ويكمل على الشوط الأول؛ لأنه كله مسعى، وليس هناك مدة طويلة بين انتقاله إلى السطح الأعلى من السطح الأسفل" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 429، 430) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4246)
سعى يوم العيد وأَخَّر طواف الإفاضة إلى اليوم التالي
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل في يوم العيد سعى من دون أن يطوف وأَخَّر الطواف إلى اليوم الثالث واحتج بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (افعل ولا حرج) فهل فعله صحيح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"فعله صحيح؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما سأل فقال له رجل: سعيت قبل أن أطوف قال: (لا حرج) " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/186) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4247)
حكم الاجتماع للدعاء في يوم عرفة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الاجتماع في الدعاء في يوم عرفة سواء كان ذلك في عرفات أو في غيرها؟ وذلك بأن يدعو إنسان من الحجاج الدعاء الوارد في بعض كتب الأدعية المسمى بدعاء يوم عرفة أو غيره، ثم يردد الحجاج ما يقول هذا الإنسان دون أن يقولوا آمين. هذا الدعاء بدعة أم لا؟ نرجو توضيح ذلك مع ذكر الدليل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الأفضل للحاج في هذا اليوم العظيم أن يجتهد في الدعاء والضراعة إلى الله سبحانه وتعالى ويرفع يديه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم اجتهد في الدعاء والذكر في هذا اليوم حتى غربت الشمس، وذلك بعد ما صلى الظهر والعصر جمعاً وقصراً في وادي عرنة , ثم توجه إلى الموقف فوقف هناك عند الصخرات وجبل الدعاء. ويسمى جبل إلال , واجتهد في الدعاء والذكر رافعاً يديه مستقبلاً القبلة وهو على ناقته، وقد شرع الله سبحانه لعباده الدعاء بتضرع وخفية وخشوع لله عز وجل ورغبة ورهبة، وهذا الموطن من أفضل مواطن الدعاء، قال الله تعالى: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) وقال تعالى: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ) ، وفي الصحيحين: قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: رفع الناس أصواتهم بالدعاء. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيها الناس أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائبا، إنما تدعون سميعا بصيرا، إن الذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته) . وقد أثنى الله جل وعلا على زكريا عليه السلام في ذلك. قال تعالى: (ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا) وقال عز وجل: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) والآيات والأحاديث في الحث على الذكر والدعاء كثيرة، ويشرع في هذا الموطن بوجه خاص الإكثار من الذكر والدعاء بإخلاص وحضور قلب ورغبة ورهبة، ويشرع رفع الصوت به وبالتلبية، كما فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه رضي الله عنهم، وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال في هذا اليوم: (خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير) .
أما الدعاء الجماعي فلا أعلم له أصلاً، والأحوط تركه؛ لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه رضي الله عنهم فيما علمت، لكن لو دعا إنسان في جماعة وأمنوا على دعائه فلا بأس في ذلك، كما في دعاء القنوت ودعاء ختم القرآن الكريم ودعاء الاستسقاء ونحو ذلك.
أما التجمع في يوم عرفة في عرفة أو في غير عرفة فلا أصل له عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) أخرجه مسلم في صحيحه، والله ولي التوفيق " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (17/272) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4248)
طاف على سطح المسعى من أجل الزحام
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل في طواف الوداع في الحج طاف من ناحية المسعى على الجدار الذي بين المسعى والمطاف وفي أحد الأشواط طاف مع المسعى، فهل هذا صحيح أم لا؟ وإن كان غير صحيح فما يلزمه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" أما الطواف على سطح المسعى فلا يجوز؛ لأن المسعى خارج المسجد الحرام، ولذلك لو أن امرأة طافت للعمرة ثم حاضت قبل السعي جاز لها أن تسعى لأن السعي لا يشترط له الطهارة، والمسعى ليس مسجداً حتى نقول لا تمكث فيه، وكذلك لو أن امرأة جاءت مع أهلها وعليها الحيض وجلست في المسعى تنتظرهم وهي حائض فلا بأس، وكذلك الجنب يمكث فيه بدون وضوء؛ لأنه ليس بمسجد، وكذلك المعتكف في المسجد الحرام لا يخرج إلى المسعى، لأن المسعى خارج المسجد، ولا يجوز الطواف خارج المسجد، لأن الله تعالى قال: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) الحج/29، ومن طاف خارج حدود المسجد يقال طاف بالمسجد لا طاف بالبيت، لكن نرى في هذه الأزمنة المتأخرة وكثرة الحجاج والزحام الشديد نرى أنه إذا طاف في سطح المسجد وامتلأ المضيق الذي بجانب المسعى ولم يجد بداً من النزول إلى المسعى أو الطواف فوق الجدار نرى إن شاء الله تعالى أنه لا بأس به، لكن يجب أن ينتهز الفرصة من حين ما يجد فرجة يدخل في المسجد" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 289، 290) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4249)
قارن قصر شعره بعد السعي جاهلاً
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل حج بنية القران فلما طاف القدوم سعى وقصر حيث رأى الناس يقصرون وبقي على إحرامه حتى أكمل الحج؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا شيء عليه؛ فهذا الرجل الذي أحرم قارناً ثم طاف وسعى ورأى الناس يقصرون فقصر لا بنية التحلل واستمر على إحرامه، فليس عليه شيء، لأن غاية ما حصل منه أنه قص شعره جاهلاً؛ ففعل محظوراً من محظورات الإحرام جاهلاً، ومحظورات الإحرام إذا فعلها الإنسان ناسياً، أو جاهلاً، أو مكرهاً فلا شيء عليه" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 119) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4250)
قصر شعره ثم علم ثواب الحلق فهل يحلق بعد التقصير؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قصرت بعد التحلل والآن أريد أن أحلق بعد طواف الإفاضة فهل يكون لي ثواب المحلقين الذين دعا لهم النبي صلى الله عليه وسلم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"هذا الرجل لما قصر أدى النسك فلا يمكن أن يعيده فيحلق، لكن في الأعوام القادمة إن شاء الله يحرص على أن يحلق في الحج، ويقصر في العمرة إذا جاء متمتعاً، لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا للمحلقين ثلاثاً، وبعد مراجعة الصحابة دعا في الرابعة للمقصرين" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/161) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4251)
لا حرج من الدفع من مزدلفة إلى مكة مباشرة لطواف الإفاضة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لمن أراد تقديم طواف الإفاضة على بقية مناسك يوم النحر أن يدفع من مزدلفة إلى مكة مباشرة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"نعم؛ يجوز لمن دفع من مزدلفة أن يذهب إلى مكة مباشرة، ويطوف ويسعى، ويرجع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يُسأل عن شيء قدم ولا أخر، إلا قال: (افعل ولا حرج) ، فالأمر والحمد لله واسع، قد وسع الله على العباد تخفيفاً عليهم" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/84) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4252)
لا حرج من دفع الأقوياء مع الضعفاء من مزدلفة إذا كانوا رفقة واحدة
[السُّؤَالُ]
ـ[كثير من الحملات يدفعون من مزدلفة آخر الليل وقبل الفجر لأن معهم نساء وكبار السن، فهل يجوز للأقوياء أن يدفعوا معهم، أو يجب عليهم البقاء حتى يصلوا الفجر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا كان الناس في سيارة واحدة فحكمهم واحد، إذا دفعوا في آخر الليل من أجل الضعفة والنساء فإنهم يدفعون جميعاً؛ لأن في تفرقهم مشقة عليهم، والدين دين اليسر والسهولة، فإذا كانت هذه الحافلة فيها ستون راكباً، مثلاً عشرون منهم من الضعفاء الذين يحتاجون إلى التقدم، ليرموا الجمرة قبل طلوع الفجر، فإنه يجوز للباقين، وهم أربعون أن يذهبوا معهم في هذه الحافلة لأنهم رفقة واحدة، وتفرقهم يحصل به المشقة" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/80) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4253)
يستحب التطيب قبل الإحرام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم وضع الطيب قبل الإحرام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"التطيب عند الإحرام بعد الاغتسال سنة، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم تطيب لإحرامه، قالت عائشة رضي الله عنها: (كنت أطيب النبي صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم) وكان يُرى وبيص (بريق) المسك في مفارق رأسه صلى الله عليه وسلم وهو محرم " انتهى.
"مجموع الفتاوى" لابن عثيمين (22/9) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4254)
يريد الخروج إلى الطائف ثم يعود لطواف الإفاضة والوداع
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا حاج ومعي والدتي وأرغب في تأجيل طواف الإفاضة والوداع وأذهب إلى الطائف ثم أعود في آخر شهر ذي الحجة فأطوف طواف الإفاضة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إن كان من أهل الطائف فلا يجوز، وإن كان من غير أهل الطائف فلا بأس، لأنه إذا كان من أهل الطائف فمعناه أنه رجع إلى بلده قبل انتهاء حجه، وإن كان من غير أهل الطائف فهو لا يزال في السفر فلا بأس، ولكن لا داعي أن يؤخر إلى آخر ذي الحجة، لأنه يمكن في نصف الشهر الزحام يقل جداً، لأن الناس إذا أنهوا حجهم مشوا" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/185) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4255)
يدعو بهم جماعة في عرفات لأنهم لا يحسنون الدعاء
[السُّؤَالُ]
ـ[في يوم عرفة جماعة لا يحسنون الدعاء ويدعو أحدهم ممن يحسن جوامع الدعاء وهم يؤمنون خلفه ما حكم هذا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا حرج في هذا، مثلاً إذا كان الإنسان بين أناس لا يحسنون الدعاء ودعا بهم وهم يؤمنون فلا حرج في هذا " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/37) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4256)
يحج من مكة، فهل يطوف نافلةً ليسعى سعي الحج قبل الوقوف بعرفة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا حاج مكي هل يصح لي طواف النافلة ثم أسعى سعي الحج قبل الوقوف في عرفة فهل هذا صحيح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"هذا ليس بصحيح، يعني أن الحاج المكي لو أراد أن يطوف طواف تطوع ثم يسعى للحج قبل أن يقف بعرفة فهذا ليس بصحيح، لأن السعي إنما يصح بعد طواف القدوم، والمكي ليس في حقه طواف القدوم، وعليه فلا يصح فعله هذا، فإذا كان قد فعل فعليه أن يعيد السعي، لأن السعي وقع في غير محله" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/206) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4257)
هل له أن يغتسل للعمرة قبلها بيوم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجب على الإنسان أن يغتسل في اليوم الذي ينوي فيه العمرة، أم أن له أن يغتسل قبلها بيوم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الاغتسال عند الإحرام سنة، فإنه صلى الله عليه وسلم تجرد لإهلاله واغتسل، ولأن أسماء بنت عميس رضي الله عنها نفست فأمرها صلى الله عليه وسلم أن تغتسل وتحرم، ومن اغتسل قبل الإحرام بيوم لم ينفعه ذلك، ولكن الحج أو العمرة صحيح، لأن الاغتسال ليس بشرط في الحج أو العمرة، بل إنه سنة إن فعله الإنسان أثيب عليه، وإن تركه فلا إثم عليه " انتهى.
"مجموع الفتاوى" لابن عثيمين (22/10) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4258)
هل سائق الحافلة يعذر في ترك المبيت بمنى؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل سائق الحافلة يعذر من المبيت بمنى ليالي التشريق؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"ينظر: هل السائق يستعمل سيارته في مصلحة الحجاج أو لا؟ فإن كان في مصلحة الحجاج فلا بأس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للرعاة في ترك المبيت في منى، وإن كان لمصلحة نفسه فلابد أن يبيت في منى" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/239) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4259)
هل تقبيل الحجر الأسود مشروع بدون طواف؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تقبيل الحجر الأسود مشروع بدون طواف؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الذي يظهر لي أن تقبيل الحجر الأسود من سنن الطواف وأن تقبيله بدون طواف ليس بمشروع" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 326) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4260)
هل تحج المرأة قارنة لأنه أسهل من التمتع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل معه نساء كبيرات في السن فأيهما أفضل التمتع أو القران؟ لأن القران يسقط منه سعي، ويمكن أيضاً أن تجمع المرأة بين طواف الإفاضة وطواف الوداع فيكون ذلك أيسر على المرأة كبيرة السن وهل تنصحون كبيرات السن بالتمتع أم بالقران؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا شك أنه في هذه الأزمنة يصعب على كثير من الحجاج إذا كانوا متمتعين أن يأتوا بطواف للعمرة وسعي للعمرة، ثم طواف للحج وسعي للحج، ثم طواف للوداع، فيرى بعض النساء أن يكن قارنات، فإذا وصلن مكة طفن طواف القدوم وسعين سعي الحج والعمرة، ولا يعدن السعي مرة ثانية، فيكون من هذه الناحية أسهل من التمتع، كذلك هو أسهل من التمتع من وجه آخر لأنه إذا كان قارناً فله أن يؤخر الطواف إلى ما بعد انقضاء الحج يعني يجوز أن لا يطوف للقدوم وأن لا يسعى، بل يحرم بالحج والعمرة ثم يخرج إلى منى ويكمل الحج ثم بعد ذلك يطوف ويسعى متى تيسر له حتى إن كان بعد اليوم الثالث عشر، أو بعد اليوم الرابع عشر، أو بعد اليوم الخامس عشر، أو في آخر الشهر. فصار القران أيسر من التمتع من وجهين:
الوجه الأول: أنه ليس فيه إلا طواف واحد وسعي واحد.
الوجه الثاني: أنه يمكن للقارن أن لا يطوف بالبيت أول ما يصل ولا يسعى بل يخرج إلى منى ويكمل الحج ومتى تيسر له طاف وسعى.
وبناء على ذلك نقول: إذا كان هذا أيسر فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخير بين شيئين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً. والقران ليس بإثم، بل هو أحد مناسك الحج، وقد حصل على عمرة وحج وحصل أيضاً على هدي، لأن القارن يذبح الهدي كما يذبحه المتمتع" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 58- 60) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4261)
هل المفرد يأتي بعد الحج بعمرة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من ينتهي من الإفراد ثم يعتمر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"هذا العمل لا أصل له في السنة، فلم يكن الصحابة رضي الله عنهم مع حرصهم على الخير، يأتون بهذه العمرة بعد الحج وهم خير القرون، وإنما جاء ذلك في قضية معينة في قصة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، حيث كانت محرمة بعمرة ثم حاضت قبل الوصول إلى مكة، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تحرم بالحج ليكون نسكهاً قراناً، وقال لها: (طوافك بالبيت وبالصفا والمروة يسعك لحجك وعمرتك) فلما انتهى الحج ألحت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تأتي بعمرة بدلاً من عمرتها التي حولتها إلى قران، فأذن لها وأمر أخاها عبد الرحمن بن أبي بكر أن يخرج بها من الحرم إلى الحل، فخرجت بها وأتت بعمرة.
فإذا وجدت الصورة التي حصلت لعائشة رضي الله عنها وأرادت المرأة أن تأتي بعمرة فحينئذ نقول: لا حرج أن تأتي المرأة بعمرة، كما فعلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، ويدل على أن هذا أمر ليس بمشروع أن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه وهو مع أخته لم يحرم بالعمرة، لا بتفقه من عنده، ولا بإذن الرسول صلى الله عليه وسلم ولو كان هذا من الأمور المشروعة لكان رضي الله عنه يأتي بالعمرة، لأن ذلك أمر سهل عليه من حيث إنه قد خرج مع أخته.
والمهم أن ما يفعله بعض الحجاج كما جاء في السؤال ليس له أصل من السنة.
نعم، لو فرض أن بعض الحجاج يصعب عليه أن يأتي إلى مكة بعد مجيئه هذا، وهو قد أتى بحج مفرد فإنه في هذه الحال في ضرورة بأن يأتي بعد الحج بالعمرة ليؤدي واجب العمرة، فإن العمرة واجبة على القول الراجح من أقوال أهل العلم، وحينئذ يخرج إلى التنعيم أو إلى غيره من الحل فيحرم بعمرة منه ثم يطوف ويسعى ويحلق أو يقصر" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/36) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4262)
هل الفصل بين الطواف والسعي له زمن محدود؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل للفصل بين الطواف والسعي زمن محدود؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"ليس للفصل بين الطواف والسعي زمن محدود، فالموالاة بينهما ليست بشرط، لكن لا شك أن الأفضل أنه إذا طاف يسعى، فإن النبي صلى الله عليه وسلم والى بين سعيه وطوافه، لكن لو أخر فطاف في أول النهار وسعى في آخره، أو بعد يوم أو يومين، فلا حرج عليه في هذا، لأن المولاة بين الطواف وبين السعي، ليست واجبة" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 421) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4263)
هل العمرة يوم وقفة عرفات مكروهة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل العمرة يوم الوقفة في عرفات مكروهة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا كان الإنسان لم يحج وأتى بعمرة يوم عرفة أو يوم العيد فإن هذا لا بأس به، فإن العمرة جائزة في كل وقت ليس لها وقت محدد كالحج، ففي أي وقت جاء بها الإنسان فهي عمرة صحيحة، ونسأل الله لنا وله القبول" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 264) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4264)
نحر الهدي قبل يوم العيد، فهل يعيده؟
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الناس ينحر هديه قبل يوم العيد فمن نحر قبل يوم العيد وسألنا هل نأمره بالإعادة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"من نحر هديه قبل يوم العيد وجاء يسألنا، نسأله هل فعل ذلك تقليداً واتباعاً لجواب عالم من العلماء أو تهاوناً، فإن كان فعله مقلداً أو اتباعاً لجواب عالم من العلماء فإنه لا يلزمه أن يعيده؛ لأن من العلماء من يرى أنه يجوز أن يذبح هدي التمتع قبل العيد، فإذا كان هذا الرجل يقلد هؤلاء العلماء، أو سأل واحداً من هؤلاء العلماء الذين يرون هذا الرأي. وقالوا له: إن ذبحك صحيح، فإننا لا نأمره بإعادة الذبح.
أما إذا كان قد ذبح قبل يوم العيد تهاوناً، وليس مبنياً على علم، ولا على تقليد عالم فإنه يلزمه أن يعيد الذبح، لأنه لا يجوز أن يذبح هدي التمتع والقران إلا في يوم العيد فما بعده، والدليل على هذا: أنه لو كان يمكن ذبح الهدي قبل يوم العيد، لذبح النبي صلى الله عليه وسلم هديه وحل من إحرامه كما أمر بذلك أصحابه، بل قال صلى الله عليه وسلم: (إن معي الهدي فلا أحل حتى أنحر) ولو كان يجوز تقديم نحر الهدي على يوم العيد لنحره ثم حل" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/163) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4265)
من وصل إلى مكة ظهر يوم عرفة خرج إلى عرفات ولا يطوف للقدوم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[من وصل إلى مكة بعد الظهر من يوم عرفة، هل الأفضل له أن يذهب إلى مكة ويطوف طواف القدوم، ويسعى سعي الحج، ثم يخرج إلى عرفة، أو أن الأفضل أن يذهب إلى عرفة مباشرة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الأفضل أن يذهب إلى عرفة مباشرة؛ لأن هذا اليوم يوم عرفة، ليس يوم الطواف، والرجل الذي أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وصلى معه الفجر في مزدلفة، وهو عروة بن المضرس أتى من جبال طي، من عند حائل وصادف النبي صلى الله عليه وسلم وهو في صلاة الفجر في مزدلفة وقال: يا رسول الله أتعبت نفسي، وأكللت راحلتي، وإني ما تركت جبلاً إلا وقفت عنده فهل لي من حج؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (من صلى صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه، وقضى تفثه) ولم يذكر أنه طاف طواف القدوم، وعلى هذا إذا وصلت إلى مكة يوم عرفة فإلى عرفة" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/22) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4266)
من لم يجد مكاناً في منى لا يلزمه الجلوس على الأرصفة أو الدوران بسيارته
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الناس في الحج يسكن خارج منى بدون أن يكلف نفسه ويبحث عن مكان في منى، وإذا أتى في الساعة الواحدة في الليل أو الثانية أتى إلى منى وقضى الليل في السيارة يقطع الوقت إلى الفجر، فهل يعتبر هذا قد بات في منى أم لم يتحقق المبيت؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"المبيت في منى ليلة الحادي عشر وليلة الثاني عشر من ذي الحجة، واجب على القول الراجح، يدل لوجوبه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد العباس رضي الله عنه أن ينزل إلى مكة لسقاية الحاج رخص له.
قال العلماء: وكلمة (رخص) تدل على أن الأصل الوجوب لأن الرخصة لا تقال إلا في مقابل أمر واجب، فالواجب على الإنسان أن يبحث عن مكان في منى قبل أن ينزل في مزدلفة، فإذا لم يجد مكاناً فلينزل في مزدلفة، ويبقى فيها، ولا يلزمه أن يذهب إلى منى يدور فيها بسيارته معظم الليل، أو يجلس على الأرصفة بين السيارات، وقد يكون ذلك خطراً عليه فنقول: إذا لم تجد مكاناً في منى، فاجلس في مزدلفة، عند منتهى الخيام، ولا يلزمك شيء ما دمت بحثت عن مكان ولم تجد، لأن الله تعالى لا يكلف نفساً إلى وسعها " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/241) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4267)
من لم يجد مكاناً في منى بات قريباً منها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[الحاج لا يجد مكاناً في منى هل يجزئه أن يبيت خارج منى؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا حرج عليه أن يبيت خارج منى، لكن يكون منزله متصلاً بمنازل الحجاج؛ لقوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ، وقوله: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) وقوله: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ) ، ولكن يكون منزله متصلاً بمنازل الحجاج، كالجماعة إذا امتلأ المسجد يصفون عند نهاية الصفوف، ويكون لهم حكم المصلين داخل المسجد " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/240) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4268)
من ساق الهدي فلا يتحلل حتى يبلغ الهدي محله
[السُّؤَالُ]
ـ[قالت عائشة رضي الله عنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما بال الناس حلوا ولم تحل يا رسول الله) قال: (لبدت رأسي وسقت الهدي فلم أحل حتى يبلغ الهدي محله) والناس الآن يتحللون قبل ذبح الهدي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لأن النبي صلى الله عليه وسلم ساق الهدي، أما من لم يسق الهدي فله أن يقدم ويؤخر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن التقديم والتأخير فلم ير في هذا بأساً" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/160) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4269)
معنى قوله تعالى: (وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى قول الله تعالى: (وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) البقرة/196. أليس هذا صريحاً في أن النحر يكون قبل الحلق وإلا فما معنى الآية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"قوله تعالى: (وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) البقرة/196. يعني: لا تحلقوا الرأس إلا إذا ذبحتم، هذا معنى الآية، لكن جاءت السنة بأنه لا حرج أن يحلق قبل النحر، وما دامت السنة جاءت بذلك فيكون هذا تخفيفاً من الله عز وجل، أو يقال: (حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) أي وقت حلوله، لا أن المراد أن يذبحه فعلاً، وحينئذ لا منافاة بين الحديث وبين الآية فلنا في ذلك توجيهان:
التوجيه الأول: أن يقال إن معنى قوله: (حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) ليس هو أن يذبح الهدي بل أن يأتي وقت الذبح.
التوجيه الثاني: أن يقال: (حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) أي حتى يذبح، لكن السنة جاءت بجواز تقديم الحلق على النحر" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/162) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4270)
معنى: (الحج عرفة) .
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (الحج عرفة) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الحج عرفة) : أنه لا بد في الحج من الوقوف بعرفة، فمن لم يقف بعرفة فقد فاته الحج، وليس معناه أن من وقف بعرفة لم يبق عليه شيء من أعمال الحج بالإجماع، فإن الإنسان إذا وقف بعرفة بقي عليه من أعمال الحج كالمبيت بمزدلفة، وطواف الإفاضة، والسعي بين الصفا والمروة، ورمي الجمار، والمبيت في منى، ولكن المعنى: أن الوقوف بعرفة لابد منه في الحج، وإن لم يقف بعرفة فلا حج له، ولهذا قال أهل العلم: من فاته الوقوف فاته الحج" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/24) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4271)
مرض يوم العيد فهل يوكل من يرمي عنه أو يؤخر الرمي إلى آخر أيام التشريق؟
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل مرض يوم العيد فهل له أن يؤخر الرمي إلى آخر يوم التشريق أو يوكل من يرمي عنه أفضل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا صار عند الإنسان مانع يمنعه من الرمي يوم العيد، فإنه يؤخره حتى يقوى على ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن للرعاة أن يرموا يوماً، ويدعوا يوماً، ولم يقل لهم: وكلوا.
والتوكيل في الرمي لا يجوز أن يتهاون به؛ لأن الرمي من مناسك الحج وقد قال الله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) البقرة/196.
فلا يمكن أن يوكل إنسان فيه لمجرد أنه تعبان، أو لمجرد الزحام، فنقول: أما التعب فإن كان تعباً دائماً كالمرأة الحامل، أو الرجل الكبير السن، أو عجوز كبيرة السن فليوكل، أما إذا كان أصابه مرض خفيف يرجو أن يبرأ منه في آخر أيام التشريق فلا يجوز أن يوكل" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/115) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4272)
متمتع سعى سعياً واحداً تقليداً لمن يقول ذلك من العلماء
[السُّؤَالُ]
ـ[حاج يقول: قدمت زوجتي من مصر للإقامة معي بجدة في الرابع من ذي الحجة، وقامت بأداء العمرة والحج ثم تحللت بنية التمتع ثم قمنا بأداء الحج غير أنها لم تكرر السعي، بل اكتفينا بسعي العمرة عملاً بمن قال ذلك من العلماء، حيث قرأنا أن فيه خلافاً بين العلماء، وأرشدنا أحد الإخوة إلى قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن سعي العمرة يجزئ عن سعي الحج لمن لم يكرر السعي، وبناء عليه لم نسع ورجعنا إلى جدة، أفيدونا جزاكم الله خيراً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الواقع أن كثيراً من المسائل في الفقه في الدين لا تخلو من خلاف، وإذا كان العامي الذي لا يعرف يطالع كتب العلماء ويعمل بالأسهل عنده، فهذا حرام، ولهذا قال العلماء: "من تتبع الرخص فقد فسق" أي صار فاسقاً.
ومن المعلوم أن اختيار شيخ الإسلام رحمه الله هو ما ذكره السائل أن المتمتع يكفيه السعي الأول الذي في العمرة، وله أدلة فيها شبهة، ولكن الصحيح أن المتمتع يلزمه سعيان: سعي للحج، وسعي للعمرة، كما دل ذلك حديثا عائشة رضي الله عنها وابن عباس رضي الله عنهما وهما في البخاري، وعليهما جماهير أهل العلم.
والنظر يقتضي ذلك؛ لأن الحج والعمرة في حج المتمتع كل عبادة منفردة عن الأخرى، ولهذا لو أفسد العمرة لم يفسد الحج، ولو أفسد الحج لم تفسد العمرة، ولو فعل محظوراً من المحظورات في العمرة لم يلزمه حكمه في الحج. بل الحج منفرد بأركانه وواجباته ومحظوراته، والعمرة منفردة بأركانها وواجباتها ومحظوراتها، فالأثر والنظر يقتضي انفراد كل من العمرة والحج بسعي في حق المتمتع.
وعلى هذا؛ إن كنت متبعاً لقول شيخ الإسلام رحمه الله بناء على استفتاء من تثق به وبأمانته فليس عليك شيء، لكن لا تعد إلى مثل ذلك والتزم سعيين، سعياً في الحج، وسعياً في العمرة إذا كنت متمتعاً" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/198) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4273)
أخر السعي لما بعد أيام التشريق
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من طاف طواف الإفاضة ولم يسع حتى غربت الشمس، بعد آخر أيام التشريق؟ وما حكم السعي إذا سعى بعد غروب الشمس من ذلك اليوم، أو بعد أيام التشريق؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"سعيك آخر أيام التشريق أو بعد أيام التشريق صحيح، ولا حرج عليك في تأخيره؛ لأنه ليس من شروط صحته أن يكون متصلاً بالطواف، لكن من الكمال أن يكون بعد الطواف متصلاً به؛ تأسياً بالنبي
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (11/262) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4274)
التحلل الأول والثاني في الحج
[السُّؤَالُ]
ـ[متى يتحلل الحاج من الإحرام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"أولاً: أعمال يوم النحر ثلاثة للمفرد هي: رمي جمرة العقبة، والحلق أو التقصير، وطواف الإفاضة والسعي إن لم يكن سعى بعد طواف القدوم. وأما المتمتع والقارن فيزيد بذبح الهدي، ويزيد المتمتع سعياً بعد طواف الإفاضة.
ثانياً: تكون هذه الأعمال مرتبة: الرمي، فالذبح، فالحلق أو التقصير، ثم الطواف والسعي، هذا هو الأفضل؛ تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم، فإنه رمى ثم نحر ثم حلق رأسه، ثم طيبته عائشة، ثم أفاض إلى البيت، وسئل عن ترتيب هذه الأمور، ومن قدم بعضها على بعض، فقال: (لا حرج، لاحرج) .
ثالثاً: ومن فعل اثنين سوى الذبح حصل بذلك التحلل الأول؛ وبذلك يحل له كل ما حرم عليه بالإحرام ماعدا النساء، وإذا فعل الثلاثة حل له كل شيء حرم عليه حتى النساء، والأحاديث في هذا كثيرة دالة على ما ذكرنا.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (11/349) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4275)
التوفيق بين الأحاديث في تحديد مكان إحرام أهل مكة بالعمرة
[السُّؤَالُ]
ـ[ورد في حديث عائشة رضي الله عنها أنها خرجت إلى التنعيم للعمرة، وحديث ابن عباس رضي الله عنهما ورد فيه: (حتى أهل مكة من مكة، ممن أراد الحج أو العمرة) ، فكيف نجمع بينهما؟ ومن أين يحرم أهل مكة للعمرة، من الحل أم من مكة المكرمة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"يحسن أن نذكر بعض روايات الحديثين تمهيداً للجمع بينهما، وبيان ما يترتب على ذلك من ميقات الإحرام بالعمرة مفردة بالنسبة لأهل مكة، ومن في حكمهم ممن كان داخل الحرم.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، قال: فهن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة، ومن كان دونهن فمهله من أهله، وكذلك أهل مكة من مكة) رواه البخاري ومسلم.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم المحصب، فدعا عبد الرحمن بن أبي بكر فقال: (اخرج بأختك من الحرم فلتهل بالعمرة، ثم لتطف بالبيت، فإني أنتظركما هاهنا) ، قالت: فخرجنا فأهللت، ثم طفت بالبيت وبالصفا والمروة، فجئنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في منزله في جوف الليل، فقال: (هل فرغت؟) فقلت: نعم، فأذن في أصحابه بالرحيل، فخرج فمر بالبيت فطاف به قبل صلاة الفجر، ثم خرج إلى المدينة. رواه البخاري ومسلم. وفي رواية أخرى عنها أنها قالت: فلما كانت ليلة الحصبة قلت: يا رسول الله يرجع الناس بحجة وعمرة، وأرجع بحجة، قالت: فأمر عبد الرحمن فأردفني على جمله، ثم ذكر عمرتها من التنعيم. وفي رواية عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها يوم النفر: (يسعك طوافك لحجك وعمرتك) ، فأبت، فبعث بها مع عبد الرحمن إلى التنعيم، فاعتمرت بعد الحج، وفي رواية: (يجزئ عنك طوافك بالبيت وبالصفا والمروة عن حجك وعمرتك) ، وفي رواية لمسلم في صحيحه: (وكان صلى الله عليه وسلم رجلاً سهلاً، إذا هويَتْ الشيء تابعها عليه، فأرسلها مع عبد الرحمن بن أبي بكر فأهلت بعمرة من التنعيم) .
وعلى هذا يقال: إن حديث ابن عباس رضي الله عنهما عام في أن أهل مكة يحرمون من مكة بالحج مفرداً، وبالعمرة مفردة، وبالحج والعمرة قراناً، وحديث خروج عائشة من الحرم مع أخيها عبد الرحمن لتحرم من التنعيم بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وإرشاده خاص، والقاعدة المعروفة المسلمة عند العلماء: أن العام والخاص إذا تعارضا حمل العام على الخاص، فيعمل بالخاص، وهو هنا الإحرام بالعمرة من التنعيم، أو غيره من الحل، ولا يعمل بما يقابله من أفراد العام، وهو هنا الإحرام بالعمرة مفردة من مكة، فيكون معنى (حتى أهل مكة من مكة) : أن أهل مكة يحرمون بالحج مفرَدَاً، أو بالحج والعمرة قراناً، لا يحتاجون إلى الخروج إلى الحل، أو إلى ميقات من المواقيت الأخرى المذكورة في الحديث؛ ليحرموا منه بذلك. أما العمرة مفردة فعلى من أراد الإحرام بها وهو في مكة أو داخل حدود الحرم أن يخرج إلى الحل، التنعيم أو غيره؛ ليحرم بها، وبهذا قال جمهور العلماء، بل قال المحب الطبري: لا أعلم أحداً جعل مكة ميقاتاً للعمرة. اهـ. فيتعين حمل قوله في حديث ابن عباس رضي الله عنهما: (حتى أهل مكة من مكة) على القارن والمفرد، دون المعتمر عمرة مفردة.
ويؤيد ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً، فلو كان الإحرام بالعمرة مفردة من الحرم مأذوناً فيه لاختاره لعائشة؛ لكونه أيسر وأقل التزاماً وكلفة بالنسبة له ولعائشة وأخيها، ولم يأمرها بالخروج إلى الحل أو التنعيم؛ لتحرم منه، بل كان يكفيها أن تذهب معه صلى الله عليه وسلم حينما يأتي البيت ليطوف طواف الوداع، وهي محرمة بالعمرة من الأبطح، فتطوف وتسعى العمرة وقت طوافه صلى الله عليه وسلم طواف الوداع، وفي ذلك الكفاية لتحقيق رغبة عائشة وتطييب خاطرها، فإنها إنما قصدت أن تعتمر عمرة مفردة دون الخروج إلى الحل، أو مكان معين منه، لكنه صلى الله عليه وسلم أمرها بالخروج إلى التنعيم فاحتاجت إلى محرم فأرسل معها أخاها عبد الرحمن، وكان ذلك ليلاً حيث يحتاج الناس إلى الراحة، واضطر النبي صلى الله عليه وسلم أن يحدد معها مكاناً للقاء بعد الفراق، فعدوله عن الإحرام من الحرم وهو أيسر للجميع إلى الإحرام من الحل مع ما فيه من المشقة والكلفة التي لا توجد في الأمر الأول دليل على أن الإحرام بالعمرة من الحل دون الحرم مقصود إليه، مأمور به شرعاً لمن أراد أن يعتمر عمرة مفردة وهو بالحرم.
ويرى بعض العلماء أن العمرة وإن كانت سنة أو واجبة على كل مسلم مكلف مستطيع ينبغي لمن أراد [أن يعتمر] وهو بالحرم أن يجعلها مع الحج، فيحرم قارناً العمرة بالحج، ولا يخرج من الحرم إلى الحل، التنعيم أو غيره ليحرم منه بعمرة مفردة؛ لأنه لم يأذن فيه النبي صلى الله عليه وسلم إلا لعائشة؛ تطييباً لخاطرها، ولم يعهد من الصحابة الخروج من الحرم للإحرام بالعمرة من الحل.
ويرى جماعة: الإحرام بالعمرة مفردة من مكة ونحوها من الحرم؛ لعموم حديث ابن عباس.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ إبراهيم بن محمد آل الشيخ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (11/143-147) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4276)
الرمل بين العلمين في السعي يكون في الأشواط كلها
[السُّؤَالُ]
ـ[الرمل في السعي يكون في الذهاب إلى المروة، وهل يكون في الرجوع إلى الصفا أيضاً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، يكون السعي الشديد بين العَلَمين في أشواط السعي كلها، من الصفا إلى المروة، ومن المروة إلى الصفا.
قال ابن قدامة في "المغني" (10/236) وهو يذكر صفة السعي بين الصفا والمروة:
"وهو أن ينزل من الصفا , فيمشي حتى يحاذي العَلَم، وهو الميل الأخضر المعلق في ركن المسجد , فإذا كان منه نحوا من ستة أذرع , سعى سعيا شديدا , حتى يحاذي العلم الآخر , ثم يترك السعي , ويمشي حتى يأتي المروة , فيستقبل القبلة , ويدعو بمثل دعائه على الصفا. . . ثم ينزل فيمشي في موضع مشيه , ويسعى في موضع سعيه" انتهى باختصار.
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء عن ذلك، فقالوا:
"نعم، يكون في الذهاب من المروة إلى الصفا، كما هو في الذهاب من الصفا إلى المروة؛ لفعله عليه الصلاة والسلام الثابت في الأحاديث الصحيحة.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (11/258) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4277)
تذكر بعد خروجه من المسجد أنه نسي شوطاً من طواف الإفاضة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا طاف الحاج طواف الإفاضة، ونسي أحد الأشواط ولم يعلم إلا بعد خروجه من المسجد الحرام، فما الحكم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا طاف الحاج طواف الإفاضة ونسي أحد الأشواط، وطال الفصل فإنه يعيد الطواف، وإن كان الفصل قريباً فإنه يأتي بالشوط الذي نسيه.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (11/253) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4278)
تعجل وطاف للوداع ثم اضطر للرجوع إلى منى والمبيت بها
[السُّؤَالُ]
ـ[من رمى الجمرات ثاني أيام التشريق، ثم نزل في الحال، وطاف طواف الوداع، ثم عاد لمنى بنية الرحيل فوجد بعض رفقته قد ضاعوا، فبات في منى ليلة الثالث من أيام التشريق، وفي اليوم الثالث نزل وطاف للوداع مرة ثانية، لكنه لم يرم الجمار ذلك اليوم فماذا يلزمه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"مادام أنه رجع إليها بعد ما نفر من منى يوم الثاني عشر قبل غروب الشمس بنية الرحيل، ولكنه اضطر للمبيت لفقد رفقته فلا شيء عليه.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (11/290) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4279)
للمحرم أن يحلق أو يقص شعره بنفسه عند التحلل
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن يقص الرجل شعره بنفسه للتحلل من العمرة وأيضا بالنسبة للمرأة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز للحاج والمعتمر أن يقص شعره بنفسه للتحلل من حجه أو عمرته، سواء كان رجلا أو امرأة، كما يجوز له أن يقص شعر غيره ممن يريد التحلل.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ويحلق هو بيده، أو يكلف من يحلقه، خلافاً لما قاله بعض العلماء: إنه إذا حلق نفسه بنفسه فعل محظوراً، فنقول: لم يفعل محظوراً، بل حلق للنسك " انتهى من "الشرح الممتع" (7/328) .
وسئل رحمه الله: المرأة إذا قصرت شعرها بنفسها هل يلزمها شيء؟
فأجاب: "لا، إذا قصرت المرأة شعرها بنفسها، أو حلق الرجل رأسه بنفسه، أو حلقه له مُحْرِم، أو حلقه له مُحِلٌّ، كل هذا جائز " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (224/42) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4280)
لا يشترط ذكر اسم المنوب عنه في الحج والعمرة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يشترط التلفظ بالنية عندما أنوي العمرة لأحد أقاربي وهو متوفى بأن أقول: لبيك اللهم عمرة لجدي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يجوز للإنسان أن يحج أو يعتمر عن غيره بشرط أن يكون قد حج واعتمر عن نفسه؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول: (لبيك عن شبرمة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَن شبرمة؟ قال: قريب لي، قال: هل حججتَ قط؟ قال: لا، قال: فاجعل هذه عن نفسكَ، ثم حُجَّ عن شبرمة) رواه أبو داود (1811) وابن ماجه (2903) - واللفظ له -.
والحديث: صححه الشيخ الألباني في " إرواء الغليل " (4 / 171) .
ثانياً:
الحج والعمرة عن الغير لا يشترط فيهما ذكر اسم الشخص المنوي عنه الحج أو العمرة، ولا التلفظ بذلك، بل تكفي النية عنه، والنية محلها القلب.
ولكن الأفضل أن يقول عند أول تلبية: لبيك اللهم عن فلان – كما في حديث ابن عباس السابق -.
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء: " الحج عن الغير يكفي فيه النية عنه، ولا يلزم فيه تسمية المحجوج عنه، لا باسمه فقط ولا باسمه واسم أبيه أو أمه، وإن تلفظ باسمه عند بدء الإحرام أو أثناء التلبية أو عند ذبح دم التمتع إن كان متمتعا أو قارنا – فحسن؛ لما روى أبو داود وابن ماجه، وصححه ابن حبان، عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول: لبيك عن شبرمة، قال: " من شبرمة "؟ قال: أخ لي أو قريب لي، قال: " حججت عن نفسك "؟ قال: لا. قال: " حج عن نفسك، ثم حج عن شبرمة ". انتهى بتصرف.
" فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء " (11/82) .
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله:
رجل حج عن امرأة وعندما أراد الإحرام من الميقات نسي اسمها ماذا يصنع؟
فأجاب:
"إذا حج عن امرأة أو عن رجل ونسي اسمه فإنه يكفيه النية ولا حاجة لذكر الاسم، فإذا نوى عند الإحرام أن هذه الحجة عمن أعطاه الدراهم أو عمن له الدراهم كفى ذلك، فالنية تكفي؛ لأن الأعمال بالنيات، كما جاء بذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (17/79) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4281)
ما هو الحجّ
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحج؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحج هو قصد الكعبة بيت الله الحرام لأداء المناسك وهي أفعال وأقوال جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفة حجّه كالطواف سبعا بالبيت الحرام والسعي سبعا بين جبلي الصّفا والمروة والوقوف في عرفة ورمي الجمرات بمنى وغير ذلك، وفيه منافع عظيمة للعباد من إعلان التوحيد لله والمغفرة العظيمة للحجاج والتعارف بين المسلمين وتعلّم أحكام الدّين وغير ذلك. واهتمامك بالسّؤال عن الحجّ أيّها الفتى مع صغر سنّك وبُعْد مكانك في كندا هو أمر جيد تُشكر عليه، ونسأل الله لك التمكين من حجّ بيته وقضاء فرضه، وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/4282)
أحرمت بالعمرة وخافت لوجود الجراد بالحرم فلم تكملها
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد نويت العمرة وذهبت إلى مكة لأدائها , وكثر الجراد في الحرم ولشدة خوفي منه لم أستطع أن أعمل العمرة لدرجة أنني بكيت. قالت لي بعض الصديقات: إن علي أن أذبح وأن ما فعلته ذنب خصوصا أنني لم أقل (وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني) ماذا أفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من أحرم بالعمرة، لزمه إتمامها، لقوله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) البقرة/196
والحصر (وهو المنع من إكمال العمرة) إنما يكون بوجود مانع ظاهر من عدو أو مرض، وما ذكرتِه لا يعد مانعا من إتمام العمرة.
وعليه، فالواجب عليك أن تعودي لإتمام عمرتك، فتأتين بالطواف والسعي ثم تقصرين من شعرك، وبهذا تتحللين من عمرتك.
وأنت الآن باقية على إحرامك، ويلزمك البعد عن محظورات الإحرام من الطيب وقص الشعر والأظافر ولبس القفازين والنقاب وعقد النكاح والجماع ومقدماته.
ولو فرض أنك وقعت في شيء من هذه المحظورات جهلا أو نسيانا، فلا شيء عليك.
وراجعي جواب السؤال رقم (36522) و (49026)
وفي حال عودتك إلى مكة لا يلزمك الإحرام من الميقات لأنك لا زلت محرمة بإحرامك الأول، بل تتوجهين إلى الطواف مباشرة.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن امرأة أحرمت بالعمرة ثم فسخت العمرة واعتمرت بعدها بعدة أيام عمرة أخرى فهل هذا العمل صحيح؟ وما حكم ما فعلته من محظورات الإحرام؟
فأجاب: " هذا العمل غير صحيح، لأن الإنسان إذا دخل في عمرة أو حج حرم عليه أن يفسخه إلا لسبب شرعي، قال الله تعالى: (وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي) ، فعلى هذه المرأة أن تتوب إلى الله عز وجل مما صنعت، وعمرتها صحيحة، لأنها وإن فسخت العمرة فإنها لا تنفسخ العمرة، وهذا من خصائص الحج والعمرة،
فلو أن المعتمر أثناء العمرة نوى إبطالها لم تبطل، أو نوى إبطال الحج أثناء تلبسه بالحج لم يبطل. ولهذا قال العلماء: إن النسك لا يرتفض برفضه.
وعلى هذا نقول: إن هذه المرأة ما زالت محرمة منذ عقدت النية إلى أن أتمت العمرة، وتكون نيتها الفسخ غير مؤثرة فيه، بل هي باقية عليه.
وخلاصة الجواب: بالنسبة للمرأة نقول: إن عمرتها صحيحة، وإن عليها أن لا تعود لرفض الإحرام مرة ثانية، لأنها لو رفضت الإحرام لم تتخلص منه. وأما ما فعلته من المحظورات ولنفرض أن زوجها جامعها، والجماع في النسك هو أعظم المحظورات فإنه لا شيء عليها، لأنها جاهلة، وكل إنسان يفعل محظوراً من محظورات الإحرام جاهلاً أو ناسياً أو مكرهاً فلا شيء عليه " انتهى من مجموع فتاوى ابن عثيمين (21/351) باختصار.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4283)
حكم رمي الجمار بالليل وقبل الزوال
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الرمي في أيام التشريق قبل الزوال لما فيه من مشقة وزحام ومعي أمي المسنة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جمهور الفقهاء على أن الرمي قبل الزوال لا يجزئ، لما ثبت من رمي النبي صلى الله عليه وسلم بعد الزوال، وقد قال: (خذوا عني مناسككم) رواه مسلم (1297) .
وكون الرسول صلى الله عليه وسلم يؤخر الرمي ـ إلى هذا الوقت ـ مع أنه في شدّة الحر، ويدع أول النهار مع أنه أبرد وأيسر، دليل على أنه لا يحل الرمي قبل هذا الوقت.
ويدل لذلك أيضاً: أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يرمي من حين تزول الشمس قبل أن يصلي الظهر، وهذا دليل على أنه لا يحل أن يرمي قبل الزوال وإلا لكان الرمي قبل الزوال أفضل، لأجل أن يصلي الصلاة ـ صلاة الظهر ـ في أوّل وقتها، لأن الصلاة في أول وقتها أفضل
قال ابن قدامة رحمه الله (3/233) : " ولا يرمي في أيام التشريق إلا بعد الزوال , فإن رمى قبل الزوال أعاد. نصّ عليه [أي الإمام أحمد] . وروي ذلك عن ابن عمر، وبه قال مالك , والثوري , والشافعي , وإسحاق , وأصحاب الرأي. وروي عن الحسن , وعطاء , إلا أن إسحاق وأصحاب الرأي , رخصوا في الرمي يوم النفر قبل الزوال , ولا ينفر إلا بعد الزوال. وعن أحمد مثله. ورخص عكرمة في ذلك أيضا. وقال طاوس: يرمي قبل الزوال , وينفر قبله ".
ثم استدل على أنه لا يجوز الرمي قبل الزوال بـ: " أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما رمى بعد الزوال ; لقول عائشة: يرمي الجمرة إذا زالت الشمس. وقول جابر في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة ضحى يوم النحر , ورمى بعد ذلك بعد زوال الشمس. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خذوا عني مناسككم) .
وقال ابن عمر: كنا نتحين إذا زالت الشمس رمينا. وأي وقت رمى بعد الزوال أجزأه , إلا أن المستحب المبادرة إليها حين الزوال , كما قال ابن عمر.
وعلى هذا فالرمي بعد الزوال هو الراجح دليلا، والأكثر مذهبا، وهو الأحوط للعبادة، لأن من أتى به صح رميه اتفاقا، وأما من رمى قبل الزوال، فرميه مختلف فيه، بل لا يصح عند أكثر العلماء.
وأما ما ذكرت من الزحام، فإن الزحام موجود قبل الزوال أيضا، لا سيما مع تساهل كثير من الناس وأخذهم بهذا القول الضعيف.
وقد يكون الرمي قبيل العصر أو بعده أخف منه زحاما.
واعلم أنه يجوز لك الرمي ليلا، لا سيما مع وجود أمك المسنّة، وهو أفضل من الرمي قبل الزوال، لعدم ورود دليل يحدد نهاية وقت الرمي بغروب الشمس، ولذهاب جماعة من الفقهاء للقول به، كما هو مذهب الحنفية والشافعية.
انظر: بدائع الصنائع (2/138) ، البحر الرائق (2/374) ، تحفة المحتاج (4/125) ، نهاية المحتاج (3/311) .
وروى البخاري (1723) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رَمَيْتُ بَعْدَ مَا أَمْسَيْتُ. فَقَالَ: لَا حَرَجَ) .
ولم يرد دليل يحدد آخر وقت للرمي، فدل على إجزائه في الليل.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " لم يثبت دليل على منع الرمي ليلا والأصل جوازه، والأفضل الرمي نهارا في يوم العيد كله وبعد الزوال في الأيام الثلاثة إذا تيسر ذلك، والرمي في الليل إنما يصح عن اليوم الذي غربت شمسه، ولا يجزئ عن اليوم الذي بعده.
فمن فاته الرمي نهار العيد رمى ليلة إحدى عشرة على آخر الليل، ومن فاته الرمي قبل غروب الشمس في اليوم الحادي عشر رمى بعد غروب الشمس في ليلة اليوم الثاني عشر، ومن فاته الرمي في اليوم الثاني عشر قبل غروب الشمس رمى بعد غروب الشمس في ليلة اليوم الثالث عشر، ومن فاته الرمي نهارا في اليوم الثالث عشر حتى غابت الشمس فاته الرمي ووجب عليه دم؛ لأن وقت الرمي كله يخرج بغروب الشمس من اليوم الثالث عشر " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز (16/144) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: فضيلة الشيخ تعلمون ما يكون على النساء في وقت الحج من الزحام، وعدم القدرة على أداء المناسك في بعض الأماكن، وقد أفتى أهل العلم بالنسبة للمرأة بأنها ترمي في الليل، فهل لوليِّها أن يذهب ويرمي لنفسه معها في الليل، أو يذهب في النهار ويصاحبها فقط في الليل؟
فأجاب: " الصحيح أن الرمي في الليل جائز، إلا ليلة العيد فإنه لا يجوز إلا في آخر الليل، وكذلك في اليوم الثاني عشر لا يؤخره إلى الليل (إذا كان يريد أن يتعجل) ، لأنه لو أخره إلى الليل لزم أن يبقى إلى اليوم الثالث عشر، كذلك رمي الثالث عشر لا يؤخر إلى الليل؛ لأن أيام التشريق تنتهي بغروب ليلة الثالث عشر. فيجوز حتى لغير المرأة أن يرمي ليلاً، ونرى أن الرمي ليلاً مع الطمأنينة والإتيان بالرمي على وجه الخشوع، أفضل من كونه يذهب ليرمي في النهار وهو لا يدري أيرجع إلى خيمته أو يموت، ولا يؤدي العبادة -حين يؤديها- عبادةً، بل يؤديها وكأنه مشغول البال بالخوف على نفسه، وقد قررنا قاعدة دلت عليها الشريعة: أن المحافظة على ذات العبادة أولى من المحافظة على زمانها أو مكانها ما دام الوقت متسعاً، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا صلاة بحضرة الطعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان) ، فمن كان يدافع الأخبثين نقول له: أخِّر الصلاة إلى آخر الوقت حتى تقضي حاجتك، وإن كانت الصلاة في أول الوقت أفضل؛ لكن إذا صليت وأنت تدافع الأخبثين فإنك لا تحصل على الخشوع الذي يتعلق بذات العبادة. لهذا نرى في الوقت الحاضر أن الرمي في الليل أفضل من الرمي في النهار، إذا كان الرمي في النهار لا يحصل به الخشوع وأداء العبادة على الوجه المطلوب، فيجوز للرجل أن يؤخِّر الرمي إلى الليل من أجل أن يذهب هو وأهله ليرموا الجمرة " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (21/18) .
والحاصل أنه لا يجوز رمي الجمار أيام التشريق قبل الزوال، وأن في الرمي ليلا مخرجاً وسعةً، والحمد لله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4284)
نسي شوطا من الطواف ففعله بعد الفراغ من السعي
[السُّؤَالُ]
ـ[طفت بالكعبة الشريفة في العمرة ستة أشواط ناسياًً أن الطواف هو سبعة أشواط وتذكرت ذلك خلال السعي فجئت بهذا الشوط بعد إكمال السعي. هل علي شيء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
أولا:
الطواف للعمرة أو الحج يجب أن يكون سبعة أشواط، ولا يجزئ أقل من ذلك؛ لأن الله تعالى أمر بالطواف فقال: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) الحج/29.
وبينه النبي صلى الله عليه وسلم بفعله، فطاف سبعة أشواط، مع قوله: (لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ) رواه مسلم (2286) .
قال النووي رحمه الله: " شرط الطواف أن يكون سبع طوفات، كل مرة من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود، ولو بقيت خطوة من السبع لم يحسب طوافه، سواء كان باقيا في مكة أو انصرف عنها وصار في وطنه، ولا ينجبر شيء منه بالدم، ولا بغيره " انتهى من المجموع" (8/21) .
ثانيا:
الموالاة بين أشواط الطواف شرط عند المالكية والحنابلة، فلو فصل بين الأشواط بزمن طويل لزمه أن يعيد طوافه.
قال في "كشاف القناع" (2/483) : " إذا قطع الطواف بفصل طويل عرفا ولو سهوا أو لعذر لم يجزئه ; لأنه صلى الله عليه وسلم والى بين طوافه وقال: (خذوا عني مناسككم) " انتهى بتصرف.
وانظر: "مواهب الجليل" (3/75) ، "الموسوعة الفقهية" (29/132) .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/253) : " إذا طاف الحاج طواف الإفاضة ونسي أحد الأشواط، وطال الفصل فإنه يعيد الطواف، وإن كان الفصل قريباً فإنه يأتي بالشوط الذي نسيه " انتهى.
ثالثا:
جمهور الفقهاء (ومنهم الأئمة الأربعة) على أنه لا يجوز تقديم السعي على الطواف، وأن من قدمه لم يجزئه.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (3/194) : " والسعي تبع للطواف , لا يصح إلا أن يتقدمه طواف , فإن سعى قبله , لم يصح. وبذلك قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي " انتهى.
وبناء على ذلك، فطوافك للشوط السابع بعد الفراغ من السعي، لا يعتد به؛ لطول الفصل بينه وبين بقية الأشواط.
وكذلك سعيك لا يعتد به لأنه وقع قبل الانتهاء من الطواف.
وعليه فأنت باق على إحرامك الآن، ويلزمك اجتناب محظورات الإحرام كلها، والعودة إلى مكة، لتطوف وتسعى ثم تحلق أو تقصر، وبهذا تنتهي عمرتك.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن امرأة طافت طواف الإفاضة ستة أشواط وكانت تعتقد أنها سبعة وبعد السعي والتقصير قامت بطواف الشوط الواحد فهل هذا جائز؟
فأجاب: " إن كانت متيقنة أنها ستة أشواط فإن إلحاق الشوط السابع بعد الفصل الطويل لا ينفع. فعليها الآن أن تعيد الطواف سبعة أشواط من أوله، أما إذا كان مجرد شك بعد أن انتهى الطواف ظنت أنها لم تكمل فلا تلتفت إلى هذا " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (22/293) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4285)
خرج منه المذي مراراً أثناء الطواف
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل اعتمر بعد زواجه وكثر معه المذي فتوضأ ليطوف فخرج معه المذي ثم توضأ مرة أخرى وخرج معه المذي فطاف وأكمل عمرته معتبر ذلك ضرورة. وقد عاد إلى بلده وجامع زوجته فما الحكم جزاكم الله كل خير.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المذي نجس عند أهل العلم وناقض للوضوء، لكن إذا استمر ولم يتوقف فحكمه حينئذ حكم سلس البول والإستحاضة لدى النساء، فعلى المسلم إذا أراد الطواف في هذه الحالة أن يشدّ على فرجه شيئا يمنع الخارج من تجاوز موضعه، ويطوف ويصلي على حسب حاله. وطوافه السابق صحيح وحكمه حكم من صلى وعليه نجاسة ناسيا لها فصلاته صحيحة وحكم الناسي هو حكم الجاهل.
الشيخ عبد الكريم الخضير.
فتكرر خروج المذي قد يكون بسببٍ مرضيٍّ وقد تبيّن حكمه، وقد يكون بسبب الشهوة والتفكير وملامسة النساء.
فيجب على المسلم أن يحذر من ذلك أشد الحذر وهو يطوف ببيت الله، وعليه أن يجتنب أسباب خروجه ويتقي الله، والله بكل شيء عليم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/4286)
رمت الجمار قبل الزوال جهلا وتقليدا
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة من أسرة شيعية وأنا على مذهب أهل السنة والجماعة سرا أديت الحج السنة الماضية مع حملة شيعية واضطررت إلى رمي الجمار اليوم الحادي عشر والثاني عشر قبل الزوال على مذهبهم ولم يكن عندي علم باختلافهم مع السنة في ذلك فهل علي فدية؟ وهل يجب ذبحها داخل الحرم وتفريقها على مساكين الحرم؟ وكيف يمكنني ذلك من غير علم أهلي؟ كذلك المبيت بمنى فمن أجل الزحام بلغناها ليلة الثاني عشر الساعة الواحدة بعد منتصف الليل فهل يجزئ ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نسأل الله تعالى أن يثبتك على الحق، وأن يهدي أهلك.
ثانياً:
السنة هي رمي الجمار في أيام التشريق بعد الزوال، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، وهو مذهب جمهور أهل العلم.
وحيث وقع الرمي منك قبل الزوال وأنت لا تعلمين بخطأ ذلك، فنرجو ألا يكون عليك في ذلك حرج.
وإذا أردت الاحتياط، فإن كنت مستطيعة فلتذبحي شاة في مكة وتوزيعها على فقراء الحرم.
ويمكنك فعل ذلك من غير أن يعلم أهلك بأن توكلي من يقوم بالذبح عنك في مكة.
ثالثاً:
كونك تأخرت في دخول منى ليلة الثاني عشر إلى الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، وذلك بسبب الزحام، لا يلزمك فيه شيء أيضا؛ لأنك معذورة في ذلك.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " من نزل من منى مثلا لطواف الإفاضة في أول الليل ثم لم يتيسر له من الزحام أن يرجع إلا بعد طلوع الفجر فإنه لا شيء عليه " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (23/240) .
ونسأل الله لك التوفيق والسداد والرشاد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4287)
نسي شوطا من الطواف ففعله بعد الفراغ من السعي
[السُّؤَالُ]
ـ[طفت بالكعبة الشريفة في العمرة ستة أشواط ناسياًً أن الطواف هو سبعة أشواط وتذكرت ذلك خلال السعي فجئت بهذا الشوط بعد إكمال السعي. هل علي شيء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الطواف للعمرة أو الحج يجب أن يكون سبعة أشواط، ولا يجزئ أقل من ذلك؛ لأن الله تعالى أمر بالطواف فقال: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) الحج/29.
وبينه النبي صلى الله عليه وسلم بفعله، فطاف سبعة أشواط، مع قوله: (لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ) رواه مسلم (2286) .
قال النووي رحمه الله: " شرط الطواف أن يكون سبع طوفات، كل مرة من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود، ولو بقيت خطوة من السبع لم يحسب طوافه، سواء كان باقيا في مكة أو انصرف عنها وصار في وطنه، ولا ينجبر شيء منه بالدم، ولا بغيره " انتهى من المجموع" (8/21) .
ثانيا:
الموالاة بين أشواط الطواف شرط عند المالكية والحنابلة، فلو فصل بين الأشواط بزمن طويل لزمه أن يعيد طوافه.
قال في "كشاف القناع" (2/483) : " إذا قطع الطواف بفصل طويل عرفا ولو سهوا أو لعذر لم يجزئه ; لأنه صلى الله عليه وسلم والى بين طوافه وقال: (خذوا عني مناسككم) " انتهى بتصرف.
وانظر: "مواهب الجليل" (3/75) ، "الموسوعة الفقهية" (29/132) .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/253) : " إذا طاف الحاج طواف الإفاضة ونسي أحد الأشواط، وطال الفصل فإنه يعيد الطواف، وإن كان الفصل قريباً فإنه يأتي بالشوط الذي نسيه " انتهى.
ثالثا:
جمهور الفقهاء (ومنهم الأئمة الأربعة) على أنه لا يجوز تقديم السعي على الطواف، وأن من قدمه لم يجزئه.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (3/194) : " والسعي تبع للطواف , لا يصح إلا أن يتقدمه طواف , فإن سعى قبله , لم يصح. وبذلك قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي " انتهى.
وبناء على ذلك، فطوافك للشوط السابع بعد الفراغ من السعي، لا يعتد به؛ لطول الفصل بينه وبين بقية الأشواط.
وكذلك سعيك لا يعتد به لأنه وقع قبل الانتهاء من الطواف.
وعليه فأنت باق على إحرامك الآن، ويلزمك اجتناب محظورات الإحرام كلها، والعودة إلى مكة، لتطوف وتسعى ثم تحلق أو تقصر، وبهذا تنتهي عمرتك.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن امرأة طافت طواف الإفاضة ستة أشواط وكانت تعتقد أنها سبعة وبعد السعي والتقصير قامت بطواف الشوط الواحد فهل هذا جائز؟
فأجاب: " إن كانت متيقنة أنها ستة أشواط فإن إلحاق الشوط السابع بعد الفصل الطويل لا ينفع. فعليها الآن أن تعيد الطواف سبعة أشواط من أوله، أما إذا كان مجرد شك بعد أن انتهى الطواف ظنت أنها لم تكمل فلا تلتفت إلى هذا " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (22/293) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4288)
التكبير عند نهاية الطواف
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يختم الطواف بالتكبير عند الحجر الأسود كما بدأ به أولا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الطواف بالكعبة من العبادات المحضة، والأصل في العبادات التوقيف، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يكبر في طوافه كلما حاذى الحجر الأسود، ولا شك أن الطائف يحاذيه في نهاية الشوط السابع، فيسن له أن يكبر كما سن له التكبير في بدء كل شوط عند محاذاته إياه؛ اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم مع استلام الحجر وتقبيله إذا تيسر ذلك.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (فتاوى اللجنة 11/224) .(5/4289)
القدر المجزئ في الحلق والتقصير في النسك
[السُّؤَالُ]
ـ[أنهيت نسك العمرة في رمضان.. وقمت بقص شعري.. مرة من الأمام ومرة من الخلف ومن اليمين والشمال ... هل تكون العمرة صحيحة أم ماذا؟؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا خلاف بين الفقهاء في أفضلية حلق جميع الرأس على التقصير، لما ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حلق جميع رأسه، ودعا للمحلقين ثلاثا، وللمقصرين مرة واحدة.
انظر: الموسوعة الفقهية (18/98) .
واختلفوا في أقل ما يجزئ من الحلق أو التقصير: فذهب المالكية والحنابلة إلى أنه لا يجزئ حلق بعض الرأس , لأن النبي صلى الله عليه وسلم حلق جميع رأسه، فكان تفسيرا لمطلق الأمر بالحلق. فوجب الرجوع إليه.
وذهب الحنفية إلى أن المجزئ حلق ربع الرأس , فإن حلق أقل من ربع الرأس لم يجزئه.
وقال الشافعية: أقل ما يجزئ ثلاث شعرات حلقا أو تقصيرا من شعر الرأس.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (3/196) : " يلزم التقصير أو الحلق من جميع شعره، وكذلك المرأة. نص عليه [أي الإمام أحمد] ، وبه قال مالك. وعن أحمد , يجزئه البعض ... وقال الشافعي: يجزئه التقصير من ثلاث شعرات. واختار ابن المنذر أنه يجزئه ما يقع عليه اسم التقصير ; لتناول اللفظ له. ولنا قول الله تعالى: (مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ) وهذا عام في جميعه، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم حلق جميع رأسه، تفسيرا لمطلق الأمر به، فيجب الرجوع إليه " انتهى.
وقال في "التاج والإكليل" (مالكي) (4/181) : " ومن حلق رأسه أو قصره فليعم بذلك رأسه كله، ولا يجزيه الاقتصار على بعضه " انتهى.
ولاشك أن هذا القول هو الأحوط وأنه لا ينبغي الاقتصار على أخذ شعر من الأمام ومن الخلف واليمين والشمال كما فعلت.
ثانيا:
من أخذ من بعض شعره فقط، يُنظر في حاله:
فإن كان فعل ذلك اتباعا لمن أفتاه من أهل العلم بذلك، فلا شيء عليه.
وإن كان فعل ذلك من نفسه، ففعله غير مجزئ، وهو باقٍ على إحرامه لم يتحلل منه، فيلزمه الآن أن ينزع ثيابه (المخيطة) ، وأن يحلق أو يقصر من جميع رأسه، وبهذا يكون قد تحلل، ولا شيء عليه في المحظورات التي ارتكبها في تلك المدة؛ لجهله.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن رجل قصر شعره من جانب واحد بعد العمرة، ثم رجع إلى أهله وتبين له أن فعله غير صحيح، فماذا عليه؟ أجاب: " إن فعل هذا الأمر جاهلاً فالواجب عليه أن يخلع ملابسه الآن (ويلبس إحرامه) ويحلق حلقاً كاملاً أو يقصر، ويكون ما فعله في محل العفو؛ لأنه كان جاهلاً، والحلق أو التقصير لا يشترط أن يكون في مكة، بل يكون في مكة وفي غيرها. أما إن كان ما فعله بناءً على فتوى من أحد العلماء، فليس عليه شئ؛ لأن الله يقول: (فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) النحل/43، وبعض العلماء يرى: أن التقصير من بعض الرأس كالتقصير من كل الرأس " انتهى من "اللقاء الشهري" رقم 10.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4290)
من أفطر رمضان كله هل يقضي 30 يوما أو بعدد أيام الشهر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجتي في شهر رمضان كانت نفساء ولم تصم أي يوم وسوف تقضيه إن شاء الله فيما بعد. سؤالي هل تقضي عدد الأيام التي صامها الناس في هذا الشهر فقط، بمعني أن الشهر كان 29يوما أو 28 يوما ولم يكتمل 30 يوما فهل يكون القضاء كما صام الناس أم يجب عليها صيام 30 يوم على أي حال؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا لم يصم المسلم شهر رمضان كله، لعذرٍ من سفرٍ أو مرضٍ أو نفاسٍ، فإنه يقضيه بعدد أيامه، لقوله تعالى: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) البقرة/184، فإن كان رمضان تاما قضى ثلاثين يوما، وإن كان تسعة وعشرين يوما قضاه كذلك، ولا يمكن أن يكون الشهر الهلالي ثمانية وعشرين يوما.
وذهب بعض العلماء إلى أنه يلزمه أن يصوم ثلاثين يوماً، أو يصوم شهراً هلالياً.
قال في "الإنصاف" (3/333) : " من فاته رمضان كاملا , سواء كان تاما أو ناقصا , لعذر كالأسير وونحوه: قضى عدد أيامه مطلقا , كأعداد الصلوات، على الصحيح من المذهب.
وعند القاضي: إن قضى شهرا هلاليا أجزأه. سواء كان تاما أو ناقصا , وإن لم يقض شهرا صام ثلاثين يوما.
فعلى القول الأول: من صام من أول شهرٍ كاملٍ , أو من أثناء شهرٍ , تسعةً وعشرين يوما. وكان رمضان الفائت ناقصا: أجزأه عنه , اعتبارا بعدد الأيام , وعلى القول الثاني: يقضي يوما تكميلا للشهر بالهلال , أو العدد ثلاثين يوما " انتهى باختصار.
وقال في "منح الجليل" (2/152) : " فمن أفطر رمضان كله وكان ثلاثين، وقضاه في شهر بالهلال وكان تسعة وعشرين: صام يوما آخر , وبالعكس فلا يلزمه صوم اليوم الأخير؛ لقوله تعالى: (فعدة من أيام أخر) هذا هو المشهور. وقال ابن وهب: إن صام بالهلال كفاه ما صامه ولو كان تسعة وعشرين ورمضان ثلاثين " انتهى.
وينظر: "الموسوعة الفقهية" (28/75) .
والحاصل أن على زوجتك قضاء عدد أيام الشهر، ولو كان تسعة وعشرين يوماً.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4291)
أحرمت بالعمرة من مكة ونسيت شوطا أو شوطين من السعي
[السُّؤَالُ]
ـ[في السنة الماضية أخذت عمرة، ولكن بعد ثلاثة أو أربعة أيام من قدومي إلى مكة، وهناك قال لي البعض: إن الإحرام يكون من مكة وأنا زائرة؟ ثم أخذت العمرة بعد الإحرام من مكة، ولكن أظن أنني نسيت شوطين من السعي، وذلك بعد مراجعة نفسي، أو ربما شوطاً؟ وأنا أريد أن أذهب يوم الثلاثاء القادم إلى العمرة فماذا علي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا أحرمت بالعمرة من داخل مكة، ولم تخرجي إلى موضعٍ من الحِلِّ، كالتنعيم أو ما يسمى بمسجد عائشة رضي الله عنها، فقد فاتك واجب من واجبات العمرة، وهو الإحرام من الميقات، وميقات العمرة لأهل مكة ومن كان بها هو الحِلُّ، فيلزم من كان بها وأراد العمرة أن يخرج إلى أي مكان في الحِلِّ ليحرم منه، فإن لم يفعل لزمه دم، شاة تذبح وتوزع على فقراء الحرم، وراجعي السؤال رقم (48955) .
ثانيا:
ما ذكرتيه من نقص أشواط السعي إن كان مجرد شك أو ظن حصل بعد فراغك من السعي، فلا عبرة به؛ لأن الشك بعد الفراغ من العبادة لا يؤثر.
قال ابن قاسم العبادي في حاشيته على "تحفة المحتاج" (4/81) : " ولو شك في العدد قبل تمامه أخذ بالأقل إجماعا , وإن ظن خلافه أو شك في ذلك بعده أي بعد فراغه لم يؤثر " انتهى.
وإن تيقنت أنك سعيت ستة أشواط أو خمسة، فإن سعيك لم يكتمل، وتحللك من عمرتك لا يصح، لبقاء ركن من أركان العمرة وهو السعي، فلا تزالين على إحرامك، ويلزمك ثلاثة أمور:
الأول: أن تجتنبي جميع محظورات الإحرام؛ لأنك لازلت على إحرامك.
الثاني: أن تعودي إلى مكة فتأتي بالسعي من أوله.
الثالث: أن تتحللي بالأخذ من شعرك قدر أنملة؛ لأن تحللك الأول وقع قبل تمام النسك، فلم يُعتدّ به.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عن رجل أدى عمرة ولكن سعيه ناقص شوطاً فماذا يلزمه؟
فأجاب: "هذا الرجل لا يزال على إحرامه، يجب أن يخلع ثيابه ويتجنب محظورات الإحرام، ويلبس ثياب الإحرام من بلده الذي هو فيها فوراً، ويذهب إلى مكة ويسعى من جديد، لأنه إلى الآن في عمرته" انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (22/435) .
وما ارتكبتيه من محظورات الإحرام خلال هذه المدة، إن كان عن جهل بالحكم، فلا شيء عليك فيه، وإن كان مع علمك بأنك لا تزالين محرمة، فتلزمك الفدية عنه.
وراجعي السؤال رقم (36522) .
ثالثا:
لا يشرع لك الإحرام بالعمرة من الميقات في سفرك القريب المذكور (يوم الثلاثاء) ؛ لأنك لا زلت على إحرامك بالعمرة الأولى كما سبق، لكن إذا وصلت مكة، وأتممت عمرتك الأولى وتحللتِ منها، ثم أردت الاعتمار ثانيا، فإنك تخرجين إلى التنعيم أو أي موضعٍ من الحل، وتحرمين بالعمرة.
نسأل الله تعالى أن يتقبل منا ومنك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4292)
هل يجوز تغطية وسط الجسم بقطعة قماش تلف حوله في ملابس الإحرام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إن شاء الله أنا ذاهب لأداء العمرة وبعض منتجي ملابس الإحرام في مصر يصنعون غطاء للعورة بدون مخيط أسفل القطعتين العلوية والسفلية أي تصبح الملابس ثلاث (3) قطع، هل يصح ارتداؤها؟ وإن كان هناك كفارة بالفدو - مثلاً - أرجو الرد للاحتياج الشديد.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل للمحرم أنه يلبس ما يشاء إلا ما نصَّ الشرع على منعه، وهو ما كان مفصَّلاً على قدر أي عضو من أعضاء جسمه، أو على قدر البدن كله، وهو الذي يُسمَّى في كتب الفقهاء " المخيط "، وكذا لا يلبس المحرم ثياباً عليها الطيب، ولما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عما يلبسه المحرِم ذكَر ما لا يلبسه.
فعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنْ الثِّيَابِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ الْقَمِيصَ وَلَا السَّرَاوِيلَ وَلَا الْبُرْنُسَ وَلَا الْخُفَّيْنِ إِلَّا أَنْ لَا يَجِدَ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ مَا هُوَ أَسْفَلُ مِنْ الْكَعْبَيْنِ وَلاَ ثَوْباً مَسَّهُ زَعْفَران وَلاَ وَرْس) رواه البخاري (5458) ومسلم (1177) .
البرنس: ثوب ملتصق به غطاء الرأس.
الورس: نبت أصفر يُصبغ به طيب الرائحة.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
المخيط عند الفقهاء: كل ما خيط على قياس عضو، أو على البدن كله، مثل: القميص، والسراويل، والجبة، والصدرية، وما أشبهها، وليس المراد بالمخيط ما فيه خياطة، بل إذا كان مما يلبس في الإحرام فإنه يلبس ولو كان فيه خياطة.
" الشرح الممتع " (7 / 126) .
وقال:
لا بد أن يلبس على عادة اللبس، فلو وضعه وضعاً فليس عليه شيء، أي: لو ارتدى بالقميص (أي: وضعه على كتفيه) فإن ذلك لا يضر؛ لأنه ليس لبساً له.
والدليل على هذا: حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أن النبي صلّى الله عليه وسلّم سئل ما يلبس المحرم؟ فقال: (لا يلبس القميص، ولا السراويل، ولا البرانس، ولا العمائم، ولا الخفاف) ، فذكر خمسة أشياء لا تلبس مع أنه سئل عن الذي يلبس، فأجاب بما لا يلبس، ومعنى هذا أنه يلبس المحرم ما سوى هذه الخمسة، وإنما عدل عن ذكر ما يلبس إلى ذكر ما لا يلبس لأن ما لا يلبس أقل مما يلبس.
" الشرح الممتع " (7 / 126،127) .
وقطعة اللباس التي تلف على الجسم يغطى بها منطقة العورة: لا يظهر أنها محظورة، بل هي جائزة؛ لأن المحظور هو لبس " السراويل " ويشبهه في المحظور أن يلبس " التُبَّان " وهي الثياب الداخلية التي يلبسها الناس، بخلاف القطعة التي جاءت في السؤال، وهي تشبه الإزار في كونها تلف على الجسم، وليست مفصلة على قدر عضو من الجسم.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
المهم أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم عد ما يحرم عدًّا، فما كان بمعناه ألحقناه به، وما لم يكن بمعناه لم نُلحقه به، وما شككنا فيه فالأصل الحل، ومما نشك فيه الإزار المخيط، فبعض الناس يلبس إزاراً مخيطاً، أي: لا ينفتح، ثم يلفه على بدنه ويشده بحبل، فهل نقول: إن هذا جائز، أو أنه يشبه القميص أو السراويل؟ .
نقول: إنه جائز؛ لأنه لا يشبه القميص ولا السراويل، فالسراويل لكل قدمٍ كمٌّ، والقميص في أعلى البدن، ولكل يدٍ كُمٌّ - أيضاً -، وبهذا خرج عن مشابهة السراويل والقميص فكان لا بأس به، ويستعمله بعض الناس الآن؛ لأنه أبعد عن انكشاف العورة، فنقول: ما دام يطلق عليه اسم إزار فهو إزار، ويكون حلالاً.
" الشرح الممتع " (7 / 133، 134) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4293)
تقصير بعض الشعر في العمرة أو الحج
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل قصر شعره من جانب واحد بعد العمرة ثم رجع إلى أهله وتبين له أن فعله غير صحيح فماذا عليه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
عرض هذا السؤال على الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله فقال:
إن فعل هذا الأمر جاهلاً فالواجب عليه أن يخلع ملابسه الآن (ويلبس إحرامه) ويحلق حلقاً كاملاً أو يقصر ويكون ما فعله في محل العفو لأنه كان جاهلاً، والحلق أو التقصير لا يشترط أن يكون في مكة، بل يكون في مكة وفي غيرها.
أما إن كان ما فعله بناءً على فتوى من أحد العلماء، فليس عليه شئ؛ لأن الله يقول {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} ، وبعض العلماء يرى: أن التقصير من بعض الرأس كالتقصير من كل الرأس.
[الْمَصْدَرُ]
المرجع اللقاء الشهري رقم 10.(5/4294)
نهاية وقت طواف الإفاضة
[السُّؤَالُ]
ـ[متى ينتهي وقت طواف الإفاضة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يبدأ طواف الإفاضة بعد منتصف الليل من ليلة النحر للضعفة ومن في حكمهم، وليس لنهايته وقت محدد، لكن الأولى أن يبادر الحاج بالطواف للإفاضة قدر استطاعته، مع مراعاة الرفق بنفسه، وتحين الأوقات التي يكون المطاف فيها خفيفاً من الزحام؛ حتى لا يؤذي ولا يؤذى.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (فتاوى اللجنة 11/227) .(5/4295)
حكم الرمي عن الغير
[السُّؤَالُ]
ـ[رجمت عن شخص عجوز ماذا يلزمني؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان هذا الشخص الذي وكلك في الرمي عنه لا يستطع الرمي بسبب المشقة والزحام جاز لك أن ترمي عنه، وقد ذكرت أنه عجوز، فالغالب أنه لا يستطيع الرمي بنفسه.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/286) :
" من عجز عن الرمي فإنه يوكل من يرمي عنه، وجمرة العقبة وغيرها سواء في ذلك، ويكون التوكيل لشخص ثقة حج في ذلك العام ... " اهـ.
وعلى هذا فرميك عن الشخص العجوز مجزئ وليس عليك شيء.
وعليك أن تبدأ في رمي كل جمرة بنفسك ثم ترمي عنه، وهكذا تفعل في كل جمرة، ولا يلزمك أن ترمي الجمار الثلاثة عن نفسك ثم تعود لترمي عنه، بل يمكنك أن ترمي عنه وعن نفسك كل جمرة في موقف واحد، ولكنك تبدأ بالرمي عن نفسك. راجع السؤال (36853)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4296)
متى يذبح الحاج؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا ذهب حاج لتأدية مناسك الحج, هل يجب عليه أن يذبح "قربانا"؟ وهل يذبح أيضا في بلده؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1. الحج على ثلاثة أنواع: الإفراد، والتمتع، والقِران.
فالإفراد أن يأتي بحج فقط، والمتمتع أن يأتي بعمرة ثم يتحلل منها ثم يأتي بالحج، والقران أن يقرن بين الحج والعمرة في إحرام واحد ويكفيه طواف واحد وسعي واحد لحجه وعمرته.
عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم موافين لهلال ذي الحجة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أحب أن يُهلَّ بعمرة فليهل، ومن أحب أن يهل بحجة فليهل، ولولا أني أهديت لأهللت بعمرة فمنهم من أهل بعمرة ومنهم من أهل بحجة ... )
رواه البخاري (1694) ومسلم (1211) .
2. والإفراد - وهو الحج وحده من غير عمرة قبله -. ولا يجب على المفرد ذبح الهدي ولكن يستحب.
3. وأما التمتع والقران ففيه ذبح واجب، وهو دم شكران، يشكر فيها الحاج ربَّه تعالى على أن شرع له هذا النسك، وفي التمتع يجمع الحاج بين العمرة والحج، ويتحلل بينهما ويتمتع بالطيب واللباس والجماع.
عن سالم بن عبد الله أن ابن عمر رضي الله عنهما قال: تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج وأهدى فساق معه الهدي من ذي الحليفة، وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة، ثم أهل بالحج فتمتع الناس مع النبي صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج فكان من الناس من أهدى فساق الهدي ومنهم من لم يهد، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة قال للناس: من كان منكم أهدى فإنه لا يحل لشيء حرم منه حتى يقضي حجه ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصر وليحلل ثم ليهل بالحج فمن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله …
رواه البخاري (1606) ومسلم (1227) .
4. والهدي هو ما يهديه الحاج إلى البيت العتيق من بهيمة الأنعام - الغنم والبقر والإبل - من الحلِّ قبل أن يُحرم، ومن الفروق بين المتمتع والقارن: أن القارن لا يتحلل بعد الانتهاء من عمرته، فيظل على إحرامه إلى حين الثامن من ذي الحجة وهو يوم دخوله في نية الحج.
والسنة ذبح الهدي يوم عيد النحر العاشر من ذي الحجة.
عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج وأهدى فساق معه الهدي … فانصرف فأتى الصفا فطاف بالصفا والمروة سبعة أطواف ثم لم يحلل من شيء حرم منه حتى قضى حجه ونحر هديه يوم النحر وأفاض فطاف بالبيت ثم حلّ من كل شيء حرم منه.. .
رواه البخاري (1606) ومسلم (1227) .
5. وليس على أحدٍ من الحجاج ذبحٌ في بلده، إذ الذبح من المناسك، وهو لا يكون إلا في مكة، وحتى لو كان على الحاج ذبح لوقوعه في بعض محظورات الحج فإنه لا يذبح في بلده بل يكون ذبحه في منى أو مكة.
قال عبد العظيم آبادي: ويجوز ذبح جميع الهدايا في أرض الحرم بالاتفاق، إلا أن مِنى أفضل لدماء الحج، ومكة - لا سيما المروة - لدماء العمرة. انتهى
لكن لو كان للحاج أهل يتركهم في بلده فأبقى لهم مالاً يشترون به أضحية يوم العيد فهذا حسن.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/4297)
هل يلزم طوافان للصبي ولحامله أم يكفي طواف واحد
[السُّؤَالُ]
ـ[قد عزمت على الحج ومعي صبي فهل يجب أن أطوف عن نفسي ثم أطوف عنه طوافاً آخر أو أكتفي بطواف واحد وسعي واحد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اتفق العلماء على صحة حج الصبي وقال أبو حنيفة ولا يتعلق به وجوب الكفارات واتفقوا على أنه لا يجزئه عن حجة الإسلام فعليه بعد بلوغه حجة أُخرى.
والحالات المتعلقة بحج الصبي ثلاث.
الأولى: أن يكون الصبي قادراً على المشي فيطوف حينئذٍ عن نفسه ويسعى عن نفسه.
الحالة الثانية: أن يكون غير قادر على المشي وله تمييز فينوى حينئذٍ كل من الحامل والمحمول عن نفسه ويجزئ عنهما طواف واحد وسعي واحد.
الحالة الثالثة: أن يكون الصبي صغيراً لا يميز فحينئذٍ يحمله وليه أو غيره وينوي عنه ويجزئ عنهما طواف واحد وسعي واحد وشأنهما قريب من شأن الراكب.
وقال بعض العلماء يطوف عن نفسه ثم يطوف طوافاً آخر عن الصبي.
والصحيح الأول: فقد جاء في صحيح مسلم (1336) من طريق ابن عيينة عن إبراهيم بن عقبة عن كريب مولى ابن عباس عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لقي ركباً بالروحاء فقال. من القوم؟ قالوا المسلمون. فقالوا من أنت؟ قال رسول الله. فرفعت إليه امرأة صبياً فقالت: ألهذا حج؟ قال (نعم ولك أجر)) .
ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم طوفي طوافين عنه وعن نفسك وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.
وهذا مذهب أبي حنيفة واختاره ابن المنذر وقال أبو محمد بن حزم رحمه الله في المحلى (5 / 320) ونستحب الحج بالصبي وإن كان صغيراً جداً أو كبيراً وله حج وأجر وهو تطوع وللذي يحج به أجر ويجتنب ما يجتنب المحرم ولا شيء عليه إن واقع من ذلك مالا يحل له ويطاف به ويرمى عنه الجمار إن لم يطق ذلك ويجزئ الطائف به طوافه ذلك عن نفسه....) .
لأنه لا فرق بين هذا وبين الراكب فيجزئ عن الحامل وعن المحمول، والله أعلم.
الشيخ سليمان بن ناصر العلوان
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: فإن نوى الحامل الطواف عنه وعن المحمول والسعي عنه وعن المحمول أجزأه ذلك في أصح القولين، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر التي سألته عن حج الصبي أن تطوف له وحده، ولو كان ذلك واجباً لبينه صلى الله عليه وسلم.
انظر مجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز 5/257.
وسئل الشيخ ابن جبرين عن ذلك فقال:
حيث صح الإحرام بالصبي فإن الولي هو المسئول عنه، فيلبسه الثياب ويعقد عليه إحرامه وينوي عنه النسك ويلبي عنه ويمسك بيده في الطواف والسعي، فإن كان عاجزاً كصغير أو رضيع فلا بأس بحمله، ويكتفي بطواف واحد عن الحامل والمحمول على الصحيح ...
انظر فتاوى إسلامية ج2/ص182.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/4298)
نسيان السعي
[السُّؤَالُ]
ـ[أديت فريضة الحج وكنت متمتعاً، وأديت العمرة وأحللت من إحرامي، وفي اليوم الثامن أحرمت وأديت جميع أركان الحج، ولكني نسيت السعي غير عامد، فماذا علي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب عليك الرجوع إلى مكة للسعي للحج؛ لأن المتمتع يلزمه سعيان: سعي للعمرة، وسعي للحج.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (فتاوى اللجنة 11/257) .(5/4299)
تأخير رمي الجمار أيام التشريق للضرورة
[السُّؤَالُ]
ـ[رميت الجمار ثاني ليلة، الساعة العاشرة مساءً، مع العلم أنني مضطر إلى ذلك، فهل عليَّ إثم في ذلك أم لا؟ حيث أن معي امرأتين ورجل وكلهم مرضى.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من أخر رمي الجمار في اليوم الحادي عشر حتى أدركه الليل - وتأخيره لعذر شرعي - ورمى الجمار ليلاً فليس عليه في ذلك شيء.
وهكذا من أخر الرمي في اليوم الثاني عشر فرماه ليلاً أجزأه ذلك ولا شيء عليه، وعليه تلك الليلة المبيت في منى والرمي لليوم الثالث عشر بعد الزوال؛ لكونه لم ينفر في اليوم الثاني عشر قبل غروب الشمس، ولكن الأحوط أن يجتهد في الرمي نهاراً في المستقبل.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (فتاوى اللجنة الدائمة 11/281) .(5/4300)
سافر وترك الرمي في اليوم الثاني عشر
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت قد حجزت للسفر بعد الحج الساعة 4 عصراً من اليوم الثاني عشر، وكنت أظن أنني سأتمكن من الرمي في هذا اليوم، وخشيت إن رميت بعد الزوال يفوت مني موعد السفر فرميت صباحا وطفت للوداع وسافرت، فماذا علي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ ابن عثيمين:
لا يجوز الرمي قبل الزوال، ولكن يمكن أن نسقط عنه الرمي في هذه الحال للضرورة، ونقول له: يلزمك فدية تذبحها في منى أو مكة، أو توكل من يذبحها عنك، وتوزع على الفقراء اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
"فتاوى أركان الإسلام" (ص 564) .(5/4301)
ترك المبيت في منى ليالي أيام التشريق
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو بيان حكم عدم المبيت في منى أيام التشريق وإن كان الجواب يجب عليه دم فهل يذبح عن كل ليله شاه أم تجزئ واحدة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الْمَبِيتُ بِمِنًى لَيَالِيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَاجِبٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ , يَلْزَمُ الدَّمُ لِمَنْ تَرَكَهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ. وَالْقَدْرُ الْوَاجِبُ لِلْمَبِيتِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ هُوَ مُكْثُ أَكْثَرِ اللَّيْلِ.
الموسوعة الفقهية ج/17 ص/58
وترك المبيت بمنى ليال أيام التشريق على تفصيل:
الحالة الأولى: إذا كان ترك المبيت بمنى لعذر.
سئل الشيخ ابن باز عن حكم من لم يستطع المبيت في منى أيام التشريق فقال:
لا شيء عليه لقول الله تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم) سواء كان تركه المبيت لمرض أو عدم وجود مكان أو نحوهما من الأعذار الشرعية كالسقاة والرعاة ومن في حكمهما.
الحالة الثانية: إذا ترك المبيت ليال أيام التشريق لغير عذر.
قال الشيخ رحمه الله:
" من ترك المبيت بمنى أيام التشريق بدون عذر فقد ترك شيئاً شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله وبدلالة ترخيصه لبعض أهل الأعذار مثل الرعاة وأهل السقاية. والرخصة لا تكون إلا مقابل العزيمة، ولذلك اعتبر المبيت بمنى أيام التشريق من واجبات الحج في أصح قولي أهل العلم، ومن تركه بدون عذر شرعي فعليه دم، لما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال (من ترك نسكاً أو نسيه فليرق دماً) ويكفيه دم واحد عن ترك المبيت أيام التشريق ". مجموع فتاوى الشيخ ابن باز رحمه الله ج/5 ص/182
. ويذبحه (أي الهدي) ويفرّقه في الحرم على الفقراء ولا يأكل منه. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/4302)
هل للدعاء يوم عرفة فضل لغير الحاج؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الدعاء يوم عرفة مستجاب لغير الحاج؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عن عائشة رضي الله عنه قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما مِن يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء) رواه مسلم (1348) .
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيّون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير) رواه الترمذي (3585) وحسَّنه الألباني في " صحيح الترغيب " (1536) .
وعن طلحة بن عبيد بن كريز مرسلا: (أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة) رواه مالك في " الموطأ " (500) وحسَّنه الألباني في " صحيح الجامع " (1102) .
وقد اختلف العلماء هل هذا الفضل للدعاء يوم عرفة خاص بمن كان في عرفة أم يشمل باقي البقاع، والأرجح أنه عام، وأن الفضل لليوم، ولا شك أن من كان على عرفة فقد جمع بين فضل المكان وفضل الزمان.
قال الباجي رحمه الله:
قوله: " أفضل الدعاء يوم عرفة " يعني: أكثر الذكر بركة وأعظمه ثوابا وأقربه إجابة، ويحتمل أن يريد به الحاج خاصة؛ لأن معنى دعاء يوم عرفة في حقه يصح، وبه يختص، وإن وصف اليوم في الجملة بيوم عرفة فإنه يوصف بفعل الحاج فيه، والله أعلم " انتهى.
" المنتقى شرح الموطأ " (1 / 358) .
وقد ثبت عن بعض السلف أنهم أجازوا " التعريف " وهو الاجتماع في المساجد للدعاء وذكر الله يوم عرفة، وممن فعله ابن عباس رضي الله عنهما، وأجازه الإمام أحمد وإن لم يكن يفعله هو.
قال ابن قدامة رحمه الله:
قال القاضي: ولا بأس بـ " التعريف " عشية عرفة بالأمصار (أي ِ: بغير عرفة) ، وقال الأثرم: سألت أبا عبد الله – أي: الإمام أحمد - عن التعريف في الأمصار يجتمعون في المساجد يوم عرفة، قال: " أرجو أن لا يكون به بأس قد فعله غير واحد "، وروى الأثرم عن الحسن قال: أول من عرف بالبصرة ابن عباس رحمه الله وقال أحمد: " أول من فعله ابن عباس وعمرو بن حُرَيث ".
وقال الحسن وبكر وثابت ومحمد بن واسع: كانوا يشهدون المسجد يوم عرفة، قال أحمد: لا بأس به؛ إنما هو دعاء وذكر لله. فقيل له: تفعله أنت؟ قال: أما أنا فلا، وروي عن يحيى بن معين أنه حضر مع الناس عشية عرفة " انتهى.
" المغني " (2 / 129) .
وهذا يدل على أنهم رأوا أن فضل يوم عرفة ليس خاصاً بالحجاج فقط، وإن كان الاجتماع للذكر والدعاء في المساجد يوم عرفة، لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك كان الإمام أحمد لا يفعله، وكان يرخص فيه ولا ينهى عنه لوروده عن بعض الصحابة، كابن عباس وعمرو بن حريث رضي الله عنهم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4303)
وقت رمي الجمار
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف بالتحديد وقت رمي الجمار، أوله وآخره.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ ابن عثيمين:
وقت الرمي بالنسبة لجمرة العقبة يوم العيد يكون لأهل القدرة والنشاط من طلوع الشمس يوم العيد، ولغيرهم من الضعفاء ومن لا يستطيع مزاحمة الناس من الصغار والنساء يكون وقت الرمي في حقّهم من آخر الليل، وكانت أسماء بنت أبي بكر ـ رضي الله عنها ـ ترتقب غروب القمر ليلة العيد فإذا غاب دفعت من مزدلفة إلى منى، ورمت الجمرة، أما آخره فإنه إلى غروب الشمس من يوم العيد، وإذا كان زحام أو كان بعيداً عن الجمرات وأحب أن يؤخره إلى الليل فلا حرج عليه في ذلك، ولكنه لا يؤخره إلى طلوع الفجر من اليوم الحادي عشر.
وأما بالنسبة لرمي الجمار في أيام التشريق وهي اليوم الحادي عشر، واليوم الثاني عشر، واليوم الثالث عشر فإن ابتداء الرمي يكون من زوال الشمس أي من انتصاف النهار عند دخول وقت الظهر، ويستمر إلى الليل، وإذا كان هناك مشقة من زحام وغيره فلا بأس أن يرمي بالليل إلى طلوع الفجر، ولا يحل الرمي في اليوم الحادي عشر والثاني عشر، الثالث عشر قبل الزوال، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يرم إلا بعد الزوال، وقال للناس: " خذوا عني مناسككم " وكون الرسول صلى الله عليه وسلم يؤخر الرمي ـ إلى هذا الوقت ـ مع أنه في شدّة الحر، ويدع أول النهار مع أنه أبرد وأيسر، دليل على أنه لا يحل الرمي قبل هذا الوقت، ويدل لذلك أيضاً أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يرمي من حين تزول الشمس قبل أن يصلي الظهر، وهذا دليل على أنه لا يحل أن يرمي قبل الزوال وإلا لكان الرمي قبل الزوال أفضل، لأجل أن يصلي الصلاة ـ صلاة الظهر ـ في أوّل وقتها، لأن الصلاة في أول وقتها أفضل، والحاصل أن الأدلة تدل على أن الرمي في أيام التشريق لا يجوز قبل الزوال.
"فتاوى أركان الإسلام" (ص 560) .
وقال أيضاً:
رمي جمرة العقبة يوم العيد ينتهي بطلوع الفجر من اليوم الحادي عشر ويبتدئ من آخر الليل من ليلة النحر للضعفاء ونحوهم من الذين لا يستطيعون مزاحمة الناس.
وأما رميها في أيام التشريق فهي كرمي الجمرتين اللتين معها يبتدئ الرمي من الزوال (أول وقت صلاة الظهر) وينتهي بطلوع الفجر من الليلة التي تلي اليوم إلا إذا كان في آخر أيام التشريق فإن الليل لا رمي فيه وهو ليلة الرابع عشر، لأن أيام التشريق انتهت بغروب شمسها، ومع ذلك فالرمي في النهار أفضل إلا أنه في هذه الأوقات مع كثرة الحجيج وغشمهم، وعدم مبالاة بعضهم ببعض إذا خاف على نفسه من الهلاك أو الضرر أو المشقة الشديدة فإنه يرمي ليلاً ولا حرج عليه، كما أنه لو رمى ليلاً بدون أن يخاف هذا فلا حرج عليه، ولكن الأفضل أن يراعي الاحتياط في هذه المسألة ولا يرمي ليلاً إلا عند الحاجة إليه اهـ.
فتاوى أركان الإسلام (ص557-558) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4304)
اختلاف العمرة والحج في نفس العام حيث يعتمر لشخص ويحج لآخر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من سافر إلى الحج ونوى عمرته لأمه وحجه لأبيه، والعام الثاني يعكس يحج لأمه ويعتمر لأبيه، فهل يجوز أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
كل من الحج والعمرة نسك مستقل، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم كيفية أدائهما قراناً وإفراداً وتمتعاً بالعمرة إلى الحج، فمن أراد الإحرام بالعمرة عن أمه مثلاً والإحرام بالحج بعد التحلل من العمرة عن أبيه أو العكس فله ذلك، وإذا أحرم بأحد النسكين عن نفسه، وبعد أن تحلل منه أحرم بالآخر عن أبيه مثلاً كان جائزاً؛ لأن الأعمال بالنيات، ولكل امرئ مانوى.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (فتاوى اللجنة 11/58) .(5/4305)
نسي أحد الأشواط من طواف الإفاضة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا طاف الحاج طواف الإفاضة، ونسي أحد الأشواط ولم يعلم إلا بعد خروجه من المسجد الحرام، فما الحكم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا طاف الحاج طواف الإفاضة ونسي أحد الأشواط، وطال الفصل فإنه يعيد الطواف، وإن كان الفصل قريباً فإنه يأتي بالشوط الذي نسيه.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (فتاوى اللجنة 11/253) .(5/4306)
السعي بلا طهارة
[السُّؤَالُ]
ـ[وعندما سعيت بين الصفا والمروة انتقض الوضوء، ولم أستطع أن أخرج لأجدد الوضوء، وحصل لي هذا في طواف الوداع أيضاً.
فما حكم من طاف وسعى ولم يكن على وضوء؟ جزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سعيك بين الصفا والمروة صحيح، ولو كان بدون طهارة؛ لأنها لا تشترط في السعي، أما طواف الوداع فغير صحيح؛ لأن من شروط الطواف الطهارة، وعليك إعادته ما دمت في مكة، فإن كنت سافرت إلى بلدك فعليك دم يُذبح في مكة للفقراء.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (فتاوى اللجنة 11/264) .(5/4307)
حج الصغير
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أردت أن يحج معي ابني الذي لم يبلغ الحلم، هل ألبسه ملابس الإحرام وأقوم نيابة عنه بجميع المناسك كأن أطوف عنه..إلخ، أم ألبسه ملابسه العادية ولا أقوم عنه بشيء طالما أنه صغير ولا حج عليه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الصبي المميز الذي لم يبلغ الحلم إذا أراد وليه أن يحج به فإنه يأمره بأن يلبس ملابس الإحرام، ويفعل (الصبي) بنفسه جميع مناسك الحج ابتداءً من الإحرام من الميقات إلى آخر أعمال الحج، ويرمي عنه (وليه) إن لم يستطع الرمي بنفسه، ويأمره بأن يجتنب المحظورات في الإحرام، وإذا لم يكن مميزاً فإنه (أي وليه) ينوي عنه الإحرام بعمرة أو حج، ويطوف ويسعى به ويُحضره معه في بقية المناسك ويرمي عنه.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (فتاوى اللجنة 11/22) .(5/4308)
حاول المبيت بمزدلفة ولم يتمكن، فما الحكم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[بعد غروب شمس يوم عرفة نزلنا أنا وصاحبي كل منا معه سيارة محملة بالنساء وقليل من الرجال والصبية، من عرفات إلى مزدلفة ضمن الحجيج، وبعد مضي هزيع من الليل لم يبلغ نصفه وصلنا إلى مزدلفة، ولم يسمحوا لنا بالدخول إلى الأراضي الخالية في بدايتها، ... ولما انتهينا إلى منتصف مزدلفة لم نجد مداخل إلى الأراضي الخالية، وأُخرجنا من مزدلفة وبعد إخراجنا من مزدلفة افترقنا رغماً عنا، فأما صاحبي فذهب لرمي جمرة العقبة وأداء طواف الإفاضة حيث لا يستطيع العودة إلى مزدلفة لعدم معرفته طرق العودة إليها، أما أنا فذهبت تبعاً لخطوط السير إلى منى ثم إلى مكة ومنها إلى عرفات ونزلنا مرة أخرى إلى مزدلفة قرب نهاية الليل، بعد جهد جهيد وتعب مضني. والسؤال: 1 - هل يجب على صاحبي ومن معه دم لعدم تحقق المبيت بمزدلفة وهو مرغم على ذلك أم لا؟ 2 - هل يلزمني مثل هذا الدوران طوال الليل مع ما فيه من مشقة عظيمة ولم يتحقق المبيت على الوجه المطلوب إذ هو جزء قليل من الليل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الأمر كما ذكر فلا يجب على واحد منكما، وكذلك من معكما من الحجاج فدية لعدم المبيت في مزدلفة؛ لأنكم بذلتم ما وسعكم للحصول على المبيت ولم تتمكنوا من ذلك، قال تعالى: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) البقرة/286، وقال تعالى: (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج) المائدة/6 وقال تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم) التغابن/16 أما من رمى جمرة العقبة وطاف للإفاضة وسعى قبل منتصف الليل فإن ذلك لا يجزئه، وعليه أن يعيد الطواف والسعي والرمي، وليس لإعادة الطواف والسعي حد محدود، إنما الأمر الواجب البدار بذلك بعد العلم، أما الرمي فعليهم هدي لمن تركه إذا كانوا لم يعيدوه في أيام منى الأربعة يوم العيد وأيام التشريق. وإن كان بعد منتصف الليل أجزأه ولا إثم عليكم في ذلك إن شاء الله، وأنت مأجور بما فعلت من الاجتهاد وما حصل عليك من المشقة.
[الْمَصْدَرُ]
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم (فتاوى اللجنة 11/202) .(5/4309)
ترك طواف الإفاضة
[السُّؤَالُ]
ـ[تركت طواف الإفاضة، وكنت أظن أن الطواف الأول يكفي عنه، فماذا يلزمني؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ ابن عثيمين:
طواف الإفاضة ركن من أركان الحج لا يتم الحج إلا به، فإذا تركه الإنسان فإن حجّه لم يتم، لا بدّ أن يأتي به فيرجع ولو من بلده فيطوف طواف الإفاضة، وفي هذه الحال ما دام لم يطف لا يجوز أن يستمتع بزوجته، لأنه لم يتحلل التحلل الثاني، إذ إنه لا يحل التحلل الثاني إلا بعد طواف الإفاضة والسعي إن كان متمتعاً، أو كان قارناً أو مفرداً ولم يكن سعى مع طواف القدوم اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
"فتاوى أركان الإسلام" (ص 541) .(5/4310)
ماذا تفعل الحائض إذا أحرمت
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا تفعل المرأة إذا أتتها الدورة أثناء أدائها للعمرة ماذا تؤدي وماذا لا تؤدي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا أحرمت المرأة وعليها الدورة الشهرية فإنها تفعل جميع ما يفعله الحاج والمعتمر على أن لا تطوف بالبيت، وتؤجل الطواف حتى تطهر.
الشيخ عبد الكريم الخضير.
ويمكنها أن تذكر الله وتدعو وتلبي وتفعل الخيرات، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/4311)
هل يجوز تكرار العمرة؟ وكم يكون بينهما؟
[السُّؤَالُ]
ـ[سنقوم بأداء رحلة العمرة في نهاية شهر شعبان وبداية رمضان إن شاء الله وسؤالي: هل يمكن عمل أكثر من عمرة؟ بمعنى عمل عمرة ثم الانتظار فترة والإحرام مرة أخرى ثم القيام بعمرة أخرى- وكم الفترة التي يجب انتظارها بين العمرتين؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج من تكرار العمرة. فقد رَغَّب النبي صلى الله عليه وسلم في العمرة إلى العمرة، ولم يحدد وقتاً بين العمرتين.
قال ابن قدامة في المغني:
وَلا بَأْسَ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي السَّنَةِ مِرَارًا، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ , وَابْنِ عُمَرَ , وَابْنِ عَبَّاسٍ , وَأَنَسٍ , وَعَائِشَةَ , وَعَطَاءٍ , وَطَاوُسٍ , وَعِكْرِمَةَ , وَالشَّافِعِيِّ لأَنَّ عَائِشَةَ اعْتَمَرَتْ فِي شَهْرٍ مَرَّتَيْنِ بِأَمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (الْعُمْرَةُ إلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وسئل الشيخ ابن باز في مجموع الفتاوى (17/432) :
هل يجوز تكرار العمرة في رمضان طلبا للأجر المترتب على ذلك؟
فأجاب:
" لا حرج في ذلك، النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلا الْجَنَّةُ) رواه البخاري (1773) ومسلم (1349) .
إذا اعتمر ثلاث أو أربع مرات فلا حرج في ذلك. فقد اعتمرت عائشة رضي الله عنها في عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حجة الوداع عمرتين في أقل من عشرين يوما " اهـ.
وسئلت اللجنة الدائمة (11/337) :
إنني أسكن في قرية تبعد عن مكة 100 كيلو متر، وفي شهر رمضان المبارك من كل عام أذهب إلى مكة معتمرا، وأصلي صلاة الجمعة والعصر، ثم أعود إلى قريتي، وقد تناقشت بها مع بعض إخواني فقالوا لي: لا تجوز العمرة كل أسبوع في شهر رمضان المبارك.
فأجابت:
إذا كان الواقع كما ذكرت فذلك جائز، لأنه لم يرد نص في تحديد فترة بين العمرة والتي تليها اهـ.
وقد ذهب بعض العلماء إلى تحديد المدة بين العمرتين بما إذا ظهر له شعر يحلقه في العمرة الثانية، وهذه المدة قد تكون نحواً من أسبوع أو عشرة أيام.
قال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع (7/242) :
قال الإمام أحمد: " لا يعتمر إلا إذا حَمَّم رأسه" حمم أي: اسود من الشعر.
وبناء على هذا يكون ما يفعله العامة الآن من تكرار العمرة، ولاسيما في رمضان كل يوم إن لم يكن بعضهم يعتمر في النهار عمرة وفي الليل عمرة خلاف ما عليه السلف اهـ.
قال ابن قدامة في "المغني":
"وَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه فِي كُلٍّ شَهْرٍ مَرَّةً. وَكَانَ أَنَسٌ إذَا حَمَّمَ رَأْسَهُ خَرَجَ فَاعْتَمَرَ. رَوَاهُمَا الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: يَعْتَمِرُ إذَا أَمْكَنَ الْمُوسَى مِنْ شَعْرِهِ. وَقَالَ عَطَاءٌ: إنْ شَاءَ اعْتَمَرَ فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّتَيْنِ. وقَالَ أَحْمَدُ: إذَا اعْتَمَرَ فَلا بُدَّ مِنْ أَنْ يَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ , وَفِي عَشَرَةِ أَيَّامٍ يُمْكِنُ حَلْقُ الرَّأْسِ" اهـ.
وقال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (26/45) :
والذي نص عليه أَحْمَد أَنَّهُ لا يُسْتَحَبُّ الإِكْثَارُ مِنْ الْعُمْرَةِ لا مِنْ مَكَّةَ وَلا غَيْرِهَا بَلْ يَجْعَلُ بَيْنَ الْعُمْرَتَيْنِ مُدَّةً وَلَوْ أَنَّهُ مِقْدَارُ مَا يَنْبُتُ فِيهِ شَعْرُهُ وَيُمْكِنُهُ الْحِلاقُ (يعني الحلق) اهـ. بتصرف.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4312)
الشرب من زمزم مستحب وليس واجبا
[السُّؤَالُ]
ـ[أنوي إن شاء الله أن أعتمر في شهر رمضان المبارك، ومن المقرر أن أصل لمكة ظهرا براً، كما هو معلوم بأنه يجب أن يرتوي المعتمر بماء زمزم بعد الصلاة خلف مقام إبراهيم في الأيام العادية، لكن في رمضان وأنا أنوي الصوم وعدم الإفطار فكيف أشرب ماء زمزم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الشرب من ماء زمزم ليس واجبا، بل هو مستحب وليس استحبابه خاصا بما بعد صلاة الركعتين خلف المقام، بل الشرب من زمزم مستحب في كل وقت.
قال شيخ الإسلام في " مجموع الفتاوى" (26/144) :
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَشْرَبَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ وَيَتَضَلَّعَ مِنْهُ وَيَدْعُوَ عِنْدَ شُرْبِهِ بِمَا شَاءَ مِنْ الأَدْعِيَةِ الشَّرْعِيَّةِ اهـ.
وقال الموفق في "المغني".
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْتِيَ زَمْزَمَ , فَيَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا لِمَا أَحَبَّ , وَيَتَضَلَّعَ مِنْهُ. قَالَ جَابِرٌ , فِي صِفَةِ حَجِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: ثُمَّ أَتَى بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ , وَهُمْ يَسْقُونَ , فَنَاوَلُوهُ دَلْوًا , فَشَرِبَ مِنْهُ اهـ.
ومعنى (يَتَضَلَّعَ) أي يكثر من الشرب حتى يمتلئ جنبه وأضلاعه. حاشية السندي على ابن ماجه.
وقال النووي في "المجموع":
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالأَصْحَابُ وَغَيْرُهُمْ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَشْرَبَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ , وَأَنْ يُكْثِرَ مِنْهُ , وَأَنْ يَتَضَلَّعَ مِنْهُ - أَيْ يَتَمَلَّى - وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَشْرَبَهُ لِمَطْلُوبَاتِهِ مِنْ أُمُورِ الآخِرَةِ وَالدُّنْيَا , فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَشْرَبَهُ لِلْمَغْفِرَةِ أَوْ الشِّفَاءِ مِنْ مَرَضٍ وَنَحْوِهِ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ ثُمَّ ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى , ثُمَّ قَالَ (اللَّهُمَّ إنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَك صلى الله عليه وسلم قَالَ: {مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ} اللَّهُمَّ إنِّي أَشْرَبُهُ لِتَغْفِرَ لِي , اللَّهُمَّ فَاغْفِرْ لِي أَوْ اللَّهُمَّ إنِّي أَشْرَبُهُ مُسْتَشْفِيًا بِهِ مِنْ مَرَضٍ , اللَّهُمَّ فَاشْفِنِي) وَنَحْوَ هَذَا , وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَنَفَّسَ ثَلاثًا كَمَا فِي كُلِّ شُرْبٍ , فَإِذَا فَرَغَ حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى اهـ.
وقال الشيخ ابن باز في مجموع الفتاوى (16/138) :
يستحب للحاج والمعتمر وغيرهما أن يشرب من ماء زمزم إذا تيسر له ذلك اهـ.
فعلى هذا إذا اعتمرت وأنت صائم فلا حرج عليك من عدم الشرب من زمزم، وليكن شربك منها بعد الإفطار.
ثانياً:
إذا كنت مسافراً إلى مكة للعمرة فإن المسافر يجوز له الفطر والصيام بإجماع العلماء، واختلفوا في الأفضل، وسبق في إجابة السؤال (20165) أن الأفضل هو الأيسر، فمن لم يشق عليه فالصوم أفضل. ومن شق عليه الصيام مع السفر فالفطر أفضل، لاسيما والمعتمر يحتاج إلى قوة ونشاط حتى يؤدي العمرة على وجه كامل، بدعائها وخشوعها.
ويخطئ بعض المعتمرين حيث يشقون على أنفسهم فيعتمرون وهم صائمون مع مشقة الصيام عليهم مما يؤثر على أدائهم العمرة، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مفطراً يوم عرفة.
قال الشوكاني:
صَوْم ْيَوْم عرفة مُسْتَحَبّ لِكُلِّ أَحَد، مَكْرُوه لِمَنْ كَانَ بِعَرَفَاتٍ حَاجًّا. وَالْحِكْمَة فِي ذَلِكَ أَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ مُؤَدِّيًا إِلَى الضَّعْف عَنْ الدُّعَاء وَالذِّكْر يَوْم عَرَفَة هُنَالِكَ وَالْقِيَام بِأَعْمَالِ الْحَجّ اهـ.
وثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يوم الجمعة منفرداً.
قال النووي:
يُكْرَه إِفْرَاد يَوْم الْجُمُعَة بِالصَّوْمِ إِلا أَنْ يُوَافِقَ عَادَةً لَهُ , فَإِنْ وَصَلَهُ بِيَوْمٍ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ , أَوْ وَافَقَ عَادَةً لَهُ بِأَنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ يَوْمَ شِفَاءِ مَرِيضِهِ أَبَدًا , فَوَافَقَ يَوْم الْجُمُعَة لَمْ يُكْرَهْ..
قَالَ الْعُلَمَاء: وَالْحِكْمَة فِي النَّهْي عَنْهُ: أَنَّ يَوْم الْجُمُعَة يَوْم دُعَاء وَذِكْرٍ وَعِبَادَةٍ: مِنْ الْغُسْل وَالتَّبْكِير إِلَى الصَّلَاة وَانْتِظَارهَا وَاسْتِمَاع الْخُطْبَة وَإِكْثَار الذِّكْر بَعْدَهَا ; لِقَوْلِ اللَّه تَعَالَى: {فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاةُ فَانْتَشَرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا} وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْعِبَادَات فِي يَوْمهَا , فَاسْتُحِبَّ الْفِطْر فِيهِ , فَيَكُون أَعْوَنَ لَهُ عَلَى هَذِهِ الْوَظَائِف وَأَدَائِهَا بِنَشَاطٍ وَانْشِرَاحٍ لَهَا , وَالْتِذَاذٍ بِهَا مِنْ غَيْر مَلَلٍ وَلا سَآمَةٍ , وَهُوَ نَظِير الْحَاجّ يَوْم عَرَفَة بِعَرَفَةَ , فَإِنَّ السُّنَّة لَهُ الْفِطْر كَمَا سَبَقَ تَقْرِيره لِهَذِهِ الْحِكْمَة , فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَزُلْ النَّهْي وَالْكَرَاهَة بِصَوْمٍ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ لِبَقَاءِ الْمَعْنَى , فَالْجَوَاب: أَنَّهُ يَحْصُل لَهُ بِفَضِيلَةِ الصَّوْم الَّذِي قَبْله أَوْ بَعْده مَا يَجْبُر مَا قَدْ يَحْصُل مِنْ فُتُورٍ أَوْ تَقْصِيرٍ فِي وَظَائِفِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِسَبَبِ صَوْمِهِ , فَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَد فِي الْحِكْمَة فِي النَّهْي عَنْ إِفْرَاد صَوْم الْجُمُعَة اهـ. باختصار.
وسئل الشيخ ابن عثيمين في فتاوى أركان الإسلام (ص464) : عن المسافر إذا وصل إلى مكة صائما فهل يفطر ليتقوى على أداء العمرة؟
فأجاب:
نقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة في العشرين من رمضان من عام الفتح، وكان عليه الصلاة والسلام مفطرا. .
وقد ثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مفطرا بقية الشهر، لأنه كان مسافرا، فلا ينقطع سفر المعتمر بوصوله إلى مكة، ولا يلزمه الإمساك إذا قدم مفطرا، وقد يكون بعض الناس مستمرا في صيامه حتى في السفر، نظرا إلى أن الصيام في السفر في الوقت الحاضر ليس بشاق على الأمة، فيستمر في صيامه في سفره ثم يقدم مكة ويكون متعبا، فيقول في نفسه هل أستمر على صيامي، وأؤجل العمرة إلى ما بعد الفطر، أم أفطر لأجل أن أؤدي العمرة فور وصولي إلى مكة؟
فنقول له في هذه الحال: الأفضل أن تفطر لأجل أن تؤدي العمرة فور وصولك إلى مكة وأنت نشيط؛ لأن السنة لمن قدم مكة لأداء نسك أن يبادر فورا لأداء هذا النسك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل مكة وهو في نسك بادر إلى المسجد، حتى كان ينيخ راحلته عند المسجد، ويدخله ليؤدي نسكه الذي كان متلبسا به، فكونك أيها المعتمر تفطر لتؤدي العمرة بنشاط في النهار، أفضل من كونك تبقى صائما، ثم إذا أفطرت في الليل قضيت عمرتك، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان صائما في سفره لغزوة الفتح فجاء إليه الناس وقالوا: يا رسول الله إن الناس قد شق عليهم الصيام، وإنهم ينتظرون ماذا تفعل، وكان ذلك بعد العصر، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بماء فشربه، والناس ينظرون، فأفطر النبي صلى الله عليه وسلم في أثناء السفر، بل أفطر في آخر اليوم، كل هذا من أجل أن يبين للأمة أن ذلك جائز، وتكلف بعض الناس الصوم في السفر مع المشقة خلاف السنة لا شك، وينطبق عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم (ليس من البر الصيام في السفر) اهـ.
فإذا كان صومك في السفر سيؤثر على أدائك العمرة فالأفضل لك الإفطار وقضاء ذلك اليوم.
والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4313)
الإخلاص في الحج
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يكون الحاج مخلصا لله في أداء المناسك، وهل إذا أراد مع الحج التجارة وطلب الرزق، هل يكون بذلك غير مخلص لله تعالى؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" الإخلاص شرط في جميع العبادات، فلا تصح العبادة مع الإشراك بالله تبارك وتعالى، (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) الكهف/110. وقال الله تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) البينة/5. وقال الله تعالى: (فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ * أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ) الزمر/2، 3.
وفي الحديث القدسي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: (أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ) .
والإخلاص لله في العبادة معناه: ألا يحمل العبد إلى العبادة إلا حب الله تعالى وتعظيمه ورجاء ثوابه ورضوانه، ولهذا قال الله تعالى عن محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً) الفتح/39.
فلا تقبل العبادة حجاً كانت أم غيره إذا كان الإنسان يرائي بها عباد الله، أي يقوم بها من أجل أن يراه الناس، فيقولون: ما أتقى فلاناً! ما أعبد فلاناً لله! وما أشبه هذا.
ولا تقبل العبادة إذا كان الحامل عليها رؤية الأماكن، أو رؤية الناس، أو ما أشبه ذلك مما ينافي الإخلاص، ولهذا يجب على الحجاج الذين يقصدون البيت الحرام أن يخلصوا نيتهم لله عز وجل، وألا يكون غرضهم أن يشاهدوا العالم الإسلامي، أو أن يتجروا، أو أن يقال: فلان يحج كل سنة، وما أشبه ذلك.
ولا حرج على الإنسان أن يبتغي فضلاً من الله بالتجارة، وهو قاصد البيت الحرام، لقول الله تبارك وتعالى: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ) البقرة/198.
وإنما الذي يخل بالإخلاص ألا يكون له قصد إلا الاتجار والتكسب، فهذا يكون ممن أراد الدنيا بعمل الآخرة، وهذا يوجب بطلان العمل، أو نقصانه نقصاً شديداً، قال الله تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) الشورى/20 " انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
"فتاوى ابن عثيمين" (21/18) .(5/4314)
وقفات النبي صلى الله عليه وسلم للدعاء في الحج
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الوقفات التي وقف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها للدعاء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي يظهر لنا أن الوقفات المقصودة في السؤال هي ما ورد في وقفاته صلى الله عليه وسلم للدعاء في الحج، وقد ذكر أهل العلم أنها ست وقفات.
قال ابن القيم:
فقد تضمنت حجته ست وقفات للدعاء:
الموقف الأول: على الصفا، والثاني: على المروة، والثالث: بعرفة، والرابع: بمزدلفة، والخامس: عند الجمرة الأولى، والسادس: عند الجمرة الثانية. " زاد المعاد " (2 / 287، 288) .
وتفصيل هذه الوقفات:
1. الدعاء على الصفا والمروة: يكون باستقبال البيت في الدعاء بعد التكبير ثلاثاً، ثم يقول الذكر الوارد في السنة ثلاثاً، ويدعو بين ذلك.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
يقول الله أكبر وهو رافع يديه كرفعهما في الدعاء ثلاث مرات، ويقول ما ورد ومنه: " لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده " ثم يدعو بما أحب، ثم يعيد الذكر مرة ثانية، ثم يدعو بما أحب، ثم يعيد الذكر مرة ثالثة، وينزل متجهاً إلى المروة. " الشرح الممتع " (7 / 268) .
ويكون الدعاء في ابتداء الأشواط لا في انتهائها، إذ ليس ثمة دعاء على المروة عند نهاية الأشواط.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
وبه نعرف أيضاً أن الدعاء على الصفا والمروة يكون في ابتداء الأشواط لا في انتهائها، وأن آخر شوط على المروة ليس فيه دعاء؛ لأنه انتهى السعي، وإنما يكون الدعاء في مقدمة الشوط كما كان التكبير أيضاً في الطواف في مقدمة الشوط، وعليه فإذا انتهى من السعي عند المروة ينصرف، وإذا انتهى من الطواف عند الحجر ينصرف، ولا حاجة إلى التقبيل، أو الاستلام، أو الإشارة، والذي نعلل به دون أن يعترض معترض أن نقول هكذا فعل النبي صلّى الله عليه وسلّم. " الشرح الممتع " (7 / 352) .
2. والدعاء يوم عرفة يستمر إلى غروب الشمس، وعلى الحاج أن يكثر من الدعاء في هذا اليوم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له ". رواه الترمذي (3585) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.
3. ويسن للحاج أن يدعو في مزدلفة رافعاً يديه مستقبل القبلة من بعد صلاة الفجر إلى أن يسفر الصبح جدّاً، قال الله تعالى: (فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ) البقرة/198.
4. الدعاء بعد الجمرة الأولى (وهي الصغرى) ، والثانية (وهي الوسطى) ، ويكون ذلك في أيام التشريق، ولا يشرع الدعاء بعد رمي الجمرة الكبرى لا في يوم النحر ولا بعده.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4315)
كيف يتعجل من كانت خيمته خارج منى؟
[السُّؤَالُ]
ـ[الحجاج الذين تقع حملاتهم وخيامهم داخل حدود مزدلفة، ولم يجدوا مكاناً في منى، كيف يفعلون إذا أردوا التعجل؟ وهل لهم أن يذهبوا من أماكنهم في أي وقت إذا رموا قبل المغرب؟ وما هو الحال بالنسبة للذين يسكنون في أماكن أخرى من أحياء مكة؟ بالنسبة للتعجل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سألنا فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين حفظه الله فأجاب:
بأن الحجاج النازلين في مزدلفة في امتداد خيام منى حكمهم حكم أهل منى، فيلزمهم إذا أرادوا التعجل أن يغادروا أماكنهم قبل المغرب، ويجوز لهم الخروج إذا تأهبوا قبل المغرب وحبسهم الزحام كأهل منى إذا تأهبوا للخروج وعزموا عليه وحبسهم الزحام
وأما الذين يسكنون في أماكن منفصلة عن منى كبعض أحياء مكة لأنهم لم يجدوا أماكن في منى فإنه يكفيهم نية التعجل وأن يكونوا قد رموا وخرجوا من حدود منى قبل المغرب، وإذا حبسهم الزحام فلهم المواصلة في التعجل كما تقدم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين(5/4316)
إذا رجع المتعجل إلى منى ليلاً فهل لا يزال متعجلاً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[رمينا الجمار في اليوم الثاني عشر ثم خرجنا من منى قبل غروب الشمس ونوينا التعجل، ثم عدنا إلى منى ليلاً من أجل القيام ببعض الأعمال، فهل نعتبر متعجلين أم يلزمنا المبيت والرمي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
بل تكونون متعجلين. ولا يلزمكم المبيت ولا الرمي بعد التعجل.
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين:
إذا خَرج الحاج من منى قبلَ غروب الشمس يومَ الثاني عشر بنية التعجل، ولديه عملٌ في " منى " سيعودُ له بعد الغروب، فهل يُعتبر مُتعجلاً؟ .
فأجاب:
نعم؛ يُعتبر متعجلاً لأنه أنهى الحج، ونية رجوعه إلى منى لعملِه فيها لا يمنعُ التعجل؛ لأنه إنما نوى الرجوعَ للعملِ المنُوطِ به لا للنسك.
" الحج والعمرة " (السؤال رقم 10) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4317)
الأوقات التي دعا فيها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحج والعمرة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الأوقات التي دعا فيها النبي صلى الله عليه وسلم في حجه وعمرته؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اعلم أخي السائل وفقك الله أن الحاج والمعتمر ضيوف الله ووفده القادمون عليه، فهو سبحانه ما دعاهم إلا ليعطيهم وما طلبهم إلا ليكرمهم.
وفي الحديث الصحيح: (الغازي في سبيل الله والحاج والمعتمر وفد الله دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم) رواه ابن ماجه وانظره في السلسلة الصحيحة (1920) .
وأعظم أعطياته لهم - وكلها عظيمة - أنهم يرجعون كيوم ولدتهم أمهاتهم بعد أن جاءوا بالذنوب مثقلين، وبالأوزار والخطايا متلبسين، فما يغادرون موقعهم ومشاعرهم إلا وقد خرجوا من الذنوب متخففين، وبرحمة الله ورضوانه راجعين، بعد أن حطوا رحالهم عند باب الكريم الرحيم..
وفي الحديث الصحيح: (من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه) .
فسبحانه ما أعظمه وأجله! تطوى تلك الصحائف التي امتلأت بالذنوب! بخطوات يخطوها المسلم إلى بيت الله فيا لها من رحلة من فاتته فأي شيء حصَّل! ومن حصلها وسار إليها فأي شيء فَقَد! قال صلى الله عليه وسلم: (الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) .
وأما الأوقات التي دعا فيها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حجه وعمرته، فهي كالآتي:
1.الدعاء عند الصفا: لما جاء في الحديث الطويل حديث جابر رضي الله عنه في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: (فبدأ بالصفا فرقي حتى رأى البيت فاستقبل القبلة، فوحد الله وكبره، وقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ثم دعا بين ذلك، قال مثل هذا ثلاث مرات) رواه مسلم (1218) .
2.الدعاء عند المروة: للحديث السابق وفيه: (ثم نزل إلي المروة، حتى إذا انتصبت قدماه في بطن الوادي سعى، حتى أتى المروة ففعل على المروة كما فعل الصفا) رواه مسلم (1218) .
3.الدعاء عند المشعر الحرام: كما جاء في الحديث السابق وفيه: (ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام، فاستقبل القبلة فدعاه، وكبره، وهلله، ووحده، فلم يزال واقفاً حتى أسفر جداً) رواه مسلم (1218) .
4.الدعاء يوم عرفه: قال عليه الصلاة والسلام: (خير دعاء يوم عرفة) رواه الترمذي (3585) ، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (4274) .
5.الدعاء بعد رمي الجمرة الصغرى والوسطى: فقد روى البخاري في صحيحه عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع حصيات ثم يكبر على إثر كل حصاة، ثم يتقدم فَيُسْهِل، فيقوم مستقبل القبلة قياما طويلا، فيدعو، ويرفع يديه، ثم يرمي الجمرة الوسطى كذلك، فيأخذ ذات الشمال فَيُسْهِل، ويقوم مستقبل القبلة قياما طويلا، فيدعو، ويرفع يديه، ثم يرمي جمرة ذات العقبة في بطن الوادي، ولا يقف عندها، ويقول: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل. رواه البخاري (1752)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4318)
ظن أن التعجل من منى هو الخروج منها ولو لم يرمِ!
[السُّؤَالُ]
ـ[تعجلنا في الحج وخرجنا من منى قبل الغروب حتى لا نتأخر لليوم الثالث وعدنا بعد الخروج ورمينا بعد الغروب فهل هذا العمل جائز؟ وهل يشترط للمتعجل أن يرمي قبل غروب اليوم الثاني أم أن الرمي لا علاقة له والمهم هو الخروج قبل غروب الشمس؟ وماذا علينا إن كنا قد أخطأنا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الفهم لمعنى التعجل غير صحيح، ولا يسمى الحاج متعجلاً إلا أن يخرج من " منى " قبل غروب شمس اليوم الثاني من أيام التشريق بعد أن يكون قد رمى الجمرات، ومجرد خروجه من " منى " قبل الغروب لا يكون بذلك متعجلاً إذا لم يرمِ وخاصة أنه قد رجع إليها بعد الغروب ليرمي الجمرات.
قال علماء اللجنة الدائمة:
إذا رمى الحاج جمرات اليوم الثاني عشر بعد الزوال، ونفر إلى مكة أو غيرها قبل غروب الشمس لا يلزمه رمي جمرات اليوم الثالث عشر، ولا يشرع في حقه. " فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " (11 / 274) .
وفي تفسير قوله تعالى: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى) البقرة/203، قال علماء اللجنة الدائمة:
وأما معنى ما ذكر من الآية: فمن تعجل بالنزول من منى بعد أن بات ليلتين بها عقب يوم النحر، وبعد رمي الجمرات الثلاث في اليوم الحادي عشر والثاني عشر: فلا إثم عليه، ولا يجب عليه دم؛ لأنه أدى ما وجب عليه، ومن تأخر بمنى فبات بها ليلة الثالث عشر ورمى الجمرات الثلاث في اليوم الثالث عشر: فلا إثم عليه، بل مبيته بمنى هذه الليلة ورميه الجمرات في يومها أفضل وأعظم أجراً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك. " فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " (11 / 267) .
وقال الشيخ صالح الفوزان:
أقصر مدة للإقامة بمنى في أيام الحج هي اليوم الحادي عشر والثاني عشر - يومان بعد العيد - وهذا هو التعجل، والأكمل أن يبقى اليوم الثالث عشر، وهذا هو التأخر، قال تعالى: (فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا َإِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى) البقرة/203.
فالتعجل معناه: أن يخرج وينفر من منى بعد رمي الجمرات في اليوم الثاني عشر بعد الزوال من قبل غروب الشمس،هذا التعجل، وإذا أدركه الغروب ولم يرحل من منى فإنه يتعين عليه المبيت فيها ليلة الثالث عشر والرمي في اليوم الثالث عشر بعد الظهر، والله أعلم. فتوى رقم (16386) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين:
حاج ترك الرمي في اليوم الثاني عشر ظانا أن هذا هو التعجيل وترك المبيت بمنى وطواف الوداع جاهلا؟
فأجاب:
حجك صحيح، لأنك لم تترك فيه ركنا، من أركان الحج لكنك تركت فيه ثلاثة واجبات الواجب الأول: المبيت بمنى ليلة الثالث عشر، والواجب الثاني: رمي الجمرات في اليوم الثاني عشر، والواجب الثالث: طواف الوداع، والواجب عند أهل العلم إذا تركه الإنسان في الحج عليه دم، يذبحه بمكة ويفرقه على الفقراء لكن ترك المبيت بمنى ليلة واحدة لا يوجب الدم، وبهذه المناسبة أود أن أنبه إخواني الحجاج على هذا الخطأ الذي ارتكبه أخونا السائل، فإن كثيرا من الحجاج يفهمون من قوله تعالى {فمن تعجل في يومين} أي خرج في اليوم الحادي عشر، يعتبرون اليومين يوم العيد واليوم الحادي عشر، والأمر ليس كذلك بل هذا خطأ في الفهم، لأن الله تعالى قال: {واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه} والأيام المعدودات هي أيام التشريق وأيام التشريق أولها اليوم الحادي عشر وعلى هذا فيكون قوله تعالى {فمن تعجل في يومين} أي من أيام التشريق وهو اليوم الثاني عشر فينبغي أن يصحح الإنسان مفهومه نحو هذه المسألة حتى لا يخطئ. " فتاوى الحج " (السؤال رقم 40) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4319)
نسي التقصير في الحج وعقد قرانه
[السُّؤَالُ]
ـ[حججت أنا ووالدتي قبل عامين ونسينا التقصير ولم نذكره إلا الآن أثناء مشاهدة برنامج فتاوى السؤال: ما الواجب فعله الآن؟ وهل نقصر الآن؟ وهل يبطل عقد قراني لهذا السبب - حيث تم في هذا العام -؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عليك أن تقصر الآن، وليس عليك شيء آخر، وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: عن امرأة حجت وفعلت جميع أعمال الحج إلا أنها لم تقصر شعرها حتى الآن جهلاً أو نسياناً وقد وصلت إلى بلدها وتسأل ماذا يلزمها؟
فأجابوا: "إذا كان الأمر كما ذكره السائل من أنها فعلت كل شيء إلا التقصير نسياناً منها أو جهلاً فيلزمها أن تقصر رأسها في بلدها ولا شيء عليه لقاء تأخيره لجهلها أو نسيانها بنية إتمام الحج، ونسأل الله للجميع التوفيق والقبول" انتهى باختصار.
"فتاوى إسلامية" (2/264) .
وأما عقد النكاح فهو صحيح، لأن الحاج إذا فعل جميع المناسك وترك الحلق، فقد حلت له جميع محظورات الإحرام، (ومنها عقد النكاح) إلا الجماع فقط.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4320)
متى يشرع الاضطباع والرمل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[طفت طواف الإفاضة يوم العيد بعد النفرة من مزدلفة مباشرة أي قبل رمي جمرة العقبة أو الحلق، هل في هذا الطواف اضطباع على اعتبار أني لا زلت محرماً. وفقكم الله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يشرع الاضطباع والرمل إلا في طواف العمرة، وطواف القدوم للمفرد والقارن.
أما فيما عدا ذلك فلا يشرعان، فطواف الإفاضة لا رمل فيه اضطباع سواء طفته وأنت محرم أم غير محرم.
روى أبو داود (2001) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَرْمُلْ فِي السَّبْعِ الَّذِي أَفَاضَ فِيهِ. صححه الألباني في صحيح أبي داود.
والاضطباع هو كشف المنكب الأيمن.
والرمل هو مقاربة الخطا مع إسراع المشي.
والاضطباع والرمل متلازمان، فحيث شرع الرمل شرع الاضطباع، وحيث لم يشرع الرمل لم يشرع الاضطباع.
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (8/43) :
وَالاضْطِبَاعُ مُلازِمٌ لِلرَّمَلِ , فَحَيْثُ اسْتَحْبَبْنَا الرَّمَلَ فَكَذَا الاضْطِبَاعُ , وَحَيْثُ لَمْ نَسْتَحِبَّهُ فَكَذَا الاضْطِبَاعُ , وَحَيْثُ جَرَى خِلافٌ جَرَى فِي الرَّمَلِ وَالاضْطِبَاعِ جَمِيعًا , وَهَذَا لا خِلافَ فِيهِ اهـ.
وقَالَ أَيضاً: لَكِنْ يَفْتَرِقُ الرَّمَلُ وَالاضْطِبَاعُ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّ الاضْطِبَاعَ مَسْنُونٌ فِي جَمِيعِ الطَّوْفَاتِ السَّبْعِ , وَأَمَّا الرَّمَلُ إنَّمَا يُسَنُّ فِي الثَّلَاثِ الأُوَلِ وَيَمْشِي فِي الأَرْبَعِ الأَوَاخِرِ اهـ. "المجموع" (8/20) .
وذكر ابن قدامة في "المغني" (5/221) استحباب الرمل والاضطباع في طواف العمرة وفي طواف القدوم ثم قال:
وَلا يُسَنُّ الرَّمَلُ وَالاضْطِبَاعُ فِي طَوَافٍ سِوَى مَا ذَكَرْنَاهُ ; لأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ إنَّمَا رَمَلُوا وَاضْطَبَعُوا فِي ذَلِكَ اهـ.
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (11/225) :
يسن الاضطباع في الأشواط كلها في طواف القدوم خاصة، كما يشرع الرمل في الأشواط الثلاثة الأولى من طواف القدوم للحاج والمعتمر اهـ.
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله:
ويرمل في جميع الثلاثة الأُول من الطواف الأول، وهو الطواف الذي يأتي به أول ما يقدم مكّة، سواء كان معتمراً أو متمتعاً، أو محرماً بالحج وحده، أو قارناً بينه وبين العمرة، ويمشي في الأربعة الباقية، يبتدئ كل شوط مع مقاربة الخطى، ويستحب له أن يضطبع في جميع هذا الطواف دون غيره اهـ. فتاوى ابن باز (16/60) .
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4321)
هل على أهل مكة طواف وداع إذا خرجوا منها بعد الحج؟
[السُّؤَالُ]
ـ[خادمة عملت في مكة خمس سنوات وتريد الحج وبعد الحج ترغب في السفر إلى بلدها خروجاً نهائيّاً، هل عليها طواف وداع؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أهل مكة ليس عليهم أن يطوفوا للوداع؛ لأن الطواف وجب توديعا للبيت، وهذا المعنى لا يوجد في أهل مكة لأنها وطنهم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية، في بيانه أن طواف الوداع ليس من أركان الحج التي لا بد منها:
" ولهذا لم يكن على أهل مكة طواف قدوم، ولا طواف وداع؛ لانتفاء معنى ذلك في حقهم، فإنهم ليسوا بقادمين إليها ولا مودعين لها ما داموا فيها " مجموع الفتاوى " (26 / 261)
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " ليس على أهل مكة طواف وداع " اهـ. الفتاوى 17/393 "
وهذا الأمر يشمل كل من كان داخل حدود الحرم. وقال ابن قدامة:
" ومن كان منزله في الحرم فهو كالمكي , لا وداع عليه " اهـ. المغني " (3 / 237)
لكن إذا أراد شخص من أهل مكة أن يسافر منها بعد أداء المناسك فإنه يلزمه طواف الوداع قبل الخروج من مكة.
قال النووي رحمه الله: " قال أصحابنا: من فرغ من مناسكه، وأراد المقام بمكة، ليس عليه طواف الوداع، وهذا لا خلاف فيه، سواء كان من أهلها، أو غريبا، وإن أراد الخروج من مكة إلى وطنه أو غيره طاف للوداع " المجموع 8/254 ".
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا كان الرجل من أهل مكة، وحج وسافر بعد الحج، فليطف للوداع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا ينفرن أحدكم حتى يكون آخر عهده بالبيت) مسلم 1327، وهذا عام، فنقول لهذا المكي: ما دمت سافرت في أيام الحج، وقد حججت، فلا تسافر حتى تطوف. " اهـ. الفتاوى 23/339 ".
وعلى هذا فيلزم السائلة أن تطوف للوداع إذا أرادت السفر بعد أدائها المناسك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4322)
حكم طواف الوداع للعاجز والحائض
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الحائض والنفساء والعاجز والمريض يلزمهم طواف الوداع؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس على الحائض ولا على النفساء طواف وداع، وأما العاجز فيطاف به محمولاً، وهكذا المريض؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ينفرن أحد منكم حتى يكون آخر عهده بالبيت) ولما ثبت في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خفف عن المرأة الحائض، وجاء في حديث آخر ما يدل على أن النفساء مثل الحائض ليس عليها وداع.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة 11/307(5/4323)
أحرمت للعمرة ثم بدا لها أن لا تفعل فماذا يجب عليها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت في الطائف وقررت أن أذهب إلى مكة لقضاء بعض الأيام هناك، وفي اليوم المحدد فكرت في الإحرام للعمرة، وبالفعل اغتسلت وقلت: " لبيك اللهم بعمرة لبيك اللهم لبيك " ثم قبل مغادرة المنزل طرأ لي ما جعلني أؤجل فكرة العمرة، وحيث إني امرأة فإنه لا يتغير كثير من حالي حين الإحرام، لذلك نسيت أني قد نطقت بالتلبية، فنزلت مكة ولم أعتمر، وقضيت هناك أياماً ثم رجعت إلى الطائف ليوم واحد ومنها أحرمت للعمرة ونزلت مكة واعتمرت (ولم أتذكر أنني قد لبيت المرة الأولى إلا عندما لبيت عند الميقات في المرة الثانية) ، فماذا عليَّ في ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب على كل من أحرم بالعمرة والحج أن يتم نسكهما وإن كانا نفليْن؛ لقوله تعالى: (وأتموا الحج والعمرة لله) ، ومن نوى الإحرام وترك تتمة النسك لغير عذر شرعي وقع في المحظور.
قال علماء اللجنة الدائمة:
إذا كان لبس الإزار والرداء ولم ينو الدخول في الحج أو العمرة ولم يلب بذلك فهو بالخيار: إن شاء دخل في الحج أو العمرة، وإن شاء ترك ذلك، ولا حرج عليه إذا كان قد أدى حجة وعمرة الإسلام، أما إن كان قد نوى الدخول في الحج أو العمرة فليس له فسخ ذلك والرجوع عنه، بل يجب عليه أن يكمل ما أحرم به على الوجه الشرعي؛ لقول الله سبحانه: (وأتموا الحج والعمرة لله) ، وبهذا يتضح لك: أن المسلم إذا دخل في حج أو عمرة بالنية فليس له رفض ذلك، بل يجب عليه أن يكمل ما شرع فيه؛ للآية الكريمة المذكورة، إلا أن يكون قد اشترط، وحصل المانع الذي خاف منه فله أن يتحلل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لضباعة بنت الزبير لما قالت: يارسول الله إني أريد الحج وأنا شاكية، قال: " حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني " متفق على صحته. فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " (11 / 166، 167) .
وبناء على هذا، فإن العمرة التي أديتها تقع عن العمرة التي أحرمت بها أولاً.
وأما محظورات الإحرام التي فعلتيها في تلك الأيام فإنها معفو عنها.
لأن الظاهر أنك كنت لا تعلمين تحريم فسخ نية العمرة بعد عقدها.
وقد سبق في إجابة السؤال (36522) أن من فعل محظوراً من محظورات الإحرام جاهلاً أو ناسياً أنه لا شيء عليه.
سئل الشيخ ابن عثيمين عن امرأة أحرمت بالعمرة ثم فسخت العمرة واعتمرت بعدها بعدة أيام عمرة أخرى فهل هذا العمل صحيح؟ وما حكم ما فعلته من محظورات الإحرام؟
فأجاب: هذا العمل غير صحيح، لأن الإنسان إذا دخل في عمرة أو حج حرم عليه أن يفسخه إلا لسبب شرعي قال الله تعالى: (وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي) ، فعلى هذه المرأة أن تتوب إلى الله عز وجل مما صنعت، وعمرتها صحيحة لأنها وإن فسخت العمرة فإنها لا تنفسخ العمرة، وهذا من خصائص الحج، والحج له خصائص عجيبة لا تكون في غيره، فالحج إذا نويت إبطاله لم يبطل، وغيره من العبادات إذا نويت إبطال بطل، فلو أن الإنسان وهو صائم نوى إبطال صومه بطل صومه، ولو أن المتوضئ أثناء وضوئه نوى إبطال الوضوء بطل الوضوء.
لو أن المعتمر أثناء العمرة نوى إبطالها لم تبطل، أو نوى إبطال الحج أثناء تلبسه بالحج لم يبطل.
ولهذا قال العلماء: إن النسك لا يرتفض برفضه.
وعلى هذا نقول: إن هذه المرأة ما زالت محرمة منذ عقدت النية إلى أن أتمت العمرة، ويكون نيتها الفسخ غير مؤثرة فيه، بل هي باقية عليه.
وخلاصة الجواب: بالنسبة للمرأة نقول: إن عمرتها صحيحة، وإن عليها أن لا تعود لرفض الإحرام مرة ثانية، لأنها لو رفضت الإحرام لم تتخلص منه.
وأما ما فعلته من المحظورات ولنفرض أن زوجها جامعها والجماع في النسك هو أعظم المحظورات فإنه لا شيء عليها، لأنها جاهلة، وكل إنسان يفعل محظوراً من محظورات الإحرام جاهلاً أو ناسياً أو مكرهاً فلا شيء عليه. اهـ من مجموع فتاوى ابن عثيمين (21/351) باختصار.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4324)
ليس على القارن إلا سعي واحد فقط
[السُّؤَالُ]
ـ[عن حج بيت الله الحرام.... بالنسبة للحاج القارن هل ممكن أن نقوم بالإحرام بالعمرة والحج معاً على أن يكون السعي بين الصفا والمروة (بعد طواف القدوم) هو السعي الذي كنا ننويه بعد طواف الإفاضة؟ أي أنه لا سعي علينا بعد طواف الإفاضة طالما سعينا بعد طواف القدوم؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
القارن هو من أحرم بالعمرة والحج جميعاً، والقارن ليس عليه إلا سعي واحد فقط، وهذا السعي يكفيه للحج والعمرة. والأفضل أن يسعى بعد طواف القدوم كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، وله تأخيره حتى يكون مع طواف الإفاضة.
وقد دل على أن القارن ليس عليه إلا سعي واحد عدة أدلة، منها:
1- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قارناً، ولم يسع بين الصفا والمروة إلى سعياً واحدا فقط بعد طواف القدوم.
روى مسلم (1215) عن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: لَمْ يَطُفْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلا أَصْحَابُهُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إِلا طَوَافًا وَاحِدًا، طَوَافَهُ الأَوَّلَ.
قال النووي رحمه الله:
(لَمْ يَطُفْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلا أَصْحَابه) يَعْنِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابه قَارِنًا, فَهَؤُلاءِ لَمْ يَسْعَوْا بَيْن الصَّفَا وَالْمَرْوَة إِلا مَرَّة وَاحِدَة , وَأَمَّا مَنْ كَانَ مُتَمَتِّعًا فَإِنَّهُ سَعَى سَعْيَيْنِ , سَعْيًا لِعُمْرَتِهِ, ثُمَّ سَعْيًا آخَر لِحَجِّهِ يَوْم النَّحْر. وَفِي هَذَا الْحَدِيث دَلالَة ظَاهِرَة لِلشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ فِي أَنَّ الْقَارِن لَيْسَ عَلَيْهِ إِلا طَوَاف وَاحِد لِلإِفَاضَةِ وَسَعْي وَاحِد اهـ.
2- وروى البخاري (1556) ومسلم (1211) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: فَطَافَ الَّذِينَ كَانُوا أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ (وهم المتمتعون) بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حَلُّوا ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى، وَأَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ (وهم القارنون) فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا.
ومرادها رضي الله عنها بالطواف الواحد السعي بين الصفا والمروة، فإن السعي يطلق عليه طواف.
قال ابن القيم:
وَفِي الْحَدِيث دَلِيل عَلَى تَعَدُّد السَّعْي عَلَى الْمُتَمَتِّع , فَإِنَّ قَوْلهَا: "ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَر بَعْد أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى لِحَجِّهِمْ" تُرِيد بِهِ الطَّوَاف بَيْن الصَّفَّا وَالْمَرْوَة، وَلِهَذَا نَفَتْهُ عَنْ الْقَارِنِينَ , وَلَوْ كَانَ الْمُرَاد بِهِ الطَّوَاف بِالْبَيْتِ لَكَانَ الْجَمِيع فِيهِ سَوَاء فَإِنَّ طَوَاف الإِفَاضَة لا يَفْتَرِق فِيهِ الْقَارِن وَالْمُتَمَتِّع اهـ.
وسئل الشيخ ابن عثيمين: هل يكفي طواف واحد وسعي واحد للقارن؟
فأجاب:
إذا حج الإنسان قارناً فإنه يجزئه طواف الحج، وسعي الحجّ عن العمرة والحج جميعاً، ويكون طواف القدوم طواف سنّة وإن شاء قدم السعي بعد طواف القدوم كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وإن شاء أخره إلى يوم العيد، بعد طواف الإفاضة، ولكن تقديمه أفضل لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا كان يوم العيد فإنه يطوف طواف الإفاضة فقط، ولا يسعى لأنه سعى من قبل، والدليل على أن الطواف والسعي يكفيان للعمرة والحج جميعاً قول الرسول صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها وكانت قارنة: (طوافك بالبيت وبالصفا والمروة يسعك لحجِك وعمرتك) رواه أبو داود (1897) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1984) . فبيّن النبي عليه الصلاة والسلام أن طواف القارن وسعي القارن يكفي للحج والعمرة جميعاً اهـ "فتاوى أركان الإسلام" (ص 563) .
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4325)
اعتمرت عدة مرات ولم تكن تأخذ من شعرها فما الحكم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من عملت عمرة أو أكثر ولكنها لم تقصر من شعرها، وبعدها عملت أكثر من عمرة وقصرت، فهل عليها شيء فيما مضى؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من ترك واجباً من واجبات الحج أو العمرة كالحلق أو التقصير فعليه عند العلماء فدية (دم) يذبح في مكة ويوزع على الفقراء
سئل الشيخ ابن عثيمين عمن اعتمر ولم يحلق أو لم يقصر ناسيا أو جاهلا فما حكم عمرته؟
فأجاب:
العمرة صحيحة وإن لم يحلق أو يقصر، وذلك لأن الحلق أو التقصير ليس من أركان العمرة، وإنما هو من الواجبات، وإذا تركه الإنسان ناسيا فإنه يحلق متى ذكر إلا إذا فات الأوان، فإنه يذبح في مكة فدية يتصدق بها على الفقراء، ولا إثم عليه [في] هذه الحال ما دام ناسيا أو جاهلا. اهـ.
مجموع فتاوى ابن عثيمين (22/466) 1000
وسئل أيضاً عن رجل تحلل من عمرته بعد أن طاف وسعى ولم يحلق ولم يقصر ثم أحرم بالحج، ماذا يلزمه؟
فأجاب:
الظاهر أنه باق على تمتعه، ولكنه يلزمه عن ترك الحلق أو التقصير فدية، بناء على ما هو مشهور عند الفقهاء من أن ترك الواجب تلزم فيه الفدية فإذا كان موسرا قادرا وجب عليه أن يذبح فدية في مكة وتوزع كلها على الفقراء، وإن لم يكن قادرا فلا شيء عليه، أما النسك فهو تمتع، لأن هذه هي نيته. اهـ.
مجموع فتاوى ابن عثيمين (22/468) 1004.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4326)
لم تطف طواف العمرة لأنها كانت حائضاً
[السُّؤَالُ]
ـ[أديت العمرة في آخر يومين من رمضان ولكن وقتها كان لدي الحيض، فأحرمت من الميقات وسعيت بين الصفا والمروة وقصرت، ومنعني الحيض من الطواف، وبعد انتهاء الحيض بحوالي يوم أديت صلاة العيد، وأديت طواف الوداع، ورجعنا إلى بلادنا، فهل هذه العمرة صحيحة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أصبتِ في أشياء وأخطأتِ في أخرى، فقد أصبتِ في الإحرام من الميقات – وأنتِ حائض -، وأصبتِ في الامتناع عن الطواف، لكنك أخطأتِ في السعي والتقصير، وأخطأتِ في عدم الإتيان بطواف العمرة والسعي بعد طهارتك.
وتقديم السعي على الطواف يرى بعض العلماء أنه جائز في الحج دون العمرة.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين:
"يشترط تقديم الطواف على السعي، فلو بدأ بالسعي قبل الطواف: وجب عليه إعادته بعد الطواف؛ لأنه وقع في غير محله.
فإن قال قائل: ما تقولون فيما صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سئل، فقال له رجل: سعيتُ قبل أن أطوف قال: " افعل ولا حرج "؟
فالجواب: أن هذا في الحج وليس في العمرة...." انتهى.
" الشرح الممتع " (7 / 310) .
وأنت الآن لا تزالين على إحرامك بالعمرة، لأنها لم تتم، والواجب عليكِ: الرجوع إلى مكة والقيام بطواف العمرة الذي تركتيه، وإعادة السعي مرة أخرى، وعليك التقصير بعده، ولا عبرة بتقصيرك السابق لأنه وقع في غير محله.
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء فيمن طاف على غير طهارة:
"لا تزال محرماً بالعمرة؛ إذا كنت لم تعد للطواف وأنت طاهر، وعليك: أن تتوجه إلى مكة محرماً في أسرع وقت، وتطوف بالبيت وتسعى ثم تحلق أو تقصر، وبذلك تمت عمرتك" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (11/237، 238) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4327)
المسعى ليس من المسجد الحرام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل المسعى من المسجد الحرام؟ وهل تقربه الحائض؟ وهل يجب على من دخل الحرم من المسعى أن يصلي تحية المسجد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله:
" الذي يظهر أن المسعى ليس من المسجد ولذلك جعلوا جدارا فاصلا بينهما لكنه جدار قصير، ولا شك أن هذا خير للناس لأنه لو أدخل في المسجد وجعل منه لكانت المرأة إذا حاضت بين الطواف والسعي امتنع عليها أن تسعى..
والذي أفتي به أنها إذا حاضت بعد الطواف وقبل السعي فإنها تسعى لأن المسعى لا يعتبر من المسجد.
وأما تحية المسجد فقد يقال إن الإنسان إذا سعى بعد الطواف ثم عاد إلى المسجد فإنه يصليها ولوترك تحية المسجد فلا شيء عليه والأفضل أن ينتهز الفرصة ويصلي ركعتين لما في الصلاة في هذا المكان من الفضل "
[الْمَصْدَرُ]
انتهى من رسالة 60 مسألة في الحيض(5/4328)
لم يستطع المبيت في مزدلفة
[السُّؤَالُ]
ـ[لم نستطع المبيت في مزدلفة لأننا لم نجد مكاناً إلا على الطريق ولا يسمحون لأحد بالوقوف على الطريق. فانصرفنا إلى منى فهل علينا شيء؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ ابن باز:
إن كان لم يجد مكاناً في مزدلفة أو منعه الجنود من النزول بها فلا شيء عليه؛ لقول الله سبحانه: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ، وإن كان ذلك على تساهل منه فعليه دم مع التوبة اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى ابن باز (17/287)(5/4329)
ليس هناك دعاء يدعى به عند مقام إبراهيم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك دعاء معين أدعو به عند مقام إبراهيم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
بعض المعتمرين والحجاج يقف عند مقام إبراهيم ويدعو بدعاء لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام، وربما يدعو بدعاء بصوت مرتفع، فيشوش على الذين يصلون ركعتي الطواف خلف المقام، وليس للمقام دعاء بل السنة تخفيف الركعتين خلفه، ثم يقوم بعد التسليم مباشرة ليترك المكان لمن هو أحق به منه من الذين يريدون صلاة ركعتي الطواف اهـ
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى أركان الإسلام (ص 547)(5/4330)
لا يصح أن يشترط بعد الإحرام بمدة
[السُّؤَالُ]
ـ[نسيت أن أشترط عند الإحرام فأقول: إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، وتذكرت عند الدخول إلى مكة، فقلت ذلك، فهل هذا الاشتراط صحيح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يصح ذلك لأن الاشتراط يكون مع عقد الإحرام، ولا يكون بعد ذلك.
سئل الشيخ ابن باز عن الاشتراط بعد عقد الإحرام بمدة فقال:
ليس له ذلك وإنما يقال ذلك عند عقد الإحرام، والمراد بعقد الإحرام هو: أن ينوي الدخول فيه بقلبه اهـ. فتاوى ابن باز (17/73) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4331)
يوم الحج الأكبر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى يوم الحج الأكبر والحج الأكبر؟ وهل هما في معنى واحد، أو يختلف أحدهما عن الآخر؟ وهل كل منهما موجود في القرآن الكريم والسنة الصحيحة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يوم الحج الأكبر هو يوم النحر (وهو اليوم العاشر من شهر ذي الحجة) ، (فقد) أخرج أبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف يوم النحر في الحجة التي حج فيها فقال: (أي يوم هذا؟) فقالوا: يوم النحر، فقال: (هذا يوم الحج الأكبر) ، (سنن أبي داوود (1945) وصححه الألباني في صحيح أبي داود (1700))
وأخرج البخاري (369) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بعثني أبو بكر الصديق رضي الله عنه فيمن يؤذن يوم النحر بمنى: (لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان) .
وسمي يوم النحر يوم الحج الأكبر؛ لما في ليلته من الوقوف بعرفة، والمبيت بالمشعر الحرام، والرمي في نهاره والنحر والحلق والطواف والسعي من أعمال الحج، ويوم الحج هو الزمن، والحج الأكبر هو العمل فيه، وقد ورد ذكر يوم الحج الأكبر في القرآن قال تعالى: (وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر) التوبة / 3
وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (11/220)(5/4332)
هل يعود محرماً إذا لم يطف طواف الإفاضة يوم العيد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت أن من لم يطف للإفاضة يوم العيد، يعود محرما مرة أخرى حتى يطوف، فهل هذا صحيح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا قد روي فيه حديث عن أم سلمة رضي الله عنها، وقد سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن هذه المسألة، فأجاب:
" سؤالكم عن حديث أم سلمة رضي الله عنها أن من لم يطف طواف الإفاضة قبل غروب الشمس من يوم العيد عاد محرما.
أفيدكم بأنه حديث ضعيف لا تقوم به حجة، ولا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك من وجوه:
الأول: من جهة سنده، فإن مداره عند الإمام أحمد وأبي داود وابن خزيمة على محمد بن إسحاق صاحب السير المعروف، قال: أخبرنا أبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة عن أبيه وعن أمه عن أم سلمة رضي الله عنها، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أنتم أمسيتم قبل أن تطوفوا بهذا البيت عدتم حرما كهيئتكم قبل أن ترموا الجمرة حتى تطوفوا به) .
فأما ابن إسحق ففي مفاريده بعض النكارة، فقد سئل الإمام أحمد عن الحديث ينفرد به ابن إسحق تقبله، قال: لا والله.
وقال محمد بن يحيى: حسن الحديث عنده غرائب. وقال الدارقطني: اختلف الأئمة فيه، وليس بحجة , وإنما يعتبر به. انتهى. "تهذيب" (9/39-46) .
ولعل هذا الحديث من مفاريده المنكرة.
وأما أبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة فقال فيه في "التقريب" (2/448) : مقبول من الثالثة.
وقال فيه في "المحلى" (7/142) : " ليس معروفا بنقل الحديث، ولا معروفا بالحفظ، ولو صح يعني حديث أم سلمة لقلنا به مسارعين إلى ذلك " انتهى.
وقد أخرج الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (2/228) نحو حديث أم سلمة لكنه من طريق عبد الله بن لهيعة، قال فيه في التقريب (1/144) : " صدوق من السابعة خلط بعد احتراق كتبه ورواية ابن المبارك وابن وهب عنه أعدل من غيرهما " انتهى.
قلت: وقد ضعفه بعض الحفاظ مطلقا، وبعضهم فيما إذا روي عنه غير العبادلة.
فإذا كان هذا سند الحديث، لم يروه إلا من في روايتهم نظر ومقال، وأعرض عنه الأئمة الكبار من نقلة الحديث وحفاظه من رجال البخاري ومسلم وأمثالهم، مع أنه في أمر تعم البلوى به وتتوافر الدواعي على نقله، كان ذلك دليلا على أنه لا أصل له.
الوجه الثاني: من جهة متنه، فمتنه شاذ، لأن الأحاديث في الصحيحين وغيرهما ظاهرة متضافرة في أن التحلل الأول يحصل قبل الطواف بالبيت بدون قيد وقوعه قبل الغروب، مثل قول عائشة رضي الله عنها: (كنت أطيب النبي صلى الله عليه وسلم لحله قبل أن يطوف بالبيت) ولا يمكن أن تقيد بمثل هذا الحديث الشاذ، ولهذا قال الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (2/229) لما ذكر حديث عائشة رضي الله عنها: " فقد عارض ذلك حديث ابن لهيعة الذي بدأنا بذكره في هذا الباب، فهذه أولى، لأن معها من التواتر وصحة المجيء ما ليس مع غيرها مثله " انتهى.
الوجه الثالث: من جهة العمل به.
إذ لم يعمل به من الأمة: أئمتها وعلمائها إلا نفر قليل من بعد الصحابة إن صح النقل عنهم، فقد قال الطبري في كتابه "القرى لقاصدي أم القرى" (ص472) حين ذكر الحديث: " وهذا حكم لا أعلم أحدا قال به " انتهى.
ونقل النووي في "شرح المهذب" (8/165) عن البيهقي قوله: " لا أعلم أحدا من الفقهاء قال به. قلت (النووي) : فيكون منسوخا دل الإجماع على نسخه، فإن الإجماع لا يَنْسخ، ولا يُنسخ، لكن يدل على ناسخ " انتهى.
فوافق البيهقيَّ النوويُّ على نفي العلم بالمخالف، بل جعله إجماعا دالا على نسخ الحديث، يعني: لأن الأمة لم تعمل به، لكن في كلام النووي رحمه الله نظر لأن دعوى النسخ تستلزم ثبوت المنسوخ، والحديث لم يثبت أصلا حتى يُدَّعَى فيه النسخ.
هذا وقد نقل بعض الناس عن عروة بن الزبير أحد الفقهاء السبعة أنه قال به، ولعله فهم ذلك من قوله فيما نقله عنه الطبري في كتابه "القرى" (ص470) : إنه لا يحل الطيب لمن لم يطف بالبيت بعد عرفة وإن قصر. أخرجه سعيد بن منصور.
وإنما قلت ذلك لأنه يبعد جدا أن يكون عروة بن الزبير قال بمقتضى حديث أم سلمة ثم يخفي قوله على مثل الطبري والبيهقي.
وعلى هذا يكون معنى قول عروة: إنه لا يحل له الطيب حتى يطوف بالبيت، وهذا قول مشهور، والنزاع في ذلك معروف، والفرق بينه وبين مقتضى حديث أم سلمة بل صريحه: أن حديث أم سلمة يدل على أنه يحل قبل الطواف بالبيت، لكن إن أخر الطواف عن غروب الشمس يوم العيد عاد محرما.
أما ما نقله الطبري عن عروة فيدل على توقف حل الطيب على الطواف وبين هذا وذاك فرق ظاهر. الوجه الرابع: أن مقتضاه مخالف لمقتضى الأصول الشرعية والقواعد المرعية.
فإن مقتضاها: أن العامل متى حل من العبادة لم يعد إليها إلا بنية جديدة، وهذا مما يضعف ثبوت الحديث، ولو ثبت لكان القول به واجبا، وكل قاعدة لها مستثنيات.
هذا ما يسر الله كتابته على عجل.
أسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعا للصواب، والعمل بما دلت عليه السنة والكتاب، إنه على ذلك قدير " انتهى من رسالة مكتوبة بخط الشيخ رحمه الله.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4333)
إذا أقيمت الصلاة وهو في الطواف أو السعي
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أقيمت الصلاة وأنا أطوف أو أسعى، فماذا أفعل هل أكمل الطواف أو أصلي ثم أعيد الطواف؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا أقيمت الصلاة أثناء الطواف أو السعي، فإنك تقطع الطواف وتصلي مع الإمام، ثم تكمل الطواف من حيث انتهيت، ولا يلزمك أن تعيد الطواف ولا أن تعيد الشوط الذي قطعته من أجل الصلاة.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله:
إذا قطع الطواف لحاجة كمن طاف ثلاثة أشواط ثم أقيمت الصلاة فإنه يصلي ثم يرجع فيبدأ من مكانه ولا يلزمه الرجوع إلى الحجر الأسود، بل يبدأ من مكانه ويكمل، خلافاً لما قاله بعض أهل العلم أنه يبدأ من الحجر الأسود. والصواب لا يلزمه ذلك، كما قال جماعة من أهل العلم، وكذا لو حضر جنازة وصلى عليها، أو أوقفه أحد يكلمه، أو زحام، أو ما أشبه ذلك، فإنه يكمل طوافه، ولا حرج عليه في ذلك اهـ.
مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (17/216) .
وقال الشيخ ابن باز أيضاً:
إذا أقيمت الصلاة وهو في الطواف أو السعي يصلي مع الناس ثم يكمل طوافه وسعيه من حيث انتهى اهـ. فتاوى إسلامية (2/250) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
إذا أقيمت الصلاة والإنسان يطوف سواء طواف عمرة أو طواف حج، أو طواف تطوع فإنه ينصرف من طوافه ويصلي، ثم يرجع ويكمل الطواف، ولا يستأنفه من جديد، ويكمل الطواف من الموضع الذي انتهى إليه من قبل، ولا حاجة إلى إعادة الشوط من جديد، لأن ما سبق بني على أساس صحيح وبمقتضى إذن شرعي فلا يمكن أن يكون باطلاً إلا بدليل شرعي اهـ.
فتاوى أركان الإسلام (ص 539) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4334)
يرمي الجمار عن نفسه ثم عمن وَكَّلَه في نفس الموقف
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا وكلني أحد في رمي الجمار عنه، فهل لا بد أن أرمي الجمرات الثلاثة عن نفسي ثم أعود وأرمي عنه أم يجوز أن أرمي الأولى عن نفسي ثم أرميها عنه، ثم أرمي الثانية والثالثة كذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ ابن باز:
يجوز للنائب أن يرمي عن نفسه ثم عن مستنيبه كل جمرة من الجمار الثلاث، وهو في موقف واحد، ولا يجب عليه أن يكمل رمي الجمار عن نفسه ثم يرجع فيرمي عن مستنيبه في أصح قولي العلماء، لعدم الدليل الموجب لذلك، ولما في ذلك من المشقة والحرج، والله سبحانه وتعالى يقول: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) الحج /78. وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَسِّرُوا وَلا تُعَسِّرُوا) رواه البخاري (96) ومسلم (1734) ، ولأن ذلك لم ينقل عن أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين رموا عن صبيانهم والعاجز منهم، ولو فعلوا ذلك لنقل لأنه مما تتوافر الدواعي على نقله. اهـ
فتاوى ابن باز (16/86) .
وقال الشيخ ابن عثيمين:
ولا بأس أن يرمي عن نفسه وعمن وَكَّلَه في موقف واحد، فلا يلزمه أن يكمل الثلاث عن نفسه ثم يرجع فيرمي عن موكله لعدم الدليل على وجوب ذلك اهـ.
مناسك الحج والعمرة ص 95.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4335)
لا يشرع السعي بين الصفا والمروة إلا في الحج أو العمرة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز التطوع بالسعي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ ابن عثيمين:
لا يجوز التطوع بالسعي، لأن السعي إنما يُشرع في النُّسك، الحج والعمرة، لقول الله تعالى: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ) البقرة / 158.
[الْمَصْدَرُ]
"فتاوى أركان الإسلام" (ص540)(5/4336)
تأخير طواف الإفاضة حتى يكون عند الوداع
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن أؤخر طواف الإفاضة ثم أطوف طوافاً واحداً للوداع والإفاضة ثم أسافر من مكة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم يجوز تأخير طواف الإفاضة ثم تطوف طوفاً واحداً يجزئ عن الإفاضة والوداع، والأولى أن تطوف طوافين للإفاضة والوداع.
والأكمل من هذا كله أن تطوف للإفاضة يوم العيد بعد أن ترمي جمرة العقبة وتذبح الهدي وتحلق أو تقصر. ثم إذا أردت السفر من مكة تطوف للوداع، وهكذا فعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقد سئل الشيخ ابن باز عن هذه المسألة فقال:
لا حرج في ذلك، لو أن إنساناً أخّر طواف الإفاضة فلما عزم على السفر طاف عند سفره بعدما رمى الجمار وانتهى من كل شيء، فإن طواف الإفاضة يجزئه عن طواف الوداع، وإن طافهما – طواف الإفاضة وطواف الوداع – فهذا خير إلى خير، ولكن متى اكتفى بواحد ونوى طواف الحج أجزأه ذلك اهـ.
فتاوى ابن باز (17/332) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4337)
الحج أفضل أم الصدقة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا حج الإنسان الفريضة، فهل الأفضل أن يكرر الحج ويحج نافلة أو يتصدق بهذا المال؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل أن الحج النافلة أفضل من الصدقة بالمال الذي سينفقه في الحج. لكن قد يعرض من الأسباب ما يجعل الصدقة بالمال أفضل من حج النافلة، كما لو كانت الصدقة في الجهاد في سبيل الله، أو في الدعوة إلى الله، أو على قوم مضطرين لا سيما إذا كانوا من أقاربه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الاختيارت" (ص 206) :
وَالْحَجُّ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ الَّتِي لَيْسَتْ وَاجِبَةً. وَأَمَّا إنْ كَانَ لَهُ أَقَارِبُ مَحَاوِيجُ فَالصَّدَقَةُ عَلَيْهِمْ أَفْضَلُ , وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ هُنَاكَ قَوْمٌ مُضْطَرُّونَ إلَى نَفَقَتِهِ , فَأَمَّا إذَا كَانَ كِلاهُمَا تَطَوُّعًا فَالْحَجُّ أَفْضَلُ لأَنَّهُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ مَالِيَّةٌ وَكَذَلِكَ الأُضْحِيَّةُ وَالْعَقِيقَةُ أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ بِقِيمَةِ ذَلِكَ , لَكِنْ هَذَا بِشَرْطِ أَنْ يُقِيمَ الْوَاجِبَ فِي الطَّرِيقِ وَيَتْرُكَ الْمُحَرَّمَاتِ وَيُصَلِّيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ , وَيَصْدُقُ الْحَدِيثَ وَيُؤَدِّي الأَمَانَةَ وَلا يَتَعَدَّى عَلَى أَحَدٍ اهـ.
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله:
الحج والعمرة أفضل من الصدقة بنفقتهما لمن أخلص لله القصد، وأتى بهذا النسك على الوجه المشروع، وقد صح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: (الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلا الْجَنَّةُ) رواه البخاري (1773) ومسلم (1349) ، وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عُمْرَةٌ فِي رَمَضَان تَعْدِلُ حَجَّة) رواه البخاري (1782) مسلم (1256) اهـ.
وقال أيضاً:
من حج الفريضة فالأفضل له أن يتبرع بنفقة الحج الثاني للمجاهدين في سبيل الله، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما سئل أي الأعمال أفضل؟ قَالَ إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ. قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: حَجٌّ مَبْرُورٌ. رواه البخاري (26) ومسلم (83) .
فجعل الحج بعد الجهاد، والمراد به حج النافلة لأن الحج المفروض ركن من أركان الإسلام مع الاستطاعة، وفي الصحيحين عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: (مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فَقَدْ غَزَا، وَمَنْ خَلَفَه فِي أَهْلِهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا) ولا شك أن المجاهدين في سبيل الله في أشد الحاجة إلى المساعدة المادية، والنفقة فيهم أفضل من النفقة في التطوع للحديثين المذكورين وغيرهما اهـ.
وقال أيضاً:
الأفضل لمن أدى فريضة الحجّ والعمرة أن ينفق ما يقابل حج التطوع وعمرة التطوع في مساعدة المجاهدين في سبيل الله، لأن الجهاد الشرعي أفضل من حجّ التطوع وعمرة التطوّع اهـ.
وسئل الشيخ ابن باز: هل الأفضل أن يتبرع لبناء مسجد أو يحج عن والديه؟
فأجاب: إذا كانت الحاجة ماسة إلى تعمير المسجد فتصرف نفقة الحج تطوعاً في عمارة المسجد لعظم النفع واستمراره وإعانة المسلمين على إقامة الصلاة جماعة.
أما إن كانت الحاجة غير ماسة إلى صرف النفقة ـ أعني نفقة الحج التطوع ـ في عمارة المسجد لوجود من يعمره غير صاحب الحجّ، فحجه تطوعاً عن والديه بنفسه وبغيره من الثقات أفضل إن شاء الله، لكن لا يجمعان في حجة واحدة بل يحج لكل واحد وحده اهـ.
انظر مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (16/368-372) .
وقال الشيخ ابن عثيمين:
الذي نرى أن بذل النفقة في الجهاد أفضل من بذلها في حج التطوع، لأن نفل الجهاد أفضل من نفل الحج اهـ بتصرف.
فتاوى ابن عثيمين (2/677) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4338)
معنى الآية (فمن تعجل في يومين)
[السُّؤَالُ]
ـ[ي بالنسبة للتعجل في الحج، لماذا يسافر المتعجل في اليوم الثاني عشر، والمتأخر في اليوم الثالث عشر؟ مع أن الله يقول: (فمن تعجل في يومين) . فالتعجل يكون في اليوم الحادي عشر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
معنى الآية: فمن تعجل في يومين من أيام التشريق، وهي اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر. فيكون التعجل في اليوم الثاني عشر. ولعل السائل فهم أن اليوم الأول هو يوم العيد. وهذا الفهم غير صحيح.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
أود أن أنبه إخواننا الحجاج على هذا الخطأ، فإن كثيراً من الحجاج يفهمون أن معنى قوله تعالى: (فمن تعجّل في يومين) أي خرج في اليوم الحادي عشر فيعتبرون اليومين: يوم العيد واليوم الحادي عشر، والأمر ليس كذلك، بل هذا خطأ في الفهم، لأن الله تعالى قال: (واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجّل في يومين فلا إثم عليه) والأيام المعدودات هي أيام التشريق، وأيام التشريق أولها الحادي عشر، وعلى هذا يكون قوله: (فمن تعجّل في يومين) أي من أيام التشريق، وهو اليوم الثاني عشر فينبغي للإنسان أن يصحح مفهومه حول هذه المسألة حتى لا يخطئ اهـ.
"فتاوى أركان الإسلام" (ص 566) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4339)
وقت رمي الجمار
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو وقت رمي الجمار؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: جمرة العقبة
جمرة العقبة: هي أول الجمرات رمياً، وتُرمى يوم العيد بعد طلوع الشمس.
ويجوز للضعفاء من النساء والصبيان وغيرهم من الضعفاء أن يرموها ليلة العيد (آخر الليل) ، لأن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها كانت ترتقب غروب القمر ليلة العيد فإذا غاب دفعت من مزدلفة إلى منى ورمت الجمرة.
- آخر وقت رمي جمرة العقبة.
يمتد وقت رمي جمرة العقبة إلى غروب شمس يوم العيد.
ولا حرج لمن أخره إلى آخر الليل نظراً لشدة الزحام أو كان بعيداً عن الجمرات، ولكنه لا يؤخره إلى طلوع الفجر من اليوم الحادي عشر.
ثانياً: الرمي في أيام التشريق (11، 12، 13)
- ابتداء الرمي
يبدأ الرمي في أيام التشريق من زوال الشمس (أي دخول وقت صلاة الظهر) .
- انتهاؤه
ينتهي وقت الرمي إلى آخر الليل، فإذا كان مشقة وزحام وغيره فلا بأس أن يرمي بالليل إلى طلوع الفجر ولا يحل تأخيره إلى ما بعد الفجر.
ولا يحل الرمي في اليوم الحادي عشر والثاني عشر، والثالث عشر قبل الزوال، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يرم إلا بعد الزوال، وقال للناس: " خذوا عني مناسككم " وكون الرسول صلى الله عليه وسلم يؤخر الرمي ـ إلى هذا الوقت ـ مع أنه في شدّة الحر، ويدع أول النهار مع أنه أبرد وأيسر، دليل على أنه لا يحل الرمي قبل هذا الوقت، ويدل لذلك أيضاً أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يرمي من حين تزول الشمس قبل أن يصلي الظهر، وهذا دليل على أنه لا يحل أن يرمي قبل الزوال وإلا لكان الرمي قبل الزوال أفضل، لأجل أن يصلي الصلاة ـ صلاة الظهر ـ في أوّل وقتها، لأن الصلاة في أول وقتها أفضل، والحاصل أن الأدلة تدل على أن الرمي في أيام التشريق لا يجوز قبل الزوال.
انظر فتاوى أركان الإسلام (ص 560) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4340)
نوى التمتع فاعتمر ثم سافر ولم يحج
[السُّؤَالُ]
ـ[أحرمت بالعمرة متمتعاً، ثم لما رأيت شدة الزحام أنهيت العمرة وسافرت ولم أحرم بالحج. فهل علي شيء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كنت حججت حجة الإسلام من قبل فلا شيء عليك، وإن كنت لم تحج من قبل فكان الواجب عليك أن تبقى حتى تؤدي الفريضة وعليك المبادرة بالحج متى ما استطعت إلى ذلك سبيلاً.
قال الشيخ ابن عثيمين:
المتمتع إذا أحرم بالعمرة فأتمها ثم بدا له أن لا يحجّ قبل أن يُحرم بالحجّ فلا شيء عليه، إلا أن ينذر، فإذا نذر أن يحجّ هذا العام وجب عليه الوفاء بنذره، فإن كان بدون نذر فإنه لا حرج عليه إذا ترك الحج بعد أداء العمرة اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
"فتاوى أركان الإسلام" (ص550-551)(5/4341)
حكم الحج
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم الحج، وما حكم من أنكر وجوبه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحج ركن من أركان الإسلام، فمن جحده أو أبغضه بعد البيان فهو كافر، يستتاب فإن تاب وإلا قتل، ويجب على المستطيع أن يُعجِّل بأداء فريضة الحج؛ لقوله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين) آل عمران 97.
وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (11 / 11) .(5/4342)
هل تشترط الطهارة للطواف والسعي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أثناء طوافي للعمرة انتقض وضوئي، فلم أدر ماذا أصنع، فخرجت وتوضأت وأعدت الطواف ثم سعيت بين الصفا والمروة. فهل ما فعلته صحيح؟ وماذا كان عليّ أن أفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لقد أحسنت بإعادتك الوضوء والطواف، وأخذت بالأحسن والأحوط، وقد ذهب أكثر العلماء إلى أن الطهارة من الحدث شرط لصحة الطواف كالصلاة، فكما لا تصح الصلاة من المحدث حتى يتوضأ فكذلك الطواف.
قال ابن قدامة:
الطَّهَارَة مِنْ الْحَدَثِ شرط لِصِحَّةِ الطَّوَافِ , فِي الْمَشْهُورِ عَنْ أَحْمَدَ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ , وَالشَّافِعِيِّ اهـ.
واستدل الجمهور لهذا القول بعدة أدلة، منها:
1- قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلاةٌ , إلا أَنَّكُمْ تَتَكَلَّمُونَ فِيهِ) . رواه الترمذي (960) وصححه الألباني في إرواء الغليل (121) .
2- ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: (لما أراد صلى الله عليه وسلم أن يطوف توضأ) . وقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (خذوا عني مناسككم) . رواه مسلم (1297) .
فتاوى الشيخ ابن باز (17/213-214) .
3- ثبت في الصحيحين أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لعائشة لما حاضت: (افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي) .
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: لي قريبة اعتمرت في رمضان ولما دخلت الحرم أحدثت حدثاً أصغر، خرج منها ريح وخجلت أن تقول لأهلها أريد أن أتوضأ، ثم طافت ولما انتهت من الطواف ذهبت لوحدها وتوضأت ثم أتت بالسعي، فهل عليها دم أم كفارة؟
فأجاب:
طوافها غير صحيح، لأن من شرط صحة الطواف الطهارة كالصلاة، فعليها أن ترجع إلى مكة وأن تطوف بالبيت ويستحب لها أن تعيد السعي، لأن أكثر أهل العلم لا يجيز تقديمه على الطواف، ثم تقصّر من جميع رأسها وتحلّ، وإن كانت ذات زوج وقد جامعها زوجها فعليه دم يذبح في مكة للفقراء، وعليها أن تأتي بعمرة جديدة من الميقات الذي أحرمت منه للعمرة الأولى، لأن العمرة الأولى فسدت بالجماع، فعليها أن تفعل ما ذكرنا ثم تأتي بالعمرة الجديدة من الميقات التي أحرمت للعمرة الأولى منه، سواء كان ذلك في الحال أو في وقت آخر حسب طاقتها. والله وليّ التوفيق اهـ.
فتاوى الشيخ ابن باز (17/214-215) .
وسئل أيضاً: رجل شرع في الطواف فخرج منه ريح، هل يلزمه قطع طوافه أم يستمر؟
فأجاب: إذا أحدث الإنسان في الطواف بريح أو بول أو منيّ أو مس فرج أو ما أشبه ذلك انقطع طوافه كالصلاة يذهب فيتطهر ثم يستأنف الطواف، هذا هو الصحيح، والمسألة فيها خلاف، لكن هذا هو الصواب في الطواف والصلاة جميعاً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا فسا أحدكم في الصلاة فلينصرف وليتوضأ وليعد الصلاة) . رواه أبو داود وصححه ابن خزيمة، والطواف من جنس الصلاة في الجملة.... اهـ.
مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (17/216-217) .
وذهب بعض العلماء إلى أن الطهارة من الحدث ليست شرطاً للطواف. وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية. وأجابوا عن أدلة القول الأول بالآتي:
أما حديث (الطواف بالبيت صلاة) فقالوا: لا يصح من قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنما هو من قول ابن عباس رضي الله عنهما. قال النووي في المجموع: الصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ , كَذَا ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْحُفَّاظِ اهـ.
وأما فعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنه طاف متطهراً فقالوا: هذا لا يدل على الوجوب، وإنما يدل على الاستحباب فقط، لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعله ولم يَرِد أنه أمر أصحابه بذلك.
وأما قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعائشة: (افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي) فإنما منعها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الطواف لأنها حائض، والحائض ممنوعة من دخول المسجد.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
والذين أوجبوا الوضوء للطواف ليس معهم حجة أصلاً؛ فإنه لم يَنقل أحدٌ عن النَّبي صلى الله عليه وسلم لا بإسناد صحيح ولا ضعيف أنه أمر بالوضوء للطواف، مع العلم بأنه قد حج معه خلائق عظيمة، وقد اعتمر عمَراً متعددة والناس يعتمرون معه فلو كان الوضوء فرضاً للطواف لبيَّنه النبي صلى الله عليه وسلم بياناً عامّاً، ولو بيَّنه لنَقل ذلك المسلمون عنه ولم يهملوه، ولكن ثبت في الصحيح أنه لما طاف توضأ، وهذا وحده لا يدل على الوجوب؛ فإنه قد كان يتوضأ لكل صلاة، وقد قال: " إني كرهتُ أن أذكر الله إلا على طهر " ... .اهـ.
"مجموع الفتاوى" (21 / 273) .
وهذا القول –أي عدم اشتراط الطهارة للطواف- مع قوته واحتمال الأدلة له لا ينبغي للإنسان أن يقدم على الطواف بلا طهارة، وذلك لأن الطواف متطهراً أفضل بلا شك، وأحوط وأبرأ للذمة. وبه يسلم الإنسان من مخالفة جمهور العلماء.
ولكن يسع الإنسان العمل به مع المشقة الشديدة في مراعاة الوضوء، وذلك يكون في أيام المواسم، أو إذا كان الرجل مريضاً أو كبيراً في السن يشق عليه أن يحافظ على طهارته مع شدة الزحام والمدافعة. . ونحو ذلك.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله بعد أن أجاب عن أدلة الجمهور:
وعليه: فالقول الراجح الذي تطمئن إليه النفس: أنه لا يشترط في الطواف الطهارة من الحدث الأصغر، لكنها بلا شك أفضل وأكمل واتباعاً للنبي صلى الله عليه وسلم، ولا ينبغي أن يخل بها الإنسان لمخالفة جمهور العلماء في ذلك، ولكن أحياناً يضطر الإنسان إلى القول بما ذهب إليه شيخ الإسلام، مثل: لو أحدث أثناء طوافه في زحام شديد، فالقول بأنه يلزمه أن يذهب ويتوضأ ثم يأتي في هذا الزحام الشديد، لا سيما إذا لم يبق عليه إلا بعض شوط: فيه مشقة شديدة، وما كان فيه مشقة شديدة ولم يظهر فيه النص ظهوراً بيِّناً: فإنه لا ينبغي أن نُلزم الناس به، بل نتبع ما هو الأسهل والأيسر؛ لأن إلزام الناس بما فيه مشقة بغير دليل واضح منافٍ لقوله تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) . البقرة / 185 اهـ. " الشرح الممتع " (7 / 300) .
وأما بالنسبة للسعي: فلا يشترط فيه الوضوء وهو مذهب الأئمة الأربعة أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، بل يجوز للحائض أن تسعى بين الصفا والمروة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمنع الحائض إلا من الطواف فقال لعائشة – رضي الله عنها – لما حاضت -: " افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت ". انظر المغني 5 / 246.
قال الشيخ ابن عثيمين:
فلو سعى محدثاً، أو سعى وهو جنب، أو سعت المرأة وهي حائض: فإن ذلك مجزئ، لكن الأفضل أن يسعى على طهارة.
" الشرح الممتع " (7 / 310، 311) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4343)
مواضع وصيغ الدعاء في العمرة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا ذاهبة إلى مكة لعمل عمرة، ولا أعرف أدعية، ممكن المساعدة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ورد في السنة الصحيحة أدعية وأذكار تقال في مناسك العمرة، ويمكن أن يستفيد منها المسلم في حفظها وفهمها والعمل بمقتضاها، ومنها:
أ- في الميقات عند الإهلال.
يسن للمسلم أن يسبِّح ويهلل ويكبر قبل إحرامه بالعمرة والحج.
عن أنس رضي الله عنه قال: صلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن معه بالمدينة الظهر أربعا والعصر بذي الحليفة ركعتين ثم بات بها حتى أصبح ثم ركب حتى استوت به على البيداء حمد الله وسبح وكبر ثم أهل بحج وعمرة وأهلَّ الناس بهما. رواه البخاري (1476) .
قال الحافظ ابن حجر:
وهذا الحكم - وهو استحباب التسبيح وما ذكر معه قبل الإهلال - قلّ من تعرض لذكره مع ثبوته. " فتح الباري " (3 / 412) .
ب- في الطريق إلى مكة – بين الميقات والوصول إلى الكعبة -.
يسن التلبية والإكثار منها ورفع الصوت بها للرجال أما المرأة فتخفض صوتها حتى لا يسمعها الرجال الأجانب عنها.
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استوت به راحلته قائمة عند مسجد ذي الحليفة أهلَّ فقال: لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك. رواه البخاري (5571) ومسلم (1184) .
ج- أثناء الطواف.
يقول كلما حاذى الحجر الأسود في كل شوط: الله أكبر. روى البخراي (1613) عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طاف بالبيت. كلما أتى الركن (أي الحجر الأسود) أشار إليه بشيء كان عنده وكبَّر.
ويقول بين الركن اليماني والحجر والأسود. ما ورد عن عبد الله بن السائب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما بين الركنين: " ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ". رواه أبو داود (1892) . وحسَّنه الشيخ الألباني في " صحيح أبي داود ".
د- قبل الصعود إلى الصفا وعليه.
عن جابر بن عبد الله قال: ... ثم خرج – أي: النبي صلى الله عليه وسلم - من الباب إلى الصفا فلما دنا من الصفا قرأ {إن الصفا والمروة من شعائر الله} أبدأ بما بدأ الله به، فبدأ بالصفا فرقي عليه حتى رأى البيت، فاستقبل القبلة فوحَّد الله وكبَّره وقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده، ثم دعا بين ذلك، قال مثل هذا ثلاث مرات. رواه مسلم (1218) .
هـ- في الصعود على المروة.
يفعل مثل ما فعل على الصفا دون ذكره للآية قبل الصعود عليه.
قال جابر رضي الله عنه: ثم نزل إلى المروة حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى حتى إذا صعدتا مشى حتى أتى المروة ففعل على المروة كما فعل على الصفا. رواه مسلم (1218) .
عند شربه لماء زمزم يدعو بما شاء من خير الدنيا والآخرة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم " ماء زمزم لما شُرب له " – رواه ابن ماجه (3062) وصححه الشيخ الألباني في (5502)
وكذلك يشرع الإكثار من ذكر الله تعالى ـ ومنه الدعاء ـ في الطواف والسعي، فليدع المسلم فيهما بما يفتح الله تعالى عليه، ولا بأس بأن يقرأ القرآن في طوافه وسعيه، وما يذكره بعض الناس من وجود أدعية مخصوصة لكل شوط في الطواف والسعي: فمما لا أصل له في الشرع.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
ويستحب له في الطواف أن يذكر الله تعالى ويدعوه بما يشرع، وإن قرأ القرآن سرّاً فلا بأس، وليس فيه ذكر محدود عن النبى صلى الله عليه وسلم لا بأمره ولا بقوله ولا بتعليمه، بل يدعو فيه بسائر الأدعية الشرعية، وما يذكره كثير من الناس من دعاء معيَّن تحت الميزاب ونحو ذلك: فلا أصل له.
وكان النبى صلى الله عليه وسلم يختم طوافه بين الركنين بقوله " ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار " كما كان يختم سائر دعائه بذلك، وليس في ذلك ذكر واجب باتفاق الأئمة. " مجموع الفتاوى " (26 / 122، 123) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4344)
آداب الحج والعمرة
[السُّؤَالُ]
ـ[قد قرأت في موقعك صفة الحج والعمرة، فهل هناك آدابٌ ينبغي أن يتحلى بها الحاج أو المعتمر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال تعالى: (الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير زاد التقوى واتقون يا أولي الألباب) .
- فينبغي للعبد أن يقوم بشعائر الحج على سبيل التعظيم والإجلال والمحبة والخضوع لله رب العالمين فيؤديها بسكينة ووقار واتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
- وينبغي أن يشغل هذه المشاعر العظيمة بالذكر والتكبير والتسبيح والتحميد والاستغفار لأنه في عبادة من حين أن يشرع في الإحرام حتى يحل منه فليس الحج نزهة للهو واللعب يتمتع به الإنسان كما شاء من غير حد كما يُشَاهد من بعض الناس، فترى بعضهم يفرط في اللعب والضحك والاستهزاء بالخلق وغير ذلك من الأعمال المنكرة كأنما شرع الحج للمرح واللعب.
- ويجب على الحاج وغيره أن يحافظ على ما أوجبه الله عليه من الصلاة جماعة في أوقاتها والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
- وينبغي أن يحرص على نفع المسلمين والإحسان إليهم بالإرشاد والمعونة عند الحاجة وأن يرحم ضعيفهم خصوصا في مواضع الرحمة كمواضع الزحام ونحوها فإن رحمة الخلق جالبة لرحمة الخالق وإنما يرحم الله من عباده الرحماء.
- ويتجنب الرفث والفسوق والعصيان والجدال لغير نصرة الحق، أما الجدال من أجل نصرة الحق فهذا واجب في موضعه. ويتجنب الاعتداء على الخلق وإيذاءهم فيتجنب الغيبة والنميمة والسب والشتم والضرب والنظر إلى النساء الأجانب فإن هذا حرام في الإحرام وخارج الإحرام فيتأكد تحريمه حال الإحرام.
- وليتجنب ما يحدثه كثير من الناس من الكلام الذي لا يليق بالمشاعر كقول بعضهم إذا رمى الجمرات رمينا الشيطان وربما شتم المشعر أو ضربه بنعل ونحوه مما ينافي الخضوع والعبادة ويناقض المقصود برمي الجمار وهو إقامة ذكر الله عز وجل.
المرجع كتاب المنهج لمريد العمرة والحج للشيخ محمد ابن عثيمين.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4345)
صفة الحج
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف صفة الحج بالتفصيل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحج من أفضل العبادات، وأجل الطاعات، وهو أحد أركان الإسلام الذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم، والتي لا يتم دين العبد إلا بها.
والعبادة لا يتم التقرب بها إلى الله ولا تكون مقبولة إلا بأمرين:
أحدهما: الإخلاص لله عز وجل بأن يقصد بها وجه الله والدار الآخرة، لا يقصد بها رياءً ولا سمعة ولا حظاً من الدنيا.
الثاني: اتباع النبي صلى الله عليه وسلم فيها قولا وعملا، والاتباع للنبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن تحقيقه إلا بمعرفة سنته صلى الله عليه وسلم.
لذلك فالواجب على من أراد أن يتعبد لله تعالى بعبادة -الحج أو غيره- أن يتعلم هدي النبي صلى الله عليه وسلم فيها؛ حتى يكون عمله موافقاً للسنة.
وسنلخص في هذه الأسطر صفة الحج كما وردت في السنة.
وقد سبق في إجابة السؤال رقم 31819 بيان صفة العمرة، فليرجع إليه.
أنواع الأنساك
الأنساك ثلاثة أنواع: تمتع – إفراد – قران
فالتمتع: أن يحرم بالعمرة وحدها في أشهر الحج (وأشهر الحج هي شوال وذو القعدة وذو الحجة. انظر الشرح الممتع 7/62) فإذا وصل مكة طاف وسعى للعمرة وحلق أو قصر من شعره وتحلل من إحرامه، فإذا كان يوم التروية وهو اليوم الثامن من ذي الحجة أحرم بالحج وحده وأتى بجميع أفعاله. فالمتمتع يأتي بعمرة كاملة وحج كامل.
والإفراد: أن يحرم بالحج وحده فإذا وصل مكة طاف للقدوم وسعى للحج ولا يحلق ولا يقصر ولا يحل من إحرامه بل يبقى محرما حتى يحل بعد رمي جمرة العقبة يوم العيد، وإن أخر سعي الحج إلى ما بعد طواف الحج فلا بأس.
والقران: أن يُحرم بالعمرة والحج جميعاً أو يحرم بالعمرة أولاً ثم يُدخل الحج عليها قبل الشروع في طوافها. (وذلك بأن ينوي أن طوافه وسعيه عن حجه وعمرته) .
وعمل القارن كعمل المفرد سواء إلا أن القارن عليه هدي والمفرد لا هدي عليه.
وأفضل هذه الأنواع الثلاثة التمتع، وهو الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم به أصحابه وحثهم عليه، حتى لو أحرم الإنسان قارناً أو مفرداً فإنه يتأكد عليه أن يقلب إحرامه إلى عمرة ثم يتحلل ليصير متمتعاً ولو كان ذلك بعد أن طاف للقدوم وسعى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما طاف وسعى عام حجة الوداع ومعه أصحابه أمر كل من ليس معه هدي أن يقلب إحرامه إلى عمرة ويقصر ويتحل وقال: لولا أنِّي سقت الهدي لفعلت الذي أمرتكم به.
الإحرام
يفعل هنا من سنن الإحرام ما سبق ذكره في السؤال المشار إليه آنفاً من الاغتسال والتطيب والصلاة.
ثم يحرم بعد فراغه من الصلاة أو بعد ركوبه دابته.
ثم إن كان متمتعاً قال: "لبيك اللهم بعمرة".
وإن كان قارناً قال: "لبيك اللهم بحجة وعمرة".
وإن كان مُفرداً قال: "لبيك اللهم حجاً".
ثم يقول: اللهم هذه حجة لا رياء فيها ولا سمعة.
ثم يلبي بما لبى النبي صلى الله عليه وسلم به وهو: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك"، وكان من تلبيته صلى الله عليه وسلم: "لبيك إله الحق" وكان ابن عمر يزيد في التلبية قوله: "لبيك وسعديك، والخير بيديك، والرغباء إليك والعمل". يرفع الرجل صوته بذلك، وأما المرأة فتقول بقدر ما يسمع من بجنبها، إلا أن يكون بجانبها رجل ليس من محارمها فإنها تلبي سراً.
- وإذا كان من يريد الإحرام خائفا من عائق يعوقه عن إتمام نسكه (كمرض أو عدو أو حبس أو غير ذلك) فإنه ينبغي أن يشترط عند الإحرام فيقول: إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني - أي منعني مانع عن إتمام نسكي من مرض أو تأخر أو غيرهما فإني أحل من إحرامي - لأن النبي صلى الله عليه وسلم " أمر ضباعة بنت الزبير حين أرادت الإحرام وهي مريضة أن تشترط وقال: إن لك على ربك ما استثنيت " رواه البخاري (5089) ومسلم (1207) فمتى اشترط وحصل له ما يمنعه من إتمام نسكه فإنه يحل من إحرامه ولا شيء عليه.
وأما من لا يخاف من عائق يعوقه عن إتمام نسكه فإنه لا ينبغي له أن يشترط لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشترط ولم يأمر بالاشتراط كل أحد، وإنما أمر به ضباعة بنت الزبير لوجود المرض بها.
وينبغي للمحرم أن يكثر من التلبية خصوصا عند تغير الأحوال والأزمان مثل أن يعلو مرتفعا أو ينزل منخفضا أو يقبل الليل أو النهار وأن يسأل الله بعدها رضوانه والجنة ويستعيذ برحمته من النار.
والتلبية مشروعة في العمرة من الإحرام إلى أن يبدأ في الطواف.
وفي الحج من الإحرام إلى أن يرمي جمرة العقبة يوم العيد.
الاغتسال لدخول مكة:
وينبغي إذا قرب من مكة أن يغتسل لدخولها إن تيسر له ذلك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل عند دخوله مكة. رواه مسلم (1259) .
ثم إذا دخل المسجد الحرام قدم رجله اليمنى وقال: بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وبسلطانه القديم من الشيطان الرجيم، ثم يتقدم إلى الحجر الأسود ليبتدئ الطواف. . . وقد سبق ذكر صفة الطواف في السؤال رقم (31819) .
ثم بعد الطواف وصلاة ركعتين يأتي المسعى فيسعى بين الصفا والمروة، وقد سبق في السؤال رقم (31819) بيان صفة السعي.
أما المتمتع فيسعى للعمرة، وأما المفرد والقارن فيسعيان للحج، ولهما أن يؤخرا السعي إلى ما بعد طواف الإفاضة.
الحلق أو التقصير
فإذا أتم المتمتع سعيه سبعة أشواط حلق رأسه إن كان رجلاً، أو قصر من شعره، ويجب أن يكون الحلق شاملا لجميع الرأس، وكذلك التقصير يعم به جميع جهات الرأس، والحلق أفضل من التقصير لأن النبي صلى الله عليه وسلم: " دعا للمحلقين ثلاثا وللمقصرين مرة " رواه مسلم (1303) .
إلا أن يكون وقت الحج قريبا بحيث لا يتسع لنبات شعر الرأس فإن الأفضل التقصير ليبقى له شعر يحلقه في الحج، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم: أمر أصحابه في حجة الوداع أن يقصروا للعمرة؛ لأن قدومهم كان صباح اليوم الرابع من ذي الحجة. وأما المرأة فإنها تُقصِّر من شعرها بمقدار أنملة.
وبهذه الأعمال تمت العمرة للمتمتع، ويتحلل بعدها إحلالا كاملا، ويفعل كما يفعل المحلون من اللباس والطيب وإتيان زوجته وغير ذلك.
وأما المفرد والقارن فإنها لا يحلقان ولا يقصران ولا يتحللان من إحرامهما، بل يبقيان محرمان حتى يحلاً يوم العيد بعد رمي جمرة العقبة والحلق أو التقصير.
ثم إذا كان يوم التروية وهو اليوم الثامن من ذي الحجة يحرم المتمتع بالحج ضُحَىً من مكانه الذي هو فيه من مكة، ويُستحب أن يفعل عند إحرامه بالحج ما فعل عند إحرامه بالعمرة من الغسل والطيب والصلاة فينوي الإحرام بالحج ويلبي، فيقول: " لبيك اللهم حجاً ".
وإن كان خائفا من عائق يمنعه من إتمام حجه اشترط فقال: وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني وإن لم يكن خائفا من عائق لم يشترط. ويُستحب له الجهر بالتلبية إلى أن يبتدئ برمي جمرة العقبة يوم العيد.
الذهاب إلى منى
ثم يخرج إلى منى فيصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر قصرا من غير جمع لأن النبي صلى الله عليه وسلم " كان يقصر بمنى ولا يجمع " والقصر: جعل الصلاة الرباعية ركعتين , ويقصر أهل مكة وغيرهم بمنى وعرفة ومزدلفة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالناس في حجة الوداع ومعه أهل مكة ولم يأمرهم بالإتمام ولو كان واجباً عليهم لأمرهم به كما أمرهم به عام الفتح. لكن حيث امتد عمران مكة فشمل منى وصارت كأنها حي من أحيائها فإن أهل مكة لا يقصرون فيها. الذهاب إلى عرفة
فإذا طلعت الشمس يوم عرفة سار من منى إلى عرفة فنزل بنمرة إلى وقت الظهر (ونمرة مكان قبل عرفة مباشرة) إن تيسر له وإلا فلا حرج لأن النزول بنمرة سنة وليس بواجب، فإذا زالت الشمس (أي دخل وقت صلاة الظهر) صلى الظهر والعصر ركعتين ركعتين يجمع بينهما جمع تقديم كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ليطول وقت الوقوف والدعاء.
ثم يتفرغ بعد الصلاة للذكر والدعاء والتضرع إلى الله عز وجل ويدعو بما أحب رافعا يديه مستقبل القبلة ولو كان جبل عرفات خلفه لأن السنة استقبال القبلة لا الجبل وقد وقف النبي صلى الله عليه وسلم عند الجبل وقال: "وقفت ههنا وعرفة كلها موقف".
وكان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الموقف العظيم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
فإن حصل له ملل وأراد أن يستجم بالتحدث مع أصحابه بالأحاديث النافعة أو قراءة ما تيسر من الكتب المفيدة خصوصا فيما يتعلق بكرم الله وجزيل هباته ليقوي جانب الرجاء في ذلك اليوم كان ذلك حسنا , ثم يعود إلى التضرع إلى الله ودعائه ويحرص على اغتنام آخر النهار بالدعاء فإن خير الدعاء دعاء يوم عرفة.
- الذهاب إلى مزدلفة:
فإذا غربت الشمس سار إلى مزدلفة. .. فإذا وصلها صلى المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين.
وإن كان يخشى أن لا يصل مزدلفة إلا بعد نصف الليل فإنه يصلي في الطريق، ولا يجوز أن يؤخر الصلاة إلى ما بعد نصف الليل.
ويبيت بمزدلفة فإذا تبين الفجر صلى الفجر مبكرا بأذان وإقامة ثم قصد المشعر الحرام (وهو موضع المسجد الموجود بمزدلفة) فوحد الله وكبره ودعا بما أحب حتى يسفر جدا (والإسفار هو ظهور ضوء النهار قبل طلوع الشمس) وإن لم يتيسر له الذهاب إلى المشعر الحرام دعا في مكانه لقول النبي صلى الله عليه وسلم وقفت ههنا وجمعٌ (أي مزدلفة) كلها موقف. ويكون حال الذكر والدعاء مستقبل القبلة رافعا يديه.
- الذهاب إلى منى:
فإذا أسفر جدا سار قبل أن تطلع الشمس إلى منى ويسرع في وادي محسر (وهو وادٍ بين مزدلفة ومنى) فإذا وصل إلى منى رمى جمرة العقبة وهي الأخيرة مما يلي مكة (فهي أقرب الجمرات إلى مكة) بسبع حصيات متعاقبات واحدة بعد الأخرى كل واحدة بقدر حبة الفول تقريبا يُكبر مع كل حصاة (والسنة عند رمي جمرة العقبة أن يستقبل الجمرة ويجعل مكة عن يساره، ومنى عن يمينه) فإذا فرغ من الرمي ذبح هديه ثم حلق رأسه أو قَصَّر إن كان ذكرا , وأما المرأة فتقصر من شعرها بمقدار أنملة (وبهذا يتحل المُحْرِم التحلل الأول، فيحل له كل شيء إلا جماع زوجته) ثم ينزل إلى مكة فيطوف ويسعى للحج (ثم يتحلل التحلل الثاني فيحل له كل شيء حرم عليه بسبب الإحرام) .
والسنة أن يتطيب إذا أراد النزول إلى مكة للطواف بعد الرمي والحلق لقول عائشة رضي الله عنها: " كنت أطيب النبي صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت " رواه البخاري (1539) ومسلم (1189) .
ثم بعد الطواف والسعي يرجع إلى منى فيبيت بها ليلتي اليوم الحادي عشر والثاني عشر ويرمي الجمرات الثلاث في اليومين إذا زالت الشمس , والأفضل أن يذهب للرمي ماشيا وإن ركب فلا بأس فيرمي الجمرة الأولى وهي أبعد الجمرات عن مكة وهي التي تلي مسجد الخيف بسبع حصيات متعاقبات واحدة بعد الأخرى ويكبر بعد كل حصاة ثم يتقدم قليلا ويدعو دعاء طويلا بما أحب فإن شق عليه طول الوقوف والدعاء دعا بما يسهل عليه ولو قليلا ليحصل السنة.
ثم يرمي الجمرة الوسطى بسبع حصيات متعاقبات يكبر مع كل حصاة ثم يأخذ ذات الشمال فيقف مستقبل القبلة رافعا يديه ويدعو دعاء طويلا إن تيسر له وإلا وقف بقدر ما يتيسر ولا ينبغي أن يترك الوقوف للدعاء لأنه سنة وكثير من الناس يهمله إما جهلا أو تهاونا وكلما أضيعت السنة كان فعلها ونشرها بين الناس أوكد لئلا تترك وتموت.
ثم يرمي جمرة العقبة بسبع حصيات متعاقبات يكبر مع كل حصاة ثم ينصرف ولا يدعو بعدها.
فإذا أتم رمي الجمار في اليوم الثاني عشر فإن شاء تعجل وخرج من منى , وإن شاء تأخر فبات بها ليلة الثالث عشر ورمى الجمار الثلاث بعد الزوال كما سبق , والتأخر أفضل , ولا يجب إلا أن تغرب الشمس من اليوم الثاني عشر وهو بمنى , فإنه يلزمه التأخر حتى يرمي الجمار الثلاث بعد الزوال من الغد، لكن لو غربت عليه الشمس بمنى في اليوم الثاني عشر بغير اختياره مثل أن يكون قد ارتحل وركب ولكن تأخر بسبب زحام السيارات ونحوه فإنه لا يلزمه التأخر لأن تأخره إلى الغروب بغير اختياره.
فإذا أراد الخروج من مكة إلى بلده لم يخرج حتى يطوف للوداع لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا ينفر أحدٌ حتى يكون آخر عهده بالبيت " رواه مسلم (1327) ، وفي رواية: " أُمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خُفف عن الحائض " رواه البخاري (1755) ومسلم (1328) .
فالحائض والنفساء ليس عليهما طواف وداع، ولا ينبغي لهما أن يقفا عند باب المسجد الحرام للوداع لعدم وروده عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ويجعل طواف الوداع آخر عهده بالبيت إذا أراد أن يرتحل للسفر فإن بقي بعد الوداع لانتظار رفقة أو تحميل رحله أو اشترى حاجة في طريقه فلا حرج عليه ولا يعيد الطواف إلا أن ينوي تأجيل سفره مثل أن يريد السفر أول النهار فيطوف للوداع ثم يؤجل السفر إلى آخر النهار مثلا فإنه يلزمه إعادة الطواف ليكون آخر عهده بالبيت.
فائدة
يجب على المحرم بحج أو عمرة ما يلي:
1- أن يكون ملتزما بما أوجب الله عليه من شرائع دينه كالصلاة في أوقاتها مع الجماعة.
2- أن يتجنب ما نهى الله عنه من الرفث والفسوق والعصيان لقوله تعالى {فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج} البقرة / 197.
3- أن يتجنب أذية المسلمين بالقول أو الفعل عند المشاعر أو غيرها.
4- أن يتجنب جميع محظورات الإحرام.
(أ) فلا يأخذ شيئاً من شعره أو ظفره، فأما نقش الشوكة ونحوه فلا بأس به وإن خرج دم.
(ب) ولا يتطيب بعد إحرامه في بدنه أو ثوبه أو مأكله أو مشربه ولا يتنظف بصابون مطيب فأما ما بقي من أثر الطيب الذي تطيب به قبل إحرامه فلا يضر.
(ج) ولا يقتل الصيد.
(د) ولا يجامع امرأته.
(هـ) ولا يباشر لشهوة بلمس أو تقبيل أو غيرهما.
(و) ولا يعقد النكاح لنفسه ولا غيره ولا يخطب امرأة لنفسه ولا لغيره.
(ز) ولا يلبس القفازين. فأما لف اليدين بخرقة فلا بأس به.
وهذه المحظورات السبعة محظورات على الذكر والأنثى.
ويختص الرجل بما يلي:
- لا يغطي رأسه بملاصق فأما تظليله بالشمسية وسقف السيارة والخيمة وحمل العفش عليه فلا بأس به.
- ولا يلبس القميص ولا العمائم ولا البرانس ولا السراويل ولا الخفاف إلا إذا لم يجد إزاراً فيلبس السراويل أو لم يجد نعلين فيلبس الخفاف.
- ولا يلبس ما كان بمعنى ما سبق فلا يلبس العباءة ولا القباء ولا الطاقية ولا الفنيلة ونحوهما.
- ويجوز أن يلبس النعلين والخاتم ونظارة العين وسماعة الأذن وأن يلبس الساعة في يده أو يتقلدها في عنقه ويلبس الحزام ليجعل فيه النفقة.
- ويجوز أن يتنظف بغير ما فيه طيب وأن يغسل ويحك رأسه وبدنه وإن سقط بذلك شعر بدون قصد فلا شيء عليه.
والمرأة لا تلبس النقاب وهو ما تستر به وجهها منقوباً لعينيها فيه، ولا تلبس البرقع أيضاً.
والسنة أن تكشف وجهها إلا أن يراها رجال غير محارم لها فيجب عليها ستره في حال الإحرام وغيرها…." انظر كتاب مناسك الحج والعمرة للألباني وكتاب صفة الحج والعمرة وكتاب المنهج لمريد العمرة والحج لابن عثيمين رحم الله الجميع.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4346)
حكم جمع طواف الحامل والمحمول بطواف واحد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[نويت الذهاب إلى العمرة إن شاء الله، واصطحبت معي زوجتي وولدي، الأكبر له من العمر سنتان، والأصغر له ثلاثة أشهر، ولي بعض الأسئلة التي أرجو أن أجد لها جوابًا شافيًا عندكم بإذن الله: هل لا بد من طواف لي، ثم طواف لأحدهما، ثم طواف للآخر، وسعي لي، ثم لأحدهما، ثم للآخر، أم يجزئ لنا كلنا طواف وسعي واحد، وإن كان لا بد من طواف وسعي لكل منا، هل يجوز مثلاً أن أطوف بأحدهم، ثم يسعى به خاله أو أمه، بحيث نفرق أعمال العمرة علينا، لما في تكرارها من مشقة كبيرة لا تخفى عليكم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله اختلف العلماء فيمن حمل غيره وطاف به، هل يقع الطواف عنهما معاً أو عن أحدهما؟ على قولين:
القول الأول: أنه لا يصح ذلك، بل لابد من طواف مستقل للحامل، وطواف آخر للمحمول، وهو قول جمهور العلماء. قال ابن قدامة رحمه الله: " إن نوى الطواف عن نفسه وعن الصبي: احتمل وقوعه عن نفسه.... واحتمل أن يقع عن الصبي.... لكون المحمول أولى. واحتمل أن يلغو لعدم التعيين , لكون الطواف لا يقع عن غير معين " انتهى. "المغني" (3/108) . وقال البهوتي رحمه الله: "فإن نوى الطائف بالصغير، الطواف عن نفسه، وعن الصبي، وقع الطواف عن الصبي، كالكبير يطاف به محمولا لعذر؛ لأن الطواف فعلٌ واحدٌ لا يصح وقوعه عن اثنين " انتهى. "كشاف القناع" (2/381) . وقال أبو إسحاق الشيرازي (الشافعي) : "وإن حَمَلَ مُحرِمٌ مُحرمًا، وطاف به، ونويا، لم يجز عنهما جميعا؛ لأنه طواف واحد، فلا يسقط به طوافان....) " انتهى. "المجموع" (8/39) .
القول الثاني: أنه يصح طواف واحد عن الحامل والمحمول، وهو قول الحنفية، وقول عن الإمام الشافعي. واختاره كثير من علمائنا المعاصرين، كالشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله والشيخ ابن جبرين. قال ابن نجيم الحنفي رحمه الله: " وذكر الإسبيجابي: ومن طِيف به محمولا أجزأه ذلك الطواف عن الحامل والمحمول جميعا, وسواء نوى الحامل الطواف عن نفسه وعن المحمول أو لم ينو " انتهى. "البحر الرائق" (2/381) ، "المجموع" (8/39) . وقد نقلنا فتوى الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ بن جبرين في ذلك، في جواب السؤال رقم (12945) . ونزيد هنا فتوى للشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله، فقد سئل: إذا حج بالصبي وحمله في الطواف والسعي فهل يجزئ؟ فأجاب: "الصواب أن الطواف الواحد يجزئ عن الحامل والمحمول، عن الرجل وعن الصبي؛ لأنه نوى عن نفسه وعن الصبي، وبعض العلماء يرى أنه لا يكفي إلا عن واحد، ولكنه قول ضعيف" انتهى. "الفتاوى السعدية" (ص/239) . فعلى هذا؛ يكفيك طواف واحد وسعي واحد، عنك وعن الصبي الذي تحمله، ولو وضعتها على عربة ونويت الطواف والسعي عنها وأنت تطوف وتسعى معها، أجزأ ذلك إن شاء الله. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4347)
أحرم بالعمرة لطفلته ولم تكملها
[السُّؤَالُ]
ـ[أحرمنا للعمرة مع طفلتي ذات السنة ولم تؤد المناسك وذلك للخوف من الأمراض المعدية وخشية الإرهاق, مع العلم أنا اشترطنا التحلل عند وجود حابس.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كنت أحرمت بالعمرة لطفلتك، ثم لم تكملها، فلا شيء عليك، لأن إحرام الصبي غير لازم، لعدم تكليفه، وهذا مذهب الحنفية، واختاره بعض أهل العلم.
وينظر: السؤال رقم (49028) ورقم (37995) .
وأما الاشتراط فإنه يفيد إذا وجد المانع والحابس، كالمرض، ولا يكفي مجرد الخشية من المرض أو الإرهاق.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4348)
يسأل عن إحرام الصبيان
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أحرمت بابني الصغير، ثم واجهتنا صعوبات الزحام، ونحو ذلك مما هو مشاهد في الحج، في هذه الأيام، فهل لنا أن نفسخ إحرامه، بعد ما تلبس به؟ وما الذي يلزمنا حينما نفسخه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد سبق بيان مشروعية حج الصغير، وبيان أن هذه الحجة لا تجزئه عن حجة الإسلام، وسبق بيان ما يفعله الولي بصبيه، [انظر الأسئلة 13636، 36862، 14621] .
ومع ذلك فينبغي أن يراعي الولي ظروف الوقت الذي يريد أن يحرم فيه بالصبي؛ فإن كان في وقت لا يشق فيه الإحرام بالصبي، لقلة الزحام، ونحو ذلك، فإنه يحرم به، وإن كان في وقت يشق فيه الإحرام بالصبي، لشدة الزحام في الحج، أو العمرة في رمضان، أو ضعف وليه، ونحو ذلك، فالأولى في حقه ألا يحرم به؛ لأنه ربما يشغله عن أداء نسكه الذي هو مطالب به على الوجه الأكمل. انظر الشرح الممتع 7/24.
لكن كثيرا من الأولياء لا يحسنون تقدير هذه الصعوبات، أو يغلب على ظنهم أنهم يستطيعون تحملها، ثم يكون الأمر على خلاف ما قدروه، وربما لم يتحمل الصبي نفسه البقاء في الإحرام، ويشق على الولي أن يلزمه بالاستمرار فيه، فما الحكم في هذه الحالة؟
قال الشيخ ابن عثيمين، رحمه الله:
المشهور من المذهب [يعني مذهب الحنابلة] أنه يلزمه الإتمام؛ لأن الحج والعمرة يجب إتمام فعلهما.
والقول الثاني، وهو مذهب أبي حنيفة، رحمه الله تعالى، أنه لا يلزمه الإتمام؛ لأنه غير مكلف، ولا ملزم بالواجبات.
وهذا القول هو الأقرب للصواب، وهو ظاهر ما يميل إليه صاحب الفروع [يعني ابن مفلح، تلميذ شيخ الإسلام ابن تيمية] .
وعلى هذا له أن يتحلل، ولا شيء عليه، وهو في الحقيقة أرفق بالناس؛ لأنه ربما يظن الولي أن الإحرام بالصبي سهل، ثم يكون على خلاف ما يتوقع، فتبقى المسألة مشكلة، وهذا يقع كثيرا من الناس اليوم، فإذا أخذنا بهذا القول، الذي هو أقرب للصواب لعلته الصحيحة، زالت عنا هذه المشكلة.) الشرح الممتع 7/25، وانظر الفتاوى 22/148.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4349)
هل يكتب للأطفال حج؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل اصطحاب الأطفال للحج. هل تكتب لهم حجة إذا أديت المناسك عنهم أو ماذا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
دلت السنة الصحيحة على أن الصبي له حج يثاب عليه، لكن لا يجزئه عن حجة الإسلام، فقد روى مسلم (2378) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: رَفَعَتْ امْرَأَةٌ صَبِيًّا لَهَا فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ , أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: (نَعَمْ وَلَكِ أَجْرٌ) .
قال النووي في "شرح مسلم":
" فِيهِ حُجَّة لِلشَّافِعِيِّ وَمَالِك وَأَحْمَد وَجَمَاهِير الْعُلَمَاء أَنَّ حَجّ الصَّبِيّ مُنْعَقِد صَحِيح يُثَاب عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ لَا يُجْزِيه عَنْ حَجَّة الْإِسْلَام , بَلْ يَقَع تَطَوُّعًا , وَهَذَا الْحَدِيث صَرِيح فِيهِ. . .
قَالَ الْقَاضِي: وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئهُ إِذَا بَلَغَ عَنْ فَرِيضَة الْإِسْلَام إِلَّا فِرْقَة شَذَّتْ فَقَالَتْ: يُجْزِئهُ , وَلَمْ تَلْتَفِت الْعُلَمَاء إِلَى قَوْلهَا. . .
وقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَلَك أَجْر) مَعْنَاهُ بِسَبَبِ حَمْلهَا وَتَجْنِيبهَا إِيَّاهُ مَا يَجْتَنِبهُ الْمُحْرِم وَفِعْل مَا يَفْعَلهُ الْمُحْرِم " انتهى.
وقال الخطابي:
" إِنَّمَا كَانَ لَهُ الْحَجّ مِنْ نَاحِيَة الْفَضِيلَة دُون أَنْ يَكُون مَحْسُوبًا عَنْ فَرْضه لَوْ بَقِيَ حَتَّى بَلَغَ وَيُدْرِك مَدْرَك الرِّجَال , وَهَذَا كَالصَّلَاةِ يُؤْمَر بِهَا إِذَا أَطَاقَهَا وَهِيَ غَيْر وَاجِبَة عَلَيْهِ وُجُوب فَرْض وَلَكِنْ يُكْتَب لَهُ أَجْرهَا تَفَضُّلًا مِنْ اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى وَيُكْتَب لِمَنْ يَأْمُرهُ بِهَا وَيُرْشِدهُ إِلَيْهَا أَجْر فَإِذَا كَانَ لَهُ حَجّ فَقَدْ عُلِمَ أَنَّ مِنْ سُنَنه أَنْ يُوقَف بِهِ الْمَوَاقِف وَيُطَاف بِهِ حَوْل الْبَيْت مَحْمُولًا إِنْ لَمْ يُطِقْ الْمَشْي وَكَذَلِكَ السَّعْي بَيْن الصَّفَا وَالْمَرْوَة وَنَحْوهَا مِنْ أَعْمَال الْحَجّ " انتهى نقلاً من "عون المعبود".
وروى الترمذي (926) عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: (حَجَّ بِي أَبِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ) صححه الألباني في صحيح الترمذي.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيما صبي حج ثم بلغ فعليه حجة أخرى) رواه الشافعي في مسنده، وصححه الألباني في إرواء الغليل (686) .
وقد سبق الكلام على حج الصبي، وما يترتب عليه في جواب السؤال رقم (3240) و (49028)
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4350)
صحة حج الصغير
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أحج بولدي الصغير الذي لم يبلغ بعد، فهل يقبل حجه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اتفق أهل العلم على عدم وجوب الحج والعمرة على غير البالغ؛ لأن الصبي مرفوع عنه القلم
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ " رواه أبو داوود (4403) وابن ماجه (2041)
وأما صحة حج الصبي فالصحيح أن حجه صحيح ويثاب عليه، وهو قول جمهور أهل العلم بل حُكى هذا القول إجماعاً.
لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَ رَكْبًا بِالرَّوْحَاءِ فَقَالَ مَنْ الْقَوْمُ؟ قَالُوا: الْمُسْلِمُونَ.
فَقَالُوا: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ.
فَرَفَعَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ صَبِيًّا فَقَالَتْ: أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ وَلَكِ أَجْرٌ " رواه مسلم (1336) .
أنظر السؤال (14621) .
للاستزادة راجع كتاب مناسك الصبيان ص6.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4351)
لا يجزئ حج الصغير عن حجة الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا حج الإنسان وهو صغير فهل عليه أن يحج مرةً أُخرى؟ أم تكفيه عن حجة الإسلام؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
حج الصغير صحيح كما تقدم في السؤال رقم (13636) إلا أنها لا تُجزئه عن حجة الإسلام بل عليه إذا بلغ وكان قادراً أن يحج حجةً أُخرى.
وهذا قول جمهور أهل العلم من المذاهب الأربعة بل حكي إجماعاً.
لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيما صبي حج ثم بلغ فعليه حجة أخرى " رواه ابن أبي شيبة وصححه ابن حجر في التلخيص (2/220) والألباني في الإرواء (4/159)
قال ابن قدامة في المغني (5/44) : " قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم – إلا من شذَّ عنهم ممن لا يُعتد بقوله خلافاً – على أن الصبي إذا حج في حال صغره، والعبد إذا حجَّ في حال رقه، ثم بلغ الصبي وعتق العبد، أن عليهما حجة الإسلام، إذا وجدا إليهما سبيلا " انتهى
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة ما نصه:
" تعتبر العمرة والحج من غير البالغ تطوعاً، ولا تكفي عن حجة الإسلام وعمرته "
فتاوى اللجنة (11/24) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4352)
الحلف بالطاعات محرم ولا كفارة فيه
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد حلفت بصيامي أني لن أفعل ذلك، ولكن أريد أن أفعل ذلك الشيء. ما هي الفتوى في هذا الحلف؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز الحلف إلا باسم من أسماء الله تعالى الحسنى، أو صفاته العلى، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ) رواه البخاري (2679) .
وجعل النبي صلى الله عليه وسلم الحلف بغير الله شركاً أصغر، وذلك لما فيه من تعظيم غير الله، لأن الحلف لا يكون إلا بشيء معظم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ) رواه أبو داود (3251) وصححه الألباني في "سنن أبي داود".
والحلف بالصيام أو الصلاة أو غير ذلك من الطاعات هو حلف بغير الله فيكون محرماً.
جاء في "تبيين الحقائق" (3/109) :
"والحلف بالطاعة لا يكون يميناً، لأنه حلف بغير الله تعالى" انتهى.
وقال ابن الهمام في "فتح القدير" (5/71) :
"والحلف بالطاعات حلف بغيره وغير صفته [أي: حلف بغير الله وبغير صفته] فلا يكون يميناً" انتهى.
فعلى من فعل ذلك، أن يتوب إلى الله تعالى، ويندم على ما فعل، ويعزم على عدم العودة إلى ذلك مرة أخرى.
واليمين بغير الله تعالى ليست يميناً منعقدة، فلا يجب الوفاء بها، ولا كفارة فيها.
قال ابن حزم في "المحلى" (9/125) :
"من حلف بغير الله فليس حالفاً، ولا هي يميناً، وهو باطل ليس فيه إلا استغفار الله تعالى والتوبة فقط" انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"الحلف بالمخلوقات كالكعبة والملائكة، والمشايخ والملوك والأباء وتربتهم ونحو ذلك يمين غير منعقدة ولا كفارة فيها باتفاق العلماء، بل هي منهي عنها باتفاق أهل العلم، والنهي نهي تحريم في أصح قوليهم" انتهى.
"الفتاوى الكبرى" (3/222) .
فعلى هذا، لا حرج عليك في فعل ما حلفت على عدم فعله إذا كان مباحاً، ولا كفارة عليك.
ولكن عليك التوبة من هذا اليمين المحرم.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4353)
نسيان النذر، وعدم الالتزام به
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني كلما أمر بأزمة أوعد نفسي ـ مثلا ـ أصلي ركعتين، أو أستغفر 100 مره بعد كل صلاة، ولكنني لم ألتزم. وأيضا فإنني أنسى ما نذرت وما وعدت، ولم أذكر، فماذا عليّ أن أفعله. وأيضا أنقذني الله تعالى من أزمه، فقلت: كل يومين أصلي ركعتين له تعالى حمدا وشكرا إذا استطعت، والتزمت بها لمده سنتين، ولكني تخلفت عنها منذ أشهر، لأن البعض يقول لا تجوز هذه الصلاة، وإنما الحمد الله هو أن تسجد فقط له؟! وأما من نذر صلاة أو صياما ـ مثلا ـ ونسي قدره، فقد نقلت ما يوافق كلامه.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إن مجرد وعد النفس، بتعبير السائل، أو العزم على فعل معين، أو تحديث النفس به، كل ذلك لا يدخل في باب النذر، ولا يلزم المكلف أن يفعل ما عزم عليه أو نواه، إذا لم يجعله نذرا على نفسه، بصيغة تدل على ذلك؛ مثل أن يقول: إن ذلك نذر عليه، أو: لله عليه أن يفعل كذا، أو نحو من ذلك؛ فمجرد النية لا تجعل الأمر المنوي نذرا، ما لم يذكر معه قولا يدل على ذلك.
قال الشيخ زكريا الأنصاري رحمه الله في بيان أركان النذر:
"الرُّكْنُ الثَّانِي: الصِّيغَةُ؛ فَلَا بُدَّ مِنْهَا فِي النَّذْرِ؛ فَلَا يَنْعَقِدُ بِالنِّيَّةِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ، وَيَنْعَقِدُ بِإِشَارَةِ الْأَخْرَسِ الْمُفْهِمَةِ، وَيَنْبَغِي انْعِقَادُهُ بِكِتَابَةِ النَّاطِقِ مَعَ النِّيَّةِ.. " انتهى.
"أسنى المطالب" (1/576) .
وقال المرداوي رحمه الله:
" ولا يصح إلا بالقول فإن نواه من غير قول لم يصح بلا نزاع " انتهى.
"الإنصاف" (11/90) .
وجاء في الموسوعة الفقهية:
" اعْتَبَرَ الْفُقَهَاءُ فِي صِيغَةِ النَّذْرِ أَنْ تَكُونَ بِاللَّفْظِ مِمَّنْ يَتَأَتَّى مِنْهُمُ التَّعْبِيرُ بِهِ، وَأَنْ يَكُونَ هَذَا اللَّفْظُ مُشْعِرًا بِالاِلْتِزَامِ بِالْمَنْذُورِ، وَذَلِكَ لأَِنَّ الْمُعَوَّل عَلَيْهِ فِي النَّذْرِ هُوَ اللَّفْظُ، إِذْ هُوَ السَّبَبُ الشَّرْعِيُّ النَّاقِل لِذَلِكَ الْمَنْدُوبِ الْمَنْذُورِ إِلَى الْوُجُوبِ بِالنَّذْرِ، فَلاَ يَكْفِي فِي ذَلِكَ النِّيَّةُ وَحْدَهَا بِدُونِهِ.
وَيَقُومُ مَقَامَ اللَّفْظِ الْكِتَابَةُ الْمَقْرُونَةُ بِنِيَّةِ النَّذْرِ، أَوْ بِإِشَارَةِ الأَْخْرَسِ الْمُفْهِمَةِ الدَّالَّةِ أَوِ الْمُشْعِرَةِ بِالْتِزَامِ كَيْفِيَّةِ الْعُقُودِ " انتهى.
"الموسوعة الفقهية الكويتية" (40/140) .
فعلى ذلك لا يلزم السائل أن يفعل ما وعد نفسه به، أو نواه، ما لم يقترن بذلك صيغة تدل على النذر.
ثانيا:
من نذر طاعة من الطاعات، صلاة أو زكاة أو غير ذلك، سواء نذر ذلك ابتداء، أو علقه على حصول أمر، وحصل ما علق عليه نذره: وجب عليه الوفاء بذلك، وحرم عليه الإخلال بما نذر به؛ لمار ورى البخاري (6696) وغيره، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" الطَّاعَة أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُون فِي وَاجِب أَوْ مُسْتَحَبّ , وَيُتَصَوَّر النَّذْر فِي فِعْل الْوَاجِب بِأَنْ يُؤَقِّتَهُ , كَمَنْ يَنْذُر أَنْ يُصَلِّيَ الصَّلَاةَ فِي أَوَّل وَقْتهَا، فَيَجِب عَلَيْهِ ذَلِكَ بِقَدْرِ مَا أَقَّتَهُ.
وَأَمَّا الْمُسْتَحَبّ مِنْ جَمِيع الْعِبَادَات الْمَالِيَّة وَالْبَدَنِيَّة فَيَنْقَلِب بِالنَّذْرِ وَاجِبًا، وَيَتَقَيَّد بِمَا قَيَّدَهُ بِهِ النَّاذِر.
وَالْخَبَر صَرِيح فِي الْأَمْر بِوَفَاءِ النَّذْر إِذَا كَانَ فِي طَاعَة , وَفِي النَّهْي عَنْ تَرْك الْوَفَاء بِهِ إِذَا كَانَ فِي مَعْصِيَة. " انتهى. "فتح الباري" (11/582) .
قال ابن المنذر رحمه الله:
" وأجمعوا أن كل من قال: إن شفى الله عليلي، أو قدم غائبي، أو ما أشبه ذلك، فعلي من الصوم كذا، ومن الصلاة كذا، فكان كما قال، أن عليه الوفاء بنذره. " انتهى.
"الإجماع" لابن المنذر (157) .
قال ابن عبد البر رحمه الله:
" ولا خلاف بين العلماء أن النذر بالطاعة يلزم صاحبه الوفاء به، ولا كفارة فيه " انتهى.
"الاستذكار" (15/41) .
فتبين بذلك أن نذر العبادات التي وضعها الشارع قربةً لعباده: صحيح في نفسه، وأنه لازم للمكلف، وأن من نذر أن يصلي لله كذا ركعة، أو يستغفر كذا مرة، أو يصوم أياما معينة، أو غير ذلك من الطاعات: فعليه أن يوفي بنذره، وليس له كفارة إلا الوفاء به، وأن ما ذكره القائل في السؤال من عدم جواز هذه الصلاة المنذورة: خطأ، مخالف لإجماع العلماء.
ثالثا:
من نذر، ثم نسي ما نذره: هل كان صلاة أو صياما، أو غير ذلك؛ فإنه يجتهد في معرفة ما كان نذره، إن كانت هناك قرينة أو علامة تدل عليه، فإن لم يتذكر شيئا من ذلك، فعليه كفارة يمين، كما هو مذهب جمهور العلماء في النذر المبهم الذي لم يسم صاحبه ما يلتزمه من الأعمال.
ينظر ـ في حكم النذر المبهم ـ: "الموسوعة الفقهية" (40/158) .
وأما إن كان يذكر أنه نذر صلاة، أو صياما، أو غير ذلك، لكنه نسي صفة ما نذره أو عدده، فالواجب عليه أقل ما يصدق عليه ذلك النذر؛ فيصلي ركعتين، أو يصوم يوما، أو نحو ذلك.
قال الشيخ مصطفى الرحيباني رحمه الله:
" (وَ) مَنْ أَحْرَمَ (بِنُسُكٍ) تَمَتُّعٍ، أَوْ إفْرَادٍ أَوْ قِرَانٍ، أَوْ أَحْرَمَ بِنَذْرٍ (وَنَسِيَهُ) ، أَيْ: مَا أَحْرَمَ بِهِ، أَوْ نَسِيَ مَا نَذَرَهُ (قَبْلَ طَوَافٍ، صَرَفَهُ لِعُمْرَةٍ نَدْبًا) ، لِأَنَّهَا الْيَقِينُ " انتهى.
"مطالب أولي النهى" (2/318) . وينظر: "الموسوعة الفقهية" (40/163-165) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4354)
من قال في طاعة: أعاهد الله على كذا لزمته لزوم النذر واليمين
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا كنت مريضة، والحمد لله شفيت من المرض، وقلت: عهد مني أمام الله ما أحضر صالات الأفراح. وزوجي طلب مني الحضور في حفل زفاف شقيقه، وأتمني منكم الجواب. وفقكم الله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
قول العبد: أعاهد الله، أو عليّ عهد الله، أو لله عليّ عهد، ونحو ذلك: حكمه حكم النذر واليمين.
قال الله تعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ) التوبة / 75.
وقال تعالى: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا) الإسراء / 34
قال شيخ الإسلام رحمه الله:
" إِذَا قَالَ: أُعَاهِدُ اللَّهَ أَنِّي أَحُجُّ الْعَامَ فَهُوَ نَذْرٌ وَعَهْدٌ وَيَمِينٌ " انتهى.
"الاختيارات العلمية" (ص 286)
وقال أيضا:
" أمر سبحانه بالوفاء بالعقود وهذا عام، وكذلك أمر بالوفاء بعهد الله وبالعهد. وقد دخل في ذلك ما عقده المرء على نفسه بدليل قوله: (ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل) ، فدل على أن عهد الله يدخل فيه ما عقده المرء على نفسه، وإن لم يكن الله قد أُمِر بنفس ذلك المعهود عليه قبل العهد، كالنذر والبيع إنما أمر بالوفاء به " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (29 / 138)
وقال ابن حزم رحمه الله:
" لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ عَمَلُ بِرٍّ: فَيُجْزِيهِ تَسْبِيحَةٌ، أَوْ تَكْبِيرَةٌ، أَوْ صَدَقَةٌ، أَوْ صَوْمٌ، أَوْ صَلاَةٌ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ. وَسَوَاءٌ قَالَ عَلَيَّ ذَلِكَ نَذْرًا، أَوْ عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ، أَوْ قَالَ عَلَى للَّهِ كَذَا وَكَذَا، كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ " انتهى.
"المحلى" (8 / 27) .
ثانيا:
صالات الأفراح التي عاهدت ربك ألا تذهبي إليها لا تخلو عادة من منكرات الاختلاط والموسيقى والتبرج والسفور، وغير ذلك مما هو معلوم؛ وهو الأمر الذي جعلت تعاهدين ربك على ألا تشاركي فيه، شكرا له على نعمة الشفاء؛ وحينئذ: فلا يجوز لك الذهاب إلى هذه الصالات، بل هي محرمة عليك من وجهين: من جهة ما فيها من المنكرات، ومن جهة أنك عاهدت ربك على ألا تذهبي إليها.
قد روى البخاري (6696) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ) .
وأما إذا قدر أن الصالة التي يعقد فيها حفل شقيق زوجك: ليس فيها شيء من المنكرات الشرعية، من الغناء والموسيقى والاختلاط بالنساء، وغير ذلك من المنكرات. أو أنهم منعوا وجود هذه المنكرات في حفلهم: فذهاب إليه مباح من حيث الأصل، لكنك منعت نفسك منه بالنذر الذي نذرتيه. ولك أن تذهبي مع زوجك إلى هذه الصالة، ويلزمك كفارة يمين عن ذلك نذرك. ويترجح جانب الزواج إذا كان فيه رضى لزوجك، وخشيت المفسدة من عدم ذهابك.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
إذا أراد العبد من ربه حاجة، ثم اتجه إلى ربه يدعوه وقال: يا ربي، لك علي عهد إذا حققت طلبي ألا أفعل كذا أو كذا، ثم حقق الله لعبده الحاجة، وندم العبد على ما عاهد الله عليه؛ لأن في ذلك العهد مضايقة له، هل يجوز ترك هذا العهد مع الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى:
" لابد أن نعلم ما الذي عاهد الله عليه أن يتركه:
إن كان شيئاً مباحا، مثل أن يقول: علي عهد الله ألا آكل الطعام الفلاني، فهنا نقول: كله وكفر عن نذرك؛ لأن هذا نذر مباح.
وأما إذا كان شيئا محرما، وقال: عليَّ عهد الله ألا أغتاب الناس. فإنه يجب عليه ألا يغتاب وتكون الغيبة عليه محرمة من وجهين: الوجه الأول: أنها في الأصل محرمة بل من كبائر الذنوب. والثاني: أنه عاهد الله على تركها إذا تحققت له الحاجة الفلانية وقد تحققت "
انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (11/292-293) .
وأما إذا لم يكن الحفل في صالة من هذه الصالات أصلا، وإنما في المنزل، أو في غيره من الأماكن: فلا حرج عليك في الذهاب إلى هذا الحفل مع زوجك.
رابعا:
في الحال التي يحرم عليك أن تذهبي إلى هذه الصالات بحكم نذرك، وبحكم ما فيها من المنكرات: لا يحق لزوجك أن يجبرك على الذهاب إليها، بل عليه أن يتفهم موقفك، وأن يعرف أن طاعة الله أولى من طاعته.
كما عليك أيضا أنت أن تحسني عشرة زوجك، وأن تتلطفي في إقناعه بذلك، وتفهيمه ما عليك في هذا الأمر، ولو أمكنك أن تعوضيه عن ذلك بزيارة منزلية للعروس بعد تمام عرسه، أو نحو ذلك مما جرت به عادتكم في التواصل: فهو أمر حسن، إن شاء الله.
وينظر: إجابة السؤال رقم: (20419) ، (38934)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4355)
هل يخرج في كفارة اليمين طعاما لا يأكله عادة لكنه يكفي الفقراء لشهر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[علي كفارة يمين وقد عرضت على بعض العمال أن أؤديها لهم فاقترحوا علي أن أشتري بقيمة الأكل الذي سوف آتيهم به أن أشتري مواد غذائية لهم تكفيهم لمدة شهر علماً أن نوع المواد هو ليس مما آكله عادة وكذلك القيمة إذا لم تكن مساوية فهي أقل. فهل ألبي طلبهم بشراء المواد لهم أم أشتري لهم ما آكله عادة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب في كفارة اليمين فعل واحد من ثلاث خصال: عتق رقبة، أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام، قال تعالى: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة / 89.
ولا يجوز أن تخرج الكفارة نقودا، في قول جمهور الفقهاء.
ومن أخرجها طعاما فهو مخير بين أن يخرج طعاما بلا تقدير، كأن يغذيهم أو يعشيهم، أو يخرج شيئا مقدراً من الأرز أو البر أو التمر، فيخرج كيلو ونصف الكيلو (احتياطاً) لكل مسكين، وينبغي أن يجعل مع ذلك إداما.
وينظر جواب السؤال رقم (45676) .
وليس لهذه المسألة تقدير محدد في الشرع، وإنما اجتهد الفقهاء فقاسوا كفارة اليمين على كفارة الحج، كما في حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يخرج نصف صاع عن كل مسكين، ونصف الصاع يساوي كيلو ونصفا تقريبا، ولكن لما كانت الآية آمرة بالإطعام من الوسط، وكان أكثر الناس لا يأكلون الأرز أو البر مجردا، استحبوا أن يكون مع ذلك إدام أو لحم ونحوه.
وعليه؛ فلو أعطيت الفقير من هؤلاء طعاما - مما لا تأكل عادة - لكنه يعادل وجبة غذاء أو عشاء متوسطة، أو يعادل الكيلو والنصف من الأرز مع الإدام، فقد أديت ما عليك، والمسألة مبنية على التقريب كما سبق.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " والإطعام له كيفيتان:
الأولى: أن يصنع طعاما يكفي عشرة مساكين ـ غداء أو عشاء ـ ثم يدعوهم؛ وذلك لأن الله تعالى أطلق فقال: (إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ) فإذا صنع طعاما وتغدوا، أو تعشوا فقد أطعمهم.
الثانية: التقدير، وقد قدرناه بنحو كيلو من الأرز لكل واحد، فيكون عشرة كيلوات للجميع، ويحسن في هذه الحال أن يجعل معه ما يؤدمه من لحم أو نحوه، ليتم الإطعام؛ لأن الله تعالى يقول: (إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ) .
فإن قيل: ما الدليل على تقديره بالكيلو؟ ولماذا لا نقول: نعطيه ما يسد كفايته؟
في الحقيقة ليس هناك دليل واضح في الموضوع، إلا أن يقول قائل: إن دليلنا حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه، حين أذن له النبي صلى الله عليه وسلم أن يحلق، ويطعم ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع، فعيّن لكل مسكين نصف صاع، فيقاس عليه البقية، والمسألة تقريبية، وليست حدا معروفا.
وإذا تأملت وجدت أن الإطعام والمُطعم له ثلاث حالات:
تارة يقدر المعطَى دون الآخذ، وتارة يقدر الآخذ دون المعطى، وتارة يقدر المعطَى والآخذ:
مثال ما قدر فيه المعطى دون الآخذ: زكاة الفطر، فهي مقدرة بصاع على كل شخص، لكن لم يقدر فيها من يدفع له، ولهذا يجوز أن توزع الفطرة على أكثر من مسكين، ويجوز أن تعطى عدة فطرات لمسكين واحد، فهذا قُدر فيه المعطَى دون الآخذ، وإن شئت قلت: قُدر فيه المدفوع دون المدفوع إليه.
ومثال ما قدر فيه المدفوع والمدفوع إليه: فدية الأذى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع) .
ومثال ما قدر فيه المدفوع إليه دون المدفوع: كفارة اليمين، ولهذا قال شيخ الإسلام رحمه الله: ما دام الشرع لم يقدر لنا، فإن ما يسمى إطعاما يكون مجزئا، حتى الغداء أو العشاء. " انتهى من "الشرح الممتع" (15/160) .
وعلى هذا، فإخراجك كفارة اليمين بالطريقة التي ذكرتها صحيح مجزئ، لا سيما وأن هذا أنفع للفقراء حسب طلبهم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4356)
حلف بالطلاق أن لا يدخل على الشات، ثم دخل.
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب كنت مدمنا على غرف الشات قبل الزواج ومحادثة الفتيات عبر الانترنت، فلما تزوجت أقسمت بالطلاق ألا أتعمد فعل هذا الأمر إلا أني أنسى أو يسهى علي. ومنذ هذا القسم وأنا أخاف حتى من مجرد النظر إلى غرف الشات، ولكنى نسيت صيغة القسم هل كان القسم على مجرد الدخول إلى الشات أو على الشات نفسه. ومنذ أيام كنت على الانترنت وكان الشاب الجالس قبلى يحدث فتاة على الشات وترك إميله مفتوحا، فأخذنى الفضول أن أشاهد صورة هذه الفتاة، أستغفر الله، ولم يكن فى خاطرى أن أعمل شات معها أبدا. ففتحت غرفة الشات التي تركها الشاب واطلعت عليها، ومن يومها وأنا أتعذب: هل وقع الطلاق أم لا؟ أحيانا أقول لنفسى: أنت تخاف من مجرد الدخول إلى الشات وهذا يدل على أن القسم كان على دخول الشات، ثم بعدها أقول لنفسي إن مجرد الخوف من الدخول ليس دليلا على أن قسم الطلاق كان على مجرد الدخول، وأحيانا أخرى أقول لنفسي أراجع زوجتى وأحتسبها طلقة على نفسى، ثم أرجع وأقول: كيف أحسب على نفسي طلقة، ولعلها ليست طلقة ما دمت لست متذكرا بالضبط صيغة القسم؟!]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لقد أسأت ـ يا عبد الله ـ إلى نفسك، وأسأت إلى زوجتك، وأسأت إلى هذا الذي تجسست على خصوصياته، وتلصصت على غرفته.
فما ذنب زوجتك ـ أيها الرجل ـ حتى تجعل زواجك بها في مهب الريح، كلما دفعتك نزوتك وطيشك إلى الدخول إلى الشات، أو كلام النساء: كان جزاء زوجك منك: أنها طالق؟ فيالله للعجب!!
ولقد كان عليك أن تجعل زواجك فرصة للتوبة من تلك القاذورة، والاستغناء بما أحل الله لك عما حرم عليك، من عبث الصبيان، وأفعال المراهقين، نسأل الله أن يهدينا وإياك سواء السبيل.
ومن الحق أن هذا الذي كان يتحدث، وترك غرفته مفتوحة، قد وقع في محرم، وأساء، إن كان فعلا يحادث فتاة أجنبية عنه؛ لكن ذلك لا يعني أن تشاركه أنت أيضا في المحرم، ولا أن تجسس عليه، فلا أنت آمر بمعروف، ولا ناه عن منكر، ولا أنت تارك لما عليه غيرك.
ثانيا:
بخصوص يمينك إن كنت حلفت بالطلاق لتمنع نفسك من الدخول على الشات، وتصرفها عن هذا الأمر بهذا اليمين، ولم تقصد طلاق زوجتك: فلا تطلق زوجتك، وعليك كفارة يمين. وينظر لبيان مقدار كفارة اليمين إجابة السؤال رقم (9985) ، (45676) .
وإن كنت قصدت بيمينك طلاق زوجتك إن أنت فعلت ذلك، عقابا لنفسك على سوء فعلها: احتسبت عليك طلقة.
قال شيخ الإسلام رحمه الله:
" قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الطَّلَاقُ عَنْ وَطَرٍ وَالْعِتْقُ مَا اُبْتُغِيَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ. ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ. بَيَّنَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ الطَّلَاقَ إنَّمَا يَقَعُ بِمَنْ غَرَضُهُ أَنْ يُوقِعَهُ؛ لَا لِمَنْ يَكْرَهُ وُقُوعَهُ كَالْحَالِفِ بِهِ وَالْمُكْرَهِ عَلَيْهِ وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: كُلُّ يَمِينٍ وَإِنْ عَظُمَتْ فَكَفَّارَتُهَا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ. وَهَذَا يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْأَيْمَانِ: مِنْ الْحِلْفِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالنَّذْرِ. وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْحَالِفَ بِالطَّلَاقِ لَا يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ مَذْهَبُ خَلْقٍ كَثِيرٍ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ؛ لَكِنْ فِيهِمْ مَنْ لَا يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ: كدَاوُد وَأَصْحَابِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ: كَطَاوُوسِ وَغَيْرِهِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (33 / 61)
وسئل علماء اللجنة عن رجل كان يشرب الدخان بكثرة، وكان يريد الإقلاع عن التدخين، فقال لنفسه: والله لتكون زوجتي علي حرام إذا لم أقلع عن شرب الدخان، ولكنه لم يستطع الإقلاع عن التدخين.
فأجاب علماء اللجنة:
" إذا كان قصدك من تحريم زوجتك منع نفسك من التدخين ولم تقصد الطلاق - فإنه لا يقع طلاق بهذا الحلف، وإنما يلزمك كفارة يمين، وإن كان قصدك من التحريم وقوع الطلاق إن عدت إلى شرب الدخان فإنه يقع على زوجتك طلقة واحدة، ولك مراجعتها ما دامت في العدة إذا لم تكن هذه التطليقة الثالثة. كما يلزمك كفارة يمين عن الحنث في يمينك، والكفارة هي: إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة مؤمنة، فإن لم تجد فصم ثلاثة أيام " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (20 / 99-100)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" إذا كان هذا الرجل قصد بقوله " عليّ الطلاق " اليمين، فإن ذلك يمين له حكم اليمين؛ إن حنث فيه فعليه كفارة اليمين، وإن لم يحنث فلا شيء عليه، وإن قصد به الطلاق كان طلاقاً، فإذا حنث فيه وقع الطلاق منه على امرأته " انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (/ 17) .
راجع إجابة السؤال رقم: (39941) ، (132586)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4357)
إذا تعارض أمر والده مع فعل النذر فأيهما يقدم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو منكم أن تفتوني مشكورين في هذه الحالات. شخص ما نذر طاعة يعملها في كل مرة يعمل فيها معصية معينة (شرب الخمر مثلا) حتى يردع نفسه عنها وكان يتصور أنه قد يخطئ مرات فيكون في طاعته تلك دواء له ولكنه أسرف على نفسه بحيث أن عمره لن يفي بقضائها. فما حكمه في هذه الحالة؟ هل اذا شغل المسلم وقته بالعبادة بصورة لا تمنعه من مواصلة الدراسة ولكنها لا تجعله متفوقا فيها. هل يثاب على ذلك ويكون من الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله؟ ماذا لو كان نذره يلزمه بذلك؟ إذا تعارض نذري مع طاعة والدي فماذا أختار؟ إذا رأيت أن تدرجي في التزامي بهذا النذر هو أصلح لي فهل يجوز لي إتباع ذلك الأسلوب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
شرب الخمر محرم تحريما شديدا؛ لما في الخمر من الخبث والضرر والمفسدة، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) المائدة/90، 91.
وَبَّين النبي صلى الله عليه وسلم أن الخمر ملعون شاربها ومن يعين عليها، كما جاء في الحديث الذي رواه أبو داود (3674) وابن ماجه (3380) عن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ وَشَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ) . وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وفي سنن النسائي (5570) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لا يَشْرَبُ الْخَمْرَ رَجُلٌ مِنْ أُمَّتِي فَيَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَلاةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (709) .
فالواجب الإقلاع عن شرب الخمر وتركها ابتغاء مرضاة الله وحذرا من عقابه.
ثانيا:
إذا نذر المسلم طاعة لله تعالى معلقة على فعله معصيةً ما، ثم وقع في تلك المعصية، فقد ذكر العلماء رحمهم الله أنه يخير بن فعل الطاعة أو إخراج كفارة يمين.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (11/180) : إذا أخرج النذر مخرج اليمين بأن يمنع نفسه أو غيره به شيئا أو يحث به على شيء مثل أن يقول إن كلمت زيدا فلله علي الحج أو صدقة مالي أو صوم سنة فهذا يمين حكمة أنه مخير بين الوفاء بما حلف عليه فلا يلزمه شيء وبين أن يحنث فيتخير بين فعل المنذور وبين كفارة يمين. انتهى
وعلى هذا فإما أن تخرج كفارة يمين، إما أن تفعل الطاعة التي نذرت فعلها.
ثالثا:
ينبغي لمن كان في دراسة أن يجتهد فيها وأن لا يبخس نفسه بالتقصير والتفريط، وليس هذا من الإلهاء عن ذكر الله، بل من باب (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه) .
لكن إن كان النذر يقتضي انشغاله بعبادة معينة، وذلك لا يفسد دراسته ولا يعطله عنها بل يؤدي إلى عدم تفوقه فيها، فليعمل بنذره، تقديما للواجب على غيره.
رابعا:
تلزم طاعة الوالدين في غير المعصية، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةٍ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ) رواه البخاري (7257) ومسلم (1840) ، وقوله صلى الله عليه وسلم: (لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) رواه أحمد (1098) .
فإن تعارض ذلك مع فعل واجب كالنذر، ولم يمكن الجمع بينهما، قُدّم الواجب.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "الاختيارات" ص 114: " ويلزم الإنسان طاعة والديه في غير المعصية، وإن كانا فاسقين ... وهذا فيما فيه منفعة لهما، ولا ضرر عليه، فإن شق عليه ولم يضره وجب، وإلا فلا " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4358)
نذر أن يتبرع بأول راتب له وعليه ديون
[السُّؤَالُ]
ـ[نذرت لله أن أتبرع بأول راتب لي من العمل في السعودية وعندما قدمت إلى السعودية كانت علي ديون لإكمال السفر إلى السعودية فهل سداد الدين مقدم على النذر أم أن الدين هذا يسقط النذر وإن كان لا يسقط النذر فهل يجوز أن أقوم بسداد هذا النذر إلى أهلي وأقاربي في صورة هدايا أم لابد أن يكون مالا وهل يجب أن يكون عاجلاً أم مؤجلاً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ينبغي للمسلم أن يحفظ لسانه عن النذر؛ لورود النهي عنه كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه (نَهَى عَنْ النَّذْرِ، وَقَالَ: إِنَّهُ لَا يَأْتِي بِخَيْرٍ، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ) رواه مسلم (1639) .
ولمزيد الفائدة ينظر جواب السؤال رقم (32724) .
ثانياً:
الدين لا يسقط النذر، فكلاهما حق ثابت لا يسقط أحدهما الآخر.
ومن اجتمع عليه ديون للآدميين، وديون لله تعالى كالنذر والكفارة ... ، وضاق ماله؛ بأن لم يسع جميع الحقوق، فهل يقدم حقوق الله تعالى أو حقوق الآدميين، فيه تفصيل؟
فإن كان الدين مؤجلاً ولم يأت أجله، قُدم النذر؛ لوجوب النذر على الفور، ولأن الدين المؤجل ليس لصاحبه المطالبة به، حتى يحل الأجل، فقدم النذرُ.
وإذا كان الدين غير مؤجل فقد اختار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أنه يقدم الأسبق منهما، إلا إذا كان النذر بشيء معين، فإنه يقدمه، ولو كان الدين هو الأسبق.
فقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "نور على الدرب": إذا كان عليَّ دين لناس، فهل الأول يسدد الدين أم يوفي النذر؟
فأجاب:
" إذا كان الدين سابقاً على النذر قدمه، وإذا كان النذر سابقاً عن الدين قدمه؛ لأن هذا يتعلق بالذمة، وما كان متعلقاً بالذمة، فإن انشغال الذمة بالأول، فإنه يوجب أن تكون غير قابلةٍ بالانشغال بالثاني حتى يفرغ منه، هذا إذا لم ينذر شيئاً معيناً؛ بأن يقول هذه مثلاً لله علي نذر أن أتصدق بهذه الدراهم أو بهذا الطعام المعين، فإنه في هذه الحال يُقدم النذر؛ لأنه عينه وصار هذا الشيء المعين مشغولاً بالنذر " انتهى
وجاء في دقائق " أولي النهي " (1/398) : "لو أفلس حي، وله أضحية معينة أو نذر معين، فيخرج، ثم دين برهن" انتهى. يعني: تقدم الأضحية المعينة والنذر المعين على الدين.
والذي يظهر لنا: أن نذرك هذا من النذر المعين، فيجب تقديمه على الدين.
ثالثاً:
إن كنت عينت جهة لنذرك وجب عليك صرفه لتلك الجهة، ولا يجوز لك العدول عنها إلا إذا تعذر الوصول إلى تلك الجهة، وإن لم تكن حددت جهة، فلك صرفه حيث شئت ويخص بذلك الفقراء والمساكين ... ولك أن تنفقه في أهلك وأقاربك إن كانوا فقراء ... ، والواجب عليك إخراجه نقوداً، ولا يجوز أن تشتري بها هدايا لهم.
قال النووي في "المنهاج": "وإن نذر التصدق على أهل بلد معين لزمه" انتهى.
قال الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج" (6/250) : " قد يفهم من كلامه أنه لا فرق في أهل البلد بين الغني والفقير.. وليس مراداً , فقد نص [الإمام الشافعي] في الأم على التخصيص بالمساكين" انتهى.
وفي "مطالب أولي النهى" (6/427) : "وإن نذرها [الصدقة] بمال ... يصرفه للمساكين، ويجزئ لواحد، كنذر" انتهى.
رابعاً:
متى تمكنت من الوفاء بنذرك وجب عليك الوفاء به فوراً من غير تأخير.
فقد نصَّ في "كشاف القناع" (6/279) على أنه يجب إخراج النذر فوراً.
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: لقد نذرت الله - سبحانه وتعالى - نذراً وهو أن أصلى 10 ركعات إذا خفت رجلي من الألم، والآن لا أدري أيجوز أن أصلي العشر ركعات كل يوم ركعتين إلى أن أتمها فيصبح إتمامهم بخمسة أيام؟ أم يجب أن أصلي العشر في وقت واحد بمعنى في يوم واحد؟
فأجاب:
" إذا وجد الشرط المذكور وهو خفة الألم، فالواجب عليك الوفاء بالنذر فوراً فتصلي عشر ركعات في غير وقت النهي، تسلم من كل ركعتين لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل والنهار مثنى مثنى) ولقوله صلى الله عليه وسلم: (من نذرأن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه) رواه البخاري في صحيحه" انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (23/166) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4359)
هل الحلف بالطلاق حلف بغير الله؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الحلف بالطلاق محرم، لأنه حلف بغير الله؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الحلف بغير الله منكر، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ) ، وقال عليه الصلاة والسلام: (مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ) وهو حديث صحيح، وقال عليه الصلاة والسلام: (مَنْ حَلَفَ بِالْأَمَانَةِ فَلَيْسَ مِنَّا) ، وقال: (لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ وَلَا بِأُمَّهَاتِكُمْ وَلَا بِالْأَنْدَادِ، وَلَا تَحْلِفُوا بِاللَّهِ إِلَّا وَأَنْتُمْ صَادِقُونَ) .
هذا حكمه عليه الصلاة والسلام، وهو منع الحلف بغير الله كائناًَ من كان، فلا يجوز الحلف بالنبي عليه الصلاة والسلام، ولا بالكعبة، ولا بالأمانة، ولا بحياة فلان، ولا بشرف فلان، وكل هذا لا يجوز؛ لأن الأحاديث الصحيحة دلت على منع ذلك ...
وقد نقل أبو عمر بن عبد البر الإمام المشهور رحمه الله إجماع أهل العلم على أنه لا يجوز الحلف بغير الله، فالواجب على المسلمين أن يحذروا ذلك.
أما الطلاق فليس من الحلف في الحقيقة، وإن سماه الفقهاء حلفاً، لكن ليس من جنس هذا، الحلف بالطلاق معناه تعليقه على وجه الحث أو المنع أو التصديق أو التكذيب، مثل لو قال: والله ما أقوم، أو والله ما أكلم فلاناً فهذا يسمى يميناً، فإذا قال: علي الطلاق ما أقوم، أو علي الطلاق ما أكلم فلاناً. فهذا يسمى يميناً من هذه الحيثية، يعني من جهة ما يتضمنه من الحث أو المنع أو التصديق أو التكذيب، سمي يميناً لهذا المعنى، وليس فيه الحلف بغير الله، فهو ما قال: بالطلاق ما أفعل كذا، أو بالطلاق لا أكلم فلاناً، فهذا لا يجوز.
ولكن إذا قال: علي الطلاق لا أكلم فلاناً، أو علي الطلاق ما تذهبي إلى كذا وكذا، أي زوجته، أو علي الطلاق ما تسافري إلى كذا وكذا، فهذا طلاق معلق، يسمى يميناً لأنه في حكم اليمين من جهة الحث أو المنع أو التصديق أو التكذيب، فالصواب فيه أنه إذا كان قصد منعها، أو منع نفسه، أو منع غيره من هذا الشيء الذي حلف عليه فيكون حكمه حكم اليمين، وفيه كفارة يمين.
وليس في هذا مناقضة لقولنا: إن الحلف بغير الله ما يجوز، لأن هذا شيء، وهذا شيء، فالحلف بغير الله مثل أن يقول: باللات والعزى، بفلان، بحياة فلان، وحياة فلان، هذا حلف بغير الله، أما هذا فطلاق معلق ليس حلفاً في المعنى الحقيقي بغير الله، ولكنه حلف في المعنى من جهة منعه وتصديقه وتكذيبه.
فإذا قال عليه الطلاق ما يكلم فلاناً، فكأنه قال: والله ما أكلم فلاناً، أو لو قال: علي الطلاق ما تكلمين فلاناً – يخاطب زوجته – فكأنه قال: والله ما تكلمين فلاناً – فإذا حصل الخلل وحنث في هذا الطلاق، فالصواب أنه يكفر عن يمينه بكفارة يمين، أي أن له حكم اليمين إذا كان قصد منع الزوجة أو منع نفسه، وما قصد إيقاع الطلاق، إنما نوى منع هذا الشيء، منع نفسه، أو منع الزوجة من هذا الفعل، أو من هذا الكلام، فهذا الكلام يكون له حكم اليمين عند بعض أهل العلم، وهو الأصح، وعند الأكثرين يقع الطلاق.
لكن عند جماعة من أهل العلم لا يقع الطلاق وهو الأصح، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، وجماعة من السلف رحمة الله عليهم؛ لأنه له معنى اليمين من جهة الحث أو المنع أو التصديق أو التكذيب، وليس له معنى اليمين في تحريم الحلف بغير الله، لأنه ليس حلفاً بغير الله، وإنما هو تعليق، فينبغي فهم الفرق بين هذا وهذا. والله أعلم" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (1/181 – 183) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4360)
حلف أن لا يدخل على "الماسنجر" فأمر أحد إخوانه أن يفتحه له فهل حنث في يمينه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال: أنا حلفت أن لا أدخل موقعاً من مواقع الإنترنت، ولا الماسنجر، ولكني في بعض الأحيان أحتاج لهذا الموقع، ولهذا الماسنجر، فآمر أحد إخواني أن يدخل الموقع، ويفتحه لي حتى أتصفح فيه، هل يعتبر هذا الفعل جائزاً؟ وإذا لم يكن جائزاً هل عليَّ كفارة اليمين؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كنت حلفت على عدم دخول ذلك الموقع، أو "الماسنجر"لأن دخولك عليه يوقعك في معصية الله أو يضيع وقتك فيما لا يفيد فعليك حفظ يمينك، لأن ترك معصية الله أمر واجب، فيزداد تركها تأكيداً، إذا أقسمت عليه.
وأما بخصوص توكيلك لأخيك في فتح ذلك الموقع، والماسنجر: فينظر في ذلك إلى نيتك عند الحلف، فإن قصدت عدم فتحهما بنفسك: فلا بأس من التوكيل , ولا يعد ذلك حنثاً في اليمين، وإن قصدت عدم الدخول فيهما: فلا يصح توكيلك، وسواء دخلت عليهما بنفسك، أو عن طريق غيرك: فهو حنث لليمين، وهذا هو الظاهر من يمينك، ولا نظن أنك قصدت عدم مباشرة فتحهما، بل قصدت عدم رؤيتهما، وعدم الانشغال بهما، وبما أن ذلك قد حصل: فقد ترتب عليك كفارة اليمين.
وللوقوف على أحكام كفارة اليمين: انظر جواب السؤال رقم: (45676) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4361)
نذرت أن تتصدق بمال لو رزقت بطفل
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا لو نوت زوجتي فعل عمل خير، مثل: لو نذرت أن تتصدق بقدر من المال لإطعام الفقراء إن رزقت بطفل، فهل هذا جائز أم أن في هذا ما يشبه فعل الهندوس من تقديم القرابين؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ليس تقديم القرابين مما يختص به الهندوس، حتى يكون فاعله متشبهاً بهم، بل لم يزل المؤمنون الموحدون يقدمون القرابين لله، شكراً على نعمه، وابتغاء مرضاته، ففي قصة ابني آدم يقول الله تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ) المائدة/27.
فإذا كان الهندوس يقربون القرابين لألهتهم - وهي كثيرة، ذكوراً وإناثاً - فإن المسلمين يقدمون القرابين لله الواحد الأحد.
ثانياً:
إذا كانت زوجتك قد تلفظت بالنذر، فإذا رُزقت بطفل وجب عليها الوفاء بالنذر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ) رواه البخاري (6696) .
أما إذا كانت زوجتك قد نوت الصدقة فقط، ولم تتلفظ فهذا لا يعتبر نذراً، لأن النذر لا ينعقد بمجرد النية، بل لابد من اللفظ، وحينئذٍ تكون مخيرة في هذه الصدقة، فإن شاءت تصدقت، وإن شاءت لم تتصدق.
قال النووي في "المجموع" (8/435) :
"هَلْ النذر يَصِحُّ بِالنِّيَّةِ مِنْ غَيْرِ قَوْلٍ؟ فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، الصَّحِيحُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالْقَوْلِ , وَلَا تَنْفَعُ النِّيَّةُ وَحْدَهَا" انتهى باختصار.
وقال المرداوي في "الإنصاف" (11/118) :
"وَلَا يَصِحُّ – يعني النذر - إلَّا بِالْقَوْلِ. فَإِنْ نَوَاهُ مِنْ غَيْرِ قَوْلٍ: لَمْ يَصِحَّ بِلَا نِزَاعٍ" انتهى.
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: رجل نوى بقلبه أن يصوم سبعة أيام متواليات، ولم يستطع الإكمال، فهل عليه شيء؟
فأجابوا:
"النذر لا ينعقد إلا بالتلفظ به قاصداً له؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ) متفق على صحته. فمن نوى النذر ولم يتلفظ به فإنه لا يلزمه شيء" انتهى.
"فتاوى اللجنة" (23/302-303) .
ثالثاً:
ينبغي للمسلم إذا أراد أن يعبد الله تعالى بالصدقة أو غيرها أن يفعل ذلك بلا نذر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النذر.
روى البخاري (6608) ومسلم (1639) – واللفظ له - عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ النَّذْرِ وَقَالَ: (إِنَّهُ لَا يَأْتِي بِخَيْرٍ، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ) .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"اعلم أن النذر لا يأتي بخير ولو كان نذر طاعة، وإنما يستخرج به من البخيل، ولهذا نهى عنه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبعض العلماء يحرمه، وإليه يميل شيخ الإسلام ابن تيمية للنهي عنه، ولأنك تلزم نفسك بأمر أنت في عافية منه، وكم من إنسان نذر وأخيراً ندم، وربما لم يفعل.
ويدل لقوة القول بتحريم النذر قوله تعالى: (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ) النور/53؛ فهذا التزام موكد بالقسم، فيشبه النذر، قال الله تعالى: (قُلْ لَا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ) النور/53 أي: عليكم طاعة معروفة بدون يمين، والإنسان الذي لا يفعل الطاعة إلا بنذر، أو حلف على نفسه يعني أن الطاعة ثقيلة عليه.
ومما يدل على قوة القول بالتحريم أيضاً خصوصاً النذر المعلق: أن الناذر كأنه غير واثق بالله عز وجل؛ فكأنه يعتقد أن الله لا يعطيه الشفاء إلا إذا أعطاه مقابله ولهذا إذا أيسوا من البرء ذهبوا ينذرون، وفي هذا سوء ظن بالله عز وجل.
والقول بالتحريم قول وجيه " انتهى.
"مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (9/242) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4362)
حكم قضاء صيام النذر، إذا فات لعذر
[السُّؤَالُ]
ـ[نذرت أن أصوم ثلاثة أيام من كل شهر، وقد وفيت بالنذر إلى أن صرت حاملا، وبعد الحمل أرضعت طفلي عاما ونصف، خلال كل هذه المدة (الحمل والرضاعة) توقفت عن الصيام لعدم استطاعتي؛ وبعد ذلك استأنفت صيامي، فماذا أفعل خلال هذه المدة؟ أرجو أن تفيدوني جزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
النّذر هو إلزام المكلّف نفسه عبادة لم تكن واجبة عليه بأصل الشّرع، ونذر صيام ثلاثة أيام من كلّ شهر يعدّ نذر طاعة، يجب عليك الوفاء به؛ لقول النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ ". أخرجه البخاريّ برقم (6696) .
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية (40 / 137) : (لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي صِحَّةِ النَّذْرِ فِي الْجُمْلَةِ، وَوُجُوبِ الْوَفَاءِ بِمَا كَانَ طَاعَةً مِنْهُ) .
وينظر: المجموع (8/437) ، والمغني (13/622) .
وبناءً على ذلك يجب عليك قضاء هذه الأيّام التي تركت صيامها لأجل الحمل والرّضاعة، متى زال عذرك، وتمكنت من الصوم.
وورد في فتاوى اللجنة الدائمة (23 / 294) الفتوى رقم (13278) ما يأتي:
س: امرأة نذرت أن تصوم من كلّ شهر ثلاثة أيّام، وأحيانا يتعارض ذلك مع العادة الشهرية أو الوضع، فهل يلزمها القضاء بعد الطّهر أم لا؟
ج: يجب على المرأة التي نذرت صيام ثلاثة أيام من كل شهر أن تصومها؛ لأنه نذر طاعة، وإن تعذّر عليها الصيام في شهر بسبب وضع ونحوه فإنها تقضيها؛ لأنّه صيام واجب بالنذر.
وبالله التوفيق، وصلّى الله على نبيّنا محمّد، وآله وصحبه وسلّم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4363)
النذر لأحد الأئمة
[السُّؤَالُ]
ـ[منذ مدة صادفتني مشكلة فنذرت نذراً لأحد الأئمة إن انحلت هذه المشكلة، وقد علمت أنه لا يجوز النذر لغير الله، علماً بأن المكان الذي فيه الإمام بعيد عني، فهل يجوز أن أدفع النذر للفقراء أو أكفر عنه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"هذا النذر باطل؛ لأنه عبادة لغير الله، وعليك التوبة إلى الله من ذلك، والرجوع إليه، والإنابة والاستغفار والندم، فالنذر عبادة، قال الله تعالى: (وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ) البقرة/270، يعني فيجازيكم عليه، وقَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ) .
فهذا النذر باطل وشرك بالله عزَّ وجلَّ، هذا النذر الذي نذرتيه لأحد الأئمة الأموات، لعلي، أو للحسين، أو لشيخ عبد القادر أو غيرهم نذر باطل وشرك بالله، وهكذا النذور لغير هؤلاء: للسيد البدوي أو للسيدة زينب أو للسيدة نفيسة، أو غير ذلك كله باطل، وهكذا النذر لرسول الله صلى الله عليه وسلم باطل أيضاً، فالنذر لا يجوز إلا لله وحده، لأنه عباده، فالصلاة والذبح والنذر والصيام والدعاء كلها لله وحده سبحانه وتعالى، كما قال سبحانه وتعالى: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) ، وقال سبحانه: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) الإسراء/23، يعني: أمر ألا تعبدوا إلا إياه، وقال سبحانه: (فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) غافر/14، وقال عز وجل: (فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) الجن/18.
فالعبادة حق الله، والنذر عبادة، والصوم عبادة، والصلاة عبادة، والدعاء عبادة، والذبح عبادة، فيجب إخلاصها لله وحده، فهذا النذر باطل، وليس عليك شيء، لا للفقراء ولا لغيرهم، بل عليك التوبة، وليس عليك الوفاء بهذا النذر، لكونه باطلاً وشركاً، وعليك بالتوبة الصادقة والعمل الصالح، وفقك الله وهداك لما فيه رضاه ومَنَّ عليك بالتوبة النصوح" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (1/120، 121) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4364)
نذر أن يتصدق بمال ولا يتوفر لديه الآن
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب عمري 16 سنة وقد ذهبت برفقة أحد أصدقائي في الصيف الماضي لحضور محاضرة عن أحوال المسلمين الفقراء في بعض الدول وكان من ضمن ما عُرض بعض المشاهد التي أثرت في الحاضرين فنذرت أنا وصديقي أن نتصدق بمبلغ من المال والمبلغ هذا في الحقيقة ليس صغيراً. كما أسلفت فأنا طالب وليس لدي أي مصدر دخل كذلك الحال مع صديقي وقد عملنا جاهدين خلال الفترة الماضية أن نوفر المبلغ ولكن بعد ذلك كله لم يتوفر منه إلا الثلث. في شهر يونيو حزيران المقبل سأنتقل إلى بلد آخر إن شاء الله ولا أدري إن كنت سأستطيع أن أوفر المبلغ بحلول هذا التاريخ أم لا فهل يظل الدين في عنقي حتى ولو سافرت أم لا وكيف أوفي بهذا النذر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نشكرك على اهتمامك بأحوال المسلمين والحرص على معرفة أحوالهم ومساعدتهم، وهذا دليل على ما أنعم الله به عليك وعلى صديقك من الإيمان والإخاء الصادق، ونسأل الله تعالى أن يبارك فيكما وأن يعينكما على طاعته ومرضاته، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى) . رواه البخاري (6011) ومسلم (2586) .
وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ) رواه البخاري (13) ومسلم (45) .
ثانياً:
من نَذر نُذر طاعة وجب عليه الوفاء به، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلا يَعْصِهِ) رواه البخاري (6202) .
ونذر الصدقة من نذر الطاعة الذي يجب الوفاء به، فإن عجزتما عن الوفاء بقي دينا في ذمتكما حتى تقدرا عليه، ولا تأثير لسفرك في هذا.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: لقد نذرت إن توظفت أن أدفع مبلغ (600) ريال كفالة يتيم عن والدي ووالدتي، وذلك في كل شهر، وبعد ذلك كفلت يتيماً واحداً لمدة سنة ونصف بواقع (2400) سنوياً، ثم انقطعت لظروف مالية، والآن وبعد انقطاعي وعزمي مرة أخرى على كفالة يتيم حسب المبلغ المتراكم فوجدته (25000) ريالاً.
فسؤالي لسماحتكم: ماذا علي أن أفعل؟
فأجابوا: "يجب عليك الوفاء بنذرك؛ لأنه نذر طاعة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه) ، وعليك قضاء المبلغ عن الأشهر التي لم تخرجي عنها شيئا؛ لأنها واجبة عليك بالنذر، تقبل الله منك، وأخلف عليك ما هو أكثر وأنفع، وقد قال الله سبحانه:
(وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) .
ونوصيك مستقبلاً بعدم النذر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تنذروا؛ فإن النذر لا يرد من قدر الله شيئا، وإنما يستخرج به من البخيل) متفق على صحته" انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (23/342) .
نسأل الله لكما التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4365)
حلف أن لا يحضروا طعاما فخالفوه، فهل تجب عليه الكفارة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كثيرا ما يأتيني ضيوف وأحلف عليهم بأن يأكلوا عندي وأن أعشيهم أو أغديهم طمعا في إكرام الضيف لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه..) . وأيضا كثيرا ما أزور أقارب أو أصدقاء وأحلف عليهم بأن لا يحضروا لي أي شيء من الطعام ولكن أفاجأ بأنهم أحضروا طعاما بل وتكلفوا به كثيرا......هل علي كفارة يمين؟ وهل على كل حالة أو موقف كفارة يمين أم تجزئ كفارة اليمين مرة واحدة عن جميع الحالات الماضية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
اعلم أنه "يجب احترام اليمين بالله وتوقيرها، وألا يحلف المسلم إلا وهو صادق، ولا يحلف إلا عند الحاجة، وكثرة الحلف تدل على التهاون باليمين، قال تعالى: (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ) القلم/10 ".
"المنتقى من فتاوى الفوزان" (96/1) .
فعليك أن لا تكثر من الحلف، وينبغي أيضاً إذا زرت قوماً أن لا تحلف عليهم أن لا يكرموك، فإنهم يحبون إكرامك كما تحب أنت إكرامهم إذا جاؤوا لزيارتك.
ومتى أردت الحلف على شيء: فالأولى أن تقول في يمينك: إن شاء الله , فتقول: والله لا أفعل كذا إن شاء الله. أو: والله لا تفعلون كذا إن شاء الله، فإنك إن قلت ذلك لم تلزمك كفارة إذا لم يتحقق المحلوف عليه.
لما روى ابْن عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَقَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ) رواه الترمذي (1531) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (2571) .
وقال الترمذي:
"وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ: أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إِذَا كَانَ مَوْصُولًا بِالْيَمِينِ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَقَ" انتهى.
ثانياً:
إذا حلفت أنك ستفعل شيئاً ما، ثم لم تفعله، أو حلفت على شخص أنه لا يفعل شيئاً ما ففعله فعليك كفارة يمين في الحالين.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: عمن حلف أنه سيذبح لضيفه ذبيحة، ثم لم يفعل.
فأجابوا:
"إذا كان الأمر كما ذكر، فإنك تكفر كفارة يمين، وهي: عتق رقبة مؤمنة، أو إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، فإن لم تجد فإنك تصوم ثلاثة أيام، قال تعالى: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ) الآية" انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (23/73) .
وقال الشيخ ابن باز:
"إذا حلفت على أولادك أو غيرهم حلفاً مقصوداً أن يفعلوا شيئاً أو ألا يفعلوه فخالفوك فعليك كافرة يمين" انتهى.
"فتاوى إسلامية" (3/657) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين:
عندما نجلس أنا ومجموعة من الأصدقاء في مطعم وأريد أن أدفع الحساب يقوم أحدهم ليدفع الحساب لكنني أقسم بأن أدفع الحساب وأقول بالله ما تدفع أنت، لكنه يدفع دون مبالاة بالقسم فهل هذا يجوز؟ وهل يعتبر قسمي هذا يمين وعليه كفارته؟
فأجاب رحمه الله تعالى:
" أولاً: أنصح هذا السائل وغيره من أن يقسمو على غيرهم بفعل شيء أو تركه؛ لأن في هذا القسم إحراجاً لهم أو لمن أقسموا عليهم. أما كونه إحراجاً لهم فلأن هذا المحلوف عليه إذا خالف لزمته الكفارة. وأما كونه إحراجاً لمن حلفوا عليه فلأنه قد يفعل ذلك مع المشقة وربما مع المشقة والضرر مجاملة لهذا الذي أقسم عليه، وفي ذلك من الإحراج والإعنات ما فيه. وأما بالنسبة للكفارة: فإن الإنسان إذا حلف على فعل شيء من نفسه أو من غيره أو على تركه: فإما أن يقرن يمينه بالمشيئة أي بمشيئة الله فيقول: والله إن شاء الله لتفعلن كذا أو لأفعلنّ كذا، وإما أن لا يقرنها. فإن قرن يمينه بالمشيئة فلا حنث عليه ولا كفارة، ولو تخلف المحلوف عليه. وإن لم يقرنها بالمشيئة فإنه يحنث إذا ترك ما حلف على فعله أو فعل ما حلف على تركه.
والذي ينبغي للإنسان إذا حلف على شيء سواء من فعل نفسه أو من فعل غيره أن يقول إن شاء الله؛ فإن في قول إن شاء الله فائدتين عظمتين: إحداهما: أن ذلك سبب لتسهيل ما حلف عليه. والثانية: أنه لو حنث في يمينه فلم يفعل ما حلف عليه أو فعل ما حلف على تركه فإنه لا كفارة عليه....
أما فيما يتعلق بسؤال السائل الذي حلف على صاحبه أن لا يحاسب صاحب المطعم فحاسبه فإنه يجب عليه أن يكفر كفارة يمين؛ لأن صاحبه لم يبر قسمه" انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (11/256-257) .
وأما تعدد الكفارة، فإن حلف المسلم على شيء واحد عدة أيمان ثم حنث فعليه كفارة واحدة، وإن كانت الأيمان على أشياء متعددة، فعليه لكل يمين كفارة، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم: (46868) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4366)
إذا تعارض البر باليمين مع بر الوالدين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم نقض اليمين عند عدم الاستطاعة؟ وما هو الحكم إذا تعارض البر باليمين مع بر الوالدين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
اليمين التي يحلفها الحالف، وينعقد القلب عليها، يجب تحقيقها بفعل ما حلف الحالف على فعله , أو ترك ما حلف على تركه , فإن لم يعقل ذلك فالواجب عليه كفارة يمين، وقد سبق بيان كفارة اليمين بالتفصيل في جواب السؤال رقم (45676) .
ثانياً:
أما إذا تعارض البر باليمين مع بر الوالدين، فينبغي تقديم بر الوالدين، والحنث في اليمين، وأداء الكفارة ما لم يكن في ذلك إثم.
روى مسلم (1650) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِهَا، وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ) .
قال النووي:
" فِي هَذِهِ الْأَحَادِيث دَلَالَة عَلَى مَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْل شَيْء أَوْ تَرْكه , وَكَانَ الْحِنْث خَيْرًا مِنْ التَّمَادِي عَلَى الْيَمِين , اُسْتُحِبَّ لَهُ الْحِنْث , وَتَلْزَمهُ الْكَفَّارَة وَهَذَا مُتَّفَق عَلَيْهِ " انتهى.
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (23/124) :
"إذا حلفت بالله على أمر مستقبل أن لا تأخذي شيئا فإنها تعتبر من الأيمان المنعقدة التي يجب الالتزام بها إن كان الالتزام بها طاعة لله، أما إن كان في الالتزام بها معصية لله ورسوله، أو رأيت غيرها خيرا منها - فلك أن تحنثي في يمينك بمخالفة ما حلفت عليه" انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (23/124) .
وانظر جواب السؤال رقم: (9985) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4367)
من حلف أن لا يفعل شيئا ثم فعله ناسيا
[السُّؤَالُ]
ـ[اختلفت أنا وزميلي في العمل فحلفت أن لا آكل ولا أشرب في بيته، وفي مرة ذهبت معه إلى منزله وأكلت بعض الفواكه ناسياً، وبعدما ذهبت تذكرت بأنني حلفت، فأرجو الإفادة، وبعد الكفارة هل آكل وأشرب في بيته أم لا؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا كنت ناسيا فما عليك شيء، أي: ما عليك كفارة، لكن الأحسن أن تأكل مع أخيك إذا كان طيبا، وتكفر [عن يمينك] ، إذا كان هذا الصديق طيبا في دينه، فالأحسن أن تكفر وتعود إلى الأكل في بيته، أما إن كان ليس بطيب فاحمد الله على هذا اليمين ولا تأكل معه ولا تأتيه، وابتعد عنه، إذا كان ممن يظهر المعاصي، ويدعو إلى المعاصي، فاحمد الله على البعد عنه، أما إذا كان طيبا فإنك تكفر عن يمينك، تطعم عشرة مساكين، أو تكسوهم والحمد لله، وأت أخاك، وكُلْ في بيته، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فكفر عن يمينك وأت الذي هو خير) ، ويقول صلى الله عليه وسلم: (والله إني إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها، إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير) " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (23/113) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4368)
حلفت أن لا تدخل بيت ابنها ثم اشترته
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة حلفت على ألا تدخل بيت ابنها من بعد وفاة والده وأرادت الأم شراء البيت، والابن موافق فهل للأم شراء البيت والسكن فيه؟ وإن كان لا يجوز فهل هناك كفارة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا مانع من شرائها البيت إذا سمح مالكوه بالبيع، وإذا دخلته بعد الشراء فليس عليها كفارة لأنه صار بيتها، وليس بيت ولدها، فإذا دخلت بيت ولدها الذي يسكن فيه فعليها كفارة يمين، سواء كان بيتا بالملك أو بالأجرة، وكفارة اليمين: إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام، كما نص الله سبحانه على ذلك في سورة المائدة، والذي يعطاه المسكين الواحد نصف صاع من قوت البلد من تمر أو أرز أو غيرهما، ومقداره كيلو ونصف تقريبا، وإن غداهم أو عشاهم أو كسا كل واحد منهم كسوة تجزئه في الصلاة كفى ذلك.
وإذا كان ولدها ساكنا في البيت بعد الشراء ودخلت عليه قبل أن ينتقل فعليها الكفارة المذكورة، وبالله التوفيق" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (23/120) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4369)
تحلف على أولادها فيخالفونها، فهل عليها كفارة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي أولاد وكثيرا ما أحلف عليهم بأن لا يعملوا كذا، لكنهم لا يستجيبون لأمري، فهل علي كفارة في هذه الحال؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا حلفت على أولادك أو غيرهم حلفا مقصودا أن يفعلوا شيئا أو ألا يفعلوه فخالفوك فعليك كفارة يمين، لقول الله سبحانه: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ) المائدة/89.
وهكذا لو حلفت على فعل شيء أو تركه، ثم رأيت أن المصلحة في خلاف ذلك فلا بأس بأن تحنثي في يمينك وتؤدي الكفارة المذكورة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فكفر عن يمينك وأت الذي هو خير) متفق على صحته" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (23/119) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4370)
هل يجوز أن تصرف النذر لأبيها الفقير؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا حامل بعد 5 سنوات فنذرت إن أتممت الثلاثة شهور الأولى من الحمل أن أتصدق بمبلغ من المال وأنا الحمد لله تم شرط النذر وأريد أن أخرج المبلغ إلى والدي علما أن وضعه المادي صعب جدا فباقي لديه من إخوتي 4 بنات طالبات وولد يدرس بالجامعة وأمي، وعليه ديون وساكن بالإيجار علما أنه توظف من جديد ولكن الراتب غير منتظم ولا يكفي لنهاية الشهر فهل يجوز إعطاء والدي المبلغ أم أنه لا تجوز عليه الصدقة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
النذر الذي يعلقه المسلم على حصول شيء له، نذر مكروه، نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم - بل ذهب بعض العلماء إلى تحريمه – ويظن بعض الناس أن هذا النذر يكون سبباً لحصول ما يطلبون، وهذا الظن غير صحيح.
روى البخاري (6608) ومسلم (1639) – واللفظ له - عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ النَّذْرِ، وَقَالَ: (إِنَّهُ لَا يَأْتِي بِخَيْرٍ، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ) .
وقوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّهُ لَا يَأْتِي بِخَيْرٍ) يعني أن النذر ليس سبباً لحصول الخير الذي يرجوه.
وقوله: َإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ) فيه ذم لهذا الناذر، ووصفه بأنه بخيل، لأن البخيل لا يخرج شيئاً من ماله إلا بمقابل يستوفيه أولاً، وهذا الناذر قد فعل ذلك، فإنه لا يتصدق حتى يحصل له مطلبه.
ونظر: "فتح الباري" (11/578-580) .
وقال الشيخ ابن عثيمين:
" اعلم أن النذر لا يأتي بخير ولو كان نذر طاعة، وإنما يستخرج به من البخيل، ولهذا نهى عنه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبعض العلماء يحرمه، وإليه يميل شيخ الإسلام ابن تيمية للنهي عنه، ولأنك تلزم نفسك بأمر أنت في عافية منه، وكم من إنسان نذر وأخيرا ندم، وربما لم يفعل.
ويدل لقوة القول بتحريم النذر قوله تعالى: (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ) النور/53؛ فهذا التزام موكد بالقسم، فيشبه النذر.
قال الله تعالى: (قُلْ لَا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ) النور/53 أي: عليكم طاعة معروفة بدون يمين، والإنسان الذي لا يفعل الطاعة إلا بنذر، أو حلف على نفسه يعني أن الطاعة ثقيلة عليه.
ومما يدل على قوة القول بالتحريم أيضا خصوصا النذر المعلق: أن الناذر كأنه غير واثق بالله عز وجل؛ فكأنه يعتقد أن الله لا يعطيه الشفاء إلا إذا أعطاه مقابله ولهذا إذا أيسوا من البرء ذهبوا ينذرون، وفي هذا سوء ظن بالله عز وجل.
والقول بالتحريم قول وجيه " انتهى.
"مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (9/242) .
وأما إعطاء النذر لوالدك، والصدقة عليه بها، فإن كان عندك من الأموال ما تستطيعين به النفقة على والدك وسد حاجته، وجب عليك ذلك، وحينئذٍ لا يجوز لك دفع النذر إليه، لأن نفقته واجبة عليك.
أما إذا كانت أموالك لا تكفي للنفقة عليه، فلا حرج عليك من إعطائه النذر، لأن سد حاجته في هذه الحالة أو بعضها أفضل من سد حاجة غيره، وأما إخوانك وأخواتك فيجوز لك أن تعطيهم من النذر ما داموا محتاجين إلى المال، لأن نفقتهم غير واجبة عليك في حال وجود الأب.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4371)
إذا شرع في الصوم للكفارة ثم قدر على الإطعام أو الكسوة
[السُّؤَالُ]
ـ[كفارة اليمين إذا لم تتوفر الاستطاعة لإطعام مساكين أو عتق رقبة هي الصيام صحيح؟ ولكن إذا بدأت الصيام وأنا في اليوم الأول منه توفر لدي المال هل أكمل الصيام أم أطعم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
كفارة اليمين بَيَّنها الله تعالى بقوله: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة / 89.
فيخيّر بين الإطعام والكسوة والعتق، فإن لم يجد شيئا من ذلك صام ثلاثة أيام.
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (45676) .
ثانياً:
من شرع في الصوم لعجزه عن العتق والإطعام والكسوة، ثم قدر على واحد منها لم يلزمه الرجوع إليه عند جمهور العلماء، لكن لو أراد ذلك فلا حرج، لأنه انتقال للأعلى والأكمل.
قال ابن قدامة رحمه الله: " إذا شرع في الصوم , ثم قدر على العتق أو الإطعام أو الكسوة , لم يلزمه الرجوع إليها. روي ذلك عن الحسن , وقتادة وبه قال مالك , والشافعي , وإسحاق , وأبو ثور وابن المنذر.
وروي عن النخعي , والحكم , أنه يلزمه الرجوع , إلى أحدها، وبه قال الثوري , وأصحاب الرأي ; لأنه قدر على المُبْدَل قبل إتمام البدل.
ولنا: أنه بدل لا يبطل بالقدرة على المُبْدَل , فلم يلزمه الرجوع إلى المُبْدَل بعد الشروع فيه , كما لو شرع المتمتع العاجز عن الهدي في صوم السبعة الأيام , فإنه لا يخرج , بلا خلاف. والدليل على أن البدل لا يبطل , أن البدل الصوم , وهو صحيح مع قدرته اتفاقا ".
ثم قال: "إن أحب الانتقال إلى الأعلى , فله ذلك , في قول أكثرهم" انتهى من "المغني" (10/22) .
وعليه؛ فلو توفر لديك المال وقد شرعت في الصوم، فلا يلزمك الإطعام أو الكسوة، ولك الاستمرار على الصوم إلا أن تختار الإطعام.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4372)
نذر أن يذبح (حاشي) فكم يشترط في سنّه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[بفضل الله أمي حملت وسوف تنجب ولداً ولله الحمد فنذرت إن قامت بالسلامة وكان المولود معافىً بأن أذبح حاشي وهو كما تعلمون عمره يكون ثلاث سنوات، فهل إن ذبحته وفيت بنذري؟ أم هنالك شروط للذبيحة مثل الأضحية؟ يعني لها سن معين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا نذرت ذبح (حاشي) إن أنجبت والدتك مولودا معافىً، فتم ذلك، لزمك الوفاء بالنذر، ويتحدد سن الحاشي بما نويته عند نذرك، وإلا فما يسمى في عرف الناس كذلك، فإنه يجزئك ذبحه ولا يشترط فيه شروط الأضحية، إلا إن كنت نويت أن يكون عقيقة للمولود، لأن العقيقة يشترط فيها ما يشترط في الأضحية، فإن كانت من الإبل لم يجزئ فيها إلا ما تم له خمس سنوات.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: نذرت والدتي أن تذبح بعيراً بعدما نسكن بيتاً يكون ملكاً لنا، والحمد لله قد نزلنا في البيت الذي هو ملك لنا، فما هو البعير أهو الجمل الكبير أم (الحاشي) أم يكون من أي نوع من أنواع الإبل؟ وإذا ذبحت هذا البعير فماذا نصنع به: هل يوزع أم نأكله أو نجعله في البيت أو نجعله عشاءً؟ أرجو التفصيل وفقك الله.
فأجاب: "قبل أن أجيب على الوفاء بهذا النذر أقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النذر وقال: (إنه لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل) وقال: (إنه لا يرد قضاءً) وما أكثر الذين ينذرون ولا يوفون، وعدم الوفاء بالنذر إذا كان نذر طاعة له عواقب وخيمة، اسمعوا قول الله تعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنْ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ ـ أي: ولم يتصدقوا ـ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) التوبة/75-77. عاقبة وخيمة، جعل الله في قلوبهم نفاقاً إلى الموت؛ لأنهم لم يفوا بالعهد. وإذا كان النذر منهياً عنه وقد تكون عاقبته وخيمة فإن المؤمن العاقل لا ينذر، إذا كان الله قد أذن لك بالشفاء شفيت بدون نذر، وإذا كان الله لم يأذن لك بالشفاء؛ فإنك لا تشفى ولو نذرت. كذلك أيضاً إذا كان الله قد يسر لك بيتاً يكون ملكاً لك تسكنه فإنه سيكون بلا نذر، وإذا لم يأذن الله بذلك فلن يكون.
أما بالنسبة للجواب على هذا السؤال فإن الواجب أن تذبح بعيراً كما نذرت، ثم إن كان في ذهنها ونيتها في ذلك الوقت أنه أيُّ بعير فلتذبح أي بعير ولو (حاشياً) صغيراً، وإن لم يكن في ذهنها شيء، فإنها تذبح بعيراً تصح أن تكون أضحية أي: ثنية لها خمس سنين. وإذا ذبحتها فرقتها على الفقراء؛ لأن هذا شكرٌ لله على تيسيره، إلا إذا كان من نيتها أنها تذبحها لإظهار الفرح والسرور كما يفعله بعض الناس إذا نزل بيتاً جديداً صنع وليمة، فهنا نقول: لا بأس أن تأكل منها وتطعم وتتصدق (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) " انتهى من "اللقاء الشهري" (36/11) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4373)
حلف أن لا يفعل معصية معينة ثم فعلها ناسياً لليمين
[السُّؤَالُ]
ـ[حلفت ألا أفعل معصية معينة، ثم فعلتها وأنا ناسي اليمين، فهل تجب علي كفارة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا كفارة عليك في ذلك ولكن تبقى اليمين منعقدة كما هي، فمتى فعلت تلك المعصية عامداً ذاكراً، فعليك كفارة يمين.
فقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: رجل حلف بالله ألا يصافح الحريم بيده، وبعد مدة دخل مجلساً فيه حريم، جيران لهم، وصافحهم وهو ناسي يمنيه السابق، ويسأل ماذا يترتب عليه؟
فأجابوا:
"إذا كان الأمر كما ذكره السائل من أنه صافح بيده الحريم بعد حلفه اليمين لعدم مصافحتهن، وأن ذلك كان منه على سبيل النسيان: فلا حرج عليه، لقوله تعالى: (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأناً) الآية، وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (عُفي من أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) .
وإن حصل منه شيء مستقبلاً وهو ذاكر عامد: لزمته كفارة اليمين، مع العلم أنه لا يجوز له شرعاً مصافحة النساء، إلا أن يكنَّ من محارمه، كأمه، وأخته، وبنته، ونحوهن" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن منيع.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (23 / 62) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4374)
هل يحتسب صيام كفارة اليمين من الستة أيام من شوال؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي سؤال فيما يخص القسم بالله، وهو أنني أقسمت بالله على أن لا أذهب إلى المكان الفلاني، ولكن بعد أسبوع من ذلك ذهبت إلى ذلك المكان، وقررت أن أصوم ثلاثة أيام في الست من الشوال، هل تعتبر كفارة عن اليمين أو ماذا؟ . وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ننبه الأخ السائل إلى أمور مهمة قبل الإجابة عن عين مسألته:
1. الأصل في المسلم أن يحفظ يمينه من إلقائها هنا وهناك على أمور لا تستحق أن يكون معها القسم بالله تعالى، قال تعالى: (وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ) المائدة/ من الآية89.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله -:
الأصل: أنه لا ينبغي إكثار اليمين؛ لقول الله تعالى (وَاحْفَظُوْا أَيْمَانَكُمْ) ، قال بعض العلماء في تفسيرها: أي: لا تكثروا الأيمان، ولا شك أن هذا أولى، وأسلمُ للإنسان، وأبرأُ لذمته.
" الشرح الممتع " (15 / 117) .
2. أن المكان الذي أقسمتَ على عدم الذهاب إليه: إن مكاناً محرَّماً لا يحل لك الذهاب إليه في شرع الله تعالى: وجب عليك الوفاء بيمينك، وعدم الذهاب، وإن كان الذهاب واجباً – كصلة رحِم أو زيارة قريب: وجب عليك الحنث في يمينك إن كان ذهابك واجباً، واستُحب لك الحنث إن كان الذهاب مستحبّاً، وإن كان الذهاب إلى ذلك المكان مباحاً: فانظر الخير لدينك ودنياك، والأتقى لربك تعالى، وافعله، فإن كان الذهاب خيراً وأتقى: فاذهب وكفِّر عن يمينك، وإلا فابق على منع نفسك من الذهاب إليه.
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ) .
رواه البخاري (6343) ومسلم (1652) .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ وَلْيَفْعَلْ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ) .
رواه مسلم (1650) .
وفي " الموسوعة الفقهية " (8 / 63) :
برُّ اليمين معناه: أن يصدق في يمينه , فيأتي بما حلف عليه، قال الله تعالى: (ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون) .
وهو واجب في الحلف على فعل الواجب، أو ترك الحرام , فيكون يمين طاعة يجب البر به بالتزام ما حلف عليه , ويحرم عليه الحنث فيه.
أما إن حلف على ترك واجب أو فعل محرم: فهو يمين معصية، يجب الحنث فيه.
فإن حلف على فعل نفل , كصلاة تطوع، أو صدقة تطوع: فالتزام اليمين مندوب , ومخالفته مكروهة.
فإن حلف على ترك نفل: فاليمين مكروهة , والإقامة عليها مكروهة , والسنَّة أن يحنث فيها، وإن كانت على فعل مباح: فالحنث بها مباح، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فأت الذي هو خير , وكفر عن يمينك) .
انتهى.
3. قرارك في أنك ستصوم ثلاثة أيام مقابل الحنث في يمينك: لا يجوز إلا إن كنتَ عاجزاً عن إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، فكفارة اليمين هي: إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، فمن لم يجد: صام ثلاثة أيام، قال الله تعالى: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ
بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا
تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا
حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة/ 89.
وانظر السؤال (45676) .
ثانياً:
أما بخصوص سؤالك عن جعل صيام كفارة اليمين في شوال، واحتسابها من الأيام الستة منه، الوارد في فضل صومه مع رمضان أنه كصيام الدهر فرضاً: فنقول: إنه إن ترتب في ذمتك الصيام لعجزك عن الإطعام والكسوة: فلا تحسبها من الأيام الستة من شوال، ولا يجوز التشريك بين نية واجبة، ونية نفل، وصيام الكفارة مخصوص يحتاج لنية مستقلة، كما هو الحال في صيام الأيام الستة من شوال، وعليه: فصيامك للأيام الثلاثة كفارةً ليمينك لا تُحسب من صيام الأيام الستة من شوال.
سئل علماء اللجنة الدائمة:
هل صوم ستة من شوال، ويوم عاشوراء، ويوم عرفة، هل يجزئ عن الأيمان، وقد عجز المرء على حصرها؟ .
فأجابوا:
كفارة الأيمان هي: عتق رقبة مؤمنة، أو إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، فإن لم تجد شيئاً من ذلك: فتصوم عن كل يمين ثلاثة أيام.
وأما عجزك عن حصر الأيمان: فيجب عليك الاجتهاد في حصرها بالتقريب، ثم التكفير فيما حنثت فيه منها، ويكفيك ذلك إن شاء الله.
ولا يجزئ صيام يوم عاشوراء، وعرفة، وستة من شوال، عن كفارة اليمين، إلا إذا نوى بصيامها أنه عن الكفارة لا التطوع.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (23 / 37، 38) .
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
السائلة تذكر بأنها حلفت، وتريد أن تكفر عن هذا الحلف بصيام ثلاثة أيام، فهل يجوز أن أصومها مع صيام الست من شوال بحيث يكون صيامي ستة أيام؟ .
فأجاب:
أولاً: لا يجوز للحالف إذا حنث في يمينه أن يصوم، إلا إذا كان لا يجد إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ) ، وقد اشتهر عند كثير من العامة: أن كفارة اليمين إذا حنث الحالف: صيام ثلاثة أيام لمن يجد الإطعام، أو الكسوة، أو العتق، ومن لا يجد، وهذا غلط، بل لا يجوز الصيام إلا إذا كان الحالف الذي حنث لا يجد إطعام عشرة مساكين، أو يجد لكن لا يجد مساكين، فحينئذٍ يصوم ثلاثة أيام متتابعة.
ثم إذا كان يندرج تحت صيام الأيام الثلاثة: فإنه لا يجزئ أن ينوي بها صيام ستة أيام من شوال؛ لأنهما عبادتان مستقلتان، فلا تغني إحداهما عن الأخرى، بل يصوم ستة أيام من شوال، ثم يصوم الأيام الثلاثة زائدة على صيام الأيام الستة.
" فتاوى نور على الدرب " (/ 84، 85) .
ولا يشترط في الأيام الثلاثة أن تكون متتابعة، وقد بينَّا ذلك في جواب السؤال رقم:
(12700) ، فلينظر.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4375)
حكم إخراج كفارة اليمين مالا
[السُّؤَالُ]
ـ[قال تعالى: (فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم..) هل يجوز إخراج قيمة كفارة اليمين مالا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اختلف الفقهاء في إخراج المال في الكفارات على قولين:
القول الأول: قول جمهور أهل العلم من المالكية والشافعية والحنابلة: أنه لا يجزئ المال عن الطعام، اقتصارا على النص الوارد ووقوفا عنده، حيث قال الله تعالى: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة/89.
جاء في " مواهب الجليل " (3/272) من كتب المالكية:
" لا تجزئ القيمة عن الإطعام والكسوة " انتهى.
وقال ابن قدامة الحنبلي رحمه الله:
" لا يجزئ في الكفارة إخراج قيمة الطعام , ولا الكسوة , في قول إمامنا، ومالك , والشافعي , وابن المنذر، وهو ظاهر من قول عمر بن الخطاب، وابن عباس , وعطاء , ومجاهد , وسعيد بن جبير , والنخعي.
ويدل على ذلك:
1- قول الله تعالى: (إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم) ، وهذا ظاهر في عين الطعام والكسوة , فلا يحصل التكفير بغيره لأنه لم يؤد الواجب إذ لم يؤد ما أمره الله بأدائه.
2- ولأن الله تعالى خير بين ثلاثة أشياء، ولو جازت القيمة لم ينحصر التخيير في الثلاثة.
3- ولأنه لو أريدت القيمة لم يكن للتخيير معنى ; لأن قيمة الطعام إن ساوت قيمة الكسوة فهما شيء واحد , فكيف يخير بينهما؟ وإن زادت قيمة أحدهما على الآخر فكيف يخير بين شيء وبعضه؟
4- ثم ينبغي أنه إذا أعطاه في الكسوة ما يساوي إطعامه أن يجزئه , وهو خلاف الآية. وكذلك لو غلت قيمة الطعام , فصار نصف المد يساوي كسوة المسكين , ينبغي أن يجزئه نصف المد، وهو خلاف الآية.
5- ولأنه أحد ما يكفَّرُ به، فلا تجزئ فيه القيمة كالعتق. فعلى هذا لو أعطاهم أضعاف قيمة الطعام لا يجزئه؛ لأنه لم يؤد الواجب فلا يخرج عن عهدته " انتهى باختصار من "المغني" (11/257) .
القول الثاني: وهو مذهب الحنفية: أنه يجزئ إخراج المال في الكفارات.
قال السرخسي [الحنفي] رحمه الله:
" أداء القيمة مكان المنصوص عليه في الزكاة والكفارات جائز عندنا".
والراجح من القولين هو القول الأول، أنه لا تجزئ القيمة في كفارة اليمين، وغيرها من الكفارات.
وانظر جواب السؤال رقم (20881) ، (45676) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4376)
نذرت فعل أكثر من عمرة فهل يجوز أن تفعلها في سفرة واحدة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة مصرية أعاني من ابتلاءات متعددة منذ ثمان سنوات والحمد لله على كل حال فنذرت لله إن رزقني العمرة أن أعتمر أيضا عن والدي المريض وعن عمي وخالي رحمهما الله فأخبرني بعض الأشخاص أن هذا غير جائز وأنني يجب أن أعتمر مرة واحدة فقط في كل سفر أي أعتمر عن نفسي فقط ثم أعود لمصر ثم أسافر مرة أخرى لأعتمر عن شخص آخر وهكذا فهل يجوز أن أوفي بنذري خلال سفر واحد؟ أم لا؟ مع العلم بأن مدة العمرة من مصر قد تكون أسبوع أو عشرة أيام على الأكثر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تكرار العمرة في السفرة الواحدة ليس من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ولا من هدي أصحابه، ولذا فهو مكروه، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم (111501) .
ولكن نظرا لكونك نذرت العمرة عن والدك وعمك وخالك، وأنك تأتين للعمرة من مصر، فلا حرج عليك في الوفاء بنذرك في سفرة واحدة، لأنك قد لا يتيسر لك السفر إلى مكة عدة مرات، فإذا أردت العمرة وأنت في مكة خرجت إلى التنعيم أو غيره من الحِل، فأحرمت بالعمرة.
واعلمي أن النذر مكروه، وأنه لا يأت بخير كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى البخاري (6608) ومسلم (1639) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّذْرِ وَقَالَ: (إِنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيل) .
وروى البخاري (6609) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن الله تعالى قال في الحديث القدسي: (لَا يَأْتِ ابْنَ آدَمَ النَّذْرُ بِشَيْءٍ لَمْ يَكُنْ قَدْ قَدَّرْتُهُ، وَلَكِنْ يُلْقِيهِ الْقَدَرُ، وَقَدْ قَدَّرْتُهُ لَهُ، أَسْتَخْرِجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ) .
ومع كون النذر مكروها في الأصل إلا أن من نذَر نذْر طاعةٍ فإنه يلزمه الوفاء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ) رواه البخاري (6202) .
ونسأل الله تعالى أن يجعل لك من كل ضيق فرجا ومخرجا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4377)
الحلف بحياة الله جائز
[السُّؤَالُ]
ـ[جاءتني رسالة من شخص ويقول فيها باللفظ: " وحياة من أنزل القرآن ". فهل يجوز الحلف بهذا اللفظ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله الحلف بحياة من أنزل القرآن هو حلف بصفة من صفات الله عز وجل، وهي صفة الحياة، وقد دلَّت النصوص الواردة في السنة النبوية على جواز الحلف بصفات الله تعالى، وهي نصوص صحيحة واردة في صحيحي البخاري ومسلم، استدل بها العلماء على ذلك: يقول الإمام البخاري رحمه الله: " باب الحلف بعزة الله وصفاته وكلماته. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: أعوذ بعزتك. وقال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (يبقى رجل بين الجنة والنار فيقول: يا رب اصرف وجهي عن النار، لا وعزتك لا أسألك غيرها) وقال أبو سعيد رضي الله عنه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (قال الله: لك ذلك وعشرة أمثاله) . وقال أيوب عليه السلام: (وعزتك لا غنى بي عن بركتك) " انتهى. " صحيح البخاري " (كتاب الأيمان والنذور، باب رقم/12) وهذه الأحاديث وإن علقها البخاري في هذا الموضع، إلا أنه أسندها في مواضع أخر. وقد أورد الإمام البيهقي أيضا في " السنن الكبرى " (10/41) هذه الأحاديث، وبوَّب عليها بقوله: " باب ما جاء في الحلف بصفات الله تعالى: كالعزة، والقدرة، والجلال، والكبرياء، والعظمة، والكلام، والسمع، ونحو ذلك " وأورد تحته أثرا عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سئل عن الخمر فقال: لا وسمعِ الله عز وجل، لا يحل بيعها ولا ابتياعها. يقول الحافظ ابن عبد البر رحمه الله: " الحلف بصفات الله تعالى جائز تجب فيها الكفارة؛ لأنها – أي الصفات - منه تعالى ذكره " انتهى. " الاستذكار " (5/205) وقال ابن رشد رحمه الله: " وأما مَن منع الحلف بصفات الله وبأفعاله فضعيف " انتهى. " بداية المجتهد " (1/298) يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " فمعلوم أنَّ مَن حلف بصفاته كالحلف به , كما لو قال: وعزة الله تعالى , أو لعمر الله , أو والقرآن العظيم , فإنه قد ثبت جواز الحلف بالصفات ونحوها عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة , ولأن الحلف بصفاته كالاستعاذة بها , وإن كانت الاستعاذة لا تكون إلا بالله , في مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أعوذ بوجهك) , و (أعوذ بكلمات الله التامات) , و (أعوذ برضاك من سخطك) ونحو ذلك , وهذا أمر متقرر عند العلماء " انتهى. " الفتاوى الكبرى " (4/130) وهذا ما ينص عليه أيضا فقهاء المذاهب الأربعة المتبوعة: يقول الكاساني الحنفي رحمه الله: " إذا قال: (وعزة الله، وعظمة الله، وجلاله، وكبريائه) يكون حالفا؛ لأن هذه الصفات إذا ذكرت في العرف والعادة لا يراد بها إلا نفسها، فكان مراد الحالف بها الحلف بالله تعالى، وكذا الناس يتعارفون الحلف بهذه الصفات، ولم يرد الشرع بالنهي عن الحلف بها " انتهى. " بدائع الصنائع " (3/6) ويقول أبو العباس القرطبي رحمه الله: " وقوله صلى الله عليه وسلم: (من كان حالفًا فليحلف بالله) لا يُفهم منه قَصْرُ اليمين الجائزة على الحلف بهذا الاسم فقط، بل حكم جميع أسماء الله تعالى حكم هذا الاسم. فلو قال: والعزيز، والعليم، والقادر، والسميع، والبصير؛ لكانت يمينًا جائزة. وهذا متفق عليه. وكذلك الحكم في الحلف بصفات الله تعالى؛ كقوله: وعزة الله، وعلمه، وقدرته، وما أشبه ذلك مما يَتَمَحَّضُ فيه الصفة لله، ولا ينبغي أن يختلف في هذا النوع أنها أيمان كالقسم الأول " انتهى. " المفهم لما أشكل من تلخيص صحيح مسلم " (4/623) ويقول شيخ الإسلام زكريا الأنصاري إمام الشافعية في زمانه رحمه الله: " (وينعقد) اليمين (بقوله: وعلم الله، وقدرته، وحقه، وعظمته، وسمعه، وبصره) ونحوها " " انتهى. " أسنى المطالب شرح روض الطالب " (4/244) ويقول ابن قدامة إمام الحنابلة في زمانه رحمه الله: " والقسم بصفات الله تعالى كالقسم بأسمائه " انتهى. " المغني " (9/395) ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " القسم بقول الإنسان: " وحياة الله " لا بأس بها؛ لأن القسم يكون بالله سبحانه وتعالى، وبأي اسم من أسمائه، ويكون كذلك بصفاته: كالحياة، والعلم، والعزة، والقدرة، وما أشبه ذلك , فيجوز أن يقول الحالف: وحياة الله، وعلم الله، وعزة الله، وقدرة الله، وما أشبه هذا مما يكون من صفات الله سبحانه وتعالى " انتهى. " مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين " (2/219-220) والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/4378)