كفارة من جامع في نهار رمضان ومقدار الإطعام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي كفارة من جامع في نهار رمضان، وما هو مقدار الإطعام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا جامع الرجل زوجته في نهار رمضان فعلى كل واحد منهما كفارة، وهي عتق رقبة مؤمنة، فإن عجزا فعليهما صيام شهرين متتابعين على كل واحد منهما إذا كانت مطاوعة، فإن عجزا فعليهما إطعام ستين مسكينا، فيكون عليهما إطعام ستين مسكينا، ثلاثين صاعا على كل واحد منهما من قوت البلد، لكل فقير صاع، نصفه عن الرجل، ونصفه عن المرأة، عند العجز عن العتق والصيام، وعليهما قضاء اليوم الذي حدث فيه الجماع، مع التوبة إلى الله، والإنابة إليه، والندم والإقلاع والاستغفار؛ لأن الجماع في نهار رمضان منكر عظيم، لا يجوز من كل من يلزمه الصوم" انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (15/302) .
وعلى هذا: فمقدار الطعام الذي يعطى للفقير هو نصف صاع من الأرز أو غيره، أي: كيلو ونصف تقريباً.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3371)
أجبرها أهلها على الإفطار لمرضها فهل يأثمون؟ وهل تصوم إذا أرادت؟
[السُّؤَالُ]
ـ[خالتي أصيبت بحادثة عندما كانت طفلة صغيرة، وقد فقدت إحدى عينيها، وقد قرر الأطباء أن لا تبكي هذه الطفلة، ولا تجوع؛ لأنه قد يؤثر على عينها، فقام والدها بمنعها من الصيام عندما أصبح الصيام واجباً عليها حسب تقرير الطبيب، وهي امرأة محافظة على دينها جدّاً، فبعد زواجها رأت أن الصيام لا يؤثر عليها فكانت تصوم. السؤال: هي الآن تصوم في أغلب أيامها؛ لكي لا يكون على أبيها عذاب، فهي كانت تحب أباها جدّاً - رحمه الله -، وهي تسأل فضيلتكم: هل على والديها شيء من الحرام؟ وهل يجب عليها أن تصوم كل شهور الصيام التي فاتتها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المرض من الأعذار المبيحة للفطر، قال تعالى: (وَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) البقرة/185.
ويدور حكم الصيام للمريض بين الكراهة والتحريم، فيُكره إذا شق عليه الصيام مع مرضه، ويحرم إذا كان الصوم يضره.
وينظر تفصيل ذلك: في جوابي السؤالين: (50555) و (38532) .
ولا يفطر المريض إلا بشهادة طبيب ثقة من ذوي الاختصاص بالمرض نفسه، وبعض العلماء يشترط أن يكون مسلماً.
ومن أفطر بناء على كلام الطبيب , فلا حرج عليه، فإن كان مرضاً مزمناً – مستمراً -: فيفطر ويطعم عن كل يوم مسكيناً، ومن كان مرضه مؤقتاً: فيفطر، ويقضي بعد شفائه.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
"إذا قرَّر الأطباء المختصون أن مرضك هذا من الأمراض التي لا يُرجى برؤها: فالواجب عليك إطعام مسكين عن كل يوم من أيام رمضان، ولا صوم عليك، ومقدار ذلك نصف صاع من قوت البلد، من تمر، أو أرز، أو غيرهما، وإذا غديتَه أو عشيتَه: كفى ذلك، أما إن قرروا أنه يرجى برؤه: فلا يجب عليك إطعام، وإنما يجب عليك قضاء الصيام إذا شفاك الله من المرض، لقول الله سبحانه: (وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) .
وأسأل الله أن يمنَّ عليك بالشفاء من كل سوء، وأن يجعل ما أصابك طهوراً وتكفيراً من الذنوب، وأن يمنحك الصبر الجميل، والاحتساب، إنه خير مسئول " انتهى.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (15 / 221) .
والذي يظهر لنا من السؤال أن والد المريضة لا يأثم , لأنه إنما ألزمها بالفطر بناءً على كلام الأطباء.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
مرضتُ بمرض الكلى، وأُجريت لي عمليتان، ونصحني الأطباء أن أشرب الماء ليلاً ونهاراً، وبما لا يقل عن لترين ونصف يوميّاً، كما أخبروني أن الصيام والكف عن شرب الماء ثلاث ساعات متتالية يعرضني للخطر، هل أعمل بكلامهم، أو أتوكل على الله، وأصوم مع أنهم يؤكدون بأن عندي استعداداً لتخلق الحصى، أو ماذا أفعل؟ وإذا لم أصم فما الكفارة التي عليَّ دفعها؟ .
فأجابوا:
" إذا كان الأمر كما ذكرت، وكان هؤلاء الأطباء حذَّاقا بالطب: فالمشروع لك أن تفطر؛ محافظة على صحتك؛ ودفعاً للضرر عن نفسك، ثم إن عوفيت وقويت على القضاء دون حرج: وجب القضاء، وإن استمر بك ما أصابك من المرض، أو الاستعداد لتخلق الحصى عند عدم تتابع شرب الماء، وقرر الأطباء أن ذلك لا يُرجى برؤه: وجب عليك أن تُطعم عن كل يوم أفطرته مسكيناً " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن منيع.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (10 / 179، 180) .
وإذا شعرت الأخت المريضة بقدرتها على الصيام دون أن يكون لذلك تأثير على عينها: فإنه لا حرج عليها بالصوم، لكن ينبغي أن يكون ذلك باستشارة أطباء ثقات؛ خشية أن تغتر بظاهر حالها، ويكون لذلك الصوم تأثير على صحة عينها.
وأما قضاؤها الأيام التي أفطرتها فيما سبق , فالذي يظهر أنه لا يلزمها ذلك , ويكفيها أن تطعم عن كل يوم مسكيناً , لأنها إنما أفطرت بناءً على قول الطبيب.
وقد سئل الشيخ بن باز رحمه الله عن شخص أصابه مرض مزمن ونصحه الأطباء بعدم الصوم دائماً ولكنه راجع أطباء في غير بلده وشفي بإذن الله , وقد مر عليه خمس رمضانات وهو لم يصمها , فماذا يفعل بعد أن شفاه الله , هل يقضيها أم لا؟
فأجاب:
" إذا كان الأطباء الذين نصحوه بعدم الصوم دائما أطباء من المسلمين، الموثوقين، العارفين بجنس هذا المرض، وذكروا له أنه لا يرجى برؤه: فليس عليه قضاء، ويكفيه الإطعام، وعليه أن يستقبل الصيام مستقبلاً ".
" فتاوى الشيخ ابن باز " (15 / 355) .
والخلاصة:
ليس على والديها حرج فيما فعلاه من جعل ابنتهم تفطر؛ بناءً على كلام الأطباء، وعليها فدية إطعام مسكين مقابل كل يوم أفطرته بعد بلوغها، وإذا حكم الأطباء الثقات المختصون أنها قادرة الآن على الصوم من غير مشقة ولا مضرة وجب عليها صوم رمضان , ولا عذر لها في الفطر , وإن أرادت التطوع بالصيام فلا حرج عليها.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3372)
تأخير القضاء إلى ما بعد رمضان الثاني، وهل يفدي قبل أن يقضي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إحدى الأخوات دخل عليها رمضان، وعليها ستة أيام من رمضان الذي قبله , بعد انقضاء رمضان الثاني سألتني عما يلزمها , وبعد أن سألتُ وقرأتُ قلتُ لها إن عليها القضاء والفدية عن كل يوم، وقمنا بإخراج كيلو ونصف من القمح عن كل يوم، وأخرجنا فدية الستة أيام دفعة واحدة ليتامى بجوارنا، علماً أنها لا زالت لم تتم قضاء الأيام التي عليها، هل مقدار هذه الفدية صحيح؟ وهل إخراجها قبل القضاء يعتبر صحيحاً؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الفدية لا تدفع إلا إلى الفقراء والمساكين، فعلى هذا إن كان هؤلاء الأيتام فقراء جاز دفعها إليهم، وإن كانوا أغنياء فلا يجوز دفعها إليهم، وعليكم إعادة إخراجها.
وقد أحسنتم في إخراجها طعاماً، فهذا هو الأصل فيما أوجبه الله طعاماً، ولا يجوز إخراج الفدية مالاً، وهكذا القول في الإطعام في كفارة اليمين، والظهار، وفي زكاة الفطر، وغيرها مما أوجب الله تعالى فيه الإطعام.
ثانياً:
وأما بخصوص أصل المسألة، وهي الإطعام مع القضاء لمن دخل عليه رمضان آخر ولم يقضِ ما عليه من الأيام: ففيها خلاف بين العلماء، وقد فصَّلنا القول فيها في جواب السؤال رقم (26865) وبيَّنا هناك أن تأخير القضاء إلى رمضان الآخر إن كان بعذر كاستمرار المرض أو السفر أو وجود حمل أو إرضاع: فلا يلزم إلا القضاء، وإن كان بغير عذر: فعلى المتأخر التوبة والاستغفار، وعليه - عند جمهور العلماء - فدية طعام مسكين لكل يوم مع القضاء، وقد ذكرنا هناك أن الراجح عدم وجوب الفدية، إلا أنه إن فعل ذلك احتياطاً فحسن.
ونبيِّن هنا أمراً زائداً، وهو ما جاء في سؤالك، وهو أنه يجوز دفع الفدية قبل البدء في القضاء، لأن الفدية متعلقة بتأخير القضاء، وليست متعلقة بالبدء في القضاء.
وعلى هذا، فيجوز إخراج الفدية في اليوم الذي سيصومه قضاءً، أو قبله أو بعده.
جاء في " الموسوعة الفقهية " (28 / 76) :
" وقضاء رمضان يكون على التّراخي. لكن الجمهور قيّدوه بما إذا لم يفت وقت قضائه، بأن يهلّ رمضان آخر، لقول عائشة رضي الله تعالى عنها: (كان يكون عليّ الصّوم من رمضان، فما أستطيع أن أقضيه إلاّ في شعبان، لمكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم) . كما لا يؤخّر الصّلاة الأولى إلى الثّانية.
ولا يجوز عند الجمهور تأخير قضاء رمضان إلى رمضان آخر من غير عذر يأثم به، لحديث عائشة هذا، فإن أخّر فعليه الفدية: إطعام مسكين لكلّ يوم، لما روي عن ابن عبّاس وابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهم قالوا فيمن عليه صوم فلم يصمه حتّى أدركه رمضان آخر: عليه القضاء، وإطعام مسكين لكلّ يوم، وهذه الفدية للتّأخير،....ويجوز الإطعام قبل القضاء ومعه وبعده " انتهى.
والأفضل - عند من يرى وجوب الفدية للتأخير، أو يراها احتياطاً -: أن يكون دفعها له قبل القضاء؛ مسارعة إلى الخير؛ وتخلصا من آفات التأخير، كالنسيان.
قال المرداوي الحنبلي – رحمه الله -:
" يُطعم ما يجزئ كفارة، ويجوز الإطعام قبل القضاء، ومعه، وبعده، قال المجد – أي: ابن تيمية جد شيخ الإسلام -: الأفضل تقديمه عندنا؛ مسارعةً إلى الخير؛ وتخلصاً من آفات التأخير " انتهى.
" الإنصاف " (3 / 333) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3373)
مقدار الفدية لمن عجز عن الصوم لكبر أو مرض
[السُّؤَالُ]
ـ[أفطر والدي شهر رمضان كاملا لعدم قدرته على الصيام لكبر سنه ومرضه ثم توفي دون أن يقضي صيام ذلك الشهر فكفرنا عنه عن طريق إخراج المال للفقراء ثم سمعنا بأن الكفارة لا تجزئ إلا بالإطعام فهل نعيد إخراج الكفارة عنه وكم مقدارها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة على أنه لا يجزئ إخراج النقود في فدية الصوم، والواجب أن تخرج طعاما.
لقوله تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) البقرة/184
قال ابن عباس رضي الله عنهما: (هُوَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْمَرْأَةُ الْكَبِيرَةُ لا يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا فَيُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا) رواه البخاري (4505) .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (10/198) : " ومتى قرر الأطباء أن هذا المرض الذي تشكو منه، ولا تستطيع معه الصوم لا يرجى شفاؤه، فإن عليك أن تطعم عن كل يوم مسكينًا نصف صاع من قوت البلد من تمر أو غيره عن الشهور الماضية والمستقبلة، وإذا عشيت مسكينًا أو غديته بعدد الأيام التي عليك كفى ذلك أما النقود فلا يجزئ إخراجها " انتهى.
فيخرج الكبير أو المريض الذي لا يرجى شفاؤه عن كل يوم طعام مسكين، نصف صاع من بر أو تمر أو أرز أو نحو ذلك من قوت البلد. وهو ما يعادل كيلو ونصفا تقريبا. ينظر: "فتاوى رمضان" ص (545) .
وله أن يخرجها جميعا في آخر الشهر، خمسة وأربعين كيلو جراماً من الأرز مثلا، وإن صنع طعاما ودعا إليه المساكين كان حسنا، لفعل أنس رضي الله عنه.
ثانيا:
إذا كنتم أخرجتم الفدية نقودا اعتمادا على قول من يفتي بذلك من العلماء، فلا يلزمكم إعادتها، وإن كنتم فعلتم ذلك بأنفسكم، فالواجب إعادة إخراجها، وهو الأحوط والأبرأ لوالدكم، رحمه الله وغفر له.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3374)
جامع زوجته في نهار رمضان ويصعب عليه صيام الكفارة
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي سؤال يتكون من جزأين الجزء الأول: جامعت زوجتي في نهار رمضان الماضي وتبنا إلى الله وندمنا على ما فعلنا ولكن نريد أن نكفر عن هذا اليوم وقد علمت من فتاوى العلماء أنه يجب عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين فإن لم يستطيع فإطعام 60 مسكيناً وعلى زوجتي مثل ذلك لو كانت راضية، ولكن أجد أنه من الصعب علي وعلى زوجتي صيام شهرين متتالين فهل أطعم 60 مسكيناً لي و 60 لزوجتي كفارة عن هذا اليوم هل يجوز ذلك؟
والشق الثاني من السؤال: هل يمكنني أن أطعم الصائمين المسافرين في السيارات والقطارات قبل الأذان أم يجب أن يصل الطعام إلى مساكين وفقراء فعلاً؟ لأني لا أعلم كيف أحصل على 120 مسكين لإطعامهم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب على من جامع أهله في نهار رمضان أن يعتق رقبة مؤمنة، فإن لم يقدر على ذلك فليصم شهرين متتابعين، فإن عجز عن ذلك فليطعم ستين مسكيناً، وهذه الكفارة على هذا الترتيب لا ينتقل من درجة منها إلى التي تليها إلا عند العجز عن السابقة، وبهذا الترتيب قال جمهور أهل العلم، فلا يجوز لكما العدول عن الصيام إلى الإطعام وأنتم تقدران على الصيام.
فإن كنتما تستطيعان الصيام وجب عليكم ذلك.
وإن عجزتما عن الصيام فإنكما تطعمان ستين مسكينا عن كل واحد منكما.
ولابد فيمن يتم إطعامه أن يكون مسكينا.
وعليه، فلا يجوز أن تطعم المسافرين بالطريقة التي ذكرتها، لأنك لا تدري هل كلهم مساكين أم لا؟
إلا إذا كنت تعطيها لمن يظهر من حاله أنه فقير، فهذا لا بأس به، أما إذا كنت ستعطيها لأي أحد مسافر، فلا يجوز ذلك.
وإذا لم تتمكن من الوصول إلى المساكين فيمكنك توكيل إحدى الجمعيات الخيرية الموثوقة لتقوم بذلك عنك، أو إمام المسجد، أو تسأل أصحابك وهم يعرفونك بالمساكين.
ونسأل الله تعالى أن يتقبل توبتكما.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3375)
حاضت أثناء صومها شهرين متتابعين فهل ينقطع التتابع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف كيف يمكن لامرأة أفطرت متعمدة أن تصوم شهرين متتابعين دون أي انقطاع؟ فما قولكم وهي تحيض كل شهر 7 أيام هل ستفطر هذه الأيام ثم تكمل بعدها مباشرة أم ماذا؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
صيام رمضان فريضة عظيمة فرضها الله على عباده المؤمنين بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة/183، فيجب على كل مسلم بالغ عاقل أن يصومه، إلا من له عذر شرعي، كالمريض والمسافر، فإنه يرخص لهما في الفطر، ويقضيان، وإلا الحائض والنفساء فإنه يجب عليهما الفطر، ويقضيان أيضا.
ومن أفطر في رمضان بغير عذر فقد أتى كبيرة من الكبائر، ولزمته التوبة إلى الله تعالى، وهل يلزمه قضاء اليوم الذي أفطر فيه؟
في ذلك تفصيل: فإن نوى الصوم ثم أفطر خلال اليوم من غير عذر، فإنه يلزمه القضاء. وإن لم ينو الصوم من الأصل، فالراجح أنه لا يلزمه القضاء.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " الفطر في نهار رمضان بدون عذر من أكبر الكبائر، ويكون به الإنسان فاسقاً، ويجب عليه أن يتوب إلى الله، وأن يقضي ذلك اليوم الذي أفطره، يعني لو أنه صام وفي أثناء اليوم أفطر بدون عذر فعليه الإثم، وأن يقضي ذلك اليوم الذي أفطره؛ لأنه لما شرع فيه التزم به ودخل فيه على أنه فرض فيلزمه قضاؤه كالنذر، أما لو ترك الصوم من الأصل متعمداً بلا عذر: فالراجح: أنه لا يلزمه القضاء؛ لأنه لا يستفيد به شيئاً، إذ إنه لن يقبل منه، فإن القاعدة " أن كل عبادة مؤقتة بوقت معين فإنها إذا أُخِّرَت عن ذلك الوقت المعين بلا عذر لم تقبل من صاحبها "؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) ؛ ولأنه مِن تعدي حدود الله عز وجل، وتعدي حدود الله تعالى ظلم، والظالم لا يقبل منه، قال الله تعالى: (وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ?للَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ ?لظَّلِمُونَ) ؛ ولأنه لو قدم هذه العبادة على وقتها - أي: فعلها قبل دخول الوقت - لم تُقبل منه، فكذلك إذا فعلها بعده لم تُقبل منه إلا أن يكون معذوراً " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (19 / السؤال رقم 45) .
ثانيا:
من أفطر في رمضان بغير عذر، إن كان فطره بالجماع فإنه يلزمه مع القضاء الكفارة، وهي عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا، ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة إذا كانت مطاوعة في الجماع، وأما المكرهة فلا تلزمها الكفارة.
وإن كان الفطر بغير الجماع، بل بالأكل والشرب ونحوه، فقد اختلف الفقهاء في لزوم الكفارة حينئذ، والراجح أنها لا تلزمه.
لأنه لم يدل دليل على إيجاب الكفارة على من أفطر بها، ولا يصح قياسها على الجماع.
قال ابن قدامة رحمه الله: " ولأنه لا نص في إيجاب الكفارة بهذا ولا إجماع , ولا يصح قياسه على الجماع " انتهى من "المغني" (3/22) .
ثالثا:
إذا وجب على المرأة صيام شهرين متتابعين، فشرعت في الصوم ثم جاءها الحيض، فإنه لا ينقطع تتابع صومها، فتفطر، ثم تقضي أيام الحيض، ثم تكمل الشهرين؛ لأن الحيض أمر كتبه الله على بنات آدم، ولا عمل لها فيه، وهذا مجمع عليه بين أهل العلم.
قال ابن قدامة رحمه الله: " وأجمع أهل العلم على أن الصائمة متتابعاً، إذا حاضت قبل إتمامه , تقضي إذا طهرت , وتبني (يعني: تكمل على ما مضى) ، وذلك لأن الحيض لا يمكن التحرز منه في الشهرين إلا بتأخيره إلى الإياس , وفيه تغرير بالصوم ". انتهى من "المغني" (8/21) .
وعليه فلو كان صومها للكفارة في شهري المحرم وصفر مثلا، وكان حيضها سبعة أيام في كل منهما، فإنها تفطر أيام الحيض، وتصوم بعدها مباشرة، وتواصل صيام أربعة عشر يوما من شهر جمادى الأولى، عوضا عن أيام الحيض.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3376)
حكم من جامع زوجته في نهار رمضان عدة مرات جاهلاً بالحكم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من جامع زوجته في نهار رمضان عدة مرات جاهلاً بالحكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أن الله سبحانه قد حرّم على عباده في نهار رمضان الأكل والشرب والجماع، وكل ما يفطر الصائم، وأوجب على من جامع في نهار رمضان وهو مكلّف صحيح مقيم غير مريض ولا مسافر الكفارة، وهي عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً لكل مسكين نصف صاع من قوت البلد، أما من جامع في نهار رمضان وهو ممن يجب عليه الصيام لكونه بالغاً صحيحاً مقيماً جهلاً منه..، فقد اختلف أهل العلم في شأنه، فقال بعضهم: عليه الكفارة، لأنه مفرّط في عدم السؤال والتفقّه في الدين، وقال آخرون من أهل العلم: لا كفارة عليه من أجل الجهل، وبذلك تعلم أن الأحوط لك هو الكفارة، من أجل تفريطك وعدم سؤالك عما يحرم عليك قبل أن تفعل ما فعلت، وإذا كنت لا تستطيع العتق والصيام كفاك إطعام ستين مسكيناً عن كل يوم جامعت فيه، فإذا كنت جامعت في يومين فكفارتان، وإن كنت جامعت ثلاثة أيام فثلاث كفارات، وهكذا كل جماع في يوم عنه كفارة، أما الجماعات المتعددة في يوم واحد فيكفي عنها كفارة واحدة، هذا هو الأحوط لك والأحسن، حرصاً على براءة الذمّة، وخروجاً من خلاف أهل العلم، وجبراً لصيامك، وإذا لم تحفظ عدد الأيام التي جامعت فيها، فاعمل بالأحوط، وهو الأخذ بالزائد، فإذا شككت هل هي ثلاثة أيام أو أربعة فاجعلها أربعة، وهكذا، ولكن لا يتأكّد عليك إلا الشيء الذي تجزم به، وفقنا الله وإياك لما فيه رضاه، وبراءة الذمّة.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى الشيخ ابن باز ج/15 ص/304.(5/3377)
لم تجد مسكيناً لإطعامه عن فدية الصيام فهل تتصدق بالمال؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة مريضة بمرض مزمن نصحني طبيبي بعدم الصيام وأنا لم أجد أي مسكين لأطعمه فما هو المبلغ الذي أنفقه بالدرهم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله تعالى أن يمنَّ عليك بالشفاء، وأن يجعل هذا المرض كفارة لذنوبك، ورفعةً لدرجاتك في الآخرة.
والمريض مرضا مزمنا الذي لا يستطيع الصيام ولا القضاء لا يجب عليه الصيام، ويجب عليه أن يطعم عن كل يوم مسكيناً، لقول الله: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) البقرة/184. قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: (لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ، هُوَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْمَرْأَةُ الْكَبِيرَةُ لا يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا فَيُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا) رواه البخاري (4505) .
والمريض الذي لا يرجى شفاؤه حكمه حكم الشيخ الكبير.
قال ابن قدامة رحمه الله:
" وَالْمَرِيضُ الَّذِي لا يُرْجَى بُرْؤُهُ: يُفْطِرُ , وَيُطْعِمُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا ; لأَنَّهُ فِي مَعْنَى الشَّيْخِ " انتهى.
" المغني " (4 / 396) .
وبلاد المسلمين مملوءة بالفقراء والمساكين الذين لا يجدون ما يكفيهم ويكفي أهلهم.
ولا تخلو دولة منهم، ولو ندر وجودهم في بعض البلدان: فلن يعدم وجود لجان خير وصدقات يتكفلون بإيصال الزكوات والصدقات لمن يستحقها.
وحتى لو لم تجدي مسكيناً تطعمينه فكيف ستتصرفين في المال الذي يعادل الطعام؟ ولمن سيُعطى هذا المال؟ وهذا يعني أن المشكلة ستبقى قائمة، فلا يجوز دفع هذا المال – لو جاز دفعه – إلا لمستحقه من الفقراء والمساكين.
وعلى كل حال: فيجب عليك بذل الجهد في البحث عن الفقراء والمساكين في بلدك، وإن لم تكوني تعرفينهم فيمكنك توكيل من تثقين بدينه ليوصل هذا الطعام لمستحقيه، ولا فرق بين أن يكون هذا الوكيل شخصاً أو جمعية خيرية.
واعلمي أنه لا يجوز لك دفع مالٍ - مهما بلغ – مقابل تلك الفدية التي وجبت عليكِ؛ لأن الله تعالى أوجب عليك (طعام مسكين) ولم يوجب عليك مالاً، قال تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) البقرة/184. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (39234) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3378)
من هو المسكين الذي يُعطى فدية الصيام؟ وكم وماذا يُعطى؟
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الله تعالى: (ففدية طعام مسكين) هل يشترط في هذا المسكين البلوغ والتكليف؟ وهل لو أراد الإنسان أن يطعم ثلاثين مسكينا هل يدخل أبناء المسكين ومن يعول في العدد؟ وهل يجزئ بدل الطعام مال؟ وكيف يقدر هذا الإطعام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يجوز لأحدٍ يقدر على الصيام في رمضان وليس عنده عذر شرعي أن يفطر، وليس كل من أفطر برخصة من الشرع يطعم مقابل كل يوم مسكينا، وإنما الإطعام للشيخ الكبير والمريض مرضاً مزمناً لا يُرجى شفاؤه.
قال الله تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) البقرة/184.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: (هُوَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْمَرْأَةُ الْكَبِيرَةُ لا يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا فَيُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا) رواه البخاري (4505) .
والمريض الذي لا يرجى شفاؤه حكمه حكم الشيخ الكبير.
قال ابن قدامة رحمه الله:
" وَالْمَرِيضُ الَّذِي لا يُرْجَى بُرْؤُهُ: يُفْطِرُ , وَيُطْعِمُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا ; لأَنَّهُ فِي مَعْنَى الشَّيْخِ " انتهى.
" المغني " (4 / 396) .
ثانياً:
ولا يشترط في هذا المسكين أن يكون بالغاً، بل يُعطى الصغير الذي يأكل الطعام باتفاق الأئمة، وإنما اختلفوا في إعطائها للرضيع، فذهب إلى جوازه جمهور العلماء (منهم أبو حنيفة والشافعي وأحمد) لأنه مسكين فيدخل في عموم الآية، وظاهر كلام الإمام مالك رحمه الله أنها لا تعطى للرضيع، فإنه قال: يجوز الدفع إلى الفطيم، واختاره الموفق ابن قدامة رحمه الله.
انظر: "المغني" (13/508) ، و"الإنصاف" (23/342) , و "الموسوعة الفقهية" (35/101– 103) .
ثالثاً:
وأبناء المسكين وزوجته وأهله الذين يجب عليه أن ينفق عليهم يدخلون في هذا العدد، إذا كانوا لا يجدون كفايتهم، ولا أحد ينفق عليهم غير هذا المسكين.
ولهذا يعطى المسكين من زكاة المال ما يكفيه ويكفي أهله.
قال في "الروض المربع" (3/311) :
" فيعطى الصنفان – أي: الفقراء والمساكين - تمام كفايتهما وعائلتهما منه " انتهى.
رابعاً:
وأما الذي يُطعم ومقداره: فيدفع إلى المسكين نصف صاع (كيلو ونصف تقريباً) من قوت البلد، سواء كان أرزاً أم تمراً أم غير ذلك، وإذا أعطي معه إداماً أو لحماً فهو أحسن.
فقد روى البخاري - معلقاً بصيغة الجزم عن أنس رضي الله عنه أنه كان بعد ما كبر وعجز عن الصوم يفطر ويطعم عن كل يوم مسكينا خبزا ولحما.
ولا يجوز أن يدفع قيمة الطعام مالاً.
قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
" والإطعام لا يكون بالنقود كما ذكرت، وإنما يكون الإطعام بدفع الطعام الذي هو قوت البلد؛ بأن تدفع عن كل يوم نصف الصاع من قوت البلد المعتاد، ونصف الصاع يبلغ الكيلو والنصف تقريباً.
فعليك أن تدفع طعاماً من قوت البلد بهذا المقدار الذي ذكرنا عن كل يوم، ولا تدفع النقود؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) البقرة/184؛ نص على الطعام " انتهى.
" المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان " (3/140) .
وانظر جواب السؤال رقم (39234) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3379)
هل تعطي الفدية لأولادها وأبنائهم أو غيرهم كوجبة إفطار؟
[السُّؤَالُ]
ـ[والدتي لا تستطيع الصيام في رمضان، ولهذا أخرج عنها فدية الصيام عن كل شهر رمضان، هل يجوز أن تكون الفدية على أولادها وأبنائهم كوجبة إفطار؟
أو هل يجوز أن تكون الفدية لإفطار طلاب أحد الصفوف؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
من لا يستطيع الصوم لكبر أو مرض لا يرجى شفاؤه، فإنه يفطر ويطعم عن كل يوم مسكيناً؛ لقوله تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) البقرة/184. قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: (لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ، هُوَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْمَرْأَةُ الْكَبِيرَةُ لا يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا فَيُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا) رواه البخاري (4505) .
والمريض مرضاً لا يُرجى حصول الشفاء منه كالشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصيام. "المغني" (4/396) .
وبهذا يُعلم أن هذه الفدية إنما تعطى للمساكين، لا لكل أحد.
فإذا كان الأولاد وأولادهم والطلاب المذكورون في السؤال أغنياءَ، وليسوا فقراء فلا يجوز إعطاء الكفارة إليهم.
ثانياً:
وأما إعطاء الكفارة للأولاد وأبنائهم، فقد اعتبر أهل العلم رحمهم الله أن الكفارة في ذلك كالزكاة، لا يجوز أن يدفعها الإنسان إلى مَنْ تلزمه النفقة عليه.
وممن يجب النفقة عليهم: الأصول والفروع.
والأصول هم: الأب والأم والأجداد والجدات.
والفروع هم: الأبناء والبنات وأولادهم.
قال ابن قدامة في "المغني" (11/374) :
" ويجب الإنفاق على الأجداد والجدات وإن عَلَوا (يعني الأجداد وآباءهم) , وولدِ الولد وإن سَفَلُوا (يعني الأولاد وأولادهم) , وبذلك قال الشافعي والثوري , وأصحاب الرأي " انتهى.
وعلى هذا لا يجوز أن تعطي الكفارة المذكورة للأولاد وأولادهم لأنه يجب على (أمك) أن تنفق عليهم.
وقال الشافعي في "الأم" (7/68) :
" لا يجزئ أن يطعم في كفارات الأيمان إلا حرا مسلما محتاجا، فإن أطعم منها ذميا محتاجا , أو حرا مسلما غير محتاج لم يجزه ذلك , وكان حكمه حكم من لم يفعل شيئا، وعليه أن يعيد، وهكذا لو أطعم من تلزمه نفقته , ثم علم أعاد " انتهى باختصار.
وقال في أسنى المطالب (3/369) :
" ويعتبر في المسكين والفقير أن يكونا من أهل الزكاة، فلا يجزئ الدفع إلى كافر. . . ولا إلى من تلزمه نفقته. . . لأن الكفارة حق لله تعالى، فاعتبروا فيها صفات الزكاة " انتهى.
ولكن.. إذا كانت (أمك) لا تستطيع النفقة عليهم، لقلة مالها، فلا يجب عليها أن تنفق عليهم، لقول الله تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا) البقرة/286.
وفي هذه الحال يجوز أن تخرج الكفارة إليهم.
وقد ثبت في الصحيحين قوله صلى الله عليه وسلم للرجل الذي جامع امرأته في نهار رمضان لما أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم تمراً ليخرجه كفارة، ثم أخبر الرجلُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أنه أفقر أهل بيت في المدينة، قال النبي صلى الله عليه وسلم له: (أَطْعِمْهُ أَهْلَك) .
قال الحافظ في "الفتح":
" قَالَ اِبْن دَقِيق الْعِيد: تَبَايَنَتْ فِي هَذِهِ الْقِصَّة الْمَذَاهِب، فَقِيلَ: إِنَّهُ دَلَّ عَلَى سُقُوط الْكَفَّارَة بِالإِعْسَارِ، لأَنَّ الْكَفَّارَة لا تُصْرَفُ إِلَى النَّفْس وَلا إِلَى الْعِيَال.
وَقَالَ الْجُمْهُور: لا تَسْقُط الْكَفَّارَة بِالإِعْسَارِ , وَاَلَّذِي أَذِنَ لَهُ فِي التَّصَرُّف فِيهِ لَيْسَ عَلَى سَبِيل الْكَفَّارَة (بل هو صدقة تصدق بها النبي صلى الله عليه وسلم على الرجل وأهله) .
وَقِيلَ: لَمَّا كَانَ عَاجِزًا عَنْ نَفَقَة أَهْلِهِ جَازَ لَهُ أَنْ يَصْرِفَ الْكَفَّارَةَ لَهُمْ , وَهَذَا هُوَ ظَاهِر الْحَدِيث.
قَالَ الشَّيْخ تَقِيُّ الدِّين (وهو شيخ الإسلام ابن تيمية) : وَأَقْوَى مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُجْعَلَ الإِعْطَاءُ لا عَلَى جِهَةِ الْكَفَّارَةِ، بَلْ عَلَى جِهَة التَّصَدُّقِ عَلَيْهِ وَعَلَى أَهْله بِتِلْك الصَّدَقَة لِمَا ظَهَرَ مِنْ حَاجَتهمْ " انتهى باختصار.
فتَحَصَّلَ من ذلك أنه لا يجوز أن يُعطِي الكفارة لمن تلزمه النفقة عليه، وأنه إذا كان فقيرا لا يستطيع أن ينفق عليهم فقد ذهب بعض أهل العلم إلى جواز إعطائهم الكفارة.
وقد سبق في جواب السؤال (20278) نقل فتوى للشيخ ابن عثيمين رحمه الله أنه يجوز إخراج الزكاة إلى أقاربه الذين لا يستطيع أن ينفق عليهم بسبب فقره وقلة ماله.
ومما جاء فيها: " إن دفع الزكاة إلى الأقارب الذين هم من أهلها أفضل من دفعها إلى من هم ليسوا من قرابتك، لأن الصدقة على القريب صدقة وصلة. .
إلا إذا كان هؤلاء الأقارب ممن تلزمك نفقتهم وأعطيتهم من الزكاة ما تحمي به مالك من الإنفاق فإن هذا لا يجوز.
أما إذا كان مالك لا يتسع للإنفاق عليهم فلا حرج عليك أن تعطيهم من زكاتك " انتهى.
والخلاصة: أنه إذا كانت (أمك) غنية تستطيع أن تنفق عليهم فلا يجوز أن تعطيهم الكفارة، وإذا كانت لا تستطيع أن تنفق عليهم جاز أن تعطيهم الكفارة.
ثالثاً:
وإما إعطاؤها كإفطار صائم، فلا بأس به، لإطلاق الآية الكريمة: (فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) ، ويُرجى أن يكون ذلك أكثر ثواباً لما فيه من تفطير الصائم. ولكن بشرط أن يكون ذلك الصائم مسكيناً كما سبق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3380)
بلغت ولم تصم رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني فتاة في السادسة عشرة من عمري وقد جاءني الحيض وأنا في الثالثة عشرة ولكن خلال تلك السنة لم أصم رمضان كاملاً، وصمت سبعة أيام منه، ووالداي لم يضغطا عليّ لاعتقادهما أنني غير مكلفة فهل أصوم الأيام التي أفطرتها أو ماذا أفعل؟ أفيدوني وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب أن تصومي بكل حال ما دام أنك بلغت فالبلوغ للبنت يحصل بحصول الحيض أو الإنبات أو الاحتلام أو الحمل، فوجود الحيض هو أحد أسباب البلوغ فأنت بالغة ومكلفة فلا بد وأن تصومي شهر رمضان، والشهر الذي لم تصوميه يجب عليك قضاؤه بكل حال، ولا تبرأ ذمتك إلا بالقضاء والتوبة لأنك كنت مكلفة عندما أفطرت، وقد أخطأ أهلك في تسامحهم معك، فلست بصغيرة وعليك التوبة من هذا التفريط، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى سماحة الشيخ عبد الله بن حميد ص 176(5/3381)
الإفطار عمدا في رمضان بلا عذر
[السُّؤَالُ]
ـ[تركت امرأة صيام ثلاثة أيام من رمضان بلا عذر، بل تهاوناً، فما حكم الله في ذلك وماذا يلزمها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الواقع كما ذكر من فطرها ثلاثة أيام من رمضان تهاوناً لا استحلالاً لذلك فقد ارتكبت إثماً عظيماً وذنباً كبيراً بانتهاكها حرمة رمضان، فإن صيامه ركن من أركان الإسلام لقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) إلى أن قال تعالى: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه) البقرة / 183 – 185، وعليها أن تصوم ثلاثة أيام قضاءً عن الأيام التي أفطرتها، وإن وقع منها جماع في نهار يوم من الأيام الثلاثة التي أفطرتها فعليها كفارة عن ذلك اليوم مع قضائه، وإن كان الجماع في يومين فعليها كفارتان وهكذا مع القضاء، والكفارة عتق رقبة فإن لم تجد صامت شهرين متتابعين، فإن لم تستطع أطعمت ستين مسكيناً مما تطعمه (أي من طعام أهل البلد) ، وعليها أن تستغفر الله وتتوب إليه وتؤدي الصوم الذي فرض الله عليها والعزم الصادق على ألا تفطر في رمضان مرة أخرى وعليها إطعام مسكين عن كل يوم من الأيام الثلاثة لتأخيرها القضاء إلى ما بعد رمضان آخر.
والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
انظر فتاوى اللجنة (10/141)(5/3382)
مقدار الفدية التي في آية الصيام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما مقدار الفدية التي ذكرت في آية الصيام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
من أدركه رمضان وهو لا يستطيع الصيام لكونه شيخاً كبيراً، أو مريضاً لا يُرجى له الشفاء فإنه لا يجب عليه الصيام لعدم استطاعته، فيفطر ويطعم عن كل يوم مسكيناً.
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) البقرة/183-184.
وروى البخاري (4505) عن ابْن عَبَّاسٍ قال: (لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ هُوَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْمَرْأَةُ الْكَبِيرَةُ لا يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا فَيُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا) .
وقال ابن قدامة في "المغني" (4/396) :
"الشَّيْخُ الْكَبِيرَ وَالْعَجُوزَ إذَا كَانَ يُجْهِدُهُمَا الصَّوْمُ , وَيَشُقُّ عَلَيْهِمَا مَشَقَّةً شَدِيدَةً , فَلَهُمَا أَنْ يُفْطِرَا وَيُطْعِمَا لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا. . . فَإِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ الإِطْعَامِ أَيْضًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ , وَ (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا وُسْعَهَا) . . . وَالْمَرِيضُ الَّذِي لا يُرْجَى بُرْؤُهُ , يُفْطِرُ , وَيُطْعِمُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا ; لأَنَّهُ فِي مَعْنَى الشَّيْخِ اهـ باختصار.
وفي الموسوعة الفقهية (5/117) :
"اتَّفَقَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ يُصَارُ إلَى الْفِدْيَةِ فِي الصِّيَامِ عِنْدَ الْيَأْسِ مِنْ إمْكَانِ قَضَاءِ الأَيَّامِ الَّتِي أَفْطَرَهَا لِشَيْخُوخَةٍ لا يَقْدِرُ مَعَهَا عَلَى الصِّيَامِ , أَوْ مَرَضٍ لا يُرْجَى بُرْؤُهُ , لقوله تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) وَالْمُرَادُ مَنْ يَشُقُّ عَلَيْهِمْ الصِّيَامُ اهـ.
وقال الشيخ ابن عثيمين في فتاوى الصيام (ص111) :
"لا بد أن نعرف أن المريض ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: مريض يرجى برؤه مثل ذوي الأمراض الطارئة التي يرجى أن يشفى منها، فهذا حكمه كما قال الله تعالى: (فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى? سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) . ليس عليه إلا أن ينتظر البرء ثم يصوم، فإذا قدر أنه استمر به المرض في هذه الحال، ومات قبل أن يشفى فإنه ليس عليه شيء؛ لأن الله إنما أوجب عليه القضاء في أيام أخر وقد مات قبل إدراكها، فهو كالذي يموت في شعبان قبل أن يدخل رمضان لا يقضى عنه.
القسم الثاني: أن يكون المرض ملازماً للإنسان مثل مرض السرطان ـ والعياذ بالله ـ ومرض الكلى، ومرض السكر وما أشبهها من الأمراض الملازمة التي لا يرجى انفكاك المريض منها، فهذه يفطر صاحبها في رمضان، ويلزمه أن يطعم عن كل يوم مسكيناً كالكبير والكبيرة اللذين لا يطيقان الصيام يفطران ويطعمان عن كل يوم مسكيناً، ودليل ذلك من القرآن قوله تعالى: (وَعَلَى ?لَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) " اهـ.
ثانياً:
أما صفة الإطعام فيخير بين أن يعطي كل مسكين نصف صاع من الطعام كالأرز ونحوه (أي كيلو جرام ونصف تقريباً) ، أو يصنع طعاماً ويدعو إليه المساكين.
قال البخاري: وَأَمَّا الشَّيْخُ الْكَبِيرُ إِذَا لَمْ يُطِقْ الصِّيَامَ فَقَدْ أَطْعَمَ أَنَسٌ بَعْدَ مَا كَبِرَ عَامًا أَوْ عَامَيْنِ كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا خُبْزًا وَلَحْمًا وَأَفْطَرَ اهـ.
وسئل الشيخ ابن باز عن امرأة كبيرة في السن ولا تطيق الصوم فماذا تفعل؟
فأجاب:
عليها أن تطعم مسكيناً عن كل يوم نصف صاع من قوت البلد من تمر أو أرز أو غيرهما، ومقداره بالوزن كيلو ونصف على سبيل التقريب. كما أفتى بذلك جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومنهم ابن عباس رضي الله عنه وعنهم، فإن كانت فقيرة لا تستطيع الإطعام فلا شيء عليها، وهذه الكفارة يجوز دفعها لواحد أو أكثر في أول الشهر أو وسطه أو آخره، وبالله التوفيق" اهـ.
"مجموع فتاوى ابن باز" (15/203) .
وقال الشيخ ابن عثيمين في فتاوى الصيام (ص111) :
"فيجب على المريض المستمر مرضه، وعلى الكبير من ذكر وأنثى إذا عجزوا عن الصوم أن يطعموا عن كل يوم مسكيناً، سواء إطعاماً بتمليك بأن يدفع إلى الفقراء هذا الإطعام، أو كان الإطعام بالدعوة يدعو مساكين بعدد أيام الشهر فيعشيهم كما كان أنس بن مالك رضي الله عنه يفعل حين كبر صار يجمع ثلاثين مسكيناً فيعشيهم فيكون ذلك بدلاً عن صوم الشهر" اهـ.
وسئلت اللجنة الدائمة (11/164) : عن الإطعام للعاجز في رمضان كالشيخ العاجز والمرأة العاجزة من كبر، والمريض الذي لا يشفى.
فأجابت:
"من عجز عن صوم رمضان لكبر سن الشيخ الكبير والمرأة العجوز أو شق عليه الصوم مشقة شديدة رخص له في الفطر، ووجب عليه أن يطعم عن كل يوم مسكيناً، نصف صاع من بر (قمح) أو تمر أو أرز أو نحو ذلك مما يطعمه أهله، وكذا المريض الذي عجز عن الصوم أو شق عليه مشقة شديدة ولا يرجى برؤه لقوله تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا) البقرة/286. وقوله: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) الحج/78. وقوله: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) البقرة/184" اهـ.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3383)
الحيض لا يقطع التتابع في صوم الكفارة
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة تكفر عن ّذنب بصيام شهرين متتابعين، وتسأل عن الأيام التي ستفطر فيها بسبب العادة الشهرية فهل يجب عليها قضاؤها بعد انقضاء الشهرين أم ماذا ?.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من لزمها صيام شهرين متتابعين، وجاءها الحيض، أفطرت، ثم أكملت صومها، وقضت أيام حيضها، إجماعا.
قال ابن قدامة رحمه الله: (وأجمع أهل العلم على أن الصائمة متتابعاً , إذا حاضت قبل إتمامه , تقضي إذا طهرت , وتبني، وذلك لأن الحيض لا يمكن التحرز منه في الشهرين إلا بتأخيره إلى الإياس , وفيه تغرير بالصوم) انتهى من المغني 8/21
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3384)
لا حرج من إعطاء الفدية كلها لمسكين واحد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للعاجز عن الصوم أن يطعم مسكينا واحدا لمدة ثلاثين يوما أو يطعم ثلاثين مسكينا في يوم واحد؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
العاجز عن الصوم عجزا مستمرا يلزمه أن يطعم عن كل يوم أفطره مسكينا، لقوله تعالى (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) ، قال ابن عباس رضي الله عنهما:" ليست بمنسوخة هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فيطعمان مكان كل يوم مسكينا " رواه البخاري (4505) .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"كيفية الإطعام، له كيفيتان:
الأولى: أن يصنع طعاما فيدعو إليه المساكين، بحسب الأيام التي عليه، كما كان أنس بن مالك يفعله رضي الله عنه لما كبر.
الكيفية الثانية: أن يطعمهم طعاما غير مطبوخ" اهـ الشرح الممتع (6/335) .
راجع السؤال (49944) .
وأما إطعام مسكين واحد لمدة ثلاثين يوما، فقد نص كثير من أهل العلم على جوازه وهو مذهب الشافعية والحنابلة وجماعة من المالكية، قال في الإنصاف (3/291) :" يجوز صرف الإطعام إلى مسكين واحد جملة واحدة " اهـ.
وانظر تحفة المحتاج 3 / 446، كشاف القناع 2 / 313.
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (10/198) :
" متى قال الأطباء أن هذا المرض الذي تشكو منه، ولا تستطيع معه الصوم – لا يرجى شفاؤه، فإن عليك أن تطعم عن كل يوم مسكيناً نصف صاع من قوت البلد من تمر أو غيره، وإذا عشيت مسكيناً أو غديته بعدد الأيام التي عليك كفى ذلك" اهـ.
وبه تعلم أن إطعام مسكين واحد مدة الثلاثين يوما، أو جمع ثلاثين مسكينا على طعام واحد، جائز.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3385)
صامت أيام الحيض جهلاَ فماذا عليها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد صمت كل رمضان ولم أكن أعرف أن أيام الدورة لا تصام ولا أنه يجب قضاؤها بعد ذلك وأريد القضاء عن تلك الأيام بالصوم وإطعام مسكين عن كل يوم ولكنى لا أعرف أشخاصا محددين مساكين لكي أطعمهم فهل يجوز التبرع لأي جهة كالأيتام أو الجوامع بدلا من ذلك وكم يكون كفارة كل يوم بالجنيهات المصرية؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أجمع العلماء على أن الحائض لا يجب عليها الصيام، ولا يصح منها إن صامت. وأن عليها قضاء الأيام التي أفطرتها من رمضان بسبب الحيض.
راجع السؤال رقم (33594) .
فالواجب عليك هو قضاء تلك الأيام، مع التوبة إلى الله تعالى من تقصيرك في طلب العلم الذي أدى بك إلى الوقوع في هذا الفعل المحرم.
وإذا كان قضاؤك لهذه الأيام سيكون في نفس العام قبل أن يأتي رمضان آخر، فليس عليك إلا القضاء فقط، ولا إطعام عليك.
وإن كنت أخرت القضاء بدون عذر حتى دخل رمضان آخر فاختلف العلماء هل يجب مع القضاء إطعام أم لا؟
وسبق في إجابة السؤال (26865) أنه لا يجب الإطعام.
وإذا أردت الأخذ بالأحوط وأطعمت مع القضاء كان ذلك حسناً.
والمراد بالإطعام أن تطعمي عن كل يوم مسكيناً، نصف صاع من قوت البلد كالأرز والتمر. وقد قَدَّره الشيخ ابن باز بكيلو ونصف من الأرز على سبيل التقريب. "فتاوى رمضان" (ص 545) .
وجمهور العلماء على أنه لا تجزيء القيمة في الفدية المخرجة في الصيام، فليس لك أن تخرجيها نقودا، وإنما تُخرج طعاما للمساكين، كما سبق.
سئلت اللجنة الدائمة عن رجل كبير في السن لا يستطيع الصيام، فأجابت:
يرخص لك في الإفطار ما دمت على حالك من العجز، وعليك عن كل يوم أفطرته إطعام مسكين، ولك أن تخرجها مجموعة، ولك أن توزعها متفرقة، لقوله تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) الحج / 78. ولا يجزئك إعطاء النقود بدلاً من الإطعام اهـ. " فتاوى اللجنة الدائمة " (10/163) .
ولك أن تدفعي المال لإحدى الجمعيات الخيرية، أو لإمام مسجد معروف بالديانة والاستقامة، لينوب عنك في شراء الطعام وتوزيعه على المساكين، وما أكثرهم في هذه الأيام.
ولك أن تصنعي طعاما يأكله مساكين بقدر ما عليك من الأيام، قال البخاري: وأما الشيخ الكبير إذا لم يطق الصيام فقد أطعم أنس بعد ما كبر عاما أو عامين كل يوم مسكينا خبزا ولحما وأفطر اهـ.
ويجوز إخراج هذه الكفارة للأيتام إن كانوا فقراء؛ إذ ليس كل يتيم فقيرا أو مسكينا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3386)
لم تكن تقضي أيام حيضها
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة كبيرة تبلغ من العمر ستين سنة، وكانت جاهلة أحكام الحيض سنين عديدة مدة حيضها، لم تقض صوم رمضان ظناً منها أنه لا يُقضى حسبما سمعت من أفواه العامة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عليها التوبة إلى الله من ذلك لأنها لم تسأل أهل العلم وعليها مع ذلك القضاء فتقضي ما تركته من الصيام حسب غلبة ظنها في عدد الأيام وتكفر عن كل يوم تركته بإطعام مسكين نصف صاع من بر أو تمر أو أرز أو نحو ذلك من قوت البلد إذا استطاعت الإطعام فإن كانت لا تستطيع الإطعام سقط عنها وكفاها قضاء الصوم.
وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (10/151)(5/3387)
أفطرت ولم تصم حياءً
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما كنت صغيرة في سن الثالثة عشر صمت رمضان وأفطرت أربعة أيام بسبب الحيض ولم أخبر أحداً بذلك حياءً، والآن مضى على ذلك ثمان سنوات فماذا أفعل؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لقد أخطأت بترك القضاء طوال هذه المدة فإن هذا شيء كتبه الله على بنات آدم ولا حياء في الدين فعليك المبادرة بقضاء تلك الأيام الأربعة ثم عليك مع القضاء كفارة وهي إطعام مسكين عن كل يوم وذلك نحو صاعين من قوت البلد الغالب لمسكين أو مساكين.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى الشيخ ابن باز.(5/3388)
ماذا يفعل من ترك الصوم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة أبلغ من العمر 25 سنة ولكن منذ صغري إلى أن بلغ عمري 21 سنة وأنا لم أصم ولم أصل تكاسلاً ووالدي ينصحاني ولكن لم أبال فما الذي يجب عليّ أن أفعله علماً أن الله هداني وأنا الآن أصوم ونادمة على ما سبق؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التوبة تهدم ما قبلها فعليك بالندم والعزم والصدق في العبادة والإكثار من النوافل من صلاة الليل والنهار وصوم تطوع وذكر وقراءة قرآن ودعاء والله يقبل التوبة من عباده ويعفو عن السيئات.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى الشيخ ابن باز(5/3389)
ترك الصيام لمرض
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك امرأة أصيبت بمرض نفساني (حرارة واضطراب أعصاب وغير ذلك) على أثر ذلك تركت الصوم مدة أربع سنوات تقريباً فهل في مثل هذه الحالة تقضي الصوم أو لا وماذا يكون حكمها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كانت تركت الصوم لعدم قدرتها عليه وجب عليها قضاء ما أفطرته من رمضان في السنوات الأربع عند قدرتها على ذلك قال الله تعالى: (ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون) وإن كان مرضها وعجزها عن الصوم لا يرجى زواله حسب تقرير الأطباء أطعمت عن كل يوم أفطرته مسكيناً نصف صاع من بر أو تمر أو أرز أو نحو ذلك مما يأكله أهلها في بيوتهم كالشيخ الكبير والعجوز اللذين يجهدهما الصوم ويشق عليهما مشقة شديدة وليس عليها قضاء.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة(5/3390)
لم تقض ما عليها من صوم
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني لم أقض الأيام التي يفوتني صيامها من شهر رمضان بسبب العادة الشهرية وأنا لا أستطيع إحصاءها فماذا علي أن أفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عليك أن تتحري أيتها الأخت في الله وأن تصومي ما غلب على ظنك أنك تركت صيامه وتسألين الله العون والتوفيق قال تعالى: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) . اجتهدي وتحري واحتاطي لنفسك حتى تصومي ما غلب على الظن أنك تركتيه وعليك التوبة إلى الله، والله ولي التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى فضيلة الشيخ ابن باز يرحمه الله.(5/3391)
حكم من أفطر بسبب العمل في الحر الشديد
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني أعمل في عمل شاق وهو البناء في السعودية ومع خمسة عشر رجلاُ، وعندما جاء شهر رمضان صمنا أول يوم من رمضان واليوم الثاني، ثم أفطر الجميع بقية الشهر وأنا معهم لأننا أتينا من مصر ولأول مرة تصادف اختلاف الجو، وفي السنة التالية صمت رمضان فما حكم ذلك علماً بأنه جاء رمضان الثاني وصمته ولم أقض ما فاتني من رمضان الماضي؟ أفيدونا مأجورين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا حرام عليك ولا يجوز لك لأن صيام رمضان ركن من أركان الإسلام الخمسة، فقد قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) البقرة /183، فما عذرك عند الله تبارك وتعالى إذا وقفت بين يديه في يوم القيامة وقد أعطاك الصحة والعافية ومع هذا لم تقم بأوامره ولم تعمل بآياته، فقد قال جل وعلا: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) البقرة /183، وقوله تعالى: (كُتب عليكم) يعني فرض عليكم الصيام كما فرض على الذين من قبلكم لعلكم تتقون فجعل التقوى غاية للصوم والصوم وسيلة لحصول التقوى فحرام عليك أن تعمل ذلك وعليك أن تتوب وتستغفر وتندم على ما فات. أما كونك تعمل، فهذا ليس بعذر، فيمكنك أن تعمل في الليل، وإذا لم تتمكن من ذلك اترك العمل لأنه ليس هناك من ضرورة، تترك العمل حتى ينتهي الشهر أو تعمل عملاً خفيفاً تستطيع معه الصوم، أما أنك تفطر في رمضان بحكم أنك عامل فهذا أمر لا يجوز فإن كان عليك أيام من رمضان الماضي لم تقضها وجاء رمضان الثاني فعليك القضاء والإطعام، أن تطعم عن كل يوم مداً من بر أو نصف صاع من غيره، وعليك ألا تعود لمثل هذا، فاستغفر الله وتذكر وقوفك بين يدي الله جل وعلا وتذكر أيضاً محاسبته لك جل وعلا، وفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى سماحة الشيخ عبد الله بن حميد ص 172(5/3392)
اقتدى بإمامه في التراويح ليصلي العشاء ثم اقتدى به ثانية في الركعتين الأخريين
[السُّؤَالُ]
ـ[فاتتني صلاة العشاء، والإمام بدأ يصلي التراويح، فدخلت مع الإمام بنية العشاء، وصلَّى الإمام ركعتين، ثم سلم، وأنا بقيت جالساً، ولم أسلم، وعندما قام للصلاة قمتُ معه، وأكملت صلاة العشاء معه، هل طريقة صلاتي هذه صحيحة؟ وإذا كانت غير صحيحة ماذا عليَّ فعله؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اختلف العلماء في حكم صلاة المفترض خلف إمام متنفل، وقد ذكرنا شيئاً من أقوال العلماء في هذه المسألة في جواب السؤال رقم (79136) .
وذهب إلى جواز ذلك الإمام الشافعي وابن المنذر – وهو رواية عن أحمد - رحمهم الله، واختاره علماء اللجنة الدائمة، والشيخ ابن باز، ونقلنا عنهم جواز المسألة الواردة في السؤال، وهو صلاة العشاء خلف من يصلي التراويح، وأن على المأموم أن يُكمل صلاته وحده بعد سلام الإمام.
أما ما فعله السائل من كونه جلس بعد سلام الإمام، حتى ائتم به في ركعتين أخريين من التراويح: ففيه القولان فيمن ابتدأ صلاته منفرداً هل له الاقتداء بإمام جماعة؟ فمِن العلماء مَن قال بالمنع منه، ومنهم من قال بالصحة.
وقد توقف الشيخ العثيمين في حكم هذا الفعل، فقال – بعد أن بيَّن جواز صلاة المفترض خلف المتنفل، ومنه: جواز صلاة العشاء خلف من يصلي التراويح – قال:
"إنما الذي أتوقف فيه: هو انتظارهم الإمام حتى يدخل في التسليمة الثانية [يعني الركعتين الأخريين] ، ويتمون الصلاة معه: فإن هذا أتوقف فيه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (فما أدركتم فصلُّوا وما فاتكم فأتموا) فإن ظاهره: أن الإنسان يتم ما فاته مع إمامه وحده، يعني: ما ينتظر حتى يشرع الإمام في التسليمة الثانية، وإنما نقول: إذا سلَّم الإمام في الصلاة التي أدركتَه فيها: فأتِمَّ، ولا تنتظر حتى يدخل في صلاةٍ أخرى" انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (شريط رقم 15، وجه ب) .
وقد رجح النووي رحمه الله جواز ذلك حيث قال:
ولو صلَّى العشاء خلف التراويح: جاز، فإذا سلَّم الإمام: قام إلى ركعتيه الباقيتين، والأولى أن يتمها منفرداً، فلو قام الإمام إلى أخريين من التراويح، فنوى الاقتداء به ثانياً في ركعتيه: ففي جوازه القولان فيمن أحرم منفرداً ثم نوى الاقتداء، والأصح: الصحة" انتهى.
"المجموع شرح المهذب" (4/270) .
فعلى هذا، فالصلاة صحيحة وليس عليك إعادتها، غير أن الأفضل ـ فيما بعد ـ أن تكمل صلاتك وحدك، ولا تعيد الدخول مع الإمام مرة أخرى.
فليس على الأخ السائل إعادة الصلاة، ولا إعادة ركعتين، وما فعله من صلاة العشاء خلف إمام التراويح صحيح، لكننا نرى أن الأولى أنه يتم ما بقي عليه من صلاته وحده، ولو اقتدى بالركعتين الأخريين مع الإمام مرة أخرى: جاز.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3393)
هل تختلف ليلة القدر باختلاف البلدان؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ستكون ليلة القدر هي نفس الليلة لكل المسلمين، أم أنها ستختلف باختلاف البلدان؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تكون ليلة واحدة ولو اختلف دخولها بالنسبة للبلدان، فتدخل في البلاد العربية عند غروب شمس نهارهم وتدخل عند البلاد الإفريقية أيضا عند غروب شمس نهارهم وغيرها من البلاد، فكلما غربت عند قوم دخلت عندهم ولو استغرق ذلك أكثر من 20 ساعة فتحسب لهؤلاء ليلتهم، ولهؤلاء ليلتهم، ولا مانع من أن تنزل الملائكة عند هؤلاء، وهؤلاء أيضا.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله(5/3394)
المواظبة على القنوت في الوتر كل ليلة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم قراءة دعاء القنوت في كل ليلة بعد الوتر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا حرج في هذا. دعاء القنوت سنة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقنت، وقد علم الحسن القنوت وكلمات القنوت في الوتر، فهو سنة، فإذا قرأت في كل ليلة فلا بأس، وإن تركت في بعض الأحيان حتى يعلم الناس أنه ليس بواجب، فهذا لا بأس به، إذا ترك الإمام القنوت بعض الأحيان ليعلم الناس أنه ليس بواجب، فلا بأس، النبي صلى الله عليه وسلم لما علم الحسن القنوت لم يقل له: دعه في بعض الأيام، دل ذلك على أنه إذا استمر فلا حرج" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (2/1062) .
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
فتاوى نور على الدرب(5/3395)
هل يلزم من شرع في صلاة التراويح أن يكملها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يلزم المسلم إذا شرع في صلاة التراويح أن يكملها؟ أم يصلي ما شاء ثم ينصرف؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا شك أن التراويح سنة وأنها نافلة، وهي قيام رمضان، وهكذا صلاة الليل، وهكذا صلاة الضحى، وهكذا الرواتب التي مع الفرائض كلها سنة، وكلها نافلة، إن شاء فعلها وإن شاء تركها، وفعلها أفضل.
وإذا شرع مع الإمام في التراويح وأحب أن ينفتل منها قبل أن يكمل فلا بأس عليه، لكن بقاءه مع الإمام حتى ينصرف أفضل، ويكتب له بهذا قيام الليلة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ قِيَامَ لَيْلَةٍ) ، فإذا بقي مع الإمام حتى يكمل كان له فضل قيام الليلة كلها، وإذا انصرف بعد أن يصلي بعض الركعات فلا بأس، ولا حرج في ذلك لأنها نافلة" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (2/901) .
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
فتاوى نور على الدرب(5/3396)
صَلَّى التراويح مع الإمام قبل صلاة العشاء
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا حضر المصلي لصلاة العشاء ووجد الناس يصلون فدخل معهم ثم تبين أنهم يصلون التراويح فأكمل معهم، ثم صلى العشاء، هل تجوز العشاء بعد التراويح؟ وهل تجوز التراويح قبل العشاء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"على كل حال السنة التراويح بعد العشاء، فقيام رمضان بعد العشاء لكن هذه نافلة فصلاته معهم قبل العشاء تعتبر صلاة نافلة بين العشائين، والصلاة بين العشائين جائزة لكن ليس هي القيام المعروف في رمضان، فقيام رمضان يكون بعد العشاء، فتعتبر هذه نافلة له بين العشائين، وصلاته العشاء بعد ذلك صحيحة، وإنما الأفضل والأولى أن يبدأ بالفريضة ثم يصلي معهم التراويح، هذا الذي ينبغي حتى يتبع السنة مع أداء الفريضة.
ولو أنه صلى معهم بنية الفريضة فلما سلم الإمام من التراويح قام وأتم الفريضة أجزأه ذلك، فلو صلى الإمام الاثنتين الأوليين بنية التراويح وهو يصلي الفريضة، ثم إذا سلم قام فتم صلاته أجزأه ذلك.
فالحاصل: أن هذا لا حرج فيه إن شاء الله، صلاته صحيحة، وصلاته التراويح صحيحة، وتعتبر نافلة، ليست هي التراويح وليست قيام رمضان المشهور، إنما قيام رمضان يكون بعد العشاء وهذا صلاها قبل العشاء، فتكون من النوافل التي تستحب بين المغرب والعشاء" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (2/903) .
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
فتاوى نور على الدرب(5/3397)
حكم رفع الصوت بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بين ركعات التراويح
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم رفع الصوت بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والترضي عن الخلفاء الراشدين بين ركعات التراويح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا أصل لذلك- فيما نعلم- من الشرع المطهر، بل هو من البدع المحدثة، فالواجب تركه، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها، وهو اتباع الكتاب والسنة، وما سار عليه سلف الأمة، والحذر مما خالف ذلك" انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (11/369) .
وانظر جواب السؤال رقم (50718) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3398)
تقسيم قيام الليل في العشر الأواخر إلى قسمين
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو التكرم بذكر أقوال العلماء بشأن حكم تقسيم صلاة التراويح في العشر الأواخر من رمضان قسمين: في أول الليل، وآخره , كما يفعل كثير من المساجد، مع ذكر الأدلة إن أمكن.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المستحب في ليالي رمضان إحياؤها بالقيام والصلاة والعبادة، وتخصيص العشر الأواخر منه بمزيد تعبد واجتهاد، طلبا للمغفرة والرحمة، وتحريا لليلة القدر التي هي خير من ألف شهر.
ثم إن صلاة التراويح تعتبر من قيام الليل، وتسميتها بالتراويح لما يتخللها من أخذ قسط يسير من الراحة بين الركعات، ولذلك فالأمر فيها واسع، يجوز للعبد أن يصلي في الليلة ما شاء من الركعات، وفي أي وقت من الليل شاء.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (34/123) :
" لا خلاف بين الفقهاء في سنية قيام ليالي رمضان؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)
وقال الفقهاء: إن التراويح هي قيام رمضان؛ ولذلك فالأفضل استيعاب أكثر الليل بها ; لأنها قيام الليل " انتهى.
وما يقوم به كثير من الأئمة اليوم – خاصة في العشر الأواخر – من الصلاة بالناس التراويح بعد العشاء مباشرة، ثم الرجوع إلى المسجد في ساعة متأخرة من الليل للصلاة والقيام، هو من المشروع لا من الممنوع، وليس هناك ما يمنعه، والمطلوب هو الاجتهاد في العشر الأواخر على حسب الاستطاعة، فإذا قَسَّم المرء ليله ما بين صلاة وراحة ونوم وقراءة قرآن فقد أحسن.
قال الشيخ عبد الله أبابطين – كما في "الدرر السنية" (4/364) -:
" مسألة في الجواب عما أنكره بعض الناس على من صلى في العشر الأواخر من رمضان زيادة على المعتاد في العشرين الأول، وسبب إنكارها لذلك غلبة العادة، والجهل بالسنة وما عليه الصحابة والتابعون وأئمة الإسلام.
فنقول: قد وردت الأحاديث عن النبي صلى الله وعليه وسلم بالترغيب في قيام رمضان، والحث عليه، وتأكيد ذلك في عشره الأخير.
إذا تبين أنه لا تحديد في عدد التراويح، وأن وقتها عند جميع العلماء من بعد سنة العشاء إلى طلوع الفجر، وأن إحياء العشر سنة مؤكدة، وأن النبي صلى الله وعليه وسلم صلاها ليالي جماعة، فكيف ينكر على من زاد في صلاة العشر الأواخر عما يفعلها أول الشهر، فيصلي في العشر أول الليل، كما يفعل في أول الشهر، أو قليل، أو كثير، من غير أن يوتر، وذلك لأجل الضعيف لمن يحب الاقتصار على ذلك، ثم يزيد بعد ذلك ما يسره الله في الجماعة، ويسمى الجميع قياماً وتراويح.
وربما اغتر المنكر لذلك بقول كثير من الفقهاء: يستحب أن لا يزيد الإمام على ختمة، إلا أن يؤثر المأمومون الزيادة، وعللوا عدم استحباب الزيادة على ختمة بالمشقة على المأمومين، لا كون الزيادة غير مشروعة، ودل كلامهم على أنهم لو آثروا الزيادة على ختمة كان مستحباً، وذلك مصرح به في قولهم: إلا أن يؤثر المأمومون الزيادة.
وأما ما يجري على ألسنة العوام من تسميتهم ما يفعل أول الليل تراويح، وما يصلي بعد ذلك قياماً، فهو تفريق عامي، بل الكل قيام وتراويح، وإنما سمي قيام رمضان تراويح لأنهم كانوا يستريحون بعد كل أربع ركعات من أجل أنهم كانوا يطيلون الصلاة، وسبب إنكار المنكر لذلك لمخالفته ما اعتاده من عادة أهل بلده وأكثر أهل الزمان، ولجهله بالسنة والآثار، وما عليه الصحابة والتابعون وأئمة الإسلام، وما يظنه بعض الناس من أن صلاتنا في العشر هي صلاة التعقيب الذي كرهه بعض العلماء فليس كذلك؛ لأن التعقيب هو التطوع جماعة بعد الفراغ من التراويح والوتر.
هذه عبارة جميع الفقهاء في تعريف التعقيب أنه التطوع جماعة بعد الوتر عقب التراويح، فكلامهم ظاهر في أن الصلاة جماعة قبل الوتر ليس هو التعقيب " انتهى باختصار.
وقال الشيخ صالح الفوزان في كتاب "إتحاف أهل الإيمان بمجالس شهر رمضان":
" وأما في العشر الأواخر من رمضان، فإن المسلمين يزيدون من اجتهادهم في العبادة، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وطلباً لليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، فالذين يصلون ثلاثاً وعشرين ركعة في أول الشهر يقسمونها في العشر الأواخر، فيصلون عشر ركعات في أول الليل، يسمونها تراويح، ويصلون عشراً في آخر الليل، يطيلونها مع الوتر بثلاث ركعات، ويسمونها قياماً، وهذا اختلاف في التسمية فقط، وإلا فكلها يجوز أن تسمى تراويح، أو تسمى قياماً، وأما من كان يصلى في أول الشهر إحدى عشرة أو ثلاث عشرة ركعة فإنه يضيف إليها في العشر الأواخر عشر ركعات، يصليها في آخر الليل، ويطيلها، اغتناماً لفضل العشر الأواخر، وزيادة اجتهاد في الخير، وله سلف في ذلك من الصحابة وغيرهم ممن كانوا يصلون ثلاثاً وعشرين كما سبق، فيكونون جمعوا بين القولين: القول بثلاث عشرة في العشرين الأول، والقول بثلاث وعشرين في العشر الأواخر " انتهى.
وانظر للفائدة جواب السؤال رقم: (82152) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3399)
مشابهة الوتر للمغرب
[السُّؤَالُ]
ـ[كتبت في مقالة " صلاة الليل في رمضان " أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم الصلاة للوتر كثلاث ركعات ووضح ذلك بقوله: لا تجعلوها تشابه صلاة المغرب. وعليه فإن من أراد أن يصلي الوتر ثلاثا عليه أن يجد طريقة تجعلها تختلف (عن صلاة المغرب) . وهناك طريقتان: إما بالتسليم عقب الركعتين الأوليين، وهو الأفضل، أو بعدم الجلوس بعد الركعتين الأوليين.
أنا أيضا أصلي ثلاث ركعات للوتر لكني أجعل صلاتي تختلف عن المغرب برفع يدي للتكبير قبل دعاء القنوت. فهل يصح ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قبل الجواب على هذا السؤال نشكر لك حرصك على اتباع السنة، ونسأل الله أن يجعلنا وإياك ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
ما ذكرته – وفقك الله - من إرادتك عدم المشابهة بأن ترفع يدك للتكبير قبل دعاء القنوت، فهذا ليس مرادا من نهي النبي صلى الله عليه وسلم في قوله في الحديث الذي أخرجه الحاكم (1/304) والبيهقي (3/31) والدارقطني (ص172) وصححه الحاكم على شرطهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا توتروا بثلاث تشبهوا المغرب ". ومراده صلى الله عليه وسلم – كما بينه أهل العلم – هو النهي عن الجلوس للتشهد الأول بحيث تشبه صلاة المغرب.
انظر في ذلك: فتح الباري لابن حجر4/301 قال الحافظ: إسناده على شرط الشيخين، وعون المعبود شرح حديث رقم (1423) ، وصلاة التراويح للألباني ص97.
ورفع اليدين للتكبير قبل دعاء القنوت ليس بفرق في الحقيقة؛ لأن مواضع رفع اليدين في الصلاة أربعة:
1- عند تكبيرة الإحرام.
2- عند الركوع.
3- عند الرفع من الركوع.
4- عند القيام من التشهد الأول.
فلا يشرع للمصلي أن يرفع يديه في غير هذه المواضع الأربعة.
انظر في ذلك فتاوى أركان الإسلام للشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله ص 312.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3400)
فضل قيام رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[ما فضل قيام رمضان؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
فضل قيام ليالي رمضان:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُرغب في قيام رمضان، من غير أن يأمرهم بعزيمة، ثم يقول: " من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه " فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك (أي على ترك الجماعة في التراويح) ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر رضي الله عنه، وصدرٍ من خلافة عمر رضي الله عنه.
وعن عمرو بن مرة الجهني قال: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من قضاعة فقال: يا رسول الله! أرأيت إن شهدت أن لا إله إلا الله، وأنك محمد رسول الله، وصليت الصلوات الخمس، وصمت الشهر، وقمت رمضان، وآتيت الزكاة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " من مات على هذا كان من الصديقين والشهداء "
ليلة القدر وتحديدها:
2- وأفضل لياليه ليلة القدر، لقوله صلى الله عليه وسلم: " من قام ليلة القدر {ثم وُفّقت له} ، إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه "
3- وهي ليلة سابع وعشرين من رمضان على الأرجح، وعليه أكثر الأحاديث منها حديث زر بن حبيش قال: سمعت أبي ابن كعب يقول - وقيل له: إن عبد الله بن مسعود يقول: من قام السنة اصاب ليلة القدر! - فقال أُبيّ رضي الله عنه: رحمه الله، أراد أن لا يتكل الناس، والذي لا إله إلا هو، إنها لفي رمضان - يحلف ما يستثني - ووالله إني لأعلم أي ليلة هي؟ هي الليلة التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها، هي ليلة صبيحة سبع وعشرين وأمارتها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها. ورفع ذلك في رواية إلى النبي صلى الله عليه وسلم. أخرجه مسلم وغيره.
مشروعية الجماعة في القيام:
4- وتشرع الجماعة في قيام رمضان، بل هي أفضل من الانفراد، لإقامة النبي صلى الله عليه وسلم لها بنفسه، وبيانه لفضلها بقوله، كما في حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: " صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان، فلم يقم بنا شيئاً من الشهر حتى بقي سبع فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل، فلما كانت السادسة لم يقم بنا، فلما كانت الخامسة قام بنا حتى ذهب شطر الليل، فقلت: يا رسول الله! لو نفّلتنا قيام هذه الليلة، فقال: " إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة " فلما كانت الرابعة لم يقم، فلما كانت الثالثة جمع أهله ونساءه والناس، فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح، قال: قلت: وما الفلاح؟ قال: السحور، ثم لم يقم بنا بقية الشهر) حديث صحيح، أخرجه أصحاب السنن.
السبب في عدم استمرار النبي صلى الله عليه وسلم بالجماعة فيه:
5- وإنما لم يقم بهم عليه الصلاة والسلام بقية الشهر خشية أن تُفرض عليهم صلاة الليل في رمضان، فيعجزوا عنها كما جاء في حديث عائشة في الصحيحين وغيرهما، وقد زالت هذه الخشية بوفاته صلى الله عليه وسلم بعد أن أكمل الله الشريعة، وبذلك زال المعلول، وهو ترك الجماعة في قيام رمضان، وبقي الحكم السابق وهو مشروعية الجماعة، ولذلك أحياها عمر رضي الله عنه كما في صحيح البخاري وغيره.
مشروعية الجماعة للنساء:
6- ويشرع للنساء حضورها كما في حديث أبي ذر السابق بل يجوز أن يُجعل لهن إمام خاص بهن، غير إمام الرجال، فقد ثبت أن عمر رضي الله عنه لما جمع الناس على القيام، جعل على الرجال أبيّ بن كعب، وعلى النساء سليمان بن أبي حثمة، فعن عرفجة الثقفي قال: (كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يأمر الناس بقيام شهر رمضان ويجعل للرجال إماماً وللنساء إماماً، قال: فكنت أنا إمام النساء "
قلت: وهذا محله عندي إذا كان المسجد واسعاً، لئلا يشوش أحدهما على الآخر.
عدد ركعات القيام:
7- وركعاتها إحدى عشرة ركعة، ونختار أن لا يزيد عليها اتباعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه لم يزد عليها حتى فارق الدنيا، فقد سئلت عائشة رضي الله عنها عن صلاته في رمضان؟ فقالت: " ما كان رسول الله يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعاً فلا تسل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاُ فلا تسل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً " أخرجه الشيخان وغيرهما
8- وله أن ينقص منها، حتى لو اقتصر على ركعة الوتر فقط، بدليل فعله صلى الله عليه وسلم وقوله.
أما الفعل، فقد سئلت عائشة رضي الله عنها: بكم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر؟ قالت: " كان يوتر بأربع وثلاث، وست وثلاث، وعشر وثلاث، ولم يكن يوتر بأنقص من سبع، ولا بأكثر من ثلاث عشرة " رواه ابو داود وأحمد وغيرهما.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم فهو: " الوتر حق، فمن شاء فليوتر بخمس، ون شاء فليوتر بثلاث، ومن شاء فليوتر بواحدة ".
القراءة في القيام:
9- وأما القراءة في صلاة الليل في قيام رمضان أو غيره، فلم يحُد فيها النبي صلى الله عليه وسلم حداً لا يتعداه بزيادة أو نقص، بل كانت قراءته فيها تختلف قصراً وطولاً، فكان تارة يقرأ في كل ركعة قدر (يا أيها المزمل) وهي عشرون آية، وتارة قدر خمسين آية، وكان يقول: " من صلى في ليلة بمائة آية لم يكتب من الغافلين "، وفي حديث آخر: ".. بمائتي آية فإنه يُكتب من القانتين المخلصين ".
وقرأ صلى الله عليه وسلم في ليلة وهو مريض السبع الطوال، وهي سورة (البقرة) و (آل عمران) و (النساء) و (المائدة) و (الأنعام) و (الأعراف) و (التوبة) .
وفي قصة صلاة حذيفة بن اليمان وراء النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى الله عليه وسلم قرأ في ركعة واحدة (البقرة) ثم (النساء) ثم (آل عمران) ، وكان يقرؤها مترسلا متمهلاً
وثبت بأصح إسناد أن عمر رضي الله عنه لما أمر أبيّ بن كعب أن يصلي للناس بإحدى عشرة ركعة في رمضان، كان أبيّ رضي الله عنه يقرأ بالمئين، حتى كان الذين خلفه يعتمدون على العصي من طول القيام، وما كانوا ينصرفون إلا في أوائل الفجر.
وصح عن عمر أيضاً أنه دعا القراء في رمضان، فأمر أسرعهم قراءة أن يقرأ ثلاثين آية، والوسط خمساً وعشرين آية، والبطيء عشرين آية.
وعلى ذلك فإن صلى القائم لنفسه فليطوّل ما شاء، وكذلك إذا كان معه من يوافقه، وكلما أطال فهو أفضل، إلا أنه لا يبالغ في الإطالة حتى يحيي الليل كله إلا نادراً، اتباعاً للنبي صلى الله عليه وسلم القائل: " وخير الهدي هدي محمد "، وأما إذا صلى إماماً، فعليه أن يطيل بما لا يشق على من وراءه لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا قام أحدكم للناس فليخفف الصلاة، فإن فيهم الصغير والكبير وفيهم الضعيف، والمريض، وذا الحاجة، وإذا قام وحده فليُطل صلاته ما شاء.
وقت القيام:
10- ووقت صلاة الليل من بعد صلاة العشاء إلى الفجر، لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله زادكم صلاة، وهي الوتر، فصلوها بين صلاة العشاء إلى صلاة الفجر "
11- والصلاة في آخر الليل أفضل لمن تيسر له ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: " من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل، فإن صلاة آخر الليل مشهودة، وذلك أفضل "
12- وإذا دار الأمر بين الصلاة أول الليل مع الجماعة، وبين الصلاة آخر الليل منفرداً، فالصلاة مع الجماعة أفضل، لأنه يحسب له قيام ليلة تامة.
وعلى ذلك جرى عمل الصحابة في عهد عمر رضي الله عنه، فقال عبد الرحمن بن عبيد القاري: " خرجت مع عمر بن الخطاب ليلة في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون، يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرّهط، فقال: والله إني لأرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل، ثم عزم، فجمعهم على أبيّ بن كعب، قال: ثم خرجت معه ليلة أخرى، والناس يصلون بصلاة قارئهم، فقال: عمر، نعمت البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون - يريد آخر الليل - وكان الناس يقومون أوله "
وقال زيد بن وهب: (كان عبد الله يصلي بنا في شهر رمضان فينصرف بليل)
13- لما كان النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن الإيتار بثلاث، وعلل ذلك بقوله: " ولا تشبهوا بصلاة المغرب " فحينئذ لا بد لمن صلى الوتر ثلاثاً من الخروج من هذه المشابهة، وذلك يكون بوجهين:
أحدهما: التسليم بين الشفع والوتر، وهو الأقوى والأفضل.
والآخر: أن لا يقعد بين الشفع والوتر، والله تعالى أعلم.
القراءة في ثلاث الوتر:
14- ومن السنة أن يقرأ في الركعة الأولى من ثلاث الوتر: (سبح اسم ربك الأعلى) ، وفي الثانية: (قل يا أيها الكافرون) ، وفي الثالثة: (قل هو الله أحد) ويضيف إليها أحياناُ: (قل أعوذ برب الفلق) و (قل أعوذ برب الناس) .
وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قرأ مرة في ركعة الوتر بمائة آية من سورة (النساء)
دعاء القنوت:
15- و.. يقنت.. بالدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم سبطه الحسن بن علي رضي الله عنهما وهو: (اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، لا منجا منك إلا إليك) ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم أحياناً، لما يأتي بعده. (ولا بأس أن يزيد عليه من الدعاء المشروع والطيّب الصحيح) .
16- ولا بأس من جعل القنوت بعد الركوع، ومن الزيادة عليه بلعن الكفرة، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء للمسلمين في النصف الثاني من رمضان، لثبوت ذلك عن الأئمة في عهد عمر رضي الله عنه، فقد جاء في آخر حديث عبد الرحمن بن عبيد القاري المتقدم: " وكانوا يلعنون الكفرة في النصف: اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك، ويكذبون رسلك، ولا يؤمنون بوعدك، وخالف بين كلمتهم، وألق في قلوبهم الرعب، وألق عليهم رجزك وعذابك، إله الحق) ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويدعو للمسلمين بما استطاع من خير، ثم يستغفر للمؤمنين.
قال: وكان يقول إذا فرغ من لعنة الكفرة وصلاته على النبي واستغفاره للمؤمنين والمؤمنات ومسألته: (اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، ونرجو رحمتك ربنا، ونخاف عذابك الجد، إن عذابك لمن عاديت ملحق " ثم يكبر ويهوي ساجداً.
ما يقول في آخر الوتر:
17- ومن السنة أن يقول في آخر وتره (قبل السلام أو بعده) :
" اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك، أنت كما اثنيت على نفسك "
18- وإذا سلم من الوتر، قال: سبحان الملك القدوس، سبحان الملك القدوس، سبحان الملك القدوس (ثلاثاً) ويمد بها صوته، ويرفع في الثالثة.
الركعتان بعده:
19- وله أن يصلي ركعتين (بعد الوتر إن شاء) ، لثبوتهما عن النبي صلى الله عليه وسلم فعلاً بل.. قال: " إن هذا السفر جهد وثقل، فإذا أوتر أحدكم، فليركع ركعتين، فإن استيقظ وإلا كانتا له ".
20- والسنة أن يقرأ فيهما: (إذا زلزلت الأرض) و (قل يا أيها الكافرون) .
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب قيام رمضان للألباني.(5/3401)
هل يصلون التراويح في المساجد مع إصرار أهلها على بعض البدع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ابتلينا ببعض العامة إذا ما سلم الإمام من ركعتين من صلاة القيام رفعوا أصواتهم بالتسبيح "سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم" وهكذا بين كل ركعتين إلى أن ينتهي الإمام من الصلاة فيدعون جميعا بدعاء خاص وبورد خاص. وقام بعض الإخوة بإعلام الناس ملتزمين في ذلك الحكمة والرفق ومستندين إلى الأدلة من الكتاب والسنة أن عملهم ذلك خلاف السنة وأنه ليس من هدي السلف، لكن لم ينصاعوا للحق واستمروا في ذلك. فما الذي علينا فعله؟ هل نفارقهم أم نبقى معهم ونذكرهم بين الفينة والأخرى؟ علما أنهم مصّرون على عملهم، والخطب جلل حيث ترك الكثير صلاة التراويح في المساجد متحججين بأنها سنة ترافقها بدعة ودرأ المفاسد مقدم على جلب المصالح. أفتونا حفظكم الله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سبق في جواب السؤال رقم (50718) أن ما يفعله بعض الناس من الذكر الجماعي بعد كل ركعتين من صلاة التراويح: بدعة، لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا أحد من أصحابه.
وقد أحسنتم بتعليم الناس السنة، وإنكار البدع، وكان الواجب عليهم أن يرجعوا إلى هدي النبي صلى الله عليه وسلم، الذي هو خير الهدي وأكمله.
وينبغي لكم أن تستمروا في صلاتكم معهم، ودعوتهم إلى السنة، وسييسر الله لكم من يقبل الحق ويحرص عليه، وإن رفضه بعضهم، (فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ) الأنعام/89.
لكن.. إن وجدتم من أهل المسجد عناداً واستكباراً ورفضاً للحق، فإن أمكنكم الصلاة في مسجد آخر، أهله حريصون على اتباع السنة، واجتناب البدعة فهو الأولى، فإن لم يتيسر ذلك، فصلاتكم في ذلك المسجد خير، وقد قمتم بالواجب عليكم، ولعلهم يهتدون، (قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) الأعراف/164.
وإذا ترك أهل السنة المساجد من أجل مثل هذه البدع لكان سبباً في زيادة البدع وانتشارها، وانطماس السنة وموتها، فعليكم بالصلاة في المساجد، وبيان السنة للناس، ملتزمين في ذلك بهدي النبي صلى الله عليه وسلم في الرفق بالجاهل واللين معه.
وفقكم الله إلى كل خير.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3402)
تتبع المساجد من أجل الخشوع في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد صحة حديث (ليصل أحدكم في المسجد الذي يليه، ولا يتبع المساجد) . وماذا نقول للذي يتتبع المساجد ليخشع في الصلاة وأقرب لحضور القلب دون أن يفوت صلاة العشاء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"هذا الحديث فيما أعرفه مُختلف في صحته، وعلى تقدير ثبوته فإنه يحمل على ما إذا كان في ذلك تفريق للمصلين عن المسجد الذي حولهم، وإلا فمن المعلوم أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يرتادون المسجد النبوي ليصلوا خلف النبي صلى الله عليه وسلم، بل كان معاذ رضي الله عنه يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء الآخرة، ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم، مع تأخر الزمن.
وارتياد الإنسان المسجد من أجل حسن القراءة، واستعانته بحسن قراءة إمامه على القيام لا بأس به، اللهم إلا إذا خشي من ذلك فتنة، أو خشي من ذلك إهانة للإمام الذي حوله، مثل أن يكون هذا الرجل من كبراء القوم، وانصرافه عن مسجده إلى مسجد آخر يكون فيه شيء من القدح في الإمام، فهنا قد نقول: إنه ينبغي أن يراعي هذه المفسدة فيتجنبها" انتهى.
والله أعلم.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (14/241، 242) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3403)
هل يجوز القراءة من الحاسوب في صلاة التراويح؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز قراءة القرآن الكريم عن طريق الحاسوب (الكمبيوتر) خلال أداء صلاة التروايح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
القراءة عن طريق الحاسوب في الصلاة لها حكم القراءة من المصحف في الصلاة، وهي مسألة مشهورة، وفيها خلاف بين العلماء، فأجازها الشافعية الحنابلة، وذهب أبو حنيفة إلى بطلان صلاة من قرأ من المصحف.
جاء في " الموسوعة الفقهية " (33 / 57، 58) :
"ذهب الشافعية والحنابلة إلى جواز القراءة من المصحف في الصلاة، قال الإمام أحمد: لا بأس أن يصلّي بالناس القيام وهو ينظر في المصحف، قيل له: الفريضة؟ قال: لم أسمع فيها شيئاً.
وسئل الزّهريّ عن رجل يقرأ في رمضان في المصحف، فقال: كان خيارنا يقرؤون في المصاحف.
وفي شرح " روض الطالب " للشيخ زكريا الأنصاريّ: إذا قرأ في مصحف، ولو قلَّب أوراقه أحياناً لم تبطل - أي: الصلاة - لأن ذلك يسير أو غير متوال لا يشعر بالإعراض، والقليل من الفعل الذي يبطل كثيره إذا تعمده بلا حاجة: مكروه.
وذهب أبو حنيفة إلى فساد الصلاة بالقراءة من المصحف مطلقاً، قليلاً كان أو كثيراً، إماماً أو منفرداً، أمّيّاً لا يمكنه القراءة إلا منه أو لا، وذكروا لأبي حنيفة في علة الفساد وجهين:
أحدهما: أن حمل المصحف والنظر فيه وتقليب الأوراق عمل كثير.
الثاني: أنه تلقنٌ من المصحف، فصار كما لو تلقَّن من غيره، وعلى الثاني لا فرق بين الموضوع والمحمول عنده، وعلى الأول يفترقان.
واستثني من ذلك ما لو كان حافظاً لما قرأه وقرأ بلا حمل فإنه لا تفسد صلاته ; لأن هذه القراءة مضافة إلى حفظه لا إلى تلقّنه من المصحف ومجرد النظر بلا حمل غير مفسد.
وذهب الصاحبان - أبو يوسف ومحمد - إلى كراهة القراءة من المصحف إن قصد التشبّه بأهل الكتاب" انتهى باختصار.
والقول بالجواز هو الذي يفتي به علماء اللجنة الدائمة للإفتاء، والشيخ العثيمين، والشيخ عبد الله الجبرين.
وانظر جواب السؤال رقم (1255) و (69670) .
ولا شك أن الأولى هو أن لا يؤم الناس إلا من هو حافظ لكتاب الله تعالى، وأن يقرأ عن ظهر قلب.
سئل الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله:
هل القراءة من المصحف أفضل من القراءة عن ظهر قلب؟ نرجو الإفادة؟ .
فأجاب:
"أما من جهة قراءة القرآن في غير الصلاة: فالقراءة من المصحف أولى؛ لأنه أقرب إلى الضبط، وإلى الحفظ، إلا إذا كانت قراءته عن ظهر قلب أحفظ لقلبه وأخشع له فليقرأ عن ظهر قلب.
وأما في الصلاة: فالأفضل أن يقرأ عن ظهر قلب؛ وذلك لأنه إذا قرأ من المصحف فإنه يحصل له عمل متكرر في حمل المصحف، وإلقائه، وفي تقليب الورق، وفي النظر إلى حروفه، وكذلك يفوته وضع اليد اليمنى على اليسرى على الصدر في حال القيام، وربما يفوته التجافي في الركوع والسجود إذا جعل المصحف في إبطه، ومن ثَمَّ رجحنا قراءة المصلي عن ظهر قلب على قراءته من المصحف" انتهى.
" المنتقى من فتاوى الفوزان " (2 / 35، السؤال رقم 16) .
وانظر كلام الشيخ العثيمين في جواب السؤال رقم: (3465) .
ومن مفاسد القراءة من المصحف – ومثله الحاسوب أو الجوال – في الصلاة أنها تقتل همَّة الإمام في حفظ القرآن، وتقضي على رغبته في حفظه، فإذا علم أنه سيفتح مصحفاً في صلاته، أو سينظر في الحاسوب أو الجوال: لم يبذل وقته في حفظ كتاب الله تعالى، ولم يحرص على إتقانه، فاحرص أخي على حفظ كتاب الله، واقرأ منه في صلاتك عن ظهر قلب.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3404)
هل نجمع العشاء والتراويح مع المغرب في رمضان إذا نزل المطر
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا نزل المطر وقت المغرب في رمضان فهل نترك الجمع بين المغرب والعشاء أو نجمع المغرب مع العشاء ونؤخر التراويح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله فأجاب:
الأمر واسع إن شاء الله، والجمع (في هذه الحالة) قد يفوت به مصالح كثيرة للناس. انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/3405)
التطويل في صلاة التراويح
[السُّؤَالُ]
ـ[إمام مسجد يصلي بالناس التراويح ويقرأ في كل ركعة صفحة كاملة أي ما يعادل حوالي 15 آية إلا أن بعض الناس يقول: إنه يطيل القراءة، والبعض يقول عكس ذلك. ما السنة في صلاة التراويح؟ وهل هناك حد يعرف به التطويل من عدمه، من نقول عن النبي صلى الله عليه وسلم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالليل إحدى عشرة ركعة في رمضان وغيره، ولكنه يطيل القراءة والأركان، حتى إنه قرأ مرة أكثر من خمسة أجزاء في ركعة واحدة، مع الترتيل والتأني.
وثبت أنه كان يقوم عند انتصاف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل، ثم يستمر يصلي إلى قرب طلوع الفجر، فيصلي ثلاث عشرة ركعة في نحو خمس ساعات، وذلك يستدعي الإطالة في القراءة والأركان.
وثبت أن عمر لما جمع الصحابة على صلاة التراويح كانوا يصلون عشرين ركعة، ويقرؤون في الركعة نحو ثلاثين آية من آي البقرة، أي: ما يقارب أربع صفحات أو خمساً، فيصلون بسورة البقرة في ثمان ركعات، فإن صلوا بها في ثنتي عشرة ركعة رأوا أنه قد خفف.
هذه هي السنة في صلاة التراويح، فإذا خفف القراءة زاد في عدد الركعات إلى إحدى وأربعين ركعة، كما قال بعض الأئمة، وإن أحب الاقتصار على إحدى عشرة أو ثلاث عشرة زاد في القراءة والأركان، وليس لصلاة التراويح عدد محدود، وإنما المطلوب أن تصلي في زمن تحصل فيه الطمأنينة والتأني، بما لا يقل عن ساعة أو نحوها، ومن رأى أن ذلك إطالة فقد خالف المنقول، فلا يلتفت إليه " انتهى.
فضيلة الشيخ ابن جبرين.
"فتاوى إسلامية" (2/157، 158) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3406)
دخول النساء المساجد بأطفالهن في صلاة التراويح
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم دخول النساء بالأطفال إلى المساجد في صلاة التراويح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا تمنع النساء من إتيان المساجد بأطفالهن في رمضان، فقد دلت السنة على إتيان النساء المساجد ومعهن أطفالهن زمن النبي صلى الله عليه وسلم، لحديث: (إِنِّي لَأَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ وَأَنَا أُرِيدُ إِطَالَتَهَا فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلَاتِي، مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ مِنْ بُكَائِهِ) . ومن ذلك: (حمل النبي صلى الله عليه وسلم أمامة في صلاة الفريضة وهو يؤم الناس في المسجد) .
لكن عليهن الحرص على صيانة المسجد من النجاسة بالتحرز في حق الأطفال في نومهم وغير ذلك" انتهى.
"فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله" (4/214، 215) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3407)
صلاة التراويح ركعتين ركعتين
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الأئمة في صلاة التراويح يجمعون أربع ركعات أو أكثر في تسليمة واحدة دون جلوس بين الركعتين، ويدّعون أن ذلك من السنة. فهل لهذا العمل أصل في شرعنا المطهر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"هذا العمل غير مشروع، بل مكروه أو محرم عند أكثر أهل العلم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى) متفق على صحته من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، ولما ثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل إحدى عشر ركعة، يسلم من كل اثنتين، ويوتر بواحدة) متفق على صحته والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
وأما حديث عائشة المشهور: (إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل أربعاً، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن) .. الحديث متفق عليه، فمرادها: أنه يسلم من كل اثنتين، وليس مرادها أنه يسرد الأربع بسلام واحد، لحديثها السابق، ولما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من قوله: (صلاة الليل مثنى مثنى) كما تقدم، والأحاديث يصدق بعضها بعضاً، فالواجب على المسلم أن يأخذ بها كلها، وأن يفسر المجمل بالمبين. والله ولي التوفيق" انتهى.
فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله.
"فتاوى إسلامية" (2/156) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3408)
مراعاة حال الضعفاء من كبار السن ونحوهم في صلاة التراويح
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ينبغي للإمام مراعاة حال الضعفاء من كبار السن ونحوهم في صلاة التراويح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"هذا أمر مطلوب في جميع الصلوات، في التراويح وفي الفرائض، لقوله صلى الله عليه وسلم: (أيكم أمَّ الناس فليخفف فإن فيهم الضعيف والصغير وذا الحاجة) فالإمام يراعي المأمومين، ويرفق بهم في قيام رمضان، وفي العشر الأخيرة، وليس الناس سواء، فالناس يختلفون، فينبغي له أن يراعي أحوالهم، ويشجعهم على المجيء، وعلى الحضور، فإنه متى أطال عليهم شق عليهم، ونَفَّرهم من الحضور، فينبغي له أن يراعي ما يشجعهم على الحضور، ويرغبهم في الصلاة، ولو بالاختصار وعدم التطويل، فصلاة يخشع فيها الناس ويطمئنون فيها ولو قليلاً خير من صلاة يحصل فيها عدم الخشوع، ويحصل فيها الملل والكسل" انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله" (11/336) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3409)
تتبع المساجد طلباً لحسن الصوت
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تتبع المساجد طلباً لحسن صوت الإمام لما ينتج عن ذلك من الخشوع وحضور القلب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الأظهر - والله أعلم - أنه لا حرج في ذلك، إذا كان المقصود أن يستعين بذلك على الخشوع في صلاته، ويرتاح في صلاته ويطمئن قلبه، لأنه ما كل صوت يريح، فإذا كان قصده من الذهاب إلى صوت فلان أو فلان الرغبة في الخير، وكمال الخشوع في صلاته، فلا حرج في ذلك، بل قد يشكر على هذا ويؤجر على نيته، والإنسان قد يخشع خلف إمام، ولا يخشع خلف إمام، بسبب الفرق بين القراءتين والصلاتين، فإذا كان قَصَدَ بذهابه إلى المسجد البعيد أن يستمع لقراءته لحسن صوته، وليستفيد من ذلك، وليخشع في صلاته، لا لمجرد الهوى والتجول، بل لقصد الفائدة والعلم، وقصد الخشوع في الصلاة، فلا حرج في ذلك، وقد ثبت في الحديث الصحيح عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (أَعْظَمُ النَّاسِ أَجْرًا فِي الصَّلَاةِ: أَبْعَدُهُمْ فَأَبْعَدُهُمْ مَمْشًى) رواه البخاري (651) ومسلم (662) ، فإذا كان قصده أيضاً زيادة الخطوات فهذا أيضاً مقصد صالح" انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله" (11/328، 329) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3410)
تقليد الأصوات في صلاة التراويح
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض أئمة المساجد في صلاة التراويح يقلدون قراءة غيرهم وذلك لتحسين أصواتهم بالقرآن، فهل هذا عمل مشروع وجائز.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تحسين الصوت بالقرآن أمر مشروع أمر به النبي صلى الله عليه وسلم واستمع النبي صلى الله عليه وسلم إلى قراءة أبي موسى الأشعري وأعجبته قراءته حتى قال له: (لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود) مسلم في صلاة المسافرين (793) .
وعلى هذا فإذا قلد إمام المسجد شخصاً حسن الصوت والقراءة من أجل أن يحسن صوته وقراءته لكتاب الله عز وجل فإن هذا أمر مشروع لذاته ومشروع لغيره أيضاً لأن فيه تنشيطاً للمصلين خلفه، وسبباً لحضور قلوبهم واستماعهم وإنصاتهم للقراءة وفضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب الدعوة 5 ابن عثيمين 2/201(5/3411)
يتعارض وقت العمل مع صلاة التراويح فكيف يصنع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[يحين موعد عملي قبل أن ينتهي الإمام من صلاة التراويح وأنا محتاج للذهاب للعمل، فماذا أفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صلّ معه ما استطعت من صلاة التراويح جماعة، ولا بأس أن تنصرف إلى عملك بعد ركعتين أو أربع أو ست ونحو ذلك ثم تكمل الصلاة في بيتك وتوتر في آخرها.
وإذا وجدت مسجداً يصلي مبكراً واستطعت إكمال الصلاة معه ثم الذهاب للعمال فهذا أحسن لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ قَامَ مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ) رواه الترمذي (806) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3412)
إذا فاته شيء من أول التروايح فكيف يقضيها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا دخلت المسجد في صلاة العشاء متأخراً وفاتتني صلاة العشاء جماعة وصليتها منفرداً وتأخرت عن صلاة التراويح أثناء أدائي لصلاة العشاء وسبقني الإمام بصلاة التراويح ركعتين فكيف أؤدي الركعتين؟ منفردا أم ماذا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا فاتتك صلاة العشاء، وجئت والإمام يصلي التراويح، فالأولى أن تدخل خلفه بنية العشاء، فإذا سلم أتممت صلاتك، ولا تصل منفردا، ولا مع جماعة أخرى، حتى لا تقام جماعتان في وقت واحد فيحصل بذلك تشويش وتداخل في الأصوات.
ثانيا:
أما ما فاتك من التراويح فإن أردت الإتيان به، فإنك تشفع الوتر مع الإمام، ثم تصلي ما فاتك، ثم توتر.
ومعنى شفع الوتر مع الإمام: ألا تسلم معه في صلاة الوتر، بل تقوم وتأتي بركعة ثم تسلم.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا حضرت مع الناس وهم يصلون صلاة التراويح وقد فاتني شيء منها فهل أقضي ما فاتني بعد الوتر أم ماذا أصنع؟
فأجاب: " لا تقض ما فاتك بعد الوتر، لكن إن كنت تريد أن تقضي ما فاتك، فاشفع الوتر مع الإمام، ثم صل ما فاتك ثم أوتر. وهنا مسألة أنبه عليها: لو جئت والإمام يصلي التراويح وأنت لم تصلِ العشاء فماذا تفعل؟ هل تصلي العشاء وحدك أم تدخل مع الإمام في التراويح بنية العشاء؟
الجواب: أدخل مع الإمام في التراويح بنية العشاء، وإذا سلم الإمام من التراويح فقم واقض ما بقي عليك من صلاة العشاء، وقد نص الإمام أحمد رحمه الله على هذه المسألة بعينها، واختارها شيخ الإسلام ابن تيمية، وهي القول الراجح؛ لأن القول الراجح: أنه يجوز أن يأتمّ المفترض بالمتنفل بدليل حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلاة العشاء ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة، هي له نافلة ولهم فريضة " انتهى من "اللقاء الشهري".
والأفضل قضاؤها جماعة إن تيسر، فإن لم يتيسر فلا حرج عليك من قضائها منفردا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3413)
نسي الإمام وقام للثالثة في صلاة التراويح ثم جلس
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا نسي الإمام في التراويح الجلوس للتشهد في الركعة الثانية وقام ولم يقرأ الفاتحة وجلس مرة أخرى سريعاً للتشهد بعد ثوان قليلة. فماذا عليه وماذا على المأموم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عليهم جميعاً سجود السهو لهذا العمل الزائد وهو القيام لركعة ثالثة.
[الْمَصْدَرُ]
كتبه الشيخ عبد الكريم الخضير(5/3414)
هل دعاء الوتر واجب وماذا يقول إذا لم يحفظه
[السُّؤَالُ]
ـ[أجد صعوبة في حفظ الأدعية عن ظهر قلب مثل دعاء القنوت في الوتر. فكنت أقرأ سورة مكانه ولما عرفت أنه فرض حاولت حفظه وجعلت في أثناء الصلاة أقرأه من كتاب أتناوله من على طاولة بجانبي وأنا ما أزال متجهاً إلى القبلة فهل هذا جائز؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1. لا بأس أن تقرأ دعاء القنوت من ورقة أو كتيب في صلاة الوتر حتى تتمكن من حفظه ثم تترك القراءة بعد ذلك وتدعو من حفظك كما أنه يجوز قراءة القرآن مِن المصحف في صلاة النافلة لمن لا يحفظ الكثير من القرءان.
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله ما حكم قراءة القرءان من المصحف في صلاة التراويح؟ وما الدليل على ذلك من الكتاب والسنة؟
فأجاب:
لا حرج في القراءة من المصحف في قيام رمضان لما في ذلك من إسماع المؤمنين جميع القرآن؛ ولأن الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة قد دلت على شرعية قراءة القرءان في الصلاة، وهي تعم قراءته من المصحف وعن ظهر قلب وقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها أمرت مولاها ذكوان أن يؤمها في قيام رمضان وكان يقرأ من المصحف ذكره البخاري رحمه الله في صحيحه معلِّقا مجزوما به.
" فتاوى إسلامية " (2 / 155) .
2- لا يجب في دعاء القنوت أن يكون باللفظ الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل يجوز للمصلي أن يدعو بغيره أو يزيد عليه، بل لو قرأ آيات من القرآن الكريم وهي مشتملة على الدعاء حصل المقصود، قال النووي رحمه الله: واعلم أن القنوت لا يتعين فيه دعاء على المذهب المختار، فأي دعاء دعا به حصل القنوت ولو قنت بآية، أو آيات من القرآن العزيز وهي مشتملة على الدعاء حصل القنوت، ولكن الأفضل ما جاءت به السنة..
الأذكار النووية ص 50
3- وأما ما ذكره الأخ السائل من أنه كان يقرأ بدلاً من دعاء القنوت قرءاناً فلا شك أن هذا لا ينبغي فعله، لأن المقصود من القنوت هو الدعاء، ولذلك لو كانت هذه الآيات مشتملة على الدعاء جاز قراءتها والقنوت بها كقوله تعالى: (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذا هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب) آل عمران / 8
4- وأما ما ذكره الأخ السائل من فرضية القنوت: فليس بصحيح إذ القنوت سنة، وعلى هذا لو تركه المصلي فصلاته صحيحة.
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله ما حكم قراءة دعاء القنوت في الوتر في ليالي رمضان وهل يجوز تركه؟ .
فأجاب:
القنوت سنة في الوتر وإذا تركه في بعض الأحيان: فلا بأس.
وسئل: عمن يستمر على القنوت في الوتر كل ليلة فهل أثر هذا عن سلفنا؟.
فأجاب:
لا حرج في ذلك بل هو سنة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما علم الحسين بن علي رضي الله عنهما القنوت في الوتر لم يأمر بتركه بعض الأحيان ولا بالمداومة عليه فدل ذلك على جواز الأمرين، ولذا ثبت عن أبي ابن كعب رضي الله عنه حين كان يصلي بالصحابة رضي الله عنهم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يترك القنوت بعض الليالي ولعل ذلك ليعلم الناس أنه ليس بواجب. والله ولي التوفيق.
" فتاوى إسلامية " (2 / 159) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3415)
حكم القراءة من المصحف في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تجوز القراءة من المصحف في صلاة التراويح وصلاة الكسوف أو لا؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في القراءة من المصحف في قيام رمضان، لما في ذلك من إسماع المأمومين جميع القرآن، ولأن الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة قد دلت على شرعية قراءة القرآن في الصلاة، وهي تعم قراءته من المصحف وعن ظهر قلب، وقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها أمرت مولاها ذكوان أن يؤمها في قيام رمضان، وكان يقرأ من المصحف، ذكره البخاري رحمه الله في صحيحه معلقاً مجزوماً به.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى إسلامية م2 - الشيخ ابن باز رحمه الله(5/3416)
إذا زاد ركعة على وتر الإمام ليكمل بعد ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الناس إذا صلى مع الإمام الوتر وسلم الإمام قام وأتى بركعة ليكون وتره آخر الليل فما حكم هذا العمل؟ وهل يعتبر انصراف مع الإمام؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا نعلم في هذا بأساً نص عليه العلماء ولا حرج فيه حتى يكون وتره في آخر الليل. ويصدق عليه أنه قام مع الإمام حتى ينصرف لأنه قام معه حتى انصراف الإمام وزاد ركعة لمصلحة شرعية حتى يكون وتره آخر الليل فلا بأس بهذا ولا يخرج به عن كونه ما قام مع الإمام بل هو قام مع الإمام حتى انصرف لكنه لم ينصرف معه بل تأخر قليلاً.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب الجواب الصحيح من أحكام صلاة الليل والتراويح للشيخ عبد العزيز بن باز ص 41هـ(5/3417)
متابعة الإمام حتى ينصرف في التراويح
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان الأرجح في عدد ركعات التراويح هو أحد عشر ركعة وصليت في مسجد تقام فيه التراويح بإحدى وعشرين ركعة، فهل لي أن أغادر المسجد بعد الركعة العاشرة أم من الأحسن إكمال الإحدى وعشرين ركعة معهم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأفضل إتمام الصلاة مع الإمام حتى ينصرف ولو زاد على إحدى عشرة ركعة لأنّ الزيادة جائزة لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: ".. مَنْ قَامَ مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ قِيَامَ لَيْلَةٍ.. " رواه النسائي وغيره: سنن النسائي: باب قيام شهر رمضان. ولقوله صلى الله عليه وسلم: " صَلاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خَشِيتَ الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ ". رواه السبعة وهذا لفظ النسائي.
ولا شكّ أنّ التقيّد بسنة النبي صلى الله عليه وسلم هو الأولى والأفضل والأكثر أجرا مع إطالتها وتحسينها، ولكن إذا دار الأمر بين مفارقة الإمام لأجل العدد وبين موافقته إذا زاد فالأفضل أن يوافقه المصلي للأحاديث المتقدّمة، هذا مع مناصحة الإمام بالحرص على السنّة.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/3418)
حكم صلاة التراويح للنساء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل على النساء صلاة تراويح، وهل يستحسن لهن أداؤها في المنزل أم الذهاب للمسجد لهذا الغرض؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صلاة التروايح سنة مؤكدة، ويبقى الأفضل في حق النساء قيام الليل في بيوتهن لقوله صلى الله عليه وسلم: " لا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمْ الْمَسَاجِدَ وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ. " رواه أبو داود في سننه باب ما جاء في خروج النساء إلى المسجد: باب التشديد في ذلك. وهو في صحيح الجامع 7458
بل كلّما كانت صلاتها في موضع أخفى وأكثر خصوصية كان ذلك أفضل كما قال صلى الله عليه وسلم: " صَلاةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِهَا فِي حُجْرَتِهَا وَصَلاتُهَا فِي مَخْدَعِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِهَا فِي بَيْتِهَا " رواه أبو داود في سننه كتاب الصلاة باب ما جاء في خروج النساء إلى المسجد وهو في صحيح الجامع 3833
وعن أُمِّ حُمَيْدٍ امْرَأَةِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهَا جَاءَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُحِبُّ الصَّلاةَ مَعَكَ قَالَ قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكِ تُحِبِّينَ الصَّلاةَ مَعِي وَصَلاتُكِ فِي بَيْتِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي حُجْرَتِكِ وَصَلاتُكِ فِي حُجْرَتِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلاتِكِ فِي دَارِكِ وَصَلاتُكِ فِي دَارِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ وَصَلاتُكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي مَسْجِدِي قَالَ فَأَمَرَتْ فَبُنِيَ لَهَا مَسْجِدٌ فِي أَقْصَى شَيْءٍ مِنْ بَيْتِهَا وَأَظْلَمِهِ فَكَانَتْ تُصَلِّي فِيهِ حَتَّى لَقِيَتْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ. رواه الإمام أحمد ورجال إسناده ثقات
ولكنّ هذه الأفضلية لا تمنع من الإذن لهنّ من الذهاب إلى المساجد كما في حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمْ الْمَسَاجِدَ إِذَا اسْتَأْذَنَّكُمْ إِلَيْهَا قَالَ فَقَالَ بِلالُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَاللَّهِ لَنَمْنَعُهُنَّ قَالَ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ فَسَبَّهُ سَبًّا سَيِّئًا مَا سَمِعْتُهُ سَبَّهُ مِثْلَهُ قَطُّ وَقَالَ أُخْبِرُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقُولُ وَاللَّهِ لَنَمْنَعُهُنَّ رواه مسلم 667
ولكنّ ذهاب المرأة إلى المسجد يشترط فيه ما يلي:
1- أن تكون بالحجاب الكامل
2- أن تخرج غير متطيّبة
3- أن يكون ذلك بإذن الزّوج
وأن لا يكون في خروجها أيّ مُحرّم آخر كالخلوة مع السّائق الأجنبي في السّيارة ونحو ذلك.
فلو خالفت المرأة شيئا مما ذُكِر فإنه يحقّ لزوجها أو وليها أن يمنعها من الذّهاب بل يجب ذلك عليه.
وقد سألت شيخنا الشيخ عبد العزيز عن صلاة التراويح هل لها على وجه الخصوص أفضلية للمرأة في صلاتها في المسجد فأجاب بالنفي وأنّ الأحاديث في أفضلية صلاة المرأة في بيتها عامة تشمل التراويح وغيرها هذا والله تعالى أعلم.
ونسأل الله لنا ولسائر إخواننا المسلمين الإخلاص والقبول وأن يجعل عملنا على ما يحبّ ويرضى وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/3419)
صلاة التراويح في البيت / ووضع الكريم على الجسم أثناء الصوم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمسلم أن يصلي التراويح في البيت؟ وإذا كان يجوز فكم عدد الركعات؟ وهل هناك أدعية مخصوصة؟
هل يجوز وضع كريم على الوجه أو بقية الجسم في حال الصوم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صلاة التراويح تشرع جماعةً للرجال في المسجد في ليالي رمضان لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة " أخرجه الترمذي (806) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
ومع ذلك فلو صلاها الرجل في بيته فلا إثم عليه وصلاته صحيحة، وأما في غير رمضان فالمشروع أن يصلي الرجل قيام الليل في بيته.
وأما المرأة فالأفضل في حقها أن تصلي في بيتها ولو أرادت الصلاة في المسجد فلا تُمنع لقوله صلى الله عليه وسلم: لا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمْ الْمَسَاجِدَ وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ " رواه أبو داود (567) صححه الألباني.
وقال صلى الله عليه وسلم: " لا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ " متفق عليه: البخاري (900) ـ مسلم (442)
وأما وضع الكريم على الوجه والجسم، فلا بأس به، يُراجع السؤال رقم (2299) . والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/3420)
القنوت في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أسألك عن القنوت في الصلاة (رفع اليدين بعد الركوع) هل هذا الفعل من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم أو أن هذا العمل كان استثنائياً بسبب الحالة التي كانوا عليها. لو سمحت أجبني لأن أمير مسجدنا قال أن الرسول سُئل أي الصلاة أفضل فأجاب عليه الصلاة والسلام الصلاة التي فيها قنوت أطول]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
القنوت في تعريف الفقهاء هو: " اسم للدعاء في الصلاة في محل مخصوص من القيام ".
وهو مشروع في صلاة الوتر بعد الركوع على الصحيح من قولي العلماء.
ومشروع إذا نزلت بالمسلمين نازلة فيدعو بعد الرفع من الركوع في آخر ركعة من كل فريضة من الصلوات الخمس، حتى يكشف الله النازلة، ويرفعها عن المسلمين. انظر كتاب تصحيح الدعاء للشيخ بكر أبو زيد ص 460
وأما القنوت في صلاة الصبح دائماً في جميع الأحوال فإنه " لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خص الصبح بالقنوت، ولا أنه داوم عليه في صلاة الصبح، وإنما الذي ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قنت في النوازل بما يناسبها، فقنت في صلاة الصبح وغيرها من الصلوات يدعو على رعل وذكوان وعُصَيَّة لقتلهم القراء الذين أرسلهم النبي صلى الله عليه وسلم إليهم ليعلموهم دينهم، وثبت في صلاة الصبح وغيرها يدعو للمستضعفين من المؤمنين أن ينجيهم الله من عدوهم، ولم يداوم على ذلك، وسار على ذلك الخلفاء الراشدون من بعده، فخير (للإمام) أن يقتصر على القنوت في النوازل اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ثبت عن أبي مالك الأشجعي قال: قلت لأبي: يا أبت قد صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلف أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أفكانوا يقنتون في الفجر؟ فقال: (أي بنيّ مُحدَث) رواه الخمسة إلا أبا داود (وصححه الألباني في الإرواء 435) ، وإن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (7/47) .
فإن قلت: هل هناك صيغة محددة للقنوت في صلاة الوتر؟ والقنوت في النوازل؟
فالجواب: لدعاء القنوت في صلاة الوتر صيغ واردة منها:
1- الصيغة التي علمها رسول الله صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي رضي الله عنهما، وهي: (اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لني فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، لا منجى منك إلا إليك) أخرجه أبو داود (1213) والنسائي (1725) وصححه الألباني في الإرواء 429.
2- وعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي آخِرِ وِتْرِهِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ " رواه الترمذي 1727 وصححه الألباني في الإرواء 430 وصحيح أبي داود 1282.
ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم كما ثبت عن بعض الصحابة رضي الله عنهم في آخر قنوت الوتر، منهم: أُبي بن كعب، ومعاذ الأنصاري رضي الله عنهما. أنظر تصحيح الدعاء للشيخ بكر أبو زيد ص460
القنوت عند النوازل:
وعند القنوت للنوازل يدعو بما يناسب الحال كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لعن قبائل من العرب غدروا بأصحابه وقتلوهم، ودعا للمستضعفين من المؤمنين بمكة أن يُنجيهم الله تعالى , وورد عن عمر أنه قنت بهذا الدعاء: (اللهم إنا نستعينك ونؤمن بك، ونتوكل عليك ونثني عليك الخير ولا نكفرك، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إن عذابك الجدَّ بالكفار مُلحق، اللهم عذِّب الكفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك " رواه البيهقي 2/210 وصححه الألباني في الإرواء 2/170 وقال الألباني: (هذه الرواية) عن عمر في قنوت الفجر، والظاهر أنه في قنوت النازلة كما يُشعر به دعاؤه على الكفار.
فإن قلت: هل يمكنني أن أدعو بغير ما ذُكر؟
فالجواب:
نعم، يجوز ذلك، قال النووي في المجموع (3/497) : الصحيح المشهور الذي قطع به لجمهور أنه لا تتعين بها (أي بهذه الصيغة) ، بل يحصل بكل دعاء. أ. هـ
وبما أنَّ الصيغة الواردة لا تتعين بذاتها، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يدع بها، فلا حرج من الزيادة عليها، قال الشيخ الألباني رحمه الله: " ولا بأس من الزيادة عليه بلعن الكفرة ومن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والدعاء للمسلمين " قيام رمضان للألباني 31.
بقي معنا مسألة مهمة وهي: هل دعاء القنوت يكون قبل الركوع أم بعده؟
الجواب: " أكثر الأحاديث والذي عليه أكثر أهل العلم: أن القنوت بعد الركوع , وإن قنت قبل الركوع فلا حرج، فهو مُخير بين أن يركع إذا أكمل القراءة، فإذا رفع وقال: ربنا ولك الحمد قنت ... وبين أن يقنت إذا أتم القراءة ثم يُكبر ويركع، كل هذا جاءت به السنة "انتهى كلام الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله من الشرح الممتع 4/64.
تنبيه: قول السائل (أفضل الصلاة التي فيها قنوت أطول) لعله يُشير به إلى الحديث الذي رواه مسلم (1257) عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أفضل الصلاة طول القنوت ".
قال النووي: المراد بالقنوت هنا طول القيام باتفاق العلماء فيما علمت. أ. هـ
فليس المراد من الحديث بالقنوت: الدعاء بعد الرفع من الركوع، وإنما المراد به طول القيام.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/3421)
صلاة التراويح جماعة في رمضان سنة وليس بدعة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تعتبر صلاة التراويح في جماعة بدعة لم تكن على عهد النبي وأن أول من أقامها عمر بن الخطاب رضي الله عنه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
القول بأن صلاة التراويح بدعة ليس بوارد، وإنما يُقال هل هي من سنن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأنها لم تكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفعلت في عهده أو هي من سنن النبي صلى الله عليه وسلم؟!
فادعى بعض الناس أنها من سنن عمر، واستدل لذلك بأن عمر بن الخطاب " أمر أبيّ بن كعب وتميماً الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة " وخرج ذات ليلة والناس يُصلُّون فقال: نعمت البدعة هذه " وهذا يدل على أنه لم يسبق لها مشروعية ...
ولكن هذا قول ضعيف غفل قائله عما ثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم (قام بأصحابه ثلاث ليال وفي الثالثة أوفي الرابعة لم يُصلّ، وقال: إني خشيت أن تُفرض عليكم) رواه البخاري (872) وفي لفظ مسلم (ولكني خشيت أن تُفرض عليكم صلاة الليل فتعجزوا عنها) (1271) فثبتت التراويح بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم المانع من الاستمرار فيها، لا من مشروعيتها، وهو خوف أن تُفرض، وهذا الخوف قد زال بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه لما مات صلى الله عليه وسلم انقطع الوحي فأمن من فرضيتها، فلما زالت العلة وهو خوف الفريضة بانقطاع الوحي ثبت زوال المعلول وحينئذ تعود السنية لها.أهـ انظر الشرح الممتع لابن عثيمين ج/4 ص/78
وثبت في الصحيحين عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَدَعُ الْعَمَلَ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ خَشْيَةَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ فَيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ ... رواه البخاري (الجمعة/1060) ومسلم (صلاة المسافرين/1174)
قال النووي: وَفِيهِ: بَيَان كَمَالِ شَفَقَته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَأْفَته بِأُمَّتِهِ.أهـ
فلا وجه للقول بأن صلاة التراويح ليست من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بل هي من سنة النبي صلى الله عليه وسلم تركها خشية أن تُفرض على الأمة فلما مات زالت هذه الخشية، وكان أبو بكر رضي الله عنه منشغلاً بحروب المرتدين وخلافته قصيرة (سنتان) ، فلما كان عهد عمر واستتب أمر المسلمين جمع الناس على صلاة التراويح في رمضان كما اجتمعوا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فقصارى ما فعله عمر رضي الله عنه العودة إلى تلك السنة وإحياؤها، والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/3422)
زاد ركعة في أحد تسليمات التراويح
[السُّؤَالُ]
ـ[قام الإمام في الركعة الثالثة في صلاة التراويح وأنهى الصلاة ثم أخبروه أنه صلى ثلاثة، فهل يسجد للسهو أم يكملها أربعاً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
عرضنا السؤال التالي على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله بقوله:
يسجد للسهو، ثم يكمل الصلاة مثنى مثنى، كما لو كان هذا في الفريضة. انتهى
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(5/3423)
الإطالة في الدعاء في صلاة التراويح
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض أئمة المساجد في رمضان يطيلون في الدعاء ويعضهم يقصر، فما هو الصحيح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الصحيح ألا يكون غلو ولا تقصير، فالإطالة التي تشق على الناس منهي عنها، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغه أن معاذ بن جبل أطال الصلاة في قومه غضب عليه غضباً شديداً لم يغضب في موعظة مثله قط، وقال لمعاذ بن جبل: (يا معاذ أفتان أنت) البخاري في الأدب (6106) ، ومسلم في الصلاة (465) ، فالذي ينبغي أن يقتصر على الكلمات الواردة أو يزيد.
ولا شك في أن الإطالة شاقة على الناس وترهقهم، ولاسيما الضعفاء منهم، ومن الناس من يكون وراءه أعمال، ولا يحب أن ينصرف قبل الإمام ويشق عليه أن يبقى مع الإمام، فنصيحتي لإخواني الأئمة أن يكونوا بين بين، كذلك ينبغي أن يترك الدعاء أحياناً حتى لا يظن العامة أن الدعاء واجب.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب الدعوة ج/5 الشيخ ابن عثيمين (2/198) .(5/3424)
هل يمنع الأطفال من القدوم إلى المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل نمنع الأطفال من المجيء للمسجد في التراويح مع الأمهات لكثرة الإفساد والإزعاج؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سألت الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله هذا السؤال فأجاب:
يُتركون كما جاء في الأحاديث، (ويسع الآخرين ما وسع الأولين) . والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد العزيز بن باز يرحمه الله(5/3425)
حمل المصحف للمأموم مخالفة للسنة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم حمل المصحف من قبل المأمومين في صلاة التراويح في رمضان بحجة متابعة الإمام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
حمل المصحف لهذا الغرض فيه مخالفة للسنة وذلك من وجوه:
الوجه الأول: أنه يفوت الإنسان وضع اليد اليمنى على اليد اليسرى في حال القيام.
والثاني: أنه يؤدي إلى حركة كثيرة لا حاجة لها وهي فتح المصحف وإغلاقه ووضعه تحت الإبط.
والثالث: أنه يشغل المصلي في الحقيقة بحركاته هذه.
والرابع: أنه يفوت المصلي النظر إلى موضع السجود وأكثر العلماء يرون أن النظر إلى موضع السجود هو السنة والأفضل.
والخامس: أن فاعل ذلك ربما ينسى أنه في صلاة إذا لم يكن يستحضر قلبه أنه في صلاة، بخلاف ما إذا كان خاشعاً واضعاً يده اليمنى على اليسرى مطأطئاً رأسه نحو سجوده فإنه يكون أقرب إلى استحضار أنه يصلي وأنه خلف الإمام.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين لمجلة الدعوة العدد 1771 ص 45(5/3426)
صلى بزوجته وأولاده قيام الليل في البيت سرّاً
[السُّؤَالُ]
ـ[نويت أن أحيى ليلة القدر فى المسجد، ولكن لم أستطع، فصليت التراويح فى بيتي أنا وزوجتي وأولادي. فهل تصح صلاتي هذه أم لا؟ سؤالي الثاني: لقد صليت ثنتي عشرة ركعة أنا وأسرتي، وكنت أنا الإمام، ولكن صليت بهم سرا وليس جهرا. أفيدونى أفادكم الله؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد للَّه
أولا:
صلاة التراويح في البيت جائزة لا حرج فيها، إلا أن صلاتها جماعة في المسجد أفضل.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
عندما يمر شهر رمضان وحان وقت صلاة التراويح، هل أذهب إلى المسجد أم أصلي في بيتي، وأنا لست إماما ولكن مأموم، وأحب أن أقرأ القرآن، وأفضل قراءتي عن استماعي، وإذا صليت في بيتي هل فيه ذنب علي، نقصد صلاة التراويح فقط؟
فأجابوا:
"لا حرج عليك في صلاتها في البيت لكونها نافلة، لكن صلاتها مع الإمام في المسجد أفضل، تأسِّياً بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه لما صلى بهم التراويح في بعض الليالي إلى ثلث الليل وقال له بعضهم: لو نَفَّلتَنا بقيةَ ليلتنا: (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب الله له قيام ليلته) رواه أحمد (5/159) وأصحاب السنن بإسناد حسن من حديث أبي ذر رضي الله عنه " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (7/201-202) .
ثانيا:
الأصل في صلاة التراويح أنها من الصلوات الجهرية لما ثبت عن الصحابة رضوان الله عليهم في صلاتها زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث كان أبي بن كعب وغيره يقومون بالناس فيطيلون القراءة.
ولكن الجهر في الصلاة الجهرية، والإسرار في الصلاة السرية بالنسبة للإمام هو من مندوبات الصلاة، وليس من واجباتها، كما هو مذهب جمهور أهل العلم من المالكية والشافعية والحنابلة.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (16/188) :
" يرى جمهور الفقهاء أنّ الجهر فيما يجهر به والإخفات فيما يخافت فيه سنّة من سنن الصّلاة، وذهب الحنفيّة إلى أنّه يجب الجهر فيما يجهر به والمخافتة فيما يخافت فيه " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "نور على الدرب" (الصلاة/218) :
" الجهر بالقراءة في الصلاة الجهرية ليس على سبيل الوجوب، بل هو على سبيل الأفضلية، فلو أن الإنسان قرأ سرّاً فيما يشرع فيه الجهر لم تكن صلاته باطلة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن) ولم يقيد هذه القراءة بكونها جهراً أو سراً، فإذا قرأ الإنسان ما تجب قراءته سرّاً أو جهراً فقد أتى بالواجب، لكن الأفضل فيما يسن فيه الجهر كالركعتين الأوليين من صلاتي المغرب والعشاء وكصلاة الفجر وصلاة الجمعة وصلاة العيد وصلاة الاستسقاء وصلاة التراويح وما أشبه ذلك مما هو معروف، ولو تعمد الإنسان وهو إمام أن لا يجهر فصلاته صحيحة، لكنها ناقصة، أما المنفرد إذا صلى صلاة جهرية فإنه يخير بين الجهر والإسرار، وينظر ما هو أنشط له وأقرب إلى الخشوع فيقوم به " انتهى
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء" (6/392) :
"ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجهر بالقراءة في ركعتي الصبح، وفي الأوليين من صلاة المغرب وصلاة العشاء، فكان الجهر في ذلك سنة، والمشروع في حق أمته أن تقتدي به لقوله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) الأحزاب/21، ولما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (صَلُّوا كَمَا رَأَيتُمُونِي أُصَلِّي) .
وإن أسر في موضع الجهر كان تاركا للسنة، ولا تبطل صلاته بذلك " انتهى.
والخلاصة: أن صلاتك صحيحة ولا شيء عليك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3427)
إحياء ليلة القدر وحكم الاحتفال بها
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يكون إحياء ليلة القدر؛ أبالصلاة أم بقراءة القرآن والسيرة النبوية والوعظ والإرشاد والاحتفال لذلك في المسجد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر من رمضان ما لا يجتهد في غيرها بالصلاة والقراءة والدعاء، فروى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم: (كان إذا دخل العشر الأواخر أحيا الليل وأيقظ أهله وشد المئزر) . ولأحمد ومسلم: (كان يجتهد في العشر الأواخر مالا يجتهد في غيرها) .
ثانياً:
حث النبي صلى الله عليه وسلم على قيام ليلة القدر إيماناً واحتساباً، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) . رواه الجماعة إلا ابن ماجه، وهذا الحديث يدل على مشروعية إحيائها بالقيام.
ثالثاً:
من أفضل الأدعية التي تقال في ليلة القدر ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها، فروى الترمذي وصححه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (قلت: يا رسول الله، أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها؟) قال: (قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني) .
رابعاً:
أما تخصيص ليلة من رمضان بأنها ليلة القدر فهذا يحتاج إلى دليل يعينها دون غيرها، ولكن أوتار العشر الأواخر أحرى من غيرها والليلة السابعة والعشرون هي أحرى الليالي بليلة القدر؛ لما جاء في ذلك من الأحاديث الدالة على ما ذكرنا.
خامساً:
وأما البدع فغير جائزة لا في رمضان ولا في غيره، فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) وفي رواية: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) .
فما يفعل في بعض ليالي رمضان من الاحتفالات لا نعلم له أصلا، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها.
وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة (10/413) .(5/3428)
هل للمأموم أن يقرأ من المصحف خلف إمامه بغير قراءة الإمام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أصلي مقتدياً خلف الإمام في صلاة التراويح، ولكن بعد تأمينه وقراءتي الفاتحة أقرأ من مصحف في يدي من ختمتي الخاصة، ثم أتابع الإمام في سائر الصلاة، فهل يجوز قراءتي بعد الفاتحة من مصحفي مع العلم أني أقرأ بسورة مختلفة عما يقرأ الإمام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الواجب على المأموم أن يقرأ الفاتحة ثم ينصت لقراءة إمامه، ولا يجوز له أن يقرأ زيادة على الفاتحة، سواء قرأها من حفظه أم من مصحف.
فقد أمرَ الله تعالى المصلِّين وغيرهم أن يستمعوا وينصتوا إذا قُرِئ عليهم القرآن، فقال تعالى: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) الأعراف/204.
وهكذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم، فعَنْ أَبِي موسى الأشعري رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا) رواه مسلم (404) .
ولا يُستثنَى من هذا إلا قراءة الفاتحة فقط.
فعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلاةِ الْفَجْرِ، فَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَثَقُلَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: (لَعَلَّكُمْ تَقْرَءُونَ خَلْفَ إِمَامِكُمْ؟) قُلْنَا: نَعَمْ، هَذًّا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: (لا تَفْعَلُوا إِلا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، فَإِنَّهُ لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا) رواه أبو داود (823) وصححه الشيخ ابن باز في "فتاواه" (11/221) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
" لا يجوز للمأموم في الصلاة الجهرية أن يقرأ زيادة على الفاتحة بل الواجب عليه بعد ذلك الإنصات لقراءة الإمام لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لَعَلَّكُمْ تَقْرَءُونَ خَلْفَ إِمَامِكُمْ) قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: (لا تَفْعَلُوا إِلا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُ لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا) ، ولقول الله سبحانه: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) وقوله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا) .
وإنما يستثنى من ذلك قراءة الفاتحة فقط للحديث السابق ولعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ) متفق على صحته " انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (11 / 234) .
ثانياً:
وقد سبق في جواب السؤال رقم (52876) أنه ينبغي للمأموم ألا يحمل المصحف خلف إمامه، وأن حمله له خلاف السنة، هذا إذا كان سيتابع قراءة إمامه، إما إذا كان سيحمل المصحف ويقرأ غير قراءة الإمام فقد سبق أن ذلك حرام، لأنه لا يجوز للمأموم في الصلاة الجهرية أن يزيد على قراءة الفاتحة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3429)
هل يجوز صلاة الوتر تسع ركعات بتشهدين وسلام واحد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم صلاة التراويح جماعة في المسجد تسع ركعات بتشهد بعد الثامنة، وآخر بعد التاسعة ثم السلام، فإن البعض قالوا إن هذا بدعة؟
أرجو ذكر الحكم بالدليل معضداً بأقوال العلماء المتقدمين والمتأخرين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأفضل في صلاة التراويح أن تُصلى إحدى عشرة ركعة , كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في رمضان وغيره , فيصلي ركعتين ركعتين. . ثم يوتر بثلاث , ولو زاد المصلي عن إحدى عشر أو نقص فلا حرج عليه , وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (9036) .
وأما الصفة المسئول عنها فهي إحدى صفات صلاة الوتر , فعن عائشة رضي الله عنها – وسئلت عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم - فقالت: (إن النبي صلى الله عليه وسلم كان َيُصَلِّي تِسْعَ رَكَعَاتٍ لا يَجْلِسُ فِيهَا إِلا فِي الثَّامِنَةِ فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ , ثُمَّ يَنْهَضُ وَلا يُسَلِّمُ , ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّ التَّاسِعَةَ , ثُمَّ يَقْعُدُ فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ , ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمًا يُسْمِعُنَا) رواه مسلم (746) .
قال ابن القيم – في بيان أنواع قيام ووتر النبي صلى الله عليه وسلم -:
" النوع الخامس: تسع ركعات يسرد منهن ثمانيا لا يجلس في شيء منهن إلا في الثامنة , يجلس يذكر الله تعالى ويحمده ويدعوه ثم ينهض ولا يسلم , ثم يصلي التاسعة ثم يقعد ويتشهد ويسلم ثم يصلي ركعتين جالسا بعدما يسلم " انتهى.
" زاد المعاد " (1 / 317) .
وقد ظن بعض الناس أن هذه الأحاديث معارضة لما ثبت في الصحيحين من قول النبي صلى الله عليه وسلم (صَلاَةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى) وليس الأمر كذلك؛ لأن هذا الحديث وارد في صلاة قيام الليل، والصورة التي ذكرناها والواردة في السؤال إنما هي في صلاة الوتر.
قال ابن القيم رحمه الله بعد أن ساق أحاديث في أنواع وتره صلى الله عليه وسلم -:
" وكلها أحاديث صحاح صريحة لا معارض لها , فَرُدَّتْ هذه بقوله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل مثنى مثنى) وهو حديث صحيح , ولكن الذي قاله هو الذي أوتر بالتسع والسبع والخمس , وسننه كلها حق يصدق بعضها بعضا , فالنبي صلى الله عليه وسلم أجاب السائل له عن صلاة الليل بأنها (مَثْنَى مَثْنَى) ولم يسأله عن الوتر، وأما السبع والخمس والتسع والواحدة: فهي صلاة الوتر، والوتر اسم للواحدة المنفصلة مما قبلها وللخمس والسبع والتسع المتصلة , كالمغرب اسم للثلاث المتصلة , فإن انفصلت الخمس والسبع بسلامين كالإحدى عشرة كان الوتر اسما للركعة المفصولة وحدها , كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (صَلاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى , فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمْ الصُّبْحَ أَوْتَرَ بِوَاحِدَةٍ تُوتِرُ لَهُ مَا صَلَّى) فاتفق فعله صلى الله عليه وسلم وقوله، وصدَّق بعضُه بعضاً " انتهى.
" إعلام الموقعين " (2 / 424، 425) .
وقد سبق في جواب السؤال (52875) بيان أن صلاة الوتر من صلاة الليل , ولكنها تخالفها في الكيفية.
وعلى هذا , فصلاة التراويح لا تصلى تسع ركعات متصلة بتشهدين وسلام واحد , وإنما الذي يُصلى كذلك هو صلاة الوتر.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3430)
القراءة في صلاة التراويح
[السُّؤَالُ]
ـ[إمامنا يقرأ من مواضع متفرقة من القرآن في صلاة التراويح في كل ليلة.
فما حكم اختيار مواضع متفرقة من سور القرآن للتراويح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الأفضل في القراءة في صلاة التراويح أن يختم فيها القرآن مرة، وقد يستدل لذلك بما ثبت في الصحيحين من مدارسة جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم القرآن في رمضان، وعرضه عليه.
قال الشيخ ابن باز (15/325) :
" يمكن أن يفهم من ذلك أن قراءة القرآن كاملة من الإمام على الجماعة في رمضان نوع من هذه المدارسة لأن في هذا إفادة لهم عن جميع القرآن، ولهذا كان الإمام أحمد رحمه الله يحب ممن يؤمهم أن يختم بهم القرآن وهذا من جنس عمل السلف في محبة سماع القرآن كله، ولكن ليس هذا موجبا لأن يعجل ولا يتأنى في قراءته، ولا يتحرى الخشوع والطمأنينة بل تحري هذه الأمور أولى من مراعاة الختمة " انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (11 / 331 – 333) .
وجاء في الموسوعة الفقهية (27/148) :
" ذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ مَا رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إلَى أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَخْتِمَ الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ فِي صَلاةِ التَّرَاوِيحِ لِيَسْمَعَ النَّاسُ جَمِيعَ الْقُرْآنِ فِي تِلْكَ الصَّلاةِ. وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: السُّنَّةُ الْخَتْمُ مَرَّةً , فَلا يَتْرُكُ الإِمَامُ الْخَتْمَ لِكَسَلِ الْقَوْمِ , بَلْ يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ عَشَرَ آيَاتٍ أَوْ نَحْوَهَا , فَيَحْصُلُ بِذَلِكَ الْخَتْمُ (وهذا مبني على أنه سيصلي كل ليلة عشرين ركعة) وَقِيلَ: يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ثَلاثِينَ آيَةً لأَنَّ عُمَرَ رضي الله تعالى عنه أَمَرَ بِذَلِكَ , فَيَقَعُ الْخَتْمُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ فِي رَمَضَانَ. . .
قَالَ الْكَاسَانِيُّ: مَا أَمَرَ بِهِ عُمَرُ رضي الله تعالى عنه هُوَ مِنْ بَابِ الْفَضِيلَةِ , وَهُوَ أَنْ يَخْتِمَ الْقُرْآنَ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ , وَهَذَا فِي زَمَانِهِمْ , وَأَمَّا فِي زَمَانِنَا فَالأَفْضَلُ أَنْ يَقْرَأَ الإِمَامُ عَلَى حَسَبِ حَالِ الْقَوْمِ , فَيَقْرَأُ قَدْرَ مَا لا يُنَفِّرُهُمْ عَنْ الْجَمَاعَةِ ; لأَنَّ تَكْثِيرَ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ تَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ ". انتهى.
وما قاله الكاساني رحمه الله جيد، فعلى الإمام أن يراعي حال المأمومين.
فلا يجوز أن يكون الإمامُ منفِّراً للناس فيطيل بهم الصلاة حتى يشق عليهم، ويظن أنه إن لم يفعل ذلك فقد أساء! بل الصواب له أن يشجِّع الناس على الصلاة ولو بالتخفيف بشرط أن يتم الصلاة.
فلأن يصلي الناس صلاة خفيفة تامَّة خير لهم من ترك الصلاة.
قال أبو داود: سئل أحمد بن حنبل عن الرجل يقرأ القرآن مرتين في رمضان يؤم الناس؟ قال: هذا عندي على قدر نشاط القوم، وإن فيهم العمَّال.
قال ابن رجب الحنبلي: " وكلام الإمام أحمد يدل على أنه يراعي في القراءة حال المأمومين، فلا يشق عليهم، وهذا قاله أيضا غيره من الفقهاء من أصحاب أبي حنيفة وغيرهم ".
" لطائف المعارف " (ص 18) .
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز:
ما رأيكم فيما يفعله بعض الأئمة من تخصيص قدر معين من القرآن لكل ركعة ولكل ليلة؟
فأجاب:
لا أعلم في هذا شيئاً؛ لأن الأمر يرجع إلى اجتهاد الإمام فإذا رأى أن من المصلحة أن يزيد في بعض الليالي أو بعض الركعات لأنه ينشط , ورأى من نفسه قوة في ذلك , ورأى من نفسه تلذذا بالقراءة فزاد بعض الآيات لينتفع وينتفع من خلفه , فإنه إذا حسن صوته وطابت نفسه بالقراءة وخشع فيها ينتفع هو ومن ورائه فإذا زاد بعض الآيات في بعض الركعات أو في بعض الليالي فلا نعلم فيه بأسا، والأمر واسع بحمد الله تعالى.
" فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز " (11 / 335، 336) .
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز – أيضاً -:
هل ينبغي للإمام مراعاة حال الضعفاء من كبار السن ونحوهم في صلاة التراويح؟
فأجاب:
هذا أمر مطلوب في جميع الصلوات، في التراويح وفي الفرائض؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (أيكم أمَّ الناس فليخفف فإن فيهم الضعيف والصغير وذا الحاجة) ، فالإمام يراعي المأمومين ويرفق بهم في قيام رمضان وفي العشر الأخيرة، وليس الناس سواء، فالناس يختلفون، فينبغي له أن يراعي أحوالهم ويشجعهم على المجيء وعلى الحضور فإنه متى أطال عليهم شق عليهم ونفَّرهم من الحضور، فينبغي له أن يراعي ما يشجعهم على الحضور ويرغبهم في الصلاة ولو بالاختصار وعدم التطويل، فصلاة يخشع فيها الناس ويطمئنون فيها ولو قليلا خير من صلاة يحصل فيها عدم الخشوع ويحصل فيها الملل والكسل.
" فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز " (11 / 336، 337) .
ثالثاً:
سبق في جواب السؤال (20043) أن قراءة بعض سورة في الصلاة جائز، غير أن الأفضل قراءة سورة كاملة، لأن هذا هو غالب فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
واستثنى بعض العلماء – كابن الصلاح – صلاة التراويح، فقال: إن قراءة بعض سورة فيها أفضل، حتى يتسنَّى له ختم القرآن فيها.
قال في تحفة المحتاج شرح المنهاج (2/52) :
يُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَحَلَّ كَوْنِ الْبَعْضِ أَفْضَلَ إذَا أَرَادَ الصَّلاةَ بِجَمِيعِ الْقُرْآنِ فِي التَّرَاوِيحِ فَإِنْ لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ فَالسُّورَةُ أَفْضَلُ. انتهى.
وجاء في الموسوعة الفقهية (33/49) :
وَكَرِهَ مَالِكٌ الاقْتِصَارَ عَلَى بَعْضِ السُّورَةِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ. . . .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إلَى أَنَّهُ لا يُكْرَهُ قِرَاءَةُ بَعْضِ السُّورَةِ , لِعُمُومِ قوله تعالى: (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ) ولِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: كَانَ يَقْرَأُ فِي الأُولَى مِنْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ: (قُولُوا آمَنَّا بِاَللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إلَيْنَا) وَفِي الثَّانِيَةِ قوله تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ) . لَكِنْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ السُّورَةَ الْكَامِلَةَ أَفْضَلُ مِنْ قَدْرِهَا مِنْ طَوِيلَةٍ. . . وَمَحَلُّهُ فِي غَيْرِ التَّرَاوِيحِ , أَمَّا فِيهَا فَقِرَاءَةُ بَعْضِ الطَّوِيلَةِ أَفْضَلُ , وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ السُّنَّةَ فِيهَا الْقِيَامُ بِجَمِيعِ الْقُرْآنِ. انتهى باختصار.
والخلاصة: ما دام إمامكم لن يختم القرآن في صلاة التراويح، فقراءته من مواضع متفرقة من القرآن الكريم جائزة من غير كراهة، وإن كان الأكمل أن يقرأ سورة كاملة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3431)
قراءة دعاء الاستفتاح في صلاة التراويح
[السُّؤَالُ]
ـ[هل نقرأ دعاء الاستفتاح في أول كل ركعتين من صلاة التراويح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم. يُشرع لك قراءة دعاء الاستفتاح في أول كل ركعتين من صلاة التراويح، وغيرها من صلاة النافلة، لعموم الأدلة.
ومما ورد من الأدعية في استفتاحات قيام الليل خاصة ما يلي:
لا إله إلا الله (ثلاثاً) ، الله أكبر (ثلاثاً)
" الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً " استفتح به رجل من الصحابة فقال صلى الله عليه وسلم: (عجبت لها فتحت لها أبواب السماء)
" الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه " استفتح به رجل آخر فقال صلى الله عليه وسلم: (لقد رأيت اثني عشر ملكاً يبتدرونها أيهم يرفعها)
" اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ مَلِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ الْحَقُّ، وَوَعْدُكَ حَقٌّ، وَقَوْلُكَ حَقٌّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ، وَمُحَمَّدٌ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، أنت ربنا وإليك المصير، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ، وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ، وَمَا أَعْلَنْتُ، وما أنت أعلم به مني، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ، وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، أنت إلهي، لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ، ولا حول ولا قوة إلا بك)
" اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ "
كَانَ يُكَبِّرُ عَشْرًا، ويحمد عشراً، وَيُسَبِّحُ عَشْرًا، وَيُهَلِّلُ عَشْرًا، وَيَسْتَغْفِرُ عَشْرًا، وَيَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، وَاهْدِنِي، وَارْزُقْنِي، وعافني، عَشْرًا، وَيَقُولُ: " اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الضِّيقِ يَوْمَ الْحِسَابِ عَشْرًا "
" اللَّهُ أَكْبَرُ ثَلاثًا ذُو الْمَلَكُوتِ وَالْجَبَرُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ "
انظر صفة صلاة النبي للألباني ص (94-95) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3432)
هل يصلي خلف من يصلي الوتر ثلاثاً بتشهدين وسلام ويقنتون قبل الركوع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[في المركز الإسلامي الذي أصلي فيه يتبعون المذهب الحنفي حيث يصلون الوتر ثلاث ركعات يفصل بينهما التشهد في الركعة الثانية ولا يسلمون ويقومون للركعة الثالثة ثم بعد قراءة الفاتحة وسورة يكبرون ولا يركعون بل يأتون بدعاء التهجد سرّاً ثم يكبرون ثانية للركوع فهل هذا صحيح؟ وإن كان لا فماذا نفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ما فعله الإمام والمصلون من صلاة الوتر ثلاث ركعات بتشهدين وسلام واحد، ومن القنوت قبل الركوع هما من مسائل الخلاف المشهورة بين الحنفية وبين جمهور العلماء، وصلاة الوتر بتلك الطريقة لا تخلو من كراهة، فالوتر بثلاث ركعات له صفتان كلتاهما مشروعة وهما:
الأولى: أن يسرد الثلاث بتشهد واحد وتسليم واحد.
والثانية: أن يصلي ركعتين ثم يسلم ثم يوتر بواحدة.
وتجد تفصيل هاتين الصورتين بأدلتهما في جواب السؤال رقم (46544) فلينظر.
وصلاة ثلاث ركعات بتشهدين وسلام ورد فيها نهي أقل أحواله الكراهة، وقد سبق ذكر فتاوى العلماء في المنع منها في جواب السؤال رقم: (72246) و (26844) فلينظرا.
وأما القنوت قبل الركوع: فقد ورد في السنَّة الصحيحة ما يدل عليه، ولمن قال بالقنوت بعد الركوع دليل أيضاً، فليس في الأمر ما يسوِّغ الإنكار فضلاً عن المخالفة، فضلاً عما هو أشد وهو ترك الصلاة خلف ذلك الإمام.
وقد سبق ذكر مسألة القنوت في الوتر في جواب السؤال رقم (14093) فلينظر.
ثانياً:
لا بأس أن تصلي خلفهم، ولو كانوا على الصفة التي ذكرتها، لأن ما يفعلونه إنما هو تقليد لإمام مجتهد فلا يسوغ ترك الصلاة خلفهم، ولا الفرقة بينكم، وبخاصة أنكم في ديار كفر، وما تفعلونه يُحسب على الإسلام.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" وتنازعوا (يعني: العلماء) فيما إذا ترك الإمام ما يعتقد المأموم وجوبه مثل أن يترك قراءة البسملة والمأموم يعتقد وجوبها , أو يمس ذكره ولا يتوضأ والمأموم يرى وجوب الوضوء من ذلك , أو يصلي في جلود الميتة المدبوغة والمأموم يرى أن الدباغ لا يطهر , أو يحتجم ولا يتوضأ والمأموم يرى الوضوء من الحجامة، والصحيح المقطوع به: أن صلاة المأموم صحيحة خلف إمامه وإن كان إمامه مخطئاً في نفس الأمر , لما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يصلون لكم , فإن أصابوا فلكم ولهم وإن أخطأوا فلكم وعليهم) .
وكذلك إذا اقتدى المأموم بمن يقنت في الفجر أو الوتر قنت معه سواء قنت قبل الركوع أو بعده , وإن كان لا يقنت لم يقنت معه , ولو كان الإمام يرى استحباب شيء والمأمومون لا يستحبونه فتركه لأجل الاتفاق والائتلاف كان قد أحسن.
مثال ذلك: الوتر، فإن للعلماء فيه ثلاثة أقوال:
أحدهما: أنه لا يكون إلا بثلاث متصلة، كالمغرب، كقول من قاله من أهل العراق.
والثاني: أنه لا يكون إلا ركعة مفصولة عما قبلها كقول من قال ذلك من أهل الحجاز.
والثالث: أن الأمرين جائزان , كما هو ظاهر مذهب الشافعي وأحمد وغيرهما، وهو الصحيح، وإن كان هؤلاء يختارون فصله عما قبله.
فلو كان الإمام يرى الفصل فاختار المأمومون أن يصلي الوتر كالمغرب فوافقهم على ذلك تأليفاً لقلوبهم كان قد أحسن , كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة: (لولا أن قومَك حديثو عهد بجاهلية لنقضت الكعبة ولألصقتها بالأرض , ولجعلت لها بابين باباً يدخل الناس منه وباباً يخرجون منه) فترك الأفضل عنده لئلا ينفر الناس " انتهى.
" الفتاوى الكبرى " (2 / 476) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3433)
هل يجتمعن في بيت إحداهن لأداء صلاة التراويح؟
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن في قرية لا يوجد فيها نساء يذهبن إلى الجامع , والجامع أيضاً لا يوجد فيه مكان مخصص للنساء , فهل يجوز لمجموعة من النساء التجمع في أحد المنازل لصلاة التراويح لوحدهن في جماعة؟ وإن جاز فهل الصلاة تكون سرية أو ماذا؟ وكيف يمكن لهن الصلاة في جماعة إذا كانت الصلاة جهرية كالصبح أو العشاء وكانت إحداهن إماماً فهل تجهر بالقراءة أو لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يجوز للنساء أن يجتمعن لأداء صلاة التراويح في بيت إحداهنَّ بشرط عدم التبرج والزينة في الخروج، وبشرط الأمن وعدم الفتنة.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" ولا بأس بحضور النساء صلاة التراويح إذا أمنت الفتنة، بشرط أن يخرجن محتشمات غير متبرجات بزينة ولا متطيبات " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (14/السؤال رقم 808) .
والأفضل لهن أن تصلي كل واحدة منهن في بيتها، بل في قعر بيتها، وقد نصَّ النبي صلى الله عليه وسلم على أن صلاة النساء للفرض في بيوتهن خير لهنَّ من الصلاة في المساجد، فأولى أن تكون النافلة مثله.
عن أم سلمة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خَيْرُ مَسَاجِدِ النِّسَاءِ قَعْرُ بُيُوتِهِنَّ) . رواه أحمد (26002) وحسَّنه الألباني في "صحيح الترغيب" (341) .
بل إن صلاة المرأة في بيتها خير من صلاة جماعة في المسجد الحرام أو النبوي خلف النبي صلى الله عليه وسلم.
عَنْ أُمِّ حُمَيْدٍ امْرَأَةِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنهما أَنَّهَا جَاءَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُحِبُّ الصَّلاةَ مَعَكَ. قَالَ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكِ تُحِبِّينَ الصَّلاةَ مَعِي، وَصَلاتُكِ فِي بَيْتِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي حُجْرَتِكِ، وَصَلاتُكِ فِي حُجْرَتِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلاتِكِ فِي دَارِكِ، وَصَلاتُكِ فِي دَارِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ، وَصَلاتُكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي مَسْجِدِي. قَالَ: فَأَمَرَتْ، فَبُنِيَ لَهَا مَسْجِدٌ فِي أَقْصَى شَيْءٍ مِنْ بَيْتِهَا وَأَظْلَمِهِ، فَكَانَتْ تُصَلِّي فِيهِ حَتَّى لَقِيَتْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ. رواه أحمد (26550) وصححه ابن خزيمة (1689) ، وحسَّنه الألباني في "صحيح الترغيب" (340) .
والحديث بوَّب عليه الإمام ابن خزيمة بقوله: باب اختيار صلاة المرأة في حجرتها على صلاتها في دارها، وصلاتها في مسجد قومها على صلاتها في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وإن كانت صلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم تعدل ألف صلاة في غيرها من المساجد، والدليل على أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: " صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد " أراد به صلاة الرجال دون صلاة النساء.
وقال الشيخ عبد العظيم آبادي رحمه الله:
ووجه كون صلاتهن في البيوت أفضل للأمن من الفتنة، ويتأكد ذلك بعد وجود ما أحدث النساء من التبرج والزينة. " عون المعبود " (2 / 193) .
ثانياً:
إذا اجتمعت النساء في بيتٍ وفق الشروط السابقة جاز أن يصلين جماعة، وتقف إمامتهن في وسطهن ولا تتقدّم عليهن، ولا تؤم الرجال ولو كانوا من محارمها، وتجهر بصلاتها كما يجهر الرجل في الصلوات الجهرية، على أن لا تُسمع صوتها الرجال إلا أن يكونوا من محارمها.
عن أم ورقة بنت عبد الله بن نوفل الأنصارية أنها استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم أن تتخذ في دارها مؤذنا فأذن لها ... وأمرها أن تؤم أهل دارها. رواه أبو داود (591) وحسنة الشيخ الألباني في " إرواء الغليل " (493) .
وعن عائشة أنها كانت تؤذن وتقيم وتؤم النساء وتقف وسطهن.
وعن عائشة أنها أمت نسوة في المكتوبة فأمتهن بينهن وسطاً.
وعَنْ حُجَيْرَة بنت حصين قَالَتْ: أَمَّتْنَا أُمُّ سَلَمَةَ قَائِمَةً وَسَطَ النِّسَاءِ.
وعن أم الحسن أنها رأت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تؤم النساء تقوم معهن في صفهن.
قال الشيخ الألباني رحمه الله بعد تخريج تلك الآثار:
وبالجملة فهذه الآثار صالحة للعمل بها ولاسيما وهي مؤيدة بعموم قوله صلى الله عليه وسلم: " إنما النساء شقائق الرجال " ... .
" صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم " (ص 153 – 155) باختصار.
وقال ابن قدامة رحمه الله:
وتجهر في صلاة الجهر، وإن كان ثَمَّ (أي هناك) رجالٌ: لا تجهر، إلا أن يكونوا من محارمها، فلا بأس. " المغني " (2 / 17) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3434)
يترك صلاة الجماعة بسبب العمل
[السُّؤَالُ]
ـ[والدي أحياناً لا يذهب إلى صلاة الفجر والتراويح بسبب الضغط الشديد في عمله، فهل هذا يجوز أم لا؟ مع العلم أن والدي - في العادة - في رمضان لا يترك صلاة التراويح إلا إذا كان مريضاً، وهو متدين أيضاً - والحمد لله - ولكن الآن من ضغط عمله فلا يذهب أحياناً إلى الصلاة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الصلاة في الجماعة واجبة في جميع الأوقات لقول الله تعالى: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ) النساء/102. فأوجب سبحانه تعالى الصلاة في الجماعة في حال الحرب، فكيف بحال السلم؟
وروى البخاري (608) ومسلم (1040) أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لقد هممت أن آمر بحطب فيحتطب ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها ثم آمر رجلاً فيؤمَّ ثم أخالف إلى رجال لا يشهدون الصلاة فأُحرق عليهم بيوتهم) ، وفي صحيح مسلم (1044) (أن رجلاً أعمى جاء إلى النبي فقال: يا رسول الله ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله أن يرخص له في بيته، فرخَّص له فلما ولَّى دعاه فقال: هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم. قال: فأجب) ، فينبغي للمسلم أن يحافظ على الصلاة في الجماعة في جميع الأوقات وأن لا يشغله عنها شاغل من شواغل الدنيا.
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) المنافقون/9، فعليك أن تنصحي والدك وتذكريه بهذه الأدلة الصحيحة بالحكمة والموعظة الحسنة.
وهذا الحكم هو لصلاة الجماعة في الصلوات الخمس، أما التراويح فأمرها أيسر من ذلك، فيجوز للمسلم أن يصليها في بيته، وإن كان الأفضل أن يصليها جماعة في المسجد.
ولا يجوز للمسلم أن يرهق نفسه في أعمال الدنيا على حساب عبادته وصلاته، وقد وصف الله تعالى المؤمنين أنهم لا تلهيهم تجارتهم ولا بيعهم عن ذِكر الله وإقام الصلاة فقال تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآَصَالِ. رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ. لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) النور/36–38.
وفي ختم الآيات بقوله تعالى (وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) إشارة إلى أمر ينبغي التفطن له لمن بذل وقته في التجارة والعمل على حساب طاعته لربه، وهو أن الرزق بيد الله يرزقه من يشاء بغير حساب، وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فقال: (أيها الناس، اتقوا الله وأجملوا في الطلب، فإن نفسا لن تموت حتى تستوفي رزقها، وإن أبطأ عنها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب خذوا ما حل ودعوا ما حرم) رواه ابن ماجه (2144) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وصححه الشيخ الألباني في " صحيح الترغيب " (1698) .
فلا مانع من بذل الأسباب في الرزق لكن ينبغي على المسلم أن لا يبالغ في العمل فيبذل له وقته كله على حساب طاعته وصحته وتربية أبنائه، وعليه أن يسدد ويقارب.
فنرجو أن يقف والدك على ما قلناه ويتأمله حق التأمل، ونسأل الله تعالى أن يهديه لأحسن الأقوال والأفعال والأخلاق، وأن يرزقه رزقا حسناً طيبا مباركاً فيه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3435)
تريد أن تتهجد آخر الليل فهل توتر مع الإمام في التروايح؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة مسلمة أحافظ على أداء صلاة التراويح. وفي الغالب إذا لم أذهب إلى الصلاة في المسجد فإن أخي الذي يصغرني سناً لا يذهب أيضاً. وإذا ذهبنا إلى المسجد نصلي الوتر مع الإمام. وقد اعتدت على الاستيقاظ في جوف الليل لصلاة التهجد وقراءة القرآن، ولكني بعد صلاة الوتر لا أستطيع أن أصلي صلاة التهجد. فما هو الخيار الأفضل بالنسبة لي؟ أداء صلاة التراويح في المسجد حتى يصلي أخي في المسجد أم البقاء في البيت لأصلي صلاة التهجد في جوف الليل؟ أيهما أكثر أجراً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ذهابك للمسجد، وحضورك التروايح مع الجماعة، ولقاؤك بأخواتك المسلمات، كل ذلك خير وهدى والحمد لله. وكونك تعينين أخاك على هذا الخير، طاعة أخرى تضاف لذلك.
ولا تعارض بين هذا وبين تهجدك آخر الليل، فبإمكانك أن تجمعي بين هذه الفضائل كلها.
وذلك بأحد أمرين:
الأول: أن توتري مع الإمام، ثم إذا تيسر لك التهجد بعد ذلك، فصلِّ ما كتب الله لك ركعتين ركعتين، دون أن تعيدي صلاة الوتر مرة أخرى، لأنه لا وتران في ليلة.
الثاني: أن تؤخري الوتر إلى آخر الليل، فإذا سلم الإمام من صلاة الوتر فإنك لا تسلمين معه، بل تقومين وتزيدين ركعة، ليكون وترك آخر الليل.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: بعض الناس إذا صلى مع الإمام الوتر وسلم الإمام قام وأتى بركعة ليكون وتره آخر الليل، فما حكم هذا العمل؟ وهل يعتبر انصرف مع الإمام؟
فأجاب:
" لا نعلم في هذا بأساً، نص عليه العلماء، ولا حرج فيه حتى يكون وتره في آخر الليل. ويصدق عليه أنه قام مع الإمام حتى ينصرف، لأنه قام معه حتى انصرف الإمام وزاد ركعة لمصلحة شرعية حتى يكون وتره آخر الليل فلا بأس بهذا، ولا يخرج به عن كونه ما قام مع الإمام، بل هو قام مع الإمام حتى انصرف لكنه لم ينصرف معه، بل تأخر قليلا " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (11/312) .
وسئل الشيخ ابن جبرين حفظه الله سؤالا مشابها، فأجاب:
" يفضّل في حق المأموم متابعة الإمام حتى ينصرف من التراويح والوتر؛ ليصدق عليه أنه صلى مع الإمام حتى انصرف، فيكتب له قيام ليلة، وكما فعله الإمام أحمد وغيره من العلماء.
وعلى هذا فإن أوتر معه وانصرف معه، فلا حاجة إلى الوتر آخر الليل، فإن استيقظ آخر الليل صلى ما كُتب له شفعا (أي ركعتين ركعتين) ولا يعيد الوتر، فإنه لا وتران في ليلة ...
وفضّل بعض العلماء أن يشفع الوتر مع الإمام (أي يزيد ركعة) ، بأن يقوم بعد سلام الإمام فيصلي ركعة ثم يسلم، ويجعل وتره آخر تهجده؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمْ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى) ، وكذا قوله: (اجْعَلُوا آخِرَ صَلاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا) " انتهى نقلا عن "فتاوى رمضان" (ص 826) .
وأفتت اللجنة الدائمة بأن هذا الأمر الثاني: حسن.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (7/207) .
نسأل الله لك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3436)
صلاة التراويح قبل العشاء
[السُّؤَالُ]
ـ[صليت صلاة القيام في المسجد وبعدها نوى لصلاة الوتر ثلاث ركعات دون الشفع، وأنا كنت أتيت متأخرة ففاتني صلاة العشاء.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صلاة القيام والوتر لا تصلَّيان إلا بعد صلاة العشاء، فكان ينبغي أن تصلِّي العشاء أولاً ثم تصلي القيام والوتر بعد ذلك.
قال النووي في "المجموع" (3/526) :
" يدخل وقت التراويح بالفراغ من صلاة العشاء، ذكره البغوي وغيره، ويبقى إلى طلوع الفجر " انتهى.
وقال في "الإنصاف" (4/166) :
" وأول وقتها – يعني التراويح – بعد صلاة العشاء وسنتها على الصحيح من المذهب، وعليه الجمهور، وعليه العمل " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين:
" وقتها – يعني التراويح – من بعد صلاة العشاء، إلى طلوع الفجر " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (14/210) .
وعلى هذا، فماذا يفعل من أتى المسجد متأخراً وقد انصرف الإمام من صلاة العشاء وشرع في صلاة التراويح؟
الصحيح أنه يدخل مع الإمام بنية العشاء، ويقوم ليتم صلاته (أربع ركعات) بعد سلام الإمام، ثم يدخل معه فيما بقي من صلاة التراويح.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" لا بأس أن يصلي العشاء خلف من يصلي التراويح، وقد نص الإمام أحمد رحمه الله على أن الرجل إذا دخل المسجد في رمضان وهم يصلون التراويح فإنه يصلي خلف الإمام بنية العشاء، فإذا سلم الإمام من الصلاة أتى بما بقي عليه من صلاة العشاء " انتهى بتصرف من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (12/443، 445) .
وانظر جواب السؤال رقم (37829) ففيه المزيد حول صلاة التراويح قبل العشاء.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3437)
هل يكرر السورة نفسها في الصلاة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لا أحفظ الكثير من سور القرآن لأني لا أزال أتعلم، فهل يجوز أن أعيد قراءة نفس السور في صلاة التراويح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في إعادة قراءة نفس السورة في صلاة التراويح، أو غيرها من الصلوات، فيقرأ سورة في الركعة الأولى، ثم يعيد السورة نفسها في الركعة الثانية. ودليل ذلك عموم قول الله تعالى: (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) المزمل/20.
وروى أبو داود (816) عَنْ مُعَاذِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجُهَنِيِّ أَنَّ رَجُلا مِنْ جُهَيْنَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ: (إِذَا زُلْزِلَتْ الأَرْضُ) فِي الرَّكْعَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا. فَلا أَدْرِي أَنَسِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْ قَرَأَ ذَلِكَ عَمْدًا؟ حسنه الألباني في صحيح أبي داود.
قال عبد العظيم آبادي:
تردد الصحابي في أن إعادة النبي صلى الله عليه وسلم للسورة هل كان نسيانا لكون المعتاد من قراءته أن يقرأ في الركعة الثانية غير ما قرأ به في الأولى فلا يكون مشروعا لأمته أو فعله عمد البيان الجواز؟ فتكون الإعادة مترددة بين المشروعية وعدمها وإذا دار الأمر بين أن يكون مشروعا أو غير مشروع فحمل فعله صلى الله عليه وسلم على المشروعية أولى لأن الأصل في أفعاله التشريع والنسيان على خلاف الأصل. " عون المعبود " (3 / 23) .
بل لا حرج أن يكرر السورة نفسها أو الآية نفسها في الركعة الواحدة.
روى النسائي (1010) وابن ماجه (1350) عن أَبي ذَرٍّ رضي الله عنه قال: قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِآيَةٍ حَتَّى أَصْبَحَ يُرَدِّدُهَا، وَالآيَةُ: (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) حسنه الألباني في صحيح النسائي.
وروى البخاري (5014) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَجُلا سَمِعَ رَجُلا يَقْرَأُ: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) يُرَدِّدُهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، وَكَأَنَّ الرَّجُلَ يَتَقَالُّهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ) .
وفي رواية: (أَنَّ رَجُلا قَامَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ مِنْ السَّحَرِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ لا يَزِيدُ عَلَيْهَا) .
فأقره الرسول صلى الله عليه وسلم على تكرار السورة نفسها.
قال الحافظ:
" الْقَارِئ هُوَ قَتَادَةُ بْن النُّعْمَان , أَخْرَجَ أَحْمَد مِنْ طَرِيق أَبِي الْهَيْثَم عَنْ أَبِي سَعِيد قَالَ: (بَاتَ قَتَادَةُ بْن النُّعْمَان يَقْرَأ مِنْ اللَّيْل كُلّه قُلْ هُوَ اللَّه أَحَد لا يَزِيد عَلَيْهَا) الْحَدِيث. . . وَقَدْ أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيق إِسْحَاق بْن الطَّبَّاع عَنْ مَالِك فِي هَذَا الْحَدِيث بِلَفْظِ: (إِنَّ لِي جَارًا يَقُوم بِاللَّيْلِ فَمَا يَقْرَأ إِلا بـ قُلْ هُوَ اللَّه أَحَد) " انتهى.
ونسأل الله أن يوفقك لحفظ كتابه، والعمل بما فيه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3438)
هل تصلَّى التراويح مفردة أم جماعة؟ وهل ختم القرآن في رمضان بدعة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت أنه من المندوب إليه أن يؤدي المسلم التراويح مفردة كما صلاها النبي صلى الله عليه وسلم بمفرده عدا 3 مرات، هل هذا صحيح؟
كما أني سمعت أن من البدعة قراءة القرآن كاملا في التراويح في رمضان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل هذا، فهل هذا صحيح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
تشرع صلاة القيام في رمضان جماعةً، وتشرع مفردةً، وفعلها جماعةً أفضل من فعلها منفرداً، فقد صلاها النبي صلى الله عليه بأصحابه جماعةً عدة ليالٍ.
فقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه ليالٍ، ولما كانت الثالثة أو الرابعة لَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ: (لَمْ يَمْنَعْنِي مِنْ الْخُرُوجِ إِلَيْكُمْ إِلا أَنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ) . رواه البخاري (1129) ، وفي لفظ مسلم (761) (وَلَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ صَلاةُ اللَّيْلِ فَتَعْجِزُوا عَنْهَا) .
فثبتت الجماعة في التراويح بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم المانع من الاستمرار في صلاتها جماعة، وهو خوف أن تُفرض، وهذا الخوف قد زال بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، لأنه لما مات صلى الله عليه وسلم انقطع الوحي فأمن من فرضيتها، فلما زالت العلة وهو خوف الفريضة بانقطاع الوحي، فحينئذ تعود السنية لها.
انظر " الشرح الممتع " للشيخ ابن عثيمين (4 / 78) .
قال الإمام ابن عبد البر – رحمه الله -:
وفيه: أن قيام رمضان سنة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم، مندوب إليها، مرغوب فيها، ولم يسن منها عمر بن الخطاب إذ أحياها إلا ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبه ويرضاه، ولم يمنع من المواظبة عليه إلا خشية أن يفرض على أمته، وكان بالمؤمنين رؤوفا رحيما - صلى الله عليه وسلم -، فلما علم ذلك عمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلم أن الفرائض لا يزاد فيها ولا ينقص منها بعد موته عليه الصلاة والسلام: أقامها للناس وأحياها وأمر بها، وذلك سنة أربع عشرة من الهجرة، وذلك شيء ادخره الله له وفضَّله به.
"التمهيد " (8 / 108، 109) .
وقد صلاها الصحابة رضي الله عنهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم جماعات وأفراداً حتى جمعهم عمر رضي الله عنه على إمام واحد.
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ، يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ، وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلاتِهِ الرَّهْطُ، فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي أَرَى لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلاءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ، ثُمَّ عَزَمَ فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلاةِ قَارِئِهِمْ، قَالَ عُمَرُ: نِعْمَ الْبِدْعَةُ هَذِهِ، وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنْ الَّتِي يَقُومُونَ - يُرِيدُ آخِرَ اللَّيْلِ - وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ. رواه البخاري (1906) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - في معرض رده على الذين يحتجون بقول عمر: " نعمت البدعة " على تجويز البدع -:
أما قيام رمضان فإن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سنَّه لأمَّته، وصلَّى بهم جماعة عدة ليالٍ، وكانوا على عهده يصلون جماعة وفرادى، لكن لم يداوموا على جماعة واحدة؛ لئلا تفرض عليهم، فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم استقرت الشريعة، فلما كان عمر رضي الله عنه جمعهم على إمامٍ واحدٍ، وهو أُبي بن كعب الذي جمع الناس عليها بأمر من عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعمر رضي الله عنه هو من الخلفاء الراشدين، حيث يقول صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ " يعنى الأضراس؛ لأنها أعظم في القوة، وهذا الذي فعله هو سنة لكنه قال " نعمت البدعة هذه "، فإنها بدعة في اللغة لكونهم فعلوا ما لم يكونوا يفعلونه في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني: من الاجتماع على مثل هذه، وهي سنة من الشريعة ". " مجموع الفتاوى " (22 / 234، 235) .
وللمزيد: راجع السؤال (21740) ، (45781)
ثانياً:
ختم القرآن في رمضان في الصلاة وخارجها أمر محمود لصاحبه، وقد كان جبريل عليه السلام يدارس القرآن مع النبي صلى الله عليه وسلم في كل رمضان، فلما كان العام الذي توفي فيه دارسه إياه مرتين.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (66504) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3439)
هل في السنة دعاء بعد ختم القرآن؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو منكم إرسال دعاء ختم القرآن الكريم كما ورد في السنة النبوية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس في السنة النبوية دعاء خاص بعد ختم القرآن الكريم، ولا حتى عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أو الأئمة المشهورين، ومن أشهر ما ينسب في هذا الباب الدعاء المكتوب في آخر كثير من المصاحف منسوباً لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ولا أصل له عنه.
انظر: "فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (14/226) .
والدعاء بعد ختم القرآن إما أن يكون بعد ختمه في الصلاة، أو خارجها، ولا أصل للدعاء بعد الختمة في الصلاة، وأما خارجها فقد ورد فعله عن أنس رضي الله عنه.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم دعاء ختم القرآن في قيام الليل في شهر رمضان؟ فأجاب:
" لا أعلم في ختمة القرآن في قيام الليل في شهر رمضان سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن الصحابة أيضا، وغاية ما ورد في ذلك أن أنس بن مالك رضي الله عنه كان إذا ختم القرآن جمع أهله ودعا. وهذا في غير الصلاة " انتهى.
"فتاوى أركان الإسلام" (ص 354) .
وللشيخ بكر أبو زيد رسالة نافعة في هذه المسألة، ومما جاء في خاتمتها:
من مجموع السياقات في الفصلين السالفين نأتي إلى الخاتمة في مقامين:
المقام الأول: في مطلق الدعاء لختم القرآن:
والمتحصل في هذا ما يلي:
أولاً:
أن ما تقدم مرفوعا وهو في مطلق الدعاء لختم القرآن:
لا يثبت منه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم , بل هو إما موضوع أو ضعيف لا ينجبر،
ويكاد يحصل القطع بعدم وجود ما هو معتمد في الباب مرفوعاً؛ لأن العلماء الجامعين الذين كتبوا في علوم القرآن وأذكاره أمثال: النووي , وابن كثير , والقرطبي , والسيوطي , لم تخرج سياقاتهم عن بعض ما ذكر، فلو كان لديهم في ذلك ما هو أعلى إسناداً لذكروه.
ثانياً:
أنه قد صح من فعل أنس بن مالك رضي الله عنه الدعاء عند ختم القرآن، وجمع أهله وولده لذلك , وأنه قد قفاه (أي: تابعه) على ذلك جماعة من التابعين , كما في أثر مجاهد بن جبر رحمهم الله تعالى أجمعين.
ثالثاً:
أنه لم يتحصل الوقوف على شيء في مشروعية ذلك في منصوص الإمامين: أبي حنيفة والشافعي رحمهما الله تعالى.
وأن المروي عن الإمام مالك رحمه الله: أنه ليس من عمل الناس، وأن الختم ليس سنة للقيام في رمضان.
رابعاً:
أن استحباب الدعاء عقب الختم , هو في المروي عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى , كما ينقله علماؤنا الحنابلة , وقرره بعض متأخري المذاهب الثلاثة.
المقام الثاني: في دعاء الختم في الصلاة:
وخلاصته فيما يلي:
أولاً:
أنه ليس فيما تقدم من المروي حرف واحد عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن أحد من صحابته رضي الله عنهم يفيد مشروعية الدعاء في الصلاة بعد الختم قبل الركوع أو بعده لإمام أو منفرد.
ثانياً:
أن نهاية ما في الباب هو ما يذكره علماء المذهب من الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى في رواية حنبل والفضل والحربي عنه - والتي لم نقف على أسانيدها -: من جعل دعاء الختم في صلاة التراويح قبل الركوع.
وفي رواية عنه - لا يعرف مخرجها -: أنه سهل فيه في دعاء الوتر ...
انظر: " مرويات دعاء ختم القرآن ".
وانظر جواب السؤال رقم (12949) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3440)
هل لا بد له من إتمام صلاة التراويح مع الإمام حتى يؤجر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد ذكر أحد الأئمة أنه يجب أن تختم صلاة التراويح مع الإمام ولا تتركها في المنتصف لأنه لن تحسب لك ما قمته معه سواء ركعتين أو أربعة، فهل هذا صحيح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أن هذا القول خطأ، ولا يحل لأحدٍ أن ينسب للشرع ما ليس فيه، وقد حرَّم الله تعالى القول عليه بغير علم فقال تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) الأعراف/33.
ومن قام مع إمامه حتى يتم صلاته كُتب له قيام ليلة.
عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَامَ مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ) .
رواه الترمذي (806) وأبو داود (1375) والنسائي (1605) وابن ماجه (1327) . والحديث: صححه الترمذي وابن خزيمة (3/337) وابن حبان (3/340) والألباني في "إرواء الغليل" (447) .
ولا ينال هذا الثواب (وهو أجر قيام ليلة) إلا من قام مع الإمام في صلاتها كلها، حتى يتمها، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم.
أما من صلى مع الإمام ما يتيسر له وانصرف قبل تمام صلاة الإمام فإنه يكتب له ما صلاه فقط، ولا يكتب له قيام ليلة. قال الله تعالى: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه) الزلزلة/7، 8.
فلعل إمامكم أراد أن يقول ذلك فأخطأ في التعبير، أو لعلك لم تنتبه لمراده جيداً.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3441)
هل تختلف صلاة الوتر عن صلاة الليل
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك فرق بين صلاة الوتر وصلاة الليل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صلاة الوتر هي من صلاة الليل، ومع ذلك فهناك فرق بينهما.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله:
" الوتر من صلاة الليل، وهو سنة، وهو ختامها، ركعة واحدة يختم بها صلاة الليل في آخر الليل، أو في وسط الليل، أو في أول الليل بعد صلاة العشاء، يصلي ما تيسر ثم يختم بواحدة " انتهى.
"فتاوى ابن باز" (11/309) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" والسنة قولاً وفعلاً قد فرقت بين صلاة الليل وبين الوتر، وكذلك أهل العلم فرقوا بينهما حكماً، وكيفية:
أما تفريق السنة بينهما قولاً: ففي حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً سال النبي صلى الله عليه وسلم كيف صلاة الليل؟ قال: (مثنى مثنى، فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة) رواه البخاري. وانظر "الفتح" (3/20) .
وأما تفريق السنة بينهما فعلاً: ففي حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وأنا راقدة معترضة على فراشه، فإذا أراد أن يوتر أيقظني فأوتر. رواه البخاري. وانظر: "الفتح" (2/487) ، ورواه مسلم (1/51) بلفظ: (كان يصلي صلاته بالليل وأنا معترضة بين يديه فإذا بقي الوتر أيقظها فأوترت) . وروى (1/508) عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر من ذلك بخمس لا يجلس في شيء إلا في آخرها) . وروى (1/513) عنها حين قال لها سعد بن هشام بن عامر: أنبئيني عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: (ويصلي تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة فيذكر الله ويحمده، ويدعوه، ثم ينهض ولا يسلم، ثم يقوم فيصلي التاسعة، ثم يقعد فيذكر الله، ويحمده، ويدعوه، ثم يسلم تسليماً يسمعنا) .
وأما تفريق العلماء بين الوتر وصلاة الليل حكماً: فإن العلماء اختلفوا في وجوب الوتر، فذهب أبو حنيفة إلى وجوبه، وهو رواية عن أحمد ذكرها في "الإنصاف" و "الفروع"، قال أحمد: من ترك الوتر عمداً فهو رجل سوء ولا ينبغي أن تقبل له شهادة.
والمشهور من المذهب أن الوتر سنة، وهو مذهب مالك؛ والشافعي.
وأما صلاة الليل فليس فيها هذا الخلاف، ففي "فتح الباري" (3/27) : "ولم أر النقل في القول بإيجابه إلا عن بعض التابعين. قال ابن عبد البر: شذ بعض التابعين فأوجب قيام الليل ولو قدر حلب شاة، والذي عليه جماعة العلماء أنه مندوب إليه " انتهى.
وأما تفريق العلماء بين الوتر وصلاة الليل في الكيفية: فقد صرح فقهاؤنا الحنابلة بالتفريق بينهما فقالوا: صلاة الليل مثنى مثنى، وقالوا في الوتر: إن أوتر بخمس، أو سبع لم يجلس إلا في آخرها، وإن أوتر بتسع جلس عقب الثامنة فتشهد، ثم قام قبل أن يسلم فيصلي التاسعة، ثم يتشهد ويسلم، هذا ما قاله صاحب "زاد المستقنع" " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (13/262-264) .
وبهذا يتبين أن صلاة الوتر من صلاة الليل، ولكنها تخالف صلاة الليل في بعض الفروقات، منها: الكيفية.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3442)
حمل المأموم للمصحف في صلاة التراويح
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمأموم في صلاة التراويح أن يمسك بالمصحف خلف الإمام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأفضل له ألا يفعل، ويستمع لقراءة إمامه وينصت لها.
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: ما حكم حمل المأموم للمصحف في صلاة التراويح؟
فأجاب:
" لا أعلم لهذا أصلا، والأظهر أن يخشع ويطمئن ولا يأخذ مصحفا، بل يضع يمينه على شماله كما هي السنة، يضع يده اليمنى على كفه اليسرى الرسغ والساعد ويضعهما على صدره، هذا هو الأرجح والأفضل، وأخذ المصحف يشغله عن هذه السنن، ثم قد يشغل قلبه وبصره في مراجعة الصفحات والآيات وعن سماع الإمام، فالذي أرى أن ترك ذلك هو السنة، وأن يستمع وينصت ولا يستعمل المصحف، فإن كان عنده علم فَتَح على إمامه، وإلا فتح غيره من الناس، ثم لو قدر أن الإمام غلط ولم يُفتح عليه ما ضر ذلك في غير الفاتحة إنما يضر في الفاتحة خاصة؛ لأن الفاتحة ركن لا بد منها أما لو ترك بعض الآيات من غير الفاتحة ما ضره ذلك إذا لم يكن وراءه من ينبهه، ولو كان واحد يحمل المصحف على الإمام عند الحاجة فلعل هذا لا بأس به، أما أن كل واحد يأخذ مصحفا فهذا خلاف السنة " انتهى.
وسئل رحمه الله:
بعض المأمومين يتابعون الإمام في المصحف أثناء قراءته فهل في ذلك حرج؟
فأجاب:
" الذي يظهر لي أنه لا ينبغي هذا، والأولى الإقبال على الصلاة والخشوع، ووضع اليدين على الصدر متدبرين لما يقرأه الإمام، لقول الله عز وجل: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) وقوله سبحانه: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ. الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا) " انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (11 / 340 – 342) .
وانظر جواب السؤال رقم (10067) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3443)
هل من فرق بين صلاة التراويح وصلاة القيام
[السُّؤَالُ]
ـ[وددت لو علمت الفرق بين القيام والتراويح؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صلاة التراويح هي من قيام الليل، وليستا صلاتين مختلفتين كما يظنّه كثير من العوامّ، وإنما سميّ قيام الليل في رمضان بصلاة التراويح لأنّ السّلف رحمهم الله كانوا إذا صلّوها استراحوا بعد كلّ ركعتين أو أربع من اجتهادهم في تطويل صلاة قيام الليل اغتناما لموسم الأجر العظيم وحرصا على الأجر المذكور في قوله صلى الله عليه وسلم: " مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ. " رواه البخاري رقم 36، والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/3444)
ماذا تفعل الحائض ليلة القدر
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا يمكن للحائض أن تفعل في ليلة القدر؟ هل يمكنها أن تزيد من حسناتها بانشغالها بالعبادة؟ إذا كان الجواب "بنعم"، فما هي الأمور التي يمكن أن تفعلها في تلك الليلة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحائض تفعل جميع العبادات إلا الصلاة والصيام والطواف بالكعبة والاعتكاف في المسجد.
وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يحيي الليل في العشر الأواخر من رمضان، روى البخاري (2024) ومسلم (1174) عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله.
وإحياء الليل ليس خاصاً بالصلاة، بل يشمل جميع الطاعات، وبهذا فسره العلماء:
قال الحافظ: (وأحيا ليله) أي سهره بالطاعة.
وقال النووي: أي استغرقه بالسهر في الصلاة وغيرها.
وقال في عون المعبود: أي بالصلاة والذكر وتلاوة القرآن.
وصلاة القيام أفضل ما يقوم به العبد من العبادات في ليلة القدر، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) رواه البخاري (1901) ، ومسلم (760) .
ولما كانت الحائض ممنوعة من الصلاة، فإنه يمكنها إحياء الليل بطاعات أخرى غير الصلاة مثل:
1- قراءة القرآن راجع سؤال رقم (2564)
2- الذكر: من تسبيح وتهليل وتحميد وما أشبه ذلك، فتكثر من قول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، وسبحان الله وبحمده، وسبحان الله العظيم ... ونحو ذلك
3- الاستغفار: فتكثر من قول (استغفر الله) .
4- الدعاء: فتكثر من دعاء الله تعالى وسؤاله من خير الدنيا والآخرة، فإن الدعاء من أفضل العبادات، حتى قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (الدعاء هو العبادة) رواه الترمذي (2895) وصححه الألباني في صحيح الترمذي (2370)
فيمكن للحائض أن تقوم بهذه العبادات وغيرها في ليلة القدر.
نسأل الله تعالى أن يوفقنا لما يحب ويرضى، وأن يتقبل الله منا صالح الأعمال.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3445)
عدد ركعات صلاة التراويح
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد سألت هذا السؤال من قبل وأرجو الإجابة عنه بما يفيدني فإنني تلقيت إجابة غير مرضية والسؤال عن التراويح هل هي 11 ركعة أم 20 ركعة. فالسنة تقول 11 والشيخ الألباني رحمه الله في كتاب القيام والتراويح يقول 11 ركعة وبعض الناس يذهبون للمسجد الذي يصلي 11 ركعة والبعض الآخر يذهبون للمسجد الذي يصلي 20 ركعة وأصبحت المسألة حساسة هنا في الولايات المتحدة فمن يصلي 11 يلوم الذي يصلي 20 والعكس وصارت فتنة حتى في المسجد الحرام يصلون 20 ركعة.
لماذا تختلف الصلاة في المسجد الحرام والمسجد النبوي عن السنة. لماذا يصلون التراويح 20 ركعة في المسجد الحرام والمسجد النبوي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا نرى أن يتعامل المسلم مع المسائل الاجتهادية بين أهل العلم بمثل هذه الحساسية فيجعل منها سبباً لحصول الفرقة والفتن بين المسلمين.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عند الكلام على مسألة من يصلي مع الإمام عشر ركعات ثم يجلس وينتظر صلاة الوتر ولا يكمل صلاة التراويح مع الإمام:
ويؤسفنا كثيراً أن نجد في الأمة الإسلامية المتفتحة فئة تختلف في أمور يسوغ فيها الخلاف، فتجعل الخلاف فيها سبباً لاختلاف القلوب، فالخلاف في الأمة موجود في عهد الصحابة، ومع ذلك بقيت قلوبهم متفقة.
فالواجب على الشباب خاصة، وعلى كل الملتزمين أن يكونوا يداً واحدةً ومظهراً واحداً؛ لأن لهم أعداءً يتربصون بهم الدوائر.
" الشرح الممتع " (4 / 225) .
وقد غلا في هذه المسألة طائفتان، الأولى أنكرت على من زاد على إحدى عشر ركعة وبدَّعت فعله، والثانية أنكروا على من اقتصر على إحدى عشر ركعة وقالوا: إنهم خالفوا الإجماع.
ولنسمع إلى توجيه من الشيخ الفاضل ابن عثيمين رحمه الله حيث يقول:
وهنا نقول: لا ينبغي لنا أن نغلو أو نفرط، فبعض الناس يغلو من حيث التزام السنة في العدد، فيقول: لا تجوز الزيادة على العدد الذي جاءت به السنَّة، وينكر أشدَّ النكير على من زاد على ذلك، ويقول: إنه آثم عاصٍ.
وهذا لا شك أنه خطأ، وكيف يكون آثماً عاصياً وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل فقال: مثنى مثنى، ولم يحدد بعدد، ومن المعلوم أن الذي سأله عن صلاة الليل لا يعلم العدد؛ لأن من لا يعلم الكيفية فجهله بالعدد من باب أولى، وهو ليس ممن خدم الرسول صلى الله عليه وسلم حتى نقول إنه يعلم ما يحدث داخل بيته، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن له كيفية الصلاة دون أن يحدد له بعدد: عُلم أن الأمر في هذا واسع، وأن للإنسان أن يصلِّيَ مائة ركعة ويوتر بواحدة.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم " صلوا كما رأيتموني أصلي " فهذا ليس على عمومه حتى عند هؤلاء، ولهذا لا يوجبون على الإنسان أن يوتر مرة بخمس، ومرة بسبع، ومرة بتسع، ولو أخذنا بالعموم لقلنا يجب أن توتر مرة بخمس، ومرة بسبع، ومرة بتسع سرداً، وإنما المراد: صلوا كما رأيتموني أصلي في الكيفية، أما في العدد فلا إلا ما ثبت النص بتحديده.
وعلى كلٍّ ينبغي للإنسان أن لا يشدد على الناس في أمر واسع، حتى إنا رأينا من الإخوة الذين يشددون في هذا مَن يبدِّعون الأئمة الذين يزيدون على إحدى عشرة، ويخرجون من المسجد فيفوتهم الأجر الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم " من قام مع الإمام حتى ينصرف كُتب له قيام ليلة " رواه الترمذي (806) وصححه الألباني في صحيح الترمذي (646) ، وقد يجلسون إذا صلوا عشر ركعات فتنقطع الصفوف بجلوسهم، وربما يتحدثون أحياناً فيشوشون على المصلين.
ونحن لا نشك بأنهم يريدون الخير، وأنهم مجتهدون، لكن ليس كل مجتهدٍ يكون مصيباً.
والطرف الثاني: عكس هؤلاء، أنكروا على من اقتصر على إحدى عشرة ركعة إنكاراً عظيماً، وقالوا: خرجتَ عن الإجماع قال تعالى: {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً} ، فكل من قبلك لا يعرفون إلا ثلاثاً وعشرين ركعة، ثم يشدِّدون في النكير، وهذا أيضاً خطأ.
" الشرح الممتع " (4 / 73 – 75) .
أما الدليل الذي استدل القائلون بعدم جواز الزيادة في صلاة التراويح على ثمان ركعات فهو حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه سأل عائشة رضي الله عنها: " كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ فقالت: ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة يصلي أربعا فلا تسل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعا فلا تسل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثا فقلت يا رسول الله أتنام قبل أن توتر قال يا عائشة إن عينيَّ تنامان ولا ينام قلبي ".
رواه البخاري (1909) ومسلم (738) .
فقالوا: هذا الحديث يدل على المداومة لرسول الله في صلاته في الليل في رمضان وغيره.
وقد ردَّ العلماء على الاستدلال بهذا الحديث بأن هذا من فعله صلى الله عليه وسلَّم، والفعل لا يدل على الوجوب.
ومن الأدلة الواضحة على أن صلاة الليل ومنها صلاة التراويح غير مقيدة بعدد حديث ابن عمر أن رجلا سأل سول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام: " صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلَّى ".
رواه البخاري (946) ومسلم (749) .
ونظرة إلى أقوال العلماء في المذاهب المعتبرة تبين لك أن الأمر في هذا واسع، وأنه لا حرج في الزيادة على إحدى عشرة ركعة:
قال السرخسي وهو من أئمة المذهب الحنفي:
فإنها عشرون ركعة سوى الوتر عندنا.
" المبسوط " (2 / 145) .
وقال ابن قدامة:
والمختار عند أبي عبد الله (يعني الإمام أحمد) رحمه الله، فيها عشرون ركعة، وبهذا قال الثوري، وأبو حنيفة، والشافعي، وقال مالك: ستة وثلاثون.
" المغني " (1 / 457) .
وقال النووي:
صلاة التراويح سنة بإجماع العلماء، ومذهبنا أنها عشرون ركعة بعشر تسليمات وتجوز منفردا وجماعة.
" المجموع " (4 / 31) .
فهذه مذاهب الأئمة الأربعة في عدد ركعات صلاة التراويح وكلهم قالوا بالزيادة على إحدى عشرة ركعة، ولعل من الأسباب التي جعلتهم يقولون بالزيادة على إحدى عشرة ركعة:
1- أنهم رأوا أن حديث عائشة رضي الله عنها لا يقتضي التحديد بهذا العدد.
2- وردت الزيادة عن كثير من السلف.
انظر: المغني (2 / 604) ، والمجموع (4 / 32)
3- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي إحدى عشرة ركعة وكان يطيلها جداً حتى كان يستوعب بها عامة الليل، بل في إحدى الليالي التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم صلاة التراويح بأصحابه لم ينصرف من الصلاة إلا قبيل طلوع الفجر حتى خشي الصحابة أن يفوتهم السحور، وكان الصحابة رضي الله عنهم يحبون الصلاة خلف النبي صلى الله عليه وسلم ولا يستطيلونها فرأى العلماء أن الإمام إذا أطال الصلاة إلى هذا الحد شق ذلك على المأمومين وربما أدى ذلك إلى تنفيرهم فرأوا أن الإمام يخفف من القراءة ويزيد من عدد الركعات.
والحاصل: أن من صلى إحدى عشرة ركعة على الصفة الواردة عن الني صلى الله عليه وسلم فقد أحسن وأصاب السنة، ومن خفف القراءة وزاد عدد الركعات فقد أحسن، ولا إنكار على من فعل أحد الأمرين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
والتراويح إن صلاها كمذهب أبي حنيفة، والشافعي، وأحمد: عشرين ركعة أو: كمذهب مالك ستا وثلاثين، أو ثلاث عشرة، أو إحدى عشرة فقد أحسن، كما نص عليه الإمام أحمد لعدم التوقيف فيكون تكثير الركعات وتقليلها بحسب طول القيام وقصره.
الاختيارات ص (64) .
قال السيوطي:
الذي وردت به الأحاديث الصحيحة والحسان الأمر بقيام رمضان والترغيب فيه من غير تخصيص بعدد، ولم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى التراويح عشرين ركعة، وإنما صلى ليالي صلاة لم يذكر عددها، ثم تأخر في الليلة الرابعة خشية أن تفرض عليهم فيعجزوا عنها. وقال ابن حجر الهيثمي: لم يصح أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى التراويح عشرين ركعة، وما ورد أنه " كان يصلي عشرين ركعة " فهو شديد الضعف.
الموسوعة الفقهية (27 / 142 – 145)
وبعد فلا تعجب أخي السائل من صلاة التراويح عشرين ركعة وقد سبقوا من أولئك الأئمة جيلا قبل جيل، وفي كلٍّ خير.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3446)
يقرأون القرآن قبيل صلاة التراويح ثم يكملون في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن في أمريكا، سيعقد حلقة قرآن بعد الإفطار في تمام الساعة 7:15 إلى الساعة 7:30 ثم تقام الصلاة للعشاء وبعدها التراويح، في حلقة القرآن سيقرأ أحد المسلمين ويستخدم الميكرفون ليسمعه الرجال والنساء، والتخطيط أن يقرأ 12 وجهاً، ثم يكملون في التراويح 8 أوجه، وبذلك يكملوا كل ليلة جزءً إلى أن يتم ختم القرآن في نهاية الشهر، هل الجلسة لقراءة القرآن بهذه الطريقة من السنة أم من البدعة؟
وهل من الأفضل قراءة القرآن على المأمومين أثناء التراويح أم في حلقة القرآن؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج عليكم من عمل هذه الجلسة، فقراءة القرآن من واحدٍ منكم واستماع الباقين له أمرٌ مشروع، وقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم.
عَن ابن مَسعودٍ رضي اللَّه عنه قالَ: قال لي النبيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: " اقْرَأْ علَّي القُرآنَ " قلتُ: يا رسُولَ اللَّه، أَقْرَأُ عَلَيْكَ، وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ ، قالَ: " إِني أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي " فقرَأْتُ عليه سورَةَ النِّساء، حتى جِئْتُ إلى هذِهِ الآية: {فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّة بِشَهيد وِجئْنا بِكَ عَلى هَؤلاءِ شَهِيداً} النساء/40 قال: " حَسْبُكَ الآن " فَالْتَفَتَّ إِليْهِ، فَإِذَا عِيْناهُ تَذْرِفانِ. رواه البخاري (4763) ومسلم (800) .
قال الشيخ عبد العزيز بن باز:
ويشرع للمسلمين في هذا الشهر العظيم دراسة القرآن الكريم ومدارسته في الليل والنهار تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم، فإنه كان يدارس جبرائيل القرآن كل سنة في رمضان، ودارسه إياه في السنة الأخيرة مرتين، ولقصد القربة والتدبر لكتاب الله عز وجل والاستفادة منه والعمل به، وهو من فعل السلف الصالح فينبغي لأهل الإيمان من ذكور وإناث أن يشتغلوا بالقرآن الكريم تلاوة وتدبرا وتعقلا ومراجعة لكتب التفسير للاستفادة والعلم. " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (11 / 319، 320) .
والأفضل أن يكون مع القراءة تعليم لأحكام القرآن، وفهم لمعانيه، فإذا أضفتم إلى القراءة تفسيراً لما تقرأون أو بعضه فقد جمعتم خيراتٍ متعددة، منها: إصابة السنة في فعلكم، ومدارستكم القرآن، وتعليمكم المسلمين، وإعانتهم على التدبر القرآن. . .
وإذا كانت هذه الختمة في صلاة التراويح كانت أفضل من كونها خارجها.
قال شيخ الإسلام في "الفتاوى الكبرى" (2/297) :
" إِنَّ الأَمْرَ بِالْقِرَاءَةِ وَالتَّرْغِيبَ فِيهَا يَتَنَاوَلُ الْمُصَلِّيَ أَعْظَمَ مِمَّا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُ , فَإِنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ فِي الصَّلاةِ أَفْضَلُ مِنْهَا خَارِجَ الصَّلاةِ , وَمَا وَرَدَ مِنْ الْفَضْلِ لِقَارِئِ الْقُرْآنِ يَتَنَاوَلُ الْمُصَلِّيَ أَعْظَمَ مِمَّا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُ " انتهى.
فإذا شقَّ على الناس ختم القرآن في الصلاة فيمكنكم أن تجمعوا بين الخيرين: المدارسة للقرآن قبل الصلاة، والقراءة لباقيه في الصلاة، كما تعتزمون.
وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ. رواه البخاري (3048) ومسلم (2308) .
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
هل يمكن أن يستفاد من مدارسة جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم القرآن في رمضان أفضلية ختم القرآن؟
فأجاب:
يستفاد منها المدارسة وأنه يستحب للمؤمن أن يدارس القرآن من يفيده وينفعه؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام دارس جبرائيل للاستفادة؛ لأن جبرائيل هو الذي يأتي من عند الله جل وعلا، وهو السفير بين الله والرسل.
فجبرائيل لا بد أن يفيد النبي صلى الله عليه وسلم أشياء من جهة الله عز وجل، من جهة إقامة حروف القرآن ومن جهة معانيه التي أرادها الله، فإذا دارس الإنسان من يعينه على فهم القرآن ومن يعينه على إقامة ألفاظه فهذا مطلوب، كما دارس النبي صلى الله عليه وسلم جبرائيل، وليس المقصود أن جبرائيل أفضل من النبي عليه الصلاة والسلام، لكن جبرائيل هو الرسول الذي أتى من عند الله فيبلغ الرسول عليه الصلاة والسلام ما أمره الله به من جهة القرآن ومن جهة ألفاظه ومن جهة معانيه، فالرسول عليه الصلاة والسلام يستفيد من جبرائيل من هذه الحيثية، لا أن جبرائيل أفضل منه عليه الصلاة والسلام بل هو أفضل البشر وأفضل من الملائكة عليه الصلاة والسلام، لكن المدارسة فيها خير كثير للنبي صلى الله عليه وسلم وللأمة؛ لأنها مدارسة لما يأتي به من عند الله وليستفيد مما يأتي به من عند الله عز وجل.
وفيه فائدة أخرى وهي: أن المدارسة في الليل أفضل من النهار، لأن هذه المدارسة كانت في الليل، ومعلو أن الليل أقرب إلى اجتماع القلب وحضوره والاستفادة أكثر من المدارسة نهاراً.
وفيه أيضا من الفوائد: شرعية المدارسة وأنها عمل صالح حتى ولو في غير رمضان، لأن فيه فائدة لكل منهما ولو كانوا أكثر من اثنين فلا بأس يستفيد كل منهم من أخيه ويشجعه على القراءة وينشطه، فقد يكون لا ينشط إذا جلس وحده لكن إذا كان معه زميل له يدارسه أو زملاء كان ذلك أشجع له وأنشط له مع عظم الفائدة فيما يحصل بينهم من المذاكرة والمطالعة فيما قد يشكل عليهم كل ذلك فيه خير كثير.
ويمكن أن يفهم من ذلك أن قراءة القرآن كاملة من الإمام على الجماعة في رمضان نوع من هذه المدارسة لأن في هذا إفادة لهم عن جميع القرآن، ولهذا كان الإمام أحمد رحمه الله يحب ممن يؤمهم أن يختم بهم القرآن وهذا من جنس عمل السلف في محبة سماع القرآن كله، ولكن ليس هذا موجبا لأن يعجل ولا يتأنى في قراءته، ولا يتحرى الخشوع والطمأنينة بل تحري هذه الأمور أولى من مراعاة الختمة. " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (11 / 331 – 333) .
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله - أيضاً -:
يحرص كثير من الأئمة على أن يختموا القرآن في التراويح والتهجد لإسماع الجماعة جميع القرآن فهل في ذلك حرج؟
فأجاب:
هذا عمل حسن فيقرأ الإمام كل ليلة جزءا أو أقل لكن في العشر الأخيرة يزيد حتى يختم القرآن ويكمله هذا إذا تيسر بدون مشقة ... وقد عقد العلامة ابن القيم رحمه الله بابا في كتابه: " جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام " ذكر فيه حال السلف في العناية بختم القرآن فنوصي بمراجعته للمزيد من الفائدة. " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (11 / 333، 334) .
وانظر أجوبة الأسئلة: (46088) و (1505) و (4039) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3447)
لا يمكن لأحدٍ أن يجزم بليلة بعينها أنها ليلة القدر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم التهجد في ليلة القدر دون الليالي الأخرى؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ورد الفضل العظيم في العبادة في ليلة القدر، فقد ذكر ربنا تبارك وتعالى أنها خير من ألف شهر، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من قامها إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه.
قال تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ. وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ. لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ. تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ. سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) القدر/1 – 5.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) . رواه البخاري (1901) ومسلم (760) .
إيماناً: بفضلها وبمشروعية العمل فيها.
واحتساباً: إخلاصاً للنية لله تعالى.
ثانياً:
اختلف العلماء في تحديد ليلة القدر على أقوال كثيرة، حتى وصلت الأقوال فيها إلى أكثر من أربعين قولاً كما في " فتح الباري "، وأقرب الأقوال للصواب أنها في وتر العشر الأخير من رمضان.
فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْوِتْرِ مِنْ الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ) . رواه البخاري (2017) – واللفظ له - ومسلم (1169) .
والحديث: بوَّب عليه البخاري بقوله: " باب تحري ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر ".
والحكمة من إخفائها هي تنشيط المسلم لبذل الجهد في العبادة والدعاء والذكر في العشر الأخير كلها، وهي الحكمة ذاتها في عدم تحديد ساعة الإجابة يوم الجمعة، وعدم تحديد الأسماء التسعة والتسعين لله تعالى والتي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ) رواه البخاري (2736) ومسلم (2677) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
قوله – أي: الإمام البخاري -: " باب تحري ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر ": في هذه الترجمة إشارة إلى رجحان كون ليلة القدر منحصرة في رمضان، ثم في العشر الأخير منه، ثم في أوتاره، لا في ليلة منه بعينها، وهذا هو الذي يدل عليه مجموع الأخبار الواردة فيها.
" فتح الباري " (4 / 260) .
وقال أيضاً:
قال العلماء: الحكمة من إخفاء ليلة القدر ليحصل الاجتهاد في التماسها بخلاف ما لو عينت لها ليلة لاقتصر عليها، كما تقدم نحوه في ساعة الجمعة.
" فتح الباري " (4 / 266) .
ثالثاً:
وعليه: فلا يمكن لأحدٍ أن يجزم بليلة بعينها أنها ليلة القدر، وخاصة إذا علمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يخبر أمته بها ثم أخبرهم أن الله تعالى رفع العلم بها.
فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خَرَجَ يُخْبِرُ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ، فَتَلاحَى رَجُلانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ: (إِنِّي خَرَجْتُ لأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَإِنَّهُ تَلاحَى فُلانٌ وَفُلانٌ فَرُفِعَتْ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ، الْتَمِسُوهَا فِي السَّبْعِ وَالتِّسْعِ وَالْخَمْسِ) .
رواه البخاري (49) .
(تَلاحَى) أي تنازع وتخاصم.
قال علماء اللجنة الدائمة:
أما تخصيص ليلة من رمضان بأنها ليلة القدر: فهذا يحتاج إلى دليل يعينها دون غيرها، ولكن أوتار العشر الأواخر أحرى من غيرها والليلة السابعة والعشرون هي أحرى الليالي بليلة القدر؛ لما جاء في ذلك من الأحاديث الدالة على ما ذكرنا.
" فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " (10 / 413) .
لذا لا ينبغي للمسلم أن يتعاهد ليلة بعينها على أنها ليلة القدر، لما في ذلك من الجزم بما لا يمكن الجزم به؛ ولما في ذلك من تفويت الخير على نفسه، فقد تكون ليلة الحادي العشرين، أو الثالث والعشرين، وقد تكون ليلة التاسع والعشرين، فإذا قام ليلة السابع والعشرين وحدها فيكون قد ضاع عليه خير كثير، ولم يصب تلك الليلة المباركة.
فعلى المسلم أن يبذل جهده في الطاعة والعبادة في رمضان كله، وفي العشر الأواخر أكثر، وهذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ. رواه البخاري (2024) ومسلم (1174) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3448)
هل يوجد ذكر معيَّن بعد كل صلاة ركعتين من التراويح؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من ذكر معيَّن بعد كل صلاة ركعتين من التراويح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأذكار من العبادات، والأصل في العبادات المنع منها إلا بدليل يوجبها أو يستحبها، ولا يجوز إحداث ذِكر مع عبادة ولا قبلها ولا بعدها، وقد صلَّى النبي صلى الله عليه وسلم القيام مع أصحابه ليالي، وصلَّى الصحابة أفراداً ومجتمعين، في زمانه صلى الله عليه وسلم، وبعد موته، ولا يُعلم أنهم ذكروا الله تعالى بذِكرٍ معيَّن بعد كل تسليمة أو تسليمتين، وعدم نقل العلماء لذكر جماعي بين ركعات التراويح عن الصحابة ومن بعدهم دليل على عدم وقوعه، لأن العلماء كانوا ينقلون ما هو أخفى من مثل هذا الأمر الظاهر، وخير الهدي في اتباعه صلَّى الله عليه وسلَّم واتباع أصحابه في أمور العبادات بفعل ما فعلوه وترك ما تركوه.
إلا أنه لا بأس للمصلي أن يدعو الله، أو يقرأ القرآن، أو يذكر ربَّه تعالى، من غير تخصيص آيات معينة أو سور أو ذِكرٍ بين الركعات، ومن دون أن يكون ذلك بصوتٍ واحد، ولا بقيادة الإمام أو غيره؛ لعدم ورود ذلك في الشرع المطهَّر، والأصل التوقيف في العبادات في كميتها وكيفيتها وزمانها ومكانها وسببها وصفتها.
قال الشيخ محمد العبدري المشهور بابن الحاج في كتابه (المدخل) : فصل في الذِّكر بعد التسليمتين من صلاة التراويح:
وينبغي له - أي: الإمام - أن يتجنب ما أحدثوه من الذكر بعد كل تسليمتين من صلاة التراويح، ومن رفع أصواتهم بذلك، والمشي على صوت واحد؛ فإن ذلك كله من البدع، وكذلك ينهى عن قول المؤذن بعد ذكرهم بعد التسلميتين من صلاة التراويح " الصلاة يرحمكم الله "؛ فإنه محدث أيضاً، والحدث في الدين ممنوع، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، ثم الخلفاء بعده ثم الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ولم يذكر عن أحد من السلف فعل ذلك فيسعنا ما وسعهم. " المدخل " (2 / 293، 294) .
وانظر – لمزيد فائدة -: أجوبة السؤالين: (10491) و (21902) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3449)
هل يترك عمله ويذهب لصلاة التراويح؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل في مركز شرطة، وأحياناً يحدث أن أستلم المناوبة مرتين بالأسبوع ولا أتمكن خلال الاستلام من مغادرة المركز لظروف العمل ولأوامر رؤسائي، فهل يجوز لي أن أغادر المركز وأخالف أوامرهم لأداء صلاة التراويح في المسجد القريب من المركز؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أن حرص الإنسان على الاستزادة من أسباب الأجر والمغفرة في رمضان أمر محمود ومندوب إليه، إلا أن هذا مشروط بأن لا يؤدي البحث عن فضل إلى تفويت أو الإخلال بما هو أفضل منه.
ولو كان عملُ الإنسان في محل تجاري أو مؤسسة مدنية لما جاز له ترك العمل من أجل القيام بنافلة، فكيف إذا كان عملُه يتعلق بالأمن وهو أمر مهم تتعلق به أرواح الناس وأمنهم؟
فلا تحرص على نافلة على حساب التفريط في واجب، ويمكنك أن تؤدي التراويح في مكان عملك مجزَّأة على حسب الفراغ والسعة، أو في آخر الليل في بيتك، وقد يُكتب لك الأجر كاملاً إن علم الله منك صدقاً في أدائها إن لم يتيسر أداؤها في العمل أو في البيت.
وسئل الشيخ محمد الصالح العثيمين – رحمه الله -:
أعمل في أحد المحلات التجارية ولا أستطيع أن أصلي صلاة التراويح في المسجد نظراً لأن مواعيد العمل تكون مِن بعد المغرب إلى قرب السحور، هل آثم على ذلك؟ وكيف أعوِّض هذا الثواب الذي فاتني؟ .
فأجاب:
لا تأثم بترك التراويح لأن التراويح سنَّة، إن أقامها الإنسان كان له أجر، وإن لم يقم بها فليس عليه إثم.
وإذا علم الله تعالى من نيتك إنه لولا اشتغالك بما يجب عليك من عقد الأجرة على هذا العمل لقمت بهذه التراويح: فإن فضل الله واسع، يثيبك سبحانه وتعالى على ما كان من نيتك. " فتاوى إسلامية " (2 / 255) .
وسئل الشيخ عبد العزيز آل الشيخ – حفظه الله -:
بعض الناس يذهب ليعتمر فيترك عائلته أو وظيفته أو المسجد الذي يصلي به أو يؤذن به، فما كلمتكم لهم؟ .
فأجاب:
لا ينبغي أن نتقرب إلى الله بنافلة مع إخلالنا بواجب، النوافل لا يُتقرب بها إلا إذا أدينا الواجبات، فمن ضيَّع بيته أو ضيَّع عمله، أو إمام ضيع إمامته: فهذا لا يعتبر مأجوراً، بل يعتبر مأزوراً وآثماً.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3450)
متى تبدأ صلاة التراويح لرمضان في الليلة الأولى أم الثانية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[متى نبدأ في القيام لصلاة التراويح: ليلة أول يوم من رمضان (ليلة الرؤية أو الإتمام) أم بعد صلاة العشاء من أول يوم في رمضان؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يُشرع للمسلم أداء صلاة التراويح بعد صلاة العشاء من الليلة الأولى لرمضان، وهي الليلة التي يُرى فيها الهلال، يُكمل المسلمون عدة شعبان ثلاثين يوماً.
ومثل هذا نهاية شهر رمضان، فإنه لا تُصلَّى التراويح إذا ثبت انتهاء الشهر برؤية هلال العيد أو بإتمام عدة رمضان ثلاثين يوماً.
فيتبين أن صلاة التراويح لا تتعلق بصيام نهار رمضان، بل بدخول الشهر من الليل ابتداءً، وبآخر يوم من رمضان انتهاءً.
ولا ينبغي القول إن صلاة الترويح نافلة مطلقة فيجوز أن تؤدى في أي ليلة وجماعة؛ لأن صلاة التروايح مقصودة لشهر رمضان، ومصليها يقصد الأجر المترتب على قيامه، والجماعة فيها ليست كحكم الجماعة في غيرها، فيجوز في رمضان أن يصلى قيامه جماعة في كل ليلة مع الإعلان والتشجيع عليه، بخلاف القيام في غيره فإنه لا يسن إلا ما جاء من غير قصد أو بقصد التشجيع والتعليم، فيسن أحياناً دون الالتزام بفعله دائماً.
قال الشيخ محمد الصالح العثيمين – رحمه الله -:
التَّراويحَ في غير رمضان بِدْعةٌ، فلو أراد النَّاس أنْ يجتمعوا على قيام الليل في المساجد جماعة في غير رمضان لكان هذا من البِدع.
ولا بأس أن يُصلِّي الإنسانُ جماعة في غير رمضان في بيته أحياناً؛ لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم: " فقد صَلَّى مرَّةً بابن عبَّاس، ومرَّةً بابن مسعود ومرَّةً بحذيفة بن اليمان، جماعة في بيته " لكن لم يتَّخذْ ذلك سُنَّة راتبةً، ولم يكن أيضاً يفعله في المسجد.
" الشرح الممتع " (4 / 60، 61) .
وعليه: فمن صلى صلاة التروايح قبل ثبوت دخول رمضان فهو كمن صلى الصلاة في غير وقتها، فلا يكتب له أجرها، هذا إن سلِم من الإثم إن تعمد ذلك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3451)
ليس هناك قدر معين لا بد من قراءته في صلاة الترويح
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك قدر معين لا بد من قراءته في صلاة التراويح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس هناك قدر معين لا بد من قراءته في صلاة التراويح، غير أنه كلما أطال كان أفضل، ما لم يصل إلى حد يشق على المأمومين.
قال الألباني رحمه الله:
" وأما القراءة في صلاة الليل في قيام رمضان أو غيره، فلم يَحُدَّ فيها النبي صلى الله عليه وسلم حداً لا يتعداه بزيادة، أو نقص، بل كانت قراءته صلى الله عليه وسلم فيها تختلف قصراً وطولاً، فكان تارة يقرأ في كل ركعة قدر (يا أيها المزمل) ، وهي عشرون آية، وتارة قدر خمسين آية، وكان صلى الله عليه وسلم يقول: (من صلى في ليلة بمئة آية لم يُكْتَبْ من الغافلين) .
وفي حديث آخر:
( ... بمئتي آية فإنه يكتب من القانتين المخلصين) .
وقرأ صلى الله عليه وسلم في ليلة وهو مريض السبع الطوال، وهي سورة (البقرة) ، و (آل عمران) ، و (النساء) ، و (المائدة) ، و (الأنعام) ، و (الأعراف) ، و (التوبة) .
وفي قصة صلاة حذيفة بن اليمان وراء النبي عليه الصلاة والسلام أنه صلى الله عليه وسلم قرأ في ركعة واحدة (البقرة) ثم (النساء) ثم (آل عمران) ، وكان يقرؤها مترسلاً متمهلاً.
وثبت بأصح إسناد أن عمر رضي الله عنه لما أمر أُبّيَّ بن كعب أن يصلي للناس بإحدى عشرة ركعة في رمضان، كان أُبيٌّ رضي الله عنه يقرأ بالمئين، حتى كان الذي خلفه يعتمدون على العِصِي من طول القيام، وما كانوا ينصرفون إلا في أوائل الفجر.
وصح عن عمر أيضاً أنه دعا القُرَّاءَ في رمضان، فأمر أسرعهم قراءة أن يقرأ ثلاثين آية، والوسط خمساً وعشرين آية، والبطيء عشرين آية.
وعلى ذلك فإن صلى القائم لنفسه فليطول ما شاء، وكذلك إذا كان معه من يوافقه، وكلما أطال فهو أفضل، إلا أنه لا يبالغ في الإطالة حتى يُحيي الليل كله إلا نادراً، اتباعاً للنبي صلى الله عليه وسلم القائل: (وخير الهدي هدي محمد) .
وأما إذا صلى إماماً، فعليه أن يطيل بما لا يشق على من وراءه لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا قام أحدكم للناس فليخفف الصلاة، فإن فيهم الصغير والكبير وفيهم الضعيف، والمريض، وذا الحاجة، وإذا قام وحده فليطل صلاته ما شاء) " انتهى من رسالة قيام رمضان.
وانظر السؤال رقم: (66504) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3452)
يجوز لمن تعاني من الوسواس في الصلاة إمامة النساء في صلاة التراويح
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لمن تعاني من الوسواس في الصلاة أن تصلي بأخواتها صلاة التراويح وتأمُّهن في البيت؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا بأس أن تصلي هذه المرأة بأخواتها صلاة التراويح جماعة، وتؤمهن ما دامت قائمة بشروط الصلاة وأركانها وواجباتها، ولعل هذه الإمامة تعينها على ضبط نفسها، وعدم الاستجابة للوسوسة.
والمتوقع أن الشكوك ستنحسر، وضبطها للصلاة سيزيد مع وجود الجماعة اللاتي يصلين خلفها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3453)
هل يجوز أن يصلي التراويح في البيت؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تجوز إقامة صلاة التراويح في البيت؟ وهل تجوز مع الزوجة ويكون الزوج هو الإمام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صلاة التراويح سنة مؤكدة، حث عليها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "من قام رمضان إيماناً واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه". رواه البخاري (37) ومسلم (759) .
وقد صلاها النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه عدة ليال، ثم خاف أن تفرض عليهم فلم يخرج إليهم، ثم إن عمر رضي الله عنه جمعهم على إمام واحد، فهي تصلى في جماعة إلى يومنا هذا. وعن إسماعيل بن زياد , قال: مر علي رضي الله عنه على المساجد وفيها القناديل في شهر رمضان. فقال نور الله على عمر قبره , كما نور علينا مساجدنا. رواه الأثرم، ونقله في المغني 1/457.
قال البهوتي في "دقائق أولي النهى" (1/2245) :
وَالتَّرَاوِيحُ بِمَسْجِدٍ أَفْضَلُ مِنْهَا بِبَيْتٍ , لأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم جَمَعَ النَّاسَ عَلَيْهَا ثَلَاثَ لَيَالٍ مُتَوَالِيَةً , كَمَا رَوَتْهُ عَائِشَةُ. . . وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَامَ مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ حُسِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ) اهـ.
وقال الشوكاني في "نيل الأوطار" (3/62) :
قَالَ النَّوَوِيُّ: اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِهَا , قَالَ: وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الأَفْضَلَ صَلاتُهَا فِي بَيْتِهِ مُنْفَرِدًا أَمْ فِي جَمَاعَةٍ فِي الْمَسْجِدِ , فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِهِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرُهُمْ: الأَفْضَلُ صَلاتُهَا جَمَاعَةً كَمَا فَعَلَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَالصَّحَابَةُ رضي الله عنهم , وَاسْتَمَرَّ عَمَلُ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ , لأَنَّهُ مِنْ الشَّعَائِرِ الظَّاهِرَةِ اهـ.
فصلاتها جماعةً المسجد أفضل، لكن لو صلاها الرجل في بيته منفرداً، أو جماعةً بأهله فهو جائز.
قال النووي في "المجموع" (3/526) :
صَلاةُ التَّرَاوِيحِ سُنَّةٌ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ. . . وَتَجُوزُ مُنْفَرِدًا وَجَمَاعَةً , وَأَيُّهُمَا أَفْضَلُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ. . . الصَّحِيحُ بِاتِّفَاقِ الأَصْحَابِ أَنَّ الْجَمَاعَةَ أَفْضَلُ اهـ.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3454)
هل يصلي الوتر مرتين في الليلة إذا صلى بعد الإمام
[السُّؤَالُ]
ـ[أما بعد أريد أن أسأل أنه في صلاة التراويح في نهايتها نصلي الشفع والوتر. وأنا سمعت أنه يجب أن تكون آخر صلاة نصليها هي الوتر. هل ذلك يعني أننا لو صلينا في الليل نعود مرة أخرى ونصلي الشفع والوتر أو أني أؤجلها إلى الليل ثم أصليها..؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا صلى المسلم الوتر ثم أراد أن يصلي بعد ذلك من الليل، فإنه يصلي ركعتين ركعتين ولا يعيد صلاة الوتر مرة أخرى.
وأمْرُ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأن تكون آخر الصلاة بالليل هي الوتر، أمرٌ على سبيل الاستحباب لا الوجوب. راجع سؤال (37729)
وسئل الشيخ ابن باز:
إذا أوترت أول الليل ثم قمت في آخره فكيف أصلي؟
فأجاب:
إذا أوترت من أول الليل ثم يسر الله لك القيام في آخره فصل ما يسر الله لك شفعاً – يعني ركعتين ركعتين - بدون وتر، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا وتران في ليلة) .
ولما ثبت عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلي ركعتين بعد الوتر وهو جالس، والحكمة في ذلك -والله أعلم- أن يبين للناس جواز الصلاة بعد الوتر اهـ
مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (11/311) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3455)
تأخير صلاة العشاء في رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[إمام مسجدنا يؤخر صلاة العشاء نحو ساعة في شهر رمضان. هل يجوز هذا؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
وقت صلاة العشاء يمتد من غياب الشفق الأحمر الذي يكون في السماء بعد غروب الشمس إلى نصف الليل.
والأفضل في صلاة العشاء تأخيرها ما لم يشق على الناس لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل، أو نصفه " رواه الترمذي 167
ففي هذا الحديث دليل على استحباب تأخير العشاء ما لم يشق على المأمومين فإن شقت على المأمومين فتُعجل.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: " أعتم النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة حتى ذهب عامة الليل حتى نام أهل المسجد، ثم خرج فصلى فقال: إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي " أخرجه مسلم 638.
وعن جابر رضي الله عنهما لما ذكر مواقيت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم قال: " والعشاء أحياناً يؤخرها، وأحياناً يعجل، إذا رآهم اجتمعوا عجل، وإذا رآهم أبطأوا أخر " أخرجه البخاري 1/141 ومسلم 646. أنظر معرفة أوقات العبادات للدكتور خالد المشيقح 1/291
وقد اعتاد الناس في بعض البلاد تأخير صلاة العشاء في رمضان نصف ساعة أو نحواً من هذا عن أول وقتها، حتى يفطر الناس على مهل ويستعدوا لصلاة العشاء والتراويح.
وهذا العمل لا بأس به، بشرط ألا يؤخر الإمام الصلاة إلى حد يشق على المأمومين كما سبق.
والأولى في هذا الرجوع إلى أهل المسجد، والاتفاق معهم على وقت الصلاة، فهم أعلم بما يناسبهم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3456)
إلقاء كلمة بعد أربع ركعات من صلاة التراويح
[السُّؤَالُ]
ـ[هو ما حكم الشرع في الدرس الذي يكون بعد الركعات الأربع في صلاة التراويح؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الدرس الذي يلقيه بعض الأئمة والوعاظ بين ركعات صلاة التراويح لا بأس به إن شاء الله، والأحسن أن لا يداوَم عليه، خشية أن يعتقد الناس أنه جزء من الصلاة، وخشية من اعتقادهم وجوبه حتى إنهم قد ينكرون على من لم يفعله.
وللإمام أو للمدرس والواعظ أن ينبه الناس على ما يتيسر من أحكام الشرع وخاصة مما يحتاجونه في هذا الشهر من مسائل على أن يتركه أحياناً لما سبق ذكره.
ولا شك أن مثل هذه الكلمات والمواعظ أنفع من الخروج أو من الحديث الدنيوي ورفع الصوت وخير من الذكر المبتدع الذي يحدثه بعض الأئمة بعد الأربع ركعات.
قال الشيخ عبد الله الجبرين:
... وحيث إنَّ الناس في هذه الأزمنة يخففون الصلاة، فيفعلونها في ساعة أو أقل: فإنه لا حاجة بهم إلى هذه الاستراحة، حيث لا يجدون تعباً ولا مشقة، لكن إن فصل بعض الأئمة بين ركعات التراويح بجلوس، أو وقفة يسيرة للاستجمام، أو الارتياح: فالأولى قطع هذا الجلوس بنصيحة أو تذكير، أو قراءة في كتاب مفيد، أو تفسير آية يمرّ بها القارئ، أو موعظة، أو ذكر حكم من الأحكام، حتى لا يخرجوا أو لا يملّوا، والله أعلم.
" الإجابات البهية في المسائل الرمضانية " (السؤال الثاني) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/3457)
صلاة التراويح ليست بدعة وليس لها عدد معين
[السُّؤَالُ]
ـ[بمناسبة شهر رمضان المبارك يقبل الناس على صلاة التراويح، سؤالي هو كالتالي: هناك من يصلي إحدى عشرة ركعة بعد صلاة العشاء مباشرة اقتداءا برسول الله صلى الله عليه وسلم، وهناك من يصلي واحد وعشرين ركعة، عشر بعد العشاء، وعشر قبل صلاة الفجر ثم يوتر، فما حكم الشرع في هذه الصورة؟ علما بأن هناك من يرى بأن صلاة القيام قبل صلاة الصبح بدعة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صلاة التراويح سنة بإجماع المسلمين، كما ذكره النووي رحمه الله في "المجموع".
ورغب فيها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فمن ذلك قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) رواه البخاري (37) ومسلم (760) .
فكيف تكون بدعة مع ترغيب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في فعلها وإجماع المسلمين على استحبابها؟!
ولعل من قال إنها بدعة يقصد أن الاجتماع عليها في المساجد بدعة.
وهذا أيضاً غير صحيح لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاها جماعة بأصحابه عدة ليالٍ، ثم ترك فعلها جماعة خشية أن تفرض على المسلمين، ثم لما مات النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وانقطع الوحي زالت هذه الخشية، لأنها لا يمكن أن تفرض بعد موت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجمع عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ المسلمين عليها. راجع السؤال رقم (21740) .
ووقت صلاة التراويح من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر. راجع سؤال رقم (37768) .
وليس لصلاة التراويح عدد معين من الركعات، بل تجوز بالقليل والكثير. فالصفتان اللتان سأل عنهما السائل كلاهما جائزة.
ويكون ذلك حسب ما يرى أهل كل مسجد أنه أنسب لهم.
والأفضل هو ما ثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه لم يكن يزيد في قيام الليل على إحدى عشرة ركعة، في رمضان وغيره.
قال الشيخ ابن عثيمين بعد ما ذكر عدد ركعات صلاة التراويح:
والأمر في هذا واسع، فلا ينكر على من صلى إحدى عشرة أو ثلاثاً وعشرين، بل الأمر في ذلك واسع والحمد لله اهـ فتاوى الشيخ ابن عثيمين (1/407) .
راجع سؤال (9036)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3458)
صلى التراويح قبل العشاء!
[السُّؤَالُ]
ـ[دخلت المسجد متأخراً وقد فاتني من صلاة التراويح 6 ركعات، بعد التراويح صليت العشاء، فهل يجب أن أقضي الركعات الست التي فاتتني من التراويح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس من الصواب أن تصلي التروايح ثم العشاء، وكان يمكنك الدخول مع الجماعة بنية العشاء، فإذا سلَّم الإمام بعد الركعتين تقوم لتقضي الركعتين الباقيتين، وصلاة القيام لا تكون قبل العشاء، بل بعدها، بل بعد سنة العشاء الراتبة، وما فعلتَه من صلاة هو من مطلق التطوع لا من صلاة القيام.
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز:
إذا جاء المسلم إلى المسجد ووجد الجماعة يصلون التراويح وهو لم يصل العشاء فهل يصلي معهم بنية العشاء؟
فأجاب:
لا حرج أن يصلي معهم بنية العشاء في أصح قولي العلماء، وإذا سلم الإمام قام فأكمل صلاته، لما ثبت في الصحيحين عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة ولم ينكر ذلك النبي عليه الصلاة والسلام، فدل على جواز صلاة المفترض خلف المتنفل، وفي الصحيح عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه في بعض أنواع صلاة الخوف صلى بطائفة ركعتين ثم سلم ثم صلى بالطائفة الأخرى ركعتين ثم سلم فكانت الأولى فرضه أما الثانية فكانت نفلا وهم مفترضون، والله ولي التوفيق.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (12 / 181) .
وقال الشيخ – أيضاً -:
السنة أن يكون التهجد في رمضان وغيره بعد سنة العشاء الراتبة كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك. ولا فرق في ذلك بين كون التهجد في المسجد أو في البيت.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (11 / 368) .
وأما بالنسبة لصلاة ما فاتك من التراويح فأنت بالخيار إن شئتَ فعلتَ وإن شئتَ تركتَ، فالتراويح من النوافل، وليس قضاؤها واجباً كما هو الحال بالنسبة للصلوات الخمس.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/3459)
لا يستطيع صلاة التراويح في المسجد لإنشغاله برعاية ابنته
[السُّؤَالُ]
ـ[أعود من العمل عند السادسة والنصف مساء لأرعى ابنتي وعمرها 8 سنوات، زوجتي وابني الصغير سافرا لتزور أمها المريضة بين الحياة والموت، ولهذا لا أستطيع أن أذهب للمسجد لأصلي التراويح، أرجو أن تنصحني فأنا لم أصل التراويح قط ولكن هذه السنة نويت أن أصلي ولكن مع الأسف فقد سافرت زوجتي لمدة شهرين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صلاة التروايح سنة يثاب فاعلها ولا يستحق العقوبة تاركها، فليس عليك حرج في عدم صلاتها مع الجماعة، وإذا علم الله صحة نيتك فقد تؤجر ولو لم تحضر مثل هذه النوافل وخاصة أن لم تفرط في تركها، بل وأحياناً يشتغل الإنسان بما هو أعظم كمن يرعى أما عاجزة أو أطفالاً أيتاماً يحتاجون لرعاية في مثل هذا الوقت، وقد يؤجر الشخص بمزيد من الأجر إذا اشتغل عنها بشيء من واجب الوقت.
ولا بأس أن تصليها في البيت إن عجزت عن الذهاب إلى المسجد.
ولا يشترط أن تلتزم عددا معينا، بل صل جهدك ونشاطك، والسنة أن تصليها إحدى عشرة ركعة، راجع سؤال رقم (9036) ، ولو صليت ركعتين فهو خير من عدم الصلاة، ونسأل الله تعالى أن يعوضك خيراً عما فاتك، وأن يكتب لك من الأجر ما هو أظم من صلاتك للتراويح.
فسماحك لزوجتك بالذهاب لعيادة أمها ورعايتك ابنتك أمران عظيمان تثاب عليهما إن شاء الله.
وانظر جواب السؤال (37742) .
إلا أننا نود لفت انتباهك لأمرين مهمين:
الأول: حرمة سفر زوجتك وحدها لبلادها من غير محرم.
وانظر له جواب السؤال رقم (316) و (9370) .
والثاني: حكم الإقامة في بلاد الكفر.
وانظر له جواب السؤال رقم (11793) و (14235) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/3460)
التلفظ بالنية في صلاة التراويح وغيرها بدعة
[السُّؤَالُ]
ـ[نصلي التراويح في رمضان ولكن ماذا يجب أن نقول عند بداية التراويح؟ مثلاً هل نقول (نويت أن أصلي لله العظيم في طاعة ربي الكريم ركعتين سنة....) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التلفظ بالنية عند إرادة الصلاة بدعة، سواء كانت صلاة التراويح أو غيرها.
قال ابن القيم في "زاد المعاد" (1/201) :
كان صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة قال: الله أكبر، ولم يقل شيئاً قبلها، ولا تلفظ بالنية البتة، ولا قال: أصلي لله كذا، مستقبل القبلة، أربع ركعات، إماماً، أو مأموماً، ولا قال: أداءً، ولا قضاءً، ولا فرض الوقت، وهذه عشرُ بدعٍ لم يَنْقُلْ عنه أحدٌ قط بإسنادٍ صحيحٍ ولا ضعيفٍ ولا مُسْنَدٍ ولا مُرْسَلٍ لفظةً واحدةً منها البتة، بل ولا عن أحد من أصحابِه، ولا استحسنه أحدٌ من التابعين، ولا الأئمةُ الأربعة اهـ
وراجع سؤال (13337) .
فعلى المسلم أن يستحضر فعل صلاة التراويح بقلبه فقط، ولا يتلفظ بلسانه بشيء.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3461)
وقت صلاة التراويح
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أداء صلاة التراويح قبل أذان الفجر بساعتين أو ما يقرب؟ أم يجب أداؤها بعد العشاء مباشرة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
وقت صلاة التراويح يمتد من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر. فيصح أداؤها في أي جزء من هذا الوقت.
قال النووي رحمه الله في "المجموع":
يَدْخُلُ وَقْتُ التَّرَاوِيحِ بِالْفَرَاغِ مِنْ صَلاةِ الْعِشَاءِ , ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ , وَيَبْقَى إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ اهـ
ولكن إذا كان الرجل سيصلي في المسجد إماماً بالناس فالأولى أن يصليها بعد صلاة العشاء، ولا يؤخرها إلى نصف الليل أو آخره حتى لا يشق ذلك على المصلين، وربما ينام بعضهم فتفوته الصلاة. وعلى هذا جرى عمل المسلمين، أنهم يصلون التراويح بعد صلاة العشاء ولا يؤخرونها.
وقال ابن قدامة في "المغني":
قِيلَ للإمام أَحْمَدَ: تُؤَخِّرُ الْقِيَامَ يَعْنِي فِي التَّرَاوِيحِ إلَى آخِرِ اللَّيْلِ؟ قَالَ: لا , سُنَّةُ الْمُسْلِمِينَ أَحَبُّ إلَيَّ اهـ
أما من كان سيصليها في بيته فهو بالخيار إن شاء صلاها في أول الليل وإن شاء صلاها آخره.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3462)
صلاة التراويح غير واجبة، وحكم الإفطار مع أهل البدع
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من لم يصل التراويح طيلة شهر رمضان من دون عذر شرعي. وهل عليه إثم في ذلك؟
أنا أعمل في شركة أرامكو وبعض الأيام يتطلب العمل أن أبقى إلى ما بعد المغرب فأضطر إلى أن أفطر في العمل، وأنا تقريباً السني الوحيد، والباقي شيعة وإسماعيلية، فهل يجوز أن أُفطر معهم؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا ترك المسلم صلاة التراويح فلا إثم عليه في ذلك، سواء تركها بعذر أم بغير عذر، لأنها غير واجبة، وإنما هي سنة مؤكدة فعلها النبي صلى الله عليه وسلم وداوم عليها ورغب المسلمين فيها بقوله: (من قام رمضان إيمانا واحتساباً غُفِر له ما تقدم من ذنبه) رواه البخاري (37) ومسلم (760) .
وينبغي للمسلم ألا يتركها، فإن لم يستطع أن يصليها مع الإمام في المسجد فإنه يصليها في البيت، فإن لم يستطع أن يصلي إحدى عشرة ركعة، صلى ما تيسر له ولو ركعتين، ثم يصلي الوتر.
والله أعلم.
أما الإفطار مع الشيعة والإسماعيلية، فإن رأيت أن إفطارك معهم فيه مصلحة تأليف قلوبهم لدعوتهم إلى السنة وترك البدع التي هم عليها، فإن ذلك عمل مشروع.
أما إن رأيت أنه لا مصلحة في إفطارك معهم فالأفضل ألا تفطر معهم، وأن تجتنبهم، إنكارا لما هم عليه من البدع. وخشية أن يلقوا إليك بشبهاتهم ولا يكون عندك من العلم ما تعلم به بطلانها فتعرض نفسك للفتنة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3463)
الدعاء الجماعي بعد صلاة التراويح
[السُّؤَالُ]
ـ[أسال عن السنة الصحيحة في صلاة التراويح والبدع المحدثة فيها والدعاء جماعياً بعد صلاة التراويح.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
بالنسبة للفقرة الأولى فيراجع قسم صلاة التروايح وليلة القدر تحت قسم الصوم في الموقع
وأما الدعاء الجماعي بعد صلاة التراويح فإن هذا الفعل بدعة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) . رواه مسلم 3243.
والوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم بعد صلاة التراويح هو قول: سبحان الملك القدوس ثلاث مرات، ويرفع صوته في الثالثة.
روى أحمد (14929) أبو داود (1430) والنسائي (1699) عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْوِتْرِ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وَقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فَإِذَا سَلَّمَ قَالَ: سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ، سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ، سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ، وَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ. صححه الألباني في صحيح النسائي (1653) .
ثم في صلاة الوتر سوف يقنت الإمام ويؤمن المصلون خلفه، كما كان يفعل ذلك أبي بن كعب رضي الله عنه لما صلى بالناس التراويح في عهد عمر رضي الله عنه، وهذا يغني عن إحداث هذه البدعة. وصدق القائل:
وكل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3464)
حكم الإئتمام بالإمام من البيت
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الصلاة في البيت وراء الإمام والمسجد مأذنته مجاورة لسطح المنزل؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الصلاة في البيت خلف إمام المسجد، فلا تصح.
ولا تصح الصلاة مع الإمام في المسجد إلا إذا كان المأموم داخل المسجد، أو كان خارج المسجد واتصلت الصفوف، كما لو كان امتلأ المسجد بالمصلين، وصلى بعضهم خارج المسجد فصلاتهم صحيحة.
أما الصلاة خارج المسجد وفي المسجد مكان يمكن الصلاة فيه فإنها لا تصح.
وقد سئلت اللجنة الدائمة عمن صلى جماعة في منزله مكتفياً بسماع مكبرات الصوت من المسجد، ولم يتصل بين الإمام والمأموم ولو بواسطة وذلك واقع مكة والمدينة في الموسم؟
فأجابت:
" لا تصح الصلاة، وهذا مذهب الشافعية وبه قال الإمام أحمد، إلا إذا اتصلت الصفوف ببيته، وأمكنه الاقتداء بالإمام بالرؤية وسماع الصوت فإنها تصح، كما تصح صلاة الصفوف التي اتصلت بمنزله، أما بدون الشرط المذكور فلا تصح؛ لأن الواجب على المسلم أن يؤدي الصلاة في الجماعة في بيوت الله عز وجل مع إخوانه المسلمين، لقوله صلى الله عليه وسلم: " من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر " أخرجه ابن ماجه والحاكم، وقال الحافظ إسناده على شرط مسلم، ولقوله صلى الله عليه وسلم للأعمى الذي سأله أن يُصلي في بيته: " هل تسمع النداء بالصلاة؟ " قال نعم، قال: " فأجب " أخرجه مسلم في صحيحه. وبالله التوفيق."
فتاوى اللجنة الدائمة (8/32) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3465)
يصلي إماماً ويريد أن يؤخر الوتر
[السُّؤَالُ]
ـ[سأكون الإمام لمجموعة من الإخوة في صلاة التراويح، سنصلي ثمان ركعات ثم ثلاثاً للوتر، هل صحيح أن آخر شيء يجب أن أفعله قبل النوم هو صلاة الوتر أم أن هذا مستحب فقط لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم؟
إذا كنت أريد أن أصلي التهجد في الليل فهل من الأفضل بالنسبة لي تأخير الوتر لبعد التهجد وأن لا أصلي الوتر مع الجماعة؟ أم أصلي بهم وأنوي صلاة نافلة لركعة واحدة وتنوي الجماعة الوتر؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يستحب أن تكون آخر صلاة يصليها المسلم في الليل هي صلاة الوتر، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا) رواه البخاري (998) ومسلم (751) .
وهذا الأمر من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على سبيل الاستحباب والأفضلية وليس على سبيل الوجوب والإلزام؛ لأنه ثبت في صحيح مسلم (738) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بعد الوتر وَهُوَ جَالِسٌ.
قال النووي رحمه الله:
الصَّوَاب: أَنَّ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ فَعَلَهُمَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْد الْوِتْر جَالِسًا ; لِبَيَانِ جَوَاز الصَّلَاة بَعْد الْوِتْر , وَبَيَان جَوَاز النَّفْل جَالِسًا , وَلَمْ يُوَاظِب عَلَى ذَلِكَ , بَلْ فَعَلَهُ مَرَّة أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ مَرَّات قَلِيلَة. . .
والرِّوَايَات الْمَشْهُورَة فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرهمَا عَنْ عَائِشَة مَعَ رِوَايَات خَلَائِق مِنْ الصَّحَابَة فِي الصَّحِيحَيْنِ مُصَرِّحَة بِأَنَّ آخِر صَلَاته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اللَّيْل كَانَ وِتْرًا , وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَحَادِيث كَثِيرَة مَشْهُورَة بِالأَمْرِ بِجَعْلِ آخِر صَلاة اللَّيْل وِتْرًا مِنْهَا: (اِجْعَلُوا آخِر صَلاتكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا) وَ (صَلاة اللَّيْل مَثْنَى مَثْنَى , فَإِذَا خِفْت الصُّبْح فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ) , وَغَيْر ذَلِكَ فَكَيْف يُظَنّ بِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ هَذِهِ الأَحَادِيث وَأَشْبَاههَا أَنَّهُ يُدَاوِم عَلَى رَكْعَتَيْنِ بَعْد الْوِتْر وَيَجْعَلهُمَا آخِر صَلاة اللَّيْل؟ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ بَيَان الْجَوَاز , وَهَذَا الْجَوَاب هُوَ الصَّوَاب اهـ.
وقال الشيخ ابن باز أيضاً في بيان الحكمة من صلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ركعتين بعد الوتر ما نصه:
والحكمة في ذلك – والله أعلم- أن يبين للناس جواز الصلاة بعد الوتر اهـ فتاوى إسلامية (1/339) .
وإذا كنت تريد أن تصلي التهجد بالليل، فإنه يجوز لك أن تصلي الوتر بالجماعة ثم تصلي بعد ذلك ما شئت من الركعات ركعتين ركعتين، ولا تعيد الوتر.
ولك أن لا تصلي الوتر مع الجماعة، وتؤخر الوتر حتى يكون آخر صلاتك بالليل.
وعليك في هذا مراعاة الجماعة الذين يصلون معك، فإن كان لا يوجد أحد يصلي بهم الوتر غيرك، وعدم صلاتك بهم سيؤدي إلى تركهم للوتر أو لا يحسنون صلاته، فصلّ بهم الوتر.
سئل الشيخ ابن باز:
إذا أوترت أول الليل ثم قمت في آخره فكيف أصلي؟
فأجاب:
إذا أوترت من أول الليل ثم يسر الله لك القيام في آخره فصل ما يسر الله لك شفعاً –يعني ركعتين ركعتين- بدون وتر، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا وتران في ليلة) .
ولما ثبت عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلي ركعتين بعد الوتر وهو جالس اهـ فتاوى إسلامية (1/339)
وأما قولك إنك تصلي معهم ركعة وتنوي بها نافلة ولا تنوي الوتر، فهذا عمل غير مشروع. لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (صَلاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى) رواه البخاري (472) ومسلم (749) . انظر المغني (2/539) .
قال الحافظ:
وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى عَدَم النُّقْصَان عَنْ رَكْعَتَيْنِ فِي النَّافِلَة مَا عَدَا الْوِتْر اهـ
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3466)
كيف نحيي ليلة القدر ومتى تكون؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يكون إحياء ليلة القدر؛ أفي الصلاة أم بقراءة القرآن والسيرة النبوية والوعظ والإرشاد والاحتفال لذلك في المسجد؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر من رمضان مالا يجتهد في غيرها بالصلاة والقراءة والدعاء، فروى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم: (كان إذا دخل العشر الأواخر أحيا الليل وأيقظ أهله وشد المئزر) . ولأحمد ومسلم: (كان يجتهد في العشر الأواخر مالا يجتهد في غيرها) .
ثانياً:
حث النبي صلى الله عليه وسلم على قيام ليلة القدر إيماناً واحتساباً، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) متفق عليه، وهذا الحديث يدل على مشروعية إحيائها بالقيام.
ثالثاً:
من أفضل الأدعية التي تقال في ليلة القدر ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها، فروى الترمذي وصححه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (قلت يا رسول الله أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها؟) قال: (قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني) .
رابعاً:
أما تخصيص ليلة من رمضان بأنها ليلة القدر فهذا يحتاج إلى دليل يعينها دون غيرها، ولكن أوتار العشر الأواخر أحرى من غيرها والليلة السابعة والعشرون هي أحرى الليالي بليلة القدر؛ لما جاء في ذلك من الأحاديث الدالة على ما ذكرنا.
خامساً:
وأما البدع فغير جائزة لا في رمضان ولا في غيره، فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) ، وفي رواية: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) .
فما يفعل في بعض ليالي رمضان من الاحتفالات لا نعلم له أصلا، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها.
وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (10/413)(5/3467)
لماذا لم نذكر تصحيح الشيخ الألباني لحديث فضل النصف من شعبان؟
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما أجبتم عن السؤال حول صحة حديث أبي موسى: (إن الله تعالى ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن) : فأجبتم – بارك الله فيكم - ولكن لم تذكروا أن هذا الحديث قد صححه الشيخ الألباني - كما قرأت في بعض المواقع -، وأنا عندي ثقة كبرى بكم أكثر من كل المواقع؛ لنهجكم، وأمانتكم العلمية. فسؤالي: هل - فعلاً - صحَّح الشيخ الألباني هذا الحديث؟ لأنكم تذكرون في فتواكم رأي الشيخ الألباني رحمه الله، فلماذا لم تذكروه هنا؟ هل لم يذكره هو أصلاً؟ وما هو موجود في تلك المواقع غير صحيح، أم ماذا؟ علماً أن التصحيح - كما قرأته - موجود في " صحيح الجامع "، حديث رقم (1819) . وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نشكر لك ثقتك بموقعنا، ونسأل الله أن نكون عند حسن ظنك بنا، كما نسأله تعالى أن ينفع بهذا الموقع، وأن يجزي جميع القائمين عليه خيراً.
ولا يخفى على أحد أننا غالبا ما نعتمد تصحيح الشيخ الألباني وتضعيفه؛ ولكن يحصل أحياناً أننا نبحث في الحديث فنجد حكماً لعالِمٍ آخر غير الشيخ الألباني رحمه الله، فربما ترجح لدينا ذلك في حديث معين، وربما كانت هناك أصول بحثية ترجح عدم متابعة الشيخ رحمه الله، في حديث ما؛ فربما رأينا شهرة حكم الشيخ الألباني على الحديث، وقلة المخالفين له، فذكرنا حكمه، وعلَّقنا عليه، وربما رأينا كثرة المخالفين لحكم الشيخ الألباني، فلم نهتم بذِكر حُكم الشيخ، والتعليق عليه؛ مكتفين بما ننقله من المخالفة لطائفة العلماء.
وهذا الثاني هو الذي حصل معنا في عدم ذِكرنا لحكم الشيخ الألباني رحمه الله على الحديث، وقد نقلنا قول ابن رجب الحنبلي رحمه الله في تضعيف الأكثر من العلماء لأحاديث فضل النصف من شعبان.
مع التنبيه هنا على فائدة مهمة، وهي أن الشيخ الألباني رحمه الله يرى تضعيف إسناد حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه! وهو موافق لما ذكرناه من كون إسناده ضعيفاً، لكننا لم ننقله عنه لأنه – رحمه الله – يرى تصحيح الحديث بمجموع طرقه.
قال – رحمه الله -:
وأما حديث أبي موسى: فيرويه ابن لهيعة أيضاً عن الزبير بن سليم عن الضحاك بن عبد الرحمن عن أبيه قال: سمعت أبا موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم (نحوه) .
أخرجه ابن ماجه (1390) وابن أبي عاصم اللالكائي.
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ من أجل ابن لهيعة، وعبد الرحمن، وهو ابن عرزب، والد الضحاك: مجهول، وأسقطه ابن ماجه في رواية له عن ابن لهيعة.
" السلسلة الصحيحة " (3 / 218) .
وقد ذكر الشيخ رحمه الله طرق الحديث وشواهده في كتابه " السلسلة الصحيحة " (1144) وخلص إلى القول بصحة متن حديث أبي موسى رضي الله عنه.
ولكننا لم يترجح لدينا ما ذكره الشيخ رحمه الله، ولم نرَ تلك الطرق تصلح لتقوية بعضها بعضاً، وقد أحلنا في آخر إجابتنا على رسالة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في " حكم الاحتفال بليلة النصف من شعبان "، وفيها قوله:
والذي أجمع عليه جمهور العلماء: أن الاحتفال بها بدعة، وأن الأحاديث الواردة في فضلها كلها ضعيفة، وبعضها موضوع، وممَّن نبَّه على ذلك: الحافظ ابن رجب في كتابه " لطائف المعارف ".
انتهى
وهذا هو الذي ترجح لدينا، ومسألة تصحيح حديث، أو تضعيفه، في مثل ذلك هي من موارد الاجتهاد، التي يعمل فيها العالم بما ترجح لديه، ويتابع فيها طالب العلم ما ترجح لديه من أقوال أهل العلم، وليست من موارد الإنكار على المخالف.
ولينظر جواب السؤال رقم: (113687) ففيه فوائد مهمة حول الشيخ الألباني.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3468)
التعليق على نشرة " ثلاثون دعاء لثلاثين يوماً في رمضان "
[السُّؤَالُ]
ـ[ظهر في بعض المواقع الإكترونية نشرة مشتهرة بعنوان " ثلاثون دعاء لثلاثين يوماً في رمضان " دعاء اليوم الأول: اَللهُمَّ اجْعَلْ صِيامي فيهِ صِيامَ الصّائِمينَ وَقِيامي فيِهِ قِيامَ القائِمينَ، وَنَبِّهْني فيهِ عَن نَوْمَةِالغافِلينَ، وَهَبْ لي جُرمي فيهِ يا اِلهَ العالمينَ، وَاعْفُ عَنّي يا عافِياً عَنِ المُجرِمينَ. دعاء اليوم الثاني: اَللهُمَّ قَرِّبْني فيهِ اِلى مَرضاتِكَ، وَجَنِّبْني فيهِ مِن سَخَطِكَ وَنَقِماتِكَ، وَوَفِّقني فيهِ لِقِراءةِ آياتِِكَ، بِرَحمَتِكَ يا أرحَمَ الرّاحمينَ. دعاءاليوم الثالث: اَللهُمَّ ارْزُقني فيهِ الذِّهنَ وَالتَّنْبيهِ، وَباعِدْني فيهِ مِنَ السَّفاهَةِ وَالتَّمْويهِ، وَاجْعَل لي نَصيباً مِن كُلِّ خَيْرٍ تُنْزِلُ فيهِ، بِجودِكَ يا أجوَدَ الأجْوَدينَ. دعاء اليوم الثلاثين: أللهُمَّ اجْعَلْ صِيامي فيهِ بالشُّكرِ وَالقَبولِ عَلى ماتَرضاهُ وَيَرضاهُ الرَّسولُ مُحكَمَةً فُرُوعُهُ بِالأُصُولِ، بِحَقِّ سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ، وَآلهِ الطّاهِرينَ، وَالحَمدُ للهِ رَبِّ العالمين ". فما حكم اعتماد هذه النشرة لتوزيعها، ونشرها، وحكم الدعاء بها في رمضان؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
(الدُّعَاءُ هُوَ العِبَادَة) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، رواه الترمذي وغيره بإسناد صحيح، والأصل في العبادات التوقيف، والمنع، فلا يجوز إحداث عبادة، أو تقييدها بوقت أو مناسبة إلا إذا كان الشرع قد دل على ذلك.
فلا يجوز لأحدٍ أن يشرع للناس أدعية يقولونها في أوقات مخصوصة.
وانظر – في ذلك – جوابي السؤالين: (21902) و (27237) .
والدعاء في رمضان مرَّغب فيه، إلا أن هذا الترغيب لا يُجوَّز لأحد من الناس أن يخترع أدعية من عنده، ويخصها بأوقات معينة، كأنها أدعية نبوية، بل يدعو المسلم بما شاء من خيري الدنيا والآخرة، بما تيسر له من كلمات، وفي أي الأوقات.
ومثل ذلك: ما حذَّر العلماء من فعله، مما اشتهر عند العامَّة، من تخصيص دعاء معيَّن لكل شوط طواف، أو شوط سعي، في الحج، والعمرة.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
ولا يجب في هذا الطواف، ولا غيره من الأطوفة، ولا في السعي: ذِكر مخصوص، ولا دعاء مخصوص، وأما ما أحدثه بعض الناس من تخصيص كلِّ شوطٍ من الطواف، أو السعي، بأذكار مخصوصة، أو أدعية مخصوصة: فلا أصل له، بل مهما تيسر من الذكر والدعاء كفى.
"فتاوى الشيخ ابن باز" (16/61، 62) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
ليس هناك دعاء معين لكل شوط، بل تخصيص كل شوط بدعاء معيَّن: من البدع؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وغاية ما ورد: التكبير عند استلامِ الحجر الأسود، وقول: (رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخرة حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) البقرة/201 بين الركن اليماني والحجر الأسود، وأما الباقي: فهو ذِكر مطلق، وقرآن، ودعاء، لا يخصص به شوط دون آخر.
"مجموع فتاوى الشيخ العثيمين" (22/336) .
وأمر آخر:
أنه قد جاء في دعاء اليوم الأخير ما هو منكر، ومخالف للشرع، من التوسل في الدعاء بحق النبي صلى الله عليه وسلم، وحق آل بيته.
وقد سبق بيان بدعة هذا التوسل في الدعاء، وكلام أهل العلم فيه: في جواب السؤال رقم: (125339) ، فلينظر.
فعلى المسلم ألا يشارك في نشر تلك النشرة، بل عليه أن يحذر منها بقدر استطاعته.
وليعلم المسلم أنه لا خير في بدعة يتقرب بها المسلم إلى ربِّه، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ) رواه مسلم (867) .
وانظر الأحاديث التي ثبتت في النهي عن الابتداع في الدين، وأقوال العلماء في التحذير من البدعة: في جوابي السؤالين: (118225) و (864) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3469)
كيف يتم تعويد الأطفال على الصوم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد عندي ولد عمره 9 سنوات، وأريد مساعدتي في كيف أعوِّد ابني على صوم رمضان، إن شاء الله؛ لأنه صام رمضان السنَة الماضية فقط 15 يوماً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
من المفرح أننا نرى مثل هذا السؤال، وهو يدل على عظيم الاهتمام بالأولاد، وتربيتهم على طاعة الله تعالى، وهذا من النصح للرعية التي استرعى الله الوالدين عليها.
ثانياً:
الابن في عمر 9 سنوات ليس من المكلفين شرعاً بالصيام؛ لعدم بلوغه، ولكنَّ الله تعالى كلَّف الوالدين بتربية أولادهم على العبادات، فأمرهم الله تعالى بتعليمهم الصلاة وهم أبناء سبع سنين، وضربهم عليها وهم أبناء عشر، كما كان الصحابة الكرام رضي الله عنهم يصوِّمون أولادهم في صغرهم تعويداً لهم على هذه الطاعة العظيمة، وكل ذلك يدل على عظيم الاهتمام بالذرية لتنشئتها على خير ما يكون من الصفات، والأفعال.
ففي الصلاة:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ) رواه أبو داود (495) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".
وفي الصيام:
عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ بْنِ عَفْرَاءَ رضي الله عنها قَالَتْ: أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الأَنْصَارِ الَّتِى حَوْلَ الْمَدِينَةِ: (مَنْ كَانَ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، وَمَنْ كَانَ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ) ، فَكُنَّا بَعْدَ ذَلِكَ نَصُومُهُ، وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا الصِّغَارَ مِنْهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَنَذْهَبُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهَا إِيَّاهُ عِنْدَ الإِفْطَارِ رواه البخاري (1960) ومسلم (1136) .
وقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِنَشْوَانٍ [أي: سكران] فِي رَمَضَانَ: "وَيْلَكَ! وَصِبْيَانُنَا صِيَامٌ! "، فَضَرَبَهُ. رواه البخاري – معلَّقاً – باب صوم الصبيان.
والسن الذي يبدأ الوالدان بتعليم أولادهما الصيام فيه هو سن الإطاقة للصيام، وهو يختلف باختلاف بنية الولد، وقد حدَّه بعض العلماء بسن العاشرة.
وانظر تفصيل ذلك في جواب السؤال رقم: (65558) وفيه فوائد مهمة.
ثالثاً:
أما بخصوص وسائل تعويد الصبيان على الصيام: فينتظم في أمور، منها:
1- تحديثهم بفضائل الصيام وأنه سبب مهم من أسباب دخول الجنة، وأن في الجنة باباً يسمى الريان يدخل منه الصائمون.
2- التعويد المسبق على الصيام، كصيام بضع أيام من شهر شعبان؛ حتى لا يفجؤهم الصوم في رمضان.
3- صيام بعض النهار، وتزاد المدة شيئاً فشيئاً.
4- تأخير السحور إلى آخر الليل، ففي ذلك إعانة لهم على صيام النهار.
5- تشجيعهم على الصيام ببذل جوائز تُدفع لهم كل يوم، أو كل أسبوع.
6- الثناء عليهم أمام الأسرة عند الإفطار، وعند السحور، فمن شأن ذلك أن يرفع معنوياتهم.
7- بذل روح التنافس لمن عنده أكثر من طفل، مع ضرورة عدم تأنيب المتخلف.
8- إلهاء من يجوع منهم بالنوم، أو بألعاب مباحة ليس فيها بذل جهد، كما كان الصحابة الكرام يفعلون مع صبيانهم، وهناك برامج أطفال مناسبة، وأفلام كرتونية محافظة في القنوات الإسلامية الموثوقة، يمكن إشغالهم بها.
9- يفضَّل أن يأخذ الأب ابنه – وخاصة بعد العصر – للمسجد لشهود الصلاة، وحضور الدروس، والبقاء في المسجد لقراءة القرآن، وذكر الله تعالى.
10- تخصيص الزيارات النهارية، والليلية، لأسر يصوم أولادهم الصغار؛ تشجيعاً لهم على الاستمرار في الصيام.
11- مكافأتهم برحلات مباحة بعد الإفطار، أو صنع ما تشتهيه نفوسهم من الأطعمة والحلويات، والفواكه، والعصائر.
وننبه إلى أنه إذا بلغ الجهد من الطفل مبلغه أن لا يصرَّ عليه إكمال الصوم؛ حتى لا يتسبب ذلك في بغضه للعبادة، أو يتسبب له في الكذب، أو في مضاعفات مرضية، وهو ليس من المكلفين، فينبغي التنبه لهذا، وعدم التشدد في أمره بالصيام.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3470)
حكم التسحر على " حبَّة رمضان " التي تخفف من أثر الجوع أثناء نهار الصائم
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك حديث في أوساط الناس عن بعض العقاقير التي تتحكم وتقلل من نسبة الشعور بالجوع، والعطش، في جسم الشخص، ويقوم بعض الناس باستخدام هذه العقاقير في شهر رمضان، فما حكم تناول هذه العقاقير؟ . ولمزيد معلومات عن هذه العقاقير زوروا الموقع التالي: http://fasting.ramadantablet.com/#]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرَّف العلماء الصيام بأنه: " التعبد لله بالإمساك عن المفطرات كالطعام والشراب والجماع من طلوع الفجر إلى غروب الشمس "، كما قال تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) البقرة/ 187، وكما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (الصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَجْهَلْ، وَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ. مَرَّتَيْنِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي، الصِّيَامُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا) رواه البخاري (1795) .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
والمفسد للصوم يسمَّى عند العلماء " المفطرات "، وأصولها ثلاثة: ذكرها الله عزّ وجل في قوله: (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) البقرة/ 187، وقد أجمع العلماء على أن هذه الثلاثة تفسد الصوم.
" الشرح الممتع " (6 / 235) .
والعقاقير الوارد الإشارة إليها في السؤال هي – بحسب الموقع المحال عليه – حبة مكونة من أعشاب ومواد مباحة الاستعمال والتناول، وتسمَّى " حبة رمضان "، وفيها من أنواع الفيتامينات المتعددة (بي 1، بي 2، بي 6، بي 12) ، وغيرها من المواد النافعة للبدن، وهي تزود الجسم بالنشاط أثناء النهار، وتخفف عليه الجوع؛ لما في هذه المواد من قدرة على مساعدة المخ على إعطاء أوامر للجسم ليبحث عن الغذاء في الشحوم، والدهون الزائدة في الجسم، عوضاً عن المعدة الخاوية.
ومما لا شك فيه أن تناول هذه الحبوب والعقاقير في نهار رمضان أنه مفطِّر، ولا يَختلف في ذلك أحد؛ لكونها من الطعام، والذي يصل الجوف مباشرة.
والظاهر من السؤال أنه عن حكم تناولها في الليل قبل الفجر، وأنه لكون تلك العقاقير لها القدرة على جعل البدن في نشاط مستمر، ولها القدرة على منع إحساسه بالجوع: فإنه قد يظن ظانٌّ أنه لا يحل تناولها من الليل؛ لما لها من استمرار مفعول في النهار، وهذا ظن خطأ، بل هي جائزة الاستعمال، ما دام تناولها في وقت إباحة تناول الطعام والشراب.
وأما أثرها المستمر في النهار فهو ليس بمانع من تناولها، ولا فرق بينها وبين طعام السحور، ومن الحكَم الجليلة في تأخير تناول السحور: هو إعطاء البدن قدرة أكبر وأكثر على تحمل الصيام في النهار.
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةٌ) رواه البخاري (1823) ومسلم (1095) .
قال الحافظ ابن حجر:
"قوله في حديث أنس: (تسحروا فإن في السحور بركة) المراد بالبركة: الأجر والثواب.
أو البركة لكونه يقوي على الصوم، وينشِّط له، ويخفف المشقة فيه.
وقيل: البركة ما يتضمن من الاستيقاظ، والدعاء في السَّحَر.
والأولى: أن البركة في السحور تحصل بجهات متعددة: وهي اتِّباع السنَّة، ومخالفة أهل الكتاب، والتقوي به على العبادة، والزيادة في النشاط، ومدافعة سوء الخلق الذي يثيره الجوع، والتسبب بالصدقة على من يسأل إذ ذاك، أو يجتمع معه على الأكل، والتسبب للذِّكر، والدعاء، وقت مظنة الإجابة، وتدارك نية الصوم لمن أغفلها قبل أن ينام" انتهى باختصار
"فتح الباري" (4/140) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في سياق ذِكر بركات السحور:
"من بركته: أنه يغذِّي الجسم طوال النهار، ويحمل على الصبر عن الأكل والشرب، حتى في أيام الصيف الطويلة الحارة، بينما الإنسان في غير الصيام تجده يشرب في اليوم خمس، وست، مرات، ويأكل مرتين، لكن هذا السحور يجعل الله فيه بركة، فيتحمل الجسم" انتهى.
"لقاء الباب المفتوح" (مقدمة اللقاء رقم 223) .
والحاصل: أنه لا حرج من تناول هذه الحبوب.
وانظر جواب السؤال رقم (49686) في إباحة تناول الهرمونات في السحور لرياضي.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3471)
هل يجوز للطبيب أن يفطر إذا تعب من علاج المرضى؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لطبيب في الأحوال العادية أن يفطر إذا تعب من علاج المرضى، وما الحكم إذا كان يجري عملية جراحية قد يستغرق بعضها وقتاً طويلاً، وهل يختلف الحكم إذا كانت الحالة حالة إسعافية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا يجوز للطبيب أن يفطر من أجل علاج المرضى إلا إذا كانت حالة المريض حالة خطرة وتوقف علاجها على إفطار الطبيب المعالج، فيجوز إفطار الطبيب في هذه الحالة؛ لأنه إنقاذ معصوم من هلكة.
وبالله التوفيق، وصلى الله علي نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. الشيخ صالح الفوزان.. الشيخ عبد العزيز آل الشيخ.. الشيخ بكر أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة. المجموعة الثانية" (9/203) .
[الْمَصْدَرُ]
"فتاوى اللجنة الدائمة. المجموعة الثانية" (9/203)(5/3472)
هل يشرع الصوم من أجل أن يقضي الله حاجته؟
[السُّؤَالُ]
ـ[يقال عندنا: إن المرء إذا أراد أن يقضي الله حاجته فإنه يصوم، وما كيفية هذا الصوم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الصيام لأجل قضاء الحاجات بدعة لا أصل لها، وإنما على الإنسان أن يتقرب إلى الله بنوافل العبادات؛ طاعة لله، وابتغاء ثوابه مخلصاً بذلك لله وحده لا لأجل مقاصد دنيوية، والثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن من ضمن الذين لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر، وأن للصائم عند فطره دعوة لا ترد.
وبالله التوفيق، وصلى الله علي نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. الشيخ صالح الفوزان.. الشيخ بكر أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة. المجموعة الثانية" (9/292) .
[الْمَصْدَرُ]
"فتاوى اللجنة الدائمة. المجموعة الثانية" (9/292)(5/3473)
أمر زوجته بتجهيز الطعام له في نهار رمضان!!
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي بنت متزوجة، وقد جاءت عندنا هي وزوجها في شهر رمضان، وبعد أن صمنا أسبوعاً من الشهر، ذهب زوج ابنتي مع زملائه إلى البر وخالطهم الشيطان فأكلوا وشربوا في نهار رمضان، وفي صباح اليوم التالي طلب زوج ابنتي من زوجته أن تصنع له طعاماً فأبت، فحلف عليها بالطلاق أن تصنع، فحلفت هي الأخرى أن لا تصنع، وخروجاً من هذا الأمر، طلبت من زوجة ولدي أن تصنع له طعاماً فامتنعت، إلا أنني أرغمتها على ذلك، فصنعت له طعاماً وهي كارهة، فجلس يأكل وحده ولم نأكل معه، فهل نحن آثمون في ذلك؟ وما يلزمنا أن نفعل لنكفر عن هذا الإثم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا شك أن الإفطار في رمضان بدون عذر شرعي كبيرة من الكبائر، ومنكر من المنكرات العظيمة، أما إذا كان بعذر كالسفر وهو ما يعادل ثمانين كيلو أو سبعين كيلو تقريباً، وهي مسافة ليلة بالمطايا والأقدام، فهذا يسمى سفراً، ولا حرج في الإفطار فيه، أما ما كان في البيت أو ضواحي البلد فلا يسمى سفراً، والإفطار فيه كبيرة من الكبائر، ومن يعين المفطر على إفطاره شاركه في الإثم؛ لأن الله سبحانه يقول: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2.
فالذي يساعد من أفطر في رمضان بغير عذر بتقديم الطعام أو القهوة أو الشاي أو غير ذلك من الأشربة أو المطعومات آثم مشارك للمفطر في الإثم، لكن صومه صحيح لا يبطل بالمعاونة، ولكن يكون آثماً وعليه التوبة إلى الله.
وعليك أيها الأخ السائل الذي غصبت ابنتك أو زوجة ابنك على صنع الطعام أن تتوب إلى الله، فقد أخطأت حين أمرتها بصنع الطعام له، أما هي فأحسنت وأصابت في عدم طاعته؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. والنبي عليه الصلاة والسلام قال: (إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ) . فإذا أمرها زوجها أن تقدم له طعاماً في نهار رمضان وليس له عذر يبيح له الفطر من مرض أو سفر فليس لها أن تعينه على ما حرم الله ولو غضب أو طلق؛ لأن طاعة الله مقدمة على طاعة الزوج وعلى طاعة الأب وعلى طاعة السلطان وعلى طاعة الأمير؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ) ، وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام: (لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ) .
ولا يعتبر هذا الرجل مسافراً لأنه جلس معهم أسبوعاً، والظاهر أنه كان عازماً على الإقامة أكثر من أربعة أيام، فهذا يلزمه الصوم على الصحيح من أقوال أهل العلم، وهو قول جمهور أهل العلم؛ أنهم إذا عزموا على الإقامة أكثر من أربعة أيام عند أصهارهم فإنهم يصومون معهم، أما أربعة أيام فأقل فلا يلزمهم الصوم إذا كانوا مسافرين، وإن صاموا فلا بأس ولا حرج، أما إذا كانوا قد أرادوا الإقامة عندهم أكثر من أربعة أيام فالذي ينبغي في هذه الحال هو الصوم خروجاً من خلاف العلماء، وعملاً بقول الأكثر، ولأن الأصل الصوم، وشُكَّ في إجازة الإفطار" انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (3/1266)(5/3474)
لا بأس بتقديم الطعام والشراب لفاقد العقل في نهار رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[في أول يوم من شهر رمضان زارتني امرأة عجوز عمرها في حدود مائة سنة، أحياناً يكون وعيها معها وأحياناً لا تعي، فطلبت مني أن أصنع لها قهوة، ففعلت ذلك وأحضرت لها القهوة، فهل علي ذنب في هذا؟ مع العلم بأنني أخبرتها أننا في شهر رمضان. أفيدوني أفادكم الله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا كان ظاهرا أن عقلها مفقود، وأنها قد دخلت في التخريف والهرم فلا بأس بصنعك القهوة لها لأنه ليس عليها صيام، وحضور بعض العقل معها كأن تقول: افعلوا كذا أو أعطوني كذا. فهذا لا يدل على العقل، والغالب على من بلغ مائة سنة أنه يدخله التخريف والتغير، فإن ظهر لك من حالها أن عقلها مفقود وأنها غير منضبطة فإنه لا بأس أن تأكل وتشرب.
أما إن ظهر لك أن عقلها معها وأنها متساهلة، فلا تعطيها قهوة ولا غيرها، لئلا تعيينها على الباطل، والله يقول: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2، فالذي يطلب الطعام في رمضان وهو صحيح من المسلمين لا يعطى، لا طعاماً ولا شراباً ولا دخاناً ولا يعان على الباطل.
أما من كان فاقد العقل كالمعتوه والهرم والمجنون والهرمة فهؤلاء ليس عليهم جناح وقد سقط عنهم الصوم" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (3/1267) .
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
فتاوى نور على الدرب(5/3475)
ينبغي للصائم أن يحرص على السحور ولو كان قليلاً
[السُّؤَالُ]
ـ[كثيراً ما نسمع عن السحور في شهر رمضان المبارك، ونسمع في الأحاديث التي تلقى في المساجد أن السحور بركة، لكننا أحياناً لا نشتهي السحور بسبب العشاء المتأخر ونترك هذه البركة. فهل علينا إثم في ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" لا ريب أن السحور سنة وقربة؛ لأن الرسول أمر بذلك عليه الصلاة والسلام، قال: (تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً) ، وقال عليه الصلاة والسلام: (فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ) ، وكان يتسحر عليه الصلاة والسلام. فالسحور سنة وليس بواجب، من لم يتسحر فلا إثم عليه لكن ترك السنة.
فينبغي أن يتسحروا ولو بقليل، ليس من اللازم أن يكون كثيراً، يتسحر بما تيسر ولو تمرات أو ما تيسر من أنواع الطعام في آخر الليل، فإن لم يتيسر أو لم يشته الطعام فليشرب شيئاً من اللبن أو على الأقل الماء، يحسو من الماء ما تيسر، ولا يدع السحور، فأكلته فيها بركة وفيها خير كثير، وهي عون للصائم على أعماله في النهار، فينبغي للصائم ألا يدع السحور ولو كان قليلاً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً) .
هكذا يقول عليه الصلاة والسلام، وهذه هي البركة لا ينبغي أن تضيع، بل ينبغي للمؤمن أن يحرص عليها ولو بشيء قليل من الطعام أو من التمرات أو من اللبن، يستعين بذلك على أعمال النهار الدينية والدنيوية" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (3/1222) .
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
فتاوى نور على الدرب(5/3476)
نزول قطرات دم بعد الطهر لا تعتبر حيضاً
[السُّؤَالُ]
ـ[صمت أربعة أيام من رمضان، وجاءني الحيض، وبعد قضاء أيام الحيض تطهرت وبدأت الصوم، ولكن سقطت بعض القطرات من الدم وتتوقف، وعندما أتطهر وأصوم تنزل ثانية طيلة شهر رمضان، ما هو الجواب في هذا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا كان الواقع كما ذكرت، فإن قطرات الدم التي نزلت عليك بعد الطهارة من العادة لا تعتبر حيضاً؛ لأنه ليس دماً مستمراً، فلا يأخذ حكم الحيض، ويجب عليك الصوم والصلاة والوضوء لوقت كل صلاة حال وجودها كسائر المستحاضات وأصحاب السلس الدائم، وصومك في تلك الأيام صحيح.
وبالله التوفيق، وصلى الله علي نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. الشيخ عبد العزيز آل الشيخ.. الشيخ صالح الفوزان.. الشيخ بكر أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة المجموعة الثانية" (9/83) .
[الْمَصْدَرُ]
"فتاوى اللجنة الدائمة المجموعة الثانية" (9/83)(5/3477)
هل يقدم صلاة المغرب على الطعام؟ أم يقدم الطعام على الصلاة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يفطر المسلم؟ لأن كثيراً من الناس مشغول بالأكل حتى ينقضي وقت صلاة المغرب، وإذا سألتهم يقولون لك: لا صلاة بحضور الطعام، وهل يجوز الاستدلال بهذا القول لأن وقت المغرب ضيق؟ والآن ماذا أفعل؟ هل أفطر بالتمر ثم أصلي المغرب، وبعد ذلك أكمل الطعام؟ أو أكمل الطعام كله ثم أصلي المغرب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"السنة أن يبادر الصائم إلى الإفطار إذا تحقق من غروب الشمس؛ لحديث: (لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ) ، ولحديث: (أحب عباد الله إلى الله أعجلهم فطراً) والأكمل في حق الصائم أن يفطر على تمرات ثم يؤخر تناول الطعام إلى بعد صلاة المغرب؛ حتى يجمع بين سنة تعجيل الفطر وصلا ة المغرب في أول وقتها في الجماعة؛ اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم.
وأما حديث: (لا صلاة بحضرة الطعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان) وحديث: (إذا حضر العِشاء والعَشاء فابدؤوا بالعَشاء) وما جاء في معنى ذلك فالمراد به: من قدم إليه الطعام أو حضر إلى طعام، فإنه يبدأ به قبل الصلاة حتى يأتي الصلاة وقلبه قد فرغ من التطلع إلى الطعام، فيصلي بقلب خاشع، ولكن ليس له أن يطلب حضور الطعام أو تقديم الطعام قبل أن يصلي إذا كان ذلك يفوت الصلاة في أول الوقت أو الصلاة في الجماعة.
وبالله التوفيق، وصلى الله علي نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن باز. الشيخ عبد العزيز آلا الشيخ. الشيخ عبد الله بن غديان. الشيخ صالح الفوزان. الشيخ بكر أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة – المجموعة الثانية" (9/32) .
[الْمَصْدَرُ]
"فتاوى اللجنة الدائمة – المجموعة الثانية" (9/32)(5/3478)
من هو الصائم الذي يثاب المسلم بتفطيره؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الصائم الذي حث الرسول صلى الله عليه وسلم على تفطيره هو الصائم الفقير أو الغريب في البلد أو الذي نقوم بدعوته للإفطار لدينا في المنزل كالضيف من الأهل والأقارب، وهل يحصل الأجر لنا بتقديم الإفطار للصائمين الذين ندعوهم دعوة خاصة في رمضان؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا) رواه الترمذي (807) .
والمراد بالصائم هنا: أي صائم من المسلمين، لا سيما من يستحق الصدقة عليه بالفطر؛ كالفقير والمسكين وابن السبيل، وهذا المعنى مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَدْ غَزَا) رواه البخاري (2843) .
وبالله التوفيق، وصلى الله علي نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. الشيخ عبد العزيز آل الشيخ.. الشيخ صالح الفوزان.. الشيخ بكر أبو زيد
"فتاوى اللجنة الدائمة المجموعة الثانية" (9/33) .
ولمزيد الفائدة يراجع جواب السؤال رقم (50047) و (118145) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3479)
لا يجوز الإفطار بسبب لعب كرة القدم أو غيرها من الألعاب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز ترك الصوم يوماً واحداً بسبب كرة القدم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا يجوز الإفطار في نهار رمضان لأجل الأعمال الرياضية من كرة القدم أو غيرها؛ لأن ذلك ليس من الأعذار الشرعية المبيحة للإفطار.
وبالله التوفيق، وصلى الله علي نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. الشيخ عبد العزيز آل الشيخ.. الشيخ صالح الفوزان.. الشيخ بكر أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة المجموعة الثانية" (9/139) .
[الْمَصْدَرُ]
"فتاوى اللجنة الدائمة المجموعة الثانية" (9/139)(5/3480)
هل يجب الصيام على أصحاب المناطق الحارة جداًّ مع صعوبته عليهم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[في منطقة الصحراء الكبرى، قد يحل شهر رمضان على الناس في فصل الصيف ويصعب عليهم الصيام، وقد يكون عليهم مستحيلاً ويستمر ذلك لعدة سنوات، كيف يصوم هؤلاء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا دخل شهر رمضان وجب على كل مسلم مكلف مقيم صحيح أن يصومه، قال تعالى: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) البقرة/185.
فيجب الصيام ولو كان الوقت حاراً؛ لأن صوم رمضان ركن من أركان الإسلام، ومن صام ثم أصيب بعطش شديد خشي معه الهلاك فإنه يفطر بتناول ما يبقي على حياته، ثم يمسك ويقضي هذا اليوم في وقت آخر. والله أعلم.
وبالله التوفيق، وصلى الله علي نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز. الشيخ عبد الله بن غديان. صالح الفوزان. الشيخ عبد العزيز آل الشيخ. الشيخ بكر أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الثانية" (9/145) .
[الْمَصْدَرُ]
"فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الثانية" (9/145)(5/3481)
حكم الإفطار للطيار الذي يقوم بمهمة الدوريات
[السُّؤَالُ]
ـ[يكلف بعض الطيارين بمهمة الدوريات على الحدود التي تشهد اضطرابات أو حروبا، وقد تصل مدة التحليق إلى ست ساعات أو أكثر على فترتين، وأحيانا يكون الطيار تحت الطلب لرجلة إضافية، مما يحتاج إلى جهد كبير من الطيارين للقيام بهذه المهمة للمحافظة على أمن البلاد وأرواح الناس وممتلكاتهم. فهل يجوز لهم الإفطار، ويكون هذا عذرا لهم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"أولاً:
من كان من الطيارين المكلفين بمهمة الدوريات على الحدود يبعد عن مقر إقامته مسافة القصر، وهي ثمانون كيلو متر تقريباً ـ جاز له الفطر إذا غادر البنيان، وإن دعت الضرورة إلى أن يفطر قبل الإقلاع فلا بأس.
ثانياًُ:
ما كان دون هذه المسافة منهم وكان لابد من قيامه بمهمة الدوريات؛ حفاظاً على مصلحة الأمة، ولا يتمكن من القيام بهذه المهمة إلا وهو مفطر جاز له الفطر تحقيقاً للمصلحة، ودرءاً للمفسدة.
ثالثاً:
من عاد منهم إلى مقر إقامته أثناء النهار ولن يعود إلى القيام بهذه المهمة في بقية يومه وجب عليه الإمساك.
رابعاً:
على كل هؤلاء القضاء.
وبالله التوفيق، وصلى الله علي نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. الشيخ صالح بن فوزان الفوزان.. الشيخ عبد العزيز ابن محمد آل الشيخ.
"فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الثانية" (9/141) .
[الْمَصْدَرُ]
"فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الثانية" (9/141)(5/3482)
من يصوم رمضان وهو نصراني
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد في القرية عندنا رجل مسيحي وهو يصوم شهر رمضان ولا يصلي. فهل صيامه هذا صحيح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"هذا النصراني الذي يصوم ولا يصلي يُنظر في أمره ويدعى إلى الإسلام، فإن الصيام بدون دخوله الإسلام لا ينفعه؛ فالكفر يبطل الأعمال، كما قال عز وجل: (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ) المائدة/5، ويقول سبحانه: (وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) الأنعام/88.
فلابد أولاً من تصديقه بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم ودخوله الإسلام، فإن صدق محمداً صلى الله عليه وسلم ودخل الإسلام فحينئذ يطالب بالصلاة والصوم والزكاة والحج وغير ذلك، أما كونه يصوم أو يصلي وهو على مسيحيته وعلى نصرانيته، فهذا لا يصح منه، وصلاته باطلة، وصومه باطل، ولا ينفعه ذلك؛ لأن شرط هذه العبادات: الإسلام، فإذا صلى وهو غير مسلم أو صام وهو غير مسلم فعبادته باطلة.
فعليكم أيها الإخوة الذين بقربه أن تنصحوه وتوجهوه إلى الإسلام، وتعلموه أنه لابد من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وتصديقه، وأنه رسول الله حقاً إلى الناس عامة والجن والإنس، وأن عليه أن يلتزم بالإسلام بإخلاص العبادات لله وحده وترك ما عليه النصارى من القول بأن المسيح ابن الله أو بالأقانيم الثلاثة، يترك هذا كله ويؤمن بأن الله إله واحد ليس له شريك، وأن المسيح ابن مريم عبد الله ورسوله، وليس هو ابن الله ـ تعالى الله عن ذلك علوا كبيراً ـ فإن الله سبحانه ليس له صاحبة ولا ولد، قال الله عز وجل: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) الإخلاص.
فإذا ترك ما عليه النصارى من هذا القول الشنيع وإذا آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم وصدق ما جاء به والتزم بالإسلام فهذا حينئذ يكون مسلماً، له ما للمسلمين وعليه ما على المسلمين، وعليه أن يصلي ويصوم، وعليه أن يزكي إذا كان عنده مال، وعليه أن يحج مع الاستطاعة، وهكذا سائر المسلمين" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (3/1217) .
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
فتاوى نور على الدرب(5/3483)
لا يجوز لك الإفطار بسبب العمل
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا من عائلة متوسطة الدخل، وأشتغل في العطلة بعمل شاق جداً لأساعد عائلتي في مصاريفها، ويوافق عملي هذا صيام رمضان، ولا أستطيع التوفيق بين عملي والصيام. فهل يجوز لي أن أصوم في غير رمضان لأستمر في عملي؟ أفيدونا أفادكم الله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الواجب على المؤمن إذا جاء رمضان أن يصوم رمضان، وإذا كان في أعمال شاقة فليخفف منها لأجل الصوم، وذلك بأن يعمل في الوقت الذي يناسبه في أول النهار، ثم يمسك عن العمل الذي يشق عليه حتى يكمل صيامه، فالله سبحانه وتعالى جعل ذلك الصيام فرضاً وركناً من أركان الإسلام الخمس.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ، وَحَجَّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) .
فالواجب على كل مسلم وعلى كل مسلمة صوم هذا الشهر، ويجب الحذر من كل ما يعوق من ذلك، والأعمال لا تنتهي ولها أوقات كثيرة، فبإمكان المؤمن أن يجعل عمله بالليل أو أول النهار حتى لا يشق عليه العمل في وسط النهار.
والمقصود: أنه عليك أن تعمل الأسباب التي تعينك على الجمع بين الأمرين؛ بين الصيام والعمل على وجه لا يضرك، هذا هو الواجب عليك، أما الإفطار فلا يجوز لك" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (3/1233) .
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
فتاوى نور على الدرب(5/3484)
هل يكفي في السحور أن يشرب ماء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال: هل الاقتصار في السحور على الماء يسمى سحوراً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الظاهر أنه يسمى سحوراً، لكن إذا لم يجد طعاماً، لحديث: (إذا أفطر أحدكم فليفطر على رطب، فإن لم يجد فعلى تمر، فإن لم يجد حسى حسوات من ماء) فإذا كان ليس عنده طعام يعني ليس عنده مأكول، أو عنده مأكول لكن لا يشتهيه، وشرب ماءاً فأرجو أن تحصل له السنة" انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
"فتاوى نور على الدرب"
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3485)
هل يلزمه الإمساك عن الطعام في اليوم الذي أسلم فيه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أسلم الكافر في نهار رمضان فهل يلزمه إمساك باقي اليوم الذي أسلم فيه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"نعم، يلزمه أن يمسك بقية اليوم الذي أسلم فيه، لأنه صار الآن من أهل الوجوب فلزمه. وهذا بخلاف ارتفاع المانع فإنه إذا ارتفع المانع لم يلزم إمساك بقية اليوم، مثل: أن تطهر المرأة من حيضها في أثناء النهار، فإنه لا يلزمها أن تمسك بقية النهار، وكذلك لو برأ المريض المفطر من مرضه في أثناء النهار فإنه لا يلزمه الإمساك، لأن هذا اليوم قد أبيح له فطره مع كونه من أهل الالتزام – أي مسلماً – بخلاف الذي طرأ إسلامه في أثناء النهار، فإنه يلزمه الإمساك، ولا يلزمه القضاء، أما أولئك أعني: الحائض والمريض فإنه لا يلزمهم الإمساك، لكن يلزمهم القضاء" انتهى.
فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
"الإجابات على أسئلة الجاليات" (1/7) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3486)
للصائم أن يأكل وهو شاك في طلوع الفجر وليس له أن يفطر وهو شاك في غروب الشمس
[السُّؤَالُ]
ـ[1- لا يجوز للصائم أن يفطر إلا إذا تيقن أو غلب على ظنه غروب الشمس، فلو أفطر وهو شاك في غروب الشمس ثم تبين له أنها لم تغرب حين فطره فإنه يقضي ذلك اليوم. 2- من أكل أو شرب وهو شاك هل طلع الفجر أو لا فصيامه صحيح. السؤال: لماذا يجب القضاء في المسألة الأولى ولا يجب في الثانية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يقضي الصائم إذا أفطر وهو شاك في الغروب لقوله تعالى: (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) البقرة/187، والليل يبدأ من غروب الشمس , وهو كان على يقين أنه في نهار فلا يفطر إلا إذا تيقن أو غلب على ظنه غروب الشمس، لأن الأصل بقاء النهار، فلا ينتقل عن هذا الأصل إلا بيقين أو غلبة ظن.
ولا يقضي الصائم إذا أكل أو شرب وهو شاك في طلوع الفجر، لقوله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) البقرة/187، فقد قال تعالى: (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ) البقرة: من الآية187. مما يدل على جواز الأكل والشرب قبل تيقن طلوع الفجر, ولأنه كان على يقين أنه في ليل فلا يحرم عليه الأكل إلا إذا تيقن طلوع الفجر، لأن الأصل بقاء الليل.
وينظر جواب السؤال رقم (38543) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3487)
يصوم رمضان ثم يترك الصلاة بعد رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان الإنسان حريصاً على صيام رمضان والصلاة في رمضان فقط ولكن يتخلى عن الصلاة بمجرد انتهاء رمضان فهل له صيام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الصلاة ركن من أركان الإسلام، وهي أهم الأركان بعد الشهادتين وهي من فروض الأعيان، ومن تركها جاحداً لوجوبها أو تركها تهاوناً وكسلاً فقد كفر، أما الذين يصومون رمضان ويصلون في رمضان فقط فهذا مخادعةً لله، فبئس القوم الذين لا يعرفون الله إلا في رمضان، فلا يصح لهم صيام مع تركهم الصلاة في غير رمضان، بل هم كفار بذلك كفراً أكبر، وإن لم يجحدوا وجوب الصلاة في أصح قولي العلماء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) رواه الإمام أحمد (22428) والترمذي (2621) والنسائي (431) وابن ماجه (1079) بإسناد صحيح عن بريدة الأسلمي رضي الله عنه، وقوله صلى الله عليه وسلم: (رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله) رواه الإمام الترمذي (2616) بإسناد صحيح عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، وقوله صلى الله عليه وسلم: (بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة) رواه الإمام مسلم في صحيحه (82) عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة..
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (10/140) .(5/3488)
تشك في حصول الطهر قبل الفجر فهل تصلي وتصوم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[في آخر يوم للدورة الشهرية رأيت نزول السائل الأصفر قبل أذان الفجر بحوالي ساعتين ثم نمت ولم أرى هل توقف نزوله قبل الفجر أم لا وفي الصباح لاحظت توقف نزول السوائل ثم انتظرت قليلا أترقب وقد أذن لصلاة الظهر وبعدها اغتسلت فهل يجب علي قضاء ما فاتني من صلاة أم أصلي صلاة الظهر فقط؟ وهل يحب عليّ أن اقضي صيام هذا اليوم بعد رمضان؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا حاضت المرأة فالأصل بقاء هذا الحيض حتى تتيقن زواله، ولا يجوز لها أن تصوم أو تصلي وهي تشك: هل انتهى الحيض أما لا؟
وقد بينا ذلك في جواب السؤال رقم (106452) .
وقد كانت عائشة رضي الله عنها تأمر النساء بالتمهل وعدم الاستعجال حتى تتيقن الطهر، فكانت تقول: (لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ) تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مِنْ الْحَيْضَةِ.
وعلى هذا؛ لا يلزمك قضاء صلاة الفجر، وأما صلاة الظهر فتجب عليك لأنها أدركتك وأنت طاهرة من الحيض.
وأما الصيام فلا يصح صيام ذلك اليوم – لو صمتيه – لأنك كنت حائضاً في أوله، وعليك قضاؤه بعد انتهاء رمضان.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3489)
لا يجد وقتاً لقراءة القرآن الكريم في رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[أهنئكم بحلول شهر رمضان الكريم، في بداية شهر رمضان عاهدت نفسي أن أختم قراءة القرآن الكريم ولكن للأسف أنا أستيقظ الساعة ال6 صباحا وأعود إلى منزلي الساعة 5:30 مساءا وبعد الإفطار يكون الإرهاق قد تملكني فأنام حتى ال10 تقريبا وأصحو حتى السحور وأكون شبة نائم وأنام حوالي الساعة 12 حتى أستطيع الاستيقاظ صباحا فماذا أفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نهنئك بهذا الشهر الكريم، ونسأل الله تعالى أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.
المطلوب من المسلم أن يجمع بين مصالح الدنيا والآخرة، فلا هو بالذي يترك الدنيا ويفسدها بحجة الإقبال على الآخرة، ولا هو بالذي يقبل على الدنيا ويعرض عن الآخرة.
بل المقصود من الدنيا أن يتزود منها للآخرة، فإن الدنيا ليست دار استقرار، بل هي ممر ينتقل الإنسان منه – ولابد – إلى الآخرة.
فالمؤمن العاقل هو الذي يستعد لذلك الانتقال، ولهذا سئل النبي صلى الله عليه وسلم: (من أكيس الناس وأحزم الناس؟ فقال: أكثرهم ذكراً للموت، وأشدهم استعدادا له) رواه الطبراني، وحسنه المنذري في "الترغيب والتهذيب" (4/197) والهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/312) ، وقال العراقي في "تخريج أحاديث الإحياء" (5/194) : إسناده جيد، وذكره الألباني في "ضعيف الترغيب" (1964) .
فلابد من الاستعداد ليوم الرحيل، فهنالك المستقر، نسأل الله تعالى أن يجمعنا في مستقر رحمة.
فينبغي للمسلم أن يجمع بين عمل الدنيا وعمل الآخرة، فالإنسان يحتاج إلى السكن والمال واللباس والطعام والشراب ليحيا بدنه، ويحتاج أيضاً إلى الإيمان الصحيح، والصلاة والصيام وذكر الله تعالى، وقراءة القرآن، والإحسان إلى الناس.... إلخ ليحيا قلبه.
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) الأنفال/24.
فالمسلم محتاج إلى قراءة القرآن في رمضان وغير رمضان.
فينبغي أن يكون له ورده اليومي من القرآن الكريم، حتى يختم القرآن – على الأكثر – كل أربعين يوماً مرة.
وأما في رمضان فالمطلوب منه أكثر ذلك، فإنه من أفضل مواسم الطاعات، وقراءة القرآن، (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) البقرة/185.
فتستطيع أن تقتطع من يومك ساعة تقرأ فيها أكثر من جزئين من القرآن الكريم فتختمه في الشهر مرتين أو ثلاثة، ويمكنك الاستفادة من وقتك الذي تقضيه في المواصلات، فليكن المصحف صاحبك لا يفارق يدك، وستجد أنك ختمت القرآن عدة مرات، في هذا الوقت القصير، لو داومت عليه، ويمكنك الاتفاق مع صاحب العمل على تقليل ساعات العمل، ولو نقص الراتب في مقابل ذلك، فإن الله سيعوضك خيراً، ويمكنك أخذ إجازة في العشر الأواخر أو في بعضها، المهم أنك تجتهد في الاستفادة من هذا الشهر الكريم حسب وسعك وطاقتك، وما زالت الفرصة قائمة، والأيام باقية، ونسأل الله أن يستعملنا في طاعته.
وإذا لم يمكنك تقليل ساعات العمل أو أخذ إجازة عدة أيام، فعليك بالاستفادة من وقتك قدر استطاعتك، وإذا علم الله تعالى منك الحرص على قراءة القرآن لولا العمل فسوف يثيبك على قدر نيتك.
وفقك الله لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3490)
هل تخرج المعتدة من وفاة زوجها لصلاة التراويح والعمل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[توفي زوجي منذ 45 يوما وقد اعتدت للذهاب لصلاة التراويح في شهر رمضان، فهل يجوز الذهاب للمسجد لأداء الصلاة دون أن أكمل عدتي؟ وهل يجوز أن أمارس عملي في البقالة؟ للعلم: البقالة في نفس المنزل. هل يجوز لزائر المقابر أن يأكل من أي شجرة مزروعة داخل المقبرة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نسأل الله أن يأجركم في مصيبتك، وأن يخلف لك خيراً منها.
ثانيا: المعتدة من وفاة لا تخرج ليلا إلا لضرورة، وليس خروجك لصلاة التراويح ضرورة، فعلى هذا، تصلين التراويح في بيتك.
ثالثا:
يجوز للمعتدة من وفاة أن تخرج نهاراً للعمل، فإذا جاء الليل لزمها البقاء في بيتها.
فلا حرج عليك من العمل في البقالة، على أن يكون ذلك نهاراً فقط.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (8/130) : " وللمعتدة الخروج في حوائجها نهارا , سواء كانت مطلقة أو متوفى عنها. لما روى جابر قال: طُلقت خالتي ثلاثا , فخرجت تجذّ نخلها , فلقيها رجل , فنهاها , فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: (اخرجي , فجذي نخلك , لعلك أن تصدّقي منه , أو تفعلي خيرا) رواه النسائي وأبو داود. وروى مجاهد قال: (استشهد رجال يوم أحد فجاءت نساؤهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلن: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، نستوحش بالليل , أفنبيت عند إحدانا , فإذا أصبحنا بادرنا إلى بيوتنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تحدثن عند إحداكن , حتى إذا أردتن النوم , فلتؤب كل واحدة إلى بيتها) . وليس لها المبيت في غير بيتها , ولا الخروج ليلا , إلا لضرورة ; لأن الليل مظنة الفساد , بخلاف النهار , فإنه مظنة قضاء الحوائج والمعاش , وشراء ما يحتاج إليه " انتهى.
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (20/440) : "الأصل: أن تحد المرأة في بيت زوجها الذي مات وهي فيه، ولا تخرج منه إلا لحاجة أو ضرورة؛ كمراجعة المستشفى عند المرض، وشراء حاجتها من السوق كالخبز ونحوه، إذا لم يكن لديها من يقوم بذلك " انتهى.
وأما الأكل من الأشجار المزروعة في المقابر فلا حرج فيه، ولكن ينبغي أن تعلمي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى النساء عن زيارة القبور، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (8198) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3491)
هل ترك الحجاب يفسد الصوم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا بنت لست متحجبة هل ذلك يبطل صيامي في رمضان؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
المؤمنة مأمورة بالحجاب، وقد سبق في الموقع الكلام عن الحجاب في أكثر من جواب، وتلك الأجوبة جاءت على صور، منها ما كان بياناً لحكم الحجاب، وأنه واجب، كما في جواب السؤال رقم (21536) ، ومنها ما ذُكرت فيه الأدلة الدالة على وجوب الحجاب، كما في جواب السؤال رقم (13998) ، ورقم (11774) ، ومنها ما كان بياناً لصفة الحجاب الشرعي، كما في جواب السؤال رقم (6991) ، وغيرها من الأجوبة الدالة على أهمية الحجاب في حياة المرأة المؤمنة.
ثانياً:
إذا تركت المرأة الحجاب، فهي عاصية لربها بذلك، لكنّ صومها صحيح؛ لأن المعاصي، ومنها ترك الحجاب لا تفسد الصوم، غير أنها تنقص ثوابه، وقد تضيعه بالكلية.
والذي ندعوك إليه هو الالتزام بالحجاب، مع الصيام، فإنه ليس المقصود من الصيام هو مجرد الامتناع عن الطعام والشراب، وإنما المقصود هو الصيام عن المحرمات، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس الصيام من الأكل والشرب، إنما الصيام من اللغو والرفث) رواه الحاكم وصححه الألباني في صحيح الجامع (5376) .
واللغو هو الكلام الباطل. وقيل: ما لا فائدة فيه.
والرفث: الكلام البذيء.
فليكن صومك دافعاً لك إلى طاعة الله تعالى، والبعد عما نهى عنه.
نسأل الله تعالى أن يوفقك إلى ما يحب ويرضى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال جواب(5/3492)
حكم الجلوس قرب أجهزة لها بخار أو دخان وهو صائم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الجلوس في نهار رمضان قرب أجهزة لها بخار أو دخان؟ وإذا كان ذلك من صميم عملي فما الحكم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"هذا لا بأس به، ولكنه لا يتعمد ويتقصد أن يستنشق هذا الدخان أو هذا الغبار، فإذا دخل إلى جوفه من غير قصد ولا إرادة فإنه لا بأس به ولا يضره" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" فتاوى الصيام (281) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3493)
الإسراف في مائدة الإفطار هل يقلل من ثواب الصيام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[الإفراط في إعداد الأطعمة للإفطار هل يقلل من ثواب الصوم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" لا يقلل من ثواب الصيام، والفعل المحرم بعد انتهاء الصوم لا يقلل من ثوابه، ولكن ذلك يدخل في قوله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأعراف/31. فالإسراف نفسه محظور، والاقتصاد نصف المعيشة، وإذا كان لديهم فضل فليتصدقوا به، فإنه أفضل " انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
"فتاوى إسلامية" (2/118) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3494)
الإكثار من الاستحمام للصائم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الاستحمام في نهار رمضان أكثر من مرة أو الجلوس عند مكيف طوال الوقت وهذا المكيف يفرز رطوبة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" ذلك جائز، ولا بأس به، وقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام يصب على رأسه الماء من الحر أو من العطش وهو صائم، وكان ابن عمرو يبل ثوبه وهو صائم بالماء، لتخفيف شدة الحر أو العطش، والرطوبة لا تؤثر، لأنها ليست ماء يصل المعدة " انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
"فتاوى إسلامية" (2/130) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3495)
سافر أثناء رمضان إلى بلد اختلف مع بلده في بداية الشهر
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا بدأت الصيام في بلدي ثم سافرت أثناء رمضان إلى بلد آخر صاموا بعدنا بيوم، فهل أواصل الصوم مع المسلمين هناك وبذلك أصوم اليوم الحادي والثلاثين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"العبرة في ابتداء الصيام في البلد التي سافر منها، وفي نهايته في البلد التي قدم إليها، وإذا كان مجموع ما صامه ثمانية وعشرين يوماً وجب عليه قضاء يوم؛ لأن الشهر القمري لا يكون أقل من 29 يوماً، وإن كان قد أتم صيام ثلاثين يوماً في البلد الذي سافر إليه وبقى على أهل البلد صيام يوم مثلاً وجب عليه أن يصوم معهم حتى يفطر بفطرهم يوم العيد، ويصلي معهم يوم العيد.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (10/129) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3496)
كيف يصوم ويصلي من يطول نهارهم أو لا تغيب شمسهم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يصنع من يطول نهارهم إلى إحدى وعشرين ساعة؟ هل يقدرون قدراً للصيام وكذا ماذا يصنع من يكون نهارهم قصيراً جداً؟ وكذلك من يستمر عندهم النهار ستة أشهر والليل ستة أشهر؟ كيف يصلون؟ وكيف يصومون؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"من عندهم ليل ونهار في ظرف أربع وعشرين ساعة فإنهم يصومون نهاره، سواء كان قصيراً أو طويلاً، ويكفيهم ذلك، والحمد لله، ولو كان النهار قصيراً، أما من طال عندهم النهار والليل أكثر من ذلك كستة أشهر فإنهم يُقَدِّرون للصيام وللصلاة قدرهما، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في يوم الدجال الذي كالسنة، وهكذا يومه الذي كشهر، أو كأسبوع، يقدر للصلاة قدرها في ذلك.
وقد نظر مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة في هذه المسألة وأصدر القرار رقم 61 وتاريخ 12/4/1398 هـ ونصه ما يلي:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه وبعد:
أولاً: من كان يقيم في بلاد يتمايز فيها الليل من النهار بطلوع فجر وغروب شمس إلا أن نهارها يطول جداً في الصيف، ويقصر في الشتاء وجب عليه أن يصلي الصلوات الخمس في أوقاتها المعروفة شرعاً؛ لعموم قوله تعالى: (أَقِمْ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) الإسراء/78، وقوله تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) النساء/103.
ولما ثبت عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بن العاص رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (وَقْتُ الظُّهْرِ إِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ وَكَانَ ظِلُّ الرَّجُلِ كَطُولِهِ مَا لَمْ يَحْضُرْ الْعَصْرُ، وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ الْأَوْسَطِ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ، فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَأَمْسِكْ عَنْ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ) رواه مسلم (612) .
إلى غير ذلك من الأحاديث التي وردت في تحديد أوقات الصلوات الخمس قولاً وفعلاً، ولم تفرق بين طول النهار وقصره، وطول الليل وقصره، ما دامت أوقات الصلوات متمايزة بالعلامات التي بَيَّنها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذا بالنسبة لتحديد أوقات صلاتهم.
وأما بالنسبة لتحديد أوقات صيامهم شهر رمضان فعلى المكلفين أن يمسكوا كل يوم منه عن الطعام والشراب وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس في بلادهم، ما دام النهار يتمايز في بلادهم من الليل، وكان مجموع زمانهما أربعاً وعشرين ساعة، ويحل لهم الطعام والشراب والجماع ونحوها في ليلهم فقط، وإن كان قصيراً، فإن شريعة الإسلام عامة للناس في جميع البلاد، وقد قال الله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) البقرة/187، ومن عجز عن إتمام صوم يومه لطوله، أو علم بالأمارات أو التجربة أو إخبار طبيب أمين حاذق، أو غلب على ظنه أن الصوم يفضي إلى إهلاكه أو مرضه مرضاً شديداً، أو يفضي إلى زيادة مرضه أو بطء برئه أفطر، ويقضي الأيام التي أفطرها في أي شهر تمكن فيه من القضاء. قال تعالى: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) البقرة/185، وقال الله تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) البقرة/286، وقال: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) الحج/78.
ثانياً: من كان يقيم في بلاد لا تغيب عنها الشمس صيفاً ولا تطلع فيها الشمس شتاء، أو في بلاد يستمر نهارها إلى ستة أشهر، ويستمر ليلها ستة أشهر مثلاً، وجب عليهم أن يصلوا الصلوات الخمس في كل أربع وعشرين ساعة، وأن يقدروا لها أوقاتها، ويحددوها معتمدين في ذلك على أقرب بلاد إليهم تتمايز فيها أوقات الصلوات المفروضة بعضها من بعض، لما ثبت في حديث الإسراء والمعراج من أن الله تعالى فرض على هذه الأمة خمسين صلاة كل يوم وليلة فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يسأل ربه التخفيف حتى قال: (يَا مُحَمَّدُ، إِنَّهُنَّ خَمْسُ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ) رواه مسلم (162) .
ولما ثبت من حديث طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ ثَائِرُ الرَّأْسِ، نَسْمَعُ دَوِيَّ صَوْتِهِ وَلَا نَفْقَهُ مَا يَقُولُ، حَتَّى دَنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنْ الْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُنَّ؟ قَالَ: لَا إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ. . . الحديث) رواه البخاري (46) ومسلم (11) .
وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم حَدَّث أصحابه عن المسيح الدجال، فقالوا: مَا لَبْثُهُ فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ: (أَرْبَعُونَ يَوْمًا، يَوْمٌ كَسَنَةٍ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ. قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ؟ قَالَ: لَا، اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ) رواه مسلم (2937) ، فلم يعتبر اليوم الذي كالسنة يوماً واحداً يكفي فيه خمس صلوات، بل أوجب فيه خمس صلوات في كل أربع وعشرين ساعة، وأمرهم أن يوزعوها على أوقاتها اعتباراً بالأبعاد الزمنية التي بين أوقاتها في اليوم العادي في بلادهم، فيجب على المسلمين في البلاد المسئول عن تحديد أوقات الصلوات فيها أن يحددوا أوقات صلاتهم معتمدين في ذلك على أقرب بلاد إليهم يتمايز فيها الليل من النهار، وتعرف فيها أوقات الصلوات الخمس بعلاماتها الشرعية في كل أربع وعشرين ساعة.
وكذلك يجب عليهم صيام شهر رمضان، وعليهم أن يقدروا لصيامهم فيحددوا بدء شهر رمضان ونهايته، وبدء الإمساك والإفطار في كل يوم منه ببدء الشهر ونهايته، وبطلوع فجر كل يوم وغروب شمسه، في أقرب البلاد إليهم يتميز فيها الليل من النهار، ويكون مجموعهما أربعاً وعشرين ساعة؛ لما تقدم في حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن المسيح الدجال، وإرشاده أصحابه فيه عن كيفية تحديد أوقات الصلوات فيه إذ لا فارق في ذلك بين الصوم والصلاة. والله ولي التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.
هيئة كبار العلماء" انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (15/292/300) باختصار.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3497)
إذا أفطر بالأكل في نهار رمضان ليجامع زوجته فعليه كفارة
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل أراد أن يجامع زوجته في شهر رمضان بالنهار، فأفطر بالأكل قبل أن يجامع، ثم جامع، فهل عليه كفارة أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اتفق العلماء على أن من أفطر في نهار رمضان بالجماع أن عليه الكفارة.
واختلفوا فيمن أفطر بغير الجماع كالأكل والشرب، فذهب الإمامان أبو حنيفة ومالك رحمهما الله إلى أن عليه الكفارة أيضاً، وذهب الإمامان الشافعي وأحمد رحمهما الله إلى أنه لا كفارة عليه.
ولكن هذا فيمن أفطر بغير الجماع ثم لم يجامع في ذلك اليوم، أما من أفطر بغير الجماع ثم جامع في ذلك اليوم فذهب جمهور العلماء (منهم أبو حنيفة ومالك وأحمد رحمهم الله) إلى أنه تجب عليه الكفارة.
وهذا القول هو الذي لا ينبغي أن يفتى بغيره، ويدل على صحته أمور:
1- أن من أفطر في رمضان بدون عذر سواء أفطر بالأكل أو الشرب أو غير ذلك، وجب عليه الإمساك، فإذا جامع فقد جامع في يوم يلزمه إمساكه، فتجب عليه الكفارة، كما أن المحرم بالحج إذا أفسد إحرامه لزمه المضي فيه، ويمسك عن محظورات الإحرام، فإذا أتى شيئاً منها كان عليه ما عليه في الإحرام الصحيح.
2- أن هذا عاصي بفطره أولاً، ثم عصى مرة أخرى بالجماع، فصار عاصياً مرتين، فكانت الكفارة عليه أوكد.
3- أنه لو لم تجب الكفارة على مثل هذا صار ذريعة إلى ألا يكفر أحد، فإنه لا يشاء أحد أن يجامع في رمضان إلا أمكنه أن يأكل، ثم يجامع، بل ذلك أعون له على مقصوده.
فكيف يكون جماعه قبل الغداء فيه الكفارة، وإذا تغدى هو وامرأته ثم جامعها لا كفارة عليه! فهذا شنيع في الشريعة لا تأتي بمثله، فإنه استقر في العقول والأديان أنه كلما عظم الذنب كانت العقوبة أبلغ.
والله أعلم
"مجموع فتاوى ابن تيمية" (25/260-263) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3498)
حكم صيام من لا يصلي إلا في رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم صيام من لا يصلي إلا في رمضان بل ربما صام ولم يصل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله "كل من حُكِمَ بكفره بطلت أعماله، قال تعالى: (وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) وقال تعالى: (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) . وذهب جمع من أهل العلم إلى أنه لا يكفر كفرا أكبر إذا كان مقرا بالوجوب، ولكنه يكون كافرا كفرا أصغر، ويكون عمله هذا أقبح وأشنع من عمل الزاني والسارق ونحو ذلك، ومع هذا يصح صيامه وحجه عندهم إذا أداها على وجه شرعي، ولكن تكون جريمته عدم المحافظة على الصلاة، وهو على خطر عظيم من وقوعه في الشرك الأكبر عند جمع من أهل العلم، وحكى بعضهم قول الأكثرين أنه لا يكفر الكفر الأكبر إن تركها تكاسلا وتهاونا، وإنما يكون بذلك قد أتى كفرا أصغر، وجريمة عظيمة، ومنكرا شنيعا أعظم من الزنا والسرقة والعقوق وأعظم من شرب الخمر نسأل الله السلامة. ولكن الصواب والصحيح من قولي العلماء: أنه يكفر كفرا أكبر، نسأل الله العافية، لما تقدم من الأدلة الشرعية، فمن صام وهو لم يصل فلا صيام له، ولا حج له" انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (15/179) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3499)
احتلم ولم يستطع الغسل فتوضأ وصلى
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب مقعد وأجلس على كرسي متحرك والحمد لله. قد احتلمت في ليلة قبل صلاة الفجر ولضعف جسمي وقوتي لا أستطيع أن أغتسل ولا أستطيع أن أغير ملابسي إلا عند طلوع النهار ولا أريد أن أضيع صلاة الفجر فتوضأت وضوئي للصلاة وصليت هل هذا جائز أم لا؟ وماذا أفعل إن لم يكن جائزاً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نسأل الله تعالى لك المعافاة في الدنيا والآخرة.
من أصابته جنابة من احتلام أو جماع، لزمه الغسل؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ... ) المائدة/6، فإن لم يستطع الغسل لعدم الماء، أو لعدم قدرته على استعماله، تيمم وصلى؛ لقوله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة/6.
وكذلك من احتلم وخشي حصول مرض من استعمال الماء البارد ولم يجد ما يسخنه به، أو كان الماء بعيدا عنه لا يمكنه الوصول إليه ولم يجد من يناوله إياه، فإنه يتيمم ويصلي.
قال ابنُ قدامةَ رحمه الله في "المغني" (1/151) : " ومَن كان مريضًا لا يقدرُ على الحركةِ، ولا يجدُ من يناوله الماءَ، فهو كالعادم، لأنّه لا سبيلَ له إلى الماء....وإن كانَ له من يناولُه الماءَ قبل خروجِ الوقتِ فهو كالواجد " انتهى.
والمريض الذي لا يمكنه غسل جميع بدنه، لكن يمكنه غسل بعضه، يجب عليه أن يغسل ما استطاع من بدنه ثم يتيمم عن الباقي، لقول الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/16، وأما الوضوء فلا يجزئ عن الغسل.
وراجع السؤال رقم: (71202) لمزيد الفائدة.
وعلى هذا فينبغي لك أن تعيد تلك الصلاة.
ثانيا:
المني طاهر في أصح قولي العلماء، ولهذا لا يلزمك غسل ملابسك ولا تبديلها، وراجع السؤال رقم (2458)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3500)
هل تصوم نافلة مع منع زوجها الناشز لها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أحاول التقرب من الله بكل الوسائل، الصلاة فريضة، ونوافل، وقياما للثلث الأخير من الليل، والصوم كل اثنين وخميس، وغيرها، إلا أنني علمت أن المرأة يجب أن لا تصوم غير رمضان إلا بإذن من الزوج، وأنا لا أفعل ذلك لأسباب: أولها: أن زوجي تنطبق عليه كل ما ورد في جواب السؤال رقم (1859) ، كما أنه لا يعاشرني، لا وأنا صائمة، ولا مفطرة، يرفض أن أشاركه الفراش، بحجة أنني أقلق راحته عندما أستيقظ في الفجر، مما جعلني أنام في غرفة أخرى، حتى لا أفوت أجر الفجر وقيام الليل، وعندما آخذ الإذن منه يرفض أن أصوم فقط من أجل الرفض، مما جعلني أقول له غدا سأصوم فقط من باب العلم فقط، ولا أطلب الإذن، فهل كل صيامي باطل - مع العلم أنني أكثر من سنتين وأنا على هذا الحال؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الأصل أنه لا تصوم الزوجة تطوعاً وزوجها حاضر إلا بإذنه، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلا بِإِذْنِهِ) . رواه البخاري (5195) ومسلم (1026) .
وهذا إنما شرِع لعظم حق الزوج على زوجته، والأفضل للزوج أن يأذن لزوجته بالصوم؛ لما فيه من إعانتها على الطاعة، ويكون هو بذلك مأجوراً، وإن لم يكن للزوج حاجة بزوجته في النهار: فإنه يُكره له منعها من الصيام.
سئل الشيخ عبد الله بن جبرين – حفظه الله -:
هل لي الحق في منع زوجتي من صيام أيام التطوع كأيام الست من شوال؟ وهل يلحقني إثم في ذلك؟ .
فأجاب:
ورد النهي للمرأة أن تصوم تطوعا ًوزوجها حاضر إلا بإذنه؛ لحاجة الاستمتاع، فلو صامت بدون إذنه: جاز له أن يفطرها إن احتاج إلى الجماع، فإن لم يكن له بها حاجة: كره له منعها إذا كان الصيام لا يضرها، ولا يعوقها عن تربية ولد، ولا رضاع، ونحوه، سواء في ذلك الست من شوال، أو غيرها من النوافل.
" فتاوى إسلامية " (2 / 167) .
ولو صامت المرأة بغير إذن زوجها صحَّ صومها، مع حرمة فعلها
فقد جاء في " الموسوعة الفقهية " (28 / 99) :
اتّفق الفقهاء على أنّه ليس للمرأة أن تصوم تطوّعاً إلاّ بإذن زوجها؛ لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: (لا تصم المرأة وبعلها شاهد، إلاّ بإذنه) ؛ ولأنّ حقّ الزّوج فرض، فلا يجوز تركه لنفل.
ولو صامت المرأة بغير إذن زوجها صحّ مع الحرمة عند جمهور الفقهاء، والكراهة التّحريميّة عند الحنفيّة، إلاّ أنّ الشّافعيّة خصّوا الحرمة بما يتكرّر صومه، أمّا ما لا يتكرّر صومه كعرفة وعاشوراء وستّة من شوّال فلها صومها بغير إذنه، إلاّ إن منعها.
ولا تحتاج المرأة إلى إذن الزّوج إذا كان غائباً، لمفهوم الحديث ولزوال معنى النّهي " انتهى.
ثانياً:
وفي حال كون الزوج هاجراً لزوجته، ومبطلاً لحقوقها في الفراش والعشرة، ويكون منعه لصومها من أجل التسلط فقط: فليس له إذن، وللزوجة أن تصوم ولو لم تستأذن منه، وموافقته وعدمها سواء
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين في " شرح بلوغ المرام " – مخطوط -:
" لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه، والحكمة ربما أنه يحتاج إلى الاستمتاع بها فيهاب أن يفسد عليها صومها، وهذا من تمام حقه
وهل ذلك مقيد بما إذا كان الزوج ناشزاً - أي: يضيِّع حقوقها - فهل لها الصوم بلا إذنه وهو شاهد؟ .
نعم؛ لأن ميزان العدل أنه إذا نشز: فلها أن تنشز؛ لقوله تعالى (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُم) البقرة/من الآية 194 " انتهى.
وننبه الأخت السائلة إلى أن زوجها إن كان تاركاً للصلاة: فلا يحل لها البقاء معه؛ لأنه بتركه للصلاة يصير مرتداً، وانظري جوابي السؤالين: (33007) و (4131) .
وإن كان مقترفاً لكبائر الذنوب: فالأفضل لك – إن لم ينفع النصح ولم تستطيعي الصبر – أن تفارقيه، وانظري جواب السؤال رقم (47335) ففيه الحكم والنصح للمتزوجة بمن يفعل المعاصي.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3501)
زادت أيام عادتها بسبب اللولب
[السُّؤَالُ]
ـ[أثناء شهر رمضان زوجتي ذهبت لتركيب لولب بعد أن أتتها الحيضة وزادت أيام الحيض وأفطرت أحد عشر يوما وثبت بعد ذلك أن أربعة أيام منها ليس بدم حيض ولكن دم نزيف ... ما حكم هذه الأيام؟ وهل هناك كفارة؟ وما هي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا زادت أيام نزول الدم بسبب اللولب، وكان الدم متصلا، فالجميع حيض، كأن تكون عادتها سبعة أيام فتزيد إلى أحد عشر يوما.
أما إذا انقطع الدم بعد الأيام السبعة، وتحققت من الطهر، ثم جاءها أربعة أيام، مخالفا لدم الحيض المعروف، وكان ذلك بسبب اللولب، فهذه الأربعة لا تعد حيضا وإنما هي استحاضة.
وكذلك إذا تبين بالطب أن الدم النازل دم نزيف لا دم حيض، فيكون استحاضة.
ثانيا:
إذا أفطرت المرأة عند رؤية الدم ظنا منها أنه دم حيض، ثم تبين أنه دم استحاضة، فلا شيء عليها غير قضاء الأيام التي أفطرتها.
والحاصل: أنه إذا ثبت أن هذه الأيام لم تكن حيضاً فليس عليها إلا القضاء فقط.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3502)
ترى نقطة من الدم فهل تصوم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما أدخل الخلاء لقضاء الحاجة أجد في المكان الذي قضيت فيه حاجتي نقطة من الدم مما يثير قلقي وشكي في أن أكون حائضاً فهل أصلى وأكمل صيامي أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي يظهر أن نزول نقطة دم لا يكون حيضا، فلا تمنع من الصلاة والصيام.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن امرأة نزل منها في رمضان نقط بسيطة واستمر معها هذا الدم طوال الشهر، وهو تصوم، فهل صومها صحيح؟
فأجاب: " نعم، صومها صحيح، وأما هذه النقط فليست بشيء لأنها من العروق " انتهى.
"فتاوى المرأة المسلمة" (1/137) .
وقال أيضاً:
" القاعدة العامة أن المرأة إذا طهرت ورأت الطهر المتيقن في الحيض وفي النفاس وأعني الطهر في الحيض خروج القصة البيضاء، وهو ماء أبيض تعرفه النساء، فما بعد الطهر من كدرة، أو صفرة، أو نقطة، أو رطوبة، فهذا كله ليس بحيض، فلا يمنع من الصلاة، ولا يمنع من الصيام، ولا يمنع من جماع الرجل لزوجته، لأنه ليس بحيض" انتهى.
60 " سؤالا في الحيض".
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3503)
مريضة ولا تعقل ولا تعي ما حولها، فهل عليها إطعام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي أخت مريضة من ثلاث سنوات وهذه السنة والتي فاتت لم تصم، مرضها طبيا ضمور بالمخ ولا يرجى برؤه لا تتكلم ولا تعقل ولا تعي ما حولها لا تعرف سوا أسماءنا واسمها واسم بنتها..لا تتحكم بنفسها أقرب للمجنونة.. هي بسريرها دائما لا تصلي لأنها لا تعي أي شيء.. في حالتها ما هو حكم الشرع بالنسبة لعدم صيامها؟ وإذا كان إطعام مسكين كم يعني بالريال؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يشترط لوجوب الصيام: العقل، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاثَةٍ: عَنْ الْمَجْنُونِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ حَتَّى يفِيقَ، وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ) رواه أبو داود (4399) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
فما دامت أختك قد وصلت إلى هذه الحال من عدم العقل والتمييز فلا يجب عليها الصيام، وليس عليها قضاء ولا إطعام.
والصلاة كالصوم، فلا تجب عليها الصلاة.
قال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (6/202) :
" كل من ليس له عقل فإنه ليس بمكلف، وليس عليه واجب من واجبات الدين لا صلاة ولا صيام ولا إطعام، أي: لا يجب عليه شيء إطلاقاً، وعليه فالمهذري أي المخرف لا يجب عليه صوم ولا إطعام لفقد الأهلية وهي العقل " انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3504)
كيف يحافظ على صيامه في ظل هذه المعاصي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أحافظ على صيامي في ظل هذه المعاصي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
قد أحسنت – أخي – غاية الإحسان في سؤالك هذا، فهو يدل على حرص منك على طاعتك أن تضيع أو أن تنقص بسبب هذه المعاصي المنتشرة.
وعلينا أن نعلم جميعاً أن حقيقة الصوم ليس مجرد ترك الطعام والشراب، بل شرع الله تعالى الصيام لأجل أن نحصِّل التقوى، ولذا كان الصيام الحقيقي هو الصيام عن المعاصي بتركها وهجرها والكف عنها، وهو صوم القلب، لا فقط صوم الجوارح، وقد دلَْت عموم السنَّة وخصوصها على ما قلناه، وكذا جاء في كلام أهل العلم ما يبينه ويوضحه.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ) رواه البخاري (1804) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (رُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ صِيَامِهِ الْجُوعُ وَالْعَطَشُ، وَرُبَّ قَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ قِيَامِهِ السَّهَرُ) رواه أحمد (8693) .
وصححه ابن حبان (8 / 257) والألباني في " صحيح الترغيب " (1 / 262) .
وقد كان الصحابة وسلف الأمة يحرصون على أن يكون صيامهم طُهْرة للأنفس والجوارح، وتَنزُّهًا عن المعاصي والآثام.
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ليس الصيام من الشراب والطعام وحده، ولكنه من الكذب والباطل واللغو.
وقال جابر بن عبد الله الأنصاري: إذا صمتَ فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب، والمأثم، ودع أذى الخادم، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك، ولا تجعل يوم فطرك ويوم صومك سواء.
وعن حفصة بنت سيرين – وكانت عالمة من التابعين - قالت: الصيام جُنَّة، ما لم يخرقها صاحبها، وخرقها الغيبة.
وعن ميمون بن مهران: إن أهون الصوم ترك الطعام والشراب.
ذكر هذه الآثار: ابن حزم في " المحلى " (4 / 308) .
ولا نعجب بعدها إذا علمنا أن بعض أهل العلم قال ببطلان صوم من وقع في المعصية أثناء صيامه، وإن كان الصحيح أنه لا يبطل الصوم، لكن لا شك في نقصانه، ومخالفته لحقيقة الصوم.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
"الغيبة تضر بالصيام، وقد حكي عن عائشة، وبه قال الأوزاعي: إن الغيبة تفطِّر الصائم، وتوجب عليه قضاء ذلك اليوم، وأفرط ابن حزم فقال: يبطله كل معصية من متعمِّد لها ذاكر لصومه، سواء كانت فعلاً، أو قولاً؛ لعموم قوله (فلا يرفث ولا يجهل) ؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) " انتهى.
" فتح الباري " (4 / 104) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
"أما الذي يجب عنه الصوم: فلعلكم تستغربون إذا قلت: إن الذي يجب عنه الصوم هو: المعاصي , يجب أن يصوم الإنسان عن المعاصي؛ لأن هذا هو المقصود الأول في الصوم؛ لقول الله تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة/183، لم يقل: لعلكم تجوعون! أو لعلكم تعطشون! أو لعلكم تمسكون عن الأهل! لا، قال: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) , هذا هو المقصود الأول من الصوم , وحقَّق النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وأكده بقوله: (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) إذاً أن يصوم الإنسان عن معاصي الله عز وجل , هذا هو الصوم الحقيقي، أما الصوم الظاهري: فهو الصيام عن المفطرات , الإمساك عن المفطرات تعبداً لله عز وجل من طلوع الفجر إلى غروب الشمس؛ لقوله تعالى: (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) البقرة/187، هذا صوم نسميه الصوم الظاهري، صوم البدن فقط , أما صوم القلب الذي هو المقصود الأول: فهو الصوم عن معاصي الله عز وجل.
وعلى هذا: فمن صام صوماً ظاهريّاً جسديّاً، ولكنه لم يصم صوماً قلبيّاً: فإنَّ صومه ناقص جدّاً جدّاً , لا نقول: إنه باطل، لكن نقول: إنه ناقص , كما نقول في الصلاة , المقصود من الصلاة الخشوع والتذلل لله عز وجل , وصلاة القلب قبل صلاة الجوارح , لكن لو أن الإنسان صلّى بجوارحه ولم يصلِ بقلبه، كأن يكون قلبه في كل وادٍ: فصلاته ناقصة جدّاً , لكنها مجزئة حسب الظاهر، مجزئة لكنها ناقصة جدّاً , كذلك الصوم ناقص جدّاً إذا لم يصم الإنسان عن معصية الله , لكنه مجزئ؛ لأن العبادات في الدنيا إنما تكون على الظاهر" انتهى.
" لقاءات الباب المفتوح " (116 / ص 1) .
ثانياً:
وقد قسَّم العلماء الصبر إلى ثلاثة أقسام: الصبر على الطاعة، والصبر عن المعصية، والصبر على القدَر، وقد جمع الصيام جميع أنواع الصبر.
قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله:
"وأفضل أنواع الصبر: الصيام؛ فإنه يجمع الصبر على الأنواع الثلاثة؛ لأنه صبر على طاعة الله عز وجل، وصبر عن معاصي الله؛ لأن العبد يترك شهواته لله ونفسه قد تنازعه إليها، ولهذا جاء في الحديث الصحيح أن الله عز وجل يقول: (كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به؛ لأنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي) ، وفيه أيضاً: صبر على الأقدار المؤلمة بما قد يحصل للصائم من الجوع والعطش " انتهى.
" جامع العلوم والحِكَم " (ص 219) .
فمن حقَّق صيامه كما شرعه الله تعالى فإنه يحصِّل ثواباً عظيماً، وأجراً جزيلاً من ربه تبارك وتعالى، ويكفيه قوله تعالى: (إِنَّمَا يُوفَّى الصَّابِرونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ) الزمر/10.
ثالثاً:
ولكي يحافظ المسلم على صيامه من نقصانه بسبب فعل المعاصي: فإنه يجب عليه تحقيق الصبر عن المعصية، وقد قال بعض العلماء إن الصبر عن المعصية أعظم من نوعي الصبر الآخرين؛ وما ذلك إلا لاجتماع دواعي الشر عليه أن يقع في المعصية.
قال ابن القيم رحمه الله:
"وههنا مسألة تكلم فيها الناس وهي: أي الصبرين أفضل: صبر العبد عن المعصية، أم صبره على الطاعة؟ فطائفة: رجحت الأول، وقالت: الصبر عن المعصية من وظائف الصدِّيقين، كما قال بعض السلف: أعمال البر يفعلها البر والفاجر، ولا يقوى على ترك المعاصي إلا صدِّيق، قالوا: ولأن داعي المعصية أشد من داعي ترك الطاعة؛ فإن داعي المعصية إلى أمر وجودي تشتهيه النفس، وتلتذ به، والداعي إلى ترك الطاعة: الكسل، والبطالة، والمهانة، ولا ريب أن داعي المعصية أقوى، قالوا: ولأن العصيان قد اجتمع عليه داعي النفس، والهوى، والشيطان، وأسباب الدنيا، وقرناء الرجل، وطلب التشبه والمحاكاة، وميل الطبع، وكلُّ واحدٍ من هذه الدواعي يجذب العبد إلى المعصية، ويطلب أثره، فكيف إذا اجتمعت، وتظاهرت على القلب، فأي صبر أقوى من صبر عن إجابتها، ولولا أن الله يصبره لما تأتَّى منه الصبر.
وهذا القول كما ترى حجته في غاية الظهور " انتهى.
" طريق الهجرتين " (ص 414) .
والصبر عن المعصية ينشأ من أسباب عديدة، فنرجو التأمل فيها، ففيها وصف دقيق للمرض، ووصف للعلاج.
قال ابن القيم رحمه الله:
"قاعدة الصبر عن المعصية ينشأ من أسباب عديدة:
أحدها: عِلْم العبدِ بقبحها، ورذالتها، ودناءتها، وأن الله إنما حرَّمها، ونهى عنها صيانة، وحماية عن الدنايا، والرذائل، كما يحمي الوالدُ الشفيقُ ولدَه عما يضرُّه، وهذا السبب يحمل العاقل على تركها، ولو لم يعلق عليها وعيد بالعذاب.
السبب الثاني: الحياء من الله سبحانه؛ فإن العبد متى علم بنظره إليه، ومقامه عليه، وأنه بمرأى منه ومسمع وكان حيِّيّاً: استحيى من ربه أن يتعرض لمساخطه.
السبب الثالث: مراعاة نعَمه عليك، وإحسانه إليك؛ فإن الذنوب تزيل النعَم، ولا بد، فما أذنب عبدٌ ذنباً إلا زالت عنه نعمة من الله بحسب ذلك الذنب، فإن تاب، وراجع: رجعت إليه أو مثلها، وإن أصرَّ: لم ترجع إليه، ولا تزال الذنوب تزيل عنه نعمة حتى تُسلب النعمُ كلها، قال الله تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) ، وأعظم النعَم: الإيمان، وذنب الزنا، والسرقة، وشرب الخمر، وانتهاب النهبة: يزيلها، ويسلبها، وقال بعض السلف: أذنبتُ ذنباً فحرِمت قيام الليل سنَة، وقال آخر: أذنبتُ ذنباُ فحرمتُ فهم القرآن، وفي مثل هذا قيل:
إذا كنتَ في نعمة فارعها ... فإن المعاصي تزيل النعَم
وبالجملة: فإنَّ المعاصي نارُ النعم تأكلها، كما تأكل النار الحطب، عياذاً بالله من زوال نعمته، وتحويل عافيته.
السبب الرابع: خوف الله، وخشية عقابه، وهذا إنما يثبت بتصديقه في وعده، ووعيده، والإيمان به، وبكتابه، وبرسوله، وهذا السبب يَقوى بالعلم واليقين، ويضعف بضعفهما، قال الله تعالى: (إنما يخشى الله من عباده العلماء) ، وقال بعض السلف: كفى بخشية الله علماً، والاغترار بالله جهلاً.
السبب الخامس: محبة الله، وهي أقوى الأسباب في الصبر عن مخالفته، ومعاصيه؛ فإن المحب لمن يحب مطيع، وكلما قوي سلطان المحبة في القلب: كان اقتضاؤه للطاعة، وترك المخالفة أقوى، وإنما تصدر المعصية والمخالفة من ضعف المحبة وسلطانها، وفرقٌ بين من يحمله على ترك معصية سيده خوفه من سوطه وعقوبته، وبين من يحمله على ذلك حبه لسيده ... .
السبب السادس: شرف النفس، وزكاؤها، وفضلها، وأنفتُها، وحميتها أن تختار الأسباب التي تحطها، وتضع من قدرها، وتخفض منزلتها، وتحقرها، وتسوِّي بينها وبين السفلة.
السبب السابع: قوة العلم بسوء عاقبة المعصية، وقبح أثرها، والضرر الناشيء منها من: سواد الوجه، وظلمة القلب، وضيقه، وغمِّه، وحزنه، وألمه، وانحصاره، وشدة قلقه واضطرابه، وتمزق شمله، وضعفه عن مقاومة عدوه، وتعريه من زينته، والحيرة في أمره، وتخلي وليه وناصره عنه، وتولي عدوه المبين له، وتواري العلم الذي كان مستعدّاً له عنه، ونسيان ما كان حاصلاً له أو ضعفه ولا بد، ومرضه الذي إذا استحكم به فهو الموت ولا بد؛ فإن الذنوب تميت القلوب ... .
وبالجملة: فآثار المعصية القبيحة أكثر من أن يحيط بها العبد علماً، وآثار الطاعة الحسنة أكثر من أن يحيط بها علماً، فخير الدنيا والآخرة بحذافيره في طاعة الله، وشر الدنيا والآخرة بحذافيره في معصيته، وفي بعض الآثار يقول الله سبحانه وتعالى: (من ذا الذي أطاعني فشقي بطاعتي، ومن ذا الذي عصاني فسعد بمعصيتي) .
السبب الثامن: قصر الأمل، وعلمه بسرعة انتقاله، وأنه كمسافر دخل قرية وهو مزمع على الخروج منها، أو كراكب قالَ في ظل شجرة ثم سار وتركها، فهو لعلمه بقلة مقامه وسرعة انتقاله حيص على ترك ما يثقله حمله ويضره ولا ينفعه، حريص على الانتقال بخير ما بحضرته، فليس للعبد أنفع من قصر الأمل، ولا أضر من التسويف وطول الأمل.
السبب التاسع: مجانبة الفضول في مطعمه، ومشربه، وملبسه، ومنامه، واجتماعه بالناس؛ فإن قوة الداعي إلى المعاصي إنما تنشأ من هذه الفضلات، فإنها تطلب لها مصرفاً فيضيق عليها المباح فتتعداه إلى الحرام، ومن أعظم الأشياء ضرراً على العبد: بطالته، وفراغه؛ فإن النفس لا تقعد فارغة، بل إن لم يشغلها بما ينفعها شغلته بما يضره، ولا بد.
السبب العاشر: وهو الجامع لهذه الأسباب كلها: ثبات شجرة الإيمان في القلب، فصبر العبد عن المعاصي إنما هو بحسب قوة إيمانه، فكلما كان إيمانه أقوى: كان صبره أتم، وإذا ضعف الإيمان: ضعف الصبر، فإن من باشر قلبَه الإيمانُ بقيام الله عليه، ورؤيته له، وتحريمه لما حرم عليه وبغضه له ومقته لفاعله، وباشر قلبه الإيمان بالثواب والعقاب والجنة والنار: امتنع من أن لا يعمل بموجب هذا العلم، ومن ظن أنه يقوى على ترك المخالفات والمعاصي بدون الإيمان الراسخ الثابت: فقد غلط، فإذا قوي سراج الإيمان في القلب وأضاءت جهاته كلها به وأشرق نوره في أرجائه: سرى ذلك النور إلى الأعضاء، وانبعث إليها، فأسرعت الإجابة لداعي الإيمان، وانقادت له طائعة مذللة غير متثاقلة ولا كارهة، بل تفرح بدعوته حين يدعوها، كما يفرح الرجل بدعوة حبيبه المحسن إليه إلى محل كرامته، فهو كلَّ وقتٍ يترقب داعيه، ويتأهب لموافاته، والله يختص برحمته من يشاء، والله ذو الفضل العظيم " انتهى.
" طريق الهجرتين " (ص 408 – 414) باختصار.
والمطلوب من المسلم أن يعرف حقيقة ما أراده الله من الصوم، ويعرف الدافع له لفعل المعصية، فيبتعد عنه، ويهجره، ويبغضه، وما نقلناه من كلام ابن القيم يوضح هذا ويبينه أحسن بيان.
وانظر جواب السؤال رقم (12468) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3505)
يفطر على أذان الإذاعة أم يتبع المؤذن القريب؟
[السُّؤَالُ]
ـ[صديقي بقول بأنه يفطر مع الأذان الذي يذاع على التلفاز مع أن المسجد القريب منه والذي لا يسمع غيره يؤذن بعد ذلك ويقول إن هذا المسجد يؤذن بعد المساجد الأخرى.. علماً بأن مدينتنا تتبع الأذان المذاع في الإذاعة دائماً.. فهل يصح هذا أم أنه يجب أن يتبع المسجد القريب منه مع تأخره عن أذان الإذاعة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المدار في الإفطار على غروب الشمس، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَا هُنَا وَغَرَبَتْ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ) رواه البخاري (1954) ومسلم (1100) .
ولا بأس من الاعتماد على آذان المؤذن للإفطار، لأنه يفيد غلبة الظن بغروب الشمس.
وبعض المؤذنين يتأخر قليلا في الأذان احتياطاً منه للصيام، وهذا التصرف خاطئ مخالف للسنة، كما سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (12470) .
وإذا كانت مدينتكم تتبع الأذان المذاع في الإذاعة، فالأولى لك الاعتماد على أذان الإذاعة لأنه أكثر دقة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3506)
إذا اختلف المؤذنون فمن يتبع في الإفطار؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا اختلف الأذان من مسجد إلى مسجد آخر والاثنان قريبان وفي نفس المنطقة فعلى أيهما يتم الإفطار؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المدار في الفطر على غروب الشمس، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَا هُنَا وَغَرَبَتْ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ) رواه البخاري (1954) ومسلم (1100) .
والمقصود بالغروب: هو سقوط قرص الشمس واختفاؤه، ولا عبرة بالحمرة الشديدة الباقية في الأفق، فحيث غاب جميع القرص، فقد حل الفطر.
وأكثر المؤذنين اليوم يعتمد على التقاويم، وهذا لا بأس به، لكن منهم من يقصر في ضبط ساعته كما ينبغي.
وإذا اختلف المؤذنون، فإما أن تنظروا أشدهم دقة في الوقت، بحيث يؤذن مع أول الوقت تماما، فلا يتقدم ولا يتأخر، وتعتمدوا على أذانه دون غيره.
وإما أن تعتمدوا على التقويم بأنفسكم، بعد التأكد من ضبط الساعة، حتى وإن لم يؤذن المؤذن.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3507)
هل يجوز له أن يعد الطعام لابن الكافر في نهار رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي كان متزوجا من امرأة أجنبية وله منها ولدان. منذ الصغر وهما مقيمان مع والدتهما وهم علي ديانة والدتهما (المسيحية) ويأتيان لرؤية والدهما نهاية الأسبوع ولكن منذ 4 أشهر الولد الكبير مقيم معنا وبالطبع هو ليس صائما في رمضان. السؤال: أحيانا والده يعد له الطعام (في النهار) ما حكم ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للمسلم أن يقدم الطعام في نهار رمضان إلا للمعذور في ترك الصوم، كالمريض والمسافر، وأما من كان غير معذور فلا يجوز إطعامه، سواء كان مسلما أو كافرا.
أما إطعام المسلم غير المعذور، فواضح؛ لأنه عاص بترك الصوم، فلا يجوز إعانته على معصيته.
وأما الكافر، فإنه عاص أيضا بالإفطار في رمضان، لأن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة كما دلت عليه الأدلة، وهو مذهب جمهور أهل العلم. ومعنى المخاطبة بفروع الشريعة أنه يجب على الكافر أن يصلي ويصوم ويزكي ويفعل سائر الواجبات، كما يجب عليه أن يأتي بالأصل وهو الإيمان، وهو محاسب على الأمرين: الأصل والفرع، ويعذب على ترك هذه الفروع، كما يعذب على ترك الأصل، وإن كان إتيانه بالفرع لا يصح إلا بعد الإتيان بالأصل.
فالكافر المستطيع للصوم يجب عليه الصوم، كما يجب عليه أن يسلم، فإذا أفطر كان عاصيا بالفطر، ولهذا لا تجوز إعانته على هذه المعصية، بل يترك ليجهز طعامه بنفسه.
قال النووي رحمه الله: " والمذهب الصحيح الذي عليه المحققون والأكثرون: أن الكفار مخاطبون بفروع الشرع، فيحرم عليهم الحرير، كما يحرم على المسلمين " انتهى من "شرح مسلم" (14 / 39) .
وقد ذكر الرملي رحمه الله في "نهاية المحتاج" (5/274) عن العلماء أنهم حرموا بيع الطعام للكافر في نهار رمضان.
وراجعي السؤال رقم (49694) .
ونسأل الله تعالى أن يهدي هذين الشابين وأن يصلح حالهما.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3508)
سؤال من الصين عن وقت الإفطار
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب أدرس في الصين , والمدينة التي أقيم فيها تحيط بها الجبال من جهة الغرب , والجالية المسلمة هنا يعتمدون في إفطارهم على التوقيت المأخوذ من مواقع الإنترنت، لكن بالنسبة لي فأنا أراقب قرص الشمس , فأفطر حين يغيب قرص الشمس خلف الجبل وأصلي المغرب تحقيقا لسنَّة تعجيل الفطر والمغرب , ومخالفة اليهود، فهل عملي هذا صحيح؟ وهل يجب عليَّ أن أفترض أنه يتوجب عليَّ الصعود إلى مكان عال جدّاً مساوٍ لارتفاع الجبل لأراقب قرص الشمس؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز الاعتماد على التقاويم التي تبين أحكام الصلوات ما لم يثبت خطؤها، وقد ثبت خطأ كثير منها – إن لم نقل كلها – في صلاة الفجر، وبعضها في صلاة العشاء، وأما صلاة المغرب فالخطأ فيها يسير؛ لأنه يسهل على عامة الناس معرفة صوابها، واكتشاف الخطأ فيها، بمراقبة الشمس بأنفسهم.
وعلى كل حال: فإن علامة غروب الشمس الذي به يفطر الصائم، ويدخل به وقت صلاة المغرب هي: غياب قرص الشمس في الأفق غياباً حقيقيّاً، وليس غيابها وراء جبل، أو عمارة.
وقد نصَّ الصحابة رضي الله عنهم على وقت الغروب بذكرهم غياب الشمس في الحجاب، وتنوعت ألفاظهم في ذلك، فبعضهم يقول " غابت الشمس "، وآخر يقول " توارت بالحجاب "، وثالث يقول " وجبت الشمس "، وكلها ألفاظ تدل على معنى واحد، وهو الغياب الكلي لقرص الشمس.
ولا يلزمك أن تصعد على الجبل أو على مكان مرتفع، بل المراد غروب الشمس بالنسبة للمكان الذي أنت فيه، وذلك بسقوطها في الأفق، أما مجرد اختفائها خلف الجبل فلا يعتبر ذلك غروباً.
ونظرا لأنك لا تستطيع رؤية الشمس وقت الغروب بسبب الجبال، فيمكن معرفة وقت الغروب بعلامة أخرى ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي إقبال الظلام من جهة المشرق.
روى البخاري (1954) ومسلم (1100) عن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا (جهة المشرق) وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَا هُنَا (جهة المغرب) وَغَرَبَتْ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ) .
قال النووي:
" قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَقْبَلَ اللَّيْل وَأَدْبَرَ النَّهَار وَغَرَبَتْ الشَّمْس) قَالَ الْعُلَمَاء: كُلّ وَاحِد مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَة يَتَضَمَّن الْآخَرَيْنِ وَيُلَازِمُهُمَا , وَإِنَّمَا جَمَعَ بَيْنَهَا ; لِأَنَّهُ قَدْ يَكُون فِي وَادٍ وَنَحْوه بِحَيْثُ لَا يُشَاهِد غُرُوب الشَّمْس , فَيَعْتَمِد إِقْبَال الظَّلَّام وَإِدْبَار الضِّيَاء. وَاَللَّه أَعْلَم " انتهى.
فإن لم يمكن هذا أيضا فلا حرج من الاعتماد على التقاويم لأنها تفيد على الأقل غلبة الظن بدخول وقت الصلاة، ما لم يثبت أنها خطأ.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3509)
وقت الفجر الصادق
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الطرق التي أستطيع بها معرفة الفجر الصادق؟ أجتهد صباحاً في تحري الفجر الصادق , وذلك لمعرفة وقت الصلاة والإمساك، وذلك لي ولأصدقائي، لأني أقيم في الصين , والمسلمون هنا يعتمدون التوقيت من الإنترنت , لكنه غير دقيق، وبناء عليه فهم يصلون الفجر قبل دخول الوقت، ولكن فيما لو لم أستطع ضبط التوقيت بشكل صحيح (لأني أقربه إلى حين ذهاب العتمة وظهور الضوء) ، فهل عليَّ إثم في ذلك؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله أن يجزيك خير الجزاء على تحريك الحق والصواب في عبادتك، ونسأله تعالى أن يوفقك ويزيدك من فضله على حبك للعلم وحرصك على التعلم.
واعلم أن الفجر فجران: فجر كاذب لا يدخل معه وقت صلاة الفجر، ولا يمنع من الطعام والشراب والجماع لمن أراد الصوم، وفجر صادق، وهو الذي يدخل معه وقت صلاة الفجر، ويمنع من الطعام والشراب والجماع في الصيام، وهو المقصود بقوله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) البقرة/187.
وقد صرَّح النبي صلى الله عليه وسلم بالفرق بينهما في أحاديث كثيرة، بعضها في التفريق بينهما من حيث الأوصاف، وبعضها الآخر من حيث التفريق بينهما في الأحكام، وبعضها جمعت بين الأوصاف والأحكام.
انظر هذه الأحاديث في جواب السؤال رقم (26763) .
وقد جاء التفريق واضحاً بين الفجرين في كلام الصحابة، والتابعين، ومن بعدهم من أئمة العلم.
قال ابن كثير رحمه الله:
"وقال عبد الرزاق: أخبرنا ابن جريج عن عطاء قال: سمعت ابن عباس يقول: هما فجران، فأما الذي يسطع في السماء: فليس يُحِلّ ولا يحرِّم شيئاً، ولكن الفجر الذي يستبين على رؤوس الجبال هو الذي يحرّم الشراب.
قال عطاء: فأما إذا سطع سطوعاً في السماء - وسطوعه أن يذهب في السماء طولاً -: فإنه لا يحرم به شراب لصيام ولا صلاة، ولا يفوت به حج، ولكن إذا انتشر على رؤوس الجبال: حرم الشراب للصيَّام، وفات الحج.
وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس وعطاء، وهكذا رُوي عن غير واحد من السلف رحمهم الله".
" تفسير ابن كثير " (1 / 516)
وقال ابن قدامة رحمه الله:
"وجملته: أن وقت الصبح يدخل بطلوع الفجر الثاني إجماعاً، وقد دلَّت عليه أخبار المواقيت، وهو البياض المستطير المنتشر في الأفق، ويسمَّى " الفجر الصادق "؛ لأنَّه صدقك عن الصبح وبيَّنه لك، والصبح ما جمع بياضاً وحمْرة، ومنه سمِّي الرجل الذي في لونه بياض وحمرة: "أصبح"
فأما الفجر الأول: فهو البياض المستدق صعداً من غير اعتراض فلا يتعلق به حكم، ويسمَّى " الفجر الكاذب " ثم لا يزال وقت الاختيار إلى أن يسفر النهار.
" المغني " (1 / 232) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"وذكر العلماء أن بينه - أي: الفجر الكاذب - وبين الثاني ثلاثة فروق:
الفرق الأول: أن الفجر الأول ممتد لا معترض، أي: ممتد طولاً من الشرق إلى الغرب، والثاني: معترض من الشمال إلى الجنوب.
الفرق الثاني: أن الفجر الأول يظلم، أي: يكون هذا النور لمدة قصيرة ثم يظلم، والفجر الثاني: لا يظلم بل يزداد نوراً وإضاءة.
الفرق الثالث: أن الفجر الثاني متصل بالأفق ليس بينه وبين الأفق ظلمة، والفجر الأول منقطع عن الأفق بينه وبين الأفق ظلمة.
وهل يترتب على الفجر الأول شيء؟ لا يترتب عليه شيء من الأمور الشرعيَّة أبداً، لا إمساك في صوم، ولا حل صلاة فجر، فالأحكام مرتبة على الفجر الثاني" انتهى.
" الشرح الممتع " (2 / 107، 108) .
ثانياً:
وأما ما يوجد في التقاويم فإنه ليس مصدر ثقة في معرفة وقت صلاة الفجر، فقد ثبت خطأ هذه التقاويم.
فالواجب عليكم عدم اعتماد التقاويم في معرفة صلاة الفجر، وعليكم تحري الوقت الصحيح بما ذكرناه لك من فروق بين الفجر الكاذب والصادق، وإذا لم تستطع النظر في كل يوم في السماء: فإنه يمكنك وضع وقت احتياطي بعد أذان التقويم، وبلادنا يختلف فيها هذا الوقت من بلد لآخر، ومن فصل لآخر، فيمكنك اعتماد وقت " نصف ساعة " مثلاً لتصلي فيه الفجر، على أن تحتاط في الإمساك عن الطعام والشراب قبل ذلك.
ويمكنكم وضع تقويم صحيح لتعتمده الأجيال بعدكم بعد أن تتحروا الفجر الصادق خلال عام كامل، وفي أوقات متفرقة، عسى أن يكتب لكم أجر تصحيح عبادات المسلمين.
وعلى هذا، فإذا أمكنكم متابعة وقت الفجر بأنفسكم، فإنكم تعملون بذلك في الصلاة والصيام، وإن لم يمكن، فإنكم لا تصلون حتى يغلب على ظنكم دخول وقت الصلاة.
وأما في الصيام فلكم أن تأكلوا وتشربوا حتى تتيقنوا طلوع الفجر، لقوله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ) البقرة/187.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" فما دام لم يتيقن أن الفجر قد طلع فله الأكل ولو كان شاكاً حتى يتيقن" انتهى.
"فتاوى الصيام" (ص299) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3510)
حكم صوم الشخص الذي يظلم الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم صيام المسلم وهو ظالم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يتأكد على الصائم اجتناب المحرمات، كالغيبة والكذب والنميمة والظلم وغيرها، فإن المقصود من الصيام ليس هو مجرد الامتناع عن الطعام والشراب والجماع، وإنما المقصود تحقيق تقوى الله تعالى كما قال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة/183.
وكل معصية يرتكبها الصائم فإنها تنقص من ثواب صيامه، فلا يزال الصائم يعصي وينقص ثوابه، حتى قد يضيع ثوابه من الصيام بالكلية، وفي هذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلا الْجُوعُ) رواه ابن ماجة (1690) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه.
فالواجب على الصائم أن يتوب من المعاصي ويرجع إلى الله ويحسن عمله حتى يتقبل الله تعالى صيامه.
أما من حيث صحة الصوم وعدم بطلانه، فلا يبطل الصوم بمجرد فعل المعصية كالظلم أو الكذب، ولكن ينقص بذلك ثوابه، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (50063) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3511)
ظنت أنها نفساء فتركت الصوم والصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[مرت أربعون يوما تقريبا على نزول جنين من بطني ولم يتعدَّ الشهرين والنصف ووافق ذلك شهر رمضان ثم تركت الصلاة والصوم ولم يكن لي علم بالأمور الشرعية، وعلمت بعدها أنني لا أعتبر نفساء، فهل أقضي ما فاتني من الصلاة والصوم؟ وأنا الآن حائرة ولا أدري ما أفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا أسقطت المرأة فلا يعتبر الدم النازل منها دم نفاس إلا إذا أسقطت ما تبين فيه خلق الإنسان، من رأس أو يد أو رجل أو غير ذلك.
والتخليق لا يبدأ في الحمل قبل ثمانين يوماً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ وَيُقَالُ لَهُ: اكْتُبْ عَمَلَهُ وَرِزْقَهُ وَأَجَلَهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوح) رواه البخاري (3208) .
فدل هذا الحديث على أن الإنسان يمر بعدة مراحل في الحمل:
أربعين يوماً نطفة، ثم أربعين أخرى علقة، ثم أربعين ثالثة مضغة. ثم ينفخ فيه الروح بعد تمام مائة وعشرين يوماً.
والتخليق يكون في مرحلة المضغة، ولا يكون قبل ذلك، لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنْ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ) الحج/5. فعُلم من هذه الآية: أن المضغة قد تكون مخلقة وقد تكون غير مخلقة.
قال ابن قدامة رحمه الله: "إذا رأت المرأة الدم بعد وضع شيء يتبين فيه خلق الإنسان , فهو نفاس. نص عليه [أي: الإمام أحمد] وإن رأته بعد إلقاء نطفة أو علقة , فليس بنفاس" انتهى من "المغني" (1/211) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: "إذا أسقطت المرأة ما تبين فيه خلق الإنسان من رأس أو يد أو رجل أو غير ذلك فهي نفساء، لها أحكام النفاس، فلا تصلي ولا تصوم ولا يحل لزوجها جماعها حتى تطهر أو تكمل أربعين يوما. . .
أما إذا كان الخارج من المرأة لم يتبين فيه خلق الإنسان بأن كان لحمة ولا تخطيط فيه أو كان دما: فإنها بذلك تكون لها حكم المستحاضة لا حكم النفاس، لا حكم الحائض , وعليها أن تصلي وتصوم في رمضان وتحل لزوجها ... لأنها في حكم المستحاضة عند أهل العلم" انتهى من "فتاوى إسلامية " (1 / 243) .
وقال الشيخ ابن عثيمين:
"قال أهل العلم: إن خرج وقد تبيَّن فيه خلق إنسان: فإن دمها بعد خروجه يُعدُّ نفاساً، تترك فيه الصلاة والصوم ويتجنبها زوجها حتى تطهر، وإن خرج وهو غير مخلَّق: فإنه لا يعتبر دم نفاس بل هو دم فساد لا يمنعها من الصلاة ولا من الصيام ولا من غيرهما.
قال أهل العلم: وأقل زمن يتبين فيه التخطيط واحد وثمانون يوما".
"فتاوى المرأة المسلمة" (1/304، 305) .
وعلى هذا؛ فالدم الذي نزل عليك ليس دم نفاس؛ لأن الجنين نزل قبل تمام ثمانين يوما، وكان عليك أن تصلي وتصومي في تلك الفترة؛ إلا إن جاءك الحيض.
ثانيا:
يجب عليك قضاء الصيام، وهذا لا إشكال فيه، سواء قلنا إنك كنت طاهرة، أو كنت نفساء، لأن من ترك الصيام لعذر (كمرض أو حيض أو سفر) فالواجب عليه القضاء، وأنت تركتيه لعذر، وهو ظنك أنك نفساء.
أما قضاء الصلاة، فالظاهر أنه لا يلزمك القضاء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر المستحاضة التي تركت الصلاة أثناء نزول الدم بالقضاء، وإنما أرشدها إلى ما تصنع في المستقبل.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "المستحاضة إذا مكثت مدة لا تصلي لاعتقادها عدم وجوب الصلاة عليها، ففي وجوب القضاء عليها قولان، أحدهما: لا إعادة عليها - كما نقل عن مالك وغيره –؛ لأن المستحاضة التي قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: (إني حضت حيضةً شديدةً كبيرةً منكرةً منعتني الصلاة والصيام) أمرها بما يجب في المستقبل، ولم يأمرها بقضاء صلاة الماضي " انتهى من "مجموع الفتاوى" (22/102) وينظر جواب السؤال رقم (45648) .
والحاصل: أنه يلزمك قضاء الصوم، وأما الصلاة فإن سهل عليك قضاؤها فافعلي، وإلا فنرجو أن يعفو الله عنك، ونوصيك بالحرص على طلب العلم والتفقه الدين.
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3512)
إمامهم يترك صلاة المغرب في المسجد ليفطر في بيته!
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن في منطقه لا يصلي فيها الإمام صلاه المغرب؛ وذلك لأنه يذهب للإفطار، فما الحكم هل نأثم؟ أم نصليها في البيت وتحسب جماعة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يجب على المسلم أن يتقي الله تعالى ويؤدي الصلوات الخمس جماعة في المسجد، إلا إذا كان معذوراً بنوم أو مرض أو نحو ذلك.
انظر السؤال رقم (8918) .
وبخاصة صلاة المغرب في رمضان حيث يكثر التفريط فيها من عامة المصلين، ويجب على الإمام أن يكون على رأس المصلين في هذه الصلاة لسبب آخر غير وجوب الجماعة عليه، وهو أداء الأمانة التي أوكلت له، أو الوظيفة التي ائتمن عليها.
وإذا كان هذا الإمام مفرطا في صلاة المغرب جماعة في المسجد، فإن هذا لا يعني أنكم تأثمون أو يجوز لكم أن تصلوا في البيت، بل يجب عليكم أداءها جماعة في المسجد، ولو لم يحضر الإمام، فإن كل إنسان يحاسب على عمله، فإن أساء هو فعليكم أن تحسنوا أنتم وتتجنبوا إساءته، محافظة على هذه الشعيرة التي هي من أركان الإسلام.
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ، فَإِنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَنَ الْهُدَى، وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى، وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ ثُمَّ يَعْمِدُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ إِلا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً، وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً، وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ. رواه مسلم (654) .
وقال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى:
فلا أرخّص لمن قدر على صلاة الجماعة في ترك إتيانها إلا من عذر.
" الأم " (1/277)
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى:
ومن تأمل السنَّة حق التأمل تبين له أن فعلها في المساجد فرض على الأعيان إلا لعارض يجوز معه ترك الجمعة والجماعة فترك حضور المسجد لغير عذر كترك أصل الجماعة لغير عذر , وبهذا تتفق جميع الأحاديث والآثار.
ثم قال ابن القيم:
فالذي ندين الله به أنه لا يجوز لأحد التخلف عن الجماعة في المسجد إلا من عذر.
" كتاب الصلاة " (ص 166) .
ثانياً:
وقد كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل هدي؛ حيث كان يفطر على رطب، فإن لم يجد فعلى تمر، فإن لم يجد شرب الماء ثم قام ليصلي المغرب.
فعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفْطِرُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى رُطَبَاتٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُطَبَاتٌ فَتُمَيْرَاتٌ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تُمَيْرَاتٌ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ) رواه الترمذي (632) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
فما يفعله هذا الإمام مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، فعليكم بمناصحته لعله يرجع إلى الصواب.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3513)
صام قبل البلوغ ونسي قضاء بعض الأيام فهل يقضيها بعد بلوغه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما كنت في أول متوسط - وكان عمري آنذاك 13 عاماً - أفطرت ثلاثة أيام ونسيتها ولم أتذكرها إلا هذه السنة، عمري الآن 16 سنة، علماً بأني لم أبلغ، فهل أقضي بالصوم فقط أم عليَّ شيء آخر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يكلَّف الصبي بالواجبات الشرعية إلا بعد بلوغه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاثَةٍ: عَنْ الْمَجْنُونِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ حَتَّى يفِيقَ، وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ) رواه أبو داود (4399) . وصححه الألباني في " صحيح أبي داود "، وما يفعله الصبي من طاعات واجبة أو مستحبة قبل البلوغ فإنه يثاب عليها، فمن حجَّ وهو صبي أو صام أو صلَّى كُتب له أجر ذلك كله، ولكن الحج لا يجزئه عن حجة الإسلام، فعليه بعد البلوغ أن يحج حجة أخرى.
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَ رَكْبًا بِالرَّوْحَاءِ فَقَالَ: (مَنْ الْقَوْمُ؟ قَالُوا: الْمُسْلِمُونَ، فَقَالُوا: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ، فَرَفَعَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ صَبِيًّا فَقَالَتْ: أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَكِ أَجْرٌ) رواه مسلم (1336) .
قال النووي رحمه الله:
" فيه حجة للشافعي ومالك وأحمد وجماهير العلماء أن حج الصبي منعقد صحيح يثاب عليه وإن كان لا يجزيه عن حجة الاسلام بل يقع تطوعا، وهذا الحديث صريح فيه " انتهى.
" شرح النووي " (9 / 99) .
وقال الخطابي:
إنما كان له الحج من ناحية الفضيلة دون أن يكون محسوبا عن فرضه لو بقي حتى بلغ ويدرك مدرك الرجال، وهذا كالصلاة يؤمر بها إذا أطاقها وهي غير واجبة عليه وجوب فرض ولكن يكتب له أجرها تفضلا من الله سبحانه وتعالى، ويكتب لمن يأمره بها ويرشده إليها أجر.
انظر: " عون المعبود " (5 / 110) .
ولا يؤمر بقضاء ما أفطره وهو صبي، ولا يؤمر بقضاء ما تركه من صلوات.
وقال ابن قدامة رحمه الله:
فأما ما مضى من الشهر قبل بلوغه: فلا قضاء عليه، وسواء كان قد صامه أو أفطره، هذا قول عامة أهل العلم " المغني " (3 / 94) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
" صيام الصبي ليس بواجب عليه، ولكن على ولي أمره أن يأمره به ليعتاده، وهو – أي الصيام في حق الصبي الذي لم يبلغ – سنَّة، له أجر في الصوم، وليس عليه وزر إذا تركه " انتهى.
" فقه العبادات " (ص 186) .
وعلى هذا، فلا يلزمك قضاء هذه الأيام الثلاثة التي أفطرتها، لأن الصوم لم يكن واجباً عليك، وإن أردت قضاءها فلا حرج عليك، وتقضي بالصوم فقط، يوماً مكان يوم، وليس عليك شيء آخر.
ثانياً:
قولك في السؤال: "إن عمرك الآن 16 سنة ولم تبلغ"
بل أنت الآن بالغ! لأن البلوغ يحصل بإحدى ثلاث علامات ـ بالنسبة للذكر ـ
1- إنزال المني
2- إنبات الشعر الخشن حول العانة.
3- بلوغ خمسة عشر سنة.
وتزيد الأنثى علامة رابعة وهي نزول الحيض.
فمتى وجدت إحدى هذه العلامات ثبت البلوغ، ولا يشترط وجود كل هذه العلامات.
وانظر جواب السؤال رقم (70425) .
وبما أن عمرك 16 سنة فإنك تعتبر بالغاً، فاعمل لذلك، فقد انتهى زمن الصغر وعدم التكليف، فإن الملائكة تكتب على كل شخص بالغ ما يفعله من خير أو شر (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ) الزلزلة/8.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3514)
هل يجوز لصاحب مطعم أن يبيع الطعام للمفطرين والكفار في نهار رمضان؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مقيم في دولة أجنبية ولدي مطعم صغير، وأرى بعض المسلمين غير الصائمين - وهم كثيرون - يريدون أن يأكلوا عندي في مطعمي في وقت الظهيرة، فما هو حكم بيع الطعام لهؤلاء المفطرين وكذلك بيعه لغير المسلمين؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
سبق في كثير من الأجوبة بالموقع التحذير من الإقامة في دول الكفر، لما في ذلك من خطورة على دين الرجل وأسرته أيضا، فلا يستطيع الرجل أن يربي أولاده التربية الإسلامية التي يرجوها، وليس العمل عذراً للمسلم في إقامة في تلك الدول، وانظر جواب السؤال (38284) ، (13363) .
ثانياً:
وأما بخصوص مسألتك: فاعلم أنه لا يجوز لك أن تقدم الطعام لأحد ليأكله في نهار رمضان، إلا إذا كان معذوراً في الفطر، كمريض أو مسافر، ولا فرق بين مسلم وكافر في هذا الحكم، فالمسلم المفطر مخاطب بالصوم، وهو عاصٍ بفطره، وتمكينه من الطعام والشراب في نهار رمضان تعاون على الإثم والعدوان، والكافر مخاطب – أيضاً - بالصوم وسائر الأحكام، ولكنه مطالب قبل ذلك بالنطق بالشهادتين والدخول في الإسلام، ويوم القيامة يعذب الكافر على كفره، وعلى شرائع الإسلام التي لم يعمل بها، فيزداد عذابه في النار.
قال النووي رحمه الله:
" والمذهب الصحيح الذي عليه المحققون والأكثرون: أن الكفار مخاطبون بفروع الشرع، فيحرم عليهم الحرير، كما يحرم على المسلمين " انتهى.
" شرح مسلم " (14 / 39) .
وسئل الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله:
كيف يحاسب الكافر يوم القيامة وهو غير مطالب بالتكاليف الشرعية؟
فأجاب:
" هذا السؤال مبني على فهم ليس بصحيح؛ فإن الكافر مطالب بما يطالب به المؤمن، لكنه غير ملزم به في الدنيا، ويدل على أنه مطالب: قوله تعالى: (إلا أصحاب اليمين. في جنات يتساءلون. عن المجرمين. ما سلككم في سقر. قالوا لم نك من المصلين. ولم نك نطعم المسكين. وكنا نخوض مع الخائضين. وكنا نكذب بيوم الدين) فلولا أنهم عوقبوا بترك الصلاة وترك إطعام المساكين ما ذكروه؛ لأن ذكره في هذه الحال لا فائدة منه، وذلك دليل على أنهم يعاقبون على فروع الإسلام، وكما أن هذا هو مقتضى الأثر فهو أيضاً مقتضى النظر: فإذا كان الله تعالى يعاقب عبدَه المؤمن على ما أخل به من واجب في دينه فكيف لا يعاقب الكافر؟ بل إني أزيدك أن الكافر يعاقب على كل ما أنعم الله به عليه من طعام وشراب وغيره قال تعالى: (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين) فمنطوق الآية: رفع الجناح عن المؤمنين فيما طعموه، ومفهومها: وقوع الجناح على الكافرين فيما طعموه " انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (2 / السؤال رقم 164) .
وعليه: فلا يجوز للمسلم أن يقدم طعاماً لغير المسلم في نهار رمضان؛ لأن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة.
وقد ذكر في "نهاية المحتاج" (5/274) عن العلماء أنهم حرموا بيع الطعام للكافر في نهار رمضان.
وانظر جواب السؤال (49694) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3515)
هل يجوز أن يتعالج عند من يزعم أنه يتعامل مع طبيب من الجن المسلم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا تعالجت عند رجل عنده أطباء مسلمون من الجن، فهل يفسد صومي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يجوز الاستعانة بالجن في العلاج أو غيره، ولا يجوز الذهاب لمن يزعم ذلك.
ولا ينبغي لمسلم أن يغتر بنجاح علاج أحد ورؤية أثر ذلك في الواقع، فها هو الدجال يقول للسماء أمطري فتمطر، وللأرض أخرجي كنوزك فتخرج، فهل يغتر المسلم به ويصدقه في دعواه؟! فقد يكون فتنة واستدراجاً من الله تعالى لهم (سنستدرجهم من حيث لا يعلمون) .
وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله عن حكم استخدام الجن من المسلمين في العلاج إذا لزم الأمر؟
فأجاب:
" لا ينبغي للمريض استخدام الجن في العلاج ولا يسألهم، بل يسأل الأطباء المعروفين، وأما اللجوء إلى الجن فلا؛ لأنه وسيلة إلى عبادتهم وتصديقهم؛ لأن في الجن من هو كافر، ومن هو مسلم، ومن هو مبتدع، ولا تعرَف أحوالُهم، فلا ينبغي الاعتماد عليهم، ولا يسألون، ولو تمثلوا لك، بل عليك أن تسأل أهل العلم والطب من الإنس، وقد ذم الله المشركين بقوله تعالى: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنْ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنْ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا) الجن/6؛ ولأنه وسيلة للاعتقاد فيهم والشرك، وهو وسيلة لطلب النفع منهم والاستعانة بهم، وذلك كله من الشرك " انتهى.
" مجلة الدعوة " (العدد 1602، ربيع الأول 1418 هـ، ص 34) .
وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
" لا يستعان بالجان، لا المسلم منهم ولا الذي يقول إنه مسلم؛ لأنه قد يقول مسلم وهو كذاب من أجل أن يتدخل مع الإنس، فيُسد هذا الباب من أصله، ولا يجوز الاستعانة بالجن ولو قالوا إنهم مسلمون؛ لأن هذا يفتح الباب.
والاستعانة بالغائب لا تجوز سواء كان جنيّاً أو غير جني، وسواء كان مسلماً أو غير مسلم، إنما يستعان بالحاضر الذي يقدر على الإعانة، كما قال تعالى عن موسى: ( ... فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ ... ) القصص/15، هذا حاضر ويقدر على الإغاثة فلا مانع من هذا في الأمور العادية " انتهى.
" السحر والشعوذة " (ص 86، 87) .
ثانياً:
وأما الصوم فصحيح إن شاء الله ولا يفسد بذلك، وإن كان ثواب الصيام يقل وقد ينعدم بالكلية بارتكاب المعاصي، وانظر جواب السؤال رقم (50063) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3516)
المراسلة بين الجنسين وأثرها على الصيام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم إذا أنا راسلت صديقتي على النت في رمضان طالما في حدود الاحترام وهي تفتح الكاميرا وأنا أراها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: من المقاصد الضرورية في الشريعة الإسلامية: حفظ النسل والأعراض؛ من أجل ذلك حرّم الله الزنا، وحرم وسائله التي قد تفضي إليه، من خلوة رجل بامرأة أجنبية منه، ونظرة آثمة، وسفر بلا محرم، وخروج المرأة من بيتها معطرة متبرجة كاسية عارية.
ومن ذلك: حديث الرجل الخادع مع المرأة، وخضوعها له بالقول إغراء له وتغريراً به، وإثارة لشهوته، وليقع في حبالها، سواء كان ذلك عند لقاء في طريق، أو في محادثة هاتفية، أو مراسلة كتابية، أو غير ذلك.
وقد حرم الله على نساء رسوله صلى الله عليه وسلم - وهن الطاهرات - أن يتبرجن تبرج الجاهلية الأولى، وأن يخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض، وأمرهن أن يقلن قولاً معروفاً، قال الله تعالى: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً) الأحزاب/32. راجع سؤال رقم (10221) .
والمحادثات والمراسلات بين الرجل والمرأة، عن طريق النت هي باب من أبواب الفتنة والشر، وذلك لما يترتب على هذه المحادثات من تساهل في الحديث يدعو إلى الإعجاب والافتتان غالبا، ولهذا فإن الواجب هو الحزم والابتعاد عن ذلك، ابتغاء مرضاة الله، وحذرا من عقابه.
وكم جَرَّت هذه المحادثات على أهلها من شر وبلاء، حتى أوقعتهم في عشق وهيام، وقادت بعضهم إلى ما هو أعظم من ذلك. راجع سؤال رقم (34841) .
وقد سئل الشيخ ابن جبرين: ما حكم المراسلة بين الشبان والشابات علما بأن هذه المراسلة خالية من الفسق والعشق والغرام؟
فأجاب:
" لا يجوز لأي إنسان أن يراسل امرأة أجنبية عنه؛ لما في ذلك من فتنة، وقد يظن المراسل أنه ليست هناك فتنة، ولكن لا يزال به الشيطان حتى يغريه بها، ويغريها به. وقد أمر صلى الله عليه وسلم من سمع بالدجال أن يبتعد عنه، وأخبر أن الرجل قد يأتيه وهو مؤمن ولكن لا يزال به الدجال حتى يفتنه.
ففي مراسلة الشبان للشابات فتنة عظيمة وخطر كبير يجب الابتعاد عنها وإن كان السائل يقول: إنه ليس فيها عشق ولا غرام " انتهى.
"فتاوى المرأة" جمع محمد المسند (ص 96) .
ثانياً:
الصائم مأمور بتقوى الله تعالى، وفعل ما أمر، واجتناب ما نهى عنه.
فليس المقصود من الصيام مجرد الامتناع عن الطعام والشراب، وإنما المقصود تحقيق تقوى الله تعالى (لعلكم تتقون) ، وتهذيب النفس، والتخلي عن رذائل الأعمال، وسفاسف الأخلاق، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس الصيام من الأكل والشرب، إنما الصيام من اللغو والرفث) رواه الحاكم، وصححه الألباني في صحيح الجامع (5376) .
وقد سبق في جواب السؤال رقم (50063) بيان أثر المعاصي على الصوم وأنها قد تذهب ثوابه بالكلية.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3517)
حكم سب الشيطان في نهار رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يسب الشيطان في نهار رمضان؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا ينبغي للمؤمن أن يعود لسانه على السب والشتم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلا اللَّعَّانِ وَلا الْفَاحِشِ وَلا الْبَذِيءِ) رواه الترمذي وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
والصائم مأمور بحسن الخلق أكثر من غيره، ولذلك يتأكد عليه ترك السب، ولو كان محقاً، ولهذا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم الصائم أن لا يقابل العدوان بمثله، بل إذا سبه أحد أو قاتله، فيقول: إني صائم، إني صائم، متفق عليه.
مع أن من رد العدوان بالمثل جائز، قال تعالى: (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) البقرة/194.
ولكن الصائم مأمور بفضائل الأعمال، والكف عن مساوئها أكثر من غيره.
والمؤمن إذا أصابه نزغ من الشيطان وشيء من وسوسته، فإنه لا ينتفع من سبه بشيء، بل المشروع له أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم.
قال تعالى: (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) فصلت/36. وعَنْ أَبِي الْمَلِيحِ عَنْ رَجُلٍ قَالَ: كُنْتُ رَدِيفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَثَرَتْ دَابَّةٌ، فَقُلْتُ: تَعِسَ الشَّيْطَانُ. فَقَالَ: (لا تَقُلْ تَعِسَ الشَّيْطَانُ، فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَ ذَلِكَ تَعَاظَمَ، حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ الْبَيْتِ، وَيَقُولُ: بِقُوَّتِي! وَلَكِنْ قُلْ: بِسْمِ اللَّهِ، فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَ ذَلِكَ تَصَاغَرَ، حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ الذُّبَابِ) رواه أحمد (20068) وأبو داود (4982) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3518)
هل يجوز الإفطار قبل سماع الأذان؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الأكل قبل الأذان بثواني مع العلم أني لا أسمع الأذان والمنطقة شيعية يؤذنون بعد أذاننا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا غربت الشمس فقد حل للصائم أن يفطر، سواء أذن المؤذن أم لم يؤذن، فالعبرة بغروب الشمس، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا، وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَا هُنَا، وَغَرَبَتْ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ) رواه البخاري (1954) ومسلم (1100) .
قَالَ اِبْن دَقِيق الْعِيد: " فِي هَذَا الْحَدِيث رَدٌّ عَلَى الشِّيعَةِ فِي تَأْخِيرهمْ الْفِطْر إِلَى ظُهُور النُّجُوم " انتهى من "فتح الباري".
وبعض المؤذنين قد يتأخر في الأذان بعد غروب الشمس بفترة، فلا عبرة بأذانه، وفعله هذا مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم الذي حثنا على المبادرة بالإفطار بعد غروب الشمس، فقال: (لا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ) رواه البخاري (1957) ومسلم (1098) .
ويجوز للصائم أن يفطر إذا غلب على ظنه غروب الشمس ولا يشترط حصول اليقين، بل يكفي غلبة الظن.
فإذا غلب على ظن الصائم أن الشمس قد غربت، فأفطر، فلا شيء عليه.
ولا يجوز له أن يفطر وهو شاك في غروبها.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" وسن تعجيل فطر أي: المبادرة به إذا غربت الشمس، فالمعتبر غروب الشمس، لا الأذان، لاسيما في الوقت الحاضر حيث يعتمد الناس على التقويم، ثم يعتبرون التقويم بساعاتهم، وساعاتهم قد تتغير بتقديم أو تأخير، فلو غربت الشمس، وأنت تشاهدها، والناس لم يؤذنوا بعد، فلك أن تفطر، ولو أذنوا وأنت تشاهدها لم تغرب، فليس لك أن تفطر؛ لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قال: (إذا أقبل الليل من هاهنا وأشار إلى المشرق، وأدبر النهار من هاهنا وأشار إلى المغرب، وغربت الشمس فقد أفطر الصائم) .
ولا يضر بقاء النور القوي، فبعض الناس يقول: نبقى حتى يغيب القرص ويبدأ الظلام بعض الشيء فلا عبرة بهذا، بل انظر إلى هذا القرص متى غاب أعلاه فقد غربت الشمس، وسن الفطر.
ودليل سنية المبادرة: قوله صلّى الله عليه وسلّم: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر) ، وبهذا نعرف أن الذين يؤخرون الفطر إلى أن تشتبك النجوم كالرافضة أنهم ليسوا بخير.
فإن قال قائل: هل لي أن أفطر بغلبة الظن، بمعنى أنه إذا غلب على ظني أن الشمس غربت، فهل لي أن أفطر؟
فالجواب: نعم، ودليل ذلك ما ثبت في صحيح البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: (أفطرنا في يوم غيم على عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم، ثم طلعت الشمس) ومعلوم أنهم لم يفطروا عن علم، لأنهم لو أفطروا عن علم ما طلعت الشمس، لكن أفطروا بناءً على غلبة الظن أنها غابت، ثم انجلى الغيم فطلعت الشمس " انتهى.
"الشرح الممتع" (6/267) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3519)
ابتلاع بقايا الطعام في فمه أثناء النهار
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما يستيقظ الشخص في الصباح وهو صائم وكانت في فمه بقايا من سحوره فما الحكم إذا ابتلعه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لاشك أن الأكل من مفسدات الصيام، قال تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) البقرة/187.
ومعلوم عند المسلمين أن الصيام هو الإمساك عن الأكل والشرب والجماع، وسائر المفطرات. "مجموع فتاوى شيخ الإسلام" (25/219) .
والأكل هو إيصال جامد إلى المعدة عن طريق الفم.
انظر: "حاشية ابن قاسم على الروض المربع" (3/389) .
ولا يشترط في هذا الأكل أن يكون نافعاً أو كثيراً، بل لو ابتلع شيئا لا ينتفع به (خرزة مثلا) أو ابتلع شيئا قليلا، فإنه يكون قد أفطر وأفسد صيامه.
وابتلاع بقايا الطعام التي تكون بين الأسنان يعتبر أكلا فيكون مفسدا للصيام.
وهذا إذا ابتلعها الصائم مختاراً.
بحيث تمكن من إخراجها ولكنه ابتلعها عمدا، أما إذا سبقت إلى حلقه وابتلعها ولم يتمكن من إخراجها فلا حرج عليه وصيامه صحيح، لأنه يشترط في جميع مفسدات الصيام أن يفعلها الصائم مختاراً، فإن فعلها مكرهاً بغير اختياره فصومه صحيح ولا شيء عليه.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (22981) .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (3/260) :
" ومن أصبح بين أسنانه طعام ; لم يخل من حالين:
أحدهما: أن يكون يسيرا لا يمكنه لفظه , فازدرده (أي ابتلعه) , فإنه لا يفطر به ; لأنه لا يمكن التحرز منه , فأشبه الريق , قال ابن المنذر: أجمع على ذلك أهل العلم.
الثاني: أن يكون كثيرا يمكن لفظه , فإن لفظه فلا شيء عليه , وإن ازدرده عامدا , فسد صومه في قول أكثر أهل العلم، لأنه بلع طعاما يمكنه لفظه باختياره , ذاكرا لصومه , فأفطر به , كما لو ابتدأ الأكل " انتهى بتصرف يسير.
وخلاصة الجواب:
أنه إذا تمكن من إخراجها ولكنه لم يفعل وابتلعها فقد أفسد صيامه، وإذا ابتلعها بغير اختياره فصومه صحيح ولا شيء عليه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3520)
هل أجر الصيام على قدر المشقة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الصيام جزاؤه عند الله متساوٍ أم يرتبط بالمشقة التي يتحملها الصائم؟ فهناك من يصوم في بلاد باردة لا يشعر بالعطش بينما آخر يصوم في بلاد حارة، هذا بغض النظر عن أعمال الخير المصاحبة للصيام، بل أقصد الصيام في حد ذاته؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كانت المشقة ملازمة للعبادة، بحيث لا يمكن القيام بالعبادة إلا مع تحمل هذه المشقة، فكلما زادت المشقة زاد معها الأجر والثواب، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: (إن لك من الأجر على قدر نصبك ونفقتك) رواه الحاكم وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1116) وأصل الحديث في الصحيحين.
قال النووي في "شرح مسلم":
" قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عَلَى قَدْر نَصَبك أَوْ قَالَ: نَفَقَتك) هَذَا ظَاهِر فِي أَنَّ الثَّوَاب وَالْفَضْل فِي الْعِبَادَة يَكْثُر بِكَثْرَةِ النَّصَب وَالنَّفَقَة , وَالْمُرَاد النَّصَب الَّذِي لا يَذُمّهُ الشَّرْع , وَكَذَا النَّفَقَة " انتهى.
وهذه القاعدة: "أن الأجر على قدر المشقة" ليس مطردة في كل شيء، بل هناك من الأعمال ما هو أخف وأعظم أجراً.
قال الزركشي في " المنثور في القواعد " (2/415-419) :
" العمل كلما كثر وشق كان أفضل مما ليس كذلك , وفي حديث عائشة رضي الله عنه: (أجرك على قدر نصبك) . وقد يفضل العملُ القليلُ على الكثير في صور:
منها: قصر الصلاة أفضل من الإتمام للمسافر.
ومنها: الصلاة مرة في الجماعة أفضل من فعلها وحده خمسا وعشرين مرة.
ومنها: تخفيف ركعتي الفجر أفضل من تطويلهما.
ومنها: التصدق بالأضحية بعد أكل لقم منها أفضل من التصدق بجميعها.
ومنها: قراءة سورة قصيرة في الصلاة أفضل من قراءة بعض سورة , وإن طالت، لأنه المعهود من فعله صلى الله عليه وسلم غالباً " انتهى بتصرف واختصار.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3521)
طهرت بعد الظهر فهل تصوم بقية اليوم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم اذا طَهُرتُ بعد الظهر ولم أنوِ صيامي من الليل، هل يجوز لي الصيام أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الحائض والنفساء لا يجوز لهما الصيام أثناء فترة الحيض والنفاس باتفاق العلماء.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (18/318) :
" اتّفق الفقهاء على تحريم الصّوم على الحائض مطلقاً فرضاً أو نفلاً وعدم صحّته منها؛ لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد: (أليس إذا حاضت لم تصلّ، ولم تصم؟ قلن: بلى. قال: فذلك من نقصان دينها) فإذا رأت المرأة الدّم ساعةً من نهار، فسد صومها، وقد نقل ابن جرير والنّوويّ وغيرهما الإجماع على ذلك........كما اتّفق الفقهاء على وجوب قضاء رمضان عليها، لقول عائشة رضي الله عنها في الحيض: كان يصيبنا ذلك، فنؤمر بقضاء الصّوم ولا نؤمر بقضاء الصّلاة. ونقل التّرمذيّ وابن المنذر وابن جرير وغيرهم الإجماع على ذلك " انتهى.
وبهذا يتضح أنه لا يصح صيام اليوم الذي طهرت فيه الحائض، وعليها قضاء هذا اليوم بعد رمضان.
ثم اختلف العلماء: هل يجب عليها أن تمتنع عن الطعام والشراب بقية يومها احتراما لحرمة الشهر الفضيل أو لا يجب؟ على قولين لأهل العلم، الراجح منهما ما ذهب إليه المالكية والشافعية من عدم وجوب الإمساك عليهما. وهو ما اختاره الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (6/344) .
جاء في "الموسوعة الفقهية" (18/318) :
" لا خلاف بين الفقهاء في أنّه إذا انقطع دم الحيض بعد الفجر، فإنّه لا يجزيها صوم ذلك اليوم ويجب عليها قضاؤه، ويجب عليها الإمساك حينئذ عند الحنفيّة والحنابلة، وعند المالكيّة يجوز لها التّمادي على تعاطي المفطر ولا يستحبّ لها الإمساك، وعند الشّافعيّة لا يلزمها الإمساك " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3522)
السفر من أجل الفطر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم السفر في رمضان من أجل الفطر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ: ما حكم السفر في رمضان من أجل الفطر؟
فأجاب فضيلته بقوله:
الصيام في الأصل واجب على الإنسان، بل هو فرض وركن من أركان الإسلام كما هو معلوم، والشيء الواجب في الشرع لا يجوز للإنسان أن يفعل حيلة ليسقطه عن نفسه، فمن سافر من أجل أن يفطر كان السفر حراماً عليه، وكان الفطر كذلك حراماً عليه، فيجب عليه أن يتوب إلى الله عز وجل، وأن يرجع عن سفره ويصوم، فإن لم يرجع وجب عليه أن يصوم ولو كان مسافراً، وخلاصة الجواب: أنه لا يجوز للإنسان أن يتحيَّل على الإفطار في رمضان بالسفر؛ لأن التحيل على إسقاط الواجب لا يسقطه، كما أن التحيل على المحرم لا يجعله مباحاً.
[الْمَصْدَرُ]
[مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين (19/133) ] .(5/3523)
ما حكم من يقول متى يأتي وقت الفطور؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الذي يقول متى يأتي وقت الفطور؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
وقت الإفطار هو وقت انتهاء الصيام، وهو وقت صلاة المغرب، ولا حرج على من يسأل عن وقت الإفطار ليتنعم بما أباحه الله له من الطعام والشراب الجماع، وليفرح بإتمام عبادته، فعن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ , وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ) رواه البخاري (1805) ومسلم (1151) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" قال القرطبي: معناه فرح بزوال جوعه وعطشه حيث أبيح له الفطر، وهذا الفرح طبيعي وهو السابق للفهم , وقيل: إن فرحه بفطره إنما هو من حيث إنه تمام صومه , وخاتمة عبادته , وتخفيف من ربه , ومعونة على مستقبل صومه.
قلت: ولا مانع من الحمل على ما هو أعم مما ذكر , ففرح كل أحد بحسبه لاختلاف مقامات الناس في ذلك , فمنهم من يكون فرحه مباحاً وهو الطبيعي , ومنهم من يكون مستحبّاً وهو من يكون سببه شيء مما ذكره " انتهى.
" فتح الباري " (4 / 118) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3524)
هل يبطل صومه بانكشاف عورته ورؤية أحدهم لها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا رآني أحد أصدقائي عاريا أو انكشفت عورتي أمامه أثناء الصيام فهل يبطل ذلك صيامي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إظهار العورة أمام من لا يحل له النظر إليها حرام، ولا يحل لأحدٍ فعله لا في رمضان ولا في غيره، فيحرم كشفها ويحرم النظر إليها.
فعن بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ عن أَبِيه عَنْ جَدِّه رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ؟ قَالَ: (احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلا مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ) ، فَقَالَ: الرَّجُلُ يَكُونُ مَعَ الرَّجُلِ؟ قَالَ: (إِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ لا يَرَاهَا أَحَدٌ فَافْعَلْ) ، قُلْتُ: وَالرَّجُلُ يَكُونُ خَالِيًا؟ قَالَ: (فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ) رواه الترمذى (2794) وحسَّنه، وابن ماجه (1920) , وحسنه الألباني في " صحيح الترمذي ".
وعن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ، وَلا الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ) رواه مسلم (338) .
قال النووي رحمه الله:
" فيه تحريم نظر الرجل إلى عورة الرجل , والمرأة إلى عورة المرأة , وهذا لا خلاف فيه " انتهى.
" شرح مسلم " (4 / 30) .
وأما إن كانت المسألة ظهور العورة عن غير قصد فليس عليك إثم، ويجب على الآخر أن يغض بصره عنها.
وليس الصوم بفاسد على كلا الحالتين – العمد والخطأ -، وقد سبق في جواب السؤال رقم (38023) بيان مفسدات الصيام، فلتنظر هناك.
وقد سبق في جواب السؤال رقم (37658) بيان أثر المعاصي على الصيام، وأنها تنقص ثوابه، وقد تذهبه بالكلية.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3525)
هل يصح الاعتماد على الإمساكيات الرمضانية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن في محافظة القنفذة، ومن زمن طويل نعتمد تقويم " أم القرى " في الإمساك والإفطار ومواقيت الصلاة، وبنفس مواقيت مكة المكرمة، ولكن منذ عام أو أكثر وزَّع الإخوة في المكتب التعاوني تقويماً خاصّاً بمحافظة القنفذة ويوجد به فارق في التوقيت في حدود عشر دقائق تقل أحياناً وتزيد أخرى، والمشكلة أن الناس الآن انقسموا إلى قسمين: بعض القرى تمسك على توقيت مكة المكرمة، والبعض الآخر يمسك على هذا التقويم الجديد الخاص بالمحافظة، والآن مشلكتنا في الصيام هل من يمسك على تقويم مكة المكرمة الذي يتأخر عن توقيت القنفذة بعشر دقائق يعتبر صيامه غير صحيح لأنه في هذه الحالة يعتبر أمسك بعد الأذان في حال كون التوقيت الجديد الخاص بالمحافظة صحيحاً؟
نأمل بحث المسألة بجدية لأن الناس في جدل واختلاف.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يجوز الاعتماد على الإمساكيات المنتشرة بين الناس إلا وفق شرطين:
أولها: أن تكون الجهة المصدرة لها من أهل العلم والخبرة.
وثانيها: أن تكون الإمساكية خاصة بالبلدة التي تصدرها الجهة لها، ولا يجوز لأحدٍ يعيش بعيداً عن تلك البلدة اعتماد إمساكيتها لما يوجد من فروق في التوقيت بينهما.
ومن كان لا يتوفر عنده تقويم أو إمساكية ليعتمد عليها في إمساكه وإفطاره، فيمكنه التحقق بنفسه من طلوع الفجر الصادق وغروب الشمس عن طريق المشاهدة , أو يقلد مؤذناً أميناً عارفاً بالأوقات.
فإذا عُرف أن المؤذن لا يؤذن إلا مع طلوع الفجر الصادق، فالواجب الإمساك بمجرد سماع أذانه، وإذا عُرف عنه أنه يؤذن بعد غروب الشمس فقد حلَّ للصائم أن يفطر، ولا عبرة بأذان من يؤذن قبل الفجر أو بعد غروب الشمس بمدة احتياطاً.
ثانياًً:
سبق في جواب السؤال رقم: (8048) عن الشيخ عبد الرحمن البراك:
" وقد صار التقويم هو الوسيلة للناس في معرفة مواقيت الصلاة بالساعة والدقيقة، فينبغي العناية بذلك ".
لكن هذا لا يعني عدم وجود أخطاء في هذه التقاويم، فقد سبق في جواب السؤال رقم: (26763) عن الشيخ الألباني بيان خطأ بعض التقاويم في الفجر خاصة، وكان ذلك بتحريه هو رحمه الله.
ومن المعلوم أن " تقويم أم القرى " يحظى بمصداقية عالية، فقد أكد الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ مفتي عام المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء ورئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء – في إحدى خطب الجمعة – " أن التوقيت الخاص بأم القرى توقيت دقيق وشرعي وموثق، ولا يمكن التشكيك فيه ".
وقال:
" لقد وثَّق علماء الأمة هذا التوقيت، وجُرِّب وطُبِّق وثبت أنه طبقاً للتوقيت الشرعي، وأن فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله أصدر بياناً في عام 1418هـ وثق فيه توقيت أم القرى " انتهى.
وقد ذكر الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أنه يوجد فرق يسير فقط في الفجر بمقدار خمس دقائق، انظر جواب السؤال رقم (66202) .
ثالثاً:
بخصوص مدينة " القنفذة " فإنها تقع على ساحل البحر الأحمر في موقع متوسط بين مكة وجدة شمالا وجازان جنوباً، وتقع على مسافة 380 كم جنوب مكة وجدة، وتقع عند تقاطع خط طول 41.5 درجة شرقا بدائرة عرض 19.8 درجة شمالاً.
وأما مكة فتقع على خط العرض: 21:27 شمالاً، وخط الطول: 39:49 شرقاً.
وبالتأمل في أوقات الصلوات حسب تقويم " أم القرى " رأينا فرقاً في التوقيت يتناسب مع بعد المسافة بين مكة والقنفذة فلا يصح اعتماد أهل القنفذة على توقيت مكة وأذانها.
ففي هذا اليوم – 30 رجب 1426 هـ - مثلاً – كانت نتائج الصلوات كالتالي:
البلدة الفجر الشروق الظهر العصر المغرب العشاء
مكة 4,44 6,04 12,19 3,44 6,34 8,04
القنفذة 4,34 6,01 12,15 3,37 6,28 7,58
وبه يتبين صحة ما وزعه عليكم الإخوة في المكتب التعاوني من تقويم يختص بمنطقتكم، والفروقات التي ذكرتم أنها موجودة هي صحيحة بالفعل، فعليكم مراعاة هذا، ونسأل الله تعالى أن يوفقكم ويهديكم لما فيه رضاه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3526)
تفوته أوقات الصلوات في رمضان بسبب النوم فماذا عليه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[في موسم الصيام أشعر بتعب بحيث إنني إذا نمت يفوتني فرضان أو أكثر وأشعر بالذنب , وسؤالي هو: إذا نمت عن صلاة الظهر والعصر حتى أتى وقت المغرب وأخاف خروج وقت المغرب فماذا أفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تضييع الصلوات عن وقتها أمر عظيم، وقد توعدَّ الله تعالى على ذلك بوعيد شديد فقال: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) مريم/59.
ومعنى (غَيّاً) :
قال ابن عباس رضي الله عنهما: خسرانا، وقال قتادة: شرّاً، وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: واد في جهنم بعيد القعر خبيث الطعم.
انظر " تفسير ابن كثير " (3 / 172) .
وقيل لابن مسعود رضي الله عنه: إن الله تعالى يكثر من ذكر الصلاة في القرآن: (الذين هم على صلاتهم دائمون) ، و (الذين هم على صلاتهم يحافظون) ، و (ويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون) ؛ قال: ذلك – أي: ذلك الوعيد - على مواقيتها؛ قالوا: ما كنا نرى يا أبا عبد الرحمن إلا على تركها؟ قال: تركها كفر.
" تعظيم قدر الصلاة " للمروزي (2 / 5) وقال محققه سنده حسن.
وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم النوم عن الصلاة المكتوبة ضمن الأسباب التي يعذب بها الإنسان في قبره، وانظر جواب السؤال رقم (46068) لتقف على هول هذا العذاب وشدته، نسأل الله تعالى العافية.
وإليك هذه الموعظة من هذا الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، يتكلم في كلمات معدودات عن حكم صلاة الجماعة، وحال تاركها، وأجر الذاهب إليها، وحال من علت همته وهو معذور ليذهب للجماعة وليقام في الصف.
قَالَ: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ، فَإِنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَنَ الْهُدَى، وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى، وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ] هذا يقوله فيمن صلى الصلاة في وقتها، غير أنه ترك الجماعة في المسجد، وصلاها في بيته، فكيف يكون حال من تركها حتى خرج وقتها بالكلية! [، ثم قال: وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ ثُمَّ يَعْمِدُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ إِلا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً، وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً، وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ) رواه مسلم (654) .
ولا يليق بالمسلم أن لا يعرف الصيام إلا في شهر رمضان، فإن في العام أياماً فاضلة استحب فيها الصيام كيوم عرفة، وعاشوراء، وفي كل أسبوع يستحب صيام الاثنين والخميس، وفي كل شهر يستحب صيام ثلاثة أيام منه، فلو أنك عوَّدت نفسك على الصيام طيلة العام لم تره حملاً ثقيلاً يجعلك تنام النهار كلَّه وتضيع الصلوات.
ويجب عليك أن تأخذ بالأسباب التي توقظك للصلاة، ولا يجوز لك تعمد ترك الصلاة بعذر النوم وأنت تستطيع الاستيقاظ في أوقات الصلوات.
وينبغي أن تنظر في سبب تعبك في الصيام، فإن كان تعبك بسبب العمل: فعليك أن توازن بين العمل والصيام، وإذا لم تكن مضطرا للعمل، ولم تستطع القيام بالصيام والصلاة وسائر العبادات مع العمل، فإنك تأخذ إجازة من العمل خلال شهر الصيام. وانظر جواب السؤال رقم (65803) , (43772) ، وإن كان بسبب السهر: فيحرم عليك هذا السهر الذي يسبب لك ترك الصلوات حتى يخرج وقتها.
ويجب عليك أن توصي من حولك من أهلك وزوجتك وأولادك بأن يوقظوك للصلاة، ويجب عليهم أن يعينوك على طاعة الله تعالى وأداء الصلوات في أوقاتها.
وإن كنتَ أخذت بالأسباب ولم تستيقظ لتعب شديد أو مرض فخرج وقتان للصلاة فإنك تقضي ما فاتك من الصلاة بترتيبها المعهود فتصلي الظهر ثم العصر..... وهكذا إلا أن تخشى خروج وقت الثانية فإنك تبدأ بها، فلو استيقظت قبل غروب الشمس ولم تكن صليت الظهر والعصر، وضاق وقت العصر حتى كادت الشمس تغيب فابدأ بالعصر، ثم صلِّ الظهر بعدها، فالمغرب.
ونسأل الله تعالى أن يعينك على طاعته وحسن عبادته، وأن يعلي همتك في الخير.
ونرجو منك النظر في جواب السؤالين (38158) و (47123) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3527)
هل يفطر المؤذن أولاً أم يؤذن؟
[السُّؤَالُ]
ـ[متى يفطر المؤذن؟ قبل الأذان؟ أم بعده؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل في الإفطار للصائم أن يكون بعد غروب الشمس وإقبال الليل؛ لقوله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) البقرة/187.
قال الطبري:
" وأما قوله: (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) فإنه تعالى ذِكْره حدَّ الصوم بأن آخر وقته إقبال الليل، كما حدّ الإفطار وإباحة الأكل والشرب والجماع وأول الصوم بمجيء أول النهار وأول إدبار آخر الليل، فدل بذلك على أن لا صوم بالليل، كما لا فطر بالنهار في أيام الصوم " انتهى.
" تفسير الطبري " (3 / 532) .
والسنَّة تعجيل الفطر لمن كان صائماً.
فعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يزال الناس بخير ما عجَّلوا الفطر) رواه البخاري (1856) ومسلم (1098) .
قال ابن عبد البر رحمه الله:
" من السنة تعجيل الفطر وتأخير السحور، والتعجيل إنما يكون بعد الاستيقان بمغيب الشمس، ولا يجوز لأحد أن يفطر وهو شاكٌ هل غابت الشمس أم لا؟ لأن الفرض إذا لزم بيقين، لم يخرج عنه إلا بيقين " انتهى.
" التمهيد " (21 / 97، 98) .
وقال النووي رحمه الله:
" فيه الحث على تعجيل الفطر بعد تحقق غروب الشمس , ومعناه: لا يزال أمر الأمة منتظماً وهم بخير ما داموا محافظين على هذه السنَّة " انتهى.
" شرح مسلم " (7 / 208) .
وأما المؤذن فإذا كان هناك من ينتظر أذانه ليفطر عليه فإنه ينبغي له أن يبادر بالأذان حتى لا يكون سبباً في تأخير الناس إفطارهم , وفي ذلك مخالفة للسنة.
إلا إذا كان فطره على شيء يسير (كشربة ماء) لن يترتب عليه تأخير الأذان، فلا بأس.
وإذا كان المؤذن لا ينتظر أذانه أحد , كما لو كان يؤذن لنفسه (كرجل في الصحراء بمفرده) , أو يؤذن لجماعة حاضرين قريبين منه (كِجماعة مسافرين) فلا حرج عليه من الفطر قبل الأذان , لأن أصحابه سيفطرون معه ولو لم يؤذن، ولن ينتظروا أذانه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3528)
هل يلزم الإمساك عن الأكل والشرب بمجرد سماع أذان للفجر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تناول الطعام أثناء أذان الفجر؟ لقوله عليه الصلاة والسلام: (إذا أقيمت الصلاة والإناء في يد أحدكم فلا يدعه حتى يقضي حاجته) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الحديث الذي ذكره السائل لم يرو بهذا اللفظ، ولفظه: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا سَمِعَ أَحَدُكُمْ النِّدَاءَ وَالإِنَاءُ عَلَى يَدِهِ فَلا يَضَعْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ) رواه أحمد (10251) وأبو داود (2350) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. وسيأتي معناه عند العلماء.
ثانياً:
يلزم الصائم الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر الصادق، إلى غروب الشمس. فالعبرة بطلوع الفجر، لا بالأذان. قال الله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) البقرة/187. فمن تيقن طلوع الفجر الصادق لزمه الإمساك، وإن كان في فمه طعام لزمه أن يلفظه، فإن لم يفعل فسد صومه.
وأما من لم يتيقن طلوع الفجر، فله أن يأكل حتى يتيقن. وكذا لو علم أن المؤذن يؤذن قبل الوقت، أو شك أنه يؤذن في الوقت أو قبله، فله أن يأكل حتى يتيقن، والأولى له أن يُمسك بمجرد سماع الأذان.
وأما الحديث المذكور، فحمله العلماء على أن المؤذن كان يؤذن قبل طلوع الفجر.
قال النووي رحمه الله في المجموع (6/333) :
" ذكرنا أن من طلع الفجر وفي فيه (فمه) طعام فليلفظه ويتم صومه , فإن ابتلعه بعد علمه بالفجر بطل صومه , وهذا لا خلاف فيه , ودليله حديث ابن عمر وعائشة رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ بِلالا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ) رواه البخاري ومسلم , وفي الصحيح أحاديث بمعناه.
وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إِذَا سَمِعَ أَحَدُكُمْ النِّدَاءَ وَالإِنَاءُ عَلَى يَدِهِ فَلا يَضَعْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ) وفي رواية: (وكان المؤذن يؤذن إذا بزغ الفجر) فروى الحاكم أبو عبد الله الرواية الأولى , وقال: هذا صحيح على شرط مسلم , ورواهما البيهقي، ثم قال: وهذا إن صح محمول عند عوام أهل العلم على أنه صلى الله عليه وسلم علم أنه ينادي قبل طلوع الفجر بحيث يقع شربه قبيل طلوع الفجر. قال: وقوله: (إذا بزغ) يحتمل أن يكون من كلام من دون أبي هريرة، أو يكون خبراً عن الأذان الثاني , ويكون قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا سَمِعَ أَحَدُكُمْ النِّدَاءَ وَالإِنَاءُ عَلَى يَدِهِ) خبراً عن النداء الأول، ليكون موافقا لحديث ابن عمر وعائشة رضي الله عنهم. قال: وعلى هذا تتفق الأخبار. وبالله التوفيق , والله أعلم " انتهى.
وذكر ابن القيم رحمه الله في تهذيب السنن أن بعض السلف أخذ بظاهر الحديث الوارد في السؤال، وأجازوا الأكل والشرب بعد سماع أذان الفجر، ثم قال:
" وَذَهَبَ الْجُمْهُور إِلَى اِمْتِنَاع السُّحُور بِطُلُوعِ الْفَجْر , وَهُوَ قَوْل الأَئِمَّة الأَرْبَعَة , وَعَامَّة فُقَهَاء الأَمْصَار , وَرَوَى مَعْنَاهُ عَنْ عُمَر وَابْن عَبَّاس. وَاحْتَجَّ الأَوَّلُونَ بِقَوْلِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّن اِبْن أُمّ مَكْتُوم , وَلَمْ يَكُنْ يُؤَذِّن إِلا بَعْد طُلُوع الْفَجْر) كَذَا فِي الْبُخَارِيِّ , وَفِي بَعْض الرِّوَايَات: (وَكَانَ رَجُلا أَعْمَى لا يُؤَذِّن حَتَّى يُقَال لَهُ: أَصْبَحْت أَصْبَحْت) . . . وَاحْتَجَّ الْجُمْهُور بِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّن لَكُمْ الْخَيْط الأَبْيَض مِنْ الْخَيْط الأَسْوَد مِنْ الْفَجْر) , وَبِقَوْلِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّن اِبْن أُمّ مَكْتُوم) , وَبِقَوْلِهِ: (الْفَجْر فَجْرَانِ , فَأَمَّا الأَوَّل فَإِنَّهُ لا يُحَرِّم الطَّعَام، وَلا يُحِلّ الصَّلاة , وَأَمَّا الثَّانِي فَإِنَّهُ يُحَرِّم الطَّعَام، وَيُحِلّ الصَّلاة) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنه " انتهى
وقد وردت آثار عن بعض السلف، تدل على إباحة الأكل للصائم، حتى يتيقن طلوع الفجر، وأورد ابن حزم رحمه الله منها جملة كثيرة، ومنها: (أن عمر بن الخطاب كان يقول: إذا شك الرجلان في الفجر فليأكلا حتى يستيقنا ...
عن ابن عباس قال: أحل الله الشراب ما شككت ; يعني في الفجر. . .
وعن مكحول قال: رأيت ابن عمر أخذ دلوا من زمزم وقال لرجلين: أطلع الفجر؟ قال أحدهما: قد طلع , وقال الآخر: لا ; فشرب ابن عمر)
وقال ابن حزم معلقا على الحديث المسئول عنه وجملة من الآثار المشابهة: " هذا كله على أنه لم يكن يتبين لهم الفجر بعد ; فبهذا تتفق السنن مع القرآن " انتهى من المحلى (4/367) .
ولاشك أن أكثر المؤذنين اليوم يعتمدون على الساعات والتقاويم، ل على رؤية الفجر، وهذا لا يعتبر يقينا في أن الفجر قد طلع، فمن أكل حينئذ، فصومه صحيح، لأنه لم يتيقن طلوع الفجر، والأولى والأحوط أن يمسك عن الأكل.
وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله ما نصه: ما الحكم الشرعي في صيام من سمع أذان الفجر واستمر في الأكل والشرب؟
فأجاب: " الواجب على المؤمن أن يمسك عن المفطرات من الأكل والشرب وغيرهما إذا تبين له طلوع الفجر، وكان الصوم فريضة كرمضان وكصوم النذر والكفارات؛ لقول الله عز وجل: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) البقرة/187. فإذا سمع الأذان وعلم أنه يؤذن على الفجر وجب عليه الإمساك. فإن كان المؤذن يؤذن قبل طلوع الفجر، لم يجب عليه الإمساك، وجاز له الأكل والشرب حتى يتبين له الفجر.
فإن كان لا يعلم حال المؤذن هل أذن قبل الفجر أو بعد الفجر، فإن الأولى والأحوط له أن يمسك إذا سمع الأذان، ولا يضره لو شرب أو أكل شيئا حين الأذان لأنه لم يعلم بطلوع الفجر.
ومعلوم أن من كان داخل المدن التي فيها الأنوار الكهربائية لا يستطيع أن يعلم طلوع الفجر بعينه وقت طلوع الفجر، ولكن عليه أن يحتاط بالعمل بالأذان والتقويمات التي تحدد طلوع الفجر بالساعة والدقيقة، عملا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لا يَرِيبُكَ) وقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ) والله ولي التوفيق " انتهى نقلا عن "فتاوى رمضان" جمع أشرف عبد المقصود (ص 201) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ما نصه: (قلتم حفظكم الله إنه يجب الإمساك بمجرد سماع المؤذن ويحدث ومن عدة سنوات أنهم لا يمسكون عن الطعام حتى نهاية الأذان، فما حكم عملهم هذا؟
فأجاب فضيلته بقوله: الأذان لصلاة الفجر إما أن يكون بعد طلوع الفجر أو قبله، فإن كان بعد طلوع الفجر فإنه يجب على الإنسان أن يمسك بمجرد سماع النداء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إنَّ بِلالا كَانَ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَإِنَّهُ لا يُؤَذِّنُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ) . فإذا كنت تعلم أن هذا المؤذن لا يؤذن إلا إذا طلع الفجر فأمسك بمجرد أذانه، أما إذا كان المؤذن يؤذن بناء على ما يعرف من التوقيت، أو بناء على ساعته فإن الأمر في هذا أهون.
وبناء على هذا نقول لهذا السائل: إن ما مضى لا يلزمكم قضاؤه، لأنكم لم تتيقنوا أنكم أكلتم بعد طلوع الفجر، لكن في المستقبل ينبغي للإنسان أن يحتاط لنفسه، فإذا سمع المؤذن فليمسك) انتهى نقلا عن "فتاوى رمضان" (ص 204) .
وقال الشيخ رحمه الله منبها على ما يقال عن التقويم وعدم دقته: (لأن بعض الناس الآن يشككون في التقويم الموجود بين أيدي الناس، يقولون: إنه متقدم على طلوع الفجر، وقد خرجنا إلى البر وليس حولنا أنوار، ورأينا الفجر يتأخر، حتى بالغ بعضهم وقال: يتأخر ثلث ساعة.
لكن الظاهر أن هذا مبالغة لا تصح، والذي نراه أن التقويم الذي بين أيدي الناس الآن فيه تقديم خمس دقائق في الفجر خاصة، يعني لو أكلت وهو يؤذن على التقويم فلا حرج، إلا إذا كان المؤذن يحتاط ويتأخر، فبعض المؤذنين جزاهم الله خيرا يحتاطون ولا يؤذنون إلا بعد خمس دقائق من التوقيت الموجود الآن، وبعض جهال المؤذنين يتقدمون في أذان الفجر، زعما منهم أن هذا أحوط للصوم، لكنهم ينسون أنهم يهملون ما هو أشد من الصوم وهو صلاة الفجر، ربما يصلي أحد قبل الوقت بناء على أذانهم، والإنسان إذا صلى قبل الوقت ولو بتكبيرة الإحرام، ما صحت صلاته ... ) من مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله (ج 19 سؤال رقم 772) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3529)
هل في الشرع دعاء يقال عند السحور؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ظننت أيام المدرسة أن هناك دعاءً مخصصاً فقط للإفطار وليس للسحور؛ لأن في السحور النية محلها القلب لكن زوجي أخبرني أن هناك دعاءً مخصصاً للسحور أيضاً.
رجاء التوضيح، هل هذا صحيح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، هناك أدعية خاصة وردت بها السنة يقوله الصائم عند فطره، فيقول: " ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله "، وله أن يدعو بما يشاء، لا لكون ذلك ورد في السنة تنصيصاً، بل لأنه محل نهاية عبادة، ويشرع للمسلم أن يدعو عند ذلك.
سئل الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله:
هل هناك دعاء مأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم عند وقت الإفطار؟ وما هو وقته؟ وهل يتابع الصائم المؤذن في الأذان أم يستمر في فطره؟
فأجاب:
" إن وقت الإفطار موطن إجابة للدعاء؛ لأنه في آخر العبادة؛ ولأن الإنسان أشد ما يكون - غالباً - من ضعف النفس عند إفطاره، وكلما كان الإنسان أضعف نفساً وأرق قلباً كان أقرب إلى الإنابة والإخبات إلى الله عز وجل، والدعاء المأثور: (اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت) ، ومنه أيضاً: قول النبي عليه الصلاة والسلام: (ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله) ، وهذان الحديثان وإن كان فيهما ضعف لكن بعض أهل العلم حسنهما، وعلى كل حال فإذا دعوت بذلك أو بغيره عند الإفطار فإنه موطن إجابة " انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (19 / السؤال رقم 341) .
وانظر في تخريج حديث " ذهب الظمأ ... " و " اللهم لك صمت " جواب السؤال رقم (26879) ، وفيه بيان ضعف الأول وحسن الثاني، وفيه فتوى لشيخ الإسلام ابن تيمية في موضوع الدعاء.
وأما السحور فليس هناك دعاء خاص يقال عنده، فالمشروع هو أن يسمي الله في أوله، ويحمده إذا فرغ من الطعام، كما يفعل ذلك عند كل طعام.
لكن من أخَّر سحوره إلى الثلث الأخير من الليل فإنه يدرك بذلك وقت النزول الإلهي فيه، وهو وقت استجابة الدعاء.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ) . رواه البخاري (1094) ومسلم (758) . فيدعو في هذا الوقت لكونه وقت إجابة لا من أجل السحور.
وأما النية فمحلها القلب ولا يشرع التلفظ بها باللسان، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " ومن خطر بقلبه أنه صائم غداً فقد نوى ".
وانظر جواب السؤال (37643) و (22909) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3530)
هل يفطر في المعهد أم يؤخر الإفطار والصلاة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أدرس الآن، وتكون بعض الأيام شاقةً، وأمضي وقتًا طويلًا في المعهد. وأتساءل: هل يجوز أن أفطر، وأن أصلي المغرب في المعهد، أم أؤخره حتى أصل للبيت؟ أنا أنهي دراستي قبل دقائق من المغرب، وأصل بيتي بعد ذلك بنصف ساعة.
إن أنا صليت في المعهد، فسأفقد وسيلة المواصلات إلى بيتي، وسأتأخر نتيجة لذلك عن البيت.
فبماذا تنصحوني والحال ما ذكر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المبادرة إلى أداء الصلاة في أول وقتها من أفضل الأعمال عند الله سبحانه وتعالى.
فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِهَا. قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ. قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. رواه البخاري (527) ومسلم (85)
قال النووي رحمه الله:
" وفي هذا الحديث: الحث على المحافظة على الصلاة في وقتها , ويمكن أن يؤخذ منه استحبابها في أول الوقت ; لكونه احتياطًا لها , ومبادرةً إلى تحصيلها في وقتها " انتهى.
"شرح مسلم" (2/265) .
وعَنْ أُمِّ فَرْوَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: الصَّلاةُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا. رواه أبو داود (426) وصححه الألباني.
وقال الإمام أحمد رحمه الله:
" أول الوقت أعجب إِلَيَّ إلا في صلاتين، صلاة العشاء وصلاة الظهر يبرد بها في الحر " انتهى.
"المغني" (1/398) .
كما أن المبادرة إلى تعجيل الفطور مستحبة أيضًا، وقد جاء في ذلك عدة أحاديث منها:
ما رواه البخاري (1957) ومسلم (1098) عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ) .
وانظر جواب السؤال رقم (50019) ، (13999) .
وبهذا يتبين لك – أخي السائل – أن المستحب والمندوب في حقك المبادرة إلى الإفطار وصلاة المغرب في المعهد.
ولكن ذلك يبقى في دائرة المندوب، فإن شق عليك، وخشيت أن تنقطع عنك المواصلات أو تتأخر في الوصول للبيت، فلا حرج عليك إذا أخرت الصلاة لتؤديها في المنزل، بشرط أن يغلب على ظنك الوصول قبل أذان العشاء، ويمكنك أن تفطر على تمرات تحملها معك في طريقك.
أما إذا كان سؤالك عن الإفطار في رمضان بسبب مشقة العمل، فقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (43772) .
وفقك الله لما يحب ويرضى، وشكر الله لك هذا الحرص على طاعته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3531)
حكم الإفطار في رمضان بسبب الامتحان
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان امتحان الشهادة الثانوية في رمضان، فهل يجوز للطالب أن يفطر في رمضان حتى يستطيع أن يركز في الامتحان؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للمكلّف الإفطار في رمضان من أجل الامتحان، لأن ذلك ليس من الأعذار الشرعية، بل يجب عليه الصوم وجعل المذاكرة في الليل إذا شق عليه فعلها في النهار.
وينبغي لولاة أمر الامتحان أن يرفقوا بالطلبة، وأن يجعلوا الامتحان في غير رمضان جمعاً بين مصلحتين، مصلحة الصيام، والتفرغ للإعداد للامتحان، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فشقّ عليهم فاشقق عليه) أخرجه مسلم في صحيحه. فوصيتي للمسؤولين عن الامتحان أن يرفقوا بالطلبة والطالبات، وألا تجعلوه في رمضان بل قبله أو بعده ونسأل الله للجميع التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى الشيخ ابن باز ج /4 ص/223.(5/3532)
الفطر في نهار رمضان لأجل الامتحانات
[السُّؤَالُ]
ـ[منذ أيام الجامعة كنت لا أستطيع المذاكرة وأنا صائمة في رمضان فأفطرت في سنتين أياماً عديدة , فهل علي القضاء أم الكفارة أم هما معا؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
صوم رمضان أحد الأركان التي بني عليها الإسلام، روى البخاري (8) ومسلم (16) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَان) .
فمن ترك الصوم فقد ترك ركناً من أركان الإسلام، وفعل كبيرة عظيمة من كبائر الذنوب، بل ذهب بعض السلف إلى كفره وردته، عياذا بالله من ذلك.
قال الذهبي في الكبائر (ص 64) :
" وعند المؤمنين مقرر أن من ترك صوم رمضان بلا مرض ولا غرض (أي بلا عذر يبيح ذلك) أنه شر من الزاني ومدمن الخمر، بل يشكون في إسلامه ويظنون به الزندقة والانحلال " انتهى.
ثانياً:
وأما الفطر لأجل الامتحان فقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن ذلك فأجاب:
" لا يجوز للمكلّف الإفطار في رمضان من أجل الامتحان، لأن ذلك ليس من الأعذار الشرعية، بل يجب عليه الصوم وجعل المذاكرة في الليل إذا شق عليه فعلها في النهار.
وينبغي لولاة أمر الامتحان أن يرفقوا بالطلبة، وأن يجعلوا الامتحان في غير رمضان جمعاً بين مصلحتين، مصلحة الصيام، والتفرغ للإعداد للامتحان، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فشقّ عليهم فاشقق عليه) أخرجه مسلم في صحيحه.
فوصيتي للمسؤولين عن الامتحان أن يرفقوا بالطلبة والطالبات، وألا يجعلوه في رمضان بل قبله أو بعده ونسأل الله للجميع التوفيق " انتهى.
"فتاوى الشيخ ابن باز" (4/223) .
وكذلك سئلت اللجنة الدائمة: سأختبر في رمضان لمدة 6 ساعات ونصف الساعة، متواصلة يتخللها فترة راحة لمدة 45 دقيقة. وكنت قد قدمت الاختبار ذاته العام الماضي، لكني لم أركز بسبب الصيام. فهل يجوز لي أن أفطر في يوم الاختبار؟
فأجابت:
" لا يجوز الإفطار لما ذكرت، بل يحرم ذلك؛ لعدم دخوله في الأعذار التي تبيح الإفطار في رمضان " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (10 /240) .
ثالثاً:
وأما وجوب القضاء , فالأمر يحتاج إلى تفصيل:
فإن كنت أفطرت وأنت تظنين أن الفطر جائز بسبب الامتحانات فعليك القضاء , لأنك معذورة بهذا الظن الخاطئ , ولم تتعمدي ارتكاب المحرم.
أما إن كنت أفطرت وأنت تعلمين تحريم ذلك , فالواجب عليك التوبة والندم، والعزم على عدم العودة إلى هذا الذنب العظيم.
وأما القضاء , فإن كان إفطارك في أثناء اليوم بعد أن شرعت في صيامه , فعليك القضاء , وإن كنت لم تصومي من الأصل فلا قضاء عليك , وتكفيك التوبة النصوح إن شاء الله تعالى , وعليك الإكثار من الأعمال الصالحة من صيام التطوع غيره، فإن ذلك يسدد النقص الحاصل في الفريضة.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى عن حكم الفطر في نهار رمضان بدون عذر؟
فأجاب:
" الفطر في نهار رمضان بدون عذر من أكبر الكبائر، ويكون به الإنسان فاسقاً، ويجب عليه أن يتوب إلى الله، وأن يقضي ذلك اليوم الذي أفطره، يعني لو أنه صام وفي أثناء اليوم أفطر بدون عذر فعليه الإثم، وأن يقضي ذلك اليوم الذي أفطره؛ لأنه لما شرع فيه التزم به ودخل فيه على أنه فرض فيلزمه قضاؤه كالنذر، أما لو ترك الصوم من الأصل متعمداً بلا عذر: فالراجح: أنه لا يلزمه القضاء؛ لأنه لا يستفيد به شيئاً، إذ إنه لن يقبل منه، فإن القاعدة أن كل عبادة مؤقتة بوقت معين فإنها إذا أخرت عن ذلك الوقت المعين بلا عذر لم تقبل من صاحبها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) ولأنه مِن تعدي حدود الله عز وجل، وتعدي حدود الله تعالى ظلم، والظالم لا يقبل منه، قال الله تعالى: (وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ?للَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ ?لظَّلِمُونَ) ؛ ولأنه لو قدم هذه العبادة على وقتها - أي: فعلها قبل دخول الوقت - لم تقبل منه، فكذلك إذا فعلها بعده لم تقبل منه إلا أن يكون معذوراً " انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (19 / السؤال رقم 45) .
رابعاً:
عليك التوبة إلى الله من تأخير القضاء كل هذه السنوات، فإن الواجب على من عليه قضاء أيام من رمضان أن يقضيها قبل دخول رمضان التالي , فإن أخرها كان مرتكباً محرماً , وهل يجب عليه كفارة (إطعام مسكين عن كل يوم) بسبب هذا التأخير؟ فيه خلاف بين العلماء , والأقرب أنه لا يجب , ولو أخرجتيها احتياطاً كان ذلك حسناً.
وانظري جواب السؤال (26865) .
وخلاصة الجواب:
أن عليك القضاء إن كنت ظننت أن الفطر جائز بسبب الاختبارات، أو كان فطرك في أثناء اليوم، ولا يلزمك مع القضاء كفارة.
نسأل الله أن يتقبل توبتك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3533)
تغضب زوجها فهل ينقص أجر صومها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل إغضابي لزوجي ينقص من أجر صيامي؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ينبغي أن تكون العلاقة بين الزوجين قائمة على حسن العشرة، والمودة والرحمة.
قال الله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الروم/21.
وقال: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) النساء/19.
وقال: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) البقرة/228
وعلى هذا فينبغي لكل واحد من الزوجين أن يكون حريصاً على إرضاء الآخر، وعدم فعل ما يغضبه أو يؤذيه.
وقد ورد عن الإمام أحمد رحمه الله أنه قال: أَقَامَتْ أُمُّ صَالِحٍ (زوجته) مَعِي عِشْرِينَ سَنَةً فَمَا اخْتَلَفْت أَنَا وَهِيَ فِي كَلِمَةٍ!
وقد شرع الله تعالى للزوجين كلَّ ما يجلب المحبة والمودة بينهما ويقويها، ونهاهما عن كل ما يضاد ذلك.
ولو علم الزوجان هذه القاعدة الشرعية في كيفية معاملة الزوجين أحدهما للآخر، لاستقامت الحياة، وكانت كما أرادها الله عز وجل سكنا ومودة ورحمة.
فكل واحد من الزوجين مأمور شرعا بكل ما يجلب المحبة ويقويها، ومنهي عما يضاد ذلك.
حتى نهى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل عن كثرة الصلاة والصيام إذا كان ذلك يضيع حق أهله
روى البخاري (1153) عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قال لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَقُومُ اللَّيْلَ وَتَصُومُ النَّهَارَ؟ قُلْتُ: إِنِّي أَفْعَلُ ذَلِكَ. قَالَ: فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ هَجَمَتْ عَيْنُكَ، وَنَفِهَتْ نَفْسُكَ، وَإِنَّ لِنَفْسِكَ حَقًّا، وَلأَهْلِكَ حَقًّا، فَصُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ.
قوله: (هَجَمَتْ عَيْنُكَ) أي غارت أو ضعفت لكثرة السهر. قوله: (نَفِهَتْ) أي كَلَّت.
ثانياً:
الصائم مأمور بحسن الخلق، حتى أمره النبي صلى الله عليه وسلم إذا قاتله أحد أو سبه أن لا يرد بالمثل، وإنما يصبر ويكف نفسه، ويقول: إني صائم.
روى البخاري (1894) ومسلم (1151) عن أبي هرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَلا يَرْفُثْ وَلا يَجْهَلْ، وَإِنْ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ) .
قال النووي:
(الرَّفَث) هُوَ السُّخْف وَفَاحِش الْكَلام. . . وَالْجَهْل قَرِيب مِنْ الرَّفَث , وَهُوَ خِلاف الْحِكْمَة وَخِلاف الصَّوَاب , مِنْ الْقَوْل وَالْفِعْل.
وَاعْلَمْ أَنَّ نَهْيَ الصَّائِمِ عَنْ الرَّفَث وَالْجَهْل وَالْمُخَاصَمَةِ وَالْمُشَاتَمَة لَيْسَ مُخْتَصًّا بِهِ , بَلْ كُلّ أَحَد مِثْله فِي أَصْل النَّهْي عَنْ ذَلِكَ لَكِنَّ الصَّائِم آكَدُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ " انتهى باختصار.
وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس الصيام من الأكل والشرب، إنما الصيام من اللغو والرفث، فإن سابك أحد أو جهل عليك فقل: إني صائم، إني صائم) . صححه الألباني في صحيح الجامع (5376) .
واللغو هو الكلام الباطل. وقيل: ما لا فائدة فيه.
وروى البخاري (6057) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْلَ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ) .
قال الحافظ:
" َاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الأَفْعَالَ تَنْقُصُ الصَّوْم. . .
قال السُّبْكِيّ الْكَبِير: ذكر هذه الأشياء في الحديث ينبهنا عَلَى أَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: زِيَادَة قُبْحِهَا فِي الصَّوْمِ عَلَى غَيْرِهَا.
وَالثَّانِي: الْبَحْث عَلَى سَلامَةِ الصَّوْمِ عَنْهَا , وَأَنَّ سَلامَتَهُ مِنْهَا صِفَة كَمَالِ فِيهِ.
وَقُوَّة الْكَلامِ تَقْتَضِي أَنْ يُقَبَّحَ ذَلِكَ لأَجْلِ الصَّوْمِ , فَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ الصَّوْمَ يَكْمُلُ بِالسَّلامَةِ عَنْهَا. قَالَ: فَإِذَا لَمْ يَسْلَمْ عَنْهَا نَقَصَ " انتهى من فتح الباري بتصرف واختصار.
ثالثاً:
حق الزوج على زوجته عظيم، قال الله تعالى: (وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) البقرة/228.
وإن كان غضبه بسبب امتناعها عن فراشه، كان إثمها أشد وأعظم؛ لما روى ابن خزيمة في صحيحه عن عطاء بن دينار الهذلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثة لا تقبل منهم صلاة ولا تصعد إلى السماء ولا تجاوز رؤوسهم. . ذكر منهم: وامرأة دعاها زوجها من الليل فأبت عليه) . والحديث صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (485) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ فَبَات غَضْبَانَ عَلَيْهَا لَعَنَتْهَا الْمَلائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ) رواه البخاري (3237) ، ومسلم (1436) .
وقد سبق في جواب السؤال (50063) بيان أن المعاصي تنقص ثواب الصوم، وقد تكثر المعاصي حتى تزيل ثواب الصيام بالكلية.
وإذا قصر أحد الزوجين في حقوق الآخر أو أغضبه كان ذلك سببا لنقص صيامه.
هذا ما لم يكن غضبه بغير حق، فإن بعض الأزواج يغضبون بغير حق، وبعضهم يغضب لاستقامة المرأة وصلاحها، فيكون مبطلا في غضبه، نسأل الله العافية.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3534)
كيفية الصلاة والصوم في البلاد التي نهارها دائم أو ليلها دائم
[السُّؤَالُ]
ـ[بالنسبة للدول التي لا يحل فيها الظلام في فصل الصيف فكيف يصلون المغرب والعشاء؟ وماذا يفعلون في شهر رمضان حيث يحل في ذلك الوقت، فكيف يصوموا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صدرت فتوى رقم (2769) من هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة في هذه المسألة بمثل ما ذكرناه، وهذا نص السؤال والجواب:
الحمد لله وحده والصلاة السلام على من لا نبي بعده.. وبعد:
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما ورد إلى سماحة الرئيس العام من المستفتي الأمين العام لاتحاد الطلبة المسلمين بهولندا، والمحال إلى اللجنة من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء والسؤال نصه: نرجو من سماحتكم التفضل بموافاتنا بالفتوى اللازمة لكيفية تعيين أوقات صلاة المغرب والعشاء والصبح، وكذلك تعيين أول رمضان، وأول أيام عيد الفطر المبارك، ذلك أنه بالنسبة إلى حركة شروق وغروب الشمس في بلدان شمال أوربا والقريبة من القطب الشمالي تختلف عن مثيلتها في بلدان الشرق الإسلامي، والسبب في ذلك يرجع إلى وقت مغيب الشفق الأحمر والأبيض، فيلاحظ أن الشفق الأبيض في الصيف يمتد حتى يكاد يستغرق الليل كله فيصعب تحديد وقت العشاء وكذلك طلوع الصبح؟
والجواب:
لقد صدر قرار هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية في بيان تحديد أوقات الصلوات، وتحديد بدء صباح كل يوم ونهايته في رمضان في بلاد مماثلة لبلادكم هذا مضمونه:
بعد الاطلاع والدراسة والمناقشة قرر المجلس ما يلي:
أولاً: من كان يقيم في بلاد يتمايز فيها الليل من النهار بطلوع فجر وغروب شمس إلا أن نهارها يطول جداً في الصيف ويقصر في الشتاء وجب عليه أن يصلي الصلوات الخمس في أوقاتها المعروفة شرعاً. لعموم قوله تعالى {أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا} (الإسراء / 78) وقوله تعالى: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتا} (النساء / 103) ولما ثبت عن بريدة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله رجل عن وقت الصلاة فقال له: «صل معنا هذين» يعني اليومين، فلما زالت الشمس أمر بلالا فأذن، ثم أمره فأقام الظهر، ثم أمره فأقام العصر والشمس مرتفعة بيضاء نقية، ثم أمره فأقام المغرب حين غابت الشمس، ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق، ثم أمره فأقام الفجر حين طلع الفجر، فلما كان اليوم الثاني أمره أن يبرد بالظهر فأبرد بها، ... وصلى العصر والشمس مرتفعة، أخرها فوق الذي كان وصلى المغرب قبل أن يغيب الشفق، وصلى العشاء بعد ما ذهب ثلث الليل، وصلى الفجر فأسفر بها ثم قال: «أين السائل عن وقت الصلاة» فقال الرجل أنا يا رسول الله قال: «وقت صلاتكم بين ما رأيتم» رواه البخاري ومسلم.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «وقت الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر العصر، ووقت العصر مالم تصفر الشمس، ووقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق، ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل الأوسط، ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس فإذا طلعت الشمس فأمسك عن الصلاة فإنها تطلع بين قرني شيطان» أخرجه مسلم في صحيحه.
إلى غير ذلك من الأحاديث التي وردت في تحديد أوقات الصلوات الخمس قولاً وفعلاً ولم تفرق بين طول النهار وقصره وطول الليل وقصره ما دامت أوقات الصلوات متمايزة بالعلامات التي بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا بالنسبة لتحديد أوقات صلاتهم، وأما بالنسبة لتحديد أوقات صيامهم شهر رمضان فعلى المكلفين أن يمسكوا كل يوم منه عن الطعام والشراب وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس في بلادهم ما دام النهار يتمايز في بلادهم من الليل وكان مجموع زمانهما أربعاً وعشرين ساعة. ويحل لهم الطعام والشراب والجماع ونحوها في ليلهم فقط وإن كان قصيراً، فإن شريعة الإسلام عامة للناس في جميع البلاد وقد قال الله تعالى: {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل} .
ومن عجز عن إتمام صوم يوم لطوله، أو علم بالأمارات أو التجربة أو إخبار طبيب أمين حاذق، أو غلب على ظنه أن الصوم يفضي إلى إهلاكه أو مرضه مرضاً شديداً، أو يفضي إلى زيادة مرضه أو بطء برئه أفطر ويقضي الأيام التي أفطرها في أي شهر تمكن فيه من القضاء قال تعالى: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر} ، وقال الله تعالى: {لايكلف الله نفساً إلا وسعها} ، وقال: {وما جعل عليكم في الدين من حرج} .
ثانياً: من كان يقيم في بلاد لا تغيب عنها الشمس صيفاً ولا تطلع فيها الشمس شتاء، أو في بلاد يستمر نهارها إلى ستة أشهر، ويستمر ليلها ستة أشهر مثلاً وجب عليهم أن يصلوا الصلوات الخمس في كل أربع وعشرين ساعة، وأن يقدروا لها أوقاتها ويحددوها معتمدين في ذلك على أقرب بلاد إليهم تتمايز فيها أوقات الصلوات المفروضة بعضها من بعض، لما ثبت في حديث الإسراء والمعراج من أن الله تعالى فض على هذه الأمة خمسين صلاة كل يوم وليلة فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يسأل ربه التخفيف حتى قال: «يا محمد إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صلاة عشر فذلك خمسون صلاة ... » إلى آخره.
ولما ثبت من حديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد ثائر الرأس نسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول حتى دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يسأل عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خمس صلوات في اليوم والليلة» فقال: هل علي غيرهن قال: «لا، إلا أن تطوع ... » الحديث.
ولما ثبت من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع فجاء رجل من أهل البادية فقال: يا محمد أتانا رسولك فزعم أنك تزعم أن الله أرسلك قال: «صدق» إلى أن قال: وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا قال: «صدق» قال فبالذي أرسلك: آلله أمرك بهذا؟ قال: «نعم ... » الحديث.
وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم حدث أصحابه عن المسيح الدجال فقيل له ما لبثه في الأرض قال: «أربعون يوماً يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم» فقيل: يا رسول الله اليوم الذي كسنة أيكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: «لا، اقدروا له» فلم يعتبر اليوم الذي كسنة يوماً واحداً يكفي فيه خمس صلوات بل أوجب فيه خمس صلوات في كل أربع وعشرين ساعة، وأمرهم أن يوزعوها على أوقاتها اعتباراً بالأبعاد الزمنية التي بين أوقاتها في اليوم العادي في بلادهم.
فيجب على المسلمين في البلاد المسئول عن تحديد أوقات الصلوات فيها أن يحددوا أوقات صلاتهم معتمدين في ذلك على أقرب بلاد إليهم يتمايز فيها الليل من النهار وتعرف فيها أوقات الصلوات الخمس بعلاماتها الشرعية في كل أربع وعشرين ساعة.
وكذلك يجب عليهم صيام شهر رمضان وعليهم أن يقدروا لصيامهم فيحددوا بدء شهر رمضان ونهايته وبدء الإمساك والإفطار في كل يوم منه ببدء الشهر ونهايته، وبطلوع فجر كل يوم وغروب شمسه في أقرب بلاد إليهم يتميز فيها الليل من النهار ويكون مجموعها أربعاً وعشرين ساعة لما تقدم في حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن المسيح الدجال، وإرشاده أصحابه فيه عن كيفية تحديد أوقات الصلوات فيه إذ لا فارق في ذلك بين الصوم والصلاة.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
[الْمَصْدَرُ]
" فتاوى اللجنة الدائمة " (6 / 130 – 136)(5/3535)
البيت ورمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا رب أسرة، وها هو رمضان قد أقبل، فكيف أقوم برعاية أسرتي وتربيتهم خلال هذا الشهر الكريم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فإن من نعم الله على المسلم أن يبلغه صيام رمضان ويعينه على قيامه، فهو شهر تتضاعف فيه الحسنات، وتُرفع فيه الدرجات، ولله فيه عتقاء من النار، فحري بالمسلم أن يستغل هذا الشهر بما يعود عليه بالخير، وأن يبادر ساعات عمره بالطاعة، فكم من شخص حُرِمَ إدراك هذا الشهر لمرض أو وفاة أو ضلال.
وكما أنه يجب على المسلم أن يبادر ساعات عمره باستغلال هذا الشهر، فإن عليه تجاه أولاده واجباً لا بد له منه، بحسن رعايتهم وتربيتهم، وحثهم على أبواب الخير، وتعويدهم عليه؛ لأن الولد ينشأ على ما عوَّده عليه والده:
وينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان عوده أبوه
وفي هذه الأيام المباركة لا بد أن يكون للأب والأم دور في استغلال هذا الأمر، ويمكن أن نوصي الأبوين بما يلي:
1. متابعة صيام الأولاد والحث عليه لمن قصَّر منهم في حقه.
2. تذكيرهم بحقيقة الصيام وأنه ليس فقط ترك الطعام والشراب وإنما هو طريق لتحصيل التقوى، وأنه مناسبة لمغفرة الذنوب وتكفير الخطايا.
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رقي المنبر فقال: آمين، آمين، آمين، فقيل له: يا رسول الله، ما كنت تصنع هذا؟ فقال: قال لي جبريل: أرغم الله أنف عبد أو بَعُدَ دخل رمضان فلم يغفر له، فقلت: آمين، ثم قال: رغم أنف عبدٍ أو بَعُدَ أدرك والديه أو أحدهما لم يدخله الجنة، فقلت: آمين، ثم قال: رغم أنف عبد أو بَعُدَ ذُكِرت عنده فلم يصل عليك، فقلت: آمين " رواه ابن خزيمة (1888) – واللفظ له -، والترمذي (3545) وأحمد (7444) وابن حبان (908) ، انظر " صحيح الجامع " (3510) .
3. تعليمهم آداب وأحكام الطعام من حيث الأكل باليمين ومما يليهم، وتذكيرهم بتحريم الإسراف وضرره على أجسادهم.
4. منعهم من الإطالة في تناول الإفطار بحيث تفوتهم صلاة المغرب جماعة.
5. التذكير بحال الفقراء والمعدمين ممن لا يجدون لقمة يطفئون بها نار جوعهم، والتذكير بحال المهاجرين والمجاهدين في سبيل الله في كل مكان.
6. وفي هذه الاجتماعات مناسبة لاجتماع الأقرباء وصلة الأرحام، ولا زالت هذه العادة موجودة في بعض البلدان، فهي فرصة للمصالحة وصلة الرحم المقطوعة.
7. إعانة الأم في إعداد المائدة وتجهيزها، وكذا في رفع المائدة وحفظ الطعام الصالح للأكل.
8. تذكيرهم بصلاة القيام والاستعداد لها بالتقليل من الطعام وبالتجهز قبل وقت كافٍ لأدائها في المسجد.
9. بالنسبة للسحور يُذكِّر الأبوان ببركة السحور وأنه يقوي الإنسان على الصيام.
10. إعطاء وقتٍ كافٍ قبل صلاة الفجر لكي يوتر من لم يوتر منهم، ولكي يصلي من أخَّر صلاته إلى آخر الليل، ولكي يدعو كل واحدٍ ربه بما يشاء.
11. الاهتمام بصلاة الفجر في وقتها جماعة في المسجد للمكلفين بها، وقد رأينا كثيراً من الناس يستيقظون آخر الليل لتناول الطعام ثم يرجعون إلى فرشهم تاركين صلاة الفجر.
12. كان من هديه صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر أنه " يحيي ليله ويوقظ أهله " وفي هذا دلالة على أن الأسرة يجب أن تهتم باستغلال هذه الأوقات المباركة فيما يرضي الله عز وجل، فعلى الزوج أن يوقظ زوجته وأولاده للقيام بما يقربهم عند ربهم عز وجل.
13. قد يوجد في البيت أولاد صغار وهم بحاجة للتشجيع على الصيام فعلى الأب أن يحثهم على السحور، ويُشجعهم على الصيام بالثناء والجوائز لمن أتم صيام الشهر أو نصفه.. وهكذا.
عن الربيع بنت معوذ قالت: أرسل النبي صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار: مَن أصبح مفطراً فليتمَّ بقية يومه، ومن أصبح صائماً فليصُم، قالت: فكنا نصومه بعدُ ونصوِّم صبياننا [الصغار ونذهب بهم إلى المساجد] ، ونجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار.
رواه البخاري (1859) ومسلم (1136) والزيادة بين المعكوفين له.
العِهن: الصوف.
قال النووي:
وفي هذا الحديث: تمرين الصبيان على الطاعات، وتعويدهم العبادات، ولكنهم ليسوا مكلفين، قال القاضي: وقد روي عن عروة أنهم متى أطاقوا الصوم وجب عليهم، وهذا غلط مردود بالحديث الصحيح " رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يحتلم - وفي رواية يبلغ - "، والله أعلم.
" شرح مسلم " (8 / 14) .
14. إن تيسر للأب والأم الذهاب بالأسرة إلى العمرة في رمضان فخيرٌ يقدمونه لأنفسهم ولأسرتهم، فالعمرة في رمضان لها أجر حجة، والأفضل الذهاب في أوله تجنباً للزحام.
15. وعلى الزوج أن لا يكلِّف زوجته بما لا طاقة لها به من حيث إعداد الطعام والحلويات، فإن كثيراً من الناس اتخذوا هذا الشهر للتفنن في الطعام والشراب والإسراف فيه، وهو ما يُذهب حلاوة هذا الشهر ويُفوِّت على الصائمين بلوغ الحكمة منه وهو تحصيل التقوى.
16. شهر رمضان شهر القرآن، فننصح بعمل مجلس في كل بيتٍ يُقرأ فيه القرآن ويقوم الأب بتعليم أهله القراءة ويوقفهم على معاني الآيات، وكذا أن يكون في المجلس قراءة كتاب في أحكام وآداب الصيام، وقد يسَّر الله تعالى لكثير من العلماء وطلبة العلم أن يؤلِّفوا كُتباً في مجالس رمضان، ويحوي الكتاب ثلاثين مجلساً، فيُقرأ في كل يوم موضوعٌ، فيتحصل منه خير عميم للجميع.
17. يحثهم على الإنفاق وتفقد الجيران والمحتاجين.
عن ابن عباس قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلَرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة ".
رواه البخاري (6) ومسلم (2308) .
18. وعلى الأبوين منع أهلهم وأولادهم من السهر الذي تضيع فيه الأوقات من غير فائدة فضلا عن السهر على المحرَّمات، فإن شياطين الإنس تخرج من أصفادها في هذا الشهر لتقدِّم للصائمين الشرور والفسق والفجور في ليالي رمضان ونهاره.
19. تذكر اجتماع الأسرة في جنة الله تعالى في الآخرة، فالسعادة العظمى هو اللقاء هناك تحت ظل عرشه سبحانه، وما هذه المجالس المباركة في الدنيا والاجتماع على طاعته في العلم والصيام والصلاة إلا من السبيل التي تؤدي إلى تحقيق هذه السعادة.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3536)
الإسراف في الأكل والشرب في رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأيكم فيمن يكثر أنواع الطعام والحلويات في رمضان؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الإسراف في كل شيء مذموم ومنهي عنه، لا سيما في الطعام والشراب، قال الله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأعراف/31.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَا مَلأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ لُقَيْمَات يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لا مَحَالَةَ، فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ، وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ، وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ) رواه الترمذي (2380) وابن ماجه (3349) . وصححه الألباني في صحيح الترمذي (1939) .
والإسراف في الطعام والشراب فيه مفاسد كثيرة:
منها: أن الإنسان كلما تنعم بالطيبات في الدنيا قَلَّ نصيبه في الآخرة.
روى الحاكم عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ شِبَعًا فِي الدُّنْيَا أَكْثَرُهُمْ جُوعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ) .
ورواه ابن أبي الدنيا وزاد: فما أكل أبو جحيفة ملءَ بطنه حتى فارق الدنيا.
صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (342) .
وقال عمر رضي الله تعالى عنه: والله إني لو شئت لكنت من ألينكم لباسا، وأطيبكم طعاما، وأرَقِّكُم عيشا، ولكني سمعت الله عز وجل عَيَّرَ قوما بأمر فعلوه فقال: (أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ) الأحقاف / 20. حلية الأولياء (1/49) .
ومنها: أن الإنسان ينشغل بذلك عن كثير من الطاعات، كقراءة القرآن الكريم، والتي ينبغي أن تكون هي الشغل الشاغل للمسلم في هذا الشهر الكريم، كما كانت عادة السلف.
فتجد المرأة تقضي جزءاً كبيرا من النهار في إعداد الطعام، وجزءً كبيرا من الليل في إعداد الحلويات والمشروبات.
ومنها: أن الإنسان إذا أكل كثيراً أصابه الكسل، ونام كثيرا، فيضيع على نفسه الأوقات.
قال سفيان الثوري رحمه الله: إذا أردت أن يصح جسمك ويقل نومك أقلل من طعامك.
ومنها: أن كثرة الأكل تورث غفلة القلب.
قيل للإمام أحمد رحمه الله: هل يجد الرجل من قلبه رِقَّةً وهو شَبع؟ قال: ما أرى. أي: ما أرى ذلك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3537)
كيف ينوي المسلم الصوم
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف ينوي الإنسان صيام رمضان؟ ومتى تجب النيّة في الصيام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" تكون النيّة بالعزم على الصيام. ولا بد من تبييت نيّة صيام رمضان ليلاً كلّ ليلة "
فتاوى اللجنة الدائمة ج/10 ص/246
" وذهب بعض أهل العلم: إلى أن ما يُشترط فيه التتابع تكفي النية في أوله ما لم يقطعه لعذر فيستأنف النيّة، وعلى هذا فإذا نوى الإنسان أول يوم من رمضان أنه صائم هذا الشهر كلّه فإنه يجزئه عن الشهر كلّه ما لم يحصل عذر ينقطع به التتابع، كما لو سافر في أثناء رمضان، فإنه إذا عاد يجب عليه أن يجدد النيّة للصوم.
وهذا هو الأصح، لأن المسلمين جميعاً لو سألتهم لقال كل واحد منهم أنا نويت الصوم أول الشهر إلى آخره، فإذا لم تتحقق النيّة حقيقة فهي محقّقة حكماً، لأن الأصل عدم القطع، ولهذا قلنا إذا انقطع التتابع لسبب يبيحه، ثم عاد إلى الصوم فلا بد من تجديد النيّة، وهذا القول هو الذي تطمئن إليه النفس."
[الْمَصْدَرُ]
الشرح الممتع ج/6 ص/369-370.(5/3538)
الإمساك قبل الفجر بدقائق بدعة
[السُّؤَالُ]
ـ[في بعض البلاد هناك وقت يكون قبل الفجر بحوالي عشر دقائق يقولون إنه وقت الإمساك، يبدأ الناس فيه الصيام ويمسكون عن الطعام والشراب. فهل هذا الفعل صحيح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الفعل غير صحيح.
لأن الله تعالى أباح للصائم أن يأكل ويشرب حتى يتبين طلوع الفجر. قال الله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ) البقرة / 187.
وروى البخاري (1919) ومسلم (1092) عَنْ ابْنِ عُمَرَ وعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم أَنَّ بِلالا كَانَ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَإِنَّهُ لا يُؤَذِّنُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ) .
قال النووي رحمه الله:
فِيهِ: جَوَاز الأَكْل وَالشُّرْب وَالْجِمَاع وَسَائِر الأَشْيَاء إِلَى طُلُوع الْفَجْر اهـ.
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (4/199) :
من البدع المنكرة ما أحدث في هذا الزمان من إيقاع الأذان الثاني قبل الفجر بنحو ثلث ساعة في رمضان، وإطفاء المصابيح التي جعلت علامة لتحريم الأكل والشرب على من يريد الصيام زعما ممن أحدثه أنه للاحتياط في العبادة اهـ
وسئل الشيخ ابن عثيمين عما يوجد في بعض التقاويم من تحديد وقت للإمساك قبل الفجر بنحو ربع ساعة فقال:
هذا من البدع، وليس له أصل من السنة، بل السنة على خلافه، لأن الله قال في كتابه العزيز: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ) البقرة/187. وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم، فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر) . وهذا الإمساك الذي يصنعه بعض الناس زيادة على ما فرض الله عز وجل فيكون باطلاً وهو من التنطع في دين الله وقد قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ، هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ، هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ) رواه مسلم (2670) اهـ.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3539)
معنى الخيط الأبيض والخيط الأسود المذكورين في آية الصيام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى قول الله تعالى: (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الله تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) البقرة/187.
ومعنى ذلك أن الله تعالى أباح للصائم الأكل والشرب ليلاً حتى يتبين له (أي يتيقن) طلوع الفجر.
والمراد من الخيط الأبيض النهار، والخيط الأسود الليل.
قال الحافظ: وَمَعْنَى الآيَةِ حَتَّى يَظْهَرَ بَيَاضُ النَّهَارِ مِنْ سَوَادِ اللَّيْلِ , وَهَذَا الْبَيَانُ يَحْصُلُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ الصَّادِقِ.
وَقَوْلُهُ: (مِنْ الْفَجْرِ) بَيَانٌ لِلْخَيْطِ الأَبْيَضِ , وَاكْتَفَى بِهِ عَنْ بَيَانِ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ لأَنَّ بَيَانَ أَحَدِهِمَا بَيَانٌ لِلآخَرِ اهـ.
وقد فهم بعض الصحابة رضي الله عنهم الآية على خلاف معناها، ففهموا أن المراد منها الخيط الحقيقي، فكان أحدهم يجعل تحت وسادته أو يربط في رجله خيطين أحدهما أبيض والآخر أسود ويظل يأكل حتى يتبين له أحدهما من الآخر، وسبب هذا الخطأ في فهم معنى الآية أن الله تعالى أنزل الآية أولاً بدون قوله:) مِنَ الْفَجْرِ) ، ففهمها بعض الصحابة على المعنى المتبادر إلى الذهن من كلمة "الخيط" ثم أنزل الله تعالى بعد مدة (قال بعض العلماء إنها سنة) أنزل قوله: (مِنَ الْفَجْرِ) فعلموا أن المراد بالخيط الأبيض ضوء الفجر (النهار) وبالخيط الأسود الليل.
روى البخاري (1917) ومسلم (1091) عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: أُنْزِلَتْ (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ) وَلَمْ يَنْزِلْ (مِنْ الْفَجْرِ) فَكَانَ رِجَالٌ إِذَا أَرَادُوا الصَّوْمَ رَبَطَ أَحَدُهُمْ فِي رِجْلِهِ الْخَيْطَ الأَبْيَضَ وَالْخَيْطَ الأَسْوَدَ، وَلَمْ يَزَلْ يَأْكُلُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ رُؤْيَتُهُمَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ بَعْدُ: (مِنْ الْفَجْرِ) فَعَلِمُوا أَنَّهُ إِنَّمَا يَعْنِي اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ.
فهؤلاء الصحابة حَمَلُوا الْخَيْطَ عَلَى ظَاهِرِهِ , فَلَمَّا نَزَلَ (مِنْ الْفَجْرِ) عَلِمُوا الْمُرَادَ.
وقد فهم عدي بن حاتم رضي الله عنه الآية كما فهمها هؤلاء حتى صحح له النبي صلى الله عليه وسلم هذا الفهم وبين له المعنى المراد من الآية.
روى البخاري (1916) عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ عَمَدْتُ إِلَى عِقَالٍ أَسْوَدَ وَإِلَى عِقَالٍ أَبْيَضَ فَجَعَلْتُهُمَا تَحْتَ وِسَادَتِي فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ فِي اللَّيْلِ فَلا يَسْتَبِينُ لِي فَغَدَوْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ إِنَّمَا ذَلِكَ سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ. وفي رواية للبخاري (4510) : (إِنَّكَ لَعَرِيضُ) . وفي رواية أخرى له أيضاً (4509) : (إِنَّ وِسَادَكَ إِذًا لَعَرِيضٌ أَنْ كَانَ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ وَالأَسْوَدُ تَحْتَ وِسَادَتِكَ) . وفي أخرى (4510) : (إِنَّكَ لَعَرِيضُ الْقَفَا) .
وقصة عدي رضي الله عنه وقعت بعد نزول قوله تعالى: (مِنَ الْفَجْرِ) أي بعد حديث سهل السابق.
وقد اعتذر بعض العلماء عن خطأ عدي في هذا الفهم مع نزول قوله تعالى (مِنَ الْفَجْرِ) بأن عديا لم يبلغه حديث سهل، أو لم يكن من لغة قومه استعمال الخيط الأبيض والخيط الأسود للدلالة على الليل والنهار.
ولذلك ترجم ابن حبان لحديث عدي بقوله: "ذِكْرُ الْبَيَانِ بِأَنَّ الْعَرَبَ تَتَفَاوَتُ لُغَاتُهَا" وَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّ عَدِيًّا لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ فِي لُغَتِهِ أَنَّ سَوَادَ اللَّيْلِ وَبَيَاضَ النَّهَارِ يُعَبَّرُ عَنْهُمَا بِالْخَيْطِ الأَسْوَدِ وَالْخَيْطِ الأَبْيَضِ.
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: حَدِيث عَدِيٍّ مُتَأَخِّرٌ عَنْ حَدِيثِ سَهْلٍ , فَكَأَنَّ عَدِيًّا لَمْ يَبْلُغْهُ مَا جَرَى فِي حَدِيثِ سَهْلٍ، وَإِنَّمَا سَمِعَ الآيَةَ مُجَرَّدَةً فَفَهِمَهَا عَلَى مَا وَقَعَ لَهُ اهـ.
وقال الحافظ: وَأَمَّا عَدِيٌّ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي لُغَةِ قَوْمِهِ اِسْتِعَارَةُ الْخَيْطِ لِلصُّبْحِ , أَوْ نَسِيَ قَوْلَهُ: (مِنْ الْفَجْرِ) حَتَّى ذَكَّرَهُ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اهـ.
وقَالَ النَّوَوِيُّ تَبَعًا للقاضي عِيَاضٍ: وَإِنَّمَا حَمَلَ الْخَيْطَ الأَبْيَضَ وَالأَسْوَدَ عَلَى ظَاهِرِهِمَا بَعْضُ مَنْ لا فِقْهَ عِنْدَهُ مِنْ الأَعْرَابِ كَالرِّجَالِ الَّذِينَ حُكِيَ عَنْهُمْ سَهْلٌ وَبَعْضُ مَنْ لَمْ يَكُنْ فِي لُغَتِهِ اِسْتِعْمَالُ الْخَيْطِ فِي الصُّبْحِ كَعَدِيٍّ اهـ.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّكَ لَعَرِيضُ الْقَفَا)
فقد زعم بعضهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد بذلك أنه فِيهِ غَبَاوَةٌ وَغَفْلَةٌ.
وادعى هؤلاء أن عُرْضَ الْقَفَا مِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الغباوة, وَأَنْشَدَوا فِي ذَلِكَ شِعْرًا.
وَقَدْ أَنْكَرَ ذَلِكَ كَثِيرٌ من العلماء مِنْهُمْ الْقُرْطُبِيُّ والقاضي عياض والنووي.
قال القرطبي:
"حَمَلَهُ بَعْضُ النَّاسِ عَلَى الذَّمِّ لَهُ عَلَى ذَلِكَ الْفَهْمِ وَكَأَنَّهُمْ فَهِمُوا أَنَّهُ نَسَبَهُ إِلَى الْجَهْلِ وَالْجَفَاءِ وَعَدَمِ الْفِقْهِ , وَلَيْسَ الْأَمْرُ عَلَى مَا قَالُوهُ. . وَإِنَّمَا عَنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ وِسَادَك إِنْ كَانَ يُغَطِّي الْخَيْطَيْنِ اللَّذَيْنِ أَرَادَ اللَّهُ فَهُوَ إِذًا عَرِيضٌ وَاسِعٌ , وَلِهَذَا قَالَ فِي أَثَرِ ذَلِكَ: إِنَّمَا ذَلِكَ سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ , فَكَأَنَّهُ قَالَ: فَكَيْفَ يَدْخُلَانِ تَحْتَ وِسَادَتِك؟ وَقَوْلُهُ " إِنَّك لَعَرِيضُ الْقَفَا " أَيْ إِنَّ الْوِسَادَ الَّذِي يُغَطِّي اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَرْقُدُ عَلَيْهِ إِلا قَفًا عَرِيضٌ لِلْمُنَاسَبَةِ اهـ باختصار.
وقَالَ الْقَاضِي: مَعْنَاهُ إِنْ جَعَلْت تَحْت وِسَادك الْخَيْطَيْنِ الَّذِينَ أَرَادَهُمَا اللَّه تَعَالَى وَهُمَا اللَّيْل وَالنَّهَار فَوِسَادُك يَعْلُوهُمَا وَيُغَطِّيهِمَا , وَحِينَئِذٍ يَكُون عَرِيضًا , وَهُوَ مَعْنَى الرِّوَايَة الأُخْرَى فِي صَحِيح الْبُخَارِيّ (إِنَّك لَعَرِيض الْقَفَا) وَهُوَ مَعْنَى الرِّوَايَة الأُخْرَى: (إِنَّك لَضَخْمٌ) اهـ.
انظر: فتح الباري شرح حديث رقم (1917) ، (1916) .، شرح مسلم للنووي حديث رقم (1090) ، (1091) .
ومن الأحكام المستنبطة من الآية الكريمة أن من شك في طلوع الفجر فله أن بأكل ويشرب حتى يتيقن طلوعه لأن الله تعالى قال: (حَتَّى يَتَبَيَّنَ) .
رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَحَلَّ اللَّهُ لَك الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ مَا شَكَكْت. قال الحافظ: إِسْنَاده صَحِيحٍ.
وَرَوَى اِبْنُ أَبِي شَيْبَةَ عن أَبِي الضُّحَى قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ اِبْنَ عَبَّاسٍ عَنْ السُّحُورِ , فَقَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ: كُلْ مَا شَكَكْت حَتَّى لا تَشُكَّ. قَالَ اِبْنُ الْمُنْذِرِ: وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ صَارَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ.
قال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع (6/247) .
"من أتى مفطرا، وهو شاك في طلوع الفجر فصومه صحيح، لأن الله سبحانه وتعالى قال: (فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) البقرة/187. وضد التبين الشك والظن، فما دمنا لم يتبين لنا فلنا أن نأكل ونشرب، وهذه المسألة لها خمسة أقسام:
1- أن يتيقن أن الفجر لم يطلع، مثل: أن يكون طلوع الفجر في الساعة الخامسة، ويكون أكله وشربه في الساعة الرابعة والنصف فصومه صحيح.
2- أن يتيقن أن الفجر طلع، كأن يأكل الساعة الخامسة والنصف فهذا صومه فاسد.
3- أن يأكل وهو شاك هل طلع الفجر أو لا، ويغلب على ظنه أنه لم يطلع؟ فصومه صحيح.
4- أن يأكل ويشرب، ويغلب على ظنه أن الفجر طالع فصومه صحيح.
5- أن يأكل ويشرب مع التردد الذي ليس فيه رجحان فصومه صحيح" اهـ.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3540)
يسأل عن بيع اللعب المجسمة، وهل يؤثر في الصيام
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في محل لُعب ونبيع الدمى والألعاب التي على شكل البشر، فما حكم ذلك؟ وهل يجوز لي أن أبدأ صيامي فيما بعد بسبب عملي هذا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد سبق بيان تحريم صنع الصور والتماثيل سؤال رقم 7222، وسبق أيضا بيان تحريم بيعها وشرائها سؤال رقم 49676.
لكن إذا كانت هذه الصور والدمى لعبا للأطفال فقد دلت السنة على جوازها؛ ففي الصحيحين من حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: (كُنْتُ أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم،َ وَكَانَ لِي صَوَاحِبُ يَلْعَبْنَ مَعِي ... الحديث) البخاري 6130، مسلم 2440
قال ابن حجر: وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيث عَلَى جَوَاز اِتِّخَاذ صُوَر الْبَنَات وَاللَّعِب مِنْ أَجْل لَعِب الْبَنَات بِهِنَّ , وَخُصَّ ذَلِكَ مِنْ عُمُوم النَّهْي عَنْ اِتِّخَاذ الصُّوَر , وَبِهِ جَزَمَ عِيَاض وَنَقَلَهُ عَنْ الْجُمْهُور , وَأَنَّهُمْ أَجَازُوا بَيْع اللَّعِب لِلْبَنَاتِ لِتَدْرِيبِهِنَّ مِنْ صِغَرهنَّ عَلَى أَمْر بُيُوتهنَّ وَأَوْلادهنَّ وَقَدْ تَرْجَمَ اِبْن حِبَّان الإِبَاحَةُ لِصِغَارِ النِّسَاء اللَّعِب بِاللَّعَبِ..وفي رِوَايَة جرير عن هشام: " كُنْت أَلْعَب بِالْبَنَاتِ وَهُنَّ اللُّعِب " أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَة وَغَيْره , وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ وَجْه آخَر عَنْ عَائِشَة قَالَتْ: " قَدِمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَة تَبُوك أَوْ خَيْبَر " فَذَكَرَ الْحَدِيث فِي هَتْكه السِّتْر الَّذِي نَصَبَتْهُ عَلَى بَابهَا قَالَتْ: " فَكَشَفَ نَاحِيَة السِّتْر عَلَى بَنَات لِعَائِشَة لُعَب فَقَالَ: مَا هَذَا يَا عَائِشَة , قَالَتْ: بَنَاتِي. قَالَتْ: وَرَأَى فِيهَا فَرَسًا مَرْبُوطًا لَهُ جَنَاحَانِ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قُلْت فَرَس. قَالَ فَرَس لَهُ جَنَاحَانِ؟ قُلْت: أَلَمْ تَسْمَع أَنَّهُ كَانَ لِسُلَيْمَان خَيْل لَهَا أَجْنِحَة؟ فَضَحِكَ " انتهى مختصرا. [والرواية التي ذكرها ابن حجر عند أبي داود برقم 22813، وصححها الألباني في غاية المرام 129]
قال الشيخ ابن عثيمين، رحمه الله:
(أما الذي لا يوجد فيه تخطيط كامل، وإنما يوجد فيه شيء من الأعضاء والرأس، ولكن لم تتبين فيه الخلقة، فهذا لاشك في جوازه، وأنه من جنس البنات اللاتي كانت عائشة، رضي الله عنها، تلعب بهن.
وأما إذا كان كامل الخلقة، وكأنما تشاهد إنسانا، ولاسيما إن كان له حركة أو صوت، فإن في نفسي من جواز هذه شيئا، لأنه يضاهي خلق الله تماما، والظاهر أن اللعب التي كانت عائشة تلعب بهن ليست على هذا الوصف، فاجتنابها أولى؛ ولكني لا أقطع بالتحريم؛ نظرا لأن الصغار يرخص لهم ما لا يرخص للكبار في مثل هذه الأمور، فإن الصغير مجبول على اللعب والتسلي، وليس مكلفا بشيء من العبادات حتى نقول: إن وقته يضيع عليه لهوا وعبثا، وإذا أراد الإنسان الاحتياط في مثل هذا فليقلع الرأس، أو يحميه على النار حتى يلين، ثم يضغطه حتى تزول معالمه.) مجموع فتاوى الشيخ 2/277-278
وأما قول السائل: وهل يجوز لي أن أبدأ صيامي، فيما بعد، بسبب عملي هذا؟ فلم يتبين لنا مراده به تماما؛ فإن كان يعني أن هذا العمل يبطل الصيام، ويكون المشروع في حقه قضاء الصيام في وقت آخر لا يشتغل فيه بهذا العمل المحرم، فقد سبق بيان أن جميع المعاصي تؤثر في الصيام، فينقص بذلك أجره، وقد يحرم ثواب صومه بالكلية، إذا كثر عمله بالمعاصي، لكن صيامه لا يبطل، ولا يؤمر بقضائه، وإنما عليه أن يكف نفسه عن هذه المعاصي في كل وقت، وخاصة في رمضان. انظر السؤال رقم (37877) و (37989) .
وإن كان يريد السؤال عن أمر آخر، فنرجو إيضاحه حتى نتمكن من الإجابة عليه.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3541)
صام ثم سافر إلى بلد تأخر عنهم في الصيام فهل يصوم واحدا وثلاثين يوماً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا صمت في بلد ثم سافرت أثناء الشهر إلى بلد كان قد تأخر يوماً في دخول الشهر، ففي آخر الشهر إذا صاموا ثلاثين يوماً، فهل أصوم معهم وأكون قد صمت واحداً وثلاثين يوماً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا سافر الإنسان من البلد التي صام فيها أول الشهر إلى بلد تأخر عندهم الفطر فإنه يبقى لا يفطر حتى يفطروا.
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله:
أنا من شرق آسيا، عندنا الشهر الهجري يتأخر عن المملكة العربية السعودية بيوم، وسأسافر إلى بلدي في رمضان، وقد بدأت الصوم في المملكة، وفي نهاية الشهر نكون قد صمنا واحدا وثلاثين يوماً، فما حكم صيامنا؟ وكم يوماً نصوم؟
فأجاب:
" إذا صمتم في السعودية أو غيرها ثم صمتم بقية الشهر في بلادكم فأفطروا بإفطارهم، ولو زاد ذلك على ثلاثين يوماً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون) لكن إن لم تكملوا الشهر تسعة وعشرين يوما فعليكم إكمال ذلك، لأن الشهر لا ينقص عن تسع وعشرين " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (15/155) .
وسئل الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله:
ما حكم من صام في بلد مسلم ثم انتقل إلى بلد آخر تأخر أهله عن البلد الأول ولزم من متابعتهم صيام أكثر من ثلاثين يوماً أو العكس؟
فأجاب بقوله:
إذا انتقل الإنسان من بلد إسلامي إلى بلد إسلامي وتأخر إفطار البلد الذي انتقل إليه فإنه يبقى معهم حتى يفطروا؛ لأن الصوم يوم يصوم الناس، والفطر يوم يفطر الناس، والأضحى يوم يضحي الناس، وهذا وإن زاد عليه يوم، أو أكثر فهو كما لو سافر إلى بلد تأخر فيه غروب الشمس، فإنه يبقى صائماً حتى تغرب، وإن زاد على اليوم المعتاد ساعتين، أو ثلاثاً، أو أكثر، ولأنه إذا انتقل إلى البلد الثاني فإن الهلال لم ير فيه وقد أمر النبي عليه الصلاة والسلام أن لا نصوم ولا نفطر إلا لرؤيته، فقال: (صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته) .
وأما العكس: وهو أن ينتقل من بلد تأخر فيه ثبوت الشهر إلى بلد تقدم ثبوت الشهر فيه فإنه يفطر معهم، ويقضي ما فاته من رمضان، إن فاته يوم قضى يوماً، وإن فاته يومان قضى يومين، فإذا أفطر لثمانية وعشرين يوماً قضى يومين إن كان الشهر تامًّا في البلدين، ويوماً واحداً إن كان ناقصاً فيهما أو في أحدهما. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (19 / السؤال رقم 24) .
وسئل أيضاًَ:
قد يقول قائل: لماذا قلتم يؤمر بصيام أكثر من ثلاثين يوماً في الأولى ويقضي في الثانية؟
فأجاب بقوله:
يقضي في الثانية لأن الشهر لا يمكن أن ينقص عن تسعة وعشرين يوماً، ويزيد على الثلاثين يوماً لأنه لم يُر الهلال، وفي الأولى قلنا له: أفطر وإن لم تتم تسعة وعشرين يوماً؛ لأن الهلال رؤي، فإذا رؤي فلا بد من الفطر، لا يمكن أن تصوم يوماً من شوال، ولما كنت ناقصاً عن تسعة وعشرين لزمك أن تتم تسعة وعشرين بخلاف الثاني، فإنك لا تزال في رمضان إذا قدمت إلى بلد ولم ير الهلال فيه فأنت في رمضان، فكيف تفطر؟ فيلزمك البقاء، وإذا زاد عليك الشهر فهو كزيادة الساعات في اليوم. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (19 / السؤال رقم 25) .
وانظر جواب السؤال رقم (38101) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3542)
استعمال العمال غير المسلمين والسماح لهم بالأكل أمام المسلمين وقت الصيام
[السُّؤَالُ]
ـ[صاحب شركة لديه عمال غير مسلمين، فهل يجوز له أن يمنعهم من الأكل والشرب أمام غيرهم من العمال المسلمين في نفس الشركة خلال نهار رمضان؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
" لا ينبغي للإنسان أن يستخدم عمالاً غير مسلمين مع تمكنه من استخدام المسلمين، لأن المسلمين خير من غير المسلمين، قال الله تعالى: {وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَـ?ئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعواْ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَـ?تِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} ولكن إذا دعت الحاجة إلى استخدام عمال غير مسلمين، فإنه لا بأس به بقدر الحاجة فقط.
ثانياً:
وأما أكلهم وشربهم في نهار رمضان أمام الصائمين من المسلمين فإن هذا لا بأس به، لأن الصائم المسلم يحمد الله عز وجل أن هداه للإسلام الذي به سعادة الدنيا والا?خرة، ويحمد الله تعالى أن عافاه، فهو وإن حُرم عليه الأكل والشرب في هذه الدنيا شرعاً في أيام رمضان، فإنه سينال الجزاء يوم القيامة، حين يقال له: {كُلُواْ وَاشْرَبُواْ هَنِيئَاً بِما أَسْلَفْتُمْ في الأَْيَّامِ الْخَالِيَةِ} لكن يمنع غير المسلمين من إظهار الأكل والشرب في الأماكن العامة لمنافاته للمظهر الإسلامي في البلد."
[الْمَصْدَرُ]
انتهى من كلام الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله – مجموع الفتاوى 8/79.(5/3543)
أركان الصيام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أركان الصيام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اتفق الفقهاء على أن الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس، ركن من أركان الصوم.
واختلفوا في النية: فذهب الحنفية والحنابلة إلى أنها شرط في صحة الصوم.
وذهب المالكية والشافعية إلى أنها ركن يضاف إلى الإمساك.
وسواء اعتُبرت النية ركنا أو شرطا، فلا يصح الصوم – كغيره من العبادات – إلا بنية، مع الإمساك عن المفطرات.
[البحر الرائق 2/276، مواهب الجليل 2/378، نهاية المحتاج 3/149، نيل المآرب شرح دليل الطالب 1/274] .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3544)
هل الأفضل الإفطار في البيت أم في المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الأفضل الإفطار في المسجد بعد الصلاة أم الصلاة ثم الذهاب للبيت والإفطار مع العائلة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان مراد السائل بالإفطار ما يأكله الصائم تفريقا بين وقت الصيام، ووقت إباحة الأكل، كأكل التمر وشرب الماء ونحو ذلك، فإن المستحب في مثل هذا التعجيل، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر) [رواه البخاري 1957، ومسلم 1098] ، انظر السؤال رقم 13999.
أما إذا كان المراد، ما يأكله الناس بعد الصلاة (وجبة الإفطار) ، فلم يرد في السنة فيما أعلم شيئا محددا، لكن على الإنسان أن يوازن بين المتطلبات المختلفة، فالإفطار في المسجد مع جماعة المسجد فيه مصالح جمع المسلمين، وتأليف القلوب، ووحدة الصف، والتعارف، وإحياء روح التكافل وغير ذلك.
والإفطار مع العائلة في المنزل فيه مصالح جمع الأسرة، ومدارسة أحوالها، وزيادة أصر الروابط بين أفرادها، وتعليم الأبناء آداب الأكل والحديث وغير ذلك، وزيادة الألفة والمحبة بين الزوج وزجه، وبين الوالدين وأبنائهما، وغير ذلك.
والواجب على رب الأسرة الموازنة بين تلك المصالح، كأن يخصص أياما للإفطار مع أهله، وأياما للإفطار مع جماعة المسجد، مع مراعاة أن واجب العناية بالأسرة، والأولاد، وتعليمهم آداب الدين وتعاليمه، أولى وأوجب من نافلة مجرد لقاء الأصدقاء والأصحاب في المسجد، إذ يمكنه أن يلتقي بهم في صلاة التراويح، أو في مجلس علم، أو نحو ذلك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3545)
هل لزوجها أن يترك الإفطار معها ليفطر في المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الإفطار في المسجد مع الجماعة أهم من الإفطار في البيت مع الزوجة إذا كانت حامل ولا تستطيع مغادرة البيت بسبب التعب؟
تزوجت منذ أشهر وهذا أول رمضان أقضيه مع زوجي وحتى الآن لم يفطر معي ولا مرة واحدة في البيت، يفطر في المسجد ولا يرجع حتى العاشرة مساء، فهل هذا تصرف صحيح إسلامياً؟ أرجو أن تجيب فأنا مسلمة جديدة وزوجي مسلم في الأصل ويقول لي بأن هذه تعاليم الإسلام ولا أظن بأن هذا من تعاليم الإسلام.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أن من معاشرة الزوجة بالمعروف أن يقوم الزوج بما يلزم زوجته في شؤون دينها ودنياها، وما يجب عليه تجاهها، ومن أولى الأشياء الواجبة على الزوج تجاه زوجه أن يعلمها أمر دينها وعقيدتها على الوجه الذي أمر الله تعالى به، ولا شك أن قول زوجك لك إن ما فعله هو ما تمليه عليه تعاليم الإسلام غير صحيح، وهو من القول على الله بلا علم، إذ إن النبي صلى الله عليه وسلم مع ما كان عليه من صحبته لأصحابه، واهتمامه بأمرهم وقضاء حوائجهم، كان في خدمة أهله ورعايتهم، فعن الأسود قال: سألت عائشة ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته قالت: (كان يكون في مهنة أهله تعني خدمة أهله فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة) رواه البخاري برقم 644، وقد قال تعالى: (وعاشروهن بالمعروف) ، وهذا يدل على أن العشرة بالمعروف أساس الحياة الزوجية التي أمر الله تعالى بها.
ومن المعلوم أن الإفطار مع الزوجة ولو في بعض الأيام نوع من أنواع العشرة بالمعروف لاسيما في بدايات الحياة الزوجية التي يهدف الشرع إلى تحقيق كلّ ما يقويها، خاصة إذا كانت الزوجة تشعر بالوحشة من عدم هذا كما أنه فرصة لتعليمها بصورة تطبيقية جملة من سنن الإفطار وآدابه.
وبناء على ما سبق فإننا نوجه الزوج الكريم إلى الاهتمام بأمر بيته وزوجه، ورعايتهم وعدم التقصير في حقهم، وليعلم أن قيامه على شؤون بيته له فيها أجر، أكثر من قيامه على شؤون من ليسوا من أهل بيته، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي الرحم اثنتان صدقة وصلة) رواه النسائي برقم 2528، وصححه الألباني وقال صلى الله عليه وسلم: (ابدأ بمن تعول) رواه البخاري برقم 1360، ومسلم برقم 1034، وليس معنى هذا أنه يجب عليه وجوبا شرعيا أن يفطر كل يوم مع زوجته، لكن لا شك أن من البر بالزوجة وأهل البيت أن يؤنسهم في وحشتهم، وأن يكون معهم إذا احتاجوه في بعض شؤونهم، لاسيما أن السائلة تقول إنها متعبة بسبب الحمل، كما إن من البر بالزوجة وأهل البيت أن يكون هينا لينا معهم، يسامرهم، ويقوم عليهم، وليس من البر ما يقوم به بعض الرجال، حيث تراهم يسهرون على راحة أصدقائهم، وبالمقابل لا يبالون بأهل بيتهم وأزواجهم، نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3546)
الإفطار مع غير المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز تناول طعام الإفطار مع غير المسلمين كالهندوس والنصارى؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز تناول طعام الإفطار مع غير المسلمين إذا كانت هناك مصلحة شرعية في ذلك، كدعوتهم إلى الدين الحق، أو تأليف قلوبهم على الإسلام أو نحو ذلك مما يرجى من حضورهم لتناول الإفطار من الموائد التي يضعها المسلمون للإفطار العام كما يحصل في بعض الدول، أما مجرد الأنس بهم والسرور بصحبتهم فهو أمر خطير، إذ إن عقيدة الولاء والبراء من آكد أصول الدين، وأولى الواجبات على المؤمنين، وقد دل على هذا الأصل عدة آيات من كتاب الله، وأحاديث من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فمن ذلك:
قوله تعالى: (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون) المجادلة /22
وقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا) النساء /144
وقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين) المائدة /51
وقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون) آل عمران /118
وعلى هذا، فنية الاجتماع على هذا الإفطار هي التي تحدد حكمه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3547)
كيف تقع المعاصي في رمضان مع أن الشياطين مقيدة بالسلاسل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت من الإمام بأن الشيطان غير موجود في شهر رمضان، إذا كان كلامه صحيحاً فلماذا يصعب على المسلمين ترك المعاصي في شهر رمضان؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
القول بأن الشيطان غير موجود في رمضان غير صحيح، والذي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الشياطين تسلسل وتقيد في رمضان.
روى البخاري (1899) ومسلم (1079) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَسُلْسِلَتْ الشَّيَاطِينُ) . راجع السؤال (39736) .
ثانياً:
قال القرطبي:
"فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ نَرَى الشُّرُورَ وَالْمَعَاصِيَ وَاقِعَةً فِي رَمَضَان كَثِيرًا، فَلَوْ صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ (أي: سلسلت) لَمْ يَقَعْ ذَلِكَ؟
فَالْجَوَابُ: أَنَّهَا إِنَّمَا تَقِلُّ عَنْ الصَّائِمِينَ الصَّوْم الَّذِي حُوفِظَ عَلَى شُرُوطِهِ وَرُوعِيَتْ آدَابُهُ , أَوْ الْمُصَفَّد بَعْض الشَّيَاطِينِ وَهُمْ الْمَرَدَةُ لا كُلُّهُمْ كَمَا جاء فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ , أَوْ الْمَقْصُودِ تَقْلِيل الشُّرُورِ فِيهِ، وَهَذَا أَمْر مَحْسُوس فَإِنَّ وُقُوع ذَلِكَ فِيهِ أَقَلّ مِنْ غَيْرِهِ , إِذْ لا يَلْزَمُ مِنْ تَصْفِيد جَمِيعهمْ أَنْ لا يَقَعُ شَرّ وَلا مَعْصِيَة لأَنَّ لِذَلِكَ أَسْبَابًا غَيْر الشَّيَاطِينِ كَالنُّفُوسِ الْخَبِيثَةِ وَالْعَادَات الْقَبِيحَة وَالشَّيَاطِينِ الإِنْسِيَّة اهـ. من فتح الباري.
وسئل الشيخ ابن عثيمين في فتاوى الصيام (ص466) :
كيف يمكن التوفيق بين تصفيد الشياطين في رمضان ووقوع المعاصي من الناس؟
فأجاب:
المعاصي التي تقع في رمضان لا تنافي ما ثبت من أن الشياطين تصفد في رمضان، لأن تصفيدها لا يمنع من حركتها، ولذلك جاء في الحديث: (وَيُصَفَّدُ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، فَلَا يَخْلُصُوا إِلَى مَا كَانُوا يَخْلُصُونَ إِلَيْهِ فِي غَيْرِهِ) رواه أحمد (7857) والحديث ذكره الألباني في ضعيف الترغيب (586) وقال: ضعيف جداً.
وليس المراد أن الشياطين لا تتحرك أبدا بل هي تتحرك، وتضل من تضل، ولكن عملها في رمضان ليس كعملها في غيره اهـ.
والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3548)
صام في لندن وأفطر في الرياض
[السُّؤَالُ]
ـ[بالنسبة للصيام فأنا جزاكم الله خيراً صمت في لندن وأفطرت في الرياض.. فما الحكم في فارق التوقيت؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صومك صحيح، إذ العبرة في الإفطار بالمكان الموجود به الصائم عند غروب الشمس، ولا عبرة بفروق التوقيت، سواء طال النهار أم قصر.
وفي فتاوى اللجنة الدائمة (10/296) :
أجمع أهل العلم قاطبة على أن الصوم من طلوع الفجر حتى غروب الشمس. . وعلى أن لكل صائم حكم المكان الذي هو فيه سواء كان على سطح الأرض أم كان على الطائرة في الجو اهـ.
وفي فتوى أخرى (10/295) :
الأصل أن لكل شخص في إمساكه في الصيام وإفطاره وأوقات صلاته حكم الأرض التي هو عليها، أو الجو الذي يسير فيه. . . وإن أقلعت الطائرة قبل غروب الشمس بدقائق واستمر معه النهار فلا يجوز له أن يفطر ولا أن يصلي المغرب حتى تغرب شمس الجو الذي يسير فيه حتى ولو مَرَّ بسماءِ بلدٍ أهلُها قد أفطروا وصلوا المغرب وهو في سمائها يرى الشمس اهـ
وعلى هذا. . من صام ثم اتجه بالطائرة إلى جهة الغرب فإنه يفطر إذا غربت الشمس في المكان الذي هو موجود فيه. وهكذا أيضاً إذا اتجه بالطائرة جهة الشرق وأراد أن يصوم فإنه لا يفطر حتى تغرب الشمس في المكان الذي هو موجود فيه. ولا عبرة بفارق التوقيت.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3549)
ليس هناك دعاء يدُعى به في أول الصيام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الدعاء الذي ندعو به عند بداية الصيام؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
روى الترمذي (3451) عن طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَأَى الْهِلالَ قَالَ: (اللَّهُمَّ أَهْلِلْهُ عَلَيْنَا بِالْيُمْنِ وَالإِيمَانِ، وَالسَّلامَةِ وَالإِسْلامِ، رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ) . صححه الألباني في صحيح الترمذي (2745) .
واليُمن: البركة.
وهذا الدعاء ليس خاصاً بهلال رمضان بل يقوله المسلم إذا رأى الهلال في أول كل شهر.
وأما الدعاء كل يوم فليس هناك دعاء يدعو به المسلم عند بداية الصيام كل يوم.
وإنما فقط ينوي بقلبه أنه صائم غداً.
ويشترط في النية أن تكون في الليل، وقبل طلوع الفجر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ لَمْ يُجْمِعْ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلا صِيَامَ لَهُ) رواه الترمذي (730) ولفظ النسائي (2334) : (مَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ فَلا صِيَامَ لَهُ) . صححه ألألباني في صحيح الترمذي (573) .
والمعنى: من لم ينو الصيام ويعزم على فعله من الليل فلا صيام له.
والنية عمل قلبي، فيعزم المسلم بقلبه أنه صائم غداً، ولا يشرع له أن يتلفظ بها ويقول: نويت الصيام أو نحو ذلك من الألفاظ التي ابتدعها بعض الناس.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3550)
معنى الخيط الأبيض والخيط الأسود في آية الصيام
[السُّؤَالُ]
ـ[قال تعالى: (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) هل هذا يعني بأننا يجب أن نمسك حتى تبدأ الشمس بالشروق؟ ولماذا نمسك عند أذان الفجر وهو قبل الشروق بحوالي ساعة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المراد بالخيط الأسود في الآية الكريمة هو الليل، والخيط الأبيض هو الفجر، وليس طلوع الشمس.
وسمي الفجر خيطاً أبيض لأن أول ما يبدو من الفجر في السماء ضوءٌ كالخيط في الأفق، يمتد يميناً وشمالاً من الشمال إلى الجنوب، ثم لا يزال يزداد حتى ينتشر في السماء كلها. انظر فتح الباري شرح حديث رقم: (1917)
وروى البخاري (1916) ومسلم (1090) عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ) عَمَدْتُ إِلَى عِقَالٍ أَسْوَدَ وَإِلَى عِقَالٍ أَبْيَضَ فَجَعَلْتُهُمَا تَحْتَ وِسَادَتِي فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ فِي اللَّيْلِ فَلَا يَسْتَبِينُ لِي فَغَدَوْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ: إِنَّمَا ذَلِكَ سَوَادُ اللَّيْلِ، وَبَيَاضُ النَّهَارِ.
قال النووي رحمه الله:
قَالَ أَبُو عُبَيْد: الْخَيْط الأَبْيَض: الْفَجْر الصَّادِق , وَالْخَيْط الأَسْوَد: اللَّيْل اهـ
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3551)
عمل طبق خيري على مائدة الإفطار
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ممكن عمل طبق خيري على مائدة الإفطار في مسجد ما لإنفاق ريعه على المساكين المجاورين للمسجد؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المراد بالطبق الخيري أن يقوم بعض الناس بإعداد طعامٍ ما في بيته، ثم يبيعه ويجعل الأموال التي تحصل من ذلك في أحد المشاريع الخيرية وأوجه البر والصدقة.
وهذا العمل من الإحسان والصدقة، والمتعاون فيه له أجر وثواب على عمله، وكذا كل من ساهم فيه، سواء كانت مساهمته فيه بالمال أو العمل أو غير ذلك، فكل هذا مما يدخل في قول الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) .
ويجب التنبه إلى أن يتم البيع خارج المسجد، لأن البيع والشراء محرم في المسجد لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِي الْمَسْجِدِ فَقُولُوا لا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ)
رواه الترمذي (1321) وصححه الألباني في صحيح الترمذي (1066) .
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3552)
الإفطار عند صاحب المال الحرام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن نقبل دعوة الإفطار عند شخص أغلب ماله من الحرام؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان أغلب مال الرجل حراماً: فإنه يجوز قبول دعوته.
وقد قبل النبي صلى الله عليه وسلم دعوة اليهود على طعام مع وصف الله لهم بأخذ الربا وأكل أموال الناس بالسحت، وقد قال بعض السلف في مثل هذا: لك غنمه وعليه غرمه.
كما يجوز لك عدم قبول دعوته زجراً له وتبكيتاً على كسبه المحرَّم، وهذا هو الأفضل إذا كان هذا سيزجره ويؤثر فيه لترك ما هو عليه من منكر.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3553)
نصرانية تريد أن تصوم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا نصرانية ولكنني لا أؤمن بديني وأنا آسفة لهذا، أمنت بالله وبرسوله وأريد أن أصوم رمضان، ولكنني لا زلت نصرانية فهل يمكن أن أصوم رمضان؟ لا أعلم كيف أصبح مسلمة، أشعر بهذا في قلبي، ولكنني أظن بأن هذا ليس كافياً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله تعالى أن يشرح صدرك للإسلام.
أيتها العاقلة
إن صيامك من غير دخولك في الإسلام لن تستفيدي منه شيئاً إلا الجوع والعطش، لأن جميع العبادات لا يقبلها الله تعالى إلا إذا كانت مبنية على اعتقاد صحيح، ودين سليم.
إن الأهم لك -ولا شيء أهم منه على الإطلاق- هو أن تبدئي بالخطوة الصحيحة ألا وهي الدخول في الإسلام.
وبعد ذلك تقومين بالصلاة والصيام، وتقرئين القرآن، وتؤدين سائر العبادات، فيحيا بها قلبك، وينشرح صدرك.
إن دخولك في الإسلام ليس بالأمر العسير، لا يحتاج منك فقط إلا إلى النطق بالشهادتين (أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله) .
إن وجود الشعور في قلبك بدخولك في الإسلام هذا من علامة الخير، فعليك أن تتخذي الخطوة الأخيرة في ذلك بالقرار الحاسم الذي يترتب عليه سعادتك في الدنيا والآخرة.
إنك لا تؤمنين بدينك -كما قلتِ في سؤالك- فما قيمة هذه الحياة إذا كان الإنسان بلا دين ولا قيم ولا نظام رباني يسير عليه الإنسان في حياته؟!
أتظنين أن هذه الحياة الدنيا مجرد لهو ولعب وتمتع بالشهوات ثم ينتهي ذلك بالموت؟
كلا!! إن بعد الموت حساباً، وبعد الحساب جنة أو نار.
فعليك السعي فيما يكون سبباً في نجاتك، ولا تتأخري ولا تنتظري فإن قطار العمر يسير، ولا يدري المرء متى يتوقف به هذا القطار. وهو لا يتوقف به إلا على أول مراحل الآخرة، فهنالك لا ينفع الندم.
يتمنى الإنسان لو رجع إلى هذه الحياة الدنيا ليؤمن ويعمل صالحاً،
(حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) المؤمنون/99-100.
(وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ) الأنعام/27.
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمْ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ) فاطر/36-37.
نسأل الله تعالى أن يلهمك رشدك ويوفقك لما فيه خيرك في الدنيا والآخرة.
ونحن على أتم استعداد لتلقي أي سؤال منك والإجابة عنه إن شاء الله تعالى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3554)
صفات من يحصل به أجر تفطير صائم
[السُّؤَالُ]
ـ[نعلم أن إفطار الصائم في رمضان فيه أجر كبير، ولكن سؤالي من فضلكم هو:
من يكون هذا الصائم ? هل الذي لا يجد ما يفطر عليه ? أم هو عابر السبيل ? أم أي شخص آخر وإن كان ميسور الحال ? وسبب سؤالي هو أننا نعيش في أمريكا، وجل أفراد الجالية الإسلامية هنا يعيشون حياة ميسورة وإنما يتبادلون الدعوات في رمضان -حسب ما يظهر-من أجل المباهاة والافتخار...... (فلان أكثر إكراما من فلان وفلانة تطبخ أحسن من فلانة...........الخ.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ثواب تفطير الصائم كبير كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا) رواه الترمذي (708) وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1078) . راجع سؤال رقم (12598)
وهذا الثواب يحصل لكل من فطر صائما، ولا يشترط أن يكون الصائم فقيرا، لأن هذا ليس من باب الصدقة وإنما هو من باب الهدية، ولا يشترط في الهدية أن يكون المهدَى إليه فقيراً، بل تصح الهدية للغني والفقير.
وأما الدعوات التي يكون القصد منها المباهاة والمفاخرة فإنها مذمومة، وليس لصاحبها ثواب على هذا العمل، وقد حرم نفسه خيراً كثيراً.
وأما من دُعِي إلى مثل هذه الدعوات فإنه لا ينبغي له أن يحضرها، ولا أن يشارك فيها، بل عليه الاعتذار عن الحضور، ثم إن تمكن من نصيحة صاحبها بأسلوب حسن أقرب إلى قبوله كان ذلك جيداً، وليتجنب الكلام المباشر، بأن يتلطف في العبارة ويأتي بكلام عامٍ ليس موجهاً إلى شخص بعينه.
فإن الرفق في العبارة وحسن الأسلوب والبعد عن الكلمات القاسية والغليظة من أسباب قبول النصيحة، والمسلم حريص على أن يقبل أخوه المسلم الحق ويعمل به.
كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك، فقد كان يفعل بعض أصحابه ما يُنكره النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه لا يواجههم بالإنكار بل كان يقول: ما بال أقوام يفعلون كذا؟
وهذا الأسلوب تحصل به المصلحة المطلوبة.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3555)
متى يفطر راكب الطائرة
[السُّؤَالُ]
ـ[متي يفطر راكب الطائرة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
(إذا غربت الشمس فأفطر على الأرض ثم أقلعت به الطائرة فرأى الشمس لم يلزمه الإمساك لأنه أتمّ صيام يومه كاملا فلا سبيل إلى إعادته للعبادة بعد فراغه منها. وإذا أقلعت به الطائرة قبل غروب الشمس وأراد إتمام صيام ذلك اليوم في السفر فلا يُفطر إلا إذا غربت الشمس في المكان الذي هو فيه من الجوّ، ولا يجوز للطيار أن يهبط إلى مستوى لا تُرى فيه الشمس لأجل الإفطار لأنه تحايل لكن إن نزل لمصلحة الطيران فاختفى قرص الشمس أفطر) .
من فتاوى الشيخ ابن باز مشافهة. انظر كتيب " سبعون مسألة في الصيام ".
قالت اللجنة الدائمة:
إذا كان الصائم في الطائرة واطلع بواسطة الساعة والتليفون عن إفطار البلد القريبة منه وهو يرى الشمس بسبب ارتفاع الطائرة فليس له أن يفطر لأن الله تعالى قال: (ثم أتموا الصيام إلى الليل) وهذه الغاية لم تتحقق في حقه ما دام يرى الشمس.
وأما إذا أفطر بالبلد بعد انتهاء النهار في حقه فأقلعت الطائرة ثم رأى الشمس فإنه يستمر مفطراً لأن حكمه حكم البلد التي أقلع منها وقد انتهى النهار وهو فيها.اهـ
وقالت اللجنة في فتوى أخرى:
إذا كان الشخص بالطائرة في نهار رمضان وهو صائم ويريد الاستمرار بصيامه إلى الليل فإنه لا يجوز أن يفطر إلا بعد غروب الشمس اهـ
مجموع فتاوى اللجنة الدائمة (10/136-137) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3556)
التلفظ بالنية في الصيام بدعة
[السُّؤَالُ]
ـ[في الهند ننوي للصيام "اللهم أصوم جاداً لك فاغفر لي ما قدمت وما أخرت" لست أدري ما هو المعنى، ولكن هل هذه هي النية الصحيحة؟ إذا كانت صحيحة فأرجو أن تخبرني بالمعنى أو أخبرني بالنية الصحيحة من القرآن أو السنة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يصح صوم رمضان ولا غيره من العبادات إلا بالنية لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى. . . الخ الحديث) . رواه البخاري (1) ومسلم (1907) .
ويشترط في النية أن تكون في الليل، وقبل طلوع الفجر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ لَمْ يُجْمِعْ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلا صِيَامَ لَهُ) رواه الترمذي (730) ولفظ النسائي (2334) : (مَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ فَلا صِيَامَ لَهُ) . صححه الألباني في صحيح الترمذي (583) .
والمعنى: من لم ينو الصيام ويعزم على فعله من الليل فلا صيام له.
والنية عمل قلبي، فيعزم المسلم بقلبه أنه صائم غداً، ولا يشرع له أن يتلفظ بها ويقول: نويت الصيام أو أصوم جاداً لك. . . الخ، أو نحو ذلك من الألفاظ التي ابتدعها بعض الناس.
والنية الصحيحة هي أن يعزم الإنسان بقلبه أنه صائم غداً.
ولذلك قال شيخ الإسلام رحمه الله في "الاختيارات" ص 191:
ومن خطر بقلبه أنه صائم غداً فقد نوى اهـ
وسئلت اللجنة الدائمة:
كيف ينوي الإنسان صيام رمضان؟
فأجابت:
تكون النية بالعزم على الصيام، ولا بد من تبييت نية صيام رمضان ليلاً كل ليلة اهـ
فتاوى اللجنة الدائمة (10/246) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3557)
صيام النهار القصير
[السُّؤَالُ]
ـ[أعيش قريباً من الدائرة القطبية الشمالية للكرة الأرضية حيث يكون طول النهار أربع ساعات ونصف فقط ماذا نفعل في رمضان بالنسبة للصيام؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان في بلدك ليل متميز ونهار متميز فإنّ عليك أن تصوم نهار أيام رمضان من الفجر إلى غروب الشمس سواء أطال النهار أم قصر، وفقنا الله وإياك لطاعته وحسن عبادته. وللاستفادة والتوضيح يراجع السؤال رقم (1730) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/3558)
الصوم في البلاد ذات النهار القصير جدا أو الطويل جدا
[السُّؤَالُ]
ـ[في بعض جهات الدول الاسكندنافية يكون النهار أطول من الليل بكثير على مدار السنة، حيث يكون الليل ثلاث ساعات فقط، في حين يكون النهار واحداً وعشرين ساعة، فإذا صادف أن قدم شهر رمضان في الشتاء فإن المسلمين فيها يصومون مدة ثلاث ساعات فقط، وأما إذا كان شهر رمضان في فصل الصيف فإنهم يتركون الصوم لعدم قدرتهم عليه نظراً لطول النهار، فنرجوا تحديد مواعيد الإفطار والسحور، والمدة التي يصام فيها شهر رمضان؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
شريعة الإسلام كاملة وشاملة، قال تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممتُ عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً) سورة المائدة /3 وقال تعالى: (قل أي شيء اكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ) سورة الانعام /19 وقال تعالى: (وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً) سورة سبأ /28، وقد خاطب الله المؤمنين بفرض الصيام فقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) سورة البقرة /183 وبيّن ابتداء الصيام وانتهاءه فقال تعالى: (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل) سورة البقرة /187 ولم يخصص هذا الحكم ببلد ولا بنوع من الناس، بل شرعه شرعاً عاماً، وهؤلاء المسئول عنهم داخلون في هذا العموم، والله جل وعلا لطيف بعباده شرع لهم من طرق اليسر والسهولة ما يساعدهم على فعل ما وجب عليهم، فشرع للمسافر والمريض - مثلاً - الفطر في رمضان لدفع المشقة عنهما، قال تعالى: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليُسر ولا يريد بكم العسر) سورة البقرة /185. فمن شهد رمضان من المكلّفين وجب عليه أن يصوم، سواء طال النهار أو قصر، فإن عجز عن إتمام صيام يوم وخاف على نفسه الموت أو المرض جاز له أن يفطر بما يسدّ رمقه ويدفع عنه الضرر، ثم يمسك بقية يومه وعليه قضاء ما أفطره في أيام أخر يتمكن فيها من الصيام. والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 10/114(5/3559)
جامع أهله والمؤذن يؤذن للفجر
[السُّؤَالُ]
ـ[جامعت زوجتي في فجر رمضان قبل الأذان وأذن وأنا على وضعي مع زوجتي لكن توقفت قبل أن ينتهي المؤذن من الأذان هل علي شيء؟ ظناً مني أن لي أن أجامعها قبل أن ينتهي المؤذن من الأذان؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا كان المؤذن يؤذن مع طلوع الفجر، فالواجب الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فإذا قال المؤذن: الله أكبر، لزم الكف عن الطعام والشراب والجماع وسائر المفطرات.
قال النووي رحمه الله: " إذا طلع الفجر وفي فيه طعام فليلفظه , فإن لفظه صح صومه , فإن ابتلعه أفطر ... ولو طلع الفجر , وهو مجامع فنزع في الحال صح صومه، أما إذا طلع الفجر وهو مجامع، فعلم طلوعه , ثم مكث مستديما للجماع فيبطل صومه, ولا يعلم فيه خلاف للعلماء، وتلزمه الكفارة على المذهب " انتهى من "المجموع" (6/329) .
وقال أيضاً (6/333) : " ذكرنا أن من طلع الفجر وفي فيه طعام فليلفظه ويتم صومه , فإن ابتلعه بعد علمه بالفجر بطل صومه , وهذا لا خلاف فيه , ودليله حديث ابن عمر وعائشة رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن بلالا يؤذن بليل , فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم) رواه البخاري ومسلم , وفي الصحيح أحاديث بمعناه" انتهى.
وعليه؛ فإذا كان المؤذن في حيك يؤذن إذا طلع الفجر، فيلزمك النزع عن الجماع، فور سماعك للتكبيرة الأولى من أذانه.
وإن كنت تعلم أن المؤذن يؤذن قبل طلوع الفجر أو تشك، هل يؤذن قبل طلوع الصبح أم بعده، فليس عليك شيء، لأن الله تعالى أباح الأكل والشرب والجماع حتى يتبين الصبح، قال تعالى: (فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: ما حكم من أكمل سحوره وشرب ماء وقت الأذان أو بعد الأذان للفجر بربع ساعة؟
فأجابوا: "إن كان المذكور في السؤال يعلم أن ذلك قبل تبين الصبح فلا قضاء عليه، وإن علم أنه بعد تبين الصبح فعليه القضاء.
أما إن كان لا يعلم هل كان أكله وشربه بعد تبين الصبح أو قبله فلا قضاء عليه، لأن الأصل بقاء الليل، ولكن ينبغي للمؤمن أن يحتاط لصيامه وأن يمسك عن المفطرات إذا سمع الأذان، إلا إذا علم أن هذا الأذان كان قبل الصبح" انتهى.
"فتاوى إسلامية" (2/240) .
ثانيا:
إذا كنت جاهلا بهذا الحكم، وتظن أن الإمساك إنما يلزم بآخر الأذان، فلا كفارة عليك، لكن تقضي الصيام احتياطا، مع التوبة والاستغفار من تقصيرك في تعلم ما يجب عليك من أمر دينك.
وانظر جواب السؤال رقم (93866) ورقم (37679) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3560)
من لاعب زوجته حتى أنزل فعليه القضاء ولا كفارة عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد كنت مريضًا جدًا خلال رمضان وطلب مني الطبيب الإفطار من الصوم وتناول بعض الأدوية، الأمر الذي قمت به. لقد طلب من الطبيب القيام بذلك لمدة 5 أيام وأصرت زوجتي، على أن أتبع تلك التعليمات. وفي أثناء رمضان كنا نداعب بعضنا البعض، ولم يكن يشكل ذلك مشكلة أبدًا كما أنني وزوجتي كنا نعرف حدودنا. وفي اليوم الرابع من مرضي، قررت الصوم دون أن أخبر زوجتي حيث إنها كانت ستعترض بسبب طلب الطبيب إنهاء كافة الأدوية. لقد كنت واثقًا من أن الله قد رد إلي صحتي وأنني أريد الصوم. لذلك صمت. وفي صباح ذلك اليوم داعبنا بعضنا البعض ولم تتوقف زوجتي حتى عندما طلبت منها ذلك. حتى تملكتني الشهوة وحدث قذف. وكما تتخيل فقد صُدمت لذلك. كما صُدمت زوجتي عندما قلت إنني كنت صائمًا. لذا هل يجب علي أن أصوم 60 يومًا متصلة؟ أم أصوم يومًا واحدًا؟ أم أن هذا يقع تحت حديث الإفطار عن سهو؛ حيث يعلم الله أنني لم أكن أنوي ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد أحسنت في الإفطار عند اشتداد المرض بك كما أحسنت أيضا بالصيام حين رأيت أنك قادر عليه، وكان الأولى أن تستشير الطبيب، وما دمت قد صمت ذلك اليوم ولم تتضرر بالصيام فقد لزمك إتمامه.
ولا مانع من أن يداعب الرجل زوجته حال صيامه إن أمن من إفساد صومه أو صومها، أما إذا لم يأمن ذلك فإنه لا يجوز له الإقدام عليه.
قال العلامة مصطفى الرحيباني الحنبلي في "مطالب أولي النهى" (2/204) : " وَحَرُمَ نَحْوُ قُبْلَةٍ كَمُعَانَقَةٍ وَلَمْسٍ وَتَكْرَارِ نَظَرٍ لِمَنْ ظَنَّ إنْزَالًا, بِغَيْرِ خِلَافٍ " انتهى.
فإذا كنت لاعبت زوجتك آمنا من إفساد الصوم فإنه لا إثم عليك في هذه الملاعبة وإن فسد الصوم.
أما إن كنت تظن أنه سيحصل منك إنزال فقد أثمت بهذه الملاعبة، وعليك أن تتوب إلى الله تعالى.
وأما الصوم فقد فسد على كلا الاحتمالين، لأنك أنزلت، سواء نويت الفطر أم لم تنو. قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: " إذا باشر زوجته سواء باشرها باليد، أو بالوجه بتقبيل، أو بالفرج [بدون جماع] فإنه إذا أنزل أفطر، وإذا لم ينزل فلا فطر بذلك" انتهى من "الشرح الممتع" (6/388) .
وعليك أن تقضي يوماً مكان هذا اليوم، ولا كفارة عليك. قال النووي رحمه الله في "المجموع" (6/377) : " إذا أفسد صومه بغير الجماع كالأكل والشرب والاستمناء والمباشرات المفضيات إلى الإنزال فلا كفارة ; لأن النص ورد في الجماع , وهذه الأشياء ليست في معناه " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3561)
خروج المذي لا يفسد الصوم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم في صوم امرأة داعبها زوجها في نهار رمضان فتبلل فرجها، وهي لا تدري نوع السائل المبلل أمني هو أم غيره؟ ولا تدري عدد الأيام التي تمت فيها الملاعبة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يجوز للزوجين أن يداعب كل واحد منهما الآخر، بشرط أن يأمنا على نفسيهما من إنزال المني؛ لما روى البخاري (1927) ومسلم (1106) عن عائشة رضي الله عنها قَالَتْ: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لأرْبِهِ) .
وإذا داعب الرجل امرأته أو باشرها بما دون الجماع، فلا يخلو الحال من حالين:
الأولى: أن ينشأ عن تلك المداعبة والمباشرة نزول المني، ففي هذه الحال يفسد الصيام، ويجب القضاء على من نزل منه المني.
قال النووي في "المجموع" (6/349) :" إذَا قَبَّلَ أَوْ بَاشَرَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ بِذَكَرِهِ أَوْ لَمَسَ بَشَرَةَ امْرَأَةٍ بِيَدِهِ أَوْ غَيْرِهَا , فَإِنْ أَنْزَلَ الْمَنِيَّ بَطَلَ صَوْمُهُ وَإِلا فَلا , وَنَقَلَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ الإِجْمَاعَ عَلَى بُطْلانِ صَوْمِ مَنْ قَبَّلَ أَوْ بَاشَرَ دُونَ الْفَرْجِ فَأَنْزَلَ " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله " إذا باشر الرجل زوجته سواء باشرها باليد، أو بالوجه بتقبيل، أو بالفرج (بدون جماع) فإنه إذا أنزل أفطر، وإذا لم ينزل فلا فطر بذلك " انتهى. "الشرح الممتع" (6/388) .
الحال الثانية: أن ينشأ عن تلك المداعبة والمباشرة نزول المذي، ففي هذه الحال لا يفسد الصوم.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: " تقبيل الرجل امرأته ومداعبته لها ومباشرته لها بغير الجماع وهو صائم، كل ذلك جائز ولا حرج فيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبِّل وهو صائم، ويباشر وهو صائم، لكن إن خشي الوقوع فيما حرم الله عليه لكونه سريع الشهوة، كره له ذلك، فإن أمنى لزمه الإمساك والقضاء ولا كفارة عليه عند جمهور أهل العلم. أما المذي فلا يفسد به الصوم في أصح قولي العلماء، لأن الأصل السلامة وعدم بطلان الصوم، ولأنه يشق التحرز منه، والله ولي التوفيق " انتهى.
"فتاوى الشيخ ابن باز" (15/315) .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عن رجل داعب زوجته، وهو صائم فخرج منه مذي، فما حكم صومه؟
فأجاب: " إذا داعب الرجل زوجته، فخرج منه مذي، فصومه صحيح، ولا شيء عليه على القول الراجح عندنا من أقوال أهل العلم؛ وذلك لعدم الدليل على أنه يفطر، ولا يصح قياسه على المني؛ لأنه دونه، وهذا القول الذي رجحناه هو مذهب الشافعي، وأبي حنيفة واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وقال في الفروع: هو أظهر، وقال في الإنصاف: هو الصواب " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (19/236) .
وللفائدة راجع جواب السؤال رقم (37715) .
ثالثاً:
إذا اشتبه على الإنسان في مثل هذه الحال: هل الذي خرج منه مني أم مذي؟
فالغالب أنه مذي، لأن المذي هو الذي يخرج عند المداعبة، ولا يحكم بفساد الصوم بمجرد الشك.
وقد سبق في الموقع بيان الفرق بين المذي والمني في جواب السؤال رقم (99507) ، ورقم (2458) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3562)
مباشرة الزوجة في الصوم من غير جماع
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من نام مع زوجته في نهار رمضان من غير ملابس وتمت ملامسة الأعضاء التناسلية من غير إيلاج؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا لم يتم الإيلاج، ولم ينزل المني، فصومك صحيح، ولا شيء عليك.
وأما المذي فنزوله لا يبطل الصوم في أصح قولي العلماء، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي رحمهما الله، وراجع السؤال رقم (37715) .
وللصائم أن يداعب زوجته وأن يقبل ويضم ويباشر (أي تمس بشرته بشرتها) إذا أمن ألا ينزل وألا يجامع، وانظر السؤال رقم (49614) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3563)
جامع أهله يظن أن الفجر لم يطلع
[السُّؤَالُ]
ـ[جامعت زوجتي ولم أكن أدري بأن الفجر قد أذن ولم أكن أدري بهذا وكان توقعي أنه سوف يؤذن بعد بضع دقائق على الساعة الخامسة ومن بعد ذلك اتضح أنه يؤذن على الخامسة إلا ربع فما هو الحل وهل علي الكفارة أنا وزوجتي علما بأنه كان برغبتنا نحن الاثنين كما أننا كنا للتو واصلين من السفر قبل 24 ساعة ولا ندرى بعد بمواقيت الصلاة وفوجئنا بإعلان رمضان صبيحة ثاني يوم وصولنا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الأمر كما ذكرت، فلا شيء عليكما، لأن من أتى شيئا من المفطرات ظانا أن الفجر لم يطلع، ثم تبين أنه قد طلع، فلا قضاء عليه، على الراجح من قولي العلماء، سواء كان المفطر أكلا أو شربا أو جماعا.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وأحب أن أبين أن المفطرات التي تفطر الصائم من الجماع والأكل والشرب وغيره لا يفطر بها الإنسان إلا بثلاثة شروط:
1- أن يكون عالما فإن لم يكن عالما لم يفطر، لقوله تعالى: (وليس عليكم جناح فيمآ أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما) .
ولقوله تعالى: (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) ، فقال الله تعالى: قد فعلت، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) . والجاهل مخطئ، لو كان عالما ما فعل، فإذا فعل شيئا من المفطرات جاهلا فلا شيء عليه، وصومه تام وصحيح، سواء كان جهله بالحكم، أم بالوقت.
مثال جهله بالحكم: أن يتناول شيئا من المفطرات يظنه أنه لا يفطر، كما لو احتجم يظن أن الحجامة لا تفطر، فنقول: إن صومك صحيح ولا شيء عليك.
ومثال جهله بالوقت: أن يظن أن الفجر لم يطلع، فيأكل، فصومه صحيح.
2- أن يكون ذاكرا، فإن كان ناسيا لم يفطر.
3- أن يكون مختارا، فإن كان غير مختار لم يفطر " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (19/280)
وسئل الشيخ رحمه الله: إنسان حديث عهد بالزواج، وأتى أهله في آخر الليل ظناً منه أن الليل باق، وإذا بالإقامة تقام فما تقولون؟ هل عليه شيء؟
فأجاب: " لا، ما عليه شيء، لا إثم، ولا كفارة، ولا قضاء؛ لأن الله تعالى قال: (فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ) أي: النساء (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) البقرة/187. فالثلاثة كلها سواء: مباشرة النساء والأكل والشرب، ولا دليل على التفريق بينها، كلها من محظورات الصيام، وإذا وقعت على وجه الجهل أو النسيان فلا شيء " انتهى من "اللقاء الشهري".
وبهذا يتبين أنه لا شيء عليكما، لا قضاء ولا كفارة، هذا إن كنتما قد صمتما ذلك اليوم.
أما إن كنتما لم تصوما وأفطرتما ظناً منكما أن الصيام قد فسد بالجماع، فليس عليكما إلا القضاء فقط.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3564)
حكم المداعبة بين الزوجين في الصيام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لي أن أقول لزوجي (أنا أحبك) وأنا صائمة؟ زوجي يطلب مني أن أقول له بأنني أحبه أثناء الصوم وقلت له بأن هذا لا يجوز ويقول هو بأنه يجوز.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فلا بأس من مداعبة الرجل لامرأته، أو المرأة لزوجها بالكلام في حال الصيام بشرط أن يأمنا على نفسيهما من الإنزال، فإن كانا لا يأمنان على نفسيهما من الإنزال كمن كان شديد الشهوة ويخشى أنه إذا داعب امرأته أن يفسد صومه بإنزال المني: فلا يجوز له فعل ذلك لأنه يعرض صومه للإفساد. وكذلك إذا كان يخشى خروج المذي (الشرح الممتع 6/390)
والدليل على جواز القبلة والمداعبة لمن يأمن على نفسه من الإنزال، ما رواه البخاري (1927) ومسلم (1106) عن عائشة رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لأرْبِهِ "، وفي صحيح مسلم (1108) عن عمرو بن سلمة أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيقبل الصائم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " سل هذه " – لأم سلمة – فأخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصنع ذلك ".
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وغير القبلة من دواعي الوطء كالضم ونحوه فنقول حكمها حكم القبلة ولا فرق ". أ. هـ من " الشرح الممتع " (6 /434) .
وبناء على هذا فمجرد قولك لزوجك أنك تحبينه أو قوله لك ذلك لا يضر الصيام.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/3565)
جامع زوجته من غير إنزال في نهار رمضان جاهلاً تحريم ذلك، ولا يغتسل بعد الجماع
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت قبل تسع سنوات
- خلال السنة الأولى من الزواج كنت أداعب زوجتي أثناء نهار رمضان ويتخلل ذلك جماع لها , جهلاً مني بتحريم ذلك حيث كنت أعتقد انه إذا لم يحصل إنزال فلا يفسد الصوم.
- بعد السنة الأولى لم اكرر ما فعلت مره أخرى , وذلك كي أبعد نفسي عن الشبهات.
- منذ أن تزوجت إلى الآن كنت أكرر ما حصل خلال السنة الأولى من مداعبة لزوجتي ولكن خلال ليل رمضان وباقي أيام السنة سواء ليل أو نهار ويتخلل ذلك الجماع من غير إنزال ولا أغتسل اعتقادا ًمني انه إذا لم يحصل إنزال فلا يوجب الغسل.
ارجوا التكرم بالإجابة مع الأخذ بعين الاعتبار أن ما حصل هو جهل مني مع توضيح ما يلزمني أنا وزوجتي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هنا في السؤال مسألتان:
الأولى: جماع الصائم.
الثانية: أحكام من جامع ولم يغتسل.
أولاً:
جماع الصائم لزوجته في نهار رمضان لو حالان:
الحال الأولى: أن يعتقد أن الجماع بدون إنزال غير محرَّم في نهار رمضان. فجامع وهو جاهل للحكم.
الحالة الثانية: أن يعلم أن الجماع حرام ولكنه لا يعرف العقوبة.
أما الحالة الأولى فقد قال فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" القول الراجح أن من فعل مفطراً من المفطرات أو محظوراً من المحظورات في الإحرام أو مفسداً من المفسدات في الصلاة وهو جاهل فإنه لا شيء عليه، لقول الله تعالى: (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) فقال الله: قد فعلت.
فهذا الرجل الذي أتى أهله في نهار رمضان إذا كان جاهلاً بالحكم، يظن أن الجماع المحرَّم هو ما كان فيه إنزال فإنه لا شيء عليه.
وأما الحال الثانية فإن كان يدري أن الجماع حرام ولكنه لا يعرف أن فيه الكفارة فإن عليه الكفارة، لأن هناك فرقاً بين الجهل بالحكم وبين الجهل بالعقوبة، فالجهل بالعقوبة لا يُعذر به الإنسان، والجهل بالحكم يعذر به الإنسان.
ولهذا قال العلماء: لو شرب الإنسان مسكراً يظنُّ أنه لا يُسكر أو يظن أنه ليس بحرام فإنه ليس عليه شيء، ولو علم أنه يسكر وأنه حرام ولكن لا يدري أنه يُعاقب عليه، فعليه العقوبة ولا تسقط عنه، وبناء عليه نقول للسائل ما دمت لا تدري أنه يحرم عليك الجماع بدون إنزال فإنه لا شيء عليك ولا على زوجتك إذا كانت مثلك في الجهل.
ثانياً: أثر هذا الفعل على الصيام والصلاة.
أما الصيام فلا أثر للجنابة فيه، إذ أن الجنب يصح صومه، لكن ترك الغسل للصلاة هو المشكلة، فالصلاة لا تصح بدون اغتسال لبقاء الجنابة وأكثر العلماء على أنه يجب على هذا الإنسان أن يقضي جميع الصلوات التي لم يغتسل لها لكن من المعلوم أن هذا الرجل سوف يجامع فيحصل إنزال فيغتسل.
إلا أنه قد يخفى عليه مقدار ما حصل فيه الخلل مما اغتسل له فنقول له تحرّ واقض احتياطاً وإذا كنت لا تعلم عن هذا شيئاً ولم يخطر ببالك أن الجماع المجرد عن الإنزال يوجب الغسل فنرجو أن لا يكون عليك شيء، أي أن لا يكون عليك قضاء لكن عليك التوبة، والاستغفار من التفريط في ترك السؤال.
الشيخ ابن عثيمين، اللقاء الشهري
ويراجع جواب سؤال رقم (9446) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3566)
هل يجوز الجماع خلال شهر رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الجماع خلال شهر رمضان؟ وهل يجوز الجماع في ليالي رمضان والاستحمام قبل السحور؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الجماع خلال نهار رمضان حرام على الرجل والمرأة الواجب عليهما الصوم فيه، وفي فعله إثم وكفارة، والكفارة هي: عتق رقبة، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما نحن جلوس عند النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله هلكتُ، قال: ما لك؟ قال: وقعتُ على امرأتي وأنا صائم [في رمضان] فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل تجد رقبة تعتقها؟ قال: لا، قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا، فقال: فهل تجد إطعام ستين مسكيناً؟ قال: لا، قال: فمكث النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم فبينا نحن على ذلك أُتي النَّبي صلَّى الله عليه وسلم بعَرَق – أي: قفة كبيرة – فيها تَمْر، قال: أين السائل؟ فقال: أنا، قال: خذها فتصدَّق به، فقال الرجل: أعلَى أفقر منِّي يا رسول الله؟ فو الله ما بين لابتيها - يريد الحرتين - أهل بيت أفقر من أهل بيتي، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، ثم قال: أطعمه أهلك.
رواه البخاري (1834) و (1835) ومسلم (1111) .
ثانياً:
وأما الجماع في ليالي رمضان فجائز غير ممنوع، وتستمر الإباحة إلى وقت دخول الفجر، فإن طلع الفجر حرُم الجماع.
قال تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} البقرة / 187.
والآية نص على إباحة الأكل والشرب والجماع في ليالي رمضان إلى الفجر.
ويجب بعد الجماع الاغتسال ثم صلاة الفجر.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3567)
الاستمناء ومباشرة المرأة حتى الإنزال في نهار رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا استمنى الرجل أو قبل امرأته حتى أنزل المني، ولكنه لم يجامع، فهل يفسد صومه بهذا، وماذا يجب عليه، وهل لذلك كفارة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الاستمناء محرم، وسبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (329) وهو في رمضان أشد تحريما.
ثانياً:
الاستمناء وكذلك مباشرة المرأة وتقبيلها حتى إنزال المني مفسد للصيام، وعلى من فعل ذلك أن يتوب إلى الله تعالى من هذا الفعل المحرم، ويقضي يوماً مكان هذا اليوم الذي أفسده، ولا تجب عليه كفارة، لأن الكفارة لا تجب إلا بالجماع في نهار رمضان.
قال ابن قدامة في "المغني" (4/363) : " وَلَوْ اسْتَمْنَى بِيَدِهِ فَقَدْ فَعَلَ مُحَرَّمًا , وَلا يَفْسُدُ صَوْمُهُ بِهِ إلا أَنْ يُنْزِلَ , فَإِنْ أَنْزَلَ فَسَدَ صَوْمُهُ " انتهى.
وقال أيضا (4/361) : " إذَا قَبَّلَ (أي زوجته) فَأَمْنَى فَيُفْطِرَ بِغَيْرِ خِلافٍ نَعْلَمُهُ " انتهى.
وقال النووي في "المجموع" (6/349) :" إذَا قَبَّلَ أَوْ بَاشَرَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ بِذَكَرِهِ أَوْ لَمَسَ بَشَرَةَ امْرَأَةٍ بِيَدِهِ أَوْ غَيْرِهَا , فَإِنْ أَنْزَلَ الْمَنِيَّ بَطَلَ صَوْمُهُ وَإِلا فَلا , وَنَقَلَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ الإِجْمَاعَ عَلَى بُطْلانِ صَوْمِ مَنْ قَبَّلَ أَوْ بَاشَرَ دُونَ الْفَرْجِ فَأَنْزَلَ " انتهى باختصار.
وقال في "بداية المجتهد" (1/382) : " كلهم يقولون: ـ يعني الأئمة ـ أن من قبل فأمنى فقد أفطر " انتهى.
وقال ابن عبد البر في "الاستذكار" (3/296) :
" لا أعلم أحدا أرخص في القبلة للصائم إلا وهو يشترط السلامة مما يتولد منها، وأن من يعلم أنه يتولد عليه منها ما يفسد صومه وجب عليه اجتنابها " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين في "فتاوى الصيام" (ص 237) : " ولا يحل لإنسان أن يداعب زوجته إذا عرف من نفسه أنه ينزل بهذه المداعبة، لأن بعض الناس يكون سريع الإنزال فبمجرد ما يداعب المرأة، أو يقبلها مثلاً أو ما أشبه ذلك ينزل. فنقول لهذا الرجل: لا يحل لك أن تداعب امرأتك ما دمت تخشى أن تنزل " انتهى.
وقال أيضاً في "الشرح الممتع" (6/234-235) :
" إذا طلب خروج المني بأي وسيلة، سواء بيده، أو بالتدلك على الأرض، أو ما أشبه ذلك حتى أنزل، فإنّ صومه يفسد بذلك، وهذا ما عليه الأئمة الأربعة رحمهم الله مالك، والشافعي، وأبو حنيفة، وأحمد.
وأبى الظاهرية ذلك وقالوا: لا فطر بالاستمناء ولو أمنى، لعدم الدليل من القرآن والسنة على أنه يفطر بذلك، ولا يمكن أن نفسد عبادة عباد الله إلا بدليل من الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم.
ولكن عندي والله أعلم أنه يمكن أن يستدل على أنه مفطر من وجهين:
الوجه الأول النص: فإن في الحديث الصحيح أن الله سبحانه وتعالى قال في الصائم: (يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي) والاستمناء شهوة، وخروج المني شهوة، والدليل على أن المني يطلق عليه اسم شهوة قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (وفي بضع أحدكم صدقة قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في الحرام أكان عليه وزر؟ كذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر) والذي يوضع هو المني.
الوجه الثاني: القياس، فنقول: جاءت السنة بفطر الصائم بالاستقاء إذا قاء، وبفطر المحتجم إذا احتجم وخرج منه الدم، وكلا هذين يضعفان البدن.
أما خروج الطعام فواضحٌ أنه يضعف البدن؛ لأن المعدة تبقى خالية فيجوع الإنسان ويعطش سريعاً.
وأما خروج الدم فظاهر أيضاً أنه يضعف البدن، وخروج المني يحصل به ذلك فيفتر البدن بلا شك، ولهذا أمر بالاغتسال ليعود النشاط إلى البدن، فيكون هذا قياساً على الحجامة والقيء.
وعلى هذا نقول: إن المني إذا خرج بشهوة فهو مفطر للدليل والقياس " انتهى باختصار.
وبهذين الدليلين: قضاء الشهوة، وإضعاف البدن، استدل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على أن الاستمناء مفسد للصيام. انظر "مجموع الفتاوى" (25/251) .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله:
" الاستمناء في نهار الصيام يبطل الصوم إذا كان متعمدا ذلك وخرج منه المني، وعليه أن يقضي إن كان الصوم فريضة، وعليه التوبة إلى الله سبحانه وتعالى؛ لأن الاستمناء لا يجوز لا في حال الصوم ولا في غيره، وهو التي يسميها الناس العادة السرية " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (15/267) .
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء (10/256) :
" الاستمناء في رمضان وغيره حرام، لا يجوز فعله؛ لقوله تعالى: (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) ، وعلى من فعله في نهار رمضان وهو صائم أن يتوب إلى الله، وأن يقضي صيام ذلك اليوم الذي فعله فيه، ولا كفارة؛ لأن الكفارة إنما وردت في الجماع خاصة " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3568)
هل للزوجة أن تمتنع عن زوجها في رمضان للعبادة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم في امرأة تأبى زوجها في رمضان نتيجة انشغالها بالعبادة والقُرب من الله؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
شهر رمضان مناسبة عظيمة للعابدين ليزيدوا في عباداتهم، وللعاصين أن يتركوا ما هم عليه من معاصٍ ويصطلحوا مع ربهم عز وجل بتركها والإكثار من الطاعة فيه لبداية طيبة لحياة أخرى غير التي كانوا عليها.
وقد جاءت الأحاديث الصحيحة بفضيلة الصيام والقيام والاعتكاف في هذا الشهر، كما أن فيه ليلة – وهي ليلة القدر – جعلها الله تعالى خيراً من ألف شهر.
وعليه: فلا يُنكر على من أراد استغلال أيام هذا الشهر لطاعة ربه، فالنفوس فيه مهيأة لقراءة القرآن وطاعة الرحمن، وسواء كان ذلك من الرجال أم من النساء.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) رواه البخاري (37) ومسلم (760) .
ثانياً:
يجب أن تعلم المرأة أن لزوجها عليها حقّاً عظيماً، فلا يجوز لها أن تضرب بهذه الحقوق عرض الحائط، ولا يجوز لها أن تعارض حق زوجها بما تؤديه من نافلة العبادات.
فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لا تُؤَدِّي الْمَرْأَةُ حَقَّ رَبِّهَا حَتَّى تُؤَدِّيَ حَقَّ زَوْجِهَا , وَلَوْ سَأَلَهَا نَفْسَهَا وَهِيَ عَلَى قَتَبٍ لَمْ تَمْنَعْهُ) . رواه ابن ماجه (1853) وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (1938) .
" القَتَب للجمل كالإكاف لغيره، ومعناه: الحث لهن على مطاوعة أزواجهن، وأنه لا ينبغي لهن الامتناع في هذه الحالة، فكيف في غيرها؟
"حاشية السندي على ابن ماجه".
ولعظم حق الزوج أُمرت المرأة باستئذانه قبل قيامها ببعض التطوعات التي قد تتعارض مع حقه، ومنها:
1. صوم النافلة:
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (لا تَصُومُ الْمَرْأَةُ وَبَعْلُهَا شَاهِدٌ إِلا بِإِذْنِهِ) رواه البخاري (4896) ومسلم (1026) .
قال النووي رحمه الله:
" هذا محمول على صوم التطوع والمندوب الذي ليس له زمن معين , وهذا النهي للتحريم صرح به أصحابنا , وسببه أن الزوج له حق الاستمتاع بها في كل الأيام , وحقه فيه واجب على الفور فلا يفوته بتطوع ولا بواجب على التراخي " انتهى.
" شرح مسلم " (7 / 115) .
2. الخروج للمسجد
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (إِذَا اسْتَأْذَنَتْ امْرَأَةُ أَحَدِكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلا يَمْنَعْهَا) رواه البخاري (4940) ومسلم (442) .
ثالثاً:
ويجب على الزوج أن يتقي الله في امرأته، وأن لا يكلفها فوق طاقتها، إذ كثير من الرجال يشغلون نساءهم نهاراً بالطبخ، وليلاً بالحلويات، فتضيع الأيام والليالي على المرأة، فلا تحسن استغلال نهار صومها بطاعة، ولا ليله بعبادة، ومن حق الزوجة على زوجها أن يكون لها نصيب من عبادات هذا الشهر وطاعاته، فلا يمنعها من قراءة القرآن، ولا من قيام الليل، وأن يكون ذلك بتنسيق بينهما لئلا يحصل تعارض بين حقه وطاعة ربها وعبادته، وهذا – طبعاً – في عبادات النوافل، أما الفرائض فليس للزوج منعها منها.
وقد كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم مع نسائه هو حثهن على الطاعة والعبادة، وخاصة في العشر الأواخر من رمضان.
فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ , وَأَحْيَا لَيْلَهُ , وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ) رواه البخاري (1920) ومسلم (1174) .
وإذا عرف كل واحد من الزوجين ما له وما عليه استراحا من الشقاق والنزاع غالباً , وإذا علما أن مثل هذه المناسبة قد لا تتكرر في حياتهما إلا قليلاً زاد ذلك من حرصهما على استغلال أيام رمضان ولياليه أحسن استغلال.
ونسأل الله تبارك وتعالى أن يؤلف بين قلوبكما، وأن يعينكما على طاعته وحسن عبادته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3569)
رجل جامع زوجته في نهار رمضان بدون إنزال
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل جامع زوجته بدون إنزال في نهار رمضان فما الحكم؟ وماذا على الزوجة إذا كانت جاهلة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المجامع في نهار رمضان وهو صائم مقيم عليه كفّارة مغلّظة، وهي عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً.
والمرأة مثله إذا كانت راضية. وإن كانت مكرهة فليس عليها شيء. وإن كانا مسافرين فلا إثم ولا كفارة ولا إمساك بقيّة اليوم، وإنما عليهما قضاء ذلك اليوم، لأن الصوم ليس بلازم لهما، وكذلك من أفطر لضرورة كإنقاذ معصوم من هلكة سيقع فيها، فإن جامع ذلك اليوم الذي أفطر فيه لضرورة فلا شيء عليه، لأنه لم ينتهك صوماً واجباً.
والمجامع الصائم في بلده ممن يلزمه الصوم يترتب عليه خمسة أشياء:
1- الإثم. 2- فساد الصوم. 3- لزوم الإمساك. 4- وجوب القضاء.
5 – وجوب الكفارة.
ودليل الكفارة ما جاء في حديث أبي هريرة في الرجل الذي جامع أهله في نهار رمضان، وهذا الرجل لم يستطع الصوم ولا الإطعام، تسقط عنه الكفارة، لأن الله لا يكلّف نفساً إلا وسعها، ولا واجب مع العجز، ولا فرق بين أن يُنزل أو لا يُنزل ما دام الجماع قد حصل بخلاف ما لو حدث إنزال بدون جماع فليس فيه كفارة، وإنما فيه الإثم ولزوم الإمساك والقضاء.
[الْمَصْدَرُ]
الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة ج/1 ص/348.(5/3570)
معانقة الرجل زوجته وهو صائم
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت منذ مدة قصيرة، وأريد أن أستوضح عن أمر شغل بالي. ففي هذا الشهر المبارك، شهر رمضان، وبعد أن أكون قد أمسكت، فأنا أعود إلى السرير، حيث تكون زوجتي هي الأخرى مستلقية عليه في بعض الأوقات. وأنا أعانقها أحيانا، فهل يعني ذلك أن صومي فسد؟ هلا سلطت لي بعض الضوء حول الأمور التي يجوز لي فعلها وتلك التي يحرم علي فعلها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب على المسلم أن يحفظ صومه مما يُفسده، وأن يحتسب الأجر في ترك الشهوة من الطعام والشراب والنكاح، كما جاء في الحديث في فضل الصائم (يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي) رواه البخاري (الصوم/1761) ، ولكن لو كان يملك نفسه ويسيطر عليها ولا يَنْزَلِقُ إلى ما يُسبب فساد صومه بخروج المنيِّ أو الجِماع، أو يُنقص صومه بخروج المذي فإنه يجوز له مداعبة زوجته في هذه الحالة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يداعب عائشة رضي الله عنه وكان يملك إربه (إي شهوته)
قال الشيخ عبد العزيز بن باز:
تقبيل الرجل امرأته ومداعبته لها ومباشرته لها بغير الجماع وهو صائم، كل ذلك جائز ولا حرج فيه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبِّل وهو صائم ويباشر وهو صائم. لكن إن خشي الوقوع فيما حرم الله عليه لكونه سريع الشهوة، كره له ذلك، فإن أمنى لزمه الإمساك والقضاء ولا كفارة عليه عند جمهور أهل العلم. أما المذي فلا يفسد به الصوم في أصح قولي العلماء، لأن الأصل السلامة وعدم بطلان الصوم، ولأنه يشق التحرز منه والله ولي التوفيق.
فتاوى الشيخ ابن باز ج/4 ص/202
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/3571)
جامع زوجته وهي تقضي من رمضان فماذا يترتب عليهما؟
[السُّؤَالُ]
ـ[جامعت زوجتي قبل رمضان وكانت تقضي بعض الأيام من شهر رمضان السابق، ولم تتمكن من قضاء جميع الأيام.
ملاحظة: استأذنتني بالصيام وأذنت لها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يجوز لمن شرع في صوم واجب كقضاء رمضان أو كفارة يمين أن يفطر إلا من عذر، كمرض أو سفر.
فإن أفطر - بعذر أو من غير عذر- بقي الصوم في ذمته، فعليه أن يصوم يوما واحدا مكان اليوم الذي أفسده.
فإن كان فطره من غير عذر وجب عليه – مع الصيام - التوبة إلى الله من هذا الفعل المحرم.
وليس على زوجتك كفارة، لأن الكفارة لا تجب إلا بالجماع في نهار رمضان فقط.
وقد سبق بيان هذا في جواب السؤال (49985) فلينظر.
ثانياً:
وقد أسأت بإفساد صيام زوجتك، لأن الزوجة إذا صامت قضاء رمضان بإذن زوجها لم يكن له إفساد صيامها.
فعليكما التوبة إلى الله، والندم على الفعل، والعزم على عدم العود، فإن كنت أجبرتها فلا إثم عليها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3572)
حكم من أتى زوجته في دبرها في نهار رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[في رمضان كنت حديث عهد بعرس، وكنت لا أصبر عن زوجتي، وكنت أستمتع بها في نهار رمضان من غير جماع، وأحسست مع فورة حماسي أنني أدخلته بالدبر وأنزلت. فما الحكم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إتيان الزوجة في دبرها كبيرة من كبائر الذنوب، بل قرنه النبي صلى الله عليه وسلم بإتيان الكهّان، وسمّاه كُفراً، فقال عليه الصلاة والسلام: (مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوْ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا أَوْ كَاهِنًا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) . رواه الترمذي (135) وأبو داود (3904) وابن ماجه (639) . والحديث: صححه الشيخ الألباني في " صحيح الترغيب " (2433) .
ولعن النبي صلى الله عليه وسلم من أتى امرأة في دبرها فقال: (مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا) . رواه أبو داود (2162) . والحديث: صححه الشيخ الألباني في " صحيح الترغيب " (2432) .
ففي هذه الأحاديث بيان تحريم إتيان المرأة في دبرها، وهذا الفعل مناقض للفطرة، موجب لسخط الله وغضبه، ثم هو سبب للأمراض.
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
عما يجب على من وطئ زوجته في دبرها؟ وهل أباحه أحد من العلماء؟
فأجاب:
الحمد لله رب العالمين، الوطء في الدبر حرام في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى ذلك عامة أئمة المسلمين، من الصحابة، والتابعين، وغيرهم؛ فإن الله قال في كتابه: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ) ، وقد ثبت في الصحيح: أن اليهود كانوا يقولون: إذا أتى الرجل امرأته في قُبلها من دبرها جاء الولد أحول، فسأل المسلمون عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله هذه الآية: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ) ، والحرث: موضع الزرع، والولد إنما يزرع في الفرج؛ لا في الدبر ... .
" مجموع الفتاوى " (32 / 267) .
وانظر جواب السؤال رقم: (1103) ففيه بيان حكم إتيان المرأة في دبرها والآثار النفسية والبدنية السيئة.
وانظر جواب السؤال رقم: (6792) ففيه بيان الحكم بأدلته.
وقد سبق في جواب السؤال رقم: (49614) بيان أن للزوج أن يستمتع بزوجه وهو صائم، ما لم يجامع أو ينزل، وأن الجماع في الفرج للزوجة محرم في نهار رمضان، فكيف إذا كان جماعاً في الدبر مع الإنزال؟!
ثانياً:
وأما ما يترتب على صيامك الذي فعلتَ فيه فعلتك: فإن فساد الصوم لا شك فيه، ولزم معه الإمساك عن الطعام والشراب، وقد أوجب جمهور أهل العلم القضاء والكفارة على من أولج في دبر امرأته، أنزل أم لم ينزل.
وهذا الحكم تشترك فيه زوجتك معك، فعليها القضاء والكفارة؛ لأنه يظهر أنها كانت مطاوعة لك.
قال ابن قدامة:
ولا فرق بين كون الفرج قُبُلاً أو دبُراً من ذكر أو أنثى، وبه قال الشافعي. . . لأنه أفسد صوم رمضان بجماع فأوجب الكفارة كالوطء.
انتهى من " المغني " (3/27) باختصار.
وفي جواب السؤال رقم: (38023) :
" فمن جامع في نهار رمضان عامداً مختاراً بأن يلتقي الختانان، وتغيب الحشفة في أحد السبيلين: فقد أفسد صومه، أنزل أو لم يُنزل، وعليه التوبة، وإتمام ذلك اليوم، والقضاء والكفارة المغلظة ".
وعلى المسلم أن يحرص على تقوى الله تعالى، واجتناب حرماته، لاسيما في هذا الشهر، الذي شرع الله صيامه من أجل تحقيق التقوى، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة/183.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3573)
حكم جماع الزوجة في رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز نكاح الزوجة في شهر رمضان؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الظاهر أن مراد السائل بالنكاح الجماع.
وجماع الزوجة في رمضان له حالان، إما أن يكون ليلاً، وإما أن يكون نهاراً.
أما الجماع في الليل فمباح، (والليل من أول غروب الشمس إلى طلوع الفجر) .
وقد كان الحكم في أول الإسلام إباحة الجماع في ليالي رمضان ما لم ينم، فإذا نام حرم عليه الجماع، ولو استيقظ قبل طلوع الفجر، ثم خفف الله تعالى هذا الحكم وأباح الجماع في ليالي رمضان مطلقاً، وقد دل على ذلك قول الله تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) البقرة/187.
قال السعدي (ص 87) :
" كان في أول فرض الصيام، يحرم على المسلمين في الليل بعد النوم الأكل والشرب والجماع، فحصلت المشقة لبعضه م، فخفف الله تعالى عنهم ذلك، وأباح في ليالي الصيام كلها الأكل والشرب والجماع، سواء نام أو لم ينم، لكونهم يختانون أنفسهم بترك بعض ما أمروا به.
{فتاب} الله {عليكم} بأن وسع لكم أمرا كان ـ لولا توسعته ـ موجبا للإثم {وعفا عنكم} ما سلف
{فالآن} بعد هذه الرخصة والسعة من الله {باشروهن} وطأ وقبلة ولمسا وغير ذلك.
{وابتغوا ما كتب الله لكم} أي: انووا في مباشرتكم لزوجاتكم التقرب إلى الله تعالى والمقصود الأعظم من الوطء، وهو حصول الذرية وإعفاف فرجه وفرج زوجته، وحصول مقاصد النكاح " اهـ.
وقال الجصاص في "أحكام القرآن" (1/265) :
فَأَبَاحَ الْجِمَاعَ وَالأَكْلَ وَالشُّرْبَ فِي لَيَالِي الصَّوْمِ مِنْ أَوَّلِهَا إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ"اهـ.
وروى البخاري (4508) عن الْبَرَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا نَزَلَ صَوْمُ رَمَضَانَ كَانُوا لا يَقْرَبُونَ النِّسَاءَ رَمَضَانَ كُلَّهُ وَكَانَ رِجَالٌ يَخُونُونَ أَنْفُسَهُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ.
قال الحافظ:
قَوْله: (لَمَّا نَزَلَ صَوْم رَمَضَان كَانُوا لا يَقْرَبُونَ النِّسَاء) ظَاهِر سِيَاق الحَدِيث أَنَّ الْجِمَاع كَانَ مَمْنُوعًا فِي جَمِيع اللَّيْل وَالنَّهَار , بِخِلَافِ الأَكْل وَالشُّرْب فَكَانَ مَأْذُونًا فِيهِ لَيْلا مَا لَمْ يَحْصُل النَّوْم , لَكِنْ بَقِيَّة الأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي هَذَا الْمَعْنَى تَدُلّ عَلَى عَدَم الْفَرْق, فَيُحْمَل قَوْله " كَانُوا لا يَقْرَبُونَ النِّسَاء " عَلَى الْغَالِب جَمْعًا بَيْن الأَخْبَار اهـ باختصار.
ومعنى: {تَخْتَانُونَ أَنْفُسكُمْ} : أي: تُجَامِعُونَ النِّسَاء وَتَأْكُلُونَ وَتَشْرَبُونَ فِي الْوَقْت الَّذِي كَانَ حَرَامًا عَلَيْكُمْ. ذَكَرَهُ الطَّبَرِيُّ. وعَنْ مُجَاهِد: {تَخْتَانُونَ أَنْفُسكُمْ} قَالَ: تَظْلِمُونَ أَنْفُسكُمْ اهـ من عون المعبود.
وأما الجماع في نهار رمضان ممن يجب عليه الصوم، فقد أجمع العلماء على تحريمه وأنه من مفسدات الصيام.
قال في المغني (4/372) :
" لا نَعْلَمُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا , فِي أَنَّ مَنْ جَامَعَ فِي الْفَرْجِ فَأَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ , أَوْ دُونَ الْفَرْجِ فَأَنْزَلَ , أَنَّهُ يَفْسُدُ صَوْمُهُ إذَا كَانَ عَامِدًا , وَقَدْ دَلَّتْ الأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ عَلَى ذَلِكَ" اهـ.
بل الجماع أعظم مفسدات الصيام، فإنه تجب فيه الكفارة.
روى البخاري (2600) ومسلم (1111) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ هَلَكْتُ فَقَالَ وَمَا ذَاكَ قَالَ وَقَعْتُ بِأَهْلِي فِي رَمَضَانَ قَالَ تَجِدُ رَقَبَةً قَالَ لا قَالَ فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قَالَ لا قَالَ فَتَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا قَالَ لا قَالَ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ بِعَرَقٍ وَالْعَرَقُ الْمِكْتَلُ فِيهِ تَمْرٌ فَقَالَ اذْهَبْ بِهَذَا فَتَصَدَّقْ بِهِ قَالَ عَلَى أَحْوَجَ مِنَّا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا بَيْنَ لابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ مِنَّا قَالَ اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ
ولمعرفة ما يترتب على الجماع في نهار رمضان يراجع السؤال رقم (49614) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3574)
يريد الزوجان القيام بعملية التلقيح الصناعي في رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجنا منذ مدة، ولم يرزقنا الله بأطفال حتى الآن سوف نقوم بعملية التلقيح الصناعي، ولكن الميعاد المناسب لهذه العملية سوف يكون إن شاء الله فى شهر رمضان المبارك، وذلك على حسب ميعاد التبويض وهذا سوف يضطرني أنا وزوجي أن نكون على غير طهارة ونفطر في رمضان، فلا أدري ماذا أفعل، وهل الله سوف يغفر لنا حيث إننا مضطرون لذلك؟ وهل هناك كفارة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: ننبه إلى أن التلقيح الصناعي فيه مفاسد متعددة، وقد ثبتَ عن كثير من الأطباء أنهم يقومون عن عمد بتغيير ماء الرجل بماء آخر؛ وذلك عن خبث نفسي أو لجزمه بعدم صلاحية مائه للإنجاب فيؤديه طمعه في المال لهذا.
وثبت في كثير من المستشفيات وقوع أخطاء في تبديل العينات، ومن هنا شدَّد العلماء في هذا الأمر ولم يجيزوه في حال حفظ العينات وتأخير وضع الماء في رحم المرأة، ومنعه آخرون مطلقاً لما تعتري هذه الطريقة من احتمال الخطأ وهو ما يؤدي إلى اختلاط الأنساب والوقوع في محاذير ومفاسد متعددة.
ثانياً:
ليس هذا الفحص من باب الضرورة حتى يتسبب الرجل في فطره وفطر زوجته، فيمكن تأجيل ذلك إلى الليل أو إلى ما بعد شهر رمضان.
فالذي ينصح به هو الصبر على قدر الله تعالى والأخذ بالأسباب الشرعية للإنجاب، وفي حال إصراركم على التلقيح الصناعي فلا بد من أخذ أشد الاحتياطات من مراقبة العينة وإدخالها مباشرة في رحم المرأة من طبيبة موثوق في دينها، وأن يتجنب نهار رمضان لعدم الاضطرار إلى ذلك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3575)
يريد من زوجته أن تفطر وتقضي من غير عذر
[السُّؤَالُ]
ـ[شاءت الأقدار أن يكون الأسبوع الأول من رمضان هو أسبوع زواجي وزوجي لا يستطيع أن يسيطر على رغباته وأنا لا أريد أن أفطر، زوجي يقول لي أنه لا ضرر إن أفطرت يوما وأقضيه بعد ذلك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
قول شاءت الأقدار غير صحيح، لأن الذي يشاء هو الله الواحد القهار سبحانه وتعالى.
وقد تقدم بيان ذلك في إجابة السؤال رقم (8621) .
ثانياً:
الإفطار في رمضان من غير عذر من أكبر الكبائر، ويكون فاعله فاسقاً، ويجب عليه التوبة إلى الله تعالى من هذه المعصية الكبيرة.
وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم الوعيد الشديد فيمن أفطر من رمضان من غير عذر.
روى الحاكم أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى عذاب من يفطر في رمضان بغير عذر فقال: فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم، مشققة أشداقهم، تسيل أشداقهم دما. قلت: من هؤلاء؟! قال: هؤلاء الذين يفطرون قبل تَحِلَّة صومهم. صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (3951) .
فعلى هذا يجب على هذا الزوج أن يتقي الله تعالى ولا يتهاون في أمر الصيام، فإن الأمر خطير.
وعليك أن لا تطيعه في هذا الأمر فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
والفطر في رمضان وقضاء الصيام إنما شُرع لمن أفطر بعذر كالمرض والسفر وما أشبه ذلك، أما إفطار المسلم في رمضان من غير عذر فإنه يعرض نفسه لغضب الله تعالى وعذابه، نسأل الله السلامة والعافية.
راجع السؤال رقم (38747) .
ثالثاً:
الجماع من مفسدات الصيام، بل هو أعظمها إثماً، ولهذا وجبت فيه الكفارة.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في فتاوى الصيام (ص337) :
المجامع في نهار رمضان وهو صائم مقيم (أي غير مسافر) عليه كفارة مغلظة , وهي عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا، والمرأة مثله إذا كانت راضية، وإن كانت مكرهة فليس عليها شيء، وإن كانا مسافرين فلا إثم، ولا كفارة، ولا إمساك بقية اليوم، وإنما عليهما قضاء ذلك اليوم، لأن الصوم ليس بلازم لهما.
والمجامع الصائم في بلده ممن يلزمه الصوم يترتب عليه خمسة أشياء:
أولا: الإثم.
ثانيا: فساد الصوم.
ثالثا: لزوم الإمساك.
رابعا: وجوب القضاء.
خامسا: وجوب الكفارة، ودليل الكفارة ما جاء في حديث أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْتُ قَالَ مَا لَكَ قَالَ وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي وَأَنَا صَائِمٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا قَالَ لا قَالَ فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قَالَ لا فَقَالَ فَهَلْ تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا قَالَ لا قَالَ فَمَكَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَقٍ فِيهَا تَمْرٌ وَالْعَرَقُ الْمِكْتَلُ قَالَ أَيْنَ السَّائِلُ فَقَالَ أَنَا قَالَ خُذْهَا فَتَصَدَّقْ بِهِ فَقَالَ الرَّجُلُ أَعَلَى أَفْقَرَ مِنِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَوَاللَّهِ مَا بَيْنَ لابَتَيْهَا يُرِيدُ الْحَرَّتَيْنِ أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ ثُمَّ قَالَ أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ. رواه البخاري (1936) ومسلم (1111)
وهذا الرجل إن لم يستطع الصوم ولا الإطعام تسقط عنه الكفارة؛ لأن الله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها، ولا واجب مع العجز، ولا فرق بين أن ينزل أو لا ينزل ما دام الجماع قد حصل، بخلاف ما لو حدث إنزال بدون جماع، فليس فيه كفارة، وإنما فيه الإثم ولزوم الإمساك والقضاء اهـ.
وسئل أيضاً: عن رجل يجبر زوجته على الجماع في نهار رمضان؟
فأجاب:
يحرم عليها أن تطيع زوجها أو تمكنه من ذلك في هذه الحال، لأنها في صيام مفروض وعليها أن تدافعه بقدر الإمكان، ويحرم على زوجها أن يجامعها في هذه الحال وإذا كانت لا تستطيع أن تتخلص منه فإنه ليس عليها شيء لا قضاء ولا كفارة لأنها مكرهة اهـ. فتاوى الصيام (ص 339) .
والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3576)
هل تجب الكفارة بالجماع في قضاء رمضان؟
[السُّؤَالُ]
ـ[جامعني زوجي يوما وأنا صائمة صوم قضاء. هل علي شيء؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قضاء رمضان من الصيام الواجب، الذي لا يجوز للإنسان أن يبطله إلا لضرورة، فإذا دخل الإنسان في قضاء، فإنه يلزمه أن يتمه، ولا يجوز له الفطر إلا لعذر شرعي.
وقد ثبت عن أم هانئ رضي الله عنها أنها قالت: (يا رسول الله لقد أفطرت وكنت صائمة؟ فقال لها: أكنت تقضين شيئا، قالت لا، قال: فلا يضرك إن كان تطوعا) رواه أبو داود برقم (2456) ، وصححه الألباني، وهذا يدل على أنه يضرها إن أفطرت في صيام واجب، والضرر هنا هو الإثم.
أما ما حصل بينكما، فإن كفارة الجماع لا تجب إلا بإبطال صيام رمضان نفسه، وعليه فلا يلزمك شيء، إلا إعادة قضاء ذلك اليوم من رمضان، مع التوبة إلى الله عز وجل، والعزم على عدم العودة إلى مثل ذلك.
قال ابن رشد: " واتفق الجمهور: على أنه ليس في الفطر عمدا في قضاء رمضان كفارة لأنه ليس له حرمة زمان الأداء أعني: رمضان " بداية المجتهد 2/80
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن امرأة أفطرت في قضاء رمضان، مجاملة لضيفوها، فأجاب: " هذا القضاء إذا كان قضاء عن واجب كقضاء رمضان، فإنه لا يجوز لأحد أن يفطر إلا لضرورة، وأما فطره لنزول الضيف به فإنه حرام؛ ولا يجوز؛ لأن القاعدة الشرعية: (أن كل من شرع (أي بدأ) في واجب فإنه يجب عليه إتمامه إلا لعذر شرعي) ، وأما إذا كان قضاء نفل فإنه لا يلزمها أن تتمه؛ لأنه ليس بواجب.
فعلى هذا إذا كان الإنسان صائما صيام نفل وحصل له ما يقتضي الفطر فإنه يفطر، وهذا هو الذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى الله عليه وسلم جاء إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فقال (هل عندكم شيء؟) فقالت: أهدي لنا حيس فقال: (فأرينيه فلقد أصبحت صائما) . فأكل منه صلى الله عليه وسلم، وهذا في النفل، وليس في الفرض. " انتهى من مجموع الفتاوى 20.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3577)
احتال على الجماع في نهار رمضان بالفطر قبله
[السُّؤَالُ]
ـ[سافرت لبلدي في إجازة لمدة أسبوع وقبل السفر بيوم اتصلت على زوجتي وطلبت منها أن لا تصوم يوم وصولي لأنني أريد أن أجامعها حال وصولي للبيت لأنني قليل الصبر، أطاعتني ولم تصم وحصل بيننا جماع في النهار، كلانا لم يصم فهل اقترفنا ذنباً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن كان ما حصل بينكما في شهر غير رمضان، فلا حرج فيه، لأن صيام النفل لا يلزم إتمامه، حتى وإن شرع المسلم فيه، فإن له أن يخرج منه على الصحيح.
أما إن كان ما حصل في شهر رمضان، فهو إثم عظيم، إذ كيف يتهاون الإنسان في ترك صيام يوم بدون عذر ولا سبب معتبر شرعا، بل يتحيل على محارم الله بهذه الطريقة.
وبناء على هذا، فإن كان ما حصل في شهر رمضان، فعلى تفصيل:
أولا: إن وصلت قبل أذان الفجر، فإنه يلزمك صيام ذلك اليوم، ما دام سفرك قد انقطع برجوعك إلى بلدك، فإن تعمدت الإفطار، وأفطرت زوجتك معك، لأجل أن تجامعها، فإنكما تأثمان، ويلزمكما القضاء، والكفارة المغلظة في حال الجماع، على كل واحد منكما.
ثانيا: إن وصلت في أثناء اليوم، فالصحيح أن المسافر إذا قدم مفطرا، لم يلزمه إمساك ذلك اليوم، لأنه لا يجمع عليه وجوب الإمساك ووجوب القضاء، وهذا القول رواية عن الإمام أحمد، وهو مذهب الشافعية [انظر شرح المشيقح على زاد المستقنع 4 / 282 - 285] ، لكن تأثم أنت بأمرها بالإفطار، وتأثم هي أيضا بطاعتها لك، وإن لم تصم لأجل أن تجامعها، فعليها القضاء، وعليها هي وحدها الكفارة المغلظة بسبب ما حصل من جماع، وقد سبق بيانها في الأسئلة رقم (38023، 22938، 1672)
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن رجل أراد أن يواقع زوجته في شهر رمضان بالنهار، فأفطر بالأكل قبل أن يجامع، ثم جامع، فهل عليه كفارة أم لا؟ وما على الذي يفطر من غير عذر؟
فأجاب: الحمد لله. هذه المسألة فيها قولان للعلماء مشهوران: أحدهما: تجب، وهو قول جمهورهم: كمالك وأحمد وأبي حنيفة وغيرهم. والثاني: لا تجب، وهو مذهب الشافعي.... ثم تنازعوا هل يشترط الفطر من الصوم الصحيح (أي لوجوب الكفارة المغلظة) ؟ فالشافعي وغيره يشترط ذلك، فلو أكل ثم جامع، أو أصبح غير ناو للصوم ثم جامع، أو جامع وكفر ثم جامع: لم يكن عليه كفارة (أي عند الشافعي) ; لأنه لم يطأ في صوم صحيح. وأحمد في ظاهر مذهبه وغيره يقول: بل عليه كفارة في هذه الصور، ونحوها، لأنه وجب عليه الإمساك في شهر رمضان، فهو صوم فاسد، فأشبه الإحرام الفاسد. وكما أن المحرم بالحج إذا أفسد إحرامه لزمه المضي فيه بالإمساك عن محظوراته، فإذا أتى منها شيئا كان عليه ما عليه في الإحرام الصحيح، وكذلك من وجب عليه صوم شهر رمضان إذا وجب عليه الإمساك فيه وصومه فاسد، لأكل أو جماع، أو عدم نية، فقد لزمه الإمساك عن محظورات الصيام. فإذا تناول شيئا منها كان عليه ما عليه في الصوم الصحيح. وفي كلا الموضعين عليه القضاء.
وذلك لأن هتك حرمة الشهر حاصلة في الموضعين، بل هي في هذا الموضع أشد، لأنه عاص بفطره أولا، فصار عاصيا مرتين، فكانت الكفارة عليه أوكد، ولأنه لو لم تجب الكفارة على مثل هذا لصار ذريعة إلى أن لا يُكفِّر أحد، فإنه لا يشاء أحد أن يجامع في رمضان إلا أمكنه أن يأكل، ثم يجامع بل ذلك أعون له على مقصوده، فيكون قبل الغداء عليه كفارة، وإذا تغدى هو وامرأته ثم جامعها فلا كفارة عليه، وهذا شنيع في الشريعة لا ترد بمثله.
والله أعلم. [الفتاوى الكبرى 2 / 471،ومجموع الفتاوى25/260 وانظر المجموع 6 / 321] .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3578)
داعب زوجته حتى أنزل
[السُّؤَالُ]
ـ[داعبت زوجتي في نهار رمضان - ونحن صائمون - حتى حصل عندي إنزال " مني " والله أعلم أحصل عندها أم لا! لكني أشعر بتأنيب شديد، وألم يعتصر قلبي لإحساسي بأننا قد أتينا جرما عظيما.
فهل - فعلا - علينا وزر؟ وإن كان فما الكفارة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لقد ارتكبت ذنباً بمداعبتك زوجتك حتى الإنزال، لأنك بفعلك قد أبطلت صومك، وانتهكت حرمة هذا الشهر المعظم، وفاتك أجر الصيام الذي قال الله عنه: (يدع شهوته وطعامه من أجلي) رواه البخاري 1761.
وندمك على هذا الفعل الذي صدر منك توبة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الندم توبة) رواه أحمد (3558) وابن ماجه (4252) ، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (3429) .
وبما أنك أنزلت فقد فسد صومك لهذا اليوم الذي أنزلت فيه، فعليك أن تُمسك بقية اليوم إلى غروب الشمس، وعليك أن تقضي يوماً مكانه.
أما الكفارة فإن كنت قد جامعت زوجتك فعليك الكفارة المغلظة وهي عتق رقبة، فإن لم تستطع فصيام شهرين متتابعين، فإن لم تستطع فإطعام ستين مسكينا. انظر السؤال (22938)
أما إن أنزلت بدون جماع فلا تلزمك الكفارة وإنما عليك القضاء فقط.
قال النووي رحمه الله: " إذا قبل أو باشر فيما دون الفرج بذكره أو لمس بشرة امرأة بيده أو غيرها فإن أنزل بطل صومه , وإلا فلا " المجموع 6/322.
قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله:
" إذا باشر (الرجل) زوجته سواء باشرها باليد، أو بالوجه بتقبيل، أو بالفرج (بدون جماع) فإنه إذا أنزل أفطر، وإذا لم ينزل فلا فطر بذلك." الشرح الممتع (6/388)
وهذا الحكم لك ولزوجتك فإن كانت قد أنزلت من هذه المداعبة فقد فسد صومها، وعليها التوبة إلى الله وقضاء يوم آخر، وإن لم تنزل فلا شيء عليها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3579)
إذا سمع أذان الفجر وهو يجامع زوجته
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم إذا أذن الفجر والرجل يجامع زوجته؟ هل يكمل حتى يقضي وطره أم يقطع الجماع بمجرد سماع الأذان؟ أفتونا مأجورين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا طلع الفجر وهو يجامع زوجته فالواجب عليه الكف عن الجماع فوراً، وصيامه صحيح وليس عليه شيء. ولا يجوز له الاستمرار في الجماع بعد طلوع الفجر، فإن فعل ذلك فقد أفسد صومه، وعليها القضاء مع الكفارة.
والكفارة هي عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً. راجع السؤال (1672) .
لكن هذا في طلوع الفجر أما أذان المؤذن:
فإن كان المؤذن يؤذن مع طلوع الفجر فالواجب الكف عن الجماع بمجرد سماع الأذان، فإن لم يفعل فعليه القضاء مع الكفارة كما سبق.
وإن كان المؤذن يؤذن قبل طلوع الفجر، كما يجتهد بعض المؤذنين اجتهاداً خاطئاً ويفعلون ذلك احتياطاً للصيام في زعمهم، فيجوز الاستمرار في الجماع حتى يتيقن طلوع الفجر.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله هذا السؤال:
إذا شرب الصائم بعد سماعه أذان الفجر فهل يصح صومه؟
فأجاب:
إذا شرب الصائم بعد سماعه أذان الفجر فإن كان المؤذن يؤذن بعد أن تبين له الصبح فإنه لا يجوز للصائم أن يأكل أو يشرب بعده. وإن كان يؤذن قبل أن يتبين له الصبح فلا بأس بالأكل والشرب حتى يتبين الصبح لقول الله تعالى: (فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر) ولهذا ينبغي للمؤذنين أن يتحروا في أذان الصبح ولا يؤذنوا حتى يتبين لهم الصبح أو يتيقنوا طلوعه بالساعات المضبوطة لئلا يغروا الناس فيحرموهم مما أحل الله لهم ويحلوا لهم صلاة الصبح قبل وقتها وفي هذا من الخطر ما فيه اهـ
فتاوى إسلامية (1/122) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3580)
وطء السجين الصائم لزوجته في نهار رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[أود منك أن تخبرني عن: أن لنا أخوة هنا في البرازيل رجعوا إلى الإسلام (والحمد لله) منذ سنة مضت، وهم في السجن.
والسجين يستقبل زوجته خلال وقت الزيارة (الأحد) وينام معها من الساعة الحادية عشرة حتى الثانية.
السؤال الآن: هو ماذا إذا سيفعلون في رمضان؟ زوجاتهم غير مسلمات.
فضلاً هلا تكرمت بإخبارنا عن هذا السؤال مع الأخذ في الاعتبار استقامة المرأة خلال ثلاثين يوماً.
إنهم حديثو عهد بالإسلام، خاصة وأنه لا شيخ عندنا. شكراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا أجد هناك من حلّ الآن إلا مناشدة إدارة السّجن بتغيير الموعد ليكون بين المغرب والفجر وهو الوقت الذي يجوز فيه للمسلم شرعا أن يأتي زوجته.
ومهما كانت الاعتبارات فإنّه لا يجوز لمسلم - يجب عليه الصيام - أن يطأ زوجته في نهار رمضان، والجماع في نهار رمضان أسوأ المفطّرات ويجب بوقوعه عتق رقبة مؤمنة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا مع التوبة وقضاء اليوم الذي وطئ فيه.
وأنتم عليكم التعليم والنصيحة بالحسنى فإن حصل بعد ذلك شيء فالتوبة والكفّارة، ولعلّ إدارة السّجن تستجيب للاقتراح المذكور خصوصا إذا كانوا يقدّرون الحقوق الشخصية والحرّيات الدينية.
وفّقكم الله لكلّ خير وأثابكم على جهودكم، ونسأل الله الثبات لإخواننا المسلمين المساجين والهداية لزوجاتهم، والله الهادي إلى سواء السبيل.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/3581)
يريد الدخول في الإسلام، لكنه لا يستطيع أن يتمنع عن القهوة في الصيام!
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أمرأة لدي صديق يرغب في اعتناق الإسلام، ولكن عندما علم أنه يجب أن يصوم، وأنه خلال الصيام يجب أن يمتنع عن الأكل والشرب أحجم عن ذلك، لأنه مدمن على القهوة ويشربها باستمرار، لكونه يعاني من الشقيقة والصداع؛ فهي بمثابة العلاج له. فكيف أستطيع أن أساعده؟ وهل لديكم أي مقترحات؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إن أعظم نعم الله على عبده، وهي ـ أيضا ـ علامة سعادته وفلاحه: أن يوفقه ربه للدين، ويشرح صدره للإيمان به، والاستسلام له. قال تعالى: (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) الأنعام/125.
قال الشيخ السعدي رحمه الله:
" يقول تعالى -مبينا لعباده علامة سعادة العبد وهدايته، وعلامة شقاوته وضلاله-: إن من انشرح صدره للإسلام، أي: اتسع وانفسح، فاستنار بنور الإيمان، وحيي بضوء اليقين، فاطمأنت بذلك نفسه، وأحب الخير، وطوعت له نفسه فعله، متلذذا به غير مستثقل، فإن هذا علامة على أن الله قد هداه، ومَنَّ عليه بالتوفيق وسلوك أقوم الطريق.
وإن علامة من يريد الله أن يضله، أن يجعل صدره ضيقا حرجا. أي: في غاية الضيق عن الإيمان والعلم واليقين، قد انغمس قلبه في الشبهات والشهوات، فلا يصل إليه خير، لا ينشرح قلبه لفعل الخير، كأنه من ضيقه وشدته يكاد يصعد في السماء، أي: كأنه يكلف الصعود إلى السماء، الذي لا حيلة له فيه.
وهذا سببه، عدم إيمانهم، هو الذي أوجب أن يجعل الله الرجس عليهم، لأنهم سدوا على أنفسهم باب الرحمة والإحسان، وهذا ميزان لا يعول، وطريق لا يتغير، فإن من أعطى واتقى، وصدق بالحسنى: يسره الله لليسرى، ومن بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسييسره للعسرى " انتهى. "تفسير السعدي" (272) .
فنسأل الله أن يهدي هذا السائل، وأن يشرح صدره للإسلام، وأن يرزقه الإنابة إليه، والخضوع لدينه.
ثانيا:
ليعلم أن صيام شهر رمضان ليس بالأمر الهين في دين الله، بل هو أحد أركان الإسلام الخمسة، وأحد المباني العظام التي ينبني عليها هذا الدين، كما في الحديث المعروف عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَصَوْمِ) .
رواه البخاري (8) ومسلم (16) .
وليعلم ـ أيضا ـ أن النطق بالشهادتين، والدخول في الإسلام يعني: أن يستسلم العبد بقلبه وجوارحه لرب العالمين، وأن يؤمن به وبما جاء من عنده، وأن يخضع لربه، ويقبل حكمه وأمره ونهيه، ويصدق خبره. قال الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا * فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) النساء/64-65.
قال ابن كثير رحمه الله:
" وقوله: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة: أنه لا يؤمن أحد حتى يُحَكم الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور، فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له باطنا وظاهرا؛ ولهذا قال: {ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} أي: إذا حكموك يطيعونك في بواطنهم، فلا يجدون في أنفسهم حرجا مما حكم به، وينقادون له في الظاهر والباطن، فيسلمون لذلك تسليما كليا من غير ممانعة ولا مدافعة ولا منازعة " انتهى. "تفسير ابن كثير" (2/349) .
والآيات في تقرير هذا الأصل، وتوضيح هذا المعنى كثيرة جدا في القرآن الكريم.
ثالثا:
إذا فهمنا هذا الأصل العظيم من أصول الإيمان، وهو الانقياد والقبول لكل ما جاء من عند الله تعالى، والاستسلام له باطنا وظاهرا، وعلمنا ـ أيضا ـ أن صوم رمضان ركن عظيم من أركان الإيمان، لا يصح لأحد إيمانه من غير أن يقبل به، كانت المهمة التالية في دعوة هذا الراغب في دين الله، أن نبين له أنه لا مشكلة أمامه تمنعه من الدخول في الإسلام، وأن الله تعالى ما جعل على عباده حرجا في دينهم، بل يسره عليهم، ورفع عنهم ما يوقعهم في الحرج والمشقة.
فإذا كان هذا الرجل يشرب القهوة لأجل ما يصيبه من الصداع والشقيقة، فبإمكانه أن يأخذ القسط الكافي من ذلك في أثناء الليل، حتى إذا بدأ الصيام في النهار: امتنع عن ذلك حتى غروب الشمس، وبإمكانه أيضا أن يستعين بالأدوية المساعدة على الشفاء من صداعه، أو تخفيف آثاره.
على أنه من المعلوم أن المريض الذي يشعر بمرضه أثناء النهار، ويتأثر مرضه بالصوم، من المعلوم أن مثل هذا معذور في دين الله، فإذا أصابه الصداع، واحتاج إلى الدواء، ولم يستطع الصوم ذلك: أمكنه أن يفطر ذلك اليوم، ثم إذا انتهى الشهر يقضي ما أفطره من الأيام بعذر المرض، كما قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) البقرة/183-184.
وأما إذا كان الرجل راغبا في شرب القهوة، محبا له، لا يريد أن يترك شهوته لها، ورغبته فيها أثناء النهار، شهرا واحدا في كل سنة: فهذا ليس مستعدا لأن يؤمن ويستسلم، ولا أن يلتزم التزاما حقيقيا بالدين، لا دين الإسلام ولا غيره، لأن الدين، أي دين، يتطلب من صاحبه قدرا من الخضوع والاستسلام، وترك رغبات النفس وشهواتها. وهنا يأتي المحك، وهنا ـ أيضا ـ تأتي العقبة التي يفشل كثير من الناس في تجاوزها: عقبة الهوى، ومخالفة ما تشتهيه النفس، وهو الأمر الذي ذكره الله في كتابه لنبيه فقال: (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا) الفرقان/43.
رابعا:
إن الله عز وجل أرحم بعباده من الوالدة بولدها، ومتى أقبل العبد على ربه أقبل الله عليه أكثر مما فعل هو، كما في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي إِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ هُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ وَإِنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً)
رواه البخاري (7405) ومسلم (2675) .
فكن على ثقة ـ يا عبد الله ـ أنك متى أقبلت على الله بصدق، أقبل الله عليك، وجبر كسرك، ويسر لك أمرك، وشرح صدرك، وكفاك شر ما أهمك، وأعانك من حيث لا تحتسب، فلعل الله أن يشفيك من دائك، ولعله أن يغنيك ويصرف عنك ذلك الإدمان لما تشربه، فأقبل على الله، وأحسن الظن بربك، وألق عليه حاجتك، لكن شريطة أن تكون جادا في الانقياد لأمر الله، والقبول لما جاء من عنده. قال الله تعالى: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى) الشمس/5-7.
خامسا:
ليُعلم أنه متى صدق العبد في إيمانه بربه، ثم عجز عن بعض التكاليف، أو غلبته نفسه وشهوته، فوقع في معصية، أن المعصية ليست نهاية الطريق، بل باب التوبة والإنابة إلى ربه مفتوح، ثم هو ـ على معصيته ـ في محل العفو من الله، والرجاء بالتجاوز عن ذنبه وزلته، لكن المشكلة التي لا حل لها هي أن يبقى على شركه وإعراضه عن دين ربه. قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا) النساء/48.
سادسا:
من المهم أن ننتبه إلى أنه ليس من المقبول أن تكون هناك علاقة صداقة بين الرجل والمرأة في الإسلام، بل ذلك من أعمال الجاهلية التي يتنزه المسلم عنها، بل منع الإسلام من مخالطة الرجال للنساء، والدخول عليهن، والخلوة بهن.
وقد سبق بيان ذلك في أجوبة عديدة في قسم " العلاقات بين الجنسين " من الموقع، فلتراجع هناك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3582)
هل يجب الصيام على أصحاب المناطق الحارة جداًّ مع صعوبته عليهم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[في منطقة الصحراء الكبرى، قد يحل شهر رمضان على الناس في فصل الصيف ويصعب عليهم الصيام، وقد يكون عليهم مستحيلاً ويستمر ذلك لعدة سنوات، كيف يصوم هؤلاء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا دخل شهر رمضان وجب على كل مسلم مكلف مقيم صحيح أن يصومه، قال تعالى: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) البقرة/185.
فيجب الصيام ولو كان الوقت حاراً؛ لأن صوم رمضان ركن من أركان الإسلام، ومن صام ثم أصيب بعطش شديد خشي معه الهلاك فإنه يفطر بتناول ما يبقي على حياته، ثم يمسك ويقضي هذا اليوم في وقت آخر. والله أعلم.
وبالله التوفيق، وصلى الله علي نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز. الشيخ عبد الله بن غديان. صالح الفوزان. الشيخ عبد العزيز آل الشيخ. الشيخ بكر أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الثانية" (9/145) .
[الْمَصْدَرُ]
"فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الثانية" (9/145)(5/3583)
الصيام ليس من خصائص هذه الأمة
[السُّؤَالُ]
ـ[شهر رمضان هل هو من خصائص هذه الأمة أم هو عند الأمم السابقة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة/183، دلت هذه الآية الكريمة على أن الصيام عبادة قديمة فرضت على من قبلنا كما فرضت علينا، ولكن هل هم متقيدون بالصيام في رمضان أم في غيره؟ هذا لا أعلم فيه نصا عن النبي صلى الله عليه وسلم" انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (15/7) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3584)
هل من مات في رمضان يدخل الجنة بغير حساب؟
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين) فهل معنى ذلك أن من يموت في رمضان يدخل الجنة بغير حساب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"ليس الأمر كذلك، بل معنى هذا أن أبواب الجنة تفتح تنشيطاً للعاملين، ليتسنى لهم الدخول، وتغلق أبواب النار، لأجل انكفاف أهل الإيمان عن المعاصي، حتى لا يلجوا هذه الأبواب، وليس معنى ذلك أن من مات في رمضان يدخل الجنة بغير حساب، إنما الذين يدخلون الجنة بغير حساب هم الذين وصفهم الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: (هم الذين لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون) مع قيامهم بما يجب عليهم من الأعمال الصالحة" انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
"فتاوى إسلامية" (2/162) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3585)
هل يلزمه قضاء ما مضى من رمضان قبل إسلامه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يلزمه قضاء الأيام التي مضت من الشهر قبل إسلامه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا يلزمه قضاء الأيام التي كانت قبل إسلامه، لأنه حين ذاك لا يوجه إليه الأمر بالصيام، فليس من أهل وجوب الصيام حتى يلزمه قضاؤه" انتهى.
فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
"الإجابات على أسئلة الجاليات" (1/8) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3586)
تصفيد الشياطين في رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[أود الاستفسار عن أننا نعرف أن شهر رمضان تقيد فيه الشياطين والعياذ بالله منهم ... كذلك أود الاستفسار عن هل السحرة عليهم لعنة من الله يعملون في هذا الشهر الكريم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، قد توسوس الشياطين للإنسان في رمضان، وقد يعمل السحرة في رمضان، ولكن ذلك بلا شك أقل منه في غير رمضان.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ، وَسُلْسِلَتْ الشَّيَاطِين) . رواه البخاري (3277) ومسلم (1079) . وعند النسائي (2106) (وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ) .
والمردة جمع مارد، وهو المتجرد للشر.
وهذا لا يعني أنه ينعدم تأثير الشياطين تماماً، بل يدل على أنهم يضعفون في رمضان ولا يقدرون فيه على ما يقدرون عليه في غير رمضان.
ويحتمل أن الذي يغل هو مردة الشياطين وليس كلهم.
قَالَ الْقُرْطُبِيّ: فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ نَرَى الشُّرُورَ وَالْمَعَاصِيَ وَاقِعَةً فِي رَمَضَان كَثِيرًا فَلَوْ صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ لَمْ يَقَعْ ذَلِكَ؟
فَالْجَوَابُ: أَنَّهَا إِنَّمَا تَقِلُّ عَنْ الصَّائِمِينَ الصَّوْم الَّذِي حُوفِظَ عَلَى شُرُوطِهِ وَرُوعِيَتْ آدَابُهُ.
أَوْ الْمُصَفَّد بَعْض الشَّيَاطِينِ وَهُمْ الْمَرَدَةُ لَا كُلُّهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ.
أَوْ الْمَقْصُودِ تَقْلِيل الشُّرُورِ فِيهِ وَهَذَا أَمْر مَحْسُوس فَإِنَّ وُقُوع ذَلِكَ فِيهِ أَقَلّ مِنْ غَيْرِهِ , إِذْ لا يَلْزَمُ مِنْ تَصْفِيد جَمِيعهمْ أَنْ لا يَقَعُ شَرّ وَلا مَعْصِيَة لأَنَّ لِذَلِكَ أَسْبَابًا غَيْر الشَّيَاطِينِ كَالنُّفُوسِ الْخَبِيثَةِ وَالْعَادَات الْقَبِيحَة وَالشَّيَاطِينِ الإِنْسِيَّة اهـ. من فتح الباري.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3587)
مَنْ كان مِنْ أهل الصيام دُعِيَ من باب الرَّيَّان
[السُّؤَالُ]
ـ[يخبرني زوجي عن باب الرضوان، والذي يُفتح خلال شهر رمضان فقط. وقد نمى إلى علمي أنه عندما يُفتح هذا الباب، فإن الله يصب الثراء من خلاله. هلا أكدت/وضحت هذه المقولة وأرشدتنا كي نلم بهذه المسألة بشكل أفضل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
فرض الله على المسلمين صيام شهر رمضان، ووعد بالأجر الجزيل للصائمين، ولما كان فضل الصيام عظيماً لم يعيِّن الله عز وجل أجره وإنما قال عز وجل – في الحديث القدسي -: (إلا الصوم فإنه لِي وأنا أجزي به) .
وفضائل شهر رمضان كثيرة، ومنها ما أعده الله للصائمين وهو باب " الريان "، وهكذا ورد اسمه في الحديث المتفق عليه من حديث سَهْلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ يُقَالُ أَيْنَ الصَّائِمُونَ فَيَقُومُونَ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ) البخاري (1763) ومسلم (1947) .
ومن الأحاديث التي تُبَيِّن أجر الصيام:
عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) رواه البخاري (الإيمان / 37)
عن أَبَي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ اللَّهُ: (كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلا يَصْخَبْ فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ
لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ) رواه البخاري (1771) .
ثانياً:
ومن المعلوم أن للجنة أبواباً كثيرة كما قال تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ} الرعد/23.
وقال سبحانه: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} الزمر/73.
وقد جاء في صحيح السنة أنها ثمانية أبواب:
عن سهل بن سعد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " في الجنة ثمانية أبواب فيها باب يسمى الريان لا يدخله إلا الصائمون ". رواه البخاري (3017) .
عن عبادة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه والجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة من أبواب الجنة الثمانية أيها شاء على ما كان من العمل ".رواه البخاري (3180) ومسلم (41) .
ومن فضل الله على هذه الأمة أنه سبحانه يفتح أبواب الجنة كلها في شهر رمضان، وليس باباً واحداً، ومن قال إن في الجنة باباً يقال له " باب الرضوان " فعليه الدليل.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين ". رواه البخاري (3035) ومسلم (1793) .
نسأل الله أن يجعلنا من الداخلين جنّات النعيم وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/3588)
جدول مقترح للمسلم في شهر رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[أولاً أهنئكم بدخول شهر رمضان الكريم، وأتمنى أن يتقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام.
وأتمنى أن أستغل هذه الفرصة بقدر ما أستطيع في العبادة وتحصيل الأجر، فأرجو منكم إعطائي برنامجاً مناسباً لي ولأُسرتي حتى نستغل الشهر بالخير والطاعة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تقبل الله من الجميع صالح القول والعمل، ورزقنا الإخلاص في السر والعلن.
وهذا جدول مقترح للمسلم في هذا الشهر المبارك:
يوم المسلم في رمضان:
يبدأ المسلم يومه بالسحور قبل صلاة الفجر , والأفضل أن يؤخر السحور إلى أقصى وقت ممكن من الليل.
ثم بعد ذلك يستعد المسلم لصلاة الفجر قبل الآذان , فيتوضأ في بيته , ويخرج إلى المسجد قبل الآذان ,
فإذا دخل المسجد صلى ركعتين (تحية المسجد) , ثم يجلس ويشتغل بالدعاء , أو بقراءة القرآن , أو بالذكر , حتى يؤذن المؤذن , فيردد مع المؤذن ويقول ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم بعد الفراغ من الأذان , ثم بعد ذلك يصلي ركعتين (راتبة الفجر) , ثم يشتغل بالذكر والدعاء وقراءة القرآن إلى أن تُقام الصلاة , وهو في صلاة ما انتظر الصلاة.
بعد أن يؤدي الصلاة مع الجماعة يأتي بالأذكار التي تشرع عقب السلام من الصلاة , ثم بعد ذلك إن أحب أن يجلس إلى أن تطلع الشمس في المسجد مشتغلا بالذكر وقراءة القرآن فذلك أفضل , وهو ما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم بعد صلاة الفجر.
ثم إذا طلعت الشمس وارتفعت ومضى على شروقها نحو ربع ساعة فإن أحب أن يصلي صلاة الضحى (أقلها ركعتين) فذلك حسن , وإن أحب أن يؤخرها إلى وقتها الفاضل وهو حين ترمض الفصال، أي: عند اشتداد الحر وارتفاع الشمس فهو أفضل.
ثم إن أحب أن ينام ليستعد للذهاب إلى عمله , فلينوي بنومه ذلك التَّقوِّي على العبادة وتحصيل الرزق , كي يؤجر عليه إن شاء الله تعالى، وليحرص على تطبيق آداب النوم الشرعية العملية والقولية.
ثم يذهب إلى عمله , فإذا حضر وقت صلاة الظهر , ذهب إلى المسجد مبكرا , قبل الأذان أو بعده مباشرة , وليكن مستعدا للصلاة مسبقا , فيصلي أربع ركعات بسلامين (راتبة الظهر القبلية) , ثم يشتغل بقراءة القرآن إلى أن تقام الصلاة، فيصلي مع الجماعة , ثم يصلي ركعتين (راتبة الظهر البعدية) .
ثم بعد الصلاة يعود إلى إنجاز ما بقي من عمله , إلى أن يحضر وقت الانصراف من العمل , فإذا انصرف من العمل فإن كان قد بقي وقت طويل على صلاة العصر ويمكنه أن يستريح فيه , فليأخذ قسطا من الراحة , وإن كان الوقت غير كاف ويخشى إذا نام أن تفوته صلاة العصر فليشغل نفسه بشيء مناسب حتى يحين وقت الصلاة , كأن يذهب إلى السوق لشراء بعض الأشياء التي يحتاجها أهل البيت ونحو ذلك , أو يذهب إلى المسجد مباشرة من حين ينتهي من عمله , ويبقى في المسجد إلى أن يصلي العصر.
ثم بعد العصر ينظر الإنسان إلى حاله , فإن كان بإمكانه أن يجلس في المسجد ويشتغل بقراءة القرآن فهذه غنيمة عظيمة , وإن كان الإنسان يشعر بالإرهاق , فعليه أن يستريح في هذا الوقت , كي يستعد لصلاة التراويح في الليل.
وقبل أذان المغرب يستعد للإفطار , وليشغل نفسه في هذه اللحظات بشيء يعود عليه بالنفع , إما بقراءة قرآن , أو دعاء , أو حديث مفيد مع الأهل والأولاد.
ومن أحسن ما يشغل به هذا الوقت المساهمة في تفطير الصائمين , إما بإحضار الطعام لهم أو المشاركة في توزيعه عليهم وتنظيم ذلك , ولذلك لذة عظيمة لا يذوقها إلا من جرب.
ثم بعد الإفطار يذهب للصلاة في المسجد مع الجماعة , وبعد الصلاة يصلي ركعتين (راتبة المغرب) , ثم يعود إلى البيت ويأكل ما تيسر له – مع عدم الإكثار - , ثم يحرص على أن يبحث عن طريقة مفيدة يملأ بها هذا الوقت بالنسبة له ولأهل بيته , كالقراءة من كتاب قصصي , أو كتاب أحكام عملية , أو مسابقة , أو حديث مباح , أو أي فكرة أخرى مفيدة تتشوق النفوس لها , وتصرفها عن المحرمات التي تبث في وسائل الإعلام , والتي يعد هذا الوقت بالنسبة لها وقت الذروة , فتجدها تبث أكثر البرامج جذبا وتشويقا , وإن حوت ما حوت من المنكرات العقدية والأخلاقية، فاجتهد يا أخي في صرف نفسك عن ذلك , واتق الله في رعيتك التي سوف تسأل عنها يوم القيامة , فأعد للسؤال جوابا.
ثم استعد لصلاة العشاء , واتجه إلى المسجد , فاشتغل بقراءة القرآن , أو بالاستماع إلى الدرس الذي يكون في المسجد.
ثم بعد ذلك أدِ صلاة العشاء , ثم صلِ ركعتين (راتبة العشاء) ثم صلِّ التراويح خلف الإمام بخشوع وتدبر وتفكر , ولا تنصرف قبل أن ينصرف الإمام , وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة ". رواه أبو داود (1370) وغيره، وصححه الألباني في "صلاة التراويح " (ص 15) .
ثم اجعل لك برنامجا بعد صلاة التراويح يتناسب مع ظروفك وارتباطاتك الشخصية، وعليك مراعاة ما يلي:
البعد عن جميع المحرمات ومقدماتها.
مراعاة تجنيب أهل بيتك الوقوع في شيء من المحرمات أو أسبابها بطريقة حكيمة، كإعداد برامج خاصة لهم , أو الخروج بهم للنزه في الأماكن المباحة , أو تجنبيهم رفقة السوء والبحث لهم عن رفقة صالحة.
أن تشتغل بالفاضل عن المفضول.
ثم احرص على أن تنام مبكرا , مع الإتيان بالآداب الشرعية للنوم العملية والقولية , وإن قرأت قبل النوم شيئا من القرآن أو من الكتب النافعة فهذا أمر حسن، لا سيما إن كنت لم تنه وردك اليومي من القرآن , فلا تنم حتى تنهه.
ثم استقيظ قبل السحور بوقت كاف للاشتغال بالدعاء , فهذا الوقت _ وهو ثلث الليل الأخير _ وقت النزول الإلهي , وقد أثنى الله عز وجل على المستغفرين فيه , كما وعد الداعين فيه بالإجابة والتائبين بالقبول , فلا تدع هذه الفرصة العظيمة تفوتك.
يوم الجمعة:
يوم الجمعة هو أفضل أيام الأسبوع , فينبغي أن يكون له برنامجا خاصا في العبادة والطاعة , يراعى فيه ما يلي:
التبكير في الحضور إلى صلاة الجمعة.
البقاء في المسجد بعد صلاة العصر , والاشتغال بالقراءة والدعاء حتى الساعة الأخيرة من هذا اليوم , فإنها ساعة ترجى فيها إجابة الدعاء.
اجعل هذا اليوم فرصة لاستكمال بعض أعمالك التي لم تتمها في وسط الأسبوع , كإتمام الورد الأسبوعي من القرآن , أو إتمام قراءة كتاب , أو سماع شريط , ونحو ذلك من الأعمال الصالحة.
العشر الأواخر:
العشر الأواخر فيها ليلة القدر , التي هي خير من ألف شهر , لذا يشرع للإنسان أن يعتكف في هذه العشر في المسجد , كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل , طلبا لليلة القدر , فمن تيسر له الاعتكاف فيها , فهذه منة عظيمة من الله عليه.
ومن لم يتيسر له اعتكافها كلها , فليعتكف ما تيسر له منها.
وإن لم يتيسر له اعتكاف شيء منها فليحرص على إحياء ليلها بالعبادة والطاعة من قيام وقراءة وذكر ودعاء , وليستعد لذلك من النهار بإراحة جسمه ليتمكن من السهر في الليل.
تنبيهات:
هذا الجدول جدول مقترح , وهو جدول مرن يمكن لكل فرد أن يعدل فيه بحسب ظروفه الخاصة.
هذا الجدول روعي فيه الالتزام بذكر السنن الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم , فلا يعني ذلك أن جميع ما فيه من الواجبات والفرائض , بل فيه كثير مع السنن والمستحبات.
أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل , فالإنسان في أول الشهر قد يتحمس للطاعة والعبادة , ثم يصاب بالفتور , فاحذر من ذلك , واحرص على المداومة على جميع الأعمال التي تؤديها في هذا الشهر الكريم.
ينبغي على المسلم أن يحرص على تنظيم وقته في هذا الشهر المبارك , حتى لا يضيع على نفسه فرص كبيرة للازدياد من الخير والعمل الصالح , فمثلا: يحرص الإنسان على شراء الأغراض التي يحتاجها أهل البيت قبل بداية الشهر , وكذلك الأغراض اليومية يحرص على شرائها في الأوقات التي لا يكون فيها زحام في الأسواق، ومثال آخر: الزيارات الشخصية والعائلية ينبغي أن تنظم بحيث لا تشغل الإنسان عن عبادته.
اجعل الإكثار من العبادة والتقرب إلى الله هو همك الأول في هذا الشهر المبارك.
اعقد العزم من بداية الشهر على التبكير إلى المسجد في أوقات الصلاة , وعلى ختم كتاب الله عز وجل تلاوة , وعلى المحافظة على قيام الليل في هذا الشهر العظيم، وعلى إنفاق ما تيسر من مالك.
اغتنم فرصة شهر رمضان لتقوية صلتك بكتاب الله عز وجل , وذلك من خلال الوسائل التالية:
ضبط القراءة الصحيحة للآيات , والسبيل إلى ذلك هو تصحيح القراءة على مقرئ جيد , فإن تعذر فمن خلال متابعة أشرطة القراء المتقنين.
مراجعة ما مَنَّ الله عز وجل به عليك من حفظ , والاستزادة من الحفظ.
القراءة في تفسير الآيات , وذلك إما بمراجعة الآيات التي تشكل عليك في كتب التفاسير المعتمدة كتفسير البغوي وتفسير ابن كثير وتفسير السعدي , وإما بأن تجعل لك جدولا للقراءة المنتظمة في كتاب من كتب التفسير , فتبدأ أولا بجزء عم , ثم تنتقل إلى جزء تبارك , وهكذا.
العناية بتطبيق الأوامر التي تمر بك في كتاب الله عز وجل.
نسأل الله عز وجل أن يتم علينا نعمة إدراك رمضان , بإتمام صيامه وقيامه , وأن يتقبل منا , وأن يتجاوز عن تقصيرنا.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3589)
حال المسلم في رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الكلمة التي توجهونها للمسلمين بمناسبة دخول شهر رمضان؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الله تعالى: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون) البقرة / 185 هذا الشهر المبارك موسم عظيم للخير والبركة والعبادة والطاعة.
فهو شهر عظيم، وموسم كريم، شهر تضاعف فيه الحسنات، وتعظم فيه السيئات، وتفتح فيه أبواب الجنات، وتقفل فيه أبواب النيران، وتقبل فيه التوبة إلى الله من ذوي الآثام والسيئات.
فاشكروه على ما أنعم عليكم به من مواسم الخير والبركات، وما خصكم به من أسباب الفضل وأنواع النعم السابغات، واغتنموا مرور الأوقات الشريفة والمواسم الفاضلة بعمارتها بالطاعات وترك المحرمات تفوزوا بطيب الحياة وتسعدوا بعد الممات.
والمؤمن الصادق كل الشهور عنده مواسم للعبادة والعمر كله عنده موسم للطاعة , ولكنه في شهر رمضان تتضاعف همته للخير وينشط قلبه للعبادة أكثر، ويقبل على ربه سبحانه وتعالى , وربنا الكريم من جوده وكرمه تفضل على المؤمنين الصائمين فضاعف لهم المثوبة في هذا الموقف الكريم وأجزل لهم العطاء والمكافئة على صالح الأعمال.
ما أشبه الليلة بالبارحة..
هذه الأيام تمر بسرعة وكأنها لحظات، فقد استقبلنا رمضان ثم ودعناه، وما هي إلا فترة من الزمن وإذ بنا نستقبل رمضان مرة أخرى، فعلينا أن نبادر بالأعمال الصالحة في هذا الشهر العظيم، وأن نحرص على ملئه بما يرضي الله، وبما يُسعدنا يوم نلقاه.
كيف نستعد لرمضان؟
إن الاستعداد في رمضان يكون بمحاسبة النفس على تقصيرها في تحقيق الشهادتين أو التقصير في الواجبات أو التقصير في عدم ترك ما نقع فيه من الشهوات أو الشبهات..
فيُقوم العبد سلوكه ليكون في رمضان على درجة عالية من الإيمان.. فالإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، فأول طاعة يحققها العبد هي تحقيق العبودية لله وحده وينعقد في نفسه ألا معبود بحق إلا الله، فيصرف جميع أنواع العبادة لله لا يشرك معه أحداً في عبادته، ويستيقن كل منا أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه وأن كل شيء بقدر.
ونمتنع عن كل ما يناقض تحقيق الشهادتين وذلك بالابتعاد عن البدع والإحداث في الدين. وبتحقيق الولاء والبراء، بأن نوالي المؤمنين ونعادي الكافرين والمنافقين، ونفرح بانتصار المسلمين على أعدائهم، ونقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ونستن بسنته صلى الله عليه وسلم وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده، ونحبها ونحب من يتمسك بها ويدافع عنها في أي أرض وبأي لون وجنسية كان.
بعد ذلك نحاسب أنفسنا على التقصير في فعل الطاعات كالتقصير في أداء الصلوات جماعة وذكر الله عز وجل وأداء الحقوق للجار وللأرحام وللمسلمين وإفشاء السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتواصي بالحق، والصبر على ذلك، والصبر عن فعل المنكرات، وعلى فعل الطاعات، وعلى أقدار الله عز وجل.
ثم تكون المحاسبة على المعاصي واتباع الشهوات بمنع أنفسنا من الاستمرار عليها، أي معصية كانت صغيرة أو كبيرة سواءً كانت معصية بالعين بالنظر إلى ما حرم الله أو بالسماع للمعازف أو بالمشي فيما لا يرضي الله عز وجل، أو بالبطش باليدين في ما لا يرضي الله، أو بأكل ما حرم الله من الربا أو الرشوة أو غير ذلك مما يدخل في أكل أموال الناس بالباطل.
ويكون نصب أعيننا أن الله يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ويبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، وقد قال سبحانه وتعالى: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين.الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين. والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون. أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين} .
وقال تعالى: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم} . وقال تعالى: {ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً} .
بهذه المحاسبة وبالتوبة والاستغفار يجب علينا أن نستقبل رمضان، " فالكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ".
إن شهر رمضان شهر مغنم وأرباح، والتاجر الحاذق يغتنم المواسم ليزيد من أرباحه فاغتنموا هذا الشهر بالعبادة وكثرة الصلاة وقراءة القرآن والعفو عن الناس والإحسان إلى الغير والتصدق على الفقراء.
ففي شهر رمضان تفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب النار وتصفد فيه الشياطين وينادي منادٍ كل ليلة: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر.
فكونوا عباد الله من أهل الخير متبعين في ذلك سلفكم الصالح مهتدين بسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم حتى نخرج من رمضان بذنب مغفور وعمل صالح مقبول.
واعلموا بأن شهر رمضان خير الشهور:
قال ابن القيم: " ومن ذلك – أي المُفاضلة بين ما خَلَق الله – تفضيل شهر رمضان على سائر الشهور وتفضيل عشره الأخير على سائر الليالي" أهـ زاد المعاد 1/56.
وفُضِّل هذا الشهر على غيره لأربعة أمور:
أولاً:
فيه خير ليلة من ليالي السنة، وهي ليلة القدر. قال تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر. وما أدراك ما ليلة القدر. ليلة القدر خير من ألف شهر. تنزّل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر. سلام هي حتى مطلع الفجر} سورة القدر.
فالعبادة في هذه الليلة خير من عبادة ألف شهر.
ثانياً:
أُنزلت فيه أفضل الكتب على أفضل الأنبياء عليهم السلام. قال تعالى: {شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن هدى للناس وبيّنات من الهدى والفرقان} البقرة / 158. وقال تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين.فيها يُفرق كل أمر حكيم. أمراً من عندنا إنا كنا مرسِلين} الدخان / 1-2.
وروى أحمد والطبراني في معجمه الكبير عن واثلة بن الأسقع - رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أُنزلت صحف إبراهيم أول ليلة من شهر رمضان، وأُنزلت التوراة لِسِتٍ مضت من رمضان، وأُنزل الإنجيل لثلاث عشرة مضت من رمضان، وأُنزل الزبور لثمان عشرة خلت من رمضان، وأُنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان) . حسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (1575) .
ثالثاً: هذا الشهر تُفتح فيه أبواب الجنة وتُغلق أبواب جهنم وتُصفَّد الشياطين:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصُفِّدت الشياطين) متفق عليه.
وروى النَّسائي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا جاء رمضان فُتحت أبواب الرحمة وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين) وصححه الألباني في صحيح الجامع (471) .
وروى الترمذي وابن ماجه وابن خزيمة في رواية: (إذا كان أول ليلة في شهر رمضان صُفِّدت الشياطين ومَرَدَة الجن، وغلقت أبواب النار فلم يُفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادي منادٍ: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر. ولله عُتقاء من النار وذلك كل ليلة) . وحسنه الألباني في صحيح الجامع (759) .
فإن قيل: كيف نرى الشرور والمعاصي واقعة في رمضان كثيراً، فلو صُفدت الشياطين لم يقع ذلك؟
فالجواب: أنها إنما تَقِل عن الذي حافظ على شروط الصيام وراعى آدابه.
أو أن المُصفَّد بعض الشياطين وهم المَرَدة لا كلُّهم.
أو المقصود تقليل الشرور فيه وهذا أمر محسوس، فإنَّ وقوع ذلك فيه أقل من غيره، إذ لا يلزم من تصفيد جميعهم أن لا يقع شر ولا معصية لأن لذلك أسباباً غير الشياطين كالنفوس الخبيثة والعادات القبيحة والشياطين الإِنسية. الفتح 4/145.
رابعاًَ:
فيه كثير من العبادات، وبعضها لا توجد في غيره كالصيام والقيام وإطعام الطعام والاعتكاف والصدقة وقراءة القرآن.
أسأل الله العلي العظيم أن يوفقنا جميعاً لذلك ويعيننا على الصيام والقيام وفعل الطاعات وترك المنكرات.
والحمد لله رب العالمين.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3590)
على من يجب صوم رمضان؟
[السُّؤَالُ]
ـ[من الذي يجب عليه صوم رمضان؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب الصوم على الشخص إذا توفرت فيه خمسة شروط:
أولاً / أن يكون مسلماً.
ثانياً / أن يكون مكلفاً.
ثالثاً / أن يكون قادراً على الصوم.
رابعاً / أن يكون مقيماً.
خامساً / الخلو من الموانع.
فهذه الشروط الخمسة متى توفرت في الشخص وجب عليه الصوم.
فخرج بالشرط الأول الكافر؛ فالكافر لا يلزمه الصوم ولا يصح منه، فإذا أسلم لم يؤمر بقضائه.
والدليل على ذلك قوله تعالى: (وما منعهم أن تُقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا يُنفقون إلا وهم كارهون) فإذا كانت النفقات - ونفعها متعدٍ - لا تُقبل منهم لكفرهم، فالعبادات الخاصة من باب أولى.
وكونه لا يقضي إذا أسلم لقوله تعالى: (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) وثبت عن طريق التواتر عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن يأمر من أسلم بقضاء ما فاته من الواجبات.
وهل يعاقب الكافر في الآخرة على ترك الصيام إذا لم يسلم؟
الجواب:
نعم يعاقب على تركه، وعلى ترك جميع الواجبات؛ لأنه إذا كان المسلم المطيع لله الملتزم بشرعه يعاقب عليها فالمستكبر من باب أولى، وإذا كان الكافر يُعذب على ما يتمتع به من نعم الله من طعام وشراب ولباس، ففعل المحرمات وترك الواجبات من باب أولى، وهذا من القياس.
أما النص فيقول الله تعالى عن أصحاب اليمين أنهم يقولون للمجرمين: (ما سلككم في سقر. قالوا لم نك من المصلين. ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين) فهذه الأربعة هي التي أدخلتهم النار:
{لم نكُ من المصلين} الصلاة، {لم نكُ نطعم المسكين} الزكاة، {وكنا نخوض مع الخائضين} مثل الاستهزاء بآيات الله. {وكنا نكذب بيوم الدين} .
الشرط الثاني:
أن يكون مكلفاً، والمكلف هو البالغ العاقل، لأنه لا تكليف مع الصغر ولا تكليف مع الجنون.
والبلوغ يحصل بواحد من ثلاثة أمور تجدها في السؤال (20475) .
والعاقل ضده المجنون، أي فاقد العقل من مجنون ومعتوه، فكل من ليس له عقل بأي وصف من الأوصاف فإنه ليس بمكلف، وليس عليه واجب من واجبات الدين لا صلاة ولا صيام ولا إطعام، أي لا يجب عليه شيء إطلاقاً.
الشرط الثالث:
" القادر " أي قادر على الصيام، أما العاجز فليس عليه صوم لقول الله تعالى: (ومن كان مريضا أو على سفر فعدةٌ من أيام أُخر) .
لكن العجز ينقسم إلى قسمين: قسم طارئ وقسم دائم:
فالقسم الطارئ هو المذكور في الآية السابقة (كالمريض مرضا يُرجى زواله والمسافر فهؤلاء يجوز لهم الإفطار ثم قضاء ما فاتهم) .
والعجز الدائم (كالمريض مرضاً لا يُرجى شفائه، وكبير السن الذي يعجز عن الصيام) وهو المذكور في قوله تعالى: (وعلى الذين يطيقونه فديةٌ طعام مسكين) حيث فسرها ابن عباس رضي الله عنهما " بالشيخ والشيخة إذا كانا لا يطيقان الصوم فيُطعمان عن كل يوم مسكينا ".
الشرط الرابع:
أن يكون مقيماً، فإن كان مسافرا فلا يجب عليه الصوم؛ لقوله تعالى: (ومن كان مريضاً أو على سفر فعدةٌ من أيامٍ أُخر) وقد أجمع العلماء أنه يجوز للمسافر الفطر.
والأفضل للمسافر أن يفعل الأيسر، فإن كان في الصوم ضرر كان الصوم حراماً لقوله تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) فإن هذه الآية تدل على أن ما كان ضرراً على الإنسان كان منهياً عنه. راجع السؤال (20165)
فإن قلت: ما هو مقياس الضرر الذي يُحرِّم الصيام؟
فالجواب:
الضرر يكون بالحس، وقد يُعلم بالخَبَر، أما بالحس فأن يشعر المريض بنفسه أن الصوم يضره ويثير عليه الأوجاع، ويوجب تأخر الشفاء وما أشبه ذلك.
وأما الخَبَر فأن يُخبره طبيب عالم ثقة بأنه يضره.
الشرط الخامس:
الخلو من الموانع، وهذا خاص بالنساء، فالحائض والنفساء لا يلزمها الصوم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم مقرراً ذلك: " أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم ".
فلا يلزمها ولا يصح منها إجماعاً، ويلزمها قضاؤه إجماعاً.
الشرح الممتع 6/330
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3591)
بلغت ولكنها لا تقوى على الصيام
[السُّؤَالُ]
ـ[فتاة أتاها الحيض في السنة الحادية عشر من عمرها فهل يلزمها الصيام؟ مع ملاحظة أنها لا تتمتع بصحة جيدة وفي حالة عدم قدرتها على الصيام ما الذي يترتب عليها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا كان الواقع كما ذكرت لزمها الصيام لأن الحيض من علامات بلوغ النساء إذا جاءها وهي في التاسعة من عمرها فأكثر. فإذا استطاعت الصيام وجب عليها أداؤه في وقته، وإذا عجزت أو نالها منه مشقة شديدة أفطرت ووجب عليها قضاء ما أفطرته من الأيام عند القدرة على ذلك" انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (10/145، 145) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3592)
حديث سلمان في فضائل شهر رمضان ضعيف
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض خطباء المساجد بهذه المنطقة ألقى خطبة من ضمنها حديث سلمان الذي ذكر فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبهم في آخر يوم من شعبان.. إلخ. وقد اعترض عليه بعض الإخوان علناً أمام الجمهور بقوله: بأن حديث سلمان من الموضوعات، وكذلك قوله: من أشبع صائماً سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ بعدها حتى يدخل الجنة، وقوله: ومن خفف عن مملوكه غفر الله له وأعتقه من النار. وقال: إن هذه الكلمات كذب على الرسول، ومن كذب على الرسول فليتبوأ مقعده من النار.. إلخ. فهل هذا الحديث صحيح أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"حديث سلمان رواه ابن خزيمة في صحيحه فقال: باب في فضائل شهر رمضان إن صح الخبر، ثم قال: حدثنا على بن حجر السعدي حدثنا يوسف بن زياد حدثنا همام بن يحيى عن علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب عن سلمان قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر يوم من شعبان فقال: (أيها الناس، قد أظلكم شهر عظيم، شهر مبارك، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعاً، من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة، وشهر يزداد فيه رزق المؤمن، من فطر فيه صائماً كان مغفرة لذنوبه، وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينتقص من أجره شيء. قالوا: ليس كلنا نجد ما يفطر الصائم، فقال: يعطي الله هذا الثواب من فطر صائماً على تمرة أو شربة ماء أو مذقة لبن، وهو شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار، من خفف عن مملوكه غفر الله له، وأعتقه من النار، فاستكثروا فيه من أربع خصال: خصلتين ترضون بهما ربكم، وخصلتين لا غنى بكم عنهما: فأما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم: فشهادة أن لا إله إلا الله، وتستغفرونه، وأما اللتان لا غنى بكم عنهما: فتسألون الله الجنة، وتعوذون به من النار، ومن أشبع فيه صائماً سقاه الله من حوضي شربةً لا يظمأ حتى يدخل الجنة) وفي سنده على بن زيد بن جدعان وهو ضعيف لسوء حفظه، وفي سنده أيضاً يوسف بن زياد البصري وهو منكر الحديث، وفيه أيضاً همام بن يحيى بن دينار العودي قال فيه ابن حجر في التقريب: ثقة ربما وهم.
وعلى هذا؛ فالحديث بهذا السند ليس بمكذوب، لكنه ضعيف، ومع ذلك ففضائل رمضان كثيرة ثابتة في الأحاديث الصحيحة.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (10/84- 86) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3593)
حكم من يصلي ولا يزكي ولا يصوم، أو يحج ولا يصلي
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في بعض أجوبتكم أن الذي يصوم ولا يصلي لا يجوز صومه، والآن العكس فهل الذي يصلي ولا يصوم تجوز صلاته، وهل الذي لا يزكي ويصلي تجوز صلاته. وهل الذي يحج ولا يصلي يجوز حجه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"من ترك صوم شهر رمضان جحداً لوجوبه كفر، ولا تصح صلاته، ومن تركه عمداً وتساهلاً فلا يكفر في الأصح وتصح صلاته، ومن ترك الزكاة المفروضة جحداً لوجوبها كفر ولا تصح صلاته، ومن تركها عمداً تساهلاً وبخلاً فلا يكفر وتصح صلاته، وهكذا الحج من تركه جحداً لوجوبه مطلقاً كفر أما من تركه مع الاستطاعة لم يكفر وتصح صلاته.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (10/143، 144) .
ومن ترك الصلاة فهو كافر مرتد على الصحيح من أقوال أهل العلم، فلا تصح له عبادة من العبادات.
وانظر: جواب السؤال رقم (5208) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3594)
بلغت ثلاث عشرة سنة ولا تصوم رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[فتاة بلغ عمرها اثنتي عشرة أو ثلاث عشرة سنة ولا تصوم رمضان، فهل عليها شيء أو على أهلها؟ وهل تصوم وإذا ما صامت فهل عليها شيء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"المرأة تكون مكلفة بشروط وهي الإسلام والعقل والبلوغ، ويحصل البلوغ: بالحيض وإنزال المني بشهوة، وبالاحتلام إذا رأت المني، أو نبات شعر خشن حول القبل، أو بلوغ خمسة عشر عاماً. فهذه الفتاة إذا كانت توفرت فيها شروط التكليف فالصيام واجب عليها، ويجب قضاء ما تركته من الصيام في وقت تكليفها، وإذا اختل شرط من الشروط فليست بمكلفة ولا شيء عليها.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (10/146، 147) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3595)
كيف نستقبل شهر رمضان؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك أمور خاصة مشروعة يستقبل بها المسلم رمضان؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"شهر رمضان هو أفضل شهور العام؛ لأن الله سبحانه وتعالى اختصه بأن جعل صيامه فريضة وركناً رابعاً من أركان الإسلام، وشرع للمسلمين قيام ليله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت) متفق عليه. وقال عليه الصلاة والسلام: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) متفق عليه. ولا أعلم شيئاً معيناً لاستقبال رمضان سوى أن يستقبله المسلم بالفرح والسرور والاغتباط وشكر الله أن بلغه رمضان، ووفقه فجعله من الأحياء الذين يتنافسون في صالح العمل، فإن بلوغ رمضان نعمة عظيمة من الله. ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بقدوم رمضان مبيناً فضائله، وما أعد الله فيه للصائمين والقائمين من الثواب العظيم، ويشرع للمسلم استقبال هذه الشهر الكريم بالتوبة النصوح والاستعداد لصيامه وقيامه، بنية صالحة، وعزيمة صادقة" انتهى.
فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله.
"مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" (15/9) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3596)
حديث (نوم الصائم عبادة) ضعيف
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت أحد الخطباء يقول حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم: (نوم الصائم عبادة) . فهل هذا الحديث صحيح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث غير صحيح، لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
رواه البيهقي في "شعب الإيمان" (3/1437) عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نوم الصائم عبادة، وصمته تسبيح، ودعاؤه مستجاب، وعمله مضاعف) .
وضَعَّف إسناده البيهقي، فقال: معروف بن حسان (أحد رجال الإسناد) : ضعيف، وسليمان بن عمرو النخعي أضعف منه. وقال العراقي في "تخريج إحياء علوم الدين" (1/310) : سليمان النخعي أحد الكذابين. وضعفه المناوي في "فيض القدير" (9293) ، وذكره الألباني في "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (4696) وقال: ضعيف.
والواجب على المسلمين عموماً - ويتأكد ذلك على الخطباء والوعاظ - أن يتثبتوا قبل نسبة الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز أن ينسب إليه ما لم يقل، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ، مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ) رواه البخاري (1391) ورواه مسلم في مقدمة صحيحه (4) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3597)
كيفية تهذيب الغريزة بالصيام
[السُّؤَالُ]
ـ[يتعلق سؤالي بالصيام في غير شهر رمضان المبارك. أعني الصيام عندما تكون لدى المسلم رغبة في الزواج لكنه لا يستطيعه في الوقت الراهن. أعلم أنه يُنصح بالصيام في مثل هذه الحالة، لكن ما هو الحكم الصحيح في ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جاء هذا الدين الحنيف بتهذيب الغرائز حتى لا يبقى الإنسان المسلم المتميز بشخصيته أسيراً لشهواته كالحيوان، وشرع له من الشرائع الواجبة والمستحبة ما يحتمي بها من الآثار السيئة التي تنتج عن الانسياق وراء الشهوات، ومن هذه التشريعات مشروعية الصيام لمن لم يستطع الوصول إلى التصريف الطبيعي لهذه الشهوة من خلال الزواج، كما قال عَبْدُ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه (كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَابًا لا نَجِدُ شَيْئًا فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ) البخاري 5066 مسلم 1400.والمراد أن الصوم يخفف من تأثير الشهوة على الشاب.
وهذا الحكم وإن كان مشروعاً لعموم الشباب فإن الحاجة إليه تزداد مع زيادة الفتن وتيسُّر أسباب المنكرات وكثرة المغريات، لاسيما لمن يعيش وسط مجتمعات يكثر فيها التبرج والانحلال، فينبغي الحرص على هذه العبادة للمحافظة على العفة والدين، ويستعين الإنسان مع الصيام بدعاء الله تعالى أن يحفظه في دينه وعرضه وأن ييسر له الزواج الذي يحصن به فرجه، ويستعين كذلك بتذكر ما أعدّه الله تعالى في الجنان من الحور العين لمن استقام على أمره تعالى وحفظ نفسه.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/3598)
كيف نستعد لقدوم شهر رمضان؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نستعد لرمضان؟ وما هي أفضل الأعمال لهذا الشهر الكريم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
قد أحسنت أخي الفاضل بسؤالك هذا، حيث سألت عن كيفية الاستعداد لشهر رمضان؛ حيث انحرف فهم كثير من الناس لحقيقة الصيام، فراحوا يجعلونه موسماً للأطعمة والأشربة والحلويات والسهرات والفضائيات، واستعدوا لذلك قبل شهر رمضان بفترة طويلة؛ خشية من فوات بعض الأطعمة؛ أو خشية من غلاء سعرها، فاستعد هؤلاء بشراء الأطعمة، وتحضير الأشربة، والبحث في دليل القنوات الفضائية لمعرفة ما يتابعون وما يتركون، وقد جهلوا - بحق – حقيقة الصيام في شهر رمضان، وسلخوا العبادة والتقوى عنه، وجعلوه لبطونهم وعيونهم.
ثانياً:
وانتبه آخرون لحقيقة صيام شهر رمضان فراحوا يستعدون له من شعبان، بل بعضهم قبل ذلك، ومن أوجه الاستعداد المحمود لشهر رمضان:
1- التوبة الصادقة.
وهي واجبة في كل وقت، لكن بما أنه سيقدم على شهر عظيم مبارك فإن من الأحرى له أن يسارع بالتوبة مما بينه وبين ربه من ذنوب، ومما بينه وبين الناس من حقوق؛ ليدخل عليه الشهر المبارك فينشغل بالطاعات والعبادات بسلامة صدر، وطمأنينة فلب.
قال تعالى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) النور/ من الآية 31.
وعَنْ الأَغَرَّ بن يسار رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ فَإِنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ مَرَّةٍ) رواه مسلم (2702) .
2- الدعاء.
وقد ورد عن بعض السلف أنهم كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه خمسة أشهر بعدها حتى يتقبل منهم.
فيدعو المسلم ربَّه تعالى أن يبلِّغه شهر رمضان على خير في دينه في بدنه، ويدعوه أن يعينه على طاعته فيه، ويدعوه أن يتقبل منه عمله.
3- الفرح بقرب بلوغ هذا الشهر العظيم.
فإن بلوغ شهر رمضان من نِعَم الله العظيمة على العبد المسلم؛ لأن رمضان من مواسم الخير، الذي تفتح فيه أبواب الجنان، وتُغلق فيه أبواب النيران، وهو شهر القرآن، والغزوات الفاصلة في ديننا.
قال الله تعالى: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) يونس/58.
4- إبراء الذمة من الصيام الواجب.
عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَقُولُ: كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إِلا فِي شَعْبَانَ.
رواه البخاري (1849) ومسلم (1146) .
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -:
ويؤخذ من حرصها على ذلك في شعبان أنه لا يجوز تأخير القضاء حتى يدخل رمضان آخر.
" فتح الباري " (4 / 191) .
5- التزود بالعلم ليقف على أحكام الصيام، ومعرفة فضل رمضان.
6- المسارعة في إنهاء الأعمال التي قد تشغل المسلم في رمضان عن العبادات.
7- الجلوس مع أهل البيت من زوجة وأولاد لإخبارهم بأحكام الصيام وتشجيع الصغار على الصيام.
8- إعداد بعض الكتب التي يمكن قراءتها في البيت، أو إهداؤها لإمام المسجد ليقرأها على الناس في رمضان.
9- الصيام من شهر شعبان استعداداً لصوم شهر رمضان.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لا يُفْطِرُ وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لا يَصُومُ، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ.
رواه البخاري (1868) ومسلم (1156) .
عَنْ أُسَامَة بْن زَيْدٍ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنْ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ، قَالَ: (ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ) .
رواه النسائي (2357) وحسَّنه الألباني في " صحيح النسائي ".
وفي الحديث بيان الحكمة من صوم شعبان، وهو: أنه شهر تُرفع فيه الأعمال، وقد ذكر بعض العلماء حِكمة أخرى، وهي أن ذلك الصوم بمنزلة السنة القبلية في صلاة الفرض، فإنها تهيئ النفس وتنشطها لأداء الفرض، وكذا يقال في صيام شعبان قبل رمضان.
10- قراءة القرآن.
قال سلمة بن كهيل: كان يقال شهر شعبان شهر القراء.
وكان عمرو بن قيس إذا دخل شهر شعبان أغلق حانوته وتفرغ لقراءة القرآن.
وقال أبو بكر البلخي: شهر رجب شهر الزرع، وشهر شعبان شهر سقي الزرع، وشهر رمضان شهر حصاد الزرع.
وقال – أيضاً -: مثل شهر رجب كالريح، ومثل شعبان مثل الغيم، ومثل رمضان مثل المطر، ومن لم يزرع ويغرس في رجب، ولم يسق في شعبان فكيف يريد أن يحصد في رمضان. وها قد مضى رجب فما أنت فاعل في شعبان إن كنت تريد رمضان، هذا حال نبيك وحال سلف الأمة في هذا الشهر المبارك، فما هو موقعك من هذه الأعمال والدرجات.
ثالثاً:
ولمعرفة الأعمال التي ينبغي على المسلم فعلها في شهر رمضان: انظر جواب السؤال رقم (26869) و (12468) .
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3599)
صام قبل البلوغ ونسي قضاء بعض الأيام فهل يقضيها بعد بلوغه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما كنت في أول متوسط - وكان عمري آنذاك 13 عاماً - أفطرت ثلاثة أيام ونسيتها ولم أتذكرها إلا هذه السنة، عمري الآن 16 سنة، علماً بأني لم أبلغ، فهل أقضي بالصوم فقط أم عليَّ شيء آخر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يكلَّف الصبي بالواجبات الشرعية إلا بعد بلوغه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاثَةٍ: عَنْ الْمَجْنُونِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ حَتَّى يفِيقَ، وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ) رواه أبو داود (4399) . وصححه الألباني في " صحيح أبي داود "، وما يفعله الصبي من طاعات واجبة أو مستحبة قبل البلوغ فإنه يثاب عليها، فمن حجَّ وهو صبي أو صام أو صلَّى كُتب له أجر ذلك كله، ولكن الحج لا يجزئه عن حجة الإسلام، فعليه بعد البلوغ أن يحج حجة أخرى.
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَ رَكْبًا بِالرَّوْحَاءِ فَقَالَ: (مَنْ الْقَوْمُ؟ قَالُوا: الْمُسْلِمُونَ، فَقَالُوا: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ، فَرَفَعَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ صَبِيًّا فَقَالَتْ: أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَكِ أَجْرٌ) رواه مسلم (1336) .
قال النووي رحمه الله:
" فيه حجة للشافعي ومالك وأحمد وجماهير العلماء أن حج الصبي منعقد صحيح يثاب عليه وإن كان لا يجزيه عن حجة الاسلام بل يقع تطوعا، وهذا الحديث صريح فيه " انتهى.
" شرح النووي " (9 / 99) .
وقال الخطابي:
إنما كان له الحج من ناحية الفضيلة دون أن يكون محسوبا عن فرضه لو بقي حتى بلغ ويدرك مدرك الرجال، وهذا كالصلاة يؤمر بها إذا أطاقها وهي غير واجبة عليه وجوب فرض ولكن يكتب له أجرها تفضلا من الله سبحانه وتعالى، ويكتب لمن يأمره بها ويرشده إليها أجر.
انظر: " عون المعبود " (5 / 110) .
ولا يؤمر بقضاء ما أفطره وهو صبي، ولا يؤمر بقضاء ما تركه من صلوات.
وقال ابن قدامة رحمه الله:
فأما ما مضى من الشهر قبل بلوغه: فلا قضاء عليه، وسواء كان قد صامه أو أفطره، هذا قول عامة أهل العلم " المغني " (3 / 94) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
" صيام الصبي ليس بواجب عليه، ولكن على ولي أمره أن يأمره به ليعتاده، وهو – أي الصيام في حق الصبي الذي لم يبلغ – سنَّة، له أجر في الصوم، وليس عليه وزر إذا تركه " انتهى.
" فقه العبادات " (ص 186) .
وعلى هذا، فلا يلزمك قضاء هذه الأيام الثلاثة التي أفطرتها، لأن الصوم لم يكن واجباً عليك، وإن أردت قضاءها فلا حرج عليك، وتقضي بالصوم فقط، يوماً مكان يوم، وليس عليك شيء آخر.
ثانياً:
قولك في السؤال: "إن عمرك الآن 16 سنة ولم تبلغ"
بل أنت الآن بالغ! لأن البلوغ يحصل بإحدى ثلاث علامات ـ بالنسبة للذكر ـ
1- إنزال المني
2- إنبات الشعر الخشن حول العانة.
3- بلوغ خمسة عشر سنة.
وتزيد الأنثى علامة رابعة وهي نزول الحيض.
فمتى وجدت إحدى هذه العلامات ثبت البلوغ، ولا يشترط وجود كل هذه العلامات.
وانظر جواب السؤال رقم (70425) .
وبما أن عمرك 16 سنة فإنك تعتبر بالغاً، فاعمل لذلك، فقد انتهى زمن الصغر وعدم التكليف، فإن الملائكة تكتب على كل شخص بالغ ما يفعله من خير أو شر (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ) الزلزلة/8.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3600)
أقسام الحكم التكليفي للصيام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أقسام الحكم التكليفي للصيام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأحكام التكليفية خمسة: الواجب، والمحرم، والمستحب، والمكروه، والمباح، وهذه الأحكام الخمسة تَرِد في الصيام، ولن نستقصي كل ما يدخل تحت كل حكم من هذه الأحكام، وإنما سنذكر ما تيسر.
أولاً: الصوم الواجب:
1- صوم رمضان.
2- قضاء رمضان.
3- صوم الكفارات (كفارة القتل الخطأ , وكفارة الظهار , وكفارة الجماع في نهار رمضان، وكفارة اليمين) .
4- صوم المتمتع في الحج إذا لم يجد الهدي , (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ) البقرة/196.
5- صوم النذر.
ثانياً: الصوم المستحب:
1 - صوم يوم عاشوراء. 2 - صوم يوم عرفة. 3 - صوم يوم الاثنين والخميس من كل أسبوع. 4 - صيام ثلاثة أيام من كل شهر. 5 - صيام ستة أيام من شوال. 6 - صوم أكثر شهر شعبان. 7 - صوم شهر المحرم 8 – صيام يوم وإفطار يوم، وهو أفضل الصيام.
وكل ذلك ثابت في أحاديث حسنة وصحيحة وهي موجودة في الموقع.
ثالثاً: الصوم المكروه:
1- إفراد يوم الجمعة بالصوم.
لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (لا تصوموا يوم الجمعة إلا أن تصوموا يوماً قبله أو يوماً بعده) متفق عليه.
2-إفراد يوم السبت بالصوم:
لقول الرسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إِلا فِيمَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إِلا لِحَاءَ عِنَبَةٍ أَوْ عُودَ شَجَرَةٍ) . رواه الترمذي (744) وحسَّنه وأبو داود (2421) وابن ماجه (1726) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (960) .
قال الترمذي: " وَمَعْنَى كَرَاهَتِهِ فِي هَذَا أَنْ يَخُصَّ الرَّجُلُ يَوْمَ السَّبْتِ بِصِيَامٍ لأَنَّ الْيَهُودَ تُعَظِّمُ يَوْمَ السَّبْتِ " انتهى.
رابعاً: الصوم المحرم:
1- صوم يوم عيد الفطر , ويوم عيد الأضحى , وأيام التشريق , وهي: ثلاثة أيام بعد يوم النحر.
2- صوم يوم الشك.
وهو يوم الثلاثين من شعبان، إذا كان في السماء ما يمنع رؤية الهلال، وأما إذا كانت السماء صحواً: فلا شكَّ.
3- صوم الحائض والنفساء.
خامساً: الصوم المباح:
هو ما لا يدخل تحت قسم من الأقسام الأربعة السابقة.
والمراد بالإباحة هنا: أن هذا اليوم لم يرد أمر بصومه ولا نهي عن صومه على سبيل التعيين، كيومي الثلاثاء والأربعاء، وإن كان أصل التطوع بالصوم عبادة ًمستحبة.
وانظر: "الموسوعة الفقهية" (28 / 10 – 19) ، و "الشرح الممتع" (6 / 457 – 483) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3601)
يريد أن يبدأ الصيام من اليوم الرابع
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن أبدأ صومي في اليوم الرابع من رمضان؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صوم رمضان واجب على كل مسلم بالغ عاقل مقيم قادر على الصوم. ومن كان كذلك فإنه يحرم عليه الفطر بغير عذر، لما في ذلك من المخالفة الصريحة لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، وانتهاك حرمة هذا الشهر العظيم.
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة/183 وقال: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) البقرة/185 فيلزم الصوم إذا ثبت دخول شهر رمضان، برؤية الهلال، أو بإكمال عدة شعبان ثلاثين يوما.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ , وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ , وَإِقَامِ الصَّلاةِ , وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ , وَالْحَجِّ , وَصَوْمِ رَمَضَان) رواه البخاري (8) ومسلم (16) .
فإن كان سؤالك عن تأخير الصوم إلى اليوم الرابع بغير عذر، فقد علمت أن هذا أمر محرم لا يجوز الإقدام عليه، بل هو من كبائر الذنوب وانظر جواب السؤال رقم (38747) .
وإن كان تأخير الصوم لعذر، كمرض أو سفر، فلا حرج عليك في ذلك، ويجب عليك الصوم بمجرد انتهاء عذرك سواء كان ذلك في اليوم الرابع أو غيره، مع قضاء الأيام التي أفطرتها؛ لما سبق من قوله تعالى: (وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) .
أي: إذا أفطر المريض أو المسافر فالواجب عليه إذا انتهى رمضان أن يقضي عدد الأيام التي أفطرها.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3602)
نصراني يسأل ماذا تفعلون في شهر رمضان؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا تفعلون خلال شهر الصيام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
خص الله تعالى شهر رمضان بخصائص وفضائل ليست في غيره من الشهور، فهو سيد الشهور، ولله تعالى أن يختار بعض الشهور على بعض، وأن يفضل بعض الليالي على بعض، كما قال سبحانه: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ) القصص/68.
وجعل الله تعالى في رمضان ليلة القدر، التي قال الله عز وجل عنها: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) القدر/3. أي أن العبادة فيها أكثر ثواباً وأجراً من العبادة في ألف شهر، وهو من عظيم فضل الله على هذه الأمة.
وليلة القدر تكون في العشر الأخير من رمضان، ولهذا يجتهد المسلمون في هذه العشر في العبادة أكثر من غيرها التماساً لهذه الليلة المباركة.
وأما ما نفعله - نحن المسلمين - في رمضان، فإننا نتقرب إلى الله، ونجتهد في عبادته، وقد شرع لنا أنواعاً من العبادات التي يحب أن نتقرب إليه بها، فمن ذلك:
1- الصيام، وهو الامتناع عن الأكل والشرب والجماع وما ألحق بها من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ولسنا الأمة الوحيدة التي فرض الله عليها الصيام، بل ما من أمة من الأمم السابقة إلا فرض الله عليها الصيام، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة/183.
2- الإكثار من الصلاة بالليل (صلاة التراويح) .
وقيام الليل له أثر عجيب في تهذيب النفوس وإصلاحها، وهو أيضاً من أسباب مغفرة الذنوب.
3- قراءة القرآن.
فرمضان هو شهر القرآن، ففيه بدأ نزول القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم. ولهذا تجد المسلمين يختمون القرآن قراءةً في رمضان، فمنهم من يختمه مرة أو مرتين، وأكثر من ذلك. وقد علم المسلم أن قراءة الحرف الواحد من القرآن الكريم بعشر حسنات، وأن قراءة صفحة واحدة فيها آلاف الحسنات.
4- الصدقة، وإطعام الطعام.
كان نبينا صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان.
ورغبنا نبينا صلى الله عليه وسلم في إطعام الطعام، وتفطير الصائم، حتى جعل ثواب من فَطَّر صائما مثل أجر الصائم، من غير أن ينقص من أجر الصائم شيئاً.
5- الدعاء.
فرمضان شهر الدعاء، فدعوة الصائم مستجابة، وللصائم عند فطره دعوة لا ترد.
6- الاعتكاف.
وهو المكث في المسجد لأجل التفرغ لطاعة الله تعالى وعبادته، وهو مسنون في العشر الأواخر من رمضان التماساً لليلة القدر.
7- وقد فرض الله في آخره زكاة تسمى زكاة الفطر، تطهر الصائم مما حصل في صومه من اللغو والرفث، وتكون طعمة وإعانة للمساكين.
وهي فرض على الصغير والكبير والذكر والأنثى من المسلمين، وهي وسيلة من وسائل الشعور بوحدة المجتمع المسلم، وتماسكه وتراحمه.
8- ثم شرع الله للصائمين صلاة العيد، تكون خاتمة لأعمالهم الحسنة التي أدوها في رمضان، واجتماعا لهم يظهرون فيه الفرح والسرور والشكر لله تعالى.
والحاصل أن المسلم الموفق يقضي شهر رمضان في صوم وصلاة وقيام وذكر وتلاوة للقرآن، ويختمه باعتكاف وزكاة، مع الحرص على صلة الأرحام، وبذل المعروف، وكثرة الإنفاق في سبيل الله، وغير ذلك من أعمال البر والخير. فيكون رمضان موسم خير له، يتزود فيه من الطاعات، ويتخلص فيه من الأوزار والسيئات، ففي كل ليلة من رمضان يعتق الله أناسا من النار، يتجاوز عن سيئاتهم، ويغفر لهم زلاتهم، ولهذا كان شهر رمضان أحب الشهور إلى المسلمين، وهم يشعرون فيه بالسعادة والسرور، والأنس والاطمئنان، ويتمنون أن تكون السنة كلها رمضان.
ولعلك تزور أحد المراكز الإسلامية لترى بنفسك البهجة والفرحة التي يعيشها المسلمون في رمضان، صغارا وكبارا، وذلك من أثر الطاعة والعبادة كما سبق.
نسأل الله أن يهديك لما فيه خيرك وسعادتك في الدنيا والآخرة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3603)
لماذا نتثاءب في رمضان.. وقد صفدت الشياطين؟ وهل نقل التلفزيون للصور محرم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[المعروف أن الشياطين تصفد في رمضان، وأن التثاؤب من الشيطان ... فلماذا نتثاءب في رمضان؟
والمعروف أيضاً أن تصوير الإنسان محرم فهل يعتبر نقل التلفزيون للصور محرما؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
روى البخاري (6226) ومسلم (2994) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ، فَإِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ وَحَمِدَ اللَّهَ، كَانَ حَقًّا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ وَأَمَّا التَّثَاؤُبُ فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ؛ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا تَثَاءَبَ ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ) .
قيل في معنى ذلك: إن الشَّيْطَان يُحِبّ أَنْ يَرَى الْإِنْسَان مُتَثَائِبًا، ويعجبه ذلك منه؛ لِأَنَّهَا حَالَة تَتَغَيَّر فِيهَا صُورَته فَيَضْحَك مِنْهُ، وليس المراد أَنَّ الْمُرَاد أَنَّ الشَّيْطَان هو الذي فَعَلَ التَّثَاؤُب.
وقيل: إنما أضيف التثاؤب إلى الشيطان لأن التثاؤب ينشأ عن امتلاء البطن، وينتج عنه التكاسل؛ وَذَلِكَ إنما يكون بتأثير من الشَّيْطَان. قَالَ النَّوَوِيّ رحمه الله: أُضِيفَ التَّثَاؤُب إِلَى الشَّيْطَان لِأَنَّهُ يَدْعُو إِلَى الشَّهَوَات، إِذْ يَكُون عَنْ ثِقَل الْبَدَن وَاسْتِرْخَائِهِ وَامْتِلَائِهِ , وَالْمُرَاد التَّحْذِير مِنْ السَّبَب الَّذِي يَتَوَلَّد مِنْهُ ذَلِكَ وَهُوَ التَّوَسُّع فِي الْمَأْكَل.
وقال المناوي رحمه الله: أضافه إليه لأنه الداعي إلى إعطاء النفس حظها من الشهوة، وأراد به التحذير من السبب الذي يتولد منه وهو التوسع في المطعم والشبع فيثقل البدن عن الطاعة.
ولا إشكال في وجود التثاؤب من العبد في رمضان، مع تصفيد الشياطين فيه؛ لأنه على القول بأن معنى ذلك أن الشيطان يحبه ويرضاه، فليس من شرط محبته ورضاه أن يكون طليقا، بل يحصل ذلك منه ولو كان مصفدا.
وعلى القول بأن ذلك يكون من تأثير الشيطان، تأثيرا مباشرا، أو غير مباشر، فقد قيل إن الذي يصفد في رمضان هم المردة من الشياطين فقط، وأما غيرهم فيبقى على حاله، فلعل التثاؤب يكون من فعل من لم يصفد منهم.
وأما على القول بأن المراد بتصفيد الشياطين أن إغواءهم وتصرفهم بالشر في المؤمنين يقل في ذلك الشهر عن غيره، فلعل التثاؤب يكون من ذلك التصرف القليل الذي يتمكنون منه في رمضان.
وللمزيد حول معنى تصفيد الشياطين في رمضان راجع السؤال رقم (39736) ، وراجع أيضا السؤال رقم (37965) لمعرفة الجواب عن: كيف تقع المعاصي في رمضان، مع تصفيد الشياطين.
وأما السؤال عن حكم نقل الصور بالتلفزيون، فتجد جوابه في السؤال رقم (10326) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3604)
الحكمة من مشروعية الصيام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكمة من مشروعية الصيام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا بد أولاً أن نعلم أن الله تعالى من أسمائه الحسنى (الحكيم) والحكيم مشتق من الحُكْم ومن الحِكْمة.
فالله تعالى له الحكم وحده، وأحكامه سبحانه في غاية الحكمة والكمال والإتقان.
ثانياً:
أن الله تعالى لم يشرع حكماً من الأحكام إلا وله فيه حكم عظيمة، قد نعلمها، وقد لا تهتدي عقولنا إليها، وقد نعلم بعضها ويخفى علينا الكثير منها.
ثالثاً:
قد ذكر الله تعالى الحكمة من مشروعية الصيام وفرضِه علينا في قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة / 183.
فالصيام وسيلة لتحقيق التقوى، والتقوى هي فعل ما أمر الله تعالى به، وترك ما نهى عنه.
فالصيام من أعظم الأسباب التي تعين العبد على القيام بأوامر الدين.
وقد ذكر العلماء رحمهم الله بعض الحكم من مشروعية الصيام، وكلها من خصال التقوى، ولكن لا بأس من ذكرها، ليتنبه الصائم لها، ويحرص على تحقيقها.
فمن حكم الصوم:
1- أَنَّ الصَّوْمَ وَسِيلَةٌ إلَى شُكْرِ النِّعْم , فالصيام هُوَ كَفُّ النَّفْسِ عَنْ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ , وهذه مِنْ أَجَلِّ النِّعَمِ وَأَعْلاهَا , وَالامْتِنَاعُ عَنْهَا زَمَانًا مُعْتَبَرًا يُعَرِّفُ قَدْرَهَا , إذْ النِّعَمُ مَجْهُولَةٌ , فَإِذَا فُقِدَتْ عُرِفَتْ, فَيَحْمِلُهُ ذَلِكَ عَلَى قَضَاءِ حَقِّهَا بِالشُّكْرِ.
2- أَنَّ الصَّوْمَ وَسِيلَةٌ إلَى ترك المحرمات , لأَنَّهُ إذَا انْقَادَتْ النَفْسٌ لِلامْتِنَاعِ عَنْ الْحَلالِ طَمَعًا فِي مَرْضَاةِ اللَّهِ تَعَالَى , وَخَوْفًا مِنْ أَلِيمِ عِقَابِهِ , فَأَوْلَى أَنْ تَنْقَادَ لِلامْتِنَاعِ عَنْ الْحَرَامِ , فَكَانَ الصَّوْمُ سَبَبًا لاتِّقَاءِ مَحَارِمِ اللَّهِ تَعَالَى.
3- أَنَّ فِي الصَّوْمِ التغلب على الشَّهْوَةِ , لأَنَّ النَّفْسَ إذَا شَبِعَتْ تَمَنَّتْ الشَّهَوَاتِ , وَإِذَا جَاعَتْ امْتَنَعَتْ عَمَّا تَهْوَى , وَلِذَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ: مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ ; فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ , وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ , وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ , فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ) .
4- أَنَّ الصَّوْمَ مُوجِبٌ لِلرَّحْمَةِ وَالْعَطْفِ عَلَى الْمَسَاكِينِ , فَإِنَّ الصَّائِمَ إذَا ذَاقَ أَلَمَ الْجُوعِ فِي بَعْضِ الأَوْقَاتِ , ذَكَرَ مَنْ هَذَا حَالُهُ فِي جَمِيعِ الأَوْقَاتِ , فَتُسَارِعُ إلَيْهِ الرِّقَّةُ عَلَيْهِ , وَالرَّحْمَةُ بِهِ , بِالإِحْسَانِ إلَيْهِ , فكان الصوم سبباً للعطف على المساكين.
5- فِي الصَّوْمِ قَهْرٌ لِلشَّيْطَانِ، وإضعاف له , فتضعف وسوسته للإنسان، فتقل منه المعاصي، وذلك لأن (الشَّيْطَان يَجْرِيَ مِنْ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فبالصيام تضيق مجاري الشيطان فيضعف، ويقل نفوذه.
قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (25/246) :
ولا ريب أن الدم يتولد من الطعام والشراب، وإذا أكل أو شرب اتسعت مجاري الشياطين - الذي هو الدم - وإذا صام ضاقت مجاري الشياطين، فتنبعث القلوب إلى فعل الخيرات، وترك المنكرات اهـ بتصرف.
6- أن الصائم يدرب نفسه على مراقبة الله تعالى، فيترك ما تهوى نفسه مع قدرته عليه، لعلمه باطلاع الله عليه.
7- وفي الصيام التزهيد في الدنيا وشهواتها، والترغيب فيما عند الله تعالى.
8- تعويد المؤمن على الإكثار من الطاعات، وذلك لأن الصائم في الغالب تكثر طاعته فيعتاد ذلك.
فهذه بعض الحكم من مشروعية الصيام، نسأل الله تعالى أن يوفقنا لتحقيقها ويعيننا على حسن عبادته.
والله أعلم.
انظر: تفسير السعدي (ص 116) ، حاشية ابن قاسم على الروض المربع (3/344) ، الموسوعة الفقهية (28/9) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3605)
هل وردت أحاديث صحيحة في عتق الأحياء والأموات في رمضان؟
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت من أحدهم أن الله يعتق من أموات المسلين كل ليلة واحداً فقط ولا يعتق من الأحياء إلا في آخر ليلة من رمضان بعدد ما أعتق خلال الشهر من أموات، فهل هذا صحيح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم نجد – بعد البحث – أحاديث وردت بذلك.
وقد وردت أحاديث أن لله تعالى عتقاء من النار في رمضان، وذلك كل ليلة.
وهذه الأحاديث منها ما هو صحيح، ومنها ما هو ضعيف، ومنها ما هو موضوع.
فمما صح من الأحاديث في ذلك:
1- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ، وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنْ النَّارِ، وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ) .
رواه الترمذي (682) وابن ماجه (1642) . وحسَّنه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " (759) .
2- عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ لِلَّهِ عِنْدَ كُلِّ فِطْرٍ عُتَقَاءَ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ) . رواه أحمد (21698) وابن ماجه (1643) . وصححه الشيخ الألباني في " صحيح ابن ماجه ".
وأما الأحاديث الضعيفة والموضوعة الواردة في ذلك، فمنها:
1- ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا كان أول ليلة من شهر رمضان نظر الله إلى خلقه، وإذا نظر الله إلى عبد لم يعذبه أبداً، ولله في كل يوم ألف ألف عتيق من النار، فإذا كانت ليلة تسع وعشرين أعتق الله فيها مثل جميع ما أعتق في الشهر كله) . وهو حديث موضوع. انظر: " ضعيف الترغيب " (591) و " السلسلة الضعيفة " (5468) .
2- وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الجنة لتبخر وتزين من الحول إلى الحول لدخول شهر رمضان، فإذا كانت أول ليلة من شهر رمضان هبت ريح من تحت العرش يقال لها المثيرة ... قال: ولله عز وجل في كل يوم من شهر رمضان عند الإفطار ألف ألف عتيق من النار كلهم قد استوجبوا النار، فإذا كان آخر يوم من شهر رمضان أعتق الله في ذلك اليوم بقدر ما أعتق من أول الشهر إلى آخره ... ) . وهو حديث موضوع. انظر: " ضعيف الترغيب " (594) .
3- وعن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لله عز وجل في كل ليلة من رمضان ستمائة ألف عتيق من النار، فإذا كان آخر ليلة أعتق الله بعدد من مضى) . وهو حديث ضعيف. انظر: " ضعيف الترغيب " (598) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3606)
كيف يدعو المسلمين الذين لا يصومون في رمضان؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي كيفية التعامل مع المسلمين الذين لا يصومون رمضان؟ وما هي أفضل طريقة لدعوتهم إلي الصيام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب هو دعوة هؤلاء المسلمين إلى الصوم، وترغيبهم فيه، وتحذيرهم من التهاون والتفريط، وذلك باتباع الوسائل التالية:
1- إعلامهم بفرضية الصوم، وعظم مكانته في الإسلام، فهو أحد المباني العظيمة التي بني عليها الإسلام.
2- تذكيرهم بالأجر العظيم المترتب على الصوم، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) رواه البخاري (38) ومسلم (760) .
وقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَصَامَ رَمَضَانَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، جَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ جَلَسَ فِي أَرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا. فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلا نُبَشِّرُ النَّاسَ؟ قَالَ: إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ، وَأَعْلَى الْجَنَّةِ، وفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ) رواه البخاري (7423) .
وقوله صلى الله عليه وسلم: (يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَأَكْلَهُ وَشُرْبَهُ مِنْ أَجْلِي. وَالصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ، فَرْحَةٌ حِينَ يُفْطِرُ، وَفَرْحَةٌ حِينَ يَلْقَى رَبَّهُ، وَلَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ) رواه البخاري (7492) ومسلم (1151) .
3- ترهيبهم من ترك الصوم، وبيان أن ذلك من كبائر الذنوب، فقد روى ابن خزيمة (1986) وابن حبان (7491) عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (بينا أنا نائم إذ أتاني رجلان فأخذا بضبعيّ (الضبع هو العضد) فأتيا بي جبلا وعِرا، فقالا: اصعد. فقلت: إني لا أطيقه. فقالا: إنا سنسهله لك. فصعدت حتى إذا كنت في سواء الجبل إذا بأصوات شديدة، قلت: ما هذه الأصوات؟ قالوا: هذا عواء أهل النار. ثم انطلق بي فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم، مشققة أشداقهم، تسيل أشداقهم دما، قلت: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين يفطرون قبل تحلة صومهم. صححه الألباني في صحيح موارد الظمآن (1509) .
وقال الألباني رحمه الله معلقاً: " أقول: هذه عقوبة من صام ثم أفطر عمدا قبل حلول وقت الإفطار، فكيف يكون حال من لا يصوم أصلا؟! نسأل الله السلامة والعافية في الدنيا والآخرة ". انظر السؤال (38747) .
5- بيان يسر الصوم وسهولته، وما فيه من الفرح والسرور والرضا، وطمأنينة النفس، وراحة القلب، مع لذة التعبد في أيامه ولياليه، بقراءة القرآن، وقيام الليل.
6- دعوتهم لسماع بعض المحاضرات، وقراءة شيء من النشرات، التي تتحدث عن الصوم وأهميته وحال المسلم فيه.
7- ألا تملي من دعوتهم وتذكيرهم، بالقول اللين، والكلمة الطيبة، مع الدعاء الصادق لهم بالهداية والمغفرة.
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3607)
لماذا خص الصوم بقوله تعالى: (الصيام لي وأنا أجزي به) ؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا خص الله جزاء الصوم به سبحانه وتعالى؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
روى البخاري (1761) ومسلم (1946) عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (قَالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ. . . الحديث) .
ولما كانت الأعمال كلها لله وهو الذي يجزي بها، اختلف العلماء في قوله: (الصيام لي وأنا أجزي به) لماذا خص الصوم بذلك؟
وقد ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله من كلام أهل العلم عشرة أوجه في بيان معنى الحديث وسبب اختصاص الصوم بهذا الفضل، وأهم هذه الأوجه ما يلي:
1- أن الصوم لا يقع فيه الرياء كما يقع في غيره، قال القرطبي: لما كانت الأعمال يدخلها الرياء، والصوم لا يطلع عليه بمجرد فعله إلا الله فأضافه الله إلى نفسه ولهذا قال في الحديث: (يدع شهوته من أجلي) . وقال ابن الجوزي: جميع العبادات تظهر بفعلها وقلّ أن يسلم ما يظهر من شوبٍ (يعني قد يخالطه شيء من الرياء) بخلاف الصوم.
2- أن المراد بقوله: (وأنا أجزى به) أني أنفرد بعلم مقدار ثوابه وتضعيف حسناته. قال القرطبي: معناه أن الأعمال قد كشفت مقادير ثوابها للناس وأنها تضاعف من عشرة إلى سبعمائة إلى ما شاء الله إلا الصيام فإن الله يثيب عليه بغير تقدير. ويشهد لهذا رواية مسلم (1151) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ) أي أجازي عليه جزاء كثيرا من غير تعيين لمقداره، وهذا كقوله تعالى: (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) .
3- أن معنى قوله: (الصوم لي) أي أنه أحب العبادات إلي والمقدم عندي. قال ابن عبد البر: كفى بقوله: (الصوم لي) فضلا للصيام على سائر العبادات. وروى النسائي (2220) عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لا مِثْلَ لَهُ) . صححه الألباني في صحيح النسائي.
4- أن الإضافة إضافة تشريف وتعظيم، كما يقال: بيت الله، وإن كانت البيوت كلها لله. قال الزين بن المنير: التخصيص في موضع التعميم في مثل هذا السياق لا يفهم منه إلا التعظيم والتشريف.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" وَهَذَا الحديثُ الجليلُ يدُلُّ على فضيلةِ الصومِ من وجوهٍ عديدةٍ:
الوجه الأول: أن الله اختصَّ لنفسه الصوم من بين سائرِ الأعمال، وذلك لِشرفِهِ عنده، ومحبَّتهِ له، وظهور الإِخلاصِ له سبحانه فيه، لأنه سِرُّ بَيْن العبدِ وربِّه لا يطَّلعُ عليه إلاّ الله. فإِن الصائمَ يكون في الموضِعِ الخالي من الناس مُتمكِّناً منْ تناوُلِ ما حرَّم الله عليه بالصيام، فلا يتناولُهُ؛ لأنه يعلم أن له ربّاً يطَّلع عليه في خلوتِه، وقد حرَّم عَلَيْه ذلك، فيترُكُه لله خوفاً من عقابه، ورغبةً في ثوابه، فمن أجل ذلك شكر اللهُ له هذا الإِخلاصَ، واختصَّ صيامَه لنفْسِه من بين سَائِرِ أعمالِهِ ولهذا قال: (يَدعُ شهوتَه وطعامَه من أجْلي) . وتظهرُ فائدةُ هذا الاختصاص يوم القيامَةِ كما قال سَفيانُ بنُ عُييَنة رحمه الله: إِذَا كانَ يومُ القِيَامَةِ يُحاسِبُ الله عبدَهُ ويؤدي ما عَلَيْه مِن المظالمِ مِن سائِر عمله حَتَّى إِذَا لم يبقَ إلاَّ الصومُ يتحملُ اللهُ عنه ما بقي من المظالِم ويُدخله الجنَّةَ بالصوم.
الوجه الثاني: أن الله قال في الصوم: (وأَنَا أجْزي به) فأضافَ الجزاءَ إلى نفسه الكريمةِ؛ لأنَّ الأعمالَ الصالحةَ يضاعفُ أجرها بالْعَدد، الحسنةُ بعَشْرِ أمثالها إلى سَبْعِمائة ضعفٍ إلى أضعاف كثيرةٍ، أمَّا الصَّوم فإِنَّ اللهَ أضافَ الجزاءَ عليه إلى نفسه من غير اعتبَار عَددٍ، وهُوَ سبحانه أكرَمُ الأكرمين وأجوَدُ الأجودين، والعطيَّةُ بقدر مُعْطيها. فيكُونُ أجرُ الصائمِ عظيماً كثيراً بِلاَ حساب. والصيامُ صبْرٌ على طاعةِ الله، وصبرٌ عن مَحارِم الله، وصَبْرٌ على أقْدَارِ الله المؤلمة مِنَ الجُوعِ والعَطَشِ وضعفِ البَدَنِ والنَّفْسِ، فَقَدِ اجْتمعتْ فيه أنْواعُ الصبر الثلاثةُ، وَتحقَّقَ أن يكون الصائمُ من الصابِرِين. وقَدْ قَالَ الله تَعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) الزمر/10. . . " انتهى.
"مجالس شهر رمضان" (ص 13) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3608)
يصلي ولكنه لا يصوم رمضان فهل يكفر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يكفر تارك الصوم مادام يصلي ولا يصوم بدون مرض وبدون أي عذر؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من ترك الصوم جحداً لوجوبه فهو كافر إجماعاً ومن تركه كسلاً وتهاوناً فقد ذهب بعض أهل العلم على تكفيره والصحيح أنه لا يكفر لكنه على خطر كبير بتركه ركناً من أركان الإسلام مجمع على وجوبه ويستحق العقوبة والتأديب من ولي الأمر بما يردعه وعليه قضاء ما تركه مع التوبة إلى الله سبحانه.
والله اعلم.
انظر فتاوى اللجنة (10/143) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3609)
متى يأتي رمضان وصيام غير المسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة غير مسلمة تسأل عن موعد شهر رمضان وهل يمكنها أن تصوم مع المسلمين؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اهتمامك بشهر رمضان المبارك وسؤالك متى سيأتي وترقبك لمجيئه هو أمر جميل جدا يدلّ على تأثّرك بهذه العبادة الإسلامية العظيمة وهي الامتناع عن الأكل والشرب والجماع من طلوع الفجر إلى غروب الشمس في أيام الشهر الكريم.
وأمّا عن موعد قدومه فلعلك تعلمين أيتها السائلة الكريمة أننا نحن المسلمين ترتبط شعائرنا التعبدية في توقيتها بدليل حسيّ ظاهر وملموس؛ دليل مرئي غير حسابيّ ألا وهو رؤية الهلال. فإذا رأينا أو رأى الثقة منا هلال رمضان وجب على جميع أمّة الإسلام الشّروع في الصّوم في كلّ نهار من هذا الشّهر حتى نرى ولادة هلال شهر شوال - وهو الشّهر الذي يلي رمضان - فنعرف عند ذلك أنّ رمضان قد انتهى.
والشّهر الهجري قد يكون تسعة وعشرين يوما وقد يكون ثلاثين يوما بحسب رؤية الدليل الماديّ الملموس وهو الهلال.
ولكن اعلمي أيتها السائلة الراغبة في عبادة الصيام الذي شرع في الإسلام أن صيام شهر رمضان لا ينفع ولا يقبل عند الله إلا لمن دخل في دين الإسلام وترك الدين الذي هو عليه لأن الإسلام هو الدين الحق، والدخول في دين الإسلام لا يحصل إلا بالإقرار بالشهادتين شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإذا دخل الإنسان في الإسلام صحت منه العبادات التي شرعها الله فيه ونحن ندعوك أيتها السائلة المحبة للفضائل إلى الدخول في الإسلام لتفوزي بسعادة الدنيا والآخرة ونحن مستبشرون لك بحياة سعيدة وإيمان قويّ وعمر طيب ستقضينه في ظلال هذا الدّين، ونسأل الله أن يحفظك ويرعاك.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/3610)
لا يقبل الصيام مع تضييع الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الصيام بدون صلاة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تارك الصلاة لا يقبل منه عمل، لا زكاة ولا صيام ولا حج ولا شيء.
روى البخاري (520) عن بُرَيْدَة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تَرَكَ صَلاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) .
ومعنى "حبط عمله" أي: بَطَلَ ولم ينتفع به. فهذا الحديث يدل على أن تارك الصلاة لا يقبل اللهُ منه عملاً، فلا ينتفعُ تاركُ الصلاةِ من عمله بشيء، ولا يَصْعَدُ له إلى الله عملٌ.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى في معنى هذا الحديث في كتابه الصلاة (ص/65) :
" والذي يظهر في الحديث؛ أن الترك نوعان: تركٌ كليٌّ لا يصليها أبداً، فهذا يحبط العملُ جميعُه، وتركٌ معينٌ في يومٍ معينٍ، فهذا يحبط عملُ ذلك اليومِ، فالحبوطُ العامُّ في مقابلةِ التركِ العامِّ، والحبوطُ المعينُ في مقابلةِ التركِ المعينِ " اهـ.
وسئل الشيخ ابن عثيمين في فتاوى الصيام (ص87) عن حكم صيام تارك الصلاة؟
فأجاب:
تارك الصلاة صومه ليس بصحيح ولا مقبول منه؛ لأن تارك الصلاة كافر مرتد، لقوله تعالى: (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) التوبة/11. ولقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلاةِ) رواه مسلم (82) . ولقوله صلى الله عليه وسلم: (الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلاةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ) رواه الترمذي (2621) . صححه الألباني في صحيح الترمذي.
ولأن هذا قول عامة الصحابة إن لم يكن إجماعا منهم، قال عبد الله بن شقيق رحمه الله وهو من التابعين المشهورين: كان أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة، وعلى هذا فإذا صام الإنسان وهو لا يصلي فصومه مردود غير مقبول، ولا نافع له عند الله يوم القيامة، ونحن نقول له: صل ثم صم، أما أن تصوم ولا تصلي فصومك مردود عليك لأن الكافر لا تقبل منه العبادة اهـ.
وسئلت اللجنة الدائمة (10/140) إذا كان الإنسان حريصا على صيام رمضان والصلاة في رمضان فقط، ولكن يتخلى عن الصلاة بمجرد انتهاء رمضان فهل له صيام؟
فأجابت:
الصلاة ركن من أركان الإسلام، وهي أهم الأركان بعد الشهادتين وهي من فروض الأعيان، ومن تركها جاحدا لوجوبها أو تركها تهاونا وكسلا فقد كفر، وأما الذين يصومون رمضان ويصلون في رمضان فقط فهذا مخادعة لله، فبئس القوم الذين لا يعرفون الله إلا في رمضان، فلا يصح لهم صيام مع تركهم الصلاة في غير رمضان، بل هم كفار بذلك كفرا أكبر وإن لم يجحدوا وجوب الصلاة في أصح قولي العلماء اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3611)
بيان ضعف حديث في فضل رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة الحديث المروي عن سلمان الفارسي رضي الله عنه أنه قال: (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر يوم من شعبان فقال: أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم مبارك، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعاً، من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدّى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار ... الحديث) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث رواه ابن خزيمة بلفظه في صحيحه 3/191 رقم (1887) وقال: إن صح الخبر، وسقطت (إن) من بعض المراجع مثل (الترغيب والترهيب) للمنذري (2/95) فظنوا أن ابن خزيمة قال: صح الخبر، وهو لم يجزم بذلك.
رواه المحاملي في أماليه (293) والبيهقي في شعب الإيمان (7/216) وفي فضائل الأوقات ص 146 رقم 37 وأبو الشيخ ابن حبان في كتاب (الثواب) عزاه له الساعاتي في (الفتح الرباني) (9/233) وذكره السيوطي في (الدر المنثور) وقال: أخرجه العقيلي وضعفه) والأصبهاني في الترغيب، وذكره المنقي في (كنز العمال) 8/477، كلهم عن طريق سعيد بن المسيب عن سلمان الفارسي، والحديث ضعيف الإسناد لعلتين هما:
1- فيه انقطاع حيث لم يسمع سعيد بن المسيب من سلمان الفارسي رضي الله عنه.
2- في سنده " علي بن زيد بن جدعان " قال فيه ابن سعد: فيه ضعف ولا يحتج به، وضعفه أحمد وابن معين والنسائي وابن خزيمة والجوزجاني وغيرهم كما في (سير أعلام النبلاء) (5/207)
وحكم أبو حاتم الرازي على الحديث بأنه منكر، وكذا قال العيني في (عمدة القاري) 9/20 ومثله قال الشيخ الألباني في (سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة) ج2/262 رقم (871) فيتبين ضعف إسناد هذا الحديث ومتابعته كلها ضعيفة، وحكم المحدثين عليه بالنكارة، إضافة إلى اشتماله على عبارات في ثبوتها نظر، مثل تقسيم الشهر قسمة ثلاثية: العشر الأولى عشر الرحمة ثم المغفرة ثم العتق من النار وهذه لا دليل عليها، بل فضل الله واسع، ورمضان كله رحمة ومغفرة، ولله عتقاء في كل ليلة، وعند الفطر كما ثبتت بذلك الأحاديث.
وأيضاً: في الحديث (من تقرب فيه بخصلة من الخير كمن أدى فريضة) وهذا لا دليل عليه بل النافلة نافلة والفريضة فريضة في رمضان وغيره، وفي الحديث أيضاً: (من أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه) وفي هذا التحديد نظر، إذ الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف في رمضان وغيره، ولا يخص من ذلك إلا الصيام فإن أجره عظيم دون تحديد بمقدار، للحديث القدسي (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
فينبغي الحذر من الأحاديث الضعيفة، والتثبت من درجتها قبل التحديث بها، والحرص على انتقاء الأحاديث الصحيحة في فضل رمضان، وفق الله الجميع وتقبل منا الصيام والقيام وسائر الأعمال.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الدكتور / أحمد بن عبد الله الباتلي(5/3612)
معنى تصفيد الشياطين في رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا تقولون في تصفيد الشياطين في رمضان؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
روى البخاري (1899) ومسلم (1079) ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَسُلْسِلَتْ الشَّيَاطِينُ) .
وقد اختلف العلماء في معنى تصفيد الشياطين في رمضان على أقوال.
قال الحافظ ابن حجر نقلا عن الحليمي: " يحتمل أن يكون المراد أن الشياطين لا يخلصون من افتتان المسلمين إلى ما يخلصون إليه في غيره لاشتغالهم بالصيام الذي فيه قمع الشهوات وبقراءة القرآن والذكر، وقال غيره - أي غير الحليمي - المراد بالشياطين بعضهم وهم المردة منهم.... وقوله صفدت ... أي شدت بالأصفاد وهي الأغلال وهو بمعنى سلسلت.... قال عياض يحتمل أنه على ظاهره وحقيقته وأن ذلك كله علامة للملائكة لدخول الشهر وتعظيم حرمته ولمنع الشياطين من أذى المؤمنين، ويحتمل أن يكون إشارة إلى كثرة الثواب والعفو وأن الشياطين يقل اغواؤهم فيصيرون كالمصفدين، قال ويؤيد هذا الاحتمال الثاني قوله في رواية يونس عن بن شهاب عند مسلم فتحت أبواب الرحمة، قال ويحتمل أن يكون.... تصفيد الشياطين عبارة عن تعجيزهم عن الإغواء وتزيين الشهوات. قال الزين بن المنير والأول أوجه ولا ضرورة تدعو إلى صرف اللفظ عن ظاهره " فتح الباري 4/114
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى عن قول النبي صلى الله عليه وسلم (وصفدت الشياطين) ومع ذلك نرى أناسا يصرعون في نهار رمضان، فكيف تصفد الشياطين وبعض الناس يصرعون؟
فأجاب بقوله: " في بعض روايات الحديث: (تصفد فيه مردة الشياطين) أو (تغل) وهي عند النسائي، ومثل هذا الحديث من الأمور الغيبية التي موقفنا منها التسليم والتصديق، وأن لا نتكلم فيما وراء ذلك، فإن هذا أسلم لدين المرء وأحسن عاقبة، ولهذا لما قال عبد الله ابن الإمام أحمد بن حنبل لأبيه: إن الإنسان يصرع في رمضان. قال الإمام: هكذا الحديث ولا تكلم في هذا.
ثم إن الظاهر تصفيدهم عن إغواء الناس، بدليل كثرة الخير والإنابة إلى الله تعالى في رمضان. " انتهى كلامه [مجموع الفتاوى 20]
وعلى هذا فتصفيد الشياطين تصفيد حقيقي الله أعلم به، ولا يلزم منه ألا يحصل شرور أو معاصي بين الناس.
والله أعلم.
يراجع السؤال رقم (12653) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3613)
عقوبة الإفطار في رمضان من غير عذر
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا لا أصوم هل أعذب يوم القيامة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صوم رمضان أحد الأركان التي بني عليها الإسلام، وقد أخبر الله أنه كتبه على المؤمنين من هذه الأمة، كما كتبه على من كان قبلهم، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة / 183
وقال: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) البقرة / 185
وروى البخاري (8) ومسلم (16) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَان) .
فمن ترك الصوم فقد ترك ركناً من أركان الإسلام، وفعل كبيرة عظيمة من كبائر الذنوب، بل ذهب بعض السلف إلى كفره وردته، عياذا بالله من ذلك.
وقد روى أبو يعلى في مسنده عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (عرى الإسلام وقواعد الدين ثلاثة عليهن أسس الإسلام من ترك واحدة منهن فهو بها كافر حلال الدم: شهادة أن لا إله إلا الله، والصلاة المكتوبة، وصوم رمضان) . والحديث صححه الذهبي، وحسنه الهيثمي في مجمع الزوائد (1/48) والمنذري في الترغيب والترهيب برقم 805، 1486، وضعفه الألباني في السلسة الضعيفة برقم 94.
وقال الذهبي في الكبائر (ص 64) :
وعند المؤمنين مقرر أن من ترك صوم رمضان بلا مرض ولا غرض (أي بلا عذر يبيح ذلك) أنه شر من الزاني ومدمن الخمر، بل يشكون في إسلامه ويظنون به الزندقة والانحلال اهـ.
ومما صح من الوعيد على ترك الصوم ما رواه ابن خزيمة (1986) وابن حبان (7491) عن أبي أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (بينا أنا نائم إذ أتاني رجلان فأخذا بضبعيّ (الضبع هو العضد) فأتيا بي جبلا وعِرا، فقالا: اصعد فقلت: إني لا أطيقه. فقالا: إنا سنسهله لك. فصعدت حتى إذا كنت في سواء الجبل إذا بأصوات شديدة، قلت: ما هذه الأصوات؟ قالوا: هذا عواء أهل النار. ثم انطلقا بي فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم، مشققة أشداقهم، تسيل أشداقهم دما، قلت: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين يفطرون قبل تحلة صومهم. صححه الألباني في صحيح موارد الظمآن برقم 1509.
قال الألباني رحمه الله: هذه عقوبة من صام ثم أفطر عمدا قبل حلول وقت الإفطار، فكيف يكون حال من لا يصوم أصلا؟! نسأل الله السلامة والعافية في الدنيا والآخرة اهـ.
والعُرقوب هو العَصَب الذي فوق مؤخرة قدم الإنسان.
والشِّدق هو جانب الفم.
فالنصيحة للأخ السائل: أن يتقي الله تعالى، ويحذر نقمته وغضبه وأليم عقابه، ولتبادر إلى التوبة قبل أن يفاجأك هاذم اللذات ومفرق الجماعات، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل، واعلم أن من تاب تاب الله عليه، ومن تقرب إلى الله شبرا تقرب إليه باعا، فهو الكريم الحليم الرحيم سبحانه: (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) التوبة / 104
ولو جربت الصوم وعلمت ما فيه من اليسر، والأنس، والراحة، والقرب من الله، ما تركته.
وتأمل قول الله تعالى في ختام آيات الصوم: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) وقوله (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) لتدرك أن الصوم نعمة تستحق الشكر، ولهذا كان جماعة من السلف يتمنون أن يكون العام كله رمضان.
نسأل الله أن يوفقك، وأن يهديك، وأن يشرح صدرك لما فيه سعادتك في الدنيا والآخرة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3614)
هل تضاعف السيئة والحسنة في رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أن السيئة تضاعف في رمضان كما أن الحسنة تضاعف؟ وهل ورد دليل على ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، تضاعف الحسنة والسيئة في الزمان والمكان الفاضلين، ولكن هناك فرق بين مضاعفة الحسنة ومضاعفة السيئة، فمضاعفة الحسنة مضاعفة بالكم والكيف، والمراد بالكم: العدد، فالحسنة بعشر أمثالها أو أكثر، والمراد بالكيف أن ثوابها يعظم ويكثر، وأما السيئة فمضاعفتها بالكيف فقط أي أن إثمها أعظم والعقاب عليها أشد، وأما من حيث العدد فالسيئة بسيئة واحدة ولا يمكن أن تكون بأكثر من سيئة.
قال في مطالب أولي النهى (2/385) :
(وتضاعف الحسنة والسيئة بمكان فاضل كمكة والمدينة وبيت المقدس وفي المساجد , وبزمان فاضل كيوم الجمعة , والأشهر الحرم ورمضان. أما مضاعفة الحسنة ; فهذا مما لا خلاف فيه , وأما مضاعفة السيئة ; فقال بها جماعة تبعا لابن عباس وابن مسعود. . . وقال بعض المحققين: قول ابن عباس وابن مسعود في تضعيف السيئات: إنما أرادوا مضاعفتها في الكيفية دون الكمية) اهـ.
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: (الصيام هل يحصّل به المسلم تكفير الذنوب صغيرها وكبيرها؟ وهل إثم الذنوب يتضاعف في رمضان؟)
فأجاب: (المشروع للمسلم في رمضان وفي غيره مجاهدة نفسه الأمارة بالسوء حتى تكون نفسا مطمئنة آمرة بالخير راغبة فيه، وواجب عليه أن يجاهد عدو الله إبليس حتى يسلم من شره ونزغاته، فالمسلم في هذه الدنيا في جهاد عظيم متواصل للنفس والهوى والشيطان، وعليه أن يكثر من التوبة والاستغفار في كل وقت وحين، ولكن الأوقات يختلف بعضها عن بعض، فشهر رمضان هو أفضل أشهر العام، فهو شهر مغفرة ورحمة وعتق من النار، فإذا كان الشهر فاضلا والمكان فاضلا ضوعفت فيه الحسنات، وعظم فيه إثم السيئات، فسيئة في رمضان أعظم إثما من سيئة في غيره، كما أن طاعة في رمضان أكثر ثوابا عند الله من طاعة في غيره. ولما كان رمضان بتلك المنزلة العظيمة كان للطاعة فيه فضل عظيم ومضاعفة كثيرة، وكان إثم المعاصي فيه أشد وأكبر من إثمها في غيره، فالمسلم عليه أن يغتنم هذا الشهر المبارك بالطاعات والأعمال الصالحات والإقلاع عن السيئات عسى الله عز وجل أن يمن عليه بالقبول ويوفقه للاستقامة على الحق، ولكن السيئة دائما بمثلها لا تضاعف في العدد لا في رمضان ولا في غيره، أما الحسنة فإنها تضاعف بعشر أمثالها إلى أضعاف كثيرة؛ لقول الله عز وجل في سورة الأنعام:) مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) الأنعام / 160
والآيات في هذا المعنى كثيرة.
وهكذا في المكان الفاضل كالحرمين الشريفين تضاعف فيهما أضعافا كثيرة في الكمية والكيفية، أما السيئات فلا تضاعف بالكمية ولكنها تضاعف بالكيفية في الزمان الفاضل والمكان الفاضل كما تقدمت الإشارة إلى ذلك، والله ولي التوفيق)
انتهى من مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (15/446) .
وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (7/262) :
تضاعف الحسنة والسيئة بمكان وزمان فاضل.
فالحسنة تضاعف بالكم وبالكيف. وأما السيئة فبالكيف لا بالكم، لأن الله تعالى قال في سورة الأنعام وهي مكية: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) الأنعام/160. وقال: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) الحج/25. ولم يقل: نضاعف له ذلك. بل قال: (نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) فتكون مضاعفة السيئة في مكة أو في المدينة مضاعفة كيفية. (بمعنى أنها تكون أشد ألماً ووجعاً لقوله تعالى: وقال: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) الحج/25.اهـ
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3615)
زوجته لا تريد أن تصوم
[السُّؤَالُ]
ـ[أخي متدين ولكن زوجته غير متدينة فهي لا تصوم ولا تدري أصلاً عن رمضان، لا يوجد أحد من أقربائنا يسكن قريباً منه ويجده من الصعب أن يؤثر على زوجته أو يجعلها تتغير، يدعو الله لها أن يهديها وأن يرزقه الصبر عليها، ولكن الذي يبدو أنها لا تريد أن تتغير أو أن تتصرف كالمسلمين.
هل يمكن أن تخبرني كيف يتصرف معها لكي تقرب أكثر للإسلام وتصبح متدينة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب على أخيك أن يسعى بكل الوسائل لهداية زوجته إلى طريق الحق، فيستعمل معها أسلوب الترغيب والترهيب، ويذكرها بالله عز وجل وحقوقه، ويعظها وينبهها إلى خطر ما هي عليه، ثم ليسعى إلى ربطها بصحبة صالحة، ولو لم تكن من أقاربه، كأن يربطها بزوجات أصحابه المستقيمات الصالحات، ويحضر لها الأشرطة النافعة، والكتيبات المفيدة، فإن أطاعته فهذا هو المطلوب، وإلا فلا مانع من أن يستعمل معها أسلوب الهجر إذا كان مفيدا في مثل هذه الحالة، فإنه إذا شرع الهجر لأجل حق الزوج، فلأن يشرع لأجل حق الله من باب أولى.
وقد ثبت عن أبي أمامة الباهلي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (بينا أنا نائم إذ أتاني رجلان فأخذا بضبعي فأتيا بي جبلا وعرا، فقالا لي اصعد، فقلت إني لا أطيقه، فقالا إنا سنسهله لك، فصعدت حتى إذا كنت في سواء الجبل، إذا أنا بأصوات شديدة، فقلت ما هذه الأصوات قالوا هذا عواء أهل النار، ثم انطلق بي فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم مشققة أشداقهم تسيل أشداقهم دما، فقلت من هؤلاء؟ قال هؤلاء الذين يفطرون قبل تحلة صومهم) رواه البيهقي برقم 7796، وصححه الألباني
فإذا كانت تلك عقوبة من يفطر قبل موعد الإفطار، فكيف بمن لا يصوم أصلا.
أما إذا كانت تلك الزوجة تضيف إلى عدم صيامها عدم الصلاة بالكلية، فإنها بذلك تكون قد خرجت عن حظيرة الإسلام على الراجح من أقوال أهل العلم، وعليه فلا يجوز لأخيك أن يبقيها تحت عصمته.
والله أعلم.
يراجع السؤال رقم (12828) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3616)
لماذا يصوم المسلمون؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعيش في بريطانيا وكثيراً ما يسألني غير المسلمين لماذا يصوم المسلمون؟ فماذا أقول لهم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نصوم – نحن المسلمين- شهر رمضان لأن الله تعالى أمرنا بذلك، بقوله سبحانه تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة/183.
فنحن نتعبد لله تعالى بهذه العبادة المحبوبة إلى الله تعالى، والتي أمرنا بها.
والمؤمن يبادر إلى امتثال أمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم عملاً بقوله تعالى: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) النور/51.
وقوله: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) الأحزاب /36.
ثانياً:
"من حكمة الله عز وجل، أن الله نوع العبادات في التكليف؛ ليختبر المكلف كيف يكون امتثاله لهذه الأنواع، فهل يمتثل ويقبل ما يوافق طبعه، أو يمتثل ما به رضا الله عز وجل؟ فإذا تأملنا العبادات الخمس: الشهادة والصلاة، والزكاة، والصوم، والحج وجدنا أن بعضها بدني محض، وبعضها مالي محض، وبعضها مركب، حتى يتبين الشحيح من الجواد، فربما يهون على بعض الناس أن يصلي ألف ركعة، ولا يبذل درهما، وربما يهون على بعض الناس أن يبذل ألف درهم ولا يصلي ركعة واحدة.
فجاءت الشريعة بالتقسيم والتنويع حتى يعرف من يمتثل تعبدا لله، ومن يمتثل تبعا لهواه.
فالصلاة مثلا عبادة بدنية محضة وما يجب لها مما يحتاج إلى المال كماء الوضوء الذي يشتريه الإنسان، والثياب لستر العورة تابع، وليس داخلا في صلب العبادة.
والزكاة: مالية محضة، وما تحتاج إليه من عمل بدني كإحصاء المال وحسابه، ونقل الزكاة إلى الفقير والمستحق فهو تابع، وليس داخلا في صلب العبادة.
والحج: مركب من مال وبدن إلا في أهل مكة فقد لا يحتاجون إلى المال، لكن هذا شيء نادر، أو قليل بالنسبة لغير أهل مكة.
والجهاد في سبيل الله: مركب من مال وبدن، ربما يستحق المال وربما يستحق البدن.
والتكليف أيضا ينقسم إلى: كف عن المحبوبات، وإلى بذل للمحبوبات، وهذا نوع من التكليف أيضا.
كف عن المحبوبات مثل: الصوم، وبذل للمحبوبات كالزكاة؛ لأن المال محبوب إلى النفس، فلا يبذل المال المحبوب إلى النفس إلا لشيء أحب منه.
وكذلك الكف عن المحبوبات، وربما يهون على المرء أن ينفق ألف درهم، ولا يصوم يوما واحدا أو بالعكس" اهـ قاله الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (6/190) .
ثالثاً:
لتشريع الصيام حكم عظيمة سبق ذكر بعضها في إجابة السؤال (26862) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين عن الحكمة من إيجاب الصوم؟
فأجاب:
إذا قرأنا قول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة /183، عرفنا ما هي الحكمة من إيجاب الصوم، وهي التقوى والتعبد لله سبحانه وتعالى، والتقوى هي ترك المحارم وهو عند الإطلاق تشمل فعل المأمور به وترك المحظور، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْلَ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ) رواه البخاري (6057) . راجع السؤال رقم (37658) ، (37989) .
وعلى هذا يتأكد على الصائم القيام بالواجبات وكذلك اجتناب المحرمات من الأقوال والأفعال، فلا يغتاب الناس ولا يكذب، ولا ينم بينهم، ولا يبيع بيعا محرما، ويجتنب جميع المحرمات، وإذا فعل الإنسان ذلك في شهر كامل فإن نفسه سوف تستقيم بقية العام. ولكن المؤسف أن كثيرا من الصائمين لا يفرقون بين يوم صومهم ويوم فطرهم فهم على العادة التي هم عليها من ترك الواجبات وفعل المحرمات، ولا تشعر أن عليه وقار الصوم، وهذه الأفعال لا تبطل الصوم، ولكن تنقص من أجره، وربما عند المعادلة ترجح على أجر الصوم فيضيع ثوابه اهـ.
"فتاوى أركان الإسلام" (ص 451) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3617)
خصائص شهر رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو رمضان؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
رمضان.. هو شهر من الأشهر العربية الاثني عشر، وهو شهر معظم في دين الإسلام وقد تميز عن بقية الشهور بجملة من الخصائص والفضائل ومن ذلك:
1- أن الله عز وجل جعل صومه الركن الرابع من أركان الإسلام , كما قال تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْه) البقرة / 185 , وثبت في الصحيحين البخاري (8) ، ومسلم (16) من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله , وأن محمدا عبد الله ورسوله , وإقام الصلاة , وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان , وحج البيت ".
2- أن الله عز وجل أنزل فيه القرآن , كما قال تعالى في الآية السابقة: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) البقرة / 185، وَقَال سُبْحَانَهُ وتَعَالَى: {إنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} .
3- أن الله جعل فيه ليلة القدر , التي هي خير من ألف شهر , كما قال تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ. وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ. لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ. تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ. سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) القدر / 1_5. وقال أيضا: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ) الدخان / 3.
فَضَّلَ اللَّهُ تَعَالَى رَمَضَانَ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ , وَفِي بَيَانِ مَنْزِلَةِ هَذِهِ اللَّيْلَةِ الْمُبَارَكَةِ نَزَلَتْ سُورَةُ الْقَدْرِ وَوَرَدَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ , تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ , وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ , وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ , لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ, مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ " رواه النسائي (2106) وأحمد (8769) صححه الألباني في صحيح الترغيب (999) .
وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " " رواه البخاري (1910) ومسلم (760) .
4- أن الله عز وجل جعل صيامه وقيامه إيمانا واحتسابا سببا لمغفرة الذنوب , كما ثبت في الصحيحين البخاري (2014) ، ومسلم (760) من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ". وفيهما البخاري (2008) ومسلم (174) أيضا عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: " ومن قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ".
وقد أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى سُنِّيَّةِ قِيَامِ لَيَالِيِ رَمَضَانَ , وَقَدْ ذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِقِيَامِ رَمَضَانَ صَلَاةُ التَّرَاوِيحِ يَعْنِي أَنَّهُ يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ مِنْ الْقِيَامِ بِصَلَاةِ التَّرَاوِيحِ.
5- أن الله عز وجل يفتح فيه أبواب الجنان , ويُغلق فيه أبواب النيران , ويُصفِّد فيه الشياطين , كما ثبت في الصحيحين البخاري (1898) ، ومسلم (1079) من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة , وغلقت أبواب النار , وصُفِّدت الشياطين ".
6- أن لله في كل ليلة منه عتقاء من النار، روى الإمام أحمد (5/256) من حديث أبي أُمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لله عند كل فطر عتقاء ". قال المنذري: إسناده لا بأس به. وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (987) .
وروى البزار (كشف_ 962) من حديث أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن لله تبارك وتعالى عتقاء في كل يوم وليلة _ يعني في رمضان _ , وإن لكل مسلم في كل يوم وليلة دعوة مستجابة ".
7- أن صيامَ رمضان سببٌ لتكفير الذنوب التي سبقته من رمضان الذي قبله إذا اجتنبت الكبائر , كما ثبت في "صحيح مسلم" (233) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الصلوات الخمس , والجمعة إلى الجمعة , ورمضان إلى رمضان , مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر ".
8- أن صيامه يعدل صيام عشرة أشهر , كما يدل على ذلك ما ثبت في "صحيح مسلم" (1164) من حديث أبي أيوب الأنصاري قال: " من صام رمضان , ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر ". وروى أحمد (21906) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صام رمضان فشهر بعشرة أشهر، وصيام ستة أيام بعد الفطر فذلك تمام السنة)
9- أن من قام فيه مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة، لما ثبت عند أبي داود (1370) وغيره من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة ". وصححه الألباني في "صلاة التراويح" (ص 15)
10- أن العمرة فيه تعدل حجة، روى البخاري (1782) ومسلم (1256) عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لامرأة من الأنصار: " ما منعك أن تحجي معنا؟ " قالت: لم يكن لنا إلا ناضحان , فحج أبو ولدها وابنها على ناضح , وترك لنا ناضحا ننضح عليه , قال: " فإذا جاء رمضان فاعتمري , فإن عمرة فيه تعدل حجة " , وفي رواية لمسلم:" حجة معي ". والناضح هو بعير يسقون عليه.
11- أنه يُسن الاعْتِكَافُ فِيهِ , لِمُوَاظَبَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِ , كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ - رضي الله عنها – " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى , ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ " رواه البخاري (1922) ومسلم (1172) .
12- يُسْتَحَبُّ فِي رَمَضَانَ اسْتِحْبَابًا مُؤَكَّدًا مُدَارَسَةُ الْقُرْآنِ وَكَثْرَةُ تِلاوَتِهِ , وَتَكُونُ مُدَارَسَةُ الْقُرْآنِ بِأَنْ يَقْرَأَ عَلَى غَيْرِهِ وَيَقْرَأَ غَيْرُهُ عَلَيْهِ , وَدَلِيلُ الاسْتِحْبَابِ " أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يَلْقَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ " رواه البخاري (6) ومسلم (2308) .
وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ مُسْتَحَبَّةٌ مُطْلَقًا , وَلَكِنَّهَا فِي رَمَضَانَ آكَدُ.
13- يستحب في رمضان تَفْطِيرُ الصَّائِمِ: لِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ , غَيْرَ أَنَّهُ لا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا " رواه الترمذي (807) وابن ماجه (1746) وصححه الألباني في صحيح الترمذي (647) . راجع سؤال رقم (12598)
والله تعالى اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3618)
التهنئة بدخول رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم التهنئة بدخول شهر رمضان بلفظ: (كل عام وأنت بخير) ؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس للتهنئة بدخول شهر رمضان لفظ معين لا ينبغي للمسلم أن يتعداه إلى غيره، فيجوز التهنئة بأي لفظ اعتاده الناس مثل: (كل عام وأنتم بخير) ونحو ذلك من الألفاظ التي ليس فيها محظور شرعي.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3619)
نصرانية تريد أن تصوم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا نصرانية ولكنني لا أؤمن بديني وأنا آسفة لهذا، أمنت بالله وبرسوله وأريد أن أصوم رمضان، ولكنني لا زلت نصرانية فهل يمكن أن أصوم رمضان؟ لا أعلم كيف أصبح مسلمة، أشعر بهذا في قلبي، ولكنني أظن بأن هذا ليس كافياً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله تعالى أن يشرح صدرك للإسلام.
أيتها العاقلة
إن صيامك من غير دخولك في الإسلام لن تستفيدي منه شيئاً إلا الجوع والعطش، لأن جميع العبادات لا يقبلها الله تعالى إلا إذا كانت مبنية على اعتقاد صحيح، ودين سليم.
إن الأهم لك -ولا شيء أهم منه على الإطلاق- هو أن تبدئي بالخطوة الصحيحة ألا وهي الدخول في الإسلام.
وبعد ذلك تقومين بالصلاة والصيام، وتقرئين القرآن، وتؤدين سائر العبادات، فيحيا بها قلبك، وينشرح صدرك.
إن دخولك في الإسلام ليس بالأمر العسير، لا يحتاج منك فقط إلا إلى النطق بالشهادتين (أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله) .
إن وجود الشعور في قلبك بدخولك في الإسلام هذا من علامة الخير، فعليك أن تتخذي الخطوة الأخيرة في ذلك بالقرار الحاسم الذي يترتب عليه سعادتك في الدنيا والآخرة.
إنك لا تؤمنين بدينك -كما قلتِ في سؤالك- فما قيمة هذه الحياة إذا كان الإنسان بلا دين ولا قيم ولا نظام رباني يسير عليه الإنسان في حياته؟!
أتظنين أن هذه الحياة الدنيا مجرد لهو ولعب وتمتع بالشهوات ثم ينتهي ذلك بالموت؟
كلا!! إن بعد الموت حساباً، وبعد الحساب جنة أو نار.
فعليك السعي فيما يكون سبباً في نجاتك، ولا تتأخري ولا تنتظري فإن قطار العمر يسير، ولا يدري المرء متى يتوقف به هذا القطار. وهو لا يتوقف به إلا على أول مراحل الآخرة، فهنالك لا ينفع الندم.
يتمنى الإنسان لو رجع إلى هذه الحياة الدنيا ليؤمن ويعمل صالحاً،
(حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) المؤمنون/99-100.
(وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ) الأنعام/27.
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمْ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ) فاطر/36-37.
نسأل الله تعالى أن يلهمك رشدك ويوفقك لما فيه خيرك في الدنيا والآخرة.
ونحن على أتم استعداد لتلقي أي سؤال منك والإجابة عنه إن شاء الله تعالى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3620)
متى فرض الصيام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[في أي عام فرض الصيام على المسلمين؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فرض صيام شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة، وصام الرسول صلى الله عليه وسلم تسع رمضانات.
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (6/250) :
صام رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان تسع سنين، لأنه فرض في شعبان في السنة الثانية من الهجرة وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة اهـ
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3621)
إذا صامت المرأة وهي حامل وعليها نزيف
[السُّؤَالُ]
ـ[صمت من رمضان الشهر كله، وأنا غالب ظني أن صيامي غير سليم حيث كان عندي جنين في بطني ومعي نزيف، وأنا الآن صحتي ضعيفة ولا أستطيع الصيام. فإذا كان لم يصح صيامي فماذا أفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا صامت المرأة وفي بطنها جنين ومعها نزيف الدم فصومها صحيح؛ لأن هذا النزيف الذي معها وهي حامل لا يؤثر شيئاً ولا يعتبر حيضاً ولا نفاساً؛ لأن الولد موجود في البطن، فليس بنفاس، وليس بحيض؛ لأن الغالب أن الحامل لا تحيض، وعلى قول من قال: إن الحامل قد تحيض، فيشترطون أن يكون الدم مستقيماً على عادته الأولى.
فإذا كانت المرأة التي سألت عن هذا السؤال إنما دمها ملتبس عليها ومتغير؛ نزيف يتقطع ويختلف ليس على عادته الأولى القديمة التي تراها قبل الحمل هذا كله دم فاسد، وصومها صحيح، وليس عليها قضاء الصوم والحمد لله؛ لأن الدم الذي مع الحامل في الغالب يكون دماً فاسداً مختلاً يزيد وينقص ويتقدم ويتأخر ويتنوع، فهو لا يعتبر.
أما لو قدر أنه على حالته الأولى قبل الحمل لم يتغير بل جاء في عادته فهذا قال بعض أهل العلم: إنه حيض، وان عليها أن تجلس ولا تصوم، قاله جماعة من العلماء.
وذهب آخرون من أهل العلم أنه ولو كان على عادته وعلى حاله الأولى لا يعتبر، وأن الحامل لا تحيض. هذا قول مشهور عن أهل العلم. لكن الغالب أن الحامل إنما يأتيها دم مضطرب متغير نزيف لا يستقر له قرار، فهذا لا يعتبر عند الجميع ولا يلتفت إليه، بل صومها صحيح وصلاتها صحيحة.
وعليها في هذه الحالة أن تتحفظ بقطن ونحوه وتتوضأ لوقت كل صلاة، إذا دخل الوقت تتوضأ لكل صلاة وتصلي بطهارتها ولو أن الدم لا يزال يخرج معها؛ لأنها مبتلاة بهذا الشيء مثل صاحب سلس البول ومثل المستحاضة التي ليست حاملاً سواء بسواء؛ فهذا الدم الجاري معها دم فاسد لا يضرها.
لكنها تستنجي بعد دخول الوقت وتتوضأ وضوء الصلاة وتصلي على حسب حالها.
وإذا جمعت بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء كما علم النبي بعض الصحابيات عليه الصلاة والسلام، وإذا اغتسلت مع ذلك عند صلاة الظهر والعصر غسلاً واحداً والمغرب والعشاء غسلاً واحداً من باب النظافة والنشاط هذا حسن، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى به بعض النساء المستحاضات" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (3/1227) .
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
فتاوى نور على الدرب(5/3622)
حكم الدم قبل الولادة
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة جاءها دم أثناء الحمل قبل نفاسها بخمسة أيام في شهر رمضان هل يكون دم حيض أو نفاس وماذا يجب عليها؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الأمر كما ذكر من رؤيتها الدم وهي حامل قبل الولادة بخمسة أيام فإن لم تر علامة على قرب الوضع كالمخاض وهو الطلق فليس بدم حيض ولا نفاس بل دم فساد على الصحيح وعلى ذلك لا تترك العبادات بل تصوم وتصلي وإن كان مع هذا الدم أمارة من أمارات قرب وضع الحمل من الطلق ونحوه فهو دم نفاس تدع من أجله الصلاة والصوم ثم إذا طهرت منه بعد الولادة قضت الصوم دون الصلاة.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة.(5/3623)
منع العادة الشهرية في رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[تعمد بعض النساء أخذ حبوب في رمضان لمنع الدورة الشهرية - الحيض - والرغبة في ذلك حتى لا تقضي فيما بعد فهل هذا جائز وهل في ذلك قيود حتى لا تعمل بها هؤلاء النساء؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي أراه في هذه المسألة ألا تفعله المرأة وتبقى على ما قدره الله عز وجل وكتبه على بنات آدم فإن هذه الدورة الشهرية لله تعالى حكمة في إيجادها، هذه الحكمة تناسب طبيعة المرأة فإذا منعت هذه العادة فإنه لا شك يحدث منها رد فعل ضار على جسم المرأة وقد قال صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) هذا بغض النظر عما تسببه هذه الحبوب من أضرار على الرحم كما ذكر ذلك الأطباء، فالذي أرى في هذه المسألة أن النساء لا يستعملن هذه الحبوب والحمد لله على قدره وحكمته إذا أتاها الحيض تمسك عن الصوم والصلاة وإذا طهرت تستأنف الصيام والصلاة وإذا انتهى رمضان تقضي ما فاتها من الصوم.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى الشيخ ابن عثيمين.(5/3624)
صامت مع الشك في غسلها من الحيض فهل يلزمها القضاء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة أعاني من مشكلة الوسواس القهري في العبادات وخصوصا في الطهارة فأنا عندما يأتيني الحيض لا أنتظر حتى أرى الطهر فمجرد الجفاف أغتسل لإحساسي بالذنب لعدم الصلاة وأعاود الاغتسال مرتين وأكثر فأنا قبل رمضان بيومين اغتسلت من الحيض وبعد أربعة وعشرين ساعة رأيت كدرة تميل إلى الاحمرار فتتبعت أثر الكدرة بمنديل واغتسلت في الليل بنية صيام أول أيام رمضان وصمت اليوم الأول وصمت اليوم الثاني من رمضان وعند صلاة العصر من اليوم الثاني من رمضان رأيت القليل من الصفرة مع مثل التراب فلم أعاود الغسل واستمريت في الصوم إلى نهاية رمضان. الآن بعد رمضان أحس بالذنب أن صومي غير صحيح وأنه علي إعادة الصوم لعدم الغسل مرة أخرى فأفتوني جزاكم الله خيرا هل صومي صحيح أم أنه علي إعادة الصوم مرة أخرى؟ وبماذا تنصحوني جزاكم الله عني خير جزاء.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
علاج الوسوسة بأمرين يسيرين:
الأول: الإكثار من ذكر الله تعالى وطاعته، فهذا سبيل راحة النفس واستقرارها وطمأنيتها، ودفع أذى الشيطان ووسوته، كما قال تعالى: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) الرعد/28، وقال: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ. إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) النحل/97. 99، وقال سبحانه: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ. مَلِكِ النَّاسِ. إِلَهِ النَّاسِ. مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ. الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ. مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) سورة الناس.
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: " قال سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله: (الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ) قال: الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل وسوس، فإذا ذكر الله خَنَس. وكذا قال مجاهد، وقتادة.
وقال المعتمر بن سليمان، عن أبيه: ذُكرَ لي أن الشيطان، أو الوسواس ينفث في قلب ابن آدم عند الحزن وعند الفرح، فإذا ذكر الله خنس " انتهى.
والأمر الثاني: هو الإعراض عن الوسوسة، والتشاغل عنها، وعدم الالتفات إليها، وترك التجاوب معها، فهذا كفيل برفعها والعافية منها.
وهذا الدواء وإن كان صعبا في بادئ الأمر، فإنه سهل يسير بعد ذلك، وما عليك سوى الاجتهاد وبذل الوسع، وسؤال الله تعالى العون. قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) العنكبوت/69.
وقد سئل ابن حجر المكي رحمه الله: عن داء الوسوسة هل له دواء؟
فأجاب: "له دواء نافع، وهو الإعراض عنها جملة كافية، وإن كان في النفس من التردد ما كان، فإنه متى لم يلتفت لذلك لم يثبت، بل يذهب بعد زمن قليل، كما جَرَّب ذلك الموفقون، وأما من أصغى إليها وعمل بقضياتها فإنها لا تزال تزداد به حتى تُخرجه إلى حيز المجانين، بل وأقبح منهم، كما شاهدناه في كثيرين ممن ابتلوا بها وأصغوا إليها وإلى شيطانها" انتهى من "الفتاوى الفقهية الكبرى" (1/149) .
ثانياً:
يحصل الطهر من الحيض بإحدى علامتين:
الأولى: الجفاف التام بحيث لو احتشت المرأة بقطنة ونحوها خرجت نظيفة، لا أثر عليها من دم أو صفرة أو كدرة.
والثانية: نزول القصة البيضاء، وهي ماء أبيض تعرفه النساء.
ولا ينبغي التعجل في الغسل حتى يحصل اليقين بالطهر، قال البخاري رحمه الله في صحيحه: "بَاب إِقْبَالِ الْمَحِيضِ وَإِدْبَارِهِ وَكُنَّ نِسَاءٌ يَبْعَثْنَ إِلَى عَائِشَةَ بِالدُّرَجَةِ فِيهَا الْكُرْسُفُ فِيهِ الصُّفْرَةُ فَتَقُولُ: لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ. تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مِنْ الْحَيْضَةِ".
ورواه مالك في الموطأ برقم (130) .
والدُّرْجة: هو الوعاء الذي تضع المرأة فيه طيبها ومتاعها، والكرسف: القطن، والصفرة: الماء الأصفر.
ثالثاً:
إذا رأيت الجفاف التام، واغتسلت، ثم نزلت كدرة أو صفرة، فلا يضرك ذلك؛ لأن الصفرة أو الكدرة بعد الطهر ليست حيضا؛ لحديث أم عطية رضي الله عنها قالت: (كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئاً) . رواه أبو داود (307) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وليس هناك تقصير أو إثم على من أخرت الغسل والصلاة حتى تتأكد من طهرها، بل هذا هو الواجب عليها؛ لحرمة الصلاة حال الحيض.
رابعاً:
على فرض أنك اغتسلت قبل الطهر الصحيح، ثم لم تعيدي الغسل، فلا يصح صومك اليوم الأول والثاني، لأنك كنت حائضاً، أما ما بعد ذلك من الأيام فصومها صحيح، لأن الصوم لا يشترط له الغسل من الحيض ولا من الجنابة.
وعلى هذا؛ فإن كنت رأيت الجفاف التام فاغتسالك صحيح، وصومك صحيح.
وإن كنت تعجلت واغتسلت ومت قبل حصول الجفاف التام فعليك قضاء صوم اليومين الأول والثاني، وأما بقية الشهر فصيامك صحيح، ولا يلزمك فيه شيء.
ونصيحتنا لك ما هو قدمناه من ضرورة علاج الوسوسة والتخلص منها وعدم الالتفات لها.
نسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3625)
أخذ حبوب منع الحيض في العشر الأواخر من رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كانت المرأة يأتيها الحيض في العشر الأواخر من رمضان، فهل يجوز لها أن تستعمل حبوب منع الحمل لتتمكن من أداء العبادة في هذه الأيام الفاضلة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عُرض هذا السؤال على الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله فقال:
لا نرى أنها تستعمل هذه الحبوب لتعينها على طاعة الله؛ لأن الحيض الذي يخرج شيءٌ كتبه الله على بنات آدم
وقد دخل النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة وهي معه في حجة الوداع وقد أحرمت بالعمرة فأتاها الحيض قبل أن تصل إلى مكة فدخل عليها وهي تبكي، فقال ما يبكيك فأخبرته أنها حاضت فقال لها إن هذا شيءٌ قد كتبه الله على بنات آدم، فالحيض ليس منها فإذا جاءها في العشر الأواخر فلتقنع بما قدر الله لها ولا تستعمل هذه الحبوب وقد بلغني ممن أثق به من الأطباء أن هذه الحبوب ضارة في الرحم وفي الدم وربما تكون سبباً لتشويه الجنين إذا حصل لها جنين فلذاك نرى تجنبها. وإذا حصل لها الحيض وتركت الصلاة والصيام فهذا ليس بيدها بل بقدر الله.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله(5/3626)
عاد إليها دم النفاس وهي صائمة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا طهرت النفساء خلال أسبوع وصامت مع المسلمين في رمضان أياماً معدودة ثم عاد إليها الدم هل تفطر في هذه الحالة؟ وهل يلزمها قضاء الأيام التي صامتها والتي أفطرتها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا طهرت النفساء في الأربعين فصامت أياماً ثم عاد إليها الدم في الأربعين فإن صومها صحيح، وعليها أن تدع الصلاة والصيام في الأيام التي عاد فيهل الدم – لأنه نفاس – حتى تطهر أو تكمل الأربعين، ومتى أكملت الأربعين وجب عليها الغسل، وإن لم تر الطهر، لأن الأربعين هي نهاية النفاس في أصح قولي العلماء، وعليها بعد ذلك أن تتوضأ لوقت كل صلاة حتى ينقطع عنها الدم، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك المستحاضة، ولزوجها أن يستمتع بها بعد الأربعين، وإن لم تر الطهر، لأن الدم والحال ما ذكر دم فساد لا يمنع الصلاة ولا الصوم، ولا يمنع الزوج من استمتاعه بزوجته.
لكن إن وافق الدم بعد الأربعين عادتها في الحيض فإنها تدع الصلاة والصوم وتعتبره حيضاً. والله ولي التوفيق" انتهى.
فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله.
"فتاوى إسلامية" (2/146) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3627)
بلغت ولكنها لا تقوى على الصيام
[السُّؤَالُ]
ـ[فتاة أتاها الحيض في السنة الحادية عشر من عمرها فهل يلزمها الصيام؟ مع ملاحظة أنها لا تتمتع بصحة جيدة وفي حالة عدم قدرتها على الصيام ما الذي يترتب عليها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا كان الواقع كما ذكرت لزمها الصيام لأن الحيض من علامات بلوغ النساء إذا جاءها وهي في التاسعة من عمرها فأكثر. فإذا استطاعت الصيام وجب عليها أداؤه في وقته، وإذا عجزت أو نالها منه مشقة شديدة أفطرت ووجب عليها قضاء ما أفطرته من الأيام عند القدرة على ذلك" انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (10/145، 145) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3628)
بلغت ثلاث عشرة سنة ولا تصوم رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[فتاة بلغ عمرها اثنتي عشرة أو ثلاث عشرة سنة ولا تصوم رمضان، فهل عليها شيء أو على أهلها؟ وهل تصوم وإذا ما صامت فهل عليها شيء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"المرأة تكون مكلفة بشروط وهي الإسلام والعقل والبلوغ، ويحصل البلوغ: بالحيض وإنزال المني بشهوة، وبالاحتلام إذا رأت المني، أو نبات شعر خشن حول القبل، أو بلوغ خمسة عشر عاماً. فهذه الفتاة إذا كانت توفرت فيها شروط التكليف فالصيام واجب عليها، ويجب قضاء ما تركته من الصيام في وقت تكليفها، وإذا اختل شرط من الشروط فليست بمكلفة ولا شيء عليها.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (10/146، 147) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3629)
طهرت من الحيض قبل الفجر فصامت دون أن تغتسل
[السُّؤَالُ]
ـ[طهرت قبل صلاة الفجر وانتظرت إلى ما بعد الصلاة فأخذني النوم واستيقظت الساعة العاشرة ولم أغتسل فنسيت وأخذت ابنتي المريضة إلى المستشفى واستغرق إلى صلاة العصر ثم اغتسلت وصليت ما فاتني من الصلاة.. ويعلم الله أنها أول مرة تحدث معي منذ بلغت ولكن السبب أن الدورة عادة تأتيني 9 أيام وفي هذا الشهر كانت 8 أيام فسوفت للتأكد ولكن كنت صائمة فماذا عليّ؟ هل أقضي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا تيقنت الطهر ونويت الصيام قبل الفجر، ولو بدقيقة واحدة، فصيامك صحيح، ولو تأخر اغتسالك.
وانظري جواب السؤال رقم (7310) .
وأما إذا كنت شاكة في حصول الطهر ومع ذلك نويت الصوم، فإن الصوم لا يصح من الشك في حصول الطهر من الحيض.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن امرأة صامت وهي شاكة في الطهر من الحيض، فلما أصبحت فإذا هي طاهرة هل ينعقد صومها وهي لم تتيقن الطهر؟
فأجاب: "صيامها غير منعقد، ويلزمها قضاء ذلك اليوم، وذلك لأن الأصل بقاء الحيض ودخولها في الصوم مع عدم تيقن الطهر دخول في العبادة مع الشك في شرط صحتها، وهذا يمنع انعقادها" انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (19/107) .
وإذا علمت المرأة أنها طهرت من الحيض، وجب عليها أن تغتسل لأجل الصلاة، ولا يجوز لها تأخير ذلك بحيث يخرج وقت الصلاة، فإن فعلت فعليها التوبة، مع قضاء ما فاتها.
فإن نسيت أنها طهرت من الحيض ـ كما ذكرت في سؤالك ـ فلا حرج عليها إن شاء الله من تأخير الصلاة، وعليها إذا تذكرت أن تغتسل وتصل ما فاتها من الصلوات ـ كما فعلت.
ونسأل الله أن يعفو عنا وعنك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3630)
ظنت أن الدم النازل مع السقط دم نفاس فأفطرت
[السُّؤَالُ]
ـ[في يوم من رمضان ذهبت إلى المستشفى لإسقاط الحمل الذي لم يتم 3 أشهر تناولت بعض الأدوية وبعد الإجهاض أكلت بعض الأكل ظنا مني أنه جائز لي أن آكل. لكن بعد الرجوع إلى البيت بحثت عبر الإنترنت وعلمت أنه يجب علي الصوم وكذلك الصلاة لأن ذلك الدم دم فساد فقضيت ذالك اليوم بعد خروج رمضان. هل يكفي ما فعلته أم ماذا يجب علي القيام به؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
سبق بيان حكم الإجهاض المتعمد في جواب السؤال رقم (42321) فراجعيه.
كما سبق بيان الأحكام المترتبة على سقوط الجنين في مراحله المختلفة في جواب السؤال رقم (12475) .
ثانيا:
إذا أسقطت المرأة جنينها ولم يتبين فيه خلق الإنسان كالرأس والأطراف، فالدم النازل معه دم فساد، لا يمنع الصلاة والصوم، وإن تبين فيه خلق إنسان فهو دم نفاس، وأقل مدة يتبين فيها خلق الإنسان هي واحد وثمانون يوما، كما هو مبين في الجواب رقم (37784)
ثالثا:
إذا أفطرت ظنا منك أن الدم النازل هو دم نفاس، ثم تبين أنه دم فساد، وقضيت الصوم والصلاة، فلا شيء عليك، وإن لم تكوني قضيت صلاة ذلك اليوم فبادري بقضائها.
وفقنا الله وإياك لطاعته ومرضاته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3631)
نزول الدم بسبب عملية هل يمنع الصيام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا ولدت قبل أكثر من شهرين، ولم ينقطع دم النفاس إلى الآن، فاكتشفت طبيبة السونار وجود قطعة من مشيمة الطفل، فقمت بعملية لإزالتها، وهذا بعد مرور الأسبوع الأول من رمضان، وأنا لم أصم إلا بعد العملية، رغم أن الدم لم ينقطع، فماذا أفعل الآن؟ وهل صومي صحيح؟ وهل يمكن الجماع الآن والدم قليل جدّاً الآن بعد العملية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أقصى مدة للنفاس هي أربعون يوماً، وبعدها تكون المرأة طاهراً، تصلي وتصوم ويأتيها زوجها ولو نزل الدم، وهذا الدم النازل بعد الأربعين يكون نزيفا وليس نفاساً.
وقد سبق بيان ذلك بأدلته في جواب السؤال رقم (10488) .
وعلى هذا، فصومك بعد إجراء العملية صحيح، ولو كان الدم نازلاً.
وعليك قضاء الأسبوع الأول من رمضان الذي لم تصوميه.
وأما الصلوات التي تركتيها بعد الأربعين يوماً، فلا يلزمك قضاؤها إن شاء الله تعالى.
وانظري جواب السؤال رقم (45648) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3632)
هل تصوم المرأة المستحاضة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تصوم المرأة المستحاضة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
في المدة التي تحكم فيها المستحاضة على الدم النازل بأنه دم حيض , فهي حائض تجري عليها أحكام الحائض , فإذا انتهى الحيض فهي طاهر، تغتسل وتصوم وتصلي ويأتيها زوجها , ولو كان الدم مستمراً في النزول.
فعن عائشة قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إني امرأة أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لاَ، إِنَّمَا ذَلك عِرْقٌ وَلَيْسَ بِحَيْضٍ، فَإذا أَقْبَلتْ حَيْضتُكِ فَدَعِي الصَّلاةَ , وَإِذَا أَدْبَرتْ فَاغْسِلي عنكِ الدمَ ثُمَّ صَلِّي) رواه البخاري (226) ومسلم (333) .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في بيان معنى (إِنَّمَا ذَلك عِرْقٌ) :
" وفي هذا إشارة إلى أن الدم الذي يخرج إذا كان دم عرق - ومنه دم العملية [الجراحية]- فإن ذلك لا يعتبر حيضاً، فلا يحرم به ما يحرم بالحيض، وتجب فيه الصلاة والصيام إذا كان في نهار رمضان " انتهى.
" مجموع فتاوى ابن عيثمين " (11 / السؤال رقم 226) .
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف معه بعض نسائه , وهي مستحاضة ترى الدم , فربما وضعت الطست تحتها من الدم. رواه البخاري (303) .
وانظر جواب السؤال رقم (7501) و (5595) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3633)
كيف تستغل وقتها وهي تطبخ في رمضان؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أعرف ما يستحب عمله في شهر رمضان الفضيل لزيادة الأجر.. من أذكار وعبادات وأمور مستحبة.. أعرف منها: صلاة التروايح، والإكثار من قراءة القرآن، وكثرة الاستغفار وصلاة الليل.. ولكن أريد أقوالاً أرددها في ممارستي اليومية، في حال الطبخ أو الانشغال بأمور المنزل، فلا أريد أن يضيع عليّ الأجر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جزاك الله خيراً على هذا الاهتمام والحرص على أعمال الخير والبر في هذا الشهر الكريم.
وما ذكرتيه من الأعمال الصالحة، يضاف إليه: الصدقة، وإطعام الطعام، والذهاب للعمرة، والاعتكاف لمن تيسر له ذلك.
وأما الأقوال التي يمكنك ترديدها أثناء العمل، فمنها: التسبيح والتهليل والتكبير والاستغفار والدعاء وإجابة المؤذن. فليكن لسانك رطباً بذكر الله تعالى، واغتنمي الأجر العظيم في كلمات يسيرة تنطقين بها، فلك بكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تهليلة صدقة.
قال صلى الله عليه وسلم: (يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنْ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنْ الضُّحَى) رواه مسلم (720) .
وقال صلى الله عليه وسلم: (كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ) رواه البخاري (6682) ومسلم (2694) .
وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ فِي الْجَنَّةِ) رواه الترمذي (3465) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَالَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيَّ الْقَيُّومَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ، غُفِرَ لَهُ وَإِنْ كَانَ فَرَّ مِنْ الزَّحْفِ) رواه أبو داود (1517) والترمذي (3577) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وقال صلى الله عليه وسلم: (مَا عَلَى الأَرْضِ مُسْلِمٌ يَدْعُو اللَّهَ بِدَعْوَةٍ إِلا آتَاهُ اللَّهُ إِيَّاهَا، أَوْ صَرَفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا، مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ، أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ: إِذًا نُكْثِرُ. قَالَ: اللَّهُ أَكْثَرُ) رواه الترمذي (3573) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وقال صلى الله عليه وسلم: (إِذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لا تَنْبَغِي إِلا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ) رواه مسلم (384) .
وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ، حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رواه البخاري (614) .
وانظري جواب السؤال رقم (4156) .
رزقنا الله وإياك العلم النافع والعمل الصالح.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3634)
تأتيها الدورة في ميعادها ويتوقف الدم يوما أو نصف يوم في أولها وآخرها
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجتي تأتيها الدور في ميعادها. ولكن قد تبدأ بدم بسيط ثم يتوقف نصف يوم أو يوم كاملا. وكذلك عند انتهاء الدورة فمتى تبدأ تقف عن الصيام والصلاة ومتى تعود لهما؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا رأت المرأة دم الحيض لزمها ترك الصلاة والصوم، فإن انقطع الدم أثناء الحيض نُظر في ذلك:
1- فإن كان أثر الدم باقيا، بحيث لو احتشت بقطنة ونحوها خرجت وعليها أثر الدم، فلا يحكم بانقطاع الحيض، وتظل ممتنعة عن الصلاة والصيام، سواء حدث هذا في أول الدورة أو في آخرها.
2- إن حصل الجفاف والنقاء التام، بحيث لو احتشت بقطنة خرجت نظيفة ليس عليها أثر الدم، فهذا علامة انقطاع حيضها، فتكون طاهراً، فتغتسل وتصلي وتصوم وتفعل ما يفعله الطاهرات. ثم إن عاودها الدم أمسكت.
والحكم بأن النقاء في فترة الحيض يعتبر طهرا هو مذهب المالكية والحنابلة.
انظر: "مطالب أولي النهى" (1/260) .
وقد سبق في جواب السؤال (37839) ذكر قول علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
" إذا انقطع الحيض يوماً واحداً أو ليلة واحدة أثناء أيام حيضها فعليها أن تغتسل وتصلي الصلوات التي أدركت وقتها وهي طاهر لقول ابن عباس: " أما إذا رأت الدم البحراني فإنها لا تصلي، وإذا رأت الطهر ساعة فلتغتسل " انتهى.
"مجلة البحوث العلمية" (12/102)
والدَمٌ البَحْرَانيٌّ هو الدَّم الغليظ، وقيل: الكثير. "لسان العرب" (4/46) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3635)
ما زاد من أيام العادة على 15 يوماً هل تعتبره حيضاً أم تصوم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعاني من فرط الطمث وأيام العادة غير منتظمة، فإذا زادت الأيام عن 10 أو 15 يوماً هل يجوز لي أن أصلي أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس في الشرع دليل ثابت يبيِّن أقل مدة للحيض أو أكثره، وقد سئل الشيخ ابن عثيمين: هل لأقل الحيض وأكثره حد معلوم بالأيام؟
فأجاب:
" ليس لأقل الحيض ولا لأكثره حدٌّ بالأيام على الصحيح؛ لقول الله عز وجل: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ) البقرة/222. فلم يجعل الله غاية المنع أياماً معلومة، بل جعل غاية المنع هي الطهر، فدل هذا على أن علة الحكم هي الحيض وجوداً أو عدماً، فمتى وجد الحيض ثبت الحكم، ومتى طهرت منه زالت أحكامه، ثم إن التحديد لا دليل عليه، مع أن الضرورة داعية إلى بيانه، فلو كان التحديد بسنٍّ أو زمن ثابتاً شرعاً لكان مبيَّناً في كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، فبناء عليه: فكل ما رأته المرأة من الدم المعروف عند النساء بأنه حيض فهو دم حيض من غير تقدير ذلك بزمن معين، إلا يكون الدم مستمراً مع المرأة لا ينقطع أبداً، أو ينقطع مدة يسيرة كاليوم واليومين في الشهر، فإنه حينئذٍ يكون دم استحاضة.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (11/271) .
وعلى هذا فلا يجوز لكِ أن تصلي إلا بعد انقطاع الدورة الشهرية والاغتسال من الحيض، ويعرف انقطاع دم الحيض بإحدى علامتين: إما نزول القصة البيضاء - وهو سائل أبيض يخرج عند انتهاء الحيض -، وإما بالجفاف التام للدم.
وللمزيد: يُراجع جواب السؤال رقم (5595) ففيه زيادة تفصيل.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3636)
رأت الطهر ثم نزل عليها إفرازات فماذا تفعل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إن دورتي الشهرية ستة أيام وفي اليوم السادس انقطع الدم، ووضعت منديل لأتأكد، وكان يخرج القصة البيضاء قليلا، فاغتسلت وجامعني زوجي في تلك الليلة، ثم اغتسلت وصمت (نحن في رمضان) وفي الظهر وجدت بعض الإفرازات فيها شيء يسير جدّاً من الاصفرار أو الاحمرار، فلا أدري ما الحكم؟ هل أقضي هذا اليوم أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا ندري ما المراد بقولك: "يخرج القصة البيضاء قليلاً".
فإن كان مرادك أنك رأيت القصة البيضاء، فهي علامة على الطهر، فما نزل بعدها من الصفرة أو الحمرة لا يعتبر حيضاً، لقول أم عطية رضي الله عنها: كُنَّا لا نَعُدُّ الْكُدْرَةَ وَالصُّفْرَةَ بَعْدَ الطُّهْرِ شَيْئًا. رواه أبو داود (307) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
فعلى هذا؛ صومك صحيح، ولا حرج فيما وقع من الجماع، لأنك لم تكوني حائضاً.
وإن كان مرادك أنك رأيت بقايا من الصفرة أو الحمرة، فهذا دليل على عدم انتهاء الحيض، ولا ينبغي للمرأة أن تتعجل فتحكم بانتهاء الحيض مع وجود الصفرة أو الحمرة، مهما كان قليلاً، فقد كانت النساء يبعثن إِلَى عَائِشَةَ بِالدُّرَجَةِ فِيهَا الْكُرْسُفُ فِيهِ الصُّفْرَةُ، فَتَقُولُ: لا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ. رواه مالك (130) .
(الدُّرجَةِ) : ما تحتشي به المرأة من قطنة وغيرها لتعرف هل بقي من أثر الحيض شيء أم لا. وقيل: هي وعاء صغير.
(الْكُرْسُفُ) هو القطن.
وانظري السؤال (66062) .
وعلى هذا، فعليك قضاء صيام هذا اليوم، لأنه لا يصح الصيام مع وجود الحيض.
أما ما وقع من الجماع فيه، فلا حرج فيه إن شاء الله تعالى، لأنك كنت تظنين انتهاء الحيض، ولم تتعمدي فعل المحرم، وقد قال الله تعالى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) الأحزاب/5.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3637)
هل يجب على هؤلاء الصوم؟ وهل يلزمهم القضاء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك صبي كان يصوم رمضان قبل أن يبلغ، وفي أثناء صومه في نهار رمضان بلغ فهل يجب عليه قضاء ذلك اليوم؟ وكذلك الكافر إذا أسلم؟ وكذلك الحائض إذا طهرت؟ وكذلك المجنون إذا أفاق؟ وكذلك المسافر إذا عاد وكان مفطراً؟ وكذلك المريض إذا تعافى وكان قد أفطر؟ فماذا على هؤلاء من حيث الإمساك في ذلك اليوم والقضاء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هؤلاء المذكورون في السؤال ليس حكمهم واحداً، وسبق أن ذكرنا اختلاف العلماء وشيئا من أقوالهم في جواب السؤال رقم (49008) .
ويمكن تقسيم هؤلاء المذكورين في السؤال إلى مجموعتين:
فالصبي إذا بلغ، والكافر إذا أسلم، والمجنون إذا أفاق لهم حكم واحد، وهو وجوب الإمساك ولا يجب عليهم القضاء.
وأما الحائض إذا طهرت والمسافر إذا أقام والمريض إذا شفي فحكمهم واحد أيضا، فلا يجب عليهم الإمساك ولا يستفيدون بإمساكهم شيئاً، ويجب عليهم القضاء.
والفرق بين المجموعة الأولى والثانية: أن المجموعة الأولى وجد فيهم شرط التكليف، وهو البلوغ والإسلام والعقل. وإذا ثبت تكليفهم وجب عليهم الإمساك , ولا يلزمهم القضاء لأنهم أمسكوا حين وجب عليهم الإمساك، أما قبل ذلك فلم يكونوا مكلفين بالصيام.
وأما المجموعة الثانية فإنهم مخاطبون بالصيام لذا كان واجباً في حقهم، لكن وُجد عندهم عُذرٌ يبيح لهم الفطر , وهو الحيض والسفر والمرض فخفف الله عنهم وأباح لهم الفطر، فزالت حرمة اليوم في حقهم، فإذا زالت أعذارهم أثناء النهار لم يستفيدوا شيئا من إمساكهم، ولزمهم القضاء بعد رمضان.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى:
" إذا قدم المسافر إلى بلده وهو مفطر: فإنه لا يجب عليه الإمساك، فله أن يأكل ويشرب بقية يومه؛ لأن إمساكه لا يفيده شيئاً لوجوب قضاء هذا اليوم عليه، هذا هو القول الصحيح، وهو مذهب مالك والشافعي، وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد رحمه الله لكن لا ينبغي له أن يأكل ويشرب علناً " انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (19 / السؤال رقم 58) .
وقال أيضا:
" إذا طهرت الحائض أو النفساء أثناء النهار لم يجب عليها الإمساك، ولها أن تأكل وتشرب، لأن إمساكها لا يفيدها شيئاً لوجوب قضاء هذا اليوم عليها، وهذا مذهب مالك والشافعي وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد، وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (من أكل أول النهار فليأكل آخره) ، يعني: من جاز له الفطر أول النهار جاز له الفطر في آخره " انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (19 / السؤال رقم 59) .
وسئل الشيخ أيضا:
من أفطر في نهار رمضان لعذر شرعي فهل يجوز له أن يأكل ويشرب بقية اليوم؟
فأجاب بقوله:
" يجوز له أن يأكل ويشرب؛ لأنه أفطر بعذر شرعي، وإذا أفطر بعذر شرعي فقد زالت حرمة اليوم في حقه، وصار له أن يأكل ويشرب، بخلاف الرجل الذي أفطر في نهار رمضان بدون عذر، فإنا نلزمه بالإمساك، وإن كان يلزمه القضاء، فيجب التنبه للفرق بين هاتين المسألتين " انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (19 / السؤال رقم 60) .
وقال أيضا:
" ذكرنا أثناء بحثنا في الصيام أن المرأة إذا كانت حائضاً وطهرت في أثناء النهار: فإن العلماء اختلفوا هل يجب عليها أن تمسك بقية اليوم فلا تأكل ولا تشرب، أو يجوز لها أن تأكل وتشرب بقية اليوم، وقلنا: إن في ذلك روايتين عن الإمام أحمد رحمه الله: إحداهما: - وهي المشهور من المذهب - أنه يجب عليها الإمساك، فلا تأكل ولا تشرب.
والثانية: أنه لا يجب عليها الإمساك، فيجوز لها أن تأكل وتشرب، وقلنا: إن هذه الثانية هي مذهب مالك والشافعي رحمهما الله، وإن ذلك هو المروي عن ابن مسعود رضي الله عنه فإنه قال: (من أكل أول النهار فليأكل آخره) ، وقلنا: إن الواجب على طالب العلم في مسائل الخلاف الواجب عليه أن ينظر في الأدلة، وأن يأخذ بما ترجح عنده منها، وأن لا يبالي بخلاف أحد ما دام أن الدليل معه؛ لأننا نحن مأمورون باتباع الرسل؛ لقوله تعالى: (وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ ?لْمُرْسَلِينَ) .
وأما الاحتجاج بما صح به الحديث حيث أمر النبي صلى الله عليه وسلم بصيام عاشوراء في أثناء اليوم، فأمسك الناس بقية يومهم، نقول: لا مستند لهم في هذا الحديث؛ لأن صوم يوم عاشوراء ليس فيه زوال مانع، وإنما فيه تجدد وجوب، وفرق بين زوال المانع وتجدد الوجوب؛ لأن تجدد الوجوب معناه أن الحكم لم يثبت قبل [وجود] سببه، وأما زوال المانع فمعناه أن الحكم ثابت مع المانع لولا هذا المانع، ومادام هذا المانع موجوداً مع وجود أسباب الحكم، فمعناه أن هذا المانع لا يمكن أن يصح معه الفعل لوجوده، ونظير هذه المسألة التي أوردها السائل نظيرها: ما لو أسلم إنسان في أثناء اليوم، فإن هذا الذي أسلم تجدد له الوجوب، ونظيرها أيضاً: ما لو بلغ الصبي في أثناء اليوم وهو مفطر، فإن هذا تجدد له الوجوب فنقول لمن أسلم في أثناء النهار: يجب عليك الإمساك، ولكن لا يجب عليك القضاء، ونقول للصبي إذا بلغ في أثناء النهار: يجب عليك الإمساك، ولا يجب عليك القضاء، بخلاف الحائض إذا طهرت، فإنه بإجماع أهل العلم يجب عليها القضاء، الحائض إذا طهرت أثناء النهار أجمع العلماء على أنها إن أمسكت بقية اليوم لا ينفعها هذا الإمساك ولا يكون صوماً، وأن عليها القضاء، وبهذا عرف الفرق بين تجدد الوجوب وبين زوال المانع، فمسألة الحائض إذا طهرت من باب زوال المانع، ومسألة الصبي إذا بلغ أو ما ذكره السائل من إيجاب صوم يوم عاشوراء قبل أن يفرض رمضان، هذا من باب تجدد الوجوب، والله الموفق " انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (19 / السؤال رقم 60) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3638)
ما الحكمة من تحريم الصوم على الحائض؟
[السُّؤَالُ]
ـ[نريد أن نعرف الحكمة من عدم صيام المرأة مع أن الصيام لا دخل له بالنجاسة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يجب على المؤمن التسليم لحكم الله تعالى والانقياد له ولو لم يعرف الحكمة منه، بل يكفيه أنه أمر الله ورسوله، قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) الأحزاب/36. وقال: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) النور/51.
ثانياً:
يوقن المؤمن ويؤمن إيماناً جازماً أن الله تعالى حكيم، فلا يشرع شيئاً إلا لحكمة بالغة، فلا يأمر بشيء إلا لما فيه من المصلحة الخالصة أو الغالبة، ولا ينهى عن شيء إلا لما فيه من المفسدة الخالصة أو الغالبة، وما أحسنَ ما قاله ابن كثير رحمه الله في "البداية النهاية" (6/79) :
"وجاءت شريعته (صلى الله عليه وسلم) أكمل شريعة، لم يبق معروف تعرف العقول أنه معروف إلا أمر به، ولا منكر تعرف العقول أنه منكر إلا نهى عنه، لم يأمر بشيء فقيل: ليته لم يأمر به، ولا نهى عن شيء فقيل: ليته لم ينه عنه" اهـ.
لكن هذه الحكمة قد نعلمها، وقد تخفى علينا، وقد يخفى علينا أكثرها أو بعضها.
ثالثاً:
أجمع العلماء على تحريم الصوم على الحائض، وأنها يلزمها قضاء ما أفطرته بسبب الحيض إذا كان الصوم واجبا كصيام رمضان.
وأجمعوا أيضا على أنها إذا صامت لم يصح صومها. انظر السؤال رقم (50282) .
واختلف العلماء في الحكمة من عدم صحة الصوم من الحائض.
فقال بعضهم: الحكمة غير معلومة لنا.
قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: "وَكَوْنُ الصَّوْمِ لا يَصِحُّ مِنْهَا لا يُدْرَكُ مَعْنَاهُ , فَإِنَّ الطَّهَارَةَ لَيْسَتْ مَشْرُوطَةً فِيهَا" اهـ من "المجموع" (2/386) .
وقال آخرون: بل الحكمة أن الله تعالى نهى الحائض عن الصيام وقت الحيض رحمةً بها، لأن خروج الدم يضعفها، فإذا صامت وهي حائض اجتمع عليها الضعف بسبب الحيض وبسبب الصيام، فيخرج الصوم بذلك عن حد الاعتدال، وقد يصل إلى حد الإضرار.
قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (25/234) :
" فَنَذْكُرُ حِكْمَةَ الْحَيْضِ وَجَرَيَانَ ذَلِكَ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ فَنَقُولُ:
إنَّ الشَّرْعَ جَاءَ بِالْعَدْلِ فِي كُلِّ شَيْءٍ. وَالإِسْرَافُ فِي الْعِبَادَاتِ مِنْ الْجَوْرِ الَّذِي نَهَى عَنْهُ الشَّارِعُ وَأَمَرَ بِالاقْتِصَادِ فِي الْعِبَادَاتِ ; وَلِهَذَا أَمَرَ بِتَعْجِيلِ الْفِطْرِ وَتَأْخِيرِ السُّحُورِ وَنَهَى عَنْ الْوِصَالِ وَقَالَ: (أَفْضَلُ الصِّيَامِ وَأَعْدَلُ الصِّيَامِ صِيَامُ داود عليه السلام كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا وَلا يَفِرُّ إذَا لاقَى) فَالْعَدْلُ فِي الْعِبَادَاتِ مِنْ أَكْبَرِ مَقَاصِدِ الشَّارِعِ ; وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) المائدة/87. فَجَعَلَ تَحْرِيمَ الْحَلالِ مِنْ الاعْتِدَاءِ الْمُخَالِفِ لِلْعَدْلِ وَقَالَ تَعَالَى: (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا * وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ) فَلَمَّا كَانُوا ظَالِمِينَ عُوقِبُوا بِأَنْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الطَّيِّبَاتُ ; بِخِلَافِ الأُمَّةِ الْوَسَطِ الْعَدْلِ فَإِنَّهُ أَحَلَّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالصَّائِمُ قَدْ نُهِيَ عَنْ أَخْذِ مَا يُقَوِّيهِ وَيُغَذِّيهِ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، ونُهِيَ عَنْ إخْرَاجِ مَا يُضْعِفُهُ وَيُخْرِجُ مَادَّتَهُ الَّتِي بِهَا يَتَغَذَّى وَإِلا فَإِذَا مُكِّنَ مِنْ هَذَا ضَرَّهُ وَكَانَ مُتَعَدِّيًا فِي عِبَادَتِهِ لا عَادِلا. . .
وَالْخَارِجَاتُ نَوْعَانِ: نَوْعٌ يَخْرُجُ لا يَقْدِرُ عَلَى الاحْتِرَازِ مِنْهُ أَوْ عَلَى وَجْهٍ لا يَضُرُّهُ فَهَذَا لا يُمْنَعُ مِنْهُ كَالأَخْبَثَيْنِ (البول والغائط) فَإِنَّ خُرُوجَهُمَا لا يَضُرُّهُ وَلا يُمْكِنُهُ الاحْتِرَازُ مِنْهُ أَيْضًا. وَلَوْ اسْتَدْعَى خُرُوجَهُمَا فَإِنَّ خُرُوجَهُمَا لا يَضُرُّهُ بَلْ يَنْفَعُهُ. وَكَذَلِكَ إذَا ذَرَعَهُ الْقَيْءُ (أي غلبه) لا يُمْكِنُهُ الاحْتِرَازُ مِنْهُ وَكَذَلِكَ الاحْتِلامُ فِي الْمَنَامِ لا يُمْكِنُهُ الاحْتِرَازُ مِنْهُ، وَأَمَّا إذَا استقاء فَالْقَيْءُ يُخْرِجُ مَا يَتَغَذَّى بِهِ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ. . وَكَذَلِكَ الاسْتِمْنَاءُ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الشَّهْوَةِ. . وَالدَّمُ الَّذِي يَخْرُجُ بِالْحَيْضِ فِيهِ خُرُوجُ الدَّمِ، وَالْحَائِضُ يُمْكِنُهَا أَنْ تَصُومَ فِي غَيْرِ أَوْقَاتِ الدَّمِ فِي حَالٍ لا يَخْرُجُ فِيهَا دَمُهَا فَكَانَ صَوْمُهَا فِي تِلْكَ الْحَالِ صَوْمًا مُعْتَدِلا لا يَخْرُجُ فِيهِ الدَّمُ الَّذِي يُقَوِّي الْبَدَنَ الَّذِي هُوَ مَادَّتُهُ وَصَوْمُهَا فِي الْحَيْضِ يُوجِبُ أَنْ يَخْرُجَ فِيهِ دَمُهَا الَّذِي هُوَ مَادَّتُهَا وَيُوجِبُ نُقْصَانَ بَدَنِهَا وَضِعْفَهَا وَخُرُوجَ صَوْمِهَا عَنْ الاعْتِدَالِ فَأُمِرَتْ أَنْ تَصُومَ فِي غَيْرِ أَوْقَاتِ الْحَيْضِ" اهـ باختصار.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3639)
هل التبرج مبطل للصوم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل التبرج مبطل للصوم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
شرع الله تعالى الصيام لحكم عظيمة، ومن أهم هذه الحكم والمصالح المترتبة على الصيام تحقيق تقوى الله تعالى، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة/183.
والتقوى هي امتثال ما أمر الله به، واجتناب ما نهى عنه.
فالصائم مأمور بفعل الطاعات، منهي عن فعل المحرمات نهيا مؤكدا، فإن المعاصي قبيحة من كل أحد وهي من الصائم أشد قبحا، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْلَ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ) رواه البخاري (6057) . راجع السؤال رقم (37989) ، (37658)
وروى ابن خزيمة وابن حبان والحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس الصيام من الأكل والشرب إنما الصيام من اللغو والرفث) . وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1082) .
قال عُمَر بْن الْخَطَّابِ وعَلِيّ بْن أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنهما: لَيْسَ الصِّيَامُ مِنْ الشَّرَابِ وَالطَّعَامِ وَحْدَهُ ; وَلَكِنَّهُ مِنْ الْكَذِبِ , وَالْبَاطِلِ وَاللَّغْوِ.
وقَالَ جَابِرٌ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ: إذَا صُمْت فَلْيَصُمْ سَمْعُكَ , وَبَصَرُكَ , وَلِسَانُكَ عَنْ الْكَذِبِ وَالْمَأْثَمِ , وَدَعْ أَذَى الْخَادِمِ وَلْيَكُنْ عَلَيْكَ وَقَارٌ وَسَكِينَةٌ يَوْمَ صِيَامِكَ , وَلا تَجْعَلْ يَوْمَ فِطْرِكَ وَيَوْمَ صَوْمِكَ سَوَاءً.
وعَنْ طَلِيقِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ: إذَا صُمْت فَتَحَفَّظْ مَا اسْتَطَعْت. فَكَانَ طَلِيقٌ إذَا كَانَ يَوْمُ صِيَامِهِ دَخَلَ (يعني بيته) فَلَمْ يَخْرُجْ إلا إلَى صَلاةٍ.
وكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَأَصْحَابُهُ رضي الله عنهم إذَا صَامُوا جَلَسُوا فِي الْمَسْجِدِ وَقَالُوا: نُطَهِّرُ صِيَامَنَا.
انظر: "المحلى" (4/305)
وقال بعض العلماء:
يَجِبُ عَلَى الصَّائِمِ أَنْ يَصُومَ بِعَيْنَيْهِ فَلا يَنْظُرُ إلَى مَا لا يَحِلُّ، وَبِسَمْعِهِ فَلا يَسْمَعُ مَا لَا يَحِلُّ، وَبِلِسَانِهِ فَلا يَنْطِقُ بِفُحْشٍ وَلا يَشْتُمُ وَلا يَكْذِبُ وَلا يَغْتَبْ اهـ.
فينبغي للمؤمن أن ينتهز هذا الشهر الكريم الذي تسلسل فيه الشياطين، وتفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب النار، وينادي مناد يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، فينتهز المؤمن هذا الشهر ليكون أقرب إلى الله، فيتوب توبة نصوحا من كل ذنوبه ومعاصيه، ويعاهد الله تعالى على الاستقامة على دينه وشرعه.
ثانيا:
والمعاصي (ومنها تبرج المرأة وإظهارها زينتها ومفاتنها للرجال الأجانب عنها) تنقص ثواب الصيام فكلما كثرت معاصيه وعظمت نقص ثواب صيامه، وقد يزول ثوابه بالكلية، فيكون قد منع نفسه من الطعام والشراب وسائر المفطرات وقد أضاع ثواب ذلك بمعصيته لله، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلا الْجُوعُ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلا السَّهَرُ) رواه ابن ماجه (1690) . وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه.
قال السبكي في فتاويه (1/221-226) :
هَلْ يَنْقُصُ الصَّوْمُ بِمَا قَدْ يَحْصُلُ فِيهِ مِنْ الْمَعَاصِي أَوْ لا؟ وَاَلَّذِي نَخْتَارُهُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ يَنْقُصُ وَمَا أَظُنُّ فِي ذَلِكَ خِلافًا. . .
وَاعْلَمْ أَنَّ رُتْبَةَ الْكَمَالِ فِي الصَّوْمِ قَدْ تَكُونُ بِاقْتِرَانِ طَاعَاتٍ بِهِ مِنْ قِرَاءَةِ قُرْآنٍ وَاعْتِكَافٍ وَصَلاةٍ وَصَدَقَةٍ وَغَيْرِهَا وَقَدْ تَكُونُ بِاجْتِنَابِ مَنْهِيَّاتٍ. فَكُلُّ ذَلِكَ يَزِيدُهُ كَمَالا وَمَطْلُوبٌ فِيهِ اهـ. باختصار.
ثالثا:
وأما إفساد الصيام بالمعاصي (ومنها تبرج المرأة) فإن الصيام لا يفسد بذلك بل يكون صحيحا مسقطا للفرض عن الصائم، ولا يؤمر بقضائه، ولكن ينقص ثواب الصيام بفعل المعصية، وقد يذهب ثوابه بالكلية كما سبق.
قال النووي في "المجموع" (6/398) :
(يَنْبَغِي لِلصَّائِمِ أَنْ يُنَزِّهَ صَوْمَهُ عَنْ الْغِيبَةِ وَالشَّتْمِ) مَعْنَاهُ يَتَأَكَّدُ التَّنَزُّهُ عَنْ ذَلِكَ فِي حَقِّ الصَّائِمِ أَكْثَرُ مِنْ غَيْرِهِ لِلْحَدِيثِ , وَإِلا فَغَيْرُ الصَّائِمِ يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ أَيْضًا وَيُؤْمَرُ بِهِ فِي كُلِّ حَالٍ , وَالتَّنَزُّهُ التَّبَاعُدُ , فَلَوْ اغْتَابَ فِي صَوْمِهِ عَصَى وَلَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ عِنْدَنَا , وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَالْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلا الأَوْزَاعِيَّ فَقَالَ: يَبْطُلُ الصَّوْمُ بِالْغِيبَةِ وَيَجِبُ قَضَاؤُهُ اهـ.
وسئل الشيخ ابن عثيمين في فتاوى الصيام (ص358) : هل تحدث المرء بكلام رام في نهار رمضان يفسد صومه؟
فأجاب:
"إذا قرأنا قول الله عز وجل: (يا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) عرفنا ما هي الحكمة من إيجاب الصوم وهي التقوى، والتقوى هي ترك المحرمات، وهي عند الإطلاق تشمل فعل المأمور به وترك المحظور، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور، والعمل به، والجهل فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه) . وعلى هذا يتأكد على الصائم اجتناب المحرمات من الأقوال والأفعال، فلا يغتاب الناس، ولا يكذب، ولا ينم بينهم، ولا يبيع بيعاً محرماً، ويجتنب جميع المحرمات. وإذا اجتنب الإنسان ذلك في شهر كامل فإن نفسه سوف تستقيم بقية العام، ولكن المؤسف أن كثيراً من الصائمين لا يفرقون بين يوم صومهم وفطرهم، فهم على العادة التي هم عليها من الأقوال المحرمة من كذب وغش وغيره، ولا تشعر أن عليه وقار الصوم، وهذه الأفعال لا تبطل الصيام، ولكن تنقص من أجره، وربما عند المعادلة تضيع أجر الصوم" اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3640)
تنزل منها إفرازات وهي حامل فهل تترك الصلاة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجتي تنزل منها مادة قهوية وليس عليها الدورة الشهرية في بعض الأحيان هل تصوم وتصلي أم غير ذلك علما بأنها في بداية حمل لمدة شهر ونصف.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ذهب كثير من أهل العلم إلى أن الحامل لا تحيض وهو مذهب الإمامين: أبي حنيفة وأحمد رحمهما الله.
انظر: " المغني " (1/443) .
وقد اختار هذا القول علماء اللجنة الدائمة للإفتاء.
وذهب آخرون إلى أن الحامل قد تحيض وهو مذهب الإمامين مالك والشافعي رحمهما الله.
انظر: " المجموع " (2/411-414) .
وقد اختار هذا القول الشيخ محمد بن إبراهيم وابن عثيمين رحمهما الله.
بشرط أن يكون الدم النازل على صفة دم الحيض وفي وقته.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (23400) .
وعلى أيٍّ من القولين لا تكون هذه الإفرازات النازلة من زوجتك حيضاً، لأنها ليست بصفات دم الحيض وليست في وقته.
فتكون زوجتك طاهراً، فتصلى وتصوم وتفعل ما يفعله الطاهرات.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3641)
زوجته لا تريد أن تصوم
[السُّؤَالُ]
ـ[أخي متدين ولكن زوجته غير متدينة فهي لا تصوم ولا تدري أصلاً عن رمضان، لا يوجد أحد من أقربائنا يسكن قريباً منه ويجده من الصعب أن يؤثر على زوجته أو يجعلها تتغير، يدعو الله لها أن يهديها وأن يرزقه الصبر عليها، ولكن الذي يبدو أنها لا تريد أن تتغير أو أن تتصرف كالمسلمين.
هل يمكن أن تخبرني كيف يتصرف معها لكي تقرب أكثر للإسلام وتصبح متدينة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب على أخيك أن يسعى بكل الوسائل لهداية زوجته إلى طريق الحق، فيستعمل معها أسلوب الترغيب والترهيب، ويذكرها بالله عز وجل وحقوقه، ويعظها وينبهها إلى خطر ما هي عليه، ثم ليسعى إلى ربطها بصحبة صالحة، ولو لم تكن من أقاربه، كأن يربطها بزوجات أصحابه المستقيمات الصالحات، ويحضر لها الأشرطة النافعة، والكتيبات المفيدة، فإن أطاعته فهذا هو المطلوب، وإلا فلا مانع من أن يستعمل معها أسلوب الهجر إذا كان مفيدا في مثل هذه الحالة، فإنه إذا شرع الهجر لأجل حق الزوج، فلأن يشرع لأجل حق الله من باب أولى.
وقد ثبت عن أبي أمامة الباهلي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (بينا أنا نائم إذ أتاني رجلان فأخذا بضبعي فأتيا بي جبلا وعرا، فقالا لي اصعد، فقلت إني لا أطيقه، فقالا إنا سنسهله لك، فصعدت حتى إذا كنت في سواء الجبل، إذا أنا بأصوات شديدة، فقلت ما هذه الأصوات قالوا هذا عواء أهل النار، ثم انطلق بي فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم مشققة أشداقهم تسيل أشداقهم دما، فقلت من هؤلاء؟ قال هؤلاء الذين يفطرون قبل تحلة صومهم) رواه البيهقي برقم 7796، وصححه الألباني
فإذا كانت تلك عقوبة من يفطر قبل موعد الإفطار، فكيف بمن لا يصوم أصلا.
أما إذا كانت تلك الزوجة تضيف إلى عدم صيامها عدم الصلاة بالكلية، فإنها بذلك تكون قد خرجت عن حظيرة الإسلام على الراجح من أقوال أهل العلم، وعليه فلا يجوز لأخيك أن يبقيها تحت عصمته.
والله أعلم.
يراجع السؤال رقم (12828) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3642)
الحج لا يسقط الحقوق الواجبة كالكفارات والديون
[السُّؤَالُ]
ـ[أتيحت لي والحمد لله الفرصة في العام الماضي لأداء فريضة الحج. وكما تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث أن "الحج المبرور ليس له ثواب إلا الجنة" وأنه عندما يؤدي المسلم فريضة الحج فإن كل ما اقترفه من ذنوب يغفر له ويرجع من حجه كيوم ولدته أمه ويرجع على الفطرة. وسؤالي هو: أنا لدي أيام لم أقض صيامها كانت علي من رمضان منذ عامين ماضيين. فهل بعد أدائي للحج لا أزال أحتاج إلى قضاء تلك الأيام، أم أن الله يغفر لي ما مضى بسبب الحج الذي أديته؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ورد في فضل الحج أحاديث كثيرة تدل على أنه يمحو الذنوب، ويكفر السيئات، ويرجع منه الإنسان كيوم ولدته أمه.
وينظر جواب السؤال رقم (34359) .
لكن هذا الفضل والثواب لا يعني سقوط الحقوق الواجبة، سواء كانت حقوقا لله تعالى، كالكفارات والنذور وما ثبت في ذمة الإنسان من زكاة لم يؤدها، أو صيام يلزمه قضاؤه، أو كانت حقوقا للعباد كالديون ونحوها، فالحج يغفر الذنوب، ولا يسقط هذه الحقوق باتفاق العلماء.
فمن أخر قضاء ما عليه من رمضان مثلا، وكان ذلك بغير عذر، ثم حج حجا مبروا، فإن حجه يسقط عنه ذنب التأخير، ولا يسقط قضاء الأيام.
قال في "كشاف القناع" (2/ 522) : " وقال الدميري: في الحديث الصحيح (من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه) وهو مخصوص بالمعاصي المتعلقة بحقوق الله تعالى خاصة , دون العباد ولا يسقط الحقوق أنفسها، فمن كان عليه صلاة أو كفارة ونحوها من حقوق الله تعالى لا تسقط عنه ; لأنها حقوق لا ذنوب، إنما الذنب تأخيرها، فنفس التأخير يَسقط بالحج لا هي نفسها، فلو أخرها بعده تجدد إثم آخر , فالحج المبرور يسقط إثم المخالفة لا الحقوق. قاله في المواهب " انتهى.
وقال ابن نجيم رحمه الله في "البحر الرائق" (2: 364) بعد أن ذكر الخلاف في تكفير الحج للكبائر: " فالحاصل: أن المسألة ظنية , وأن الحج لا يُقطع فيه بتكفير الكبائر من حقوق الله تعالى فضلا عن حقوق العباد. وإن قلنا بالتكفير للكل فليس معناه كما يتوهمه كثير من الناس أن الدَّين يسقط عنه , وكذا قضاء الصلوات والصيامات والزكاة؛ إذْ لم يقل أحد بذلك , وإنما المراد أن إثم مَطْل الدين وتأخيره يسقط، وبعد الوقوف بعرفة إذا مطل صار آثما الآن , وكذا إثم تأخير الصلاة عن أوقاتها يرتفع بالحج لا القضاء ثم بعد الوقوف بعرفة يطالب بالقضاء فإن لم يفعل كان آثما على القول بفوريته , وكذا البقية على هذا القياس، وبالجملة: فلم يقل أحد بمقتضى عموم الأحاديث الواردة في الحج كما لا يخفى " انتهى.
والحاصل: أنه يلزمك قضاء ما عليك من رمضان، ولا تبرأ ذمتك إلا بذلك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3643)
الطواف مع وجود الشك في الطهارة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يصح طواف الوداع وأنا فى شك من الطهارة؟ الحمد لله أنا أديت فريضة الحج للمرة الأولى هذا العام ولكن لي شك في منسك من المناسك ألا وهو طواف الوداع. أنا أديت طواف الوداع يوم الخميس ولكن كنت نائما في الحرم من الأربعاء وكنت على طهارة والحمد لله ولكن عندما استيقظت فجر الخميس فذهبت للوضوء كنت في شك من أمري – هل أنا على جنب أم لا – لأنه قد ينزل المنى بكميه صغيره جدا ولا استطيع التأكد ومع ذلك تحريت بشده حتى أتأكد لدرجه أنني تحريت العضو الذكرى نفسه وليس الثياب فقط-آسف في التعبير- وبنظرتي قلت أنه لا يوجد شيء ولكنى وجدت جزء من الثياب قد يكون فيه بعض المنى ولكنى غير متأكد أيضا لأنه قد تكون أثار قديمه في الثياب. المهم أنني لم أغتسل وتوضأت فقط وصليت الفجر وأديت طواف الوداع ورجعت إلى الرياض حيث مقر عملي. هل عدم اغتسالي للخروج من الشك يعتبر إهمال في حق الله وسوء أدب مع الله؟ وأنه كان من المفروض عليا أنى كنت اصطحب معي ثياب جديدة للاغتسال بعد الاستيقاظ-سواء كنت جنب أم لا- خصوصا أنه كثيرا ما تحدث لي هذه الحالة من الجنابة؟ فما الحكم في صحة الحج؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
الجواب:
أولا: الطواف من غير طهارة محل خلاف بين الفقهاء، والذي عليه جمهور أهل العلم عدم صحة الطواف من غير وضوء.
وقد سبق بيان ذلك في السؤال (34695) .
ثانياً:
ما حصل لك من شك في وجود الجنابة وعدمها، لا تأثير له، لأنك لم تجزم بخروج المني، والأصل الطهارة وعدم الحدث حتى يوجد ما يثبت خلاف ذلك.
قال النووي: " ومن أيقن بالطهارة وشك في الحدث فهو على الطهارة، لأن اليقين لا يبطل بالشك". انتهى " المجموع" (1 /331) .
وقال الشيخ ابن عثيمين: " إذا تيقن أنه طاهر، وشك في الحدث فإنه يبني على اليقين، وهذا عام في موجبات الغسل، أو الوضوء....".
ثم ضرب مثالا فقال: " استيقظ رجل فوجد عليه بللاً، ولم ير احتلاماً، فشك هل هو مني أم لا؟ فلا يجب عليه الغسل للشك ". انتهى "الشرح الممتع" (1/ 190) .
وبناء على ذلك فطوافك صحيح، ولا حرج عليك فيما فعلت.
وللاستزادة ينظر السؤال (83025) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3644)
اعتمرت ولم تكمل السعي ثم اعتمرت بعد ذلك مرات
[السُّؤَالُ]
ـ[قبل فترة طويلة ذهبت مع أهلي للعمرة ولم أكمل السعي آنذاك بسبب تعبي.. ولا أذكر هل "كنت قد بلغت آنذاك أو لا" ونسيتها، وللعلم: اعتمرت بعدها أكثر من مرة، الحمد لله تمت خطبتني، وتملكت استمرت قرابة السنة وبسبب ظروف تم الانفصال منذ فترة، سمعت فتوى أن امرأة لم تكمل عمرتها وتزوجت فأفتى الشيخ بأن عقدها باطل ولابد لها من إعادته، بعد ما سمعتها تذكرت عمرتي الناقصة، أصبح الأمر يشغلني كثيراً ماذا علي الآن؟ وماذا أفعل بخصوص عمرتي الناقصة؟ وماذا عن الارتباط الذي حصل.. هل هو في دائرة الحرام؟ والأمر الآخر مستقبلاً إذا كتب الله وتمت خطبتي.. هل سيكون فيه مشكلة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
السعي ركن من أركان العمرة لا تصح ولا تتم بدونه، فمن اعتمر ولم يأت بالسعي ولم يكن محصراً بعدو أو مرض يمنعه من إتمام عمرته فهو باق على إحرامه، ويلزمه أن يعود فيسعى ويقصر من شعره. هذا في حق البالغ المكلف، وأما غير البالغ فالأمر فيه أيسر، فقد ذهب جمع من أهل العلم إلى أن إحرامه غير لازم، فيقبل منه ما جاء به، وإن قطع إحرامه ولم يتمه فلا شيء عليه، وهو قول الحنفية وابن حزم واختاره من المتأخرين الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
وينظر: "الشرح الممتع" (7/21) ، "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/148) .
وعليه؛ فإذا كانت عمرتك هذه قبل البلوغ فلا شيء عليك.
وإن كانت بعد البلوغ، واعتمرت بعدها عمرة تامة كفتك العمرة التامة عن العمرة الناقصة، وذلك أن إحرامك بالعمرة الثانية لاغٍ؛ لأنك محرمة بالفعل، فينصرف السعي والتقصير إلى العمرة الأولى، وتبرأ ذمتك بذلك.
وقد سألنا الشيخ عبد الرحمن البراك حفظه الله عن امرأة اعتمرت ونسيت أن تقصر شعرها ثم ذهبت وأحرمت بعمرة جديدة وطافت وسعت وقصرت شعرها.
فأجاب: "إدخال العمرة على العمرة ليس عند فقهاء المسلمين، فتكون العمرة الثانية لاغية، وتقصيرها يقع عن العمرة الأولى" انتهى.
وإذا كان عقد نكاحك قد تم بعد العمرة الصحيحة – كما يفهم من سؤالك – فهو عقد صحيح؛ لأنه وقع بعد التحلل من العمرة.
ولا حرج عليك في عقد النكاح مستقبلا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3645)
إذا كان من حوله يلبون جماعة فهل يسكت
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤل: سؤالي هو عن التلبية الجماعية؛ فأنا قرأت فتواكم، وقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، وأريد أن اعرف: ماذا يفعل الذي في الحافلة إذا صعب عليهم أن يلبوا واحدا واحداً، بل حتى لو بدؤوا بالأخير، يلبون مع بعض.. فالصحابة رضوان الله عليهم ما كانوا في نفس الراحلة، وربما كانوا ببعد عن بعض , فهل يكون للحجاج سبب أن يفعلوا ذلك؛ أي التلبية الجماعية؟ خاصة لأجل الفتنة التي ستحصل من مخالفة الناس الذين معظمهم يظنون بجواز ذلك؟ وأيضا أسأل: هل من الأفضل أن يسكت الرجل لأنه لا يستطيع أن يلبي إلا معهم، أم يلبي معهم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التلبية الجماعية لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه، ولهذا صرح جماعة من أهل العلم بأن ذلك من البدع.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/358) : " ما حكم التلبية الجماعية للحجاج؟ حيث أحدهم يلبي والآخرين يتبعونه.
الجواب: لا يجوز ذلك لعدم وروده عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن خلفائه الراشدين رضوان الله عليهم، بل هو بدعة.
عبد الله بن قعود ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز " انتهى.
وهذا لمن قصد التلبية الجماعية وتعمدها، وأما من لبى وكان إلى جواره آخرون فاتفقت أصواتهم دون قصد، فلا شيء عليه.
والغالب أنه إن لبى قوم مجتمعون وارتفعت أصواتهم أن يحصل اتفاق الصوت مرات.
وإذا كان من حولك يلبون مجتمعين فلا ينبغي لك السكوت، بل تلبي وترفع صوتك.
فإن خشيت من ذلك مفسدة، إذا انتبه من حولك أن تلبي بمفردك، فاخفض صوتك بالتلبية. وأما السكوت فلا ينبغي؛ لأن التلبية من الأعمال الصالحة والقربات النافعة.
روى النسائي (2753) والترمذي (829) وأبو داود (1814) وابن ماجه (2923) عَنْ السَّائِبِ بْنِ خَلَّادِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (جَاءَنِي جِبْرِيلُ فَقَالَ لِي يَا مُحَمَّدُ مُرْ أَصْحَابَكَ أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّلْبِيَةِ) . وصححه الألباني في صحيح النسائي.
ولفظ ابن ماجه: (فَلْيَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّلْبِيَةِ فَإِنَّهَا مِنْ شِعَارِ الْحَجِّ) .
وروى الترمذي (827) وابن ماجه (2896) عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ: أَيُّ الْحَجِّ أَفْضَلُ؟ قَالَ: (الْعَجُّ وَالثَّجُّ) . وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
قَالَ وَكِيعٌ: يَعْنِي بِالْعَجِّ الْعَجِيجَ بِالتَّلْبِيَةِ، وَالثَّجُّ نَحْرُ الْبُدْنِ.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3646)
يشترط تعيين صاحب الهدي من قبل الوكيل عنه في الذبح
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجب ذبح الهدي بنفسي أم يجوز التوكيل لأحد المكاتب أو البنوك الموجودة بمكة والمتخصصة في ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجب على الإنسان أن يذبح هديه بنفسه، ويجوز أن يوكل ثقة أمينا يتولى ذلك عنه.
ولكن يجب التنبه إلى أمر يتعلق بالتوكيل، وهو أنه يلزم عند الذبح تعيين صاحب الهدي، فينوي الوكيل أنها عن فلان، ولا يصح أن يذبح مجموعة من الخراف مثلا عن مجموعة من الناس دون تعيين.
وعليه؛ فلا يجوز توكيل المكاتب أو البنوك التي لا تعين أسماء المذبوح لهم إلا عند الضرورة، بحيث يتعذر على الإنسان أن يذهب إلى المذبح بنفسه، أو أن يجد وكيلا ثقة يذبح عنه.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: بعض الحملات يجمعون من الحجاج مبالغ للهدي ويذبحون عنهم هديهم، ولكن ربما تركوا التسمية عن كل واحد فهل هذا جائز؟
فأجاب: "هذا لا يجوز، لا بد أن تعين لمن هذه الذبيحة، فمثلاً: إذا كان في الحملة ثلاثون رجلاً واشترى لهم ثلاثين شاةً؛ فليكن بين يديه قائمة بأسمائهم، وكلما قدم شاةً قال: هذه عن فلان؛ لأنه لا بد من التعيين، أما أن يذبح الثلاثين عن ثلاثين رجلاً فلا يصلح هذا " انتهى من "اللقاء الشهري" (73/32) .
وسئل رحمه الله: سمعنا عنكم يا فضيلة الشيخ أنكم قد حذرتم من إعطاء هذه الشركات، ولكن ما الحل فيما مضى فإنا قد حججنا أكثر من مرة ونعطيها هذه الشركات ولا يأخذون أسماءنا، فما الحكم فيما مضى هل يجزئ؟ فإن كان لا يجزئ فماذا يلزمنا؟
الجواب: "إننا لم نحذر من إعطاء الهدي؛ لأن الهدي في الحقيقة ضرورة، لأن الإنسان بين أمرين: إما أن يعطيها لهذه الشركات، وإما أن يذبحها ويدعها في الأرض لا ينتفع بها لا هو ولا غيره، أما إذا حصل أن الإنسان يذبح هديه ويأكل منه ويهدي ويتصدق فهذا لا شك أنه أفضل بكثير، وهذا يمكن لبعض الناس الذين لهم معارف في مكة يمكن أن يوكلوه ويقولوا: اذبحوا لنا الهدي، وحينئذٍ ينتفع به، أو هو ينزل إلى مكة ويذهب إلى المسلخ ويشتري ويذبح هناك فسيجد من يتزاحمون عنده ليأخذوا منه، لكن الذي أرى أن من الخطأ العظيم أن يرسل بقيمة الأضاحي إلى بلاد أخرى ليضحى بها هناك، هذا هو الذي ليس له أصل، والنبي عليه الصلاة والسلام كان يبعث بالهدي إلى مكة ليذبح في مكة ولم ينقل عنه لا في حديث صحيح ولا ضعيف أنه أرسل أضحيته لأي مكان، بل كان يذبحها في بيته ويأكلون ويهدون ويتصدقون " انتهى من "اللقاء الشهري" (34/17) .
وإذا كانت الشركة تكتب اسم صاحب الذبيحة وتعلقها في رقبتها ـ كما تفعل بعض الشركات ـ ونوى الذابح أن هذه الذبيحة عن صاحب هذه الورقة، كان ذلك مجزئاً وصحيحاً، وحصل به التعيين المطلوب، ولا يشترط أن يذكر اسم صاحبها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3647)
جاء من مصر إلى جدة في موسم الحج للعمل ثم أذن له في الحج فأحرم من جدة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا من مصر وذهبت إلى جدة للعمل في موسم الحج وبعدما قضيت عشرون يوما في جدة انتهي عملي- وأذن لي بالحج فنويت الحج في ساعتها وأحرمت من جدة بالعمرة متمتعا هل هذا صحيح أم علي الرجوع إلى ميقات أهل مصر]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من أراد الحج أو العمرة وكان خارج المواقيت، لزمه أن يحرم من الميقات، وأما من كان منزله دون الميقات كأهل جدة فإنه يحرم من منزله؛ لما روى البخاري (1524) ومسلم (1181) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: (إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلِأَهْلِ الشَّأْمِ الْجُحْفَةَ، وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ، وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ، هُنَّ لَهُنَّ، وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ، مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ، حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ) .
فقوله صلى الله عليه وسلم: (وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ) أي: يحرم من مكانه.
وحيث إنك لم تنو الحج إلا بعد فراغك من العمل ووجودك حينئذ في جدة، فإنك تحرم من مكانك ولا يلزمك الذهاب إلى الميقات.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا انتدبت في الحج من قبل عملي، فأنا مشيت مع الحملة حتى منى، وأردت أن أستأذن من عملي لأداء الحج فهل أذهب إلى الميقات لأحرم من الميقات، أو من مكاني؟
فأجاب: "تحرم من مكانك في الحج، لأنك حينما مررت بالميقات لا تدري هل يؤذن لك أم لا؟ فلم تعزم على الحج، فمثلاً: إذا أذنوا لك في منى أحرم من منى، وإذا أذنوا لك في عرفة أحرم من عرفة " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (89/20) .
وسئل أيضا: إن شاء الله سأنوي أداء العمرة يوم الحج، وهو مشارك في مهمة قال: إذا سمح لي عملي، وفي غالب الظن أن العمل لا يمانع، لكن نقول: بنسبة (10%) يضعها من باب الاحتياط، فتجاوز الميقات الآن، هل يلزمه الرجوع لأداء الإحرام من الميقات؟
فأجاب: "لا، الرجل الذي في مهمة ولا يدري أيؤذن له أم لا؟ لا يلزمه الإحرام من الميقات، فإن أُذن له أحرم من المكان الذي تم فيه الإذن " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (178/18) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3648)
إذا ضحى عنه أهله وهو في الحج فهل يلزمه أضحية أخرى؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي صديق يقول أن أهله سيضحون عنه، فهل إذا حج يجب عليه الأضحية مرة أخرى؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحاج لا تجب عليه الأضحية، ولا يشرع له أن يذبحها في مكة، وإنما الواجب والمشروع في حقه: الهدي. فإن حج متمتعا أو قارنا، وجب عليه الهدي، وهو ذبيحة يشترط فيها ما يشترط في الأضحية؛ لأن دم التمتع والقران واجب، ومن لم يجده صام عشرة أيام، ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع إلى بلده، كما قال تعالى: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ) البقرة/196.
وأما إن حج مفردا، فلا يلزمه هدي، وله أن يتطوع به، فقد أهدى النبي صلى الله عليه وسلم في حجه مائة بدنة.
والمقصود أنه سواء ضحى عنه أهله أم لا، لا تستحب له الأضحية مادام سيحج.
ثانيا:
الحاج إن ترك أهله في بلده، شرع له أن يترك لهم مالا ليضحوا.
فقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: كيف يجمع الإنسان بين الأضحية والحج، وهل هذا مشروع؟
فأجاب: "الحاج لا يضحي، وإنما يهدي هدياً، ولهذا لم يضحِ النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وإنما أهدى، ولكن لو فرض أن الحاج حج وحده وأهله في بلده فهنا يدع لأهله من الدراهم ما يشترون به أضحية ويضحون بها، ويكون هو يهدي، وهم يضحون، لأن الأضاحي إنما تشرع في الأمصار، أما في مكة فهو الهدي " انتهى من "اللقاء الشهري".
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3649)
بركة ماء زمزم تحصل لكل من شربها سواء كان داخل مكة أم خارجها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الدعاء عند شرب ماء زمزم خاص بمن هو موجود بمكة، سواء كان مقيما أو زائرا أو حاجا أو معتمرا، أم أن الدعاء عند شربه هو عام يشمل جميع المسلمين في كل الأقطار، مع العلم أني سمعت فتوى للشيخ الألباني في " سلسلة الهدى والنور " يقول فيها بأنه يرى أن الدعاء عند شرب ماء زمزم خاص بمن هو موجود بمكة المكرمة، ولم يذكر رحمه الله دليلا في هذه المسألة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
البركة في ماء زمزم بركة أودعها الله عز وجل في الماء ذاته أينما كان، وليست متعلقة فقط في مكان زمزم أو زمان شربه أيام الحج والعمرة، فقد وصفها النبي صلى الله عليه وسلم نفسها بقوله: (إِنَّهَا مُبَارَكَةٌ إِنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ) رواه مسلم (2473) ، وفي رواية البزار والطبراني والبيهقي وغيرهم زيادة: (وشفاء سقم) : انظر: " السنن الكبرى " (5/147) .
وظاهر الأدلة، إن شاء الله، أن هذه البركة عامة لكل ماء زمزم، سواء الموجود منه في مكة، أو المحمول منه إلى غيرها من البلدان، ولذلك نص غير واحد من أهل العلم على مشروعية نقل ماء زمزم خارج مكة، وبقاء بركته وخاصيته حتى بعد نقله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" وَمَنْ حَمَلَ شَيْئًا مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ جَاز فَقَدْ كَانَ السَّلَفُ يَحْمِلُونَهُ ".
وقال الصاوي المالكي رحمه الله:
" (ونُدب نقله – يعني ماء زمزم –) وخاصيته باقية خلافا لمن يزعم زوال خاصيته " انتهى.
" حاشية الصاوي على الشرح الصغير " (2/44) ، ونحوه في " منح الجليل شرح مختصر خليل " (2/273)
وقال الشيخ علي الشبراملسي الشافعي رحمه الله:
" (قوله: ماء زمزم لما شرب له) هو شامل لمن شربه في غير محله " انتهى.
" حاشية نهاية المحتاج " (3/318) .
وقال ابن حجر الهيتمي رحمه الله في " تحفة المحتاج " (4/144) : " وأن ينقله إلى وطنه استشفاء وتبركا له ولغيره " انتهى.
وقال السخاوي رحمه الله:
" يذكر على بعض الألسنة أن فضيلته مادام في محله، فإذا نقل يتغير. وهو شيء لا أصل له؛ فقد كتب [صلى الله عليه وسلم] إلى سهيل بن عمرو: (إن وصل كتابي ليلا: فلا تصبحن، أو نهارا: فلا تمسين، حتى تبعث إلي بماء زمزم) .
وفيه أنه بعث له مزادتين وكان حينئذ بالمدينة قبل أن يفتح مكة.
وهو حديث حسن لشواهده، وكذا كانت عائشة رضي الله عنها تحمل وتخبر أنه كان يفعله، وأنه كان يحمله في الأداوي والقرب، فيصب منه على المرضى ويسقيهم، وكان ابن عباس إذا نزل به ضيف أتحفه بماء زمزم. وسئل عطاء عن حمله فقال قد حمله النبي والحسن والحسين رضي الله عنهما.
وتكلمت على هذا في الأمالي. " انتهى.
المقاصد الحسنة، للسخاوي (1/569) .
بل قال الملا علي القاري، رحمه الله:
" وأما نقل ماء زمزم للتبرك به فمندوب اتفاقا ". انتهى.
مرقاة المفاتيح (9/194) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله السؤال الآتي:
" هل يشترط أن يكون الشرب في مكة – يعني لماء زمزم كي تتحقق بركته -؟
فأجاب:
" لا يشترط، ولهذا كان بعض السلف يأمر مَنْ يأتي به إليه في بلده فيشرب منه، وهو أيضاً ظاهر الحديث (ماء زمزم لما شرب له) ، ولم يقيده النبي صلى الله عليه وسلم بكونه في مكة " انتهى.
" فتاوى نور على الدرب " (شروح الحديث والحكم عليها)
وقال أيضا رحمه الله:
" ظاهر الأدلة أن ماء زمزم مفيد سواء كان في مكة أم في غيرها، فعموم الحديث الوارد عن النبي عليه الصلاة والسلام في قوله: (ماء زمزم لما شرب له) يشمل ما إذا شرب في مكة أو شرب خارج مكة، وكان بعض السلف يتزودون بماء زمزم يحملونه إلى بلادهم " انتهى.
" فتاوى نور على الدرب " (فتاوى الحج والجهاد/باب محظورات الإحرام)
وجاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " (1/298) :
" أما ما ذكرت عن ماء زمزم من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ماء زمزم لما شرب له) فقد رواه الإمام أحمد وابن ماجه عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو حديث حسن، وهو أيضا عام، وأصح منه قول النبي صلى الله عليه وسلم في ماء زمزم: (إنها مباركة، وإنها طعام طعم وشفاء سقم) رواه مسلم وأبو داود وهذا لفظ أبي داود – يعني الطيالسي - فإذا أردت منه شيئا أمكنك أن توصي من يحج من بلدك ليأتي بشيء منه في عودته من حجه " انتهى.
وانظر " الموسوعة الفقهية " (24/14) .
ولعل الشيخ الألباني رحمه الله، قد تراجع عن المنع من حمل ماء زمزم، والتبرك به خارج مكة، أو ـ على أقل تقدير ـ نقول: إن له قولا آخر في المسألة، يوافق ما نقلناه هنا من كلام أهل العلم.
قال الشيخ الألباني رحمه الله:
" وله [أي: للحاج والمعتمر] : أن يحمل معه من ماء زمزم ما تيسر له تبركا به؛ فقد: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمله معه في الأداوي والقرب وكان يصب على المرضى ويسقيهم) [قال الشيخ في تخريج ذلك: أخرجه البخاري في (التاريخ) والترمذي وحسنه من حديث عائشة رضي الله عنها وهو مخرج في (الأحاديث الصحيحة) (883) ] بل إنه: (كان يرسل وهو بالمدينة قبل أن تفتح مكة إلى سهيل بن عمرو: أن أهد لنا من ماء زمزم ولا تترك فيبعث إليه بمزادتين) [قال في تخريجه: أخرجه البيهقي بإسناد جيد عن جابر رضي الله عنه. وله شاهد مرسل صحيح في (مصنف عبد الرزاق) (9127) وذكر ابن تيمية أن السلف كانوا يحملونه] ".
مناسك الحج والعمرة (42) ، وقرر نحوا من ذلك في السلسلة الصحيحة، رقم (883) ، تحت عنوان: " حمل ماء زمزم، والتبرك به ". (2/543) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3650)
نذرت فعل أكثر من عمرة فهل يجوز أن تفعلها في سفرة واحدة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة مصرية أعاني من ابتلاءات متعددة منذ ثمان سنوات والحمد لله على كل حال فنذرت لله إن رزقني العمرة أن أعتمر أيضا عن والدي المريض وعن عمي وخالي رحمهما الله فأخبرني بعض الأشخاص أن هذا غير جائز وأنني يجب أن أعتمر مرة واحدة فقط في كل سفر أي أعتمر عن نفسي فقط ثم أعود لمصر ثم أسافر مرة أخرى لأعتمر عن شخص آخر وهكذا فهل يجوز أن أوفي بنذري خلال سفر واحد؟ أم لا؟ مع العلم بأن مدة العمرة من مصر قد تكون أسبوع أو عشرة أيام على الأكثر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تكرار العمرة في السفرة الواحدة ليس من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ولا من هدي أصحابه، ولذا فهو مكروه، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم (111501) .
ولكن نظرا لكونك نذرت العمرة عن والدك وعمك وخالك، وأنك تأتين للعمرة من مصر، فلا حرج عليك في الوفاء بنذرك في سفرة واحدة، لأنك قد لا يتيسر لك السفر إلى مكة عدة مرات، فإذا أردت العمرة وأنت في مكة خرجت إلى التنعيم أو غيره من الحِل، فأحرمت بالعمرة.
واعلمي أن النذر مكروه، وأنه لا يأت بخير كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى البخاري (6608) ومسلم (1639) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّذْرِ وَقَالَ: (إِنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيل) .
وروى البخاري (6609) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن الله تعالى قال في الحديث القدسي: (لَا يَأْتِ ابْنَ آدَمَ النَّذْرُ بِشَيْءٍ لَمْ يَكُنْ قَدْ قَدَّرْتُهُ، وَلَكِنْ يُلْقِيهِ الْقَدَرُ، وَقَدْ قَدَّرْتُهُ لَهُ، أَسْتَخْرِجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ) .
ومع كون النذر مكروها في الأصل إلا أن من نذَر نذْر طاعةٍ فإنه يلزمه الوفاء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ) رواه البخاري (6202) .
ونسأل الله تعالى أن يجعل لك من كل ضيق فرجا ومخرجا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3651)
إذا أتى من مصر لزيارة والده في الدمام وفي نيته العمرة فمن أين يحرم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا إن شاء الله ذاهب إلى الدمام لمدة خمسة أيام لرؤية أبى الذي يعمل هناك وهذه نيتي. السؤال: 1-هل يجوز أن أغير نيتي هناك وأحرم بعمرة من هناك؟ 2- إذا كانت الإجابة بنعم فهل يجب علي المكوث في الدمام ثلاثة أيام قبل أن أحرم بعمرة، ولا في أي وقت يمكن أن أحرم بعمرة؟ 3- ما هو الميقات الذي يجب على الإحرام منه ولبس ملابس الإحرام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا سافرت لزيارة والدك، ثم بدا لك أن تعتمر، فلا يشترط أن تبقى في الدمام ثلاثة أيام، بل تذهب للعمرة متى شئت، وتحرم من الميقات الذي يحرم منه أهل الدمام، وهو قرن المنازل (السيل الكبير) القريب من الطائف.
والأصل: أن من أتى مريدا للعمرة، لزمه الإحرام من الميقات، وميقات أهل مصر هو الجحفة أو رابغ، لكن من كان سيذهب إلى مدينة أخرى كالمدينة أو الرياض أو الدمام، جاز أن يؤخر الإحرام، ثم يحرم من ميقات أهل البلد الذي وصل إليه، وينظر جواب السؤال رقم 96758.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3652)
الاشتراط في الحج والعمرة لمن خشيت نزول الحيض
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة تريد أن تأخذ عمرة واحتمال يأتيها الحيض بعد الدخول في النسك وقبل الطواف. هل لها أن تشترط لأنها تخاف أن تؤخر أهلها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا أرادت المرأة العمرة وخشيت نزول الحيض قبل إتمامها، فلها أن تشترط، فإن حاضت: حلّت من إحرامها ولا شيء عليها.
والأصل في جواز الاشتراط: ما روى البخاري (5089) ومسلم (1207) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ لَهَا: (لَعَلَّكِ أَرَدْتِ الْحَجَّ؟ قَالَتْ: وَاللَّهِ، لَا أَجِدُنِي إِلَّا وَجِعَةً، فَقَالَ لَهَا:حُجِّي وَاشْتَرِطِي، وَقُولِي: اللَّهُمَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي) .
فإذا خشي الإنسان مرضا، أو خشيت المرأة مجيء الحيض اشترطت.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: بالنسبة للاشتراط في الحج، هل هناك حالات معينة يَشْتَرِط فيها الحاج ويقول: إن حَبَسَنِي حابسٌ فمحلي حيث حَبَسْتَنِي؟
فأجاب: "الاشتراط في الحج أن يقول عند عقد الإحرام: إن حَبَسَنِي حابسٌ فمحلي حيث حَبَسْتَنِي.
وهذا الاشتراط لا يُسَنُّ إلا إذا كان هناك خوف مِن مرض أو امرأة تخاف من الحيض، أو إنسان متأخر يخشى أن يفوته الحج، ففي هذه الحالة ينبغي أن يشترط، وإذا اشترط وحصل ما يمنع من إتمام النسك، فإنه يتحلل وينصرف ولا شيء عليه.
أما إذا كان الإنسان غير خائف فالسنة أن لا يشترط، بل يعزم، ويتوكل على الله، ويحسن الظن بالله عزَّ وجلَّ " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (25/18) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3653)
حكم السعي في المسعى الجديد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم السعي في المسعى الجديد؟ لأنه قد اختلف أهل العلم في ذلك كثيرًا، فمن قائل لا بأس، ومن قائل لا يجوز السعي فيه للحج والعمرة ومن فعل ذلك لم يحل من إحرامه وعليه العودة وإعادة العمرة أو الحج، ومن قائل بل يجبر السعي بدم، ومن متوقف. فبم تنصحون؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عُرض موضوع السعي في المسعى الجديد على هيئة كبار العلماء، وصدر قرارهم كما يلي:
"قرار رقم (227) وتاريخ 22/2/1427هـ
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد:-
فإن مجلس هيئة كبار العلماء في دورته الرابعة والستين التي انعقدت في مدينة الرياض ابتداء من تاريخ 18/2/1427هـ. درس موضوع توسعة المسعى، من الناحية الشرعية....
وقد استعرض المجلس ما سبق أن صدر منه بالقرار رقم (21) ، وتاريخ 12/11/1393هـ المتضمن جواز السعي فوق سقف المسعى عند الحاجة، واطلع على البحوث المعدة حول مشعر المسعى من الناحية الشرعية والتاريخية.
واطلع كذلك على الفتوى الصادرة من سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، المفتي الأسبق للمملكة العربية السعودية رحمه الله، حول ما أدخلته العمارة الجديدة للمسعى، وحول الصفا والمروة، بناء على قرارات اللجان المشكلة من عدد من العلماء الذين أمرهم - رحمه الله - بذلك، وهم:
الشيخ عبد الملك بن إبراهيم آل الشيخ، والسيد علوي عباس المالكي، والشيخ عبد الله بن دهيش، والشيخ عبد الله بن جاسر، والشيخ يحيى أمان، والشيخ محمد الحركان - رحمهم الله جميعًا -، وذلك لمتابعة إدخال ما هو من المسعى، وإخراج ما ليس منه، مما هو منصوص عليه في كتب أهل العلم من محدثين وفقهاء ومؤرخين. أ. هـ.
وقد نص العلماء على عرض المسعى بالذراع وجزء الذراع، فكان ذلك المنصوص حدًا لعرضه بما هو مذكور في كتب العلماء - رحمهم الله -.
والمسعى بطوله يحكمه جبل الصفا وجبل المروة، وعرضه يحكمه عمل القرون المتتالية من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا.
وبعد الدراسة والمناقشة والتأمل رأى المجلس بالأكثرية أن العمارة الحالية للمسعى شاملة لجميع أرضه، ومن ثم فإنه لا يجوز توسعتها، ويمكن عند الحاجة حل المشكلة رأسيًا بإضافة بناء فوق المسعى، وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه" انتهى.
وينبني على هذا مسألتان:
الأولى: أن من أراد العمرة أو الحج اشترطَ عند إحرامه قائلاً: إن حَبَسَنِي حابسٌ فَمَحِلِّي حيث حَبَسْتَنِي، فإن استطاعَ أنْ يُتِمَّ سعيه في المسعى القديم دونَ أن يُحْدِثَ ضرراً لنفسهِ، أو لغيره أتم نسكه والحمد لله، وإنْ لم يستطعِ السعيَ، ولم يستطعِ البقاءَ لوقتٍ يتمكنُ فيه من إتمامِ نُسُكِهِ فهو مُحْصَرٌ حِيلَ بينه وبين إتمامِ النُّسُك، فيتحلَّل من عمرتهِ أو حجه مجَّاناً لاشتراطهِ، ولا شيء عليه، كما دلَّ عليه حديثُ ضُباعةَ بنتِ الزبير رضي الله عنها، فقد روى البخاري (5089) ومسلم (1207) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ فَقَالَ لَهَا: (لَعَلَّكِ أَرَدْتِ الْحَجَّ؟ قَالَتْ: وَاللَّهِ، لَا أَجِدُنِي إِلَّا وَجِعَةً. فَقَالَ لَهَا: حُجِّي وَاشْتَرِطِي، وَقُولِي: اللَّهُمَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي) .
فإن لم يشترط فعليه دمٌ للإحصار يذبحه قبل أن يتحلَّل، ويوزعه على فقراء الحرم، ثم يحلق أو يقصِّر.
هذا كلُّه على القولِ المعروفِ المشهورِ وهو قولُ الجمهور، وهو أنَّ السَّعيَ ركنٌ من أركان الحج والعمرة.
وأما على القول بأن السعي واجب – وهو قول بعض العلماء – فإنه يسقط بالعجز، أو يُجبر تركه بدم.
المسألة الثانية: أن من سعى في المسعى الجديد، إن كان قد أُفْتِيَ بذلك فهو على ذمَّةِ من أفتاه.
وإن سعى جاهلا بالحكم معتمدا على سعي جمهور الناس حوله، فهو معذور كذلك.
فإن كان عالما بالحكم لزمه أن يعيد السعي في المسعى القديم، فإن لم يستطع فهو محصر يذبح دم الإحصار في مكة ثم يتحلل.
وانظر: بيان الشيخ علوي السقاف في ذلك، وقد قرئ على فضيلة الشيخ عبد الرحمن البراك وأقره وزاد فيه.
http://www.dorar.net/art/102
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3654)
مات ولم يحج فحج شخص عنه من تركته قبل أن يعلم بوجود وارث له
[السُّؤَالُ]
ـ[كان لي صديق وله مال ولكن ليس له ورثة، وعندما توفي قررت أن أحج عنه من ماله؛ لأنه مات ولم يحج، ولكن بعد فترة من الزمن تبين أنه له ابن عم فقط، فما حكم ذلك المال الذي حججت به عن هذا الشخص؟ وهل علي أن أرده إلى ابن عمه الذي يرثه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من كان لديه مال فاضل عن نفقته ونفقة عياله، يكفي لحجه، لزمه أن يحج بنفسه، فإن كان عاجزا لمرض أو كبر، لزمه أن ينيب من يحج عنه بماله، فإن مات ولم يحج، وجب أن يخرج من تركته ما يحج به عنه؛ لأن الحج دين في ذمته، ودين الله أحق بالقضاء، كما روى النسائي (2639) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَبِي مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: (أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكَ دَيْنٌ أَكُنْتَ قَاضِيَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ) ، والحديث صححه الألباني في صحيح النسائي.
قال ابن قدامة رحمه الله: " متى توفي من وجب عليه الحج ولم يحج , وجب أن يخرج عنه من جميع ماله ما يحج به عنه ويعتمر , سواء فاته بتفريط أو بغير تفريط، وبهذا قال الحسن , وطاوس , والشافعي....
لما روى ابن عباس , (أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن أبيها , مات ولم يحج؟ قال: حجي عن أبيك) ، وعنه: (أن امرأة نذرت أن تحج , فماتت , فأتى أخوها النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن ذلك؟ فقال: أرأيت لو كان على أختك دين , أما كنت قاضيه؟ قال: نعم. قال: فاقضوا دين الله , فهو أحق بالقضاء) رواهما النسائي، ولأنه حق استقر عليه تدخله النيابة , فلم يسقط بالموت كالدين " انتهى من "المغني" (3/101) مختصرا.
وأما إن كان في حياته لا يملك نفقة الحج الفاضلة عن نفقته ونفقته عياله، فالحج لم يجب عليه، ولا يجب الحج عنه، إلا إن تبرع أحد بذلك.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: لي ابن أخ أصيب بمرض السرطان -أعيذكم بالله من ذلك وجميع المسلمين- وتوفي هذا العام وعمره تسع عشرة سنة ولم يؤد فريضة الحج، علماً بأنه أصيب بهذا المرض منذ خمس سنوات، فهل نحج عنه؟ وهل هناك كفارة؟
فأجاب:
" لا بد أن نسأله: هل هذا الشاب عنده مال يستطيع أن يحج به؟ إن كان الأمر كذلك فلا بد أن يحج عنه، وإذا لم يكن عنده مال فالحج ليس بواجب عليه وقد مات بريئاً من الفريضة، لكن إن أرادوا أن يتطوعوا ويحجوا عنه فلا حرج " انتهى من "اللقاء الشهري" (62/5) .
وبناء على ذلك؛ فما دام الرجل الذي توفي كان عنده من المال ما يكفي للحج، فالحج كان واجباً عليه، فما فعله السائل من الحج عنه عمل صحيح، وهو مقدم على حق الوارث في التركة، لكن ينبغي إعلام الوارث بذلك، حتى لا يحج عنه مرة أخرى، وهو يظن أن ذلك واجب عليه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3655)
الواجب على من أفسد العمرة بالجماع
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مقيم في السعودية، وزوجتي قادمة من خارج السعودية، تقابلنا في جدة ونحن محرمان للعمرة فقط، وذهبنا إلى مكة، في الفندق حصل جماع قبل العمرة، ثم ذهبنا إلي التنعيم وأحرمنا وعملنا عمرة جديدة فما الحكم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز الجماع للمحرم بالحج أو العمرة، حتى يتحلل، وإذا جامع في العمرة قبل الفراغ من سعيها، فسدت العمرة، ولزم المضي والاستمرار فيها، ثم قضاؤها من مكان الإحرام بالأولى، مع ذبح شاة عن كل واحد منكما، تذبح وتوزع على فقراء مكة.
وأما الجماع بعد السعي وقبل الحلق أو التقصير، فلا تفسد به العمرة، لكن تلزم فيه الفدية على التخيير.
وذهابك إلى التنعيم لا يفيد، لأنك متلبس بالإحرام بالعمرة – حتى وإن كانت فاسدة – فلا يصح إدخال إحرام آخر عليه حتى تفرغ من الأول.
وعليه؛ فما قمتما به من أعمال العمرة هو إتمام للعمرة الفاسدة، ويلزمكما قضاؤها، وتحرمان بها من الميقات الذي أحرمتم منه أولاً، مع ذبح شاة عن كل واحد منكما.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " فإن كنت جامعت زوجتك فسدت العمرة وعليك إتمامها ثم قضاؤها مرة أخرى من محل إحرامك بالأولى، وعليك دم وهو رأس من الغنم جذع ضأن أو ثني معز يذبح في مكة للفقراء، ويجزيء عن ذلك سُبع بدنة أو سُبع بقرة " انتهى من "فتاوى إسلامية".
وذهب بعض أهل العلم إلى أن الواجب على من جامع في العمرة فدية على التخيير: دم أو صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين، سواء جامع قبل السعي أو بعده، كما في "شرح منتهى الإرادات" (1/556) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " والعمرة التي وقع فيها الجماع عمرة فاسدة، ويجب عليك شاة تذبح في مكة وتوزع على الفقراء، أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، أو صيام ثلاثة أيام، ويجب -أيضاً- أن تقضي عمرة بدل العمرة التي فسدت " انتهى من "اللقاء الشهري" (54/9) .
والحاصل أنه يلزمكما ثلاثة أمور:
1- التوبة إلى الله تعالى؛ لاقترافكما المحظور، وإفساد النسك الذي أمر الله بإتمامه.
2- الاعتمار مرة أخرى قضاءً عن العمرة الفاسدة، وأن يكون الإحرام بها من ميقات العمرة الفاسدة.
3- فدية على التخيير يفعل كل واحد منكما ما شاء: إما ذبح شاة، أو صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين من فقراء مكة، وإن ذبح كل واحد منكم شاة فهو أولى وأحوط.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3656)
إذا حج عن أخيه المتوفى فهل يكون كفارة له؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان الحج كفارة لكل ذنوب الحاج، فهل قياسا على ذلك يكون بإذن الله كفارة لأخي - رحمه الله - والذي أنوي أن أحج عنه إن شاء الله، وأهبه أجر ذلك وثوابه خالصا لوجه الله عز وجل، علما أنه سبق أن حججت والحمد لله عن نفسي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
دلت الأدلة الصحيحة على عظم شأن الحج وأنه يكفر الذنوب، ويعود منه صاحبه كيوم ولدته أمه، وهل هذا يشمل الكبائر والصغائر، أو خاص بالصغائر فقط؟ في ذلك خلاف بين أهل العلم، وجمهور العلماء على أن الحج لا يكفر إلا الصغائر فقط، وأن الكبائر لابد لها من توبة تخصها. وينظر جواب السؤال رقم (34359) .
ثانيا:
يجوز للإنسان أن يحج عن أخيه المتوفى الذي لم يحج عن نفسه حج الفريضة، ويكون أجر الحج وثوابه للمحجوج عنه، وللحاج أيضا مثل أجره عند بعض أهل العلم، ومنهم من يقول: إن له أجرا عظيما لكن ليس كأجر من جُعل الحج له. وينظر جواب السؤال رقم (111407) و (111794) .
ولا شك أن الحج عن الغير يعتبر إحسانا ومعروفا وصلة، ولذلك يرجى لفاعله الثواب الجزيل، والعطاء الكبير، و (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) .
وإذا كان ثواب الحج للمتوفي، فيُرجى أن يكون كفارة لذنوبه، وفضل الله تعالى واسع، ورحمته وسعت كل شيء.
نسأل الله تعالى لك التوفيق والعون والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3657)
الحكمة من تقبيل الحجر الأسود
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الحكمة في تقبيل الحجر الأسود التبرك به؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الحكمة من الطواف بيَّنها النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: (إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله) فالطائف الذي يدور على بيت الله تعالى يقوم بقلبه من تعظيم الله تعالى ما يجعله ذاكراً لله تعالى، وتكون حركاته بالمشي والتقبيل واستلام الحجر والركن اليماني والإشارة إلى الحجر ذكراً لله تعالى لأنها من عبادته؛ وكل العبادات ذكر لله تعالى بالمعنى العام، وأما ما ينطق به بلسانه من التكبير والذكر والدعاء فظاهر أنه من ذكر الله تعالى، وأما تقبيل الحجر فإنه عبادة حيث يقبل الإنسان حجراً لا علاقة له به سوى التعبد لله تعالى بتعظيمه، واتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، كما ثبت أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال حين قَبَّل الحجر: (إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك) .
أما ما يظنه بعض الجهال من أن المقصود بذلك التبرك به فإنه لا أصل له، فيكون باطلاً.
وأما ما أورده بعض الزنادقة من أن الطواف بالبيت كالطواف على قبور أوليائهم وأنه وثنية، فذاك من زندقتهم وإلحادهم، فإن المؤمنين ما طافوا به إلا بأمر الله؛ وما كان بأمر الله فالقيام به عبادة لله تعالى.
ألا ترى أن السجود لغير الله شرك أكبر، ولما أمر الله الملائكة أن يسجدوا لآدم كان السجود لآدم عبادة لله تعالى وكان ترك السجود له كفراً.
وحينئذ يكون الطواف بالبيت عبادة من أجل العبادات، وهو ركن في الحج، والحج أحد أركان الإسلام. ولهذا يجد الطائف بالبيت إذا كان المطاف هادئاً من لذة الطواف وشعور قلبه بالقرب من ربه ما يتبين به علو شأنه وفضله والله المستعان" انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
"فتاوى العقيدة" (ص 28، 29) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3658)
يريد تقديم الحج ووالده يريد تقديم الزواج
[السُّؤَالُ]
ـ[هل أكون عاقا لأبي للأسباب الآتية: 1- كان أبي رحمه الله يريد مني البدء في مشروع الزواج وكنت أرفض لأنني كنت أريد إكمال الدراسة العليا. 2- المبلغ الذي وفرته كان يكفي البدء في المشروع (العقد فقط) مع العلم بأنني موظف. 3-ثم لم أستطع السفر لإكمال الدراسة، فقررت بأن أدخل مشروعا صغيرا على أمل أن أجني منه مبلغا ثم الحج به، والمشروع مشترك بيني وبينه عبارة عن قطعة أرض مشتركة (وسعرها لا يفي بمبلغ الحج) كنا ننوي تغيير المسكن الذي نعيش فيه بسبب الأذى الذي نلقاه من الجيران هداهم الله. 5-رفض أبي الحج بهذا المبلغ لأنه قال إنه مُلكي وليس من ماله. 6- بعد النقاش (لم يثمر أي شيء) قلت سوف أحج أنا قال الزواج أولا. 7-الآن بعد موته في رمضان يطالبوني بأن أنفذ ما أراد وأنا أقول لهم الحج أولا. 8-الأرض الآن تؤتي المبلغ الكافي لإتمام فريضة الحج وقد انتهينا أنا وهو من سداد الدين (قيمة الأرض) قبل مماته.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الحج واجب على الفور في أصح قولي العلماء، كما هو مبين في الجواب رقم (41702) ، وإذا كان المال الموجود يكفي إما للحج وإما للزواج، فإنه يقدم الزواج إذا كان محتاجاً إليه، ويخشى الوقوع في الحرام، ويقدم الحج إذا لم يكن محتاجاً إلى الزواج.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (5/12) : " وَإِنْ احْتَاجَ إلَى النِّكَاحِ , وَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْعَنَتَ (أي المشقة) , قَدَّمَ التَّزْوِيجَ , لأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ , وَلا غِنَى بِهِ عَنْهُ , فَهُوَ كَنَفَقَتِهِ , وَإِنْ لَمْ يَخَفْ , قَدَّمَ الْحَجَّ ; لأَنَّ النِّكَاحَ تَطَوُّعٌ , فَلا يُقَدَّمُ عَلَى الْحَجَّ الْوَاجِبِ " انتهى.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يجوز تأجيل الحج إلى ما بعد الزواج للمستطيع، وذلك لما يقابل الشباب في هذا الزمن من المغريات والفتن صغيرة كانت أم كبيرة؟
فأجاب:
"لا شك أن الزواج مع الشهوة والإلحاح أولى من الحج لأن الإنسان إذا كانت لديه شهوة ملحة فإن تزوجه حينئذٍ من ضروريات حياته، فهو مثل الأكل والشرب، ولهذا يجوز لمن احتاج إلى الزواج وليس عنده مال أن يدفع إليه من الزكاة ما يُزوج به، كما يعطى الفقير ما يقتات به وما يلبسه ويستر به عورته من الزكاة.
وعلى هذا فنقول: إذا كان محتاجاً إلى النكاح فإنه يقدم النكاح على الحج لأن الله سبحانه وتعالى اشترط في وجوب الحج الاستطاعة فقال: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا) آل عمران / 97. أما من كان شاباً ولا يهمه أن يتزوج هذا العام أو الذي بعده فإنه يقدم الحج لأنه ليس في ضرورة إلى تقديم النكاح " انتهى من "فتاوى منار الإسلام" (2/375) .
وعليه؛ فإن لم تخش على نفسك من تأخير الزواج، فبادر بالحج، والله يخلف عليك خيرا؛ لأن الحج فريضة عظيمة من فرائض الإسلام وشرائعه العظام.
ولا يلزمك تنفيذ مراد أبيك في هذه المسألة، لا في حياته ولا بعد مماته، لأنه يترتب عليه تأخير الحج من غير ضرورة لذلك.
ثانيا:
كان ينبغي أن ترضي أباك، وتقدم الزواج على إكمال الدراسة العليا، فقد نقل عن الإمام أحمد رحمه الله ما ظاهره: أن النكاح يجب إذا أمر به أحد الوالدين.
قال المرداوي: هل يجب (يعني النكاح) بأمر الأبوين , أو بأمر أحدهما به؟ قال الإمام أحمد رحمه الله: إن كان له أبوان يأمرانه بالتزويج: أمرته أن يتزوج , أو كان شابا يخاف على نفسه العنت: أمرته أن يتزوج.
فجعل أمر الأبوين له بذلك بمنزلة خوفه على نفسه العنت" انتهى من "الإنصاف" (8/14) .
ثالثا:
لا حرج على الأب فيما لو حج بمال ابنه، بل لا حرج على الإنسان أن يحج بمال غيره مطلقا، لكن من لم يحج حج الفريضة لعجزه عن تكاليف الحج هل يصير قادرا ببذل غيره المال له، وهل يلزمه قبول هذا المال ليحج؟ في ذلك خلاف بين الفقهاء.
قال ابن قدامة رحمه الله: " ولا يلزمه الحج ببذل غيره له , ولا يصير مستطيعا بذلك , سواء كان الباذل قريبا أو أجنبيا , وسواء بذل له الركوب والزاد , أو بذل له مالا. وعن الشافعي أنه إذا بذل له ولده ما يتمكن به من الحج , لزمه ; لأنه أمكنه الحج من غير مِنّة تلزمه , ولا ضرر يلحقه , فلزمه الحج , كما لو ملك الزاد والراحلة.
ولنا أن قول النبي صلى الله عليه وسلم يوجب الحج (الزاد والراحلة) , يتعين فيه تقدير ملك ذلك , أو ملك ما يحصل به , بدليل ما لو كان الباذل أجنبيا , ولأنه ليس بمالك للزاد والراحلة , ولا ثمنهما , فلم يلزمه الحج , كما لو بذل له والده , ولا نسلم أنه لا يلزمه مِنّة , ولو سلمناه فيبطل ببذل الوالدة , وبذل من للمبذول عليه أياد كثيرة ونِعَم " انتهى من "المغني" (3/87) .
وحاصل الجواب: أنه يلزمك المبادرة إلى الحج، ما لم تخف على نفسك الوقوع في الحرام بتأخير الزواج، وأن تستغفر الله تعالى من مخالفة والدك في أمر الزواج أولا.
ونسأل الله لك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3659)
يسأل عن قيمة فدية إزالة الشعر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي قيمة الفدية بالريال المترتبة على إزالة الشعر أو تقليم الأظافر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من محظورات الإحرام: إزالة شعر الرأس أو البدن وتقليم الأظافر، ويلزم في كل منها الفدية، وهي على التخيير: ذبح شاة، أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، أو صيام ثلاثة أيام؛ لقوله تعالى: (وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) البقرة/196.
ولحديث كعب بن عجرة رضي الله عنه لما احتاج أن يحلق رأسه وهو محرم، فقال له النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَاحْلِقْ، وَصُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، أَوْ انْسُكْ نَسِيكَةً) رواه البخاري (4190) ومسلم (1201) .
ولا يجوز إخراج الفدية نقودا، ولا يصح؛ لعدم وروده، بل يجب أن يخرج طعاما كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم.
وإن كان السؤال عن الأخذ من الشعر والظفر بعد دخول شهر ذي الحجة لمن أراد أن يضحي ـ وهو ليس محرماً بالحج أو العمرة ـ فهذا مع تحريمه، لا فدية فيه، بل يجب الاستغفار والتوبة. وينظر جواب السؤال رقم (36567) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3660)
فائدة الاشتراط عند الإحرام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفائدة من قول من أراد أن يحرم بالحج أو العمرة: إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يشرع لمن أراد الإحرام بالحج أو العمرة أن يشترط عند الإحرام، إذا خاف أن يمنعه مانع من إتمام الحج والعمرة، فيقول: إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، لما رواه البخاري (5089) ومسلم (1207) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لضباعة بنت الزبير لما أرادت الحج وهي مريضة: (حجي واشترطي وقولي: اللهم محلي حيث حبستني) .
والفائدة التي يستفيدها المحرم من ذلك: أنه إذا حصل له مانع يمنعه من إتمام النسك كمرض أو حادث، أو مُنع من دخول مكة لسبب ما فإنه يتحلل من إحرامه وليس عليه شيء، لا فدية، ولا هدي، ولا حلق الرأس.
ولولا هذا الاشتراط لكان مُحْصَراً، والمحصر – وهو الممنوع من إتمام النسك – عليه أن يذبح هدياً، ويحلق رأسه، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية لما منعه المشركون من دخول مكة، فنحر النبي صلى الله عليه وسلم هديه، وحلق رأسه، وأمر الصحابة بذلك، فقال لهم: (قوموا فانحروا ثم احلقوا) رواه البخاري (2734) .
وقال الله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) البقرة/196.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله:
"وفائدة هذا الشرط: أن المحرم إذا عرض له ما يمنعه من تمام نسكه من مرض أو صد عدو جاز له التحلل ولا شيء عليه" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (17/50) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"أما فائدة الاشتراط: فإن فائدته أن الإنسان إذا حصل له ما يمنعه من إتمام نسكه تحلل بدون شيء، بمعنى تحلل، وليس عليه فدية ولا قضاء" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/28) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3661)
إصرار البعض على صلاة ركعتي الطواف خلف المقام حتى في أيام الزحام
[السُّؤَالُ]
ـ[أحياناً يكون في المطاف زحام شديد فيصلي هناك بعض الجهال قريباً من المقام، ويحولون بين الناس وبين طوافهم وقد يتحلق بعضهم على بعض، فهل علينا من شيء إذا دفعناهم خصوصاً في حال الزحام الشديد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"أولئك الذين يصلون خلف المقام ويصرون على أن يصلوا هناك، مع احتياج الطائفين إلى مكانهم قد ظلموا أنفسهم وظلموا غيرهم، وهم آثمون معتدون ظالمون، ليس لهم حق في هذا المكان، ولك أن تدفعهم، ولك أن تمر بين أيديهم، ولك أن تتخطاهم وهم ساجدون، لأنه لا حق لهم في هذا المكان أبداً، وكونهم يصرون على أن يكونوا في هذا المكان فهذا من جهلهم لا شك؛ لأن ركعتي الطواف تجوز في كل المسجد، فمن الممكن للإنسان أن يبتعد عن مكان الطائفين ويصلي ركعتين، حتى إن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه صلى ركعتي الطواف بذي طوى، وهي بعيدة عن المسجد الحرام، فضلاً عن أن تكون في المسجد الحرام.
فالإنسان يجب عليه أن يتقي الله في نفسه، ويتقي الله في إخوانه؛ فلا يصلي خلف مقام إبراهيم عليه السلام، والناس يحتاجون إلى هذا المكان في الطواف، فإن فعل فلا حرمة له، ولنا أن ندفعه، ولنا أن نقطع صلاته عليه، ولنا أن نتخطاه وهو ساجد، لأنه هو المعتدي الظالم والعياذ بالله" انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
"فتاوى علماء البلد الحرام" (ص 220) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3662)
الحج بمال أخذه من العمل في شركة تنتج الدخان
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل مهندسا في شركه للأدخنة لإنتاج المعسل، وكذلك زوجتي تعمل بنفس الشركة، ويوجد جمعية لتيسير الحج قمت بالاشتراك فيها منذ فترة طويلة، والحمد لله أمكن لنا أن نخرج للحج السياحي، وليس لنا مورد آخر غير هذا المرتب من تلك الشركة وعمرنا تجاوز الخمسين الرجاء معرفة هل هذا حلال مع أنه كل دخلنا حلال من عملنا؟ وللعلم قد حصلت وزوجتي على تذاكر السفر للحج ولا يسمح بإرجاعها أرجو سرعة الرد وأرجو عدم التعجل بالتحريم ولله الأمر من قبل ومن بعد.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
شرب الدخان والشيشة محرم؛ لما فيهما من المضرة والخبث، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (45271) .
وما كان محرما شربه واستعماله، لم يجز تصنيعه ولا بيعه ولا الإعانة على ذلك.
وعليه فالعمل في شركة إنتاج المعسّل عمل محرم، والراتب الناشيء عنه محرم كذلك.
والواجب عليكما أن تتوبا إلى الله تعالى، بترك هذا العمل، والندم على ما فات، والعزم على عدم العود إليه.
وإذا كنت لا تعلم بأن شرب الدخان حرام، أو تقلد بعض المفتين المتساهلين في هذا، فنرجو ألا يكون عليك حرج فيما مضى، ويكون المال الذي معك حلالاً لك.
أما إذا كنت تعلم أن شرب الدخان محرم، فيلزمكم التخلص من هذه الأموال بإنفاقها في وجوه الخير والمصالح العامة للمسلمين، إلا أن تكون محتاجاً فتأخذ منها قدر حاجتك، وينظر جواب السؤال رقم (78289) .
ثانيا:
الواجب على من أراد الحج أَنْ تكون نفقته حلالاً طيبةً، ويُخشى على من حج بمال حرام ألا يتقبل الله تعالى حجه؛ لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلا طَيِّبًا) رواه مسلم (1015) .
لكن إذا كنتما حصلتما على رخصة الحج وتذاكر السفر التي لا يمكن إرجاعها، فنرى أن تحجا، وتعتبرا هذا المال قرضا، فتخرجا بدله حين يمنّ الله عليكما – ولو بعد مدة - وتصرفاه في وجوه الخير والبر، وبهذا يرجى قبول حجكما، مع التوبة إلى الله تعالى والعزم على ترك العمل المحرم.
ولا يخفي عليك أيها الأخ الكريم أن الرزق بيد الله تعالى، وأنه يعطي عباده الصالحين، ويرزق أولياءه المتقين، فليكن رجاؤك فيما عند الله عظيما، نسأل الله تعالى أن يتقبل توبتكما وحجكما، وأن يزيدكما من فضله وإحسانه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3663)
ما حكم الصيد في المدينة النبوية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الصيد في الحرم النبوي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الصحيح أنه محرم، لكنه ليس كالصيد في حرم مكة، فإن صيد حرم مكة إذا صاده الإنسان فإثمه أكبر مما لو صاد صيدا في حرم المدينة، وحرم المدينة ليس في صيده جزاء، وحرم مكة يحصل فيه جزاء، وحرم المدينة إذا أدخل الإنسان الصيد فيه من خارج الحرم فله إمساكه وذبحه، وحرم مكة فيه خلاف، فمن العلماء من يقول: إذا أدخل الإنسان صيداً إلى حرم مكة وجب عليه إطلاقه، ومنهم من يقول: لا يجب، والصحيح أنه لا يجب عليه إطلاقه، فلو أدخل الإنسان أرنباً أو حمامة من خارج الحرم إلى الحرم فله استبقاؤها وذبحها؛ لأنها ملكه، بخلاف ما إذا صادها في الحرم، فإنه ليس له إبقاؤها وليس له ذبحها، إنما عليه أن يطلقها" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 228) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3664)
لماذا عدل الخلفاء الراشدون من التمتع إلى الإفراد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا عدل الخلفاء الراشدون رضوان الله عليهم عن التمتع إلى الإفراد وهم من أحرص الناس على الخير؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"عدل الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم إلى الأمر بالإفراد بالحج تأولاً منهم رضي الله عنهم حيث رأوا أن الناس إذا تمتعوا وأخذوا الحج والعمرة في سفر واحد بقي البيت ليس له من يعمره بالطواف والسعي، لأن الأسفار في ذلك الوقت كانت شاقة، فيصعب على الإنسان أن يتردد إلى البيت، فإذا حصل لهم عمرة وحج في سفر واحد واقتصروا على ذلك بقي البيت بقية السنة مهجوراً، فرأوا أن الإفراد أفضل من أجل أن يبقى البيت معموراً طول السنة، وتأولوا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه من أجل أن تزول العقيدة الفاسدة التي كانت في الجاهلية، وهي أن أهل الجاهلية يقولون: لا يمكن العمرة في أشهر الحج، ويقولون: (إذا انسلخ صفر، وبرئ الدبر، وعفى الأثر، حلت العمرة لمن اعتمر) ، يعني لا تعمر إلا بعد أن تمضي مدة بعد الحج، والقصد في ذلك أن يبقى البيت دائماً معموراً، ولهذا قال شيخ الإسلام رحمه الله في منسكه: (إذا أفرد العمرة في سفر والحج في سفر؛ فإن الإفراد أفضل بلا خلاف) هكذا قال رحمه الله.
ولعله أخذه من عمل الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، لكن في النفس من هذا شيء، فيقال: التمتع أفضل مطلقاً، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر به وحث عليه، ولم يقل إنه خاص بمن لم يأت من قبل، فلما لم يستثن عُلِم أن التمتع أفضل، وأن ما ذهب إليه الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم إنما هو على سبيل التأويل، ولكن الأخذ بعموم كلام الرسول صلى الله عليه وسلم أولى" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 63، 64) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3665)
تكرار الحج
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يستحسن الحج كل سنة لمن يرغب ذلك ولا يشق عليه أو الأفضل كل ثلاث سنوات مرة أو كل سنتين مرة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"فرض الله الحج على كل مكلف مستطيع مرة في العمر، وما زاد على ذلك فهو تطوع وقربة يتقرب بها إلى الله، ولم يثبت في التطوع بالحج تحديد بعدد، وإنما يرجع تكراره إلى وضع المكلف المالي والصحي، وحال من حوله من الأقارب والفقراء، وإلى اختلاف مصالح الأمة العامة ودعمه لها بنفسه وماله، وإلى منزلته في الأمة، ونفعه لها حضراً أو سفراً في الحج وغيره، فلينظر كلٌّ إلى ظروفه وما هو أنفع له فيقدمه على غيره.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/14) .
وينبغي أن لا يمضى عليه خمس سنوات من غير أن يحج إذا كان مستطيعاً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله يقول: إن عبدا أصححت له جسمه، ووسعت عليه في المعيشة، تمضي عليه خمسة أعوام لا يفد إلي لمحروم) رواه ابن حبان (960) وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" بمجموع طرقه (1662) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3666)
حج ثم ترك الصلاة فهل يعيد الحج؟
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل حج، ثم بعد فترة تهاون بالصلاة وتركها، ثم تاب بعد ذلك، فهل حجته الأولى صحيحة وتكفيه عن حجة الإسلام، أم عليه أن يحج مرة أخرى؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"من حج وهو كافر كفراً أكبر ثم دخل بعد في الإسلام لم تجزئه حجته تلك عن حجة الإسلام، لكن من كان مسلماً ثم ارتد بارتكابه ما يخرجه من ملة الإسلام ثم تاب وعاد إلى الإسلام أجزأته حجته تلك عن حجة الإسلام، لكونه أدى الحج وهو مسلم، وقد دل القرآن على أن عمل المرتد قبل ردته إنما يحبط بموته على الكفر؛ لقوله سبحانه وتعالى: (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) البقرة/217.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/25-27) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3667)
متى فرض الحج؟
[السُّؤَالُ]
ـ[في أي سنة من الهجرة فرض الحج؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الصواب أن فرض الحج كان في السنة التاسعة، ولم يفرضه الله تعالى قبل ذلك؛ لأن فرضه قبل ذلك ينافي الحكمة، وذلك أن قريشاً منعت الرسول صلّى الله عليه وسلّم من العمرة فمن الممكن والمتوقع أن تمنعه من الحج، ومكة قبل الفتح بلاد كفر، ولكن تحررت من الكفر بعد الفتح، وصار إيجاب الحج على الناس موافقاً للحكمة.
والدليل على أن الحج فرض في السنة التاسعة: أن آية وجوب الحج في صدر سورة آل عمران وهي قوله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) آل عمران/97، وصدر هذه السورة نزلت عام الوفود.
فإن قيل: لماذا لم يحج النبي صلّى الله عليه وسلّم في التاسعة، وأنتم تقولون إنه واجب على الفور؟
فالجواب: لم يحج صلّى الله عليه وسلّم لأسباب:
الأول: كثرة الوفود عليه في تلك السنة، ولهذا تسمى السنة التاسعة عام الوفود، ولا شك أن استقبال المسلمين الذين جاؤوا إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم ليتفقهوا في دينهم أمر مهم، بل قد نقول: إنه واجب على الرسول صلّى الله عليه وسلّم؛ ليبلغ الناس.
الثاني: أنه في السنة التاسعة من المتوقع أن يحج المشركون، - كما وقع - فأراد النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يؤخر من أجل أن يتمحض حجه للمسلمين فقط، وهذا هو الذي وقع، (فإنه أَذَّن في التاسعة ألا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان) متفق عليه.
وكان الناس في الأول يطوفون عراة بالبيت إلا من وجد ثوباً من قريش، فإنه يستعيره ويطوف به، أما من كان من غير قريش فلا يمكن أن يطوفوا بثيابهم بل يطوفون عراة" انتهى.
"الشرح الممتع" (7/14، 15) .
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (11/10) :
"اختلف العلماء في السنة التي فرض فيها الحج، فقيل في سنة خمس، وقيل: في سنة ست، وقيل: في سنة تسع، وقيل: في سنة عشر، وأقربها إلى الصواب القولان الأخيران، وهو أنه فرض في سنة تسع أو سنة عشر، والله أعلم.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3668)
نذر أن يعمر والدته يوم العيد فهل يعمرها في رمضان؟
[السُّؤَالُ]
ـ[نذر أن يعمّر والدته كل سنة يوم العيد، فهل يجوز له أن يعمرها في رمضان بدل يوم العيد بدون كفارة، وإذا لم ترغب ذلك فماذا يلزمه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إن أعمرت والدتك في رمضان فلا شيء عليك؛ لأنك أديت ما هو أفضل من وقت المنذور، كما لو نذر أن يصلي في المسجد الأقصى فصلى في المسجد الحرام أو المسجد النبوي؛ لكونه أداها في مكان أفضل، وقد جاء في الحديث الصحيح أنه لا شيء عليه في هذه المسألة الأخيرة، وهو عن جابر رضي الله عنه أن رجلاً قال يوم الفتح: (يا رسول الله، إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس. فقال: صل ههنا، فسأله فقال: صل ههنا، فسأله فقال: فشأنك إذاً) رواه أحمد وأبو داود وصححه الحاكم.
أما لو امتنعت أمه من العمرة فإنه لا شيء عليه أيضاً لكونه أدى ما عليه وحصل الامتناع من غيره.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (11/339) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3669)
يجوز أداء العمرة في أي وقت من السنة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أداء العمرة في أي وقت من السنة؟ أو لا يجوز أداؤها إلا في أشهر الحج؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"يجوز أداء العمرة في جميع أيام السنة، حتى في أشهر الحج، وإذا أداها في أشهر الحج وحج بعدها من عامه فهو متمتع بالعمرة إلى الحج، وإذا أداها مع حجه كان قارناً بين الحج والعمرة، وعلى كل من المتمتع والقارن هدي يجزئ أضحية، إذا لم يكن من حاضري المسجد الحرام، وإذا أداها الحاج في ذي الحجة بعد أيام التشريق جاز، ولا هدي عليه.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (11/316) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3670)
تقبيل الكعبة غير مشروع
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تقبيل الكعبة المشرفة في مناسك الحج أو العمرة حلال أم حرام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"المشروع تقبيل الحجر الأسود، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل الحجر الأسود ولم يقبل غيره من الكعبة المشرفة.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/228، 229) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3671)
هل يجوز أن يتبرع بأجر الطواف لشخص آخر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم التبرع بأجر الطواف لشخص آخر، حيث إن البعض إذا رأى شخصاً سيذهب إلى مكة يقول له: خذ لي سبعاً، أي: سبعة أشواط، ينوي أجرها له، هل هذا جائز أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الطواف بالكعبة لا يقبل النيابة، فلا يطوف أحد عن غيره إلا إذا كان حاجاً عنه أو معتمراً؛ فينوب عنه فيه تبعاً لجملة الحج أو العمرة.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (11/236) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3672)
هل يجوز تكرار العمرة في السنة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تكرار العمرة في السنة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الصحيح أنه يجوز تكرار العمرة في السنة عدة مرات؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) متفق على صحته.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (11/334) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3673)
الحكمة من تجرد المحرم من ثيابه المعتادة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكمة من تجرد المحرم من المخيط في الحج والعمرة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الحكمة من التجرد من أجل أن يكمل ذل الإنسان لربه عز وجل ظاهراً وباطناً، لأن كون الإنسان في رداء وإزار ذل، تجد أغنى الناس الذي يستطيع أن يلبس أفخر اللباس تجده مثل أفقر الناس لكمال الذل، وأيضاً: من أجل إظهار الوحدة بين المسلمين وأنهم أمة واحدة حتى في اللباس، ولهذا يطوفون على بناء واحد، ويقفون في مكان واحد، ويبيتون في مكان واحد، ويرمون في موضع واحد.
الفائدة الثالثة: أن الإنسان يتذكر أنه إذا خرج من الدنيا فلن يخرج إلا بمثل هذا، لن يخرج بفاخر اللباس وإنما سيخرج في كفن، والله المستعان" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 136) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3674)
حكم صيد الطيور في الأشهر الحرم أو في الحرم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم صيد الطيور في الأشهر الحرم أو في الحَرم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صيد الطيور في الأشهر الحرم جائز؛ لأن الأشهر الحرم إنما يحرم فيها القتال، على أن كثيراً من العلماء أو أكثر العلماء يقولون: إن تحريم القتال في الأشهر الحرم منسوخ.
ولكن إذا كانت الطيور داخل حدود الحرم فإنه لا يجوز صيدها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال حين فتح مكة: (لا ينفر صيدها) أي مكة، وإذا منع من التنفير فالقتل أولى، وقال عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) المائدة/95، وقال عز وجل: (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا) المائدة/96. فإذا كان الإنسان محرماً أو داخل حدود الحرم فإنه لا يحل له الصيد" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 230، 231) .
وللفائدة راجع جواب السؤال رقم (97216) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3675)
هل للإحرام ثياب تخصه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل للإحرام ثياب تخصه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"ليس للإحرام ثياب تخصه بالنسبة للمرأة بل تلبس ما شاءت، إلا أنها لا تلبس النقاب ولا تلبس القفازين، والنقاب هو الذي يوضع على الوجه ويكون فيه نقب للعين، وأما القفازان فهما اللذان يلبسان في اليد.
وأما الرجل فإن له لباساً خاصاً في الإحرام وهو الإزار والرداء، فلا يلبس القميص، ولا السراويل، ولا العمائم، ولا البرانس ولا الخفاف" انتهى.
"مجموع الفتاوى" لابن عثيمين (22/13) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3676)
هل تصلي المرأة في الروضة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا ذهبت المرأة إلى المسجد النبوي، فهل يجوز لها أن تصلي في الروضة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله "نعم؛ يجوز لها أن تصلي في كل المسجد، لكن بشرط أن لا تزاحم الرجال، فإن كان لا يتيسر لها ذلك إلا بمزاحمة الرجال فلا تفعل، والمسجد النبوي حكمه واحد في الثواب، حتى التوسعات التي طرأت عليه حكمها حكم الأصل في الثواب، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام) " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/422) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3677)
أتم أعمال الحج إلا طواف الإفاضة ثم توفي فهل يطاف عنه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من أتم أعمال الحج ماعدا طواف الإفاضة ثم توفي، هل يطاف عنه أو لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"من أتى أعمال الحج ما عدا طواف الإفاضة ثم مات قبل ذلك لا يطاف عنه؛ لقول ابن عباس رضي الله عنهما: بينما رجل واقف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ وقع عن راحلته فوقصته فمات، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: (اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تحنطوه ولا تخمروا رأسه، فإن الله تعالى يبعثه يوم القيامة ملبيا) رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن، فلم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالطواف عنه، بل أخبر بأن الله يبعثه يوم القيامة ملبياً؛ لبقائه على إحرامه بحيث لم يَطُفْ ولم يُطَفْ عنه.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن منيع.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (11/250) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3678)
أذان إبراهيم عليه السلام بالحج
[السُّؤَالُ]
ـ[قيل: إن الله تعالى أمر نبيه إبراهيم عليه السلام أن يؤذن للناس بالحج، وأن إبراهيم دعا الناس، ولباه الذين يحجون في أصلاب الرجال وأرحام النساء، وأن الذين لم يلبوه لا يحجون، ولو ملكوا القناطير المقنطرة من الذهب والفضة لا يحجون. هل هذا صحيح أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"أمر الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام بعد انتهائه من بناء البيت أن يؤذن للناس بالحج، فقال تعالى: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ) الحج/27، قال ابن كثير في تفسيرها: أي ناد في الناس داعياً لهم إلى الحج إلى البيت الذي أمرناك ببنائه، فذكر أنه قال: يا رب كيف أبلغ الناس وصوتي لا ينفذهم؟ فقال: ناد وعلينا البلاغ، فقام على مقامه، وقيل على الحجر، وقيل على الصفا، وقيل على أبي قبيس (جبل قريب من الكعبة) ، وقال: يا أيها الناس إن ربكم قد اتخذ بيتاً فحجوه، فيقال: إن الجبال تواضعت حتى بلغ الصوت أرجاء الأرض، وأسمع من في الأرحام والأصلاب، وأجابه كل شيء سمعه من حجر ومدر وشجر، ومن كتب الله أنه يحج إلى يوم القيامة: لبيك اللهم لبيك. هذا مضمون ما ورد عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة وسعيد وابن جبير وغير واحد من السلف، والله أعلم، وأوردها ابن جرير وابن أبي حاتم مطولة. انتهى كلام ابن كثير رحمه الله تعالى.
والله أعلم بحقيقة الواقع. أما الأذان فلا شك فيه؛ لأن القرآن الكريم نص عليه.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/8-10) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3679)
السن الواجب توفره في الهدي والأضحية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك سن معينة للهدي لا يجوز ذبح أصغر منه؟ وما معنى قوله تعالى: (فما استيسر من الهدي) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"دلت الأدلة الشرعية على أنه يجزئ من الضأن ما تم ستة أشهر، ومن المعز ما تم له سنة، ومن البقر ما تم له سنتان، ومن الإبل ما تم له خمس سنين، وما كان دون ذلك فلا يجزئ هدياً ولا أضحية، وهذا هو المستيسر من الهدي؛ لأن الأدلة من الكتاب والسنة يفسر بعضها بعضاً.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (11/376) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3680)
أنواع الطواف حول الكعبة
[السُّؤَالُ]
ـ[الطواف حول الكعبة أنواع، فما هي هذه الأنواع وما حكم كل نوع منها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"أنواع الطواف حول الكعبة كثيرة:
منها طواف الإفاضة في الحج ويسمى أيضاً طواف الزيارة، ويكون بعد الوقوف بعرفات يوم عيد الأضحى أو بعده، وهو ركن من أركان الحج.
ومنها: طواف القدوم للحج، ويكون للمحرم بالحج وللقارن بين الحج والعمرة حينما يصل الكعبة، وهو واجب من واجبات الحج أو سنة من سننه على خلاف بين العلماء.
ومنها: طواف العمرة، وهو ركن من أركانها، لا تصح بدونه.
ومنها: طواف الوداع، ويكون بعد انتهاء أعمال الحج والعزم على الخروج من مكة المكرمة، وهو واجب على الصحيح من قولي العلماء على كل حاج ما عدا الحائض والنفساء، فمن تركه وجب عليه ذبيحة تجزئ أضحية.
ومنها: الطواف وفاءً بنذرِ مَنْ نذر الطوافَ بها، وهو واجب من أجل النذر.
ومنها: الطواف تطوعاً.
وكل منها سبعة أشواط، يصلي الطائف بعدها ركعتين خلف مقام إبراهيم إذا تيسر ذلك، فإن لم تيسر صلاهما في بقية المسجد.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/223، 224) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3681)
أهمية مكة بالنسبة للمسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أهمية مكة للعالم الإسلامي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"قد جعلها الله مثابة للناس وأمناً، وحرماً آمناً، يجتمع فيه الحجاج والعلماء لأداء مناسكهم في غاية الراحة والاطمئنان، يرجون ثواب الله سبحانه، ويخشون عقابه، ويتعارف فيها المسلمون ويتناصحون، ويتشاورون فيما يهمهم من أمر دينهم ودنياهم، وتضاعف لهم فيها الصلاة والأعمال الصالحة.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/8) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3682)
تحية المسجد الحرام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما أقوال المذاهب الأربعة في تحية المسجد الحرام , هل هي الطواف أم صلاة ركعتين؟ وما الراجح؟ وما صحة حديث: (تحية البيت الطواف) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يخلو حال الداخل إلى المسجد الحرام من حالين:
الأول: أن يدخله بقصد الطواف، سواء كان للحج أو العمرة أو تطوعاً:
فهذا أول ما يبدأ به الطواف، ولا يشرع له البدء بركعتي تحية المسجد قبل الطواف، إذ لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أحد من أصحابه، وهذا ما عليه جمهور الفقهاء، ولم يخالف في ذلك إلا أفراد، منهم ابن عقيل من الحنابلة – كما نقله عنه ابن تيمية في "شرح عمدة الفقه" -.
ويستثنى من ذلك ما إذا منع مانعٌ كالزحام الشديد عن البدء بالطواف، فيصلي ركعتين تحية المسجد، وينتظر حتى ينجلي الزحام ليشرع في الطواف.
الثاني: أن يدخله بقصد الصلاة أو الجلوس أو حضور حلق العلم أو الذكر أو قراءة القرآن أو غيرها من العبادات:
فيستحب له أن يصلي ركعتي تحية المسجد؛ لعموم حديث أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)
أخرجه البخاري (1167) ومسلم (714)
وأما ما يرويه الناس من حديث (تحية البيت الطواف) فليس له أصل في كتب السنة، ولم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد أصلا، فلا يجوز نسبته إليه.
قال الشيخ الألباني في "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (رقم/1012) :
" لا أعلم له أصلا وإن اشتهر على الألسنة، وأورده صاحب " الهداية " من الحنفية بلفظ:
(من أتى البيت فليحيه بالطواف) ، وقد أشار الحافظ الزيلعي في تخريجه إلى أنه لا أصل له، بقوله (2/51) : " غريب جدا "، وأفصح عن ذلك الحافظ ابن حجر، فقال في "الدراية" (ص192) : " لم أجده ".
قلت – أي الشيخ الألباني -: ولا أعلم في السنة القولية أو العملية ما يشهد لمعناه، بل إن عموم الأدلة الواردة في الصلاة قبل الجلوس في المسجد تشمل المسجد الحرام أيضا، والقول بأن تحيته الطواف مخالف للعموم المشار إليه، فلا يقبل إلا بعد ثبوته، وهيهات، لا سيما وقد ثبت بالتجربة أنه لا يمكن للداخل إلى المسجد الحرام الطواف كلما دخل المسجد في أيام المواسم، فالحمد لله الذي جعل في الأمر سعة، (وما جعل عليكم في الدين من حرج) .
وإن مما ينبغي التنبه له أن هذا الحكم إنما هو بالنسبة لغير المحرم، وإلا فالسنة في حقه أن يبدأ بالطواف ثم بالركعتين بعده، انظر: بدع الحج والعمرة في رسالتي " مناسك الحج والعمرة " رقم البدعة (37) " انتهى.
وقال الحطاب المالكي في "مواهب الجليل شرح مختصر خليل" (2/375) :
" من دخل مسجد مكة فتحية المسجد الحرام في حقه الطواف بالبيت , وهذا في حق القادم المحرم، فإنه يطلب منه أنه إذا دخل المسجد الحرام البداءة بطواف القدوم - إن كان محرما بحج أو قران -، وبطواف العمرة - إن كان محرما بعمرة -، وبطواف الإفاضة - إذا دخله بعد الرجوع من عرفة - , ولا يطلب منه الركوع (أي: الصلاة) عند دخوله. وكذلك غير القادم - إذا دخل المسجد الحرام ونيته أن يطوف عند دخوله - فتحية المسجد في حقه الطواف , ولا يطلب منه حينئذ الركوع.
وأما غير القادم إذا دخل المسجد الحرام ونيته الصلاة في المسجد أو مشاهدة البيت الشريف , ولم يكن نيته الطواف، فإنه يصلي ركعتين ...
قال ابن رشد: الطواف بالبيت صلاة , فإذا دخله يريد الطواف بدأ بالطواف , وإن دخله لا يريد الطواف في وقت تنفل بدأ بالركعتين " انتهى باختصار.
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (10/306) :
" ذهب جمهور الفقهاء إلى أن تحية المسجد الحرام الطواف للقادم لمكة , سواء كان تاجرا أو حاجا أو غيرهما , لقول عائشة رضي الله عنها عنها: (إن النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة توضأ , ثم طاف بالبيت) وركعتا تحية المسجد الحرام تجزئ عنهما الركعتان بعد الطواف.
وأما المكي الذي لم يؤمر بطواف، ولم يدخله لأجل الطواف، بل للصلاة أو لقراءة القرآن أو للعلم، فتحية المسجد الحرام في حقه الصلاة، كتحية سائر المساجد" انتهى باختصار.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن: هل تحية المسجد الحرام صلاة ركعتين أو الطواف؟
فأجاب: "المسجد الحرام كغيره من المساجد من دخل ليصلي، أو ليستمع الذكر، أو ما أشبه ذلك من الإرادات فإنه يصلي ركعتين كغيره من المساجد، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ) رواه البخاري (1167) أما إذا دخل ليطوف كإنسان معتمر دخل ليطوف طواف العمرة، أو ليطوف تطوعاً فهنا يغني الطواف عن ركعتي تحية المسجد؛ لأنه إذا طاف فسوف يصلي ركعتين بعد الطواف" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/286) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3683)
معنى أن العمرة في رمضان تعدل حجة
[السُّؤَالُ]
ـ[العمرة في شهر رمضان تعدل حجة، ما المقصود من ذلك، أريد شرحا مفصلا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
روى البخاري (1782) ومسلم (1256) عن ابْن عَبَّاسٍ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِامْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ: (مَا مَنَعَكِ أَنْ تَحُجِّي مَعَنَا؟ قَالَتْ: لَمْ يَكُنْ لَنَا إِلَّا نَاضِحَانِ [بعيران] ، فَحَجَّ أَبُو وَلَدِهَا وَابْنُهَا عَلَى نَاضِحٍ، وَتَرَكَ لَنَا نَاضِحًا نَنْضِحُ عَلَيْهِ [نسقي عليه] الأرض، قَالَ: فَإِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَاعْتَمِرِي، فَإِنَّ عُمْرَةً فِيهِ تَعْدِلُ حَجَّةً) وفي رواية لمسلم: (حجة معي) .
ثانيا:
اختلف أهل العلم فيمن يُحَصِّلُ الفضيلة المذكورة في الحديث، على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن هذا الحديث خاص بالمرأة التي خاطبها النبي صلى الله عليه وسلم، وممن اختار هذا القول: سعيد بن جبير من التابعين، نقله عنه ابن حجر في "فتح الباري" (3/605) .
ومما يستدل به لهذا القول ما جاء في حديث أم معقل أنها قالت: (الحج حجة، والعمرة عمرة، وقد قال هذا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما أدري أَلِي خاصةً. – تعني: أم للناس عامة-) رواه أبو داود (1989) غير أن هذا اللفظ ضعيف، ضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود".
القول الثاني: أن هذه الفضيلة يحصلها من نوى الحج فعجز عنه، ثم عوضه بعمرة في رمضان، فيكون له باجتماع نية الحج مع أداء العمرة أجر حجة تامة مع النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن رجب في "لطائف المعارف" (ص/249) :
" واعلم أن مَن عجز عن عملِ خيرٍ وتأسف عليه وتمنى حصوله كان شريكا لفاعله في الأجر ... – وذكر أمثلة لذلك منها -: وفات بعضَ النساءِ الحجُّ مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قدم سألته عما يجزئ من تلك الحجة، قال: (اعتمري في رمضان، فإن عمرة في رمضان تعدل حجة أو حجة معي) " انتهى.
ونحو ذلك قاله ابن كثير في التفسير (1/531) .
وذكر هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية احتمالا في "مجموع الفتاوى" (26/293-294) .
القول الثالث: ما ذهب إليه أهل العلم من المذاهب الأربعة وغيرهم، أن الفضل في هذا الحديث عام لكل من اعتمر في شهر رمضان، فالعمرة فيه تعدل حجة لجميع الناس، وليس مخصوصا بأشخاص أو بأحوال.
انظر: "رد المحتار" (2/473) ، "مواهب الجليل" (3/29) ، "المجموع" (7/138) ، "المغني" (3/91) ، "الموسوعة الفقهية" (2/144) .
والأقرب من هذه الأقوال – والله أعلم - هو القول الأخير، وأن الفضل عام لكل من اعتمر في رمضان، ويدل على ذلك:
1- ورود الحديث عن جماعة من الصحابة، فقد قال الترمذي: " وفي الباب عن ابن عباس وجابر وأبي هريرة وأنس ووهب بن خنبش "، وأكثر مروياتهم لا تذكر قصة المرأة السائلة.
2- عمل الناس عبر العصور، من الصحابة والتابعين والعلماء والصالحين، ما زالوا يحرصون على أداء العمرة في شهر رمضان كي ينالهم الأجر.
وأما تخصيص الفضل بمن عجز عن أداء الحج في عامه لمانع، فيقال: إن من صدقت نيته وعزيمته وأخذ بالأسباب ثم منعه مانع فوق إرادته فإن الله سبحانه وتعالى يكتب له أجر العمل بفضل النية، فكيف يعلق النبي صلى الله عليه وسلم حصول الأجر بعمل زائد وهو أداء العمرة في رمضان وقد كانت النية الصادقة كافية لتحصيل الأجر!
ثالثا:
ويبقى السؤال في معنى الفضل المذكور، وأن العمرة في رمضان تعدل حجة، وبيان ذلك بما يلي:
لا شك أن العمرة في رمضان لا تجزئ عن حج الفريضة، بمعنى أن من اعتمر في رمضان لم تبرأ ذمته من أداء الحج الواجب لله تعالى.
فالمقصود من الحديث إذًا التشبيه من حيث الثواب والأجر، وليس من حيث الإجزاء.
ومع ذلك، فالمساواة المقصودة بين ثواب العمرة في رمضان وثواب الحج هي في قدر الأجر، وليست في جنسه ونوعه، فالحج لا شك أفضل من العمرة من حيث جنس العمل.
فمن اعتمر في رمضان تحصل على قدر أجر الحج، غير أن عمل الحج فيه من الفضائل والمزايا والمكانة ما ليس في العمرة، من دعاء بعرفة ورمي جمار وذبح نسك وغيرها، فهما وإن تساويا في قدر الثواب من حيث الكم – يعني العدد –، ولكنهما لا يتساويان في الكيف والنوع.
وهذا هو توجيه ابن تيمية حين تكلم عن الحديث الذي فيه أن سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن، يمكن مراجعة كلامه في جواب السؤال رقم (10022) .
قال إسحاق بن راهويه:
" معنى هذا الحديث – يعني حديث (عمرة في رمضان تعدل حجة) - مثل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من قرأ: قل هو الله أحد فقد قرأ ثلث القرآن "
"سنن الترمذي" (2/268)
وجاء في "مسائل الإمام أحمد بن حنبل رواية أبي يعقوب الكوسج" (1/553) :
" قلت: من قال: (عمرة في رمضان تعدل حجة) أثبت هو؟ قال: بلى، هو ثبت.
قال إسحاق: ثبت كما قال، ومعناه: أن يكتب له كأجر حجة، ولا يلحق بالحاج أبدا " انتهى.
وقال ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (26/293-294) :
" معلوم أن مراده: أن عمرتك فى رمضان تعدل حجة معي، فإنها كانت قد أرادت الحج معه، فتعذر ذلك عليها، فأخبرها بما يقوم مقام ذلك، وهكذا من كان بمنزلتها من الصحابة، ولا يقول عاقل ما يظنه بعض الجهال أن عمرة الواحد منا من الميقات أو من مكة تعدل حجة معه، فإنه من المعلوم بالاضطرار أن الحج التام أفضل من عمرة رمضان، والواحد منا لو حج الحج المفروض لم يكن كالحج معه، فكيف بعمرة!! وغاية ما يحصله الحديث أن تكون عمرة أحدنا في رمضان من الميقات بمنزلة حجة " انتهى.
وانظر جواب السؤال (13480) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3684)
صفة العمرة عن الصبي غير المميز
[السُّؤَالُ]
ـ[أنوي أداء العمرة بإذن الله وسيكون معي زوجي وأبنائي الثلاثة وجميعهم دون سن الرابعة. فأرجو توضيح كيفية إحرامهم وأداء النسك لهم وكذلك التحلل هل يفضل لهم الحلق أم التقصير؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يصح الحج والعمرة من الصبي المميز وغير المميز في قول جمهور العلماء، بل حُكي الإجماع على ذلك.
وصفة العمرة للصبي غير المميز وهو من دون السابعة، أن ينوي عنه وليه، بعد أن يلبسه الإحرام ويجنبه المحظورات، فينوي أن الصبي صار محرما.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " فيحرم عنه: أي ينوي أن هذا الصبي صار محرماً، لا أن ينوي أنه هو أحرم عن الصبي؛ لأن هذا لا يستقيم، لكن ينوي أن هذا الصبي دخل في الإحرام، وإذا فعل ذلك انعقد إحرام الصبي " انتهى من "شرح الكافي" للشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
وكذلك ينوي له الطواف والسعي، وله أن يحمله فيهما، والأفضل في حال حمله أن يطوف لنفسه، ثم يطوف للصبي، وإن اكتفى بطواف واحد أجزأ عنهما على الراجح.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " فإن نوى الحامل الطواف عنه وعن المحمول والسعي عنه وعن المحمول أجزأه ذلك في أصح القولين، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر التي سألته عن حج الصبي أن تطوف له وحده، ولو كان ذلك واجباً لبيّنه صلى الله عليه وسلم " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (5/257) .
وسئل الشيخ ابن جبرين عن ذلك فقال: " حيث صح الإحرام بالصبي فإن الولي هو المسئول عنه، فيلبسه الثياب ويعقد عليه إحرامه وينوي عنه النسك ويلبي عنه ويمسك بيده في الطواف والسعي، فإن كان عاجزاً كصغير أو رضيع فلا بأس بحمله، ويكتفي بطواف واحد عن الحامل والمحمول على الصحيح، فإن فعل الصبي محظوراً عن جهل كلبس أو تغطية رأس فلا فدية لعدم القصد فإن كان عمداً كحاجة إلى اللباس لبرد ونحوه فدى عنه وليه " انتهى من "فتاوى إسلامية" (2/182) .
فإذا طاف الصبي وسعى، بقي الحلق أو التقصير، والأفضل الحلق لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا للمحلقين ثلاثا وللمقصرين مرة. رواه مسلم (1303) ، إلا أن يخشى عليه من البرد ونحوه فيكتفي بالتقصير، ويجب أن يكون التقصير من جميع الرأس، كما هو مذهب مالك وأحمد رحمهما الله، وينظر جواب السؤال رقم (36847) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3685)
قطع العمرة ثم أكملها بعد سنوات فماذا يلزمه تجاه المحظورات
[السُّؤَالُ]
ـ[قام شخص بالإحرام للعمرة لأول مرة وكان ذلك وعمره 16 سنة ثم طاف وبعد ذلك نزع الإحرام ولم يكمل عمرته، ثم علم أنه يجب عليه أن يكمل عمرته، وبعد هذا العلم بعدة سنوات لبس الإحرام وأكمل عمرته , السؤال: ما الذي يجب عليه الآن من حيث الكفارة وكم عددها إذا كان هناك كفارة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من أحرم بالعمرة، لزمه إتمامها، لقوله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) البقرة/196،
ولا يملك المحرم أن يفسخ عمرته، إلا إن كان قد اشترط وحصل له ما يمنعه من إكمال العمرة، أو حُصر بعدو أو مرض. والاشتراط أن يقول عند إحرامه: اللهم محلِّي حيث حبستني.
ومن أحرم وطاف، ثم رفض عمرته، فهو باقٍ على عمرته ولا يتحلل منها إلا بإكمالها.
وإذا كان المسئول عنه قد رجع بعد علمه بوجوب إكمال العمرة ـ ولو بعد سنوات ـ ولبس إحرامه وأكمل عمرته، فبهذا يكون قد تحلل، ولا شيء عليه فيما ارتكبه قبل ذلك من المحظورات جهلا أو نسيانا.
فقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن امرأة أحرمت بالعمرة ثم فسخت العمرة واعتمرت بعدها بعدة أيام عمرة أخرى فهل هذا العمل صحيح؟ وما حكم ما فعلته من محظورات الإحرام؟
فأجاب: " هذا العمل غير صحيح، لأن الإنسان إذا دخل في عمرة أو حج حرم عليه أن يفسخه إلا لسبب شرعي، قال الله تعالى: (وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي) ، فعلى هذه المرأة أن تتوب إلى الله عز وجل مما صنعت، وعمرتها صحيحة، لأنها وإن فسخت العمرة فإنها لا تنفسخ العمرة، وهذا من خصائص الحج والعمرة،
فلو أن المعتمر أثناء العمرة نوى إبطالها لم تبطل، أو نوى إبطال الحج أثناء تلبسه بالحج لم يبطل. ولهذا قال العلماء: إن النسك لا يرتفض برفضه.
وعلى هذا نقول: إن هذه المرأة ما زالت محرمة منذ عقدت النية إلى أن أتمت العمرة، وتكون نيتها الفسخ غير مؤثرة فيه، بل هي باقية عليه.
وخلاصة الجواب: بالنسبة للمرأة نقول: إن عمرتها صحيحة، وإن عليها أن لا تعود لرفض الإحرام مرة ثانية، لأنها لو رفضت الإحرام لم تتخلص منه. وأما ما فعلته من المحظورات ولنفرض أن زوجها جامعها، والجماع في النسك هو أعظم المحظورات فإنه لا شيء عليها، لأنها جاهلة، وكل إنسان يفعل محظوراً من محظورات الإحرام جاهلاً أو ناسياً أو مكرهاً فلا شيء عليه " انتهى من مجموع فتاوى ابن عثيمين (21/351) باختصار.
وانظر للفائدة جواب السؤال رقم (36522) و (49026) .
ولكنك ذكرت في سؤالك أنه لم يكمل عمرته إلا بعد علمه بوجوب إكمالها بسنوات، وهذا تفريط منه، وتعد لحدود الله، فعليه الفدية عما فعله من المحظورات في هذه المدة.
ويلزمه لكل محظور فدية ولو كرره عدة مرات.
فعليه فدية للبس المخيط، وإن استعمل الطيب لزمته فدية أخرى.
وتلزم الفدية بحلق الشعر، كما تلزم بتقليم الأظفار.
وكذا لو باشر فأنزل أو استمنى لزمته الفدية.
وينظر جواب السؤال رقم (11356) لمعرفة محظورات الإحرام.
وإذا كان جامع امرأته في هذه المدة فعليه فدية الجماع، وفسدت بذلك عمرته، وعليه قضاؤها، ولا يسقط بذلك ما عليه من الفدية للمحظورات التي ارتكبها.
والفدية هي:
ذبح شاة تعطى لفقراء الحرم، أو صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من قمح أو أرز أو غيره، ونصف الصاع ما يساوي كيلو ونصفاً تقريباً.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3686)
اشتراط المحرم في سفر المرأة ولو كان السفر قصيرا
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن نسكن بمنطقة ريفية وفي بعض الأحيان أود زيارة بيت عمي والذي يقع في مدينة تبعد عنا 50كم ويلزمني ذلك استعمال وسائل نقل عمومية مختلطة وأذهب دائما دون محرم لأن أبي يرى أن مصاريف المواصلات مكلفة فإما أن أذهب وحدي أو لا أذهب، وأنا ليس لدي أي مكان آخر أذهب إليه، علما وأني أذهب كل 5 أو 8 أشهر مرة فهل يجوز لي الذهاب من دون محرم أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
دلت السنة الصحيحة على أنه لا يجوز للمرأة أن تسافر بلا محرم، وهذا يشمل السفر الطويل والقصير عند جمهور أهل العلم، فكل ما سمي سفرا مُنعت منه المرأة إلا مع محرم.
روى البخاري (1729) ومسلم (2391) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ، وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ.فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا، وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ. فَقَالَ: اخْرُجْ مَعَهَا) .
قال النووي رحمه الله في "شرح صحيح مسلم" مبينا أن السفر هنا لا يتقيد بمسافة معينة: "فالحاصل أن كل ما يسمى سفرا تنهى عنه المرأة بغير زوج أو محرم، سواء كان ثلاثة أيام أو يومين أو يوما أو بريدا أو غير ذلك؛ لرواية ابن عباس في صحيح مسلم: (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم) وهذا يتناول جميع ما يسمى سفرا والله أعلم " انتهى بتصرف.
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (17/339) : " يحرم على المرأة السفر بدون محرم مطلقا، سواء قصرت المسافة أم طالت " انتهى.
وعلى هذا، فإذا كانت هذه المسافة يعتبرها الناس في بلدكم سفراً، فلا يجوز لك السفر من غير محرم، وأنت مأجورة على نيتك إن شاء الله، ولتكن صلتك بعمك بالاتصال الهاتفي، فذلك يكفيك إن شاء الله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3687)
طاف للوداع ثم بات بمكة وصلى الجمعة
[السُّؤَالُ]
ـ[شخص أدى فريضة الحج قبل سنوات وذهب إلى مكة وطاف طواف الوداع ثم بات فيها وصلى الجمعة من الغد وغادر إلى أهله ... هل عليه شيء والحالة هذه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
طواف الوداع واجب على من أراد السفر من مكة بعد تمام النسك، لما رواه البخاري (1755) ومسلم (1328) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: (أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ، إِلا أَنَّهُ خُفِّفَ عَنْ الْحَائِضِ) .
فالواجب أن يكون الطواف آخر عمل يقوم به الإنسان قبل خروجه من مكة، فلو طاف طواف الوداع ثم بقي في مكة بعد طوافه، فطوافه لاغٍ، وعليه أن يأتي ببدله عند سفره. إلا لو أقام الإنسان في مكة بعد طواف الوداع لتحميل العفش أو انتظار رفقة فهذا لا بأس به، أما لو بات في مكة بعد طواف الوادع، فيلزمه الطواف مرة أخرى قبل خروجه، فإن لم يفعل لزمه دم يذبح في مكة ويوزع على فقرائها.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عن رجل يقول إننا لم نتمكن من مغادرة مكة بعد طواف الوداع لأن الطواف كان ليلاً ومعنا أطفال وغادرنا مكة في اليوم التالي؟
فأجاب: " الواجب على من أراد السفر من مكة بعد حجه أو عمرته أن يجعل الطواف آخر عهده لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (أُمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت الطواف) ، ولكن لو فرض أن الرجل طاف للوداع بناء على أنه مغادر، ولكنه اشتغل بشيء يتعلق بالسيارة بإصلاحها مثلاً أو انتظار رفقة أو ما أشبه ذلك، فلا تجب عليه إعادة الطواف. وكذلك قال العلماء لو اشترى حاجة في طريقه لا لقصد التجارة، فإنه لا تجب عليه إعادة الطواف.
ولكن إذا قرر الإنسان بعد أن طاف طواف الوداع البقاء في مكة من الليل إلى النهار، أو من النهار إلى الليل، فإن عليه أن يعيد طواف الوداع من أجل أن يكون آخر عهده بالبيت " انتهى من " فتاوى نور على الدرب ".
وسئل أيضا رحمه الله: " نسمع من أغلب الناس يقولون من طاف طواف الوداع لم يبت في حدود مكة نهائياً، وإن نام تلك الليلة في مكة لزمه طواف مرة أخرى بالبيت؛ فهل هذا صحيح أم لا؟ لأننا أحياناً نحرج في ذلك حيث نأتي متعبين ولم نستطع الخروج قبل أن نأخذ الراحة في مكة وأن الطواف مرة أخرى يصعب علينا لوجود الزحام المتواجد من الحجاج وشكراً لكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: طواف الوداع يجب أن يكون آخر أمور الإنسان، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت) ولأبي داود (حتى يكون أخر عهده الطواف بالبيت) وعلى هذا فَأعِدَّ نفسك بأنك لا تخرج أو لا تطوف للوداع حتى تنتهي من جميع أمورك، ثم تخرج مباشرة.
لكن يُسمح للإنسان بعد طواف الوداع أن يصلي الصلاة، إذا كانت قد دخل وقتها، وأن يشتري حاجة في طريقه وهو ماشي، وأما كونه يبقى بمكة فإنه إن بقي يجب عليه إعادة طواف الوداع.
وعلى هذا فلا حرج عليكم أن تخرجوا من حدود مكة المكرمة ثم تبيتون في الطريق وتستريحون ثم تستأنفون السير " انتهى من " فتاوى نور على الدرب ".
ثانياً:
تبين مما سبق أن الشخص المسئول عنه يلزمه دم، وهو شاة تذبح في مكة وتوزع على فقرائها، فإذا لم يستطع لعجزه صام عشرة أيام، كما هو المشهور من مذهب الإمام أحمد، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا شيء عليه حينئذ، لأنه لم يرد في ترك الواجب غير الدم.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله بعد تفصيل في حكم من ترك واجباً:
" وحينئذ نقول لمن ترك واجباً: اذبح فدية في مكة ووزعها على الفقراء بنفسك أو وكِّل من تثق به من الوكلاء، فإن كنت غير قادر: فتوبتك تجزئ عن الصيام وهذا هو الذي نراه في المسألة " انتهى من "الشرح الممتع (7/441) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3688)
هل تشرع الأضحية للحاج؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل أنحر أنا وزوجتي كبشا واحدا أم اثنين في الحج؟ وهل لنا أن نضحي في بلادنا أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا كنتما متمتعين أو قارنين، وجب على كل واحد منكما هدي مستقل، ولا يجزئ عنكما كبش واحد؛ لأن دم التمتع والقران واجب، ومن لم يجده صام عشرة أيام، ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع إلى بلده، كما قال تعالى: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ) البقرة/196.
وأما إذا كنتما مفردين، فلا يلزمكما هدي، ولكما أن تتطوعا بما شئتما، بهدي واحد أو أكثر، وقد أهدى النبي صلى الله عليه وسلم في حجه مائة بدنة.
ثانيا:
أما الأضحية فلا تشرع للحاج، وإنما يشرع له الهدي.
فقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: كيف يجمع الإنسان بين الأضحية والحج، وهل هذا مشروع؟
فأجاب: "الحاج لا يضحي، وإنما يهدي هدياً، ولهذا لم يضحِ النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وإنما أهدى، ولكن لو فرض أن الحاج حج وحده وأهله في بلده فهنا يدع لأهله من الدراهم ما يشترون به أضحية ويضحون بها، ويكون هو يهدي، وهم يضحون، لأن الأضاحي إنما تشرع في الأمصار، أما في مكة فهو الهدي " انتهى من "اللقاء الشهري".
ولزيادة الفائدة انظر جواب السؤال (82027) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3689)
الفرق بين الحج وبين الجلوس بعد الفجر وفيه أجر حجة تامة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين الحج والجلوس بعد صلاة الفجر حتى طلوع الشمس ثم صلاة ركعتين كما أخبر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن من فعل ذلك له مثل حجة تامة تامة تامة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الجلوس بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس وصلاة ركعتين، ورد فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ , تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ) رواه الترمذي (586) .
وهذا الحديث مختلف في صحته، فضعفه جماعة من أهل العلم، وحسنه آخرون. وممن حسنه الألباني رحمه الله في صحيح سنن الترمذي.
وسئل عنه الشيخ ابن باز رحمه الله , فقال: "هذا الحديث له طرق لا بأس بها، فيعتبر بذلك من باب الحسن لغيره، وتستحب هذه الصلاة بعد طلوع الشمس وارتفاعها قيد رمح، أي بعد ثلث أو ربع ساعة تقريبا من طلوعها " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (25/171) .
وظاهر هذا الحديث أن من فعل ذلك له أجر حجة وعمرة تامة تامة، وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ورد في الحديث: (من جلس في مصلاه بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس كان كحجة وعمرة تامة تامة) أو كما ورد في الحديث، هل معنى ذلك: أن من فعل هذا فله مثل أجر الحج والعمرة، أم كيف ذلك؟
فأجاب: " أولاً هذا الحديث فيه مقال، فإن كثيراً من الحفاظ ضعفوه. ثانياً: على تقدير صحته فالثواب لا قياس فيه، قد يثاب الإنسان على عمل قليل ثواب عمل كثير؛ لأن الثواب فضل من الله عز وجل يؤتيه من يشاء " انتهى من "اللقاء الشهري" (74/22) .
وأما الفرق بين هذا الجلوس وبين أداء الحج والعمرة، فالحج فيه بذل المال، وسعي البدن، وتحمل المشاق، وهو فرض على القادر المستطيع، وركن من أركان الإسلام , وهذا الجلوس والذكر والصلاة يشابه الحج في الثواب فقط , وليس معنى الحديث أن من فعل ذلك فقد أتى بالحج والعمرة وسقط عنه وجوبهما.
ونظير هذا: أن من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له في يوم مائة مرة كانت كعتق عشر رقاب , ولو كان عليه كفارة يمين (ومن خصالهما عتق رقبة) وقال هذا الذكر فإنه لا يجزئ عنه.
وقد اشتهر عن أهل العلم قولهم في مثل هذا: المشابهة في الجزاء، لا في الإجزاء.
والمقصود أن هذا الحديث فيه ترغيب في ذكر الله تعالى، والجلوس في المسجد إلى طلوع الشمس، وأداء ركعتين بعد ذلك.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3690)
إذا كرر العمرة ولم يكن له شعر يحلقه فماذا يفعل
[السُّؤَالُ]
ـ[قام بعمل عمرة ولبس الملابس العادية بدون حلق شعر الرأس، بحجة أنه ليس برأسه شعر، (حيث إنه قد قام بعمل عمرة قبلها بيومين) وقد سأل شيخا وقد نصحه بذلك وأن هذا هو إحلال إحرامه فهل هذا الحكم صحيح أم عليه فدية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من اعتمر وحلق رأسه وتحلل من عمرته، ثم اعتمر مرة أخرى قريبا، ولم ينبت له شعر، فلا يلزمه إمرار الموسى على رأسه، بل إذا فرغ من سعيه تحلل ولا شيء عليه. وأما إذا نبت شعر ولو يسيرا، فإنه يمر الموسى عليه.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ": الأفضل للمتمتع أن يُقصر فإذا حلق يحلق يوم العيد.
السائل: يوم العيد ما يجد شيئاً.
الشيخ: لكن لا بد أنه ينبت، الشعر يتبين خلال يوم وليلة، يكفي أن يمر الموسى على هذا " انتهى من "شرح كتاب الحج من صحيح البخاري".
وقال في شأن الأصلع الذي لا شعر برأسه مطلقا: " وذكر أيضاً [أي ابن قدامة] في هذا الفصل أنه لو كان الإنسان أقرع الرأس ليس له شعر فإنه يسقط عنه الحلق والتقصير لعدم المحل كما لو قطعت يده فإنه لا يلزمه أن يغسل بدلها العضد ولكن يقول: يستحب أن يمر الموسى على رأسه. هذا فيه نظر، إلا إذا كان يخشى أن يكون هناك شعرات في هذا الصلع فيحتاط: فنعم، وعليه يحمل حديث ابن عمر إن كان ثبت عنه. وأما إذا تيقن أنه ليس هناك شعرات فإمرار الموسى على الرأس عبث، وهذا كقول بعض العلماء إن الرجل الأخرس إذا أراد أن يقرأ يحرك لسانه وشفتيه وهذا لا معنى له، والصواب أنه إذا كان أقرع الرأس فإنه لا يسن له إمرار الموسى على رأسه لعدم الفائدة فهو عبث، والشريعة لا تأتي بالعبث إلا إذا كان يخشى أن يكون هناك شعرات يسيرة فالأولى من باب الاحتياط أن يفعل " انتهى من "شرح كتاب الكافي لابن قدامة".
وبناء على ذلك فإن كان المسئول عنه لم ينبت له شعر، لكونه حلق رأسه قبل يومين، فلا شيء عليه، وعمرته صحيحة، وإن كان نبت له شيء من الشعر فإنه كان يجب عليه أن يمر الموسى على رأسه، فإن لم يفعل، فإنه يظل على إحرامه، ويجب عليه الآن أن يتجرد من المخيط، ويحلق أو يقصر شعره، وبهذا يتحلل من عمرته، ولا شيء عليه فيما ارتكبه من محظورات جهلا بأن تحلله من العمرة لم يتم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3691)
تشك في طهارتها لطواف الإفاضة فماذا يلزمها الآن؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أحرمت بالحج وعند صباح اليوم الذي كنت سأقوم بطواف الإفاضة فيه استيقظت وشكيت بأني احتلمت ولكنى لم أكن متأكدة وأديت طواف الإفاضة بهذا الشك، أرجوكم أفتوني ماذا علي أن أفعل بالتحديد علما بأني مقيمة الآن بجده وعندما أحرمت بالحج أحرمت من مصر مع العلم أني لا أستطيع أن أعود وأحرم من مصر مرة أخرى أخشى ألا يكون حجي صحيحا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الطهارة - الكبرى والصغرى - شرط لصحة الطواف عند جمهور العلماء، فمن طاف جنبا أو محدثا لم يصح طوافه، وإذا كان هذا الطواف هو طواف الإفاضة، فإن الحاج يظل على إحرامه، فلا يكون متحللا التحلل الأكبر، فيُحظر عليه الجماع، ولا يتحلل من حجه حتى يأتي بالطواف.
وللفائدة راجع جواب السؤال رقم (34695) .
ثانيا:
من شك في كونه جنبا ولم يتقين من ذلك، فإنه لا يلزمه الغسل؛ لأن الأصل الطهارة، وعليه فطوافك صحيح ما دمت لم تتيقني من الاحتلام برؤية المني. ولا داعي حينئذ للقلق.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3692)
هل الأضحية واجبة على الحاج؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الأضحية واجبة على الحاج؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اختلف العلماء في حكم الأضحية، فذهب جمهور العلماء إلى أنها سنة مؤكدة، وذهب آخرون إلى أنها واجبة على القادر، وقد يبق بيان ذلك في جواب السؤال (36432)
وهذا الخلاف إنما هو في حق غير الحاج، وأما الحاج فقد اختلف العلماء في حكم الأضحية له، بين قائلٍ بالمشروعية – سواء الاستحباب أم الوجوب -، ومنهم من قال بعدم المشروعية.
والذين قالوا بعدم مشروعية الأضحية للحاج اختلفوا في سبب ذلك على قولين:
الأول: أن الحاج ليس له صلاة عيد، ونسكه هو هدي التمتع أو القِران.
والثاني: أن الحاج مسافر، والأضحية مشروعة للمقيمين، وهذا قول أبي حنيفة، وعنده أن الحاج إن كان من أهل مكة: فهو غير مسافر، وتجب عليه الأضحية.
وهذا تفصيل مذاهبهم وبعض أقوالهم:
1. أما الحنفية: فقد جاء في " المبسوط " (6 / 171) :
"وهي واجبة على المياسير والمقيمين عندنا". انتهى.
وفي " الجوهرة النيرة " (5 / 285، 286) :
"ولَا تجب عَلى الحَاجِّ الْمُسافر، فأَمَّا أَهلُ مكَّةَ فإِنَّهَا تَجِبُ عَلَيهِم وإِنْ حَجُّوا" انتهى.
2. وأما المالكية: فقد قالوا بأنه لا أضحية على الحاج لكونه حاجّاً لا لكونه مسافراً.
ففي " المدونة " (4 / 101) :
"قَالَ لِي مَالِكٌ: لَيس عَلَى الحَاجِّ أُضحِيةٌ وَإِن كَان مِن سَاكني مِنًى بَعدَ أَن يَكُون حاجًّا،
قُلتُ: فالناسُ كلهُم عَلَيهِم الأَضَاحِي فِي قَولِ مَالِكٍ إلَّا الحَاجَّ؟ قَالَ: نَعَم" انتهى.
3. وقال الشافعية باستحباب الأضحية للحاج وغيره.
قال الإمام الشافعي رحمه الله:
"والحاج المكي والمنتوي [أي المنتقل المتحول من بلد إلى بلد] والمسافر والمقيم والذكر والأنثى ممن يجد ضحية: سواء كلهم، لا فرق بينهم، إن وجبت على كل واحد منهم: وجبت عليهم كلهم، وإن سقطت عن واحد منهم: سقطت عنهم كلهم، ولو كانت واجبة على بعضهم دون بعض: كان الحاج أولى أن تكون عليه واجبة؛ لأنها نسك وعليه نسك، وغيره لا نسك عليه، ولكنه لا يجوز أن يوجب على الناس إلا بحجة ولا يفرق بينهم إلا بمثلها" انتهى.
" الأم " (2 / 348) .
4. وقال ابن حزم رحمه الله:
"والأضحية للحاج مستحبة كما هي لغير الحاج.
وقال قوم: لا يضحي الحاج ... .
وقد حضَّ رسول الله عليه السلام على الأضحية فلا يجوز أن يمنع الحاج من الفضل والقربة إلى الله تعالى بغير نص في ذلك" انتهى باختصار.
" المحلى " (5 / 314، 315) .
5. وأما الحنابلة: فالأضحية عندهم جائزة للحاج.
قال ابن قدامة رحمه الله:
"فَإِن لَم يَكُن مَعَه هَديٌ، وَعَلَيهِ هَديٌ، وَاجِبٌ، اشتَرَاهُ، وَإِن لَم يَكُن عَلَيهِ وَاجِبٌ، فَأَحَبَّ أَن يُضَحِّيَ، اشتَرَى ما يُضَحِّي بِه".
" المغني " (7 / 180) .
وقد جاء في الحديث عن عَائِشَةَ رضي الله عنها (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ضَحَّى عَنْ نِسَائِهِ بِمِنًى فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (5239) وَمُسْلِمٌ (1211) .
وقد ردَّ بعض أهل العلم – كابن القيم - الاستدلال بهذا الحديث، وقالوا: إن المراد بالأضحية هنا: الهدي.
وانظر: " زاد المعاد " (2 / 262 – 267) .
واختار شيخ الإسلام ابن القيم وتلميذه ابن القيم أن الحاج لا يضحي، وانظر: " الإقناع " (1 / 409) و " الإنصاف " (4 / 110) . ورجح هذا القول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، فقد سئل رحمه الله: كيف يجمع الإنسان بين الأضحية والحج، وهل هذا مشروع؟
فأجاب: "الحاج لا يضحي، وإنما يهدي هدياً، ولهذا لم يضحِ النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وإنما أهدى، ولكن لو فرض أن الحاج حج وحده وأهله في بلده فهنا يدع لأهله من الدراهم ما يشترون به أضحية ويضحون بها، ويكون هو يهدي، وهم يضحون، لأن الأضاحي إنما تشرع في الأمصار، أما في مكة فهو الهدي " انتهى من "اللقاء الشهري".
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3693)
إذا حاضت المعتمرة انتظرت حتى تطهر
[السُّؤَالُ]
ـ[قدمت للعمرة أنا وأهلي ولكن حين وصولي إلى جدة أصبحت زوجتي حائضا ولكني أكملت العمرة بمفردي دون زوجتي فما الحكم بالنسبة لزوجتي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله:
" الحكم بالنسبة لزوجتك أن تبقى حتى تطهر ثم تقضي عمرتها لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما حاضت صفية رضي الله عنها قال: " أحابستنا هي؟ قالوا: إنها قد أفاضت، قال: فلتنفر إذن ".
فقوله صلى الله عليه وسلم " أحابستنا هي " دليل على أنه يجب على المرأة أن تبقى إذا حاضت قبل طواف الإفاضة حتى تطهر ثم تطوف وكذلك طواف العمرة مثل طواف الإفاضة لأنه ركن من أركان العمرة فإذا حاضت المعتمرة قبل الطواف انتظرت حتى تطهر ثم تطوف.
[الْمَصْدَرُ]
انتهى من رسالة 60 مسألة في الحيض(5/3694)
" لبيك اللهم لبيك " معناها والمراد منها
[السُّؤَالُ]
ـ[" لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك.. إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك " هذه هي التلبية التي يلبي بها الحاج والمعتمر فما معناها وما الفائدة منها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحج شعار التوحيد من أول لحظة يتلبس به الحاج: قال جابر بن عبد الله في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم: " ثم أهل بالتوحيد لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك " رواه مسلم.
وقال أنس في وصفه لإهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لبيك عمرة لا رياء فيها ولا سمعة ".
ففي هذا تربية للنفس على توحيد الله والإخلاص له.
فإن الحاج يبدأ حجه بالتوحيد، ولا يزال يلبي بالتوحيد، وينتقل من عمل إلى عمل بالتوحيد.
وتحمل التلبية معان عديدة منها:
1• " لبيك اللهم لبيك " بمعنى إجابة بعد إجابة، وكُررت إيذانا بدوام الإجابة واستمرارها.
2• " لبيك اللهم لبيك " أي انقدت لك بعد انقياد.
3• أنها مأخوذة من لَبّ بالمكان، إذا أقام به ولزمه، والمعنى أنا مقيم على طاعتك ملازم لها، فتتضمن التزام دوام العبودية.
4• ومن معاني التلبية: حبا لك بعد حب، من قولهم " امرأة لَبًة " إذا كانت محبة لولدها، ولا يقال لبيك إلا لمن تحبه وتعظمه.
5• تتضمن الإخلاص مأخوذ من لُبِّ الشيء، وهو خالصه، ومنه لُب الرجل عقله وقلبه.
6• تتضمن الاقتراب مأخوذة من الإلباب وهو الاقتراب، أي اقتراب إليك بعد اقتراب.
7• أنها شعار التوحيد ملة إبراهيم، الذي هو روح الحج ومقصده، بل روح العبادات كلها والمقصود منها، ولهذا كانت التلبية مفتاح هذه العبادة التي يدخل فيها بها.
• وتشتمل التلبية على:
حمداً لله الذي هو من أحب ما يتقرب به العبد إلى الله.
وعلى الاعتراف لله بالنعم كلها، ولهذا عرفها باللام المفيدة للاستغراق، أي النعم كلها لك، وأنت موليها والمنعم بها.
وعلى الاعتراف بأن الملك كله لله وحده، فلا ملك على الحقيقية لغيره. (انظر مختصر تهذيب السنن لابن القيم (2/ 335-339)
5. يشعر الحاج وهو يلبي بترابطه مع سائر المخلوقات حيث تتجاوب معه في عبودية الله وتوحيده، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: " ما من مسلم يلبي إلا لبى ما عن يمينه وعن شماله من حجر أو سخر أو صدر حتى تنقطع الأرض من ها هنا وها هنا " يعني عن يمينه وشماله. رواه الترمذي (828) وابن خزيمة والبيهقي بسند صحيح.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3695)
حكم طواف الوداع للعاجز والحائض
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الحائض والنفساء والعاجز والمريض يلزمهم طواف الوداع؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس على الحائض ولا على النفساء طواف وداع، وأما العاجز فيطاف به محمولاً، وهكذا المريض؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ينفرن أحد منكم حتى يكون آخر عهده بالبيت) ولما ثبت في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خفف عن المرأة الحائض، وجاء في حديث آخر ما يدل على أن النفساء مثل الحائض ليس عليها وداع.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة 11/307(5/3696)
فعل العادة السرية وهو محرم
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا على من فعل العادة السرية في اليوم الثامن من أيام الحج وهو محرم؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحج صحيح في أصح قولي العلماء. وعليك التوبة إلى الله من ذلك، لأن تعاطي العادية السرية، محرم في الحجّ وغيره، لقول الله عز وجل: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِين * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) المؤمنون / 5-7، ولما فيها من المضار الكثيرة التي أوضحها العلماء.
نسأل الله لنا ولكم الهداية والتوفيق. وعليك دم يذبح في مكّة للفقراء. اهـ
فتاوى الشيخ ابن باز 17/139
ولمعرفة حكم الاستمناء راجع سؤال رقم 329.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3697)
أيام التشريق
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي أيام التشريق؟ وما هي المزايا التي تتميز بها عن غيرها من سائر الأيام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أيام التشريق هي اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من شهر ذي الحجة، وقد ورد في فضلها آيات وأحاديث منها:
1- قول الله عز وجل: (واذكروا الله في أيام معدودات) ، الأيام المعدودات: هي أيام التشريق، قاله ابن عمر رضي الله عنه واختاره أكثر العلماء.
2- قول النبي صلى الله عليه وسلم عن أيام التشريق: " إنها أيام أكلٍ وشرب وذكرٍ لله عز وجل "، وذكر الله عز وجل المأمور به في أيام التشريق أنواع متعددة:
منها: ذكر الله عزَّ وجل عقب الصلوات المكتوبات بالتكبير في أدبارها، وهو مشروعٌ إلى آخر أيام التشريق عند جمهور العلماء.
ومنها: ذُكره بالتسمية والتكبير عند ذبح النُسك، فإن وقت ذبح الهدايا والأضاحي يمتدُّ إلى آخر أيَّام التشريق.
ومنها: ذكر الله عزَّ وجل على الأكل والشرب، فإن المشروع في الأكل والشرب أن يُسمي الله في أوله، ويحمده في آخره، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله عزَّ وجل يرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، ويشرب الشَّربة فيحمده عليها " رواه مسلم (2734) .
ومنها: ذِكره بالتكبير عند رمي الجمار أيام التشريق، وهذا يختصُّ به الحجاج.
ومنها: ذكر الله تعالى المطلق، فإنه يُستحب الإكثار منه في أيام التشريق، وقد كان عُمر رضي الله عنه يُكبر بمنىً في قبته، فيسمعه الناس فيُكبرون فترتج منىً تكبيراً، وقد قال تعالى: (فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آبائكم أو أشد ذكراً. فمن الناس من يقول ربَّنا آتنا في الدنيا وماله في الآخرة من خلاق ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) .
وقد استحب كثيرٌ من السلف كثرة الدعاء بهذا في أيام التشريق.
وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم: " إنها أيام أكل وشرب وذكر لله عزَّ وجل " إشارةٌ إلى أنَّ الأكل في أيام الأعياد والشُّرب إنما يستعان به على ذكر الله تعالى وطاعته وذلك من تمام شكر النعمة أن يُستعان بها على الطاعات.
وقد أمر الله تعالى في كتابه بالأكل من الطيبات والشكر له، فمن استعان بنعم الله على معاصيه فقد كفر نعمة الله وبدَّلها كُفراً، وهو جدير أن يُسلبها، كما قيل:
إذا كنت في نعمةٍ فارعها فإن المعاصي تزيل النعم
وداوم عليها بشُكر الإله فشُكر الإله يُزيل النِّقم
3- نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صيامها " لا تصوموا هذه الأيام، فإنها أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل " رواه أحمد (10286) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (3573) .
انظر لطائف المعارف لابن رجب ص500
اللهم وفقنا لفعل الصالحات، وثبتنا عند الممات، وارحمنا برحمتك يا جزيل العطايا والهبات. والحمد لله رب العالمين.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3698)
إذا لبس خفا على خف أو جوربا على جورب فعلى أيهما يمسح؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز المسح على جوربين على بعضهما؟ وإن جاز ذلك ومسح ولكنه خلع الجورب الأول ثم انتقض عليه الوضوء هل له أن يمسح أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز أن يلبس الإنسان خفا على خف أو جوربا على جورب، فإن مسح على الأعلى – في الحال التي يجوز فيها ذلك كما سيأتي – ثم خلعه، وانتقض وضوؤه، جاز له أن يمسح على الأسفل، في قول بعض أهل العلم.
وقد لخص الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أحوال لبس الخف على الخف أو الجورب على الجورب كما يلي:
1- إذا لبس جوربا أو خفا ثم أحدث، ثم لبس عليه آخر قبل أن يتوضأ، فالحكم للأول.
أي إذا أراد أن يمسح بعد ذلك مسح على الأول، ولم يجز أن يمسح على الأعلى.
2- إذا لبس جوربا أو خفا، ثم أحدث، ومسحه، ثم لبس عليه آخر، فله مسح الثاني على القول الصحيح. قال في الفروع: ويتوجه الجواز وفاقاً لمالك. اهـ. وقال النووي: إن هذا هو الأظهر المختار لأنه لبسه على طهارة، وقولهم إنها طهارة ناقصة غير مقبول. اهـ. وإذا قلنا بذلك كان ابتداء المدة من مسح الأول.
وله في هذه الحالة مسح الأول أيضا من غير شك.
3- إذا لبس خفا على خف أو جورب، ومسح الأعلى ثم خلعه، فهل يمسح بقية المدة على الأسفل؟ لم أر من صرح به، لكن ذكر النووي عن أبي العباس بن سريج فيما إذا لبس الجُرموق على الخف ثلاثة معان، منها: أنهما يكونان كخف واحد، الأعلى ظهارة، والأسفل بطانة. قلت: وبناء عليه يجوز أن يمسح على الأسفل حتى تنتهي المدة من مسحه على الأعلى، كما لو كشطت ظهارة الخف فإنه يمسح على بطانته ". انتهى من "فتاوى الطهارة" (ص 192) .
والجُرموق: خف يلبس فوق الخف المعتاد، لاسيما في بلاد الباردة. "كشاف القناع" (1/130) .
والمقصود بالظهارة والبطانة، فيما لو كان هناك خف مكون من طبقتين، فالعليا تسمى الظهارة، والسفلى تسمى البطانة. "الشرح الممتع" (1/211) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3699)
أحرم بالحج ثم فاته الوقوف بعرفة
[السُّؤَالُ]
ـ[أحرم للحج، ولم يشترط ثم فاته الوقوف بعرفة (لو لمرض، أو لتأخر، أو بدون عذر) فماذا عليه، وكيف يتحلل من إحرامه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الوقوف بعرفة ركن من أركان الحج، بل هو ركنه الأعظم؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (الْحَجُّ عَرَفَةُ، فَمَنْ أَدْرَكَ لَيْلَةَ عَرَفَةَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ لَيْلَةِ جَمْعٍ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ) رواه الترمذي (889) والنسائي (3016) واللفظ له، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح النسائي.
فمن لم يأت عرفة قبل طلوع فجر يوم النحر، ولو لحظة، ولو ماراً، فاته الحج بإجماع العلماء.
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (8/273) : " فإذا أحرم بالحج، فلم يقف بعرفة حتى طلع الفجر من يوم النحر فقد فاته الحج بالإجماع ... " انتهى.
ثانياً:
يلزم من فاته الحج - ولم يكن قد اشترط في أول إحرامه أن محله حيث حبس - أمور:
1ـ أن يتحلل من إحرامه بعمرة.
2ـ يجب عليه القضاء من العام القادم، ولو كان الحج الفائت تطوعاً.
3ـ يجب عليه أن يذبح هدياً مع القضاء.
4ـ تلزمه التوبة إن كان تأخره لغير عذر.
هذا خلاصة ما يلزم من فاته الحج.
وبيان ذلك بالأدلة:
1- من فاته الحج تحلل من إحرامه بطواف وسعي وتقصير أو حلق (عمرة) .
لما رواه مالك في الموطأ (870) أن أبا أيوب الأنصاري رضي الله عنه: (خَرَجَ حَاجًّا حَتَّى إِذَا كَانَ بِالنَّازِيَةِ مِنْ طَرِيقِ مَكَّةَ أَضَلَّ رَوَاحِلَهُ، وَإِنَّهُ قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَوْمَ النَّحْرِ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ عُمَرُ: اصْنَعْ كَمَا يَصْنَعُ الْمُعْتَمِرُ، ثُمَّ قَدْ حَلَلْتَ، فَإِذَا أَدْرَكَكَ الْحَجُّ قَابِلًا، فَاحْجُجْ وَأَهْدِ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ) ، وصحح إسناده النووي رحمه الله.
ينظر "المنتقى شرح الموطأ" (3/7) ، "المجموع" (8/ 274) .
2- أما وجوب القضاء والهدي، فلما رواه عِكْرِمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ الْحَجَّاجَ بْنَ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ كُسِرَ أَوْ عَرِجَ فَقَدْ حَلَّ، وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ. قَالَ عِكْرِمَةُ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَا: صَدَقَ) رواه أبو داود (1862) وفي لفظ: (مَنْ كُسِرَ أَوْ عَرِجَ أَوْ مَرِضَ) . صححه الألباني في صحيح أبي داود.
ولقول عمر لأبي أيوب رضي الله عنهما: (فَإِذَا أَدْرَكَكَ الْحَجُّ قَابِلًا، فَاحْجُجْ وَأَهْدِ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ) ، وبهذا قال الحنفية ومالك والشافعي والحنابلة.
وروى مالك عن نافع عن سليمان بن يسار (أَنَّ هَبَّارَ بْنَ الْأَسْوَدِ جَاءَ يَوْمَ النَّحْرِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَنْحَرُ هَدْيَهُ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَخْطَأْنَا الْعِدَّةَ، كُنَّا نَرَى أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمُ عَرَفَةَ، فَقَالَ عُمَرُ: اذْهَبْ إِلَى مَكَّةَ فَطُفْ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ، وَانْحَرُوا هَدْيًا، إِنْ كَانَ مَعَكُمْ، ثُمَّ احْلِقُوا أَوْ قَصِّرُوا، وَارْجِعُوا، فَإِذَا كَانَ عَامٌ قَابِلٌ فَحُجُّوا وَأَهْدُوا، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعَ) .
ينظر "المجموع" (8/275) .
وقال ابن قدامة في "المغني" (3/280) : " الهدي يلزم من فاته الحج في أصح الروايتين. وهو قول من سمينا من الصحابة , والفقهاء , إلا أصحاب الرأي , فإنهم قالوا: لا هدي عليه ... ، ولنا , حديث عطاء , وإجماع الصحابة ... " انتهى.
وقال أيضاً (3/281) : " وإذا كان معه هدي قد ساقه نحره [يعني في السنة التي فاته الحج فيها] ، ولا يجزئه , بل عليه في السنة الثانية هدي أيضاً. نص عليه أحمد , وذلك؛ لحديث عمر رضي الله " انتهى. وينظر "المجموع" (8/ 275) .
3- لا فرق في الأحكام السابقة بين المعذور وغيره، لكن يفترقان في الإثم. فلا يأثم المعذور ويأثم غيره. كذا صرح بإثمه القاضي أبو الطيب وغيره. وانظر: "المجموع" (8/276) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3700)
كذب وزعم أنه حج عن نفسه ثم حج ثلاث مرات عن غيره
[السُّؤَالُ]
ـ[سألني أحد من الأشخاص أنك حجيت فقلت نعم وأنا لم أحج فحجيت عن أشخاص آخرين 3 أعوام متتالية وأنا أعلم بالحكم وأنه لا يجوز إلا إذا حجيت أنا فما الحكم وما الذي يترتب علي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا يخفى أن ما قمت به كذب وخداع يترتب عليه تأخير الحج عمن أراده منك، والواجب أن تتوب إلى الله تعالى وتندم على ما قدمت.
ثانيا:
لا يجوز للإنسان أن يحج عن غيره حتى يحج عن نفسه أولا، فإن فعل قبل أن يحج عن نفسه انصرفت الحجة له، ولزمه رد المال إلى أصحابه.
قال ابن قدامة رحمه الله: " (ومن حج عن غيره , ولم يكن حج عن نفسه , ردّ ما أخذ , وكانت الحجة عن نفسه) وجملة ذلك: أنه ليس لمن لم يحج حجة الإسلام أن يحج عن غيره , فإن فعل وقع إحرامه عن حجة الإسلام. وبهذا قال الأوزاعي , والشافعي , وإسحاق ...
لما روى ابن عباس , أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول: لبيك عن شبرمة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من شبرمة؟ قال: قريب لي. قال: هل حججت قط؟ قال: لا. قال: فاجعل هذه عن نفسك , ثم احجج عن شبرمة) رواه الإمام أحمد , وأبو داود , وابن ماجه , وهذا لفظه ...
إذا ثبت هذا , فإن عليه رد ما أخذ من النفقة ; لأنه لم يقع الحج عنه , فأشبه ما لو لم يحج" انتهى من "المغني" (3/102) .
وعليه؛ فإن الحجة الأولى تنصرف لك، ويلزمك رد المال إلى أهله، أو أن تحج هذا العام عنه، فإن لم تستطع فادفع المال لمن يحج عنه.
وأما الحجة الثانية والثالثة، فالنيابة فيها صحيحة؛ لأنها وقعت بعد الحجة الأولى التي انصرفت لك.
ثالثا:
لا يجوز لأحدٍ أن يكون قصده من الحج عن غيره أخذ المال، وإنما يكون قصده الحج والوصول إلى الأماكن المقدسة، والإحسان إلى أخيه بالحج عنه.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: "النيابة في الحج جاءت بها السنَّة؛ فإن الرسول عليه الصلاة والسلام سألته امرأة وقالت: (إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: نعم) ، والاستنابة بالحج بعوض: إن كان الإنسان قصده العوض: فقد قال شيخ الإسلام رحمه الله: من حج ليأخذ المال فليس له في الآخرة من خلاق – أي: نصيبٌ - وأما من أخذ ليحج: فلا بأس به، فينبغي لمن أخذ النيابة أن ينوي الاستعانة بهذا الذي أخذ على الحج، وأن ينوي أيضاً قضاء حاجة صاحبه؛ لأن الذي استنابه محتاج، ويفرح إذا وجد أحداً يقوم مقامه، فينوي بذلك أنه أحسن إليه في قضاء الحج، وتكون نيته طيبة" انتهى من "لقاءات الباب المفتوح" (89/السؤال 6) .
وقال رحمه الله: "وإن من المؤسف أن كثيراً من الناس الذين يحجون عن غيرهم إنما يحجون من أجل كسب المال فقط، وهذا حرام عليهم؛ فإن العبادات لا يجوز للعبد أن يقصد بها الدنيا، يقول الله تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ. أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ويقول تعالى: (فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ) ، فلا يقبل الله تعالى من عبد عبادة لا يبتغي بها وجهه، ولقد حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم أماكن العبادة من التكسب للدنيا، فقال صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد، فقولوا: لا أربح الله تجارتك) ، فإذا كان هذا فيمن جعل موضع العبادة مكاناً للتكسب يدعى عليه أن لا يربح الله تجارته: فكيف بمن جعل العبادة نفسها غرضاً للتكسب الدنيوي كأن الحج سلعة، أو عمل حرفة لبناء بيت، أو إقامة جدار؟ تجد الذي تعرض عليه النيابة يكاسر ويماكس هذه دراهم قليلة، هذه لا تكفي، ز، أنا أعطاني فلان كذا، أو أعطي فلان حجة بكذا، أو نحو هذا الكلام مما يقلب العبادة إلى حرفة وصناعة، ولهذا صرح فقهاء الحنابلة رحمهم الله بأن تأجير الرجل ليحج عن غيره غير صحيح، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: من حج ليأخذ المال، فليس له في الآخرة من خلاق، لكن إذا أخذ النيابة لغرض ديني مثل أن يقصد نفع أخيه بالحج عنه، أو يقصد زيادة الطاعة والدعاء والذكر في المشاعر: فهذا لا بأس به، وهي نية سليمة.
إن على الذين يأخذون النيابة في الحج أن يخلصوا النية لله تعالى، وأن تكون نيتهم قضاء وطرهم بالتعبد حول بيت الله وذكره ودعائه، مع قضاء حاجة إخوانهم بالحج عنهم، وأن يبتعدوا عن النية الدنيئة بقصد التكسب بالمال، فإن لم يكن في نفوسهم إلا التكسب بالمال: فإنه لا يحل لهم أخذ النيابة حينئذ، ومتى أخذ النيابة بنية صالحة: فالمال الذي يأخذه كله له، إلا أن يشترط عليه رد ما بقي" انتهى من "الضياء اللامع من الخطب الجوامع" (2/477) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3701)
هل يعتمر الزوجان جميعاً، أو يدخرا المال ليحج الزوج وحده؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الأولى الادخار للحج السنة القادمة أم العمرة الآن؟ الآن أنا وزوجي معنا مال يكفي لنعتمر معاً ولكن إذا لم نعتمر حتى العام القادم ممكن يتوفر بعض المال ليحج هو وحده ولكن هذا غير مؤكد فما هو الأولى؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي ننصحكما به هو المبادرة إلى أداء العمرة، ما دمتم مستطيعين وذلك لعدة أسباب:
1- أن المشروع للمؤمن أن يبادر إلى الأعمال الصالحة، قال الله تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) آل عمران/133، وقال تعالى: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ) الحديد/21.
وقال بعض السلف: من فتح له باب من الخير فلينتهزه، فإنه لا يدري متى يغلق عنه.
2- أنك غير متأكدة من استطاعة زوجك الحج العام القادم بسبب كفاية المال، بل حتى لو وجد المال فقد توجد أمور أخرى كالانشغال أو غيره تمنعه من الحج، فيكون قد أخَّر العمرة من غير حاجة أو مصلحة أعظم، ولم يتمكن من الحج.
3- أنكما الآن تستطيعان العمرة، فهي واجبة عليكما، وأما الحج، فليس واجباً عليكما الآن ـ بسبب عدم الاستطاعة ـ وليس من الحكمة أن يؤجل الإنسان ما يجب عليه الآن، من أجل أن يأتي فيما بعد بما لم يكن واجباً عليه.
فأنتما الآن مأموران بالعمرة، ـ ما دمتما مستطيعين ـ ولستما مأمورين بالحج، لعدم الاستطاعة، فعليكما الإتيان بالعمرة، امتثالا لأمر الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/16، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ) رواه البخاري (7288) ومسلم (1337) .
4- ثم إنك لم تذكري شيئاً عن هذا المبلغ المدخر، هل هو ملك لزوجك، أو ملك لكما ادخرتماه معاً؟
فإن كان المبلغ لكما، فقد ذكر العلماء رحمهم الله أنه لا يجوز الإيثار بالطاعات الواجبة، فليس لك أن تعطي مالك لزوجك ليحج هو به، ثم لا تعتمرين أنت.
قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله:
"الإيثار بالقرب على نوعين:
النوع الأول: القرب الواجبة: فهذه لا يجوز الإيثار بها، ومثاله رجل معه ماء يكفي لوضوء رجل واحد فقط، وهو على غير وضوء، وصاحبه الذي معه على غير وضوء ففي هذه الحال لا يجوز أن يؤثر صاحبه بهذا الماء؛ لأنه يكون قد ترك واجباً عليه وهو الطهارة بالماء، فالإيثار في الواجب حرام ... " انتهى.
"لقاءات الباب المفتوح" اللقاء/35 ص 22.
ونسأل الله لكما التوفيق إلى ما يحب ويرضى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3702)
هل يحج وعليه ديون يقدر على وفائها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أحج.. لكن علي ديون. وأنا لم أقابل الناس الذين أقرضوني منذ 7 سنوات. وقد حاولت الوصول إليهم عبر الرسائل وإجراء الاتصالات الهاتفية وعن طريق سؤال الناس عنهم، لكني لم أتمكن من ذلك. أنا أقيم في دولة غير التي يقيمون فيها. ماذا أفعل؟ لقد مضى علي 7 سنوات وأنا أحاول العثور عليهم (لكني لم أتمكن من ذلك) ، وكيف أحج والحال ما ذكر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يردّك ذلك عن الحج، حيث إنك متمكن من وفاء هذه الديون متى وجدت أهلها، وحيث إنك مستعد لوفاء الدين فلا يردّك ذلك عن الحج، وعليك بالبحث عنهم وإذا وجدتهم وفيتهم حقوقهم.
والله أعلم
فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله.
[الْمَصْدَرُ]
سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله(5/3703)
أيهما يقدم أداء العمرة أم سداد الدين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أود عمل عمرة حيث إنني نويت أو نذرت إن زاد راتبي في العمل بأن أؤدي العمرة، ولكن علي ديون أسددها، فهل تصح العمرة، أم يجب أن أنتظر بعد أداء الدين؟ وجزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
حقوق العباد مقدمة في وجوب الأداء على الحج والعمرة، فلا يجوز أن يخرج المسلم حاجا أو معتمرا وثمة من يطالبه بماله الذي استدانه منه، وذلك من حفظ الشريعة الإسلامية العظيمة لحقوق الناس، وحرصها على بقاء روح المودة والتآلف بينهم، فلا يأكل بعضهم مال بعض، ولا يتعدى أحد على أحد.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله السؤال الآتي:
أنا مدينٌ لعدة أشخاص، هل أذهب إلى مكة للصيام فيها مع أولادي، مع أن أجرة السكن سوف أتقاسمها أنا وأولادي؟
فكان جوابه رحمه الله:
" إنني أسأل سؤالاً: هل الصدقة أفضل أو الزكاة الواجبة؟ الزكاة الواجبة.
هل التطوع أفضل أو الواجب؟ الواجب.
هل العقل أن أبدأ بالواجب قبل التطوع أو بالعكس؟ يقتضي أن أبدأ بالواجب قبل التطوع، فلا يجوز للإنسان أن يذهب إلى مكة للتطوع بالعمرة وعليه دَيْن، الدين يجب عليه الوفاء به، والتطوع في العمرة هل يجب عليه؟ لا يجب، حتى الفريضة تسقط مع وجود الدين.
يا إخواني: الدِّين ليس عاطفة، الفرض الذي فرضه الله على العباد وهو حج البيت والعمرة إذا كان الإنسان مَديناً سقط عنه، ولقي ربه بغير ذنب، إنسان مدين ولم يحج لم يؤدِ الفريضة، نقول: كلمة: (لم يؤد الفريضة) غلط، لماذا غلط؟ لأن ما عليه فريضة، حتى الآن ما عليه فريضة، لكن لا يكون الحج فريضة إلا لمن سلم من الدَّيْن.
ولذلك نقول لهذا الأخ: هوِّن على نفسك، أمسك عليك مالك، ابق في بلدك، وفِّر الدراهم لقضاء دينك، ولا تكن كالذي عمر قصراً وهدم مصراً.
فنرى لهذا الأخ: أنه يجب عليه البقاء في بلده.
نعم لو فرض أن أحداً من الناس تبرع له بكل النفقات، وقال: لا تعطني ولا درهماً واحداً.
فهنا نقول: إذا كان سفره إلى العمرة لا يعطل شغلاً يحصل به على المال فليذهب؛ لأنه في هذه الحالة هل يضر غريمه أو لا يضره؟ لا.
قال له شخص: أنا أعلم أن عليك عشرة آلاف ريال، وأعلم أن الدين يجب تقديمه على التطوع، لكن تفضل معي أنت وأهلك مجاناً من حين تركب حتى ترجع، هل له أن يذهب معه؟ هنا نقول: إذا كان صاحب عمل، وكان غيابه عن عمله ينقص من تحصيله فلا يذهب، أما إذا لم يكن صاحب عمل، وأن ذهابه معه لا ينقصه شيئاً، فلا بأس أن يذهب معه.
لا يفرق بين كون الدين حالاً ولا مؤجلاً، إلا إذا كان مؤجلاً وهو يعرف من نفسه أنه إذا حلَّ الأجل فهو قادر على الوفاء فلا بأس، كرجلٍ موظف عليه دين يحل بعد شهرين مثلاً، ويعرف أنه إذا حل الدَّيْن فهو قادر على الوفاء، فحينئذٍ نقول: اذهب؛ لأن بقاءه في بلده لا يغني الغريم شيئاً " انتهى.
"اللقاء الشهري" (رقم/33، سؤال رقم/4)
وقد سبق بيان ذلك في موقعنا في جواب السؤال رقم: (11771) ، (36868) ، (36852)
فالواجب عليك أن تنتظر حتى سداد الدين جميعه:
ثم إن كان ما وقع منك نذر وجب عليك أداؤه؛ لأن نذر الطاعة واجب الأداء.
وأما إن كان مجرد عزم على أداء العمرة شكرا لله تعالى من غير تلفظ بالنذر، فيستحب لك حينئذ وفاء النذر بأداء العمرة، فهي من أعظم العبادات التي يتقرب بها المسلمون إلى ربهم سبحانه وتعالى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3704)
ممنوع من السفر خارج البلاد فهل يوكل من يحج عنه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا يفعل من كان يريد الحج ولم يحج قبل ذلك، ولكنه ممنوع من السفر، لا يستطيع السفر خارج البلاد، هل يمكن أن يطلب من أحد أن يحج عنه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
وردت السنة النبوية بجواز الحج عن الغير، في حالين:
الأولى: أن يكون ميتاً.
ودليل ذلك ما رواه مسلم (1149) أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن أمها التي ماتت، وقالت: (يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهَا لَمْ تَحُجَّ قَطُّ، أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ: حُجِّي عَنْهَا) .
الحال الثانية:
من كان عاجزا عن الحج ببدنه عجزاً لا يرجى زواله كالرجل الكبير الذي لا يستطيع السفر وتحمل مشاق الحج، أو المريض مرضاً مزمناً لا يُرجى حصول الشفاء منه.
ودليل ذلك: أن امْرَأَةٌ َقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، (إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ) رواه البخاري (1513) ومسلم (1334) .
وأما من كان عاجزا عن الحج لأنه ممنوع من السفر خارج البلاد، فهذا المنع يُرجى زواله، وكثير ممن كانوا ممنوعين من السفر خارج بلادهم، تمكنوا بعد مدة من السفر، إما لتغير الحكومة المانعة، أو لغير ذلك من الأسباب.
وقد جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء" (11/51) :
"يجوز للمسلم الذي قد أدى حج الفريضة عن نفسه أن يحج عن غيره إذا كان ذلك الغير لا يستطيع الحج بنفسه لكبر سنِّه أو مرض لا يرجى برؤه أو لكونه ميتًا؛ للأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك، أما إن كان من يراد الحج عنه لا يستطيع الحج لأمر عارض يرجى زواله كالمرض الذي يرجى برؤه، وكالعذر السياسي، وكعدم أمن الطريق ونحو ذلك: فإنه لا يجزئ الحج عنه" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن قعود
وعلى هذا؛ فلا يجوز لهذا الشخص الممنوع من السفر، أن يوكل من يحج عنه، بل ينتظر حتى يزول هذا المانع، ويتمكن من الحج بنفسه.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3705)
والدها يمنعها من الذهاب للحج فهل لها أن تنيب من يحج عنها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لمسلمة تتمتع بكامل صحتها أن ترسل غيرها ليحج أو يعتمر عنها حيث إن والدها لا يسمح لها بالذهاب؟ وما عساها أن تفعل إذا كانت لا تجد ما يكفي لأن تذهب بمفردها لأداء المناسك ولا ما يمكنها من إرسال من ينوب عنها؟ وهل لها أن تذهب للحج دون إذن والدها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجب الحج إلا على المستطيع، لقول الله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) آل عمران/97.
ومن الاستطاعة بالنسبة للمرأة: أن تجد محرما يسافر معها، ويكون معها من النفقات ما يكفيها ومحرمها، لأن نفقة حج المحرم عليها هي، لأنه إنما سافر لمصلحتها.
فإذا لم تجد المرأة محرماً يسافر معها، أو لم تجد المال الكافي لذلك، فالحج غير واجب عليها.
وإذا كان الحج غير واجب عليها، فهي غير آثمة ولا مقصرة بتركه، وليس لها في هذه الحالة أن تنيب من يحج ويعتمر عنها، بل تنتظر حتى يغنيها الله وييسر لها محرما ثم تحج بنفسها.
ثانياً:
ليس للأب أن يمنع ابنته أو ابنه من حج الفريضة.
فإذا كانت تستطيع الحج ببدنها ومالها، ومعها محرم سيسافر معها، فإنها تستأذن من أبيها، فإن لم يأذن فلتخرج بغير إذنه، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وليس منع الأب لها سببا لجواز توكيلها من يحج عنها.
فإن هذا المنع يرجى زواله، وقد نقل الحافظ ابن حجر في فتح الباري (4/70) اتفاق العلماء على أن المحبوس لا ينيب من يحج عنه الفريضة، لأنه يرجى خلاصه من الحبس.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (41950) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3706)
ضوابط وأحكام حج البدل
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك في بلدنا بعض حملات الحج تقدم حج البدل , بحيث نعطيهم نقوداً - وهي تكلفة الحج - وسيقوم أناس من طلبة العلم بالحج بدلاً عنَّا , , فهل يجوز ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يتساهل كثيرون في حج البدل، وحج البدل له ضوابط وشروط وأحكام، سنذكر ما تيسر منها عسى الله أن ينفع بها:
1. لا يصح حج البدل في حجة الإسلام عن القادر الذي يستطيع الحج ببدنه.
قال ابن قدامة رحمه الله:
"لا يجوز أن يستنيب في الحج الواجب من يقدر على الحج بنفسه إجماعا، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن من عليه حجة الإسلام وهو قادر على أن يحج لا يجزئ عنه أن يحج غيره عنه" انتهى.
" المغني " (3 / 185) .
2. حج البدل يكون عن المريض مرضاً لا يرجى برؤه، أو عن العاجز ببدنه، أو عن الميت، دون الفقير والعاجز بسبب ظرف سياسي أو أمني.
قال النووي رحمه الله:
"والجمهور على أن النيابة في الحج جائزة عن الميت والعاجز الميئوس من برئه، واعتذر القاضي عياض عن مخالفة مذهبهم – أي: المالكية - لهذه الأحاديث في الصوم عن الميت والحج عنه بأنه مضطرب، وهذا عذر باطل، وليس في الحديث اضطراب، ويكفى في صحته احتجاج مسلم به في صحيحه.
" شرح النووي على مسلم " (8 / 27) .
والحديث الذي أشار إليه النووي رحمه الله وذكر أن بعض المالكية حكم عليه بالاضطراب هو:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: بَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: إِنِّي تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّي بِجَارِيَةٍ وَإِنَّهَا مَاتَتْ فَقَالَ: وَجَبَ أَجْرُكِ، وَرَدَّهَا عَلَيْكِ الْمِيرَاثُ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ كَانَ عَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟ قَالَ: صُومِي عَنْهَا، قَالَتْ: إِنَّهَا لَمْ تَحُجَّ قَطُّ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ: حُجِّي عَنْهَا. رواه مسلم (1149) .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
"واتفق من أجاز النيابة في الحج على أنها لا تجزى في الفرض إلا عن موت أو عضَب – أي: شلل -، فلا يدخل المريض؛ لأنه يرجى برؤه، ولا المجنون؛ لأنه ترجى إفاقته، ولا المحبوس؛ لأنه يرجى خلاصه، ولا الفقير؛ لأنه يمكن استغناؤه" انتهى.
" فتح الباري " (4 / 70) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة:
هل يجوز للمسلم الذي أدى فرضه أن يحج عن أحد أقاربه في بلاد الصين لعدم تمكنه من الوصول لأداء فريضة الحج؟ . فأجابوا:
"يجوز للمسلم الذي قد أدى حج الفريضة عن نفسه أن يحج عن غيره إذا كان ذلك الغير لا يستطيع الحج بنفسه لكبر سنِّه أو مرض لا يرجى برؤه أو لكونه ميتًا؛ للأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك، أما إن كان من يراد الحج عنه لا يستطيع الحج لأمر عارض يرجى زواله كالمرض الذي يرجى برؤه، وكالعذر السياسي، وكعدم أمن الطريق ونحو ذلك: فإنه لا يجزئ الحج عنه" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن قعود
" فتاوى اللجنة الدائمة " (11 / 51) .
3. حج البدل لا يكون عن العاجز ماليّاً؛ لأن الحج تسقط فرضيته عن الفقير، إنما حج البدل عن العاجز ببدنه.
سئل علماء اللجنة الدائمة:
هل يجوز لأحد أن يعتمر أو يحج عن قريبه الذي يكون بعيداً عن مكة، وليس لديه ما يصل به إليها، مع أنه قادر بالطواف؟
فأجابوا:
"قريبك المذكور لا يجب عليه الحج مادام لا يستطيع الحج ماليّاً، ولا تصح النيابة عنه في الحج ولا في العمرة؛ لأنه قادر على أداء كل منهما ببدنه لو حضر بنفسه في المشاعر، وإنما تصح النيابة فيهما عن الميت، والعاجز عن مباشرة ذلك ببدنه" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان
" فتاوى اللجنة الدائمة " (11/52) .
4. لا يجوز لأحدٍ أن يحج عن غيره إلا أن يكون قد حجَّ عن نفسه، فإن فعل فتقع حجته عن نفسه لا عن غيره.
قال علماء اللجنة الدائمة:
"لا يجوز للإنسان أن يحج عن غيره قبل حجه عن نفسه، والأصل في ذلك ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول: لبيك عن شبرمة، قال: حججت عن نفسك؟ قال: لا، قال: حج عن نفسك، ثم عن شبرمة" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الله بن غديان.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (11 / 50) .
5. يجوز للمرأة أن تحج عن الرجل، كما يجوز للرجل أن يحج عن المرأة.
قال علماء اللجنة الدائمة:
"والنيابة في الحج جائزة، إذا كان النائب قد حج عن نفسه، وكذلك الحال فيما تدفعه للمرأة لتحج به عن أمك، فإن نيابة المرأة في الحج عن المرأة وعن الرجل جائزة؛ لورود الأدلة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك" انتهى.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (11 / 52) .
6. لا يجوز لأحدٍ أن يحج عن شخصين أو أكثر في حجة واحدة، وله أن يعتمر عن نفسه – أو عن غيره – ويحج عن آخر.
قال علماء اللجنة الدائمة:
"تجوز النيابة في الحج عن الميت، وعن الموجود الذي لا يستطيع الحج، ولا يجوز للشخص أن يحج مرة واحدة ويجعلها لشخصين، فالحج لا يجزئ إلا عن واحد، وكذلك العمرة، لكن لو حج عن شخص واعتمر عن آخر في سنة واحدة أجزأه إذا كان الحاج قد حج عن نفسه واعتمر عنها" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (11 / 58) .
7. لا يجوز لأحدٍ أن يكون قصده من الحج عن غيره أخذ المال، وإنما يكون قصده الحج والوصول إلى تلك الأماكن المقدسة، والإحسان إلى أخيه بالحج عنه.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
"النيابة في الحج جاءت بها السنَّة؛ فإن الرسول عليه الصلاة والسلام سألته امرأة وقالت: (إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: نعم) ، والاستنابة بالحج بعوض: إن كان الإنسان قصده العوض: فقد قال شيخ الإسلام رحمه الله: من حج ليأكل فليس له في الآخرة من خلاق – أي: نصيبٌ - وأما من أخذ ليحج: فلا بأس به، فينبغي لمن أخذ النيابة أن ينوي الاستعانة بهذا الذي أخذ على الحج، وأن ينوي أيضاً قضاء حاجة صاحبه؛ لأن الذي استنابه محتاج، ويفرح إذا وجد أحداً يقوم مقامه، فينوي بذلك أنه أحسن إليه في قضاء الحج، وتكون نيته طيبة" انتهى.
" لقاءات الباب المفتوح " (89 / السؤال 6) .
وقال رحمه الله:
"وإن من المؤسف أن كثيراً من الناس الذين يحجون عن غيرهم إنما يحجون من أجل كسب المال فقط، وهذا حرام عليهم؛ فإن العبادات لا يجوز للعبد أن يقصد بها الدنيا، يقول الله تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ. أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ويقول تعالى: (فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ) ، فلا يقبل الله تعالى من عبد عبادة لا يبتغي بها وجهه، ولقد حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم أماكن العبادة من التكسب للدنيا، فقال صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد، فقولوا: لا أربح الله تجارتك) ، فإذا كان هذا فيمن جعل موضع العبادة مكاناً للتكسب يدعى عليه أن لا يربح الله تجارته: فكيف بمن جعل العبادة نفسها غرضاً للتكسب الدنيوي كأن الحج سلعة، أو عمل حرفة لبناء بيت، أو إقامة جدار؟ تجد الذي تعرض عليه النيابة يكاسر ويماكس هذه دراهم قليلة، هذه لا تكفي زد أنا أعطاني فلان كذا، أو أعطي فلان حجة بكذا، أو نحو هذا الكلام مما يقلب العبادة إلى حرفة وصناعة، ولهذا صرح فقهاء الحنابلة رحمهم الله بأن تأجير الرجل ليحج عن غيره غير صحيح، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: من حج ليأخذ المال، فليس له في الآخرة من خلاق، لكن إذا أخذ النيابة لغرض ديني مثل أن يقصد نفع أخيه بالحج عنه، أو يقصد زيادة الطاعة والدعاء والذكر في المشاعر: فهذا لا بأس به، وهي نية سليمة.
إن على الذين يأخذون النيابة في الحج أن يخلصوا النية لله تعالى، وأن تكون نيتهم قضاء وطرهم بالتعبد حول بيت الله وذكره ودعائه، مع قضاء حاجة إخوانهم بالحج عنهم، وأن يبتعدوا عن النية الدنيئة بقصد التكسب بالمال، فإن لم يكن في نفوسهم إلا التكسب بالمال: فإنه لا يحل لهم أخذ النيابة حينئذ، ومتى أخذ النيابة بنية صالحة: فالمال الذي يأخذه كله له، إلا أن يشترط عليه رد ما بقي" انتهى.
" الضياء اللامع من الخطب الجوامع " (2 / 477، 478) .
8. إذا مات المسلم ولم يقض فريضة الحج وهو مستكمل لشروط وجوبها وجب أن يحج عنه من ماله الذي خلفه سواء أوصى بذلك أو لم يوص.
قال علماء اللجنة الدائمة:
"إذا مات المسلم ولم يقض فريضة الحج وهو مستكمل لشروط وجوبها وجب أن يحج عنه من ماله الذي خلفه سواء أوصى بذلك أو لم يوص، وإذا حج عنه غيره ممن يصح منه الحج وكان قد أدى فريضة الحج عن نفسه: صح حجه عنه، وأجزأ في سقوط الفرض عنه" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن منيع.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (11/100) .
9. هل للذي يحج عن غيره أجر الحج كاملاً ويرجع كيوم ولدته أمه؟ .
قال علماء اللجنة الدائمة:
"وأما تقويم حج المرء عن غيره هل هو كحجه عن نفسه أو أقل فضلاً أو أكثر: فذلك راجع إلى الله سبحانه " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن منيع.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (11 / 100) .
وقالوا:
"من حج أو اعتمر عن غيره بأجرة أو بدونها فثواب الحج والعمرة لمن ناب عنه، ويرجى له أيضًا أجر عظيم على حسب إخلاصه ورغبته للخير، وكل من وصل إلى المسجد الحرام وأكثر فيه من نوافل العبادات وأنواع القربات: فإنه يرجى له خير كثير إذا أخلص عمله لله" انتهى.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (11 / 77، 78) .
وقال الإمام ابن حزم رحمه الله:
عن داود أنه قال: قلت لسعيد بن المسيب: يا أبا محمد، لأيهما الأجر أللحاج أم للمحجوج عنه؟ فقال سعيد: إن الله تعالى واسع لهما جميعا.
قال ابن حزم: صدق سعيد رحمه الله.
" المحلى " (7 / 61) .
وما يفعله الموكَّل من أعمال خارج النسك كالصلاة في احرم وقراءة القرآن وغيرها فأجرها له دون من وكَّله.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
"وثواب الأعمال المتعلقة بالنسك كلها لمن وكله، أما مضاعفة الأجر بالصلاة والطواف الذي يتطوع به خارجا عن النسك وقراءة القرآن لمن حج لا للموكل" انتهى.
" الضياء اللامع من الخطب الجوامع " (2 / 478) .
10. الأفضل أن يحج الولد عن والديه، والقريب عن قريبه، فإن استأجر أجنبيّاً جاز.
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
توفيت والدتي وأنا صغير السن، وقد أجَّرت على حجتها شخصاً موثوقاً به، وأيضاً والدي توفي، وقد سمعت من بعض أقاربي أنه حج.
هل يجوز أن أؤجر على حجة والدتي أم يلزمني أن أحج عنها أنا بنفسي، وأيضاً والدي هل أقوم بحجة له وأنا سمعت أنه قد حج؟
فأجاب:
"إن حججت عنهما بنفسك واجتهدت في إكمال حجك على الوجه الشرعي: فهو الأفضل، وإن استأجرت من يحج عنهما من أهل الدين والأمانة: فلا بأس.
والأفضل أن تؤدي عنهما حجّاً وعمرة، وهكذا من تستنيبه في ذلك يشرع لك أن تأمره أن يحج عنهما ويعتمر، وهذا من برِّك لهما وإحسانك إليهما، تقبل الله منا ومنك" انتهى.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (16 / 408) .
11. لا يشترط لمن يُحج عنه أن يُعرف اسمه، بل تكفي نية الحج عنه.
سئل علماء اللجنة الدائمة:
يوجد لدي حوالي أربعة أشخاص متوفين ما بين أعمام وأجداد، ما بين رجال ونساء، ولم أعرف أسماء البعض منهم، وأريد أن أرسل لكل واحد منهم من يحج لهم على حسابي الخاص؟ .
فأجابوا:
"إذا كان الأمر كما ذكر: فمن عرفتَ اسمه من الرجال والنساء: فلا إشكال فيه، ومن لم تعرف اسمه: فإنه يجوز لك أن تنوي عن الرجال والنساء من الأعمام والأخوال على حسب ترتيب أعمارهم وأوصافهم، وتكفي النية في ذلك، وإن لم تعرف الاسم" انتهى.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (11/172) .
12. لا يجوز لمن وُكِّل بالحج عن غيره أن يوكِّل غيره إلا برضا من وكَّله.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
"ولا يحل لمن أخذ النيابة أن يوكل غيره فيها لا بقليل، ولا بكثير إلا برضا من صاحبها الذي أعطاه إياها" انتهى.
" الضياء اللامع من الخطب الجوامع " (2 / 478) .
13. هل تجوز الإنابة في حج النافلة؟ .
في المسألة خلاف بين العلماء، وقد اختار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أنه لا تجوز النيابة إلا في حج الفريضة.
قال الشيخ رحمه الله:
"إذا كان الرجل قد أدى الفريضة، وأراد أن يوكل عنه من يحج أو يعتمر نافلة، فإن في ذلك خلافاً بين أهل العلم، فمنهم من أجازه، ومنهم من منعه، والأقرب عندي: المنع، وأنه لا يجوز لأحد أن يوكل أحداً يحج عنه أو يعتمر إذا كان ذلك نافلة؛ لأن الأصل في العبادات أن يقوم بها الإنسان بنفسه، وكما أنه لا يوكل الإنسان أحداً يصوم عنه - مع أنه لو مات وعليه صيام فرض صام عنه وليه -، كذلك في الحج، والحج عبادة يقوم فيها الإنسان ببدنه، وليست مالية يُقصد بها الغير، وإذا كانت عبادة بدنية يقوم بها الإنسان ببدنه: فإنها لا تصح من غيره عنه إلا فيما وردت به السنة، ولم ترد السنة في حج الإنسان عن غيره حج نفل، وهذه إحدى الروايتين عن أحمد: أعني أن الإنسان لا يصح أن يوكل غيره في نفل حج أو عمره سواء كان قادراً أو غير قادر.
ونحن إذا قلنا بهذا القول صار في ذلك حث للأغنياء القادرين على الحج بأنفسهم؛ لأن بعض الناس تمضي عليه السنوات الكثيرة ما ذهب إلى مكة اعتماداً على أنه يوكل من يحج عنه كل عام، فيفوته الحج على أساس أنه يوكل من يحج عنه" انتهى.
" فتاوى إسلامية " (2 / 192، 193) .
14. ينبغي تحري أهل الخير والصدق والأمانة والعلم بمناسك الحج لحج البدل.
قال علماء اللجنة الدائمة:
"ينبغي لمن يريد أن ينيب في الحج أن يتحرى فيمن يستنيبه أن يكون من أهل الدين والأمانة حتى يطمئن إلى قيامه بالواجب" انتهى.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (11/53) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3707)
هل يُلزم كل من الولد والوالد بنفقة حج الآخر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجب على الأب نفقة حج الفريضة لولده الفقير وهل يجب على الولد نفقة حج الفريضة لأبيه الفقير؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لقد عرضت هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب بما يلي: لا يجب، لأنّ العبادات مشروطة بالاستطاعة، والاستطاعة لا تتأتّى من الغير، فلا يجب على أي من الطرفين شيء في هذا للآخر، لكن إن طلب الوالد من الولد القادر نفقة الحجّ كانت إجابته من باب البر المأمور به فيكون واجبا بهذا الاعتبار. والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(5/3708)
تريد العمرة ولا تجد محرماً
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أذهب للعمرة ولكن لا يوجد لدي محرم وهذا الأمر يحزنني، فزوجي مشغول دائماً بعمله ولا يستطيع ترك عمله لمدة 8 أو 10 أيام، أرجو أن ترشدني كيف أستطيع أن أعتمر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المرأة التي لا تجد محرماً تسافر معه لا يجب عليها الحج ولا العمرة، وهي معذورة في ترك ذلك، ويحرم عليها السفر للحج أو لغيره من غير محرم، وعليها أن تصبر حتى ييسر الله أحد محارمها ليسافر معها.
وسبل الخير كثيرة، فإذا لم يستطع المسلم فعل بعض العبادات، فإنه يجتهد فيما يستطيعه من العبادات حتى يوفقه الله وييسر له ما لا يستطيعه من العبادات.
ومن فضل الله تعالى على عباده المؤمنين أن العبد إذا عزم على فعل طاعة ولكنه لم يستطع فعلها لعذر، فإنه يثاب الفاعل لها روى البخاري (4423) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَعَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ فَدَنَا مِنْ الْمَدِينَةِ فَقَالَ: (إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلا كَانُوا مَعَكُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ قَالَ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ)
قال علماء اللجنة الدائمة:
المرأة التي لا محرم لها لا يجب عليها الحج؛ لأن المحرم بالنسبة لها من السبيل، واستطاعة السبيل شرط في وجوب الحج، قال الله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً) ، ولا يجوز لها أن تسافر للحج أو غيره إلا ومعها زوج أو محرم لها؛ لما رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم "، فقام رجل فقال: يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، قال: " انطلِق فحج مع امرأتك "، وبهذا القول قال الحسن والنخعي وأحمد وإسحاق وابن المنذر وأصحاب الرأي، وهو الصحيح؛ للآية المذكورة، مع عموم أحاديث نهي المرأة عن السفر بلا زوج أو محرم، وخالف في ذلك مالك والشافعي والأوزاعي، واشترط كل منهم شرطاً لا حجة له عليه، قال ابن المنذر: تركوا القول بظاهر الحديث، واشترط كل منهم شرطاً لا حجة له عليه.
" فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " (11 / 90، 91) .
وقالوا:
إذا كان الواقع كما ذكر - من عدم تيسر سفر زوجك أو محرم لك معك لتأدية فريضة الحج - فلا يجب عليك مادمت على هذه الحال؛ لأن صحبة الزوج أو المحرم لك في السفر للحج شرط في وجوبه عليك، ويحرم عليك السفر للحج وغيره بدون ذلك، ولو مع زوجة أخيك ومجموعة من النساء، على الصحيح من قولي العلماء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم) متفق على صحته، إلا إذا كان أخوك مع زوجته فيجوز السفر معه؛ لأنه محرم لك، واجتهدي في الأعمال الصالحات التي لا تحتاج إلى سفر، واصبري رجاء أن ييسر الله أمرك، ويهيء لك سبيل الحج مع زوج أو محرم.
" فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " (11 / 96) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3709)
ما هي الاستطاعة في الحج
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الاستطاعة في الحج؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الاستطاعة بالنسبة للحج أن يكون صحيح البدن، وأن يملك من المواصلات ما يصل به إلى بيت الله الحرام من طائرة أو سيارة أو دابة أو أجرة ذلك بحسب حاله، وأن يملك زاداً يكفيه ذهاباً وإياباً، على أن يكون ذلك زائداً عن نفقات من تلزمه نفقته حتى يرجع من حجه وأن يكون مع المرأة زوج أو محرم لها في سفرها للحج أو العمرة.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى اللجنة الدائمة/كتاب الحج والعمرة والزيارة ص17(5/3710)
هل يحج عن أبيه الذي ليس له مال يحج به؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أعمل في بلاد الحرمين، ودخلي محدود يكفيني للضروريات، وتكاليف المعيشة والحمد لله، وقد حججت عن نفسي ثلاث مرات والحمد لله، ولي والد في مصر لم يحج بعد، وذلك لعدم توفر نفقة الحج لديه، علماً بأنه طيب وصحيح ومعافى، ولكن بسبب عدم توفر نفقة الحج، هل يمكنني أن أحج عنه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا كان الواقع ما ذكر من أن والدك صحيح معافى ولا يستطيع الحج من أجل عدم استطاعته المالية فلا يلزمه الحج؛ لقوله سبحانه وتعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) آل عمران/97، ولا يصح الحج عنه منك، ولا من غيرك، لكن يشرع لك إذا كنت مستطيعاً لنفقته على الحج أن تساعده بذلك ليحج بنفسه.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/31، 32) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3711)
هل يحج عن قريبه الذي لا يستطيع السفر للحج؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمسلم الذي أدى فرضه أن يحج عن أحد أقاربه في بلاد الصين لعدم تمكنه من السفر لأداء فريضة الحج؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"يجوز للمسلم الذي قد أدى حج الفريضة أن يحج عن غيره إذا كان ذلك الغير لا يستطيع الحج بنفسه لكبر سنه أو مرض لا يرجى برؤه أو لكونه ميتاً؛ للأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك، أما إن كان من يراد الحج عنه لا يستطيع الحج لأمر عارض يرجى زواله كالمرض الذي يرجى برؤه، وكالعذر السياسي، وكعدم أمن الطريق ونحو ذلك؛ فإنه لا يجزئ الحج عنه.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/51) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3712)
هل يلزم الزوج الغني تكاليف حج زوجته؟
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجة لا تملك نفقات الحج وزوجها غني، فهل هو ملزم شرعاً بنفقات حجها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا يلزم الزوج شرعاً بنفقات حجها وإن كان غنياً، وإنما ذلك من باب المعروف، وهي غير ملزمة بالحج لعجزها عن نفقته.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/35) .
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (11/94) أيضاً:
"لا يجب على الزوج لزوجته نفقات حجها مثل ما تجب عليه نفقات أكلها وكسوتها وسكناها، ولكن بذله من باب حسن العشرة ومكارم الأخلاق، ويجب لها عليه في سفر حجها ما يقابل نفقتها حال كونها مقيمة" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن قعود.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3713)
هل يلزمه الأخذ من رأسماله المحتاج إليه ليحج؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل تاجرا، وربح التجارة يكاد يكفيني وأهلي، ولا أستطيع الحج حتى آخذ من رأسمال التجارة، مما يسبب نقص الربح، فلا يكفيني الربح الناتج لنفقات أولادي، فهل يجب علي الحج؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجب الحج إلا على المستطيع، لقول الله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) آل عمران/97.
ومعنى الاستطاعة المالية: أن يكون عنده من النفقة ما يكفيه وأهله إلى أن يعود.
ويكون له بعد عودته ما يقوم بكفايته وكفاية من ينفق عليهم كأجرة عقار أو راتب أو تجارة ونحو ذلك.
ولذلك لا يلزمه أن يحج برأس مال تجارته الذي ينفق على نفسه وأهله من ربحها، إذا كان سيترتب على نقص رأس المال نقصُ الأرباح بحيث لا تكفيه وأهله.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (5/12) :
"ومن له عقار يحتاج إليه لسكناه , أو سكنى عياله , أو يحتاجه إلى أجرته لنفقة نفسه أو عياله , أو بضاعة متى نقصها اختل ربحها فلم يكفهم , لم يلزمه الحج" انتهى.
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
أنا مواطن مصري ورب أسرة من طفلين وزوجة، وراتبي في مصر لا يكاد يكفي ضرورات الحياة، وليس لي أي دخل آخر، وعملت بإحدى دول الخليج 4 سنوات، وتوفر لي مبلغ من المال، ووضعته في بنك إسلامي ليدر علي دخلاً يساعد في مواجهة أعباء الحياة المختلفة، بحيث الراتب وهذا الدخل يكفيني بصورة معتدلة أنا وأسرتي، فهل أنا مكلف باقتطاع جزء من هذا المبلغ لنفقات الحج، وهل أنا مكلف بالحج في ضوء هذه الظروف؟ علماً بأنني إذا اقتطعت مبلغ نفقات الحج من حسابي في البنك سوف يؤثر هذا على دخلي الشهري، ويرهقني مادياً.
فأجابوا:
"إذا كانت حالتك كما ذكرت فلست مكلفاً بالحج؛ لعدم الاستطاعة الشرعية، قال الله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) آل عمران/97، وقال: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/16، وقال: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) الحج/78.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/35، 36) .
وعلى هذا؛ فلا يجب عليك الحج، ما دمت محتاجاً للمال الذي معك لنفقاتك ونفقات أولادك.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3714)
زوجته ترضع فهل يؤخر الحج إلى العام القادم
[السُّؤَالُ]
ـ[نويت الحج هذا العام، لكن زوجتي ترضع، فقررت تأجيل الحج إلى السنة القادمة إن شاء الله، مع العلم أن حالتي المادية ميسرة والحمد لله؛ فهل علي شيء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كنت قد حججت حج الفريضة، فأنت مخير في حج التطوع بين أن تأتي به هذا العام، أو تؤخره لعام قادم نظرا لما ذكرت من انشغالك بأهلك أو رغبتك في مرافقتهم لك ونحو ذلك، ولك ألا تأتي به أصلا؛ لأنه تطوع غير مفروض.
وإذا كان السؤال عن حج الفرض، فهذا ينبني على كون الحج واجبا على الفور أو على التراخي، وفي ذلك خلاف بين الفقهاء، والراجح أنه واجب على الفور، فمن ملك الزاد والراحلة وجب عليه أن يحج، ولم يجز له تأخيره، وانظر السؤال رقم (41702) .
وبناء على ذلك: فإن كان تركك لأهلك لا يترتب عليه مضرة لها أو لرضيعها، لزمك الحج هذا العام، وليس لك تأخيره رغبة في ذهاب أهلك معك.
وأما زوجتك فإن كان لديها من المال ما تحج به، أو تبرعتَ أنت لها بنفقة الحج، ولم يكن عليها أو على رضيعها مضرة في ذهابها للحج، أو كان يمكنها تركه لدى من يرعاه ويقوم عليه، لزمها الحج، وإلا جاز لها التأخير.
والمقصود أنه قد يجب الحج على الزوج، ولا يجب على الزوجة، بالنظر لتوفر الشروط أو وجود الموانع، فلا يؤخر الزوج حجه الواجب رغبة في اصطحاب أهله للحج.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ما نصه: " زوجتي لم تؤد فريضة الحج إلى الآن، ولدينا طفل عمره أربعة أشهر وهو يرضع من أمه، فهل تحج أم تبقى عند طفلها، وهل الأفضل إذا حجت أن تأخذ حبوباً لإيقاف دم الحيض أم لا تأخذ أفيدونا وفقكم الله؟ فأجاب: " إذا كان الطفل لا يتأثر ولا يتضرر بسفرها عنه، بأن يرضع من لبن غير لبن أمه، وعنده من يحضنه حضانة تامة، فلا حرج عليها أن تحج خصوصاً إذا كانت فريضة، أما إذا كان يخشى على الطفل، فإنه لا يحل لها أن تحج ولو كانت حجة الفريضة؛ لأن المرضع يباح لها أن تدع صيام الفرض إذا خافت على ولدها، فكيف لا تدع المبادرة بالحج إذا خافت على الولد؟ فإذا خافت على الولد فإن الواجب أن تبقى، وإذا كبر في العام القادم حجت، ولا حرج عليها إذا بقيت وتركت الحج؛ لأن الحج في هذه الحالة لا يجب عليها على الفور.
أما استعمال الحبوب في الحج أو في العمرة فلا بأس بها؛ لأن هذه حاجة، ولكن يجب أن تستأذن الطبيب وأن تراجعه؛ لأنه قد تكون الحبوب ضارة فتضرها " انتهى من "اللقاء الشهري" (10/25) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3715)
أحرم بالحج ومُنع من دخول مكة
[السُّؤَالُ]
ـ[ذهب أحد الزملاء إلى الحج، وأحرم من ميقات المدينة واتجه إلى مكة وهناك وعند نقطة الحراسة أمروه بالرجوع لأنه ليس معه تصريح للحج، فرجع وخلع ملابس الإحرام، هل تعتبر حجته عليها ثواب في ذلك بالرغم أنه لم يدخل مكة وكان قد أحرم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"أولاً: لا إثم عليه في تحلله من إحرامه ورجوعه دون أن يتم حجه؛ لأنه مغلوب على أمره، والله عليم بحاله رحيم بعباده، فيجزيه على قدر ما فعل من أعمال الحج بإخلاص.
ثانياً: من كان قد اشترط عند إحرامه بأنه إن حبسه حابس فمحله حيث حبس فلا يلزمه شيء، وإن لم يكن قد اشترط ذلك فعليه هدي يذبحه حيث أحصر؛ لقوله تعالى: (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ) البقرة/196، ثم يحلق رأسه أو يقصر؛ وبذلك يكون حله من إحرامه.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (11/350) .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عن رجل حج بدون تصريح فمنع من دخول مكة فماذا يلزمه؟
فأجاب: "إن كان قال عند الإحرام: إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني فيحل ولا شيء عليه، وإذا لم يشترط فالواجب عليه أن يذبح هدياً لقوله تعالى: (فإن أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ) البقرة/196. ويتحلل [أي: يحلق أو يقصر] حيث أحصر" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/433) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3716)
توفير السكن مقدم على الحج
[السُّؤَالُ]
ـ[أقيم الآن أنا وزوجتي في اليمن وإلى هذا الوقت لا نملك السكن في بلدنا، علماً أنني أملك مبلغاً من المال وإلى الآن لم نحج حجَّ الفريضة، فهل يجب علينا الحج الآن فوراً ما دمنا قادرين مادياً، ولو كنا لا نملك بيتاً؟ أم نشتري أولاً مسكناً نسكن فيه ثم بعد ذلك إن كنا قادرين على الحج حججنا، وإلا أجلناه إلى القدرة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" من المعلوم أن الله سبحانه وتعالى أوجب الحج على المستطيع، قال الله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) آل عمران/97، وذلك بأن يملك الزاد والراحلة، ويكون هذا الزاد وهذا المركوب فاضلاً عن كفايته من مسكنه ومصروفه، ومصروف أولاده إلى أن يرجع، فإذا كان المبلغ الذي بأيديكم لا يُغطي حاجاتكم الضرورية، ومنها المسكن، فإنه لا يجب عليكم الحج حتى توفروا حوائجكم الضرورية؛ فإذا زاد بأيديكم شيء حججتم، ولا يجب عليكم الحج، ولا يلزمكم حتى يتوافر لديكم المال الزائد عن كفايتكم سكناً ونفقة لكم ولأولادكم ومن تجب عليكم نفقتهم" انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (2/493) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3717)
هل يؤجل الحج لحاجته إلى الأموال التي معه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[معي من الأموال ما يكفيني للحج، ولكنني بحاجة إليها، فهل يجوز لي أن أؤجل الحج؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من شروط وجوب الحج الاستطاعة (القدرة) ، لقول الله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا) آل عمران/97.
وهذا يشمل الاستطاعة البدنية والاستطاعة المالية.
أما الاستطاعة البدنية فمعناها أن يكون صحيح البدن ويتحمل مشقة السفر إلى بيت الله الحرام وأداء المناسك.
وأما الاستطاعة المالية فمعناها أن يملك النفقة التي توصله إلى بيت الله الحرام ذهاباً , وإياباً.
قالت اللجنة الدائمة (11/30) :
الاستطاعة بالنسبة للحج أن يكون صحيح البدن وأن يملك من المواصلات ما يصل به إلى بيت الله الحرام من طائرة أو سيارة أو دابة أو أجرة ذلك بحسب حاله، وأن يملك زاداً يكفيه ذهاباً وإياباً على أن يكون ذلك زائداً عن نفقات من تلزمه نفقته حتى يرجع من حجه، وأن يكون مع المرأة زوج أو محرم لها حتى في سفرها للحج أو العمرة اهـ.
ويشترط أن تكون النفقة التي توصله إلى البيت الحرام فاضلةً عن حاجاته الأصلية، ونفقاته الشرعية، وقضاء ديونه.
والمراد بالديون حقوق الله كالكفارات وحقوق الآدميين.
فمن كان عليه دين، وماله لا يتسع للحج وقضاء الدين فإنه يبدأ بقضاء الدين ولا يجب عليه الحج.
ويظن بعض الناس أن العلة هي عدم إذن الدائن، فإذا استأذنه وأذن له فلا بأس.
قال الشيخ ابن عثيمين (الشرح الممتع 7/30) : وهذا الظن لا أصل له، بل العلة هي انشغال الذمة اهـ. بتصرف.
فلو أذن الدائن للمدين بالحج فإن ذمة المدين تبقى مشغولة بالدين، ولا تبرأ ذمته بهذا الإذن، ولذلك يقال للمدين: اقض الدين أولاً ثم إن بقي معك ما تحج به وإلا فالحج غير واجب عليك.
وإذا مات المدين الذي منعه سداد الدين عن الحج فإنه يلقى الله كامل الإسلام غير مضيع ولا مفرط، لأن الحج لم يجب عليه، فكما أن الزكاة لا تجب على الفقير فكذلك الحج.
أما لو قدم الحج على قضاء الدين ومات قبل قضائه فإنه يكون على خطر، إذ إن الشهيد يغفر له كل شيء إلا الدين فكيف بغيره؟!
والمراد بالنفقات الشرعية: النفقات التي يقرها الشرع كالنفقة على نفسه وأهله، من غير إسراف ولا تبذير، فإن كان متوسط الحال وأراد أن يظهر بمظهر الغني فاشترى سيارة ثمينة ليجاري بها الأغنياء، وليس عنده مال يحج به، وجب عليه أن يبيع السيارة ويحج من ثمنها، ويشتري سيارة تناسب حاله.
لأن نفقته في ثمن هذه السيارة الثمينة ليست نفقة شرعية، بل هو إسراف ينهى الشرع عنه.
والمعتبر في النفقة أن يكون عنده ما يكفيه وأهله إلى أن يعود.
ويكون له بعد عودته ما يقوم بكفايته وكفاية من ينفق عليهم كأجرة عقار أو راتب أو تجارة ونحو ذلك.
ولذلك لا يلزمه أن يحج برأس مال تجارته الذي ينفق على نفسه وأهله من ربحها، إذا كان سيترتب على نقص رأس المال نقصُ الأرباح بحيث لا تكفيه وأهله.
سئلت اللجنة الدائمة (11/36) عن رجل له مبلغ من المال في بنك إسلامي وراتبه مع أرباح المال تكفيه بصورة معتدلة، فهل يجب عليه الحج من رأس المال مع العلم أن ذلك سيؤثر على دخله الشهري ويرهقه مادياً؟
فأجابت:
إذا كانت حالتك كما ذكرت فلست مكلفاً بالحج لعدم الاستطاعة الشرعية، قال الله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً) . وقال: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) اهـ
والمراد بالحاجات الأصلية: ما يحتاج إليه الإنسان في حياته كثيراً، ويشق عليه الاستغناء عنه.
مثل: كتب العلم لطالب العلم، فلا نقول له: بع كتبك وحج بثمنها، لأنها من الحوائج الأصلية.
وكذلك السيارة التي يحتاج إليه، لا نقول له بعها وحج بثمنها، لكن لو كان عنده سيارتان وهو لا يحتاج إلا إلى واحدة فيجب عليه أن يبيع إحداهما ليحج بثمنها.
وكذلك الصانع لا يلزمه أن يبيع آلات الصنعة لأنه يحتاج إليها.
وكذلك السيارة التي يعمل عليها وينفق على نفسه وأهله من أجرتها، لا يجب عليه بيعها ليحج.
ومن الحوائج الأصلية: الحاجة إلى النكاح
فإذا كان معه أموال ولكنه محتاج إلى النكاح وسوف يتزوج بها فإنه يقدم النكاح.
راجع السؤال رقم (27120) .
إذاً فالمراد من الاستطاعة المالية أن يفضل عنده ما يكفيه للحج بعد قضاء الديون، والنفقات الشرعية، والحوائج الأصلية.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3718)
ممنوع من السفر فهل ينيب من يحج عنه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن أحج لأخي حيث إنه ممنوع من السفر بسبب قضية منذ عشرين عاما ولا زالت مستمرة إلى الآن ولا ندرى متى تنتهي وهو يخاف أن يتوفى دون أن يحج مع العلم أنها قضية لا تمس الشرف أو الأمانة بل قضية سياسية ويتدخل فيها ذوو النفوذ لمنع انتهاء القضية بالرغم من براءته منه ويشهد الله على ذلك وهو يبلغ الآن 56 عاما.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما دام أخوك يرجو أن يسمح له بالسفر، فيتمكن من الحج بنفسه، فليس له أن ينيب غيره ليحج عنه، بل يصبر وينتظر؛ لأن الإنابة إنما تكون من العاجز الميئوس من زوال سبب عجزه.
وإن قُدّر أنه مات قبل ذلك فلا شيء عليه لأنه معذور، وحينئذ يُحج عنه من تركته، أو يتبرع من يحج عنه.
قال ابن قدامة رحمه الله: " وجملة ذلك أن من وُجدت فيه شرائط وجوب الحج , وكان عاجزا عنه لمانع مأيوس من زواله , كزمانة , أو مرض لا يرجى زواله , أو كان ضعيف الخلق , لا يقدر على الثبوت على الراحلة إلا بمشقة غير محتملة , والشيخ الفاني , متى وجد من ينوب عنه في الحج , ومالاً يستنيبه به , لزمه ذلك. وبهذا قال أبو حنيفة , والشافعي...... ومن يرجى زوال مرضه , والمحبوس ونحوه , ليس له أن يستنيب. فإن فعل , لم يجزئه. وبهذا قال الشافعي. لأنه يرجو القدرة على الحج بنفسه , فلم يكن له الاستنابة , ولا تجزئه إن فعل , وفارقَ المأيوس من برئه ; لأنه عاجز على الإطلاق , آيس من القدرة على الأصل , ولأن النص إنما ورد في الحج عن الشيخ الكبير , وهو ممن لا يرجى منه الحج بنفسه , فلا يقاس عليه إلا من كان مثله " انتهى بتصرف يسير من "المغني" (3/91) وما بعدها.
وأخوك يأخذ حكم المحبوس الذي ذكره ابن قدامة رحمه الله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3719)
هل للطبيبة أن تسافر مع حملة الحج دون محرم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعلم أن حج المرأة بغير محرم غير جائز , وقد سافرت العام الماضي مع إحدى الحملات للحج مع وجود المحرم. هذا العام لا يتوفر لدي محرم ليسافر معي , والحملة ملزمة بسفر طبيبة معها , علما بأنه لا يوجد وقت الآن حتى تجد الحملة طبيبة أخرى. أفيدوني ماذا أفعل أثابكم الله؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للمرأة أن تسافر بدون محرم، ولو كان سفرها للحج الواجب أو العمرة الواجبة، لما روى البخاري (1729) ومسلم (2391) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ، وَلا يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا، وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ. فَقَالَ: اخْرُجْ مَعَهَا) .
وأما حج النافلة، فتمنع المرأة من السفر إليه بلا محرم عند أكثر العلماء، بل حكى بعضهم اتفاق العلماء على ذلك.
وكون الحملة ملزمة بسفر طبيبة معها، والوقت لا يتسع للبحث عن طبيبة أخرى، كل ذلك لا يبيح لك السفر معهم بلا محرم، وكيف يتقرب العبد إلى ربه بالحج أو بمساعدة الآخرين، عن طريق المعصية؟!
نسأل الله لك التوفيق والثبات والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3720)
تعهد صديقه بوفاء دينه فما حكم حجه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قبل أن أتمسك بالتعاليم الإسلامية، اقترضت من البنك قرضا بفائدة لأحد أصدقائي. وقد قطع صديقي عهدا على نفسه أن يقوم بسداد المبلغ. وأريد الآن أن أحج مع والدتي، إلا أنه لن يكون باستطاعته سداد المبلغ قبل الحج (مع العلم أن القرض باسمي) .
فهل يؤثر ذلك على صحة أدائي لفريضة الحج؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحمد لله الذي هداك للتمسك بالإسلام، وما ذكرته لا يؤثّر ذلك على صحّة حجّك فإذا تحقّقت الاستطاعة لديك فاذهب إلى الحجّ، " والاستطاعة بالنسبة للحج أن يكون صحيح البدن وأن يملك من المواصلات ما يصل به إلى بيت الله الحرام من طائرة أو سيارة أو دابة أو أجرة، ذلك حسب حاله، وأن يملك زادا يكفيه ذهابا وإيابا، على أن يكون ذلك زائدا عن نفقات من تلزمه نفقته حتى يرجع من حجه " فتاوى اللجنة الدائمة 11/30
وعليك بالتوبة إلى الله من معاونتك صاحبك على الحرام وقد قال الله تعالى (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) ، وأن تبيّن لصاحبك حكم المسألة وتنصحه أن يتوب ولا يعود، وفّقنا الله وإياك لما يحبّ ويرضى، وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/3721)
الحج على نفقة إحدى الدوائر الحكومية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أملك من المال ما يكفيني والحمد لله وقد وجدت فرصة للعمل أثناء الحج مع أداء هذه الفريضة العظيمة على حساب إحدى الدوائر الحكومية. هل تجوز حجتي أم لا؟ مع العلم أن هذه أول مرة لي في الحج.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز للإنسان أن يحج على نفقة غيره، سواء كان حج فريضة أو نافلةً، كما يجوز له أن يعمل ويتجر ويتكسّب أثناء الحج. وقد أخرج الطبري في تفسيره بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ) البقرة/198
قال: (لا حرج عليكم في الشراء والبيع قبل الإحرام وبعده) .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة ما الحكم فيمن يحج من نفقات الحاكم؟
بمعنى: إذا أراد حاكم من الحكام بأن يعطي رعاياه مبلغاً من المال وقال لهم: حجوا بهذا المال، فهل يجوز لهم بأن يحجوا به أم لا؟ وإذا حجوا به فهل تسقط عنهم حجة الإسلام؟ مع ذكر الدليل لما تقولون.
فأجابوا: " يجوز لهم ذلك، وحجهم صحيح؛ لعموم الأدلة " انتهى.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (11/36) .
انظر جواب السؤال رقم (36841)
ونسأل الله أن يتقبل منا ومنك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3722)
حكم الذهاب للحج والعمرة والدفع بواسطة قروض الائتمان
[السُّؤَالُ]
ـ[انتشرت في الآونة الأخيرة إعلانات من شركات السياحة التي تقوم بتنظيم رحلات الحج والعمرة والتي تعلن فيها عن قيامها بتقسيط تكاليف الرحلات من باب التيسير على راغبي الحج والعمرة، ولاجتذاب أكبر قدر منهم خاصة في ظل حالة الكساد التي تمر بها العديد من الدول، وقلة السيولة المالية في أيدي مواطنيها، وقد أعلنت أيضا بعض الشركات عن قبول الدفع عن طريق كروت الائتمان.
السؤال هو: ما حكم الشرع فيمن يحج ويعتمر بهذه الطريقة؟ وهل يصح الحج أو العمرة في هذه الحالة - خاصة أن بعض الفقهاء قد أفتى بجواز تمويل الحج عن طريق القروض التي تسدد على أقساط مناسبة كنوع من التيسير في ظل الارتفاع الشديد في تكاليف الرحلات -؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحج أحد أركان الإسلام، ومبانيه العظام، وهو فرض ثابت بكتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأجمع المسلمون على ذلك.
قال الله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) آل عمران/97.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْس: شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ) رواه البخاري (8) ومسلم (16) .
ولا يجب الحج إلا على المستطيع، ومن الاستطاعة: القدرة المالية، والقدرة البدنية للسفر وأداء المناسك.
ولا يكلف الإنسان بالاستدانة للحج؛ ولا يستحب له أن يفعل ذلك، فإن خالف واستدان فالحج صحيح إن شاء الله تعالى.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: بعض الناس يأخذ سلفيات من الشركة التي يعمل بها، يتم خصمها من راتبه بالتقسيط ليذهب إلى الحج، فما رأيكم في هذا الأمر؟
فأجاب:
" الذي أراه أنه لا يفعل؛ لأن الإنسان لا يجب عليه الحج إذا كان عليه دَيْن، فكيف إذا استدان ليحج؟! فلا أرى أن يستدين للحج؛ لأن الحج في هذه الحال ليس واجباً عليه، ولذا ينبغي له أن يقبل رخصة الله وسعة رحمته، ولا يكلف نفسه دَيْناً لا يدري هل يقضيه أو لا؟ ربما يموت ولا يقضيه ويبقى في ذمته " انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (21/93) .
أما إن كانت استدانته بقرض ربوي ليحج، فإن هذا من أكبر الكبائر.
وتحريم الربا أشهر من أن يُستدل له. قال الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278، 279.
وقال تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) البقرة/275.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ. رواه مسلم (1597) .
فكيف يرضى مسلم أن يفعل كبيرة توعد الله تعالى بالحرب عليها من أجل أن يحج، وهو غير واجب عليه إذا لم يكن مستطيعاً.
وقد سبق في جواب السؤال (20107) ، (11179) بيان تحريم القروض الائتمانية وأنها نوع من الربا.
أما من حيث صحة الحج فإنه يصح ولو كان المال الذي يحج به حراماً، ولكنه ليس حجاً مبرورا.
حتى قال بعض الأئمة:
إذَا حَجَجْت بِمَالٍ أَصْلُهُ سُحْتٌ فَمَا حَجَجْت وَلَكِنْ حَجَّتْ الْعِيرُ
لا يَقْبَلُ اللَّهُ إلا كُلَّ طَيِّبَةٍ مَا كُلُّ مَنْ حَجَّ بَيْتَ اللَّهِ مَبْرُورُ.
و (العير) الدابة التي يركبها الحاج. (أي: الحمار) .
انظر السؤال (34517) .
قال النووي رحمه الله:
إذا حج بمال حرام أو راكباً دابة مغصوبة أثم وصح حجه وأجزأه عندنا، وبه قال أبو حنيفة ومالك والعبدري، وبه قال أكثر الفقهاء.
" المجموع " (7 / 40) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة:
ما حكم من حج من مال حرام – يعني: فوائد بيع المخدرات - ثم يرسلون تذاكر الحج لآبائهم ويحجون، مع علم بعضهم أن تلك الأموال جمع من تجارة المخدرات، هل هذا الحج مقبول أم لا؟ .
فأجابوا:
كون الحج من مال حرام لا يمنع من صحة الحج، مع الإثم بالنسبة لكسب الحرام، وأنه ينقص أجر الحج، ولا يبطله.
" فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " (11 / 43) .
وفي الباب حديث مشهور لكنه ضعيف:
عن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن حج بمال حرام فقال: لبيك اللهم لبيك، قال الله عز وجل: لا لبيك ولا سعديك وحجك مردود عليك) .
قال ابن الجوزي:
وهذا لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. " العلل المتناهية " (2 / 566) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3723)
هل يحج أم يكمل دراسته
[السُّؤَالُ]
ـ[منذ أيام قرأت سورة آل عمران التي يفرض الله الحج فيها على الرجال. وهذا آخر فصل دراسي لي في أمريكا. ومعي مبلغ حوالي 2000 دولار أمريكي ومع هذا أخشى إن أنفقت المبلغ في الحج فسوف تغضب أمي فإنه لا تحب التزامي بالإسلام وفي نفس الوقت لا أدري إن كان هناك فرص أخرى لذهابي إلى الحج والمال لدراستي تدفعه الحكومة وسوف أعود لأعمل 5 سنوات في الحكومة ولا أعرف إن كنت سوف يكون لدي المال الكافي مرة ثانية للحج أم لا. ومن ناحية أخرى إذا استطعت توفير بعض المال فسوف أشتري سيارة لكي تصبح أمي غنية. فقد ربتني منذ أن كان عمري 3 سنوات حين مات أبي ولم يكن هناك أقارب طيبون.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحج فرضٌ من فروض الإسلام، وركنٌ من أركانه، ودعامةٌ من دعائمه، لايجوز للمستطيع تأخيره ولا التردد في أدائه، ولا طاعة لأحدٍ في معصية الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا، ومن كفر فإن الله غنيٌّ عن العالمين) . وقال صلى الله عليه وسلم: " بني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت ". فلا يجوز لك أن تُرضي والدتك في معصية الله سبحانه، عليك أن تبرها وتحسن إليها لكن في غير معصية، فمن أرضى الناس بسخط الله عليه، سخط الله عليه وأسخط عليه الناس.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الكريم الخضير(5/3724)
هل تأخذ نفقة الحج من زوجها بائع المحرمات
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي يملك مطعماً يبيع فيه الخمر والخنزير، لي طفلان وأود الذهاب للحج إن شاء الله بعد سنتين، قال زوجي بأنه سيدفع التكاليف لأنه لا يوجد لي أي مصدر للدخل المالي ولا أريد أن يربي أطفالي أي شخص آخر، فهل هذا جائز؟
ماذا يجب أن أفعل؟ أعلم بأنني وأطفالي لا زلنا صغار في السن ولكنني أريد الحج فماذا أفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا السؤال التالي على فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين:
زوجها يبيع الخمر والخنزير هل يجوز أن تأخذ منه نفقة لحج الفريضة؟
فأجاب حفظه الله بقوله:
لا.....لا يجوز وتعتبر من غير القادرين.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الله بن جبرين(5/3725)
حكم الحج قبل قضاء الدَّين
[السُّؤَالُ]
ـ[بسبب خسارة زوجي في التجارة، فإن عليه ديون كبيرة جدا تجاه البنوك وبعض الأقارب، وسوف يستغرق سداد تلك الديون سنوات عديدة. فهل يجوز لنا أن نذهب للحج أو العمرة ونحن في هذه الحالة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من شروط الحج الاستطاعة، ومن الاستطاعة: الاستطاعة المالية، ومن كان عليه دَيْن مطالبٌ به بحيث أن أهل الدَّين يمنعون الشخص عن الحج إلا بعد وفاء ديونهم فإنه لايحُجّ، لأنه غير مستطيع، وإذا لم يطالبوه ويعلم منهم التَّسامح فإنه يجوز الحج ويكون صحيحاً، ويجوز الحج كذلك إذا كان الدَّين غير محدد الوقت للقضاء بميعادٍ معيَّن، ويكون قضاؤه متى تيسر، وقد يكون الحج سبب خير لأداء الدين. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
انظر فتاوى اللجنة الدائمة 11/46، وفتاوى إسلامية 2/190.(5/3726)
عليه دين ويريد أن يحج
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي قرض من البنك وأريد أن اذهب للعمرة وأعلم أنني يجب أن أسدد ديوني كلها قبل أن اذهب للحج أو العمرة. فهل يمكن أن تخبرني بالطريقة الصحيحة والحدود في ذلك إسلاميا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إن كان هذا القرض ربوياً فهو محرم وكبيرة من كبائر الذنوب وموبقة من الموبقات السبعة وقد حرمته الأمم كلها حتى الإغريق عبدة الأوثان قال أحدهم واسمه صولون: المال كالدجاجة العقيمة فالدرهم لا يلد درهماً.
وجاء في عقيدة النصارى أن آكل الربا لا يكفن إذا مات حتى اليهود فإنهم يحرمون الربا.
وأما الإسلام فقد حرمه بما لا يدع مجالاً لأحد أن يشك في التحريم.
قال الله تعالى {وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} البقرة / 275.
وقال {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين} البقرة / 278.
وأبي جحيفة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الدم وثمن الكلب وكسب الأمة ولعن الواشمة والمستوشمة وآكل الربا وموكله ولعن المصور. رواه البخاري (2123) .
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله. رواه مسلم (1597) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " اجتنبوا السبع الموبقات قالوا يا رسول الله وما هن قال الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات ". رواه البخاري (2615) ومسلم (89) .
وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرض مقدسة فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم فيه رجل قائم وعلى وسط النهر رجل بين يديه حجارة فأقبل الرجل الذي في النهر فإذا أراد الرجل أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه (أي فمه) فرده حيث كان فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر فيرجع كما كان فقلت ما هذا فقال الذي رأيته في النهر آكل الربا. رواه البخاري (1979) .
فالواجب عليك التوبة إلى الله من هذا العمل أما إن كان هذا القرض قرضاً حسناً لا يدخله الربا فلا بأس به.
ثانياً:
أما الحج: فالذي لا يستطيع أن ينفق على نفسه لضيق ذات اليد لا يجب عليه الحج، ولكن أي الأمرين أولى الحج أم سداد الديون؟
الراجح: أن الدَّين أولى لأن المدين لا يلزمه الحج إذ من شروط الحج الاستطاعة.
فإن تعارض حجك مع قضاء الدين فقدِّم قضاء الدين، ولكن إن لم يتعارض كتأخر وقت السداد، أو صبر صاحب الدين على دينه فالصحيح أنه لا بأس بالحج أو العمرة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
يجوز أن يحج المدين المُعسر إذا حجّجه غيره ولم يكن في ذلك إضاعة لحق الدين إما لكونه عاجزاً عن الكسب وإما لكون الغريم غائباً لا يمكن توفيته من الكسب. " مجموع الفتاوى " (26 /16) .
وذلك كله بشرط الاستطاعة التامة مع سداد ديون من يطالبك وقد حل الأجل للقضاء إن كنت مديناً لأكثر من دائن مع تيسر الراحلة والزاد وما يلزمك لإصلاح شأنك في السفر غير مضيع لعيالك أو من تجب عليك نفقتهم.
بحيث تترك لهم ما يسد حاجتهم وإن لم تفعل فقد أثمت وضيعت من ألزمك الله رعايته.
عن خيثمة قال: كنا جلوسا مع عبد الله بن عمرو إذا جاءه قهرمان له فدخل فقال أعطيت الرقيق قوتهم قال لا قال فانطلق فأعطهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كفى بالمرء إثما أن يحبس عمن يملك قوته ". صحيح مسلم (996) .
وقد جاء عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت ". رواه أبو داود (1692) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3727)
هل هناك سن لا تحتاج فيه المرأة لمحرم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا آنسة في سن 38، مدرِّسة، لم أتزوج بعدُ، الوالد متوفى، وأنا أعول والدتي إلى حد ما في نفقات المنزل، رغبت في الحج، وتقدمت، وفزت بالقرعة، ولكن أحتاج لمحرم، وأخي المحرم لا يملك النفقات الخاصة به، وأعلم أنني يجب أن أسدد عنه، ولكن أنا مستقبلا في حاجة لما معي، فقررت أن أؤجل الفريضة إلى سن لا أحتاج فيه لمحرم، ما جزاء هذا الفعل؟ أرجوكم إفادتي لشدة قلقي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يجب الحج إلا على المستطيع لقول الله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا) آل عمران/97. ومن الاستطاعة بالنسبة للمرأة أن تجد محرماً ويوافق على السفر معها، فإذا لم تجد لم يجب عليها الحج.
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (11/93) : من شروط الحج الاستطاعة، ومن الاستطاعة وجود المحرم للمرأة، فإذا فقد المحرم فلا يجوز لها السفر، ولا يجب عليها الحج إلا بوجوده وموافقته على السفر معها، قال تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا) آل عمران/97.
راجع السؤال رقم (316) ، (5207) ، (34380) .
ثانياً:
ليس هناك سن تبلغه المرأة لا تحتاج فيه لمحرَم، بل في جميع سني عمرها بعد بلوغها لا يحل لها السفر إلا مع ذي محرم، من غير تفريق بين شابة وعجوز، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم) رواه البخاري ومسلم.
وقد سبق بيان هذا في أجوبة الأسئلة: (47029) و (25841) .
ثالثاً:
إن وجدت المرأة محرَماً: وجبت عليها نفقته.
قال ابن قدامة – رحمه الله -:
ونفقة المحرم في الحج عليها، نص عليه أحمد؛ لأنه من سبيلها، فكان عليها نفقته كالراحلة، فعلى هذا يعتبر في استطاعتها أن تملك زادا وراحلة لها ولمحرمها. " المغني " (3 / 99) .
وقال السرخسي:
المحرم إذا كان يخرج معها فنفقته في مالها. " المبسوط " (4 / 163) .
رابعاً:
وأما تأخيرك للحج بسبب حاجتك للنفقة، فيراجع السؤال رقم (11534) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3728)
لديها طفل رضيع فهل يجب عليها الحج؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان للمرأة أولاد صغار، منهم طفل رضيع يصعب عليها أخذه معها في الحج، فهل يجب عليها الحج أو لها أن تؤجله؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" لا حرج على هذه المرأة التي هذه حالها أن تؤخر الحج إلى سنة قادمة، أولاً: لأن كثيراً من العلماء يقولون: إن الحج ليس واجباً على الفور، وأنه يجوز للإنسان أن يؤخره مع قدرته، وثانياً: أن هذه محتاجة للبقاء من أجل رعاية أولادها، ورعاية أولادها من الخير العظيم، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا) فأقول: تنتظر إلى العام القادم، ونسأل الله أن ييسر لها أمرها، ويقدر لها ما فيه الخير " انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
"فتاوى ابن عثيمين" (21/66) .(5/3729)
الحج على نفقة الغير
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة قدمت إلى المملكة وتيسر لها أداء فريضة الحج على نفقة المضيف، وتسأل هل تجزئ هذه الحجة عن حجة الإسلام، والحال أنها لم تنفق على حجها من مالها شيئاً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أداؤها فريضة الحج لا يؤثر على صحته أنها لم تنفق عليه شيئاً من مالها، أو أنها أنفقت الشيء القليل، وقام غيرها بإنفاق الشيء الكثير من تكاليف حجها، وعليه فإذا كان حجها مستكملاً الشروط والأركان والواجبات فهو مسقط عنها فريضة الحج، وإن قام غيرها بتكاليفه.
وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (فتاوى اللجنة 11/34) .(5/3730)
حج من عليه دين
[السُّؤَالُ]
ـ[أخذت من البنك العقاري مبلغاً قدره مائتان وواحد وخمسون ألف وتسعمائة ريال يدفع أقساطاً سنوية، هل يحق لي أن أحج وهذا المبلغ علي للبنك العقاري؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الاستطاعة على الحج شرط من شروط وجوبه، فإن قدرت عليه وعلى دفع القسط المطلوب منك حين الحج لزمك أن تحج، وإن تواردا عليك جميعاً ولا تستطيعهما معاً فقدم تسديد القسط الذي تطالب به، وأخر الحج إلى أن تستطيعه؛ لقول الله سبحانه وتعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً) آل عمران / 97.
وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (11/45)(5/3731)
إذن الدائن للمدين بالحج
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أراد المسلم أن يؤدي فريضة الحج وهو عليه دين، فهل إذا استأذن من صاحب أو أصحاب الدين وسمح له بالحج فهل حجه صحيح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الواقع كما ذكر من سماح الدائن أو الدائنين لك في الحج قبل تسديد ما عليك لهم من الدين فلا حرج عليك في أداء الحج قبل التسديد، ولا تأثير لكونك مديناً لهم على صحة حجك في مثل هذه الحالة.
وبالله التوفيق
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (11/46)(5/3732)
يساعد والديه على الحج وهو لم يحج
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للإنسان أن يرسل والديه إلى الحج قبل أن يذهب هو إلى الحج؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحج فريضة على كل مسلم حر عاقل بالغ مستطيع السبيل إلى أدائه، مرة في العمر. وبر الوالدين وإعانتهما على أداء الواجب أمر مشروع بقدر الطاقة، إلا أن عليك أن تحج عن نفسك أولاً، ثم تعين والديك إن لم يتيسر الجمع بين حج الجميع، ولو قدمت والديك على نفسك صح حجهما.
وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (11/70)(5/3733)
ليس له مال ويريد الحج عن غيره بمقابل
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل لم يحج عن نفسه، وليس عنده مال يحج به، هل يحوز له أن يأخذ مالاً ليحج عن رجل ميت أو كبير في السن؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للإنسان أن يحج عن غيره قبل حجه عن نفسه، والأصل في ذلك ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول: لبيك عن شبرمة، قال: (حججت عن نفسك؟) قال: لا، قال: (حج عن نفسك، ثم عن شبرمة) رواه أبو داوود وصححه الألباني في الإرواء (994)
وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (11/50)(5/3734)
دخلي يساوي مصاريفي، فهل عليَّ حج؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا رب أسرة من طفلين وزوجة، وراتبي لا يكاد يكفي ضرورات الحياة، وليس لي أي دخل آخر، وعملت بإحدى دول الخليج 4 سنوات، وتوفر لي مبلغ من المال، ووضعته في بنك إسلامي ليدر علي دخلاً يساعد في مواجهة أعباء الحياة المختلفة، بحيث أن الراتب وهذا الدخل يكفيني بصورة معتدلة أنا وأسرتي، فهل أنا مكلف باقتطاع من هذا المبلغ نفقات الحج، وهل أنا مكلف بالحج في ضوء هذه الظروف؟
علماً بأنني إذا اقتطعت مبلغ نفقات الحج من حسابي في البنك سوف يؤثر هذا على دخلي الشهري، ويرهقني مادياً. فبماذا تشيرون عليَّ يا فضيلة الشيخ؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كانت حالتك كما ذكرت فلست مكلفاً بالحج؛ لعدم الاستطاعة الشرعية، قال الله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً) آل عمران / 97، وقال: (فاتقوا الله ما استطعتم) التغابن / 16، وقال: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) الحج / 78
وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (11/35)(5/3735)
هل يقترض من صاحب العمل ليحج؟
[السُّؤَالُ]
ـ[صاحب العمل رجل يحب الخير وقد قام بإنشاء صندوق للحج للعاملين على أن يتحمل هو نصف مصاريف الحج لكل فرد، وباقي الأفراد يقومون بسداد النصف الآخر عن طريق القسط، فما هو مدى صحة هذا الحج؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله تعالى أن يجزي صاحب هذا العمل خير الجزاء، وأن يكثر في المسلمين من أمثاله، الذين ييسرون على إخوانهم المسلمين، ويعينونهم على طاعة الله تعالى.
وحجك بهذه الطريقة صحيح ولا حرج فيه إذا كنت قادراً على سداد هذا القسط من راتبك، أما إذا كان راتبك لا يكفي لسداد هذا القسط، بحيث ستقع بسبب هذا الدَّيْن في المماطلة أو التضييق على من تنفق عليهم فالأولى لك أن تؤجل الحج حتى ييسر الله لك.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله عمن يقترض ليحج، فأجاب:
لا حرج في ذلك إذا كان يستطيع الوفاء اهـ.
فتاوى ابن باز (16/393) .
ونصف التكاليف الذي يتحمله صاحب العمل يعتبر هدية، ولا بأس في قبولها والحج بها. راجع السؤال رقم (36990) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3736)
السفر بدون محرم للضرورة
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجة صديق تحتاج للسفر من تونس إلى فرنسا، حيث كانت تعيش مع عائلتها قبل الزواج، حتى يتسنى لها حضور موعد للحصول على الجنسية الفرنسية، حتى تستطيع فيما بعد زيارة عائلتها بدون مشاكل. علما بأن زوجها سيوصلها إلى المطار قبل السفر بالطائرة، وأن أباها سيستقبلها في المطار عند الوصول. هل يجوز لها ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل الذي قررناه في فتاوى عدة أنه لا يجوز للمرأة أن تسافر بلا محرم، سواء كان السفر سفرَ قربة كالحج وزيارة الوالدين وبرهما، أو سفراً مباحا لغير ذلك من الأغراض.
وقد دل على ذلك النص والاعتبار، فمن ذلك:
1- قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ وَلا يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ فَقَالَ اخْرُجْ مَعَهَا) رواه البخاري (1862) .
وروى مسلم (1339) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ) وقد رويت أحاديث كثيرة في النهي عن سفر المرأة بلا محرم وهي عامة في جميع أنواع السفر.
2- ولأن السفر مظنة التعب والمشقة، والمرأة لضعفها تحتاج لمن يؤازرها ويقف إلى جوارها، وقد ينزل بها ما يفقدها صوابها، ويخرجها عن طبيعتها، في حال غياب محرمها، وهذا مشاهد معلوم اليوم لكثرة حوادث السيارات وغيرها من وسائل النقل.
وأيضا: سفرها بمفردها يعرضها للإغراء والمراودة على الشر، لاسيما مع كثرة الفساد، فقد يجلس إلى جوارها من لا يخاف الله، ولا يتقيه، فيزين لها الحرام. فمن تمام الحكمة أن تصاحب محرما في سفرها؛ لأن الهدف من وجود محرمها حفظُها وصيانتها والقيام بأمرها، والسفر عرضة لوقوع الأشياء الطارئة بغض النظر عن المدة.
قال النووي رحمه الله: " فَالْحَاصِل أَنَّ كُلّ مَا يُسَمَّى سَفَرًا تُنْهَى عَنْهُ الْمَرْأَة بِغَيْرِ زَوْج أَوْ مَحْرَم " انتهى.
وقد حكى غير واحد من العلماء اتفاق الفقهاء على منع سفر المرأة بلا محرم، إلا في مسائل مستثناة.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " قال البغوي: لم يختلفوا في أنه ليس للمرأة السفر في غير الفرض (الحج الواجب) إلا مع زوج أو محرم، إلا كافرة أسلمت في دار الحرب أو أسيرة تخلصت. وزاد غيره: أو امرأة انقطعت من الرفقة فوجدها رجل مأمون فإنه يجوز له أن يصحبها حتى يبلغها الرفقة " انتهى من "فتح الباري" (4/76) .
وسفر المرأة إلى الحج الواجب بلا محرم، اختلف العلماء في جوازه، والصحيح من أقوال العلماء: أنه لا يجوز، وسبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم 34380
هذا هو الأصل في هذا الباب، فليس للمرأة أن تسافر بلا محرم، ويجب أن يصحبها المحرم خلال السفر كله، ولا يكفي أن يوصلها زوجها إلى المطار ويستقبلها والدها في البلد الآخر، لكن حيث وجدت الضرورة فلا حرج؛ لأن الضرورات تبيح المحظورات.
وعليه، فإذا كان حصول زوجة صديقك على الجنسية الفرنسية يرفع عنها ضررا معتبرا، ولم يمكن لمحرمها مرافقتها في السفر، فلا حرج أن تسافر بمفردها على النحو الذي ذكرت، كما لا حرج أن تحصل على هذه الجنسية.
وقد سئل الشيخ ابن جبرين حفظه الله: " ما حكم سفر المرأة وحدها في الطائرة لعذر، بحيث يوصلها المحرم إلى المطار ويستقبلها محرم في المطار الآخر؟
الجواب:
لا بأس بذلك عند المشقة على المحرم، كالزوج أو الأب، إذا اضطرت المرأة إلى السفر، ولم يتيسر للمحرم صحبتها، فلا مانع من ذلك بشرط أن يوصلها المحرم الأول إلى المطار، فلا يفارقها حتى تركب الطائرة، ويتصل بالبلاد التي توجهت إليها، ويتأكد من محارمها هناك أنهم سوف يستقبلونها في المطار، ويخبرهم بالوقت الذي تَقْدُمُ فيه ورقم الرحلة.. لأن الضرورات لها أحكامها، والله أعلم وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم "
انتهى من "فتاوى ابن جبرين".
وينظر: سؤال رقم (14235) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3737)
هل تسافر بلا محرم أم تبقى وحدها أو في بيت خالها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالبة في الجامعة المصرية ومعي أهلي في مصر، وأنا لست أسكن معهم لأن الجامعة التي أدرس بها بعيدة عن بلدي وأسكن بمدينة الطالبات تابعة للجامعة، ووالدي يعمل في السعودية ونذهب إليه في الصيف، وكنت أذهب دائما برفقتهم إلى السعودية، وفي هذا العام ستنتهي دراستي في أول رمضان، وهم مضَطرون للذهاب حتى لا تنتهي إقامتهم ولا يسمح لهم بالدخول، وأستطيع الحصول على امتداد لإقامتي فقط من السفارة لأجل الدراسة، فهل يجوز أن أسافر بدون محرم بعد انتهاء الدراسة، وسيوصلني خالي إلى المطار، وينتظرني أبي بمطار جدة والمدة ساعة ونصف، وإذا لم أسافر سأعود للبيت وأبقى وحدي أو أبقى عند خالي، ولديه أبناء كبار وأنا محجبة، فما الحكم فى سفري؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للمرأة أن تسافر بلا محرم، سواء كان السفر سفرَ قربة كالحج وزيارة الوالدين وبرهما أو سفراً مباحا كالسياحة وغير ذلك، والدليل على ذلك ما يلي:
1- قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ وَلا يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ فَقَالَ اخْرُجْ مَعَهَا) رواه البخاري (1862) .
وروى مسلم (1339) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ) وقد رويت أحاديث كثيرة في النهي عن سفر المرأة بلا محرم وهي عامة في جميع أنواع السفر.
2- ولأن السفر مظنة التعب والمشقة، والمرأة لضعفها تحتاج لمن يؤازرها ويقف إلى جوارها، وقد ينزل بها ما يفقدها صوابها، ويخرجها عن طبيعتها، في حال غياب محرمها، وهذا مشاهد معلوم اليوم لكثرة حوادث السيارات وغيرها من وسائل النقل.
وقد حكى غير واحد من العلماء اتفاق الفقهاء على منع سفر المرأة بلا محرم، إلا في مسائل مستثناة.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " قال البغوي: لم يختلفوا في أنه ليس للمرأة السفر في غير الفرض (الحج الواجب) إلا مع زوج أو محرم، إلا كافرة أسلمت في دار الحرب أو أسيرة تخلصت. وزاد غيره: أو امرأة انقطعت من الرفقة فوجدها رجل مأمون فإنه يجوز له أن يصحبها حتى يبلغها الرفقة " انتهى من "فتح الباري" (4/76) .
وسفر المرأة إلى الحج الواجب بلا محرم، اختلف العلماء في جوازه، والصحيح من أقوال العلماء: أنه لا يجوز، وسبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (34380) .
وبخصوص حالتك: فإذا تمكن أحد إخوانك من تمديد إقامته، والعودة لاصطحابك في هذا السفر، فهو الواجب عليكم، حتى مع ما فيه من زيادة الكلفة المادية؛ فصيانة جانب الشرع أولى، والحفاظ على الحرمات مقصود شرعي تبذل فيه الأموال؛ وقد قال الله تعالى: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) سبأ /39.
وأما حيث يتعذر عليكم ذلك، فالذي يظهر لنا أن سفرك ـ في هذه الحالة ـ بدون محرم، أثناء فترة الطائرة، هو حالة ضرورة، فنرجو ألا يكون عليك فيه حرج، ثم إنه أخف ضررا من بقائك في بلدك بعيدا عن الأسرة، أو إقامتك في بيت حالك، والحال ما ذكرت.
وقد سئل الشيخ ابن جبرين حفظه الله: " ما حكم سفر المرأة وحدها في الطائرة لعذر، بحيث يوصلها المحرم إلى المطار ويستقبلها محرم في المطار الآخر؟
فقال في جوابه:
" لا بأس بذلك عند المشقة على المحرم، كالزوج أو الأب، إذا اضطرت المرأة إلى السفر، ولم يتيسر للمحرم صحبتها، فلا مانع من ذلك بشرط أن يوصلها المحرم الأول إلى المطار، فلا يفارقها حتى تركب الطائرة، ويتصل بالبلاد التي توجهت إليها، ويتأكد من محارمها هناك أنهم سوف يستقبلونها في المطار، ويخبرهم بالوقت الذي تَقْدُمُ فيه ورقم الرحلة ".
انتهى. من فتاوى الشيخ ابن جبرين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3738)
اصطحاب الخادمة للحج دون محرم لها
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد لدينا خادمة في المنزل بدون محرم، وسوف أقوم بأداء فريضة الحج العام القادم، إن شاء الله، وأود أن أصطحب الخادمة مع عائلتي لأداء الفريضة متكفلاً بجميع لوازمها، فهل يجوز اصطحابها حيث إن الحج قد لا يتوفر لها أداؤه إلا معنا، أفيدونا وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قبل الرد على هذا السؤال أحذر إخواننا الذين أنعم الله عليهم في هذه البلاد بوفرة المال والخيرات من الانهماك في جلب الخادمات، لأن هذا من الترف، بل من الإسراف، حتى أننا نسمع أن بعض الناس لا يكون إلا هو وزوجته في البيت مع تمكن المرأة بالقيام بجميع شؤون المنزل ومع ذلك يجلب خادمة لهما، فأنا أحذر إخواني من هذا الأمر الجارف الذي أصبح لدينا أمراً يتسابق الناس إليه، تقول زوجته: أريد خادمة فيذهب ويأتي لها بخادمة، لذا أنصح ألا يأتي أحد بخادمة إلا للضرورة التي لا بد منها.
ثم الذي أرى أنه إذا كان هناك ضرورة فلا يجلب الإنسان إلا خادمة مسلمة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب، وإذا أتى بخادمة فالذي أراه ألا تكون شابة جميلة، لأنها محل فتنة لا سيما إذا كان عنده شباب، لأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وألا يجلب الخادمة إلا ومعها محرم، لأنه صلى الله عليه وسلم نهى أن تسافر المرأة بلا محرم.
وإذا كانت بمحرم فلا يرد الإشكال الذي سأل عنه، فمحرمها سوف يحج معها، أما إذا لم يكن معها محرم أو أتى بها المحرم ثم عاد فلا يحجون بها، ولا يسافرون بها، بل تبقى عند من يثقون به، فإن لم يكن هناك من يثقون به فتحج معهم للضرورة وحجها صحيح.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى منار الإسلام لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - 2/376.(5/3739)
حكم الحج من غير محرم
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما كان عمر زوجتي 14 سنة حجت مع والدتها وأختيها وزوج أحد أختيها وهو ليس بمحرم لها، لم تكن تعلم ذلك الوقت بأن المرأة يجب أن تحج مع محرم، فهل حجها مقبول أم أنها يجب أن تعيد الحج؟
أرجو أن تذكر بعض الأدلة وبعض آراء العلماء في هذا الموضوع.
جزاك الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: حجها صحيح إن شاء الله، ولكن سفرها بدون مْحرَم أمر مُحرّم ومعصية للرسول صلى الله عليه وسلم، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم) وهذه سافرت بدون محرم، فإن كانت جاهلة فأرجو أن تكون معذورة وعليها الاستغفار، وإن كانت عالمة بالحكم فعليها التوبة والاستغفار.
ولكن يأتي سؤال آخر وهو هل هذه الحجة كافية عن حجة الإسلام؟
إن كانت بالغة حينما حجت تلك المرة فحجتها كافية عن حجة الإسلام ولو بدون محرم، وإن كانت لم تبلغ فلا بد أن تحج مرة أخرى وتكون حجتها الأولى نافلة - والمقصود بالبلوغ أن تظهر إحدى علاماته كالحيض أو الإنبات أو الاحتلام. والغالب أن المرأة في الرابعة عشر تكون بالغة. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/3740)
تريد العمرة ولا تجد محرماً
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أذهب للعمرة ولكن لا يوجد لدي محرم وهذا الأمر يحزنني، فزوجي مشغول دائماً بعمله ولا يستطيع ترك عمله لمدة 8 أو 10 أيام، أرجو أن ترشدني كيف أستطيع أن أعتمر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المرأة التي لا تجد محرماً تسافر معه لا يجب عليها الحج ولا العمرة، وهي معذورة في ترك ذلك، ويحرم عليها السفر للحج أو لغيره من غير محرم، وعليها أن تصبر حتى ييسر الله أحد محارمها ليسافر معها.
وسبل الخير كثيرة، فإذا لم يستطع المسلم فعل بعض العبادات، فإنه يجتهد فيما يستطيعه من العبادات حتى يوفقه الله وييسر له ما لا يستطيعه من العبادات.
ومن فضل الله تعالى على عباده المؤمنين أن العبد إذا عزم على فعل طاعة ولكنه لم يستطع فعلها لعذر، فإنه يثاب الفاعل لها روى البخاري (4423) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَعَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ فَدَنَا مِنْ الْمَدِينَةِ فَقَالَ: (إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلا كَانُوا مَعَكُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ قَالَ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ)
قال علماء اللجنة الدائمة:
المرأة التي لا محرم لها لا يجب عليها الحج؛ لأن المحرم بالنسبة لها من السبيل، واستطاعة السبيل شرط في وجوب الحج، قال الله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً) ، ولا يجوز لها أن تسافر للحج أو غيره إلا ومعها زوج أو محرم لها؛ لما رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم "، فقام رجل فقال: يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، قال: " انطلِق فحج مع امرأتك "، وبهذا القول قال الحسن والنخعي وأحمد وإسحاق وابن المنذر وأصحاب الرأي، وهو الصحيح؛ للآية المذكورة، مع عموم أحاديث نهي المرأة عن السفر بلا زوج أو محرم، وخالف في ذلك مالك والشافعي والأوزاعي، واشترط كل منهم شرطاً لا حجة له عليه، قال ابن المنذر: تركوا القول بظاهر الحديث، واشترط كل منهم شرطاً لا حجة له عليه.
" فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " (11 / 90، 91) .
وقالوا:
إذا كان الواقع كما ذكر - من عدم تيسر سفر زوجك أو محرم لك معك لتأدية فريضة الحج - فلا يجب عليك مادمت على هذه الحال؛ لأن صحبة الزوج أو المحرم لك في السفر للحج شرط في وجوبه عليك، ويحرم عليك السفر للحج وغيره بدون ذلك، ولو مع زوجة أخيك ومجموعة من النساء، على الصحيح من قولي العلماء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم) متفق على صحته، إلا إذا كان أخوك مع زوجته فيجوز السفر معه؛ لأنه محرم لك، واجتهدي في الأعمال الصالحات التي لا تحتاج إلى سفر، واصبري رجاء أن ييسر الله أمرك، ويهيء لك سبيل الحج مع زوج أو محرم.
" فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " (11 / 96) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3741)
هل يشترط المحرم في السفر القصير
[السُّؤَالُ]
ـ[هل المسافة بين القليوبية والقاهرة تعتبر سفراً فيجب أن يكون معي محرم؟ أبي متوفى وأخي الوحيد طالب ويسكن عند كليته، ولا يأتي إلا في نهاية الأسبوع مما يعطل الكثير من الأمور بالنسبة لي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
دلت السنة الصحيحة على أنه لا يجوز للمرأة أن تسافر بلا محرم، وهذا يشمل السفر الطويل والقصير عند جمهور أهل العلم، فكل ما سمي سفرا مُنعت منه المرأة إلا مع محرم.
روى البخاري (1729) ومسلم (2391) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ، وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ، فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا، وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ. فَقَالَ: اخْرُجْ مَعَهَا) .
قال النووي رحمه الله مبيناً أن السفر هنا لا يتقيد بمسافة معينة:
"فالحاصل: أن كل ما يسمى سفرا تنهى عنه المرأة بغير زوج أو محرم، سواء كان ثلاثة أيام أو يومين أو يوما أو بريدا (12 ميلاً) أو غير ذلك؛ لرواية ابن عباس رضي الله عنهما: (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم) ، وهذا يتناول جميع ما يسمى سفرا والله أعلم " انتهى كلام النووي "شرح مسلم" (9/103) .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (17/339) : " يحرم على المرأة السفر بدون محرم مطلقا، سواء قصرت المسافة أم طالت " انتهى.
وينظر جواب السؤال رقم (101520) .
فالمرجع في هذا إلى ما تعارف الناس عليه، فما اعتبره الناس سفراً، فهو سفر، لا يجوز للمرأة الخروج إليه إلا مع محرم.
والخروج من القليوبية إلى القاهرة لا يعتبر في العرف سفراً، بل هناك كثير من مناطق القليوبية الخروج إليها أسهل وأقرب من الخروج من حي من أحياء القاهرة إلى حي آخر.
وعلى هذا، فلا حرج من الخروج من القليوبية إلى القاهرة؛ لقضاء حوائجك بلا محرم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3742)
لا يذهب بوالدته إلى المسجد الحرام خوفا عليها ولكنها تذهب مع السائق
[السُّؤَالُ]
ـ[شخص والدته محبة للخير، ولذا تشق على نفسها بكثرة الطاعات من صيام وقيام مما يسبب لها التعب والمرض، وقد نصحها الأطباء فلم تستجب؟ ولذا فإنه لا يوصلها إلى المسجد الحرام إذا طلبت كنوع من الاحتجاج على فعلها، ومع ذلك فهي تلجأ إلى السائق ليقوم بتوصيلها. فما رأيكم في تصرفها وفي تصرفه معها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"ليس من المشروع، بل ولا من المطلوب من المرء أن يتعبد لله تعالى بعبادات تشق عليه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما وقد قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إنه يقوم الليل ولا ينام، ويصوم النهار ولا يفطر، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ) رواه مسلم (1159) . فالإنسان نفسه عنده أمانة، يجب عليه أن يرعاها حق رعايتها. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اكْلَفُوا مِنْ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا) . وإذا كان الإنسان في الشيء الواجب يقول الرسول صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين رضي الله عنه: (صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ) رواه البخاري (1117) . ولما رفع الصحابة رضي الله عنهم أصواتهم بالذكر قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ) رواه البخاري (2992) أي: لا تكلفوها، امشوا بطمأنينة، كما يمشي الناس في الربيع، والناس في الربيع يمشون بطمأنينة لا يستعجلون في المشي حتى ترتع الإبل، ولا تتكلف المشي.
فنقول لهذه المرأة – نسأل الله تعالى أن يزيدها من فضله رغبة في طاعته – نقول لها: ينبغي لها أن تتمشى في طاعة الله على ما جاء في شريعة الله عز وجل، وألا تكلف نفسها، وأن تتقي الله في نفسها، وأن لا تشق على نفسها لا بالصيام ولا بالقيام ولا بغيره.
وأما ركوبها مع السائق وحدها فهذا محرم، لأنه لا يجوز للمرأة أن تخلو برجل غير محرم لها في السيارة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ) رواه البخاري (5233) وهذا النهي عام، أما السفر فلا تسافر المرأة بلا محرم، ولو كان معها غيرها. فهنا أمران: خلوة وهي حرام في الحضر والسفر، وسفر وهو حرام إلا بمحرم.
فهذه المرأة تقع فيما حرم الله عز وجل لإدراك أمر ليس بواجب عليها.
أما بالنسبة لامتناع الابن عن إيصالها إلى المسجد الحرام فإن هذا إذا كان قصده لعلها تمتنع فهذا طيب، لكن المشكلة أنها مصرة على الذهاب، فأرى أن لا يمتنع ما دامت إذا لم يذهب بها طلبت من السائق أن يذهب معها، وهو غير محرم، فالذي أرى، ألا يمتنع إذا كانت مصممة على الذهاب" انتهى باختصار.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" فتاوى الصيام (127- 130) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3743)
هل تجوز عمرة بناتها بلا محرم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد السفر للعمرة مع أولاد أخي ومعي بناتي فهل تجوز عمرة بناتي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
يجوز أن تسافري للعمرة مع أبناء أخيك لأنهم محارم لك.
وأما بناتك فإن كن بالغات فلا يجوز لهن السفر من غير محرم؛ لما روى البخاري (1729) ومسلم (2391) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ، وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ، فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا، وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ. فَقَالَ: اخْرُجْ مَعَهَا) .
ولا فرق بين سفر المرأة للحج أو للعمرة أو لغير ذلك، فالجميع يشترط له المحرم؛ لعموم الأحاديث، بل ولما جاء في هذا الحديث من أن المرأة خرجت للحج، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم زوجها أن يخرج معها ويدع الجهاد.
وإذا لم تجد المرأة محرما، لم تجب عليها العمرة ولا الحج.
وإذا خرجت بلا محرم، كانت آثمة بذلك.
وينظر جواب السؤال رقم (25841) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3744)
هل يكفي أن يوصلها زوجها إلى المطار ويستقبلها أخوها في بلدها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعيش أنا وزوجتي وأولادي في فرنسا لأسباب ما، لا أستطيع زيارة العائلة في بلدي هذا الصيف، ولكن زوجتي مصرة على الذهاب وحدها مع الأولاد (3 سنوات وسنة ونصف) رغم علمها بعدم جواز ذلك متعللة بصلة الرحم. 1- هل إذا أوصلتها إلى المطار وكان بانتظارها أخوها.هل هذا جائز؟ 2- ماذا علي أن أعمل إذا أصرت على الذهاب؟ مع العلم أني بإمكاني منعها ولكن سيؤدي إلي وقوع بعض المشاكل]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للمرأة أن تسافر بلا محرم، سواء كان السفر سفرَ قربة كالحج وزيارة الوالدين وبرهما أو سفراً مباحا كالسياحة وغير ذلك، والدليل على ذلك ما يلي:
1- قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ وَلا يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ فَقَالَ اخْرُجْ مَعَهَا) رواه البخاري (1862) .
وروى مسلم (1339) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ) وقد رويت أحاديث كثيرة في النهي عن سفر المرأة بلا محرم وهي عامة في جميع أنواع السفر.
2- ولأن السفر مظنة التعب والمشقة، والمرأة لضعفها تحتاج لمن يؤازرها ويقف إلى جوارها، وقد ينزل بها ما يفقدها صوابها، ويخرجها عن طبيعتها، في حال غياب محرمها، وهذا مشاهد معلوم اليوم لكثرة حوادث السيارات وغيرها من وسائل النقل.
وأيضا: سفرها بمفردها يعرضها للإغراء والمراودة على الشر، لاسيما مع كثرة الفساد، فقد يجلس إلى جوارها من لا يخاف الله، ولا يتقيه، فيزين لها الحرام. فمن تمام الحكمة أن تصاحب محرما في سفرها؛ لأن الهدف من وجود محرمها حفظُها وصيانتها والقيام بأمرها، والسفر عرضة لوقوع الأشياء الطارئة بغض النظر عن المدة.
قال النووي رحمه الله: " فَالْحَاصِل أَنَّ كُلّ مَا يُسَمَّى سَفَرًا تُنْهَى عَنْهُ الْمَرْأَة بِغَيْرِ زَوْج أَوْ مَحْرَم " اهـ.
وقد حكى غير واحد من العلماء اتفاق الفقهاء على منع سفر المرأة بلا محرم، إلا في مسائل مستثناة.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " قال البغوي: لم يختلفوا في أنه ليس للمرأة السفر في غير الفرض (الحج الواجب) إلا مع زوج أو محرم، إلا كافرة أسلمت في دار الحرب أو أسيرة تخلصت. وزاد غيره: أو امرأة انقطعت من الرفقة فوجدها رجل مأمون فإنه يجوز له أن يصحبها حتى يبلغها الرفقة " انتهى من "فتح الباري" (4/76) .
وسفر المرأة إلى الحج الواجب بلا محرم، اختلف العلماء في جوازه، والصحيح من أقوال العلماء: أنه لا يجوز، وسبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (34380)
ولا يكفي ما ذكرت من إيصال الزوجة إلى المطار واستقبال أخيها لها في البلد الآخر، بل لابد من مرافقة الزوج أو المحرم لها طول السفر.
وعلى الزوجة أن تطيع زوجها، لا سيما إذا كان يأمرها بما هو طاعة لله تعالى، وينهاها عما هو معصية له سبحانه.
وعليك أن تبين لها الحكم الشرعي، وأن المؤمن ليس له اختيار مع حكم الله تعالى أو حكم رسوله.
قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) الأحزاب/36.
وقال تعالى: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) النور/51.
وليكن ذلك بالرفق واللين، دون الشدة والعنف.
ونسأل الله لكما التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3745)
هل تذهب مع أمها للعمرة بلا محرم أو تبقى بمفردها في البيت
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لفتاة في سن 26 عام أن تذهب لأداء العمرة مع والدتها وصحبة آمنة، فليس لها محرم كأخ أو أب أو زوج، مع العلم أنها ترغب في أداء العمرة حتى لو لم تكن واجبة عليها بسبب عدم وجود محرم، وهي كذلك ستضطر للجلوس وحدها إذا سافرت أمها للعمرة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المرأة التي لا تجد محرماً تسافر معه لا يجب عليها الحج ولا العمرة، وهي معذورة في ترك ذلك، ويحرم عليها السفر للحج أو لغيره من غير محرم، وعليها أن تصبر حتى ييسر الله لها محرما يسافر معها.
وسبل الخير كثيرة، فإذا لم يستطع المسلم فعل بعض العبادات، فإنه يجتهد فيما يستطيعه من العبادات حتى يوفقه الله وييسر له ما لا يستطيعه من العبادات.
ومن فضل الله تعالى على عباده المؤمنين أن العبد إذا عزم على فعل طاعة ولكنه لم يستطع فعلها لعذر، فإنه يثاب الفاعل لها روى البخاري (4423) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَعَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ فَدَنَا مِنْ الْمَدِينَةِ فَقَالَ: (إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلا كَانُوا مَعَكُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ قَالَ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ) .
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (11 / 90) : " المرأة التي لا محرم لها لا يجب عليها الحج؛ لأن المحرم بالنسبة لها من السبيل، واستطاعة السبيل شرط في وجوب الحج، قال الله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً) ، ولا يجوز لها أن تسافر للحج أو غيره إلا ومعها زوج أو محرم لها؛ لما رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم "، فقام رجل فقال: يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجَّة، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، قال: " انطلِق فحج مع امرأتك "، وبهذا القول قال الحسن والنخعي وأحمد وإسحاق وابن المنذر وأصحاب الرأي، وهو الصحيح؛ للآية المذكورة، مع عموم أحاديث نهي المرأة عن السفر بلا زوج أو محرم، وخالف في ذلك مالك والشافعي والأوزاعي، واشترط كل منهم شرطاً لا حجة له عليه، قال ابن المنذر: تركوا القول بظاهر الحديث، واشترط كل منهم شرطاً لا حجة له عليه " انتهى.
وكما لا يجوز للفتاة السفر بلا محرم، لا يجوز لوالدتها أيضا، وعليها أن تتقي الله تعالى، وأن تبقى مع ابنتها، فإن أصرت على الذهاب، وترتب على ذلك بقاء البنت لوحدها، فإن كان بقاؤها في مكان آمن، فلا إشكال، وإن خيف عليها البقاء بمفردها، فلعل هذا يكون عذرا في ذهابها مع والدتها للضرورة، والإثم على أمها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3746)
لا يجوز للمرأة أن تسافر للحج إلا مع محرم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمرأة أن تذهب للحج أو العمرة مع مجموعة من الناس أو مجموعة من النساء إذا لم يوجد محرم ليذهب معها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
اختلف العلماء قديماً وحديثاً في هذه المسألة فقال بعضهم: يجوز للمرأة إن أمنت الطريق وكانت مع رفقة مأمونة أن تحج من غير محرم.
وقال بعضهم: لا يجوز لها السفر إلا بمحرم يحميها ولو كانت في رفقة مأمونة، وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد، واستدلوا بما يلي:
أ. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم، فقال رجل: يا رسول الله، إني أريد أن أخرج في جيش كذا وكذا وامرأتي تريد الحج، فقال: اخرج معها) رواه البخاري (1763) ومسلم (1341) .
ب. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم عليها) رواه البخاري (1038) ومسلم (133) . وعند البخاري (1139) ومسلم (827) من حديث أبي سعيد: (مسيرة يومين) .
قال ابن حجر:
" وقيده في حديث أبي سعيد فقال: (مسيرة يومين) وفي حديث أبي هريرة مقيداً بـ (مسيرة يوم وليلة) وعنه روايات أخرى، وحديث ابن عمر فيه مقيداً بـ " ثلاثة أيام "، وعنه روايات أخرى أيضاً.
وقد عمل أكثر العلماء في هذا الباب بالمطلق لاختلاف التقييدات.
وقال النووي: ليس المراد من التحديد ظاهره بل كل ما يسمى سفراً فالمرأة منهية عنه إلا بالمحرم، وإنما وقع التحديد عن أمر واقع فلا يعمل بمفهومه، وقال ابن المنير: وقع الاختلاف في مواطن بحسب السائلين " انتهى.
" فتح الباري " (4 / 75) .
ثانياً:
استدل القائلون بعدم وجوب المحرم بما يلي:
أ. عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: (بينا أنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة ثم أتاه آخر فشكا قطع السبيل فقال: يا عدي هل رأيت الحيرة؟ قلت: لم أرها وقد أنبئت عنها. قال: فإن طالت بك حياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحدا إلا الله، قال عدي: فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله) رواه البخاري (3400) .
والظعينة: هي المرأة.
ويجاب عن هذا الاستدلال بأن هذا إنما هو خبر من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بوقوع هذا الأمر، ولا يعني الإخبار بحصول أمر ما أنه يكون جائزاً، بل قد يكون جائزاً، أو غير جائز، حسب الأدلة الشرعية، كما أخبر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن انتشار شرب الخمر والزنا وكثرة القتل قبل قيام الساعة، وهي أمور محرمة من كبائر الذنوب.
فالمقصود من الحديث: أنه سينتشر الأمن، حتى إن بعض النساء تجترئ وتسافر وحدها من غير محرم، وليس المقصود أن سفرها بلا محرم جائز.
قال النووي رحمه الله " لَيْسَ كُلّ مَا أَخْبَرَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَوْنِهِ مِنْ عَلامَات السَّاعَة يَكُون مُحَرَّمًا أَوْ مَذْمُومًا , فَإِنَّ تَطَاوُلَ الرِّعَاءِ فِي الْبُنْيَان. وَفُشُوَّ الْمَالِ , وَكَوْنَ خَمْسِينَ اِمْرَأَةً لَهُنَّ قَيِّمٌ وَاحِدٌ لَيْسَ بِحَرَامٍ بِلا شَكٍّ , وَإِنَّمَا هَذِهِ عَلامَات وَالْعَلامَة لا يُشْتَرَط فِيهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ; بَلْ تَكُون بِالْخَيْرِ وَالشَّرّ وَالْمُبَاح وَالْمُحَرَّم وَالْوَاجِب وَغَيْره وَاَللَّه أَعْلَمُ " انتهى.
وينبغي أن يعلم أن اختلاف العلماء في اشتراط المحرم لسفر المرأة إلى الحج إنما هو في حج الفريضة، أما النافلة فقد اتفق العلماء على أنه لا يجوز لها السفر إلا مع محرم أو زوج، كما في "الموسوعة الفقهية" (17/36) .
وقد قال علماء اللجنة الدائمة: " المرأة التي لا محرم لها لا يجب عليها الحج، لأن المحرم بالنسبة لها من السبيل، واستطاعة السبيل شرط في وجوب الحج، قال الله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) آل عمران / 97.
ولا يجوز لها أن تسافر للحج أو غيره إلا ومعها زوج أو محرم لها؛ ... وبهذا القول قال الحسن والنخعي وأحمد وإسحاق وابن المنذر وأصحاب الرأي، وهو الصحيح؛ للآية المذكورة مع عموم أحاديث نهي المرأة عن السفر بلا زوج أو محرم، وخالف في ذلك مالك والشافعي والأوزاعي، واشترط كل منهم شرطاً لا حجة له عليه، قال ابن المنذر: تركوا القول بظاهر الحديث، واشترط كل منهم ما لا حجة له عليه " انتهى.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (11 / 90، 91) .
وقالوا أيضاً:
" الصحيح أنها لا يجوز لها أن تسافر للحج إلا مع زوجها أو محرم لها من الرجال، فلا يجوز لها أن تسافر مع نسوة ثقات غير محارم، أو مع عمتها أو خالتها أو أمها بل لا بد من أن تكون مع زوجها أو محرم لها من الرجال.
فإن لم تجد من يصحبها منهما فلا يجب عليها الحج ما دامت كذلك " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (11 / 92) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3747)
أذِن لها زوجها في السفر لحج النافلة ثم تراجع فهل تسافر دون إذنه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا متزوجة منذ أربع سنوات، ولكني لم أشعر بالسعادة يوماً طوال هذه الزيجة، لقد ارتكبت بعض الأخطاء التى تعلمت منها، لكن زوجي لم يغفر لي هذه الأخطاء، فهو أقرب لكونه ديكتاتوراً منه كزوج، قامت إحدى الصديقات بدفع مصاريف الحج ولكني لم أقبلها إلا بعد الحصول على إذن من زوجى لأنها ليست حجة الفريضة، ولكنه قام بالتراجع عن هذا الإذن بعد عمل جميع الترتيبات بسبب بعض الخلافات البسيطة التى بيننا، الآن إذا لم أذهب للحج ستغضب صديقتي لأنه قد تم غلق الباب أمام إصدار تأشيرة أخرى لشخص آخر. فهل لزوجي الحق في أن يفعل ذلك أم أنه يسيء استخدام سلطته كزوج؟ برجاء تقديم الإرشاد.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الواجب على الزوج أن يتقي الله في معاملته لزوجته، وأن يعاشرها بالمعروف، وإن كان كره منها خلُقاً فليعلم أن لها أخلاقاً أخرى تستحق رضاه عنها، وعليه أن يعلم أنه هو لا يسلم من الخطأ والزلل، فليعفُ عن خطئها، وليصفح عن زللها إن هي تابت لربها وأنابت، وليحسن معاملتها حتى يجعل الله تعالى بينه وبين زوجته مودة ورحمة.
ثانياً:
لا يحل للمرأة أن تسافر للحج أو لغيره إلا مع ذي محرَم، ولم يرِد في سؤالك أية إشارة إلى وجود محرم معك أو عدم وجوده، فإن لم يكن معك محرم في السفر فلا يجوز لك السفر سواء أذن زوجك أو لم يأذن، ولو كان ذلك في حج الفريضة.
قال علماء اللجنة للإفتاء:
" قد تقرر في الشرع المطهر تحريم سفر المرأة بلا محرم؛ للأدلة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن ذلك، وهذا يعم أي سفر كان، سواء لغرض مباح، أم واجب، أم مسنون، وقد صدرت منا فتوى في تقرير ذلك برقم (16042) هذا نصها:
" لا يجوز للمرأة المسلمة أن تسافر بدون محرم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس (لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم) رواه أحمد والبخاري ومسلم، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو يخطب (لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، فقام رجل فقال: إن امرأتي خرجت حاجة، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، فقال: انطلق فحج مع امرأتك) رواه أحمد والبخاري ومسلم.
فالمرأة ممنوعة من كل ما يسمَّى سفراً، إلا إذا كان معها محرم يصونها ويحفظها ويقوم بمصالحها، والمحرم هو: زوجها، أو من تحرم عليه على التأبيد، لقرابة، أو رضاع، أو مصاهرة: كأبيها، وابنها، وأخيها، وابن أخيها، وعمها، وخالها، وأبي زوجها، وابن زوجها، وابنها من الرضاع، أو أخيها من الرضاع، ونحوهم، وسواء كانت المرأة شابة، أو عجوزاً، وسواء كانت وحدها، أو مع نساء، ومجموعة النساء لا تكفي عن المحرم؛ لعموم الأحاديث؛ ولعدم انتفاء المحذور.
فالواجب على النساء وعلى أوليائهن تقوى الله، والمحافظة على أوامر الله ورسوله، وترك ما نهى الله عنه ورسوله، خصوصا في المحافظة على الحياء والعفة، وتجنب وسائل الشر والفساد، ولا يجوز أن يحملهم الطمع في الدنيا على التساهل في هذا الأمر ".
لهذا: فإنه لا يجوز سفر المرأة لأداء فريضة الحج من غير محرم لها، ويجب منع أصحاب حملات الحج من ذلك؛ حذراً من إثم الوقوع فيما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، وسدّاً لأبواب الشر والفساد، والله سبحانه وتعالى يقول: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) ، والمرأة من شروط استطاعتها: وجود محرمها، وبذله نفسه للسفر بها، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (17 / 334 – 336) .
ثالثاً:
كما ينبغي أن تعلمي أنه لا يجوز لك للمرأة أن تسافر إلا بإذن الزوج، وقد اتفق العلماء على أنه لا يجوز للمرأة الذهاب لحج النافلة إلا بإذن زوجها.
قال ابن قدامة – رحمه الله -:
فأما حج التطوع: فله منعها منه، قال ابن المنذر: أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم أن له منعها من الخروج إلى الحج التطوع.
وذلك لأن حق الزوج واجب، فليس لها تفويته بما ليس بواجب.
" المغني " (3 / 192) .
ولا يجوز لك السفر للحج – ولو وجد المحرَم – إذا كان زوجك قد تراجع عن إذنه.
ولا ينبغي للزوج أن يمنع زوجته من سفر الطاعة إن كان منعه لها من غير سبب شرعي، وهو شريك في الأجر الذي تحصله إن أذن لها، فإن أعانها ازداد أجره.
وقد ذكر ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (3/283) : أن الزوج إذا أذن لزوته بالحج نافلة، فله الرجوع في الأذن قبل أن تحرم، فإن أحرمت لم يجز له الرجوع في الإذن.
وعليك أن تعتذري لصديقتك وتبيني لها سبب عدم سفرك معها، وأن ذلك طاعة لله تعالى وفراراً من معصيته، وليس للمسلم أن يقدم إرضاء مخلوق كائناً من كان على إرضاء الله تعالى.
نسأل الله تعالى أن ييسر أمرك، ويصلح ما بينك وبين زوجك.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3748)
الشروط المعتبرة في المحرم الذي يصح معه السفر، وتندفع به الخلوة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل أمر المحرم متوقف على العمر؟ أي أنه بعد عمر محدد (مثلا 0 إلى 9، 10 أو السبعينات والثمانينات إلخ) هل تنطبق شروط المحرم؟ ما هو حكم المحرم في الجنائز؟ (أي زيارة الجنازة إلخ) هل تنطبق نفس الشروط؟ أرجو الشرح.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
وبعد: فهذا السؤال يتضمن ثلاثة أمور:
الأول: العمر المعتبر في الشخص حتى يصح أن يكون محرما للمرأة.
فيقال: أما المحرم الذي يصح أن تسافر معه، فيشترط أن يكون: (مسلما، ذكرا بالغا، عاقلا) يحرم عليها على التأبيد كالأب والأخ والعم والأخ من الرضاع وأبي الزوج ... الخ
الثاني: الخلوة بالأجنبية
وأما بالنسبة للخلوة بالمرأة الأجنبية (داخل البلد) فإنها تندفع بوجود المحرم البالغ أو الكبير الذي يستحيا منه، ولا يكتفى بالطفل الصغير، كما تندفع الخلوة بوجود امرأة أخرى أو رجل آخر بشرط عدم الريبة، وأمن الخطر. (الفتاوى الجامعة للمرأة 3 / 935،938) .
قال النووي رحمه الله (9 / 109) : " وأما إذا خلا أجنبي بالأجنبية من غير ثالث معهما فهو حرام باتفاق العلماء، وكذا لو كان معها من لا تستحي منه لصغره، لا تزول به الخلوة المحرمة "
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: " ولابد أن يكون الشخص الذي تزول به الخلوة كبيرا، فلا يكفي وجود الطفل، وما تظنه بعض النساء أنه إذا استصحبت معها طفلا زالت الخلوة ظن خاطئ (مجموع الفتاوى 10/ 52) .
الثالث: زيارة النساء للقبور
أما بالنسبة لزيارة المرأة للقبور فإن الصحيح من قولي العلماء أن زيارة القبور لا تجوز للنساء ويراجع السؤال رقم (8198) والسؤال رقم (14522) .
نسأل الله أن يجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن.. آمين.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/3749)
والدتها تطلبها لرؤيتها وهي لا تستطيع السفر إليها
[السُّؤَالُ]
ـ[أقيم في بلد غربي منذ 11 عاما بعيدا عن والديّ، وقد توفي أبي، وأمي وأخواتي الأربع يقمن في العراق، ولدي 8 أطفال سنهم يتراوح بين سنتين وثلاث عشرة سنة، وأمي مسنة ومريضة وهي تتصل بي دائما وتطلب مني أن أعود لبلدي لأراها قبل أن تموت، والعودة صعبة لأني لا أستطيع أن أترك أطفالي وحدهم، وزوجي لا يوافق على عودتي وتركي أولادي وحدهم، وليس لي محرم أسافر معه، وأنا أرسل لأمي نقودا، وأتصل بها كثيرا وأبكي دائما، وأنا أعلم أن عليّ أن أرضي أمي، ولكني لا أستطيع أن أترك أطفالي في بلد كافر، وزوجي يعمل بالنهار والليل، وليس لي أقارب هنا، ولا أدري ماذا أفعل، هل أطيع أمي وأترك أولادي وأعود إلى بلدي دون إذن زوجي؟ أم أطيع زوجي وأبقى مع أولادي؟ أرجو الإجابة بأسرع ما يمكن والسلام عليكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أسأل الله تعالى المعافاة التامة لوالدتك، وأن يجمع بينكما على الخير والسعادة والعافية في الدنيا والآخرة.
وأبشرك – أختي الكريمة – بأن الله سبحانه وتعالى حين يعلم منك حب الوفاء لوالدتك والسعي لتحقيق مرضاتها وطلب رضاها والعمل على برها سيكتب لك ثواب ذلك كله بمنه وكرمه وفضله.
ومفتاح الأمر الصبر، إذ به تنال الرغبات وتفرج الكربات، فلعل الله سبحانه وتعالى ابتلاكم بهذا الفراق كي يرى منكم الصبر والتصبر، ثم يكون فرجه بأن ييسر أمر اجتماعكم من حيث لم تحتسبوا، وينعم عليك بقرب والدتك ولو بعد حين.
إلا أنه لا يفوتني تنبيهك على بعض الأحكام الشرعية المهمة في هذا الشأن:
1- التذكير والتأكيد على حرمة سفر المرأة من غير محرم.
قال البغوي:
" لم يختلفوا في أنَّه ليس للمرأة السفر في غير الفرض إلا مع زوج أو محرم " انتهى.
نقله في "فتح الباري" (4/76)
وقد سبق بيان ذلك في موقعنا في أجوبة الأسئلة الآتية:
(9370) ، (25841) ، (47029) ، (52703) ، (82392)
2- من حق الزوج أن يمنع زوجته من السفر لزيارة والديها إذا كان يترتب على سفرها بعض المفاسد، مثل الخوف على الأبناء، أو الخوف على حياة الزوجة إذا عدم الأمان في البلد الذي ستسافر إليه، أو عدم توفر محرم وانشغال الزوج بعمله، وحينئذ لا يجوز للمرأة أن تخالف زوجها فتسافر من غير إذنه، وقد نقل ابن المنذر الإجماع: على أن للرجل منع زوجته من الخروج في الأسفار كلها. وإنما اختلفوا في السفر لحج الفريضة. انظر "فتح الباري" (4/77) ، هذا في الأسفار التي يترتب عليها المفاسد السابقة.
فإن أمنت جميع هذه المفاسد، وتوفر المحرم، فلا يجوز للزوج حينئذ أن يمنعها من بر والديها وزيارتهم بما يحقق المقصود، فإن بر الوالدين من أوجب الواجبات، ولا شك أن من البر زيارة الوالدة المريضة التي تسأل ابنتها أن تراها قبل أن يحل أجلها وقد طال غيابها عنها.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (19/110) :
" ولا ينبغي للزّوج منع زوجته من عيادة والديها وزيارتهما؛ لأنّ في منعها من ذلك قطيعةً لهما، وحملاً لزوجته على مخالفته، وقد أمر الله تعالى بالمعاشرة بالمعروف، وليس هذا من المعاشرة بالمعروف " انتهى.
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (25/387) :
" يجب على الزوج أن يحسن عشرة زوجته، امتثالا لقول الله تعالى: (وعاشروهن بالمعروف) ومن العشرة بالمعروف الإذن للزوجة بزيارة أهلها وإيصالها إليهم، ولا يكون سوء التفاهم لا سيما في الأمور الدنيوية حائلا دون ذلك، أما إذا كان يترتب على زيارة الزوجة لأهلها مفسدة فإن للزوج أن يمنع الزوجة من الزيارة؛ لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح " انتهى.
فإن أصر الزوج على منع زوجته من زيارة الوالدين، فهل يجوز لها أن تخالفه وتخرج لزيارتهم؟ اختلف في ذلك أهل العلم على قولين سبق ذكرهما في موقعنا في جواب السؤال رقم (83360) .
ونحن لا نختار للمرأة أن تخالف زوجها فتخرج من بيته بغير إذنه، لما في ذلك من المفاسد العظيمة على البيت والأسرة والعلاقة بين الزوجين، ودرء هذه المفسدة أولى من جلب المصلحة في زيارة الوالدين، خاصة وأن التأني ومحاولة التفاهم مع الزوج كي يسمح ويساعد في سفر المرأة لرؤية والدتها أمر قريب ممكن، ومع حسن الأدب والحوار والخطاب بالخير والحسنى يلين الله القلوب بإذنه، ويعطفها إلى الوفاق إن شاء الله تعالى.
وانظري سؤال رقم (1426) (10680)
3- ونذكركم أيضا بما سبق تقريره في موقعنا تحت رقم (11793) ، (14235) ، (27211) من التحذير من الإقامة في بلاد الكفار، لما في ذلك من المفاسد العظيمة على الدين والأخلاق، نرجو الاطلاع عليها والاستفادة منها، فإن دين المسلم رأس ماله، ولا يجوز له أن يفرط فيه فيضيع نفسه وأبناءه مقابل دراهم يتلقاها من بلاد الكفر والرذيلة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3750)
هل للمدرس إعادة الامتحان لتحسين درجات الطلاب؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إحدى الطالبات تقول: نحن بالمدرسة اختبرنا رياضيات والعلامات اللي حصلنا عليها قليلة فطلبنا من المعلمة أنها تعمل لنا إعادة امتحان تحسين فرفضت بحجة أن أحد الشيوخ أفتى لها بأن التحسين حرام فما رأيك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا لم يترتب على عملية الإعادة مخالفة لنظام المدرسة، أو ظلم لغيركم، فلا حرج في ذلك، والظلم هنا تارة يكون للفصول الأخرى الموجودة بالمدرسة، إذا لم تعط فرصة الإعادة أيضا، وتارة يكون لبعض طلاب الفصل نفسه، أو الفصول الأخرى، ممن حصّل درجة مرضية، ويكون في إعادته للامتحان تكليف وإرهاق له، أو احتمال نقص درجاته. فإذا أمكن إعادة الامتحان من غير وقوع في الظلم، فلا حرج حينئذ، وبعض أنظمة التعليم تسمح لمن شاء من الطلبة من إعادة الاختبار، وتسجل له الدرجة الأعلى من الاختبارين.
وإذا كان نظام المدرسة يمنع الإعادة، فلابد من إذن الإدارة وموافقتها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3751)
لديها مال يكفي للحج ولا تجد محرما
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا آنسة من المغرب أبلغ من العمر 35 سنة، توفر لدي قدر من المال (لا أظن أني سأملك مثله يوما ما) ، بعد تفكير طويل لم أجد خيرا من صرفه في الذهاب إلى بيت الله الحرام، لأداء فريضة الحج علما أني أتشوق لزيارة ذلك المقام، هذه هي أمنيتي في الحياة وأتمنى أن لا يحرمني الله من هذا الأمل , المشكلة هي أنني لا أتوفر على محرم، أخي لا يمكنه الذهاب نظرا لضائقته المالية وكذلك والدي. أرجو منكم أن ترشدوني وتجدوا لي حلا لهذه المشكلة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للمرأة أن تسافر بدون محرم، ولو كان سفرها للحج الواجب أو العمرة الواجبة، لما روى البخاري (1729) ومسلم (2391) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ، وَلا يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ. فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا، وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ. فَقَالَ: اخْرُجْ مَعَهَا) .
فلهذا الحديث وغيره من الأحاديث التي تدل على تحريم سفر المرأة بلا محرم ذهب جماعة من العلماء إلى أن وجود المحرم شرط لوجوب الحج على المرأة، فإذا لم تجدي محرما يسافر معك، فالحج غير واجب عليك، وأنت معذورة، مأجورة على نيتك إن شاء الله.
وقد سئل الإمام أحمد رحمه الله عن امرأة موسرة , لم يكن لها محرم , هل يجب عليها الحج؟ فقال: لا.
"المغني" (3/97) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: إن لي مشكلة أريد أن أجد لها حلاً من عند الله الرحيم بعباده، وهي خاصة بأمر تأديتي لفريضة الحج. فأنا امرأة في الخمسين من عمري، وأريد من فترة سنتين أن أسافر لأداء فريضة الحج، والذي يعوق سفري هو أنني ليس لي محرم لكي يسافر معي، فزوجي لا هم له سوى الأموال والدنيا ولا ينوي السفر للحج، اللهم إلا إن كانت منحة من الشركة التي يعمل بها، وهذا أمر لن يتأتى له إلا حينما يأتي دوره وأخاف أن يأتيني الأجل وأكون مقصرة في ذلك، وقد ملكت الزاد والراحلة ... خلاصة الأمر: أن محارمي جميعاً لا يستطيعون السفر معي لمشاغلهم، وعدم إمكانية السفر.
فأجابوا:
" إذا كان الواقع كما ذكر - من عدم تيسر سفر زوجك أو محرم لك معك لتأدية فريضة الحج - فلا يجب عليك ما دمت على هذه الحال؛ لأن صحبة الزوج أو المحرم لك في السفر للحج شرط في وجوبه عليك، ويحرم عليك السفر للحج وغيره بدون ذلك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم) متفق على صحته.
واجتهدي في الأعمال الصالحات التي لا تحتاج إلى سفر، واصبري رجاء أن ييسر الله أمرك، ويهيئ لك سبيل الحج مع زوج أو محرم " انتهى باختصار.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (11/95) .
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3752)
هل حجت زوجات النبي صلى الله عليه وسلم بدون محرم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم حججن أكثر من مرة بعد وفاته، فهل يمكن لهذا أن يكون دليلا على جواز حج المرأة بدون محرم ولكن مع مجموعة نساء معهم محارمهم؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الصحيح من أقوال أهل العلم هو مذهب الحنفية والحنابلة القائلين بعدم جواز سفر المرأة للحج أو غيره من غير محرم؛ وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تُسَافِر الْمَرْأَةُ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ) رواه البخاري (1862) ومسلم (1341) .
وقد سبق بيان ذلك في أجوبة الأسئلة: (3098) و (34380) و (47029) .
إلا أن بعض أهل العلم كالشافعية، والمالكية، وبعض السلف، قالوا بجواز سفر المرأة للحج من غير محرم إذا وجدت الرفقة المأمونة.
واستدلوا بما ذكره السائل من أن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم حججن من غير محرم، وذلك فيما أخرجه البخاري رحمه الله (1860) أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أذِن لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حجة حجها، فبعث معهن عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف.
وللعلماء أصحاب القول الأول عدة أجوبة على هذا الاستدلال، فمن ذلك:
1. قالوا: ليس في الحديث أنه لم يكن معهن محرم، فلعل محارمهن كانوا معهن في قافلة الحج نفسها، وبعثُ عمرَ بنِ الخطاب معهنَّ عثمانَ بن عفان وعبدَ الرحمن بن عوف زيادةٌ في الإكرام والاطمئنان، ولا يُظن بالصحابة مخالفة نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن سفر المرأة من غير محرم، خاصة وقد جاء في بعض الروايات – وإن كان في سندها مقال – ما يدل على وجود محارمهن.
فقد روى ابن الجوزي في " المنتظم " في حوادث سنة (23 هـ) عن أبي عثمان وأبي حارثة والربيع بإسنادهم قالوا: حجَّ عمر بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم معهن أولياؤهن ممَنْ لا تحتجبن منه، وجعل في مقدم قطارهن: عبد الرحمن بن عوف، وفي مؤخره: عثمان بن عفان.. الخ.
ثم إنه يبعد جدا ألا يكون معهن أحد من محارمهن، مع كثرة المسافرين للحج معهن من المدينة، فالغالب أنه لن يخلو الأمر من أخ أو جد أو خال أو عم أو أحد المحارم من الرضاعة، وقد كانت الرضاعة كثيرة في ذلك الوقت.
2. ثم على فرض أنه لم يكن معهن محرم: فهو اجتهاد منهن، ومعلوم أن اجتهاد الصحابي لا يُقبل إذا خالف نصّاً صحيحاً عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الصنعاني رحمه الله:
" ولا تنهض حجة على ذلك؛ لأنه ليس بإجماع ".
" سبل السلام " (2 / 930) .
3. وأجاب فريق ثالث من أهل العلم بخصوصية ذلك بزوجات النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنهن أمهات المؤمنين، وجميع الرجال محارم لهن.
قال أبو حنيفة رحمه الله:
"كان الناس لعائشة محرماً، فمع أيهم سافرت فقد سافرت بمحرم، وليس الناس لغيرها من النساء كذلك " انتهى.
" عمدة القاري " (10 / 220) .
إلا أن جواب أبي حنيفة هذا غير مُسَلَّم؛ لأن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم في مقام أمهات المؤمنين في تحريم النكاح، وليس في المحرمية، وإلا فلو كن أمهاتٍ للمؤمنين في المحرمية أيضا لجاز لهن خلع الحجاب أمامهم والخلوة بهم ونحو ذلك من أحكام المحرمية، وذلك ما لم يقل به أحد.
يقول ابن تيمية في " منهاج السنة " (4 / 207) عن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم:
" إنهن أمهات المؤمنين في التحريم دون المحرمية " انتهى.
والمعتمد في الجواب هو الجواب الأول.
والحاصل: أنه لا يجوز أن تُرد الأحاديث الصحيحة الصريحة بما يستنبط من بعض أفعال الصحابة المحتملة، والواجب هو اتباع ما ثبت وليس ما هو محتمل.
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: يقولون إن عائشة رضي الله عنها حجت مع عثمان بدون محرم؟
فأجاب:
"هذا يحتاج إلى دليل، لا يجوز أن يقال: حجت بدون محرم بغير دليل، لا بد أن يكون معها محرم، فعندها أبناء أخيها، عندها عبد الرحمن أخوها، عندها أبناء أختها أسماء، الذي يقول إنها حجت بدون محرم يكون قوله كذباً إلا بدليل، ثم لو فرضنا أنها حجت بدون محرم فهي غير معصومة، كل واحد من الصحابة غير معصوم، الحجة في قال الله وقال رسوله، ما هو بحجة قول فلان أو فلان، ما خالف السنة فلا حجة فيه، الحجة في السنة المطهرة الصحيحة، هذا هو المعروف عند أهل العلم، وهو المجمع عليه.
يقول الشافعي رحمه الله: أجمع الناس على أنه من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس.
وقال مالك رحمه الله: ما منَّا إلا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر، (يعني: النبي صلى الله عليه وسلم) .
المقصود: أن الواجب على أهل الإسلام والمؤمنين هو الأخذ بالسنَّة، لا يجب أن تعارض لقول فلان أو فلان أو فلانة، ثم لا يظن بعائشة رضي الله عنها وهي الفقيهة المعروفة أفقه نساء العالم، لا يظن بها أن تخالف السنَّة وتحج بغير محرم، وهي التي سمعت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " انتهى.
" فتاوى الشيخ ابن باز" (25 / 361، 362) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"إذا قال قائل: هذا الحجيج ليس فيه أن معهن محرَماً، فهل يقال هذا خاص بزوجات النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأنهن أمهات المؤمنين، ليس بمحرمية ولكن باحترام.
أو يقال المحرم هنا مسكوت عنه، وأُرسل معهن هذان الصحابيان الفاضلان مع المحارم؟ الأول محتمل، والثاني محتمل.
فإذا أخذنا بالقاعدة أن يُحمل المتشابه على المُحكم ماذا نقول؟
الجواب: نقول بالاحتمال الثاني ونقول: لابد أن محارمهن معهن لكن جُعل معهن هذان الصحابيان الجليلان تشريفاً وتعظيماً لأمهات المؤمنين رضي الله عنهن " انتهى.
" شرح كتاب الحج من صحيح البخاري " (شريط رقم 19، الوجه الثاني) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3753)
تحريم سفر المرأة بغير محرم وشروط المحرم
[السُّؤَالُ]
ـ[أمي تريد الذهاب لأداء العمرة إن شاء الله تعالى، وزوجها وإخوتها لا يستطيعون الذهاب معها، وابن عمها وهو أخو زوجها وهو زوج أختها أيضاً سيذهب للحج مع زوجته فهل يجوز لأمي أن تذهب معهما لأداء مناسك العمرة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من صيانة الإسلام للمرأة أنّه أوجب المحرم لسفرها ليحفظها ويصونها من أصحاب الشهوات والأغراض الدنيئة وأن يُعينها لضعفها في السّفر الذي هو قطعة من العذاب، فلا يجوز سفر المرأة بغير محرم لما روى ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تُسَافِرَنَّ امْرَأَةٌ إِلا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا وَخَرَجَتِ امْرَأَتِي حَاجَّةً قَالَ اذْهَبْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ) البخاري فتح 3006
ومما يدلّ على وجوب المحرم أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أمر هذا الرّجل بترك الجهاد مع أنّه قد كُتب اسمه في إحدى الغزوات، وأنّ سفر المرأة في طاعة وقُربة وهو الحجّ وليس في سياحة أو سفر مشبوه، ومع ذلك أمره أن ينصرف ليحجّ مع امرأته.
وقد اشترط العلماء في المحرم خمسة شروط وهي: أن يكون ذكرا – مسلما – بالغا - عاقلا – وأن يحرم عليها تحريما مؤبدا كالأب والأخ والعم والخال وأبي الزوج وزوج الأم والأخ من الرضاع ونحوهم (بخلاف المُحرَم المؤقت كزوج الأخت وزوج العمة وزوج الخالة) .
وبناء على هذا فإن أخا زوجها وكذا ابن عمها أو ابن خالها ليسوا من المحارم فلا يجوز لها أن تُسافر معهم. والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/3754)
بيع تأشيرات الحج
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم بيع تأشيرات الحج التي تستخرج بشِقّ الأنفس؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للإنسان أن يأخذ تأشيرة لنفسه وهو لا يريد الحج، فإن أخذ تأشيرة لنفسه وهو يريد الحج ثم عدل عن ذلك، فليس له أن يبيعها إلا بنفس التكلفة التي بذلها في سبيل الحصول عليها. ومعنى ذلك أنه لا يجوز أن تتخذ تأشيرات الحج تجارة يستغلّ بها ضعفاء المسلمين والحريصين على الحج، بل ينبغي للمسلم أن يكون معيناً على الخير، وأن يساعد إخوانه المسلمين لا أن يستغلهم والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ: عبد الرحمن البراك.(5/3755)
حكم خروجها من البيت دون إذن زوجها وسفرها دون محرم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أسأل إلى أي درجة تصل واجبات الزوج تجاه أهل زوجته؟ سؤالي هذا لأنني عانيت مشكلة كبيرة مع زوجي نظراً إلى تعامله السيئ جدّاً مع أمي عندما قامت بزيارتنا (نتيجة لمشاجرة حدثت بين حماتي وأمي) وانتهت بأن زوجي طرد أمي أو ما شابه، وأنا نتيجة إلى هذا اضطررت أن أغادر مع أمي البيت ضد رغبة زوجي في البقاء معه (علما بأنني كنت أقطن في بلد آخر وسافرت مع أمي إلى بلادنا) ومعاملة زوجي لي جيدة غير أنى غضبت من معاملته لها بهذا الشكل، مع أنه تأسف لها في اليوم التالي , لكنها لم تسامحه، فهل تصرفي كان صحيحاً، أم أنني لم أطع زوجي كما وصى الله سبحانه وتعالى؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ينبغي للزوج أن يصل أهل زوجته، ويحسن إليهم، فإن هذا من حسن معاشرة زوجته، وفعله هذا يُدخل السرور إلى قلبها، ويجعله محل احترامها وتقديرها، ويزيد في المحبة والمودة بينهما.
قال الله تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِ?لْمَعْرُوفِ) النساء/19.
قال ابن كثير:
" أي: طيِّبوا أقوالَكم لهنَّ، وحسِّنوا أفعالَكم وهيئاتكم حسب قدرتكم كما تحبُّ ذلك منها، فافعل أنت بها مثله كما قال تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ ?لَّذِى عَلَيْهِنَّ بِ?لْمَعْرُوفِ) ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) صححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (285) " انتهى.
"تفسير ابن كثير" (1/477) .
ثانياً:
وأما طرد زوجكِ لأمكِ من بيته فقد اعتذر عن ذلك، وينبغي لمن اعتذر له أخوه أن يقبل اعتذاره ويتجاوز عن زلته.
ولتعلم المرأة المتزوجة أن طاعة زوجها مقدمة على طاعة والديها، فالرجل لا يقدِّم أحداً على أمه في البرِّ، والزوجة لا ينبغي لها أن تقدِّم أحداً على زوجها في الطاعة؛ وذلك لعِظَم حقه عليها، ومن عظم حق الرجل على المرأة أن الشرع كاد يأمرها بالسجود له لولا أنه لا يجوز لأحد أن يسجد لأحد من البشر.
ولا يحق للزوج منع أهل زوجته من زيارة ابنتهم، إلا إن كان يخشى منهم إفساداً لها أو تحريضاً على النشوز، فله – حينئذٍ – منعهم.
ثالثاً:
وأنتِ قد أخطأتِ مرتين ووقعتِ في مخالفة الشرع فيهما، أما الأولى فهي خروجكِ من البيت من غير إذن زوجك، والثانية هي سفركِ من غير محرَم.
أما الخروج من البيت دون إذن الزوج فهو من المحرمات، بل إن الله تعالى منع المرأة المطلقة رجعيّاً أن تخرج من بيتها فكيف إن لم تكن كذلك؟! قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) الطلاق/1.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
" وقال زيد بن ثابت: الزوج سيد في كتاب الله , وقرأ قوله تعالى: (وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ) يوسف/25، وقال عمر بن الخطاب: النكاح رق , فلينظر أحدكم عند من يرق كريمته، وفي الترمذي وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٍ عِنْدَكُمْ – أي: أسيرات-) ، فالمرأة عند زوجها تشبه الرقيق والأسير , فليس لها أن تخرج من منزله إلا بإذنه سواء أمرها أبوها أو أمها أو غير أبويها باتفاق الأئمة " انتهى.
"الفتاوى الكبرى" (3/148) .
قال ابن مفلح الحنبلي:
" ويحرم خروج المرأة من بيت زوجها بلا إذنه إلا لضرورة، أو واجب شرعي " انتهى.
"الآداب الشرعيَّة" (3/375) .
وأما سفر المرأة من غير محرم، فهو حرام، وقد جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال النووي:
" فالحاصل أن كل ما يسمى سفراً تُنهى عنه المرأة بغير زوج أو محرم سواء كان ثلاثة أيام أو يومين أو يوماً أو بريداً أو غير ذلك لحديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم) وهذا يتناول جميع ما يسمى سفراً، والله أعلم " انتهى بتصرف من "شرح مسلم" (9/103) .
والبريد: مسافة تقدر بنحو عشرين كيلو متر تقريباً.
ونرجو النظر في جواب السؤال (10680) ففيه بيان حقوق الزوج وحقوق الزوجة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3756)
سفر المرأة بغير محرم
[السُّؤَالُ]
ـ[أعلم أن سفر المرأة بدون محرم لمدة يوم وليلة محرم.
هل يجوز للمرأة أن يوصلها المحرم لمكان إقلاع الطائرة ويستقبلها محرم آخر عند النزول من الطائرة؟ المدة كاملة تستغرق 10 ساعات.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للمرأة أن تسافر من غير محرم لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم)
ولأن الهدف من وجوده حفظها وصيانتها والقيام بأمرها ولا سيما حيث يقع شيء من الأمور الإضرارية والسفر عرضة لذلك بغض النظر عن المدة، فما عده الناس سفراً كان كذلك، وتنطبق عليه أحكام السفر حينئذٍ.
وللمزيد عن أحكام المحارم أنظر سؤال رقم (5538) .
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/3757)
تريد السّفر للحجّ مع حملة دون محْرم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا البنت الوحيدة لأهلي، متزوجة ولي بنتان، أعيش مع زوجي في أمريكا، جميع أقاربنا يعيشون في الشرق الأوسط، محرمي الوحيد هو زوجي والذي لا يستطيع أن يسافر خارج أمريكا لأسباب لا أستطيع ذكرها في هذه الرسالة.
أريد الحج لأنه لديّ الاستطاعة، فهل يجوز لي السفر للحج مع حملة؟
إذا لا فكيف لي أن أؤدي هذا الركن من أركان الإسلام حيث لا يوجد لي أي محرم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجب الحج على المرأة إلا إذا كانت مستطيعة، ووجود محرم يرافقها هو من الاستطاعة بالنسبة إليها، فإذا لم يتيسر لها محرم تحجّ معه، فهي غير مستطيعة شرعاً، لأن الشرع قد نهاها أن تسافر بغير محرم، وعليه فإن الحج لا يجب عليك إلا إذا وجدت محرماً، فاصبري حتى ييسّر الله لك محرما تحجّين معه، وأنت معذورة ولا إثم عليك في ذلك، وأمّا الذّهاب مع حملة بدون محرم فلا يجوز لما جاء عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ وَلا يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ فَقَالَ اخْرُجْ مَعَهَا. " رواه البخاري 1729. وكان الحجّاج يخرجون من المدينة في قافلة مثل الحمْلة ومع ذلك لم يأْذن النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة أن تُسافر بدون محْرم والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/3758)
سفر المرأة مع المرأة بدون محرم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تعد المرأة محرماً للمرأة الأجنبية في السفر، ونحو ذلك أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليست المرأة محرماً لغيرها، وإنما المحرم: هو الرجل الذي تحرم عليه المرأة بنسب، كأبيها، وأخيها، أو بسبب مباح، كالزوج وأبي الزوج وابن الزوج، وكالأب من الرضاع، والأخ من الرضاع ونحوهم.
ولا يجوز للرجل أن يخلو بالمرأة الأجنبية، ولا أن يسافر بها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم) متفق على صحته، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يخلون رجل بامرأة، فإن ثالثهما الشيطان) رواه الإمام أحمد وغيره، من حديث عمر رضي الله عنه بإسناد صحيح.
والله ولي التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/8ص / 336(5/3759)
حكمُ سَفَر المرأة بدون محرمٍ
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكمُ سَفَر المرأة بدون محرمٍ لأنَّ عملَها يتطلَّب ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
حرامٌ لأنَّ النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم قالَ: (لا تُسافِرِ المرأةُ إلاَّ معَ ذي مَحْرَمٍ) رواه البخاري (1763) ومسلم (1341) . حتى لو كان عملها يتطلَّب ذلك، وعليه نقول إذا كانتْ لا تجد مَحْرَماً فلا تُسافرْ.
[الْمَصْدَرُ]
إعلام المسافرين ببعض آداب وأحكام السفر وما يخص الملاحين الجويين لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ص 8.(5/3760)
حكم استقدام الخادمة بدون محرم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة أعيش في بلد غير مسلم لظروف عمل زوجي وأريد أن أحضر عاملة من بلد آخر لتعينني في المنزل فهل يجوز لي أن أحضرها من غير محرم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" استقدام الخادمة بدون محرم معصية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه صحّ عنه أنه قال: " لا تسافر امرأة إلا مع محرم "، ولأن قدومها بلا محرم قد يكون سبباً للفتنة منها وبها، وأسباب الفتنة ممنوعة، فإن ما أفضى إلى المحرّم محرّم.
وأما تساهل بعض الناس في ذلك، فإنه من المصائب ولا حجّة لهم في قولهم إنه ضرورة، لأننا لو قدرنا الضرورة للخادمة فليس من الضرورة أن تأتي بلا محرم. كما أنه لا حجّة لقول بعضهم إن إثم سفرها بلا محرم عليها هي أو على مكتب الاستقدام، لأن من فتح الباب لفاعل المحرم كان شريكاً له في الإثم لإعانته عليه، وقد قال الله تعالى: (وتعاونوا على البرّ والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) المائدة /2، وأمر الله تعالى ورسوله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واستقدام الخادمة بلا محرم إقرار للمنكر لا إنكار له "
فتوى الشيخ ابن عثيمين من كتاب مجموعة رسائل وفتاوى نصيحة المسلمين بشأن الخدم والسائقين ص/57
أما حكم الإقامة في بلاد الكفار فيراجع الأسئلة (12866) و (10175) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3761)
هل هناك سن لا تحتاج فيه المرأة لمحرم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا آنسة في سن 38، مدرِّسة، لم أتزوج بعدُ، الوالد متوفى، وأنا أعول والدتي إلى حد ما في نفقات المنزل، رغبت في الحج، وتقدمت، وفزت بالقرعة، ولكن أحتاج لمحرم، وأخي المحرم لا يملك النفقات الخاصة به، وأعلم أنني يجب أن أسدد عنه، ولكن أنا مستقبلا في حاجة لما معي، فقررت أن أؤجل الفريضة إلى سن لا أحتاج فيه لمحرم، ما جزاء هذا الفعل؟ أرجوكم إفادتي لشدة قلقي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يجب الحج إلا على المستطيع لقول الله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا) آل عمران/97. ومن الاستطاعة بالنسبة للمرأة أن تجد محرماً ويوافق على السفر معها، فإذا لم تجد لم يجب عليها الحج.
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (11/93) : من شروط الحج الاستطاعة، ومن الاستطاعة وجود المحرم للمرأة، فإذا فقد المحرم فلا يجوز لها السفر، ولا يجب عليها الحج إلا بوجوده وموافقته على السفر معها، قال تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا) آل عمران/97.
راجع السؤال رقم (316) ، (5207) ، (34380) .
ثانياً:
ليس هناك سن تبلغه المرأة لا تحتاج فيه لمحرَم، بل في جميع سني عمرها بعد بلوغها لا يحل لها السفر إلا مع ذي محرم، من غير تفريق بين شابة وعجوز، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم) رواه البخاري ومسلم.
وقد سبق بيان هذا في أجوبة الأسئلة: (47029) و (25841) .
ثالثاً:
إن وجدت المرأة محرَماً: وجبت عليها نفقته.
قال ابن قدامة – رحمه الله -:
ونفقة المحرم في الحج عليها، نص عليه أحمد؛ لأنه من سبيلها، فكان عليها نفقته كالراحلة، فعلى هذا يعتبر في استطاعتها أن تملك زادا وراحلة لها ولمحرمها. " المغني " (3 / 99) .
وقال السرخسي:
المحرم إذا كان يخرج معها فنفقته في مالها. " المبسوط " (4 / 163) .
رابعاً:
وأما تأخيرك للحج بسبب حاجتك للنفقة، فيراجع السؤال رقم (11534) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3762)
هل تسافر بلا محرم لزيارة الوالدين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعيش في بلاد الغربة منذ ثلاث سنوات ولم أزر بلدي منذ ذاك الوقت. عندي طفلان لم يرهما والديّ حتى الآن. ووالديّ يفتقدان لرؤية أطفالي كثيرًا. وزوجي لا يستطيع أن يأخذ إجازة من عمله. فهل يجوز لي في هذه الحالة السفر إلى والديّ دون محرم؟ علمًا بأن هذا السفر فقط لأجل إدخال السرور على أبوي وإسعادهما.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للمرأة أن تسافر بلا محرم، سواء كان السفر سفرَ قربة كالحج وزيارة الوالدين وبرهما أو سفراً مباحا كالسياحة وغير ذلك، والدليل على ذلك ما يلي:
1-عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ وَلا يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ فَقَالَ اخْرُجْ مَعَهَا ". رواه البخاري (1862) .
وروى مسلم (1339) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ " وقد رويت أحاديث كثيرة في النهي عن سفر المرأة بلا محرم وهي عامة في جميع أنواع السفر.
2-ومن المعقول أن السفر مظنة التعب والمشقة، والمرأة لضعفها تحتاج لمن يؤازرها ويقف إلى جوارها، وقد ينزل بها ما يفقدها صوابها، ويخرجها عن طبيعتها، في حال غياب محرمها، وهذا مشاهد معلوم اليوم لكثرة حوادث السيارات وغيرها من وسائل النقل. وأيضا: سفرها بمفردها يعرضها للإغراء والمراودة على الشر، لاسيما مع كثرة الفساد، فقد يجلس إلى جوارها من لا يخاف الله، ولا يتقيه، فيزين لها الحرام. وكذلك لو فرض أنها تسافر وحدها في سياراتها، فهي معرضة لمخاطر أخرى من نحو تعطل سيارتها، أو تآمر أهل السوء عليها، وغير ذلك. فمن تمام الحكمة أن تصاحب محرما في سفرها؛ لأن الهدف من وجود محرمها حفظُها وصيانتها والقيام بأمرها ولاسيما حيث يقع شيء من الأمور الضارة والسفر عرضة لذلك بغض النظر عن المدة.
قال النووي رحمه الله: (فَالْحَاصِل أَنَّ كُلّ مَا يُسَمَّى سَفَرًا تُنْهَى عَنْهُ الْمَرْأَة بِغَيْرِ زَوْج أَوْ مَحْرَم) اهـ.
وسئلت اللجنة الدائمة عن جواز سفر المرأة للحج بدون محرم فأجابت بما يلي: " لا يجوز أن تسافر المرأة لحج أو غيره بدون محرم " فتاوى اللجنة الدائمة 11/97.
وبهذا يتضح أن الإسلام سبق النظم كلها في رعاية المرأة وحفظها واحترامها وتقديرها، واعتبارها درة ثمينة يجب أن تصان عن المفاسد والشرور.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3763)
إذا جاز للمرأة أن تسكن بمفردها فلم لا تسافر دون محرم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمرأة أن تعيش بمفردها؟ إذا كان يجوز لها السكن بمفردها فلماذا لا يجوز لها السفر بمفردها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
للمرأة أن تعيش بمفردها بشرط أن تأمن على نفسها، وليست من أهل التهمة والريبة، وأما سفرها بلا محرم، فهو منهي عنه نهيا صريحا، كما في الحديث الذي رواه البخاري (1729) ومسلم (2391) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ وَلا يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ فَقَالَ اخْرُجْ مَعَهَا) .
وهذا من تمام الحكمة، فإن السفر مظنة التعب والمشقة، والمرأة لضعفها تحتاج لمن يؤازرها ويقف إلى جوارها، وقد ينزل بها ما يفقدها صوابها، ويخرجها عن طبيعتها، في حال غياب محرمها، وهذا مشاهد معلوم اليوم لكثرة حوادث السيارت وغيرها من وسائل النقل.
وأيضا: سفرها بمفردها يعرضها للإغراء والمراودة على الشر، لاسيما مع كثرة الفساد، فقد يجلس إلى جوارها من لا يخاف الله، ولا يتقيه، فيزين لها الحرام.
ولو فرض أنها تسافر وحدها في سياراتها، فهي معرضة لمخاطر أخرى من نحو تعطل سيارتها، أو تآمر أهل السوء عليها، وغير ذلك.
وبهذا يتضح أن الإسلام سبق النظم كلها في رعاية المرأة وحفظها واحترامها وتقديرها، واعتبارها درة ثمينة يجب أن تصان عن المفاسد والشرور.
ونحن نسلم لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، ونعلم أن فيه تمام الحكمة والرحمة، لأن الله تعالى لا يحرم على عباده إلا ما فيه مفسدة ومضرة لهم.
ولا يصح أن يقال السفر على إقامة المرأة في بيت بمفردها في بلدها، لأن المخاطر في السفر أكثر منها في بلد الإقامة، فإنها في بلدها لو حدث لها شيء أو احتاجت من يغيثها لوجدت من يساعدها، ويخشى أهل الشر والفساد من الاعتداء عليها وهي في بلدها وبيتها ما لا يخشون في حال سفرها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3764)
يجوز للمرأة أن تأخذ ما يمنع الحيض من أجل الحج
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمرأة أن تأخذ حبوباً تمنع الدورة لتتمكن من الحج مع الناس؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" لا حرج أن تأخذ المرأة حبوب منع الحمل تمنع الدورة الشهرية أيام رمضان حتى تصوم مع الناس، وفي أيام الحج حتى تطوف مع الناس ولا تتعطل عن أعمال الحج، وإن وجد غير الحبوب شيء يمنع من الدورة فلا بأس إذا لم يكن فيه محذور شرعاً أو مضرة " انتهى كلام الشيخ عبد العزيز بن باز.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى ابن باز (17/60)(5/3765)
يشترط تعيين صاحب الهدي من قبل الوكيل عنه في الذبح
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجب ذبح الهدي بنفسي أم يجوز التوكيل لأحد المكاتب أو البنوك الموجودة بمكة والمتخصصة في ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجب على الإنسان أن يذبح هديه بنفسه، ويجوز أن يوكل ثقة أمينا يتولى ذلك عنه.
ولكن يجب التنبه إلى أمر يتعلق بالتوكيل، وهو أنه يلزم عند الذبح تعيين صاحب الهدي، فينوي الوكيل أنها عن فلان، ولا يصح أن يذبح مجموعة من الخراف مثلا عن مجموعة من الناس دون تعيين.
وعليه؛ فلا يجوز توكيل المكاتب أو البنوك التي لا تعين أسماء المذبوح لهم إلا عند الضرورة، بحيث يتعذر على الإنسان أن يذهب إلى المذبح بنفسه، أو أن يجد وكيلا ثقة يذبح عنه.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: بعض الحملات يجمعون من الحجاج مبالغ للهدي ويذبحون عنهم هديهم، ولكن ربما تركوا التسمية عن كل واحد فهل هذا جائز؟
فأجاب: "هذا لا يجوز، لا بد أن تعين لمن هذه الذبيحة، فمثلاً: إذا كان في الحملة ثلاثون رجلاً واشترى لهم ثلاثين شاةً؛ فليكن بين يديه قائمة بأسمائهم، وكلما قدم شاةً قال: هذه عن فلان؛ لأنه لا بد من التعيين، أما أن يذبح الثلاثين عن ثلاثين رجلاً فلا يصلح هذا " انتهى من "اللقاء الشهري" (73/32) .
وسئل رحمه الله: سمعنا عنكم يا فضيلة الشيخ أنكم قد حذرتم من إعطاء هذه الشركات، ولكن ما الحل فيما مضى فإنا قد حججنا أكثر من مرة ونعطيها هذه الشركات ولا يأخذون أسماءنا، فما الحكم فيما مضى هل يجزئ؟ فإن كان لا يجزئ فماذا يلزمنا؟
الجواب: "إننا لم نحذر من إعطاء الهدي؛ لأن الهدي في الحقيقة ضرورة، لأن الإنسان بين أمرين: إما أن يعطيها لهذه الشركات، وإما أن يذبحها ويدعها في الأرض لا ينتفع بها لا هو ولا غيره، أما إذا حصل أن الإنسان يذبح هديه ويأكل منه ويهدي ويتصدق فهذا لا شك أنه أفضل بكثير، وهذا يمكن لبعض الناس الذين لهم معارف في مكة يمكن أن يوكلوه ويقولوا: اذبحوا لنا الهدي، وحينئذٍ ينتفع به، أو هو ينزل إلى مكة ويذهب إلى المسلخ ويشتري ويذبح هناك فسيجد من يتزاحمون عنده ليأخذوا منه، لكن الذي أرى أن من الخطأ العظيم أن يرسل بقيمة الأضاحي إلى بلاد أخرى ليضحى بها هناك، هذا هو الذي ليس له أصل، والنبي عليه الصلاة والسلام كان يبعث بالهدي إلى مكة ليذبح في مكة ولم ينقل عنه لا في حديث صحيح ولا ضعيف أنه أرسل أضحيته لأي مكان، بل كان يذبحها في بيته ويأكلون ويهدون ويتصدقون " انتهى من "اللقاء الشهري" (34/17) .
وإذا كانت الشركة تكتب اسم صاحب الذبيحة وتعلقها في رقبتها ـ كما تفعل بعض الشركات ـ ونوى الذابح أن هذه الذبيحة عن صاحب هذه الورقة، كان ذلك مجزئاً وصحيحاً، وحصل به التعيين المطلوب، ولا يشترط أن يذكر اسم صاحبها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3766)
تقيم في جدة واعتمرت في أشهر الحج فهل تكون متمتعة إذا حجت؟
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي يعمل في جده ونحن مقيمون بها منذ ما يقرب من سنه وقمنا بأداء العمرة في شهر ذي القعدة ثم تحللنا وعدنا إلى جده وننوي الحج هذا العام إن شاء الله وسوف نذهب يوم الثامن من ذي الحجة إلى مكة فهل علينا حج التمتع وهل يعتبر هذا سفر واحد وهل يجوز أن أحج بمال زوجي برضاه أرجو الإيضاح في المسالتين بالتفصيل والسلام عليكم]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
التمتع: هو أن يحرم الإنسان بالعمرة في أشهر الحج ويحل منها ثم يحرم بالحج من عامه، ويلزمه بذلك هدي؛ لقوله تعالى: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ) البقرة/196.
فإن عاد إلى بلده بعد العمرة، ثم أنشأ سفرا جديدا للحج فهو مفرد، وليس متمتعا عند جمهور أهل العلم.
وعليه؛ فرجوعكما بعد العمرة من مكة إلى جدة يقطع حكم التمتع.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: إني أديت مناسك العمرة في شهر شوال 1395هـ، وبعد تأديتها رجعت إلى بلدتي، وبما أني عازم إن شاء الله على تأدية فريضة الحج هذا العام 1395هـ، فهل يكون علي فدي أم لا؟
فأجابوا: "جمهور الفقهاء يرون أنه ليس عليك هدي؛ لأنك لم تتمتع بالعمرة إلى الحج في سفرة واحدة، حيث ذكرت أنك رجعت بعد أداء العمرة في شوال عام 95هـ إلى بلدك، ولم تبق بمكة حتى تؤدي الحج.
ويرى بعض الفقهاء أن عليك الهدي إذا حججت من عامك ولو رجعت إلى بلدك أو إلى أبعد منها؛ لعموم قوله تعالى: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) البقرة/196. والفتوى والعمل جاريان على قول الجمهور من عدم وجوب الهدي في ذلك " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/366) .
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن رجل أدى العمرة في شوال ثم رجع إلى أهله، ثم عاد إلى مكة بنية الحج مفرداً، هل يكون متمتعاً ويجب عليه الهدي؟
فأجاب: " إذا أدى الإنسان العمرة في شوال ثم رجع إلى أهله ثم أتى بالحج مفرداً فالجمهور على أنه ليس بمتمتع، وليس عليه هدي، لأنه ذهب إلى أهله ثم رجع بالحج مفرداً، وهذا هو المروي عن عمر وابنه رضي الله عنهما، وهو قول الجمهور، والمروي عن ابن عباس أنه يكون متمتعاً، وأن عليه الهدي، لأنه جمع بين الحج والعمرة في أشهر الحج في سنة واحدة، أما الجمهور فيقولون: إذا رجع إلى أهله، وبعضهم يقول: إذا سافر مسافة قصر ثم جاء بحج مفرد فليس بمتمتع، والأظهر ـ والله أعلم ـ أن الأرجح ما جاء عن عمر وابنه رضي الله عنهما، أنه إذا رجع إلى أهله فإنه ليس بمتمتع، ولا دم عليه، وأما من جاء للحج وأدى العمرة ثم بقي في جدة أو الطائف وهو ليس من أهلهما ثم أحرم بالحج فهذا متمتع، فخروجه إلى الطائف أو جدة أو المدينة لا يخرجه عن كونه متمتعاً، لأنه جاء لأدائهما جميعاً، وإنما سافر إلى جدة أو الطائف لحاجة، وكذا من سافر إلى المدينة للزيارة كل ذلك لا يخرجه عن كونه متمتعاً في الأظهر والأرجح فعليه هدي التمتع، ويسعى للحج كما سعى لعمرته " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (17/96) .
وأنتم الآن من أهل جدة، فرجوعكما إليها رجوع إلى بلدكما ومحل إقامتكما.
ثانيا:
يجوز للإنسان أن يحج على نفقة غيره، من والد أو زوج أو ابن أو غيرهم، ولزوجك الأجر على تمكينك من الحج وإعانتك عليه، وليس من شرط الحج أن يكون من نفقة الإنسان نفسه، وينظر جواب السؤال رقم (36841) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3767)
مختصر صفة الحج عن النفس أو الغير، وأنواع النسك
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أحج هذا العام بالنيابة عن والدي المتوفى علما بأني حججت عن نفسي قبل عدة سنوات، فأرجو أن توضح لي أفضل طريقة لأداء الحج حسب السنَّة، وما هي الفروق بين أنواع الحج؟ وأيها الأفضل أن يؤديها الإنسان لنفسه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
هذا ملخص لما يقوم به الحاج وفق السنَّة الصحيحة:
1. يحرم الحاج في اليوم الثامن من ذي الحجة من مكة أو قربها من الحرم، ويفعل عند إحرامه بالحج كما فعل عند إحرامه بالعمرة من الغسل والطيب والصلاة فينوي الإحرام بالحج ويلبي , وصفة التلبية في الحج كصفة التلبية في العمرة إلا أنه يقول هنا: لبيك حجا بدل قوله: لبيك عمرة , وإن كان خائفا من عائق يمنعه من إتمام حجه اشترط فقال: وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني وإن لم يكن خائفا من عائق لم يشترط.
2. ثم يذهب إلى " مِنى " فيبيت بها، ويصلي بها خمس صلوات الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر.
3. فإذا طلعت الشمس من اليوم التاسع سار إلى " عرفة "، وصلى بها الظهر والعصر جمع تقديم قصراً، ثم يجتهد في الدعاء والذكر والاستغفار إلى أن تغرب الشمس.
4. فإذا غربت سار إلى " مزدلفة "، فصلى بها المغرب والعشاء حين وصوله، ثم يبيت بها إلى أن يصلي الفجر، فيذكر الله تعالى ويدعوه إلى قبيل طلوع الشمس.
5. ثم يسير منها إلى " مِنى " ليرمي جمرة العقبة، وهي الأخيرة مما يلي مكة بسبع حصيات متعاقبات واحدة بعد الأخرى كل واحدة بقدر نواة التمر تقريبا يكبر مع كل حصاة.
6. ثم يذبح الهدي، وهو شاة أو سبع بدنة أو سبع بقرة.
7. ثم يحلق رأسه إن كان ذكراً , وأما المرأة فحقها التقصير دون الحلق، ويكون تقصيرها بمقدار أنملة من جميع شعرها.
8. ثم يذهب إلى مكة فيطوف طواف الحج.
9. ثم يرجع إلى " منى " فيبيت فيها تلك الليالي، أي: ليلة الحادي عشر والثاني عشر من شهر ذي الحجة، ويرمي الجمرات الثلاث بعد زوال الشمس كل واحدة بسبع حصيات متعاقبات، يبدأ بالصغرى - وهي البعيدة من مكة - ثم الوسطى، ويدعو بعدهما، ثم جمرة العقبة وليس بعدها دعاء.
10. فإذا أتم رمي الجمار في اليوم الثاني عشر فإن شاء تعجل ونزل من منى , وإن شاء تأخر فبات بها ليلة الثالث عشر ورمى الجمار الثلاث بعد الزوال كما سبق , والتأخر أفضل , ولا يجب إلا أن تغرب الشمس من اليوم الثاني عشر وهو بمنى , فإنه يلزمه التأخر حتى يرمي الجمار الثلاث بعد الزوال , لكن لو غربت عليه الشمس بمنى في اليوم الثاني عشر بغير اختياره مثل أن يكون قد ارتحل وركب ولكن تأخر بسبب زحام السيارات ونحوه فإنه لا يلزمه التأخر لأن تأخره إلى الغروب بغير اختياره.
11. فإذا انتهت تلك الأيام وأراد السفر: لم يسافر حتى يطوف بالبيت طواف الوداع سبعة أشواط، إلا المرأة الحائض والنفساء فلا وداع عليهما.
12. إذا كان الحاج متطوعا بالحج نيابة عن غيره سواء أكان قريباً له أو غير قريب فإنه لا بد أن يكون قد حج عن نفسه قبل ذلك، ولا يتغير من صفة الحج إلا النية بأن ينوي الحج عن هذا الشخص ويسميه في التلبية فيقول (لبيك عن فلان) ، ثم في الدعاء في المناسك يدعو لنفسه ويدعو لهذا الذي يحج عنه.
ثانياً:
أما أنواع الحج فهي ثلاثة: التمتع , والقِرَان , والإفراد
التمتع: هو الإحرام بالعمرة في أشهر الحج – وهي: شوال , ذو القعدة , عشر من ذي الحجة - ويفرغ منها الحاج، ثم يحرم بالحج من مكة أو قربها يوم التروية في عام عُمرته.
القران: وهو الإحرام بالعمرة والحج معا ولا يحل منهما الحاج إلا يوم النحر أو يُحرم بالعمرة ثم يدخله عليها قبل الشروع في طوافها.
الإفراد: وهو أن يحرم بالحج من الميقات أو من مكة إذا كان مقيما بها أو بمكان آخر دون الميقات ثم يبقى على إحرامه إلى يوم النحر إذا كان معه هديٌ فإن لم يكن معه هديٌ شُرع له فسخ حجه إلى العمرة فيطوف ويسعى ويقصّر ويحل كما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم الذين أحرموا بالحج وليس معهم هدي. وهكذا القارن إذا لم يكن معه هدي يشرع له فسخ قرانه إلى العمرة لما ذكرنا
وأفضل الأنساك التمتع لمن لم يسق الهدي لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به أصحابه وأكده عليهم.
وننصحك – للمزيد في معرفة أحكام الحج والعمرة – بالرجوع إلى كتاب مناسك الحج والعمرة للشيخ ابن عثيمين رحمه الله، ويمكنك التحصُّل عليه من خلال موقع الشيخ على الشبكة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3768)
القارن يلزمه طواف واحد وسعي واحد
[السُّؤَالُ]
ـ[ذهبت إلى الحج بنية القران وانتهيت من العمرة فنصحني بعض الإخوة بالسعي مرة واحدة فقط فهل يجوز ذلك؟ وإن لم يكن فما الحكم مع أنني سألت؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
القارن بين الحج والعمرة لا يلزمه إلا طواف واحد وسعي واحد، كالمفرد.
والطواف اللازم في حقه هو طواف الإفاضة، وأما طواف القدوم فسنة. والسعي له أن يأتي به بعد طواف القدوم أو يؤخره ليكون بعد طواف الإفاضة.
وهذا ما دلت عليه السنة الصحيحة، وذهب إليه جمهور أهل العلم.
قال ابن قدامة رحمه الله: " المشهور عن أحمد , أن القارن بين الحج والعمرة , لا يلزمه من العمل إلا ما يلزم المفرد , وأنه يجزئه طواف واحد , وسعي واحد , لحجه وعمرته. وهذا قول ابن عمر , وجابر بن عبد الله , وبه قال عطاء , وطاوس , ومجاهد , ومالك , والشافعي , وإسحاق , وأبو ثور , وابن المنذر.
وعن أحمد رواية ثانية , أن عليه طوافين وسعيين. وبه قال الثوري , وأبو حنيفة. وقد روي عن علي , ولم يصح عنه ".
ثم ذكر أدلة الجمهور فقال: " عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (وأما الذين كانوا جمعوا بين الحج والعمرة , فإنما طافوا لهما طوافا واحدا) . متفق عليه. وفي مسلم (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة , لما قرنت بين الحج والعمرة: يسعك طوافك لحجك وعمرتك) . وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أحرم بالحج والعمرة , أجزأه طواف واحد , وسعي واحد عنهما جميعا) . وعن جابر (أن النبي صلى الله عليه وسلم قرن بين الحج والعمرة , فطاف لهما طوافا واحدا) . رواهما الترمذي , وقال في كل واحد منهما: حديث حسن. وروى ابن ماجه عن جابر وابن عمر وابن عباس (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يطف بالبيت هو وأصحابه لعمرتهم وحجهم إلا طوافا واحدا) " انتهى بتصرف من "المغني" (3/241) .
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: " أما الجمهور المفرقون بين القارن والمتمتع القائلون: بأن القارن يكفيه لحجه وعمرته طواف زيارة واحد، وهو طواف الإفاضة، وسعي واحد، فاحتجوا بأحاديث صحيحة ليس مع مخالفيهم ما يقاومها ".
انتهى من "أضواء البيان" (4/430) .
وبهذا يتبين أن ما ذُكر لك من أن القارن عليه سعي واحد هو الصواب.
ولا يخفى أن القارن إذا طاف للقدوم وسعى، فإنه يظل على إحرامه، ولا يأخذ من شعره، ولا يسمى ما أتى به عمرة؛ بل هي أعمال للحج والعمرة معا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3769)
صفة الحج عن الغير ونوع النسك فيها
[السُّؤَالُ]
ـ[الذي ينوي عن العاجز لمرض أو وفاة في أداء المناسك، ما هي صفة ما يقوم به هذا النائب؟ وهل يلزمه أن يختار حج التمتع أو الإفراد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
النائب يقول: (لبيك عن فلان) ويجب على النائب أن يتمتع لأن التمتع هو أفضل الأنساك، وكل إنسان وُكِّل في شيء فالواجب عليه اتباع الأفضل، إلا إذا اختار موكّله خلاف ذلك، لأن الوكيل مؤتمن ويجب عليه فعل الأصلح.
[الْمَصْدَرُ]
لقاء الباب المفتوح لابن عثيمين /170(5/3770)
يجب على المتمتع سعيان أحدهما للعمرة والثاني للحج
[السُّؤَالُ]
ـ[هل المتمتع يكفيه سعي واحد بين الصفا والمروة للعمرة والحج أم يجب عليه أن يسعى مرتين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب على المتمتع أن يسعى سعيين بين الصفا والمروة، الأول للعمرة والثاني للحج.
" ولا يكفي سعي واحد في أصح أقوال العلماء؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت الحديث، وفيه فقال: (ومن كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا. . . إلى أن قالت: فطاف الذين أهلوا بالعمرة بالبيت وبالصفا والمروة ثم حلوا ثم طافوا طوافا آخر بعد أن رجعوا من منى لحجهم) رواه البخاري ومسلم.
وقولها رضي الله عنها - عن الذين أهلوا بالعمرة -: (ثم طافوا طوافا آخر بعد أن رجعوا من منى لحجهم) تعني به: الطواف بين الصفا والمروة، على أصح الأقوال في تفسير هذا الحديث، وأما قول من قال: أرادت بذلك طواف الإفاضة، فليس بصحيح؛ لأن طواف الإفاضة ركن في حق الجميع وقد فعلوه، وإنما المراد بذلك: ما يخص المتمتع، وهو الطواف بين الصفا والمروة مرة ثانية بعد الرجوع من منى لتكميل حجه، وذلك واضح بحمد الله، وهو قول أكثر أهل العلم، ويدل على صحة ذلك أيضا ما رواه البخاري في الصحيح تعليقا مجزوما به، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه سئل عن متعة الحج، فقال: أَهَّل المهاجرون والأنصار وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، في حجة الوداع وأهللنا، فلما قدمنا مكة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اجعلوا إهلالكم بالحج عمرة إلا من قلد الهدي) ، فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة، وأتينا النساء، ولبسنا الثياب، وقال: (من قلد الهدي فإنه لا يحل حتى يبلغ الهدي محله) ، ثم أمرنا عشية التروية أن نهل بالحج، فإذا فرغنا من المناسك جئنا فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة) . انتهى المقصود منه، وهو صريح في سعي المتمتع مرتين. والله أعلم.
وأما ما رواه مسلم عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يطوفوا بين الصفا والمروة إلا طوافا واحدا طوافهم الأول، فهو محمول على من ساق الهدي من الصحابة؛ لأنهم بقوا على إحرامهم مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى حلوا من الحج والعمرة جميعا، والنبي صلى الله عليه وسلم قد أهل بالحج والعمرة وأمر من ساق الهدي أن يهل بالحج مع العمرة، وألا يحل حتى يحل منهما جميعا. والقارن بين الحج والعمرة ليس عليه إلا سعي واحد، كما دل عليه حديث جابر المذكور وغيره من الأحاديث الصحيحة.
وهكذا من أفرد الحج وبقي على إحرامه إلى يوم النحر ليس عليه إلا سعي واحد، فإذا سعى القارن والمفرد بعد طواف القدوم كفاه ذلك عن السعي بعد طواف الإفاضة، وهذا هو الجمع بين حديثي عائشة وابن عباس وبين حديث جابر المذكور رضي الله عنهم، وبذلك يزول التعارض ويحصل العمل بالأحاديث كلها.
ومما يؤيد هذا الجمع أن حديثي عائشة وابن عباس حديثان صحيحان، وقد أثبتا السعي الثاني في حق المتمتع، وظاهر حديث جابر ينفي ذلك، والمثبت مقدم على النافي، كما هو مقرر في علمي الأصول ومصطلح الحديث، والله سبحانه وتعالى الموفق للصواب، ولا حول ولا قوة إلا بالله" انتهى.
فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله.
"مجموع فتاوى ابن باز" (16/79- 81) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3771)
إدخال الحج على العمرة قبل الحلق
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أحرم المتمتع من الميقات، وأدى مناسك العمرة، ولم يحل إحرامه منها، بل ظل في إحرامه، ونوى به الحج. فما حكمه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن كان مرادك بقولك: (لم يحل إحرامه منها) ، أنه طاف للعمرة وسعى، وحلق أو قصر من شعره، ولم يخلع ثياب الإحرام، بل أحرم بالحج فورا، بملابس إحرام العمرة، فهذا لا شيء عليه؛ لأنه متمتع انتهى من أفعال العمرة ثم أحرم بالحج؛ فعمرته صحيحة وكذلك حجه. فإن كان إحرامه بالحج قبل يوم التروية فهو قد استعجل، وغايته أنه خالف السنة بتعجله، ولكن لا شيء عليه لذلك، وعليه دم؛ لتمتعه، كغيره.
وإن كان مرادك بقولك: (لم يحل إحرامه منها) ، أنه أدخل الحج على العمرة بعد ما طاف وسعى لها وقبل أن يحلق أو يقصر من شعره، فقد اختلف العلماء في هذا: والمشهور من المذهب أن حجه غير صحيح؛ لأنه لا يصح إدخال الحج على العمرة بعد الشروع في طوافها؛ لأنه شرع بالتحلل من العمرة بذلك. صرح بذلك الفقهاء رحمهم اللَّه إلا لمن كان معه هدي.
وفي قول ثان ذكره الموفق في «المغني» وغيره: أنه يصح حجه، وعليه دم، ويكون بذلك قارنا. قال في «المغني» (5/ 244) .: وإن أحرم بالحج قبل التقصير، فقد أدخل الحج على العمرة؛ فيصير قارنا. اهـ. مع أن الموفق ذكر فيما سبق أنه لا يصح.
وقد استشكل العلماء هذا، فقال بعضهم: إن ذلك سهو من الموفق رحمه اللَّه. وبعضهم قال: إنه غير سهو، وإنما أخذ بقول آخر. وقال آخرون: إن المراد من كان معه هدي. والقول بصحة حجه مذهب المالكية. وممن قال به من الحنابلة: الموفق في «المغني» وصاحب «الشرح الكبير» (3/ 424) . «والمستوعب» (4/291) «والمبدع» (3/327) ، وقال به الشيخ أبو المواهب والشيخ سليمان بن علي، ذكره في «مفيد الأنام» ، واختاره إذا كان ناسيا أو جاهلا، وعليه دم؛ لتركه الحلق، أو التقصير. واللَّه أعلم.
الشيخ عبد الله بن عبد العزيز بن عقيل.
وقد اختار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أنه يصح حجه، ويكون متمتعاً، عملاً بنيته، ويكون عليه أن يذبح شاة لأنه ترك واجباً من واجبات العمرة وهو الحلق أو التقصير، فقد سئل رحمه الله: المتمتع إذا نسى التقصير من شعره ثم دخل في الحج وتذكر بعد ما دخل في الحج فما الحكم؟
فأجاب:
"هذه مسألة عظيمة، بعض العلماء يقول: لا حج له؛ لأنه أحرم بالحج في غير موضعه، إذ إنه لو كان يريد أن يكون قارناً لأحرم بالحج قبل الطواف، فهو الآن لا قارن، ولا متمتع، والذي نرى أنه متمتع، وأنه يلزمه فدية لترك التقصير، وحجه صحيح إن شاء الله" انتهى.
"فتاوى ابن عثيمين" (22/474، 475) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3772)
لا يجوز تغيير نية الإحرام من القران إلى الإفراد
[السُّؤَالُ]
ـ[في أحد الأعوام نويت بالحج والعمرة معاً وقت الإحرام، وعندما سارت السيارة من قريتنا حوالي اثنين كيلو متر وجدت أن رفقاءنا في الحج أحرموا بالحج فقط – أي بالإفراد – فعملت مثلهم؛ فهل على شيء في ذلك أم لا؟ أفيدوني جزاكم الله خيراً، علماً بأنني ذهبت للعمرة بعد ذلك في رمضان عدة مرات.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا كان تحول نيتك من الإحرام بالحج والعمرة معاً إلى الإحرام بالحج فقط حصل قبل الإحرام فلا شيء عليك، وإن كان ذلك بعد عقد الإحرام بالحج والعمرة فلا يسقط ذلك عنك حكم القران، ودخلت أعمال عمرتك في أعمال حجك، وعليك هدي التمتع.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/162) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3773)
لا يصح تغيير النية من التمتع إلى الإفراد.
[السُّؤَالُ]
ـ[كنا ننوي الحج متمتعين، وحصل أن تأخرنا في الطريق فغيرنا الإحرام إلى إفراد وذهبنا إلى عرفات مباشرة، فهل يجوز ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المتمتع إذا لم يتمكن من الاعتمار قبل الحج، فإنه يغير نيته من التمتع إلى القران، فينوي أنه صار قارناً بين الحج والعمرة معاً.
وهذا هو ما وقع لعائشة رضي الله عنها، فإنها كانت متمتعة ثم حاضت ولم تتمكن من الاعتمار قبل الحج فأدخلت الحج على العمرة فصارت قارنة. رواه البخاري ومسلم.
ولا يجوز للمتمتع تغيير النية إلى إفراد، لأنه لما نوى العمرة وجب عليه إتمامها، لقوله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) البقرة/196.
ومعنى الإفراد أنه لن يعتمر وإنما يحج فقط، وعلى هذا، فتغييركم النية إلى الإفراد غير صحيح، وتكونون بذلك قارنين، فيلزمكم الهدي.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن مجموعة من الشباب خافوا ألا يتمكنوا من الاعتمار قبل الحج، فغيروا النية إلى الإفراد. فأجاب:
"إن كان تغيير النية قبل الإحرام فلا حرج في ذلك، وإن كان بعد الإحرام فإن حجهم كان قراناً، ولم يكن إفراداً، ومعنى أنه كان قراناً أنه لما أدخلوا الحج على العمرة صاروا قارنين، فإن القران له صورتان:
الأولى: أن يحرم بالحج والعمرة جميعاً من أول عقد الإحرام.
الثانية: أن يحرم بالعمرة أولاً ثم يدخل الحج عليها قبل الشروع في طوافها.
وعلى هذا ما دمتم أحرمتم بالعمرة أولاً ثم بدا لكم أن تجعلوها حجاً فإنكم تكونون قارنين، فإن كنتم قد ذبحتم هدياً في عيد الأضحى من حجكم ذلك العام فقد أتيتم بالواجب وتم لكم الحج والعمرة، فإن لم تكونوا قد ذبحتموه فإن عليكم أن تذبحوه الآن بمكة وتأكلوا منه وتتصدقوا. فمن لم يجد الهدي منكم ـ أي ما يشتري به الهدي ـ فإن عليه أن يصوم عشرة أيام الآن" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/39) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3774)
حجت مثل ما يحج الناس ولم تكن تعلم الأنساك الثلاثة
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة لا تعلم بأنساك الحج الثلاثة ولا تعلم النية فيها، ولها خمس حجج وهي تحج يوم التروية، وتذهب مع الناس، إذا ذهبوا عرفة وكذلك مزدلفة، وترمي الجمار، ليس له نية محددة من الأنساك الثلاثة، فهل حجها في هذه الأعوام صحيح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الظاهر أن حجها صحيح، لأنها كانت تقول: أحرمت بما الناس محرمون به، والإحرام بما أحرم به فلان جائز، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب في حجة الوداع وكان قدم من اليمن مع أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما فقال له: (بما أهللت) فقال: بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: فإن معي الهدي، فجعله قارناً، وأما أبو موسى الأشعري فقال: إنه أهل بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن لما لم يكن معه هدي أمره أن يجعلها عمرة، لأن التمتع أفضل من القران.
فهذه المرأة لا شك مما يظهر لنا أنها أحرمت بما أحرم به الناس، وإنها تقول: دربي درب الناس، لكن الواجب على الإنسان إذا أراد العبادة سواء حجا أو صوماً أو صدقة أو غير ذلك الواجب أن يتعلم قبل أن يتقدم، أما بعد أن فعل يأتي ويقول: ما الحكم؟ هذا لا شك أنه خلاف الأولى " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/22) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3775)
العمرة في أشهر الحج
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تجوز العمرة في أشهر الحج على أن لا أحج في نفس السنة، مثال: لقد ذهبت إلى مكة المكرمة قبل الحج بنصف شهر تقريبا، وقضيت مناسك العمرة وبعدها سافرت هل تجوز؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تجوز العمرة في أشهر الحج من غير خلاف بين العلماء، لا فرق في ذلك بين أن ينوي الحج في عامه أو لا ينوي ذلك.
وقد اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم أربع مرات، كلهن في شهر ذي القعدة، وهو من أشهر الحج التي هي شوال وذو القعدة وذو الحجة. ولم يحج إلا مع عمرته الأخيرة في حجة الوداع.
روى البخاري (4148) ومسلم (1253) عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عُمر كلهن في ذي القعدة إلا التي مع حجته:عمرة من الحديبية أو زمن الحديبية في ذي القعدة، وعمرة من العام المقبل في ذي القعدة، وعمرة من جِعْرانة حيث قسم غنائم حنين في ذي القعدة، وعمرة مع حجته ".
قال النووي رحمه الله في شرحه: (فالحاصل من رواية أنس وابن عمر اتفاقهما على أربع عمر وكانت إحداهن في ذي القعدة عام الحديبية سنة ست من الهجرة وصُدُّوا فيها فتحللوا وحسبت لهم عمرة، والثانية في ذي القعدة وهي سنة سبع وهي عمرة القضاء، والثالثة في ذي القعدة سنة ثمان وهي عام الفتح، والرابعة مع حجته وكان إحرامها في ذي القعدة وأعمالها في ذي الحجة) .
وقال: (قال العلماء وإنما اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم هذه العمر في ذي القعدة لفضيلة هذا الشهر ولمخالفة الجاهلية في ذلك فإنهم كانوا يرونه من أفجر الفجور. . . ففعله صلى الله عليه وسلم مرات في هذه الأشهر ليكون أبلغ في بيان جوازه فيها وأبلغ في إبطال ما كانت الجاهلية عليه والله أعلم) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3776)
إذا اعتمر في أشهر الحج ثم سافر قبل أن يحج هل ينقطع تمتعه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قمت بالعمرة في شهر شوال هذا العام وأنوي إن شاء الله أن أحج فهل يعتبر هذا حج تمتع ويلزم الهدي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من اعتمر في شوال، وأقام بمكة ثم حج من عامه، فهو متمتع، يلزمه دم التمتع.
وذلك أن التمتع هو " أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ويفرغ منها، ثم يحرم بالحج في عامه " وأشهر الحج هي: شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة.
فإن سافر بين العمرة والحج، ففيه خلاف بين الفقهاء، والصحيح في ذلك: أنه إذا رجع إلى بلده انقطع تمتعه، وإذا سافر إلى غير بلده فهو باقٍ على تمتعه، فإن حج من عامه وجب عليه الهدي.
سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: إني أديت مناسك العمرة في شهر شوال 1395هـ، وبعد تأديتها رجعت إلى بلدتي، وبما أني عازم إن شاء الله على تأدية فريضة الحج هذا العام 1395هـ، فهل يكون علي فدي أم لا؟
فأجابوا: جمهور الفقهاء يرون أنه ليس عليك هدي؛ لأنك لم تتمتع بالعمرة إلى الحج في سفرة واحدة، حيث ذكرت أنك رجعت بعد أداء العمرة في شوال عام 95هـ إلى بلدك، ولم تبق بمكة حتى تؤدي الحج.
ويرى بعض الفقهاء أن عليك الهدي إذا حججت من عامك ولو رجعت إلى بلدك أو إلى أبعد منها؛ لعموم قوله تعالى: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) البقرة/196. والفتوى والعمل جاريان على قول الجمهور من عدم وجوب الهدي في ذلك " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (11/366) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "إذا أحرم الإنسان بالتمتع ووصل إلى مكة فالواجب عليه أن يطوف ويسعى ويقصر، وبذلك يحل من عمرته، وله بعد ذلك أن يخرج إلى جدة، أو إلى الطائف، أو إلى المدينة، أو إلى غيرها من البلاد، ولا ينقطع تمتعه بذلك، حتى لو رجع محرماً بالحج، فإن التمتع لا ينقطع. أما لو سافر إلى بلده ثم عاد من بلده محرماً بالحج فإن تمتعه ينقطع، فإن عاد محرماً بعمرة بعد أن رجع إلى بلده صار متمتعاً بالعمرة الثانية لا بالعمرة الأولى؛ لأن العمرة الأولى انقطعت عن الحج بكونه رجع إلى بلده. وخلاصة القول: أن من كان متمتعاً فله أن يسافر بين العمرة والحج إلى بلده أو غيره، لكن إن سافر إلى بلده ثم عاد محرماً بالحج فقد انقطع تمتعه ويكون مفرداً، وإن سافر إلى غير بلده ثم عاد محرماً بالحج فإنه لا يزال على تمتعه وعليه الهدي كما هو معروف " انتهى من "اللقاء الشهري" (16/4) .
والحاصل: أنك إن رجعت إلى بلدك بعد العمرة انقطع التمتع، ولم يلزمك الهدي، وإن بقيت في مكة أو سافرت إلى بلد آخر غير بلدك، كالمدينة مثلا، لم ينقطع تمتعك.
وينبغي أن يُعلم أن أفضل الأنساك التمتع، فهو الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه، وتمنى أنه كان فعله. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (31822) .
فإن كنت رجعت إلى بلدك وانقطع تمتعك فالأفضل لك أن تحرم من الميقات بعمرة عند سفرك إلى الحج لتكون متمتعا.
وينبغي أن يُعلم أيضاً: أن الهدي ليس غرامة يتهرب منها الإنسان، بل هو عبادة يتقرب بها المسلم إلى الله تعالى، ويزداد بها تقوى وعملاً صالحا، وشكراً لله تعالى على تيسيره أداء النسكين (الحج والعمرة) في سفر واحد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3777)
هل له أن يحرم بعمرة فقط ثم ينوي الحج من مكة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن يؤدي المسلم عمرة فقط لأنه سيتجاوز الميقات ويبقى في مكة ثم يؤدي حج الفريضة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، يجوز للمسلم أن يحرم من الميقات بعمرة فقط، فإذا فرغ منها تحلل، وبقي في مكة حتى يحرم بالحج من موضعه في مكة في اليوم الثامن من شهر ذي الحجة، ويسمى هذا حج التمتع، لأنه أتى في سفرته بعمرة وحجة، وتحلل بينهما من الإحرام.
فالتمتع هو أن يأتي الإنسان بعمرة في أشهر الحج: شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة، ثم يحج في نفس السنة.
والمتمتع يلزمه ذبح هدي في مكة، يوزع على الفقراء هناك؛ فإن لم يجد ثمن الهدي صام ثلاثة أيام أثناء الحج، وسبعة بعد رجوعه إلى بلده؛ لقوله تعالى: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ) البقرة/196.
ويجوز للإنسان أن يحج حجا مفردا، بأن ينوي الحج عند الميقات، ولا ينوي العمرة، ويستمر على إحرامه حتى اليوم الثامن، ثم يكمل حجه، ولا هدي عليه.
كما يجوز أن يحج قارنا، بأن ينوي الحج والعمرة معا من الميقات، ثم إذا وصل مكة طاف وسعى، ولم يتحلل، بل يستمر على إحرامه حتى يكمل أعمال الحج، ويلزمه هدي كالمتمتع.
فهذه الأنساك الثلاثة، كلها جائزة، ولكن أفضلها هو التمتع.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (31822) و (27090) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3778)
هل يجوز للقارن أن يقلب نيته إلى إفراد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من غير رأيه ولبى بالحج مفردا بعد الميقات؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أجاب سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله على سؤال عن حكم من نوى بالحج متمتعا وبعد الميقات غير رأيه ولبى بالحج مفردا وهل عليه هدى 0
وقال سماحته: هذا يختلف فإن كان نوى قبل وصوله إلى الميقات نوى أنه يتمتع وبعد وصوله إلى الميقات غير نيته وأحرم بالحج وحده فهذا لا حرج عليه ولا فدية أما إن كان قد لبى بالعمرة والحج جميعا من الميقات أو قبل الميقات ثم أراد أن يجعله حجا فليس له ذلك ولكن لا مانع أن يجعله عمرة أما أن يجعله حجا فلا فالقران لا يفسخ إلى حج ولكن يفسخ إلى عمرة لأنه أرفق بالمؤمن ولانها هى التى أمر بها النبى أصحابه عليه الصلاة والسلام فإذا أحرم بهما جميعا من الميقات ثم أراد أن يجعله حجا مفردا فليس له ذلك ولكن له ان يجعل ذلك عمرة وهو الأفضل له فيطوف ويسعى ويقصر ويحل ثم يلبى بالحج بعد ذلك فيكون متمتعا. انتهى
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد العزيز بن باز(5/3779)
اعتمر في أشهر الحج ثم رجع إلى بلده فهل يكون متمتعاً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[برجاء الإفادة في عمل عمرة في أشهر الحج مع نية الحج في نفس العام، هل بالضرورة عند رجوعنا للحج أن نكون متمتعين وعلينا هدى أم لا؟ مع العلم أننا ننوي الحج مفردين، وإقامتنا في المدينة النبوية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المتمتع هو من أحرم بالعمرة في أشهر الحج وفرغ منها ثم أحرم بالحج من عامه.
ومن شرط التمتع ألا يسافر من مكة بعد العمرة إلى بلده، فإن سافر إلى بلده ثم رجع بالحج مفرداً فهو مفرد، ولا يكون متمتعاً، ولا يلزمه هدي، لأنه أنشأ للحج سفراً جديداً، وإذا أراد هذا الحاج أن يكون متمتعاً فإنه يحرم بعمرة من الميقات في سفره الثاني للحج.
أما إذا سافر من مكة بعد العمرة إلى غير بلده كما لو سافر إلى جدة ثم رجع محرماً بالحج، فهو متمتع، وسفره إلى جدة لا يبطل تمتعه، لأنه لم يسافر إلى أهله.
سئل الشيخ ابن باز عن رجل أدى العمرة في شوال ثم رجع إلى أهله، ثم عاد إلى مكة بنية الحج مفرداً، هل يكون متمتعاً ويجب عليه الهدي.
فأجاب:
إذا أدى الإنسان العمرة في شوال ثم رجع إلى أهله ثم أتى بالحج مفرداً فالجمهور على أنه ليس بمتمتع، وليس عليه هدي، لأنه ذهب إلى أهله ثم رجع بالحج مفرداً، وهذا هو المروي عن عمر وابنه رضي الله عنهما، وهو قول الجمهور، والمروي عن ابن عباس أنه يكون متمتعاً، وأن عليه الهدي، لأنه جمع بين الحج والعمرة في أشهر الحج في سنة واحدة، أما الجمهور فيقولون: إذا رجع إلى أهله، وبعضهم يقول: إذا سافر مسافة قصر ثم جاء بحج مفرد فليس بمتمتع، والأظهر والله أعلم أن الأرجح ما جاء عن عمر وابنه رضي الله عنهما، أنه إذا رجع إلى أهله فإنه ليس بمتمتع، ولا دم عليه، وأما من جاء للحج وأدى العمرة ثم بقي في جدة أو الطائف وهو ليس من أهلهما ثم أحرم بالحج فهذا متمتع، فخروجه إلى الطائف أو جدة أو المدينة لا يخرجه عن كونه متمتعاً، لأنه جاء لأدائهما جميعاً، وإنما سافر إلى جدة أو الطائف لحاجة، وكذا من سافر إلى المدينة للزيارة كل ذلك لا يخرجه عن كونه متمتعاً في الأظهر والأرجح فعليه هدي التمتع، ويسعى للحج كما سعى لعمرته اهـ مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (17/96) .
وفي فتاوى الشيخ ابن باز أيضاً (17/98) :
وإن رجع محرماً بالعمرة - يعني في سفره الثاني- وحل منها ثم أقام حتى يحج فهذا متمتع، وعمرته الأولى لا تجعله متمتعاً عند الجمهور، ولكن صار متمتعاً بالعمرة الأخيرة التي أداها ثم بقي في مكة حتى حج اهـ.
وقال الشيخ ابن عثيمين:
إذا رجع المتمتع إلى بلده ثم أنشأ سفراً للحج من بلده فهو مفرد، وذلك لانقطاع ما بين العمرة والحج برجوعه إلى أهله، فإنشاؤه السفر معناه أنه أنشأ سفراً جديداً للحج وحينئذ يكون حجه إفراداً، فلا يجب عليه هدي التمتع حينئذ، لكن لو فعل ذلك تحيلاً على إسقاط الهدي فإنه لا يسقط، لأن التحيل على إسقاط الواجب لا يقتضي إسقاطه، كما أن التحيل على المحرم لا يقتضي حله اهـ فتاوى أركان الإسلام (ص 524) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3780)
هل يمكن إلغاء فريضة الحج والعمرة بسبب انتشار مرض "انفلونزا الخنازير"؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن إلغاء فريضة الحج والعمرة بسبب انتشار مرض " انفلونزا الخنازير "؟ وهل يعتبر ذلك طاعوناً؟ وهل مكة والمدينة في مأمن من الأوبئة بحفظ الله أو يمكن انتقال العدوى في هذه الأماكن؟ وهل قوله تعالى: (ومن دخله كان آمناً) يشمل أيضا الأوبئة، أي: يكون آمناً من الأوبئة؟ . أفيدونا مأجورين؛ لأني مقدم على العمرة خلال شهر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا ريب أن الأمراض والأوبئة الفتاكة التي من طبيعتها الانتشار بالعدوى: تقاس على مرض الطاعون، من حيث أحكامه المتعلقة بما يسمَّى " الحجر الصحي ".
فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه خَرَجَ إِلَى الشَّأْمِ حَتَّى إِذَا كَانَ بِسَرْغَ لَقِيَهُ أُمَرَاءُ الأَجْنَادِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَأَصْحَابُهُ، فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِأَرْضِ الشَّأْمِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقَالَ عُمَرُ: ادْعُ لِي الْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ ... .
فجاء عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رضي الله عنه، وَكَانَ مُتَغَيِّبًا فِي بَعْضِ حَاجَتِهِ فَقَالَ: إِنَّ عِنْدِي فِي هَذَا عِلْماً، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا فِرَاراً مِنْهُ) رواه البخاري (5397) ومسلم (2219) .
قال النووي رحمه الله:
وأما الطاعون: فهو قروح تخرج في الجسد، فتكون في المرافق، أو الآباط، أو الأيدي، أو الأصابع، وسائر البدن , ويكون معه ورم، وألَم شديد , وتخرج تلك القروح مع لهيب، ويسودّ ما حواليه، أو يخضر، أو يحمر حمرة بنفسجية، كدرة، ويحصل معه خفقان القلب، والقيء , وأما الوباء: فقال الخليل وغيره: هو الطاعون، وقال: هو كل مرض عام , والصحيح الذي قاله المحققون: أنه مرض الكثيرين من الناس في جهة من الأرض، دون سائر الجهات , ويكون مخالفاً للمعتاد من أمراض في الكثرة، وغيرها , ويكون مرضهم نوعاً واحداً، بخلاف سائر الأوقات؛ فإن أمراضهم فيها مختلفة، قالوا: وكل طاعون وباء، وليس كل وباء طاعوناً , والوباء الذي وقع في الشام في زمن عمر كان طاعوناً , وهو طاعون " عمواس " , وهى قرية معروفة بالشام.
" شرح النووي " (14 / 204) .
وعليه: فكل مرض فتاك من شأنه الانتقال للآخرين بالعدوى التي يقدِّرها الله فيه: فإن له حكم الطاعون؛ لأن الشريعة لا تفرِّق بين متماثلين.
ثانياً:
أخذ العلماء من الحديث السابق أنه لا يجوز القدوم على أرض بها وباء فتَّاك ينتقل بالعدوى , ولا الخروج من أرض وقع فيها، كما هو ظاهر النص السابق.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
وفِي هذا الحَدِيث جَوَاز رُجُوع مَن أَرَادَ دُخُول بَلدَة فَعَلِمَ أَنَّ بِهَا الطَّاعُون، وَأَنَّ ذَلِكَ لَيسَ مِن الطِّيَرَة، وَإِنَّمَا هِيَ مِن مَنْع الإِلقَاء إِلَى التَّهْلُكَة، أَو سَدّ الذَّرِيعَة ... .
وَفِي الحَدِيث أَيضاً: مَنْع مَنْ وَقَعَ الطَّاعُون بِبَلَدٍ هُوَ فِيها مِن الخُرُوج مِنهَا.
" فتح الباري " (10 / 186، 187) .
وقال ابن القيم رحمه الله:
"وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم للأمة في نهيه عن الدخول إلى الأرض التي هو بها , ونهيه عن الخروج منها بعد وقوعه: كمال التحرز منه؛ فإن في الدخول في الأرض التي هو بها تعرضاً للبلاء , وموافاة له في محل سلطانه , وإعانة للإنسان على نفسه , وهذا مخالف للشرع والعقل، بل تجنب الدخول إلى أرضه من باب الحمية التي أرشد الله سبحانه إليها، وهي حمية عن الأمكنة، والأهوية المؤذية" انتهى.
" زاد المعاد " (4 / 42 - 44) .
ثالثاً:
اختلف العلماء في المقصود بالأمن في قوله تعالى: (وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا) آل عمران/97 على أقوال، ومنها ما هو مقبول، ومنها ما هو ضعيف لا يلتفت إليه.
أما الأقوال الضعيفة، أو الباطلة في معنى الآية:
1. فمنها قول من قال: إن من دخله يأمن من عذاب النار في الآخرة! .
2. وكقول من قال: إن من دخله يأمن من الموت على غير الإسلام! .
3. وكقول من قال: إن المعنى: أن من دخل الحرم يأمن من الأمراض.
4. وكقول من قال: إن معنى الآية: الأمن من القتل.
لوجود كل ذلك في واقع الأمر، كمن مات على الكفر، والردة، وكان قد دخل الحرم، ولوجود المرض، والوباء فيه، وكذا حصول القتل فيه، قديماً، وحديثاً.
05 وقيل: إن (مَن) ها هنا لمن لا يعقل، والآية في أمان الصيد.
وأما الأقوال المعتبرة في الآية:
1. أن معنى الآية: أن هذا الأمن على النفس من آيات الحرم؛ لأن الناس كانوا يُتخطفون من حواليه، ولا يصل إليه جبار، فقصد الله تعالى بذلك تعديد النعم على كل مَن كان بها جاهلاً، ولها منكراً من العرب، كما قال تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) العنكبوت/ 67، فكانوا في الجاهلية من دخله ولجأ إليه: أمِن من الغارة، والقتل.
2. أنه أراد به: أن مَنْ دخله عام " عمرة القضاء " مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كان آمِناً، كما قال تعالى: (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَآءَ اللَّهُ آمِنِينَ) الفتح/ 27.
3. أنها خبر بمعنى الأمر، تقديره: " ومَن دخله: فأمِّنوه "، كقوله تعالى: (فلا رفثَ ولا فسوقَ ولا جدال في الحج) البقرة/ 197، أي: لا ترفثوا، ولا تفسقوا.
قال ابن القيم رحمه الله:
وهذا إما خبر بمعنى الأمر؛ لاستحالة الخُلْفِ في خبره تعالى، وإما خبرٌ عن شرعه ودينه الذي شرَعه في حرمه، وإما إخبارٌ عن الأمرِ المعهود المستمِرِّ في حرمه في الجاهلية والإسلام، كما قال تعالى: (أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) العنكبوت/ 67، وقوله تعالى: (وَقَالُواْ إن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا، أَوَ لَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيءٍ) القصص/ 57، وما عدا هذا من الأقوال الباطلة: فلا يُلتفت إليه، كقول بعضهم: " ومَن دخله كان آمناً مِن النار "، وقول بعضهم: " كان آمناً مِن الموت على غير الإسلام "، ونحو ذلك، فكم ممن دخله وهو في قعر الجحيم.
" زاد المعاد في هدي خير العباد " (3 / 445) .
والقول الأول الذي ذكره ابن القيم هو الأليق بمعنى الآية.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
ويقول سبحانه: (وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا) يعني: وجب أن يؤمَّن , وليس المعنى أنه لا يقع فيه أذى لأحدٍ , ولا قتل , بل ذلك قد يقع , وإنما المقصود: أن الواجب تأمين من دخله , وعدم التعرض له بسوء.
وكانت الجاهلية تعرف ذلك , فكان الرجل يلقى قاتل أبيه أو أخيه فلا يؤذيه بشيء حتى يخرج.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (3 / 380) .
وعلى هذا: ليس المقصود بالأمنِ الأمنَ مِنَ الأمراض والأوبئة؛ فالأمراض والأوبئة قد تنزل أرض الحرم المكي والمدني , وهذا معروف، قديماً، وحديثاً.
وقد سبق في جواب السؤال رقم (131887) أن مكة والمدينة محفوظتان من الطاعون، وليستا محفوظتين من سائر الأوبئة والأمراض العامة.
رابعاً:
نحمد لله على أن هذا الوباء لم يبلغ مكة، أو المدينة، وإنما هي بضع حالات في عموم المملكة العربية السعودية، كما هو في أكثر الدول، مع الوجود الكبير اليومي من المصلين، والمعتمرين، ومع ذلك فلا بأس أن يأخذ الإنسان بأسباب السلامة، كلبس الكمامات , وغير ذلك من أسباب الوقاية من المرض.
والملاحظ أن بعض وسائل الإعلام تهول من هذا الأمر , ويستغل بعض الحاقدين والمتربصين ذلك للتنفير من شعائر الإسلام , مع أن هناك تجمعات كبيرة مماثلة - كملاعب كرة القدم، والمهرجانات الغنائية - ولم نر، أو نسمع، من أولئك التحذير والتنفير من تلك التجمعات، بل على العكس من ذلك، نرى التشجيع على الحضور، والمشاركة.
وإن تعجب فعجب من بعض العلماء حيث يفتون بعدم جواز الذهاب إلى الحج هذا العام بسبب ظهور بضع حالات في المملكة العربية السعودية! وكانوا يشددون أن النص النبوي في الطاعون لا يقبل الجدال أنه منطبق على هذه الحالة! وقد ظهر المرض في كثير من الدول، وشفي كثير منها، ولم يصل الأمر إلى إغلاق الدول الأبواب على نفسها.
وبكل حال: فإذا صارت بلد موبوءة بمرض " انفلونزا الخنازير "، أو " الطاعون ": فالحكم واحد، ولا فرق بين المملكة العربية السعودية، وغيرها، لكن ليس الحكم في هذا لأحدٍ من الناس، إلا أن يُعلن من مختصين أن تلك البقعة صارت موبوءة، فحينئذٍ نطبق عليها الحكم الشرعي، من تحريم دخولها، وتحريم خروج أحدٍ منها، لكن لا يتعجلن أحد بالحكم على موسم الحج، أو العمرة بالإلغاء، قبل دارسة ذلك من أهل الاختصاص من الأطباء، ثم اعتماد علمائنا ذلك وإصدارهم فتوى في الموضوع.
قال الدكتور أحمد الريسوني - الخبير في " مجمع الفقه الإسلامي " -:
إن مسألة إلغاء العمرة في رمضان أو موسم الحج المقبل بسبب " إنفلونزا الخنازير ": يرجع القرار فيها إلى الأطباء المسلمين المختصين.
وقال:
إن " منظمة المؤتمر الإسلامي "، أو " مجمع الفقه الإسلامي الدولي " مطالبان في هذه الحالة بتنظيم لقاء للأطباء المسلمين من عدد من الدول الإسلامية؛ ليتدارسوا الوضعية، ويقدروا الاحتمالات، ويصدروا توصياتهم، وبناء عليها يقرر الفقهاء في " مجمع الفقه الإسلامي "، أو أي هيئة فقهية تشكَّل لهذا الغرض ما إذا كانت الضرورة تدعو لإلغاء الشعيرتين.
وقال:
إن تقدير أطباء غير مسلمين، من أمريكا، أو كندا، أو غيرهما: لا يكفي؛ لأن الأمر يتعلق بالعالم الإسلامي، والحجاج والمعتمرين القادمين منه، ويتعلق كذلك بموازنة بين فريضة الحج وشعيرة العمرة، وما لهما من أهمية، مع احتمالات الخطورة، وانتشار الوباء.
وقال:
إذا قرر الأطباء المسلمون أن هناك احتمالات مرتفعة لانتشار الوباء بواسطة تجمع الحج، والعمرة: فيتعين حينئذ على جميع الدول الإسلامية، وعلى المملكة العربية السعودية على الخصوص، اتخاذ التدابير اللازمة لوقف هذه التجمعات، وتعليقها إلى حين انجلاء هذا الوباء.
وقال:
إن هذا الإجراء لا غبار عليه، وعلى مشروعيته، ووجوبه؛ لأن الله تعالى يقول: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كان الوباء - أو الطاعون - في بلد فلا تخرجوا منه ولا تدخلوا إليه) ، وكذلك سيدنا عمر رضي الله عنه أوقف سير جيش بكامله كان يتجه إلى الشام لما علم أن بها وباء الطاعون.
وقال:
لكن لا ينبغي التعجل، بل اتخاذ الخطوات اللازمة التي تبتدئ بتقرير، وتقدير الأطباء المختصين بشكل جماعي، وتنتهي بفتوى الفقهاء، ثم بتنفيذ المسؤولين السياسيين في البلدان المعنية، وخاصة المملكة العربية السعودية.
انتهى من موقعه.
http://www.raissouni.org/affdetail.asp?codelangue=6&info=300
فالنصيحة للسائل أن يتوكل على الله , ويتوجه لأداء العمرة , والحج، وأن يأخذ بأسباب السلامة - كما تقدم -، إلا أن يظهر – لا قدَّر الله – ما يستوجب التوقف عن دخول البلد الحرام، ويظهر ذلك بفتاوى أهل العلم الثقات، والله هو المأمول أن يحفظنا وإياكم من كل سوء وشر.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3781)
متمتعة تركت سعي الحج وتزوجت بعد ذلك فماذا يلزمها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[حججت أنا وخالي ووالدتي متمتعين فأخذنا العمرة وحللنا وأحرمنا وأدينا مناسك الحج كلها ماعدا سعي الحج ظناً من والدتي أن سعي العمرة يكفي وهي جاهلة عن الحكم وأنا كنت في الثالثة عشرة من عمري ولكن كنت بالغة حينها وبعدها تزوجت ولم أعلم أن علي شيئاً إلا بالصدفة من بعض الداعيات فما علي أن أفعل الآن علماً بأن خالي توفي. وسأذهب بإذن الله إلى مكة لأداء العمرة فبماذا أبدأ وهل علي أن أذهب إلى الميقات بعد فعل سعي الحج السابق إذا كان علي ذلك والإحرام بالعمرة الجديدة وماذا عن عقد الزواج إذا لم أكن تحللت من النسك حتى الآن علماً بأن لي 38 سنة متزوجة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
السعي ركن من أركان الحج، لا يتم الحج بدونه، ولا يتحلل المحرم التحلل الأكبر حتى يأتي به، وأما التحلل الأصغر الذي يباح به كل شيء إلا النساء فيحصل بالرمي والحلق، ثم إذا طاف المحرم وسعى تحلل التحلل الأكبر، وحل له كل شيء.
والمفرد والقارن لا يلزمهما إلا سعي واحد، فإن سعيا بعد طواف القدوم كفاهما هذا السعي.
وأما المتمتع فيلزمه سعيان، سعي لعمرته، وسعي لحجه.
وعليه؛ فإذا لم تكوني سعيت سعي الحج، فأنت على إحرامك الآن، لم تتحللي التحلل الأكبر، ولا يجوز لزوجك أن يجامعك حتى تتحلي بفعل السعي.
وأما عقد النكاح: فما دام قد وقع بعد التحلل الأول الذي يحصل بالرمي والحلق أو التقصير، فإنه عقد صحيح على ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ورجحه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
قال الشيخ ابن عثيمين: " وهذا من الأمور التي ينبغي أن يسلك الإنسان فيها الاحتياط، فإذا جاءنا رجل ابتلي وعقد النكاح قبل أن يطوف طواف الإفاضة أو خطب امرأة قبل أن يطوف طواف الإفاضة، فنقول: لا تعد؛ لأن التحريم وإبطال العقد بعد أن وقع فيه صعوبة، ولكن لو جاءنا يستشير ويقول: هل تفتونني بأن أخطب أو أعقد النكاح وقد حللت التحلل الأول؟ فنقول له: لا " انتهى من "الشرح الممتع" (7/ 330) .
وإن كان قد وقع الجماع في هذه المدة عن جهل، فلا شيء عليكما، والأحوط أن تخرجي فدية، وهي ذبح شاة أو إطعام ستة مساكين يعطى لفقراء مكة، أو صيام ثلاثة أيام.
فقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: أنا من سكان مكة حججت العام الماضي وطفت ولكن لم أسع، فما الحكم؟
فأجاب: عليك السعي، وهذا غلط منك، ولا بد من السعي سواء كنت من أهل مكة أو من غيرهم، لا بد من السعي بعد الطواف بعد النزول من عرفات تطوف وتسعى، فالذي ترك السعي يسعى الآن، وإذا كان أتى زوجته عليه ذبيحة يذبحها في مكة للفقراء؛ لأنه لن يحصل له التحلل الثاني إلا بالسعي، فعليه أن يسعى الآن بنية الحج السابق، وعليه دم إن كان قد أتى زوجته " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (17/341) .
وقال رحمه الله - فيمن سافرت وقد بقي عليها من أشواط السعي - قال: "يجب عليكِ أن تعودي إلى مكة، وأن تسعي سبعة أشواط بين الصفا والمروة بنية الحج السابق، وعليك دم يذبح في مكة للفقراء إن كان لديكِ زوج قد جامعك، فإن لم يكن لديك زوج أو لديك ولم يحصل جماع فليس عليك دم. وعليك أن تطوفي للوداع عند السفر من مكة " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (17/345) .
ثانيا:
وما دمت تنوين العمرة فإنك تحرمين بها من الميقات، ثم إذا فرغت منها بالطواف والسعي والتقصير، فإنك تأتين بسعي الحج.
وانظري جواب السؤال رقم (109368) .
ويلزمك عند الخروج من مكة طواف الوداع؛ لأن وداعك الأول غير معتبر لوقوعه قبل الانتهاء من أعمال الحج.
ثالثا:
لا يلزم فعل شيء عن خالك، ولا يقضى عنه ما فاته من السعي، وهذا هو الصحيح فيمن مات في الحج سواء مات قبل التحلل الأول أو بعده.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم: (فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا) ، دليل على أنه لا يقضى عنه ما بقي من نسكه ولو كان الحج فريضة خلافا لما ذهب إليه بعض أهل العلم، وقالوا: إن يقضى عنه ما بقي من النسك إذا كان الحج فريضة؛ فإننا نقول ردا على هذا القول: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل لهم: اقضوا عنه بقية النسك، ولو كان قضاء بقية النسك واجبا لبينه النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولأننا لو قضينا عنه بقية نسكه لفوتنا عليه فائدة كبيرة جدا، وهي أنه يبعث يوم القيامة ملبيا؛ لأنه لو قضي عنه بقية النسك لتحلل وانتهى من النسك، فيكون في قضاء بقية النسك عنه إساءة للميت " انتهى من "الشرح الممتع" (5/ 286) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3782)
هل تُغطَّى رِجلا المحرِم الميت بكفنه أم تُكشفان؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الميت المحرِم - حاج أو معتمر - تُغطَّى رِجله أم تبقى مكشوفة مثل رأسه ووجهه؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم يأت دليل من السنة النبوية على كشف رجلي الرجل المحرم إذا مات، وإنما جاءت السنة بوجوب كشف رأسه، وفي بعض الألفاظ: (ووجهه) وأما الرجلان فتستران كما يُستر سائر البدن.
وعمدة المسألة: حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: بَيْنَمَا رَجُلٌ وَاقِفٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ، إِذْ وَقَعَ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَوَقَصَتْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْه وَلَا تُحَنِّطُوهُ، وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّياً) رواه البخاري (1206) ومسلم (1206) .
وتفرد مسلم بزيادة "الوجه"، فرواه مرة: (وَلاَ تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ وَلاَ وَجْهَهُ) .
(فوقصته) من الوقص وهو كسر العنق.
(سدر) ورق شجر، يدق ويستعمل في الغسل والتنظيف.
(ولا تحنطوه) لا تضعوا له الحَنوط، وهو طيب يخلط للميت خاصة، وهو يدل على أن جميع أنواع الطيب لا تحل للمحرم.
فهذا الحديث يدل على أنه يستر بدنه كله بالكفن إلا الرأس والوجه.
وقد نُقل عن الإمام أحمد أنه تكشف رجلاه أيضا، غير أن علماء المذهب الحنبلي ضعفوا هذه الرواية عن الإمام أحمد، وجزموا بوهم من نقلها عنه.
قال ابن قدامة رحمه الله:
"واختلف عنه – أي: عن الإمام أحمد - في تغطية رجليه، فروى حنبل عنه: " لا تُغطى رجلاه "، وهو الذي ذكره " الخِرَقي "، وقال الخلاَّل: " لا أعرف هذا في الأحاديث، ولا رواه أحدٌ عن أبي عبد الله [الإمام أحمد] غير حنبل، وهو عندي وهم من حنبل ".
والعمل على أنه يغطى جميع المحرم إلا رأسه؛ لأن إحرام الرجل في رأسه، ولا يمنع من تغطية رجليه في حياته، فكذلك في مماته" انتهى.
" المغني " (2 / 404) .
ومذهب الإمام الشافعي رحمه الله أنه يُكشف رأس المحرِم فقط، ويُغطى سائر بدنه.
وأما مذهب الإمامين أبي حنيفة ومالك رحمهما الله فهو: تكفين المحرم كتكفين غيره من الأموات فيستر جميع بدنه، وعندهم أن حديث ابن عباس خاص بذلك الصحابي.
جاء " الموسوعة الفقهية " (13 / 244، 245) :
"قال الشافعية والحنابلة: إذا مات المحرم، والمحرمة: حرُم تطييبهما، وأخذ شيء من شعرهما، أو ظفرهما، وحرُم ستر رأس الرجل، وإلباسه مخيطاً، وحرُم ستر وجه المحرمة؛ لما روى ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المحرم الذي وقصته ناقته فمات: (اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، اللذين مات فيهما، ولا تمسوه بطيب، ولا تخمروا رأسه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيّاً) .
وعند الحنفية والمالكية: يكفَّن المحرم، والمحرمة، كما يكفن غير المحرِم، أي: يُغطَّى رأسه، ووجهه، ويطيَّب، لما روي عن عطاء عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في المحرم يموت: (خمِّروهم ولا تشبهوهم باليهود) ، وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال في المحرم: (إذا مات انقطع إحرامه) ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: ولد صالح يدعو له، أو صدقة جارية، أو علم ينتفع به) ، والإحرام ليس من هذه الثلاثة" انتهى.
وحديث: (خمِّروهم ولا تشبهوهم باليهود) ، حديث ضعيف، رواه الدارقطني في " سننه " (2/296) من طريق: لي بن عاصم عن ابن جريح عن عطاء عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن الجوزي رحمه الله:
"حديث لا يصح، قال يزيد بن هارون: ما زلنا نعرف " علي بن عاصم " بالكذب، وكان أحمد: سيىء الرأي فيه، وقال يحيى: ليس بشيء، وقال النسائي: متروك الحديث" انتهى.
" التحقيق في أحاديث الخلاف " (2 / 5) .
وضعفه الشيخ الألباني في " السلسلة الضعيفة " (3556) .
والخلاصة:
أن رجلي المحرم إذا مات تستران بالكفن ولا تكشفان.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(5/3783)
إذا حاضت قبل طواف الإفاضة ولم يمكنها البقاء
[السُّؤَالُ]
ـ[إن شاء الله سوف أقوم بأداء فريضة الحج لهذا العام. ماذا أفعل في فترة الحيض أثناء المناسك أعلم أن المناسك مثل أي حاج ولكن فقط عدم الطواف بالبيت....سؤالي هو أريد أن أستعمل موانع الدورة الشهرية وزوجي طبيب ويرفض هذه الطريقة حيث يقول لي ممكن أن تحدث نزيفاً غير متوقع عند بعض النساء مما يسبب لي ربكة شديدة لكن أود أن أسال عن طواف الإفاضة ماذا أفعل لو أني حائض حيث إنني مرتبطة مع حملة طوافة وزوجي عنده شغل بعد الحج وأنا من مدينة حائل ومعي أطفال بمعني هناك صعوبة أن يتركني زوجي عند إخوته في جدة لحين طهارتي وطوافي بالبيت بعد أن أطهر دلوني علي الخير حيث إنني في حيرة من أمري.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الحائض لا يصح طوافها؛ لما روى البخاري (305) ومسلم (1211) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أنها لما حاضت قبيل دخول مكة في حجة الوداع قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ، غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي) .
وروى البخاري (4401) ومسلم (1211) عن عَائِشَةَ أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاضَتْ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟ فَقُلْتُ: إِنَّهَا قَدْ أَفَاضَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَطَافَتْ بِالْبَيْتِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَلْتَنْفِرْ) .
فهذا يدل على أن الحائض ممنوعة من الطواف، وعليها أن تبقى حتى تطهر، فإن سافرت لزمها الرجوع لتطوف، وهذا ما ذهب إليه جماهير أهل العلم.
وإذا خافت المرأة نزول الحيض قبل طوافها للإفاضة وكان لا يمكنها البقاء في مكة ولا العودة إليها بعد الذهاب منها، فلها أن تستعمل دواء لمنع الحيض لتتمكن من الطواف، والضرر الذي قد يلحقها من ذلك ضرر مغتفر في سبيل تحقيق هذه العبادة العظيمة وأدائها على الوجه المشروع.
وقد روى عبد الرزاق في مصنفه (1/318) أن ابن عمر رضي الله عنه سئل عن امرأة تطاول بها دم الحيضة فأرادت أن تشرب دواء يقطع الدم عنها فلم ير ابن عمر باسا، ونعت ابن عمر ماء الأراك [أي وصف لها ذلك دواء لها] ، قال معمر: وسمعت ابن أبي نجيح يسأل عن ذلك فلم ير به باسا.
وروى عن عطاء أنه سئل عن امرأة تحيض، يجعل لها دواء فترتفع حيضتها وهي في قرئها كما هي، تطوف؟ قال: نعم، إذا رأت الطهر، فإذا هي رأت خفوقا ولم تر الطهر الأبيض، فلا.
والخفوق: الدم القليل أو الخفيف قرب الانقطاع.
وإذا لم يمكنها أخذ هذا الدواء أو خافت حصول ضرر عليها منه، فقد ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى أنه إن لم يمكنها البقاء في مكة لذهاب رفقتها، ولم يمكنها الرجوع للطواف، فهي مضطرة، تستثفر وتتحفظ بما يمنع سقوط الدم وتطوف، وبهذا أفتى بعض أهل العلم.
فقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: قدمت امرأة محرمة بعمرة، وبعد وصولها إلى مكة حاضت. ومحرمها مضطر إلى السفر فوراً وليس لها أحد بمكة، فما الحكم؟
فأجابت: "إذا كان الأمر كما ذكر من حيض المرأة قبل الطواف وهي محرمة، ومحرمها مضطر للسفر فوراً وليس لها محرم ولا زوج بمكة، سقط عنها شرط الطهارة من الحيض لدخول المسجد وللطواف للضرورة، فتستثفر وتطوف وتسعى لعمرتها، إلا إنْ تيسر لها أن تسافر وتعود مع زوج أو محرم، لقرب المسافة ويسر المؤونة فتسافر وتعود فور انقطاع حيضها لتطوف طواف عمرتها وهي متطهرة، فإن الله تعالى يقول: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) . وقال: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) . وقال: (وما جعل عليكم في الدين من حرجٍ) . وقال: (فاتقوا الله ما استطعتم) .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم) ، الحديث، إلى غير ذلك من نصوص التيسير ورفع الحرج، وقد أفتى بما ذكرنا جماعة من أهل العلم منهم شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم رحمة الله عليهما " انتهى نقلا عن "فتاوى إسلامية" (2/238) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: امرأة حاضت ولم تطف طواف الإفاضة وتسكن خارج المملكة وحان وقت مغادرتها المملكة ولا تستطيع التأخر ويستحيل عودتها للمملكة مرة أخرى فما الحكم؟
فأجاب: "إذا كان الأمر كما ذكر امرأة لم تطف طواف الإفاضة وحاضت ويتعذر أن تبقى في مكة أو أن ترجع إليها لو سافرت قبل أن تطوف، ففي هذه الحالة يجوز لها أن تستعمل واحداً من أمرين: فإما أن تستعمل إبراً توقف هذا الدم وتطوف، وإما أن تتلجم بلجام يمنع من سيلان الدم إلى المسجد وتطوف للضرورة، وهذا القول الذي ذكرناه هو القول الراجح والذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وخلاف ذلك واحد من أمرين: إما أن تبقى على ما بقي من إحرامها بحيث لا تحل لزوجها ولا أن يعقد عليها إن كانت غير مزوجة، وإما أن تعتبر محصرة تذبح هدياً وتحل من إحرامها، وفي هذه الحال لا تعتبر هذه الحجة لها، وكلا الأمرين أمر صعب، فكان القول الراجح هو ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله في مثل هذه الحال للضرورة، وقد قال الله تعالى: (ما جعل عليكم في الدين من حرج) . وقال: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) . أما إذا كانت المرأة يمكنها أن تسافر ثم ترجع إذا طهرت فلا حرج عليها أن تسافر فإذا طهرت رجعت فطافت طواف الحج وفي هذه المدة لا تحل للأزواج لأنها لم تحل التحلل الثاني " انتهى من "فتاوى إسلامية" (2/237) .
وطواف المرأة الحائض للضرورة يمكن أن تُفتى به امرأة أتت من بلاد بعيدة ولا يمكنها لا البقاء في مكة ولا العودة مرة أخرى لتطوف، أما من كانت تقيم في بلاد الحرمين، أو إحدى دول الخليج، فإنه يمكنها الرجوع إلى مكة لتطوف طواف الإفاضة، فإذا تعذر عليها الإقامة بمكة حتى تطهر، فإنها تسافر ثم إذا طهرت رجعت لتطوف، وفي هذه الفترة تتجنب معاشرة زوجها لأنها لم تتحلل التحلل الثاني.
وهذا هو ما ينطبق على حالتك، فلا يجوز لك الطواف مع الحيض، ولكنك ترجعين إن طهرت للطواف.
وقد سئل الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم: حاضت امرأة قبل طواف الإفاضة، وهي مرتبطة بالسفر مع رحلة الحج التي أتت معها قبل أن تطهر من الحيض، فماذا عليها أن تفعل؟ علماً أنها لا تستطيع التأخر عن رحلتها في العودة، وجزاكم الله خيراً.
فأجاب:
"بالنسبة للمرأة التي حاضت قبل طواف الإفاضة لا تخلو من حالين:
الأول: أن تكون قادمة من بلاد بعيدة؛ كبلاد المغرب وباكستان، والهند، ونحو ذلك من البلاد البعيدة، فهذه على رأي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لها أن تتحفظ وأن تطوف للضرورة.
الثاني: أن تكون قادمة من بلاد قريبة؛ كأن تكون داخل المملكة العربية السعودية، أو تكون من بلاد الخليج، فهذه لا يجوز لها أن تطوف وهي حائض، بل تنتظر حتى تطهر، أو تذهب ثم بعد ذلك ترجع إذا طهرت، وإذا ذهبت فإنها لا تزال محرمة ولم تحل التحلل الثاني، فلا يجوز لزوجها أن يقربها حتى تحل التحلل الثاني" انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3784)
هل يجوز التنقل بين المشاعر بملابس الإحرام بقصد التعليم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[عندنا في " مكة " تقوم بعض المدارس بإقامة رحلة تعليمية للأطفال بالحج، وذلك بإلباس الأولاد الإحرام، وصحبهم إلى المشاعر، ويقومون بالتلبية، وذلك خلال يوم دراسي في ذي القعدة، فما حكم ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
كان للنبي صلى الله عليه طرق متعددة في تعليم أصحابه رضي الله عنهم، وفي كل هذه الطرق كان القصد من سلوك سبيلها: تقريب المادة إلى الذهن حتى كأنه يراها، أو ليؤدي الطاعة والعبادة على وجهها الأكمل، وهذا من حُسن تعليمه صلى الله عليه وسلم، والذي أثنى عليه أصحابه به، فقال معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه: (فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي، مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ) . رواه مسلم (537) .
مثال الأول:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: خَطَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطًّا مُرَبَّعًا، وَخَطَّ خَطًّا فِي الْوَسَطِ خَارِجًا مِنْهُ، وَخَطَّ خُطَطًا صِغَارًا إِلَى هَذَا الَّذِي فِي الْوَسَطِ مِنْ جَانِبِهِ الَّذِي فِي الْوَسَطِ وَقَالَ: (هَذَا الْإِنْسَانُ، وَهَذَا أَجَلُهُ مُحِيطٌ بِهِ - أَوْ قَدْ أَحَاطَ بِهِ - وَهَذَا الَّذِي هُوَ خَارِجٌ أَمَلُهُ، وَهَذِهِ الْخُطَطُ الصِّغَارُ: الْأَعْرَاضُ، فَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا: نَهَشَهُ هَذَا، وَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا: نَهَشَهُ هَذَا) رواه البخاري (6054) .
ومثال الثاني:
عن سَهْل بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ قال: وَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ عَلَيْهِ (يعني: المنبر) فَكَبَّرَ وَكَبَّرَ النَّاسُ وَرَاءَهُ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، ثُمَّ رَفَعَ فَنَزَلَ الْقَهْقَرَى حَتَّى سَجَدَ فِي أَصْلِ الْمِنْبَرِ، ثُمَّ عَادَ حَتَّى فَرَغَ مِنْ آخِرِ صَلَاتِهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي صَنَعْتُ هَذَا لِتَأْتَمُّوا بِي، وَلِتَعَلَّمُوا صَلَاتِي) رواه البخاري (875) ومسلم (544) .
وهو ما فعله الصحابة رضي الله عنهم من تعليم الناس بالعمل، كما فعله عثمان بن عفان رضي الله عنه في تعليم الناس الوضوء عمليّاً، وكما فعل مالك بن الحويرث وعقبة بن عمرو رضي الله عنهما عندما علَّما الناس صلاة النبي صلى الله عليه وسلم عمليّاً، وحديث عثمان في الصحيحين، وحديث مالك في البخاري، وحديث عقبة في أبي داود والنسائي.
وقد كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر صلاةً شرعية حقيقية، وليست حركات من أجل التعليم، وهكذا كان وضوء عثمان، وصلاة مالك بن الحويرث وعقبة بن عمرو رضي الله عنهم.
عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ: جَاءَنَا مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ فِي مَسْجِدِنَا هَذَا فَقَالَ: إِنِّي لَأُصَلِّي بِكُمْ وَمَا أُرِيدُ الصَّلَاةَ، أُصَلِّي كَيْفَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي.رواه البخاري (645) .
وبوَّب عليه البخاري: باب مَن صلَّى بالناس وهو لا يريد إلا أن يعلِّمهم صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وسنَّته. انتهى
وحمل قوله " وما أريد الصلاة " على أنه لم يُرد الصلاة بهم إماماً، وحُمل على أنه لم تكن ذمته مشغولة بصلاة، فصلاها بهم نافلة.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
استشكل نفي هذه الإرادة؛ لما يلزم عليها من وجود صلاة غير قُربة، ومثلها لا يصح، وأجيب: بأنه لم يرد نفي القربة، وإنما أراد بيان السبب الباعث له على الصلاة في غير وقت صلاة معينة جماعة، وكأنه قال: ليس الباعث لي على هذا الفعل حضور صلاة معينة من أداء، أو إعادة، أو غير ذلك، وإنما الباعث لي عليه: قصد التعليم، وكأنه كان تعين عليه حينئذ؛ لأنه أحد من خوطب بقوله (صلوا كما رأيتموني أصلي) - كما سيأتي - ورأى أن التعليم بالفعل أوضح من القول، ففيه دليل على جواز مثل ذلك، وأنه ليس من باب التشريك في العبادة.
" فتح الباري " (2 / 163) .
ثانياً:
هذا، ولا يُمنع أن يقوم المعلِّم بشرح الطاعات والعبادات العمليَّة، ولو لم يؤدها على أنها عبادة وقربة، وقد يستدعي منه هذا – مثلاً - أن لا يتجه للقبلة، أو أن يتكلم أثناء الركوع والسجود، موضِّحاً ومعلِّماً، وليس في ذلك ما يُنكر، ومثله من أراد أن يعلِّم الأذان، أو الخطابة.
وعليه: فلا مانع من قيام المعلِّم بتعليم الطلبة مناسك الحج عمليّاً في بعض أفعاله، كتعليمهم كيف يلبسون ملابس الإحرام، وأين يقفون في عرفة، وكيف يدفعون منها، وكيف يدعون في مزدلفة، وهكذا في باقي المناسك التي تحتاج إلى اطلاع على واقعها المكاني، ولا يشترط أن يكونوا محرمين حقيقة – بنزع كامل ملابسهم – ولا أن يتركوا محظورات الإحرام على الحقيقة، كما أنه قد يتم تعليم بعض المسلمين الصلاة بحركاتها العملية ولا يلزم أن يكونوا على وضوء، ولا باتجاه القبلة.
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
لي أطفال لم يتجاوز أكبرهم ثلاثة أعوام، يقون خلفي أثناء صلاتي بالمنزل؛ وذلك لأعلمهم كيفية الصلاة، ويكون ذلك بدون وضوء منهم، فهل يجوز ذلك؟ .
فأجاب:
"يجوز للإنسان أن يعلِّم أولاده الصلاة بالقول، وبالفعل، ولهذا لمَّا صنع المنبر للنبي صلى الله عليه وسلم صعد عليه، وجعل يصلي عليه، فإذا أراد السجود نزل وسجد على الأرض، ثم قال عليه الصلاة والسلام: (إنما فعلت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي) ، وينبغي أيضاً أن يعلَّم هؤلاء الوضوء ما داموا يفقهون، ويفهمون، لكن الذين في السنِّ التي ذكرها السائل - وهو أن أكبرهم له ثلاث سنوات - لا أظنهم يعقلون كما ينبغي، والنبي عليه الصلاة والسلام أمر أن نأمر أولادنا بالصلاة لسبع سنين، وأن نضربهم عليها لعشر" انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (13 / جواب السؤال رقم 644) .
والأمر في الحج أوسع منه في الصلاة، فالصلاة لا يمكن أن يكون الإمام فيها إلا مصليّاً على الحقيقة – وهو الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر ومالك وعمرو – ولا يلزم ذلك من يقود الحجاج إلى المناسك، وهو ما يُسمَّى " المطوِّف "؛ فلا يلزمه أن يكون محرماً فضلا، وهو عندما يعلِّم هؤلاء ويدلهم على المناسك قد ينوي العبادة في الطواف، لكنه لا يستطيع أن ينويها في عرفة ومزدلفة وهو غير محرِم.
قال ابن رجب الحنبلي – شارحاً لحديث مالك بن الحويرث -:
ولا يصح حمل كلامه عَلَى ظاهره، وأنه لَمْ ينو الصلاة بالكلية بل كَانَ يقوم، ويقعد، ويركع ويسجد، وَهُوَ لا يريد الصلاة: فإن هَذَا لا يجوز، وإنما يجوز مثل ذَلِكَ فِي الحج، يجوز أن يكون الَّذِي يقف بالناس، ويدفع بهم غير محرم، ولا مريداً للحج بالكلية، لكنه يكره.
قَالَ أصحابنا وغيرهم من الفقهاء فِي " الأحكام السلطانية ": لأن الوقوف، والدفع يجوز للمحرم، وغيره، بخلاف القيام، والركوع، والسجود: فإنه لا يجوز إلا فِي الصلاة بشروطها.
" فتح الباري " لابن رجب (4 / 116) .
والخلاصة:
أنه يجوز تعليم الأطفال والشباب مناسك الحج على واقعها المكاني بحقيقتها العملية.
ومن باب الفائدة: فقد منع كثير من أهل العلم صنع مجسَّم للكعبة يُطاف حوله للتعليم، وهذا ليس هو موضوع السؤال؛ لأن السؤال عن الذهاب لأماكن المناسك حقيقة، وليس تمثيلاً لها وتجسيماً لأماكنها.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3785)
رجل جامع زوجته في صيام واجب غير رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم في رجل جامع أهله في صيام واجب غير رمضان؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سئل فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله: ما الحكم في رجل جامع أهله في صيام واجب غير رمضان؟
فأجاب: اتفق العلماء على أن الكفارة تجب بالجماع في نهار رمضان سواء أنزل الماء أو لم ينزل.
ولا يستثنى من ذلك إلا المكره والجاهل والناسي في أصح قولي العلماء.
وإذا أنزل ولم يولج لزمه القضاء عند أكثر أهل العلم وإذا أولج ولم ينزل لزمته الكفارة والقضاء.
فالكفارة مربوطة بالإيلاج وليست بالإنزال.
ولا تجب الكفارة إلا في الجماع بنهار رمضان فلو جامع في قضاء واجب أو نذر أو نحو ذلك لم تجب عليه الكفارة وبه قال الجمهور وهذا ظاهر الأدلة.
وقد قال غيرُ واحد من أهل العلم. لو أن رجلاً وطيء في آخر يوم من رمضان فتبين له أنه من شوال لم تلزمه كفارة لأنه تبين أن صومه لم يكن فرضاً عليه والله أعلم. اهـ
انظر السؤال (40242) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3786)
مصاب بالسلس فماذا يصنع في الحج
[السُّؤَالُ]
ـ[أعاني منذ سنوات قلائل من سلس البول غير الدائم، تخرج مني قطرات من البول بعد التبول، خلال السنوات الفائتة اعتدت أن أستخدم مناشف ورقية مع ملابسي الداخلية وأنظف نفسي بالماء ثم أتوضأ قبل كل صلاة. أنوي الذهاب للحج هذا العام إن شاء الله، أسئلتي هي: - هل أرتدي ملابس داخلية حال الإحرام؟ - هل يجوز لي جمع كل صلاتين معا أثناء سفري لأداء الحج أو خلال تأديتي للمناسك؟ - هل أنظف نفسي مرتين وأتوضأ مرتين قبل جمع صلاتين معا أثناء الحج؟ - أشعر أحيانا أنني متأكد أن شيئا لم يخرج مني، فهل علي في هذه الحالة أن أنظف نفسي مرة أخرى قبل جمع الصلاتين التاليتين؟ - هل علىّ أن أستخدم الماء لتنظيف نفسي قبل كل صلاة حتى ولم لم أتبول؟ هل يجوز استخدام المناشف الورقية فقط؟ - هل يجوز لي الاستمرار في أخذ الأدوية أثناء الإحرام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
من كان حدثه دائما مستمرا، كصاحب سلس البول والريح، يتوضأ لوقت كل صلاة، ويصلي بوضوئه ما شاء من الفروض والنوافل، حتى يدخل وقت الصلاة الأخرى، ولا يضره لو خرج منه شيء بعد وضوئه ولو أثناء الصلاة.
وأما إن كان البول ينقطع عنه في وقت يتسع لطهارته وصلاته فإنه يلزمه تأخير الصلاة لذلك الوقت. وينبغي أن يذهب إلى الخلاء قبل الصلاة أو الأذان بربع ساعة مثلاً ثم يضع شيئاً يأمن معه التلوث بعد استنجائه، ثم إذا انقطع البول استنجي وتوضأ وصلى.
وينظر جواب السؤال: 39494 و 6656.
ثانيا:
يمكنك أثناء الإحرام أن تلف على ذكرك مناشف ورقية وأن تضع عليها كيسا يمنعها من السقوط ويمنع البول من الخروج، ولا يعد هذا من المحظورات.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم أن يضع المحرم صاحب السلس شيئاً على العضو - مثل الكيس - حتى لا تنتشر النجاسة؟ هل هو من محظورات الإحرام؟.
فأجاب: بأن هذا ليس من محظورات الإحرام. وينظر جواب السؤال رقم 11013
فإن شق ذلك عليك فالبس حفاظة أو ملابس داخلية، ولا حرج عليك، لكن تلزمك الفدية وهي على التخيير: ذبح شاة أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع أو صيام ثلاثة أيام.
لحديث كعب بن عجرة رضي الله عنه لما احتاج أن يحلق رأسه وهو محرم، قال له النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَاحْلِقْ، وَصُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، أَوْ انْسُكْ نَسِيكَةً) رواه البخاري (4190) ومسلم (1201) .
ثالثا:
يجوز لك الجمع بين الصلاتين لعذر السفر، وكذلك إذا شق عليك الدخول للخلاء ثم الخروج منه والعودة إليه لا سيما مع وجود الزحام، فحيث وجد الحرج والمشقة شرع الجمع.
ومن جمع بين الصلاتين، فإنه يتوضأ لهما وضوءا واحدا، سواء كان صاحب سلس أو لم يكن.
وكذلك التنظف والتطهر قبل الوضوء، يكون مرة واحدة.
وإذا تأكدت من طهارة المحل وعدم خروج شيء منك فإنه لا يلزمك الاستنجاء ولا التطهر.
ويجوز الاقتصار على استعمال المناديل الورقية للتطهر، وإن كان استعمال الماء أفضل.
رابعا:
لا حرج في استعمال الأدوية أثناء الإحرام.
ونسأل الله تعالى لك الشفاء والمعافاة وأن يرزقنا وإياك حجا مبرورا وذنبا مغفورا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3787)
ليس للاشتراط عند الإحرام صيغة محددة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يلزم المشترط أن يأتي بالصيغة التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم أم يشترط بأي كلام يعبر به عن نفسه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا يلزمه أن يأتي بالصيغة الواردة، لأن هذا مما لا يتعبد بلفظه، والشيء الذي لا يتعبد بلفظه يكتفى فيه بالمعنى" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/26) .
والمقصود أنه لو أتى بالمعنى كقوله: (إن لم أستطع إكمال العمرة فأنا حلال أو متحلل) فهذا يكفي.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3788)
لا يستطيع لبس الإحرام لأنه معاق
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل يرغب في أداء العمرة ولكن لا يستطيع لبس الإحرام لأنه معاق ومشلول: فهل يستطيع العمرة بثيابه؟ وهل عليه كفارة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"نعم؛ إذا كان الإنسان لا يستطيع أن يلبس ثياب الإحرام فإنه يلبس ما يناسبه من اللباس الآخر والجائز، وعليه عند أهل العلم إما أن يذبح شاة يوزعها على الفقراء، أو يطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، أو يصوم ثلاثة أيام.
هكذا قال أهل العلم قياساً على ما جاء في حلق الرأس حيث قال الله تعالى: (وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) البقرة/196، وقد بَيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن الصيام ثلاثة أيام، وأن الصدقة إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، وأن النسك ذبح شاة، ويكون الذبح والإطعام في هذه المسألة بمكة احتياطاً، لأن انتهاك محظور اللبس سيستمر إلى التحلل" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 138) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3789)
لا يجوز اصطحاب الخادمة الكافرة إلى الحرم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم استصحاب الخادمة الكافرة وإدخالها إلى الحرم وما العمل إذا قدم بها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"كيف يذهب بامرأة كافرة إلى المسجد الحرام، والله عز وجل يقول: (فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا) التوبة/23.
هذا حرام عليه، وإذا قدر أنه اضطر لهذا يقول لها: أسلمي، فإن أسلمت فهذا هو المطلوب، وإن لم تسلم إما أن يبقى معها، وإما أن يرسلها إلى أهلها.
وأما أن يأتي بها إلى مكة فهذا لا يجوز، أولاً: معصية لله عز وجل. ثانياً: امتهان الحرم، فيرجع هو وإياها أو يردها هي إلى بلدها" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/433) .
وللفائدة راجع جواب السؤال رقم (2192) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3790)
نصائح للحاج قبل سفره إلى الحج
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من نصيحة لمن أراد السفر للحج، ماذا يفعل قبل سفره؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا عزم المسلم على السفر إلى الحج أو العمرة استحب له أن يوصي أهله وأصحابه بتقوى الله عز وجل، وهي: فعل أوامره، واجتناب نواهيه.
وينبغي أن يكتب ما له وما عليه من الدين، ويشهد على ذلك، ويجب عليه المبادرة إلى التوبة النصوح من جميع الذنوب؛ لقوله تعالى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) النور/31.
وحقيقة التوبة: الإقلاع من الذنوب وتركها، والندم على ما مضى منها، والعزيمة على عدم العود فيها، وإن كان عنده للناس مظالم من نفس أو مال أو عرض ردها إليهم، أو تحللهم منها قبل سفره؛ لما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من كانت عنده مظلمة لأخيه من مال أو عرض فليتحلل اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه) .
وينبغي أن ينتخب لحجه وعمرته نفقة طيبة من مال حلال؛ لما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا) ، وروى الطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا خرج الرجل حاجا بنفقة طيبة ووضع رجله في الغرز فنادى: لبيك اللهم لبيك، ناداه مناد من السماء: لبيك وسعديك، زادك حلال، وراحلتك حلال، وحجك مبرور غير مأزور. وإذا خرج الرجل بالنفقة الخبيثة فوضع رجله في الغرز فنادى: لبيك اللهم لبيك، ناداه مناد من السماء: لا لبيك ولا سعديك، زادك حرام، ونفقتك حرام، وحجك غير مبرور) .
وينبغي للحاج الاستغناء عما في أيدي الناس والتعفف عن سؤالهم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله) ، وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم) .
ويجب على الحاج أن يقصد بحجته وعمرته وجه الله والدار الآخرة، والتقرب إلى الله بما يرضيه من الأقوال والأعمال في تلك المواضع الشريفة، ويحذر كل الحذر من أن يقصد بحجه الدنيا وحطامها، أو الرياء والسمعة والمفاخرة بذلك، فإن ذلك من أقبح المقاصد وسبب لحبوط العمل وعدم قبوله، كما قال تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) هود/15-16. وقال تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا) الإسراء/18-20.
وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: قال الله تعالى: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه) .
وينبغي له أيضا أن يصحب في سفره الأخيار من أهل الطاعة والتقوى والفقه في الدين، ويحذر من مصاحبة السفهاء والفساق.
وينبغي له أن يتعلم ما يشرع له في حجه وعمرته، ويتفقه في ذلك ويسأل عما أشكل عليه؛ ليكون على بصيرة، فإذا ركب دابته أو سيارته أو طائرته أو غيرها من المركوبات استحب له أن يسمي الله سبحانه ويحمده، ثم يكبر ثلاثا، ويقول: (سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ) الزخرف/13-14. اللهم إني أسألك في سفري هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هون علينا سفرنا هذا، واطو عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل؛ لصحة ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، أخرجه مسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
ويكثر في سفره من الذكر والاستغفار، ودعاء الله سبحانه، والتضرع إليه، وتلاوة القرآن وتدبر معانيه، ويحافظ على الصلوات في الجماعة، ويحفظ لسانه من كثرة القيل والقال، والخوض فيما لا يعنيه، والإفراط في المزاح، ويصون لسانه أيضا من الكذب والغيبة والنميمة والسخرية بأصحابه وغيرهم من إخوانه المسلمين.
وينبغي له بذل البر في أصحابه، وكف أذاه عنهم، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة على حسب الطاقة" انتهى.
فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله.
"مجموع فتاوى ابن باز" (16/32- 37) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3791)
نوى الحج لنفسه ثم بدا له أن يغير النية لقريب له فهل له ذلك؟
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل نوى الحج لنفسه وقد حج من قبل ثم بدا له أن يغير النية لقريب له وهو في عرفة فما حكم ذلك وهل يجوز له ذلك أم لا؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الإنسان إذا أحرم بالحج عن نفسه فليس له بعد ذلك أن يغير لا في الطريق ولا في عرفة ولا في غير ذلك بل يلزمه أن يكمل لنفسه ولا يغير لا لأبيه ولا لأمه ولا لغيرهما بل يتعين الحج له؛ لقول الله سبحانه وتعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) البقرة/196، فإذا أحرم لنفسه وجب أن يتمه لنفسه، وإذا أحرم لغيره وجب أن يتمه لغيره ولا يغير بعد الإحرام إذا كان قد حج عن نفسه وهكذا العمرة" انتهى.
فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله.
"مجموع فتاوى ابن باز" (17/78) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3792)
هل الأفضل أن يحج عن والديه أم يساهم في بناء مسجد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[حججت الفريضة والحمد لله وأريد أن أحج عن والدي وعندنا مسجد يحتاج إلى إكمال البناء، فهل الأفضل أن أحج عن والدي أو أساهم في بناء المسجد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا كانت الحاجة ماسة إلى تعمير المسجد فتصرف نفقة الحج تطوعا في عمارة المسجد؛ لعظم النفع واستمراره وإعانة المسلمين على إقامة الصلاة جماعة.
أما إذا كانت الحاجة غير ماسة إلى صرف نفقة الحج التطوع في عمارة المسجد لوجود من يعمره غير صاحب الحج، فحجه تطوعا عن والديه بنفسه وبغيره من الثقات أفضل إن شاء الله، لكن لا يجمعان في حجة واحدة، بل يحج لكل واحد وحده" انتهى.
فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله.
"مجموع فتاوى ابن باز" (16/372) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3793)
ما المنافع التي يشهدها الناس في الحج؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المنافع التي يشهدها الناس في الحج؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"المنافع التي يشهدها المسلمون في الحج منافع كثيرة منافع دينية، ومنافع اجتماعية، ومنافع دنيوية.
أما المنافع الدينية: فهي ما يقوم به الحجاج من أداء المناسك، وما يحصل من التعليم والتوجيه من العلماء من هنا ومن هناك، وما يحصل كذلك من الإنفاق في الحج، فإنه من الإنفاق في سبيل الله عز وجل.
وأما المنافع الاجتماعية: فهي ما يحصل من تعارف الناس بينهم، وائتلاف قلوبهم، واكتساب بعضهم من أخلاق بعض، وحسن المعاملة والتربية بعضهم البعض، كما هو مشاهد لكل لبيب تأمل ذلك.
وأما الفوائد الدنيوية: فما يحصل من المكاسب لأصحاب السيارات وغيرها مما يستأجر لأداء الحج، وكذلك ما يحصل للحجاج من التجارة التي يوردونها معهم ويستوردونها من مكة، وغير هذا من المنافع العظيمة، ولهذا قال الله تعالى: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ) الحج/28، فأتى فيها بالجمع الذي هو صيغة منتهى الجموع، ولكن مع الأسف الشديد أن الحج في هذه الأزمنة عند كثير من الناس لا يستفاد منه هذه الفوائد العظيمة، بل كأن الحج أفعال وأقوال جرداء، ليس فيها إلا مجرد الصور فقط، ولهذا لا تكسب القلب خشوعاً، ولا تكسب ألفة بين المؤمنين، ولا تعلماً لأمور دينهم، بل ربما يكره بعضهم أن يسمع كلمة وعظ من ناصح لهم، بل ربما يكون مع بعضهم سوء نية في دعوة الناس إلى الباطل، إما بالمقال، وإما بالفعال بتوزيع النشرات المضلة الفاسدة وهذا لا شك أنه مما يحزن، ومما يجعل هذا الحج خارجاً عن نطاقه الشرعي الذي شرع من أجله، لذا أنصح إخواني الحجاج بما يلي:
أولاً: إخلاص النية لله تعالى في الحج، بأن لا يقصدوا من حجهم إلا الوصول إلى ثواب الله تعالى ودار كرامته.
ثانياً: الحرص التام على اتباع النبي صلى الله عليه وسلم في حجه، فإنه صلى الله عليه وسلم كان يقول: (لتأخذوا عني مناسككم) .
ثالثاً: الحرص التام على التآلف والتقارب بين المسلمين، وتعريف بعضهم بعضاً بما ينبغي أن يعرفوه من مشاكل دينية واجتماعية وغيرها.
رابعاً: الرفق بالحجاج عند المشاعر، وعند الطواف، وعند السعي، وعند رمي الجمرات، وعند الدفع من مزدلفة ومن عرفة وغير ذلك.
خامساً: الحرص على أداء المناسك بهدوء وطمأنينة، وألا يكون الواحد كأنما أتى ليقابل جيشاً، أو جندياً محارباً، ويظهر ذلك عند رمي الجمرات فإن بعض الناس تجدهم مقبلين إلى الجمرات والواحد منهم ممتلئ غضباً وحنقاً، وربما يتكلم بكلمات نابية لا تليق بغير هذا الموضع فكيف بهذا الموضع؟! .
سادساً: أن يبتعد كل البعد عن الإيذاء الحسي والمعنوي بمعنى أنه يجتنب إلقاء القاذورات في الطرقات، وإلقاء القمامة في الطرقات وغير ذلك، الإيذاء المعنوي أن يتجنب شرب الدخان مثلاً بين أناس يكرهون ذلك، مع أن شرب الدخان محرم في حال الإحرام وغير حال الإحرام، وإذا وقع في الإحرام أنقص الإحرام وأنقص أجر الحج والعمرة؛ لأن الله تعالى يقول: (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) البقرة/197، والدخان محرم، والإصرار عليه يؤدي إلى أن يكون كبيرة من الكبائر.
فالمهم أن الإنسان ينبغي له في هذا الحج أن يكون على أكمل ما يكون من دين وخلق حتى يجد طعم وحلاوة هذا الحج" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/7-9) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3794)
من فوائد الحج
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي فوائد الحج؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إن الله تعالى بحكمته نَوَّع العبادات على الخلق ليبلوهم أيهم أحسن عملاً، وأقوم سبلاً، فإن الناس يختلفون في مواردهم ومصادرهم، فمنهم من يتقبل القيام بنوع من العبادات لأنه يلائمه ولا يتقبل النوع الآخر لأنه لا يلائمه، فتجده في النوع الأول منقاداً مسرعاً، وفي الثاني متثاقلاً ممانعاً، والمؤمن حقاً هو الذي ينقاد لما يرضي مولاه لا لما يوافق هواه.
ومن تنوع العبادات تنوع أركان الإسلام، فمنها ما هو بدني محض يحتاج إلى عمل وحركة جسم كالصلاة، ومنها ما هو بدني لكنه كف عن المحبوبات التي تميل إليها النفس كالصيام، ومنها ما هو مالي محض كالزكاة، ومنها ما هو بدني مالي كالحج.
فالحج جامع للتكليف البدني والمالي، ولما كان يحتاج إلى سفر وتعب أكثر من غيره لم يوجبه الله تعالى في العمر إلا مرة واحدة، ونص على اشتراط الاستطاعة فيه، والاستطاعة شرط للوجوب فيه وفي غيره، لكن الحج أمس بها من غيره، هذا وللحج فوائد عظيمة منها:
1- أنه قيام بأحد أركان الإسلام التي لا يتم إلا بها، وهذا يدل على أهميته ومحبة الله له.
2- أنه نوع من الجهاد في سبيل الله، ولذلك ذكره الله تعالى بعد ذكر آيات الجهاد. وثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة حين سألته هل على النساء جهاد؟ قال: (نعم؛ عليهن جهاد لا قتال فيه، الحج والعمرة) .
3- الثواب الجزيل والأجر العظيم لمن قام به على الوجه المشروع، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) وقال: (من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه) , وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحجاج والعمار وفد الله، إن دعوه أجابهم، وإن استغفروه غفر لهم) رواه النسائي وابن ماجة.
4- ما يحصل فيه من إقامة ذكر الله وتعظيمه وإظهار شعائره مثل التلبية، والطواف بالبيت وبالصفا والمروة، والوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة، ورمي الجمار وما يتبع ذلك من الذكر والتكبير والتعظيم، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنما جعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله) .
5- ما يكون فيه من اجتماع المسلمين من جميع الأقطار وتبادل المودة والمحبة والتعارف بينهم، وما يتصل بذلك من المواعظ والتوجيه والإرشاد إلى الخير والحث على ذلك.
6- ظهور المسلمين بهذا المظهر الموحد في الزمان والمكان والعمل والهيئة، فكلهم يقفون في المشاعر بزمن واحد، وعملهم واحد، وهيئتهم واحدة، إزار ورداء، وخضوع، وذلك بين يدي الله عز وجل.
7- ما يحصل في الحج من مواسم الخير الديني والدنيوي وتبادل المصالح بين المسلمين، ولذلك قال الله تعالى: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ) الحج/28. وهذا يعم منافع الدين والدنيا.
8- ما يحصل من الهدايا الواجبة والمستحبة من تعظيم حرمات الله، والتنعم بها أكلاً وإهداء وصدقة للفقراء، فمصالح الحج وحكمه وأسراره كثيرة" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (24/239) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3795)
هل العمل إذا كان شاقاً على النفس أعظم للأجر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل العمل إذا كن شاقاً على النفس أعظم للأجر؟ وما رأيك فيمن يقول أحج على قدمي لأنه أعظم للأجر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"المشقة إن كانت من لازم فعل العمل فإنك تؤجر عليها، وإن كانت من فعلك فإنك لا تؤجر عليها، بل ربما تأثم عليها.
مثلاً: إذا كان الإنسان حج على سيارة أو طائرة لكن في أثناء المناسك حصل له تعب من الشمس أو من البرد أيام الشتاء أو ما أشبه ذلك، فإنه يؤجر على هذه المشقة لأنها بغير فعله، أما لو كانت المشقة بفعله مثل أن يتعرض هو بنفسه للشمس، فإنه لا يؤجر على هذا، ولهذا لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً قد نذر أن يقف في الشمس منعه من ذلك ونهاه، لأن تعذيب الإنسان لنفسه إساءة إليها وظلم لها، والله سبحانه وتعالى لا يحب الظالمين.
فالحاصل أن المشقة الحاصلة في العبادة إن كانت بفعلك، فأنت غير مأجور عليها، وإن كانت بغير فعلك فأنت مأجور عليها" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (24/44) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3796)
هل يحج عن أحد من الصحابة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن يحج عن أحد من الصحابة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا بأس أن يحج الإنسان عنهم كما يحج عن أي مسلم، لكن مع ذلك نرى الدعاء للأموات أفضل بكثير من الأعمال الصالحة، حتى الأب والأم إذا دعوت الله لهما فهو أفضل من أن تحج عنهما، إذا لم يكن فرضاً، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما تحدث عن عمل الإنسان بعد موته قال: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) ولم يقل عليه الصلاة والسلام: (يحج عنه، ولا يتصدق عنه، ولا يصوم عنه، ولا يزكي، ولا يحج) بل قال: (ولد صالح يدعو له) وهل تظن أيها المؤمن أحداً أنصح للأحياء والأموات من الرسول صلى الله عليه وسلم؟! لا والله لا نظن، بل نظن ونعتقد أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنصح الخلق للأحياء والأموات، ومع ذلك قال: (أو ولد صالح يدعو له) " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (24/23) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3797)
هل يستحب الاشتراط لكل من أراد الإحرام بالحج أو العمرة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يستحب لكل من أراد الحج أو العمرة أن يشترط عند الإحرام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الاشتراط في الحج هو أن يشترط الإنسان عند عقد الإحرام: إن حبسه حابس فمحله حيث حبس.
وقد اختلف العلماء رحمهم الله في مشروعية الاشتراط فمنهم من قال: إنه ليس بمشروع مطلقاً، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم حج واعتمر ولم ينقل عنه أنه اشترط في حجه ولا في عمرته. ومن المعلوم أنه يكون معه المرضى ولم يرشد الناس إلى الاشتراط، فها هو كعب بن عجرة رضي الله عنه في عمرة الحديبية أتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وفيه مرض والقمل يتناثر على وجهه من رأسه فقال صلى الله عليه وسلم: (ما كنت أرى الوجع بلغ بك ما أرى) وأمره أن يحلق رأسه وأن يفدي، أو يصوم، أو يطعم، والقصة معروفة في الصحيحين وغيرهما.
ومن العلماء من قال: إنه مشروع مطلقاً، وأن الإنسان يستحب له عند عقد الإحرام أن يشترط: إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، وعللوا ذلك بأنه لا يأمن العوارض التي تحدث له في أثناء إحرامه وتوجب له التحلل، فإذا كان قد اشترط على الله سهل عليه التحلل.
ومن العلماء من قال: إن خاف من عائق اشترط وإلا فلا.
والصحيح أن الاشتراط ليس بمشروع إلا أن يخاف الإنسان من عائق يحول دونه وإتمام نسكه، مثل أن يكون مريضاً ويشتد به المرض فلا يستطيع أن يتم نسكه فهنا يشترط، وأما إذا لم يكن خائفاً من عائق يمنعه، أو من عائق يحول بينه وبين إتمام نسكه فلا يشترط، وهذا القول تجتمع به الأدلة، ووجه ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر وحج ولم يشترط، ولم يقل للناس على سبيل العموم: اشترطوا عند الإحرام، ولكن لما أخبرته ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب رضي الله عنها أنها تريد الحج وهي شاكية، أي: مريضة، قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني، فإن لك على ربك ما استثنيت) فمن كان في مثل حالها فإنه يشترط، ومن لم يكن فإنه لا يشترط" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/26- 28) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3798)
يدخله صاحبه في أحد المخيمات المجانية
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك مخيمات خاصة بالحج في بعض الجهات وفيها جميع الخدمات حتى الأكل والشرب، بدون مقابل، وقد يحدث أن يأتي حاج يعرف شخصاً من منسوبي هذه الجهات فيستطيع أن يدخله ضمن مخيمات الحج، فهل يحق له هذا، ويجوز فعله، وهل حجي صحيح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الخيام التي تحجز ويتحجرها أصحابها في منى، لا حرج على الإنسان أن يطلب خيمة منها، لأن له الحق في أن ينزل في منى، وأما الأكل والشرب والكهرباء وما أشبهها فإن أذن المسئول عن هذه المخيمات، فلا بأس بذلك، وإن لم يأذن، فإنه لا يجوز أن يأكل أو أن ينتفع بالكهرباء والمكيفات التي جعلت في هذه الأماكن. والغالب أن المسئول عن هذه الخيام الغالب أنه يسمح للإنسان أن ينتفع ويأكل ويشرب ضمن الناس وتكون هذه بمنزلة الضيافة، وحينئذ يكون الأكل والشرب والانتفاع بالكهرباء وكذلك النزول في الخيمة يكون جائزاً ما دام صدر الإذن به من المسئول عنها " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (24/75) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3799)
حديث أم سلمة فيمن لم يطف طواف الإفاضة يوم العيد حتى غربت الشمس
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت أن طواف الإفاضة لا بد أن يكون يوم العيد قبل غروب الشمس، وأن من لم يطف قبل غروب الشمس فإنه يرجع إلى الإحرام مرة أخرى ولا يجوز له لبس المخيط ولا التطيب.. حتى يطوف. فهل هذا صحيح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد ورد في ذلك حديث رواه أحمد (25321) وأبو داود (1708) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مساء يوم النحر: (إِنَّ هَذَا يَوْمٌ رُخِّصَ لَكُمْ إِذَا أَنْتُمْ رَمَيْتُمْ الْجَمْرَةَ أَنْ تَحِلُّوا يَعْنِي مِنْ كُلِّ مَا حُرِمْتُمْ مِنْهُ إِلَّا النِّسَاءَ، فَإِذَا أَمْسَيْتُمْ قَبْلَ أَنْ تَطُوفُوا هَذَا الْبَيْتَ صِرْتُمْ حُرُمًا كَهَيْئَتِكُمْ قَبْلَ أَنْ تَرْمُوا الْجَمْرَةَ حَتَّى تَطُوفُوا بِهِ) .
إلا أن هذا الحديث ضعفه أكثر العلماء، وحُكي الإجماع على عدم العمل به.
وقد سئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله عن هذا الحديث، فأجاب:
"سؤالكم عن حديث أم سلمة رضي الله عنها أن من لم يطف طواف الإفاضة قبل غروب الشمس من يوم العيد عاد محرماً.
أفيدكم بأنه حديث ضعيف لا تقوم به حجة، ولا يثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وذلك من وجوه:
الأول: من جهة سنده، فإن مداره عند الإمام أحمد وأبي داود وابن خزيمة على محمد بن إسحاق صاحب السير المعروف، قال: أخبرنا أبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة عن أبيه وعن أمه عن أم سلمة رضي الله عنها، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (إذا أنتم أمسيتم قبل أن تطوفوا بهذا البيت عدتم حرماً كهيئتكم قبل أن ترموا الجمرة حتى تطوفوا به) .
فأما ابن إسحاق ففي مفاريده بعض النكارة، فقد سئل الإمام أحمد عن الحديث ينفرد به ابن إسحاق تقبله؟ قال: لا والله. وقال محمد بن يحيى: حسن الحديث عنده غرائب. وقال الدارقطني: اختلف الأئمة فيه، وليس بحجة، وإنما يعتبر به اهـ "تهذيب" (9/39-46) . ولعل هذا الحديث من مفاريده المنكرة.
وأما أبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة فقال فيه في "التقريب" (2/448) : مقبول من الثالثة. وقال فيه في "المحلي" (7/142) : ليس معروفاً بنقل الحديث، ولا معروفاً بالحفظ، ولو صح يعني: حديث أم سلمة لقلنا به مسارعين إلى ذلك.
وقد أخرج الطحاوي في شرح "معاني الآثار" (2/228) نحو حديث أم سلمة لكنه عن طريق عبد الله بن لهيعة، قال فيه في "التقريب" (1/144) : صدوق من السابعة خلط بعد احتراق كتبه، ورواية ابن المبارك وابن وهب عنه أعدل من غيرهما اهـ قلت: وقد ضعفه بعض الحفاظ مطلقاً، وبعضهم فيما روى عنه غير العبادلة.
فإذا كان هذا سند الحديث لم يروه إلا من في روايتهم نظر ومقال، وأعرض عنه الأئمة الكبار من نقلة الحديث وحفاظه من رجال البخاري ومسلم وأمثالهم مع أنه في أمر تعم البلوى به، وتتوافر الدواعي على نقله، كان ذلك دليلاً على أنه لا أصل له.
الوجه الثاني: من جهة متنه، فمتنه شاذ، لأن الأحاديث في الصحيحين وغيرهما ظاهرة متضافرة في أن التحلل الأول يحصل قبل الطواف بالبيت، بدون قيد وقوعه قبل الغروب، مثل قول عائشة رضي الله عنها: (كنت أطيب النبي صلى الله عليه وسلم لحله قبل أن يطوف بالبيت) ولا يمكن أن تقيد بمثل هذا الحديث الشاذ، ولهذا قال الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (2/229) لما ذكر حديث عائشة رضي الله عنها: "فقد عارض ذلك حديث ابن لهيعة الذي بدأنا بذكره في هذا الباب، فهذه أولى، لأن معها من التواتر وصحة المجيء ما ليس مع غيرها مثله " اهـ.
الوجه الثالث: من جهة العمل به، إذ لم يعمل به من الأمة [من] أئمتها وعلمائها إلا نفر قليل من الصحابة. إن صح النقل عنهم. فقد قال الطبري في كتابه "القرى لقاصدي أم القرى" (ص472) حين ذكر الحديث: "وهذا حكم لا أعلم أحداً قال به" اهـ. ونقل النووي في "شرح المهذب" (8/165) عن البيهقي قوله: "لا أعلم أحداً من الفقهاء قال به. قلت (النووي) : فيكون منسوخاً، دل الإجماع على نسخه، فإن الإجماع لا يَنْسخ ولا يُنْسخ، لكن يدل على ناسخ اهـ فوافق البيهقيَّ النوويُّ على نفي العلم بالمخالف، بل جعله إجماعاً دالاً على نسخ الحديث، يعني: لأن الأمة لم تعمل به، لكن في كلام النووي رحمه الله نظر، لأن دعوى النسخ تستلزم ثبوت المنسوخ، والحديث لم يثبت أصلاً حتى يدعى فيه النسخ.
هذا وقد نقل بعض الناس عن عروة بن الزبير أحد الفقهاء السبعة أنه قال به ولعله فهم ذلك من قوله فيما نقله عنه الطبري في كتابه "القرى" (ص470) إنه لا يحل الطيب لمن لم يطف بالبيت بعد عرفة وإن قصر. أخرجه سعيد بن منصور. وإنما قلت ذلك لأنه يبعد جداً أن يكون عروة بن الزبير قال بمقتضى حديث أم سلمة ثم يخفى قوله على مثل الطبري والبيهقي.
وعلى هذا؛ يكون معنى قول عروة: إنه لا يحل له الطيب حتى يطوف بالبيت، وهذا قول مشهور والنزاع في هذا معروف، والفرق بينه وبين مقتضى حديث أم سلمة بل صريحة أن حديث أم سلمة يدل على أنه يحل قبل الطواف بالبيت لكن إن أخر الطواف عن غروب الشمس يوم العيد عاد محرماً.
أما ما نقله الطبري عن عروة فيدل على توقف حل الطيب على الطواف وبين هذا وذاك فرق ظاهر.
الوجه الرابع:
أن مقتضاه مخالف لمقتضى الأصول الشرعية والقواعد المرعية، فإن مقتضاها أن العامل متى حل من العبادة لم يعد إليها إلا بنية جديدة، وهذا مما يضعف ثبوت الحديث، ولو ثبت لكان القول به واجباً، وكل قاعدة لها مستثنيات" انتهى من فتوى مكتوبة بخط الشيخ رحمه الله بتاريخ 5/12/1415هـ.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3800)
لا يجوز تغيير نية الإحرام من القران إلى الإفراد
[السُّؤَالُ]
ـ[في أحد الأعوام نويت بالحج والعمرة معاً وقت الإحرام، وعندما سارت السيارة من قريتنا حوالي اثنين كيلو متر وجدت أن رفقاءنا في الحج أحرموا بالحج فقط – أي بالإفراد – فعملت مثلهم؛ فهل على شيء في ذلك أم لا؟ أفيدوني جزاكم الله خيراً، علماً بأنني ذهبت للعمرة بعد ذلك في رمضان عدة مرات.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا كان تحول نيتك من الإحرام بالحج والعمرة معاً إلى الإحرام بالحج فقط حصل قبل الإحرام فلا شيء عليك، وإن كان ذلك بعد عقد الإحرام بالحج والعمرة فلا يسقط ذلك عنك حكم القران، ودخلت أعمال عمرتك في أعمال حجك، وعليك هدي التمتع.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/162) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3801)
لا يشترط التتابع في الصيام لمن لم يجد الهدي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يشترط في صيام الأيام السبعة لمن لم يجد الهدي، أن تكون متتابعة؟ أم يجوز أن يفرق بينها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"يجوز أن تصام سبعة الأيام المذكورة في قوله: (وسبعة إذا رجعتم) ، متتابعة أو متفرقة.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (11/388) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3802)
لا يصح طواف الوداع إلا بعد إكمال الحج
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن يطوف الحاج للوداع صباح اليوم الثاني عشر، ثم يرجع إلى منى لرمي الجمار ثم يسافر إلى بلده؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الوداع آخر أعمال الحج، فلا يجوز أن يتقدم على شيء منها؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: (أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت) .
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (11/302) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3803)
لن يتمكن من لبس ملابس الإحرام بسبب طبيعة عمله
[السُّؤَالُ]
ـ[أقيم بالمملكة للعمل، وأنوي أداء فريضة الحج، وجهة عملي ندبتني هذا العام للعمل بالمشاعر المقدسة، وعملي هناك لا يمنعني من أداء جميع المناسك، إلا أنني لن أتمكن من لبس ملابس الإحرام؛ لأن طبيعة عملي ونظامه تفرض علي ملبساً معيناً من المخيط. فماذا أفعل؟ وهل يكون حجي صحيحاً إذا ذبحت فداء دون أن ألبس ملابس الإحرام طوال أيام الحج؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا كان الواقع كما ذكر فحجك صحيح؛ ولا إثم عليك في لبسك ملابس غير ملابس الإحرام؛ دفعاً للحرج عن نفسك، ولكن تلزمك فدية لذلك وهي إطعام ستة مساكين من مساكين الحرم، أو ذبح ذبيحة تصلح أضحية تطعمها مساكين مكة أو سائر الحرم، ولا تأكل منها، أو تصوم ثلاثة أيام، أي ذلك فعلت أجزأك، وعليك مثل ذلك عند غطاء الرأس، إن كنت غطيت رأسك.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/182، 183) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3804)
ما حكم صعود جبل الرحمة في يوم عرفات والصلاة عليه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك ثواب معين في صعود جبل الرحمة في يوم عرفات والصلاة عليه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حث على صعود جبل عرفات الذي اشتهر عند الناس باسم: جبل الرحمة، ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم صعود هذا الجبل في حجه ولا اتخذه منسكاً، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (خذوا عني مناسككم) ، ودرج على ذلك الخلفاء الراشدون وسائر الصحابة ومن تبعهم بإحسان، فلم يكونوا يصعدون على هذا الجبل في حجهم ولا اتخذوه منسكاً لهم؛ اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي ثبت أنه صلى الله عليه وسلم وقف تحت هذا الجبل عند الصخرات الكبار، وقال: (وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف، وارفعوا عن بطن عرنة) ولذا قال كثير من العلماء: إن صعود هذا الجبل في الحج على وجه النسك بدعة، منهم الإمام النووي، وشيخ الإسلام ابن تيمية، والشيخ صديق خان، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم أن يصلي نفلاً بموقف عرفات، بل اكتفى بصلاة الظهر والعصر في مسجد نمرة، جمعاً وقصراً، ولا اتخذ مصلى بما يسمى جبل الرحمة ليصلي فيه من صعد على هذا الجبل نافلة أو فريضة في يوم عرفات، بل اشتغل بعد صلاته الظهر والعصر بذكر الله تسبيحاً وتهليلاً وتحميداً وتكبيراً وتلبية، وبدعاء ربه والضراعة إليه، حتى غربت الشمس. فاتخاذ مصلى أو مسجد على هذا الجبل ليصلي فيه من صعد عليه من البدع التي أحدثها الجهال.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ إبراهيم بن محمد آل الشيخ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن منيع.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (11/206-208) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"الصعود على جبل عرفات ليس من الأمور المشروعة، بل هو إن اتخذه الإنسان عبادة بدعة، لا يجوز للإنسان أن يعتقده عبادة، ولا أن يعمل به على أنه عبادة، والرسول صلى الله عليه وسلم أحرص الناس على فعل الخير، وأبلغ الناس في تبليغ الرسالة، وأعلم الناس بدين الله، لم يصعده ولم يأمر أحداً بصعوده، ولا أقر أحداً بصعوده فيما أعلم، وعلى هذا فإن صعود هذا الجبل ليس بمشروع، بل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وقف خلفه من الناحية الشرقية قال: (وقفت هاهنا، وعرفة كله موقف) وكأنه صلى الله عليه وسلم يشير بهذا إلى أن كل إنسان يقف في مكانه، ولا يزدحمون على هذا المكان الذي وقف فيه الرسول صلى الله عليه وسلم" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/32) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3805)
نذر أن يحج كل عام ورئيسه في العمل يمنعه من ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[عاهدت الله أن أحج كل عام، وكنت قبل ذلك لست موظفاً، وتوظفت عسكرياً، ولم يسمح لي مرجعي أن أحج كل عام، أرجو الإفادة هل علي إثم أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا كان المانع الذي يمنعك عن الحج في بعض السنوات من الأمور القهرية التي لا تستطيع التغلب عليها فليس عليك إثم؛ لقوله تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) البقرة/286، وقوله تعالى: (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ) المائدة/6.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/15، 16) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3806)
نسي صيام اليوم الثالث في الحج فصامه بعد برجوعه
[السُّؤَالُ]
ـ[صمت يومين في الحج لأنني لم أجد الهدي، ونسيت صيام اليوم الثالث، فصمته مع الأيام السبعة، هل علي شيء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"ليس على من نسي يوماً من الأيام الثلاثة شيء إذا صامه بعد رجوعه إلى أهله.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (11/388) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3807)
نوى التمتع وبعد العمرة مرض فرجع ولم يحج
[السُّؤَالُ]
ـ[ذهبت إلى الحج متمتعاً هذا العام، وبعد أن أديت العمرة، أحسست بألم في ركبتي مع تورم أقعدني عن الحركة والمشي، وقد ذهبت إلى الطبيب وقد نصحني بعدم مواصلة الحج، وبعد ذلك رجعت ولم أحج، فهل علي دم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا كان الواقع ما ذكر من أنك تحللت من عمرتك وعدلت عن الحجة، وعدت إلى بلدك قبل أن تحرم به فلا شيء عليك؛ لأن العمرة انتهت بأدائها والتحلل منها، والحج لم تحرم به بعد.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (11/355) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3808)
من نزل خارج منى وغربت عليه شمس اليوم الثاني هل له أن يتعجل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[من نزل في العزيزية في مكة المكرمة في أيام التشريق؛ لعدم قدرته على النزول في منى، وغابت عليه شمس اليوم الثاني من أيام التشريق، هل يلزمه البقاء في منزله إلى زوال شمس اليوم الثالث كأهل منى أم لا يلزمه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا حرج على من نزل في العزيزية ومزدلفة أو غيرهما من الأراضي الخارجة عن منى إذا لم يجد منزلاً في منى أيام الحج، ومن غربت عليه الشمس منكم في اليوم الثاني عشر ممن كان في العزيزية أو شبهها فليس عليه البقاء في منزله إلى اليوم الثالث عشر، كما أنه ليس عليكم الرمي في الثالث عشر.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (11/272) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3809)
هل الأفضل الحج تطوعاً أو التبرع للمجاهدين في سبيل الله؟
[السُّؤَالُ]
ـ[حججت الفريضة والحمد لله واعتمرت، فهل الأفضل أن أسافر للعمرة، أو أتصدق بهذا المال للمجاهدين في سبيل الله؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"كل من السفر للعمرة والإنفاق في سبيل الله عمل طيب مشكور، لكن العمرة نفعها قاصر على المؤدي لها، وأما الإنفاق في الجهاد فنفعه متعدي؛ فيكون البذل فيه أولى وأفضل.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (11/328) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3810)
هل تحج وتتصدق عن أمها التي كانت لا تصلي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للابنة أن تحج وتتصدق عن أمها المتوفية علماً بأن الأم في حياتها لم تكن تصلي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"من ترك الصلاة جحداً لوجوبها كفر بالإجماع، ومن تركها تهاوناً وكسلاً كفر على الراجح من قولي العلماء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلَاةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ) مع أدلة أخرى من الكتاب والسنة في ذلك؛ وعلى ذلك لا يجوز الحج ولا التصدق عمن مات وهو لا يصلي، كما لا يحج ولا يتصدق عن جميع الكفرة.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/113) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3811)
هل على الحاج أن يصلي صلاة عيد الأضحى؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل على الحاج أن يصلي صلاة عيد الأضحى؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"ليس على الحجاج صلاة عيد الأضحى، ومن صلاها منهم مع الناس فهو مأجور.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن قعود.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (11/69، 70) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3812)
يقترح توسيع منى!
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن أن يتم توسيع منى، بحيث تسع الحجاج كلهم، لأن كثيرا من الحجاج لا يجد له مكاناً في منى؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"أماكن الحج وأزمنته محددة من الشارع، وليس فيها مجال للاجتهاد، وقد حج رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع وقال فيها: (خذوا عني مناسككم، فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا) ، وبَيَّن فيها الأزمنة والأمكنة.
وحدود منى: من وادي مُحَسِّر إلى جمرة العقبة، فعلى من حج أن يلتمس مكاناً له داخل حدود منى، فإن تعذر عليه حصول المكان نزل في أقرب مكان يلي منى ولا شيء عليه.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (11/265) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3813)
يعمل في الدفاع المدني فهل يحج في ثياب العمل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا جندي في الدفاع المدني وأحضر كل عام في موسم الحج في منى وعرفة، ولكن علي اللباس الرسمي العسكري، ولم أتجرد من المخيط، فهل يحصل لي حج إذا نويت الحج وأنا باللباس العسكري ولم أتجرد من المخيط أسوة بالحجاج؟ لأن طبيعة عملي تتطلب الالتزام باللباس العسكري.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا حرج أن تحج في لباسك العسكري وأنت مكلف بأعمال الحج كما ذكر في السؤال، ولا تستطيع أداء العمل بلباس الإحرام؛ لأن الجهة المختصة لا تسمح بذلك، وعليك بسبب ذلك الكفارة، وهي: إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من تمر أو أرز وغيرها من قوت البلد، أو صيام ثلاثة أيام، أو ذبح شاة عن لبس المخيط، وعليك مثل ذلك عن تغطية الرأس.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (11/343) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3814)
يشك في صحة حج والده، فهل يحج عنه بعد وفاته؟
[السُّؤَالُ]
ـ[والدي حج حجة واحدة سابقاً على الأقدام قبل ما يقارب من 40 عاماً، وقد اعتمر عمرتين، واحدة قبل وفاته بثلاث سنوات على الأقل، حيث إنه رجل لا يقرأ ولا يكتب، ولم أدر كيف أدى هذا الحج، فهل يلزمني أن أحج عنه؟ وما رأي فضيلتكم في ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الحج لا يجب في العمر إلا مرة واحدة، والأصل في تأدية الأعمال والمناسك السلامة، فلا يجب الحج ثانية، لكن إذا حججت عن أبيك صارت نافلة، وفي ذلك لك وله أجر عظيم إذا تقبل الله منك.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/15) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3815)
يريد أن يصلي نوافل بعد صلاة الظهر والعصر بعرفة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز بعد صلاة الحاج الظهر والعصر مع الإمام في عرفات أن يصلي نوافل حتى المغرب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لم يصل الرسول صلى الله عليه وسلم نافلة يوم عرفات بعد صلاته الظهر والعصر جمع تقديم في عرفات، ولو كانت مشروعة لكان أحرص عليها منا، والخير كل الخير في الاقتداء به واتباع سنته.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/211، 212) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3816)
يأخذ مالاً ليحج عن مريض أو متوفي
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الناس يأخذ مالاً ليحج عن شخص إما لمرض أو عن ميت، فدفعوا أهله مبلغاً من المال لإسقاط فرضه، وهذا المال يقارب 3000- 4000 ريال، فيصرف منها مقدار ما يصرف من نفقات للحج كالفدي وغيره، والباقي يضعه في ملكه الخاص به يشتري بها زاداً وغيره، هل يصح له ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا أعطى شخصٌ مالاً لشخص ليحج عنه لعجزه عن مباشرة الحج بنفسه، أو ليحج عن ميت صح ذلك إذا كان النائب قد حج عن نفسه، وله أن ينفق من هذا المال في حجه عنه، ويملك ما بقي، أما إن أُعطيه ليحج ويرد الباقي أنفق منه ما يحتاجه في حجه عنه ويرد ما بقي.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/69، 70) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3817)
هل يحجج أخته الفقيرة أو يقضي ديون زوجها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا رجل موسر الحال، ولي شقيقة، زوجها معسر الحال، وصار معه حادث وأصبح مديوناً وغير قادر على سداد الدين؛ لأن عائلته كبيرة جداً، وهو المعيل الوحيد لعائلته، وأنا أديت فريضة الحج، وحججت ثانياً، والآن أريد أن أحج للمرة الثالثة وأحجج شقيقتي على نفقتي الخاصة؛ لأنها لا تقدر أن تؤدي فريضة الحج، ما هو أفضل عند الله تعالى: أحجج شقيقتي وأنا معها، أو أفك عسر زوجها بمصاريف الحج وتكاليفه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا كان الواقع كما ذكر من أن زوج أختك تحمل ديوناً وليس لديه سدادها، فالأولى أن تقضي ديونه بما لديك، وتؤجل تحجيج أختك؛ لأن قضاء دين زوجها وتفريج كربتهما جميعاً أهم من تحجيجها، وأنفع لهما جميعاً، وليس عليها حج حتى تستطيع.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/44) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3818)
هل يحرم البيع والشراء بعد طواف الوداع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل طواف الوداع، يحرم البيع والشراء في مكة أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا يحرم البيع ولا الشراء بعد طواف الوداع، لكن لو ودع الحاج ثم تأخر كثيراً عرفاً شرع أن يعيد الطواف.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (11/298-299) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3819)
هل يخرج من منى إلى الطائف ثم يعود بعد الزحام للوداع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للحاج أيام منى أن يذهب إلى الطائف وبعد مضي عشرين يوماً يعود فيودع؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا يجوز لمن حج البيت الحرام أن يسافر حتى ينهي أعمال الحج ومناسكه، ومنها طواف الوداع.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (11/307) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3820)
هل يصح أن يعتمر قبل أن يحج؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يصح للإنسان أن يعتمر قبل أن يحج حج الفريضة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"نعم؛ يجوز للإنسان أن يعتمر قبل أن يحج؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتمروا قبل أن يحجوا حجة الفريضة.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (11/318) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3821)
هل يلزم الحجاج زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم والبقيع وأحد وقباء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يلزم الحجاج، من رجال ونساء، زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم والبقيع وأحد وقباء، أم الرجال فقط؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا يلزم الحجاج - رجالاً أو نساءً - زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا البقيع، بل يحرم شد الرحال إلى زيارة القبور مطلقاً، ويحرم ذلك على النساء، ولو بلا شد الرحال؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى) متفق عليه، ولأنه صلى الله عليه وسلم لعن زائرات القبور، ويكفي النساء يصلين في المسجد النبوي، ويكثرن من الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم في المسجد وغيره.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (11/362) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3822)
لا يعرف مناسك الحج ويريد الحج
[السُّؤَالُ]
ـ[لا أعرف مناسك الحج وأريد أن أحج، فماذا أفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب على من أراد أن يحج أن يتعلم صفة الحج، أو على الأقل يحمل معه كتيباً صغير الحجم سهل العبارة، لأحد العلماء الموثوقين المعروفين باتباع السنة والحرص عليها، ويعمل بما فيه.
ومن الكتب المفيدة في ذلك:
1-التحقيق والإيضاح لكثير من مسائل الحج والعمرة والزيارة للشيخ ابن باز رحمه الله.
2-مناسك الحج والعمرة للشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
وإذا أشكل عليه شيء سأل أهل العلم، وينبغي أن يصحب أحد العلماء أو طلبة العلم ليعلمه المناسك أولاً بأول.
فيسأل عن الحملات التي تحرص على أن يكون معها أحد الدعاة أو طلبة العلم ويخرج معها.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين عن مثل ذلك فأجاب:
"جوابي على هذا أن الله سبحانه وتعالى قد أجابه في قوله تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) النحل/43. والواجب على من أراد عبادة يجهلها أن يسأل أهل العلم عنها حتى يعبد الله على بصيرة، لأن من شروط العبادة الإخلاص لله عز وجل، والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تمكن المتابعة إلا بمعرفة ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم به من أعمال العبادة القولية والفعلية، ولهذا أقول لهذا السائل: إذا أردت الحج وأنت لا تعرف أحكامه ولا تعرف المناسك فالواجب عليك أن تسأل أهل العلم بذلك، وإنني أؤكد على من أراد الحج أن يصحب أحداً من أهل العلم من طلبة العلم الذين عرفوا بمعرفة الأحكام التي تتعلق بالحج من أجل أن يكون مقتدياً فيما يرشدونه إليه" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/50) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3823)
هل يشترط أن تكون ثياب الإحرام جديدة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما السنة في الإزار والرداء للمحرم وهل يشترط أن يكونا جديدين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
السنة في الإزار والرداء للرجل في الإحرام، أن يكونا أبيضين نظيفين، ولا يشترط أن يكونا جديدين.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (10/76) :
"ويلبس ثوبين نظيفين، يعني: إزارا ورداء , فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (وليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين) .
ويستحب أن يكونا نظيفين ; إما جديدين , وإما غسيلين ; لأننا أحببنا له التنظف في بدنه , فكذلك في ثيابه , والأولى أن يكونا أبيضين ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (خير ثيابكم البياض , فألبسوها أحياءكم , وكفنوا فيها موتاكم) " انتهى باختصار.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"لا يشترط في الإزار والرداء أن يكونا جديدين، ولكن يستحب أن يحرم في ثوبين نظيفين أبيضين، وكلما كانا أنظف فهو أحسن؛ لأن الله تعالى جميل يحب الجمال " انتهى.
"مجموع الفتاوى" لابن عثيمين (22/12) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3824)
إذا شك في الطواف فهل يسجد للسهو؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا شك الإنسان في الطواف فهل يسجد للسهو باعتبار أن الطواف بالبيت صلاة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا يسجد؛ لأنه لا يتعبد في الطواف بالسجود، فإذا كان الأصل ليس فيه سجود، فكيف إذا كان فيه شك؟! كيف يجبر بالسجود وهو أصلاً ليس فيه سجود؟! " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 347) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3825)
استأجروا عمارة في مكة ليبقوا فيها أيام منى نهاراً
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الحملات يستأجرون خياماً في منى وعمارة في مكة فيبيتون في منى ويرجعون نهاراً إلى عمارتهم في مكة المكرمة ترفهاً منهم فما حكم عملهم هذا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا شك أن عملهم هذا من حيث القواعد الفقهية جائز، لكن عندي أن هؤلاء في الحقيقة إنما جاؤوا للنزهة؛ لأنهم لم يتبعوا السنة كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم جلس في منى ليلاً ونهاراً، والحج جهاد، وليس ترفهاً، ولا أدري كيف يشعر هؤلاء بالعبادة والإنابة إلى الله، وأنهم مستمرون في الحج وهم ينتقلون إلى البيت رفاهية، وربما يكون عندهم آلات لهو، ثم يرجعون إلى منى جزءاً من الوقت، أنا لا أدري كيف يشعرون بأنهم في عبادة، ولهذا ينبغي أن ينبه المسلمون على هذه المسألة التي انهمك فيها كثير من الناس، أخذوا بقواعد الفقهاء، أو بما يقتضيه كلام الفقهاء، ونسوا أن المسألة عبادة، لذا ينبغي للإنسان أن يفعلها كما فعلها النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: (خذوا عني مناسككم) ، فنقول: ابق في خيمتك ولو كانت حارة، ولو حصل عليك عرق، ولو حصل عليك مشقة وأذية، فهو في طاعة الله، والمسألة أيام، كل الحج لا يتجاوز ستة أيام، الثامن، والتاسع، والعاشر، والحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر لمن تأخر، وأنت آتٍ من بلدك، مغادر أهلك، ومالك، ومخاطر في الأسفار وتعجز عن أن تحبس نفسك ستة أيام، أو خمسة أيام، أو أقل من أربعة أيام، فوالله يؤسفني هذا جداً، ويؤلمني جداً، وإن كان بعض الناس يفتي بما يقتضيه كلام الفقهاء، فإنه سيتحول الحج بعدئذ إلى نزهة، فنسأل الله لنا ولهم الهداية، فأرى أن هؤلاء الذي مر ذكرهم في السؤال حجهم ناقص ولا شك، لأنهم لم يتبعوا السنة في البقاء في منى ليلاً ونهاراً " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/248) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3826)
أصاب ثياب الإحرام دم من ذبح الهدي
[السُّؤَالُ]
ـ[عند ذبح الهدي، أصاب الدم ثياب الإحرام، فهل يجوز لبسه وعليه دم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الدم إذا كان طاهراً فإنه لا يضر إذا وقع على الإحرام أو غيره من الثياب، والدم الطاهر من البهيمة هو الذي يبقى في اللحم والعروق بعد ذبحها: كدم القلب ودم الفخذ ونحو ذلك، وأما إذا كان الدم نجساً فإنه يغسل سواءً في ثوب الإحرام أو غيره، وذلك الدم المسفوح، فلو ذبح شاة مثلاً وأصابه من دمها فإنه يجب عليه أن يغسل هذا الذي أصابه، سواء وقع على ثوبه أو على ثوب الإحرام، أو على بدنه، إلا أن العلماء رحمهم الله قالوا: يعفى عن الدم اليسير لمشقة التحرز منه" انتهى.
"مجموع الفتاوى" لابن عثيمين (22/11) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3827)
العبرة بما في النية وإن أخطأ اللسان
[السُّؤَالُ]
ـ[عند الإحرام كانت نيتي عمرة متمتعة بها إلى الحج، ولكن لفظت حجاً متمتعة به إلى العمرة، والعمل كان بالنية لا باللفظ، فما هو الموقف من هذا العمل وهذا الحج وهل هو صحيح بالنية أم باللفظ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا كان الذي لفظت به سبقة لسان غير مقصود منك فلا أثر له، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى) رواه البخاري (1) ومسلم (1907) .
فإذا كانت نيتك أن تحرمي بالعمرة متمتعة بها إلى الحج ولكن غلطت وقلت: أحرمت بالحج متمتعة به إلى العمرة، أو ما أشبه ذلك، فهذا لا يضر، لأن العبرة بما في القلب، وسبق اللسان بغير ما قصد الإنسان لا يضره شيئاً، والله الموفق" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/20) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3828)
توفيت ولم تصم الأيام السبعة، فهل يصوم عنها زوجها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[حججت أنا وزوجتي قبل عشرة أعوام وفي ذلك الحين لم يكن لنا نقود لشراء الفدية وقمنا بصيام ثلاثة أيام في الحج، وعندما عدنا إلى البلد حصل منا الإهمال بسبب مشاغل الدنيا ولم نكمل الصوم وبقينا على هذا الحال حتى توفيت زوجتي وأنا الآن محتار كيف أعمل هل يجب عليَّ الصوم في الوقت الحاضر عني وعن زوجتي المتوفاة أم ماذا أعمل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"هذا العمل الذي عملتم من صيام ثلاثة أيام في الحج حين كنتم لا تجدون هدياً هو عمل صحيح، لكن تأخيركم صيام الأيام السبعة إلى هذه المدة أمر لا ينبغي، والذي ينبغي للإنسان أن يسارع في إبراء ذمته وأن يقضي ما عليه، والواجب الآن أن تصوم أنت عن نفسك سبعة أيام.
أما المرأة فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) ، وإذا صام عنها أحد أولادها، أو أبوها، أو أمها أو صمت أنت فإن ذلك يكفي، فإن لم يصم منكم أحد فأطعموا عن كل يوم مسكيناً" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 210، 211) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3829)
حكم المناقشة العلمية في الطواف والسعي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم المناقشة العلمية بين شخصين فأكثر في أثناء الطواف أو السعي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"المناقشة العلمية في الطواف أو السعي لا بأس بها، لا تبطل الطواف ولا السعي، لكن الأفضل أن يشتغل الإنسان بالذكر؛ لأن الطواف ينتهي ويزول، والمناقشة ليس لها وقت، أما الإجابة الخاطفة على سؤال من الأسئلة في أثناء الطواف أو السعي فإنها لا يفوت بها شيء ما لم يكثر السائلون، ولهذا نقول: لا حرج على الإنسان إذا سأله سائل في الطواف أن يقول: انتظر حتى أفرغ من الطواف، من أجل أن يفرِّغ نفسه للذكر" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 346) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3830)
حكم ترديد الأدعية وراء المطوف بصوت مرتفع
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم ترديد بعض الأدعية وراء المطوف بصوت مرتفع إذا حصل من رفع الصوت تشويش على المصلين والطائفين هناك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الدعاء من شخص يتبعه جماعة خلفه، أو عن يمينه، أو عن شماله لا أصل له من عمل الصحابة رضي الله عنهم.
وأما رفع الصوت به فإن كان فيه تشويش على الطائفين وإزعاج لهم فيكون منهياً عنه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه وقد سمعهم يقرأون جهراً وهم يصلون في المسجد فقال عليه الصلاة والسلام: (لا يجهر بعضكم على بعض في القرآن) أو قال: (في القراءة) فهكذا نقول لهؤلاء الطائفين: لا تجهروا على الناس فتؤذوهم، ولكن كلٌّ يدعو بما يحب، ولهذا لو أن هؤلاء المطوفين وُجِّهوا إلى أن يقولوا للناس: طوفوا فكبروا عند الحجر الأسود وقولوا: (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) البقرة/201، وادعوا بما شئتم في بقية الطواف، واذكروا الله، واقرأوا القرآن وصاروا يتابعونهم على هذا، لكان هذا أحسن، وأفيد للناس، لأن كل إنسان يدعو ربه بما يحتاج إليه، وهو يعرف المعنى الذي يتكلم به بخلاف ما يفعله المطوفون الآن بالدعاء الذي لا يعرفه الداعي خلفه، فلو سألت هذا الداعي خلف المطوف ما معنى ما يقول؟ لم يفدك -في الغالب – فكون الناس يدعون ربهم دعاء يعرفون معناه ويستفيدون منه خير من هذا" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 336، 337) .
وانظر جواب السؤال رقم (34644) ، (36628) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3831)
سكن مكة من أجل الدراسة، فهل عليه هدي إذا تمتع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل قدم مكة للدراسة وسكن مكة من أجل الدراسة فقط ومتى انتهت الدراسة رجع إلى وطنه وتمتع فهل عليه هدي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"نعم؛ عليه الهدي لأن إقامته في مكة ليست إقامة استيطان، والذي يسقط عنه هدي التمتع هو المستوطن مكة قال الله تعالى: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ) " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 72) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3832)
يتحلقون حول النساء في الطواف، فلا تكون الكعبة عن يسارهم
[السُّؤَالُ]
ـ[يعمد كثير من الرجال إذا كان معهم نساء أن يمسك بعضهم بيد بعض في الطواف ويتحلقوا على من معهم من النساء حتى إن بعضهم ربما طاف على قفاه أو الكعبة عن يمينه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"هذا من الأمر الخطير من وجه، والمؤذي من وجه آخر، أما كونه مؤذياً فلأنه إذا جاءوا هكذا مجتمعين آذوا الناس ومن المعلوم أنه لا يحل للإنسان أن يتعمد ما فيه أذية المسلمين.
وأما الخطر فلأنه كما قال السائل بعض الناس يطوف والكعبة خلف ظهره، أو الكعبة أمام وجهه، ومن شرط الطواف أن تجعل الكعبة عن يسارك، وإذا جعلتها خلف ظهرك، أو عن يمينك، أو أمامك فإن الطواف لا يصح" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 287، 288) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3833)
هل يعتمر أو ينفق نفقة العمرة على الجهاد ونشر العلم وللمساكين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل إنفاق نفقة عمرة التطوع في الجهاد ونشر العلم وقضاء حوائج الضعفاء أفضل من الاعتمار أو الاعتمار أفضل؟ وهل يشمل ذلك عمرة رمضان؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"يمكن الجمع بينهما فيما يظهر إذا اقتصد في نفقات العمرة ولا سيما العمرة في رمضان، فإن لم يمكن الجمع فما كان نفعه متعدياً فهو أفضل، وعلى هذا يكون الجهاد ونشر العلم وقضاء حوائج المحتاجين أولى" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 260) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3834)
هل يصح وقوف المغمى عليه بعرفة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[من أغمي عليه قبل عرفة، ثم حمل إلى عرفة في يوم عرفة وهو مغمي عليه فهل يصح حجه مع عدم علمه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"ذكر العلماء ـ رحمهم الله ـ أن وقوف المغمى عليه مجزئ، وأن الإنسان لو أغمي عليه قبل طلوع الفجر يوم عرفة، ولم يفق إلى بعد طلوع الفجر يوم النحر، وهو في عرفة وقد وقف في عرفة فإن حجه صحيح" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/21) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3835)
هل يشرع للمعتمر أن يذبح هدياً بعد العمرة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في بعض كتب الفقه أنه يشرع للمعتمر أن يذبح هدياً بعد عمرته استحباباً فهل هذه من السنن المندثرة في هذا الوقت؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"هذه من السنن المندثرة، لكن ليس السنة أنك إذا اعتمرت اشتريت شاة وذبحتها، السنة أن تسوق الشاة معك، تأتي بها من بلادك، أو على الأقل من الميقات، أو من أدنى الحل عند بعض العلماء، ويسمى هذا سوق الهدي، أما أن تذبح بعد العمرة بدون سوق فهذا ليس من السنة" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/372) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3836)
هل يجوز للمرأة أن تلبس ملابس ملونة في الإحرام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمرأة أن تلبس في الحج ملابس ملونة كالأبيض والأخضر والأسود؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"نعم؛ يجوز للمرأة في الإحرام أن تلبس ما شاءت من الثياب غير أن لا تتبرج بزينة أمام الرجال الأجانب؛ لأنه ليس للمرأة ثياب مخصوصة بالإحرام، خلافاً للرجل فإن الرجل لا يلبس القميص، ولا السراويل، ولا العمائم، ولا البرانس ولا الخفاف، أما المرأة فالممنوع في حقها لبس القفازين والانتقاب والتبرج بالزينة" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/181) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3837)
هل يجوز للمحرم أن يغتسل، ويغير ثياب الإحرام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمحرم أن يغتسل من أجل النظافة؟ وهل يجوز أن يغير ثياب الإحرام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"المحرم يجوز له أن يغتسل من أجل النظافة؛ لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل وهو محرم، ويجوز للمحرم أن يغير ثياب الإحرام إلى ثياب أنظف منها أو أجدد، ويجوز له أيضاً أن يترفه بالتكييف وغيره من أسباب الراحة" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 144) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3838)
هل يجوز للمحرم أن يضع رباطاً على ركبته لأنها تؤلمه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمعتمر أن يضع رباطاً على ركبته لأنه يشعر بألم فيها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"نعم؛ يجوز للمعتمر وللحاج أيضاً أن يربط رجله بسير يشده عليها إن كانت تؤلمه، بل إن لم تؤلمه إذا كان له مصلحة في ذلك، والسير وشبهه لا يعد لباساً" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 139) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3839)
هل يجوز للمحرم أن يشرب القهوة التي بها الزعفران؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمحرم أن يشرب القهوة التي بها زعفران؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا كانت قد بقيت رائحة الزعفران فلا يجوز استعماله للمحرم؛ لأن الزعفران من الطيب، أما إذا كانت ذهبت رائحته بالطبخ فلا بأس به" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/160) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3840)
هل يجوز للمحرم أن يستظل بالمظلة (الشمسية) ؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم استعمال المظلة للمحرم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"حمل المظلة على الرأس وقاية من حر الشمس لا بأس به ولا حرج فيه، ولا يدخل هذا في نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن تغطية الرأس – رأس الرجل – لأن هذا ليس تغطية، بل هو تظليل من الشمس والحر، وقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان معه أسامة بن زيد وبلال أحدهما آخذ بخطام ناقة النبي صلى الله عليه وسلم والآخر رافع ثوباً يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة، وفي رواية: (والآخر رافع ثوبه على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشمس) وهذا دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد استظل بهذا الثوب وهو محرم قبل أن يتحلل" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 147، 148) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3841)
نسي أنه كان جنباً، فهل يكفيه غسل الإحرام عن غسل الجنابة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[شخص تذكر أنه كان عليه جنابة وهو مسافر في حجته الأولى، فلما وصل الميقات نسى أن عليه جنابة واغتسل للإحرام فقط، ولم ينو الاغتسال للجنابة، وهكذا أحرم للحج فلم ينو الاغتسال من الجنابة، فهل يكفي عن الإحرام وعن الاغتسال من الجنابة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"اغتساله للإحرام يجزئ عن اغتساله للجنابة؛ لأنه غسل مشروع، وخصوصاً مع النسيان، وقد نص على ذلك الفقهاء بقولهم: (وإن نوى غسلاً مسنوناً أجزأ عن الواجب) وقيده بعضهم بما إذا كان ناسياً، وحالة الرجل المذكور منطبق على كلا القولين بأن ذلك يجزئه" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/ 373، 374) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3842)
من الذين يعذرون لترك المبيت في منى؟
[السُّؤَالُ]
ـ[عذر الرسول صلى الله عليه وسلم في المبيت خارج منى السقاة وغيرهم، فما الذي يقاس عليهم في وقت الحاضر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للعباس أن يبيت في مكة من أجل سقاية الحاج، وهذا عمل عام، وكذلك رخص للرعاة أن يتركوا المبيت بمنى؛ لأنهم يرعون رواحل الحجيج، ويشبه هؤلاء من يترك المبيت لرعاية مصالح الناس كالأطباء وجنود الإطفاء، وما أشبه ذلك، فهؤلاء ليس عليهم مبيت، لأن الناس في حاجة إليهم.
وأما من بهم عذر خاص كالمريض والممرض له وما أشبه ذلك فهل يلحقون بهؤلاء؟ على قولين للعلماء:
فمن العلماء من يقول: إنهم يلحقون؛ لوجود العذر.
ومن العلماء من يقول: إنهم لا يلحقون؛ لأن عذر هؤلاء خاص، وعذر أولئك عام.
والذي يظهر لي أن أصحاب الأعذار يلحقون بهؤلاء، مثل إنسان مريض احتاج أن يرقد في المستشفى هاتين الليلتين إحدى عشرة واثنتي عشرة فلا حرج عليه، ولا فدية لأن هذا عذر، وكون الرسول صلى الله عليه وسلم يرخص للعباس رضي الله عنه مع إمكانه أن ينيب أحداً من أهل مكة الذين لم يحجوا يدل على أن مسألة المبيت أمرها خفيف، يعني ليس وجوبها بذلك الوجوب المحتم، حتى إن الإمام أحمد رحمه الله رأى أن من ترك ليلة من ليالي منى فإنه لا فدية عليه، وإنما يتصدق بشيء. يعني عشرة ريالات أو خمسة ريالات حسب الحال" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/237) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3843)
حاج مات بعرفة فهل يتم عنه الحج أو يحج عنه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[حاج مات بعرفة فهل يتم عنه الحج أو يحج عنه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" لا يحج عنه؛ لأن هذا أدى الواجب عليه، والنبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الرجل الذي وقصته ناقته في عرفة قال لهم صلى الله عليه وسلم: (اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تحنطوه ولا تخمِّروا رأسه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا) ولم يقل أتموا عنه. اهـ
[الْمَصْدَرُ]
مجموع فتاوى ابن عثيمين رقم 1063 (23/31) .(5/3844)
هل من فضل أو ميزة لمجيء عرفة يوم الجمعة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أن لو عرفة كان يوم جمعة فصادف صلاة الجمعة تعادل 7 حجات؟ . وجزاكم الله ألف خير]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا نعلم حديثاً أنه إن وافق عرفة يوم الجمعة أنه تكون الحجة في ذلك العام تعدل سبع حجات، بل الوارد " سبعون حجة " و " اثنتان وسبعون حجة " لكنهما لا يصحان بحال!
أما الأول فقد ورد متنه في حديث، لكنه باطل لا يصح، وأما الثاني فلم نقف له على سند ولا متن، فهو لا أصل له.
ونص الحديث الوارد:
" أفضل الأيام يوم عرفة إذا وافق يوم الجمعة، وهو أفضل من سبعين حجة في غير جمعة ".
وقد حكم عليه الأئمة ببطلانه، وعدم صحته:
1. قال ابن القيم – رحمه الله -:
وأما ما استفاض على ألسنة العوام بأنها تعدل ثنتين وسبعين حجة: فباطل لا أصل له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة والتابعين والله أعلم.
" زاد المعاد " (1 / 65) .
2. قال الشيخ الألباني – رحمه الله – في " السلسلة الضعيفة " (207) - بعد أن حكم على الحديث بأنه باطل لا أصل له -:
وأما قول الزيلعي - على ما في " حاشية ابن عابدين " (2 / 348) : رواه رزين ابن معاوية في " تجريد الصحاح " -: فاعلم أن كتاب رزين هذا جمع فيه بين الأصول الستة: الصحيحين، وموطأ مالك، وسنن أبي داود، والنسائي، والترمذي، على نمط كتاب ابن الأثير المسمى " جامع الأصول من أحاديث الرسول "، إلا أن في كتاب " التجريد " أحاديث كثيرة لا أصل لها في شيء من هذه الأصول، كما يعلم مما ينقله العلماء عنه مثل المنذري في " الترغيب والترهيب "، وهذا الحديث من هذا القبيل، فإنه لا أصل له في هذه الكتب، ولا في غيرها من كتب الحديث المعروفة، بل صرح العلامة ابن القيم في " الزاد " (1 / 17) ببطلانه، فإنه قال بعد أن أفاض في بيان مزية وقفة الجمعة من وجوه عشرة ذكرها: وأما ما استفاض على ألسنة العوام بأنها تعدل اثنتين وسبعين حجة: فباطل لا أصل له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من الصحابة والتابعين.
وأقره المناوي في " فيض القدير " (2 / 28) ثم ابن عابدين في " الحاشية ".
انتهى
وفي " السلسلة الضعيفة " (1193) قال – رحمه الله -:
قال السخاوي في " الفتاوى الحديثية " (ق 105/2) :
" ذكره رزين في " جامعه " مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر صحابيه، ولا مَن خرَّجه، والله أعلم ".
انتهى
وفي " السلسة الضعيفة " (3144) قال – رحمه الله -:
قال الحافظ في " الفتح " (8 / 204) بعد أن عزاه لرزين في " الجامعة " مرفوعاً: " لا أعرف حاله؛ لأنه لم يذكر صحابيه، ولا من أخرجه ".
وقال الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي في جزء " فضل يوم عرفة ":
" حديث " وقفة الجمعة يوم عرفة أنها تعدل اثنتين وسبعين حجة " حديث باطل لا يصح، وكذلك لا يثبت ما روي عن زر بن حبيش: أنه أفضل من سبعين حجة في غير يوم جمعة ". انتهى
3. وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
هل ورد شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل كون الحج حج الجمعة؟ .
فأجاب:
لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل الجمعة إذا صادف يوم عرفة، لكن العلماء يقولون: إن مصادفته ليوم الجمعة فيه خير.
أولاً: لتكون الحجة كحجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم صادف وقوفه بعرفة يوم الجمعة.
ثانياً: أن في يوم الجمعة ساعةً لا يوافقها عبدٌ مسلم وهو قائمٌ يصلي يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياها، فيكون ذلك أقرب للإجابة.
ثالثاً: أن يوم عرفة عيد ويوم الجمعة عيد، فإذا اتفق العيدان كان في ذلك خير.
وأما ما اشتهر من أن حجة الجمعة تعادل سبعين حجة: فهذا غير صحيح.
" اللقاء الشهري " (34 / السؤال رقم 18) .
4. وسئل علماء اللجنة الدائمة:
يقول بعض الناس: إن يوم عرفة إذا صادف يوم جمعة كهذا العام يكون كمن أدى سبع حجات، هل هناك دليل من السنة في ذلك؟ .
فأجابوا:
ليس في ذلك دليل صحيح، وقد زعم بعض الناس: أنها تعدل سبعين حجة، أو اثنتين وسبعين حجة، وليس بصحيحٍ أيضاً.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (11 / 210، 211) .
وانظر: " فتح الباري " (8 / 271) ، " تحفة الأحوذي " (4 / 27) .
ثانياً:
هذا، ولعله من أسباب انتشار هذا الأمر بين الناس أنه ذُكر في كتب الحنفية والشافعية.
قال الحنفية:
لوقفة الجمعة مزية سبعين حجة، ويغفر فيها لكل فرد بلا واسطة.
وقالوا:
أفضل الأيام يوم عرفة إذا وافق يوم جمعة، وهو أفضل من سبعين حجة في غير جمعة.
" رد المحتار على الدر المختار " (2 / 621) .
وقال الشافعية:
وقيل: إذا وافق يوم الجمعة يوم عرفة: غَفر الله تعالى لكل أهل الموقف، أي: بلا واسطة، وغير يوم الجمعة بواسطة، أي: يهب مسيئهم لمحسنهم.
" مغني المحتاج " (1 / 497) .
ثالثاً:
ولا يعني بطلان الحديث أنه ليس لوقوف عرفة يوم الجمعة مزية، بل قد ذكر ابن القيم رحمه الله عشر مزايا لذلك، ونوردها لعظَم فائدتها.
قال – رحمه الله -:
والصواب: أن يوم الجمعة أفضل أيام السبوع، ويوم عرفة ويوم النحر أفضل أيام العام، وكذلك ليلة القدر وليلة الجمعة، ولهذا كان لوقفة الجمعة يوم عرفة مزية على سائر الأيام من وجوه متعددة:
أحدها: اجتماع اليومين اللذيْن هما أفضل الأيام.
الثاني: أنه اليوم الذي فيه ساعة محققة الإجابة، وأكثر الأقوال أنها آخر ساعة بعد العصر، وأهل الموقف كلهم إذ ذاك واقفون للدعاء والتضرع.
الثالث: موافقته ليوم وقفة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الرابع: أن فيه اجتماع الخلائق من أقطار الأرض للخطبة، وصلاة الجمعة، ويوافق ذلك اجتماع أهل عرفة يوم عرفة بعرفة، فيحصل من اجتماع المسلمين في مساجدهم وموقفهم من الدعاء والتضرع ما لا يحصل في يوم سواه.
الخامس: أن يوم الجمعة يوم عيد، ويوم عرفة يوم عيد لأهل عرفة، ولذلك كُره لمن بعرفة صومه ... .
قال شيخنا – أي: ابن تيمية -: وإنما يكون يوم عرفة عيداً في حق أهل عرفة؛ لاجتماعهم فيه بخلاف أهل الأمصار؛ فإنهم إنما يجتمعون يوم النحر، فكان هو العيد في حقهم، والمقصود: أنه إذا اتفق يوم عرفة ويوم جمعة: فقد اتفق عيدان معاً.
السادس: أنه موافق ليوم إكمال الله تعالى دينه لعباده المؤمنين وإتمام نعمته عليهم، كما ثبت في صحيح البخاري عن طارق بن شهاب قال: جاء يهودي إلى عمر بن الخطاب فقال: يا أمير المؤمنين آية تقرؤونها في كتابكم لو علينا معشر اليهود نزلت ونعلم ذلك اليوم الذي نزلت فيه لاتخذناه عيداً قال: أي آية؟ قال: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) المائدة/3، فقال عمر بن الخطاب: إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه، والمكان الذي نزلت فيه، نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة، يوم جمعة، ونحن واقفون معه بعرفة.
السابع: أنه موافق ليوم الجمع الأكبر، والموقف الأعظم يوم القيامة؛ فإن القيامة تقوم يوم الجمعة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها وفيه تقوم الساعة وفيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله خيرا إلا أعطاه إياه) ...
الثامن: أن الطاعة الواقعة من المسلمين يوم الجمعة وليلة الجمعة أكثر منها في سائر الأيام، حتى إن أكثر أهل الفجور يحترمون يوم الجمعة وليلته، ويرون أن من تجرأ فيه على معاصي الله عز وجل عجل الله عقوبته ولم يمهله، وهذا أمرٌ قد استقر عندهم، وعلِموه بالتجارب، وذلك لعظم اليوم وشرفه عند الله واختيار الله سبحانه له من بين سائر الأيام، ولا ريب أن للوقفة فيه مزية على غيره.
التاسع: أنه موافق ليوم المزيد في الجنة ... وهو يوم جمعة، فإذا وافق يوم عرفة كان له زيادة مزية واختصاص وفضل ليس لغيره.
العاشر: أنه يدنو الرب تبارك وتعالى عشية يوم عرفة من أهل الموقف، ثم يباهي بهم الملائكة ... .
فبهذه الوجوه وغيرها فضلت وقفة يوم الجمعة على غيرها.
وأما ما استفاض على ألسنة العوام بأنها تعدل ثنتين وسبعين حجة فباطل لا أصل له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة والتابعين والله أعلم.
" زاد المعاد " (1 / 60 – 65) باختصار.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3845)
حاضت أثناء الحج ولا تستطيع البقاء
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة قدمت للحج فحاضت بعدما أحرمت بالحج ومحرمها مضطر إلى السفر فورا، وليس لها أحد بمكة فما الحكم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تسافر معه وتبقى على إحرامها، ثم ترجع إذا طهرت وهذا إذا كانت في بلاد الحرمين لأن الرجوع سهل ولا يحتاج إلى تعب ولا إلى جواز سفر ونحوه، أما إذا كانت أجنبية ويشق عليها الرجوع فإنها تتحفظ (أي تشد على فرجها خرقة حتى لا يسيل الدم فيلوث المسجد) وتطوف وتسعى وتقصر وتنهي عمرتها في نفس السفر لأن طوافها حينئذ صار ضرورة والضرورة تبيح المحظور.
وأما طواف الوداع فلا يلزمك؛ لأن الحائض لا يلزمها طواف الوداع لحديث ابن عباس - رضي الله عنهما-: " أمر الناس أن يكون عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض ".
ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم -لما أخبر أن صفية طافت طواف الإفاضة قال: " فلتنفر إذا " ودل هذا أن طواف الوداع يسقط عن الحائض أما طواف الإفاضة فلا بد لك منه
انظر فتوى الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله رسالة 60 سؤال في الحيض.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3846)
كيف أسلم على الرسول صلى الله عليه وسلم عند زيارة قبره؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني أريد أن أزور مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة النبوية، فكيف السلام على الرسول صلى الله عليه وسلم، وهل زيارة المسجد واجبة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. وبعد:
ليست زيارة مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم واجبة، ولكن إذا أردت السفر إلى المدينة من أجل الصلاة في مسجده صلى الله عليه وسلم؛ فذلك سنة. وإذا دخلت مسجده فابدأ بالصلاة ثم ائت قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقل: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، وصلى الله عليك وعلى آلك وأصحابك) ، وأكثر من الصلاة والسلام عليه لما ثبت من قوله عليه الصلاة والسلام: " وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم " [رواه أبوداود (2042) ] ثم سلِّم على أبي بكر، وعمر وترضَّ عنهما، ولا تتمسح بالقبر، ولا تدعُ عنده، بل انصرف وادع الله حيث شئت من المسجد وغيره، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "َ لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى " رواه الإمام أحمد (1751) والبخاري (1189) ومسلم (1397)
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (9 / 117)(5/3847)
حجت قبل استقامتها فهل تعيد الحج؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا كنت قد أديت فريضة الحج قبل أن ألتزم دينيا بسنوات وقبل أن أرتدي الحجاب. الحمد لله قد أصبحت الآن على قدر من الالتزام وأرتدي الحجاب والنقاب. هل علي تأدية فريضة الحج أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحمد لله
أولا:
نحمد الله تعالى أن وفقك وهداك، وأخذ بيدك إلى طاعته ومرضاته، ونسأله سبحانه لنا ولك الثبات حتى نلقاه.
ثانيا:
حجك الماضي يكفيك عن حجة الإسلام، ولا يلزمك إعادته، حتى لو كنت مقصرة في التزامك وتمسكك بالدين وارتداء الحجاب، إلا إذا كنت في تلك الفترة تتركين الصلاة، واستمر تركك لها أثناء الحج أيضا، فحينئذ لا يعتدّ بحجك، لأن ترك الصلاة كفر، ولا يصح الحج مع وجود الكفر.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا حج من لا يصلي ولا يصوم فما حكم حجه وهو على تلك الحال؟
فأجاب: " ترك الصلاة كفر مخرج عن الملة، موجب للخلود في النار، كما دل على ذلك الكتاب والسنة وقول السلف رحمهم الله، وعلى هذا فهذا الرجل الذي لا يصلي لا يحل له أن يدخل مكة؛ لقوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا) .
وحجه وهو لا يصلي غير مجزئ ولا مقبول، وذلك لأنه وقع من كافر، والكافر لا تصح منه العبادات؛ لقوله تعالى: (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلا وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنْفِقُونَ إِلا وَهُمْ كَارِهُونَ) " انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (21/45) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3848)
الوقوف بعرفة لا تشترط له الطهارة
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا يفعل الحاج إذا خرجت منه ريح وهو متوجه إلى الطّواف أو عرفات؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ذهب جمهور العلماء إلى أن الطواف لا يصح من غير طهارة، وقد سبق بيان اختلاف العلماء في ذلك في جواب السؤال رقم (34695) ، فمن انتقض وضوؤه وهو متوجه للطواف فإنه يذهب ويتوضأ ثم يشرع في طوافه. هذا هو الأولى والأحوط بلا شك.
ثانيا:
أما الوقوف بعرفات فلا تشترط له الطهارة، فلا حرج على الحاج أن يقف بعرفات وهو غير متوضئ، ولا يلزمه الوضوء إلا عند إرادة الصلاة، وقد اتفق العلماء على أنه يصح وقوف الحائض والجنب.
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (8/140) : " قال ابن المنذر: أجمع العلماء على أنه يصح وقوف غير الطاهر من الرجال والنساء كالجنب والحائض وغيرهما " انتهى.
غير أنه يستحب أن يقف طاهراً من الحدثين: الأكبر والأصغر، لأنه سيذكر الله تعالى، ويستحب الوضوء عند ذكر الله تعالى.
وانظر: كشاف القناع" (2/494)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3849)
اقترضت بالربا، وتريد أن تحجّ من راتبها
[السُّؤَالُ]
ـ[قامت امرأة بأخذ قرض ربوي وتقوم بسداد القرض من راتبها والآن تريد الحج فهل لها أن تحج من راتبها؟ فما حكم حجها؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يحرم الاقتراض بالربا، وعلى من ابتلي بذلك أن يتوب إلى الله تعالى، ويندم على ما اقترف من هذا الذنب العظيم، وينبغي أن يسارع في سداد هذا القرض ليتخلص من الربا وآثاره، ولا يلزمه إلا سداد رأس المال، أما الفائدة المحرمة فلا يجوز دفعها إلا أن يخشى الإنسان الضرر فيدفعها مكرهاً.
وانظر جواب السؤال (60185)
ثانياً:
لهذه المرأة أن تحج من راتبها، وراتبها جزء من مالها الذي تملكه، وهو مباح إن كان في مقابل عمل مباح.
ثالثاً:
إن كان هذا الدين على أقساط وكان سفرها للحج يؤثر على دفع هذه الأقساط فلا يجب عليها الحج، بل الواجب عليها أن تبدأ سداد الدَّين أولاً ثم تحج، وإن كان سفرها إلى الحج لا يؤثر على سداد هذه الأقساط فلا حرج عليها أن تحج، لكن الأولى لها إن كان الحج نفلاً، وسبق أن حجّت أن تبذل هذا المال في سداد الدين حتى تتخلص من هذا الربا المحرّم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3850)
إذا أحرم بالحج أو العمرة عن شخصين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن أجمع في نية العمرة أن تكون لوالدي معا حيث إنهما متوفَّيان أم يجب أن تكون لكل واحد على حدة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
النسك – حجا كان أو عمرة – لا يقع إلا عن شخص واحد، فليس لك أن تجعل العمرة عن والديك، بل تجعل لكل منهما عمرة، والأولى أن تقدم عمرة الأم؛ لما لها من مزيد الحق والبر، إلا إن كانت عمرتها نفلا، وعمرة أبيك واجبة؛ لعدم أدائه للعمرة في حياته، فتقدم العمرة عن الأب حينئذ.
قال في "كشاف القناع" (2/377) : " ويستحب أن يحج عن أبويه إن كانا ميتين أو عاجزين , زاد بعضهم: إن لم يحجا، ونص الإمام أحمد على أنه يقدم أمه ; لأنها أحق بالبر , ويقدم واجب أبيه على نفلها " انتهى.
ومن أحرم بحج أو عمرة عن شخصين، وقع النسك عن نفسه.
قال الشافعي رحمه الله في "الأم" (2/137) : " ولو استأجر رجلان رجلا يحج عن أبويهما , فأهلّ بالحج عنهما معا كان مبطلا لإجارته , وكان الحج عن نفسه , لا عن واحد منهما , ولو نوى الحج عن نفسه وعنهما أو عن أحدهما كان عن نفسه وبطلت إجارته " انتهى.
وقال ابن قدامة في "المغني" (3/97) : " فإن استنابه اثنان في نسك , فأحرم به عنهما , وقع عن نفسه دونهما ; لأنه لا يمكن وقوعه عنهما , وليس أحدهما بأولى من صاحبه. وإن أحرم عن نفسه وغيره , وقع عن نفسه ; لأنه إذا وقع عن نفسه ولم ينوها , فمع نيته أولى " انتهى.
وقال النووي رحمه الله في "المجموع" (7/126) : " قال أصحابنا: لو استأجر رجلان رجلا يحج عنهما , فأحرم عنهما معا انعقد إحرامه لنفسه تطوعا , ولا ينعقد لواحد منهما ; لأن الإحرام لا ينعقد عن اثنين , وليس أحدهما أولى من الآخر , ولو أحرم عن أحدهما وعن نفسه معا انعقد إحرامه عن نفسه ; لأن الإحرام عن اثنين لا يجوز , وهو أولى من غيره فانعقد , هكذا نص عليه الشافعي في الأم وتابعه الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب والأصحاب " انتهى.
نسأل الله أن يتقبل منا ومنك صالح الأعمال.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3851)
شكت في قص شعرها للتحلل من الحج، فماذا تفعل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة كبيرة السن، قمت والحمد لله بأداء فريضة الحج في العام الماضي، وبعد طواف الإفاضة طلبت من إحدى الأخوات أن تقص لي من شعري من أجل التحلل، وبعد أن عدنا إلى بلادنا أصابتني شكوك بأنه هل قصت هذه السيدة لي شعري أم لا بالشكل المطلوب؟
وأنا أطلب منكم إفادتي حتى يرتاح ضميري حول صحة حجتي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قرر العلماء أن من فعل العبادة انتهى منها، ثم أصابه الشك هل أتمها أم لا؟ ولم يصِل هذا الشك إلى مرتبة اليقين، فهو شك غير معتبر، والعبادة صحيحة تامة إن شاء الله تعالى.
وخاصةً إذا كان من قام بالعبادة كثير الشكوك، فمثله لا يجوز له أن يلتفت إلى شكوكه، فهي حبائل الشيطان.
قال ابن قدامة في "المغني" (3/187) :
" إذا شك في الطهارة وهو في الطواف لم يصح طوافه ذلك؛ لأنه شك في شرط العبادة قبل الفراغ منها، فأشبه ما لو شك في الطهارة في الصلاة وهو فيها.
وإن شك بعد الفراغ منه لم يلزمه شيء؛ لأن الشك في شرط العبادة بعد فراغها لا يؤثر فيها " انتهى.
قال الزركشي في "المنثور في القواعد الفقهية" (2/257) :
" فرق الإمام الشافعي بين الشك في الفعل وبين الشك بعد الفعل، فلم يوجب إعادة الثاني؛ لأنه يؤدى إلى المشقة، فإن المصلي لو كُلف أن يكون ذاكرًا لما صلى لتعذر عليه ذلك ولم يطقه أحد، فسومح فيه " انتهى.
وقد سئلت اللجنة الدائمة السؤال التالي:
هل يُلتفت إلى الشك في عدد الركعات، أو عدد أشواط الطواف، أو السعي، بعد الانتهاء منها، وكذلك الحال بالنسبة للوضوء أم لا؟ بمعنى أنه لا ينظر إلى الشك بعد الانتهاء من العبادة؟
فأجابت:
" الشك بعد الانتهاء من الطواف والسعي والصلاة لا يلتفت إليه؛ لأن الظاهر سلامة العبادة " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (7/143) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين عن شخص كثير الشكوك في الصلاة، فما توجيهكم؟
فجاب:
" الشكوك الكثيرة يجب طرحها وعدم الالتفات لها؛ لأنها تلحق الإنسان بالموسوس، ولا يقتصر الشيطان على تشكيكه في ذلك، بل يشككه في أمور أخرى، حتى إنه قد تبلغ به الحال إلى أن تشككه الوساوس فيما يتعلق بالتوحيد، وصفات الله عز وجل، ويشككه في طلاق زوجته وبقائها معه، وهذا خطير على عقل الإنسان وعلى دينه.
ولهذا قال العلماء: إن الشكوك لا يلتفت إليها في ثلاث حالات:
الأولى: أن تكون مجرد وهم لا حقيقة له، فهذه مطرحة ولا يلتفت إليها إطلاقًا.
الثانية: أن تكثر الشكوك، ويكون الإنسان كلما توضأ شك، وكلما صلى شك، وكلما فعل فعلًا شك، فهذا أيضًا يجب طرحه وعدم اعتباره.
الثالثة: إذا كان الشك بعد انتهاء العبادة، فإنه لا يلتفت إليه ما لم يتيقن الأمر.
مثال ذلك: لو شك بعد أن سلم من صلاته هل صلى ثلاثاً أم أربعاً في رباعية، فإنه لا يلتفت إلى هذا الشك؛ لأن العبادة قد فرغت، إلا إذا تيقن أنه لم يصل إلا ثلاثًا فليأت بالرابعة ما دام الوقت قصيرًا وليسجد للسهو بعد السلام، فإن طال الفصل أعاد الصلاة كلها من جديد " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (14/سؤال 746) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3852)
هل يجوز أن أعتمر للأحياء القادرين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن أعتمر للأحياء القادرين؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز أن تحج أو تعتمر عن أحد وهو قادر على الحج والاعتمار بنفسه.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
" تَوَسُّعُ الناسِ في الاستنابة في الحج أمرٌ يؤسف له في الواقع، وقد يكون غير صحيح شرعاً، وذلك لأن الاستنابة في النفل في جوازها روايتان عن الإمام أحمد رحمه الله، رواية: أن الإنسان لا يجوز أن ينيب عنه أحداً في النفل ليحج عنه أو يعتمر عنه، سواء كان مريضاً، أو صحيحاً، وما أجدر هذه الرواية بالصحة والقوة، لأن العبادات يطلب من المكلف أن يقوم بها بنفسه، حتى يحصل له من العبادة والتذلل لله ما يحصل، وأنت ترى الفرق بين إنسان يحج بنفسه، وإنسان يعطي دراهم ليحج عنه. الثاني ليس له فضل من العبادة في إصلاح قلبه وتذلله لله عز وجل، وكأنه عقد صفقة بيع، وَكَّلَ فيها مَنْ يشترى له أو يبيع له، وإذا كان مريضاً وأراد أن يستنيب في النفل، فيقال: هذا لم تأت به السنة، وإنما جاءت السنة في الاستنابة في الفرض فقط، والفرق بين الفرض والنفل أن الفرض أمر لازم على الإنسان، فإذا لم يستطعه وَكَّلَ مَنْ يحج عنه ويعتمر، لكن النفل ليس بواجب، فيقال: ما دمت مريضاً وأديت الفريضة فاحمد الله على ذلك، وابذل المال الذي تريد أن تعطيه من يحج عنك أو يعتمر في مصارف أخرى، أَعِنْ إنساناً فقيراً لم يحج الفرض بهذا المال، فهو خير لك من أن تقول: خذ هذا حج عني، ولو كنت مريضاً، أما الفرض فالناس والحمد لله لم يتهاونوا فيه، لا تكاد تجد أحداً يوكل عنه من يحج فريضة إلا وهو غير قادر، وهذا جاءت به السنة، كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إن فريضة الله على عباده بالحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: (نعم) .
والخلاصة: أن الاستنابة في النفل فيها روايتان عن الإمام أحمد: إحداهما: أنها لا تصح الاستنابة، والرواية الثانية: أنها تصح الاستنابة من القادر وغير القادر، والأقرب للصواب بلا شك عندي أن الاستنابة في النفل لا تصح لا للعاجز ولا للقادر. وأما الفريضة للعاجز الذي لا يرجو زوال عجزه فقد جاءت بها السنة " انتهى.
"فتاوى ابن عثيمين" (21/140) .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/68) :
" يجب على المسلم المكلف المستطيع أداء الحج على الفور ولا يجوز في هذه الحالة أن ينيب عنه من يحج، ولا يكفي حج غيره عنه مادام مستطيعاً أداء الحج بنفسه" انتهى.
وقد اختار علماء اللجنة الدائمة جواز الاعتمار والحج عن الحي العاجز عن فعلهما ولو كان ذلك نافلة.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/81) :
" إذا اعتمرت عن نفسك جاز لك أن تعتمر عن أمك وأبيك إذا كانا عاجزين، لكبر أو مرض لا يرجى برؤه " انتهى.
وهو ما اختاره أيضاً الشيخ ابن باز رحمه الله، فإنه سئل: أريد أن أحج عن والدتي، فهل لا بد أن أستأذنها، علماً بأنها سبق أن أدت حجة الفريضة؟
فأجاب:
" إذا كانت والدتك عاجزة عن الحج لكبر سنها أو مرض لا يرجى برؤه فلا بأس أن تحج عنها ولو بغير إذنها، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استأذنه رجل قائلاً: يا رسول الله، إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج والعمرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حج عن أبيك واعتمر) واستأذته امرأة قائلة: يا رسول الله، إن أبي شيخ كبير ولا يستطيع الحج ولا الظعن أفأحج عنه؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (حجي عن أبيك) . وهكذا الميت يحج عنه لأحاديث صحيحة وردت في ذلك، ولهذين الحديثين " انتهى.
"فتاوى ابن باز" (16/414) .
والحاصل:
أنه لا يجوز الحج ولا العمرة عن أحد من الأحياء القادر على فعلهما، وأما العاجز، فإن كان ذلك في الفريضة فهو جائز، وأما في النافلة فهو موضع خلاف بين العلماء.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/3853)
من يدفع تكاليف مرافق المعوق في العمرة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلم معاق، وسأذهب لتأدية العمرة هذا العام إن شاء الله. وأرغب أن يقابلني أخي في جدة ليأخذني إلى مكة والمدينة. وهو يريد أن يعتمر أيضاً، لكنه يصر على أن يدفع قيمة تذكرة سفره بنفسه، مع أني سأدفع عن إقامتنا في الفندق وعن الطعام وعن المصاريف الأخرى. هل يمكنه أن يدفع قيمة تذكرته، أم عليَّ أنا أن أدفع تذكرته أيضا، كما فعلت في جميع مصاريفه الأخرى، لأنه سيأتي ليساعدني؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا بأس أن تدفع أنت ثمن تذكرته، ولا بأس أن يدفع هو ثمن تذكرته بنفسه، وما دام مصراً وراغباً في الأجر فليدفعها وهو مأجور أيضاً على مرافقتك إن شاء الله.
وأنت ستؤجر أيضاً إن شاء الله عن دفع بقية النفقة عنكما، والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/3854)
المعصية وأثرها على صاحبها
[السُّؤَالُ]
ـ[حججت عن نفسي وبعد الحج بأشهر لم أر علامات القبول من الإقبال على الطاعات بل عملت الكثير من المعاصي وفي العام المنصرم عقدت العزم على الحج عن أمي المتوفاة، سألت أحد المشايخ فأفتاني بالحج عنها كما نويت والكثرة من الاستغفار والتضرع فحججت عن أمي في إحدى الحملات وفي طواف الوداع كان الزحام شديدا فطفنا شوطا وجزء من شوط ثم صعدنا إلى السطح، لشدة الزحام لم نعلم الموقع الذي وقفنا عنده بالضبط في الأسفل ولكن اجتهدنا في بداية الطواف من السطح أن يكون من الموضع الذي انتهينا عنده أسفل وطفنا حتى أتممنا الطواف..
بعد حجي الأخير إن اتجهت للمعاصي - وقد وقعت في كثير منها - شعرت بقسوة وضيق صدر وإن اتجهت إلى الطاعات أحسست بلذةٍ وأحمل عاطفة صادقة ومتأثرة نحو حال الإسلام وأهله في هذا الزمن.. وأنا قلق بشأن الحجين وشأن الطواف.. أفتوني مأجورين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: ننصحك أيها السائل بالبعد عن المعاصي صغيرها وكبيرها والحذر كل الحذر منها؛ فإن للمعصية شؤماً على صاحبها، فإليك بعض آثارها من كلام ابن القيم رحمه الله:
1- " حرمان العلم، فإن العلم نور يقذفه الله في القلب، والمعصية تُطفئ ذلك النور. ولما جلس الشافعي بين يدي مالك وقرأ عليه أعجبه ما رأى من وفور فطنته، وتوقُّد ذكائه، وكمال فهمه، فقال: إني أرى الله قد ألقى على قلبك نوراً، فلا تُطفئه بظلمة المعصية.
2- حرمان الرزق ففي مسند الإمام أحمد عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: " إن الرجل ليُحرم الرزق بالذنب يُصيبه " رواه ابن ماجه (4022) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه.
3- وحشة تحصل للعاصي بينه وبين ربه، وبينه وبين الناس.قال بعض السلف: إني لأعصي الله، فأرى ذلك في خلق دابتي وامرأتي.
4- تعسير أموره عليه، فلا يتوجه لأمرٍ إلا ويجده مغلقاً دونه أو متعسراً عليه، وهذا كما أن من اتقى الله جعل له من أمره يسرا.
5- أن العاصي يجد ظلمةً في قلبه، يُحس بها كما يحس بظلمة الليل، فتصير ظلمة المعصية لقلبه كالظلمة الحسية لبصره، فإن الطاعة نور، والمعصية ظلمة، وكلما قويت الظلمة ازدادت حيرته حتى يقع في البدع والضلالات والأمور المهلكة وهو لا يشعر، كأعمى خرج في ظلمة الليل يمشي وحده، وتقوى هذه الظلمة حتى تظهر في العين، ثم تقوى حتى تعلو الوجه، وتصير سواداً يراه كل أحد. قال عبد الله بن عباس: " إن للحسنة ضياءً في الوجه، ونوراً في القلب، وسعةً في الرزق، وقوةً في البدن، ومحبةً في قلوب الخلق، وإن للسيئة سواداً في الوجه، وظلمةً في القلب، ووهناً في البدن , ونقصاً في الرزق، وبغضةً في قلوب الخلق ".
6- حرمان الطاعة، فلو لم يكن للذنب عقوبةٌ إلا أن يُصدَّ عن طاعةٍ تكون بدله، وتقطع طريق طاعة أخرى، فينقطع عليه بالذنب طريقٌ ثالثة ثم رابعة وهلم جرا، فينقطع عنه بالذنب طاعات كثيرة، كل واحدة منها خير له من الدنيا وما عليها، وهذا كرجل أكل أكلةً أوجبت له مرضاً طويلا منعه من عدة أكلات أطيب منها والله المستعان.
7- أن المعاصي تزرع أمثالها، ويُولِّد بعضها بعضاً، حتى يعز على العبد مفارقتها والخروج منها.
8- أن المعاصي تُضعف القلب عن إرادته، فتقوى إرادة المعصية، وتضعف إرادة التوبة شيئاً فشيئاً إلى أن تنسلخ من قلبه إرادة التوبة بالكلية، ... فيأتي من الاستغفار وتوبة الكذابين باللسان بشيءٍ كثير، وقلبه معقودٌ بالمعصية، مُصرٌ عليها، عازم على مواقعتها متى أمكنه، وهذا من أعظم الأمراض وأقربها إلى الهلاك.
9- أنه ينسلخ من القلب استقباح المعصية فتصير له عادة، لا يستقبح من نفسه رؤية الناس له،ولا كلامهم فيه.
وهذا عند أرباب الفسوق هو غاية التهتك وتمام اللذة، حتى يفتخر أحدهم بالمعصية، ويُحدِّث بها من لم يعلم أنه عملها، فيقول: يا فلان، عملت كذا وكذا. وهذا الضرب من الناس لا يعافون، ويُسدُّ عليهم طريق التوبة،وتغلق عنهم أبوابها في الغالب. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " كلُّ أمتي معافى إلا المجاهرون، وإنَّ من المجاهرة: أن يستر الله العبد ثم يُصبح يفضح نفسه ويقول: يا فلان عملت يوم كذا.. كذا وكذا، فيهتك نفسه وقد بات يستره ربه " رواه البخاري (5949) ومسلم (2744) .
10- أن الذنوب إذا تكاثرت طُبِعَ على قلب صاحبها، فكان من الغافلين. كما قال بعض السلف في قوله تعالى: {كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون} قال: هو الذنب بعد الذنب.
وأصل هذا أن القلب يصدأ من المعصية، فإذا زادت غلب الصدأ حتى يصير راناً، ثم يغلب حتى يصير طبعاً وقفلاً وختماً، فيصير القلب في غشاوة وغلاف، فإذا حصل له ذلك بعد الهدى والبصيرة انتكس فصار أعلاه أسفله، فحينئذٍ يتولاه الشيطان ويسوقه حيث أراد.
ثانياً: قولك إنك " حججت ولم تر علامات القبول، بل ازددت من المعاصي " يجاب عليه: بأن القبول إنما هو من الله، ولا يستطيع أحدٌ أن يجزم لك بأن عملك قد قبل أم لا؟
فالمؤمن يعمل الأعمال الصالحة وهو لا يعلم هل قبل الله منه أم لا؟
حتى قال ابن عمر لو علمت بأن الله قبل مني حسنة واحدة لكان الموت أحب غائب إليَّ؛ لأن الله يقول: " إنما يتقبل الله من المتقين ".
والإنسان مطلوب منه أن يُكثر من العمل الصالح، وأن يجتهد في العمل بحيث يكون موافقاً لأمر الله ورسوله، ويكون بذلك قد أبرأ ذمته، ثم يسأل الله القبول.
فأنت أيها السائل إذا كان حجك صحيحاً خالياً من المحظورات فلا يلزمك إعادته، وأما وقوعك في المعاصي فليس له تعلق بصحة الحج من عدمه، ولكنك محاسب عليها، فعليك بالمبادرة بالتوبة منها قبل حلول الأجل.
ثالثاً: قولك بأنك طفت ثم صعدت إلى السطح لشدة الزحام.
هذه مسألة الموالاة في الطواف، وقد سُئلت اللجنة الدائمة عن سؤالٍ مشابهٍ لمسألتك فأجابت بأنه لا بأس من قطع الطواف وإكماله في الدور الأعلى.انظر فتاوى اللجنة الدائمة (11/230، 231، 232) .
وأما بداية الطواف فيكون من الموضع الذي انتهيت إليه، وبالنسبة لاجتهادك في تحديد الموضع فإنه إذا تعذر اليقين عمل الإنسان بغلبة الظن لقول النبي صلى الله عليه وسلم فيمن شك فتردد هل صلى ثلاثاً أم أربعاً قال: " فليتحرَّ الصواب، ثم ليُتم عليه – أي يبني على التحري – ثم ليُسلم ثم ليسجد سجدتين بعد أن يُسلم " رواه البخاري (401) ومسلم (572) ، أنظر الشرح الممتع (3/461) .
وبناءً عليه فإكمال الطواف من السطح واجتهادك في البداية من الموضع الذي قطعت طوافك منه لا شيء عليك فيه إن شاء الله، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/3855)