الفتح على الخطيب أثناء الخطبة ليس من اللغو
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا حدث أن غلط الإمام في خطبة الجمعة فردّ عليه بعض المصلين فهل يعتبر هذا المصلي قد لغا أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الرد على الإمام في الخطبة أو سؤاله عن شيء في الخطبة أو طلبه شيئاً في الخطبة ليس من اللغو في الخطبة، وليس بممنوع، فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب الجمعة قال: يا رسول الله هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادعوا الله أن يغيثنا، فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم واستغاث ربه، ولم ينكر عليه.
فإذا خاطب رجل الخطيب وقال له: يا خطيب أو يا فلان، ادعو الله لنا، أو استغث لنا، أو فتح عليه غلطاً وقع له، فلا حرج عليه في ذلك، وليس بدعاً في هذا وليس بممنوع" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (2/1042) .
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
فتاوى نور على الدرب(5/1932)
مدينة يَسلم فيها من الفتن ويصلون فيها الجمعة قبل الزوال فهل يجب عليه الانتقال إليها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعيش في مدينة تكثر فيها الفتنة، وتقلّ فيها فرص العمل، وتوجد مدينة تبعد عنّا حوالي ساعة، لكنها مليئة بفرص العمل، وفيها الإخوة الصالحون، الأمر الذي يمنعني من الانتقال الى هذه المدينة هي أنهم يؤدّون صلاة الجمعة قبل دخول وقت صلاة الظهر , فقمت بنصحهم عن طريق إرسال فتوى من موقعكم تنص على أنه لا تجوز صلاة الجمعة إلا في فترة صلاة الظهر، فما رأيكم؟ وما حكم انتقالي للعمل هناك في هذه الحالة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد بينَّا في جواب السؤال رقم (114859) اختلاف العلماء في وقت صلاة الجمعة، وذكرنا أن جمهورهم على أن وقتها بعد زوال الشمس، وهو وقت صلاة الظهر، وخالف في ذلك بعض الحنابلة فذهبوا إلى أنه يمكن أداؤها قبل الزوال، وذكرنا هناك عن الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله قوله بصحة صلاة من صلى الجمعة قبل الزوال بقليل، وأن الأحوط لمن فعل ذلك أن يوافق الجمهور فلا يؤديها إلا بعد زوال الشمس.
وإنما ذكرنا لك ذلك أخي السائل لتعلم أن الأمر الذي يفعله المصلون في المدينة التي تذكرها ليس منكراً، ولا بدعة، وإن كنا نميل لقول الجمهور.
ولا شك أن بقاءك في مدينتك الحالية التي تكثر فيها الفتن: خطر على دينك، ولا يمكن أن ننصحك بالبقاء فيها البتة، بل ننصحك بأن تنضم لإخوانك الذين يعينونك على طاعة ربك، وتحصن نفسك بينهم من فتن الدنيا، والتي افتتن فئام بزينتها وبهرجتها، مع ما في تلك المدينة من فرَص للعمل، تعف بها يدك عن السؤال، وتزيل عن نفسك همَّ البطالة.
وأما بخصوص الإخوة هناك وأدائهم صلاة الجمعة قبل الزوال: فيمكن أن تتلطف بنصحهم إن كنتَ بينهم ليقيموا الصلاة بعد الزوال، وتكثف من نشاطك بينهم لإقناعهم، وتبذل في ذلك طرقاً مختلفة، كالاتصال بالعلماء، وقراءة كلام أهل العلم، وفتاواهم، وإذا أصرَّ الإخوة هناك على الاستمرار بفعلهم: فيمكن أن تنصحهم بإيقاع الخطبة قبل الزوال، وتحرِّي أن تكون صلاتهم للجمعة بعد الزوال، وينبغي أن يعلموا أن هذا هو ما فهمه بعض الأئمة الحنابلة من مذهبهم، لا أنهم يوقعون الخطبة والصلاة قبل الزوال، بل قد ورد عن الإمام أحمد رحمه الله نفسه القول بموافقة الجمهور، وأنه لا صلاة جمعة إلا بعد الزوال! .
قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله: " ونقل أبو طالب عنه – أي الإمام أحمد -، قال: ما ينبغي أن يصلي قبل الزوال ".
" فتح الباري " لابن رجب (5 / 418) .
وينبغي أن يعلموا – كذلك – أن هذا هو قول جمهور الحنابلة.
قال ابن رجب الحنبلي – رحمه الله -:
وبكل حالٍ: فلا يجب فعلها إلا بعد الزوال، على الصحيح من المذهب، وعليه جمهور الأصحاب.
" فتح الباري " لابن رجب (5 / 419) .
وإن كان الذي ننصحك به هو الانتقال ـ كلية ـ من البلد الذي تعيش فيه، إلى بلدٍ إسلامي تستطيع إظهار شعائر دينك فيه، متى أمكنك ذلك.
وإن كنتَ أصلاً من أهل البلد الذي أنت فيه الآن: فالذي ننصحك به، بل نراه واجباً عليك: هو الانتقال لتعيش في المدينة التي تأمن فيها على دينك بين إخوانك، وما يفعلونه من صلاتهم للجمعة قبل الزوال ليس بعذرٍ لك لعدم الانتقال إليهم، وما يفعلونه هو تقليد لمذهب معتبر، ويمكنك التوصل معهم لتركه موافقة للجمهور، بالتي هي أحسن، فإن لم يطيعوك: فابحث عن مسجد آخر في هذه البلدة، يقيم صلاة الجمعة بعد الزوال، فصل معهم.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1933)
كيف يتصرف من استمع لخطيبٍ دعا إلى ضلالة أو قرَّر بدعة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لدينا إمام المسجد المحلي يحث على فعل بعض البدع، بعض الإخوة حذَّره من هذه البدع بالدليل، ولكن إلى الآن مصرّ على هذه البدع، هل تنصحون أن لا يذهب المرء إلى خطبة صلاة الجمعة في الأيام التي يعلم أن الخطبة ستكون عن الحث في فعل البدع (مثلا كاحتفال بالمولد، والنصف من شعبان , الخ ... ) ؟ وماذا يفعل المرء إذا ذهب إلى خطبة الجمعة ثم بدأ الإمام يحث على فعل بعض البدع؟ هل يقوم أثنا الخطبة ويذهب إلى بيته ويصلي صلاة الظهر , أم ماذا يفعل؟ هل يحتمل المرء أيّ إثم لو شهد هذه الخطب؟ لأن بعض الإخوة نصحوا الإمام ولكنه مصرّ عليها؟ هل نفس الحكم وارد لو كان يذكر الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة في بعض الخطب؟ . جزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
من ابتلي في مسجد حيَّه بإمام صاحب بدعة: فلا تخلو بدعته من أن تكون كفريَّة، أو دون ذلك، فإن كانت بدعة كفرية: لم يجز الصلاة خلفه، لا جمعة، ولا جماعة. وإن كانت بدعة لا تخرجه من الملة: فالراجح هو جواز الصلاة خلفه، جمعةً، وجماعة، وقد استقرَّ هذا الحكم – غالباً – حتى صار شعاراً لأهل السنَّة، والصحيح – كذلك -: أنه لا يعيد الصلاة إن صلاَّها خلف ذلك المبتدع، والقاعدة في ذلك: " أنه من صحَّت صلاته لنفسه: صحَّت إمامته ".
وإن أمكن الذهاب لغير ذلك الإمام المبتدع: فقد يتعيَّن ذلك، وخاصة على أعيان العلماء، وطلبة العلم، وذلك من باب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وأما ترك الصلاة خلفه للصلاة في البيت: فليس هذا جائزاً في الجماعة، ومن باب أولى أنه لا يجوز في الجمعة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
ولو علم المأمومُ أن الإمام مبتدعٌ، يدعو إلى بدعته، أو فاسق ظاهر الفسق، وهو الإمام الراتب الذي لا تمكن الصلاة إلا خلفه، كإمام الجمعة، والعيدين، والإمام في صلاة الحج بعرفة، ونحو ذلك: فإن المأمومَ يصلي خلفه، عند عامة السلف والخلف، وهو مذهب أحمد، والشافعي، وأبي حنيفة، وغيرهم.
ولهذا قالوا في العقائد: " إنه يصلِّي الجمعة والعيد خلف كل إمام، بَرّاً كان، أو فاجراً "، وكذلك إذا لم يكن في القرية إلا إمام واحد: فإنها تصلي خلفه الجماعات؛ فإن الصلاة في جماعة خير من صلاة الرجل وحده، وإن كان الإمام فاسقاً.
هذا مذهب جماهير العلماء: أحمد بن حنبل، والشافعي، وغيرهما، بل الجماعة واجبة على الأعيان في ظاهر مذهب أحمد، ومن ترك الجمعة والجماعة خلف الإمام الفاجر: فهو مبتدع عند الإمام أحمد وغيره من أئمة السنة، كما ذكره في رسالة " عبدوس "، وابن مالك، والعطار،
والصحيح: أنه يصليها، ولا يعيدها؛ فإن الصحابة كانوا يصلون الجمعة، والجماعة، خلف الأئمة الفجار، ولا يعيدون كما كان ابن عمر يصلي خلف الحجاج، وابن مسعود وغيره يصلون خلف الوليد بن عقبة، وكان يشرب الخمر حتى إنه صلى بهم مرة الصبح أربعاً، ثم قال: أزيدكم؟ فقال ابن مسعود: ما زلنا معك منذ اليوم في زيادة! ولهذا رفعوه إلى عثمان.
وفي صحيح البخاري أن عثمان رضي الله عنه لمَّا حُصر: صلَى بالناس شخص، فسأل سائل عثمان، فقال: إنك إمام عامة، وهذا الذي يصلي بالناس إمام فتنة، فقال: يا بن أخي، إن الصلاة من أحسن ما يعمل الناس، فإذا أحسنوا: فأحسن معهم، وإذا أساءوا: فاجتنب إساءتهم، ومثل هذا كثير.
والفاسق والمبتدع صلاته في نفسه صحيحة، فإذا صلى المأموم خلفه: لم تبطل صلاته، لكن إنما كره مَن كره الصلاة خلفه لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب، ومن ذلك أن من أظهر بدعة، أو فجوراً لا يرتَّب إماماً للمسلمين، فإنه يستحق التعزير حتى يتوب، فإذا أمكن هجره حتى يتوب: كان حسناً، وإذا كان بعض الناس إذا ترك الصلاة خلفه، وصلَّى خلف غيره: أثَّر ذلك حتى يتوب، أو يُعزل، أو ينتهي الناس عن مثل ذنبه: فمثل هذا إذا ترك الصلاة خلفه: كان فيه مصلحة، ولم يفت المأموم جمعة، ولا جماعة.
وأما إذا كان ترك الصلاة يفوت المأموم الجمعةَ، والجماعةَ: فهنا لا يَترك الصلاة خلفهم إلا مبتدع، مخالف للصحابة رضي الله عنهم.
" الفتاوى الكبرى " (2 / 307، 308) .
ثانياً:
بما سبق يُعلم أنه لا يجوز لمن سمع الخطيب يدعو لبدعة كالبدع التي أشرت إليها في سؤالك، أو يحث على فعلها، أو يذكر أحاديث ضعيفة، أو موضوعة: لا يحل له مفارقة المسجد، وترك الخطبة، إلا أن يكون عالِماً ذا شأن، وعلى أن يفارقه ليصلِّي عند غيره، وعلى أن يكون قد سبق منه النصح لذلك الخطيب، وتبيين الحق له، وأما إن لم يكن منه سابق نصح، أو كان لا يلحق مسجداً آخر: فالظاهر هو عدم جواز الخروج من المسجد أثناء الخطبة، إلا أن يكون الخطيب ممن لا تجوز الصلاة خلفه أصلاً لوقوعه في الكفر.
وقد ذكرنا في جواب السؤال رقم: (6366) حكم مقاطعة خطيب الجمعة أثناء الخطبة إذا تكلَّم بضلال، أو قرَّر بدعة، أو دعا إلى شرك، وقلنا هناك بجواز ذلك، لكنه مقيَّد بعدم ترتب فتنة بين النَّاس في ذلك، وتضييع الجمعة عليهم، ويؤجل من أراد الإنكار عليه لحين انتهاء الخطة، فيقوم ويبين للناس خطأ ما قال الخطيب.
ويجب على من أراد القيام بالإنكار أن يتلطف في بيان الحق، ونقد ما قال ذلك الخطيب، حتى يؤدي إنكار المنكر ثمرته المرجوَّة.
سئل علماء اللجنة الدائمة:
ما حكم الإسلام في خطيب يتحدث أثناء الخطبة، أو كلها، عن إسرائيليات، أو يذكر أحاديث ضعيفة، يبغي بذلك إعجاب الناس به؟ .
فأجابوا:
إذا علمتَ يقيناً أن ما يذكره في الخطبة إسرائيليات لا أصل لها، أو أحاديث ضعيفة: فانصحه بأن يأتي بدلاً عنها بالأحاديث الصحيحة، والآيات القرآنية، ولا يجزم بنسبة شيء إليه صلى الله عليه وسلم لا يعلم صحته؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة) الحديث رواه مسلم في الصحيح، على أن تكون النصيحة بالأسلوب الحسن، لا بالشدة، والعنف، وفقك الله، ونفع بك.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (8 / 229، 230) .
والخلاصة:
أنه إن أمكنكم الذهاب لمسجد لا تقام فيه بدعة، ولا يدعو خطيبه لضلالة: فحسنٌ تفعلون، وإن لم يمكنكم ذلك، أو لم يكن عندكم مسجد آخر: فلا يجوز لكم ترك الجمع والجماعات لأجل ما ذكرتم، وعليكم الاجتهاد في النصح والدعوة إلى الله، والحرص على التلطف، والأسلوب الحسن في دعوة الناس.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1934)
حكم السفر قبل صلاة الجمعة بساعتين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم السفر قبل صلاة الجمعة بساعتين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" السفر يوم الجمعة إن كان بعد أذان الجمعة الثاني فإنه لا يجوز؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) الجمعة/9.
فلا يجوز للإنسان أن يسافر في هذا الوقت؛ لأن الله قال: (فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) الجمعة/9.
وإذا كان السفر قبل ذلك فإن كان سيصلي الجمعة في طريقه مثل أن يسافر من بلده وهو يعلم أنه سيمر على بلد آخر في طريقه ويعرج عليه ويصلي الجمعة فيه، فهذا لا بأس به، وإن كان لا يأتي بها في طريقه، فمن العلماء من كرهه، ومن العلماء من حرمه، ومن العلماء من أباحه، وقال: إن الله تعالى لم يوجب علينا الحضور إلا بعد الأذان.
والأحسن ألا يسافر إلا إذا كان يخشى من فوات رفقته أو مثل أن يكون موعد الطائرة في وقتٍ لا يسمح له بالحضور أو ما أشبه ذلك، وإلا فالأفضل أن يبقى" انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
"لقاءات الباب المفتوح" (3/104) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1935)
إذا دخل المسجد والمؤذن يؤذن للجمعة بدأ بتحية المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم فيمن دخل المسجد لصلاة الجمعة والمؤذن يؤذن الأذان الثاني: هل ينتظر إلى أن يقضي المؤذن أذانه ثم يصلي تحية المسجد؟ أم يصلي وهو يؤذن حتى يدرك بداية الخطبة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"من دخل المسجد يوم الجمعة والمؤذن يؤذن الأذان الذي بعد دخول الإمام؛ فإنه ينبغي له أن يصلي تحية المسجد؛ حتى يتفرغ لسماع الخطبة" انتهى.
"المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ الفوزان" (3/91) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1936)
إذا وقع الكسوف وقت الجمعة فبأيهما يبدأ
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم إذا تعارض وقت حصول الكسوف مع وقت صلاة الجمعة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا كسفت الشمس يوم الجمعة، فإن كان ذلك قبل الجمعة بوقت يسع صلاة الكسوف المعتادة، كما لو كان الكسوف في الضحى أو قريبا منه، بدئ بالكسوف، ثم صليت الجمعة في وقتها، وإن وقع الكسوف في وقت الجمعة، فإن خيف فوات الجمعة، قدمت اتفاقا.
وإن أمن فواتها، فالجمهور على تقديم الكسوف، وذهب الحنابلة في قول اختاره ابن قدامة رحمه الله إلى تقديم الجمعة؛ لأن البدء بالكسوف يفضي إلى المشقة، ويقتضي حبس الناس لأجله وإلزامهم بصلاته، وهي غير واجبة في الأصل.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/146) : " وإذا اجتمع صلاتان , كالكسوف مع غيره من الجمعة , أو العيد , أو صلاة مكتوبة , أو الوتر , بدأ بأخوفهما فوتا , فإن خيف فوتهما بدأ بالصلاة الواجبة , وإن لم يكن فيهما واجبة كالكسوف والوتر أو التراويح , بدأ بآكدهما , كالكسوف والوتر , بدأ بالكسوف ; لأنه آكد , ولهذا تسن له الجماعة , ولأن الوتر يقضى , وصلاة الكسوف لا تقضى.
فإن اجتمعت التراويح والكسوف , فبأيهما يبدأ؟ فيه وجهان، هذا قول أصحابنا، والصحيح عندي أن الصلوات الواجبة التي تصلى في الجماعة مقدمة على الكسوف بكل حال ; لأن تقديم الكسوف عليها يفضي إلى المشقة , لإلزام الحاضرين بفعلها مع كونها ليست واجبة عليهم , وانتظارهم للصلاة الواجبة , مع أن فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتخفيف الصلاة الواجبة , كي لا يشق على المأمومين , فإلحاق المشقة بهذه الصلاة الطويلة الشاقة , مع أنها غير واجبة , أولى، وكذلك الحكم إذا اجتمعت مع التراويح , قدمت التراويح لذلك , وإن اجتمعت مع الوتر في أول وقت الوتر قدمت؛ لأن الوتر لا يفوت , وإن خيف فوات الوتر قدم ; لأنه يسير يمكن فعله وإدراك وقت الكسوف , وإن لم يبق إلا قدر الوتر , فلا حاجة بالتلبس بصلاة الكسوف ; لأنها إنما تقع في وقت النهي، وإن اجتمع الكسوف وصلاة الجنازة , قدمت الجنازة وجها واحدا ; لأن الميت يخاف عليه , والله أعلم " انتهى.
وقال النووي رحمه الله في "المجموع" (5/61) : " قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله: إذا اجتمع صلاتان في وقت واحد قدم ما يخاف فوته , ثم الأوكد , فإذا اجتمع عيد وكسوف , أو جمعة وكسوف وخيف فوت العيد أو الجمعة لضيق الوقت قدم العيد والجمعة؛ لأنهما أوكد من الكسوف وإن لم يخف فوتهما فالأصح وبه قطع المصنف [أبو إسحاق الشيرازي] والأكثرون: يقدم الكسوف، لأنه يخاف فوته " انتهى بتصرف.
وينظر: "الموسوعة الفقهية" (27/258) .
والذي يظهر رجحان ما ذهب إليه ابن قدامة رحمه الله؛ لما ذكر من المشقة، ولأن الجمعة آكد وأهم.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا اجتمعت صلاتان صلاة الكسوف مع غيرها، كصلاة الفريضة، أو الجمعة، أو الوتر، أو التراويح، فأيهما يقدم؟
فأجاب: " الفريضة مقدمة على الكسوف والخسوف؛ لأنها أهم، ولأن الله تعالى قال في الحديث القدسي: (ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه) " انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (16/307) .
ثانيا:
إذا بدأ الإمام بالجمعة، خطب لها وصلاها، ثم صلى الكسوف وخطب له، وإذا بدأ بصلاة الكسوف وفرغ منها، خطب للجمعة، وذكّر فيها بالكسوف، ثم صلى الجمعة، واستغنى بخطبتي الجمعة عن الخطبة للكسوف.
قال النووي رحمه الله في الموضع السابق: " ولو اجتمع جمعة وكسوف واقتضى الحال تقديم الجمعة خطب لها ثم صلى الجمعة , ثم الكسوف , ثم خطب للكسوف.
وإن اقتضى الحال تقديم الكسوف بدأ بها , ثم خطب للجمعة خطبتها , وذكر فيهما شأن الكسوف وما يندب في خطبتيه ولا يحتاج إلى أربع خطب , وقال أصحابنا: ويقصد بالخطبتين الجمعة خاصة، وكذا نص عليه الشافعي في الأم " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1937)
حكم قيام قارئ يقرأ يوم الجمعة قبل دخول الإمام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن يقوم قارئ في المسجد يوم الجمعة فيقرأ القرآن قبل أن يخرج الإمام، أهو من أدب الجمعة وسننها أم هو من البدع المنكرة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا نعلم دليلا يدل على قيام قارئ يقرأ يوم الجمعة قبيل دخول الإمام والناس يستمعون له، فإذا دخل الإمام سكت القارئ، والأصل في العبادات التوقيف، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) أخرجه مسلم في صحيحه.
وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (3/172) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1938)
إغلاق الجوال أثناء خطبة الجمعة هل هو من اللغو الذي يبطل أجر الجمعة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[خلال خطبة الجمعة يرن الهاتف النقال لبعض الإخوة والخطيب يخطب الجمعة على المنبر، وبعضها يرن رنة موسيقية قريبة من تلك التي في الأغاني الماجنة، ويقوم من يرن هاتفه بإغلاقه خلال الخطبة، فهل هذا يعتبر من اللغو الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه؟ وهل يعني أن من لغا فلا جمعة له: أن أجر الجمعة أصبح كصلاة الظهر فقط؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
وضع نغمات الهاتف الجوال على نغمات موسيقية: منكر ومحرم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حرم المعازف كلها، وانظر جواب السؤال رقم: (47407) .
وعلى من نسي إغلاق جواله أثناء خطبة الجمعة: أن يغلقه إذا رنَّ، حتى لو كانت نغمة الاتصال مباحة؛ لأن في إبقائه تشويشاً على الخطيب والمصلين، وإشغالاً لهم عن واجب الاستماع للخطبة.
ونرجو أن لا يكون إغلاقه للجوال داخلاً في اللغو المنهي عنه أثناء خطبة الجمعة، والمشار إليه في السؤال، وهو الوارد ذِكره في قوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ مسَّ الحصى فَقَدْ لَغَا) رواه مسلم (857) .
وإنما ينطبق هذا الحديث على من يعبث بشيء يلهيه عن سماعه الخطبة، كالجوال، والسجاد، ونحو ذلك.
وقد ذكر الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" في شرح حديث رقم (934) عن جمهور العلماء أنهم قالوا فيمن احتاج أن يأمر بالمعروف أو ينهى عن المنكر وقت الخطبة أنه يفعل ذلك بالإشارة.
وقال النووي في شرح صحيح مسلم:
"فَفِي الْحَدِيث النَّهْي عَنْ جَمِيع أَنْوَاع الْكَلَام حَال الْخُطْبَة ... وَإِنَّمَا طَرِيقه إِذَا أَرَادَ نَهْي غَيْره عَنْ الْكَلَام أَنْ يُشِير إِلَيْهِ بِالسُّكُوتِ إِنْ فَهِمَهُ" انتهى.
وعلى هذا فالحركة اليسيرة التي تفعل لغرض صحيح، وليست عبثا، لا حرج فيها أثناء خطبة الجمعة.
ثانياً:
معنى قوله صلى الله عليه وسلم (لاَ جُمْعَة لَهُ) لمن لغا أثناء خطبة الجمعة: أنها تُكتب له ظهراً، ويحرم ثواب صلاة الجمعة.
فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (مَنْ لَغَا وَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ كَانَتْ لَهُ ظُهْراً) رواه أبو داود (347) وحسَّنه الألباني في " صحيح أبي داود ".
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
"قال النضر بن شميل: معنى (لغوت) : خبتَ من الأجر، وقيل: بطلتْ فضيلة جمعتك، وقيل: صارت جمعتُك ظهراً.
قلت (ابن حجر) : أقوال أهل اللغة متقاربة المعنى، ويشهد للقول الأخير: ما رواه أبو داود وابن خزيمة من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا: (ومن لغا وتخطى رقاب الناس كانت له ظهراً) ، قال ابن وهب - أحد رواته -: معناه: أجزأتْ عنه الصلاة، وحُرم فضيلة الجمعة" انتهى.
" فتح الباري " (2 / 414) .
وقال بدر الدين العيني رحمه الله:
"قوله: (كانت له ظهراً) أي: كانت جمعته له ظهراً، بمعنى: أن الفضيلة التي كانت تحصل له من الجمعة: لم تحصل له، لفوات شروط هذه الفضيلة" انتهى.
" شرح سنن أبي داود " (2 / 169) .
فالواجب على القادمين لصلاة الجمعة تعظيم شعائر الله تعالى، ومن ذلك: سكون جوارحه من العبث، وسكوت لسانه عن التكلم، وإلا أثم، وصارت جمعته ظهراً.
قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
"لا شك أن المسلم مأمور حالة خطبة الجمعة بالاستماع، والإنصات، وقطع الحركة، فهو مأمور بشيئين:
أولاً: السكون، والهدوء، وعدم الحركة، والعبث.
ثانيًا: هو مأمور بالسكوت عن الكلام، فيحرم عليه أن يتكلم، والإمام يخطب، ويحرم عليه كذلك أن يستعمل الحركة، والعبث، أو يمسح الحصى، ويخطط في الأرض، أو ما أشبه ذلك" انتهى.
" المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان " (5 / 71) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1939)
يتدارسون القرآن في البيت ويأتون الجمعة قبل صعود الخطيب بربع ساعة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الاجتماع لمدارسة القرآن في بيت أحدنا يوم الجمعة لا تجوز على الرغم من كوننا نصل للجامع قبل صعود الخطيب بربع ساعة مع الدليل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الاجتماع لمدارسة القرآن يوم الجمعة، إن كان المقصود به أن يقرأ أحدكم ويستمع الباقون، أو يقرأ كل منكم على التناوب، فلا حرج في ذلك، بل هذا من الاجتماع النافع، بشرط ألا يكون تخصيص ذلك بالجمعة لاعتقاد فضل معين، فإن ذلك لم يرد في الشرع، لكن إن كان ذلك لأنه وقت فراغكم وأجازتكم فلا بأس.
وأما قراءة القرآن جماعة بصوت واحد، فغير مشروعة وأقل أحوالها الكراهة، وينظر جواب السؤال رقم (4039) .
ثانيا:
ينبغي التبكير للجمعة؛ لما في ذلك من الثواب العظيم والأجر الكبير، كما قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ راح في الساعة الأولى فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً) رواه البخاري (881) ومسلم (850) .
وهذه الساعات تبدأ من طلوع الشمس، كما هو مذهب الشافعي وأحمد.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " أما بالنسبة لساعة الجمعة فاقسم ما بين طلوع الشمس إلى مجيء الإمام خمسة أقسام شتاءً أو صيفاً، القسم الأول الساعة الأولى، الثاني الساعة الثانية وهكذا، ولهذا تختلف الساعات طولاً وقصراً بحسب طول النهار وقصره " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (لقاء رقم /235) .
وينظر جواب السؤال رقم (60318) .
وروى النسائي (1381) وأبو داود (345) والترمذي (496) وابن ماجه (1087) عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ غَسَّلَ وَاغْتَسَلَ وَغَدَا وَابْتَكَرَ وَدَنَا مِنْ الْإِمَامِ وَلَمْ يَلْغُ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ صِيَامُهَا وَقِيَامُهَا) وصححه الألباني في صحيح النسائي.
ووصولكم إلى الجامع قبل صعود الخطيب بربع ساعة لا يعد تبكيرا، بل هو في الساعة الخامسة، ولهذا ينبغي أن تبكروا إلى المسجد، فإن أمكن تغيير هذا الموعد إلى ما بعد صلاة الجمعة مثلاً، فهذا هو الأفضل والأولى، حتى تكونوا حافظتم على الخيرين: التبكير إلى صلاة الجمعة، ومدارسة القرآن الكريم.
وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1940)
غاب خطيب الجمعة فصلوا الظهر بدلها
[السُّؤَالُ]
ـ[حدث في إحدى الجمع الماضية عدم حضور إمام وخطيب صلاة الجمعة لأي سبب كان، ولم يتم خطبة الجمعة، أي: صلوها صلاة الظهر، لكن أحد الإخوة ذكر بأن هنالك حديثا للرسول عليه أفضل الصلاة والسلام بأن يقوم أحد الإخوة المصلين بتلاوة سورة الإخلاص ثلاث مرات على المنبر، وهي كافية عن خطبة الجمعة. ما مدى صحة الحديث؟ وإذا تكررت هذه الحالة ما العمل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا غاب خطيب الجمعة فالواجب على الحضور أن يقدموا أحدهم ليخطب بهم ثم يصلي بهم الجمعة ركعتين، وليس لهم أن يتركوا الخطبة ويصلوا الظهر أربع ركعات.
والخطبة تصح بأدنى كلام فيه ذكر الله تعالى وتذكير الحاضرين ووعظهم، فلو حمد الله تعالى، وقرأ آية أو آيتين وأوصى الناس بتقوى الله عز وجل والاستعداد للآخرة ثم صلى على النبي صلى الله عليه وسلم فقد حقق الخطبة، وأجزأ عن جميع الحاضرين.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله:
" إذا أتى في كل خطبة بما يحصل به المقصود من الخطبة الواعظة الملينة للقلوب فقد أتى بالخطبة، ولكن لا شك أن حمد الله، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقراءة شيء من القرآن من مكملات الخطبة، وهي زينة لها " انتهى.
"الفتاوى السعدية" (ص/193) .
ولا يكفي قراءة سورة الإخلاص فقط ثلاث مرات، إذ لا تعد قراءة هذه السورة خطبة عرفا، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن الصحابة الكرام ـ فيما نعلم ـ الاقتصار عليها في خطبهم، بل الواجب هو الإتيان بأدنى كلام يصدق عليه وصف الخطبة: مما يشتمل على حمد الله والثناء عليه وتوصية الحضور بالالتزام بشرع الله تعالى بأي جملة أو عبارة يختارها الخطيب، هذا ما يجب في حال غياب الخطيب الراتب.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
يقولون إن الإمام المعين الراتب لو مرض أو سافر إلى خارج البلدة فلا يجوز لأحد أن يصلي بالناس بدون إذن الإمام المعين، ولو كان هناك عالما دينيا أو من يقدر على الإمامة بطريقة حسنة، وقد غاب الإمام الراتب مرة يوم الجمعة عن الصلاة ولم يحضر في المسجد، فأراد أحد المصلين أن يقوم بالإمامة وهو متخرج من جامعة دينية، ولكن بعض الناس منع إمامته، وقالوا: لا يجوز لأحد أن يصلي بالناس صلاة الجمعة حتى يأذن الملك أو الإمام المعين الراتب، ولما سئل الإمام المعين عن هذه المسألة سكت ولم يجب شيئا، فصلى الناس صلاة الظهر أفرادا يوم الجمعة، وكان عدد المصلين كثيرا جدا، فهل هذا يجوز؟
فأجابوا:
" لا تجوز الإمامة في مسجد له إمام راتب إلا بإذنه أو عذره، وإذا تأخر عن الحضور في الوقت المعتاد فلا بأس أن يصلي بالناس من يصلح للإمامة من الحاضرين في الجمعة وغيرها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما تأخر أم الناس أبو بكر، وفي غزوة تبوك لما تأخر النبي صلى الله عليه وسلم عن وقته المعتاد في صلاة الفجر أم الناس عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وقد صلى بهم عبد الرحمن الركعة الأولى، فأراد عبد الرحمن أن يتأخر فأشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يكمل الصلاة، وصلى خلفه صلى الله عليه وسلم الركعة الثانية، ثم قضى الركعة التي فاتته بعد السلام من الصلاة " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (6/278) .
ثانيا:
إذا وقع وترك الجماعةُ كلُّهم صلاةَ الجمعة بسبب غياب الخطيب، وصلَّوْا بدلَها ظهرا: لم تصح صلاتهم ما لم يخرج وقت الجمعة عند جماهير أهل العلم خلافا للحنفية، لأن الواجب في هذا الوقت هو الجمعة، وهي صلاة مستقلة، ولا تجزئ الظهر عنها بغير عذر ما لم يخرج وقتُها.
قال العلامة زكريا الأنصاري رحمه الله: " ولو تركها أهل البلد فصلوا الظهر لم تصح، لتوجه فرضها عليهم " انتهى.
"أسنى المطالب شرح روض الطالب" (1/264) .
وقال البهوتي الحنبلي رحمه الله: " ومن صلى الظهر ممن يجب عليه حضور الجمعة قبل صلاة الإمام أو قبل فراغها، أي: فراغ ما تدرك به الجمعة، لم تصح صلاته لأنه صلى ما لم يخاطب به، وترك ما خوطب به فلم تصح , كما لو صلى العصر مكان الظهر ... وكذا لو صلى الظهر أهل بلد مع بقاء وقت الجمعة لم تصح ظهرهم لما تقدم، ويعيدونها إذا فاتت الجمعة " انتهى بتصرف واختصار.
"كشاف القناع" (2/24) .
وعلى هذا؛ فصلاتكم الظهر بدلاً من الجمعة لا تجوز ولا تصح؛ لأن الوقت كان وقت الجمعة، فعليكم أن تعيدوا صلاة الظهر.
وإذا تكرر هذا الأمر فالواجب عليكم أحد أمرين:
إما أن يقوم أحد الحضور ويخطب في الناس بما تيسر له.
وإما أن تذهبوا إلى مسجد آخر تدركون فيه صلاة الجمعة.
أما ترك صلاة الجمعة وصلاة الظهر بدلها فلا يجوز ذلك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1941)
مشروعية قول الخطيب: أقول قولي هذا وأستغفر الله
[السُّؤَالُ]
ـ[قول الخطيب في نهاية خطبة الجمعة (أقول قولي هذا) هل لها أصل في الإسلام؟ وهل فيها محذور؟ فقد صلينا في أحد المساجد وفي نهاية الخطبة قال الخطيب: أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين ... ) فلما قضى الصلاة أنكر عليه أحد جماعة المسجد، وقال: إن هذا مما ابتدع قوله في الخطبة وقال: إن هذا ليس من قولك فقط، فأنت ذكرت آيات كريمة، وأحاديث شريفة، وأقوالاً للسلف فكيف تقول إنه من قولك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في قول الخطيب في ختام كلامه: أقول هذا وأستغفر الله، أو أقول قولي هذا، سواء كان ذلك في خطبة الجمعة الأولى أو الثانية، أو في غيرها من الخطب، فهي كلمة مأثورة من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وكلام الخطباء من أصحابه رضي الله عنهم.
فقد روى ابن حبان (3828) عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب يوم فتح مكة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (أما بعد؛ أيها الناس، فإن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية، يا أيها الناس، إنما الناس رجلان: بر تقي كريم على ربه، وفاجر شقي هين على ربه) ثم تلا: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) حتى قرأ الآية ثم قال: (أقول هذا وأستغفر الله لي لكم) .
والحديث صححه شعيب الأرنؤوط في تحقيقه، والألباني في السلسلة الصحيحة (2803) .
وأورد أصحاب السير أن ثابت بن قيس بن شماس خطيب الأنصار رضي الله عنه قالها بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن إسحاق في خبر وفد بني تميم وافتخارهم أمام النبي صلى الله عليه وسلم: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس بن الشماس أخي بني الحارث بن الخزرج: قم فأجب الرجل في خطبته. فقام ثابت فقال: الحمد لله الذي السموات والأرض خلقه، قضى فيهن أمره، ووسع كرسيه علمه، ولم يك شيء قط إلا من فضله، ثم كان من قدرته أن جعلنا ملوكا، واصطفى من خير خلقه رسولا، أكرمه نسبا، وأصدقه حديثا، وأفضله حسبا، فأنزل عليه كتابه، وأتمنه على خلقه، فكان خيرة الله من العالمين، ثم دعا الناس إلى الإيمان به فآمن برسول الله المهاجرون من قومه وذوي رحمه أكرم الناس حسبا، وأحسن الناس وجوها، وخير الناس فعالا. ثم كان أول الخلق إجابة واستجاب لله حين دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن، فنحن أنصار الله، ووزراء رسوله، نقاتل الناس حتى يؤمنوا بالله، فمن آمن بالله ورسوله منع منا ماله ودمه، ومن كفر جاهدناه في الله أبدا، وكان قتله علينا يسيرا. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي وللمؤمنين والمؤمنات والسلام عليكم " انتهى من السيرة النبوية لابن هشام (2/562) ، والسيرة لابن كثير (4/79) .
وورد هذا من كلام أبي بكر وعمر وعلي رضي الله عنهم في خطبهم، واستعمله بعض أهل العلم المعاصرين في خطبهم، كالشيخ ابن عثيمين رحمه الله في أكثر خطبه.
وأما الاعتراض بكون الخطيب قد ذكر أشياء ليست من قوله كالآيات والأحاديث والآثار، فهو اعتراض غير صحيح؛ لأن المقصود هو عموم الخطبة بما فيها من ألفاظ الخطيب، واستشهاده ونقله، حتى ما فيها من آيات أو أحاديث أو آثار فقد قالها الخطيب.
والحاصل أن هذا القول جائز ولا بأس به، ولا مبرر لإنكاره.
نسأل الله أن يفقهنا في دينه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1942)
تأخير صلاة الجمعة إلى قريب من وقت العصر
[السُّؤَالُ]
ـ[في بلادنا هناك مساجد يصلون الجمعة قريبا من وقت العصر، فهل يجوز أن يصلى فيها الجمعة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
وقت الجمعة يمتد إلى دخول وقت العصر، عند جمهور العلماء، فمتى صلى الناس الجمعة قبل دخول وقت العصر فقد أدركوا الجمعة.
انظر: "المجموع" (4/377-381) ، "المحلى" (5/42-45) .
والأَولى أن تصلي الجمعة مع من يصليها أول الوقت، لأن هذا هو الموافق لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: (كُنَّا نُجَمِّعُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ) رواه البخاري (4168) ومسلم (860) واللفظ لمسلم.
ويحرم تأخير الجمعة حتى يخرج وقتها، وذلك من كبائر الذنوب؛ لقوله تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) النساء/103، وقوله تعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) مريم/59.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: عمن يدرسون بالولايات المتحدة، وبرنامج الدراسة ليس فيه وقت للصلاة، وأداء صلاة الجمعة بالنسبة لوقت الولايات المتحدة الساعة الواحدة والنصف، ويضطرون إلى تأخيرها إلى الساعة الرابعة لظروف برنامج الدراسة، فهل يجوز تأخير الصلاة إلى ذلك الوقت؟
فأجابوا: "الصلوات الخمس في أوقات معينة من الشارع الحكيم، لا يجوز تأخيرها عنها، فإذا كان تأخير الصلاة لعذر لا يفوت وقتها الذي فرضت فيه جاز التأخير، وإذا كان يفوته حرم، وإذا كان الاستمرار في الدراسة يخرج الصلاة عن وقتها لم يجز للدارس فعل ذلك، ووجب عليه أن يصليها في وقتها، والجمعة آخر وقتها هو آخر وقت الظهر، فلا يجوز أن تؤخر عنه بحال.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (8/197) .
والحاصل: أنه يجوز تأخير صلاة الجمعة إلى قريب من وقت العصر، بحيث ينتهي منها قبل دخول وقت العصر، لكن إذا وجد في البلد أكثر من جمعة فالأولى أن تصلي مع من يصلي في أول الوقت.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1943)
دعاء الخطيب وسط الخطبة ورفع الناس أيديهم بالدعاء
[السُّؤَالُ]
ـ[أسأل عن دعاء خطيب الجمعة في وسط الخطبة، وتأمين الناس على دعائه، وأيضا قول الخطيب أدعو الله وأنتم موقنون بالإجابة، ورفع الناس أيديهم بالدعاء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يستحب للخطيب أن يدعو أثناء الخطبة، ويؤمّن الحاضرون على دعائه، لكنه لا يرفع يديه، ولا يرفعون أيديهم؛ لعدم ورود ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده.
وقد روى مسلم (874) عَنْ عُمَارَةَ بْنِ رُؤَيْبَةَ رضي الله عنه أنه رَأَى بِشْرَ بْنَ مَرْوَانَ عَلَى الْمِنْبَرِ، رَافِعًا يَدَيْهِ: (فَقَالَ: قَبَّحَ اللَّهُ هَاتَيْنِ الْيَدَيْنِ، لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقُولَ بِيَدِهِ هَكَذَا، وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ الْمُسَبِّحَةِ) .
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: " هَذَا فِيهِ أَنَّ السُّنَّة أَنْ لَا يَرْفَع الْيَد فِي الْخُطْبَة وَهُوَ قَوْل مَالِك وَأَصْحَابنَا وَغَيْرهمْ. وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ بَعْض السَّلَف وَبَعْض الْمَالِكِيَّة إِبَاحَته؛ لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفَعَ يَدَيْهِ فِي خُطْبَة الْجُمُعَة حِين اِسْتَسْقَى، وَأَجَابَ الْأَوَّلُونَ بِأَنَّ هَذَا الرَّفْع كَانَ لِعَارِضٍ " انتهى.
فإن دعا الإمام للاستسقاء في خطبة الجمعة، سنّ له رفع اليدين، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك يرفع المأمّنون على دعائه؛ لما روى البخاري (933) ومسلم (897) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: (أَصَابَتْ النَّاسَ سَنَةٌ [جدب] عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ، قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكَ الْمَالُ، وَجَاعَ الْعِيَالُ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا، فَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا وَضَعَهَا حَتَّى ثَارَ السَّحَابُ أَمْثَالَ الْجِبَالِ، ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ حَتَّى رَأَيْتُ الْمَطَرَ يَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) .
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: ما حكم من يرفع يديه والخطيب يدعو للمسلمين في الخطبة الثانية مع الدليل، أثابكم الله؟
فأجاب: "رفع اليدين غير مشروع في خطبة الجمعة ولا في خطبة العيد لا للإمام ولا للمأمومين، وإنما المشروع الإنصات للخطيب والتأمين على دعائه بينه وبين نفسه من دون رفع صوت، وأما رفع اليدين فلا يشرع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يرفع يديه في خطبة الجمعة ولا في خطبة الأعياد، ولما رأى بعض الصحابة بعض الأمراء يرفع يديه في خطبة الجمعة أنكر عليه ذلك، وقال: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يرفعهما.
نعم، إذا كان يستغيث في خطبة الجمعة للاستسقاء، فإنه يرفع يديه حال الاستغاثة - أي طلب نزول المطر -؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في هذه الحالة، فإذا استسقى في خطبة الجمعة أو في خطبة العيد فإنه يشرع له أن يرفع يديه تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم " انتهى من " مجموع الشيخ ابن باز " (12/339) .
ثانيا:
للخطيب أن يدعو في وسط الخطبة أو آخرها، وهذا من المواطن التي هي مظنة الإجابة؛ لأن في الجمعة ساعة إجابة، لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله خيرا إلا أعطاه إياه، كما في الحديث الذي رواه البخاري (5295) ومسلم (852) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فِي الْجُمُعَةِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ قَائِمٌ يُصَلِّي فَسَأَلَ اللَّهَ خَيْرًا إِلَّا أَعْطَاهُ) ، وقد قيل إن هذه الساعة من جلوس الإمام إلى انقضاء الصلاة.
قال ابن القيم رحمه الله: " وأرجح هذه الأقوال: قولان تضمنتهما الأحاديث الثابتة، وأحدهما أرجح من الآخر:
الأول: أنها من جلوس الإمام إلى انقضاء الصلاة، وحجة هذا القول ما روى مسلم في صحيحه من حديث أبي بردة بن أبي موسى، أن عبد الله بن عمر قال له: أسمعت أباك يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن ساعة الجمعة شيئا؟ قال: نعم سمعته يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة) . وروى ابن ماجه، والترمذي، من حديث عمرو بن عوف المزني، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن في الجمعة ساعة لا يسأل الله العبد فيها شيئا إلا آتاه الله إياه. قالوا: يا رسول الله! أية ساعة هي؟ قال: حين تقام الصلاة إلى الانصراف منها.
والقول الثاني: أنها بعد العصر، وهذا أرجح القولين، وهو قول عبد الله بن سلام، وأبي هريرة، والإمام أحمد. وحجة هذا القول ما رواه أحمد في مسنده من حديث أبي سعيد وأبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: (إن في الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله فها خيرا إلا أعطاه إياه، وهي بعد العصر) .
وروى أبو داود والنسائي، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (يوم الجمعة اثنا عشر ساعة، فيها ساعة لا يوجد مسلم يسأل الله فيها شيئا إلا أعطاه، فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر) ... " انتهى من "زاد المعاد" (1/376) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1944)
مناقشة حول صلاة سنة الجمعة القبلية
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في أحد المواقع أن صلاة الجمعة لها سنة تصلى قبلها، أربع ركعات، وذكر الموقع جوابكم على السؤال رقم (6653) وأجاب عليه وأورد أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وآثاراً عن الصحابة أنهم كانوا يصلون أربعاً قبل الجمعة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
صلاة سنة راتبة قبل صلاة الجمعة مما اختلف فيه العلماء، ومثل هذه المسائل الاجتهادية لا ينكر أحد من المختلفين على الآخر، ولا يجوز أن تكون مثاراً للجدال أو التعصب، أو سبباً لحصول النفرة بين طلاب العلم.
ويجب في هذه المسائل وغيرها رد التنازع إلى الكتاب والسنة، كما أمر الله تعالى بذلك في قوله: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) النساء/59.
ومن ظهر له صواب أحد القولين اتبعه، وعمل به، من غير أن ينكر على من أخذ بالقول الآخر.
وينظر جواب السؤال رقم (70491) لمعرفة موقف المسلم من المسائل الاجتهادية.
ولا مانع من المباحثة في هذه المسائل للوصول إلى الصواب.
والأحاديث ـ وكذلك الآثار عن الصحابة ـ الواردة في صلاة أربع ركعات أو غيرها قبل الجمعة، لا تدل على أن هذه الركعات سنة راتبة قبل الجمعة، كما هو الحال في صلاة الظهر مثلاً، بل تدل على مشروعية الصلاة قبل الجمعة، وهذه الصلاة تعد من النفل المطلق، وليست من السنة الراتبة.
وقد جاء هذا في أحاديث كثيرة، منها:
عن سَلْمَانَ الْفَارِسِي رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: (لاَ يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ، وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ، أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ ثُمَّ يَخْرُجُ، فَلاَ يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، ثُمَّ يُصَلِّى مَا كُتِبَ لَهُ، ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الإِمَامُ، إِلاَّ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الأُخْرَى) رواه البخاري (883) .
وعن ثعلبة بن أبي مالك أنهم كانوا في زمان عمر بن الخطاب يصلون يوم الجمعة حتى يخرج عمر. أخرجه مالك في "الموطأ" (1/103) وصححه النووي في "المجموع" (4/550) .
وعن نافع قَال: كان ابن عمر يصلي قبل الجمعة اثنتي عشرة ركعة. عزاه ابن رجب في "فتح الباري" (8/329) لمصنف عبد الرزاق.
ولا يصح أن تكون هذه الأدلة دالة على وجود سنة راتبة لصلاة الجمعة، تُصلى قبلها، لأن هذه الصلاة [السنة الراتبة] لم يكن لها وقت تصلى فيه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إذ كان صلى الله عليه وسلم يخرج من بيته إلى الجمعة، ثم يصعد المنبر، ويؤذن المؤذن، ثم يقوم الرسول صلى الله عليه وسلم ويخطب خطبته، ثم ينزل فتقام الصلاة، ويصلي.
فيقال لمن أثبت هذه السنة الراتبة: متى كانت تصلى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟
فإن قال: كانت تصلى بعد الأذان، فهذا لا أصل له في السنة.
وإن قال: كانت تصلى قبل الأذان، فهذه ليست سنة راتبة، وإنما هي نفل مطلق.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" وأما سنة الجمعة التي قبلها فلم يثبت فيها شيء " انتهى.
"فتح الباري" (2/426) .
وقال ابن القيم رحمه الله:
" وكان إذا فرغ بلال من الأذان أخذ النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة، ولم يقم أحد يركع ركعتين البتة، ولم يكن الأذان إلا واحدا، وهذا يدل على أن الجمعة كالعيد لا سنة لها قبلها، وهذا أصح قولي العلماء، وعليه تدل السنة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج من بيته، فإذا رقي المنبر أخذ بلال في أذان الجمعة، فإذا أكمله أخذ النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة من غير صل، وهذا كان رأي عين، فمتى كانوا يصلون السنة؟
ومن ظن أنهم كانوا إذا فرغ بلال رضي الله عنه من الأذان قاموا كلهم فركعوا ركعتين فهو أجهل الناس بالسنة.
وهذا الذي ذكرناه من أنه لا سنة قبلها هو مذهب مالك، وأحمد في المشهور عنه، وأحد الوجهين لأصحاب الشافعي.
والذين قالوا: إن لها سنة، منهم من احتج أنها ظهر مقصورة فيثبت لها أحكام الظهر.
وهذه حجة ضعيفة جدا، فإن الجمعة صلاة مستقلة بنفسها تخالف الظهر في الجهر والعدد والخطبة والشروط المعتبرة لها.....
ومنهم من أثبت السنة لها هنا بالقياس على الظهر، وهو أيضا قياس فاسد، فإن السنة ما كان ثابتا عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو سنة خلفائه الراشدين، وليس في مسألتنا شيء من ذلك، ولا يجوز إثبات السنن في مثل هذا بالقياس ... ونظير هذا أن يشرع لصلاة العيد سنة قبلها أو بعدها بالقياس.
ومنهم من احتج بما ذكره البخاري في " صحيحه " فقال: باب: الصلاة قبل الجمعة وبعدها: حدثنا عبد الله بن يوسف أنبأنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل الظهر ركعتين، وبعدها ركعتين، وبعد المغرب ركعتين في بيته، وقبل العشاء ركعتين، وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلي ركعتين.
وهذا لا حجة فيه، ولم يُرد به البخاري إثبات السنة قبل الجمعة، وإنما مراده أنه هل ورد في الصلاة قبلها أو بعدها شيء؟
ثم ذكر هذا الحديث، أي أنه لم يرو عنه فعل السنة إلا بعدها، ولم يرد قبلها شيء.
وهذا نظير ما فعل في كتاب العيدين، فإنه قال: باب الصلاة قبل العيد وبعدها. وقال أبو المعلى: سمعت سعيدا عن ابن عباس أنه كره الصلاة قبل العيد. ثم ذكر حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم الفطر فصلى ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما ومعه بلال ... الحديث.
وذكر للعيد حديثا دالا على أنه لا تشرع الصلاة قبلها ولا بعدها، فدل على أن مراده من الجمعة كذلك" انتهى باختصار من "زاد المعاد" (1417- 422) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1945)
هل يجوز أن يخطب الجمعة شخص ويؤم آخر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن يخطب شخص ويصلي الجمعة شخص آخر؟ حصل هذا في مسجدنا حيث انتهى الخطيب من الخطبة ثم صلى بنا شخص حافظ، فهل هذا صحيح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى فَصْلٌ: وَالسُّنَّةُ أَنْ يَتَوَلَّى الصَّلاةَ مَنْ يَتَوَلَّى الْخُطْبَةَ ; لأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَتَوَلاهُمَا بِنَفْسِهِ، وَكَذَلِكَ خُلَفَاؤُهُ مِنْ بَعْدِهِ. وَإِنْ خَطَبَ رَجُلٌ، وَصَلَّى آخَرُ لِعُذْرٍ، جَازَ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ ... لأَنَّهُ إذَا جَازَ الاسْتِخْلافُ فِي الصَّلاةِ الْوَاحِدَةِ لِلْعُذْرِ، فَفِي الْخُطْبَةِ مَعَ الصَّلاةِ أَوْلَى. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ، فَقَالَ أَحْمَدُ - رحمه الله -: لا يُعْجِبُنِي مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ. فَيُحْتَمَلُ الْمَنْعُ ; لأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَتَوَلاهُمَا، وَقَدْ قَالَ: (صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي) رواه البخاري وأحمد. وَلأَنَّ الْخُطْبَةَ أُقِيمَتْ مَقَامَ رَكْعَتَيْنِ. وَيُحْتَمَلُ الْجَوَازُ ; لأَنَّ الْخُطْبَةَ مُنْفَصِلَةٌ عَنْ الصَّلاةِ، فَأَشْبَهَتَا صَلاتَيْنِ. المغني ج2 كتاب الجمعة: فصل: يتولى الصلاة من يتولى الخطبة. ويُراجع: البدائع 1/262 والشرح الكبير 1/499.
وكون الذي صلى أحفظ من الخطيب لا يبرّر مخالفة السنّة في كون الخطيب هو الإمام، فيصلي الخطيب بالناس ويقرأ بما تيسّر من القرآن ولو كان وراءه من هو أحفظ منه، والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1946)
شروط وأركان وسنن خطبة الجمعة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تستطيعون أن تبينوا لنا أركان، وواجبات، وسنن خطبة الجمعة؟ جزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
اتفق الفقهاء من المذاهب الأربعة على أن الخطبة شرط لصحة الصلاة يوم الجمعة، فهي من ذكر الله الذي أمر الله تعالى بالسعي إليه في قوله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) سورة الجمعة/9. وقد واظب النبي صلى الله عليه وسلم عليها مواظبة تامة، بل جاء عن بعض الصحابة أن الخطبة هي بدل الركعتين من صلاة الظهر، كل ذلك يدل على اشتراط الخطبة لصحة صلاة الجمعة.
يقول ابن قدامة رحمه الله:
" وجملة ذلك أن الخطبة شرط في الجمعة، لا تصح بدونها كذلك قال عطاء، والنخعي، وقتادة، والثوري، والشافعي، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي، ولا نعلم فيه مخالفا إلا الحسن " انتهى.
"المغني" (2/74)
ثانيا: شروط خطبة الجمعة:
اتفق الفقهاء أيضا على شرطين من شروط خطبة الجمعة:
1- أن تقع بعد دخول وقت صلاة الجمعة.
2- أن تقع قبل الصلاة وليس بعدها: يقول الخطيب الشربيني: " بالإجماع إلا من شذ " انتهى. "مغني المحتاج" (1/549) ، ولا يطول الفصل بينهما، بل يجب الموالاة بين الخطبة والصلاة. يقول ابن قدامة رحمه الله: " يشترط الموالاة بين الخطبة والصلاة " انتهى. "المغني" (2/79)
واختلفوا فيما عداها من الشروط، فنذكر باختصار ما ترجح لدينا كونه شرطا بعد دراسة أدلة جميع الأقوال:
3- النية: وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات) متفق عليه. فيشترط أن ينوي الخطيب الخطبة المجزئة لصلاة الجمعة، وبه قال الحنابلة وبعض الشافعية.
4- الجهر: فلا يجزئ أن يخطب الخطيب سرا، إذ لا يتحقق مقصود الخطبة إلا بالجهر بها، وبهذا قال جمهور أهل العلم إلا الحنفية.
وقد اشترط بعض أهل العلم حضور عدد معين لخطبة الجمعة، كما اشترط بعضهم كون الخطبة باللغة العربية، ولكن سبق في موقعنا بيان عدم صحة هذين الشرطين، انظر جواب السؤال رقم: (7718) ، (112041)
ثالثا: أركان خطبة الجمعة.
الصحيح من أقوال أهل العلم أن ركن الخطبة الوحيد هو أقل ما يصدق عليه اسم الخطبة عرفا، وهو مذهب ابن حزم. "المحلى" (5/97)
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" ولا يكفي في الخطبة ذم الدنيا وذكر الموت، بل لا بد من مسمى الخطبة عرفا، ولا تحصل باختصار يفوت به المقصود " انتهى.
"الاختيارات" (ص/79)
ويقول الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله:
" اشتراط الفقهاء الأركان الأربعة في كل من الخطبتين فيه نظر، وإذا أتى في كل خطبة بما يحصل به المقصود من الخطبة الواعظة الملينة للقلوب فقد أتى بالخطبة، ولكن لا شك أن حمد الله، والصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقراءة شيء من القرآن من مكملات الخطبة، وهي زينة لها " انتهى.
"الفتاوى السعدية" (ص/193)
رابعا: سنن الخطبة:
يستحب للخطيب أن يكون متطهرا من النجاسة ومن الحدثين الأصغر والأكبر، لابسا أحسن ثيابه، ويسلم على الناس، ويخطب عن المنبر، وأن يقبل على الناس بوجهه، وأن يصدق الناس في الوعظ والتذكير بكلام مترسل معرب مبين، ويقصر خطبته فلا يطولها، ويجعلها خطبتين.
وفي كثير من هذه الفروع خلاف وتفصيل محله كتب الفروع، وإنما اقتصرنا هنا على البيان الموجز الذي يحتاج إليه جميع المسلمين.
على أننا ننبه هنا إلى أهمية مراعاة حال الناس فيما تتضمنه الخطبة، فيعطيهم الخطيب ما يحتاجونه، ولا يحدثهم فيما لا يعقلونه، أو فيما لا يحتاجون إليه في أمر دينهم.
ثم إنه ينبغي عليه ألا يصادم ما اعتاده الناس وتعارفوا عليه في خطبهم، من الذكر أو الدعاء، أو غير ذلك من مستحبات الخطبة، والتي قد لا يدل الدليل على اشتراطها في الخطبة، فيكفيه ـ فقط ـ أن يدل الدليل على استحبابها، أو حتى مشروعيتها، حتى يأتي بها، ويراعي حال الناس وحاجتهم.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، بعد مناقشة ما اشترطه فقهاء الحنابلة في خطبة الجمعة:
" وقال بعض أهل العلم: إن الشرط الأساسي في الخطبة: أن تشتمل على الموعظة المرققة للقلوب، المفيدة للحاضرين، وأن الحمد لله، أو الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وقراءة آية، كله من كمال الخطبة.
ولكن هذا القول وإن كان له حظ من النظر لا ينبغي للإنسان أن يعمل به إذا كان أهل البلد يرون القول الأول الذي مشى عليه المؤلف؛ لأنه لو ترك هذه الشروط التي ذكرها المؤلف لوقع الناس في حرج، وصار كلٌّ يخرج من الجمعة، وهو يرى أنه لم يصل الجمعة، وإذا أتيت بهذه الشروط لم تقع في محرم.
ومراعاة الناس في أمر ليس بحرام هو مما جاءت به الشريعة، فقد راعى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في الصوم والفطر في رمضان في حال السفر، وراعاهم عليه الصلاة والسلام في بناء الكعبة حيث قال لعائشة: "لولا أن قومك حديثو عهد بكفر لهدمت الكعبة وبنيتها على قواعد إبراهيم" [متفق عليه] ، وهذه القاعدة معروفة في الشرع.
أما إذا راعاهم في المحرم فهذه تسمى مداهنة لا تجوز، وقد قال الله تعالى: (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) القلم/ 9".
انتهى من الشرح الممتع (5/56) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1947)
دعاء الإمام والمأمومين جماعة عقب صلاة الجمعة
[السُّؤَالُ]
ـ[نصلي ركعتي فرض الجمعة، بعدها يستدير الإمام وندعو جميعاً. فهل ما نقوم به صحيح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي ينبغي للمؤمن أن يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم، في فعله وتركه، فيفعل ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم، ويترك ما تركه الرسول صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) الأحزاب/21.
ودعاء الإمام بعد صلاة الفريضة ـ الجمعة أو غيرها ـ وتأمين المأمومين، لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا فعله أحد من أصحابه رضي الله عنهم، ولو كان خيراً لسبقونا إليه.
وعلى هذا؛ فيدخل هذا الفعل في البدعة المذمومة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ) رواه أبو داود (4607) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) رواه البخاري (2697) ومسلم (1718) واللفظ له.
وقد ذكر الشاطبي رحمه الله تعالى في كتابه "الاعتصام" (1/349-355) الدعاء الجماعي بعد الصلوات المكتوبة، وبَيَّن أن ذلك بدعة، لأنه لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا أحد من أصحابه رضي الله عنهم، ولا الأئمة بعدهم.
فالواجب ترك هذه البدعة، والحرص على الأذكار والأدعية التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقولها بعد الصلاة، ومن أراد الدعاء فليدع سراً.
وانظر جواب السؤال رقم (10491) و (21976) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1948)
إقامة صلاة الجمعة في المطار
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لموظفي المطار إقامة صلاة الجمعة إذا كانت المسافة بين المطار والمدينة حوالي عشرين كيلومتراً، والمطار واقع في صحراء ومنفصل عن البنيان إلى آخره؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا مانع من إقامة صلاة الجمعة في المطار ما زال موظفوه مستوطنين فيه لا يرحلون عنه صيفاً ولا شتاء.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله.(5/1949)
أول وقت صلاة الجمعة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك دليل من القرآن أو السنة على جواز تأدية خطبة وصلاة الجمعة قبل وقت صلاة الظهر؟ مثلا صلاة الظهر تبدأ الواحدة. وخطبة الجمعة تبدأ الثانية عشرة، وصلاة الجمعة تنتهي قبل الواحدة. هل هناك أي شروط أو حالات تجوز هذا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اختلف أهل العلم في أول وقت صلاة الجمعة على قولين:
القول الأول: زوال الشمس، كوقت صلاة الظهر، ولا تجوز الجمعة قبله.
وهذا قول جماهير أهل العلم من الحنفية والمالكية والشافعية، وعزاه النووي لجمهور الصحابة والتابعين ومن بعدهم. بل قال الإمام الشافعي رحمه الله: " ولا اختلاف عند أحد لقيته أن لا تصلى الجمعة حتى تزول الشمس " انتهى. "الأم" (1/223)
واستدلوا بحديثين صريحين صحيحين:
1- عن أنس بن مالك رضى الله عنه: أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّى الْجُمُعَةَ حِينَ تَمِيلُ الشَّمْسُ. رواه البخاري (رقم/904) وبوَّب عليه رحمه الله بقوله: " باب وقت الجمعة إذا زالت الشمس، وكذلك يروى عن عمر وعلي والنعمان بن بشير وعمرو بن حريث رضي الله عنهم " انتهى.
2- عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال:
(كُنَّا نُجَمِّعُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ نَرْجِعُ نَتَتَبَّعُ الْفَيْءَ) رواه مسلم (رقم/860)
القول الثاني: تجوز قبل الزوال، يعني أن بداية وقتها يسبق بداية وقت الظهر.
وهذا قول الإمام أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه.
وانظر في "الإنصاف" (2/375-376) خلاف الحنابلة في ضبط بداية وقت الجمعة، بارتفاع الشمس قيد رمح، أو في الساعة الخامسة، أو في الساعة السادسة.
واستدل من ذهب إلى ذلك بهذه الأحاديث:
1- عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال: (كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ نَرْجِعُ فَنُرِيحُ نَوَاضِحَنَا) قَالَ حَسَنٌ: فَقُلْتُ لِجَعْفَرٍ: فِي أَيِّ سَاعَةٍ تِلْكَ؟ قَالَ: زَوَالَ الشَّمْسِ. رواه مسلم (858)
2- وعن سهل رضي الله عنه قال: (مَا كُنَّا نَقِيلُ وَلَا نَتَغَدَّى إِلَّا بَعْدَ الْجُمُعَةِ) رواه مسلم (859)
3- وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: (كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجُمُعَةَ فَنَرْجِعُ وَمَا نَجِدُ لِلْحِيطَانِ فَيْئًا نَسْتَظِلُّ بِهِ) رواه البخاري (4168) ، ومسلم (860) واللفظ له.
وهذه الأحاديث ليست نصا على أن الصلاة كانت قبل الزوال، بل في بعضها دلالة أيضا للقول الأول، كما في حديث جابر بن عبد الله، ولذلك فقد بوَّب عليها الإمام النووي في صحيح مسلم بقوله (2/587) : (باب صلاة الجمعة حين تزول الشمس) .
وكذلك حديث سلمة قد سبق له رواية في القول الأول: أن ذلك كان إذا زالت الشمس.
قال الإمام النووي رحمه الله:
" الجواب عن احتجاجهم بحديث جابر وما بعده أنها كلها محمولة على شدة المبالغة في تعجيلها بعد الزوال من غير إبراد ولا غيره , هذا مختصر الجواب عن الجميع , وحملنا عليه الجميع من هذه الأحاديث من الطرفين , وعمل المسلمين قاطبة أنهم لا يصلونها إلا بعد الزوال. وتفصيل الجواب أن يقال:
حديث جابر فيه إخبار أن الصلاة والرواح إلى جمالهم كانا حين الزوال لا أن الصلاة قبله. والجواب عن حديث سلمة: أنه حجة لنا في كونها بعد الزوال ; لأنه ليس معناه أنه ليس للحيطان شيء من الفيء , وإنما معناه ليس لها فيء كثير بحيث يستظل به المار.
وأوضح منه الرواية الأخرى: " نتتبع الفيء " فهذا فيه تصريح بوجود الفيء , لكنه قليل , ومعلوم أن حيطانهم قصيرة وبلادهم متوسطة من الشمس , ولا يظهر هناك الفيء بحيث يستظل به إلا بعد الزوال بزمان طويل.
وأما حديث سهل: (ما كنا نقيل ولا نتغذى إلا بعد الجمعة) (فمعناه) : أنهم كانوا يؤخرون القيلولة والغداء في هذا اليوم إلى ما بعد صلاة الجمعة ; لأنهم ندبوا إلى التبكير إليها , فلو اشتغلوا بشيء من ذلك قبلها خافوا فوتها أو فوت التبكير إليها.
ومما يؤيد هذا ما رواه مالك في الموطأ بإسناده الصحيح عن عمر بن أبي سهل بن مالك، عن أبيه قال: كنت أرى طنفسة لعقيل بن أبي طالب تطرح يوم الجمعة إلى جدار المسجد الغربي , فإذا غشي الطنفسة كلها ظل الجدار خرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثم نخرج بعد صلاة الجمعة فنقيل قائلة الضحى " انتهى.
"المجموع" (4/511-512) ، وانظر تفصيلا في تقرير قول الجمهور عند الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (2/387-388) بل نقل الحافظ ابن رجب في "فتح الباري" (كتاب الصلاة/باب وقت الجمعة إذا زالت الشمس) عن أبي طالب نقله عن الإمام أحمد أنه قال: " ما ينبغي أن يصلي قبل الزوال " انتهى. وانظر: "الموسوعة الفقهية" (27/197)
فالراجح هو قول جماهير أهل العلم، أن وقت الجمعة هو وقت الظهر نفسه، ولا شك أنه الأحوط والأبرأ للذمة.
يقول الشيخ ابن باز رحمه الله:
" الأفضل بعد زوال الشمس خروجا من خلاف العلماء؛ لأن أكثر العلماء يقولون لا بد أن تكون صلاة الجمعة بعد الزوال، وهذا هو قول الأكثرين.
وذهب قوم من أهل العلم إلى جوازها قبل الزوال في الساعة السادسة، وفيه أحاديث وآثار تدل على ذلك صحيحة، فإذا صلَّى قبل الزوال بقليل فصلاته صحيحة، ولكن ينبغي ألا تفعل إلا بعد الزوال، عملا بالأحاديث كلها، وخروجا من خلاف العلماء، وتيسيرا على الناس حتى يحضروا جميعا، وحتى تكون الصلاة في وقت واحد. هذا هو الأولى والأحوط " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (12/391-392)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1950)
هل تختلف ساعة الإجابة يوم الجمعة باختلاف مواقيت الجمعة في البلدان؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أستطيع أن أضمن ساعة الإجابة من آخر ساعة ليوم الجمعة، فأنا أعيش في الكويت، ولكن – مثلاً - في الإمارات يؤذَّن قبلنا بنصف ساعة، والسعودية تقريباً بعدنا بنصف الساعة، فكيف تتفق ساعة الإجابة بذلك؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
سبق الكلام عن ساعة الاستجابة يوم الجمعة في جواب السؤال رقم: (112165) ، وهذه الساعة وقت يسير لا يخرج عن كونها من أذان الجمعة إلى انقضاء الصلاة، ومن بعد العصر إلى أن تغرب الشمس، على ما رجحه ابن القيم رحمه الله، من جملة الأقوال التي قيلت في تحديدها.
ثانياً:
لا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم اختلاف الصلوات في البلدان، وهو يعني بكون تلك الساعة مستجابة الدعاء إنما هو باعتبار كل بلدة وحدها، بل كل مسجد، فقد تكون البلدة واحدة، وفيها اختلاف بين في توقيت صلاة الجمعة.
قال شهاب الدين الرملي رحمه الله: " واعلم أن وقت الخطبة يختلف باختلاف أوقات البلدان، بل في البلدة الواحدة، فالظاهر: أنها ساعة الإجابة في حق كل أهل محل من جلوس خطيبه إلى آخر الصلاة " انتهى. " نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج " (2 / 342) .
وهذا الظاهر الذي ذكره رحمه الله، وقال به جمع من العلماء هو الذي لا يتوجه غيره، وما ذكره بعده من احتمال إبهام تلك الساعة فقد يصادفها أهل محل دون غيرهم: احتمال بعيد عن الصواب؛ لأنه يعني أنها تكون ساعةَ إجابة لقوم دون غيرهم، وهو ما استبعده ابن حجر الهيتمي الشافعي وغلَّطه.
سئل – رحمه الله -:
صحَّ أن ساعة الإجابة ما بين أن يجلس الخطيب إلى أن تنقضي الصلاة، فهل هذا في كل خطيب، أو لا، فإن أوقات الخطب تختلف فيلزم عليه تعدد ساعة الإجابة؟ .
فأجاب رحمه الله: " لم يزل في نفسي منذ سنين، حتى رأيت الناشري نقل عن بعضهم أنه قال: يلزم على ذلك أن تكون ساعة الإجابة في جماعة غيرها في حق آخرين.
وهو غلط ظاهر، وسكت عليه.
وفيه نظر.
ومن ثم قال بعض المتأخرين: ساعة الإجابة في حق كل خطيب وسامعيه: ما بين أن يجلس إلى أن تنقضي الصلاة، كما صح في الحديث، فلا دخل للعقل في ذلك، بعد صحة النقل فيه " انتهى. " الفتاوى الفقهية الكبرى " (1 / 248) .
والشاهد من النقل أنه بين اختلاف هذه الساعة، بحسب اختلاف المصلين، وأما تحديد الساعة بعينها، فقد سبق البحث فيه من قبل.
ويشبه هذا الحكمَ أحكامٌ كثيرة، منها: وقت النزول الإلهي في الثلث الأخير من الليل، وما فيه من الفضائل، ومنها: فضل الجلوس بعد صلاة الفجر، وصلاة ركعتين بعد شروق الشمس، فإن هذا يختلف باختلاف المساجد، والبلدان، ومنها: أفضلية وقت صلاة الضحى، فقد يشتد الحر في بلد، فيكون أفضل أوقات صلاة الضحى، ولا يكون كذلك في غيره من البلدان، بل قد يكون الوقت ثمة ليلاً! ، وهكذا في أحكام مشابهة كثيرة.
بل هكذا شأن مواقيت الصلوات عامة، ومواقيت الإمساك والإفطار للصائم: تختلف بحسب كل مكان وبلد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1951)
فضائل صلاة الجمعة
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف بعض الأحاديث التي فيها فضل صلاة الجمعة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
وردت أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم تبين فضل صلاة الجمعة منها:
1- روى مسلم (233) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الصَّلاةُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ، كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا لَمْ تُغْشَ الْكَبَائِرُ) .
وعن أبي هريرة: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ اغْتَسَلَ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَصَلَّى مَا قُدِّرَ لَهُ، ثُمَّ أَنْصَتَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ خُطْبَتِهِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَعَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الأُخْرَى وَفَضْلُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ) . رواه مسلم (857) .
قال النووي:
قَالَ الْعُلَمَاء: مَعْنَى الْمَغْفِرَة لَهُ مَا بَيْن الْجُمُعَتَيْنِ وَثَلاثَة أَيَّام أَنَّ الْحَسَنَة بِعَشْرِ أَمْثَالهَا , وَصَارَ يَوْم الْجُمُعَة الَّذِي فَعَلَ فِيهِ هَذِهِ الأَفْعَال الْجَمِيلَة فِي مَعْنَى الْحَسَنَة الَّتِي تُجْعَل بِعَشْرِ أَمْثَالهَا , قَالَ بَعْض أَصْحَابنَا: وَالْمُرَاد بِمَا بَيْن الْجُمُعَتَيْنِ مِنْ صَلاة الْجُمُعَة وَخُطْبَتهَا إِلَى مِثْل الْوَقْت مِنْ الْجُمُعَة الثَّانِيَة حَتَّى تَكُون سَبْعَة أَيَّام بِلا زِيَادَة وَلا نُقْصَان وَيُضَمّ إِلَيْهَا ثَلاثَة فَتَصِير عَشْرَة اهـ.
2- التبكير إليها فيه أجر عظيم.
روى البخاري (841) ومسلم (850) عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ) .
3- وللماشي إلى صلاة الجمعة بكل خطوة أجر صيام سنة وقيامها.
عن أوس بن أوس الثقفي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَغَسَّلَ، وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ، وَدَنَا وَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا أَجْرُ سَنَةٍ صِيَامُهَا وَقِيَامُهَا) . رواه الترمذي (496) . وصححه الألباني في صحيح الترمذي (410) .
قال ابن القيم في زاد المعاد (1/385) :
قال الإمام أحمد: (غَسَّل) أي: جامع أهله، وكذا فسَّره وكيع اهـ
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله بعد أن ذكر الأحاديث في فضل صلاة الجمعة:
وَتَبَيَّنَ بِمَجْمُوعِ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ تَكْفِير الذُّنُوب مِنْ الْجُمُعَة إِلَى الْجُمُعَة مَشْرُوط بِوُجُودِ جَمِيع مَا تَقَدَّمَ مِنْ غُسْل، وَتَنْظف، وَتَطَيُّب، أَوْ دَهْن، وَلُبْس أَحْسَن الثِّيَاب، وَالْمَشْي بِالسَّكِينَةِ، وَتَرْك التَّخَطِّي، وَالتَّفْرِقَة بَيْن الاثْنَيْنِ، وَتَرْك الأَذَى، وَالتَّنَفُّل، وَالإِنْصَات، وَتَرْك اللَّغْو اهـ.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1952)
هل يستعمل السواك أثناء الخطبة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[متى يمتنع الإنسان في صلاة الجمعة عن مس الحصى والتسوك؟ هل هو من صعود الإمام على المنبر أم من بداية الخطبة، لأني أشاهد كثيراً من الناس لا يتوقفون عن التسوك إلا بعد أن يبدأ الإمام في الخطبة، وبعضهم يستاك أثناء الخطبة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
السنة الإنصات إلى الخطبة وترك التسوك وسائر العبث من حين الشروع فيها إلى أن يفرغ منها، عملاً بالأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك.
لكن من دخل المسجد والإمام يخطب فإنه يصلي تحية المسجد قبل أن يجلس، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما) رواه البخاري (الجمعة/1100) ومسلم (الجمعة/1449) واللفظ له.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - ج/12 ص/336.(5/1953)
تأخر الإمام يوم الجمعة فأقام الصلاة وصلى بالناس الظهر
[السُّؤَالُ]
ـ[مؤذن بينه وبين الخطيب شحناء، فلما تأخر الإمام يوم الجمعة أقام الصلاة وصلى بهم ظهراً، فماذا يجب على الجميع بالإضافة إلى التوبة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله:
يجب أن يؤدّب هذا المؤذن، وأما الباقون فعليهم التوبة، وليس عليهم صلاة أخرى. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1954)
هل للجمعة سنّة قبليّة وسنّة بعدية
[السُّؤَالُ]
ـ[يُرفع الأذان يوم الجمعة ثم يصلي الحاضرون ركعتين أو أربع ركعات، ثم يُرفع الأذان مرة أخرى ويتبعه الإقامة. وبعد الفراغ من ركعتي الجمعة، يقوم المصلون بأداء ركعتين أو أربع ركعات أخر. إضافة إلى ذلك، فإن الإمام يرفع يديه في الدعاء ثم يمسح وجهه، ويتابعه الجميع في ذلك. فهل يعد ذلك من البدعة؟ وإذا كان بدعة، فماذا أفعل أنا، (هل أكتفي بالنظر إلى الجميع من حولي) ؟
إمام يدعو بعد الصلاة دعاء جماعيا فهل هذا جائز؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
كان رسول الله يخرج من بيته يوم الجمعة، فيصعد منبره، ثم يؤذن المؤذن، فإذا فرغ أخذ النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته. ولو كان للجمعة سنة قبلها، لأخبرهم عليه السلام بذلك وأرشدهم إلى فِعْلها بعد الأذان، وفعلها هو. ولم يكن في زمن النبي غير الأذان بين يدي الخطيب.
ولهذا كان جماهير الأئمة، متفقين على أنه ليس قبل الجمعة سنة مؤقتة بوقت، مقدّرة بعدد، لأن ذلك إنما يثبت بقول النبي أو فعله، وهو لم يسن في ذلك شيئاً، لا بقوله ولا بفعله، وهذا
مذهب مالك والشافعي وأكثر أصحابه، وهو المشهور في مذاهب أحمد
وقال العراقي:
((ولم أر للأئمة الثلاثة ندب سنة قبلها))
وعلق عليه المحدث الألباني بقوله:
ولذلك لم يرد لهذه السنة المزعومة ذكر في ((كتاب الأم)) للإمام الشافعي، ولا في ((المسائل)) للإمام أحمد، ولا عند غيرهم من الأئمة المتقدمين فيما علمت.
ولهذا فإني أقول:
إن الذين يصلون هذه السنة، لا الرسول أتبعوا، ولا الأئمة قلدوا، بل قلدوا المتأخرين، الذين هم مثلهم في كونهم مقلدين غير مجتهدين، فأعجب لمقلد يقلد مقلداً.
انظر القول المبين 60، 374
ثمّ ينبغي أن يكون بين النداء الأول للجمعة والنداء الثاني فترة كافية ليتجهّز الناس للصلاة وليس بصحيح أن يكون لفاصل بينهما قصيرا بمقدار ركعتين أو نحوها كما يُفْعل في بعض البلدان والمساجد.
أما عن الدعاء الجماعي بصوت واحد وراء الإمام بعد الصلاة فقد أجاب عنه الشيخ ابن عثيمين في الفتاوى ص 368 بقوله:
إن هذا من البدع التي لم ترد عن النبي ولا عن أصحابه والمشروع للمصلين بعد الصلاة أن يذكروا الله تعالى وحده بما جاء رسول الله ويكون ذلك جهراً كما في صحيح البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم) .
أما عن الصلاة بعد الجمعة فقد قال ابن القيم في الزاد 1/440:
وكان صلى الله عليه وسلم إذا صلى الجمعة، دخل إلى منزله، فصلى ركعتين سنتها وأمر من صلاها أن يصلي بعدها أربعا. قال شيخنا أبو العباس ابن تيمية: إن صلى في المسجد، صلى أربعا، وإن صلى في بيته، صلى ركعتين. قلت: وعلى هذا تدل الأحاديث وقد أخرج أبو داود في سننه 1130 عن ابن عمر أنه كان إذا صلى في المسجد، صلى أربعا، وإذا صلى في بيته، صلى ركعتين.
وأما مسح الوجه عقب الدعاء فلم يثبت فيه حديث صحيح، بل إن بعض أهل العلم نصوا على بدعيته انظر معجم البدع (ص 227) .
فلا تفعل أنت البدعة ولا تُشارك فيها ولكن انصح وأمر بالسنّة وذكّر النّاس وأخبرهم بالحكم الشّرعي، نسأل الله أن يهدينا جميعا للصراط المستقيم وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1955)
ماذا يقال في الجلسة بين خطبتي الجمعة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك دعاء معين نقوله إذا جلس الخطيب بين الخطبتين يوم الجمعة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب يوم الجمعة خطبتين، يفصل بينهما بجلسة يسيرة على المنبر.
فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عمر رضي الله عنهما قَالَ: (كَانَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ يَقْعُدُ بَيْنَهُمَا) رواه البخاري (928) .
ولم يَرِد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن الصحابة الكرام – فيما نعلم -: الدعاء أو الذكر بكلام مُعَيَّنٍ بين خطبتي الجمعة، وإنما ذكر بعض أهل العلم استحباب الدعاء بين الخطبتين، تحريًّا لساعة الإجابة التي في يوم الجمعة، ومن أقوى الأقوال في تعيينها: أنها من أول خروج الإمام للخطبة إلى انتهاء الصلاة. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (112165) .
ولكن لما لم يكن هذا الدعاء واردا عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو عن الصحابة الكرام، فلا ينبغي تأكيده وجعله سنة لازمة، كما لا يجوز رفع الصوت به والتشويش على الحضور، وقد نبه على ذلك بعض أهل العلم.
فقد نقل ابن حجر الهيتمي عن القاضي أنه قال: والدعاء في هذه الجلسة [بين الخطبتين] مستجاب. ثم قال ابن حجر:
"ويؤخذ مما ذكر عن القاضي: أن السنة للحاضرين الاشتغال وقت هذه الجلسة بالدعاء، لما تقرر أنه مستجاب حينئذ، وإذا اشتغلوا بالدعاء فالأولى أن يكون سرا، لما في الجهر من التشويش على بعضهم، ولأن الإسرار هو الأفضل في الدعاء إلا لعارض " انتهى.
"الفتاوى الفقهية الكبرى" للحافظ ابن حجر الهيتمي (1/251-252) .
قال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين رحمه الله:
" الدعاء حال جلوسه بين الخطبتين – ما - علمت فيه شيئا، ولا ينكر على فاعله الذي يتحرى الساعة المذكورة في يوم الجمعة " انتهى.
"رسائل وفتاوى الشيخ عبد الله أبا بطين" (ص/163) .
وقال الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله:
" أما رفع اليدين والأصوات بالدعاء عند جلوس الخطيب بين الخطبتين فلا نعرف له سنة تؤيده، ولا بأس به لولا التشويش، وأنهم جعلوه سنة متبعة بغير دليل.
والمأثور: طلب السكوت إذا صعد الإمام المِنبر، وإنما السكوت للسماع؛ لذلك نقول: لا بأس بالدعاء في غير وقت السماع، ولكن يدعو خُفية، لا يؤذي غيره بدعائه، ولا يرفع كل الناس أيديهم، فيكون ذلك شعارًا من شعائر الجمعة بغير هداية من السنة فيه؛ بل إنهم يخالفون صريح السنة؛ إذ يقوم الإمام ويشرع في الخطبة الثانية وهم مستمرون على دعائهم، فأَولى لهم سماع وتدبر وقت الخطبة، وفكر وتأثر وقت الاستراحة، وأهون فعلهم هذا أن يكون بدعة مكروهة. والله أعلم " انتهى.
"مجلة المنار" (6/792) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله هل هناك دعاء معين وارد، أو ذكر معين يقوله المصلي بين خطبتي الجمعة؟ وهل ورد أن خطيب الجمعة يدعو بين الخطبتين أم لا؟
فأجاب:
"ليس هناك ذكر مخصوص أو دعاء مخصوص، لكن يدعو الإنسان بما أحب، وذلك لأن هذا الوقت وقت إجابة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر: (أن في يوم الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلى يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه) .
وفي صحيح مسلم من حديث أبي موسى: (أنها ما بين خروج الإمام - يعني دخوله المسجد - إلى أن تقضى الصلاة) .
فهذا الوقت وقت إجابة، فينبغي للإنسان أن يستغل الفرصة بالدعاء بين الخطبتين بما يشاء من خيري الدنيا والآخرة.
وكذلك يقال بالنسبة للإمام: إنه يدعو بين الخطبتين، لكن دعاءً سريا بما يريده من أمر الدنيا والآخرة.
وكذلك أيضا في صلاة الجمعة في السجود بعد أن يذكر الأذكار الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم يدعو بما شاء.
وكذلك أيضا في التشهد يدعو قبل السلام بما شاء بعد أن يدعو بما ورد الأمر بالدعاء به" انتهى.
وقال أيضا رحمه الله:
"أما الدعاء في هذا الوقت فإنه خيرٌ ومستحب؛ لأن هذا الوقت وقتٌ تُرجَى فيه الإجابة، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخبر أن في الجمعة ساعةً لا يوافقها عبدٌ مسلم وهو قائمٌ يصلى يدعو الله تعالى إلا استجاب له.
وساعة الصلاة هي أقرب الساعات لأن تكون هي ساعة الإجابة، لِما رواه مسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (هي ما بين أن يخرج الإمام إلى أن تُقضَى الصلاة) .
فعلى هذا؛ فينبغي أن ينتهز الفرصة فيدعو بين الخطبتين.
وأما رفع اليدين بذلك فلا أعلم به بأساً؛ لأن الأصل في الدعاء أن مِن آدابه رفع اليدين، فإذا رفع الإنسان يده فلا حرج، وإذا دعا بدون رفع يد فلا حرج، وهذا في الدعاء الذي بين الخطبتين" انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (فتاوى الصلاة/صلاة الجمعة) .
ثالثا:
ذكر بعض الفقهاء استحباب قراءة القرآن في الجلسة بين الخطبتين، وبعضهم يخص سورة الإخلاص، يعتمدون في ذلك على حديث جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه قَالَ: (كَانَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُطْبَتَانِ، يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا، يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيُذَكِّرُ انَّاسَ) رواه مسلم (862) ورواه ابن حبان في صحيحه (7/42) بلفظ قريب، وبوب عليه بقوله: " ذكر ما كان يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم في جلوسه بين الخطبتين " انتهى
قال الخطيب الشربيني رحمه الله:
"ويكون جلوسه بين الخطبتين نحو سورة الإخلاص..
وهل يقرأ فيها، أو يذكر، أو يسكت؟
لم يتعرضوا له، لكن في صحيح ابن حبان: (أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ فيها) " انتهى بتصرف.
"مغني المحتاج" (1/557) .
والصواب أن قول جابر بن سمرة في الحديث: (يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَيُذَكِّرُ النَّاسَ) لا يعود إلى الجلسة بين الخطبتين، وإنما هي جملة حالية من الجملة الأولى: (كانت للنبي صلى الله عليه وسلم خطبتان) يعني أنه صلى الله عليه وسلم كان يخطب على المنبر خطبتين، تتضمنان قراءة القرآن ووعظ الناس وتذكيرهم.
ولهذا ذكر الحافظ الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (16/102) ، في ترجمة ابن حبان، مبحثا مهما في أوهام وقعت لابن حبان في صحيحه، فكان مما خَطَّأه فيه الذهبي تبويبه على هذا الحديث، فقال: " وقال – يعني ابن حبان -: ذكر ما كان يقرأ عليه السلام في جلوسه بين الخطبتين. فما ذكر شيئا " انتهى. يريد أن الحديث لا يدل على ما بوَّب به.
فالراجح - والله أعلم – أنه ليس هناك سنة لازمة عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموضع، وأنَّ مَن أراد أن يشغل تلك السكتة اللطيفة بدعاء أو ذكر أو قرءان فله ذلك، على ألا يشوش به على الحاضرين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1956)
كيفية الجلوس أثناء خطبة الجمعة
[السُّؤَالُ]
ـ[أود معرفة كيفية الجلوس أثناء خطبة الجمعة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس هناك سنة محددة في هيئة الجلوس لاستماع خطبة الجمعة.
والذي ينبغي للمسلم: أين يراعي الأدب والاعتدال في جلسته، فلا يؤذي مَن حوله، ولا يجلس بحيث تنكشف عورته، كما لا يجلس جلسة تجلب إليه الكسل والنعاس.
قال الإمام الشافعي رحمه الله:
" الجلوس والإمام على المنبر يوم الجمعة كالجلوس في جميع الحالات، إلا أن يُضَيِّقَ الرجلُ على مَن قارَبَه فأكرَهُ ذلك، وذلك أن يتكئ فيأخذ أكثر مما يأخذ الجالس، ويمدرجليه، أو يلقي يديه خلفه، فأكره هذا؛ لأنه يضيق، إلا أن يكون بِرِجلِه علة فلا أكره له من هذا شيئا، وأحب له إذا كانت به علة أن يتنحَّى إلى موضعٍ لا يزدحم الناس عليه، فيفعل من هذا ما فيه الراحة لبدنه بلا ضيق على غيره " انتهى.
"الأم" (1/235) .
ويراعي في جلسته الإقبال على الخطيب بوجهه، فقد كان ذلك فعل الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم، يقبلون عليه بوجوههم إذا صعد المنبر، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (10667) .
وقد كره بعض أهل العلم – كالشافعية – جلوس الحبوة في الجمعة، لما تؤدي إليه هذه الجلسة من النوم والنعاس.
قال الخطيب الشربيني رحمه الله:
" ويكره الاحتباء، وهو أن يجمع الرجل ظهره وساقيه بثوبه أو يديه أو غيرهما والإمام يخطب، للنهي عنه، لأنه يجلب النوم فيمنعه الاستماع " انتهى.
"مغني المحتاج" (1/557) .
واستدلوا على ذلك بحديث معاذ بن أنس رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَهَى عَنِ الحبْوَة يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَالإِمَامُ يَخْطُبُ) .
رواه أبو داود (1110) والترمذي (514) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود.
وقد ضعفه كثير من العلماء، كابن العربي في عارضة الأحوذي (1/496) والنووي في "المجموع" (4/592) . والذهبي في "المهذب" (3/1165) .
وقال ابن القطان رحمه الله: " فيه سهل بن معاذ ضعيف , ويرويه عنه أبو مرحوم:عبد الرحيم بن ميمون , وهو أيضاً ضعيف الحديث , قاله ابن معين " انتهى. "الوهم والإيهام" (3/108) .
وقال المرداوي رحمه الله:
"ولا تكره الحبوة على الصحيح من المذهب، نص عليه [يعني الإمام أحمد] " انتهى.
"الإنصاف" (2/396) .
وقَالَ أَبُو دَاوُد: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَحْتَبِي وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ، وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَشُرَيْحٌ وَصَعْصَعَةُ بْنُ صُوحَانَ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَمَكْحُولٌ وَإِسْمَعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ. ثم قال أَبُو دَاوُد: وَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ أَحَدًا كَرِهَهَا إِلَّا عُبَادَةَ بْنَ نُسَيٍّ [أحد التابعين] .
وقال ابن قدامة في "المغني" (3/202) :
"والأولى تركه لأجل الخبر , وإن كان ضعيفا , ولأنه يكون متهيئا للنوم والوقوع وانتقاض الوضوء , فيكون تركه أولى" انتهى.
وعلى هذا؛ فالأفضل أن لا يجلس محتبياً، لأنه قد يكون سببا لجلب النوم والنعاس، فإن احتاج إلى هذه الجلسة، وكان يعلم من نفسه أنها لن تكون سببا في جلب الكسل والنوم إليه، فلا حرج عليه إن شاء الله تعالى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1957)
كم ركعة يصلي بعد الجمعة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[نصلى ركعتي فرض الجمعة، ثم يقوم الجمع بصلاة عدد من السنن والنوافل. فما هو العدد الصحيح لهذه الصلوات؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ورد في عدد الركعات التي تُصلى بعد الجمعة عدة أحاديث:
الحديث الأول: أنها ركعتان.
فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (كَانَ لاَ يُصَلِّى بَعْدَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَنْصَرِفَ، فَيُصَلِّى رَكْعَتَيْنِ) . رواه البخاري (937) ، ومسلم (882) .
الحديث الثاني: أنها أربع ركعات.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيُصَلِّ بَعْدَهَا أَرْبَعًا) . رواه مسلم (881) .
وقد اختلف العلماء في ذلك على عدة أقوال بناء على اختلاف هذه الأحاديث.
القول الأول: أنه يصلي ركعتين: جاء ذلك من فعل ابن عمر رضي الله عنهما.
والقول الثاني: وإليه ذهب أكثر الفقهاء استحباب صلاة أربع ركعات بعد الجمعة. يروى ذلك عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأصحابه، كما في "مصنف ابن أبي شيبة" (2/40-41) ، وهو اختيار الحنفية، كما في "رد المحتار" (2/12-13) ، واختيار الإمام الشافعي في "الأم" (7/176) حيث قال: "أما نحن فنقول: يصلي أربعا " انتهى.
والقول الثالث: التخيير بين الركعتين والأربع.
قال الإمام أحمد: " إن شاء صلى بعد الجمعة ركعتين , وإن شاء صلى أربعا " انتهى. "المغني" (2/109) .
القول الرابع: التفصيل: فمن صلى سنة الجمعة البعدية في المسجد صلاها أربعا، ومن صلاها في البيت صلى ركعتين فقط:
قال ابن القيم رحمه الله:
" قال شيخنا أبو العباس ابن تيمية: إن صلى في المسجد صلى أربعا، وإن صلى في بيته صلى ركعتين.
قلت (ابن القيم) : وعلى هذا تدل الأحاديث، وقد ذكر أبو داود عن ابن عمر أنه كان إذا صلى في المسجد صلى أربعا، وإذا صلى في بيته صلى ركعتين " انتهى.
"زاد المعاد" (1/417) .
وقد اختار هذا القول علماء اللجنة الدائمة للإفتاء.
وانظر "فتاوى اللجنة الدائمة" (6/131) .
القول الخامس: استحباب ست ركعات: وهو مروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وعن جماعة من السلف: انظر "مصنف ابن أبي شيبة" (2/40-41) ، وهو اختيار أبي يوسف والطحاوي من الحنفية: انظر "شرح معاني الآثار" (1/337) ، وهو رواية عن الإمام أحمد ذكرها ابن قدامة في "المغني"، واستغربها الحافظ ابن رجب في "القواعد" (ص/15) .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"كيف يجمع بين قول النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعا) ، وبين فعله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه كان يصلي في بيته ركعتين؟
فأجاب:
"اختلف بهذا أهل العلم:
فقال بعضهم: إنه يصلي ستاً، ركعتان ثبتتا بالسنة الفعلية، وأربع بالسنة القولية، هذا قول.
قول ثانٍ: أن المعتبر القول، وهو أن يصلي أربعاً، فتكون سنة الجمعة أربعاً فقط.
القول الثالث: التفصيل: إن صلى في المسجد صلى أربعاً، وإن صلى في بيته فركعتان.
وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
والحمد لله، الأمر واسع، يعني: لو أنه ذهب إلى البيت وصلى أربعاً بتسليمتين كان حسناً ما يضر إن شاء الله " انتهى.
"لقاءات الباب المفتوح" (لقاء رقم/214، سؤال رقم/8) .
والذي يظهر ـ والله أعلم ـ إما التخيير بين الركعتين وبين الأربع، وإما التفريق بين من صلى في المسجد أو صلى في البيت. والأمر في هذا واسع. والله أعلم.
تنبيه:
قد يفهم من السؤال أنهم يصلون هذه الراتبة جماعة ً، فإن كان الأمر كذلك فهو مخالف لسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
والأفضل في صلاة النافلة أن تكون فرادى، وإذا صلاها أحياناً جماعة فلا حرج، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (38606) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1958)
خطبة الجمعة بغير العربية
[السُّؤَالُ]
ـ[من فضلكم هل يمكنكم أن تُفصِّلوا ما يجب القيام به في صلاة الجمعة؟ فنحن نقوم بالاستماع إلى خطبة بلغتنا، ثم يقام الأذان، ثم نصلي (4) ركعات سنة، ثم يخطب الإمام خطبة بالعربية. فهل ما نقوم به صحيح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
اتفق الفقهاء على أن الأَوْلى أن تكون الخطبة باللغة العربية، ولكنهم اختلفوا في اشتراط ذلك، على ثلاثة أقوال:
القول الأول:
أنه يشترط أن تكون بالعربية للقادر عليها ولو كان السامعون لا يعرفون العربية.
وبهذا قال المالكية، وهو المذهب والمشهور عند الحنابلة.
انظر: "الفواكه الدواني" (1/306) ، "كشاف القناع" (2/34) .
القول الثاني:
يشترط أن تكون بالعربية للقادر عليها، إلا إذا كان السامعون جميعاً لا يعرفون العربية فإنه يخطب بلغتهم.
وهذا هو الصحيح عند الشافعية، وبه قال بعض الحنابلة.
انظر: "المجموع" للنووي (4/522) .
القول الثالث:
يستحب أن تكون بالعربية ولا يشترط، ويمكن للخطيب أن يخطب بلغته دون العربية:
وهو قول أبي حنيفة وبعض الشافعية.
انظر: "رد المحتار" (1/543) ، و"الموسوعة الفقهية" (19/180) .
وهذا القول الثالث هو الصحيح، واختاره جماعة من علمائنا المعاصرين، لعدم ورود دليل صريح يوجب كون الخطبة باللغة العربية، ولأن المقصود من الخطبة هو حصول الوعظ والنفع والفائدة، وذلك لا يكون إلا بلغة الحضور.
جاء في قرار مجلس المجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي جاء ما يلي:
" الرأي الأعدل هو أن اللغة العربية في أداء خطبة الجمعة والعيدين في غير البلاد الناطقة بها ليست شرطاً لصحتها، ولكن الأحسن أداء مقدمات الخطبة وما تضمنته من آيات قرآنية باللغة العربية، لتعويد غير العرب على سماع العربية والقرآن، مما يسهل تعلمها، وقراءة القرآن باللغة التي نزل بها، ثم يتابع الخطيب ما يعظهم به بلغتهم التي يفهمونها " انتهى.
"قرارات المجمع الفقهي" (ص/99) (الدورة الخامسة، القرار الخامس)
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
"لم يثبت في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أنه يُشترط في خطبة الجمعة أن تكون باللغة العربية، وإنما كان صلى الله عليه وسلم يخطب باللغة العربية في الجمعة وغيرها؛ لأنها لغته ولغة قومه، فَوَعَظَ مَنْ يخطب فيهم وأرشدهم وذكَّرهم بلغتهم التي يفهمونها، لكنه أرسل إلى الملوك وعظماء الأمم كتبا باللغة العربية، وهو يعلم أن لغتهم غير اللغة العربية، ويعلم أنهم سيترجمونها إلى لغتهم ليعرفوا ما فيها.
وعلى هذا يجوز لخطيب الجمعة في البلاد التي لا يعرف أهلها أو السواد الأعظم من سكانها اللغة العربية أن يخطب باللغة العربية، ثم يترجمها إلى لغة بلاده؛ ليفهموا ما نصحهم وذكَّرهم به، فيستفيدوا من خطبته.
وله أن يخطب خطبة الجمعة بلغة بلاده مع أنها غير عربية، وبذلك يتم الإرشاد والتعليم والوعظ والتذكير ويتحقق المقصود من الخطبة.
غير أن أداء الخطبة باللغة العربية ثم ترجمتها إلى المستمعين أَوْلى، جمعا بين الاهتداء بهدي النبي صلى الله عليه وسلم في خُطَبِه وكتبه، وبين تحقيق المقصود من الخطبة خروجا من الخلاف في ذلك " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (8/253) .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله:
" ولعل الأظهر والأقرب والعلم عند الله تعالى أن يفصَّل في المسألة فيقال:
إن كان معظم من في المسجد من الأعاجم الذين لا يفهمون اللغة العربية فلا بأس من إلقائها بغير العربية، أو إلقائها بالعربية ومن ثم ترجمتها.
وأما إن كان الغالب على الحضور هم ممن يفهمون اللغة العربية، ويدركون معانيها في الجملة، فالأولى والأظهر الإبقاء على اللغة العربية وعدم مخالفة هدى النبي صلى الله عليه وسلم، لاسيما وقد كان السلف يخطبون في مساجد يوجد بها أعاجم، ولم ينقل أنهم كانوا يترجمون ذلك؛ لأن العزة كانت للإسلام والكثرة والسيادة للغة العربية.
وأما ما يدل على الجواز عند الحاجة فإن لذلك أصلاً في الشريعة، وهو قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) .
ومن ذلك أن الصحابة رضي الله عنهم لما غزوا بلاد العجم من فارس والروم لم يقاتلوهم حتى دعوهم إلى الإسلام بوساطة المترجمين " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (12/372) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" الصحيح في هذه المسألة أنه يجوز لخطيب الجمعة أن يخطب باللسان الذي لا يفهم الحاضرون غيره، فإذا كان هؤلاء القوم ليسوا بعرب، ولا يعرفون اللغة العربية، فإنه يخطب بلسانهم؛ لأن هذا هو وسيلة البيان لهم، والمقصود من الخطبة هو بيان حدود الله سبحانه وتعالى للعباد، ووعظهم، وإرشادهم، إلا أن الآيات القرآنية يجب أن تكون باللغة العربية، ثم تفسر بلغة القوم.
ويدل على أنه يخطب بلسان القوم ولغتهم قوله تعالى: (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم)
فبين الله تعالى أن وسيلة البيان إنما تكون باللسان الذي يفهمه المخاطبون، فعلى هذا له أن يخطب باللسان غير العربي، إلا إذا تلا آية فإنه لا بد أن تكون باللسان العربي الذي جاء به القرآن، ثم بعد ذلك يفسر لهؤلاء القوم بلغتهم " انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (فتاوى الصلاة/صلاة الجمعة)
وانظر جواب السؤال رقم: (984) .
ثانيا:
ينبغي أن لا تغير هيئة صلاة الجمعة إلى ما ذكر في السؤال، حيث تقام فيها خطبتان، خطبة قبل الأذان بلغة القوم، وأخرى بعد الأذان باللغة العربية، بل إما أن يخطب بلغة القوم، وإما أن يخطب بالعربية ويترجمها في الحال وهو على المنبر باللغة الأخرى.
فقد سئل الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله عن ترجمة خطبة الجمعة إلى بعض اللغات الأجنبية، وذلك بعد صلاة الجمعة في المسجد الحرام، حتى يستفيد منها من لا يعرف اللغة العربية. فأجاب:
" لا نرى الموافقة على ما ذكر، ولا يسوغ أن يخطب يوم الجمعة قبل الصلاة وبعدها.
وإذا كان المقصود إبلاغ الخطبة لمن لا يفهم اللغة العربية فيمكن أن تترجم الخطبة وغيرها من ضمن برامج الإذاعة في غير وقت صلاة الجمعة " انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم" (3/20) .
ونحن نحث جميع المسلمين على تعلم اللغة العربية، إذ هي لغة القرآن الكريم، وبها تفهم الشريعة، وتدرك معاني أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الشيخ رشيد رضا رحمه الله:
" قد بينا غير مرة، أن معرفة اللغة العربية واجبة على كل مسلم؛ لأن فهم الدين وإقامة شعائره وأداء فرائضه، كل ذلك موقوف على فهْم هذه اللغة، ولا تصح إلا بها، وخطبة الجمعة من أقلها تأكيداً وثبوتاً، وإن كانت من أكبر الشعائر فائدة.
وقد كان الذين يدخلون في الإسلام من الأعاجم على عهد الصدر الأول يبادرون إلى تعلم اللغة العربية؛ لأجل فهم القرآن والسنة، والارتباط بصلة اللغة التي لا تتحقق وحدة الأمة بدونها، وكان الصحابة يخطبون الناس باللغة العربية في كل بلاد يفتحونها، وما كان يمر الزمن الطويل على بلاد يدخلونها إلا وتتحول لغتها إلى لغتهم في زمن قصير بتأثير روح الإسلام، لا بالترغيب الدنيوي ولا بقوة الإلزام، ولو كانوا يرون إقرار من يدخل في دينهم من الأمم الأعجمية على لغاتهم لبادروا هم إلى تعليم لغات تلك الأمم، وأقاموا لهم فرائض الدين وعباداته بها، وبقي الروماني رومانيّاً، والفارسي فارسيّاً وهلم جرا.
وإن التفريق الذي نراه اليوم في المسلمين باختلاف اللغات، هو من سيئات السياسة ومفاسدها الكبرى، وإذا لم ترجع الدولتان العثمانية والإيرانية إلى السعي في تعميم اللغة العربية في مملكتيهما، فسيأتي يوم تندمان فيه، وإننا لا نعتد بإصلاحٍ في الهند، ولا بغيرها من بلاد المسلمين، ما لم يجعل ركن التعليم الأول تعلم العربية وجعلها لغة العلم " انتهى.
"مجلة المنار" (6/496) .
رابعاً:
أما صلاة أربع ركعات سنة قبل الجمعة، فليس للجمعة سنة قبلها، وإنما يشرع التطوع المطلق قبلها من غير تحديد بعدد، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (6653) و (14075) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1959)
حكم الخروج للنزهة يوم الجمعة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم خروج بعض الناس إلى البر أو البحر يوم الجمعة، بدعوى أنهم لا يتوافر لهم وقت للرحلة إلا يوم الجمعة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" إذا تيسر لهم صلاة الجمعة في رحلتهم وحضروا صلاة الجمعة وأدوها فلا حرج عليهم، وإذا ترتب على رحلتهم فوات صلاة الجمعة بالنسبة لهم فلا تجوز الرحلة، لما يلزمها من تضييع الفريضة " انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
"فتاوى إسلامية" (1/417) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1960)
ما رأيكم بخطبة جمعة تستغرق مع صلاتها عشر دقائق؟!
[السُّؤَالُ]
ـ[ما قولكم في إمام تأخذ منه خطبتا الجمعة مع صلاته 10 دقائق معدودة!! نعم 10 دقائق! أتجزئ هذه الجمعة؟ . جزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
مما لا شك فيه أن تقصير خطبة الجمعة علامة على فقه الخطيب، حيث يستطيع جمع المعاني الكثيرة في كلمات يسيرة، ولا يطيل فينسى الناس بآخر كلامه أوله، وقد هذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم في خطبه الراتبة، بل هو أمرُه، وهو أكمل هدي، كما كانت مواعظه قليلة؛ ليُحفظ عنه يا يعظ به الناس، فخطبة الجمعة قصيرة، والمواعظ قليلة.
قَالَ أَبُو وَائِلٍ: خَطَبَنَا عَمَّارٌ – أي: ابن ياسر - فَأَوْجَزَ، وَأَبْلَغَ، فَلَمَّا نَزَلَ قُلْنَا: يَا أَبَا الْيَقْظَانِ لَقَدْ أَبْلَغْتَ وَأَوْجَزْتَ فَلَوْ كُنْتَ تَنَفَّسْتَ – أي: أطلتَ -، فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ طُولَ صَلَاةِ الرَّجُلِ وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ، فَأَطِيلُوا الصَّلَاةَ، وَاقْصُرُوا الْخُطْبَةَ، وَإِنَّ مِنْ الْبَيَانِ سِحْراً) . رواه مسلم (869) .
ومعنى (مئنة من فقهه) أي علامة على فقهه ودليل عليه.
وقد تتابعت كلمات العلماء على توكيد هذا الأمر، وتثبيته:
1. قال ابن عبد البر – رحمه الله -:
وأما قصر الخطبة: فسنَّة مسنونة، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بذلك، ويفعله
، وفي حديث عمار بن ياسر " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقصر الخطبة "، وكان يخطب بكلمات طيبات، قليلات، وقد كره التشدق، والتفيهق.
وأهل العلم يكرهون من المواعظ ما ينسي بعضه بعضاً لطوله، ويستحبون من ذلك ما وقف عليه السامع الموعوظ فاعتبَره بعد حفظه له، وذلك لا يكون إلا مع القلة. " الاستذكار " (2 / 363، 364) .
2. وقال ابن حزم – رحمه الله -:
ولا تجوز إطالة الخطبة.
" المحلى " (5 / 60) .
3. وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
فالأولى أن يقصر الخطبة؛ لأن في تقصير الخطبة فائدتين:
1. ألا يحصل الملل للمستمعين؛ لأن الخطبة إذا طالت - لا سيما إن كان الخطيب يلقيها إلقاءً عابراً لا يحرك القلوب، ولا يبعث الهمم -: فإن الناس يملُّون، ويتعبون.
2. أن ذلك أوعى للسامع، أي: أحفظ للسامع؛ لأنها إذا طالت: أضاع آخرها أولها، وإذا قصرت: أمكن وعيها، وحفظها، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه) ، أي: علامة، ودليل، على فقهه، وأنه يراعي أحوال الناس، وأحياناً تستدعي الحال التطويل، فإذا أطال الإنسان أحياناً لاقتضاء الحال ذلك: فإن هذا لا يخرجه عن كونه فقيهاً؛ وذلك لأن الطول والقصر أمر نسبي، وقد ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه كان يخطب أحياناً بسورة " ق "، وسورة " ق " مع الترتيل، والوقوف على كل آية: تستغرق وقتاً طويلاً.
" الشرح الممتع على زاد المستقنع " (5 / 65) .
ثانياً:
هذا التقصير للخطبة لا ينبغي أن يكون ماحقاً، فلا يستفيد الناس من الخطبة شيئاً، فهم لم يقطعوا المسافات، ولم يخرجوا من بيوتهم لأجل رؤية الخطيب، ولا لسماع نبرة صوته، بل جاءوا لتحصيل الفائدة، بموعظة، أو حكم شرعي، وما يشبه ذلك؛ ولهذا ينبغي مراعاة القصد والتوسط في ذلك الأمر.
عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: (كُنْتُ أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَكَانَتْ صَلَاتُهُ قَصْدًا، وَخُطْبَتُهُ قَصْدًا) .
رواه مسلم (1433) .
قال النووي - رحمه الله -:
أي: بين الطول الظاهر، والتخفيف الماحق.
" شرح مسلم (6 / 159) .
وقال - أيضاً -:
يستحب تقصير الخطبة؛ للحديث المذكور، وحتى لا يملوها، قال أصحابنا: " ويكون قصرها معتدلاً، ولا يبالغ بحيث يمحقها.
" المجموع " (4 / 358) .
ثالثاً:
إلا أننا لا نستطيع القول بأن الخطبة القصيرة جدّاً غير مجزئة، وأكثر أهل العلم على أن الخطبة إذا جيء بأركانها أجزأت، وقد اختلفوا في تحديد تلك الأركان اختلافاً كثيراً، والصحيح: أنه ليس ثمة ما يسمَّى أركاناً للخطبة، وأنه كل ما يُطلق عليه خطبة، ولو بكلمات يسيرات: أنه مجزئ، تصح الخطبة به.
وهو رأي شيخ الإسلام ابن تيمية، والشيخ ابن سعدي، وقد ذكرنا قوليهما في جواب السؤال رقم: (115854) ، وفي الجواب المحال عليه تقوية الشيخ العثيمين رحمه الله لهذا القول، لكنه رحمه الله نبَّه على عدم العمل به، فلينظر كلامه هناك.
رابعاً:
هذا الخطيب الذي تستغرق منه الخطبة مع الصلاة عشر دقائق: ليس بفقيه، بل هو جاهل؛ لأن الفقه هو في تقصير الخطبة، وإطالة الصلاة، وليس في محقهما! .
ولنقرأ لخطيب المسجد الحرام الشيخ سعود الشريم في تقدير خطبة الجمعة، والصلاة، بالتوقيت الزمني التقريبي.
قال الشيخ سعود الشريم – حفظه الله -:
ولأجل أن نصل إلى تحديد تقريبي من حيث فهم معنى طول الصلاة وقصر الخطبة بالتوقيت العصري: فأقول وبالله التوفيق:
إنك لو قرأتَ في لاة الفجر - مثلاً – بـ " الجمعة " و " المنافقين " قراءة متأنية: لأخذت الصلاة منك ما لا يقل عن عشر دقائق، إن لم تصل إلى خمس عشرة دقيقة، وقد جربتُ ذلك فوجدته كذلك، وهذا كله إذا قرأت حدراً، مع ركوع الصلاة، وسجودها؛ فكيف بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو ينفذ أمر ربِّه (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) المزمل/ 4، وكان يطيل الركوع، والرفع منه، والسجود، والجلوس بين السجدتين، ويقول راوي الحديث: " حتى يقول القائل إنه نسي "، ففي حديث البراء بن عازب رضي الله عنه: " كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وركوعه، وإذا رفع رأسه من الركوع، وسجوده وما بين السجدتين قريباً من السواء ".
" الشامل في فقه الخطيب والخطبة " (ص 154) – ترقيم الشاملة -.
ومن هذا التقرير يتبين أنه لا يمكن لهذا الخطيب أن يخطب الجمعة، ويصلي صلاتها، في عشر دقائق، إلا مع الإخلال البين بالأمرين جميعا: الخطبة، والصلاة.
ومثل هذا يحتاج أن يعلم، لأنه ربما أخطأ فهم شيء من السنة في هذا الباب، فضيع الخطبة والصلاة، وهو يظن أنه من المحسنين؟!!
فإن لم يستجب لتعليمك ونصحك، فانظر إلى غيره، ممن يقيم السنة على السداد، أو يقارب، فصل معه، وصن صلاتك، واستصلح قلبك، وأما هو ـ حيث لم يتعلم، ولا يريد ـ فوله ما تولى، والله عند قلب كل قائل ولسانه!!
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1961)
من لم يتمكن من إكمال متابعة الإمام في الجمعة بسبب انقطاع الكهرباء
[السُّؤَالُ]
ـ[صلى جماعة في قبو مسجد (الطابق الأرضي) صلاة الجمعة، وأثناء الصلاة انقطع التيار الكهربائي، وأصبح المأمومون لا يسمعون الإمام، فتقدم أحد المأمومين وأكمل بهم الصلاة، فما حكم صلاة هؤلاء علماً أنه أكمل بهم الصلاة على أنها جمعة؟
وما الحكم فيما لو لم يتقدم أحد، هل يكمل كل فرد منهم صلاته وحده؟ وإذا كان يجوز ذلك هل يكملها على أنها ظهر أو على أنها جمعة، حيث إنه استمع إلى الخطيب وافتتح الصلاة مع الإمام وصلى معه ركعة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الواقع هو ما ذكره السائل، فصلاة الجميع صحيحة، لأن من أدرك ركعة من الجمعة فقد أدرك الجمعة كما جاء بذلك الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولو لم يتقدم لهم أحد فصلى كل واحد بنفسه الركعة الأخيرة أجزأه ذلك، كالمسبوق بركعة يصلي مع الإمام ما أدرك ثم يقضي الركعة الثانية لنفسه، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) ، والله ولي التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - ج/12 ص/331.(5/1962)
يتعارض موعد محاضرته مع صلاة الجمعة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب بالجامعة، المشكلة هي أن لدي أحد الدروس في نفس موعد إقامة صلاة الجمعة، ولقد طلبت من المحاضر أن يسمح لي بأن آتي متأخرًا بنصف ساعة ولكنه لم يسمح بذلك، بل إنه سجلني كغائب في أحد المرات، وأنا لدي استراحة قدرها (15) دقيقة، لكنني لا أستطيع الذهاب للمسجد والعودة في تلك المدة، هناك غرفة للصلاة في الجامعة، ولكن بدون الخطبة، لا تكون هناك صلاة للجمعة. أرجو إفادتي في ذلك، وجزاكم الله خيرًا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تعلم أخي السائل أن صلاة الجمعة فرض على المسلم الرجل القادر، وأن التخلف عنها إثم عظيم، ومعصية كبيرة، وأن الواجب الحرص الشديد على حضور هذه الصلاة والالتزام بها، فهي صلاة أسبوعية في يوم عيد المسلمين، أعظم أيام الأسبوع وأفضلها، فلا يجوز التفريط فيها، والتهاون في شأنها.
وقد سئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله:
أنا أحد الطلبة المبتعثين للدراسة في الولايات المتحدة الأمريكية، ومن المعروف أن يوم الجمعة يوم دراسي، ففي هذا اليوم تتعارض مواد الدراسة مع صلاة الجمعة التي تقام في مسجد المدينة الصغير، الساعة الواحدة والنصف، وليس بإمكاني التوفيق بين هذه المواد والصلاة في وقت واحد، علماً بأنه ليس هناك بديل لهذه المواد، وهي مواد أساسية في التخصص، ولقد تمكنت من الاستئذان من مدرس المادة في أحد أيام الجمعة، ولكن قال لي: لن أسمح لك مرة أخرى؛ لأن ذلك سيؤثر في مستواك الدراسي، فماذا أفعل؟ أفيدوني أفادكم الله؟
فأجاب:
"أرى أنه إذا كان يسمع النداء فإن الواجب عليه الحضور إلى صلاة الجمعة، لعموم قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) وإذا كان الله تعالى أمر بترك البيع مع أنه قد يكون مما يضطر إليه الإنسان، أو على الأصح ما يحتاج إليه الإنسان، كذلك هذه الدراسة يلزمه تركها والحضور إلى الجمعة.
أما إذا كان المسجد بعيداً فإنه لا يلزمه الحضور إذا كان يشق عليه الحضور إلى مكان الجمعة" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (16/51، 52) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
متى تكون الصلاة (أي: صلاة الجمعة) واجبة، خصوصاً إذا علمتم أنه في معظم الأوقات يكون لنا بعض الأصحاب، ويقول بأن الدوام يتعارض مع صلاة الجمعة؟ فأيهما برأيكم تشجعون: أن يترك الطالب الدراسة، أو يذهب إلى الجمعة؟ مع العلم أنه في تركيا يوم الجمعة يوم دوام رسمي.
فأجابوا:
"صلاة الجمعة فريضة عينية، لا يجوز تركها من أجل الدوام الرسمي، أو الدراسة، أو نحوهما، والله سبحانه يقول: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) الطلاق/2، 3.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. الشيخ عبد الرزاق عفيفي.. الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (8/183، 184) .
وهذا التضييق عليك في قيامك بشعائر الإسلام وعباداته وتأثير ذلك على دينك وأخلاقك، هو الذي من أجله نهى النبي صلى الله عليه وسلم المسلم أن يقيم بين الكفار، لأن ذلك ينطوي على مخاطر كثيرة في دينه وخلقه.
فعليك أن تعيد النظر في إقامتك ودراستك في بلد غريب وهل شروط جواز ذلك منطبقة عليك أم لا؟
ولمزيد الفائدة يراجع جواب السؤال رقم: (38284) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1963)
ما العمل إذا وافق العيد يوم الجمعة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا جاء عيد الفطر في يوم الجمعة فهل يجوز لي أن أصلي العيد ولا أصلي الجمعة أو العكس؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
إذا وافق يوم العيد يوم الجمعة فإنه من صلى العيد مع الإمام سقط عنه وجوب حضور الجمعة ويبقى في حقه سنة. فإذا لم يحضر الجمعة وجب عليه أن يصلي ظهراً وهذا في حق غير الإمام. أما الإمام فإنه يجب عليه أن يحضر للجمعة ويقيمها بمن حضر معه من المسلمين، ولا تترك صلاة الجمعة نهائياً في هذا اليوم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ صالح بن فوزان الفوزان(5/1964)
فتوى اللجنة الدائمة فيما إذا وافق يوم العيد يوم الجمعة
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه.. أما بعد: فقد كثر السؤال عما إذا وقع يوم عيد في يوم جمعة فاجتمع العيدان: عيد الفطر أو الأضحى مع عيد الجمعة التي هي عيد الأسبوع، هل تجب صلاة الجمعة على من حضر صلاة العيد أم يجتزئ بصلاة العيد ويصلى بدل الجمعة ظهراً؟ وهل يؤذن لصلاة الظهر في المساجد أم لا؟ إلى آخر ما حصل عنه السؤال، فرأت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء إصدار الفتوى الآتية:]ـ
[الْجَوَابُ]
في هذه المسألة أحاديث مرفوعة وآثار موقوفة منها:
1- حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه سأله: هل شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيدين اجتمعا في يوم واحد؟ قال: نعم، قال: كيف صنع؟ قال: صلى العيد ثم رخص في الجمعة، فقال: (من شاء أن يصلي فليصل) . رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والدارمي والحاكم في "المستدرك" وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وله شاهد على شرط مسلم. ووافقه الذهبي، وقال النووي في "المجموع": إسناده جيد.
2- وشاهده المذكور هو حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قد اجتمع في يومكم هذا عيدان، فمن شاء أجزأه من الجمعة، وإنا مجمعون) . رواه الحاكم كما تقدم، ورواه أبو داود وابن ماجه وابن الجارود والبيهقي وغيرهم.
3- وحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: اجتمع عيدان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بالناس ثم قال: (من شاء أن يأتي الجمعة فليأتها، ومن شاء أن يتخلف فليتخلف) . رواه ابن ماجه ورواه الطبراني في "المعجم الكبير" بلفظ: اجتمع عيدان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: يوم فطر وجمعة، فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم العيد، ثم أقبل عليهم بوجهه فقال: (يا أيها الناس إنكم قد أصبتم خيراً وأجراً وإنا مجمعون، ومن أراد أن يجمع معنا فليجمع، ومن أراد أن يرجع إلى أهله فليرجع) .
4- وحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اجتمع عيدان في يومكم هذا فمن شاء أجزأه من الجمعة، وإنا مجمعون إن شاء الله) . رواه ابن ماجه، وقال البوصيري: إسناده صحيح ورجاله ثقات.
5- ومرسل ذكوان بن صالح قال: اجتمع عيدان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم جمعة ويوم عيد فصلى ثم قام، فخطب الناس، فقال: (قد أصبتم ذكراً وخيراً وإنا مجمعون، فمن أحب أن يجلس فليجلس -أي في بيته- ومن أحب أن يجمع فليجمع) . رواه البيهقي في السنن الكبرى.
6- وعن عطاء بن أبي رباح قال: صلى بنا ابن الزبير في يوم عيد في يوم جمعة أول النهار ثم رحنا إلى الجمعة فلم يخرج إلينا، فصلينا وحداناً، وكان ابن عباس بالطائف فلما قدمنا ذكرنا ذلك له، فقال: (أصاب السنة) . رواه أبو داود، وأخرجه ابن خزيمة بلفظ آخر وزاد في آخره: قال ابن الزبير: (رأيت عمر بن الخطاب إذا اجتمع عيدان صنع مثل هذا) .
7- وفي صحيح البخاري رحمه الله تعالى وموطأ الإمام مالك رحمه الله تعالى عن أبي عبيد مولى ابن أزهر قال أبو عبيد: شهدت العيدين مع عثمان بن عفان، وكان ذلك يوم الجمعة، فصلى قبل الخطبة ثم خطب، فقال: (يا أيها الناس إن هذا يوم قد اجتمع لكم فيه عيدان، فمن أحب أن ينتظر الجمعة من أهل العوالي فلينتظر، ومن أحب أن يرجع فقد أذنت له) .
8- وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال لما اجتمع عيدان في يوم: (من أراد أن يجمع فليجمع، ومن أراد أن يجلس فليجلس) . قال سفيان: يعني: يجلس في بيته. رواه عبد الرزاق في المصنف ونحوه عند ابن أبي شيبة.
وبناء على هذه الأحاديث المرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى هذه الآثار الموقوفة عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم، وعلى ما قرره جمهور أهل العلم في فقهها، فإن اللجنة تبين الأحكام الآتية:
1- من حضر صلاة العيد فيرخص له في عدم حضور صلاة الجمعة، ويصليها ظهراً في وقت الظهر، وإن أخذ بالعزيمة فصلى مع الناس الجمعة فهو أفضل.
2- من لم يحضر صلاة العيد فلا تشمله الرخصة، ولذا فلا يسقط عنه وجوب الجمعة، فيجب عليه السعي إلى المسجد لصلاة الجمعة، فإن لم يوجد عدد تنعقد به صلاة الجمعة صلاها ظهراً.
3- يجب على إمام مسجد الجمعة إقامة صلاة الجمعة ذلك اليوم ليشهدها من شاء شهودها ومن لم يشهد العيد، إن حضر العدد التي تنعقد به صلاة الجمعة وإلا فتصلى ظهرا.
4- من حضر صلاة العيد وترخص بعدم حضور الجمعة فإنه يصليها ظهراً بعد دخول وقت الظهر.
5- لا يشرع في هذا الوقت الأذان إلا في المساجد التي تقام فيها صلاة الجمعة، فلا يشرع الأذان لصلاة الظهر ذلك اليوم.
6- القول بأن من حضر صلاة العيد تسقط عنه صلاة الجمعة وصلاة الظهر ذلك اليوم قول غير صحيح، ولذا هجره العلماء وحكموا بخطئه وغرابته، لمخالفته السنة وإسقاطه فريضةً من فرائض الله بلا دليل، ولعل قائله لم يبلغه ما في المسألة من السنن والآثار التي رخصت لمن حضر صلاة العيد بعدم حضور صلاة الجمعة، وأنه يجب عليه صلاتها ظهراً.
والله تعالى أعلم. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ.. الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الغديان.. الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد.. الشيخ صالح بن فوزان الفوزان.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة(5/1965)
هل يترك الصلاة في المسجد خوفاً على نفسه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يعذر الإنسان في ترك صلاة الجمعة والجماعات، إذا كان في بلده فتن، ويخشى على نفسه إذا ذهب إلى المسجد أن يقتل أو يسجن أو يضرب، فهل تلك الأسباب تكون أعذاراً له في ترك الجمع والجماعة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين، ويجنبنا وإياهم مواطن الفتن والمحن، وأن يجمع كلمتهم على الحق، وينصرهم على أعدائهم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
صلاة الجماعة واجبة في المسجد على الرجال القادرين؛ لأدلة كثيرة، سبق بيانها في جواب السؤال رقم (120) ورقم (8918) .
ووجوب صلاة الجماعة والجمعة مشروط بما إذا لم يكن على الإنسان ضرر في نفسه أو ماله أو أهله؛ لقوله تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) الحج/78، وقال تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) البقرة/185.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/366) : " وَيُعْذَرُ فِي ترك الجماعة والجمعة الْخَائِفُ ; لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: (الْعُذْرُ: خَوْفٌ أَوْ مَرَضٌ) .
وَالْخَوْفُ , ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: خَوْفٌ عَلَى النَّفْسِ , وَخَوْفٌ عَلَى الْمَالِ , وَخَوْفٌ عَلَى الْأَهْلِ " انتهى.
فإذا خاف الإنسان على نفسه من القتل، أو أن يؤخذ ويُسجن ظلماً، فهذا يعتبر معذوراً في تركه لصلاة الجماعة والجمعة، ويصليها في بيته؛ حفاظاً على نفسه.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1966)
مسافرون إلى بلد أوربي وعددهم 15 فهل يقيمون الجمعة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن مسافرون إلى بلد أوربي للنزهة والنقاهة لمدة 5 أسابيع محددة سلفاً (مقيمين في فندق والإقامة والترحال غاية في الراحة ولله الحمد) والمدينة التي نقيم بها ليس فيها مسجد، فما حكم الجمع والقصر لصلاة الفريضة؟ وهل علينا صلاة الجمعة؟ علماً بأن العدد يسمح بذلك (أكثر من 15 شخص) وفينا من يستطيع أن يخطب للجمعة حيث إنه مرت جمعتان ولم نصلهما بحجة أنه لا جمعة لمسافر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
سبق في جواب السؤال رقم (111934) بيان حكم السفر إلى البلاد غير الإسلامية من أجل السياحة والنزهة.
ثانياً:
إذا نوى المسافر الإقامة في بلد أكثر من أربعة أيام فإنه يكون في حكم المقيم فيلزمه إتمام الصلاة من لحظة دخوله البلد، كما تلزمه الجمعة حيث ينادى بها.
قال ابن قدامة رحمه الله: "المشهور عن أحمد رحمه الله أن المدة التي تلزم المسافر الإتمام بنية الإقامة فيها، هي ما كان أكثر من إحدى وعشرين صلاة. رواه الأثرم والمروذي وغيرهما، وعنه: أنه إذا نوى إقامة أربعة أيام أتم، وإن نوى دونها قصر، وهذا قول مالك والشافعي وأبي ثور " انتهى من "المغني" (2/65) .
وجاء في فتاوى اللجنة (8/99) : " السفر الذي يشرع فيه الترخيص برخص السفر هو ما اعتبر سفراً عرفاً، ومقداره على سبيل التقريب مسافة ثمانين كيلو متراً، فمن سافر لقطع هذه المسافة فأكثر فله أن يترخص برخص السفر من المسح على الخفين ثلاثة أيام بلياليهن، والجمع والقصر، والفطر في رمضان، وهذا المسافر إذا نوى الإقامة ببلد أكثر من أربعة أيام فإنه لا يترخص برخص السفر، وإذا نوى الإقامة أربعة أيام فما دونها فإنه يترخص برخص السفر، والمسافر الذي يقيم ببلد ولكنه لا يدري متى تنقضي حاجته ولم يحدد زمناً معيناً للإقامة فإنه يترخص برخص السفر ولو طالت المدة، ولا فرق بين السفر في البر والبحر " انتهى.
بهذا يعلم أنه يلزمكم إتمام الصلاة، ولا يجوز لكم القصر.
وأما الجمع فإنه لا يختص بالسفر، بل يشرع لأعذار أخرى، كالمطر، والمرض، والمشقة، وينظر جواب السؤال رقم (39176) .
والأصل أن تصلى الصلوات في أوقاتها، فإن وجد ما يبيح الجمع، جاز الجمع.
ثالثاً:
إذا لم يكن في المدينة التي ستقيمون فيها مستوطنون تجب عليهم الجمعة فلا جمعة عليكم، وينظر تفصيل ذلك في جواب السؤال رقم (11556) .
والمسافر ذا نوى إقامة تمنع القصر وجبت عليه الجمعة تبعاً لغيره لا استقلالاً، فإن وُجد مستوطنون ممن تلزمهم الجمعة، وجب على هذا المسافر أن يصليها معهم.
وينظر: "المغني" (3/218) ، "الإنصاف" (5/169) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1967)
صلاة الجمعة في حجرة في العمل
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد زودنا صاحب العمل بمصلى صغير في مكان العمل، ونحن أربعة نحافظ على أداء صلاة الظهر والعصر فيه، هل مسموح لنا شرعاً أن نؤدي صلاة الجمعة في هذه الغرفة؟ مع اعتبار أنه لا يوجد بديل لنا ولا أحد يؤدي صلاة الجمعة في هذه الغرفة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان في المدينة التي تسكنون مسجد تقام فيه صلاة الجمعة، وجب عليكم الصلاة معهم، ولا يجوز لكم إحداث جمعة أخرى، أما إذا لم تكن المدينة تقام بها صلاة الجمعة فالواجب عليكم إقامتها ولا يجوز لكم أن تصلوا مكانها صلاة الظهر لأن (إقامة الجمعة واجبة على المسلمين في قراهم يوم الجمعة، ويشترط في صحتها الجماعة. ولم يثبت دليل شرعي على اشتراط عدد معين في صحتها، فيكفي لصحتها إقامتها بثلاثة فأكثر، ولا يجوز لمن وجبت عليه أن يصلي مكانها ظهرا من أجل نقص العدد عن أربعين، على الصحيح من أقوال العلماء) .
فتوى اللجنة الدائمة رقم 1794 (8/178) .
وجاء في فتوى اللجنة رقم 957
(وأما العدد المشترط لانعقاد الجمعة: فلا نعلم نصا يدل على تحديد عدد معين، ومن أجل عدم وجود نص يحدد العدد اختلف أهل العلم في العدد الذي تنعقد به. ومن الأقوال التي قيلت في ذلك: أنها تنعقد بثلاثة من الرجال المستوطنين، وهي رواية عن الإمام أحمد، واختارها الأوزاعي، والشيخ تقي الدين ابن تيمية؛ لقوله تعالى: (فاسعوا إلى ذكر الله) وهذا جمع واقله ثلاثة) (8/210) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1968)
خطيب الجمعة يقرأ في الصلاة بما يناسب موضوع الخطبة
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الخطباء لا يقرأ في صلاة الجمعة بسبح والغاشية، وإنما يختار من القرآن الكريم ما يناسب موضوع الخطبة، فما حكم ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ينبغي للمسلمين عموماً أن يعظموا سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ويحرصوا عليها علماً وعملاً، فإن هذا هو دليل صدق محبتهم لله تعالى، وسبب فوزهم بمحبة الله لهم، قال الله تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) آل عمران/31.
فإذا كان المسلم صادقاً في محبته لله تعالى ظهر ذلك في اتباعه النبي صلى الله عليه وسلم في كل شيء.
وخطيب الجمعة أولى بالتمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فالناس يقتدون به، والواجب أن يتلقى الناس سنة النبي صلى الله عليه وسلم ويتعلموها.
وكيف يمكن لهذا الخطيب أن يأمر الناس باتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمها، ثم ينزل من على المنبر، ويعلن بمخالفة سنة النبي صلى الله عليه وسلم!
فقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه يقرأ في صلاة الجمعة بسورتي: "سبح اسم ربك الأعلى" و "الغاشية" أو يقرأ بسورتي: "الجمعة" و "المنافقون".
ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يختار آيات من القرآن مناسبة لموضوع الخطبة، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
أفيظن ذلك الخطيب ـ أو غيره ـ أنه أهدى من النبي صلى الله عليه وسلم!
أو علم لم يعلمه النبي صلى الله عليه وسلم!
فهذا التصرف من الخطيب: بدعة، لأنه لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"لكن هنا مسألة بعض الأئمة يفعلونها: إذا خطب خطبة قرأ في الصلاة الآيات المناسبة لها، هذا يقال عنه: إنه بدعة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان ملازماً لقراءة سبح والغاشية، أو الجمعة والمنافقون، ولم يكن يراعي موضوع الخطبة" انتهى.
"لقاءات الباب المفتوح" (155/18) .
وقال الشيخ بكر أبو زيد:
"رتب النبي صلى الله عليه وسلم في قراءة صلاة الجمعة ثلاث سنن: قراءة سورتي الجمعة والمنافقون، أو سورتي الجمعة والغاشية، أو سبح والغاشية.
وقد فشى في عصرنا العدول من بعضهم عن هذا المشروع إلى ما يراه الإمام من آيات، أو سور القرآن الكريم متناسباً مع موضوع الخطبة.
وهذا التحري لم يؤثر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يعرف عن سلف الأمة، فالتزام ذلك بدعة، وهكذا قصد العدول عن المشروع إلى سواه على سبيل التسنن، فيه استدراك على الشرع، وهجر للمشروع، واستحباب ذلك، وإيهام العامة به، والله أعلم" انتهى.
"تصحيح الدعاء" (ص 319) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1969)
ترتيل الآيات في الخطبة
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الخطباء عند خطبة الحاجة إذا وصل إلى الآيات الثلاث الواردة في الخطبة يرتلون الآيات كما لو كانوا يقرؤون في القرآن، فهل هذا مشروع؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"تلاوة الآية عند الاستدلال بها في الخطبة تلقى كما تلقى الخطبة استشهاداً بها.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ صالح الفوزان ... الشيخ بكر أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (24/210) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1970)
الموظف الذي يقتضي عمله الاستمرار وقت صلاة الجمعة
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الأعمال الوظيفية الحساسة تتطلب وجود موظف دائم عليها بما في ذلك وقت الصلاة المفروضة وصلاة الجمعة فهل يترك هؤلاء الموظفون أعمالهم ويذهبون إلى الصلاة أم يبقون في أعمالهم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل وجوب الجمعة على الأعيان لقول الله سبحانه وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون) الجمعة /9، ولما روى أحمد ومسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لقوم يتخلفون عن الجمعة: (لقد هممت أن آمر رجلاً يصلي بالناس، ثم أحرق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم) أحمد (1/402) ، ومسلم (1/452) ، ولما روى مسلم عن أبي هريرة وابن عمر رضي الله عنهما، أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على أعواد منبره: (لينتهن أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين) ، ولإجماع أهل العلم على ذلك، ولكن إذا وجد عذر شرعي لدى من تجب عليه الجمعة كأن يكون مسؤولاً مسؤولية مباشرة عن عمل يتصل بأمن الأمة وحفظ مصالحها، يتطلب قيامه عليه وقت صلاة جمعة كحال رجال الأمن والمرور والمخابرات اللاسلكية والهاتفية ونحوهم، الذين عليهم النوبة وقت النداء الأخير لصلاة جمعة أو إقامة الصلاة جماعة فإنه وأمثاله يعذر بذلك في ترك الجمعة والجماعة لعموم قول الله سبحانه: (فاتقوا الله ما استطعتم) التغابن/16، وقول رسول الله عليه الصلاة والسلام: (ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم) ، ولأنه ليس بأقل عذراً ممن يعذر بخوف على نفسه أو ماله ونحو ذلك ممن ذكر العلماء أنه يعذر بترك الجمعة والجماعة مادام العذر قائماً، وغير أن ذلك لا يسقط عنه فرض الظهر، بل عليه أن يصليها في وقتها، ومتى أمكن فعلها جماعة وجب ذلك كسائر الفروض الخمسة.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء 8/189(5/1971)
الكلام أثناء سكوت الإمام بين الخطبتين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الكلام أثناء سكوت الإمام بين الخطبتين في صلاة الجمعة، وهل يجوز الإشارة بالسبابة على الفم بدون كلام من أجل تنبيه شخص ما أن لا يتكلم أثناء الخطبة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز الكلام أثناء سكوت الإمام بين الخطبتين إذا دعت إليه الحاجة، ولا بأس بالإشارة لمن يتكلم والإمام يخطب ليسكت، كما تجوز الإشارة في الصلاة إذا دعت الحاجة إليها. وفق الله الجميع.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - ج/12 ص/337.(5/1972)
قراءة القرآن في مكبرات الصوت قبل الجمعة
[السُّؤَالُ]
ـ[في بعض المساجد في أنحاء كثيرة من العالم الإسلامي تتلى آيات من القرآن الكريم بمكبرات الصوت وذلك قبل صلاة الجمعة فما الحكم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا نعلم لذلك أصلاً لا من الكتاب ولا من السنة ولا من عمل الصحابة ولا السلف الصالح رضي الله عن الجميع، ويعتبر ذلك حسب الطريقة المذكورة من الأمور المحدثة التي ينبغي تركها، لأنه أمر محدث، ولأنه قد يشغل المصلين والقراء عن صلاتهم وقراءتهم.
والله سبحانه وتعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - ج/12 ص/413.(5/1973)
كيفية رد السلام على من مد يده للسلام أثناء الخطبة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان الإمام يخطب وسلم عليك آخر، ولو مد يده وسلم فما الحكم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تشير له وقت الخطبة وتضع يدك في يده إذا مدها من دون كلام، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالإنصات، وقال: (إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة: أنصت، والإمام يخطب فقد لغوت) رواه البخاري (الجمعة/882) ومسلم (الجمعة/1404) واللفظ متفق عليه.
فجعل أمره بالمعروف لغواً وقت الخطبة فكيف بغيره من الكلام، وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (من مس الحصى فقد لغا) رواه مسلم (الجمعة/1419) .
فينبغي للمؤمن في الجمعة أن ينصت ويخشع ويحذر العبث بالحصى أو غيره، وإذا سلم عليه أحد أشار إليه ولم يتكلم، وإن وضع يده في يده إذا مدها من غير كلام فلا بأس كما تقدم، ويعلمه بعد انتهاء الخطبة أن هذا لا ينبغي له، وإنما المشروع له إذا دخل والإمام يخطب أن يصلي ركعتين تحية المسجد ولا يسلم على أحد حتى تنتهي الخطبة، وإذا عطس فعليه أن يحمد الله في نفسه ولا يرفع صوته.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - ج/12 ص/410.(5/1974)
رفع اليدين أثناء دعاء الخطيب في الخطبة الثانية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يرفع يديه والخطيب يدعو للمسلمين في الخطبة الثانية مع الدليل، أثابكم الله؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
رفع اليدين غير مشروع في خطبة الجمعة ولا في خطبة العيد لا للإمام ولا للمأمومين، وإنما المشروع الإنصات للخطيب والتأمين على دعائه بينه وبين نفسه من دون رفع صوت، وأما رفع اليدين فلا يشرع، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يرفع يديه في خطبة الجمعة ولا في خطبة الأعياد، ولما رأى بعض الصحابة بعض الأمراء يرفع يديه في خطبة الجمعة أنكر عليه ذلك، وقال: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يرفعهما، نعم إذا كان يستغيث في خطبة الجمعة للاستسقاء، فإنه يرفع يديه حال الاستغاثة - أي طلب نزول المطر - لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في هذه الحالة، فإذا استسقى في خطبة الجمعة أو في خطبة العيد فإنه يشرع له أن يرفع يديه تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - ج/12 ص/339.(5/1975)
رفع الصوت بالتسبيح يوم الجمعة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل التسبيح برفع الصوت يوم الجمعة قبل الصلاة بساعة أن أكثر سنة أم بدعة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أن هذا العمل بدعة، لأنه لم يبلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه أنهم فعلوا ذلك، والخير كله في اتباعهم، أما من سبح بينه وبين نفسه فلا بأس بذلك بل فيه خير عظيم وثواب جزيل، لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أحب الكلام إلى الله أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر) رواه مسلم (الآداب/2137) .
وقال عليه الصلاة والسلام: (كلمتان خفيفتان على اللسان حبيبتان إلى الرحمن ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم) رواه البخاري (الأيمان والنذور/6682) ومسلم (الذكر والدعاء والتوبة/2694) .
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - ج/12 ص/414.(5/1976)
هل يجوز لخطيب الجمعة أن يستشهد بالشعر ويكثر منه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[في منطقتنا إمام شاب، وهو كل جمعة في الخطبتين يستدل كثيراً بالشعر، فما هو رأيكم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أثنى الرسول صلى الله عليه وسلم على الشعر الذي يستعمله صاحبه لنصرة الإسلام، ورد افتراءات المشركين، فقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَسَّانَ بن ثابت رضي الله عنه: (اهْجُهُمْ وَجِبْرِيلُ مَعَكَ) رواه البخاري (3814) ومسلم (4541) .
وقال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اهْجُوا قُرَيْشًا، فَإِنَّهُ أَشَدُّ عَلَيْهَا مِنْ رَشْقٍ بِالنَّبْلِ) رواه مسلم (4545) .
ومع ذلك فقد ذم الرسول صلى الله عليه وسلم من يشتغل بالشعر، ويُقبل عليه، ويعرض عن القرآن والعلم الشرعي.
فعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْراً) . رواه البخاري (5802) ومسلم (2258) .
والحديث بوَّب عليه البخاري بقوله: " ما يكره أن يكون الغالب على الإنسان الشعر حتى يصده ".
وعلَّق الحافظ ابن حجر بقوله:
"تنبيه: مناسبة هذه المبالغة في ذم الشعر: أن الذين خوطبوا بذلك كانوا في غاية الإقبال عليه والاشتغال به، فزجرهم عنه؛ ليُقبلوا على القرآن، وعلى ذِكر الله تعالى، وعبادته " انتهى.
" فتح الباري " (10 / 550) .
وقال النووي رحمه الله:
"الصواب: أن المراد أن يكون الشعر غالباً عليه، مستولياً عليه، بحيث يشغله عن القرآن وغيره من العلوم الشرعية وذِكر الله تعالى، وهذا مذموم من أي شعر كان، فأما إذا كان القرآن والحديث وغيرهما من العلوم الشرعية هو الغالب عليه: فلا يضر حفظ اليسير من الشعر مع هذا؛ لأن جوفه ليس ممتلئا شعراً " انتهى.
" شرح مسلم " (15 / 14) .
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله:
"واعلم أن التحقيق الذي لا ينبغي العدول عنه أن الشعر كلام، حسنه حسن، وقبيحه قبيح، ومن الأدلة القرآنية على ذلك: أنه تعالى لما ذم الشعراء بقوله: (والشعرآء يَتَّبِعُهُمُ الغاوون أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ) استثنى من ذلك الذين آمنوا وعملوا الصالحات في قوله: (إِلاَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات وَذَكَرُواْ الله كَثِيراً) الشعراء/ 227، وبما ذكرنا تعلم أن التحقيق أن الحديث الصحيح المصرح بأن امتلاء الجوف من القيح المفسد له خير من امتلائه من الشِّعر محمول على من أقبل على الشعر، واشتغل به عن الذِّكر، وتلاوة القرآن، وطاعة الله تعالى، وعلى الشعر القبيح المتضمن للكذب، والباطل كذكر الخمر ومحاسن النساء الأجنبيات ونحو ذلك " انتهى.
" أضواء البيان " (6 / 165) .
فليحذر الدعاة إلى الله وطلبة العلم والخطباء من فتنة الشِّعر؛ فإن لها بريقاً يخطف الأبصار، ولها حلاوة تسلب العقول، وليحرص أن يمتلأ جوفه بكتاب الله، ونصوص السنَّة، ولا بأس من حفظ بعض الأشعار، لكن ليس على حساب نصوص الوحي.
ثانياً:
اختلف العلماء في حكم إنشاد الشِّعر في خطبة الجمعة، فذهب بعضهم إلى المنع منه، وأجازه آخرون بشرط عدم الإكثار منه.
والذين ذهبوا للمنع قالوا: لم نجد في السنَّة النبوية أي دليل على أنه صلى الله عليه وسلم كان ينشد الأبيات من الشعر على المنبر، والذين قالوا بالجواز قالوا إن النبي صلى الله عليه وسلم أثنى على بعض الشعر، وقال إن فيه حكمة، فلا مانع من أن يأتي الخطيب في خطبته ببعض الأبيات، على أن لا يكثر من ذلك، وعلى أن لا يكون ذلك على حساب الأدلة الشرعية.
وممن قال بالمنع: الشيخ بكر أبو زيد حفظه الله حيث قال:
"ولا أعرف في خطب النبي صلى الله عليه وسلم، ولا في خطب الصحابة رضي الله عنهم الاستشهاد بالشعر ببيت فصاعداً، وعلى هذا جرى التابعون لهم بالإحسان.
وقد استمرأ بعض الخطباء في القرن الرابع عشر تضمين خطبة الجمعة البيت من الشعر فأكثر، بل ربما صار الاستشهاد بمقطوعات شعرية متعددة، وربما كان إنشاد بيت لمبتدع، أو زنديق، أو ماجن ".
وقال أيضاً:
"والمقام في خطبة الجمعة مقام له خصوصيات متعددة يخالف غيره من المقامات، في الدروس، والمحاضرات، والوعظ، والتذكير، وهو مقام عظيم لتبليغ هذا الدين صافياً، يجهر فيه الخطيب بنصوص الوحيين الشريفين، وتعظيمهما في القلوب، والبيان عنهما بما يليق بمكانتهما ومكانة فرائض الإسلام، فلا أرى لك أيها الخطيب للجمعة إلا اجتناب الإنشاد في خطبة الجمعة، تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهو بك أجمل، وبمقامك أكمل، والله المستعان " انتهى.
" تصحيح الدعاء " (ص 99) .
وقد ذهب الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، إلى جواز أن يستشهد خطيب الجمعة بأبيات من الشِّعر، على أن يكون ذلك بقدر، وبحسن اختيار.
فقد سئل الشيخ رحمه الله: هل الاستشهاد ببعض الشِّعر في خطبة الجمعة مما يحث على مكارم الأخلاق، والجهاد ي سبيل الله أمر مشروع؟ .
فأجاب:
"لا شك بذلك، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنَّ مِن الشِّعر لحكمة) ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم ينشد مع الصحابة وهم يبنون المسجد، ينشد معهم عليه الصلاة والسلام:
والله لولا الله ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينةً علينا ... وثبت الأقدام إن لاقينا
إن الألى قد بغوا علينا ... إذا أرادوا فتنة أبينا
كان رافعا بها صوته يقول: أبينا، أبينا، أبينا، كما أن عليه الصلاة والسلام أنشدهم وهم يحفرون الخندق.
فالمقصود: أن إنشاد الشعر الحق الطيب في الخطب، والمواعظ، والمحاضرات، وخطب الجمعة، والأعياد: لا بأس به؛ لأنه يؤثر، ويحصل به خير عظيم " انتهى.
" جريدة المدينة " العدد 9170، الثلاثاء 22 / 12 / 1412 هـ.
وهذا القول هو الراجح، فلا بأس أن يستشهد خطيب الجمعة بما يراه مناسباً لخطبته من شعر يحتوي على بلاغة وفصاحة وتأثير في الناس، على ألا يكثر من ذلك، ولا يكون ذلك مقدماً عنده على نصوص الوحيين: القرآن والسنة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1977)
لا يجوز التخلف عن صلاة الجمعة بغير عذر
[السُّؤَالُ]
ـ[تخرجت كفني أشعة في مستشفى نورتن في أمريكا، وعرضوا علي عملاً في الأسبوع الماضي، ويظهر أنهم لن يعطوني إجازة في يوم الجمعة؛ لأداء صلاة الجمعة، فما الحكم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يجب على من سمع النداء يوم الجمعة، وهو من أهل الجمعة – أي: كان ذكراً مسلماً مكلفاً حراً - أن يلبي النداء؛ قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) الجمعة / 9.
وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمْ الْجُمُعَاتِ أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنْ الْغَافِلِينَ) رواه مسلم (865) .
ثانياً:
هناك أعذار تبيح للمسلم أن يتخلف عن صلاة الجمعة، كالمرض، والقيام بعمل ضروري لا يستطيع تركه من أجل صلاة الجمعة، كمن يقوم على علاج مريض، أو من يستقبل الحالات الطارئة في المستشفى، أو يعمل حارساً أمنياً على مكان بالغ الأهمية. ونحو ذلك من الأعمال.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (36530) .
وبناء على ذلك: فإذا كان وجودك في المستشفى في وقت صلاة الجمعة ضرورياً؛ لاستقبال الحالات الطارئة والحوادث، وليس هناك من يقوم بهذا العمل غيرك، فلا حرج عليك من ترك صلاة الجمعة في هذه الحال، وتصليها ظهراً.
أما إذا كان بقاؤك في المستشفى في ذلك الوقت غير ضروري؛ لوجود من يقوم بالعمل غيرك، فلا عذر لك في ترك صلاة الجمعة، وعليك أن تبحث عن عمل آخر لا يتعارض مع الواجبات الشرعية، ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه.
ونسأل الله أن ييسر لك الخير حيث كان.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1978)
فضائل يوم الجمعة
[السُّؤَالُ]
ـ[بماذا يتميز يوم الجمعة عن غيره من أيام الأسبوع؟ ولماذا؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليوم الجمعة ميزات وفضائل كثيرة، فَضَّلَ الله بها هذا اليوم على ما سواه من الأيام
عن أبي هريرة وحذيفة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أَضَلَّ اللَّهُ عَنْ الْجُمُعَةِ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا، فَكَانَ لِلْيَهُودِ يَوْمُ السَّبْتِ، وَكَانَ لِلنَّصَارَى يَوْمُ الأَحَدِ، فَجَاءَ اللَّهُ بِنَا فَهَدَانَا اللَّهُ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَجَعَلَ الْجُمُعَةَ وَالسَّبْتَ وَالأَحَدَ، وَكَذَلِكَ هُمْ تَبَعٌ لَنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، نَحْنُ الآخِرُونَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا، وَالأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الْمَقْضِيُّ لَهُمْ قَبْلَ الْخَلائِقِ) . رواه مسلم (856) .
قال النووي:
قَالَ الْقَاضِي: الظَّاهِر أَنَّهُ فُرِضَ عَلَيْهِمْ تَعْظِيم يَوْم الْجُمُعَة بِغَيْرِ تَعْيِين وَوُكِلَ إِلَى اِجْتِهَادهمْ , لِإِقَامَةِ شَرَائِعهمْ فِيهِ , فَاخْتَلَفَ اِجْتِهَادهمْ فِي تَعْيِينه وَلَمْ يَهْدِهِمْ اللَّه لَهُ , وَفَرَضَهُ عَلَى هَذِهِ الأُمَّة مُبَيَّنًا , وَلَمْ يَكِلهُ إِلَى اِجْتِهَادهمْ فَفَازُوا بِتَفْضِيلِهِ. قَالَ: وَقَدْ جَاءَ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلام أَمَرَهُمْ بِالْجُمْعَةِ وَأَعْلَمَهُمْ بِفَضْلِهَا فَنَاظَرُوهُ أَنَّ السَّبْت أَفْضَل , فَقِيلَ لَهُ: دَعْهُمْ. قَالَ الْقَاضِي: وَلَوْ كَانَ مَنْصُوصًا لَمْ يَصِحّ اِخْتِلَافهمْ فِيهِ , بَلْ كَانَ يَقُول: خَالَفُوا فِيهِ , قُلْت: وَيُمْكِن أَنْ يَكُون أُمِرُوا بِهِ صَرِيحًا وَنُصَّ عَلَى عَيْنه فَاخْتَلَفُوا فِيهِ هَلْ يَلْزَم تَعْيِينه أَمْ لَهُمْ إِبْدَاله؟ وَأَبْدَلُوهُ وَغَلِطُوا فِي إِبْدَاله اهـ.
وليس بعجيب أن يُذكر لهم يوم الجمعة بعينه ثم يخالفون.
قال الحافظ: كيف لا وهم القائلون (سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا) !! اهـ
وعن أوس بن أوس: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَام، وَفِيهِ قُبِضَ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنْ الصَّلَاةِ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلاتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرَمْتَ -أَيْ يَقُولُونَ قَدْ بَلِيتَ- قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ حَرَّمَ عَلَى الأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلام) . رواه أبو داود (1047) وصححه ابن القيم في تعليقه على سنن أبي داود (4/273) . وصححه الألباني في صحيح أبي داود (925) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا) . رواه مسلم (1410) .
فتضمن هذا الحديث بعض الأسباب التي فُضِّل بسببها يوم الجمعة.
قال النووي:
قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: الظَّاهِر أَنَّ هَذِهِ الْفَضَائِل الْمَعْدُودَة لَيْسَتْ لِذِكْرِ فَضِيلَته لأَنَّ إِخْرَاج آدَم وَقِيَام السَّاعَة لا يُعَدّ فَضِيلَة وَإِنَّمَا هُوَ بَيَان لِمَا وَقَعَ فِيهِ مِنْ الأُمُور الْعِظَام وَمَا سَيَقَعُ , لِيَتَأَهَّب الْعَبْد فِيهِ بِالأَعْمَالِ الصَّالِحَة لِنَيْلِ رَحْمَة اللَّه وَدَفْع نِقْمَته , هَذَا كَلام الْقَاضِي. وَقَالَ أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ فِي كِتَابه الأَحْوَذِيّ فِي شَرْح التِّرْمِذِيّ: الْجَمِيع مِنْ الْفَضَائِل , وَخُرُوج آدَم مِنْ الْجَنَّة هُوَ سَبَب وُجُود الذُّرِّيَّة وَهَذَا النَّسْل الْعَظِيم وَوُجُود الرُّسُل وَالْأَنْبِيَاء وَالصَّالِحِينَ وَالأَوْلِيَاء , وَلَمْ يَخْرُج مِنْهَا طَرْدًا بَلْ لِقَضَاءِ أَوْطَار ثُمَّ يَعُود إِلَيْهَا. وَأَمَّا قِيَام السَّاعَة فَسَبَب لِتَعْجِيلِ جَزَاء الأَنْبِيَاء وَالصِّدِّيقِينَ وَالأَوْلِيَاء وَغَيْرهمْ , وَإِظْهَار كَرَامَتهمْ وَشَرَفهمْ , وَفِي هَذَا الْحَدِيث فَضِيلَة يَوْم الْجُمُعَة وَمَزِيَّته عَلَى سَائِر الأَيَّام اهـ.
وعَنْ أَبِي لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَيِّدُ الأَيَّامِ، وَأَعْظَمُهَا عِنْدَ اللَّهِ، وَهُوَ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ يَوْمِ الأَضْحَى وَيَوْمِ الْفِطْرِ، فِيهِ خَمْسُ خِلالٍ: خَلَقَ اللَّهُ فِيهِ آدَمَ، وَأَهْبَطَ اللَّهُ فِيهِ آدَمَ إِلَى الأَرْضِ، وَفِيهِ تَوَفَّى اللَّهُ آدَمَ، وَفِيهِ سَاعَةٌ لا يَسْأَلُ اللَّهَ فِيهَا الْعَبْدُ شَيْئًا إِلا أَعْطَاهُ، مَا لَمْ يَسْأَلْ حَرَامًا، وَفِيهِ تَقُومُ اسَّاعَةُ، مَا مِنْ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ وَلا سَمَاءٍ وَلا أَرْضٍ وَلا رِيَاحٍ وَلا جِبَالٍ وَلا بَحْرٍ إِلا وَهُنَّ يُشْفِقْنَ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ) . رواه ابن ماجه (1084) . وحسَّنه الشيخ الألباني في صحيح الجامع رقم (2279) .
قال السندي:
(يُشْفِقْنَ مِنْ يَوْم الْجُمُعَة) مِنْ قِيَام السَّاعَة، وَفِيهِ أَنَّ سَائِر الْمَخْلُوقَات تَعْلَم الأَيَّام بِعَيْنِهَا، وَأَنَّهَا تَعْلَم أَنَّ الْقِيَامَة تَقُوم يَوْم الْجُمُعَة اهـ
ومن فضائل هذا اليوم:
1- فيه صلاة الجمعة، وهي أفضل الصلوات:
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) الجمعة/9.
روى مسلم (233) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الصَّلاةُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ، كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا لَمْ تُغْشَ الْكَبَائِرُ) .
2- صلاة الفجر جماعةً يوم الجمعة خير صلاة يصليها المسلم في أسبوعه.
عن ابن عمر قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (أفضل الصلوات عند الله صلاة الصبح يوم الجمعة في جماعة) . رواه البيهقي في "شعب الإيمان". وصححه الألباني في صحيح الجامع (1119) .
ومن خصائص صلاة الفجر في يوم الجمعة أنه يسن أن يقرأ المصلي فيها سورة السجدة في الركعة الأولى، وسورة الإنسان في الثانية.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِـ (الم تَنْزِيلُ) فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى وَفِي الثَّانِيَةِ (هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنْ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا) . رواه البخاري (851) ومسلم (880) .
قال الحافظ ابن حجر:
قِيلَ: إِنَّ الْحِكْمَة فِي هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ الإِشَارَة إِلَى مَا فِيهِمَا مِنْ ذِكْر خَلْق آدَم وَأَحْوَال يَوْم الْقِيَامَة , لأَنَّ ذَلِكَ كَانَ وَسَيَقَعُ يَوْم الْجُمُعَة اهـ.
3- أن من مات في يوم الجمعة أو ليلتها وقاه الله فتنة القبر.
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ إِلا وَقَاهُ اللَّهُ فِتْنَةَ الْقَبْرِ) . رواه الترمذي (1074) . وصححه الألباني في "أحكام الجنائز" (ص 49، 50) .
هذه بعض فضائل يوم الجمعة، نسأل الله أن يوفقنا لمرضاته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1979)
الصلاة أثناء خطبة الإمام
[السُّؤَالُ]
ـ[من صلى يوم الجمعة ركعتين ثم دخل الإمام. هل يقطعها؟ أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يظهر لي والله أعلم: أنك إذا صليت ركعة بسجدتيها أتممت صلاتك خفيفة؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) متفق عليه.
أما إذا شرع الخطيب في الخطبة قبل إتمام ركعة بسجدتيها فإنك تقطع صلاتك؛ لوجوب استماع الخطبة.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ / د. خالد بن علي المشيقح.(5/1980)
ليس للجمعة سنة راتبة قبلها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل لصلاة الجمعة سنة قبلها أو بعدها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس للجمعة سنة راتبة قبلها في أصح قولي العلماء، ولكن يشرع للمسلم إذا أتى المسجد أن يصلي ما يسر الله له من الركعات يسلم من كل ثنتين، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل والنهار مثنى مثنى) رواه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد حسن، وأصله في الصحيح من دون ذكر النهار.
ولأنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة ما يدل على أن المشروع للمسلم إذا أتى المسجد يوم الجمعة أن يصلي ما قسم الله له قبل خروج الإمام ولم يحدد النبي صلى الله عليه وسلم ثنتين أو أربعاً أو أكثر من ذلك فكله حسن وأقل ذلك ركعتان تحية المسجد، أما بعدها فلها سنة راتبة أقلها ركعتان وأكثرها أربع، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان منكم مصلياً بعد الجمعة فليصل بعدها أربعاً) رواه مسلم (الجمعة/881) ، وكان صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتين بعد الجمعة في بيته، وفق الله الجميع لما يرضيه.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - ج/12 ص/386.(5/1981)
غسل الجمعة سنة عند التهيؤ للصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يكتفى بالغسل الواجب قبل صلاة الفجر للجمعة أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
السنة غسل يوم الجمعة عند التهيؤ لصلاة الجمعة، والأفضل أن يكون ذلك عند التوجه إلى المسجد، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا راح أحدكم إلى الجمعة فليغتسل) رواه البخاري (الجمعة/882) واللفظ له، ومسلم (الجمعة/845) .
وإذا كان اغتسل في أول النهار أجزأه، لأن غسل يوم الجمعة سنة مؤكدة، وقال بعض أهل العلم بالوجوب، فينبغي المحافظة على هذا الغسل يوم الجمعة والأفضل أن يكون عند توجهه إلى الجمعة كما تقدم، لأن هذا أبلغ في النظافة، وأبلغ في قطع الروائح الكريهة، مع العناية بالطيب واللباس الحسن، وكذلك ينبغي له إذا خرج إليها أن يعتني بالخشوع وأن يقارب بين خطاه، لأن الخطا تحط بها السيئات ويرفع الله بها الدرجات فينبغي أن يكون له خشوع وعناية، وإذا وصل إلى المسجد قدم رجله اليمنى، وصلى على رسول الله عليه الصلاة والسلام وسمى الله وقال: أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم، اللهم افتح لي أبواب رحمتك، ثم يصلي ما قدر الله له، ولا يفرق بين اثنين، وبعد ذلك يجلس ينتظر إما في قراءة وإما في ذكر واستغفار أو سكوت حتى يأتي الإمام، ويكون منصتاً إذا خطب الإمام، ثم يصلي معه، فإذا فعل ذلك فقد أتى خيراً عظيماً.
وجاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من اغتسل ثم أتى الجمعة فصلى ما قدر له ثم أنصت للخطيب حتى يفرغ من خطبته ثم يصلي معه غُفِر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام) رواه مسلم (الجمعة/1418) واللفظ له.
وذلك لأن الحسنة بعشر أمثالها.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - ج/12 ص/404.(5/1982)
إقامة جماعة أخرى في المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الأخوة يأتون متأخرين وقد انتهت الجماعة الأولى فيصلون جماعة ثانية بإمام مختلف.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه المسألة هي مسألة إقامة جماعة ثانية في المسجد، وقد أجابت اللجنة الدائمة (7/309) عن حكم إقامة جماعة ثانية في المسجد فأجابت: " من جاء إلى المسجد فوجد الجماعة قد صلوا بإمام راتب أو غير راتب فليصلها جماعة مع مثله ممن فاتهم الجماعة،أو يتصدق عليه بالصلاة معه بعض من قد صلى، لما رواه أحمد في مسنده، وأبو داوود في سننه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبصر رجلاً يصلي وحده فقال: " ألا رجلٌ يتصدق على هذا فيصلي معه " فقام رجل فصلى معه، ورواه الترمذي عن أبي سعيد رضي الله عنه قال:جاء رجل فصلى معه.
قال الترمذي: حديثٌ حسن. ورواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي على ذلك، وذكره ابن حزم في المحلى، وأشار إلى تصحيحه.
قال أبو عيسى الترمذي: وهو قول غير واحدٍ من الصحابة والتابعين، قالوا: لا بأس أن يصلي القوم جماعة في مسجد قد صلي فيه جماعة، وبه يقول أحمد وإسحاق.
وقال آخرون: يصلون فرادى، وبه يقول سفيان وابن المبارك ومالك والشافعي، يحتارون الصلاة فرادى. أ. هـ
وإنما كره هؤلاء ومن وافقهم ذلك خشية الفرقة، وتوليد الأحقاد، وأن يتخذ أهل الأهواء من ذلك ذريعة إلى التأخر عن الجماعة، ليصلوا جماعة أخرى خلف إمام يوافقهم على نحلتهم وبدعتهم، فسداً لباب الفرقة وقضاءاً على مقاصد أهل الأهواء السيئة هو أن لا تصلى فريضة جماعة في مسجد بعد أن صليت فيه جماعة بإمام راتب أو مطلقا.
والقول الأول هو الصحيح، لما تقدم من الحديث لعموم قوله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} وقوله صلى الله عليه وسلم: {إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم} .
ولا شك أن الجماعة من تقوى الله، ومما أمرت بها الشريعة، فينبغي الحرص عليها على قدر المستطاع.
ولا يصح أن يعارض النقل الصحيح بعلل رآها بعض أهل العلم وكرهوا تكرار الجماعة في المسجد من أجلها، بل يجب العمل بما دلت عليه النقول الصحيحة، فإن عُرف عن أحد أو جماعة تأخر لإهمال وتكرر ذلك منهم أو عرف من سيماهم ونحلتهم أنهم يتأخرون ليصلوا مع أمثالهم عُزروا وأُخذ على أيديهم بما يراه ولي الأمر ردعاً لهم ولأمثالهم من أهل الأهواء وبذلك يسد باب الفرقة، ويقضي على أغراض أهل الأهواء، دون ترك العمل بالأدلة التي دلت على الصلاة جماعة لمن فاتتهم الجماعة الأولى.
وبالله التوفيق.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
هذا فيما يتعلق بالصلوات الخمس أما صلاة الجمعة فإنها لا تعاد بل تنتهي بسلام الإمام، ومن فاتته الجمعة صلاها ظهراً منفرداً كان أو مع جماعة.
هذا من حيث الحكم، أما من جهة الإثم فإن كان تأخره عن الجمعة لعذر شرعي فلا شيء عليه، وإن كان لغير عذر فهو آثم.
وانظر جواب السؤال رقم: (26807) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1983)
متى يكون الأذان الأول للجمعة قبل الوقت أو بعده؟
[السُّؤَالُ]
ـ[عندنا مشكلة في الولايات المتحدة في مسجدي وهو أذان الجمعة الأول العثماني هل يكون قبل دخول الوقت أم بعده؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يشرع الأذان الأول للجمعة، وهو ما فعله عثمان رضي الله عنه، وأقره الصحابة عليه، كما روى البخاري (912) عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: كَانَ النِّدَاءُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوَّلُهُ إِذَا جَلَسَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَثُرَ النَّاسُ زَادَ النِّدَاءَ الثَّالِثَ عَلَى الزَّوْرَاءِ. والزَّوْرَاءُ مَوْضِعٌ بِالسُّوقِ بِالْمَدِينَةِ.
وسمّى الأذان الذي زاده عثمان ثالثا، باعتبار أنه زاده على الأذان والإقامة.
ثانيا:
ينبغي أن يكون الأذان الأول قبل دخول وقت الجمعة، بنحو نصف ساعة أو ساعة؛ لتتحقق الفائدة منه وهي تذكير الناس بالجمعة، وحثهم على التهيؤ والمسارعة إليها.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما هو الوقت المشروع بين الأذان الأول والثاني للجمعة؟
فأجاب: "الواقع أننا في نجد نجعل فرقاً بين الأذان الأول والأذان الثاني نحو نصف ساعة أو ساعة إلا ربع وبعض الناس ساعة، وفي مكة والمدينة لا يجعلون بينهما فرقاً، إذا دخل الوقت وقت الظهر أذن المؤذن الأذان الذي يسمونه الأول، ثم يؤذن الثاني بعد مجيء الخطيب. والذي يظهر لي أن فعل أهل نجد أصح؛ لأنه هو الذي يحصل به الفائدة، أن الناس يستمعون إلى الأذان الأول ثم يتأهبون إلى الصلاة ويأتون إلى المسجد الجامع، وقد قال أهل العلم رحمهم الله: من سمع النداء الثاني يوم الجمعة لزمه السعي من حين أن يسمع، ومن كان بيته بعيداً لزمه السعي إلى الجمعة بحيث يصل إليها مع الخطيب. فعمل الناس هنا عندي أقرب إلى الصواب ممن لا يؤذنون الأذان الأول للجمعة إلا إذا دخل وقت الظهر. لكن ليس معنى هذا أن نضلل من خالفنا، وهذه نقطة مهمة أبثها لطلاب العلم: إذا اختلف الفقهاء في سنة فقال بعضهم: هي سنة، وقال آخرون: ليست بسنة، فليس لازم قول الذين يقولون: إنها ليست بسنة أن يبدعوا الآخرين، لا يبدعونهم أبداً، لأننا لو بدعنا المخالف لنا في هذه الأمور لزم أن يكون كل الفقهاء في مسائل الخلاف مبتدعة، لأن الذي يقول لي: أنت مبتدع، أقول له: وأنت مبتدع، فيبقى الفقهاء كلهم في مسائل الخلاف أهل بدعة، وهذا لا قائل به، فإذا اختلف العلماء رحمهم الله في مسائل لا تتعلق بالعقيدة وليست محدثةً حدثاً واضحاً، إنما اختلفوا في فهم النصوص، فهنا نقول: الأمر واسع، ولا يمكن أن يبدع بعضنا بعضاً " انتهى من "اللقاء الشهري" (69/3)
وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: ما هو الوقت الذي يفصل بين أذان الجمعة الأول والثاني؟
فأجاب: "الوقت الذي يفصل بين أذان الجمعة الأول والثاني هو الوقت الكافي للناس في أن يتهيئوا لصلاة الجمعة ويذهبوا إليها.
فالأذان الأول لتنبيه الناس على قرب وقت صلاة الجمعة. . . حتى ينتبه الناس وينتهوا من بيعهم وشرائهم وأعمالهم الدنيوية ويتجهوا إلى صلاة الجمعة.
وأما الأذان الثاني؛ فهذا إنما يكون إعلامًا بدخول وقت الصلاة، وهو عند دخول الإمام وجلوسه على المنبر؛ كما كان في وقت النبي صلى الله عليه وسلم" انتهى باختصار من "المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان" (1/101) . وقد ذكرنا نص الفتوى كاملة في جواب السؤال (97888) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1984)
الجمعة تدرك بركعة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا جاء شخص إلى المسجد يوم الجمعة ووجد الصلاة قد قضيت ووجد رجلاً بقيت عليه ركعة فصلى معه فهل يكمل صلاته ظهراً أو جمعة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب أن يكملها ظهراً لأن الجمعة فاتت، وإنما تدرك بركعة واحدة إذا أدرك الركعة الثانية مع الإمام صلاها جمعة، أما إذا لم يأت إلا بعد السلام أو جاء بعد الركعة الثانية في التشهد أو في حال السجود في الركعة الثانية فإنه لا يصليها جمعة ولكن يصليها ظهراً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من الجمعة فليضف إليها أخرى وقد تمت صلاته) رواه الترمذي (482) والنسائي (554) وابن ماجه (1113) ، فمفهومه أنه إذا لم يدرك إلا أقل من ركعة فإنه لا يكون مدركاً للجمعة ولكنه يصلي ظهراً، هذا هو المشروع، وإذا أدرك إنساناً يقضي فصلى معه فليصلها ظهراً ولا يصلي جمعة، ويلاحظ في هذا أيضاً أن يكون بعد الزوال، أما إذا كانت الجمعة قد صليت قبل الزوال فإنه لا يصلي الظهر إلا بعد الزوال، لأن الجمعة يجوز أن تصلى قبل الزوال في الساعة السادسة على الصحيح من قولي العلماء، ولكن الأفضل والأحوط أن تصلى بعد الزوال كما هو قول جمهور العلماء، أما الظهر فلا يجوز أن تصلى إلا بعد الزوال بإجماع المسلمين. والله ولي التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - ج/12 ص/329.(5/1985)
عبادات يشرع فعلها يوم الجمعة
[السُّؤَالُ]
ـ[أعلم أن يوم الجمعة له فضائل كثيرة، فهل يمكن أن تخبرني ببعض العبادات التي يمكنني القيام بها في هذا اليوم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، يوم الجمعة يوم فاضل، ورد في شأنه أحاديث كثيرة تدل على فضله. راجع سؤال رقم (9211) .
وهناك عبادات كثيرة يشرع للمسلم القيام بها في هذا اليوم. منها:
1- صلاة الجمعة
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) الجمعة/9.
قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد (1/376) :
صلاة الجمعة هي من آكد فروض الإسلام، ومن أعظم مجامع المسلمين، وهي أعظم من كل مجمع يجتمعون فيه، وأفْرَضُه سوى مجمع عرفة، ومن تركها تهاونا بها طبع الله على قلبه اهـ
عن أبي الجعد الضمري –وكانت له صحبة- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من ترك ثلاث جمع تهاونا بها طبع الله على قلبه) . رواه أبو داود (1052) وصححه الألباني في صحيح أبي داود (928) .
وعن عبد الله بن عمر وأبي هريرة: أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على أعواد منبره: (لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمْ [أي تركهم] الْجُمُعَاتِ أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنْ الْغَافِلِينَ) . رواه مسلم (865) .
2- الإكثار من الدعاء
في هذا اليوم ساعة إجابة إن دعا العبد فيها ربه استجيب له – بإذن الله تعالى -.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ: (فِيهِ سَاعَةٌ لا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى شَيْئًا إِلا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا) . رواه البخاري (893) ومسلم (852) .
3- قراءة سورة الكهف
عن أبي سعيد الخدري: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين". رواه الحاكم. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (836) .
4- الإكثار من الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم
عن أوس بن أوس: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلام، وَفِيهِ قُبِضَ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنْ الصَّلاةِ فَإِنَّ صَلاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلاتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرَمْتَ -أَيْ يَقُولُونَ قَدْ بَلِيتَ- قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ حَرَّمَ عَلَى الأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلام) . رواه أبو داود (1047) وصححه ابن القيم في تعليقه على سنن أبي داود (4/273) . وصححه الألباني في صحيح أبي داود (925)
قال في عون المعبود:
وَإِنَّمَا خَصَّ يَوْم الْجُمُعَة لأَنَّ يَوْمَ الْجُمُعَة سَيِّدُ الأَيَّام وَالْمُصْطَفَى سَيِّدُ الأَنَام , فَلِلصَّلاةِ عَلَيْهِ فِيهِ مَزِيَّةٌ لَيْسَتْ لِغَيْرِهِ اهـ.
ومع هذه الفضائل والعبادات نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تخصيص يوم الجمعة أو ليلتها بعبادة لم ترد عن الشرع.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تَخْتَصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي، وَلا تَخُصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الأَيَّامِ، إِلا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ) . رواه مسلم (1144) .
قال الصنعاني في سبل السلام:
الحديث دليل على تحريم تخصيص ليلة الجمعة بالعبادة، وتلاوة غير معتادة إلا ما ورد به النص على ذلك كقراءة سورة الكهف. . . اهـ
وقال النووي:
وَفِي هَذَا الْحَدِيث النَّهْي الصَّرِيح عَنْ تَخْصِيص لَيْلَة الْجُمُعَة بِصَلاةٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِيِ , وَيَوْمِهَا بِصَوْمٍ. وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَى كَرَاهِيَته اهـ.
وقال أيضاً:
قَالَ الْعُلَمَاء: وَالْحِكْمَة فِي النَّهْي عَنْ تخصيصه بالصيام: أَنَّ يَوْم الْجُمُعَة يَوْم دُعَاء وَذِكْرٍ وَعِبَادَةٍ: مِنْ الْغُسْل وَالتَّبْكِير إِلَى الصَّلاة وَانْتِظَارهَا وَاسْتِمَاع الْخُطْبَة وَإِكْثَار الذِّكْر بَعْدَهَا ; لِقَوْلِ اللَّه تَعَالَى: (فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاةُ فَانْتَشَرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا) وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْعِبَادَات فِي يَوْمهَا , فَاسْتُحِبَّ الْفِطْر فِيهِ , فَيَكُون أَعْوَنَ لَهُ عَلَى هَذِهِ الْوَظَائِ وَأَدَائِهَا بِنَشَاطٍ وَانْشِرَاحٍ لَهَا , وَالْتِذَاذٍ بِهَا مِنْ غَيْر مَلَلٍ وَلا سَآمَةٍ , وَهُوَ نَظِير الْحَاجّ يَوْم عَرَفَة بِعَرَفَةَ , فَإِنَّ السُّنَّة لَهُ الْفِطْر لِهَذِهِ الْحِكْمَة. . . فَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَد فِي الْحِكْمَة فِي النَّهْي عَنْ إِفْرَاد صَوْم الْجُمُعَة.
وَقِيلَ: سَبَبه خَوْف الْمُبَالَغَة فِي تَعْظِيمه , بِحَيْثُ يُفْتَتَن بِهِ كَمَا اُفْتُتِنَ قَوْمٌ بِالسَّبْتِ , وَهَذَا ضَعِيفٌ مُنْتَقَضٌ بِصَلاةِ الْجُمُعَة وَغَيْرهَا مِمَّا هُوَ مَشْهُور مِنْ وَظَائِف يَوْم الْجُمُعَة وَتَعْظِيمه.
وَقِيلَ: سَبَب النَّهْي لِئَلا يُعْتَقَد وُجُوبُهُ , وَهَذَا ضَعِيف مُنْتَقَضٌ بِيَوْمِ الاثْنَيْنِ فَإِنَّهُ يُنْدَبُ صَوْمُهُ وَلا يُلْتَفَتُ إِلَى هَذَا الاحْتِمَال الْبَعِيد , وَبِيَوْمِ عَرَفَة وَيَوْم عَاشُورَاء وَغَيْر ذَلِكَ , فَالصَّوَاب مَا قَدَّمْنَا اهـ.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1986)
من السنة استقبال الخطيب بالوجه والنظر إليه
[السُّؤَالُ]
ـ[في خطبة الجمعة ينظر بعض المصلين إلى الخطيب وبعضهم ينظر أمامه وبعضهم ينظر على الأرض وبعضهم يغمض عينه، فهل هناك سنة معينة لهذا الموضوع؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جاء في الحديث الصحيح عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صعد المنبر، أقبلنا بوجوهنا إليه.
السلسلة الصحيحة للألباني رقم 2080
وعن أبان بن عبد الله البجلي قال: رأيت عدي بن ثابت يستقبل الإمام بوجهه إذا قام يخطب، فقلت له: رأيتك تستقبل الإمام بوجهك؟ قال: رأيت أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يفعلونه.
وعن عبد الله بن مسعود قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استوى على المنبر استقبلناه بوجوهنا) . أخرجه الترمذي، وقال: " وفي الباب عن ابن عمر، ومحمد بن الفضل ذاهب الحديث، والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم، يستحبون استقبال الإمام إذا خطب، وهو قول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق.
وعن يحيى بن سعيد الأنصاري قال: (السنة إذا قعد الإمام على المنبر يوم الجمعة، يقبل عليه القوم بوجوههم جميعاً)
وعن نافع: (أن ابن عمر كان يفرغ من سبحته يوم الجمعة قبل خروج الإمام، فإذا خرج لم يقعد الإمام حتى يستقبله)
وقد جمع الألباني رحمه الله تعالى هذه الأحاديث في السلسلة الصحيحة رقم 2080 وعلّق عليها.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر وجلسنا حوله ... ) أخرجه البخاري 921.
وقد أورد البخاري الحديث في " باب يستقبل الإمام القوم، واستقبال الناس الإمام إذا خطب، واستقبل ابن عمر وأنس رضي الله عنهم الإمام ".
قال الحافظ في الفتح (2/402) :
" وقد استنبط المصنف من الحديث مقصود الترجمة، ووجه الدلالة منه أن جلوسهم حوله لسماع كلامه يقتضي نظرهم إليه غالباً، ولا يعكر على ذلك ما تقدم من القيام في الخطبة، لأن هذا محمول على أنه كان يتحدث وهو جالس على مكان عال وهم جلوس أسفل منه، وإذا كان في غير حال الخطبة كان حال الخطبة أولى؛ لورود الأمر بالاستماع لها، والإنصات عندها ".
قال:
" ومن حكمة استقبالهم للإمام التهيؤ لسماع كلامه، وسلوك الأدب معه في استماع كلامه، فإذا استقبله بوجهه وأقبل عليه بجسده وبقلبه وحضور ذهنه؛ كان أدعى لتفهم موعظته، وموافقته فيما شُرع له القيام لأجله ". والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1987)
حكم صلاة السجناء جمعة وهم في عنابرهم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم صلاة السجناء جمعة وجماعة خلف إمام واحد يتقدمهم، وهم في عنابرهم بواسطة مكبر الصوت؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أفتى مجلس هيئة كبار العلماء بعدم الموافقة على جمع السجناء على إمام واحد في صلاة الجمعة والجماعة وهم داخل عنابر السجن يقتدون به بواسطة مكبر الصوت، لعدم وجوب صلاة الجمعة عليهم حيث لا يمكنهم السعي إليها، ولأسباب أخرى.
لكن من أمكنه الحضور لأداء صلاة الجمعة في مسجد السجن إذا كان فيه مسجد تقام فيه صلاة الجمعة صلاها مع الجماعة، وإلا فإنها تسقط عنه ويصليها ظهراً، وكل مجموعة تصلي الصلوات الخمس جماعة داخل عنابرهم إذا لم يمكن جمعهم في مسجد أو مكان واحد.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - ج/12 ص/345.(5/1988)
هل يشترط أن يكون الإمام واحدا وأن يكون هو الخطيب
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد عشت في الولايات المتحدة حوالي سبع سنوات وقد قضيت جميع تلك السنوات في لاس فيجاس. وفي كل جمعة كان يقدم الخطبة إمام مختلف. سؤالي هو في حي يبلغ تعداد سكانه 6000 نسمة وربما أكثر، فهل من المناسب أن يكون للمسجد إمام مختلف كل جمعة أم يجب على المسجد أن يوظف إماما ثابتا، خاصة إذا كان المسجد قادرا على توظيف إمام ثابت؟ إذا كان الإمام ثابتا فلن يحتاج المرء للذهاب إلى أماكن بعيدة من أجل الحصول على إجابات على ما يكون لديه من استفسارات. جزاكم الله خيرا على ما تقدمونه من خدمة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1. إذا كان المسجد يُمكن أن يقوم به إمام واحد وليس من المساجد الضخمة التي تحتاج إلى تعاون أكثر من إمام أو كان هناك شخص متفرّغ للإمامة وكانت لديكم القدرة المالية على سدّ حاجته أو وُجد من يتبرّع لأداء المهمة فإنّ تثبيت إمام واحد وخطيب للمسجد فيه فوائد عديدة منها:
أ. الخطيب الثابت أقدر على التعرف على مشكلات الناس، وبالتالي المشاركة في حلها، وأن يكون مرجع أهل المسجد وقائدهم، والناس إذا علموا برجوعه جمعة أخرى حثهم ذلك على طرح ما عندهم من مسائل ومشكلات.
ب. ومن الفوائد كذلك التي تعود على الناس سماعهم لأشياء مفيدة يحتاج الكلام عليها إلى سلسلة من الخطب كتفسير سورة الفاتحة - مثلاً - أو علامات الساعة أو الغزوات أو تعليم الصلاة، وهذه السلسلة لا يقوم بها في الغالب إلا إمام واحد بخلاف الخطباء متجددين.
ت. ومنها: سماع الناس لأشياء جديدة في كل أسبوع، فالخطيب الثابت لا يعيد المواضيع التي سبق وأن خطب عنها قريبا لئلا يملّ الناس، بل يجدّد لهم الموضوعات في كل أسبوع، بخلاف الخطباء المتغيرين، فقد يسمع الناس منهم مواضيع متشابهة متكررة، وهو ما يضيع عليهم وقتاً يمكن الاستفادة منه أكثر.
ث. وكون الخطيب هو الإمام نفسه أحسن لأنّه تجتمع عنده الأمور ومشكلات أهل مسجده وقد يحدث في خلال الأسبوع من الحوادث لأهل الحيّ وجماعة المسجد ما يستدعي أن يعلّق عليه أو يتكلم حوله في خطبة الجمعة.
ج. ومنها: موافقة هدي النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء من بعده حيث كان هو الإمام والخطيب الثابت.
2. وينبغي الانتباه البالغ والاهتمام الشديد بأن يكون الإمام مِن أهل السنة وعلى منهجهم في الاعتقاد، وهو الذي ينفعكم في دينكم، ومن عداه من أهل البدع فهو ضار بكم، ومضلل لكم.
3. ويضاف إلى كونه على عقيدة سليمة أن يكون صاحب علم تسمعون منه شيئاً نافعاً في الدروس والخطب.
4. ولا مانع من تكوين لجنة فيها بعض طلبة العلم لاختيار إمام وخطيب، فالناس إذا كان ميزانهم العاطفة لن يستطيعوا التمييز بين النافع والضار.
5. هذا، ولا يلزم أن يكون الإنسان موفّقا في الإمامة والخطابة معاً، فكم من قارئ مشهور جاهل بأحكام الشرع، وكم من خطيب مفوَّه لا يتقن أحكام سجود السهو، وكم من طالب علم لا يحسن الخطابة ومواجهة الناس.
فإذا دعت الحاجة إلى أن يكون الإمام غير الخطيب فلا بأس بذلك وكذلك إذا كانت أحوال الجالية المسلمة لا تسمح بأن يتفرّغ شخص واحد للقيام بمهمات الإمامة والخطابة لظروف الدراسة والعمل فلا مانع من أن يتناوب مجموعة من المؤهلين فيهم على الإمامة والخطابة وأن يُعمل جدول دقيق لذلك حتى لا تضيع المسئوليات ويحدث فراغ يخلّ برسالة المسجد، نسأل الله أن يوفقنا وإياكم للخير وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1989)
هل تقام صلاة الجمعة في دار الحرب؟ أو دار الكفر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لو قلنا إن بلداً من البلاد دار حرب أو دار كفر، فهل تجب الجمعة فيها؟ أو بمعنى آخر هل يجب أن نجمع لصلاة الجمعة في دار الحرب أو الكفر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فرض الله تعالى صلاة الجمعة على المسلمين المستوطنين في مدينة أو قرية، ونهى عن التشاغل عنها ببيع أو شراء أو نحوهما، لعموم قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون) الجمعة/9، ولما ثبت من حديث عبد الله بن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهم، أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على أعواد منبره: (لينتهن أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين) مسلم 2/591. ولإجماع الأمة على ذلك وليس في الشريعة دليل صحيح يدل على اختصاص افتراضها بدار الإسلام دون دار الحرب فوجب على المسلمين المستوطنين في دار الكفر أن يؤدوا صلاة الجمعة إذا توافرت شروطها عملاً بعموم نصوص الكتاب والسنة الدالة على أنها فرض عين على المسلمين بشروطها المعتبرة شرعاً.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 8/186(5/1990)
مقدار الوقت بين أذان الجمعة الأول والثاني
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الوقت الذي يفصل بين أذان الجمعة الأول والثاني؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" الوقت الذي يفصل بين أذان الجمعة الأول والثاني هو الوقت الكافي للناس في أن يتهيؤوا لصلاة الجمعة ويذهبوا، وقد أمر به عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه في خلافته لما كثر الناس في المدينة، أمر من ينادي على مكان يقال له (الزوراء) في المدينة حتى ينتبه الناس وينتهوا من بيعهم وشرائهم وأعمالهم الدنيوية ويتجهوا إلى صلاة الجمعة.
وأما الأذان الثاني؛ فهذا إنما يكون إعلاماً بدخول وقت الصلاة، وهو عند دخول الإمام وجلوسه على المنبر؛ كما كان في وقت النبي صلى الله عليه وسلم.
فعرفنا الغرض من الأذانين: أن الأذان الأول لتنبيه الناس للذهاب لصلاة الجمعة، ويكون في وقت متقدم ومبكر؛ بحيث يستطيع الناس أن يتهيؤوا ويذهبوا مبكرين لصلاة الجمعة. وأما الغرض من الأذان الثاني؛ فهو الإعلام بدخول الوقت، ويكون إذا حضر الخطيب وجلس على المنبر؛ كما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
ولا بد أن يكون بين الأذانين وقت حتى يكون للأذان الأول فائدة، أما أن يقرن الأذان الأول مع الثاني ولا يكون بينهما إلا وقت يسير؛ كما يعمل هذا في بعض البلاد؛ فهذا يلغي الفائدة من الأذان الأول، ولم يكن هذا هو الذي قصده عثمان رضي الله عنه حينما أمر به، ولا يكون له فائدة ".
"المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (2 / 101) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1991)
تحديد وقت عيد الفطر والأضحى ينبني على رؤية الهلال
[السُّؤَالُ]
ـ[لدى سؤال يتعلق بموعد الأعياد فأنا على علم بأن عيد الفطر يعقب شهر رمضان وبأن هناك خلافاً دائماً بين المسلمين حول هذا اليوم (يحتفل به البعض بعد اليوم التاسع والعشرين بينما يحتفل به الآخرون بعد الثلاثين من الشهر) ولكن بخصوص عيد الأضحى, هل يتفق هذا اليوم مع مايقوم به الحجاج فى مكة أم يمكن الاختلاف في هذا اليوم بحسب اختلاف البلد التي يوجد بها كل فرد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
اختلاف المسلمين في تحديد أول شهر رمضان، وتحديد وقت عيد الفطر، راجع إلى اختلاف الفقهاء في مسألة مشهورة، وهي هل رؤية الهلال في بلد تلزم جميعَ البلدان، أم لكل بلد رؤيته، وهذا ينطبق أيضا على تحديد وقت عيد الأضحى.
وهي من المسائل الاجتهادية، وقد استدل كل فريق من العلماء بأدلة، وربما استدل الفريقان بالنص الواحد، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (1248) .
القول بأنه إذا رؤي الهلال في بلد لزم جميع البلدان هو مذهب جمهور العلماء، وقد اختاره الشيخ ابن باز رحمه الله، كما في مجموع الفتاوى (15/77)
والقول باعتبار اختلاف المطالع هو الأصح عند الشافعية، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية واختاره من المعاصرين الشيخ ابن عثيمين، وقد سبق نقل فتواه في جواب السؤال رقم (40720) .
ثانياً:
ينبني على هذا الخلاف اختلاف المسلمين في عيد الفطر وعيد الأضحى من غير فرق بينهما،
قال الشيخ ابن باز رحمه الله بعد أن ذكر اختلاف العلماء في العمل باختلاف المطالع من دخول الشهر وخروجه:
" والذي يظهر لي أن اختلافها لا يؤثر، وأن الواجب هو العمل برؤية الهلال صوماً وإفطاراً وتضحية متى ثبتت رؤيته ثبوتاً شرعياً في أي بلد ما..
ثم قال: وإذا قلنا باعتبار اختلاف المطالع في الحكم أو لم نَقُلْ به، فالظاهر أن الحكم في رمضان والأضحى سواء، لا فرق بينهما فيما أعلمه من الشرع " انتهى.
مجموع فتاوى ابن باز (15/79)
وفي فتوى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله المشار إليها آنفاً ذَكَر أن اختلاف المطالع يُعمَل به في عيد الأضحى كما يُعمل به في دخول شهر رمضان وخروجه.
وعلى هذا فلا إشكال في أن عيد الأضحى يكون في بلد يوم الجمعة، ويكون في بلد آخر يوم السبت، وهكذا، بناء على تعدد الرؤية واختلافها.
ومثل هذا يقال في صوم رمضان، وفي صوم عرفة، وصوم عاشوراء، لأنها مسائل مترتبة على رؤية الهلال والحكم بدخول الشهر أو عدم دخوله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1992)
حكم إقامة صلاة الظهر بعد الجمعة
[السُّؤَالُ]
ـ[بلدة فيها نحو من خمسة وثلاثين مسجداً تؤدى فيها صلاة الجمعة فإذا فرغ المصلون من الجمعة صلوا بعدها الظهر، فهل هذا الفعل جائز أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد علم من الدين بالضرورة وبالأدلة الشرعية أن الله سبحانه لم يشرع يوم الجمعة في وقت الظهر إلا فريضة واحدة في حق الرجال المقيمين المستوطنين الأحرار المكلفين وهي صلاة الجمعة، فإذا فعل المسلمون ذلك فليس عليهم فريضة أخرى لا الظهر ولا غيرها بل صلاة الجمعة هي فرض الوقت، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم والسلف الصالح بعدهم لا يصلون بعد الجمعة فريضة أخرى، وإنما حدث هذا الفعل الذي أشرتم إليه بعدهم بقرون كثيرة ولا شك أنه من البدع المحدثة التي قال فيها النبي عليه الصلاة والسلام: (إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) . رواه أبو داود/3991.
وقال عليه الصلاة والسلام: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) رواه البخاري ومسلم، ولا شك أن صلاة الظهر بعد الجمعة أمر محدث ليس عليه أمره صلى الله عليه وسلم فيكون مردوداً ويدخل في البدع والضلالات التي حذر منها المصطفى صلى الله عليه وسلم، وقد نبه أهل العلم على ذلك وممن نبه عليه الشيخ جمال الدين القاسمي في كتابه: (إصلاح المساجد من البدع والعوائد) والشيخ العلامة محمد أحمد عبد السلام في كتابه: (السنن والمبتدعات) ، فإن قال قائل: إنما نفعل ذلك احتياطاً وخوفاً من عدم صحة الجمعة، فالجواب: أن يقال لهذا القائل: إن الأصل هو صحة الجمعة وسلامتها وعدم وجوب الظهر بل وعدم جوازها في وقت الجمعة لمن عليه فرض الجمعة، والاحتياط إنما يشرع عند خفاء السنة ووجود الشك والريب، أما في مثل هذا فليس المقام مقام شك بل نعلم بالأدلة أن الواجب هو صلاة الجمعة فقط فلا يجوز غيرها بدلاً منها ولا مضموماً إليها على أنه عمل يقصد منه الاحتياط لصحتها، وإيجاد شرع جديد لم يأذن به الله، وصلاة الظهر في هذا الوقت مخالف للأدلة الشرعية المعلومة من الدين بالضرورة فوجب أن يترك ويحذر، وليس لفعله وجه يعتمد عليه، بل ذلك من وساوس الشيطان التي يمليها على الناس حتى يصدهم بها عن الهدى، ويشرع لهم ديناً لم يأذن به الله كما زين لبعضهم الاحتياط في الوضوء حتى عذبه في الطهارة وجعله لا يستطيع الفراغ منها كلما كاد أن يفرغ منها وسوس له أنها لم تصح وأنه لم يفعل كذا ولم يفعل كذا، وهكذا فعل ببعضهم في الصلاة إذا كبر للصلاة وسوس إليه أنه لم يكبر فلا يزال يوسوس له أنه لم يكبر ولا يزال الرجل يكبر التكبيرة بعد التكبيرة حتى تفوت الركعة الأولى أو القراءة فيها أو غالبها وهذا من كيد الشيطان ومكره وحرصه على إبطال عمل المسلم وتلبيس دينه عليه، نسأل الله السلامة لنا ولسائر المسلمين والعافية من مكائده ووساوسه إنه سميع قريب.
والخلاصة:
أن صلاة الظهر بعد الجمعة بدعة وضلالة وإيجاد شرع لم يأذن به الله فالواجب تركه والحذر منه وتحذير الناس منه والاكتفاء بصلاة الجمعة، كما درج على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بعده والتابعون بإحسان إلى يومنا هذا وهو الحق الذي لا ريب فيه، وقد قال الإمام مالك بن أنس رحمة الله عليه: (لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها) . وهكذا قال الأئمة بعده وقبله.. والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - ج/12 ص/363.(5/1993)
حكم ترك الجمعة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي عقوبة عدم حضور صلاة الجمعة؟ وما هي الأحاديث الدالة على ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ترك الجمعة ممن تجب عليه من غير عذر كبيرة من كبائر الذنوب. ومن ترك ثلاث جمعٍ تهاوناً طُبع على قلبه وكان من الغافلين، كما روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة، وابن عمر رضي الله عنهما، أنهما سمعا النبي عليه الصلاة والسلام يقول على أعواد منبره: " لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكونن من الغافلين "، وفي حديثٍ آخر " من ترك ثلاث جمع تهاونا طبع على قلبه ". وهذه عقوبة قلبية، وهي أشدُّ من العقوبة الجسدية بالسجن أو الجلد، وعلى وليِّ الأمر أن يعاقب المتخلفين عن صلاة الجمعة بلا عذر، بما يكون رادعاً لهم عن جريمتهم، فليتق الله كل مسلم أن يضيع فريضة من فرائض الله، فيعرض نفسه لعقاب الله، وليحافظ على ما أو جب الله عليه ليفوز بثواب الله، والله يؤتي فضله من يشاء.
[الْمَصْدَرُ]
كتبه فضيلة الشيخ عبد الرحمن البراك.(5/1994)
هل يُمكن مقاطعة خطيب الجمعة أثناء الخطبة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تجوز المقاطعة والتشويش ساعة الجمعة؟ ما هي الأسباب التي تبيح هذا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: الكلام يوم الجمعة والخطيب يخطب على المنبر حرام وفاعل ذلك آثم عاصٍ حتى ولو كان كلامه في ذكر الله في تلك الساعة.
فالجمعة سكون وسكوت ويجب أن يخشع المصلي بقلبه وجوارحه لما تشمله من الوعظ والعلم الذي يحتاج إليه عوام الناس فلا يجوز الحديث حتى ولو كان انشغاله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو من أوسع الواجبات المأمور بها حتى ولو كان بكلمة (صه) أو كلمة (انصت) والأدلة على ذلك كما يلي:
عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا قلت لصاحبك والإمام يخطب يوم الجمعة أنصت فقد لغوت ". رواه البخاري (892) ومسلم (851) .
فانظر- رحمك الله - حتى قولك للرجل أنصت وهو أمر بالمعروف ونهي عن المنكر: عدَّه الشارع لغواً يحرم ساعة الجمعة.
بل الأمر أشد من ذلك فاسمع إلى الحديث الذي بعده.
عن أبي الدرداء قال: جلس النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر وخطب الناس وتلا آية وإلى جنبي أُبيّ بن كعب فقلت له: يا أُبيّ متى أنزلت هذه الآية؟ فأبى أن يكلمني ثم سألته فأبى أن يكلمني حتى نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي أبيٌّ: مالك من جمعتك إلا ما لغوت، فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم جئته فأخبرته فقال " صدق أُبيّ إذا سمعت إمامك يتكلم فأنصت حتى يفرغ ". رواه ابن ماجه (1111) ، وأحمد (20780) . وصححه البوصيري والشيخ الألباني في " تمام المنة " (ص 338) .
فالسؤال عن الآية يوم الجمعة تحبط من أجر الجمعة فكيف من يتحدث عن تجارته وزراعته وأمور دنياه، ومن غفلة بعض الناس أنه يجعل الخطبة ساعة للنوم فلا يطيب له أن ينام إلا في ساعة الجمعة.
بل إن تشميت العاطس أو رد السلام في ساعة الجمعة غير جائز، يقول الشيخ الألباني عن هذا: (إذاً حكمهما - يعني تشميت العاطس ورد السلام - في الأصل واحد، إما السنة كما في كلام الشافعي أو الوجوب كما هو الراجح عند كثير من العلماء فينبغي التسوية بينهما في المنع أو الجواز، وفي ذلك عند الشافعية ثلاثة وجوه، ذكرها النووي في المجموع) .
وقال: الصحيح المنصوص تحريم تشميت العاطس كرد السلام.
قلت وهذا هو الأقرب لما ذكرته في "الضعيفة" تحت الحديث (5665) .
تمام المنة (ص 339) .
وكذلك سائر الأذكار من الاستغفار أو التسبيح وغيرها لا يجهر بها مع كونها من الذّكْر.والخطبة من ذكر الله لقوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله} [سورة الجمعة /9] .
والسعي المأمور به يشمل الخطبة والصلاة فكلاهما ذكر لله، وذكر الله من تسبيح وغيره يكون سنة ووقته موسع أما الخطبة والسماع لها فذكر واجب ووقتها ضيق فالانشغال بها يُقدّم على الانشغال بغيرها من الطاعات.
وكذلك التأمين على دعاء الخطيب والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إذا مرّ ذكْره في الخطبة يكون سرا من المأمومين ولا يجهرون به.
ثانياً: المنع من الحديث والذكر يكون حال كون الخطيب يخطب على المنبر، أما وجود الخطيب على المنبر دون أن يخطب فلا حرمة في الكلام وذكر الله لأنه كما جاء في الحديث السابق (والإمام يخطب….)
فقيّدها بحالة كون الإمام يخطب.
وأما حديث: (إذا صعد الخطيب المنبر فلا صلاة ولا كلام) : فهو حديث باطل لا أصل له. السلسلة الضعيفة (87) .
ثالثاً:- الأسباب التي تبيح الكلام أو الحركة والخطيب يخطب على المنبر:
إذا عرضت للمصلي حاجة لا يستطيع دفعها كالنعاس أو قضاء الحاجة أو وجع يحتاج فيه إلى حركة وعدم سكون والدليل على ذلك حديث: " إذا نعس أحدكم في المسجد يوم الجمعة فليتحول من مجلسه ذلك إلى غيره ". رواه أبو داود (1119) والترمذي (526) . وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة (468) .
وزاد البيهقي وهي (والإمام يخطب) وصححها الألباني أيضاً
ويجوز له أن يصنع ما يباح في الصلاة كإرشاد الأعمى خشية السقوط أو ما لا بد له من ضرورات الحياة التي قد تؤدي إلى الهلاك أو فوات مصلحة عظيمة كطلب المصلين من الإمام أن يستسقي لهم.
عن أنس بن مالك قال: أن رجلاً دخل المسجد يوم الجمعة من باب كان نحو دار القضاء ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً، ثم قال:- يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله أن يغيثنا فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه … رواه البخاري (967) ومسلم (897) .
ويجوز للمأموم أن يصحّح للخطيب آية أخطأ فيها ويفتح عليه إذا احتاج وهو على المنبر، وكذلك يجوز الردّ على الخطيب إذا قرّر الشِّرْك والبدعة والمنكر أثناء الخطبة ما لم يؤدِّ ذلك إلى حدوث فتنة أو منكر أشدّ في المسجد فينئذ يؤجّل الإنكار إلى ما بعد الخطبة فيقوم ويبيّن، وإّذا قال الخطيب كلاما باطلا لم يجب الإنصات له كما ورد أنّ بعض السّلف كانوا يتكلمون عندما كان الحجاج الظالم يلعن عليا رضي الله عنه على المنبر ويقولون: إنا لم نؤمر أن ننصت لهذا.
- تجوز صلاة تحية المسجد بل يؤمر بها، وإن كان الخطيب على المنبر يخطب.
لحديث جابر بن عبد الله قال جاء رجل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس يوم الجمعة فقال أصليت يا فلان؟ قال: لا، قال: قم فاركع ركعتين. رواه البخاري (888) ومسلم (875) .
وإذا رأى شخص آخر يتكلّم فلا يجوز له أن يُسْكته بالقول كما تقدّم ولكن يُمكن أن يشير إليه بالصّمت إشارة كأن يضع أصبعه على شفتيه. والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1995)
ماذا يفعل من أدرك التشهد في صلاة الجمعة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا على المسلم الذي لم يدرك من صلاة الجمعة إلا التشهد أن يفعل؟
وفي حالة ما إذا مُنع المسلم من حضور الصلاة أو تأخر عنها بسبب خارج عن إرادته، كأن تتعرض الحافلة التي يستقلها للعطل، فهل يكون عليه ذنب في ذلك؟ هل يفقد كل الأجر الذي كان من المتوقع أن يحصل عليه ولحظات استجابة الدعاء؟ .. وما إلى ذلك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إدراك صلاة الجمعة لا يكون إلا بإدراك ركعة مع الإمام، وإدراك الركعة يكون بإدراك الركوع مع الإمام، فإذا أدرك الإمام قبل الرفع من الركوع في الركعة الثانية فإنه يكون قد أدرك الصلاة، وحينئذ يتم صلاته بعد سلام الإمام، فيقوم ويصلي الركعة التي بقيت من صلاته.
وأما إذا أدرك الإمام بعد الرفع من الركوع من الركعة الثانية فإنه يكون قد فاتته صلاة الجمعة ولم يدركها وحينئذ فإنه يصليها ظهراً فيقوم بعد سلام الإمام ويتم صلاته أربع ركعات على أنها صلاة الظهر لا الجمعة. وهذا هو مذهب جمهور العلماء مالك والشافعي وأحمد رحمهم الله، انظر المجموع للنووي (4/558) واستدلوا بعدة أدلة منها:
1- قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) البخاري (580) ومسلم (607) .
2- ما رواه النسائي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من الجمعة أو غيرها فليضف إليها أخرى وقد تمت صلاته) .صححه الألباني في الإرواء (622)
وإذا لم يدرك الإنسان الصلاة لعذر خارج عن إرادته - كتعطل الحافلة كما ذكر السائل ونحو ذلك من الأعذار كالنوم والنسيان - فإنه لا حرج ولا ذنب عليه حينئذ، لقول الله تعالى: (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم) الأحزاب / 5. ومثل هذا لم يتعمد إضاعة الصلاة.
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) رواه ابن ماجه وصححه الألباني في الإرواء (82) .
وفي هذه الحال إذا كان صادقا في عزمه على الصلاة لولا العذر، فإنه يكون له الأجر كاملاً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) البخاري (1) ، ومسلم (1907) . ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه وهو راجع من غزوة تبوك: (إِنَّ بِالْمَدِينَةِ لَرِجَالا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلا شَرِكُوكُمْ فِي الأَجْرِ، حَبَسَهُمْ الْمَرَضُ) مسلم (1911) . والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1996)
هل يجهر المسبوق في إتيانه بركعة الجمعة التي فاتته
[السُّؤَالُ]
ـ[من أدرك ركعة من صلاة الجمعة، ثم قام ليقضي ما عليه، هل يجهر بالقراءة أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: بَلْ يُخَافِتُ بِالْقِرَاءةِ وَلا يَجْهَرُ ; لأَنَّ الْمَسْبُوقَ إذَا قَامَ يَقْضِي فَإِنَّهُ مُنْفَرِدٌ فِيمَا يَقْضِيهِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُنْفَرِدِ، وَهُوَ فِيمَا يُدْرِكُهُ فِي حُكْمِ الْمُؤْتَمِّ ; وَلِهَذَا يَسْجُدُ الْمَسْبُوقُ إذَا سَهَا فِيمَا يَقْضِيهِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْمَسْبُوقُ إنَّمَا يَجْهَرُ فِيمَا يَجْهَرُ فِيهِ الْمُنْفَرِدُ، فَمَنْ كَانَ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَذْهَبُهُ أَنْ يَجْهَرَ الْمُنْفَرِدُ فِي الْعِشَاءَيْنِ وَالْفَجْرِ، فَإِنَّهُ يَجْهَرُ إذَا قَضَى الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ , وَمَنْ كَانَ مَذْهَبُهُ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ لا يَجْهَرُ فَإِنَّهُ لا يَجْهَرُ الْمَسْبُوقُ عِنْدَهُ. وَالْجُمُعَةُ لا يُصَلِّيهَا أَحَدٌ مُنْفَرِدًا، فَلا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَجْهَرَ فِيهَا الْمُنْفَرِدُ. وَالْمَسْبُوقُ كَالْمُنْفَرِدِ فَلا يَجْهَرُ، لَكِنَّهُ مُدْرِكٌ لِلْجُمُعَةِ ضِمْنًا وَتَبَعًا، وَلا يُشْتَرَطُ فِي التَّابِعِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الْمَتْبُوعِ، وَلِهَذَا لا يُشْتَرَطُ لِمَا يَقْضِيهِ الْمَسْبُوقُ الْعَدَدُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ. لَكِنْ مَضَتْ السُّنَّةُ أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاةَ فَهُوَ مُدْرِكٌ لِلْجُمُعَةِ , كَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْفَجْرِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَإِنَّهُ مُدْرِكٌ، وَإِنْ كَانَتْ بَقِيَّةُ الصَّلاةِ فُعِلَتْ خَارِجَ الْوَقْتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الفتاوى الكبرى لابن تيمية ج2: كتاب الجمعة.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1997)
العدد الذي تقوم به الجمعة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو أقل عدد من المصلين يلزم لإقامة صلاة الجمعة خلف إمام؟ لقد سمعت آراء مختلفة حول هذا الموضوع فقد قال بعض الإخوة أنه يلزم وجود 40 مصليا, بينما قال غيرهم 2 فقط. وقد قال مصدر آخر أن 2 يشكلون جماعة. هلا وضحت لي الأمر.
وجزاك الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء السؤال التالي:
(كم عدد الرجال الذين يشترط وجودهم لصحة صلاة الجمعة، من أجل أن بعض الناس قالوا: لاتصح إلا بأربعين رجلا، فإذا نقصوا واحدا صلوها ظهرا؟
الجواب: إقامة الجمعة واجبة على المسلمين في قراهم يوم الجمعة ويشترط في صحتها الجماعة. ولم يثبت دليل شرعي على اشتراط عدد معين في صحتها، فيكفي لصحتها إقامتها بثلاثة فأكثر، ولا يجوز لمن وجبت عليه أن يصلي مكانها ظهرا من أجل نقص العدد عن أربعين على الصحيح من أقوال العلماء. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم)
[الْمَصْدَرُ]
. فتاوى اللجنة الدائمة ج8 ص178.(5/1998)
ترجمة خطبة الجمعة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن يلقي الإمام الخطبة يوم الجمعة باللغة الإنجليزية إذا كان أكثر الحاضرين لا يفهمون اللغة العربية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ذهب بعض أهل العلم إلى منع ترجمة الخطب المنبرية في يوم الجمعة والعيدين باللغات الأعجمية، رغبة منهم رحمهم الله في بقاء اللغة العربية والمحافظة عليها والسير على طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأصحابه رضي الله عنهم في إلقاء الخطب باللغة العربية في بلاد العجم وغيرها، وتشجيعا للناس على تعلم اللغة العربية والعناية بها.
وذهب آخرون من أهل العلم إلى جواز ترجمة الخطب باللغة العجمية إذا كان المخاطبون أو أكثرهم لا يعرفون اللغة العربية نظراً للمعنى الذي من أجله شرع الله الخطبة وهو تفهيم الناس ما شرعه الله لهم من الأحكام وما نهاهم عنه من المعاصي، وإرشادهم إلى الأخلاق الكريمة والصفات الحميدة وتحذيرهم من خلافها، ولاشك أن مراعاة المعاني والمقاصد أولى وأوجب من مراعاة الألفاظ، لا سيما إذا كان المخاطبون لا يهتمون باللغة العربية ولا تؤثّر فيهم خطبة الخطيب ولا يدفعهم ذلك إلى تعلّم اللغة العربية والحرص عليها، (وخصوصا في هذا الوقت الذي تخلّف فيه المسلمون وتقدّم غيرهم انتشرت لغة الغالب وانحسرت لغة المغلوب في هذا العالم) .
وإذا كان المقصود من إيصال العلم والشّريعة إلى الناس لا يتحقّق عند غير العرب إلا إذا تُرجمت الخُطب إلى لغتهم فإنّ القول بجواز ترجمة الخطب باللغات السائدة بين المخاطبين التي يعقلون بها الكلام ويفهمون بها المراد أولى أحق بالإتباع، ولا سيما إذا كان عدم الترجمة يفضي إلى النزاع والخصام، فلا شك أن الترجمة والحالة هذه متعيّنة لحصول المصلحة بها وزوال المفسدة.
وإذا كان في المخاطبين من يعرف اللغة العربية فالمشروع للخطيب أن يجمع بين اللغتين فيخطب باللغة العربية ثم يعيدها باللغة الأخرى التي يفهمها الآخرون، وبذلك يجمع بين المصلحتين وتنتفي المضرة كلها وينقطع النزاع بين المخاطبين.
ويدل على ذلك من الشرع المطهر أدلة كثيرة، منها قوله عزّ وجلّ (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبيّن لهم) ، ومن ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم، أمر زيد بن ثابت أن يتعلم لغة اليهود ليكاتبهم بها ويقيم عليهم الحجة، كما يقرأ كتبهم إذا وردت ويوضح للنبي صلى الله عليه وسلم مرادهم، ومن ذلك أن الصحابة رضي الله عنهم لما غزوا بلاد العجم من فارس والروم لم يقاتلوهم حتى دعوهم إلى الإسلام بواسطة مترجمين، ولما فتحوا البلاد العجمية دعوا الناس إلى الله سبحانه باللغة العربية وأمروا الناس بتعلمها، ومن جهلها منهم دعوه بلغته وأفهموه المراد باللغة التي يفهمها فقامت بذلك الحجة، ولا شك أن هذا السبيل لا بد منه ولا سيما في آخر الزمان وعند غربة الإسلام وتمسّك كل قوم بلغتهم، فالحاجة للترجمة الآن ماسّة ولا يُمكن أن تتم للداعي دعوته إلا بذلك.
ويُراعي الخطيب ما هو الأصلح للحاضرين فإن كان الأنفع هو تجزئة الخُطبة بالعربية وترجمة كلّ جزء بعده حتى تكتمل الخطبة فعل ذلك، وإن كان الأنفع ترجمتها كلّها بعد الخطبة أو بعد الصلاة فعل ذلك والله تعالى أعلم.
الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى الجنة الدائمة 8/251-255.(5/1999)
ما حكم سجدة التلاوة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم سجدة التلاوة، وهل لها تسليم أم لا، إذا كان المرء تاليا وليس مصليا، وما دعاؤها، وهل إذا كان المرء مصليا وكانت سجدة التلاوة في نهاية السورة هل عليه بعد السجدة أن يقرأ ما تيسر من السورة التي بعدها أم يركع مباشرة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سجدة التلاوة سنة، ولم يرد نص في السلام منها، فليس على من سجدها سلام منها، وليس على من سجد لتلاوة آية سجدة في آخر سورة كـ: (الأعراف) و (النجم) و (اقرأ) وهو في الصلاة أن يقرأ قرآنا بعدها وقبل الركوع، وإن قرأ فلا بأس، ويقول في سجوده للتلاوة ما يقوله في سجوده للصلاة.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء(5/2000)
حكم توزيع الطيب على المصلين أثناء جلوس الخطيب على المنبر
[السُّؤَالُ]
ـ[عند دخول الإمام وجلوسه على المنبر هل هناك مبطلات للصلاة لأني مرة جلس بجانبي مسلم وأعطاني زجاجة عطر صغيرة وقال لي بالإشارة حط عليك العطر ووزعه على الذي بجانبك وهكذا بصراحة خفت قلت في نفسي ربما صلاتي باطلة آنذاك. وعند دخولي المسجد أصلى ركعتين، ولكن ماذا أفعل إذا أقيمت الصلاة وأنا في الركعة الأولى؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب على من حضر الجمعة أن يستمع وينصت للخطبة، ولا يجوز أن يتشاغل عنها بشيء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنْصِتْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْتَ) رواه البخاري (934) ومسلم (851) .
وقوله: (وَمَنْ مَسَّ الْحَصَى فَقَدْ لَغَا) رواه مسلم (857) .
قال النووي في "شرح مسلم":
"فِيهِ النَّهْي عَنْ مَسِّ الْحَصَى وَغَيْره مِنْ أَنْوَاع الْعَبَث فِي حَالَة الْخُطْبَة , وَفِيهِ إِشَارَة إِلَى إِقْبَال الْقَلْب وَالْجَوَارِح عَلَى الْخُطْبَة , وَالْمُرَاد بِاللَّغْوِ هُنَا الْبَاطِل الْمَذْمُوم الْمَرْدُود" انتهى.
وتوزيع العطر على المصلين وقت الخطبة يشغلهم عن الاستماع لها، فيشبه مس الحصى المذكور في الحديث.
وتحريم الكلام والعبث يوم الجمعة إنما هو إذا بدأ الخطيب في الخطبة حتى ينتهي منها.
أما عند الأذان وجلوس الإمام على المنبر فلا يحرم الكلام، وذلك لمفهوم الحديث المتقدم: (إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنْصِتْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْتَ) . فهو واضح أن تحريم الكلام إنما هو والإمام يخطب.
ولأن الناس كانوا في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا خرج عمر , وجلس على المنبر , وأذن المؤذنون , جلسوا يتحدثون , حتى إذا سكت المؤذنون , وقام عمر سكتوا , فلم يتكلم أحد. وبهذا قال الإمام أحمد ومالك والشافعي رحمه الله.
وانظر: "المغني" (2/86) .
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: متى يمتنع الإنسان في صلاة الجمعة عن مس الحصى والتسوك هل هو من صعود الإمام على المنبر أم من بداية الخطبة؟ لأني أشاهد كثيرا من الناس لا يتوقفون عن التسوك إلا بعد أن يبدأ الإمام في الخطبة، وبعضهم يستاك أثناء الخطبة؟
فأجاب: "السنة الإنصات إلى الخطبة وترك التسوك وسائر العبث من حين الشروع فيها إلى أن يفرغ منها، عملا بالأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك.
لكن من دخل المسجد والإمام يخطب فإنه يصلي تحية المسجد قبل أن يجلس.
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما) " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (12/336) .
وعليه، فلا حرج من توزيع العطر على المصلين قبل شروع الإمام في الخطبة، وأما إذا شرع فيها فالواجب الامتناع عن ذلك والإقبال على الاستماع والإنصات للخطبة.
ثانيا:
وأما إذا أقيمت الصلاة وأنت في الركعة الأولى من تحية المسجد أو السنة الراتبة، فإنك تقطع الصلاة وتدخل مع الجماعة.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (33582) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2001)
الصلاة على النبي أثناء خطبة الجمعة
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي مشكلة تؤرقني، أعلم بأننا يجب عندما نسمع ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن نقول صلى الله عليه وسلم، ولكنني أعلم كذلك أنه أثناء خطبة الجمعة يجب أن لا نتكلم وإلا ضاع علينا الأجر، فإذا ذكر الإمام رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم فماذا يجب علينا أن نفعل كمسلمين؟ هل نصلى عليه صلى الله عليه وسلم وقت ذكره أم نسرها في أنفسنا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الإمام أحمد: لا بأس أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم فيما بينه وبين نفسه. (المغني 2/165 وما بعدها)
وقالت اللجنة الدائمة:
(إذا صلى الخطيب على النبي صلى الله عليه وسلم فيصلي المستمع من غير رفع صوت) . (فتاوى اللجنة الدائمة 8/217)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
(إذا ذكر الخطيب النبي صلى الله عليه وسلم فإن المستمع يصلي عليه سراً، حتى لا يشوش على من حوله) ا. هـ مجموع فتاوى ابن عثيمين (16/166) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2002)
ماذا يفعل إذا كان لا يفهم شيئاً من خطبة الجمعة
[السُّؤَالُ]
ـ[أعيش الآن في أفريقيا ولا أستطيع أن أتحدث باللغة المحلية هنا، أثناء خطبة الجمعة لا افهم أي شيء منها، فماذا يجب علي أن أفعل أثناء الخطبة؟ هل أقرأ القرآن وأذكر الله؟ أم أجلس وأستمع لشيء لا افهمه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله إن استمعت ولو لم تفهم فأنت على خير إن شاء الله، ورخص بعض أهل العلم للذي لا يفهم لغة الخطبة أن يتشاغل بالذكر أو القراءة شريطة أن لا يشوّش على غيره ممّن يستمع الخطبة، والذي أميل إليه أنه عليه الاستماع ولو لم يفهم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الكريم الخضير(5/2003)
إلقاء الخطبة باللهجة العامية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز إلقاء خطبة الجمعة حسب اللهجات المحلية؟ أم أنه يجب أن تلقى باللغة العربية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
خطبة الجمعة عبادة لا تسوغ باللهجات العامية، لكن إذا لم يوجد من يحسن العربية فلا بأس أن تؤدى بما يفهمه الحاضرون. وإذا كان الحاضرون لا يفهمون العربية فلا مانع أن يترجم لهم بعد الصلاة ما يحتاجون إليه، أو يوضح لهم بلهجتهم ما تدعوا الحاجة إليه.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الكريم الخضير.(5/2004)
لا يصح جمع صلاة العصر مع الجمعة
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت مسافرا ونزلت في الطريق في إحدى القرى وصليت معهم صلاة الجمعة وبعد الصلاة قمت وصليت صلاة العصر أي جمعت الجمعة والعصر وكان معي بعض أصحابي فاعترض علي وقال لا يجوز جمع صلاة العصر مع الجمعة، فما حكم ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما قاله صاحبك صحيح، أن صلاة الجمعة لا تجمع مع صلاة العصر، وإنما ورد الشرع بجمع صلاة الظهر مع العصر، وصلاة المغرب مع العشاء.
وعلى هذا فعليك أن تعيد صلاة العصر التي جمعتها مع الجمعة لأنك قد صليتها قبل وقتها، والصلاة قبل وقتها باطلة لا تصح.
وقد فصَّل الشيخ ابن عثيمين حكم هذه المسألة فقال:
" لا يجوز جمع العصر إلى الجمعة في الحال التي يجوز فيها الجمع بين الظهر والعصر.
فلو مر المسافر ببلد وصلى معهم الجمعة لم يجز أن يجمع العصر إليها.
ولو نزل مطر يبيح الجمع – وقلنا بجواز الجمع بين الظهر والعصر للمطر – لم يجز جمع العصر إلى الجمعة. ولو حضر المريض الذي يباح له الجمع إلى صلاة الجمعة فصلاها لم يجز أن يجمع إليها صلاة العصر.
ودليل ذلك قوله تعالى: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) النساء/103. أي: مفروضاً لوقت معين , وقد بين الله تعالى هذا الوقت إجمالاً في قوله تعالى: (أ َقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً) الإسراء /78.
فـ (دلوك الشمس) زوالها , و (غسق الليل) اشتداد ظلمته , وهذا منتصف الليل. ويشمل هذا الوقت أربع صلوات: الظهر والعصر والمغرب والعشاء، جمعت في وقت واحد؛ لأنه لا فصل بين أوقاتها , فكلما خرج وقت صلاة كان دخول وقت الصلاة التي تليها، وفصل صلاة الفجر لأنها لا تتصل بها صلاة العشاء ولا تتصل بصلاة الظهر.
وقد بينت السنة هذه الأوقات بالتفصيل في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص , وجابر وغيرهما , وهو أن الظهر من زوال الشمس إلى أن يصير ظل كل شيء مثله , ووقت العصر من حين أن يصير ظل كل شيء مثله إلى غروب الشمس، لكن ما بعد اصفرارها وقت ضرورة , ووقت المغرب من غروب الشمس إلى مغيب الشفق الأحمر, ووقت صلاة العشاء من غروب الشفق الأحمر إلى نصف الليل , ووقت الفجر من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس , هذه حدود الله تعالى لأوقات الصلوات في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم.
فمن صلى صلاة قبل وقتها المحدد في كتاب الله تعالى وسنة رسوله فهو آثم وصلاته مردودة , لقوله تعالى: (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) البقرة / 229. ولقوله صلي الله عليه وسلم (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) . وكذلك من صلاها بعد الوقت لغير عذر شرعي.
فمن صلى الظهر قبل زوال الشمس فصلاته باطلة مردودة وعليه قضاؤها. ومن صلى العصر قبل أن يصير ظل كل شيء مثله فصلاته باطلة مردودة , وعليه قضاؤها إلا أن يكون له عذر شرعي يبيح له جمعها تقديماً إلى الظهر.
ومن صلى المغرب قبل غروب الشمس فصلاته باطلة مردودة , وعليه قضاؤها.
ومن صلى العشاء قبل مغيب الشفق الأحمر فصلاته باطلة مردودة , وعليه قضاؤها إلا أن يكون له عذر شرع يبيح له جمعها تقديماً إلى المغرب.
ومن صلى الفجر قبل طلوع الفجر فصلاته مردودة , وعليه قضاؤها. هذا ما يقتضيه كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم.
وعلى هذا فمن جمع صلاة العصر إلى صلاة الجمعة فقد صلاها قبل أن يدخل وقتها , وهو أن يصير ظل كل شيء مثله فتكون باطلة مردودة.
فإن قال قائل: أفلا يصح قياس جمع العصر إلى الجمعة على جمعها إلى الظهر؟
فالجواب: لا يصح ذلك لوجوه:
الأول: أنه قياس في العبادات.
الثاني: أن الجمعة صلاة مستقلة منفردة بأحكامها تفترق مع الظهر بأكثر من عشرين حكماً , ومثل هذه الفروق تمنع أن تلحق إحدى الصلاتين بالأخرى.
الثالث: أن هذا القياس مخالف لظاهر السنة , فإن في صحيح مسلم عن عبد الله عباس رضي الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر , وبين المغرب والعشاء في المدينة من غير خوف ولا مطر, فسئل عن ذلك , فقال: أراد أن لا يُحَرِّج أمته.
وقد وقع المطر الذي فيه المشقة في عهد النبي صلي الله عليه وسلم ولم يجمع فيه بين العصر والجمعة كما في صحيح البخاري وغيره عن أنس بن مالك أن النبي صلي الله عليه وسلم استسقى يوم الجمعة وهو على المنبر , فما نزل من المنبر إلا والمطر يتحادر من لحيته , ومثل هذا لا يقع إلا من مطر كثير يبيح الجمع لو كان جائزاً بين العصر والجمعة , قال: وفي الجمعة الأخرى دخل رجل فقال: يا رسول الله! غرق المال , وتهدم البناء , فادع الله يمسكها عنا. ومثل هذا يوجب أن يكون في الطرقات وحل يبيح الجمع لو كان جائزاً بين العصر والجمعة. فإن قال قائل: ما الدليل على منع جمع العصر والجمعة؟
فالجواب: أن هذا السؤال غير وارد؛ لأن الأصل في العبادات المنع إلا بدليل , فلا يطالب من منع التعبد لله تعالى بشيء من الأعمال الظاهرة أو الباطنة , وإنما يطالب بذلك من تعبد به لقوله تعالى منكراً على من تعبدوا الله لا شرع: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ) الشورى /21. وقال الله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلامَ دِيناً) المائدة /3. وقال النبي صلي الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس فيه أمرنا فهو رد) . وعلى هذا:
فإذا قال القائل: ما الدليل على منع جمع العصر مع الجمعة؟
قلنا: ما الدليل على جوازه؟ فإن الأصل وجوب فعل صلاة العصر في وقتها خولف هذا الأصل في جمعها عند وجود سبب الجمع فبقي ما عداه على الأصل , وهو منع تقديمها على وقتها. فإن قال قائل: أرأيتم لو نوى بصلاة الجمعة صلاة الظهر ليتم له الجمع؟
فالجواب: إن كان ذلك إمام الجمعة في أهل البلد أي أن أهل البلد نووا بالجمعة صلاة الظهر فلا شك في تحريمه وبطلان الصلاة؛ لأن الجمعة واجبة عليهم , فإذا عدلوا عنها إلى الظهر فقد عدلوا عما أمروا به إلى ما لم يؤمروا به ,فيكون عملهم باطلاً مردوداً لقول النبي صلي الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) .
وأما إن كان الذي نوى بالجمعة الظهر كمسافر صلى الجمعة وراء من يصليها فنوى بها الظهر ليجمع إليها العصر فلا يصح أيضاً , لأنه لما حضر الجمعة لزمته , ومن لزمته الجمعة فصلى الظهر قبل سلام الإمام منها لم تصح ظهره. وعلى تقدير صحة ذلك فقد فوت على نفسه خيراً كثيراً وهو أجر صلاة الجمعة.
هذا , وقد نص صاحبا المنتهى والإقناع (من علماء الحنابلة) على أن الجمعة لا يصح جمع العصر إليها، ذكرا ذلك في أول باب صلاة الجمعة.
وإنما أطلت في ذلك للحاجة إليه , والله أسأل أن يوفقنا للصواب , ونفع العباد , إنه جواد كريم" اهـ.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (15/371-375) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2005)
لا يصلون الجمعة لعدم وجود الخليفة
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك الكثير من الشباب لا يصلون الجمعة، بل يصلونها ظهراً (أربع ركعات) لعدم توفر شروط صلاة الجمعة لعدم وجود الخلفية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لقد أساؤا بتركهم الجمعة، والعدول عنها إلى صلاة الظهر لأن وجود الخليفة أو إذنه ليس شرطاً في وجوب الجمعة، ولا في صحتها عند أهل السنة والجماعة.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة والإفتاء 8/187(5/2006)
حكم استئجار الكنائس لصلاة الجمعة فيها
[السُّؤَالُ]
ـ[لا يجد المسلمون في العديد من ولايات أمريكا أماكن مناسبة لأداء صلاة الجمعة ما عدا بعض الكنائس المؤجرة رخيصاً أو مجاناً، فأثار بعض الطلاب النقاش حول صحة أداء الصلاة في الكنائس معتمدين على ما روي عن ابن عمر حول منع الصلاة في الكنائس ومعابد اليهود والمقابر وأماكن الذبح لغير الله، وبناء على هذا الرأي فقد امتنع بعض المسلمين عن الحضور لصلاة الجمعة، فضلاً نرجو إفادتنا بالحكم الصحيح في هذه الحالة حتى نستطيع تجاوز الخلافات بين المسلمين في هذا المجتمع، وجزاكم الله خيراً]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا تيسر وجود غير الكنائس ليُصلى فيها لم تجز الصلاة في الكنائس ونحوها، لأنها معبد للكافرين يعبدون فيه غير الله، ولما فيها من التماثيل والصور، (وأما إذا لم يتيسّر غيرها جازت الصلاة فيها) للضرورة، قال عمر رضي الله عنه: " إنا لا ندخل كنائسكم من أجل التماثيل التي فيها والصور " وكان ابن عباس رضي الله عنهما يصلي في البيعة إلا بيعة فيها التماثيل والصور. أخرجهما البخاري 1/112
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى اللجنة الدائمة 6/268(5/2007)
فضل الإنصات لخطبة الجمعة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يُجزى الرجل في خطبة الجمعة عند إنصاته لها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد للًّه
الإنصات للخطيب يوم الجمعة من الواجبات المحتمات، فلا يجوز للمسلم أن يتساهل في ذلك، فيعبث أو يتحدث أو ينشغل عن الخطبة، وقد ورد في فضائل الإنصات الأحاديث الآتية:
1- تكفير ما بين الجمعة والجمعة السابقة:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(مَنْ اغْتَسَلَ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَصَلَّى مَا قُدِّرَ لَهُ ثُمَّ أَنْصَتَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ خُطْبَتِهِ ثُمَّ يُصَلِّي مَعَهُ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى وَفَضْلُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ)
رواه مسلم (857) وبنحوه عن سلمان الفارسي عند البخاري (883)
2- يُكتَب له بكل خطوة إلى الجمعة أجرُ صيامِ سنةٍ وقيامها:
عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَغَسَّلَ وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ وَدَنَا وَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا أَجْرُ سَنَةٍ صِيَامُهَا وَقِيَامُهَا)
رواه الترمذي (496) وقال: حديث حسن وصححه البيهقي في "السنن الكبرى" (3/227) والألباني في صحيح الترمذي.
3- أجر صلاة الجمعة موقوف على الإنصات:
أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنْصِتْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْتَ) رواه البخاري (934) ومسلم (851)
4- من أنصت له كفلان من الأجر:
خطب علي بن أبي طالب في الكوفة فكان في خطبته:
(فَإِذَا جَلَسَ الرَّجُلُ مَجْلِسًا يَسْتَمْكِنُ فِيهِ مِنْ الِاسْتِمَاعِ وَالنَّظَرِ فَأَنْصَتَ وَلَمْ يَلْغُ كَانَ لَهُ كِفْلَانِ مِنْ أَجْرٍ، فَإِنْ نَأَى وَجَلَسَ حَيْثُ لَا يَسْمَعُ فَأَنْصَتَ وَلَمْ يَلْغُ لَهُ كِفْلٌ مِنْ أَجْرٍ، وَإِنْ جَلَسَ مَجْلِسًا يَسْتَمْكِنُ فِيهِ مِنْ الِاسْتِمَاعِ وَالنَّظَرِ فَلَغَا وَلَمْ يُنْصِتْ كَانَ لَهُ كِفْلٌ مِنْ وِزْرٍ)
ثُمَّ يَقُولُ فِي آخِرِ ذَلِكَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ذَلِكَ
رواه أبو داود (1051) وضعفه الألباني، وجاء نحوه عن أبي أمامة مرفوعا في "المعجم الكبير" (8/165) ، ومرسلا عن يحيى بن أبي كثير في "مصنف عبد الرزاق" (3/223)
وانظر حكم الإنصات لخطبة الجمعة في جواب السؤال رقم (45651)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سوال وجواب(5/2008)
يستقبل الطوارئ والحوادث في المستشفى، فهل يجوز له ترك صلاة الجمعة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا ممرض في مستشفى وأمسك قسم الاستقبال ويوم الجمعة أبقى وحدي والطبيب، فهل يجب عليّ صلاة الجمعة أم لا؟ حيث أن القسم يكون يستقبل الحوادث والطوارئ 24 ساعة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان عملك في المستشفي يتطلب وجودك وقت صلاة الجمعة تحسباً للطوارئ، فلا بأس ببقائك في المستشفى وتكون معذوراً في ترك صلاة الجمعة، وتصلي ظهراً أربع ركعات.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة. مجلة البحوث الإسلامية (58/100-101) .(5/2009)
يعملون في مكان خال من السكان، فهل تجب عليهم صلاة الجمعة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن جماعة نعمل في مكان بعيد عن منازلنا وأهلينا، وفي مكان خالٍ من السكان والمرافق والمساجد , والمدة التي نقضيها في العمل تساوي المدة التي نقضيها في بيوتنا , أي أننا نعمل 28 يوماً مقابل 28 يوماً كعطلة، ويتم هذا طوال السنة، كما أننا نعمل 12 ساعة يوميّاً.
ماذا عن إقامة صلاة الجمعة في هذا المكان وعن وجوبها أم عدم وجوبها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا تجب عليكم صلاة الجمعة في هذا المكان، بل تصلونها ظهراً، وذلك لأنكم لستم مستوطنين (أي: مقيمين فيه إقامة دائمة مستقرة) وليس هناك أحد من المستوطنين تصلون معه الجمعة.
سئل علماء اللجنة الدائمة عن:
قوم يخرجون من المدينة للعمل في الزراعة، ويقيمون لمدة العمل فيها في كل سنة ما لا يقل عن شهرين إلى أربعة أشهر، ويصعب عليهم الرجوع إلى المدينة لصلاة الجمعة في مدة العمل، فهل صلاة الجمعة واجبة عليهم، أو جائزة لهم؟ أو لا تجوز لهم إقامتها في محل العمل، ويلزمهم الذهاب إلى المدينة مع التكلف؟ أو تسقط عنهم كالمسافر؟ وما هي المدة التي تسقط عنهم الجمعة من الأيام في الإقامة محل العمل؟
فأجابوا:
إذا كان بالمزارع التي يعملون بها جماعة مستوطنون: وجبت عليهم صلاة الجمعة تبع أولئك المستوطنين، ولهم أن يصلوها معهم، وأن يصلوها مع غيرهم ممن يتيسر لهم صلاة الجمعة معهم؛ لعموم أدلة وجوبها ووجوب السعي إليها.
وإذا كان من يعملون في هذه المزارع يسمعون أذان الجمعة من قريتهم أو قرية أخرى حول مزارعهم: وجب عليهم السعي لصلاتها مع جماعة المسلمين؛ لعموم قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله) الجمعة/9.
وإذا لم يكن بهذه المزارع مستوطنون، ولم يسمعوا أذان الجمعة من القرى التي حول مزارعهم: لم تجب عليهم الجمعة وصلوا الظهر جماعة.
فإن المدينة كان حولها قبائل ومزارع بالعوالي في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأمر من فيها بالسعي لصلاة الجمعة، ولو كان لنقل، فدل ذلك على عدم وجوبها على مثل هؤلاء للمشقة. " فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " (8 / 221، 222) .
وقالوا – كذلك -:
إذا كانت الشركة التي تعملون بها ليست في بلدة تقام فيها الجمعة، ولا قريبة منها، ولم يكن بالشركة مستوطنون تجب عليهم الجمعة: فليس عليكم صلاة جمعة، إنما عليكم صلاة الظهر، وأما إن كانت الشركة في بلدة تقام فيها الجمعة، أو قريبة منها بحيث تسمعون الأذان، أو كان معكم مستوطنون بها ممن تجب عليهم الجمعة: فتجب عليكم صلاة الجمعة بالتبع للمستوطنين بالبلدة أو الشركة. اهـ. فتاوى اللجنة الدائمة (8/220)
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله من بعض الطلبة المغتربين عن حكم إقامة صلاة الجمعة في بلاد الغربة. فأجاب:
" قد نص أهل العلم على أنه لا يجب عليكم ولا على أمثالكم إقامة صلاة الجمعة بل في صحتها منكم نظر، وإنما الواجب عليكم صلاة الظهر؛ لأنكم أشبه بالمسافرين وسكان البادية، والجمعة إنما تجب على المستوطنين، والدليل على ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بها المسافرين ولا أهل البادية، ولم يفعلها في أسفاره عليه الصلاة والسلام ولا أصحابه رضي الله عنهم، وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أنه صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع صلى الظهر في عرفة يوم الجمعة، ولم يصل الجمعة ولم يأمر الحجاج بذلك؛ لأنهم في حكم المسافرين، ولا أعلم خلافا بين علماء الإسلام في هذه المسألة بحمد الله، إلا خلافا شاذا من بعض التابعين لا ينبغي أن يعول عليه.
ولكن لو وجد من يصلي الجمعة من المسلمين المستوطنين فالمشروع لكم ولأمثالكم من المقيمين في البلاد إقامة مؤقتة لطلب علم أو تجارة ونحو ذلك الصلاة معهم لتحصيل فضل الجمعة.
ولأن جمعاً من أهل العلم قالوا بوجوبها على المسافر تبعا للمستوطن إذا أقام في محل تقام فيه الجمعة إقامة تمنعه من قصر الصلاة" اهـ. فتاوى ابن باز (12/377) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2010)
فضل يوم الجمعة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو اليوم الذي تعتبره مقدسا وأنه فترة لراحتك وعبادتك من أيام الأسبوع عندكم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ينبغي أن يُعلم أن حياة المسلم كلها عبادة لله عز وجل وليس هناك يوم خاص للعبادة، فالمسلم في عبادة لله في كل وقت، ولكن هناك يوم اختص الله به هذه الأمة، أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وفضَّله الله على سائر أيام الأسبوع وهو يوم الجمعة، وقد جاء في فضل هذا اليوم عدّة أحاديث ومنها
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ فَهَذَا الْيَوْمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ فَهَدَانَا اللَّهُ فَغَدًا لِلْيَهُودِ وَبَعْدَ غَدٍ لِلنَّصَارَى..) رواه البخاري (الجمعة/847) وعنه أيضاً قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا) رواه مسلم (الجمعة/1410)
عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ قَالَ رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ لِعُمَرَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ أَنَّ عَلَيْنَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإسْلَامَ دِينًا لاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا فَقَالَ عُمَرُ إِنِّي لأَعْلَمُ أَيَّ يَوْمٍ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ نَزَلَتْ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ) رواه البخاري (الاعتصام بالكتاب والسنة/6726)
ومن الأحاديث التي فيها بيان أجر هذا اليوم ما رواه مسلم من حديث أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الصَّلاةُ الْخَمْسُ وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا لَمْ تُغْشَ الْكَبَائِرُ) الطهارة/342، وعن أبي هُرَيْرَةَ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ كَانَ عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ مَلائِكَةٌ يَكْتُبُونَ الأَوَّلَ فَالأَوَّلَ فَإِذَا جَلَسَ الإِمَامُ طَوَوْا الصُّحُفَ وَجَاءُوا يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ وَمَثَلُ الْمُهَجِّرِ كَمَثَلِ الَّذِي يُهْدِي الْبَدَنَةَ ثُمَّ كَالَّذِي يُهْدِي بَقَرَةً ثُمَّ كَالَّذِي يُهْدِي الْكَبْشَ ثُمَّ كَالَّذِي يُهْدِي الدَّجَاجَةَ ثُمَّ كَالَّذِي يُهْدِي الْبَيْضَةَ) رواه البخاري (الجمعة/1416) ، وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم وفيه قُبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة عليَّ) قالوا: وكيف تُعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ أي بَلِيت. فقال: (إن الله جل وعلا حرَّم على الأرض أن تأكل أجسامنا) رواه أبو داود والنسائي وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم (695)
وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من غسل يوم الجمعة واغتسل وبكَّر وابتكر ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام فاستمع ولم يَلْغُ، كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها) رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم (687)
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يوم الجمعة فقال: (فيها ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يُصلي يسأل الله شيئاً إلا أعطاه الله وأشار بيده يُقلّلها) رواه البخاري (الجمعة/883)
وروِي عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (التمسوا الساعة التي ترجى في يوم الجمعة بعد صلاة العصر إلى غيبوبة الشمس) رواه الترمذي وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم (700) والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/2011)
هل يرفع الإمام والمصلون أيديهم عند الدعاء في خطبة الجمعة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا دعا الإمام وهو يخطب يوم الجمعة، هل يرفع يديه أم لا؟ وهل يرفع المصلون أيديهم أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا دعا الخطيب يوم الجمعة وهو على المنبر، فالسنة أن لا يرفع يديه في الدعاء، ولا يرفع المأمومون أيديهم، بل يكفي الإمام بالإشارة بالسبابة، كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أنكر بعض الصحابة على من رفع يديه عند الدعاء في الخطبة، لأن ذلك لم يكن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم.
فقد روى مسلم (874) عَنْ عُمَارَةَ بْنِ رُؤَيْبَةَ رضي الله عنه أنه رَأَى بِشْرَ بْنَ مَرْوَانَ عَلَى الْمِنْبَرِ رَافِعًا يَدَيْهِ فَقَالَ: قَبَّحَ اللَّهُ هَاتَيْنِ الْيَدَيْنِ، لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقُولَ بِيَدِهِ هَكَذَا، وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ الْمُسَبِّحَةِ.
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: "فِيهِ أَنَّ السُّنَّة أَنْ لا يَرْفَع الْيَد فِي الْخُطْبَة وَهُوَ قَوْل مَالِك وَأَصْحَابنَا وَغَيْرهمْ. وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ بَعْض السَّلَف وَبَعْض الْمَالِكِيَّة إِبَاحَته لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفَعَ يَدَيْهِ فِي خُطْبَة الْجُمُعَة حِين اِسْتَسْقَى، وَأَجَابَ الْأَوَّلُونَ بِأَنَّ هَذَا الرَّفْع كَانَ لِعَارِضٍ " انتهى.
فإن استسقى الإمام في خطبة الجمعة، سنّ له رفع اليدين، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك يرفع المأمومون أيديهم ويؤمنون على دعائه؛ لما روى البخاري (933) ومسلم (897) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: أَصَابَتْ النَّاسَ سَنَةٌ (أي: جدب وقحط) عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ، قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكَ الْمَالُ، وَجَاعَ الْعِيَالُ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا، فَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا وَضَعَهَا حَتَّى ثَارَ السَّحَابُ أَمْثَالَ الْجِبَالِ، ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ حَتَّى رَأَيْتُ الْمَطَرَ يَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) .
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: ما حكم من يرفع يديه والخطيب يدعو للمسلمين في الخطبة الثانية مع الدليل، أثابكم الله؟
فأجاب: "رفع اليدين غير مشروع في خطبة الجمعة ولا في خطبة العيد لا للإمام ولا للمأمومين، وإنما المشروع الإنصات للخطيب والتأمين على دعائه بينه وبين نفسه من دون رفع صوت، وأما رفع اليدين فلا يشرع، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يرفع يديه في خطبة الجمعة ولا في خطبة الأعياد، ولما رأى بعض الصحابة بعض الأمراء يرفع يديه في خطبة الجمعة أنكر عليه ذلك، وقال: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يرفعهما، نعم إذا كان يستغيث في خطبة الجمعة للاستسقاء، فإنه يرفع يديه حال الاستغاثة - أي طلب نزول المطر - لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في هذه الحالة، فإذا استسقى في خطبة الجمعة أو في خطبة العيد فإنه يشرع له أن يرفع يديه تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم " انتهى من " مجموع الشيخ ابن باز " (12/339) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2012)
يصلون الجمعة في مكان العمل ولا يذهبون إلى المساجد
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن مجموعة من موظفي آرامكو السعودية نعمل بمدينة ميلان الإيطالية في مهمة عمل تستغرق حوالي السنة. نصلي بعض الصلوات في غرفة بمبنى العمل أعدت كمصلى لنا. قرر بعضنا أن يجتمعوا في هذا المصلى لصلاة الجمعة بحيث يخطب بنا أحدهم. وحجتهم في ذلك أن صلاتنا الجمعة في هذا المصلى يوفر علينا وقت الذهاب إلى المساجد الموجودة في مدينة ميلان وحولها. وأيضا اجتماعهم في هذا المسجد يرغب بعضنا الذين يتكاسلون عن أداء الجمعة في مساجد ميلان. وقرر البعض منا أن لا يصلي الجمعة في هذا المصلى لتشككهم في جواز ذلك حيث يبعد أحد مساجد ميلان عنا حوالي العشر دقائق بالسيارة. ويبعد مسجد آخر حوالي الثلث ساعة بالسيارة. ومسجد ثالث حوالي النصف ساعة بالسيارة. ولقد انقسمنا فمنا من يصلي الجمعة في هذا المصلى ومنا من يصلي في مساجد ميلان وما حولها. نرجو منكم أن تفتونا في حكم الصلاة في مصلى المكتب.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا نوى المسافر الإقامة في بلد أكثر من أربعة أيام فإنه يكون في حكم المقيم فيلزمه إتمام الصلاة من لحظة دخوله البلد، كما تلزمه الجمعة حيث ينادى بها.
وينبغي أن يعلم أن المسافر تجب عليه الجماعة، كما تجب على المقيم، وقد أحسنتم بجعل هذه الغرفة مصلى، تصلون فيها الصلاة جماعة، وانظر جواب السؤال رقم (21498)
ثانيا:
صلاة الجمعة واجبة عليكم، ولا يجوز لكم الصلاة في الغرفة التي جعلتموها مصلى للصلوات الخمس، لأن الأصل عدم مشروعية تعدد الجمعة إلا عند الحاجة والضرورة، كما أن الأصل أن من كان في بلد تقام فيه الجمعة فإنه يلزمه المجيء إليها ولو بعدت المسافة، وقد يسر الله لكم الأمر، حتى وجد بقربكم ما ذكرت من المساجد التي تبعد عشر دقائق بالسيارة أو ثلث أو نصف ساعة.
قال النووي رحمه الله:
" قال الشافعي والأصحاب: إذا كان في البلد أربعون فصاعداً من أهل الكمال، وجب الجمعة على كل من فيه، وإن اتسعت خطة البلد فراسخ، وسواء سمع النداء أم لا، وهذا مجمع عليه " انتهى من "المجموع" (4/353) .
وانظر جواب السؤال رقم (14564)
ويجب عليكم نصح المتكاسلين عن صلاة الجمعة، ببيان بعض الأحاديث الواردة في الوعيد الشديد على من تخلف عن صلاة الجمعة كقوله صلى الله عليه وسلم: (من ترك ثلاث جمع تهاونا بها طبع الله على قلبه) رواه أبو داود (1052) والترمذي (500) والنسائي (1269) وابن ماجة (1125) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2013)
المكلف بحراسة بعض الأماكن المهمة هل يعذر في ترك الجمعة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا رجلٌ أعمل في القطاع العسكري ... وكثيراً ما أسأل من قبل الجنود وغيرهم ممن يكلفون بخفارات ومناوبات على أماكن (قد تكون حساسة) وقد يأتيهم توبيخ وعقوبة إن غادروا أماكنهم؛ فهل يعذر هؤلاء عن حضور الجمعة فيصلونها ظهراً؟ وما الحكم لو كان الجامع قريبا منهم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من كلف بحراسة بعض الأماكن المهمة، فإنه يعذر بتخلّفه عن الجمعة، ولو كان الجامع قريبا، ويصليها ظهرا، لكن يُقتصر في هذا على أقل عدد تحصل به الكفاية؛ لما للجمعة من شأن عظيم لا يجوز التهاون به.
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله عن: مرافق البرق والهاتف التي تستمر أعمالها طيلة أيام الأسبوع، بما في ذلك يوم الجمعة، ويوجد موظفون مناوبون على الأجهزة الهاتفية، واللاسلكية، ولا تسمح لهم أعمالهم بتركها ولو دقيقة واحدة؛ لأن ذلك يحدث توقفا للمخابرات اللاسلكية والهاتفية. فهل يترك هؤلاء الموظفون أعمالهم ويذهبون إلى الصلاة؟
فأجابت:
"الأصل وجوب الجمعة على الأعيان؛ لقول الله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ، ولما روى أحمد ومسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لقوم يتخلفون عن الجمعة: (لقد هممت أن آمر رجلا يصلي بالناس، ثم أحرق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم) ، ولما روى مسلم عن أبي هريرة وابن عمر رضي الله عنهم، أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على أعواد منبره: (لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين) ، ولإجماع أهل العلم على ذلك، ولكن إذا وجد عذر شرعي لدى من تجب عليه الجمعة كأن يكون مسؤولا مسؤولية مباشرة عن عمل يتصل بأمن الأمة وحفظ مصالحها، يتطلب قيامه عليه وقت صلاة جمعة كحال رجال الأمن والمرور والمخابرات اللاسلكية والهاتفية ونحوهم، الذين عليهم النوبة وقت النداء الأخير لصلاة جمعة أو إقامة الصلاة جماعة- فإنه وأمثاله يعذر بذلك في ترك الجمعة والجماعة لعموم قول الله سبحانه: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ، وقول رسول الله عليه الصلاة والسلام: (ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم) ، ولأنه ليس بأقل عذرًا ممن يعذر بخوف على نفسه أو ماله، ونحو ذلك، ممن ذكر العلماء أنه يعذر بترك الجمعة والجماعة ما دام العذر قائما، غير أن ذلك لا يسقط عنه فرض الظهر، بل عليه أن يصليها في وقتها، ومتى أمكن فعلها جماعة وجب ذلك كسائر الفروض الخمسة " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (8/188) .
وسئلت أيضا عن صاحب محطة بنزين تبعد عن البلد بحوالي كيلوين، هل يجوز أن يعين حارسًا على المحطة وقت صلاة الجمعة يحرسها من الاشتعال والسرقة، وتسقط صلاة الجمعة عن ذلك الحارس ليصلي ظهرًا علمًا بأن المحطة قد اشتعلت وسرق الدكان قبل ذلك، كما أن صاحب المحطة يسكن في المحطة هو وأولاده ومحارمه وأولاد الحارس ونساؤه.
فأجابت: " إذا كان الأمر كما ذكر جاز للحارس أن يصلي الجمعة ظهرًا ليقوم بحراسة من ذكر وما ذكر؛ لعموم الأدلة الشرعية الدالة على ترك الجمعة في مثل هذا العذر " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة " (8/192)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2014)
كيف يصلي من فاتته صلاة الجمعة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[صلاة الجمعة إذا لم تدرك في المسجد , هل تصلى ظهرا أم تبقى على الأصل صلاة الجمعة؟ سواء كانت بحق الرجل أم المرأة أم العبد أم المسافر وكلام الشيخ ناصر الألباني رحمه الله حول هذه المسألة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من لم يحضر صلاة الجمعة مع المسلمين لعذر شرعي من مرض أو غيره أو لأسباب أخرى صلى ظهراً، وهكذا المرأة تصلي ظهراً، وهكذا المسافر وسكان البادية يصلون ظهراً كما دلت على ذلك السنة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع لما وقف بعرفة يوم الجمعة صلى بالناس ظهراً ولم يصل بهم جمعة، ولأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمر سكان البادية بالجمعة.
وهذا هو قول عامة أهل العلم ولا عبرة بمن شذ عنهم، وهكذا من تركها عمداً يتوب إلى الله – سبحانه – ويصليها ظهراً.
انظر مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ ابن باز رحمه الله، (12/332) .
وأما كلام الشيخ ناصر الألباني رحمه الله فهو موافق لقول جماهير العلماء في هذا فقد ذكر في رسالته الأجوبة النافعة (ص 47) قول صديق حسن خان: " الجمعة فريضة من الله عز وجل فرضها على عباده، فإذا فاتت لعذر فلابد من دليل على وجوب صلاة الظهر، وفي حديث ابن مسعود (ومن فاتته الركعتان فليصل أربعاً) فهذا يدل على أن من فاتته الجمعة صلى ظهراً.
ثم عقب الألباني عليه موافقاً له ومصححا حديث ابن مسعود رضي الله عنه، وكان مما قاله ـ رحمه الله ـ " ولعل استدلال المؤلف بحديث ابن مسعود مع أنه موقوف إنما هو بسبب أنه لا يعرف له مخالف من الصحابة، وهو مؤيد بمفهوم حديث أبي هريرة: (من أدرك ركعة من الجمعة فقد أدرك الجمعة) ويشهد له ما في "المصنف" (1/206/1) بسند صحيح عن عبد الرحمن بن أبي ذؤيب قال: خرجت مع الزبير مخرجاً يوم الجمعة فصلى الجمعة أربعاً. وعبد الرحمن هذا هو ابن عبد الله بن أبي ذؤيب ذكره ابن حبان في "الثقات" (6/122/1) وقال: "كان يتيماً في حجر الزبير بن العوام".
وفي حديث ابن مسعود إشارة إلى أن الظهر هي الأصل، وأنها هي الواجبة على من لم يصل الجمعة. ويؤيد ذلك أمور:
الأول: ما هو معلوم يقيناً أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يصلون يوم الجمعة الظهر إذا كانوا في سفر، ولكنهم يصلونها قصراً.
فلو كان الأصل يوم الجمعة صلاة الجمعة لصلوها جمعة.
الثاني: قال عبد الله بن معدان عن جدته قالت: قال لنا عبد الله بن مسعود: (إذا صليتن يوم الجمعة مع الإمام فصلين بصلاته، وإذا صليتن في بيوتكن فصلين أربعاً) .أخرجه ابن أبي شيبة (1/207/2) ، وإسناده صحيح إلى جدة ابن معدان، وأما هي فلم أعرفها. والظاهر أنها تابعية، وليست صحابية، لكن يشهد له، قول الحسن في المرأة تحضر المسجد يوم الجمعة أنها تصلي بصلاة الإمام، ويجزيها ذلك.. وإسناده صحيح وفي رواية من طريق أشعث عن الحسن قال: (كن نساء المهاجرين يصلين الجمعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يحتسبن بها من الظهر) .
قلت: فمن زعم أن الأصل يوم الجمعة إنما هو صلاة الجمعة، وأن من فاتته، أو لم تجب عليه، كالمسافر والمرأة إنما يصلون ركعتين جمعة، فقد خالف هذه النصوص بدون حجة. ثم رأيت الصنعاني ذكر (2/74) نحو هذا وأن الجمعة إذا فاتت وجب الظهر إجماعاً فهي البدل عنه. انتهى باختصار
وكذلك بالنسبة للمرأة فقد اتفق أهل العلم على أن صلاة الجمعة لا تجب على النساء، وأنهن يصلين في بيوتهن الظهر أربعا يوم الجمعة.
قال ابن المنذر رحمه الله في "الإجماع" رقم (52) : " وأجمعوا على أن لا جمعة على النساء " انتهى.
والدليل على ذلك حديث طارق بن شهاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(الجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسلِمٍ فِي جَمَاعَةٍ إِلاَّ أَربَعَة: عَبدٌ مَملُوكٌ، أَو امرَأَةٌ، أَو صَبِيٌّ، أَو مَرِيضٌ) رواه أبو داود (1067) وقال النووي في "المجموع" (4/483) : إسناده صحيح على شرط الشيخين، وقال ابن رجب في "فتح الباري" (5/327) : إسناده صحيح، وقال ابن كثير في "إرشاد الفقيه" (1/190) : إسناده جيد، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3111) .
وللاستزادة حول هذا الموضوع يمكنك مراجعة السؤال رقم (73339)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2015)
صلاة الجمعة غير واجبة على النساء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صلاة الجمعة مفروضة على النساء أيضا، أم على الرجال فقط؟ وكيف تُصَلَّى ?
أنا امرأة، وليس لدينا مكان في المسجد، فهل أستطيع أن أصليها في البيت وحدي ? هل أنال أجرها ?.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اتفق أهل العلم على أن صلاة الجمعة لا تجب على النساء، وأنهن يصلين في بيوتهن الظهر أربعا يوم الجمعة.
يقول ابن المنذر رحمه الله في "الإجماع" رقم (52) :
" وأجمعوا على أن لا جمعة على النساء " انتهى.
والدليل على ذلك حديث طارق بن شهاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(الجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسلِمٍ فِي جَمَاعَةٍ إِلاَّ أَربَعَة: عَبدٌ مَملُوكٌ، أَو امرَأَةٌ، أَو صَبِيٌّ، أَو مَرِيضٌ) رواه أبو داود (1067) وقال النووي في "المجموع" (4/483) : إسناده صحيح على شرط الشيخين، وقال ابن رجب في "فتح الباري" (5/327) : إسناده صحيح، وقال ابن كثير في "إرشاد الفقيه" (1/190) : إسناده جيد، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3111) .
والحكمة من عدم وجوب صلاة الجمعة على النساء: أن الشرع يرغب في عدم حضور المرأة محافل الرجال، وأماكن تجمعاتهم؛ لما قد يؤدي إليه ذلك من أمور لا تحمد عقباها، كما هو واقع الآن بكثرة في أماكن العمل التي يختلط فيها الرجال بالنساء.
وانظر: "بدائع الصنائع" (1/258) .
وإذا التزمت المرأة بالشروط الشرعية لخروجها إلى المسجد، كعدم تزينها وتطيبها، فلا حرج عليها في حضور صلاة الجمعة في المسجد، وتصليها مع الإمام ركعتين، وتجزئها حينئذ عن صلاة الظهر.
قال ابن المنذر رحمه الله في "الإجماع" رقم (52،53) :
" وأجمعوا على أنَّهن إن حضرن الإمام فصلَّينَ معه أن ذلك يجزئ عنهن " انتهى.
وقال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/88) :
" ولكنها تصح منها - أي الجمعة -؛ لصحة الجماعة منها، فإن النساء كن يصلين مع النبي صلى الله عليه وسلم في الجماعة " انتهى.
أما صلاة الجمعة في البيت منفرداً، فلا يصح ذلك من رجل أو امرأة؛ لأن صلاة الجمعة لا تصح إلا جماعة، كما سبق في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (الجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسلِمٍ فِي جَمَاعَةٍ) .
وعلى فرض أن جماعة أرادوا أن يصلوا الجمعة في البيت فلا يصح ذلك أيضاً؛ لأن صلاة الجمعة شرعت ليجتمع المسلمون في مكان واحد للصلاة، ويستمعون الخطبة وينتفعون بها، ولذلك لا يجوز تعددها في المدينة الواحدة إلا عند الحاجة إلى ذلك، كاتساع المدينة، أو عدم وجود مسجد جامع كبير يسع الناس.
وعلى هذا، فإذا لم تذهبي إلى المسجد لصلاة الجمعة، فإنك تصلينها في البيت ظهراً.
وقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (7/337) :
" إذا صلت المرأة الجمعة مع إمام الجمعة كَفَتهَا عن الظهر، فلا يجوز لها أن تصليَ ظهر ذلك اليوم، أما إن صلت وحدها فليس لها أن تصلي إلا ظهرا، وليس لها أن تصلي جمعة " انتهى.
والأفضل للمرأة أن تصلي في بيتها ظهرا، وذلك لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم:
(لا تمنعوا نساءكم المساجد، وبيوتهن خير لهن) رواه أبو داود (567) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
كما أن الواجب عليها إذا خرجت للجمعة أن تبتعد عن الطيب والزينة، وألا تزاحم الرجال في الطرقات.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2016)
حكم جمع التبرعات أثناء خطبة الجمعة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم جمع التبرعات في الخطبة الثانية من خطبتي الجمعة وذلك بدعوة الخطيب لذلك؟ وما حكمها وقت الدعاء من الخطبة الثانية؟ وهل تفسد جمعة من يتبرعون أثناء الخطبة؟ وهل تفسد جمعة من يمر بين المصلين ليأخذ التبرعات؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الواجب على من حضر الجمعة أن يُقبل بقلبه وجوارحه على خطبتها، ولا يجوز له الانشغال عنها، ولو برد السلام، أو الإنكار على من تكلم أثناءها.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ وَزِيَادَةُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ، وَمَنْ مَسَّ الْحَصَى فَقَدْ لَغَا) . رواه مسلم (857) .
قال النووي رحمه الله:
" قوله صلى الله عليه وسلم: (ومن مس الحصا فقد لغا) فيه النهي عن مس الحصا وغيره من أنواع العبث في حالة الخطبة، وفيه إشارة إلى إقبال القلب والجوارح على الخطبة، والمراد باللغو هنا الباطل المذموم المردود " انتهى.
" شرح مسلم " (6 / 147) .
وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
" ولا يجوز له العبث حال الخطبة بيد أو رجل أو لحية أو ثوب أو غير ذلك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من مس الحصا فقد لغا) وفي حديث أخر: (ومن لغا وتخطى رقاب الناس كانت له ظهراً) ؛ ولأن العبث يمنع الخشوع، وكذلك لا ينبغي له أن يتلفت يميناً وشمالاً، ويشتغل بالنظر إلى الناس، أو غير ذلك؛ لأن ذلك يشغله عن الاستماع للخطبة، ولكن ليتجه إلى الخطيب كما كان الصحابة رضي الله عنهم يتجهون إلى النبي صلى الله عليه وسلم حال الخطبة " انتهى بتصرف.
" الملخص الفقهي " (1 / 176) .
وجمع التبرعات من الحاضرين لخطبة الجمعة فيه تشويش شديد على الخطبة، وفيه تسبب بالحركة من قبَل جامع التبرعات والمتبرعين، وفيه تسبب بالكلام وتخطي الرقاب من قبَل جامع التبرعات، وكل ذلك منهي عنه، ومخالف لمقصود الجمعة وخطبتها، وليس هذا بضرورة إذ يمكن تأجيل التبرع إلى ما بعد انتهاء الصلاة، ومن فعله حرم أجر الجمعة وكانت له ظهراً.
فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَمَسَّ مِنْ طِيبِ امْرَأَتِهِ إِنْ كَانَ لَهَا وَلَبِسَ مِنْ صَالِحِ ثِيَابِهِ ثُمَّ لَمْ يَتَخَطَّ رِقَابَ النَّاسِ وَلَمْ يَلْغُ عِنْدَ الْمَوْعِظَةِ كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهُمَا، وَمَنْ لَغَا وَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ كَانَتْ لَهُ ظُهْرًا) . رواه أبو داود (347) ، وحسَّنه الألباني في " صحيح الترغيب " (721) .
أي: مثل صلاة الظهر في الثواب، ويحرم بسبب لغوه، وتخطيه رقاب الناس من الثواب
الجزيل الذي يحصل لمصلى الجمعة. (عون المعبود)
قال الشيخ الفوزان حفظه الله:
" ولا يجوز لمن يستمع الخطبة أن يتصدق على السائل وقت الخطبة؛ لأن السائل فعل ما لا يجوز له فعله؛ فلا يعينه على ما لا يجوز، وهو الكلام حال الخطبة " انتهى.
" الملخص الفقهي " (1 / 175) .
ثانياً:
لا فرق في النهي عن الكلام والعبث بالحصى وغيره بين أن يكون في أول الخطبة أو أثناء دعائها، وما يقوله بعض الفقهاء من جواز الكلام أثناء الدعاء قول ضعيف.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
" بعض الفقهاء رحمهم الله قالوا: إذا شرع الإمام في الدعاء في حال الخطبة يجوز الكلام؛ لأن الدعاء ليس من أركان الخطبة، والكلام في غير أركان الخطبة جائز، ولكنه قول ضعيف؛ لأن الدعاء ما دام متصلاً بالخطبة فهو منها، وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم: (كان يستغفر للمؤمنين في كل جمعة في الخطبة) .
فالصحيح: أنه ما دام الإمام يخطب سواء في أركان الخطبة أو فيما بعدها: فالكلام حرام " انتهى.
" الشرح الممتع " (5 / 110) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2017)
انقطعت الكهرباء أثناء صلاة الجمعة ولم يتمكنوا من متابعة الإمام
[السُّؤَالُ]
ـ[كنا في صلاة الجمعة، والمسجد عندنا مكون من عدة طوابق، وفي الركعة الأولى انقطعت الكهرباء فلم يتمكن المأمومون الذين يصلون في الطابق الثاني والثالث من متابعة الإمام، فصلوها ظهرا، فهل ما فعلوه صحيح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان ذلك قد وقع قبل الركوع في الركعة الأولى، فما فعلوه صحيح، وإذا وقع ذلك بعد الركوع مع الإمام فكان الواجب عليهم أن يتموها جمعة، ركعتين.
وقد سئل الشيخ عبد العزيز آل الشيخ عن مثل هذه الواقعة فقال: "من أدرك ركعة من الجمعة ثم عرض عارض كانقطاع الكهرباء ونحوه، فإنه يتمها جمعة منفرداً بمعنى أنه يصلي الركعة الثانية ثم يسلم؛ لما في الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاةَ) . والركعة إنما تدرك بالركوع، ومن لم يدرك الركوع مع الإمام فإنه غير مدرك للركعة، وعلى هذا فإذا كان من ذكروا في السؤال لم يدركوا مع الإمام إلا تكبيرة الإحرام فقط فإنهم يصلونها ظهرا ً" اهـ.
"مجلة البحوث الإسلامية" (61/83) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2018)
متى تبدأ الساعة الأولى والثانية لصلاة الجمعة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[في الحديث الشريف في فضل البكور في صلاة الجمعة أن من جاء في الساعة الأولى له أجر من قرَّب بدنة والثانية كذا، أرجو بيان الساعة الأولى متى؟ أي: متى تبدأ ومتى تنتهي لكي تبدأ بعدها الثانية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من راح في الساعة الأولى فكأنّما قرّب بَدَنَة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنّما قرّب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنّما قرّب كبشاً أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنّما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنّما قرّب بيضة، فإذا صعد الإمام المنبر حضرت الملائكة يستمعون الذكر) . رواه البخاري (841) ومسلم (850) .
وقد اختلف العلماء في تحديد هذه الساعة على ثلاثة أقوال:
الأول: أنها تبدأ من طلوع الفجر.
والثاني: أنها تبدأ من طلوع الشمس، ومذهب الشافعي وأحمد وغيرهما.
والثالث: أنها ساعة واحدة بعد الزوال تكون فيها هذه الساعات، وهو مذهب مالك، واختاره بعض الشافعية.
والقول الثالث ضعيف، وقد رد عليه كثيرون:
قال النووي رحمه الله:
" ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج إلى الجمعة متصلاً بالزوال، وكذلك جميع الأئمة في جميع الأمصار، وذلك بعد انقضاء الساعة السادسة فدل على أنه لا شيء من الهدي والفضيلة لمن جاء بعد الزوال، ولا يكتب له شيء أصلاً؛ لأنه جاء بعد طي الصحف؛ ولأن ذكر الساعات إنما كان للحث على التبكير إليها والترغيب في فضيلة السبق وتحصيل فضيلة الصف الأول وانتظارها والاشتغال بالتنفل والذِّكر ونحوه، وهذا كله لا يحصل بالذهاب بعد الزوال شيء منه، ولا فضيلة للمجيء بعد الزوال؛ لأن النداء يكون حينئذ ويحرم التأخير عنه " انتهى.
" المجموع " (4 / 414) .
وقال ابن قدامة رحمه الله:
" وأما قول مالك فمخالف للآثار؛ لأن الجمعة يُستحب فعلها عند الزوال، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبكر بها، ومتى خرج الإمام طويت الصحف، فلم يُكتب من أتى الجمعة بعد ذلك، فأي فضيلة لهذا؟! " انتهى.
" المغني " (2 / 73) .
والصواب هو القول الثاني وأن الساعات تبدأ من طلوع الشمس، وتقسم على حسب الوقت بين طلوع الشمس إلى الأذان الثاني خمسة أجزاء، ويكون كل جزء منها هو المقصود بالـ " الساعة " التي في الحديث.
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
متى تبدأ الساعة الأولى من يوم الجمعة؟
فأجاب:
" الساعات التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم خمس: فقال: (من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة) ، فقسَّم الزمن من طلوع الشمس إلى مجيء الإمام خمسة أقسام، فقد يكون كل قسم بمقدار الساعة المعروفة، وقد تكون الساعة أقل أو أكثر؛ لأن الوقت يتغير، فالساعات خمس ما بين طلوع الشمس ومجيء الإمام للصلاة، وتبتدئ من طلوع الشمس، وقيل: من طلوع الفجر، والأول أرجح؛ لأن ما قبل طلوع الشمس وقت لصلاة الفجر " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (16 / السؤال رقم 1260) .
وانظر تفصيل هذه المسألة في كتاب " زاد المعاد " لابن القيم (1 / 399 - 407) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2019)
حكم الإنصات والكلام يوم الجمعة أثناء الخطبة
[السُّؤَالُ]
ـ[ذهبت لصلاة الجمعة , ولكن كلما دخل مصلٍّ للمسجد ألقى السلام فرد عليه المصلون , حتى من كان يقرأ القرآن أيضاً , وعندما بدأت الخطبة دخل بعض المصلين وألقى السلام , فرد عليه الإمام بصوت منخفض، فهل يجوز ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب على من حضر الجمعة أن ينصت للإمام وهو يخطب، ولا يجوز له الكلام مع غيره، حتى لو كان الكلام لإسكاته، ومن فعل فقد لغا، ومن لغا فلا جمعة له.
عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قلت لصاحبك والإمام يخطب يوم الجمعة أنصت فقد لغوت) . رواه البخاري (892) ومسلم (851) .
ويشمل المنع – كذلك – الإجابة عن سؤال شرعي، فضلاً عن غيره مما يتعلق بأمور الدنيا.
عن أبي الدرداء قال: جلس النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر وخطب الناس وتلا آية وإلى جنبي أُبيّ بن كعب فقلت له: يا أُبيّ متى أنزلت هذه الآية؟ فأبى أن يكلمني ثم سألته فأبى أن يكلمني حتى نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي أبيٌّ: مالك من جمعتك إلا ما لغوت، فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم جئته فأخبرته فقال: (صدق أُبيّ، إذا سمعت إمامك يتكلم فأنصت حتى يفرغ) . رواه أحمد (20780) وابن ماجه (1111) . وصححه البوصيري والألباني في " تمام المنة " (ص 338) .
وهذا يدل على وجوب الإنصات وتحريم الكلام والإمام يخطب يوم الجمعة.
قال ابن عبد البر:
لا خلاف بين فقهاء الأمصار في وجوب الإنصات للخطبة على من سمعها.
" الاستذكار " (5 / 43) .
وقد شذ بعضهم وخالف في الوجوب. وليس لهم دليل يؤيد ما ذهبوا إليه.
قال ابن رشد – في حكم الإنصات في الخطبة -:
"وأما من لم يوجبه: فلا أعلم لهم شبهة إلا أن يكونوا يرون أن هذا الأمر قد عارضه دليل الخطاب في قوله تعالى: {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا} أي: أن ما عدا القرآن فليس يجب له الإنصات، وهذا فيه ضعف، والله أعلم، والأشبه أن يكون هذا الحديث لم يصلهم" اهـ. " بداية المجتهد " (1 / 389) .
ويستثنى من ذلك: الكلام مع الإمام، وكلام الإمام مع المأمومين للحاجة أو المصلحة.
عن أنس بن مالك قال: أصابت الناسَ سَنَةٌ (أي: قحط وجدب) على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فبينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب في يوم جمعة قام أعرابي فقال: يا رسول الله هلك المال وجاع العيال فادع الله لنا فرفع يديه ... فمطرنا يومنا ذلك ومن الغد وبعد الغد والذي يليه حتى الجمعة الأخرى وقام ذلك الأعرابي - أو قال غيره - فقال: يا رسول الله تهدم البناء وغرق المال فادع الله لنا فرفع يديه ... رواه البخاري (891) ومسلم (897) .
وعن جابر بن عبد الله قال جاء رجل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس يوم الجمعة فقال أصليت يا فلان؟ قال: لا، قال: قم فاركع ركعتين. رواه البخاري (888) ومسلم (875) .
ومن استدل بمثل هذه الأحاديث على جواز كلام المصلين بعضهم مع بعض، وعدم وجوب الإنصات فما أصاب.
قال ابن قدامة:
"وما احتجوا به: فيحتمل أنه مختص بمن كلم الإمام , أو كلمه الإمام ; لأنه لا يشتغل بذلك عن سماع خطبته , ولذلك سأل النبي صلى الله عليه وسلم " هل صليت؟ " فأجابه، وسأل عمرُ عثمانَ حين دخل وهو يخطب , فأجابه , فتعين حمل أخبارهم على هذا , جمعا بين الأخبار , وتوفيقا بينها , ولا يصح قياس غيره عليه ; لأن كلام الإمام لا يكون في حال خطبته بخلاف غيره" اهـ.
" المغني " (2 / 85) .
وأما تشميت العاطس ورد السلام والإمام يخطب، فقد اختلف أهل العلم في ذلك.
قال الترمذي في " سننه " - عقب حديث أبي هريرة " إذا قلت لصاحبك ... " -:
اختلفوا في رد السلام وتشميت العاطس، فرخص بعض أهل العلم في رد السلام وتشميت العاطس والإمام يخطب، وهو قول أحمد وإسحاق، وكره بعض أهل العلم من التابعين وغيرهم ذلك، وهو قول الشافعي اهـ.
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (8/242) :
"لا يجوز تشميت العاطس ولا رد السلام والإمام يخطب على الصحيح من أقوال العلماء لأن كلاًّ منهما كلام وهو ممنوع والإمام يخطب لعموم الحديث" اهـ.
وجاء فيها أيضاً (8/243) :
"لا يجوز لمن دخل والإمام يخطب يوم الجمعة إذا كان يسمع الخطبة أن يبدأ بالسلام من في المسجد، وليس لمن في المسجد أن يرد عليه والإمام يخطب" اهـ.
وجاء فيها أيضاً (8/244) :
لا يجوز الكلام أثناء أداء الخطيب لخطبة الجمعة إلا لمن يكلم الخطيب لأمر عارض" اهـ.
وقال الشيخ ابن عثيمين:
"السلام حال خطبة الجمعة حرام فلا يجوز للإنسان إذا دخل والإمام يخطب الجمعة أن يسلم ورده حرام أيضاً" اهـ.
فتاوى ابن عثيمين (16/100) .
وقال الشيخ الألباني:
فإن قول القائل: " أنصت "، لا يعد لغة من اللغو، لأنه من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومع ذلك فقد سماه عليه الصلاة والسلام: لغواً لا يجوز، وذلك من باب ترجيح الأهم، وهو الإنصات لموعظة الخطيب، على المهم، وهو الأمر بالمعروف في أثناء الخطبة، وإذا كان الأمر كذلك، فكل ما كان في مرتبة الأمر بالمعروف، فحكمه حكم الأمر بامعروف، فكيف إذا كان دونه في الرتبة، فلا شك أنه حينئذ بالمنع أولى وأحرى، وهو من اللغو شرعاً.
" الأجوبة النافعة " (ص 45) .
والخلاصة:
أن الواجب على من حضر الجمعة أن ينصت للإمام ولا يجوز له أن يتكلم والإمام يخطب، إلا ما استثناه الدليل من الكلام مع الخطيب، أو الرد عليه، أو ما دعت إليه الضرورة كإنقاذ أعمى من السقوط أو ما شابهه.
والسلام على الإمام ورده السلام مما يدخل في هذا المنع، لأنه لم يرخص في الكلام مع الإمام إلا للمصلحة أو الحاجة، وليس من ذلك السلام ورده.
قال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (5/140) :
"لا يجوز للإمام أن يتكلم كلاما بلا مصلحة، فلا بد أن يكون لمصلحة تتعلق بالصلاة أو بغيرها مما يحسن الكلام فيه، وأما لو تكلم الإمام لغير مصلحة فإنه لا يجوز.
وإذا كان لحاجة يجوز من باب أولى، فمن الحاجة أن يخفى على المستمع معنى جملة في الخطبة فيسأل، ومن الحاجة أيضاً أن يخطئ الخطيب في آية خطأ يحيل المعنى، مثل أن يسقط جملة من الآية أو ما أشبه ذلك.
والمصلحة دون الحاجة فمن المصلحة مثلا إذا اختل صوت مكبر الصوت فللإمام أن يتكلم ويقول للمهندس: انظر إلى مكبر الصوت ما الذي أخله؟ " اهـ.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2020)
تحريم تخطي رقاب الجالسين يوم الجمعة
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو بيان حكم تخطي الرقاب يوم الجمعة، هل هو حرام أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
روى أبو داود (1118) وابن ماجه (1115) عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ رضي الله عنه قال: جَاءَ رَجُلٌ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اجْلِسْ، فَقَدْ آذَيْتَ) . صححه الألباني في صحيح أبي داود.
ففي هذا الحديث: النهي عن تخطي رقاب الجالسين لصلاة الجمعة.
وقد اختلف العلماء في حكم ذلك على قولين:
الأول: الكراهة، ونقله ابن المنذر عن الجمهور. وقال ابن حجر: والأكثر على أنها كراهة تنزيه، وهو المشهور عند الشافعية، ومذهب الحنابلة.
انظر: "فتح الباري" (2/392) ، "كشاف القناع" (2/44) ، "المجموع" (4/466) .
وقَيَّد مالك والأوزاعي الكراهة بما إذا كان الخطيب على المنبر، جاء في "المدونة" (1/159) : " وقال مالك: إنما يكره التخطي إذا خرج الإمام، وقعد على المنبر، فمن تخطى حينئذ فهو الذي جاء فيه الحديث، فأما قبل ذلك فلا بأس به إذا كانت بين يديه فُرَجٌ، وليترفق في ذلك " انتهى.
القول الثاني: أن التخطي حرام مطلقاً في يوم الجمعة وغيره، لحديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ رضي الله عنه قال: جَاءَ رَجُلٌ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اجْلِسْ، فَقَدْ آذَيْتَ) . رواه أبو داود (1118) ، وابن ماجه (1115) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
قال الترمذي: " والعمل عليه عند أهل العلم، كرهوا أن يتخطى الرجل يوم الجمعة رقاب الناس، وشددوا في ذلك " انتهى.
وهذا ما رجحه جمع من المحققين، كابن المنذر وابن عبد البر والنووي وشيخ الإسلام ابن تيمية، كما في "الاختيارات الفقهية" (ص 81) وغيرهم. ومن المعاصرين الشيخ ابن عثيمين.
قال ابن المنذر معللاً القول بالتحريم: لأن الأذى يحرم قليله وكثيره، وهذا أذى، كما جاء في الحديث الصحيح قال النبي صلى الله عليه وسلم لمن يراه يتخطى: (اجلس فقد آذيت) "المجموع" (4/467) .
وقال ابن عبد البر في "التمهيد" (1/316) : وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم للمتخطي يوم الجمعة: (آذيت) بيان أن التخطي أذى، ولا يحل أذى مسلم بحال، في الجمعة وغير الجمعة.
وقال النووي في "روضة الطالبين" (11/224) : المختار أن تخطي الرقاب حرام، للأحاديث فيه.
وقال الشيخ ابن عثيمين: " تخطي الرقاب حرام حال الخطبة وغيرها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لرجل رآه يتخطى رقاب الناس: (اجلس فقد آذيت) ويتأكد ذلك إذا كان في أثناء الخطبة؛ لأن فيه أذيةً للناس، وإشغالاً لهم عن استماع الخطبة، حتى وإن كان التخطي إلى فرجة؛ لأن العلة وهي الأذية موجودة " انتهى.
"فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين" (16/147) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2021)
تلزم الجمعة كل من كان في البلد ولو لم يسمع النداء
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كنت لا أسمع الأذان في المدينة التي أسكن فيها، لبعد المسجد، فهل تجب علي صلاة الجمعة وصلاة الجماعة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صلاة الجمعة شعيرة من شعائر الإسلام، وفريضة من فرائضه العظام، وقد جاء الوعيد على تركها في قوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تَرَكَ ثَلاثَ جُمَعٍ تَهَاوُنًا بِهَا طَبَعَ اللهُ عَلَى قَلْبِهِ) رواه أبو داود (1052) والنسائي (1369) وابن ماجه (1126) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وصلاة الجماعة واجبة على كل رجل مستطيع يسمع النداء، وقد دل على وجوبها أدلة كثيرة، انظرها في جواب السؤال رقم (120) .
والمقصود بسماع النداء: أن يسمع الإنسان الأذان بالصوت المعتاد من غير مكبرٍ للصوت، مع رفع المؤذن صوته، وسكون الرياح والضوضاء ونحو ذلك مما يؤثر على السماع. وانظر السؤال رقم (21969) ، والسؤال رقم (20655) .
هذا بالنسبة للصلوات الخمس مع الجماعة، وأما الجمعة فلها شأن آخر، فإن الفقهاء يقولون: تلزم كل من كان في البلد أو القرية التي تقام فيها الجمعة، سواء سمعوا النداء أو لم يسمعوا، وهذا مجمع عليه كما سيأتي.
وأما من كان خارج المدينة أو القرية وليس لديهم جمعة، ففيهم خلاف:
فمن الفقهاء من قال: إن سمعوا النداء – نداء الجمعة في المدينة أو القرية - لزمتهم الجمعة وإن لم يسمعوا لم تلزمهم. وهذا مذهب الشافعية وقول محمد بن الحسن وعليه الفتوى عند الحنفية.
ومنهم من قال: إن كان بينهم وبين موضع الجمعة أكثر من فرسخ أي ثلاثة أميال لم تلزمهم الجمعة، وإن كان فرسخ أو أقل لزمتهم، وهذا مذهب المالكية والحنابلة.
ومنهم من قال: تجب على من يمكنه أن يذهب إليها ثم يرجع إلى أهله قبل الليل، حكاه ابن المنذر عن ابن عمر وأنس وأبي هريرة ومعاوية والحسن ونافع مولى ابن عمر وعكرمة وعطاء والحكم والأوزاعي وأبي ثور.
وإنما نبهنا على حكم من كان خارج المدينة أو القرية؛ لأن بعض الناس يظن أن هذا الخلاف هو فيمن كان داخل المدينة، وهو ظن مجانب للصواب.
قال النووي رحمه الله: " قال الشافعي والأصحاب: إذا كان في البلد أربعون فصاعدا من أهل الكمال، وجب الجمعة على كل من فيه وإن اتسعت خطة البلد فراسخ، وسواء سمع النداء أم لا. وهذا مجمع عليه " انتهى من المجموع" (4/353) .
وقال المرداوي في "الإنصاف": " محل الخلاف في التقدير بالفرسخ، أو إمكان سماع النداء، أو سماعه، أو ذهابهم ورجوعهم في يومهم: إنما هو في المقيم بقرية لا يبلغ عددهم ما يشترط في الجمعة، أو فيمن كان مقيما في الخيام ونحوها، أو فيمن كان مسافرا دون مسافة قصر، فمحل الخلاف في هؤلاء وشبههم. أما من هو في البلد التي تقام فيها الجمعة فإنها تلزمه، ولو كان بينه وبين موضع الجمعة فراسخ، سواء سمع النداء أو لم يسمعه، وسواء كان بنيانه متصلا أو متفرقا، إذا شمله اسم واحد " انتهى.
وينظر: "مجمع الأنهر" (1/169) ، "حاشية العدوي على شرح الرسالة" (1/376) ، "كشاف القناع" (2/22) .
والحاصل: أن المقيم في مدينة تجب عليه الجمعة، سواء سمع النداء أو لم يسمع، وهذا مما لا خلاف فيه بين العلماء.
لكن حصل خلاف في تحديد مفهوم "المدينة" فيما لو تباعدت وتفرقت بأن صارت أحياء بينها مزارع، فقال بعض العلماء: " لو تفرق، وفرقت بينه المزارع، فيكون كل حي كأنه مدينة مستقلة ".
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله بعد حكاية هذا القول: " ولكن الصحيح ما دام يشمله اسم واحد فهو بلد واحد، ولو فرض أن هذا البلد اتسع وصار بين أطرافه أميال أو فراسخ فهو وطن واحد تلزم الجمعة من بأقصاه الشرقي، كما تلزم من بأقصاه الغربي، وهكذا الشمال والجنوب؛ لأنه بلد واحد " انتهى من "الشرح الممتع" (5/17) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2022)
حكم الطواف أثناء خطبة الجمعة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن أطوف طواف الوداع بالحرم والإمام يخطب خطبة الجمعة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اختلف العلماء في حكم الطواف أثناء خطبة الجمعة، سواء كان الطواف واجبا كطواف الإفاضة والوادع وطواف العمرة، أم كان مستحباً.
فذهب المالكية إلى منعه، قياساً على الصلاة، فإن المأموم منهي عن الصلاة أثناء خطبة الجمعة إلا تحية المسجد، وذلك لما فيها من الإعراض عن الخطيب والانشغال عن الخطبة، والطواف كالصلاة في هذا.
انظر "مواهب الجليل" (3/78) .
وذهب الشافعية إلى جواز الطواف أثناء خطبة الجمعة، ومنعوا قياسه على الصلاة، لأن الطواف لا ينافي الاستماع للخطبة، بخلاف الصلاة فالانشغال بها أقوى.
وانظر: "الغرر البهية" (2/ 29) ، " الفتاوى الفقهية الكبرى " (1/ 239) .
واختار الشيخ ابن جبرين المنع من الطواف أثناء خطبة الجمعة، فقد سئل: ما حكم الطواف تطوعاً للمقيم والمسافر والخطيب يخطب يوم الجمعة؟
فأجاب: " إذا ابتدأ الخطيب يخطب وجب على المصلين الإنصات للخطبة والبقاء في أماكنهم ولم يجز الاشتغال بغير ذلك إلا لمن دخل والخطيب يخطب، فإنه يصلي ركعتين يخففهما، سواء كان من أهل مكة أو من غيرهم، فالأدلة عامة في النهي عن الحركة والكلام حال خطبة الخطيب، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا قلت لصاحبك أنصت والإمام يخطب فقد لغوت) . هكذا حذر من هذه الكلمة مع أنها للصلاة، فعلى هذا نرى أنه لا يجوز الطواف على كل حال ما دام الإمام يخطب خطبة الجمعة، وقد كان الأئمة قديماً يمنعون من الطواف حال الخطبة، ولكن تساهل المتأخرون وادعوا أنهم عاجزون عن حجز أولئك الذين يطوفون، والذين يتعللون بأنهم مسافرون يودّعون البيت بهذا الطواف، أو يرون فضل الطواف على الإنصات لسماع الخطبة، ولكن هذا غير صحيح، فنرى لزوم منعهم حتى يفرغ من الصلاة، وأما خطبة العيد فلا بأس بالطواف حال خطبته وذلك لأنها سنة، ولا يلزم البقاء للمصلين إلى انتهائها " انتهى نقلا عن مجلة الحرس الوطني، عدد 272 بتاريخ 1/1/2005.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2023)
اختلاف المطالع بين البلدان تأثيرها على المنتقلين بينها
[السُّؤَالُ]
ـ[مسلم صام رمضان وصلى العيد ثم سافر لبلده في الشرق فوجدهم لا زالوا يصومون رمضان، فهل يصوم معهم أم لا يصوم لأنه أنهى صيام رمضان قبل السفر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عما إذا صام رجل تسعة وعشرين يوما وشهد العيد في اليوم الثلاثين في البلد الذي كان صائماً فيه، ثم ذهب في صباح يوم العيد إلى بلد آخر، وهو مفطر، ووجدهم صائمين فهل يصوم أو يبقى على فطره وعيده؟
فأجاب بقوله: " لا يلزمك أن تمسك لأنك أفطرت بطريق شرعي فصار اليوم في حقك يوما مباحا، فلا يلزمك إمساكه، لو غابت عليك الشمس في بلد ثم سافرت إلى بلد فأدركت الشمس قبل أن تغيب فإنه لا يلزمك صيامه. "
وسئل رحمه الله عما إذا بدأنا الصوم في المملكة العربية السعودية ثم سافرنا إلى بلادنا في شرق آسيا في شهر رمضان حيث يتأخر الشهر الهجري هناك يوما فهل نصوم واحدا وثلاثين يوما، وإن صاموا تسعة وعشرين يوما فهل يفطرون أم لا؟
فأجاب بقوله:" إذا سافر الإنسان من البلد التي صام فيها أول الشهر إلى بلد تأخر عندهم الفطر فإنه يبقى لا يفطر حتى يفطروا، ونظير هذا لو سافر في يومه إلى بلد يتأخر فيه غروب الشمس فإنه يبقى صائما حتى تغرب الشمس ولو بلغ عشرين ساعة، إلا إن أفطر من أجل السفر فله الفطر من أجل السفر، وكذلك العكس لو سافر إلى بلد أفطروا قبل أن يتم الثلاثين فإنه يفطر معهم، إن كان الشهر تاما قضى يوما، وإن كان غير تام فلا شيء عليه، فهو يقضي إذا نقص الشهر، وإذا زاد الشهر يتحمل الزيادة، والله أعلم. " انتهى من مجموع الفتاوى 19.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2024)
يعمل في مصنع ولا يستطيع الذهاب لصلاة الجمعة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أشتغل في مصنع مناوب كهربائي أعمل يوماً وأرتاح يومين، ويصادف أحيانا يوم العمل يوم الجمعة ولظروف العمل لا أستطيع الذهاب إلى صلاة الجمعة فهل يترتب على شيء؟ فما العمل أرجو النصيحة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب على من سمع النداء يوم الجمعة، وهو من أهل الجمعة أن يلبي النداء، وقد قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون) الجمعة/9، وعن ابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين) رواه مسلم (865)
وعلى هذا فإن عليك أن تخبر صاحب العمل بأنك ستذهب إلى صلاة الجمعة، وعليه أن يأذن لك ولغيرك من المسلمين، ويمكن أن تخبره بأنك ستعوض ذلك الوقت بعمل إضافي، وادع الله تعالى أن ييسر لك الأمر، (ومن يتق الله يجعل له مخرجا)
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن بعض العمال الذين لا يأذن لهم كفلاؤهم بصلاة الجمعة بحجة أنهم حراس في المزرعة؟
فأجاب رحمه الله:
إذا كان هؤلاء العمال بعيدين عن المسجد بحيث لا يسمعون النداء لولا مكبر الصوت، وهم خارج البلد فإن الجمعة لا تلزمهم، ويطمئن العمال بأنه لا إثم عليهم في البقاء في المزرعة، ويصلون ظهرا، ويشار على كفيلهم أن يأذن لهم لأن ذلك خيرٌ له وخيرٌ لهم، وتطييبا لقلوبهم وربما يكون ذلك سببا في نصحهم إذا قاموا بالعمل، بخلاف ما إذا ضغط عليهم، وكثير من العمال يطلبون صلاة الجمعة من أجل أن يلتقوا بأصحابهم ومعارفهم، ولهذا تجدهم يأتون إلى الجمعة ويتحدثون في السوق يتحدثون إلى أن يحضر الإمام، فإذا حضر الإمام دخلوا المسجد
والمدار على ما سبق إذا سمعوا النداء، أو كانوا داخل البلد فليحضروا، وإذا كانوا خارج البلد لا يسمعون النداء، فليس عليهم شيء. اهـ. بتصرف
وسئلت اللجنة الدائمة عن شاب يعمل كحارس في فيلا وصاحب العمل لا يريد منه أن يصلي في المسجد، ويضربه ويهدده بالترحيل إلى بلاده إن صلى في المسجد فأجابت:
الصلوات الخمس يجب أداؤها في المسجد جماعة، فعليك أن تؤديها جماعة في المسجد، وأن تصبر وتحتسب في ذلك، وسيجعل الله بعد عسر يسرا (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا) واعلم أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فكن مع الله يكن الله معك.
وبالله التوفيق.
والله أعلم.
انظر فتاوى اللجنة الدائمة 7 / 302، لقاء الباب المفتوح 1 / 413.
ولكن إذا كان تركك للعمل وقت صلاة الجمعة يترتب عليه الإضرار بالمصنع كاحتمال تعطل الآلات، أو حدوث حرائق ونحو ذلك، وكان معك في المصنع رجال آخرون، فإنكم تصلونها جمعة في المصنع، إذا كان المصنع داخل المدينة، أو خارجها وتسمعون الأذان بلا مكبر للصوت.
أما إذا كان المصنع خارج المدينة بحيث لا تسمعون الأذان لولا مكبرات الصوت، أو كنتم تخشون من ترك العمل وقت الصلاة حصول أضرار في العمل فإن ذلك يكون عذراً لكم في ترك صلاة الجمعة، وحينئذ تصلونها ظهراً وتكون جماعة إن أمكن.
وقد سئلت اللجنة الدائمة (8/188) عن موظفي البرق والهاتف الذين يستمر عملهم يوم الجمعة وقت الصلاة، وإذا تركوا العمل توقفت الاتصالات اللاسلكية والهاتفية، هل يجوز لهم ترك صلاة الجمعة؟
فأجابت اللجنة بأن صلاة الجمعة فرض على الأعيان للأدلة من الكتاب والسنة وإجماع أهل العلم، ثم قالت: (ولكن إذا وجد عذر شرعي لدى من تجب عليه الجمعة كأن يكون مسؤولاً مسؤولية مباشرة عن عمل يتصل بأمن الأمة، وحفظ مصالحها، يتطلب قيامه عليه وقت صلاة جمعة كحال رجال الأمن والمرور والمخابرات اللاسلكية والهاتفية ونحوهم، الذين عليهم النوبة وقت النداء الأخير لصلاة جمعة أو إقامة الصلاة جماعة، فإنه وأمثاله يعذر بذلك في ترك الجمعة والجماعة لعموم قول الله سبحانه: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ، وقول رسول الله عليه الصلاة والسلام: (ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم) ، ولأنه ليس بأقلّ عذراً ممن يعذر بترك الجمعة والجماعة ما دام العذر قائماً غير أن ذلك لا يسقط عنه فرض الظهر، بل عليه أن يصليها في وقتها، ومتى أمكن فعلها جماعة وجب ذلك كسائر الفروض الخمسة " اهـ.
وسئلت أيضاً (8/191) عن طبيب يناوب في المستوصف وقت صلاة الجمعة لمداواة مريض أو إسعاف جريح يكون في حالة عاجلة، هل يجوز له ترك صلاة الجمعة، فأجابت:
الطبيب المذكور في السؤال قائم بأمر عظيم ينفع المسلمين ويترتب على ذهابه إلى الجمعة خطر عظيم، فلا حرج عليه في ترك صلاة الجمعة، وعليه أن يصلي الظهر في وقتها ن ومتى أمكن أداوه جماعة وجب ذلك، لقول الله سبحانه: (فاتقوا الله ما استطعتم) ، فإذا كان من الموظفين من يتناوب معه وجب عليهم أن يصلوا الظهر جماعة. اهـ.
وسئلت ـ أيضاً ـ (8/192) عن حارس لمحطة بنزين تبعد عن البلد بحوالي كيلوين، فهل يجور ل ترك صلاة الجمعة، مع العلم أن المحطة سبق أن سرقت واشتعلت فيها النيران ويسكن فيها أولاده ومحارمه.
فأجابت:
إذا كان الأمر كما ذكر جاز للحارس أن يصلي الجمعة ظهراً ليقوم بحراسة من ذكر وما ذكره لعموم الأدلة الشرعية الدالة على ترك الجمعة في مثل هذا العذر.اهـ.
وسئلت أيضاً (8/194) عن جماعة من الموظفين يترواح عددهم ما بين 13 إلى 15 موظفاً يعملون في مصفاة بترول بإحدى المدن، ويصلون الجمعة في مكان العمل نظراً لأنهم لا يستطعيون الخروج لصلاة الجمعة لظروف العمل.
فأجابت:
إذا كان أمر كما ذكر فإنكم تصلون جمعة في محل عملكم، لقوله تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم) اهـ.
والخلاصة:
أنه إذا وجدت مصلحة عامة للمسلمين أو خاصة تضيع كسرقة مال أو احتراقه أو تلفه أو يحصل ضرر بحضور الجمعة جاز التخلف عنها وصلاتها ظهراً.
أما إذا كان سبب التخلف زيادة ربح أو مزيد إنتاج أو زيادة تحصيل دراسي المجرد البقاء في الوظيفة وعدم فقد العمل أو لأن راتب هذه الوظيفة أكثر ونحو ذلك من منافع الدنيا ونحو ذلك فإن هذا ليس بسبب يجيز شرعاً التخلف عن الجمعة، كيف وقد قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) الجمعة/9
وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ تَهَاوُنًا بِهَا طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ) رواه الترمذي (500) وصححه الألباني.
فحذار من التخلف عنها.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2025)
رئيسه يمنعه من حضور صلاة الجمعة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا منعني رئيسي في العمل من صلاة الجمعة فهل أستقيل من العمل أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان عملك خارج المدينة ولا تسمع صوت المؤذن إذا أذَّن بلا مكبر للصوت، فإن صلاة الجمعة غير واجبة عليك، وتصلي ظهراً.
أما إذا كنت داخل المدينة، أو كنت خارجها ولكنك تسمع الأذان فيجب عليك حضور صلاة الجمعة.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن بعض العمال الذين لا يأذن لهم كفلاؤهم بصلاة الجمعة بحجة أنهم حراس في المزرعة.
فأجاب:
إذا كان هؤلاء العمال بعيدين عن المسجد بحيث لا يسمعون النداء لولا مكبر الصوت، وهم خارج البلد فإن الجمعة لا تلزمهم، ويطمئن العمال بأنه لا إثم عليهم في البقاء في المزرعة، ويصلون ظهرا، ويشار على كفيلهم أن يأذن لهم لأن ذلك خيرٌ له وخيرٌ لهم اهـ
لقاء الباب المفتوح (1/413) .
وسئلت اللجنة الدائمة عن شاب يعمل خادماً عند أحد الأشخاص، ويمنعه صاحب العمل من الصلاة في المسجد، ويضربه إذا صلى في المسجد، ويهدده بالترحيل إلى بلاده.
فأجابت:
الصلوات الخمس يجب أداؤها في المسجد جماعة، فعليك أن تؤديها جماعة في المسجد، وأن تصبر وتحتسب في ذلك، وسيجعل الله بعد عسر يسرا: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) الطلاق/2-3.
واعلم أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فكن مع الله يكن الله معك اهـ.
فتاوى اللجنة الدائمة (7/302) .
وعلى هذا. . فالنصيحة لك أيها السائل أن تتفاهم مع رئيسك في العمل، وأن تشرح له الوضع، وأن تعده بتعويض الوقت الذي تقضيه في صلاة الجمعة لضمان مصلحة العمل، فإن استجاب لك وإلا فلا خير في عمل يمنعك من الصلاة. ومن ترك شيئاً لله عَوَّضه الله خيراً منه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2026)
رفع اليدين في الدعاء يوم الجمعة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يستحب رفع اليدين عند التأمين على دعاء الخطيب يوم الجمعة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل أن يرفع الداعي يديه عند الدعاء. لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ) رواه الترمذي (3556) . وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
قال في تحفة الأحوذي:
وَفِي الْحَدِيثِ دَلالَةٌ عَلَى اِسْتِحْبَابِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الدُّعَاءِ وَالْأَحَادِيثُ فِيهِ كَثِيرَةٌ اهـ.
إلا أنه ورد في شأن الخطيب يوم الجمعة إذا دعا على المنبر أنه يشير بسبابته فقط ولا يرفع يديه، بل أنكر بعض الصحابة على الخطيب الذي يرفع يديه في الدعاء.
روى مسلم (874) وأبو داود (1104) عَنْ عُمَارَةَ بْنِ رُؤَيْبَةَ أنه رَأَى بِشْرَ بْنَ مَرْوَانَ عَلَى الْمِنْبَرِ رَافِعًا يَدَيْهِ (زاد أبو داود: وَهُوَ يَدْعُو فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ) فَقَالَ: (قَبَّحَ اللَّهُ هَاتَيْنِ الْيَدَيْنِ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقُولَ بِيَدِهِ هَكَذَا وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ الْمُسَبِّحَةِ) .
قال النووي:
فِيهِ أَنَّ السُّنَّة أَنْ لا يَرْفَع الْيَد فِي الْخُطْبَة وَهُوَ قَوْل مَالِك وَأَصْحَابنَا وَغَيْرهمْ اهـ.
وفي "تحفة الأحوذي":
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى كَرَاهَةِ رَفْعِ الأَيْدِي عَلَى الْمِنْبَرِ حَالَ الدُّعَاءِ اهـ.
وإذا لم يشرع رفع اليدين للخطيب فالمأمومون مثله لأنهم يقتدون به.
لكن إذا دعا الإمام للاستسقاء يوم الجمعة وهو على المنبر فالسنة أن يرفع يديه، ويرفع المأمومون أيديهم ويدعون معه.
روى البخاري (933) ومسلم (897) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: أَصَابَتْ النَّاسَ سَنَةٌ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكَ الْمَالُ، وَجَاعَ الْعِيَالُ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا. فَرَفَعَ يَدَيْهِ [زَادَ البخاري في رواية تعليقاً ووصلها البيهقي: (وَرَفَعَ النَّاس أَيْدِيهمْ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُونَ) ] ، وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا وَضَعَهَا حَتَّى ثَارَ السَّحَابُ أَمْثَالَ الْجِبَالِ، ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ حَتَّى رَأَيْتُ الْمَطَرَ يَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمُطِرْنَا يَوْمَنَا ذَلِكَ، وَمِنْ الْغَدِ، وَبَعْدَ الْغَدِ وَالَّذِي يَلِيهِ حَتَّى الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى، وَقَامَ ذَلِكَ الْأَعْرَابِيُّ أَوْ غَيْرُهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَهَدَّمَ الْبِنَاءُ، وَغَرِقَ الْمَالُ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا، فَرَفَعَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلا عَلَيْنَا، فَمَا يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنْ السَّحَابِ إِلا انْفَرَجَتْ، وَصَارَتْ الْمَدِينَةُ مِثْلَ الْجَوْبَةِ، وَسَالَ الْوَادِي قَنَاةُ شَهْرًا، وَلَمْ يَجِئْ أَحَدٌ مِنْ نَاحِيَةٍ إِلا حَدَّثَ بِالْجَوْدِ.
سَنَة: أَيْ جَدْب.
قَزَعَة: أَيْ سَحَاب مُتَفَرِّق.
سَلْع: جَبَل مَعْرُوف بِالْمَدِينَةِ.
مِثْل التُّرْس: أَيْ مُسْتَدِيرَة.
الْجَوْبَة: هِيَ الْحُفْرَة الْمُسْتَدِيرَة الْوَاسِعَة , وَالْمُرَاد أن السحاب انفرج من فوق المدينة وبقي حولها.
الْجَوْدِ: هُوَ الْمَطَر الْغَزِير.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
ما هو حكم رفع الأيدي والإمام يخطب يوم الجمعة؟ فأجاب:
رفع الأيدي والإمام يخطب يوم الجمعة ليس بمشروع، وقد أنكر الصحابة على بشر بن مروان حين رفع يديه في خطبة الجمعة، لكن يستثنى من ذلك الدعاء بالاستسقاء فإنه ثبت عن النبي أنه رفع يديه يدعو الله عز وجل بالغيث وهو في خطبة الجمعة، ورفع الناس أيديهم معه، وما عدا ذلك فإنه لا ينبغي رفع اليدين في حال الدعاء في خطبة الجمعة اهـ.
"فتاوى أركان الإسلام" (ص 392) .
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2027)
حديث أبي موسى وحذيفة أن تكبيرات صلاة العيد أربع كالجنازة
[السُّؤَالُ]
ـ[ورد حديث في سنن أبي داود، وهو في باب التكبيرات: حدثنا محمد بن العلاء وابن أبي زياد المعنى قريب، قالا ثنا زيد يعني بن حباب، عن عبد الرحمن بن ثوبان، عن أبيه، عن مكحول، قال أخبرني أبو عائشة جليس لأبي هريرة، أن سعيد بن العاص سأل أبا موسى الأشعري وحذيفة بن اليمان: كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر في الأضحى والفطر؟ فقال أبو موسى: كان يكبر أربعا، تكبيره على الجنائز، فقال حذيفة: صدق، فقال أبو موسى: كذلك كنت أكبر في البصرة حيث كنت عليهم. وقال أبو عائشة وأنا حاضر سعيد بن العاص. قال الشيخ الألباني: حسن صحيح. هل صحح هذا الحديث غير الشيخ الألباني، وما رأيكم فيه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الذي دلت عليه الأحاديث الكثيرة المرفوعة، أن عدد تكبيرات صلاة العيد: سبعُ تكبيرات في الركعة الأولى سوى تكبيرة الإحرام، وخمسُ تكبيرات في الركعة الثانية سوى تكبيرة القيام.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما: قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (التَّكْبِيرُ فِي الْفِطْرِ: سَبْعٌ فِي الْأُولَى، وَخَمْسٌ فِي الْآخِرَةِ، وَالْقِرَاءَةُ بَعْدَهُمَا كِلْتَيْهِمَا) رواه أبو داود (1151) ، ونقل الترمذي عن البخاري أنه صحح هذا الحديث، انظر: "ترتيب العلل الكبير" (154) ، وحسنه النووي في "الخلاصة" (2/831) ، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".
وعَنْ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كَبَّرَ فِي الْعِيدَيْنِ فِي الْأُولَى سَبْعًا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، وَفِي الْآخِرَةِ خَمْسًا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ) رواه الترمذي (536) ، وقال: "وفي الباب عن عائشة، وابن عمر، وعبد الله بن عمرو. حديث جد كثير حديث حسن، وهو أحسن شيء روي في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم، واسمه عمرو بن عوف المزني" انتهى.
ونقل الترمذي عن البخاري رحمه الله قوله:
"فقال: ليس في الباب شيء أصح من هذا , وبه أقول" انتهى.
"ترتيب العلل الكبير" (153) .
وقد أخذ بهذه الأحاديث جماهير أهل العلم، وجاء العمل بها عن كثير من الصحابة والتابعين.
قال النووي رحمه الله:
"مذهبنا أن في الأولى سبعا , وفي الثانية خمسا، وحكاه الخطابي في " معالم السنن " عن أكثر العلماء , وحكاه صاحب الحاوي عن أكثر الصحابة والتابعين , وحكاه عن ابن عمر، وابن عباس، وأبي هريرة، وأبي سعيد الخدري، ويحيى الأنصاري، والزهري، ومالك، والأوزاعي، وأحمد، وإسحق , وحكاه المحاملي عن أبي بكر الصديق، وعمر، وعلي، وزيد بن ثابت، وعائشة رضي الله عنهم , وحكاه العبدري أيضا عن الليث، وأبي يوسف، وداود" انتهى.
"المجموع" (5/24-25) .
ثانياً:
أما الأحاديث المرفوعة المخالفة لما سبق، فمنها: الحديث الذي ذكره السائل، وقد ضعفه كثير من العلماء لما يلي:
1-فيه: عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان: قال الإمام أحمد: أحاديثه مناكير، وقال مرة: لم يكن بالقوي في الحديث، وقال ابن معين في رواية: ضعيف، وقال النسائي: ضعيف. وقد وثقه أبو حاتم، وقال عنه ابن معين: ليس به بأس.
انظر "تهذيب التهذيب" (6/151) .
2-وفيه: أبو عائشة - جليس أبي هريرة -: مجهول لا تعرف حاله، قاله ابن حزم، وابن القطان، والذهبي، كما في " بيان الوهم " (5/44) ، و " ميزان الاعتدال " (4/543)
3-مخالفة هذه الرواية لما هو أشهر وأوثق، أن أبا موسى وحذيفة إنما ذكرا التكبير للعيد أربعا عن ابن مسعود، ولم ينقلاه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال البيهقي رحمه الله:
"قد خولف راوي هذا الحديث في موضعين:
أحدهما: في رفع.
والآخر: في جواب أبي موسى.
والمشهور في هذه القصة أنهم أسندوا أمرهم إلى ابن مسعود، فأفتاه ابن مسعود بذلك، ولم يسنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
كذلك رواه أبو إسحاق السبيعي، عن عبد الله بن موسى، أو بن أبي موسى، أن سعيد بن العاص أرسل إلى ابن مسعود وحذيفة وأبي موسى فسألهم عن التكبير في العيد، فأسندوا أمرهم إلى ابن مسعود، فقال: تكبر أربعا قبل القراءة ثم تقرأ، فإذا فرغت كبرت فركعت، ثم تقوم في الثانية فتقرأ، فإذا فرغت كبرت أربعا.
وعبد الرحمن: هو ابن ثابت بن ثوبان: ضعفه يحيى بن معين، قال: وكان رجلا صالحا. ورواه النعمان بن المنذر عن مكحول عن رسول أبي موسى وحذيفة عنهما عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يسم الرسول، وقال: سوى تكبيرة الافتتاح والركوع " انتهى.
"السنن الكبرى" (3/289) .
وقال الخطابي:
"روى أبو داود في هذا الباب حديثا ضعيفا – فذكره -" انتهى.
"معالم السنن" (1/251) .
وقال ابن حزم رحمه الله:
"لا يصح" انتهى.
"المحلى" (5/84) .
وقال ابن قدامة رحمه الله:
"ضعيف" انتهى.
"المغني" (3/270) .
وقال النووي رحمه الله:
"حديث ضعيف" انتهى.
"المجموع" (5/25) .
وضعفه ابن عبد الهادي في "تنقيح التحقيق" (2/93) .
حديث آخر: عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عِيدٍ , فَكَبَّرَ أَرْبَعًا , وَأَرْبَعًا , ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ حِينَ انْصَرَفَ , قَالَ: لَا تَنْسَوْا , كَتَكْبِيرِ الْجَنَائِزِ , وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ , وَقَبَضَ إِبْهَامَهُ) رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (4/345) قال: علي بن عبد الرحمن ويحيى بن عثمان قد حدثانا , قالا: ثنا عبد الله بن يوسف، عن يحيى بن حمزة قال: حدثني الوضين بن عطاء، أن القاسم أبا عبد الرحمن حدثه , قال: حدثني بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
ثم قال الطحاوي رحمه الله:
"فهذا حديث حسن الإسناد، وعبد الله بن يوسف , ويحيى بن حمزة , والوضين والقاسم: كلهم أهل رواية , معروفون بصحة الرواية ليس كمن روينا عنه الآثار الأول فإن كان هذا الباب من طريق صحة الإسناد , يؤخذ , فإن هذا أولى أن يؤخذ به , مما خالفه" انتهى.
ووافقه الألباني رحمه الله في "السلسلة الصحيحة" (2997) .
إلا أن الوضين بن عطاء، فهو وإن قال عنه ابن معين وأحمد: لا بأس به، فقد تكلم فيه بعض أهل العلم، فعن الوليد بن مسلم أنه قال فيه: كان صاحب خطب، ولم يكن في الحديث بذاك. وقال محمد بن سعد: كان ضعيفا في الحديث. وقال الجوزجانى: واهي الحديث. وقال أبو حاتم: تعرف وتنكر. وقال إبراهيم بن إسحاق الحربى: غيره أوثق منه. وقال عبد الباقى بن قانع: ضعيف.
انظر: "تهذيب التهذيب" (11/121) .
وعلى هذا، فالأحاديث التي فيها التكبير سبع في الأولى، وخمس في الثانية أكثر وأصح، فهي أولى بالتقديم، لا سيما وجمهور الصحابة والفقهاء على العمل بها.
قال البيهقي رحمه الله:
"والحديث المسند، مع ما عليه من عمل المسلمين أولى أن يتبع" انتهى.
"السنن الكبرى" (3/291) .
وقال النووي رحمه الله:
"رواة ما ذهبنا إليه أكثر، وأحفظ، وأوثق، مع أن معهم زيادة، والله أعلم" انتهى.
"المجموع" (5/25) .
وقد سبق قول الإمام البخاري رحمه الله عن حديث التكبير سبعا في الأولى وخمسا في الثانية: إنه أصح شيء في هذا الباب.
ثالثاً:
ثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يكبر في الأولى أربعاً وفي الثانية أربعاً، وورد عن غيره من الصحابة غير ذلك.
انظر: "مصنف ابن أبي شيبة" (2/78 – 81) .
وعليه؛ فهذه المسألة من المسائل الاجتهادية، التي يعمل فيها كل مسلم بما يراه راجحاً، ولا ينكر على من يخالفه.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"لو أنه خالف فجعلها خمساً في الأولى والثانية، أو سبعاً في الأولى والثانية، حسب ما ورد عن الصحابة، فقد قال الإمام أحمد رحمه الله: اختلف أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم في التكبير، وكله جائز، أي: أن الإمام أحمد يرى أن الأمر في هذا واسع، وأن الإنسان لو كبّر على غير هذا الوجه مما جاء عن الصحابة، فإنه لا بأس به، وهذه جادة مذهب الإمام أحمد نفسه رحمه الله، أنه يرى أن السلف إذا اختلفوا في شيء، وليس هناك نص فاصل قاطع، فإنه كله يكون جائزاً؛ لأنه رحمه الله يعظم كلام الصحابة ويحترمه، فيقول: إذا لم يكن هناك نص فاصل يمنع من أحد الأقوال فإن الأمر في هذا واسع. ولا شك أن هذا الذي نحا إليه الإمام أحمد من أفضل ما يكون لجمع الأمة واتفاق كلمتها؛ لأن من الناس من يجعل الاختلاف في الرأي الذي يسوغ فيه الاجتهاد سبباً للفرقة والشتات، حتى إنه ليضلل أخاه بأمر قد يكون فيه هو الضال، وهذا من المحنة التي انتشرت في هذا العصر على ما في هذا العصر من التفاؤل الطيب في هذه اليقظة من الشباب خاصة، فإنه ربما تفسد هذه اليقظة، وتعود إلى سبات عميق بسبب هذا التفرق، وأن كل واحد منهم إذا خالفه أخوه في مسألة اجتهادية ليس فيها نص قاطع ذهب ينفر عنه ويسبّه ويتكلم فيه، وهذه محنة أفرح من يفرح بها أعداء هذه اليقظة؛ لأنهم يقولون: سقينا بدعوة غيرنا، جعل الله بأسهم بينهم، حتى أصبح بعض الناس يبغض أخاه في الدين، أكثر مما يبغض الفاسق والعياذ بالله، وهذا لا شك أنه ضرر، وينبغي لطلبة العلم أن يدركوا ضرر هذا علينا جميعاً، وهل جاءك وحي من الله أن قولك هو الصواب؟ وإذا لم يأته وحي أن قوله هو الصواب، فما الذي يدريه؟ لعل قول صاحبه هو الصواب، وهو على ضلال، هذا هو الواقع، والآن ليس أحد من الناس يأتيه الوحي، فالكتاب والسنّة بين أيدينا، وإذا كان الأمر قابلاً للاجتهاد، فليعذر أحدنا أخاه فيما اجتهد فيه. ولا بأس من النقاش المفيد الهادئ بين الإخوة، وأُفضِّل أن يكون النقاش بين المختلفين في غير حضور الآخرين؛ لأن الآخرين قد يحملون في نفوسهم من هذا النقاش ما لا يحمله المتناقشان، فربما يؤول الأمر بينهما إلى الاتفاق، لكن الآخرين الذين حضروا مثلاً قد يكون في قلوبهم شيء يحمل حتى بعد اتفاق هؤلاء، فيجري الشيطان بينهم بالعداوة، وحينئذٍ نبقى في بلائنا.
فأقول: جزى الله الإمام أحمد خيراً على هذه الطريقة الحسنة: (أن السلف إذا اختلفوا في شيء، وليس هناك نص فاصل، فإن الأمر يكون واسعاً كله جائز) " انتهى.
"الشرح الممتع" (5/136-138) .
وانظر لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم: (36491) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2028)
إذا فاتته ركعة من صلاة العيد أو الاستسقاء فكيف يصليها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا يجب العمل على من فاته بعض من صلاة الاستسقاء أو العيد، كمن لحق بالركعة الثانية، أو فاته الركوع أو السجود بهذه الصلوات؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الصحيح من أقوال أهل العلم أن ما يدركه المسبوق مع الإمام هو أول صلاته، وما يأتي به منفردا هو آخر صلاته، وهو مذهب الشافعي رحمه الله، ورواية عن أحمد رحمه الله، وينظر: "المجموع" للنووي (4/420) .
والحجة في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا سَمِعْتُمْ الْإِقَامَةَ فَامْشُوا إِلَى الصَّلَاةِ وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ، وَلَا تُسْرِعُوا، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا) رواه البخاري (636) ومسلم (602) . ومعنى أتموا: أكملوا. كما في "فتح الباري" (2 /118) ، وهذا معناه أن ما أدركه المسبوق مع الإمام هو أول صلاته.
وينظر جواب السؤال رقم (49037) .
ولا فرق في ذلك بين الصلوات المكتوبات أو صلاة العيد أو الاستسقاء أو غيرها، فلو أدرك المأموم ركعة من العيد، كانت هي الأولى في حقه، ثم يقوم بعد سلام الإمام فيأتي بالركعة الثانية، فيكبر في أولها خمس تكبيرات؛ لأنها الركعة الثانية في حقه.
وإذا أدرك ركعة من الاستسقاء، قام كذلك فأتى بركعة يكبر في أولها خمس تكبيرات؛ لأنها الركعة الثانية في حقه.
وإذا أدرك السجود من الركعة الثانية أو أدرك التشهد الأخير، قام فأتى بركعتين يكبر في الأولى سبعاً أو ستاً بعد تكبيرة الإحرام، ويكبر في الثانية خمساً غير تكبيرة القيام.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2029)
حكم النداء بـ صلاة العيد أثابكم الله
[السُّؤَالُ]
ـ[أحيانا يقولون: " صلاة العيد أثابكم الله " قبل الصلاة , ماذا يفعل المرء إذا أصروا على هذه الأشياء , هل يصلي في بيته؟ جزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
اتفق الفقهاء على عدم مشروعية الأذان والإقامة لصلاة العيد.
وفي صحيح مسلم (886) أن ابْنُ جُرَيْجٍ قال: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ قَالَا: (لَمْ يَكُنْ يُؤَذَّنُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَلَا يَوْمَ الْأَضْحَى) .
قال ابن جريج: ثُمَّ سَأَلْتُهُ ـ يعني: عطاءً ـ بَعْدَ حِينٍ عَنْ ذَلِكَ، فَأَخْبَرَنِي قَالَ: أَخْبَرَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ: (أَنْ لَا أَذَانَ لِلصَّلَاةِ يَوْمَ الْفِطْرِ حِينَ يَخْرُجُ الْإِمَامُ، وَلَا بَعْدَ مَا يَخْرُجُ، وَلَا إِقَامَةَ وَلَا نِدَاءَ وَلَا شَيْءَ؛ لَا نِدَاءَ يَوْمَئِذٍ وَلَا إِقَامَةَ) .
واختلفوا في النداء لها بكلام آخر كقولهم " الصلاة جامعة "، أو " صلاة العيد يرحمكم الله " ونحو ذلك، على قولين:
القول الأول: المنع، قالوا فلا ينادى لها بشيء، لا يقال: " الصلاة جامعة "، ولا غير ذلك، وهو أحد القولين في مذهب المالكية والحنابلة.
قال ابن قدامة رحمه الله:
" عن عطاء , قال: أخبرني جابر أن لا أذان يوم الفطر حين يخرج الإمام , ولا بعد ما يخرج الإمام , ولا إقامة , ولا نداء ولا شيء , لا نداء يومئذ ولا إقامة. رواه مسلم
وقال بعض أصحابنا: ينادى لها: الصلاة جامعة. وهو قول الشافعي. وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع " انتهى. " المغني " (2/117)
وقال الحطاب المالكي رحمه الله:
" (ولا ينادي الصلاة جامعة) قال ابن ناجي في شرح الرسالة الذي تلقيناه من شيوخنا: إن مثل هذا اللفظ بدعة لعدم وروده انتهى.
وقال الشيخ يوسف بن عمر ولا بأس أن يقول: الصلاة جامعة وإن كانت بدعة.
وفي " التوضيح " و " الشامل " و " الجزولي " أنه ينادي: " الصلاة جامعة " " انتهى. " مواهب الجليل شرح مختصر خليل " (2/191)
وقال ابن عليش المالكي رحمه الله:
" (ولا ينادَى) لفعلها بنحو قول (الصلاة جامعة) أي: يُكره، أو يُخالف الأولى لعدم ورود ذلك فيها، وبالكراهة صرح في " التوضيح " و " الشامل " و " الجزولي
وصرح ابن ناجي وابن عمر وغيرهما بأنه بدعة.
وما ذكره الخرشي من أنه جائز غير صواب، وما ذكره من أن الحديث ورد بذلك فيها فهو مردود بأنه لم يرد في العيد , وإنما ورد في الكسوف كما في " التوضيح " و " المواق " وغيرهما عن " الإكمال ".
وقياس العيد على الكسوف لا يصح لتكرر العيد وشهرته وندور الكسوف.
نعم نقل " المواق " أول باب الأذان أن " عياضا " استحسن أن يقال عند كل صلاة لا يؤذن لها: " الصلاة جامعة " لكن المصنف لم يعرج عليه. " انتهى.
" منح الجليل شرح مختصر خليل " (1/460)
وجاء في " فتاوى اللجنة الدائمة ":
" إذا قام الإمام لصلاة العيد فإنه يبدأ بتكبيرة الإحرام، ولا يقول للناس قبلها: الصلاة جامعة، ولا صلاة العيد، ولا غير ذلك من الألفاظ؛ لعدم ورود ما يدل عليه، وإنما ينادى بـ: " الصلاة جامعة " في كسوف الشمس، وخسوف والقمر " انتهى.
(8/314)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" وقال بعض العلماء؛ وهو المذهب: إنه ينادى للاستسقاء، والعيدين: " الصلاة جامعة " لكن هذا القول ليس بصحيح، ولا يصح قياسهما على الكسوف لوجهين:
الوجه الأول: أن الكسوف يقع بغتة، خصوصاً في الزمن الأول لما كان الناس لا يدرون عنه إلا إذا وقع.
الوجه الثاني: أن الاستسقاء والعيدين لم يكن النبي صلّى الله عليه وسلّم ينادي لهما؛ وكل شيء وجد سببه في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم ولم يفعله: ففعله بدعة؛ لأنه ليس هناك مانع يمنع الرسول صلّى الله عليه وسلّم من النداء، ولو كان هذا السبب يشرع له النداء لأمر المنادي أن ينادي لها.
فالصواب: أن العيدين والاستسقاء لا ينادى لهما " انتهى.
" الشرح الممتع " (5/199) .
وهو اختيار الشيخ السعدي رحمه الله، كما في " المختارات الجلية " (ص/53)
وقد سبق اختيار هذا القول، وتأييده بالنقول عن أهل العلم في جواب السؤال رقم: (48972)
القول الثاني: مشروعية النداء بقولهم: " الصلاة جامعة "، أو " الصلاة يرحمكم الله "، ونحو ذلك من الكلمات التي تشعر بإقامة الصلاة.
وهو قول الحنفية كما في " العناية شرح الهداية " (1/424) ، وقول الشافعية، والصحيح عند الحنابلة، ومذهب الظاهرية كما في " المحلى " (2/178) .
قال النووي رحمه الله:
" قال الشافعي والأصحاب: ويستحب أن يقال: الصلاة جامعة ; لما ذكرناه من القياس على الكسوف قال الشافعي في الأم: وأحب أن يأمر الإمام المؤذن أن يقول في الأعياد , وما جمع الناس من الصلاة: " الصلاة جامعة " أو " الصلاة " قال: وإن قال: " هلم إلى الصلاة " لم نكرهه وإن قال: " ح على الصلاة " فلا بأس، وإن كنت أحب أن يتوقى ذلك لأنه من كلام الأذان، وأحب أن يتوقى جميع كلام الأذان " انتهى.
" المجموع " (5/20)
وقال البهوتي الحنبلي رحمه الله:
" (وينادى لعيد وكسوف واستسقاء: الصلاة جامعة , أو الصلاة)
قال في الفروع: وينادى لكسوف لأنه في الصحيحين , واستسقاء، وعيد: " الصلاة جامعة " أو " الصلاة ". وقيل: لا ينادى. وقيل: لا ينادى في عيد كجنازة وتراويح على الأصح فيهما، قال ابن عباس وجابر: (لم يكن يؤذن يوم الفطر حين خروج الإمام، ولا بعد ما يخرج , ولا إقامة، ولا نداء، ولا شيء) متفق عليه." انتهى.
" كشاف القناع " (1/233) ، وانظر " الإنصاف " (1/428) ، وقال في (2/459) : هذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب.
والراجح كما سبق ذكره هو القول الأول، أنه لا ينادى لصلاة العيد بشيء، فإن وقع ذلك فلا حرج على الحاضر، فهو قول معتبر لدى الفقهاء، ولا ينبغي أن يتسبب مثل ذلك في شقاق أو تدابر بين المصلين، خاصة في مثل ذلك اليوم؛ بل إن أمكنه أن يرشده القائمين على ذلك باللين والحسنى إلى ما هو الثابت في السنة، فبها ونعمت، وإلا حضر الصلاة معهم، ولا شيء عليه إن شاء الله. على أننا ننبه أن من أراد أن يعلم غيره السنة في ذلك، أو يدل على الصواب: فليكن ذلك قبل اجتماع الناس للصلاة، وأما إذا حضر الناس، فيصعب حينئذ أن يكون النصح والإرشاد هادئا ومفيدا، ولا يؤمن أن يترتب عليه ما يثير التباغض والتدابر، بل ما هو أكثر من ذلك.
نسأل الله أن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه من القول والعمل، وأن يجنبنا وإياكم الفتن، ما ظهر منها وما بطن.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2030)
حكم من أدرك التشهد مع الإمام في صلاة العيد أو الاستسقاء
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال: ما حكم من أدرك التشهد مع المصلين في صلاة العيدين، وصلاة الاستسقاء، هل يصلي ركعتين ويفعل كما فعل الإمام أم ماذا يعمل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" من أدرك التشهد فقط مع الإمام من صلاة العيدين، أو صلاة الاستسقاء، صلى بعد سلام الإمام ركعتين يفعل فيهما كما فعل الإمام من تكبير وقراءة وركوع وسجود.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (8/307) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2031)
ما يشرع لمن أتى مصلى العيد
[السُّؤَالُ]
ـ[لاحظت أن بعض الناس عندما يأتي لصلاة العيد يصلي ركعتين، وبعضهم يشتغل بالتكبير (الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر ولله الحمد) أرجو توضيح حكم الشرع في هذه الأمور، وهل هناك فرق بين كون الصلاة في المسجد أو في مصلى العيد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
السنة لمن أتى مصلى العيد لصلاة العيد، أو الاستسقاء أن يجلس ولا يصلي تحية المسجد، لأن ذلك لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه رضي الله عنهم فيما نعلم إلا إذا كانت الصلاة في المسجد فإنه يصلي تحية المسجد، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) متفق على صحته.
والمشروع لمن جلس ينتظر صلاة العيد أن يكثر من التهليل والتكبير، لأن ذلك هو شعار ذلك اليوم، وهو السنة للجميع في المسجد وخارجه حتى تنتهي الخطبة. ومن اشتغل بقراءة القرآن فلا بأس. والله ولي التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - م/13 ص/13.(5/2032)
هديه صلى الله عليه وسلم في صلاة العيدين
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف هدي النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة العيدين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي العيدين في المصلى، ولم يثبت عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه صلى العيد في مسجده.
قَالَ الشَّافِعِيّ فِي الأُمّ: بَلَغَنَا أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْرُج فِي الْعِيدَيْنِ إِلَى الْمُصَلَّى بِالْمَدِينَةِ وَهَكَذَا مَنْ بَعْده إِلا مِنْ عُذْر مَطَر وَنَحْوه , وَكَذَا عَامَّة أَهْل الْبُلْدَان إِلا أَهْل مَكَّة. اِنْتَهَى.
وكان يلبس للخروج إليهما أجمل ثيابه، فكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له حُلَّة يلبسها للعيدين والجمعة.
(والحُلَّة ثوبان من جنس واحد) .
وكان يأكل قبل خروجه في عيد الفطر تمرات، ويأكلهن وترا.
روى البخاري (953) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ، وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا.
وَقَالَ اِبْنُ قُدَامَةَ: لا نَعْلَمُ فِي اِسْتِحْبَابِ تَعْجِيلِ الأَكْلِ يَوْمَ الْفِطْرِ اِخْتِلافًا. اِنْتَهَى.
والْحِكْمَةُ فِي الأَكْلِ قَبْلَ الصَّلاةِ أَنْ لا يَظُنَّ ظَانٌّ لُزُومَ الصَّوْمِ حَتَّى يُصَلِّيَ الْعِيدَ.
وقيل: مُبَادَرَةً إِلَى اِمْتِثَالِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى بوجوب الفطر بعد وجوب الصوم.
فإن لم يجد المسلم تمراً أفطر على غيره ولو على ماء، حتى يحصل له أصل السنة. وهي الإفطار قبل صلاة عيد الفطر.
وأما في عيد الأضحى فكان لا يطعم حتى يرجع من المصلى فيأكل من أضحيته.
وروي عنه أنه كان يغتسل للعيدين، قال ابن القيم: فيه حديثان ضعيفان. . ولكن ثبت عن ابن عمر مع شدة اتباعه للسنة أنه كان يغتسل يوم العيد قبل خروجه اهـ.
وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخرج إلى صلاة العيد ماشيا، ويرجع ماشياً.
روى ابن ماجه (1295) عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ إِلَى الْعِيدِ، مَاشِيًا وَيَرْجِعُ مَاشِيًا. حسنه الألباني في صحيح ابن ماجه.
وروى الترمذي (530) عن عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: مِنْ السُّنَّةِ أَنْ تَخْرُجَ إِلَى الْعِيدِ مَاشِيًا. حسنه الألباني في صحيح الترمذي.
قَالَ الترمذي: وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يَخْرُجَ الرَّجُلُ إِلَى الْعِيدِ مَاشِيًا. . . وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لا يَرْكَبَ إِلا مِنْ عُذْرٍ.
وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا انتهى إلى المصلى أخذ في الصلاة من غير أذان ولا إقامة ولا قول الصلاة جامعة، والسنة أنه لا يُفعل شيءٌ من ذلك.
ولم يكن يصلي في المصلى قبل صلاة العيد أو بعدها شيئاً.
وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبدأ بالصلاة قبل الخطبة، فيصلي ركعتين يكبر في الأولى سبع تكبيرات متوالية بتكبيرة الإحرام أو غيرها، يسكت بين كل تكبيرتين سكتة يسيرة ولم يحفظ عنه ذكر معين بين التكبيرات، ولكن ذُكر عن ابن مسعود أنه قال: يحمد الله، ويثني عليه، ويصلي على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وكان ابن عمر مع تحريه لاتباع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرفع يديه مع كل تكبيرة.
وكان إذا أتم التكبير أخذ في القراءة فقرأ فاتحة الكتاب ثم قرأ بعدها (ق والقرآن المجيد) في إحدى الركعتين، وفي الأخرى (اقتربت الساعة وانشق القمر) ، وربما قرأ فيهما (سبح اسم ربك الأعلى) و (هل أتاك حديث الغاشية) صح عنه هذا وهذا، ولم يصح عنه غير ذلك، فإذا فرغ من القراءة كبر وركع ثم إذا أكمل الركعة وقام من السجود، وكبر خمسا متوالية، فإذا أكمل التكبير أخذ في القراءة، فيكون التكبير أول ما يبدأ به في الركعتين، والقراءة يليها الركوع.
وقد روى الترمذي من حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده أن رسول الله كبر في العيدين في الأولى سبعا قبل القراءة، وفي الآخرة خمسا قبل القراءة. قال الترمذي: سألت محمدا -يعني: البخاري- عن هذا الحديث فقال: ليس في الباب شيء أصح من هذا، وبه أقول اهـ.
وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أكمل الصلاة انصرف، فقام مقابل الناس، والناس جلوس على صفوفهم، فيعظهم ويوصيهم، ويأمرهم وينهاهم، وإن كان يريد أن يبعث بعثا بعثه، أو يأمر بشيء أمر به.
ولم يكن هنالك منبر يرقى عليه، ولم يكن يخرج منبر المدينة، وإنما كان يخطبهم قائما على الأرض قال جابر: شهدت مع رسول الله الصلاة يوم العيد فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بلا أذان ولا إقامة ثم قام متوكئا على بلال فأمر بتقوى الله وحث على طاعته ووعظ الناس وذكرهم ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن. متفق عليه.
وقال أبو سعيد الخدري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كان النبي يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى، فأول ما يبدأ به الصلاة، ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس والناس جلوس على صفوفهم. . الحديث رواه مسلم.
وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفتتح خطبه كلها بالحمد لله، ولم يحفظ عنه في حديث واحد أنه كان يفتتح خطبتي العيدين بالتكبير. وإنما روى ابن ماجه في سننه (1287) عن سَعْدٍ القَرَظ مُؤَذِّنِ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَبِّرُ بَيْنَ أَضْعَافِ الْخُطْبَةِ يُكْثِرُ التَّكْبِيرَ فِي خُطْبَةِ الْعِيدَيْنِ) . ضعفه الألباني في ضعيف ابن ماجه. ومع ضعف الحديث فإنه لا يدل على أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يفتتح خطبة العيد بالتكبير.
وقال في تمام المنة: "ومع أنه لا يدل على مشروعية افتتاح خطبة العيد بالتكبير، فإن إسناده ضعيف، فيه رجل ضعيف وآخر مجهول، فلا يجوز الاحتجاج به على سنية التكبير في أثناء الخطبة" اهـ.
قال ابن القيم:
"وقد اختلف الناس في افتتاح خطبة العيدين والاستسقاء فقيل يفتتحان بالتكبير وقيل تفتتح خطبة الاستسقاء بالاستغفار وقيل يفتتحان بالحمد قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وهو الصواب. . وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفتتح خطبه كلها بالحمد لله اهـ.
ورخص النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمن شهد العيد أن يجلس للخطبة، أو أن يذهب.
روى أبو داود (1155) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِيدَ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلاةَ قَالَ: (إِنَّا نَخْطُبُ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَجْلِسَ لِلْخُطْبَةِ فَلْيَجْلِسْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَذْهَبَ فَلْيَذْهَبْ) . صححه الألباني في صحيح أبي داود.
وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخالف الطريق يوم العيد، فيذهب في طريق ويرجع في آخر.
روى البخاري (986) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2033)
أحكام العيد والسنن التي فيه
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف بعض السنن والأحكام التي تفعل في العيد.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جعل الله في العيد أحكاماً متعددة، منها:
أولاً: استحباب التكبير في ليلة العيد من غروب الشمس آخر يوم من رمضان إلى حضور الإمام للصلاة، وصيغة التكبير: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد. أو يكبر ثلاثاً فيقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد. وكل ذلك جائز.
وينبغي أن يرفع الإنسان صوته بهذا الذكر في الأسواق والمساجد والبيوت، ولا ترفع النساء أصواتهن بذلك.
ثانياً: يأكل تمرات وتراً قبل الخروج للعيد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات وتراً، ويقتصر على وتر كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
ثالثاً: يلبس أحسن ثيابه، وهذا للرجال، أما النساء فلا تلبس الثياب الجميلة عند خروجها إلى مصلى العيد؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وليخرجن تَفِلات) أي في ثياب عادية ليست ثياب تبرج، ويحرم عليها أن تخرج متطيبة متبرجة.
رابعاً: استحب بعض العلماء أن يغتسل الإنسان لصلاة العيد؛ لأن ذلك مروي عن بعض السلف، والغسل للعيد مستحب، كما شرع للجمعة لاجتماع الناس، ولو اغتسل الإنسان لكان ذلك جيداً.
خامساً: صلاة العيد. وقد أجمع المسلمون على مشروعية صلاة العيد، ومنهم من قال: هي سنة. ومنهم من قال: فرض كفاية. وبعضهم قال: فرض عين ومن تركها أثم، واستدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر حتى ذوات الخدور والعواتق ومن لا عادة لهن بالخروج أن يحضرن مصلى العيد، إلا أن الحيض يعتزلن المصلى، لأن الحائض لا يجوز أن تمكث في المسجد، وإن كان يجوز أن تمر بالمسجد لكن لا تمكث فيه.
والذي يترجح لي من الأدلة أنها فرض عين، وأنه يجب على كل ذكر أن يحضر صلاة العيد إلا من كان له عذر، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
ويقرأ الإمام في الركعة الأولى (سبح اسم ربك الأعلى) وفي الثانية (هل أتاك حديث الغاشية) أو يقرأ سورة (ق) في الأولى، وسورة القمر في الثانية، وكلاهما صح به الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
سادساً: إذا اجتمعت الجمعة والعيد في يوم واحد، فتقام صلاة العيد، وتقام كذلك صلاة الجمعة، كما يدل عليه ظاهر حديث النعمان بن بشير الذي رواه مسلم في صحيحه، ولكن من حضر مع الإمام صلاة العيد إن شاء فليحضر الجمعة، وإن شاء فليصل ظهراً.
سابعاً: ومن أحكام صلاة العيد أنه عند كثير من أهل العلم أن الإنسان إذا جاء إلى مصلى العيد قبل حضور الإمام فإنه يجلس ولا يصلي ركعتين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى العيد ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما.
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه إذا جاء فلا يجلس حتى يصلي ركعتين؛ لأن مصلى العيد مسجد، بدليل منع الحيض منه، فثبت له حكم المسجد، فدل على أنه مسجد، وعلى هذا فيدخل في عموم قوله عليه الصلاة والسلام: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) . وأما عدم صلاته صلى الله عليه وسلم قبلها وبعدها فلأنه إذا حضر بدأ بصلاة العيد.
إذن يثبت لمصلى العيد تحية المسجد كما تثبت لسائر المساجد، ولأننا لو أخذنا من الحديث أن مسجد العيد ليس له تحية لقلنا: ليس لمسجد الجمعة تحية؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا حضر مسجد الجمعة يخطب ثم يصلي ركعتين، ثم ينصرف ويصلي راتبة الجمعة في بيته، فلم يصل قبلها ولا بعدها.
والذي يترجح عندي أن مسجد العيد تصلى فيه ركعتان تحية المسجد، ومع ذلك لا ينكر بعضنا على بعض في هذه المسألة؛ لأنها مسألة خلافية، ولا ينبغي الإنكار في مسائل الخلاف إلا إذا كان النص واضحاً كل الوضوح، فمن صلى لا ننكر عليه، ومن جلس لا ننكر عليه.
ثامناً: من أحكام يوم العيد ـ عيد الفطر ـ أنه تفرض فيه زكاة الفطر، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تخرج قبل صلاة العيد، ويجوز إخراجها قبل ذلك بيوم أو يومين لحديث ابن عمر رضي الله عنهما عند البخاري: (وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين) ، وإذا أخرجها بعد صلاة العيد فلا تجزئه عن صدقة الفطر لحديث ابن عباس: (من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات) ، فيحرم على الإنسان أن يؤخر زكاة الفطر عن صلاة العيد، فإن أخرها بلا عذر فهي زكاة غير مقبولة، وإن كان بعذر كمن في السفر وليس عنده ما يخرجه أو من يخرج إليه، أو من اعتمد على أهله أن يخرجوها واعتمدوا هم عليه، فذلك يخرجها متى تيسر له ذلك، وإن كان بعد الصلاة ولا إثم عليه؛ لأنه معذور.
تاسعاً: يهنىء الناس بعضهم بعضاً، ولكن يحدث من المحظورات في ذلك ما يحدث من كثير من الناس، حيث يدخل الرجال البيوت يصافحون النساء سافرات بدون وجود محارم. وهذه منكرات بعضها فوق بعض.
ونجد بعض الناس ينفرون ممن يمتنع عن مصافحة من ليست محرماً له، وهم الظالمون وليس هو الظالم، والقطيعة منهم وليست منه، ولكن يجب عليه أن يبين لهم ويرشدهم إلى سؤال الثقات من أهل العلم للتثبت، ويرشدهم أن لا يغضبوا لمجرد اتباع عادات الاباء والأجداد؛ لأنها لا تحرم حلالاً، ولا تحلل حراماً، ويبين لهم أنهم إذا فعلوا ذلك كانوا كمن حكى الله قولهم: (وَكَذَلِكَ مَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِى قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا وَجَدْنَآءَابَآءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىءَاثَارِهِم مُّقْتَدُونَ) .
ويعتاد بعض الناس الخروج إلى المقابر يوم العيد يهنئون أصحاب القبور، وليس أصحاب القبور في حاجة لتهنئة، فهم ما صاموا ولا قاموا.
وزيارة المقبرة لا تختص بيوم العيد، أو الجمعة، أو أي يوم، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم زار المقبرة في الليل، كما في حديث عائشة عند مسلم. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (زوروا القبور فإنها تذكركم الاخرة) .
وزيارة القبور من العبادات، والعبادات لا تكون مشروعة حتى توافق الشرع. ولم يخصص النبي صلى الله عليه وسلم يوم العيد بزيارة القبور، فلا ينبغي أن يخصص بها.
عاشراً: ومما يفعل يوم العيد معانقة الرجال بعضهم لبعض، وهذا لا حرج فيه.
الحادي عشر: ويشرع لمن خرج لصلاة العيد أن يخرج من طريق ويرجع من آخر اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تسن هذه السنة في غيرها من الصلوات، لا الجمعة ولا غيرها، بل تختص بالعيد.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (16/216-223) باختصار.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2034)
الدعاء في صلاة العيد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الدعاء في صلاة العيد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا نعلم دعاء خاصاً يشرع للمسلمين في صلاة العيد أو يومه، ولكن يشرع للمسلمين التكبير والتسبيح والتهليل والتحميد في ليلتي العيدين، وصباح يومهما، إلى انتهاء الخطبة من يوم عيد الفطر، وإلى انتهاء أيام التشريق يوم عيد النحر، كما شرع ذلك في أيام العشر الأول من شهر ذي الحجة؛ لقول الله سبحانه في عيد الفطر: (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ماهداكم) البقرة / 185.
ولأحاديث وآثار وردت في ذلك.
وبالله التوفيق
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (8/302)(5/2035)
الرد على من قال إن المرأة لا تصلي العيد في المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا لا يحق للمرأة الذهاب للمسجد لأداء صلاة العيد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من قال إن المرأة لا تصلي العيد في المسجد، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر النساء بالخروج إلى صلاة العيد، فعن أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: (كُنَّا نُؤْمَرُ أَنْ نَخْرُجَ يَوْمَ الْعِيدِ حَتَّى نُخْرِجَ الْبِكْرَ مِنْ خِدْرِهَا حَتَّى نُخْرِجَ الْحُيَّضَ فَيَكُنَّ خَلْفَ النَّاسِ فَيُكَبِّرْنَ بِتَكْبِيرِهِمْ وَيَدْعُونَ بِدُعَائِهِمْ يَرْجُونَ بَرَكَةَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَطُهْرَتَهُ) رواه البخاري (الجمعة/918) ، ولكن إذا كانت المرأة حائضاً فإنها تعتزل المصلى ولا تدخله، وتشهد الخير ودعوة المسلمين، وتستمع إلى الخطبة من خارج المصلى. وعليها أن تجتنب الزينة، وأن تخرج في أطمارها (وهي الثياب القديمة التي لا يكون فيها أي نوع من الزينة في نفسها) حتى لا تفتن الرجال ولا تخرج متعطِّرة. قال عبد الله بن المبارك ... فإن أبت المرأة إلا أن تخرج فليأذن لها زوجها أن تخرج في أطمارها الخلقان ولا تتزين فإن أبت أن تخرج كذلك فللزوج أن يمنعها عن الخروج. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/2036)
الحكمة من مخالفة الطريق في صلاة العيد
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يذهب إلى صلاة العيد من طريق ويعود من طريق آخر، فما الحكمة من ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
روى البخاري (986) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ. ومعنى مخالفة الطريق أنه يذهب من طريق ويعود من طريق آخر.
والمؤمن مطلوب منه الاقتداء بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإن لم يعلم الحكمة من فعله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال الله تعالى: قال الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) الأحزاب/21. قال ابن كثير رحمه الله (3/756) : هذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله اهـ.
وقد اختلف العلماء في الحكمة من ذلك على أقوال كثيرة.
قال الحافظ:
وَقَدْ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى ذَلِكَ عَلَى أَقْوَال كَثِيرَة اِجْتَمَعَ لِي مِنْهَا أَكْثَر مِنْ عِشْرِينَ , وَقَدْ لَخَّصْتهَا وَبَيَّنْت الْوَاهِي مِنْهَا، قَالَ الْقَاضِي عَبْد الْوَهَّاب الْمَالِكِيّ: ذُكِرَ فِي ذَلِكَ فَوَائِد بَعْضهَا قَرِيب وَأَكْثَرهَا دَعَاوَى فَارِغَة. اِنْتَهَى. فَمِنْ ذَلِكَ:
1- أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لِيَشْهَد لَهُ الطَّرِيقَانِ، وَقِيلَ: لِيَشْهَد لَهُ سُكَّانهمَا مِنْ الْجِنّ وَالإِنْس.
2- وَقِيلَ: لِيُسَوَّى بَيْنهمَا فِي مَزِيَّة الْفَضْل بِمُرُورِهِ أَوْ فِي التَّبَرُّك بِهِ.
3- وَقِيلَ لأَنَّ طَرِيقه لِلْمُصَلَّى كَانَتْ عَلَى الْيَمِين فَلَوْ رَجَعَ مِنْهَا لَرَجَعَ عَلَى جِهَة الشِّمَال فَرَجَعَ مِنْ غَيْرهَا. وَهَذَا يَحْتَاج إِلَى دَلِيل.
4- وَقِيلَ: لإِظْهَارِ شِعَائر الإِسْلام فِيهِمَا , وَقِيلَ: لإِظْهَارِ ذِكْر اللَّه.
5- وَقِيلَ: لِيَغِيظَ الْمُنَافِقِينَ أَوْ الْيَهُود. وَقِيلَ: لِيُرْهِبهُمْ بِكَثْرَةِ مَنْ مَعَهُ. وَرَجَّحَهُ اِبْن بَطَّال.
6- وَقِيلَ: حَذَرًا مِنْ كَيْد الطَّائِفَتَيْنِ أَوْ إِحْدَاهُمَا , وَفِيهِ نَظَر.
7- وَقِيلَ: فَعَلَ ذَلِكَ لِيَعُمّهُمْ فِي السُّرُور بِهِ، أَوْ التَّبَرُّك بِمُرُورِهِ وَبِرُؤْيَتِهِ وَالانْتِفَاع بِهِ فِي قَضَاء حَوَائِجهمْ فِي الاسْتِفْتَاء أَوْ التَّعَلُّم وَالاقْتِدَاء وَالاسْتِرْشَاد أَوْ الصَّدَقَة أَوْ السَّلام عَلَيْهِمْ وَغَيْر ذَلِكَ.
8- وَقِيلَ لِيَزُورَ أَقَارِبه ويَصِل رَحِمه.
9- وَقِيلَ: لِيَتَفَاءَل بِتَغَيُّرِ الْحَال إِلَى الْمَغْفِرَة وَالرِّضَا.
10- وَقِيلَ: كَانَ فِي ذَهَابه يَتَصَدَّق فَإِذَا رَجَعَ لَمْ يَبْقَ مَعَهُ شَيْء فَيَرْجِع فِي طَرِيق أُخْرَى لِئَلا يَرُدَّ مَنْ يَسْأَلهُ. وَهَذَا ضَعِيف جِدًّا مَعَ اِحْتِيَاجه إِلَى الدَّلِيل.
11- وَقِيلَ: كَانَ طَرِيقه الَّتِي يَتَوَجَّه مِنْهَا أَبْعَد مِنْ الَّتِي يرجع منهَا، فَأَرَادَ تَكْثِير الأَجْر بِتَكْثِيرِ الْخَطَأ فِي الذَّهَاب، وَأَمَّا فِي الرُّجُوع فَلِيُسْرِع إِلَى مَنْزِله. وَهَذَا اِخْتِيَار الرَّافِعِيّ , وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ يَحْتَاج إِلَى دَلِيل، وَبِأَنَّ أَجْر الْخُطَا يُكْتَب فِي الرُّجُوع أَيْضًا كَمَا ثَبَتَ فِي حَدِيث أُبَيِّ بْن كَعْب عِنْد التِّرْمِذِيّ وَغَيْره.
12- وَقِيلَ: لأَنَّ الْمَلائِكَة تَقِف فِي الطُّرُقَات فَأَرَادَ أَنْ يَشْهَد لَهُ فَرِيقَانِ مِنْهُمْ. اهـ كلام الحافظ باختصار.
وذكر ابن القيم في "زد المعاد" (1/449) بعض هذه الحكم ثم قال:
وقال ابن القيم:
والأصح أنه لذلك كله ولغيره من الحكم التي لا يخلو فعله عنها اهـ.
وقال الشيخ ابن عثيمين: فإن قيل: ما الحكمة من مخالفة الطريق؟
فالجواب: المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى ?للَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ ?لْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ ?للَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَـ?لاً مُّبِيناً) . . . فهذه هي الحكمة. . . ثم ذكر بعض الحكم المتقدمة في كلام الحافظ.
مجموع فتاوى ابن عثيمين (16/222) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2037)
متى يبدأ التكبير في عيد الفطر ومتى ينتهي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[متى يبدأ التكبير في عيد الفطر ومتى ينتهي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
في ختام شهر رمضان شرع الله لعباده أن يكبروه، فقال تعالى: (وَلِتُكْمِلُواْ ?لْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ ?للَّهَ عَلَى? مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) "تكبروا الله" أي: تعظموه بقلوبكم وألسنتكم، ويكون ذلك بلفظ التكبير.
فتقول: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أو تكبر ثلاثاً، فتقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله. والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
كل هذا جائز.
وهذا التكبير سنة عند جمهور أهل العلم، وهو سنة للرجال والنساء، في المساجد والبيوت والأسواق.
أما الرجال فيجهرون به، وأما النساء فيسررن به بدون جهر؛ لأن المرأة مأمورة بخفض صوتها. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا نابكم شيء في صلاتكم فليسبح الرجال، ولتصفق النساء) .
فالنساء يخفين التكبير والرجال يهجرون به.
وابتداؤه من غروب الشمس ليلة العيد إذا علم دخول الشهر قبل الغروب كما لو أكمل الناس الشهر ثلاثين يوماً، أو من ثبوت رؤية هلال شوال، وينتهي بالصلاة يعني إذا شرع الناس في صلاة العيد انتهى وقت التكبير.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (16/269-272) .
وقال الشافعي في "الأم":
قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: فِي شَهْرِ رَمَضَانَ (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ , وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ) فَسَمِعْت مَنْ أَرْضَى مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ يَقُولَ: لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ عِدَّةَ صَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَتُكَبِّرُوا اللَّهُ عِنْدَ إكْمَالِهِ عَلَى مَا هَدَاكُمْ , وَإِكْمَالُهُ مَغِيبُ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ شَهْرِ رَمَضَانَ.
ثم قَالَ الشَّافِعِيُّ:
فَإِذَا رَأَوْا هِلالَ شَوَّالٍ أَحْبَبْتُ أَنْ يُكَبِّرَ النَّاسُ جَمَاعَةً , وَفُرَادَى فِي الْمَسْجِدِ وَالأَسْوَاقِ , وَالطُّرُقِ , وَالْمَنَازِلِ , وَمُسَافِرِينَ , وَمُقِيمِينَ فِي كُلِّ حَالٍ , وَأَيْنَ كَانُوا , وَأَنْ يُظْهِرُوا التَّكْبِيرَ , وَلا يَزَالُونَ يُكَبِّرُونَ حَتَّى يَغْدُوَا إلَى الْمُصَلَّى , وَبَعْدَ الْغُدُوِّ حَتَّى يَخْرُجَ الإِمَامُ لِلصَّلاةِ ثُمَّ يَدَعُوا التَّكْبِيرَ. .
ثم روى عن سعيد ابْن الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةَ بْن الزُّبَيْرِ وَأَبي سَلَمَةَ وَأَبي بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أنهم كانوا يُكَبِّرُونَ لَيْلَةَ الْفِطْرِ فِي الْمَسْجِدِ يَجْهَرُونَ بِالتَّكْبِيرِ.
وعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُمَا كَانَا يَجْهَرَانِ بِالتَّكْبِيرِ حِينَ يَغْدُوَانِ إلَى الْمُصَلَّى.
وعن نَافِع بْن جُبَيْرٍ أنه كان يَجْهَرُ بِالتَّكْبِيرِ حِينَ يَغْدُو إلَى الْمُصَلَّى يَوْمَ الْعِيدِ.
وعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَغْدُو إلَى الْمُصَلَّى يَوْمَ الْفِطْرِ إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَيُكَبِّرُ حَتَّى يَأْتِيَ الْمُصَلَّى يَوْمَ الْعِيدِ ثُمَّ يُكَبِّرُ بِالْمُصَلَّى حَتَّى إذَا جَلَسَ الإِمَامُ تَرَكَ التَّكْبِيرَ اهـ باختصار.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2038)
حكم صلاة العيدين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم صلاة العيدين؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اختلف العلماء في حكم صلاة العيدين على ثلاثة أقوال:
القول الأول:
أنها سنة مؤكدة. وهو مذهب الإمامين مالك والشافعي.
والقول الثاني:
أنها فرض على الكفاية، وهو مذهب الإمام أحمد رحمه الله.
القول الثالث:
أنها واجبة على كل مسلم، فتجب على كل رجل، ويأثم من تركها من غير عذر. وهو مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله ورواية عن الإمام أحمد. وممن اختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية والشوكاني رحمهما الله.
انظر: المجموع (5/5) ، المغني (3/253) ، الإنصاف (5/316) ، الاختيارات (ص 82) .
واستدل أصحاب القول الثالث بعدة أدلة، منها:
1- قوله تعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) الكوثر/2.
قال ابن قدامة في "المغني": المشهور في التفسير أن المراد بذلك صلاة العيد اهـ.
وذهب بعض العلماء إلى أن المراد من الآية الصلاة عموماً، وليس خاصة بصلاة العيد، فمعنى الآية: الأمر بإفراد الله تعالى بالصلاة والذبح، فتكون كقوله تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) الأنعام/162.
واختار هذا القول في معنى الآية ابن جرير (12/724) ، وابن كثير (8/502) .
فعلى هذا، لا دليل في الآية على وجوب صلاة العيد.
2- أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بالخروج إليها، حتى أمر النساء بالخروج إليها.
روى البخاري (324) ومسلم (890) عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَتْ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُخْرِجَهُنَّ فِي الْفِطْرِ وَالأَضْحَى الْعَوَاتِقَ وَالْحُيَّضَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ، فَأَمَّا الْحُيَّضُ فَيَعْتَزِلْنَ الصَّلاةَ وَيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِحْدَانَا لا يَكُونُ لَهَا جِلْبَابٌ. قَالَ: لِتُلْبِسْهَا أُخْتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا.
(الْعَوَاتِق) جَمْع عَاتِق وَهِيَ مَنْ بَلَغَتْ الْحُلُم أَوْ قَارَبَتْ , أَوْ اِسْتَحَقَّتْ التَّزْوِيج.
(وَذَوَات الْخُدُور) هن الأبكار.
والاستدلال بهذا الحديث على وجوب صلاة العيد أقوى من الاستدلال بالآية السابقة.
قال الشيخ ابن عثيمين في "مجموع الفتاوى" (16/214) :
"الذي أرى أن صلاة العيد فرض عين، وأنه لا يجوز للرجال أن يدعوها، بل عليهم حضورها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها بل أمر النساء العواتق وذوات الخدور أن يخرجن إلى صلاة العيد، بل أمر الحيض أن يخرجن إلى صلاة العيد ولكن يعتزلن المصلى، وهذا يدل على تأكدها" اهـ.
وقال أيضاً (16/217) :
"والذي يترجح لي من الأدلة أنها فرض عين، وأنه يجب على كل ذكر أن يحضر صلاة العيد إلا من كان له عذر" اهـ.
وقال الشيخ ابن باز في "مجموع الفتاوى" (13/7) عن القول بأنها فرض عين، قال:
"وهذا القول أظهر في الأدلة، وأقرب إلى الصواب" اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2039)
صلاة العيد للمرأة سنة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صلاة العيد واجبة على المرأة، وإن كانت واجبة فهل تصليها في المنزل أو في المصلى؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليست واجبة على المرأة ولكنها سنة في حقها، وتصليها في المصلى مع المسلمين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهن بذلك.
ففي الصحيحين وغيرهما عن أم عطية رضي الله عنها قالت: (أُمِرنَا - وفي رواية أمَرَنا؛ تعني النبي صلى الله عليه وسلم - أن نخرج في العيدين العواتق وذوات الخدور، وأمر الحيض أن يعتزلن مصلى المسلمين " رواه البخاري 1/93 ومسلم (890) ، وفي رواية أخرى: (أمرنا أن نخرج ونخرج العواتق وذوات الخدور) ، وفي رواية الترمذي: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُخرج الأبكار والعواتق وذوات الخدور والحيض في العيدين، فأما الحيض فيعتزلن المصلى ويشهدن دعوة المسلمين، قالت إحداهن: يا رسول الله، إن لم يكن لها جلباب، قال: (فلتعرها أختها من جلابيبها) متفق عليه، وفي رواية النسائي: قالت حفصة بنت سيرين: (كانت أم عطية لا تذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قالت: بأبي، فقلت: أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر كذا وكذا؟ قالت نعم بأبي، قال: لتخرج العواتق وذوات الخدور والحيض فيشهدن العيد، ودعوة المسلمين، وليعتزل الحيض المصلى " رواه البخاري 1/84.
وبناء على ما سبق يتضح أن خروج النساء لصلاة العيدين سنة مؤكدة، لكن بشرط أن يخرجن متسترات، لا متبرجات كما يعلم ذلك من الأدلة الأخرى.
وأما خروج الصبيان المميزين لصلاة العيد والجمعة وغيرهما من الصلوات فهو أمر معروف ومشروع للأدلة الكثيرة في ذلك.
وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة (8/284-286)(5/2040)
ما العمل إذا وافق العيد يوم الجمعة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا جاء عيد الفطر في يوم الجمعة فهل يجوز لي أن أصلي العيد ولا أصلي الجمعة أو العكس؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
إذا وافق يوم العيد يوم الجمعة فإنه من صلى العيد مع الإمام سقط عنه وجوب حضور الجمعة ويبقى في حقه سنة. فإذا لم يحضر الجمعة وجب عليه أن يصلي ظهراً وهذا في حق غير الإمام. أما الإمام فإنه يجب عليه أن يحضر للجمعة ويقيمها بمن حضر معه من المسلمين، ولا تترك صلاة الجمعة نهائياً في هذا اليوم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ صالح بن فوزان الفوزان(5/2041)
هل على الحاج أن يصلي صلاة عيد الأضحى؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل على الحاج أن يصلي صلاة عيد الأضحى؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"ليس على الحجاج صلاة عيد الأضحى، ومن صلاها منهم مع الناس فهو مأجور.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن قعود.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (11/69، 70) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2042)
فتوى اللجنة الدائمة فيما إذا وافق يوم العيد يوم الجمعة
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه.. أما بعد: فقد كثر السؤال عما إذا وقع يوم عيد في يوم جمعة فاجتمع العيدان: عيد الفطر أو الأضحى مع عيد الجمعة التي هي عيد الأسبوع، هل تجب صلاة الجمعة على من حضر صلاة العيد أم يجتزئ بصلاة العيد ويصلى بدل الجمعة ظهراً؟ وهل يؤذن لصلاة الظهر في المساجد أم لا؟ إلى آخر ما حصل عنه السؤال، فرأت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء إصدار الفتوى الآتية:]ـ
[الْجَوَابُ]
في هذه المسألة أحاديث مرفوعة وآثار موقوفة منها:
1- حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه سأله: هل شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيدين اجتمعا في يوم واحد؟ قال: نعم، قال: كيف صنع؟ قال: صلى العيد ثم رخص في الجمعة، فقال: (من شاء أن يصلي فليصل) . رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والدارمي والحاكم في "المستدرك" وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وله شاهد على شرط مسلم. ووافقه الذهبي، وقال النووي في "المجموع": إسناده جيد.
2- وشاهده المذكور هو حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قد اجتمع في يومكم هذا عيدان، فمن شاء أجزأه من الجمعة، وإنا مجمعون) . رواه الحاكم كما تقدم، ورواه أبو داود وابن ماجه وابن الجارود والبيهقي وغيرهم.
3- وحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: اجتمع عيدان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بالناس ثم قال: (من شاء أن يأتي الجمعة فليأتها، ومن شاء أن يتخلف فليتخلف) . رواه ابن ماجه ورواه الطبراني في "المعجم الكبير" بلفظ: اجتمع عيدان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: يوم فطر وجمعة، فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم العيد، ثم أقبل عليهم بوجهه فقال: (يا أيها الناس إنكم قد أصبتم خيراً وأجراً وإنا مجمعون، ومن أراد أن يجمع معنا فليجمع، ومن أراد أن يرجع إلى أهله فليرجع) .
4- وحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اجتمع عيدان في يومكم هذا فمن شاء أجزأه من الجمعة، وإنا مجمعون إن شاء الله) . رواه ابن ماجه، وقال البوصيري: إسناده صحيح ورجاله ثقات.
5- ومرسل ذكوان بن صالح قال: اجتمع عيدان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم جمعة ويوم عيد فصلى ثم قام، فخطب الناس، فقال: (قد أصبتم ذكراً وخيراً وإنا مجمعون، فمن أحب أن يجلس فليجلس -أي في بيته- ومن أحب أن يجمع فليجمع) . رواه البيهقي في السنن الكبرى.
6- وعن عطاء بن أبي رباح قال: صلى بنا ابن الزبير في يوم عيد في يوم جمعة أول النهار ثم رحنا إلى الجمعة فلم يخرج إلينا، فصلينا وحداناً، وكان ابن عباس بالطائف فلما قدمنا ذكرنا ذلك له، فقال: (أصاب السنة) . رواه أبو داود، وأخرجه ابن خزيمة بلفظ آخر وزاد في آخره: قال ابن الزبير: (رأيت عمر بن الخطاب إذا اجتمع عيدان صنع مثل هذا) .
7- وفي صحيح البخاري رحمه الله تعالى وموطأ الإمام مالك رحمه الله تعالى عن أبي عبيد مولى ابن أزهر قال أبو عبيد: شهدت العيدين مع عثمان بن عفان، وكان ذلك يوم الجمعة، فصلى قبل الخطبة ثم خطب، فقال: (يا أيها الناس إن هذا يوم قد اجتمع لكم فيه عيدان، فمن أحب أن ينتظر الجمعة من أهل العوالي فلينتظر، ومن أحب أن يرجع فقد أذنت له) .
8- وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال لما اجتمع عيدان في يوم: (من أراد أن يجمع فليجمع، ومن أراد أن يجلس فليجلس) . قال سفيان: يعني: يجلس في بيته. رواه عبد الرزاق في المصنف ونحوه عند ابن أبي شيبة.
وبناء على هذه الأحاديث المرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى هذه الآثار الموقوفة عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم، وعلى ما قرره جمهور أهل العلم في فقهها، فإن اللجنة تبين الأحكام الآتية:
1- من حضر صلاة العيد فيرخص له في عدم حضور صلاة الجمعة، ويصليها ظهراً في وقت الظهر، وإن أخذ بالعزيمة فصلى مع الناس الجمعة فهو أفضل.
2- من لم يحضر صلاة العيد فلا تشمله الرخصة، ولذا فلا يسقط عنه وجوب الجمعة، فيجب عليه السعي إلى المسجد لصلاة الجمعة، فإن لم يوجد عدد تنعقد به صلاة الجمعة صلاها ظهراً.
3- يجب على إمام مسجد الجمعة إقامة صلاة الجمعة ذلك اليوم ليشهدها من شاء شهودها ومن لم يشهد العيد، إن حضر العدد التي تنعقد به صلاة الجمعة وإلا فتصلى ظهرا.
4- من حضر صلاة العيد وترخص بعدم حضور الجمعة فإنه يصليها ظهراً بعد دخول وقت الظهر.
5- لا يشرع في هذا الوقت الأذان إلا في المساجد التي تقام فيها صلاة الجمعة، فلا يشرع الأذان لصلاة الظهر ذلك اليوم.
6- القول بأن من حضر صلاة العيد تسقط عنه صلاة الجمعة وصلاة الظهر ذلك اليوم قول غير صحيح، ولذا هجره العلماء وحكموا بخطئه وغرابته، لمخالفته السنة وإسقاطه فريضةً من فرائض الله بلا دليل، ولعل قائله لم يبلغه ما في المسألة من السنن والآثار التي رخصت لمن حضر صلاة العيد بعدم حضور صلاة الجمعة، وأنه يجب عليه صلاتها ظهراً.
والله تعالى أعلم. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ.. الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الغديان.. الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد.. الشيخ صالح بن فوزان الفوزان.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة(5/2043)
تحديد وقت عيد الفطر والأضحى ينبني على رؤية الهلال
[السُّؤَالُ]
ـ[لدى سؤال يتعلق بموعد الأعياد فأنا على علم بأن عيد الفطر يعقب شهر رمضان وبأن هناك خلافاً دائماً بين المسلمين حول هذا اليوم (يحتفل به البعض بعد اليوم التاسع والعشرين بينما يحتفل به الآخرون بعد الثلاثين من الشهر) ولكن بخصوص عيد الأضحى, هل يتفق هذا اليوم مع مايقوم به الحجاج فى مكة أم يمكن الاختلاف في هذا اليوم بحسب اختلاف البلد التي يوجد بها كل فرد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
اختلاف المسلمين في تحديد أول شهر رمضان، وتحديد وقت عيد الفطر، راجع إلى اختلاف الفقهاء في مسألة مشهورة، وهي هل رؤية الهلال في بلد تلزم جميعَ البلدان، أم لكل بلد رؤيته، وهذا ينطبق أيضا على تحديد وقت عيد الأضحى.
وهي من المسائل الاجتهادية، وقد استدل كل فريق من العلماء بأدلة، وربما استدل الفريقان بالنص الواحد، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (1248) .
القول بأنه إذا رؤي الهلال في بلد لزم جميع البلدان هو مذهب جمهور العلماء، وقد اختاره الشيخ ابن باز رحمه الله، كما في مجموع الفتاوى (15/77)
والقول باعتبار اختلاف المطالع هو الأصح عند الشافعية، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية واختاره من المعاصرين الشيخ ابن عثيمين، وقد سبق نقل فتواه في جواب السؤال رقم (40720) .
ثانياً:
ينبني على هذا الخلاف اختلاف المسلمين في عيد الفطر وعيد الأضحى من غير فرق بينهما،
قال الشيخ ابن باز رحمه الله بعد أن ذكر اختلاف العلماء في العمل باختلاف المطالع من دخول الشهر وخروجه:
" والذي يظهر لي أن اختلافها لا يؤثر، وأن الواجب هو العمل برؤية الهلال صوماً وإفطاراً وتضحية متى ثبتت رؤيته ثبوتاً شرعياً في أي بلد ما..
ثم قال: وإذا قلنا باعتبار اختلاف المطالع في الحكم أو لم نَقُلْ به، فالظاهر أن الحكم في رمضان والأضحى سواء، لا فرق بينهما فيما أعلمه من الشرع " انتهى.
مجموع فتاوى ابن باز (15/79)
وفي فتوى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله المشار إليها آنفاً ذَكَر أن اختلاف المطالع يُعمَل به في عيد الأضحى كما يُعمل به في دخول شهر رمضان وخروجه.
وعلى هذا فلا إشكال في أن عيد الأضحى يكون في بلد يوم الجمعة، ويكون في بلد آخر يوم السبت، وهكذا، بناء على تعدد الرؤية واختلافها.
ومثل هذا يقال في صوم رمضان، وفي صوم عرفة، وصوم عاشوراء، لأنها مسائل مترتبة على رؤية الهلال والحكم بدخول الشهر أو عدم دخوله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2044)
لا تستحب مخالفة الطريق في شيء من الصلوات إلا صلاة العيد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تستحب مخالفة الطريق في صلاة أخرى غير صلاة العيد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
روى البخاري (986) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ. ومعنى مخالفة الطريق أنه يذهب من طريق ويعود من طريق آخر.
فهذا الحديث يدل على استحباب مخالفة الطريق في صلاة العيد.
قال الشيخ ابن عثيمين في "مجموع الفتاوى" (16/222) :
"ويشرع لمن خرج لصلاة العيد أن يخرج من طريق ويرجع من آخر اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تسن هذه السنة في غيرها من الصلوات، لا الجمعة ولا غيرها، بل تختص بالعيد، وبعض العلماء يرى أن ذلك مشروع في صلاة الجمعة، لكن القاعدة: (أن كل فعل وجد سببه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعله فاتخاذه عبادة يكون بدعة من البدع) " اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2045)
وقت غسل العيد
[السُّؤَالُ]
ـ[متى يكون الاغتسال ليوم العيد؟ لأنني إذا اغتسلت بعد الفجر فإن الوقت يكون ضيقاً جداً لأن المصلى الذي نصلي فيه العيد بعدي عن منزلي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الاغتسال يوم العيد مستحب.
وقد روي أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اغتسل يوم العيد.
وروي الاغتسال يوم العيد كذلك عن بعض الصحابة كعلي بن أبي طالب وسلمة بن الأكوع وابن عمر رضي الله عنهم.
قال النووي في المجموع:
وَأَسَانِيدُ الْجَمِيعِ ضَعِيفَةٌ بَاطِلَةٌ إلا أَثَرَ ابْنِ عُمَرَ. . وَالْمُعْتَمَدُ فِيهِ (أي في إثبات استحبابه) أَثَرُ ابْنِ عُمَرَ وَالْقِيَاسُ عَلَى الْجُمُعَةِ اهـ.
وقال ابن القيم:
"فيه حديثان ضعيفان. . ولكن ثبت عن ابن عمر مع شدة اتباعه للسنة أنه كان يغتسل يوم العيد قبل خروجه" اهـ.
ثانياً:
وأما وقت الاغتسال للعيد.
فالأفضل أن يكون ذلك بعد صلاة الفجر، ولو اغتسل قبل الفجر أجزأ نظراً لضيق الوقت والمشقة في كونه بعد صلاة الفجر، مع حاجة الناس للانصراف إلى صلاة العيد وقد يكون المصلى بعيداً.
قال في المنتقى شرح موطأ الإمام مالك:
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ غُسْلُهُ مُتَّصِلا بِغُدُوِّهِ إلَى الْمُصَلَّى. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ أَفْضَلُ أَوْقَاتِ الْغُسْلِ لِلْعِيدِ بَعْدَ صَلاةِ الصُّبْحِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ فَإِنْ اغْتَسَلَ لِلْعِيدَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ فَوَاسِعٌ اهـ.
وفي شرح مختصر (2/102) خليل أن وقته من سدس الليل الأخير.
وقال ابن قدامة في "المغني":
"وَوَقْتُ الْغُسْلِ (يعني للعيد) بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فِي ظَاهِرِ كَلامِ الْخِرَقِيِّ , قَالَ الْقَاضِي , وَالآمِدِيُّ: إنْ اغْتَسَلَ قَبْلَ الْفَجْرِ لَمْ يُصِبْ سُنَّةَ الاغْتِسَالِ ; لأَنَّهُ غُسْلُ الصَّلاةِ فِي الْيَوْمِ فَلَمْ يَجُزْ قَبْلَ الْفَجْرِ كَغُسْلِ الْجُمُعَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَبْلَ الْفَجْرِ وَبَعْدَهُ ; لأَنَّ زَمَنَ الْعِيدِ أَضْيَقُ مِنْ وَقْتِ الْجُمُعَةِ , فَلَوْ وُقِفَ عَلَى الْفَجْرِ رُبَّمَا فَاتَ , وَلأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ التَّنْظِيفُ , وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالْغُسْلِ فِي اللَّيْلِ لِقُرْبِهِ مِنْ الصَّلاةِ , وَالأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْفَجْرِ , لِيَخْرُجَ مِنْ الْخِلافِ , وَيَكُونَ أَبْلَغَ فِي النَّظَافَةِ , لِقُرْبِهِ مِنْ الصَّلاةِ" اهـ.
قال النووي في المجموع:
وَفِي وَقْتِ صِحَّةِ هَذَا الْغُسْلِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (أَحَدُهُمَا) بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الأُمِّ (وَأَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِ الأَصْحَابِ يَجُوزُ بَعْدَ الْفَجْرِ وَقَبْلِهِ. . .
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ "الْمُجَرَّدِ": نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي "الْبُوَيْطِيِّ" عَلَى صِحَّةِ الْغُسْلِ لِلْعِيدِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ.
قال النووي: فَإِذَا قُلْنَا بِالأَصَحِّ أَنَّهُ يَصِحُّ قَبْلَ الْفَجْرِ , فَفِي ضَبْطِهِ ثَلاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) وَأَشْهَرُهَا: يَصِحُّ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ , وَلا يَصِحُّ قَبْلَهُ (وَالثَّانِي) يَصِحُّ فِي جَمِيعِ اللَّيْلِ , وَبِهِ جَزَمَ الْغَزَالِيُّ , وَاخْتَارَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ (الثَّالِثُ) أَنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ قُبَيْلَ الْفَجْرِ عِنْدَ السَّحَرِ , وَبِهِ جَزَمَ الْبَغَوِيّ اهـ باختصار.
وعلى هذا، فلا بأس من الاغتسال للعيد قبل صلاة الفجر حتى يتمكن المسلم من الخروج لصلاة العيد.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2046)
حكم صلاة العيدين
[السُّؤَالُ]
ـ[صلاة العيدين الفطر والأضحى هل هي واجبة أم سنة، وما هي الذنوب على الذي يتركها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صلاة العيدين الفطر والأضحى، كل منهما فرض كفاية، وقال بعض أهل العلم: أنهما فرض عين كالجمعة؛ فلا ينبغي للمؤمن تركها.
وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (8/284)(5/2047)
توحيد وقت صلاة العيد في مساجد البلد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من شروط صلاة العيد أن يصلي الناس صلاة العيد في مكان واحد ووقت واحد، بصرف النظر عن نوعية المكان؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس من شروط صحة صلاة العيد أن يصليها أهل البلد في مكان واحد، لكن الخير والأفضل أن يصلوها في مكان واحد في الصحراء، إن تيسر ذلك لهم، فإن شق عليهم صلاتها في الصحراء في مكان واحد؛ كبعد أطراف البلد واتساعه جاز لهم أن يصلوها في مكانين فأكثر في الصحراء على ما يتيسر لهم، ولا يشق عليهم.
وإن شق عليهم صلاتها في الفضاء لمطر ونحوه صلوها في مسجد إن وسعهم ولم يشق عليهم، وإلا صلوها في مساجد، كل جماعة منهم في المسجد الذي يتيسر لهم صلاتها فيه.
ثانياً: في حالة تعدد مكان صلاة العيد في الصحراء، أو المساجد يجوز أن يتقدم جماعة من أهل البلد بصلاة العيد، وأن ينتهوا منها قبل الجماعة الأخرى، على أن تقع صلاة الجميع فيما بين ارتفاع الشمس بعد طلوعها قيد رمح، وبين زوالها عند دخول وقت الظهر، أي من وقت حل النافلة إلى استواء الشمس في السماء قبيل وقت صلاة الظهر.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء (8/295)(5/2048)
يسأل عن مكان صلاة العيد
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعنا أن صلاة العيد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، كانت في المصلى خارج البنيان، لأن مسجده لم يكن يسع الناس، فلو كان في المكان مسجد يسع الناس، فصلاتهم فيه أفضل، لأن المسجد أفضل من غيره من الأماكن، فهل هذا صحيح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
مضت سنة النبي صلى الله عليه وسلم العملية على ترك مسجده في صلاة العيدين، وأدائها في المصلى الذي على باب المدينة الخارجي [انظر زاد المعاد لابن القيم 1/441] .
قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله: (وقد تضافرت أقوال العلماء على ذلك:
فقال العلامة العيني الحنفي في شرح البخاري، وهو يستنبط من حديث أبي سعيد [الخدري: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَالأَضْحَى إِلَى الْمُصَلَّى فَأَوَّلُ شَيْءٍ يَبْدَأُ بِهِ الصَّلاةُ ثُمَّ يَنْصَرِفُ، فَيَقُومُ مُقَابِلَ النَّاسِ وَالنَّاسُ جُلُوسٌ عَلَى صُفُوفِهِم،ْ فَيَعِظُهُمْ وَيُوصِيهِمْ وَيَأْمُرُهُمْ، فَإِنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَقْطَعَ بَعْثًا قَطَعَهُ أَوْ يَأْمُرَ بِشَيْءٍ أَمَرَ بِه،ِ ثُمَّ يَنْصَرِفُ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ فَلَمْ يَزَلْ النَّاسُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى خَرَجْتُ مَعَ مَرْوَانَ وَهُوَ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ فِي أَضْحًى أَوْ فِطْرٍ فَلَمَّا أَتَيْنَا الْمُصَلَّى إِذَا مِنْبَرٌ بَنَاهُ كَثِيرُ بْنُ الصَّلْتِ فَإِذَا مَرْوَانُ يُرِيدُ أَنْ يَرْتَقِيَهُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَجَبَذْتُ بِثَوْبِهِ فَجَبَذَنِي فَارْتَفَعَ فَخَطَبَ قَبْلَ الصَّلاةِ فَقُلْتُ لَهُ غَيَّرْتُمْ وَاللَّهِ فَقَالَ أَبَا سَعِيدٍ قَدْ ذَهَبَ مَا تَعْلَمُ فَقُلْتُ مَا أَعْلَمُ وَاللَّهِ خَيْرٌ مِمَّا لا أَعْلَمُ فَقَالَ إِنَّ النَّاسَ لَمْ يَكُونُوا يَجْلِسُونَ لَنَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَجَعَلْتُهَا قَبْلَ الصَّلاةِ " – رواه البخاري 956 ومسلم 889 -] (ج 6 ص280-281) قال: " وفيه البروز إلى المصلى والخروج إليه، ولا يصلى في المسجد إلا عن ضرورة. وروى ابن زياد عن مالك قال: السنة الخروج إلى الجبانة [يعني المصلى] إلا لأهل مكة ففي المسجد "
وفي الفتاوى الهندية (ج1 ص118) : " الخروج إلى الجبانة في صلاة العيد سنة، وإن كان يسعهم المسجد الجامع،على هذا عامة المشايخ وهو الصحيح "
وفي المدونة المروية عن مالك (ج1ص171) قال مالك: لا يُصلَّى في العيدين في موضعين، ولا يصلون في مسجدهم، ولكن يخرجون كما خرج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. [وروى] ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخرج إلى المصلى، ثم استن بذلك أهل الأمصار "
وقال ابن قدامة الحنبلي في المغني (ج 2 ص229-230) " السُّنَّةُ أَنْ يُصَلَّى الْعِيدُ فِي الْمُصَلَّى , أَمَرَ بِذَلِكَ عَلِيٌّ رضي الله عنه. وَاسْتَحْسَنَهُ الأَوْزَاعِيُّ , وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمُنْذِرِ.
وَحُكِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ: إنْ كَانَ مَسْجِدُ الْبَلَدِ وَاسِعًا , فَالصَّلاةُ فِيهِ أَوْلَى ; لأَنَّهُ خَيْرُ الْبِقَاعِ وَأَطْهَرُهَا , وَلِذَلِكَ يُصَلِّي أَهْلُ مَكَّةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ.
ثم استدَّل ابن قدامة على قوله فقال (وَلَنَا: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَخْرُجُ إلَى الْمُصَلَّى وَيَدَعُ مَسْجِدَهُ , وَكَذَلِكَ الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ , وَلا يَتْرُكُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الأَفْضَلَ مَعَ قُرْبِهِ , وَيَتَكَلَّفُ فِعْلَ النَّاقِصِ مَعَ بُعْدِهِ , وَلا يَشْرَعُ لأُمَّتِهِ تَرْكَ الْفَضَائِلِ , وَلأَنَّنَا قَدْ أُمِرْنَا بِاتِّبَاعِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالاقْتِدَاءِ بِهِ , وَلا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَأْمُورُ بِهِ هُوَ النَّاقِصَ , وَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ هُوَ الْكَامِلَ , وَلَمْ يُنْقَلُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ صَلَّى الْعِيدَ بِمَسْجِدِهِ إلا مِنْ عُذْرٍ , وَلأَنَّ هَذَا إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ. فَإِنَّ النَّاسَ فِي كُلِّ عَصْرٍ وَمِصْرٍ يَخْرُجُونَ إلَى الْمُصَلَّى , فَيُصَلُّونَ الْعِيدَ فِي الْمُصَلَّى , مَعَ سَعَةِ الْمَسْجِدِ وَضِيقِهِ , وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فِي الْمُصَلَّى مَعَ شَرَفِ مَسْجِدِهِ "
وأقول ـ القائل أحمد شاكر ـ: إن قول ابن قدامة: " ولم ينقل عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه صلى العيد بمسجده إلا من عذر "، يشير به إلى حديث أبي هريرة في المستدرك للحاكم (ج1 ص 295) : " أنهم أصابهم مطر في يوم عيد فصلى بهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المسجد " وصححه هو والذهبي. [وقال عنه ابن القيم: إن ثبت الحديث، وهو في سنن أبي داود وابن ماجة. انتهى من الزاد 1/441، وضعفه الألباني في رسالة صلاة العيدين في المصلى هي السنة، ورد قول الحاكم والذهبي.]
وقال الإمام الشافعي في كتاب (الأم) (ج 1 ص 207) : " بلغن أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يخرج في العيدين إلى المصلى بالمدينة، وكذلك من كان بعده، وعامة أهل البلدان إلا مكة، فإنه لم يبلغنا أن أحداً من السلف صلى بهم عيداً إلا في مسجدهم. وأحسب ذلك ـ والله تعالى أعلم ـ لأن المسجد الحرام خير بقاع الدنيا، فلم يحبوا أن يكون لهم صلاة إلا فيه ما أمكنهم ...
فإن عُمِّر بلدٌ فكان مسجد أهله يسعهم في الأعياد لم أر أنهم يخرجون منه، وإن خرجوا فلا بأس، ولو أنه كان يسعهم فصلى بهم إمام فيه كرهت له ذلك ولا إعادة عليهم. وإذا كان العذر من مطر أو غيره أمرته بأن يصلي في المساجد ولا يخرج إلى الصحراء "
وقال العلامة ابن الحاج في كتاب المدخل (ج2 ص 283) : " والسنة الماضية في صلاة العيدين أن تكون في المصلى، لأن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال:" صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام " البخاري 1190 ومسلم 1394. ثم هو مع هذه الفضيلة العظيمة خرج صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المصلى وتركه، فهذا دليل واضح على تأكد أمر الخروج إلى المصلى لصلاة العيدين، فهي السنة، وصلاتهما في المسجد على مذهب مالك رحمه الله بدعة، إلا أن تكون ثَّم ضرورة داعية إلى ذلك فليس ببدعة، لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يفعلها ولا أحد من الخلفاء الراشدين بعده، ولأنه عليه السلام أمر النساء أن يخرجن إلى صلاة العيدين، وأمر الحيض وربات الخدور بالخروج إليهما فقالت إحداهن: يا رسول الله، إحدانا لا يكون لها جلباب فقال عليه الصلاة والسلام: تعيرها أختها من جلبابها لتشهد الخير ودعوة المسلمين. انظر صحيحي البخاري 324 ومسلم 890.
فلما أن شرع عليه الصلاة والسلام لهن الخروج، شرع الصلاة في البراح، لإظهار شعيرة الإسلام "
فالسنة النبوية التي وردت في الأحاديث الصحيحة دلت على أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلي العيدين في الصحراء في خارج البلد. وقد استمر العمل على ذلك في الصدر الأول، ولم يكونوا يصلون العيد في المساجد، إلا إذا كانت ضرورة من مطر ونحوه.
وهذا مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم من أهل العلم من الأئمة رضوان الله عليهم، لا أعلم أن أحداً خالف في ذلك، إلا قول الشافعي رضي الله عنه في اختياره الصلاة في المسجد إذا كان يسع أهل البلد، ومع هذا فإنه لم ير بأساً بالصلاة في الصحراء وإن وسعهم المسجد، وقد صرح رضي الله عن بأنه يكره صلاة العيدين في المسجد إذا كان لا يسع أهل البلد.
فهذه الأحاديث الصحيحة وغيرها، ثم استمرار العمل في الصدر الأول، ثم أقوال العلماء: كل أولئك يدل على أن صلاة العيدين الآن في المساجد بدعة، حتى على قول الشافعي؛ لأنه لا يوجد مسجد واحد في بلادنا يسع أهل البلد الذي هو فيه.
ثم إن هذه السنة، يجتمع فيها أهل كل بلدة رجالاً ونساءً وصبياناً، يتوجهون إلى الله بقلوبهم، تجمعهم كلمة واحدة، ويصلون خلف إمام واحد، يكبرون ويهللون، ويدعون الله مخلصين، كأنهم على قلب رجل واحد، فرحين مستبشرين بنعمة الله عليهم، فيكون العيد عندهم عيداً.
وقد أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخروج النساء لصلاة العيد مع الناس ولم يستثن منهن أحداً، حتى إنه لم يرخص لمن لم يكن عندها ما تلبس في خروجها، بل أمر أن تستعير من غيرها، وحتى إنه أمر من كان عندهن عذر يمنعهن الصلاة بالخروج إلى المصلى: " ليشهدن الخير ودعوة المسلمين "
وقد كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم خلفاؤه من بعده، والأمراء النائبون عنهم في البلاد يصلون بالناس العيد، ثم يخطبونهم بما يعظونهم به، ويعلمونهم مما ينفعهم في دينهم ودنياهم، ويأمرونهم بالصدقة في ذلك الجمع المبارك، الذي تتنزل عليه الرحمة والرضوان.
فعسى أن يستجيب المسلمون لاتباع سنة نبيهم ولإحياء شعائر دينهم، الذي هو معقد عزهم وفلاحهم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) الأنفال/24
انتهى كلامه رحمه الله من تعليقه على سنن الترمذي 2/421-424.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2049)
صلاة العيدين للمنفرد في البيت
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن أصلي صلاة العيد في البيت لأنني لا أستطيع الذهاب للمسجد بسبب وضعي الصحي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صلاة العيدين فرض عين على كل رجل قادر، في أصح أقوال أهل العلم، كما هو مبين في جواب السؤال رقم (48983) .
وإذا لم تستطع الذهاب إليها بسبب وضعك الصحي، فلا شيء عليك، وهل يشرع لك فعلها في البيت؟ فيه خلاف بين الفقهاء، والجمهور على أنه يشرع ذلك خلافا للحنفية.
نقل المزني عن الشافعي رحمه الله في "مختصر الأم" (8/125) : " ويصلي العيدين المنفرد في بيته والمسافر والعبد والمرأة " انتهى.
وقال الخرشي (مالكي) : "يستحب لمن فاتته صلاة العيد مع الإمام أن يصليها، وهل في جماعة , أو أفذاذا؟ قولان" انتهى باختصار من "شرح الخرشي" (2/104) .
وقال المرداوي في "الإنصاف" (حنبلي) : "وإن فاتته الصلاة (يعني: صلاة العيد) استحب له أن يقضيها على صفتها (أي كما يصليها الإمام) " انتهى.
وقال ابن قدامة في "المغني" (حنبلي) : "وهو مخير، إن شاء صلاها وحده، وإن شاء صلاها جماعة" انتهى.
وفي الدر المختار مع حاشية ابن عابدين (2/175) (حنفي) : " ولا يصليها وحده إن فاتت مع الإمام " انتهى.
وقد اختار اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية قول الحنفية، ورجحه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، كما في "الشرح الممتع" (5/156) .
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء (8/306) : "صلاة العيدين فرض كفاية؛ إذا قام بها من يكفي سقط الإثم عن الباقين.
ومن فاتته وأحب قضاءها استحب له ذلك، فيصليها على صفتها من دون خطبة بعدها، وبهذا قال الإمام مالك والشافعي وأحمد والنخعي وغيرهم من أهل العلم. والأصل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أتيتم الصلاة فامشوا وعليكم السكينة والوقار فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا) ، وما روي عن أنس رضي الله عنه أنه كان إذا فاتته صلاة العيد مع الإمام جمع أهله ومواليه، ثم قام عبد الله بن أبي عتبة مولاه فيصلي بهم ركعتين، يكبر فيهما. ولمن حضر يوم العيد والإمام يخطب أن يستمع الخطبة ثم يقضي الصلاة بعد ذلك حتى يجمع بين المصلحتين. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2050)
تأخير صلاة العيدين عن يوم العيد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز تأخير صلاة العيد عن يوم ليلة رؤية هلال شوال إلى اليوم الثاني ليتمكن جميع العمال من المسلمين العاملين في المصانع والمكاتب من الحصول على إجازة يوم العيد من المسئولين؟ وبما أن يوم العيد غير معروف لديهم سابقاً فلذلك يصعب عليهم إخبار المسئولين عن يوم بعينه للإجازة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صلاة العيدين فرض كفاية؛ إذا قام بها من يكفي سقط الإثم عن الباقين، وذهب بعض أهل العلم إلى أنها فرض عين كالجمعة، وبما أن المركز الإسلامي يقوم بإقامة صلاة العيد بناء على رؤية الهلال؛ فإن هذه الصلاة تسقط فرض الكفاية عمن لم يحضرها، ولا يجوز تأخيرها إلى اليوم الثاني أو الثالث من شوال من أجل أن يحضرها جميع المسلمين في لندن؛ لأن هذا التأخير خلاف ما أجمع عليه الصحابة ومن بعدهم، فإننا لا نعلم أحداً من أهل العلم قال بذلك، نعم يجوز تأخيرها إلى اليوم الثاني إذا لم يعلموا بالعيد إلا بعد زوال الشمس.
وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (8/289)(5/2051)
إقامة صلاة العيد في الاستاد الرياضي
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن طلاب في الجامعة ولا يوجد عندنا مصلى للعيدين والاستسقاء، ومنذ أربع سنوات ونحن نصلي هذه الصلوات في الاستاد الرياضي بالكلية، وهو مكشوف ومفروش بالنايلون فما حكم فما حكم هذه الصلوات في المكان المذكور؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في صلاتكم في المكان المذكور، وما يجري فيه من الأمور التي ذكرتم لا يمنع من إقامة صلاة العيد والاستسقاء فيه ما دام طاهراً ليس فيه شيء من النجاسة، وإن تيسر مكان مستقل أحسن منه فهو أولى وأفضل. والله ولي التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - م/13 ص/10.(5/2052)
حديث ضعيف في فضل قيام ليلة العيد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الحديث الوارد في قيام ليلة العيد صحيح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث رواه ابن ماجه (1782) عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ قَامَ لَيْلَتَيْ الْعِيدَيْنِ مُحْتَسِبًا لِلَّهِ لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ يَوْمَ تَمُوتُ الْقُلُوبُ) .
وهو حديث ضعيف، لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال النووي في "الأذكار":
وهو حديث ضعيف رويناه من رواية أبي أمامة مرفوعاً وموقوفاً، وكلاهما ضعيف انتهى.
وقال الحافظ العراقي في تخريج أحاديث إحياء علوم الدين: إسناده ضعيف.
وقال الحافظ ابن حجر: هذا حديث غريب مضطرب الإِسناد. انظر: "الفتوحات الربانية" (4/235) .
وذكره الألباني في ضعيف ابن ماجه وقال: موضوع.
وذكره في "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (521) وقال: ضعيف جدا.
والحديث رواه الطبراني عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أحيا ليلة الفطر وليلة الأضحى لم يمت قلبه يوم تموت القلوب) .
وهو ضعيف أيضاً.
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد": رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفيه عمر بن هارون البلخي والغالب عليه الضعف، وأثنى عليه ابن مهدي وغيره، ولكن ضعفه جماعة كثيرة. والله أعلم.
وذكره الألباني في "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (520) وقال: موضوع.
وقال النووي في المجموع:
قَالَ أَصْحَابُنَا: يُسْتَحَبُّ إحْيَاءُ لَيْلَتَيْ الْعِيدَيْنِ بِصَلاةٍ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الطَّاعَاتِ، وَاحْتَجَّ لَهُ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَحْيَا لَيْلَتَيْ الْعِيدِ لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ يَوْمَ تَمُوتُ الْقُلُوبُ) وَفِي رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ: (مَنْ قَامَ لَيْلَتَيْ الْعِيدَيْنِ مُحْتَسِبًا لِلَّهِ تَعَالَى لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ حِينَ تَمُوتُ الْقُلُوبُ) رَوَاهُ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَوْقُوفًا , وَرُوِيَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي أُمَامَةَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَمَرْفُوعًا كَمَا سَبَقَ , وَأَسَانِيدُ الْجَمِيعِ ضَعِيفَةٌ. انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:
" الأَحَادِيثُ الَّتِي تُذْكَرُ فِي لَيْلَةِ الْعِيدَيْنِ كَذِبٌ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم" انتهى.
وليس معنى ذلك أن ليلة العيد لا يستحب قيامها، بل قيام الليل مشروع كل ليلة، ولهذا اتفق العلماء على استحباب قيام ليلة العيد، كما نقله في "الموسوعة الفقيهة" (2/235) ، إنما المقصود أن الحديث الوارد في فضل قيامها ضعيف.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2053)
حكم التهنئة بالعيد والمصافحة والمعانقة بعد الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم التهنئة بالعيد؟ وما حكم المصافحة والمعانقة بعد صلاة العيد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ورد عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم كان يهنئ بعضهم بعضاً بالعيد بقولهم: تقبل الله منا ومنكم.
فعن جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اِلْتَقَوْا يَوْمَ الْعِيدِ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْك. قال الحافظ: إسناده حسن.
وقَالَ الإمام أَحْمَدُ رحمه الله: وَلا بَأْسَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُل لِلرَّجُلِ يَوْمَ الْعِيدِ: تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْك. نقله ابن قدامة في "المغني".
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى الكبرى" (2/228) : هَلْ التَّهْنِئَةُ فِي الْعِيدِ وَمَا يَجْرِي عَلَى أَلْسِنَةِ النَّاسِ: " عِيدُك مُبَارَكٌ " وَمَا أَشْبَهَهُ , هَلْ لَهُ أَصْلٌ فِي الشَّرِيعَةِ , أَمْ لا؟ وَإِذَا كَانَ لَهُ أَصْلٌ فِي الشَّرِيعَةِ , فَمَا الَّذِي يُقَالُ؟
فأجاب:
"أَمَّا التَّهْنِئَةُ يَوْمَ الْعِيدِ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ إذَا لَقِيَهُ بَعْدَ صَلاةِ الْعِيدِ: تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكُمْ , وَأَحَالَهُ اللَّهُ عَلَيْك , وَنَحْوُ ذَلِكَ , فَهَذَا قَدْ رُوِيَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَهُ وَرَخَّصَ فِيهِ , الأَئِمَّةُ , كَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ. لَكِنْ قَالَ أَحْمَدُ: أَنَا لا أَبْتَدِئُ أَحَدًا , فَإِنْ ابْتَدَأَنِي أَحَدٌ أَجَبْته , وَذَلِكَ لأَنَّ جَوَابَ التَّحِيَّةِ وَاجِبٌ , وَأَمَّا الابْتِدَاءُ بِالتَّهْنِئَةِ فَلَيْسَ سُنَّةً مَأْمُورًا بِهَا , وَلا هُوَ أَيْضًا مَا نُهِيَ عَنْهُ , فَمَنْ فَعَلَهُ فَلَهُ قُدْوَةٌ , وَمَنْ تَرَكَهُ فَلَهُ قُدْوَةٌ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ" اهـ.
وسئل الشيخ ابن عثيمين: ما حكم التهنئة بالعيد؟ وهل لها صيغة معينة؟
فأجاب:
"التهنئة بالعيد جائزة، وليس لها تهنئة مخصوصة، بل ما اعتاده الناس فهو جائز ما لم يكن إثماً" اهـ.
وقال أيضاً:
"التهنئة بالعيد قد وقعت من بعض الصحابة رضي الله عنهم، وعلى فرض أنها لم تقع فإنها الا?ن من الأمور العادية التي اعتادها الناس، يهنىء بعضهم بعضاً ببلوغ العيد واستكمال الصوم والقيام" اهـ.
وسئل رحمه الله تعالى: ما حكم المصافحة، والمعانقة والتهنئة بعد صلاة العيد؟
فأجاب:
"هذه الأشياء لا بأس بها؛ لأن الناس لا يتخذونها على سبيل التعبد والتقرب إلى الله عز وجل، وإنما يتخذونها على سبيل العادة، والإكرام والاحترام، ومادامت عادة لم يرد الشرع بالنهي عنها فإن الأصل فيها الإباحة" اهـ.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (16/208-210) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2054)
هل يجوز للذي خرج إلى صلاة العيد أن يصلي ركعتي تحية المسجد في المصلى
[السُّؤَالُ]
ـ[من الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه خرج إلى صلاة العيدين إلى المصلى وخرج معه الرجال والنساء، وخرج بعده الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، هل يجوز للذي خرج إلى صلاة العيد أن يصلي ركعتي تحية المسجد في المصلى أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يصلي من دخل المصلى لصلاة العيد ركعتين تحية قبل أن يجلس؛ لأن صلاة التحية بالمصلى مخالف لما كان عليه العمل من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 7/274(5/2055)
قضاء صلاة العيدين
[السُّؤَالُ]
ـ[في صباح يوم عيد الفطر المبارك وعند وصولنا المصلى وجدنا الإمام صلى وعلى انتهاء من الخطبة، فصلين ركعتي العيد والإمام يخطب. ما مدى صحة الصلاة من عدمها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صلاة العيدين فرض كفاية؛ إذا قام بها من يكفي سقط الإثم عن الباقين، وفي الصورة المسئول عنها: حصل أداء الفرض من الذين صلوا أولاً - الذين خطب بهم الإمام - ومن فاتته وأحب قضاءها استحب له ذلك، فيصليها على صفتها من دون خطبة بعدها، وبهذا قال الإمام مالك والشافعي وأحمد والنخعي وغيرهم من أهل العلم.
والأصل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أتيتم الصلاة فامشوا وعليكم السكينة والوقار فما أدركتم فصلوا ومافاتكم فاقضوا) ، وما روي عن أنس رضي الله عنه أنه كان إذا فاتته صلاة العيد مع الإمام جمع أهله ومواليه، ثم قام عبد الله بن أبي عتبة مولاه فيصلي بهم ركعتين، يكبر فيهما.
ولمن حضر يوم العيد والإمام يخطب أن يستمع الخطبة ثم يقضي الصلاة بعد ذلك حتى يجمع بين المصلحتين.
وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (8/306)(5/2056)
صلاة العيد لا نداء لها ولا أذان ولا شيء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من السنة أن ينادى لصلاة العيد بشيء مثل "الصلاة جامعة" كما في صلاة الكسوف؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
روى مسلم (885) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلاةَ يَوْمَ الْعِيدِ، فَبَدَأَ بِالصَّلاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ، بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلا إِقَامَةٍ.
وروى البخاري (960) ومسلم (886) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيِّ قَالا: لَمْ يَكُنْ يُؤَذَّنُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَلا يَوْمَ الأَضْحَى. قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ: لا أَذَانَ لِلصَّلاةِ يَوْمَ الْفِطْرِ حِينَ يَخْرُجُ الإِمَامُ، وَلا بَعْدَ مَا يَخْرُجُ، وَلا إِقَامَةَ وَلا نِدَاءَ وَلا شَيْءَ، لا نِدَاءَ يَوْمَئِذٍ وَلا إِقَامَةَ.
فهذا الحديث دليل على أنه لا أذان لصلاة العيد ولا إقامة ولا ينادى لها بشيء.
وذهب بعض العلماء إلى أنه ينادى لها بقول "الصلاة جامعة" قياساً على صلاة الكسوف.
وهو قياس في مقابلة حديث جابر المتقدم فلا يعتد به.
قال ابن قدامة رحمه الله:
"وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يُنَادَى لَهَا: الصَّلاةُ جَامِعَةٌ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحَقُّ أَنْ تُتَّبَعَ" اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:
لا ينادى للعيد والاستسقاء، وقاله طائفة من أصحابنا اهـ. نقله عنه في "الإنصاف" (1/428)
وقال ابن القيم في زاد المعاد:
"وَكَانَ صلى الله عليه وسلم إذَا انْتَهَى إلَى الْمُصَلَّى أَخَذَ فِي الصَّلَاةِ -أَيْ صَلاةِ الْعِيدِ- مِنْ غَيْرِ أَذَانٍ وَلا إقَامَةٍ , وَلا قَوْلِ: الصَّلاةُ جَامِعَةٌ , وَالسُّنَّةُ أَنْ لا يُفْعَلَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ اهـ.
وقال الصنعاني في "سبل السلام" عن القول بأنه يستحب أن ينادى للعيد "الصلاة جامعة" قال:
"إنه قول غَيْرُ صَحِيحٍ ; إذْ لا دَلِيلَ عَلَى الاسْتِحْبَابِ , وَلَوْ كَانَ مُسْتَحَبًّا لَمَا تَرَكَهُ صلى الله عليه وسلم ; وَالْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ مِنْ بَعْدِهِ , نَعَمْ، ثَبَتَ ذَلِكَ فِي صَلاةِ الْكُسُوفِ لا غَيْرُ , وَلا يَصِحُّ فِيهِ الْقِيَاسُ ; لأَنَّ مَا وُجِدَ سَبَبُهُ فِي عَصْرِهِ وَلَمْ يَفْعَلْهُ فَفِعْلُهُ بَعْدَ عَصْرِهِ بِدْعَةٌ , فَلا يَصِحُّ إثْبَاتُهُ بِقِيَاسٍ وَلا غَيْرِهِ" اهـ.
وسئل الشيخ ابن عثيمين: هل لصلاة العيد أذان وإقامة؟
فأجاب:
" صلاة العيد ليس لها أذان ولا إقامة، كما ثبتت بذلك السنة، ولكن بعض أهل العلم رحمهم الله قالوا: إنه ينادى لها "الصلاة جامعة"، لكنه قول لا دليل له، فهو ضعيف. ولا يصح قياسها على الكسوف، لأن الكسوف يأتي من غير أن يشعر الناس به، بخلاف العيد فالسنة أن لا يؤذن لها، ولا يقام لها، ولا ينادى لها، "الصلاة جامعة" وإنما يخرج الناس، فإذا حضر الإمام صلوا بلا أذان ولا إقامة، ثم من بعد ذلك الخطبة" اهـ.
"مجموع فتاوى ابن عثيمن" (16/237) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2057)
دخل مع الإمام أثناء التكبيرات الزوائد
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا دخلت مع الإمام في صلاة العيد بعد أن بدأ في التكبير بعد تكبيرة الإحرام، فهل أكبر ما فات مني بعد تكبير الإمام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: ما الحكم لو أدركت الإمام وهو يصلي العيد وكان يكبر التكبيرات الزوائد، هل أقضي ما فاتني أم ماذا أعمل؟
فأجاب: " إذا دخلت مع الإمام في أثناء التكبيرات، فكبر للإحرام أولاً، ثم تابع الإمام فيما بقي، ويسقط عنك ما مضى" اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
مجموع فتاوى ابن عثيمين (16/245) .(5/2058)
هل الأفضل للمرأة أن تخرج إلى صلاة العيد أم تبقى في بيتها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعلم أن الأفضل للمرأة أن تصلي في بيتها، لكن سؤالي بالنسبة لصلاة العيد هل الأفضل للمرأة أن تخرج لصلاة العيد أم الأفضل أن تبقى في بيتها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأفضل للمرأة أن تخرج لصلاة العيد، وبهذا أمرها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
روى البخاري (324) ومسلم (890) عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَتْ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُخْرِجَهُنَّ فِي الْفِطْرِ وَالأَضْحَى الْعَوَاتِقَ وَالْحُيَّضَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ، فَأَمَّا الْحُيَّضُ فَيَعْتَزِلْنَ الصَّلاةَ وَيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِحْدَانَا لا يَكُونُ لَهَا جِلْبَابٌ. قَالَ: لِتُلْبِسْهَا أُخْتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا.
(الْعَوَاتِق) جَمْع عَاتِق وَهِيَ مَنْ بَلَغَتْ الْحُلُم أَوْ قَارَبَتْ , أَوْ اِسْتَحَقَّتْ التَّزْوِيج.
(وَذَوَات الْخُدُور) هن الأبكار.
قال الحافظ:
فِيهِ اِسْتِحْبَابُ خُرُوجِ النِّسَاءِ إِلَى شُهُودِ الْعِيدَيْنِ سَوَاءٌ كُنَّ شَوَابَّ أَمْ لا وَذَوَاتِ هَيْئَاتٍ أَمْ لا اهـ.
وقال الشوكاني:
وَالْحَدِيثُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الأَحَادِيثِ قَاضِيَةٌ بِمَشْرُوعِيَّةِ خُرُوجِ النِّسَاءِ فِي الْعِيدَيْنِ إلَى الْمُصَلَّى مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ وَالشَّابَّةِ وَالْعَجُوزِ وَالْحَائِضِ وَغَيْرِهَا مَا لَمْ تَكُنْ مُعْتَدَّةً أَوْ كَانَ خُرُوجُهَا فِتْنَةً أَوْ كَانَ لَهَا عُذْرٌ اهـ.
وسئل الشيخ ابن عثيمين: أيهما أفضل للمرأة الخروج لصلاة العيد أم البقاء في البيت؟
فأجاب:
" الأفضل خروجها إلى العيد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن تخرج النساء لصلاة العيد، حتى العواتق وذوات الخدور ـ يعني حتى النساء اللاتي ليس من عادتهن الخروج ـ أمرهن أن يخرجن إلا الحيض فقد أمرهن بالخروج واعتزال المصلى ـ مصلى العيد ـ فالحائض تخرج مع النساء إلى صلاة العيد، لكن لا تدخل مصلى العيد؛ لأن مصلى العيد مسجد، والمسجد لا يجوز للحائض أن تمكث فيه، فيجوز أن تمر فيه مثلاً، أو أن تأخذ منه الحاجة، لكن لا تمكث فيه، وعلى هذا فنقول: إن النساء في صلاة العيد مأمورات بالخروج ومشاركة الرجال في هذه الصلاة، وفيما يحصل فيها من خير، وذكر ودعاء" اهـ.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (16/210) .
وقال أيضا:
" لكن يجب عليهن أن يخرجن تفلات، غير متبرجات ولا متطيبات، فيجمعن بين فعل السنة، واجتناب الفتنة.
وما يحصل من بعض النساء من التبرج والتطيب، فهو من جهلهن، وتقصير ولاة أمورهن. وهذا لا يمنع الحكم الشرعي العام، وهو أمر النساء بالخروج إلى صلاة العيد " اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2059)
شرح حديث (أولئك العصاة أولئك العصاة)
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت حديثاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للصائمين في السفر إنكم عصاة. فهل معنى ذلك أنه يحرم على المسافر أن يصوم؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سبق في جواب السؤال رقم (20165) أن المسافر إذا وجدت مشقة من الصيام فالأفضل له الفطر، وصيامه مكروه، وقد يكون صيامه حراماً إذا أدى إلى الضرر أو خوف الهلاك.
وهذا الحديث الذي أشار إليه السائل محمول على ذلك، أي: إذا وجد المسافر مشقة شديدة من الصيام أو تضرر بالصيام. وسياق الحديث يدل على ذلك.
روى مسلم (1114) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَامَ الْفَتْحِ إِلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ - وهو موضع بين مكة والمدينة- فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ النَّاسَ قَدْ شَقَّ عَلَيْهِمْ الصِّيَامُ، وَإِنَّمَا يَنْظُرُونَ فِيمَا فَعَلْتَ. فَدَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ بَعْدَ الْعَصْرِ، فَرَفَعَهُ حَتَّى نَظَرَ النَّاسُ إِلَيْهِ، ثُمَّ شَرِبَ. فَقِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ صَامَ. فَقَالَ: أُولَئِكَ الْعُصَاةُ، أُولَئِكَ الْعُصَاةُ.
فيستفاد من سياق الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم سماهم عصاة لسببين:
الأول: أنهم صاموا مع المشقة.
الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم أفطر من أجل أن يقتدوا به، فكأنه أمرهم بالفطر فلم يفعلوا فسماهم عصاة.
قال النووي:
وَهَذَا مَحْمُول عَلَى مَنْ تَضَرَّرَ بِالصَّوْمِ. . . وَيُؤَيِّد هذا التَّأْوِيلَ قَوْلُهُ: (إِنَّ النَّاس قَدْ شَقَّ عَلَيْهِمْ الصِّيَامُ) , وعلى هذا لا يَكُون الصَّائِم فِي السَّفَر عَاصِيًا إِذَا لَمْ يَتَضَرَّرْ بِهِ اهـ بتصرف.
وقال ابن القيم في تهذيب السنن:
وَأَمَّا قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أُولَئِكَ الْعُصَاة " فَذَاكَ فِي وَاقِعَة مُعَيَّنَة , أَرَادَ مِنْهُمْ الْفِطْر فَخَالَفَهُ بَعْضهمْ فَقَالَ هَذَا. . . فَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا أَفْطَرَ بَعْد الْعَصْر لِيَقْتَدُوا بِهِ , فَلَمَّا لَمْ يَقْتَدِ بِهِ بَعْضهمْ قَالَ: "أُولَئِكَ الْعُصَاة" وَلَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ تَحْرِيم الصِّيَام مُطْلَقًا عَلَى الْمُسَافِر اهـ.
وقال الحافظ:
ونَسَب النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّائِمِينَ في السفر إِلَى الْعِصْيَانِ لأَنَّهُ عَزَمَ عَلَيْهِمْ فَخَالَفُوا اهـ بتصرف.
وعلى هذا؛ فالحديث ورد في حال خاصة، ولا يصح تطبيقه على جميع الصائمين في السفر.
ومما يدل على ذلك أيضاً أنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم في السفر، ولو كان معصية لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2060)
هل يَخطب في العيد خطبتين أو خطبة واحدة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما القول الراجح في خطبة العيدين، هل هي خطبة أم خطبتين؟ وما الدليل على ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ذهب جمهور أهل العلم من المذاهب الأربعة وغيرهم إلى أنه يخطب في العيد بخطبتين، يفصل بينهما بجلوس، كما يفعل ذلك في خطبة صلاة الجمعة.
جاء في المدونة (1/231) : " وقال مالك: الخطب كلها، خطبة الإمام في الاستسقاء والعيدين ويوم عرفة والجمعة، يجلس فيما بينها، يفصل فيما بين الخطبتين بالجلوس " انتهى.
وقال الشافعي رحمه الله في "الأم" (1/272) : "عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: السنة أن يخطب الإمام في العيدين خطبتين يفصل بينهما بجلوس (قال الشافعي) : وكذلك خطبة الاستسقاء وخطبة الكسوف، وخطبة الحج، وكل خطبة جماعة " انتهى.
وينظر: "بدائع الصنائع" (1/276) ، "المغني" (2/121) .
قال الشوكاني رحمه الله معلقا على الأثر السابق: " والحديث الثاني يرجحه القياس على الجمعة. وعبيد الله بن عبد الله تابعي كما عرفت، فلا يكون قوله: "من السنة" دليلا على أنها سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما تقرر في الأصول. وقد ورد في الجلوس بين خطبتي العيد حديث مرفوع رواه ابن ماجه، وفي إسناده إسماعيل بن مسلم، وهو ضعيف " انتهى من "نيل الأوطار" (3/323) .
وحديث ابن ماجة (1279) هو ما رواه عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: (خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فِطْرٍ أَوْ أَضْحَى، فَخَطَبَ قَائِمًا، ثُمَّ قَعَدَ قَعْدَةً، ثُمَّ قَامَ) والحديث أورده الألباني في ضعيف ابن ماجه، وقال عنه: منكر.
قال في "عون المعبود" (4/4) : " قال النووي في الخلاصة: وما روي عن ابن مسعود أنه قال: السنة أن يخطب في العيد خطبتين يفصل بينهما بجلوس، ضعيفٌ غير متصل، ولم يثبت في تكرير الخطبة شيء، والمعتمد فيه القياس على الجمعة " انتهى.
فتحصّل من ذلك أن مستند الخطبتين:
1- حديث ابن ماجة، وأثر ابن مسعود رضي الله عنه، وكلاهما ضعيف كما سبق.
2- أثر عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وهو تابعي.
3- القياس على الجمعة.
4- وذكر الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أمراً رابعاً قد يُحتج به، قال رحمه الله: " وقوله: " خطبتين " هذا ما مشى عليه الفقهاء رحمهم الله أن خطبة العيد اثنتان؛ لأنه ورد هذا في حديث أخرجه ابن ماجه بإسناد فيه نظر، ظاهره أنه كان يخطب خطبتين. ومن نظر في السنة المتفق عليها في الصحيحين وغيرهما تبين له أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخطب إلا خطبة واحدة، لكنه بعد أن أنهى الخطبة الأولى توجه إلى النساء ووعظهن، فإن جعلنا هذا أصلا في مشروعية الخطبتين فمحتمل، مع أنه بعيد؛ لأنه إنما نزل إلى النساء وخطبهن لعدم وصول الخطبة إليهن، وهذا احتمال. ويحتمل أن يكون الكلام وصلهن ولكن أراد أن يخصهن بخصيصة، ولهذا ذكرهن ووعظهن بأشياء خاصة بهن " انتهى من "الشرح الممتع" (5/191) .
وقد سئلت "اللجنة الدائمة" ما نصه: " هل في خطبة العيدين جلوس بين الخطبتين؟
فأجابت:
" خطبتا العيدين سنة وهي بعد صلاة العيد، وذلك لما روي النسائي وابن ماجه وأبو داود عن عطاء عن عبد الله بن السائب رضي الله عنهما قال: شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم العيد فلما قضى الصلاة قال: (إنا نخطب فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس ومن أحب أن يذهب فليذهب) . قال الشوكاني رحمه الله في النيل: " قال المصنف رحمه الله تعالى: وفيه بيان أن الخطبة سنة، إذ لو وجبت وجب الجلوس لها " اهـ.
ويشرع لمن خطب خطبتين في العيد أن يفصل بينهما بجلوس خفيف قياساً على خطبتي الجمعة، ولما روي الشافعي رحمه الله عن عبيد بن عبد الله بن عتبة رضي الله عنه قال: السنة أن يخطب الإمام في العيدين خطبتين يفصل بينهما بجلوس.
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه ليس لصلاة العيد إلا خطبة واحدة؛ لأن الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس فيها إلا خطبة واحدة، والله أعلم " انتهى نقلا عن "فتاوى إسلامية" (1/425) .
وسئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يخطب الإمام في العيد خطبة واحدة أو خطبتين؟
فأجاب:
" المشهور عند الفقهاء رحمهم الله أن خطبة العيد اثنتان، لحديث ضعيف ورد في هذا، لكن في الحديث المتفق على صحته أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يخطب إلا خطبة واحدة، وأرجو أن الأمر في هذا واسع " انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (16/246) .
وقال أيضاً (16/248) :
" السنة أن تكون للعيد خطبة واحدة، وإن جعلها خطبتين فلا حرج؛ لأنه قد روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن لا ينبغي أن يهمل عظة النساء الخاصة بهن. لأن النبي عليه الصلاة والسلام وعظهن.
فإن كان يتكلم من مكبر تسمعه النساء فليخصص آخر الخطبة بموعظة خاصة للنساء، وإن كان لا يخطب بمكبر وكان النساء لا يسمعن فإنه يذهب إليهن، ومعه رجل أو رجلان يتكلم معهن بما تيسر " انتهى.
وخلاصة الجواب:
أن المسألة من مسائل الاجتهاد، والأمر في هذا واسع، وليس في السنة النبوية نص فاصل في المسألة، وإن كان ظاهرها أنها خطبة واحدة، فيفعل الإمام ما يراه أقرب إلى السنة في نظره.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2061)
إقامة أكثر من مصلى للعيد في المدينة
[السُّؤَالُ]
ـ[تستأجر الجمعية الإسلامية قاعة كبيرة لإقامة صلاة العيدين، فهل يجوز لجماعة تبعد ثلاثين ميلاً تقريباً عن القاعة أن يقيموا صلاة العيد في مسجدهم؟ علماً بأن وسائل النقل متوفرة، وهل من الأفضل أن تجمع القاعة معظم المسلمين لصلاة العيد بدلاً من أن يصلوها؛ أكثر من جماعة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا أمكنكم الاجتماع فهو أفضل، وإذا كان يشق عليهم فلا مانع من أن يصلوا في بلدهم الذي يبعد عن موقع إقامة صلاة العيدين ثلاثين كيلاً أو نحوها، مما يشق معه الاجتماع.
وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (8/292)(5/2062)
اختلاف المطالع بين البلدان تأثيرها على المنتقلين بينها
[السُّؤَالُ]
ـ[مسلم صام رمضان وصلى العيد ثم سافر لبلده في الشرق فوجدهم لا زالوا يصومون رمضان، فهل يصوم معهم أم لا يصوم لأنه أنهى صيام رمضان قبل السفر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عما إذا صام رجل تسعة وعشرين يوما وشهد العيد في اليوم الثلاثين في البلد الذي كان صائماً فيه، ثم ذهب في صباح يوم العيد إلى بلد آخر، وهو مفطر، ووجدهم صائمين فهل يصوم أو يبقى على فطره وعيده؟
فأجاب بقوله: " لا يلزمك أن تمسك لأنك أفطرت بطريق شرعي فصار اليوم في حقك يوما مباحا، فلا يلزمك إمساكه، لو غابت عليك الشمس في بلد ثم سافرت إلى بلد فأدركت الشمس قبل أن تغيب فإنه لا يلزمك صيامه. "
وسئل رحمه الله عما إذا بدأنا الصوم في المملكة العربية السعودية ثم سافرنا إلى بلادنا في شرق آسيا في شهر رمضان حيث يتأخر الشهر الهجري هناك يوما فهل نصوم واحدا وثلاثين يوما، وإن صاموا تسعة وعشرين يوما فهل يفطرون أم لا؟
فأجاب بقوله:" إذا سافر الإنسان من البلد التي صام فيها أول الشهر إلى بلد تأخر عندهم الفطر فإنه يبقى لا يفطر حتى يفطروا، ونظير هذا لو سافر في يومه إلى بلد يتأخر فيه غروب الشمس فإنه يبقى صائما حتى تغرب الشمس ولو بلغ عشرين ساعة، إلا إن أفطر من أجل السفر فله الفطر من أجل السفر، وكذلك العكس لو سافر إلى بلد أفطروا قبل أن يتم الثلاثين فإنه يفطر معهم، إن كان الشهر تاما قضى يوما، وإن كان غير تام فلا شيء عليه، فهو يقضي إذا نقص الشهر، وإذا زاد الشهر يتحمل الزيادة، والله أعلم. " انتهى من مجموع الفتاوى 19.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2063)
النداء لصلاة العيدين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الرأي في استعمال الميكرفون قبل صلاة عيد الفطر وعيد الأضحى، لدعوة المسلمين إلى الحضور، وإفهامهم أنها صلاة واجبة، وأنها من ست تكبيرات؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا ينادى لصلاة عيد الفطر ولا لصلاة عيد الأضحى قبلها؛ من أجل أن يحضروا إلى المصلى، ولا من أجل إفهامهم حكم الصلاة، ولا ينبغي فعل ذلك، لا بالميكرفون ولا بغيره؛ لأن وقتهما معلوم والحمد لله، وقد قال الله تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر) الأحزاب / 21، وينبغي لأولي الأمر من الحكام والعلماء أن يبينوا للمسلمين حكم هذه الصلاة قبل يوم العيد، وأن يبينوا لهم كيفيتها، وما ينبغي لهم فيها، فيما قبلها وما بعدها؛ حتى يتأهبوا للحضور إلى المصلى في وقتها، ويؤدوها على وجهها الشرعي.
وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (8/313)(5/2064)
أخطاء تقع في العيد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الأخطاء والمنكرات التي نحذر منها المسلمين في العيدين؟ فنحن نرى بعض التصرفات التي ننكرها مثل زيارة المقابر بعد صلاة العيد، وإحياء ليلة العيد بالعبادة..]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن مما ينبه عليه مع إقبال العيد وبهجته بعض الأمور التي يفعلها البعض جهلاً بشريعة الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك:
1- اعتقاد البعض مشروعية إحياء ليلة العيد..
يعتقد بعض الناس مشروعية إحياء ليلة العيد بالعبادة، وهذا من البدع المُحدثة التي لم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما روي في ذلك حديث ضعيف (من أحيا ليلة العيد لم يمت قلبه يوم تموت القلوب) وهذا حديث لا يصح، جاء من طريقين أحدهما موضوع والآخر ضعيف جداً. انظر سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للألباني (520، 521) .
فلا يشرع تخصيص ليلة العيد بالقيام من بين سائر الليالي، بخلاف من كان عادته القيام في غيرها فلا حرج أن يقوم ليلة العيد.
2- زيارة المقابر في يومي العيدين:
وهذا مع مناقضته لمقصود العيد وشعاره من البشر والفرح والسرور، ومخالفته هديه صلى الله عليه وسلم وفعل السلف، فإنه يدخل في عموم نهيه صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ القبور عيداً، إذ إن قصدها في أوقات معينة، ومواسم معروفة من معاني اتخاذها عيداً، كما ذكر أهل العلم. انظر أحكام الجنائز وبدعها للألباني (ص219) ، (ص258) .
3- تضييع الجماعة والنوم عن الصلوات:
إن مما يؤسف له أن ترى بعض المسلمين وقد أضاع صلاته، وترك الجماعة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر " رواه الترمذي 2621 والنسائي 463 وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وقال: " إِنَّ أَثْقَلَ صَلاةٍ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلاةُ الْعِشَاءِ وَصَلاةُ الْفَجْرِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلاةِ فَتُقَامَ ثُمَّ آمُرَ رَجُلا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إِلَى قَوْمٍ لا يَشْهَدُونَ الصَّلاةَ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّار " رواه مسلم 651
4- اختلاط النساء بالرجال في المصلى والشوارع وغيرها، ومزاحمتهن الرجال فيها:
وفي ذلك فتنة عظيمة وخطر كبير، والواجب تحذير النساء والرجال من ذلك، واتخاذ التدابير اللازمة لمنع ذلك ما أمكن، كما ينبغي على الرجال والشباب عدم الانصراف من المصلى أو المسجد إلا بعد تمام انصرافهن.
5- خروج بعض النساء متعطرات متجملات سافرات:
وهذا مما عمت به البلوى، وتهاون به الناس والله المستعان، حتى إن بعض النساء هداهن الله إذا خرجن للمساجد للتروايح أو صلاة العيد أو غير ذلك فإنها تتجمل بأبهى الثياب، وأجمل الأطياب، وقد قال عليه الصلاة والسلام: " أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ لِيَجِدُوا مِنْ رِيحِهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ " رواه النسائي 5126 والترمذي 2786 وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 2019
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلاتٌ مَائِلاتٌ رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلا يَجِدْنَ رِيحَهَا وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا " رواه مسلم 2128
فعلى أولياء النساء أن يتقوا الله فيمن تحت أيديهم، وأن يقوموا بما أوجب الله عليهم من القوامة لأن {الرجال قواموان على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض} .
فعليهم أن يوجهوهن ويأخذوا بأيديهن إلى ما فيه نجاتهن، وسلامتهن في الدنيا والآخرة بالابتعاد عما حرم الله، والترغيب فيما يقرب إلى الله.
5- الاستماع إلى الغناء المحرم:
إن من المنكرات التي عمت وطمت في هذا الزمن الموسيقى والطرب، وقد انتشرت انتشاراً كبيراً وتهاون الناس في أمرها، فهي في التلفاز والإذاعة والسيارة والبيت والأسواق، ولا حول ولا قوة إلا بالله، بل إن الجوالات لم تسلم من هذا الشر والمنكر، فهاهي الشركات تتنافس في وضع أحدث النغمات الموسيقية في الجوال، فوصل الغناء عن طريقها إلى المساجد والعياذ بالله.. وهذا من البلاء العظيم والشر الجسيم أن تسمع الموسيقى في بيوت الله أنظر سؤال رقم (34217) ، وهذا مصداق قوله صلى الله عليه وسلم: " ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحِر والحرير والخمر والمعازف. رواه البخاري.
والحر هو الفرج الحرام يعني الزنا، والمعازف هي الأغاني وآلات الطرب.
أنظر الأسئلة، (5000) ، (34432)
فعلى المسلم أن يتقي الله، وأن يعلم بأن نعمة الله عليه تستلزم شكرها، وليس من الشك أن يعصي المسلم ربه، وهو الذي أمده بالنعم.
مر أحد الصالحين بقوم يلهون ويلغون يوم العيد فقال لهم: إن كنتم أحسنتم في رمضان فليس هذا شكر الإحسان، وإن كنتم أسأتم فما هكذا يفعل من أساء مع الرحمن.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2065)
آداب العيد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي السنن والآداب التي نفعلها عليها يوم العيد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من السنن التي يفعلها المسلم يوم العيد ما يلي:
1- الاغتسال قبل الخروج إلى الصلاة:
فقد صح في الموطأ وغيره أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ يَغْدُوَ إِلَى الْمُصَلَّى. الموطأ 428
وذكر النووي رحمه الله اتفاق العلماء على استحباب الاغتسال لصلاة العيد.
والمعنى الذي يستحب بسببه الاغتسال للجمعة وغيرها من الاجتماعات العامة موجود في العيد بل لعله في العيد أبرز.
2- الأكل قبل الخروج في الفطر وبعد الصلاة في الأضحى:
من الآداب ألا يخرج في عيد الفطر إلى الصلاة حتى يأكل تمرات لما رواه البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ.. وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا. البخاري 953
وإنما استحب الأكل قبل الخروج مبالغة في النهي عن الصوم في ذلك اليوم وإيذانا بالإفطار وانتهاء الصيام.
وعلل ابن حجر رحمه الله بأنّ في ذلك سداً لذريعة الزيادة في الصوم، وفيه مبادرة لامتثال أمر الله. فتح 2/446
ومن لم يجد تمرا فليفطر على أي شيء مباح.
وأما في عيد الأضحى فإن المستحب ألا يأكل حتى يرجع من الصلاة فيأكل من أضحيته إن كان له أضحية، فإن لك يكن له من أضحية فلا حرج أن يأكل قبل الصلاة.
3- التكبير يوم العيد:
وهو من السنن العظيمة في يوم العيد لقوله تعالى: (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون) .
وعن الوليد بن مسلم قال: سألت الأوزاعي ومالك بن أنس عن إظهار التكبير في العيدين، قالا: نعم كان عبد الله بن عمر يظهره في يوم الفطر حتى يخرج الإمام.
وصح عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: (كانوا في الفطر أشد منهم في الأضحى) قال وكيع يعني التكبير. انظر إرواء الغليل 3/122
وروى الدارقطني وغيره أن ابن عمر كان إذا غدا يوم الفطر ويوم الأضحى يجتهد بالتكبير حتى يأتي المصلى، ثم يكبر حتى يخرج الإمام.
وروى ابن أبي شيبة بسند صحيح عن الزهري قال: كان الناس يكبرون في العيد حين يخرجون من منازلهم حتى يأتوا المصلى وحتى يخرج الإمام فإذا خرج الإمام سكتوا فإذا كبر كبروا. انظر إرواء الغليل 2/121
ولقد كان التكبير من حين الخروج من البيت إلى المصلى وإلى دخول الإمام كان أمراً مشهوراً جداً عند السلف وقد نقله جماعة من المصنفين كابن أبي شيبة وعبد الرزاق والفريابي في كتاب (أحكام العيدين) عن جماعة من السلف ومن ذلك أن نافع بن جبير كان يكبر ويتعجب من عدم تكبير الناس فيقول: (ألا تكبرون) .
وكان ابن شهاب الزهري رحمه الله يقول: (كان الناس يكبرون منذ يخرجون من بيوتهم حتى يدخل الإمام) .
ووقت التكبير في عيد الفطر يبتدئ من ليلة العيد إلى أن يدخل الإمام لصلاة العيد.
وأما في الأضحى فالتكبير يبدأ من أول يوم من ذي الحجة إلى غروب شمس آخر أيام التشريق.
- صفة التكبير..
ورد في مصنف ابن أبي شيبة بسند صحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه: أنه كان يكبر أيام التشريق: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد. ورواه ابن أبي شيبة مرة أخرى بالسند نفسه بتثليث التكبير.
وروى المحاملي بسند صحيح أيضاً عن ابن مسعود: الله أكبر كبيراً الله أكبر كبيراً الله أكبر وأجلّ، الله أكبر ولله الحمد. أنظر الإرواء 3/126
4- التهنئة:
ومن آداب العيد التهنئة الطيبة التي يتبادلها الناس فيما بينهم أيا كان لفظها مثل قول بعضهم لبعض: تقبل الله منا ومنكم أو عيد مبارك وما أشبه ذلك من عبارات التهنئة المباحة.
وعن جبير بن نفير، قال: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض، تُقُبِّل منا ومنك. قال ابن حجر: إسناده حسن. الفتح 2/446
فالتهنئة كانت معروفة عند الصحابة ورخص فيها أهل العلم كالإمام أحمد وغيره وقد ورد ما يدل عليه من مشروعية التهنئة بالمناسبات وتهنئة الصحابة بعضهم بعضا عند حصول ما يسر مثل أن يتوب الله تعالى على امرئ فيقومون بتهنئته بذلك إلى غير ذلك.
ولا ريب أن هذه التهنئة من مكارم الأخلاق والمظاهر الاجتماعية الحسنة بين المسلمين.
وأقل ما يقال في موضوع التهنئة أن تهنئ من هنأك بالعيد، وتسكت إن سكت كما قال الإمام أحمد رحمه الله: إن هنأني أحد أجبته وإلا لم أبتدئه.
5- التجمل للعيدين..
عن عبد الله بن عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ أَخَذَ عُمَرُ جُبَّةً مِنْ إِسْتَبْرَقٍ تُبَاعُ فِي السُّوقِ فَأَخَذَهَا فَأَتَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْتَعْ هَذِهِ تَجَمَّلْ بِهَا لِلْعِيدِ وَالْوُفُودِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لا خَلاقَ لَهُ.. رواه البخاري 948
فأقر النبي صلى الله عليه وسلم عمر على التجمل للعيد لكنه أنكر عليه شراء هذ الجبة لأنها من حرير.
وعن جابر رضي الله عنه قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلم جبة يلبسها للعيدين ويوم الجمعة. صحيح ابن خزيمة 1765
وروى البيهقي بسند صحيح أن ابن عمر كان يلبس للعيد أجمل ثيابه.
فينبغي للرجل أن يلبس أجمل ما عنده من الثياب عند الخروج للعيد.
أما النساء فيبتعدن عن الزينة إذا خرجن لأنهن منهيات عن إظهار الزينة للرجال الأجانب وكذلك يحرم على من أرادت الخروج أن تمس الطيب أو تتعرض للرجال بالفتنة فإنها ما خرجت إلا لعبادة وطاعة.
6- الذهاب إلى الصلاة من طريق والعودة من آخر..
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ. رواه البخاري 986
قيل الحكمة من ذلك ليشهد له الطريقان عند الله يوم القيامة، والأرض تحدّث يوم القيامة بما عُمل عليها من الخير والشرّ.
وقيل لإظهار شعائر الإسلام في الطريقين.
وقيل لإظهار ذكر الله.
وقيل لإغاظة المنافقين واليهود وليرهبهم بكثرة من معه.
وقيل ليقضى حوائج الناس من الاستفتاء والتعليم والاقتداء أو الصدقة على المحاويج أو ليزور أقاربه وليصل رحمه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2066)
صفة صلاة العيد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي صفة صلاة العيد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صفة صلاة العيد أن يحضر الإمام ويؤم الناس بركعتين قال عمر رضي الله عنه: صلاة الفطر ركعتان وصلاة الأضحى ركعتان تمام غيرُ قصر على لسان نبيكم وقد خاب من افترى. رواه النسائي (1420) وابن خزيمة وصححه الألباني في صحيح النسائي.
وعن أبي سعيد قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى فأول شيء يبدأ به الصلاة. رواه البخاري (956)
يُكبر في الأولى تكبيرة الإحرام، ثم يُكبر بعدها ست تكبيرات أو سبع تكبيرات لحديث عائشة رضي الله عنها: " التكبير في الفطر والأضحى الأولى سبع تكبيرات وفي الثانية خمس تكبيرات سوى تكبيرتي الركوع " رواه أبو داود وصححه الألباني في إراواء الغليل (639) .
ثم يقرأ الفاتحة، ويقرأ سورة " ق " في الركعة الأولى، وفي الركعة الثانية يقوم مُكبراً فإذا انتهى من القيام يُكبر خمس تكبيرات، ويقرأ سورة الفاتحة، ثم سورة " اقتربت الساعة وانشق القمر " فهاتان السورتان كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بهما في العيدين، وإن شاء قرأ في الأولى بسبح وفي الثانية بـ " هل أتاك حديث الغاشية " فقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العيد بسبح اسم ربك الأعلى والغاشية.
وينبغي للإمام إحياء السنة بقراءة هذه السور حتى يعرفها المسلمون ولا يستنكروها إذا وقعت.
وبعد الصلاة يخطب الإمام في الناس، وينبغي أن يخص شيئاً من الخطبة يوجهه إلى النساء يأمرهن بما ينبغي أن يقمن به، وينهاهن عن ما ينبغي أن يتجنبنه كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
أنظر فتاوى أركان الإسلام للشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله ص398، وفتاوى اللاجنة الدائمة (8 / 300 – 316)
الصلاة قبل الخطبة:
من أحكام العيد أن الصلاة قبل الخطبة لحديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمَ الْفِطْرِ فَبَدَأَ بِالصَّلاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ. رواه البخاري 958 ومسلم 885
ومما يدلّ على أن الخطبة بعد الصلاة حديث أبي سعيد رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى إِلَى الْمُصَلَّى فَأَوَّلُ شَيْءٍ يَبْدَأُ بِهِ الصَّلاةُ ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَيَقُومُ مُقَابِلَ النَّاسِ وَالنَّاسُ جُلُوسٌ عَلَى صُفُوفِهِمْ فَيَعِظُهُمْ وَيُوصِيهِمْ وَيَأْمُرُهُمْ فَإِنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَقْطَعَ بَعْثًا قَطَعَهُ أَوْ يَأْمُرَ بِشَيْءٍ أَمَرَ بِهِ ثُمَّ يَنْصَرِفُ.
قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَلَمْ يَزَلْ النَّاسُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى خَرَجْتُ مَعَ مَرْوَانَ - وَهُوَ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ - فِي أَضْحًى أَوْ فِطْرٍ فَلَمَّا أَتَيْنَا الْمُصَلَّى إِذَا مِنْبَرٌ بَنَاهُ كَثِيرُ بْنُ الصَّلْتِ فَإِذَا مَرْوَانُ يُرِيدُ أَنْ يَرْتَقِيَهُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَجَبَذْتُ بِثَوْبِهِ فَجَبَذَنِي فَارْتَفَعَ فَخَطَبَ قَبْلَ الصَّلاةِ فَقُلْتُ لَهُ غَيَّرْتُمْ وَاللَّهِ!!
فَقَالَ: أَبَا سَعِيدٍ قَدْ ذَهَبَ مَا تَعْلَمُ.
فَقُلْتُ: مَا أَعْلَمُ وَاللَّهِ خَيْرٌ مِمَّا لا أَعْلَمُ.
فَقَالَ: إِنَّ النَّاسَ لَمْ يَكُونُوا يَجْلِسُونَ لَنَا بَعْدَ الصَّلاةِ فَجَعَلْتُهَا قَبْلَ الصَّلاةِ " رواه البخاري 956.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2067)
لماذا يكبر الإمام في صلاة العيد
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا يسن لنا اثنتا عشرة تكبيرة في كل من صلاة العيدين قبل قراءة الفاتحة، وما فائدة ذلك، وما معناه دون الصلوات الخمس المفروضة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل في العبادات التوقيف، وأن نتعبد بما أمرنا به الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، سواء عرفنا الحكمة في ذلك أم لا، وخاصة كيفيات الصلاة والصوم والحج، فليس للعقل فيها مجال، ومن ذلك ما شرعه النبي صلى الله عليه وسلم لنا من التكبير ست تكبيرات أو سبع تكبيرات بعد تكبيرة الإحرام وقبل قراءة الفاتحة في الركعة الأولى من صلاة العيدين، وخمس تكبيرات قبل قراءة الفاتحة في الركعة الثانية من صلاة العيدين دون الصلوات المفروضة.
فعلينا أن نؤمن بتشريع الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ونستسلم له، ونسمع ونطيع؛ لأن الأصل في ذلك التعبد لا التعليل.
وليس للعبد أن يدخل فيما هو من شئون الله واختصاصه من العبادات وأنواعها وكيفياتها، ولا أن يسأل لِمَ شرع الله كذا وترك كذا، وما فائدة هذا الذي شرعه، بل عليه أن يعرف ما شرع الله ورسوله ويعمل به، فإن ظهرت له الحكمة فالحمد لله، وإلا استسلم لحكم الله وأطاع وأيقن أنه لم يشرع إلا لحكمة ومصلحة للعباد؛ لأنه سبحانه حكيم عليم في أقواله وأفعال هـ، وشرعه وقدره، قال تعالى: (إن ربك حكيم عليم) الأنعام / 83
ومما يدل على ما ذكرنا قوله سبحانه: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) الأحزاب / 21، وقوله صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي) ، رواه البخاري في صحيحه، وقوله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: (خذوا عني مناسككم) رواه مسلم 378.
وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (8/299)(5/2068)
إعادة صلاة الكسوف غير مشروعة
[السُّؤَالُ]
ـ[صلينا مرة صلاة الكسوف، ولما انتهينا منها ولم تنكشف الشمس أعاد الإمام الصلاة، فهل هذا الفعل مشروع أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"المشروع في هذا هو الصلاة عند كسوف الشمس وخسوف القمر مع الذكر، والاستغفار، والتكبير، والصدقات، وإعتاق الرقاب، كل هذا مشروع كما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه ذكر كسوف الشمس والقمر وقال: (إِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ) ، ثم قال عليه الصلاة والسلام: (فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إِلَى ذِكْرِهِ وَدُعَائِهِ وَاسْتِغْفَارِهِ) وفي لفظ آخر: (فَصَلُّوا وَادْعُوا حَتَّى يُكْشَفَ مَا بِكُمْ) .
فالسنة أن يصلي الإمام ركعتين في كل ركعة قراءتان وركوعان وسجدتان، فإن انكشف الكسوف فالحمد لله، وإلا انشغل الناس بذكر الله والدعاء، والاستغفار، والتكبير، والصدقات، ويكفي، ولا يُشرع إعادة الصلاة. هذا هو المعروف عند أهل العلم" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (2/1053) .
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
فتاوى نور على الدرب(5/2069)
كيف يفعل إذا انتهى من صلاة الكسوف قبل انجلائه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يفعل إذا انتهى من الصلاة قبل أن ينجلي الكسوف، هل يعيد الصلاة أم ماذا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
السنة أن تستمر صلاة الكسوف حتى ينكشف، وينجلي الأمر، ويعود كما كان.
عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَادْعُوا اللَّهَ وَصَلُّوا حَتَّى يَنْجَلِي)
رواه البخاري (1060) ، وهو عند مسلم (رقم/911) بلفظ (حتى ينكشف) ، وفي لفظ آخر من رواية أبي مسعود الأنصاري (حتى يكشف ما بكم) ، وأما لفظ (حتى ينجلي) فرواه الإمام مسلم (رقم/904) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
فإذا انصرف الإمام من الصلاة ظانا أن الكسوف قد انتهى، وهو لم ينته بعد، فقد نص الفقهاء على أنه لا يستحب إعادة صلاة الكسوف حينئذ؛ أي: إذا انصرف الناس منها والشمس ما زالت كاسفة، لما في ذلك من زيادة تحتاج دليلا خاصا، ولا دليل على مشروعية تكرار صلاة الكسوف.
قال الإمام الشافعي رحمه الله:
" إن صلى صلاة الكسوف فأكملها، ثم انصرف والشمس كاسفة، يزيد كسوفها أو لا يزيد: لم يُعِد الصلاةَ، وخطب الناس؛ لأنا لا نحفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في كسوف إلا ركعتين " انتهى.
" الأم " (1/279)
وقال ابن قدامة رحمه الله:
" إن فرغ من الصلاة والكسوف قائم: لم يَزِدْ , واشتغل بالذكر والدعاء ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزد على ركعتين " انتهى.
" المغني " (2/145)
وقال الإمام النووي رحمه الله:
" لو سلم من صلاة الكسوف - والكسوف باق - فهل له استفتاح صلاة الكسوف مرة أخرى؟ فيه وجهان، خرجهما الأصحاب على جواز زيادة الركوع، والصحيح المنع من الزيادة والنقص، ومن استفتاح الصلاة ثانيا. والله أعلم " انتهى.
" المجموع " (5/54)
جاء في " الشرح الكبير " من كتب المالكية (1/404) :
" (ولا تكرر) الصلاة إن أتموها قبل الانجلاء والزوال، أي يمنع فيما يظهر " انتهى.
ويستحب للناس أن ينشغلوا بالدعاء والذكر حتى يكتمل انجلاء الكسوف، لما في الذكر والدعاء من تحقيق معنى صلاة الكسوف، وهو إظهار التذلل والتضرع لله عز وجل في هذا الموقف العظيم. وفي بعض روايات الحديث: (.. فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَكَبِّرُوا وَادْعُوا اللَّهَ وَصَلُّوا وَتَصَدَّقُوا) رواه مسلم (901) .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" المشهور عند أهل العلم أن صلاة الكسوف لا تكرر، ولكن ينبغي للإمام أن يلاحظ مدة الكسوف فيجعل الصلاة مناسبة، فإن كانت قصيرة قصّر الصلاة، ويعلم هذا بما نسمع عنه الآن مما يقرر قبل حدوث الكسوف؛ بأن الكسوف سيبدأ في الدقيقة كذا من الساعة كذا إلى الدقيقة كذا في الساعة كذا، فينبغي للإمام أن يلاحظ ذلك.
وإذا فرغت الصلاة قبل انجلاء الكسوف فليتشاغلوا بالدعاء والذكر حتى ينجلي " انتهى.
" مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين " (16 / 322) .
ويقول أيضا رحمه الله:
" لا تكرر صلاة الكسوف إذا انتهت قبل الانجلاء، وإنما يصلي نوافل كالنوافل المعتادة، أو يدعو ويستغفر ويشتغل بالذكر حتى ينجلي " انتهى.
" مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين " (16 / 324) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2070)
إذا وقع الكسوف وقت الجمعة فبأيهما يبدأ
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم إذا تعارض وقت حصول الكسوف مع وقت صلاة الجمعة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا كسفت الشمس يوم الجمعة، فإن كان ذلك قبل الجمعة بوقت يسع صلاة الكسوف المعتادة، كما لو كان الكسوف في الضحى أو قريبا منه، بدئ بالكسوف، ثم صليت الجمعة في وقتها، وإن وقع الكسوف في وقت الجمعة، فإن خيف فوات الجمعة، قدمت اتفاقا.
وإن أمن فواتها، فالجمهور على تقديم الكسوف، وذهب الحنابلة في قول اختاره ابن قدامة رحمه الله إلى تقديم الجمعة؛ لأن البدء بالكسوف يفضي إلى المشقة، ويقتضي حبس الناس لأجله وإلزامهم بصلاته، وهي غير واجبة في الأصل.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/146) : " وإذا اجتمع صلاتان , كالكسوف مع غيره من الجمعة , أو العيد , أو صلاة مكتوبة , أو الوتر , بدأ بأخوفهما فوتا , فإن خيف فوتهما بدأ بالصلاة الواجبة , وإن لم يكن فيهما واجبة كالكسوف والوتر أو التراويح , بدأ بآكدهما , كالكسوف والوتر , بدأ بالكسوف ; لأنه آكد , ولهذا تسن له الجماعة , ولأن الوتر يقضى , وصلاة الكسوف لا تقضى.
فإن اجتمعت التراويح والكسوف , فبأيهما يبدأ؟ فيه وجهان، هذا قول أصحابنا، والصحيح عندي أن الصلوات الواجبة التي تصلى في الجماعة مقدمة على الكسوف بكل حال ; لأن تقديم الكسوف عليها يفضي إلى المشقة , لإلزام الحاضرين بفعلها مع كونها ليست واجبة عليهم , وانتظارهم للصلاة الواجبة , مع أن فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتخفيف الصلاة الواجبة , كي لا يشق على المأمومين , فإلحاق المشقة بهذه الصلاة الطويلة الشاقة , مع أنها غير واجبة , أولى، وكذلك الحكم إذا اجتمعت مع التراويح , قدمت التراويح لذلك , وإن اجتمعت مع الوتر في أول وقت الوتر قدمت؛ لأن الوتر لا يفوت , وإن خيف فوات الوتر قدم ; لأنه يسير يمكن فعله وإدراك وقت الكسوف , وإن لم يبق إلا قدر الوتر , فلا حاجة بالتلبس بصلاة الكسوف ; لأنها إنما تقع في وقت النهي، وإن اجتمع الكسوف وصلاة الجنازة , قدمت الجنازة وجها واحدا ; لأن الميت يخاف عليه , والله أعلم " انتهى.
وقال النووي رحمه الله في "المجموع" (5/61) : " قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله: إذا اجتمع صلاتان في وقت واحد قدم ما يخاف فوته , ثم الأوكد , فإذا اجتمع عيد وكسوف , أو جمعة وكسوف وخيف فوت العيد أو الجمعة لضيق الوقت قدم العيد والجمعة؛ لأنهما أوكد من الكسوف وإن لم يخف فوتهما فالأصح وبه قطع المصنف [أبو إسحاق الشيرازي] والأكثرون: يقدم الكسوف، لأنه يخاف فوته " انتهى بتصرف.
وينظر: "الموسوعة الفقهية" (27/258) .
والذي يظهر رجحان ما ذهب إليه ابن قدامة رحمه الله؛ لما ذكر من المشقة، ولأن الجمعة آكد وأهم.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا اجتمعت صلاتان صلاة الكسوف مع غيرها، كصلاة الفريضة، أو الجمعة، أو الوتر، أو التراويح، فأيهما يقدم؟
فأجاب: " الفريضة مقدمة على الكسوف والخسوف؛ لأنها أهم، ولأن الله تعالى قال في الحديث القدسي: (ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه) " انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (16/307) .
ثانيا:
إذا بدأ الإمام بالجمعة، خطب لها وصلاها، ثم صلى الكسوف وخطب له، وإذا بدأ بصلاة الكسوف وفرغ منها، خطب للجمعة، وذكّر فيها بالكسوف، ثم صلى الجمعة، واستغنى بخطبتي الجمعة عن الخطبة للكسوف.
قال النووي رحمه الله في الموضع السابق: " ولو اجتمع جمعة وكسوف واقتضى الحال تقديم الجمعة خطب لها ثم صلى الجمعة , ثم الكسوف , ثم خطب للكسوف.
وإن اقتضى الحال تقديم الكسوف بدأ بها , ثم خطب للجمعة خطبتها , وذكر فيهما شأن الكسوف وما يندب في خطبتيه ولا يحتاج إلى أربع خطب , وقال أصحابنا: ويقصد بالخطبتين الجمعة خاصة، وكذا نص عليه الشافعي في الأم " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2071)
إذا كان الكسوف ظاهرة طبيعية فلماذا نفزع ونصلي
[السُّؤَالُ]
ـ[أصبح من المعروف أن الكسوف ليست إلا ظاهرة تحدث في فترة (يمكن أن تكون معلومة الوقت) يكون فيها القمر بين الشمس والأرض.
فلماذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ذلك الوقت؟ فهي لا تسبب أي أذى.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله وحده
وبعد.. فإنه لما كسفت الشمس على عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام أمر مناديا ينادي، الصلاة جامعة. فصلى بالناس ثم خطبهم، وبين لهم حكمة الكسوف وأبطل اعتقادات الجاهلية، وبين لهم ما ينبغي لهم أن يفعلوه من الصلاة، والدعاء، والصدقة، قال عليه الصلاة والسلام: " إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا، وصلوا، وتصدقوا ". ومعنى ذلك أن المسلمين لا يعرفون موعداً للكسوف، لكن متى حدث سارعوا إلى ما شرع الله لهم من الصلاة وغيرها.
وكانوا عند حدوث الكسوف يخافون أن يكون منذرا بنزول بلاء، فيلجأون إلى الله بالدعاء أن يصرف عنهم ما يحذرون. ولما انتشر في الأعصار المتأخرة علم الهيئة وحساب سير الشمس والقمر، وعُلم أن المختصين بذلك قد يدركون وقت الكسوف. بيّن العلماء أن العلم بذلك لا يغير الحكم، وأن على المسلمين أن يفعلوا ما أمروا به عند حدوث الكسوف ولو كانوا قد علموا بذلك من قبل. ولكن لا يشرع الاهتمام برصد مواعيد الكسوف، فإن ذلك مما لم يأمرنا به الله ورسوله، كما بين العلماء أن الكسوف قد يكون علامة أو سببا لحدوث شر يتضرر به العباد. وقول السائل أن الكسوف لايسبب أذى، قولٌ بغيرعلم، واعتراض على شرع الله، وليس بلازم أن يعلم الناس بما يحدثه الله عند الكسوف، وقد يعلم بذلك بعض الناس دون بعض، وقد يدفع الله بصلاة المسلمين ودعائهم عن العباد من الشرور ما لا يعلمه إلا الله. فالواجب على المسلم التسليم لحكم الله والعمل بشرعه، والإيمان لحكمته، فإنه العليم الحكيم سبحانه وتعالى.
أملاه فضيلة الشيخ عبد الرحمن البراك.
وكسوف الشمس وخسوف القمر آيتان من آيات الله يخوف الله بهماعباده ويذكّرهم بعض ما يكون يوم القيامة إذا الشمس كوّرت وإذا النجوم انكدرت وإذا برق البصر وخسف القمر وجُمع الشمس والقمر وهذا وجه التخويف وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم من شدة خشيته لله قد خرج فزعا يظنّ الساعة قد قامت لما كسفت الشمس في عهده وهذا من قوّة استحضاره لقيام الساعة وشفقته منها وأمّا نحن فقد أصابتنا الغفلة حتى لم يعد أكثر الناس يرون فيها إلا مجرّد ظاهة طبيعية يعمدون فيها إلى لبس النظّارات وحمل الكاميرات والاقتصار على التفسير العلمي الدنيوي لها دون أن يدركوا ما وراء ذلك من التذكير بالآخرة وهذا من علامات قسوة القلب وقلة الاهتمام بأمر الآخرة وضعف الخشية من قيام الساعة والجهل بمقاصد الشّريعة وما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من الفزع عند حدوث الكسوف والخسوف، وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يقومون لصلاة الكسوف والخسوف وفي أنفسهم أنها لو كانت لقيام الساعة لم يكونوا بصلاتهم غافلين وإن كان الكسوف والخسوف ليس لأنّ القيامة قد قامت فلم يخسروا بصلاتهم وإنما غنموا أجرا كبيرا نسأل الله أن يجعلنا ممن يخشونه وهم من الساعة مشفقون وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/2072)
صلاة الكسوف لا تشرع إلا لمن شاهد الكسوف أو وقع في بلده
[السُّؤَالُ]
ـ[هل نصلي الكسوف بناء على خبر أهل الحساب المنشور في الجريدة؟ وهل إذا وقع الكسوف في بلد آخر نصلي صلاة الكسوف أم يجب رؤيته بالعين المجردة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد صحت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمر بصلاة الكسوف والذكر والدعاء عندما يرى المسلمون كسوف الشمس أو القمر فقال صلى الله عليه وسلم: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكن الله يرسلهما يخوف بهما عباده، فإذا رأيتم ذلك فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم) وفي لفظ آخر: (فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله ودعائه واستغفاره) فعلق صلى الله عليه وسلم الأمر بالصلاة والدعاء والذكر والاستغفار برؤية الكسوف لا بخبر الحسابين.
فالواجب على المسلمين جميعاً التمسك بالسنة والعمل بها والحذر من كل ما يخالفها.
وبذلك يعلم أن الذين صلوا صلاة الكسوف اعتماداً على خبر الحسابين قد أخطأوا وخالفوا السنة.
ويُعلم أيضاً أنه لا يشرع لأهل بلد لم يقع عندهم الكسوف أن يصلوا، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم علق الأمر بالصلاة وما ذكر معها برؤية الكسوف لا بالخبر من أهل الحساب بأنه سيقع، ولا بوقوعه في بلد آخر، وقد قال الله عز وجل: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) الحشر /7، وقال سبحانه: (لقد كان لكم في رسول لله أسوة حسنة) الأحزاب /21، وهو صلى الله عليه وسلم إنما صلى صلاة الكسوف لما وقع ذلك في المدينة وشاهده الناس، وقال عز وجل: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) النور /63.
ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم هو أعلم الناس وأنصح الناس، وأنه هو المبلغ عن الله أحكامه. فلو كانت صلاة الكسوف تشرع بأخبار الحسابين، أو بوقوع الكسوف في مناطق أو أقاليم لا يشاهدها إلا أهلها، لبين ذلك وأرشد الأمة إليه. فلما لم يبين ذلك، بل بين خلافه، وأرشد الأمة إلى أن يعتمدوا على الرؤية للكسوف، علم بذلك أن الصلاة لا تشرع إلا لمن شاهد الكسوف أو وقع في بلده. والله ولي التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز – رحمه الله – م/13 ص/30.(5/2073)
أدرك الركوع الثاني في صلاة الكسوف
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أدركت الركوع الثاني من الركعة الأولى في صلاة الكسوف فماذا أفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تدرك الركعة في صلاة الكسوف بإدراك الركوع الأول منها وبناء على ما جاء في سؤالك فإنك تكون قد أدركت الركعة الثانية فقط مع الإمام فتأتي بعد السلام بركعة كاملة بقراءتيها وركوعيها وسجوديها (راجع صفة صلاة الكسوف)
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/2074)
ينادَى لصلاة الكسوف بقول: (الصلاة جامعة)
[السُّؤَالُ]
ـ[ورد أنه ينادى لصلاة الكسوف بـ (الصلاة جامعة) فهل يقولها مرة واحدة، أو يشرع تكرارها، وما مقدار التكرار؟ أفتونا مأجورين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر أن ينادى لصلاة الكسوف بقول: (الصلاة جامعة) رواه البخاري ومسلم، والسنة للمنادي أن يكرر ذلك حتى يظن أنه أسمع الناس، وليس لذلك حد محدود فيما نعلم. والله ولي التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - م/13 ص/38.(5/2075)
فاتته صلاة الفجر ووجد الجماعة يصلون الكسوف
[السُّؤَالُ]
ـ[هل لمن جاء لصلاة الجماعة في الفجر متأخراً أن ينضم مع الإمام وهو يصلي الخسوف؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن كان يعلم أنه في الكسوف فلا يدخل معه، لاختلاف حال الصلاتين فالخسوف مع أنها ركعتان إلا أن كل ركعة بركوعين وقيامين وقراءتين ومن كان جاهلاً بأن الإمام يصلي الكسوف وانضم مع الإمام بنية الفجر فيجب عليه أن ينوي الانفراد عن الإمام متى علم أن الإمام يصلي الكسوف، ويتمها فجراً ثم إن أراد يدخل مع الإمام فيما بقي من صلاة الكسوف.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2076)
صلاة الكسوف بعد طلوع الفجر
[السُّؤَالُ]
ـ[خرجنا لصلاة الفجر هذا اليوم الخميس الرابع عشر من شهر رمضان، فرأينا القمر في حال الخسوف ماذا نفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الشمس والقمر آيتان من آيات الله يذّكر الله بخسوف القمر وكسوف الشمس عباده بيوم القيامة، يوم يذهب ضوءهما قال تعالى: (فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) القيامة/7-9، فهذه الآية تذكر بذلك اليوم، انظر السؤال رقم (5901) ، وقد فزع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الصلاة حين حصل ذلك.
وحيث أنكم رأيتم الخسوف اليوم وأنتم خارجون لصلاة الفجر فإنكم مخيّرون بين البدء بالخسوف كما ذكر ذلك بعض العلماء، لورود الأمر من النبي صلى الله عليه وسلم بالفزع إليها، والفزع يقتضي الإسراع بها.
وإذا بدأتم بالفجر أولاً فهذا طيّب لأن الفريضة مقدّمَة، وقد يكون في هذا مصلحة، وخصوصاً عندما لا يُرى الخسوف إلا عند وقت الإقامة، فربما يشقّ على الناس، لاسيما الذين يسهرون الليل في شهر الصيام أن يبدأ بهم الإمام صلاة الخسوف. فإذا بدأوا بالفجر ليتمكن من يريد الانصراف من الانصراف كان هذا أهون على الناس، وأيضاً فهذا يبعد عن البلبلة، وخصوصاً للقادمين لصلاة الفجر، ولا يعلمون أن الإمام يصلي الخسوف.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2077)
إذا كسفت الشمس وقت صلاة العصر
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كسفت الشمس ووقت صلاة العصر قريب فماذا نفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كسفت الشمس بعد أذان العصر تصلون الفريضة ثم تصلّون الكسوف وإذا كسفت الشمس قبل أذان العصر تصلّون الكسوف وبعد الانتهاء تؤذّنون للعصر وتصلّون الفريضة ولا يضرّ تأخير الأذان عن أول الوقت.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/2078)
هل يشترط المحافظة على الرواتب كل يوم كي يبنى له بيت في الجنة، أم يكفي يوم واحد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[حديث (من صلى 12 ركعة في اليوم بني له قصر في الجنة) هل من حافظ عليها بني له قصر في الجنة أم من صلى كل يوم بني له بعدد الأيام التي صلاها قصور في الجنة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث العظيم في فضائل صلاة النافلة الراتبة ورد بلفظين:
ظاهر أحدهما: أن من صلى الرواتب الاثنتي عشرة ركعة - ولو يوما واحدا من عمره - بنى الله له بيتا في الجنة، وأن من حافظ عليها لأيام كثيرة كان له من البيوت في الجنة بعدد تلك الأيام التي حافظ عليها، وهذا اللفظ كالآتي:
عن أم حبيبة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(مَنْ صَلَّى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بُنِيَ لَهُ بِهِنَّ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ) رواه مسلم (728)
والأخذ بظاهر هذا اللفظ هو ما يبدو من قول عائشة رضي الله عنها: (من صلى أول النهار ثنتي عشرة ركعة بني له بيت في الجنة) رواه ابن أبي شيبة في " المصنف " (2/109)
وكذلك هو ما يظهر من قول أبي هريرة رضي الله عنه قال:
(ما من عبد مسلم يصلي في يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعا إلا بني له بيت في الجنة)
رواه أحمد (16/283) وقال المحققون في طبعة مؤسسة الرسالة: صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن. وروي موقوفا بسند مضعف.
وهو أيضا ما يبدو من تبويب الإمام الترمذي رحمه الله في جامعه (1/537) على هذا الحديث بقوله:
" باب ما جاء فيمن صلى في يوم وليلة ثنتي عشرة ركعة من السنة ما له فيه من الفضل " انتهى.
وبوب عليه ابن حبان في " صحيحه " (6/204) بقوله:
" ذكر بناء الله جل وعلا بيتا في الجنة لمن صلى في اليوم والليلة اثنتي عشرة ركعة سوى الفريضة " انتهى.
فكل هذه النقول جاءت بصيغة المطلق (في يوم وليلة اثنتي عشرة ركعة) ، وهذا يدل على أن المحافظة على هذه الرواتب في يوم واحد فقط كاف لبناء بيت في الجنة.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
هل من صلاها وداوم عليها في اليوم الذي يصلى فيه يبنى له هذا البيت في الجنة، أم أنه لو صلى مثلا ثلاثة أيام يبنى له ثلاثة بيوت، أم ماذا؟
فأجاب رحمه الله:
" مَن صلى اثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة بنى الله له بيتا في الجنة على الجميع، فإذا حافظ عليها، صار كلَّ يوم يمضي يُبنَى له بيت في الجنة " انتهى باختصار.
نقلا عن موقعه على هذا الرابط:
" فتاوى نور على الدرب " (شريط 249، وجه أ) .
http://www.ibnothaimeen.com/all/noor/article_3392.shtml
وقال أيضا رحمه الله:
" وظاهر الحديث أنه لا تشترط المحافظة على هذه الركعات، وأن الإنسان إذا صلاها يوما واحداً: بنى الله له بيتاً في الجنة " انتهى.
" شرح مسلم " (شريط رقم 4 وجه ب)
وأما ظاهر اللفظ الثاني: فيدل على اشتراط المحافظة على هذه الرواتب الاثنتي عشرة ركعة في كل يوم كي يثاب صاحبها عليها ببناء بيت واحد في الجنة، وهذا اللفظ هو:
عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
(مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي لِلَّهِ كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً تطَوُّعًا غَيْرَ فَرِيضَةٍ إِلَّا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ أَوْ إِلَّا بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ)
رواه مسلم (728) ، ومحل الشاهد قوله صلى الله عليه وسلم: (كل يوم)
بل وأصرح منه حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(مَنْ ثَابَرَ عَلَى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً مِنْ السُّنَّةِ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ)
رواه الترمذي (رقم/414) وقال: حديث غريب من هذا الوجه، ومغيرة بن زياد قد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه. وصحح الحديث الشيخ الألباني في " صحيح الترمذي ".
وهو ظاهر ما يذهب إليه ابن أبي شيبة في " المصنف " (2/108) حيث بوب عليه بقوله:
" في ثواب من ثابر اثني عشرة ركعة من التطوع " انتهى.
والنسائي في " السنن الكبرى " (1/458) حيث يقول:
" باب ثواب من ثابر على اثنتي عشرة ركعة في اليوم والليلة، وذكر اختلاف ألفاظ الناقلين في ذلك " انتهى.
وإلى ظاهر اللفظ الثاني ذهب الشيخ ابن باز رحمه الله حيث يقول:
" وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من حافظ على ثنتي عشرة ركعة تطوعا في يومه وليلته بني له بهن بيت في الجنة " انتهى.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (11 / 380) .
ولعل هذا القول هو الأقرب: يعني: أن هذا الوعد خاص بمن واظب على ذلك؛ إعمالا للقيد الذي ورد في روايات صحيحة؛ فالمطلق يحمل على المقيد، وزيادة القيد هنا مقبولة، لا وجه إهمالها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2079)
هل يصلى السنن الرواتب عند الجمع بين الصلاتين في الحضر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لو جمع مقيم صلاتين فهل يجب أن يصلي الفرض فقط أم هل يجوز صلاة السنة المؤكدة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا جمع المقيم بين الصلاتين لعذر كالمطر أو المرض أو غير ذلك من الأعذار فله أن يصلي السنة الراتبة، ولا يجب عليه ذلك لأنها سنة وليست واجبة، فإن جمع بين الظهر والعصر صلى راتبة الظهر القبلية، ثم يجمع بين الصلاتين، ثم يصلي راتبة الظهر البعدية بعد صلاة العصر.
وإن جمع بين المغرب والعشاء، صلى بعدهما راتبة المغرب ثم راتبة العشاء.
قال النووي رحمه الله في "روضة الطالبين" (1 / 402) .
"في جمع العشاء والمغرب يصلي الفريضتين ثم سنة المغرب ثم سنة العشاء ثم الوتر.
وأما في الظهر: فالصواب الذي قاله المحققون أنه يصلي سنة الظهر التي قبلها ثم يصلي الظهر ثم العصر ثم سنة الظهر التي بعدها ثم سنة العصر" انتهى.
وقال زكريا الأنصاري رحمه الله في "أسنى المطالب" (1/245) :
"وَإِنْ جَمَعَ تَقْدِيمًا بَلْ أو تَأْخِيرًا في الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ صلى سُنَّةَ الظُّهْرِ التي قَبْلَهَا ثُمَّ الْفَرِيضَتَيْنِ الظُّهْرَ ثُمَّ الْعَصْرَ ثُمَّ بَاقِيَ السُّنَنِ مُرَتَّبَةً أَيْ سُنَّةَ الظُّهْرِ التي بَعْدَهَا ثُمَّ سُنَّةَ الْعَصْرِ.
وفي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ يُصَلِّي الْفَرِيضَتَيْنِ ثُمَّ السُّنَنَ مُرَتَّبَةً سُنَّةَ الْمَغْرِبِ ثُمَّ سُنَّةَ الْعِشَاءِ ثُمَّ الْوِتْرَ" انتهى.
وقال ابن قدامة رحمه الله: " وَإِذَا جَمَعَ فِي وَقْتِ الْأُولَى , فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ سُنَّةَ الثَّانِيَةِ مِنْهُمَا , وَيُوتِرُ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الثَّانِيَةِ ; لِأَنَّ سُنَّتَهَا تَابِعَةٌ لَهَا , فَيَتْبَعُهَا فِي فِعْلِهَا وَوَقْتِهَا , وَالْوِتْرُ وَقْتُهُ مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ , وَقَدْ صَلَّى الْعِشَاءَ فَدَخَلَ وَقْتُهُ " انتهى.
"المغني" (2 / 61-62) .
وقال في الإنصاف (2 / 344) : " يُصَلِّي سُنَّةَ الظُّهْرِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، قَالَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ " انتهى.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
هل تؤدى السنن الراتبة القبلية والبعدية في حالة الجمع بين الصلاتين كالظهر والعصر والمغرب والعشاء، وإذا كانت تؤدى فكيفية تأدية هذه الراتبة هل تكون بعد الصلوات أو قبلها؟
فأجاب:
"إنسان مريض أو جمع الناس من أجل المطر فأخر الظهر إلى العصر يصلي الراتبة أولاً أربع ركعات، ثم إذا فرغ من صلاة العصر صلى الراتبة البعدية التي للظهر.
يجمع بين المغرب والعشاء ثم إذا فرغ صلى راتبة المغرب أولاً ثم راتبة العشاء" انتهى.
"لقاء الباب المفتوح" (147 / 15) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2080)
إذا كان المسجد يغلق بعد الصلاة وجلس إلى الشروق في بيته فهل ينال الأجر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك صلاة في الإسلام تسمى صلاة الإشراق؟ حيث يقول الناس عادة أن هناك حديث يقول بأنه من صلى الصبح ثم قعد في المسجد يذكر الله ويقرأ القرآن ... إلخ وبعد طلوع الشمس وقف وصلى ركعتين تسميان صلاة الإشراق فإن الله سيكافئه بأجر حجة فهل هذا صحيح؟ وإذا كان كذلك فهل هذا الأمر مقصور على المسجد فقط؟ وما العمل في المجتمع الذي يقوم عادة بإغلاق المسجد مباشرة بعد الصلاة (ربما بعد 10 دقائق من الصلاة) فهل يجوز للمرء أن يذهب للمنزل ويصلى هذه الصلاة؟ وهل سيحصل على ذات الأجر (إذا كان الحديث حديث صحيح) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صلاة الإشراق هي صلاة ركعتين بعد طلوع الشمس وارتفاعها، لمن صلى الفجر في جماعة في المسجد ثم جلس في مصلاه يذكر الله تعالى حتى يصلي ركعتين.
جاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (27/221) :
" بِتَتَبُّعِ ظَاهِرِ أَقْوَال الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ يَتَبَيَّنُ: أَنَّ صَلاَةَ الضُّحَى وَصَلاَةَ الإِْشْرَاقِ وَاحِدَةٌ، إِذْ كُلُّهُمْ ذَكَرُوا وَقْتَهَا مِنْ بَعْدِ الطُّلُوعِ إِلَى الزَّوَال وَلَمْ يَفْصِلُوا بَيْنَهُمَا.
وَقِيل: إِنَّ صَلاَةَ الإِْشْرَاقِ غَيْرُ صَلاَةِ الضُّحَى، وَعَلَيْهِ فَوَقْتُ صَلاَةِ الإِْشْرَاقِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، عِنْدَ زَوَال وَقْتِ الْكَرَاهَةِ " انتهى.
قال شمس الدين الرملي الشافعي:
" الْمُعْتَمَدَ أَنَّ صَلَاةَ الْإِشْرَاقِ هِيَ صَلَاةُ الضُّحَى " انتهى. فتاوى الرملي (2/46) .
وينظر: جواب السؤال رقم (22389) .
وقد جاء في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ، وَعُمْرَةٍ، تَامَّةٍ، تَامَّةٍ، تَامَّةٍ) رواه الترمذي (586) من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه.
وهذا الحديث مختلف في صحته، فضعفه جماعة من أهل العلم، وحسنه آخرون. وممن حسنه الألباني رحمه الله في صحيح سنن الترمذي.
وقد ثبت في صحيح مسلم (670) : (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا صَلَّى الْفَجْرَ جَلَسَ فِي مُصَلَّاهُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَسَنًا) ، ولم يذكر فيه أنه صلى هاتين الركعتين.
وقد سئل عنه الشيخ ابن باز رحمه الله , فقال: "هذا الحديث له طرق لا بأس بها، فيعتبر بذلك من باب الحسن لغيره، وتستحب هذه الصلاة بعد طلوع الشمس وارتفاعها قيد رمح، أي بعد ثلث أو ربع ساعة تقريبا من طلوعها " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (25/171) .
وظاهر الحديث أن ذلك مختص بمن صلى الصبح في جماعة، والمقصود جماعة المسجد التي جاءت في فضلها الأحاديث.
لكن إذا كان المسلم في بلد تغلق فيه المساجد بعد الصلاة مباشرة، فعاد المصلي إلى بيته وقعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين، فإنه يرجى له الثواب الوارد في الحديث؛ لأنه معذور.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ما هي صلاة الإشراق "؟
فأجاب رحمه الله تعالى:
" صلاة الإشراق، وهي التي تصلى بعد أن ترتفع الشمس قيد رمح، ومقدار ذلك بالساعة أن يمضي على طلوعها ربع الساعة أو حول ذلك، هذه هي صلاة الإشراق، وهي صلاة الضحى أيضاً؛ لأن صلاة الضحى من حين أن ترتفع الشمس قيد رمح إلى قبيل الزوال، وهي في آخر الوقت أفضل منها في أوله.
وأما ما أشار إليه في الحديث (أن من صلى الفجر في جماعة ثم جلس في مصلاه يذكر الله ثم صلى ركعتين يعني إذا ارتفعت الشمس فهو كما لو أتى بعمرة وحجة تامة تامة) : فهذا الحديث ضعيف؛ ضعفه كثير من الحفاظ. ولكن قد ثبت عن النبي صل الله عليه وسلم في صحيح مسلم أنه كان يبقى في مصلاه في الفجر، يعني إذا صلى الفجر حتى تطلع الشمس، وليس فيه ذكر صلاة الركعتين.
وخلاصة الجواب: أن ركعتي الضحى هما ركعتا الإشراق؛ لكن إن قَدمتَ الركعتين في أول الوقت، وهو ما بعد ارتفاع الشمس قيد رمح: فهما إشراق وضحى، وإن أخرتهما إلى آخر الوقت فهما ضحى وليستا بإشراق. أما أقلها فركعتان، وأما أكثرها فلا حد له يصلى الإنسان نشاطه " انتهى. "فتاوى نور على الدرب".
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2081)
يصلي راتبة الفجر بعد الصلاة دائماً
[السُّؤَالُ]
ـ[ما قولكم في رجل دائماً ما يدخل المسجد في صلاة الفجر على وقت الإقامة، ثم يصف مع المسلمين، وبعد نهاية الصلاة يقوم ويؤدي ركعتي الفجر، يفعل هذا (كل يوم) وليس أحيانا، بل (كل يوم) ما رأيكم بفعله؟ حتى كأن ركعتي الفجر غدت بعد صلاة الفجر؟ والنوم والكسل ربما السبب فيما يفعله! هل التزام ركعتي الفجر عقب الصلاة بشكل يومي ومستمر جائز؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من لم يتمكن من أداء ركعتي الفجر قبل الصلاة لانشغاله، أو استيقاظه المتأخر أو غير ذلك من الأعذار، فيشرع له أن يصليهما بعد صلاة الفجر، أو ينتظر حتى ترتفع الشمس ثم يصليهما، وقد سبق بيان أدلة ذلك في جواب السؤال (65746) .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: "إذا لم يتيسر للمسلم أداء سنة الفجر قبل الصلاة فإنه يخير بين أدائها بعد الصلاة أو تأجيلها إلى ما بعد ارتفاع الشمس؛ لأن السنة قد ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم بالأمرين جميعًا، لكن تأجيلها أفضل إلى ما بعد ارتفاع الشمس لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، أما فِعْلها بعد الصلاة فقد ثبت من تقريره عليه الصلاة والسلام لمن فعل ذلك" انتهى "فتاوى إسلامية" (1/523) .
وعلى هذا فيحمل تصرف الشخص المسؤول عنه، أنه قام من نومه متأخراً، ولم يتمكن من صلاة الراتبة قبل إقامة الصلاة، وهذا جائز لا حرج فيه.
ولكن ينبغي نصحه بأن يقوم من نومه للصلاة مبكراً، حتى يتمكن من أداء الراتبة قبل إقامة الصلاة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2082)
هل يصلي راتبة الفجر وتحية المسجد أو يكتفي بالراتبة فقط؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من دخل المسجد بعد طلوع الفجر، هل يصلي سنة تحية المسجد أو يكتفي بسنة الفجر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الأفضل أن يكتفي بسنة الفجر، وتقوم مقام التحية، كما أن الفريضة تقوم مقام التحية، فلو جاء وقد أقيمت الصلاة صلى معهم، وصارت الفريضة قائمة مقام تحية المسجد، فالمشروع لا يجلس إلا بعد الصلاة، فإذا صلى سنة الفجر كفى، وإن جاء وقد أقيمت الصلاة كفته الفريضة، عن تحية المسجد.
فإن صلاهما؛ أي صلى التحية، ثم صلى سنة الفجر فلا حرج، لكن ترك هذا أولى، الأولى والأفضل أن يصلي سنة الفجر لأنها الراتبة ويكتفي بها عن صلاة التحية؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الفجر ركعتين فقط، ما كان يزيد على ركعتين بعد طلوع الفجر وهي سنة الفجر، فالأفضل ألا تزيد على ركعتين، فإذا صليتهما بقصد سنة الفجر كفتا عن تحية المسجد.
لكن لو صلى الراتبة أي سنة الفجر في بيته ثم جاء المسجد قبل أن تقام الصلاة، فإنه يصلي تحية المسجد قبل أن يجلس، لأنه حينئذ ليس عليه سنة الفجر حيث إنه قد صلاها في البيت، فيصلي تحية المسجد ثم يجلس" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (2/878) .
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
فتاوى نور على الدرب(5/2083)
لزوم سورة معينة في صلاة الضحى
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني أصلي صلاة الضحى والحمد لله باستمرار، وقد تعمدت أن أقرأ في الركعتين الأوليين سورة (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ) وذلك لأن فيها صفات أهل الجنة، وآمل من الله أن يجعلني منهم، وفي الركعة الثالثة أقرأ سورة الضحى لأن الصلاة هي صلاة الضحى، وفي الركعة الرابعة أقرأ سورة الإخلاص لأن فيها ذكر صفات الله العظيمة التي لا يشاركه فيها أحد، فهل يجوز لي الاستمرار على ذلك أم أنه بدعة يجب أن أتركها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الأفضل ألا تستمر في ذلك؛ لأن هذا شيء لا أصل له، ولا دليل عليه، وربما باعتياده تعتقد أنه كالشيء الواجب، فينبغي أن تفعل هذا تارة وهذا تارة ولا تستمر على قراءة هذه السور فقط، وسورة الضحى ليس لها ما يبرر أن تُقرأ في صلاة الضحى، فإن قسم الله بالضحى شيء آخر غير ما يتعلق بصلاة الضحى، إن الله يقسم بما يشاء من خلقه سبحانه وتعالى.
لكن يجوز للمؤمن أن يختار بعض السور وبعض الآيات يقرأ بها لكن مع اعتقاده وإيمانه بأن هذا شيء ليس بلازم، وأنه لا بأس أن يقرأ غيرها من الآيات والسور فمع هذا الاعتقاد لا حرج، ولكن الأولى والأفضل ألا تستمر على هذا الشيء، بل تقرأ تارة كذا وتارة كذا حتى لا تعتاد هذا الشيء فتظن أنه لازم، فإن المسلم لو اعتاد الشيء يشق عليه فراقه.
و (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) بالأخص لها شأن عظيم، إذا قرأها الإنسان محبة لها، ولما فيها من صفات الله هذا يرجى له الخير العظيم، وثبت أن بعض الصحابة كان يقرأ بها في صلاته بالناس فقال له بعض الصحابة: لماذا تلزمها ولا تكتفي بها؟ فقال: إنها صفة الرحمن وأنا أحب أن أقرأها، وبلغ النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: (أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ) ، وفي لفظ: (حُبُّكَ إِيَّاهَا أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ) .
فإذا قرأ الإنسان سورة الإخلاص لها المعنى أو آيات الجنة للشوق إلى الجنة أو آيات النار للحذر هذا له خير عظيم، لكن لا يلزم ذلك، بل تارة وتارة حتى لا يعتاد الشيء الذي ليس بلازم.
ثم إن السنة في الضحى ركعتان هذا أقل شيء فإذا أراد أن يزيد فيصلي ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين لا يجمع أربعاً جميعاً، فالأفضل أن يصلي ركعتين بتسليم ثم ركعتين بتسليم لأن الرسول عليه السلام قال: (صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى) ، وكانت عادة النبي عليه الصلاة والسلام من كل ثنتين في الليل والنهار، فالأفضل أن تسلم من كل ثنتين تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم، وعملاً بقوله صلى الله عليه وسلم: (صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى) ، وهذه الزيادة: (والنهار) زيادة لا بأس بها عند كثير من أهل العلم" انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (2/875)(5/2084)
هل يجوز أن يصلي ركعتين شكراً لله؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للإنسان أن يصلي ركعتين شكراً لله عز وجل إذا حدث أمر يسره؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
السجود شكراً لله عند حدوث نعمة أو اندفاع نقمة، من السنن الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (5110) .
وأما صلاة ركعتين شكراً لله تعالى، فمحل خلاف بين العلماء.
فمن أهل العلم من استحب ذلك عند حدوث نعمة متجددة، ومما قد يُستدل به لمشروعية ذلك:
1-ما رواه الحاكم عن كعب بن عجرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر كعب بن مالك حين تيب عليه وعلى أصحابه أن يصلي ركعتين أو سجدتين. رواه الحاكم في "المستدرك على الصحيحين" (5/148) .
إلا أن هذا الحديث لا يصح؛ لأن في إسناده: يحيى بن المثنى.
قال العقيلي: "حديثه غير محفوظ، ولا يعرف بالنقل" انتهى من "الضعفاء الكبير" (4/ 432) .
2- ما رواه ابن ماجه (1391) من طريق سَلَمَة بْن رَجَاءٍ حَدَّثَتْنِي شَعْثَاءُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنه (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى يَوْمَ بُشِّرَ بِرَأْسِ أَبِي جَهْلٍ رَكْعَتَيْنِ) .
وهذا الحديث حسنه بعض العلماء كابن حجر وابن الملقن. ينظر: "البدر المنير" (9 /106) ، تلخيص الحبير (4 /107) .
ولكن قال البوصيري: " هذا إسنادٌ فيه مقال، شَعْثَاء بنتُ عبد الله، لَمْ أَرَ مَنْ تَكَلَّمَ فِيهَا لَا بِجُرْحٍ وَلَا بِتَوْثِيقٍ.
وَسَلَمَة بْن رَجَاء لَيَّنَهُ اِبْن مُعِين، وَقَالَ اِبْن عَدِّي: حَدَّثَ بِأَحَادِيث لَا يُتَابَع عَلَيْهَا، وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ضَعِيف، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: يَنْفَرِد عَنْ الثِّقَات بِأَحَادِيث، وَقَالَ أَبُو زُرْعَة: صَدُوق، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: مَا بِحَدِيثِهِ بَأْس ". انتهى من "مصباح الزجاجة " (1 / 211) .
وكذلك ضعفه الشيخ الألباني في ضعيف سنن ابن ماجه.
3- صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ثمان ركعات عام الفتح، وقد قال كثير من العلماء إنها كانت شكراً لله على نعمة الفتح.
قال محمد بن نصر المروزي: " وأما الصلاة والسجود عند حوادث النعم شكراً لله عز وجل، فمن ذلك: أن الله لما أنعم على نبيه صلى الله عليه وسلم بفتح مكة اغتسل وصلى ثمان ركعات شكراً لله عز وجل ". انتهى من " تعظيم قدر الصلاة" (1 /240) .
وقال ابن حجر: " فيه مشروعيه الصلاة للشكر". انتهى " فتح الباري " (3 / 15) .
ولكن الاستدلال بهذا الحديث قد ينازع فيه من وجهين:
1- أنه خاص بالنصر والفتح، فلا يعمم على جميع حالات السرور.
قال ابن كثير: " هي صلاة الشكر على النصر، على المنصور من قولي العلماء". انتهى من " البداية والنهاية " (1 / 324) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: " وكانوا يستحبون عند فتح مدينة أن يصلى الإمام ثماني ركعات شكراً لله، ويسمونها: صلاة الفتح ". انتهى " مجموع الفتاوى" (17 / 474) .
وقال ابن القيم رحمه الله: "ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار أم هانئ بنت أبي طالب، فاغتسل وصلى ثمان ركعات في بيتها، وكانت ضحى، فظنها من ظنها صلاة الضحى، وإنما هذه صلاة الفتح.
وكان أمراء الإسلام إذا فتحوا حصنا أو بلدا صلوا عقيب الفتح هذه الصلاة، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي القصة ما يدل على أنها بسبب الفتح شكرا لله عليه، فإنها قالت: ما رأيته صلاها قبلها ولا بعدها " انتهى من " زاد المعاد " (3 /361) .
2- أن أم هانئ بنت أبي طالب، وهي التي روت هذا الحديث، صرحت في لفظ حديثها بأنها كانت صلاة الضحى، وهو خلاف ما ذهب إليه ابن القيم رحمه الله في كلامه السابق.
فروى مسلم (336) عنها قالت: (لَمَّا كَانَ عَامُ الْفَتْحِ أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِأَعْلَى مَكَّةَ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى غُسْلِهِ فَسَتَرَتْ عَلَيْهِ فَاطِمَةُ ثُمَّ أَخَذَ ثَوْبَهُ فَالْتَحَفَ بِهِ ثُمَّ صَلَّى ثَمَانَ رَكَعَاتٍ سُبْحَةَ الضُّحَى) .
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم:
"قَوْلهَا: (ثُمَّ صَلَّى ثَمَان رَكَعَات سُبْحَة الضُّحَى) هَذَا اللَّفْظ فِيهِ فَائِدَة لَطِيفَة، وَهِيَ أَنَّ صَلَاة الضُّحَى ثَمَان رَكَعَات. وَمَوْضِع الدَّلَالَة كَوْنهَا قَالَتْ: (سُبْحَة الضُّحَى) , وَهَذَا تَصْرِيح بِأَنَّ هَذَا سُنَّة مُقَرَّرَة مَعْرُوفَة , وَصَلَّاهَا بِنِيَّةِ الضُّحَى بِخِلَافِ الرِّوَايَة الْأُخْرَى (صَلَّى ثَمَان رَكَعَات، وَذَلِكَ ضُحًى) , فَإِنَّ مِنْ النَّاس مَنْ يَتَوَهَّم مِنْهُ خِلَاف الصَّوَاب، فَيَقُول: لَيْسَ فِي هَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّ الضُّحَى ثَمَان رَكَعَات، وَيَزْعُم أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي هَذَا الْوَقْت ثَمَان رَكَعَات بِسَبَبِ فَتْح مَكَّة، لا لِكَوْنِهَا الضُّحَى , فَهَذَا الْخَيَال الَّذِي يَتَعَلَّق بِهِ هَذَا الْقَائِل فِي هَذَا اللَّفْظ لَا يَتَأَتَّى لَهُ فِي قَوْلهَا: (سُبْحَة الضُّحَى) .
وَلَمْ تَزَلْ النَّاس قَدِيمًا وَحَدِيثًا يَحْتَجُّونَ بِهَذَا الْحَدِيث عَلَى إِثْبَات الضُّحَى ثَمَان رَكَعَات. وَاللَّهُ أَعْلَم. وَ (السُّبْحَة) هِيَ النَّافِلَة سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِلتَّسْبِيحِ الَّذِي فِيهَا" انتهى.
وبناء على ما سبق ذهب أكثر العلماء إلى عدم مشروعية ما يسمى بـ "صلاة الشكر".
قال الرملي: " لَيْسَ لَنَا صَلَاةٌ تُسَمَّى صَلَاةَ الشُّكْرِ ". انتهى من " تحفة المحتاج " (3 / 208) .
وقال الشيخ ابن باز: " لا أعلم أنه ورد شيء في صلاة الشكر، وإنما الوارد في سجود الشكر ". انتهى "مجموع الفتاوى " (11 /424) .
وقال الشيخ ابن عثيمين: " لا أعلم في السنة صلاة تسمى: صلاة الشكر، ولكن فيها سجوداً يسمى: سجود الشكر". انتهى " فتاوى نور على الدرب" (6 / 17) .
وقال: " الشكر ليس له صلاة ذات ركوع وقيام، وإنما له سجود فقط ". انتهى "فتاوى نور على الدرب" (6 / 18) .
فالمشروع للمسلم إذا حدث له ما سره أن يسجد شكراً لله تعالى، أما صلاة الشكر فلا أصل لها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2085)
صلاة الإشراق سنة وليست واجبة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل أداء صلاة الشروق واجب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
صلاة الإشراق هي صلاة ركعتين بعد طلوع الشمس وارتفاعها، لمن صلى الفجر في جماعة في المسجد ثم جلس في مصلاه يذكر الله تعالى حتى يصلي ركعتين.
وقد جاء في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ، وَعُمْرَةٍ، تَامَّةٍ، تَامَّةٍ، تَامَّةٍ) رواه الترمذي (586) من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه.
وهذا الحديث مختلف في صحته، فضعفه جماعة من أهل العلم، وحسنه آخرون. وممن حسنه الألباني رحمه الله في صحيح سنن الترمذي.
وسئل عنه الشيخ ابن باز رحمه الله , فقال: "هذا الحديث له طرق لا بأس بها، فيعتبر بذلك من باب الحسن لغيره، وتستحب هذه الصلاة بعد طلوع الشمس وارتفاعها قيد رمح، أي بعد ثلث أو ربع ساعة تقريبا من طلوعها " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (25/171) .
ثانياً:
هذه الصلاة مستحبة، وليست واجبة، وهي داخلة في صلاة الضحى؛ إذ وقت صلاة الضحى من ارتفاع الشمس إلى قُبيل الزوال (وقت الظهر) .
وقد جاء في سنية واستحباب صلاة الضحى: ما روى البخاري (1178) مسلم (721) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: (أَوْصَانِي خَلِيلِي بِثَلَاثٍ لا أَدَعُهُنَّ حَتَّى أَمُوتَ: صَوْمِ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَصَلاةِ الضُّحَى، وَنَوْمٍ عَلَى وِتْرٍ) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن صلاة الإشراق وصلاة الضحى فأجاب: "سنة الإشراق هي سنة الضحى، لكن إن أديتها مبكراً من حين أشرقت الشمس وارتفعت قيد رمح فهي صلاة الإشراق، وإن كان في آخر الوقت أو في وسط الوقت فإنها صلاة الضحى، لكنها هي صلاة الضحى؛ لأن أهل العلم رحمهم الله يقولون: إن وقت صلاة الضحى من ارتفاع الشمس قيد رمح إلى قبيل الزوال" انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (141/24) وقد سبق بيان ذلك في سؤال رقم (22389) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2086)
هل يشمل فضل البقاء في المسجد بعد صلاة الفجر الرجل والمرأة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل انتظار المرأة للشروق، مع ذكر وصلاة الركعتين بعد الشروق، يكون لها نفس أجر الرجل الذي في المسجد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحديث الوارد في فضيلة الركعتين بعد جلوس مصلي الصبح في مصلاه إلى أن تطلع الشمس ـ مع اختلاف العلماء في صحته ـ جاء مقيدا بكون هذه الصلاة في جماعة، وهذا نص الحديث:
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ، ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ. قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ)
رواه الترمذي (586) وقال: حسن غريب. وصححه الألباني في " السلسلة الصحيحة " (3403)
والأصل أن قوله صلى الله عليه وسلم (في جماعة) وصف مقيد، يخرج به مَن صلى الفجر في بيته أو في غير جماعة المسجد ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، فلا يشمله هذا الأجر وهذا الفضل الخاص، نعني أجر الحجة والعمر التامة، خاصة وأن الأفضل أن تصلي المرأة في بيتها وليس في المسجد، وإن كان لها من الأجر والفضل الكثير العام، فذكرُ الله من أفضل القربات وأحب العبادات إلى الله تعالى.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله السؤال الآتي:
هل حديث: (من صلى الصبح في جماعة ثم جلس يذكر الله ... ) إلى آخر الحديث يشمل المرأة، وخاصة أنها تصلى في البيت منفردة، وليست في جماعة؟
فأجاب رحمه الله تعالى:
هذا الحديث الوارد في (من صلى الصبح في جماعة ثم جلس في مصلاه يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين - يعني بعد ارتفاعها قيد رمح - فهو كأجر حجة وعمرة تامة تامة) بعض العلماء لا يصححه ويرى أنه حديث ضعيف.
وعلى فرض أنه صحيح يراد به الرجال فقط، وذلك لأن النساء لا يشرع في حقهن الجماعة، فيكون خاصا بمن تشرع في حقهم الجماعة وهم الرجال، لكن لو جلست امرأة في مصلى بيتها تذكر الله عز وجل إلى أن تطلع الشمس وترتفع قيد رمح، ثم تصلى ركعتين، فيرجى لها الثواب على ما عملت، ومن المعلوم أن الصباح والمساء كلاهما وقت للتسبيح وذكر الله عز وجل، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً. وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) " انتهى.
" فتاوى نور على الدرب " (فتاوى الصلاة/صلاة الضحى)
وانظر جواب السؤال رقم: (100009)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2087)
يترك الصلاة في الحرم النبوي ليصلي خلف إمام يراه أخشع لقلبه
[السُّؤَالُ]
ـ[كنا مجاورين للمسجد النبوي في المدينة في العشر الأواخر من رمضان الماضي وأحد الشباب كان يذهب يصلي في الحرم كل الفروض إلا صلاة العشاء والتراويح وأيضاً القيام خارج المسجد بحجة أنه لا يجد قلبه في الصلاة ولا يرتاح لصوت بعض أئمة الحرم ويقول لا يريد أن يضيع العشر من رمضان وأهم شيء عندي قلبي. وأحد المعتكفين يقول أنا أعتكف اليوم كله إلا وقت صلاة العشاء والقيام أصليها خارج الحرم النبوي فما تعليلكم يا شيخ حفظك الله؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الصلاة في المسجد النبوي تتضاعف أضعافاً كثيرة.
فقد روى البخاري (1190) ومسلم (1394) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَام)
وهذا الحديث يشمل الفرائض، والنوافل التي يُستحب أن تصلى جماعة في المساجد كالتراويح.
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
" تستحب صلاة النافلة في البيت سواء الرواتب أو غيرها، إلا ما شرع الله أداءه في المسجد كتحية دخوله، وهكذا ما شرع الله له الجماعة كالتراويح والكسوف فإنها تصلى في المسجد، وهكذا صلاة العيد وصلاة الاستسقاء فإنها تصلى في المصلى " انتهى مختصراً.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (7/239) .
أما ترك صاحبك صلاة التراويح في المسجد النبوي للسبب الذي ذكرته فلا شك أن الخشوع في الصلاة، وإصلاح القلب بالصلاة أمر مطلوب، والصوت الحسن بالقرآن يساعد على ذلك.
ويتأثر به السامع فإن كان صاحبك سيصلي في مسجد آخر ويكون ذلك أخشع لقلبه فلا حرج عليه، ويكون قد ترك فضيلة المكان، وحرص على فضيلة تتعلق بذات الصلاة وهي الخشوع، وعند تعارض الفضيلتين – كما هو الحال عند صاحبك – فينبغي تقديم الفضيلة المتعلقة بذات العبادة.
قال الشيخ ابن جبرين:
" إن الصوت الحسن، والقراءة الجيدة، لها وقع في النفس، وتأثير في حضور القلب، وخشوع البدن، والتأثُّر بكلام الله تعالى، والتّلذُّذ بسماعه. مما يكون سبباً في فهمه، وإدراك معانيه، وتدبره، ومعرفة إعجازه وبلاغته، وقوة أساليبه، وكل ذلك سبب في العمل به، وتقبّل إرشاداته، وتوجيهاته، فلا يُعاب من التمس قارئاً حسن الصّوت، مجوّداً للقرآن، حافظاً له، خاشعاً في قراءته، مطمئناً في صلاته، فإن مثل هذا يقصد للصلاة خلفه، ولو من مكان بعيد، ويفضل على غيره ممن لا يجيد القراءة، أو يلحن، أو يغلط كثيراً، أو لا يحسن صوته، ولا يتغنَّى بالقرآن، أو يقرأ بالهذرمة والسرعة الشديدة، أو لا يطمئن في صلاته، ولا يخشع في قراءته، ولو كان مسجده قريبا " انتهى.
"فتاوى الشيخ ابن جبرين" (24/28) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" قول السائل هل الاعتكاف في المسجد الحرام أفضل من غيره؟
جوابه: نعم، الاعتكاف في المسجد الحرام أفضل من الاعتكاف في المساجد الأخرى، ويليه الاعتكاف في المسجد النبوي، ويليه الاعتكاف في المسجد الأقصى، ثم المساجد الأخرى الأفضل منها فالأفضل.
ولكن ها هنا مسألة ينبغي أن نتفطن لها: وهي أن مراعاة ذات العبادة أولى من مراعاة زمانها ومكانها، أي: ما عاد إلى ذات العبادة من الفضائل أولى بالمراعاة مما عاد إلى مكانها أو زمانها، يعني أن الإنسان لو كان اعتكافه في مسجد آخر غير المساجد الثلاثة أكمل وأشد خشوعاً لله عز وجل وأكثر في العبادة كان اعتكافه في هذه المساجد أفضل؛ لأن هذا الفضل يعود إلى ذات العبادة.
ويرى أهل العلم أن رمل الطائف في طواف القدوم أولى من دنوه من الكعبة، وعللوا ذلك بأن الرمل فضيلة تتعلق بذات العبادة والدنو من البيت فضيلة تتعلق بمكانها، ومراعاة ما يتعلق بذات العبادة أولى من مراعاة ما يتعلق بمكانها. وهذه نقطة ينبغي للإنسان ولا سيما طالب العلم أيلاحظها، وهي المحافظة على فضيلة ذات العبادة أكثر من المحافظة على مكانها وزمانها " انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (205/4-5) .
وقال الشيخ أيضا:
" لا شك أن الاعتكاف إذا كان في المساجد الثلاثة التي تقصد وتشد الرحال إليها لا شك أنه أفضل، ولا أحد يعارض في ذلك، إلا إذا ترتب على ذلك أنه يكثر خشوعه في مسجده وإقباله على الله عز وجل، ويسلم من الضوضاء ومشاهدة من يكونون خطراً في مشاهدته إياهم فهنا نقول: مسجدك أفضل " انتهى مختصراً.
"شرح الكافي" (4/159) .
فالذي يظهر لنا: أنه لا حرج على صاحبك فيما فعل، مع أن أئمة الحرمين يختارون بعناية، ويكونون ممن يقرأون قرأه حسنة وبصوت حسن.
وأما خروج بعض المعتكفين لصلاة العشاء والقيام خارج المسجد النبوي، فهذا لا يصح اعتكافه، لأنه خرج من المسجد من غير ضرورة إلى ذلك.
والذي ينبغي له: إما أن يعتكف العشر الأواخر كلها في المسجد النبوي ولا يخرج إلا للضرورة وهذا هو الأفضل.
وإما أن يعتكف في المسجد الذي سيصلي فيه، حتى ينال ثواب اعتكاف العشر الأواخر، ويكون قد اقتدى بالنبي صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2088)
الدعاء أثناء قراءة القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أقرأ القرآن والحمد لله، وعندما أصل إلى صفات المؤمنين أدعو الله أن يجعلني منهم، وعندما أصل إلى صفات الكفار والمنافقين ومصيرهم أستعيذ بالله أن يجعلني منهم. فهل بعد الدعاء تلزمني البسملة من جديد، أم اتباع القراءة دون ذلك؟ وهل قطع القراءة للدعاء جائز؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"هذا يجوز، فعله النبي صلى الله عليه وسلم، فكان في تهجده بالليل عليه الصلاة والسلام إذا مر بآية وعيد تعوذ، وإذا مر بآية رحمة سأل ربه الرحمة، فلا بأس بهذا، بل هذا مستحب في التهجد بالليل، أو في صلاة النهار، أو في القراءة خارج الصلاة، كل هذا مستحب وليس عليك أن تعيد البسملة ولا التعوذ، بل تأتي بهذا الدعاء ثم تشرع في القراءة من دون حاجة إلى إعادة التعوذ ولا إعادة البسملة، وهذا كله إذا كنت تصلي وحدك في النافلة.
أما إذا كنت في الفريضة فلم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يفعل هذا في الفريضة، وهكذا إذا كنت مع الإمام فإنك تنصت لإمامك ولا تدعُ بهذه الأدعية والإمام يقرأ بل تنصت وتستمع في الجهرية، أما في السرية فتقرأ الفاتحة وما تيسر معها من دون الأدعية التي يدعى بها في النافلة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يفعل هذا في الفريضة، ولعل السبب في ذلك والله أعلم التخفيف على الناس وعدم التطويل عليهم؛ لأنه لو دعا عند كل آية فيها رحمة وتعوذ عند كل آية فيها وعيد ربما طالت الصلاة، وربما شق على الناس، فكان من رحمة الله ومن إحسانه إلى عباده ومن لطفه بهم أنه لم يشرع ذلك في الفريضة حتى تكون القراءة متوالية، وحتى لا تطول القراءة على الناس، أما في النافلة أو في التهجد أو في الليل أو في صلاة الضحى أو في غير ذلك من النوافل فلا بأس فالأمر فيها واسع" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (1/334) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2089)
حكم نشرة بعنوان " بيت للتمليك، لا يفوتك، يطل على ثلاث واجهات "!
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال: ما حكم هذه الرسالة: (بيت للتمليك.. لا يفوتك! يطلّ على ثلاث واجهات: 1. عرش الرحمن 2. قصر الرسول 3. نهر الكوثر، المكان: جنة عرضها السماوات والأرض، والثمن زهيد جدّاً: فقط 12 ركعة سنَّة في اليوم والليلة) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه الرسالة تحتوي على الافتراء على الله، وادعاء علم لا يعلمه إلا الله، فما أدراه أن البيت الذي يبنى في الجنة لصاحبه سيكون مطلاًّ على عرش الرحمن، وقصر الرسول صلى الله عليه وسلم، ونهر الكوثر؟! .
وعرش الرحمن هو سقف جميع المخلوقات، وفوق جميع المخلوقات، فكيف سيكون هذا البيت مطلاً عليه؟!
وقد حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على أفعال وَعَد أصحابها ببيوت في الجنة، ولم يفصِّل لهم موقعها، وإطلالتها.
ثم إن في هذا النوع من الرسائل نوعاً من السذاجة والسفاهة، وقد نبَّه عليها أهل العلم، وحذروا من الاغترار بنشرها، كمثل تلك الرسالة التي تجعل أعداد ركعات الصلوات أرقاما للاتصال بالله تعالى – والعياذ بالله -، أو كتلك التي يشبهون فيها الدار الآخرة برحلة على خطوط جوية، وفيها تذاكر، ومقاعد، وأشياء أخرى تافهة، ومثلها – أيضاً – نشرة فيها معلومات عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد سموها " جواز النبي "! و " هوية أحوال للنبي "! وكل ذلك فيه تضييع للأوقات والأموال، مع ما قد يشوبه من السخرية والاستهزاء.
وقد يكون مقصد من يفعل ذلك خبيثاً، وقد يكون حسناً، لا ندري عن حقيقة الأمر، ولكنه بكل حال لا يحل نشر مثل الرسائل، بل الواجب الحذر والتحذير منها.
والركعات الواردة في السؤال هي السنن الرواتب، وانظر تفصيلها في جواب السؤال رقم: (1048) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2090)
هل يصلي أربعاً قبل الجمعة وبعدها كما يفعل في صلاة الظهر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[شيخي قال إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صلى 4 ركعات قبل الظهر، و 4 بعدها لا تمس النار جسده) . أولا: هل يمكنكم أن تخبروني هل هذا حديث صحيح؟ ثانيا: إنني أصلي 4 ركعات قبل الظهر و 4 بعدها كل يوم، لكن في يوم صلاة الجمعة أتشوش هل علي صلاة 4 ركعات قبلها مع أن صلاة الجمعة ليست كصلاة الظهر، فأصلي ركعتين قبلها فقط و 2 بعدها. هل يجوز لي أن أصلي 4 ركعات قبل الجمعة و 4 بعدها، أم فقط ركعتين بالرغم من أنني أصلي 4 ركعات يوميا لصلاة الظهر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نعم؛ ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَأَرْبَعٍ بَعْدَهَا حَرُمَ عَلَى النَّارِ) رواه أبو داود (1269) والترمذي (428) . وصححه النووي في "المجموع" (4/7) ، والألباني في "صحيح أبي داود".
ثانيا:
ليس لصلاة الجمعة سنة قبلية، إذ لم يثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يرد عن الصحابة رضوان الله عليهم القول بصلاة راتبة مخصوصة قبل الجمعة، وإنما ورد التنفل المطلق، من غير تخصيص بعدد.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (6653) و (14075) .
ولا يصح أن تقاس صلاة الجمعة على صلاة الظهر، فيقال باستحباب سنة راتبة قبل الجمعة كما يستحب ذلك قبل الظهر، لأن صلاة الجمعة تختلف عن الظهر في أحكام كثيرة، ولأن هذا القياس مصادم للظاهر من سنة النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن يصلي قبل الجمعة سنة راتبة، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي قبل الجمعة شيئا لنقل إلينا، فلما لم ينقل عرفنا أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل راتبة قبل الجمعة.
أما الصلاة بعد الجمعة فقد ورد فيها عدة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تكلمنا عليها في جواب السؤال رقم (112031) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2091)
قضاء سنة الظهر القبلية
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا جاء الشخص إلى المسجد لصلاة الظهر، ولم يستطع صلاة سنة الظهر القبلية أربع ركعات، فهل يمكنه صلاتها بعد تأدية الفرض، ثم يصلي سنة الظهر البعدية ركعتين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يستحب قضاء السنن الراتبة إذا فاتت على الصحيح من أقوال أهل العلم، وهو مذهب الشافعية والمشهور عند الحنابلة، خلافا للحنفية والمالكية، لحديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي ركعتين بعد العصر، فسئل عنها فقال: (يَا بِنْتَ أَبِى أُمَيَّةَ، سَأَلْتِ عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَإِنَّهُ أَتَانِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ فَشَغَلُونِي عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ، فَهُمَا هَاتَانِ) رواه البخاري (1233) ومسلم (834)
يقول الإمام النووي رحمه الله:
" الصحيح عندنا استحباب قضاء النوافل الراتبة، وبه قال محمد، والمزني، وأحمد في رواية عنه، وقال أبو حنيفة ومالك وأبو يوسف في أشهر الرواية عنهما لا يقضي، دليلنا هذه الأحاديث الصحيحة " انتهى.
"المجموع" (4/43)
ويقول المرداوي الحنبلي رحمه الله:
" قوله: (ومن فاته شيء من هذه السنن سن له قضاؤها) : هذا المذهب والمشهور عند الأصحاب.
ونصره المجد في شرحه، واختاره الشيخ تقي الدين – يعني ابن تيمية – " انتهى باختصار.
"الإنصاف" (2/187)
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" قضاء السنة الراتبة سنة إذا فاتت، والدليل على هذا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما نام عن صلاة الفجر ولم يستيقظ إلا بعد طلوع الشمس صلى سنة الفجر أولاً، ثم صلى بعدها الفجر " انتهى.
"لقاءات الباب المفتوح" (لقاء رقم/74، سؤال رقم/18) ، وانظر: "الموسوعة الفقهية" (25/284)
ثانيا:
إذا أراد أن يقضي سنة الظهر القبلية بعد أن أدى فريضة الظهر، هل يصلي السنة القبلية أولا ثم السنة البعدية، أم العكس؟
الأظهر أن الأمر واسع، سواء صلى القبلية أم البعدية، إذ المهم هو الإتيان بها، تقدمت أو تأخرت.
قال الشيخ ابن عثيمين:
" قال أهل العلم: إذا فاتتك الركعتان قبل الظهر فصلهما بعد الصلاة، لأن فعلهما قبل الصلاة تعذر، وهذا يقع دائما بأن يأتي الإنسان إلى المسجد فيجدهم قد أقاموا الصلاة، ففي هذه الحال يقضيها بعد صلاة الظهر.
لكن يصلي الراتبة التي بعد الظهر قبل الراتبة التي قبلها.
إنسان جاء والناس يصلون فلم يتمكن من سنة الظهر إذا صلى الظهر يصلي ركعتين بنية الراتبة البعدية ثم بعد ذلك يقضي الراتبة القبلية، هكذا روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث رواه ابن ماجه".
فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (2/225)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2092)
إذا صلى الوتر هل يفترش في آخره أو يتورك
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا صليت الوتر ركعتين ثم ركعة، فهل علي في الركعة الأخيرة المنفردة أن أجلس في وضع التورك أو الافتراش؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل في الجلوس للتشهد هو الافتراش، وأما التورك فلا يسن إلا في التشهد الأخير إذا كان في الصلاة تشهدان.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغنى" (1/318) : "جَمِيعُ جَلَسَاتِ الصَّلَاةِ لَا يُتَوَرَّكُ فِيهَا إلَّا فِي تَشَهُّدٍ ثَانٍ. لحَدِيثُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ افْتَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى , وَنَصَبَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى) . وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَا يُسَلِّمُ فِيهِ وَمَا لَا يُسَلِّمُ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ التَّحِيَّةَ , وَكَانَ يَفْرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَيَنْصِبُ الْيُمْنَى) رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَهَذَانِ يَقْضِيَانِ عَلَى كُلِّ تَشَهُّدٍ بِالِافْتِرَاشِ , إلَّا مَا خَرَجَ مِنْهُ، لِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ فِي التَّشَهُّدِ الثَّانِي , فَيَبْقَى فِيمَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ " انتهى باختصار.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "لقاء الباب المفتوح": متى يجلس المصلي جلسة التورك في الصلاة وفي أي صلاة؟
فأجاب: " التورك يكون في التشهد الأخير في كل صلاة ذات تشهدين، أي: الأخيرة من المغرب، والأخيرة من العشاء، والأخيرة من العصر، والأخيرة من الظهر، أما الصلاة الثنائية، كالفجر، وكذلك الرواتب، فإنه ليس فيها تورك، التورك إذاً في التشهد الأخير في كل صلاة فيها تشهدان " انتهى.
وينظر: "فتاوى اللجنة الدائمة" (7/15) .
وعليه؛ فإذا صليت ركعتين، أو صليت ركعة فإنك تفترش، وإن صليت الوتر ثلاث ركعات سردا بتسليم واحد فإنك تفترش كذلك؛ ولا تشرع صلاة الوتر بتشهدين وتسليم واحد.
وانظر جواب السؤال رقم (38230) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2093)
صوم عاشوراء لمن عليه قضاء رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[عليَّ قضاء من رمضان وأريد أن أصوم عاشوراء فهل يجوز لي صوم عاشوراء قبل القضاء. وهل لي أن أصوم عاشوراء والحادي عشر بنية قضاء رمضان، ويحصل لي أجر صيام عاشوراء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: لا يصوم تطوعاً وعليه قضاء صيام يوم أو أيام من رمضان، بل يبدأ بقضاء صيام ما عليه من رمضان ثم يصوم تطوعا ً.
ثانياً: إذا صام اليوم العاشر والحادي عشر من شهر محرم بنية قضاء ما عليه من الأيام التي أفطرها من شهر رمضان جاز ذلك، وكان قضاء عن يومين مما عليه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى ".
فتاوى اللجنة الدائمة 11/401
" ويرجى أن يكون لك أجر القضاء وأجر صيام ذلك اليوم " فتاوى منار الإسلام للشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله 2/358.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2094)
حكم صلاة الضحى جماعة
[السُّؤَالُ]
ـ[صلاة الضحى هل يمكن أن تصلى جماعة؟ وإن كان يمكن ذلك أتكون جهرية أم سرية في القراءة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الجماعة في النوافل لا تستحب إلا فيما واظب النبي صلى الله عليه وسلم على فعله جماعة، كصلاة الكسوف والاستسقاء والتراويح، وأما غير ذلك من النوافل كالضحى وقيام الليل لغير التراويح، فلا تستحب فيه الجماعة، ولكن تجوز أحيانا من غير مداومة.
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (3/548) : " قد سبق أن النوافل لا تشرع الجماعة فيها إلا في العيدين والكسوفين والاستسقاء , وكذا التراويح والوتر بعدها....
وأما باقي النوافل كالسنن الراتبة مع الفرائض والضحى والنوافل المطلقة فلا تشرع فيها الجماعة , أي لا تستحب , لكن لو صلاها جماعة جاز , ولا يقال: إنه مكروه وقد نص الشافعي رحمه الله على أنه لا بأس بالجماعة في النافلة، ودليل جوازها جماعة أحاديث كثيرة في الصحيح منها حديث عتبان بن مالك رضي الله عنه " أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه في بيته بعدما اشتد النهار ومعه أبو بكر رضي الله عنه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أين تحب أن أصلي من بيتك؟ فأشرت إلى المكان الذي أحب أن يصلي فيه فقام وصفنا خلفه ثم سلم وسلمنا حين سلم " رواه البخاري ومسلم , وثبتت الجماعة في النافلة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من رواية ابن عباس وأنس بن مالك وابن مسعود وحذيفة رضي الله عنهم , وأحاديثهم كلها في الصحيحين إلا حديث حذيفة ففي مسلم فقط , والله أعلم " انتهى.
وقال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/442) : " يجوز التطوع جماعة وفرادى ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل الأمرين كليهما , وكان أكثر تطوعه منفردا , وصلى بحذيفة مرة , وبابن عباس مرة , وبأنس وأمه واليتيم مرة , وأم أصحابه في بيت عتبان مرة , وأمهم في ليالي رمضان ثلاثا , وسنذكر أكثر هذه الأخبار في مواضعها إن شاء الله تعالى , وهي كلها صحاح جياد " انتهى.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم صلاة النافلة جماعة، مثل صلاة الضحى؟
فأجاب: "صلاة النافلة جماعة أحياناً لا بأس بها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى جماعة في أصحابه في بعض الليالي فصلى معه ذات مرة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وصلى معه مرة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وصلى معه مرة حذيفة بن اليمان رضي الله عنه....
والحاصل: أنه لا بأس أن يصلي الجماعةُ بعض النوافل جماعة، ولكن لا تكون هذه سنة راتبة كلما صلوا السنة صلوها جماعة؛ لأن هذا غير مشروع " انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (14/232) .
والأصل في صلاة النهار أنها سرية، فمن صلى الضحى بقوم جماعة أسر بالقراءة.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " أما الصلاة النهارية كصلاة الضحى والرواتب وصلاة الظهر والعصر , فإن السنة فيها الإسرار " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (11/207) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2095)
يريد أن يصلي نوافل بعد صلاة الظهر والعصر بعرفة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز بعد صلاة الحاج الظهر والعصر مع الإمام في عرفات أن يصلي نوافل حتى المغرب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لم يصل الرسول صلى الله عليه وسلم نافلة يوم عرفات بعد صلاته الظهر والعصر جمع تقديم في عرفات، ولو كانت مشروعة لكان أحرص عليها منا، والخير كل الخير في الاقتداء به واتباع سنته.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/211، 212) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2096)
أيهما أفضل: قيام الليل أم قراءة القرآن؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أيهما أفضل إذا قام من الليل: الصلاة أم قراءة القرآن؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" بل الصلاة أفضل من القراءة في غير الصلاة، نص على ذلك أئمة العلماء، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن) لكن من حصل له نشاط وتدبر وفهم للقراءة دون الصلاة، فالأفضل في حقه ما كان أنفع له " انتهى.
"مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية" (23/62) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2097)
التطويل في صلاة التراويح
[السُّؤَالُ]
ـ[إمام مسجد يصلي بالناس التراويح ويقرأ في كل ركعة صفحة كاملة أي ما يعادل حوالي 15 آية إلا أن بعض الناس يقول: إنه يطيل القراءة، والبعض يقول عكس ذلك. ما السنة في صلاة التراويح؟ وهل هناك حد يعرف به التطويل من عدمه، من نقول عن النبي صلى الله عليه وسلم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالليل إحدى عشرة ركعة في رمضان وغيره، ولكنه يطيل القراءة والأركان، حتى إنه قرأ مرة أكثر من خمسة أجزاء في ركعة واحدة، مع الترتيل والتأني.
وثبت أنه كان يقوم عند انتصاف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل، ثم يستمر يصلي إلى قرب طلوع الفجر، فيصلي ثلاث عشرة ركعة في نحو خمس ساعات، وذلك يستدعي الإطالة في القراءة والأركان.
وثبت أن عمر لما جمع الصحابة على صلاة التراويح كانوا يصلون عشرين ركعة، ويقرؤون في الركعة نحو ثلاثين آية من آي البقرة، أي: ما يقارب أربع صفحات أو خمساً، فيصلون بسورة البقرة في ثمان ركعات، فإن صلوا بها في ثنتي عشرة ركعة رأوا أنه قد خفف.
هذه هي السنة في صلاة التراويح، فإذا خفف القراءة زاد في عدد الركعات إلى إحدى وأربعين ركعة، كما قال بعض الأئمة، وإن أحب الاقتصار على إحدى عشرة أو ثلاث عشرة زاد في القراءة والأركان، وليس لصلاة التراويح عدد محدود، وإنما المطلوب أن تصلي في زمن تحصل فيه الطمأنينة والتأني، بما لا يقل عن ساعة أو نحوها، ومن رأى أن ذلك إطالة فقد خالف المنقول، فلا يلتفت إليه " انتهى.
فضيلة الشيخ ابن جبرين.
"فتاوى إسلامية" (2/157، 158) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2098)
دخول النساء المساجد بأطفالهن في صلاة التراويح
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم دخول النساء بالأطفال إلى المساجد في صلاة التراويح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا تمنع النساء من إتيان المساجد بأطفالهن في رمضان، فقد دلت السنة على إتيان النساء المساجد ومعهن أطفالهن زمن النبي صلى الله عليه وسلم، لحديث: (إِنِّي لَأَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ وَأَنَا أُرِيدُ إِطَالَتَهَا فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلَاتِي، مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ مِنْ بُكَائِهِ) . ومن ذلك: (حمل النبي صلى الله عليه وسلم أمامة في صلاة الفريضة وهو يؤم الناس في المسجد) .
لكن عليهن الحرص على صيانة المسجد من النجاسة بالتحرز في حق الأطفال في نومهم وغير ذلك" انتهى.
"فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله" (4/214، 215) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2099)
تحية المسجد الحرام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما أقوال المذاهب الأربعة في تحية المسجد الحرام , هل هي الطواف أم صلاة ركعتين؟ وما الراجح؟ وما صحة حديث: (تحية البيت الطواف) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يخلو حال الداخل إلى المسجد الحرام من حالين:
الأول: أن يدخله بقصد الطواف، سواء كان للحج أو العمرة أو تطوعاً:
فهذا أول ما يبدأ به الطواف، ولا يشرع له البدء بركعتي تحية المسجد قبل الطواف، إذ لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أحد من أصحابه، وهذا ما عليه جمهور الفقهاء، ولم يخالف في ذلك إلا أفراد، منهم ابن عقيل من الحنابلة – كما نقله عنه ابن تيمية في "شرح عمدة الفقه" -.
ويستثنى من ذلك ما إذا منع مانعٌ كالزحام الشديد عن البدء بالطواف، فيصلي ركعتين تحية المسجد، وينتظر حتى ينجلي الزحام ليشرع في الطواف.
الثاني: أن يدخله بقصد الصلاة أو الجلوس أو حضور حلق العلم أو الذكر أو قراءة القرآن أو غيرها من العبادات:
فيستحب له أن يصلي ركعتي تحية المسجد؛ لعموم حديث أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)
أخرجه البخاري (1167) ومسلم (714)
وأما ما يرويه الناس من حديث (تحية البيت الطواف) فليس له أصل في كتب السنة، ولم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد أصلا، فلا يجوز نسبته إليه.
قال الشيخ الألباني في "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (رقم/1012) :
" لا أعلم له أصلا وإن اشتهر على الألسنة، وأورده صاحب " الهداية " من الحنفية بلفظ:
(من أتى البيت فليحيه بالطواف) ، وقد أشار الحافظ الزيلعي في تخريجه إلى أنه لا أصل له، بقوله (2/51) : " غريب جدا "، وأفصح عن ذلك الحافظ ابن حجر، فقال في "الدراية" (ص192) : " لم أجده ".
قلت – أي الشيخ الألباني -: ولا أعلم في السنة القولية أو العملية ما يشهد لمعناه، بل إن عموم الأدلة الواردة في الصلاة قبل الجلوس في المسجد تشمل المسجد الحرام أيضا، والقول بأن تحيته الطواف مخالف للعموم المشار إليه، فلا يقبل إلا بعد ثبوته، وهيهات، لا سيما وقد ثبت بالتجربة أنه لا يمكن للداخل إلى المسجد الحرام الطواف كلما دخل المسجد في أيام المواسم، فالحمد لله الذي جعل في الأمر سعة، (وما جعل عليكم في الدين من حرج) .
وإن مما ينبغي التنبه له أن هذا الحكم إنما هو بالنسبة لغير المحرم، وإلا فالسنة في حقه أن يبدأ بالطواف ثم بالركعتين بعده، انظر: بدع الحج والعمرة في رسالتي " مناسك الحج والعمرة " رقم البدعة (37) " انتهى.
وقال الحطاب المالكي في "مواهب الجليل شرح مختصر خليل" (2/375) :
" من دخل مسجد مكة فتحية المسجد الحرام في حقه الطواف بالبيت , وهذا في حق القادم المحرم، فإنه يطلب منه أنه إذا دخل المسجد الحرام البداءة بطواف القدوم - إن كان محرما بحج أو قران -، وبطواف العمرة - إن كان محرما بعمرة -، وبطواف الإفاضة - إذا دخله بعد الرجوع من عرفة - , ولا يطلب منه الركوع (أي: الصلاة) عند دخوله. وكذلك غير القادم - إذا دخل المسجد الحرام ونيته أن يطوف عند دخوله - فتحية المسجد في حقه الطواف , ولا يطلب منه حينئذ الركوع.
وأما غير القادم إذا دخل المسجد الحرام ونيته الصلاة في المسجد أو مشاهدة البيت الشريف , ولم يكن نيته الطواف، فإنه يصلي ركعتين ...
قال ابن رشد: الطواف بالبيت صلاة , فإذا دخله يريد الطواف بدأ بالطواف , وإن دخله لا يريد الطواف في وقت تنفل بدأ بالركعتين " انتهى باختصار.
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (10/306) :
" ذهب جمهور الفقهاء إلى أن تحية المسجد الحرام الطواف للقادم لمكة , سواء كان تاجرا أو حاجا أو غيرهما , لقول عائشة رضي الله عنها عنها: (إن النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة توضأ , ثم طاف بالبيت) وركعتا تحية المسجد الحرام تجزئ عنهما الركعتان بعد الطواف.
وأما المكي الذي لم يؤمر بطواف، ولم يدخله لأجل الطواف، بل للصلاة أو لقراءة القرآن أو للعلم، فتحية المسجد الحرام في حقه الصلاة، كتحية سائر المساجد" انتهى باختصار.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن: هل تحية المسجد الحرام صلاة ركعتين أو الطواف؟
فأجاب: "المسجد الحرام كغيره من المساجد من دخل ليصلي، أو ليستمع الذكر، أو ما أشبه ذلك من الإرادات فإنه يصلي ركعتين كغيره من المساجد، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ) رواه البخاري (1167) أما إذا دخل ليطوف كإنسان معتمر دخل ليطوف طواف العمرة، أو ليطوف تطوعاً فهنا يغني الطواف عن ركعتي تحية المسجد؛ لأنه إذا طاف فسوف يصلي ركعتين بعد الطواف" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/286) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2100)
هل تكفي تحية المسجد عن سنة الفجر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل إذا دخل الإنسان المسجد وصلى تحية المسجد تكفي عن ركعتي الفجر، أم يصلي تحية المسجد ويأتي بركعتي الفجر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا دخل المسجد وصلى سنة الفجر أجزأته عن تحية المسجد، وإن نواهما معا فحسن.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 7/371(5/2101)
هل تجزئ صلاة الجنازة عن تحية المسجد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لو دخل رجل ووجد جماعة يصلون على جنازة فصلى معهم، وهو يريد أن يبقى في المسجد؛ فهل تجزئه صلاته هذه عن تحية المسجد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" لا يجلس حتى يصلي ركعتين؛ لأن صلاة الجنازة ليست من جنس صلاة الركعتين، فلا تجزئه عن تحية المسجد " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (17/156) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2102)
قطع النافلة والطواف لأجل صلاة الجنازة
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤال: هل تُقْطَعُ صلاة النافلة أو طواف التطوع للصلاة على الجنازة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة) ، وظاهره أن النافلة لا تُقطع إلا للفريضة، فلا تقطع لصلاة الجنازة، ولو قطعها المصلي فلا بأس؛ لأنه يجوز قطع النفل لغرض صحيح.
وكذلك من يطوف تطوعاً يقطع طوافه لصلاة الجنازة، لكن الأفضل أن لا يقطع " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (17/158) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2103)
ليس للنوافل أذان ولا إقامة
[السُّؤَالُ]
ـ[صلاة التطوع كصلاة الضحى وصلاة الليل، هل لها من أذان وإقامة أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا ليس لها أذان ولا إقامة بل إذا توضأت تُصلي ما تيسر لك كصلاة الضحى أو بعد الظهر وآخر الليل أو في أي وقت كان غير أوقات النهي، فهذه تُصلي بدون أذان ولا إقامة، لأن رسول الله صلى الله إذا قام يصلي لم ينقل أنه كان يؤذن أو يقيم، إنما الأذان والإقامة مخصوصان في الفرائض فقط، أما التراويح والوتر وصلاة التطوع فليس لها أذان ولا إقامة، كما قرره أهل العلم، وكما هي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنة خلفائه الراشدين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب سماحة الشيخ عبد الله بن حميد ص 114(5/2104)
هل يجوز أداء صلاة الضحى في وقت العمل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لي أداء سنة الضحى في وقت العمل الرسمي علماً بأن ذلك لا يؤدي إلى تعطيل الأعمال أو تأخيرها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" صلاة الضحى سنة، وفيها فضل، وإذا كنت موظفاً ولا يؤثر فعلها على العمل الوظيفي المنوط بك فلا بأس أن تصليها. أما إذا كان فعلها يؤثر على العمل فإنه لا يجوز لك فعلها، لأنه يشغلك عن القيام بالواجب ".
"المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (2 / 167) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2105)
قضاء النفل
[السُّؤَالُ]
ـ[متى يقال عن النفل لا يقضى هل لأنه سنة فات محلها إذا علمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقضي بعض النوافل بعد فوات وقتها كالوتر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
النفل المقّيد بسبب لا يقضى إذا فات سببه مثال ذلك لو أن الشمس كسفت وكان الإنسان نائماً وعلم بعد النوم أنها كسفت فلا يصلي لأنها سنة فات محلها، وكذلك لو دخل المسجد وأقام فيه طويلاً بناءً على أنه ليس على وضوء ثم ذكر أنه على وضوء فقام ليصلي تحية المسجد فلا يصليها لأنها سنة فات محلها، والضابط في هذا أن كل نفل قيد بسبب فإنه لا يقضى كالوتر لكن الوتر كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يقضيه وتراً، بل يصلي من الضحى اثنتي عشرة ركعة لأن أكثر وتره إحدى عشرة ركعة فيقضي أكثر الوتر عليه الصلاة والسلام لكنه يشفعه لأن الإيثار فات محله.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين لمجلة الدعوة العدد 1756 ص 37(5/2106)
الصلاة بين المغرب والعشاء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صح عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه صلي سنة المغرب ست ركعات؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
السنة الراتبة لصلاة المغرب ركعتان فقط، وانظر جواب السؤال رقم (1048) .
ولكن ورد في فضل صلاة ست ركعات بعد المغرب ما رواه الترمذي (435) وابن ماجه (1167) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ صَلَّى بَعْدَ الْمَغْرِبِ سِتَّ رَكَعَاتٍ لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيمَا بَيْنَهُنَّ بِسُوءٍ عُدِلْنَ لَهُ بِعِبَادَةِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً) .
قال الترمذي رحمه الله: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي خَثْعَمٍ، وسَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ [البخاري] يَقُولُ: عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي خَثْعَمٍ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ وَضَعَّفَهُ جِدًّا.
وقال الألباني رحمه الله في ضعيف الترمذي: ضعيف جدا.
ووردت أحاديث أخرى في الترغيب في الصلاة ما بين المغرب والعشاء غير أنها كلها ضعيفة.
انظرها في "ضعيف الترغيب والترهيب" (332) و (333) و (334) و (335) .
ولكن ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى ما بين المغرب والعشاء.
فقد روى أحمد (22926) عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: (جِئْتُ النبي صلى الله عليه وسلم فَصَلَّيْتُ مَعَهُ الْمَغْرِبَ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ قَامَ يُصَلِّي، فَلَمْ يَزَلْ يُصَلِّي حَتَّى صَلَّى الْعِشَاءَ) صححه الألباني في "إرواء الغليل" (470) .
وكذلك ثبت عن بعض الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يصلون ما بين المغرب والعشاء.
روى أبو داود (1321) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه فِي هَذِهِ الْآيَةِ: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) قَالَ: كَانُوا يَتَيَقَّظُونَ [وفي رواية: يَتَنَفَّلُونَ] مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ يُصَلُّونَ. وَكَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: قِيَامُ اللَّيْلِ.
صححه الألباني في صحيح أبي داود.
وَأَخْرَجَ اِبْن مَرْدَوَيْهِ فِي تَفْسِيره عَنْ أَنَس رضي الله عنه فِي هَذِهِ الْآيَة قَالَ: يُصَلُّونَ مَا بَيْن الْمَغْرِب وَالْعِشَاء. قَالَ الْعِرَاقِيّ: وَإِسْنَاده جَيِّد. نقلا من "عود المعبود".
قال الشوكاني رحمه الله في "نيل الأوطار" (3/68) : "والآيات والأحاديث المذكورة في الباب تدل على مشروعية الاستكثار من الصلاة ما بين المغرب والعشاء , والأحاديث وإن كان أكثرها ضعيفا فهي منتهضة بمجموعها، لا سيما في فضائل الأعمال , قال العراقي: وممن كان يصلي ما بين المغرب والعشاء من الصحابة: عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمرو وسلمان الفارسي وابن عمر وأنس بن مالك في ناس من الأنصار، ومن التابعين: الأسود بن يزيد وأبو عثمان النهدي وابن أبي مليكة وسعيد بن جبير ومحمد بن المنكدر وأبو حاتم وعبد الله بن سخبرة وعلي بن الحسين وأبو عبد الرحمن الحبلي وشريح القاضي وعبد الله بن مغفل وغيرهم. ومن الأئمة: سفيان الثوري" انتهى.
وعلى هذا؛ فتستحب الصلاة ما بين صلاتي المغرب والعشاء من غير تقيد بعدد معين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2107)
إذا فاته شيء من أول التروايح فكيف يقضيها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا دخلت المسجد في صلاة العشاء متأخراً وفاتتني صلاة العشاء جماعة وصليتها منفرداً وتأخرت عن صلاة التراويح أثناء أدائي لصلاة العشاء وسبقني الإمام بصلاة التراويح ركعتين فكيف أؤدي الركعتين؟ منفردا أم ماذا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا فاتتك صلاة العشاء، وجئت والإمام يصلي التراويح، فالأولى أن تدخل خلفه بنية العشاء، فإذا سلم أتممت صلاتك، ولا تصل منفردا، ولا مع جماعة أخرى، حتى لا تقام جماعتان في وقت واحد فيحصل بذلك تشويش وتداخل في الأصوات.
ثانيا:
أما ما فاتك من التراويح فإن أردت الإتيان به، فإنك تشفع الوتر مع الإمام، ثم تصلي ما فاتك، ثم توتر.
ومعنى شفع الوتر مع الإمام: ألا تسلم معه في صلاة الوتر، بل تقوم وتأتي بركعة ثم تسلم.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا حضرت مع الناس وهم يصلون صلاة التراويح وقد فاتني شيء منها فهل أقضي ما فاتني بعد الوتر أم ماذا أصنع؟
فأجاب: " لا تقض ما فاتك بعد الوتر، لكن إن كنت تريد أن تقضي ما فاتك، فاشفع الوتر مع الإمام، ثم صل ما فاتك ثم أوتر. وهنا مسألة أنبه عليها: لو جئت والإمام يصلي التراويح وأنت لم تصلِ العشاء فماذا تفعل؟ هل تصلي العشاء وحدك أم تدخل مع الإمام في التراويح بنية العشاء؟
الجواب: أدخل مع الإمام في التراويح بنية العشاء، وإذا سلم الإمام من التراويح فقم واقض ما بقي عليك من صلاة العشاء، وقد نص الإمام أحمد رحمه الله على هذه المسألة بعينها، واختارها شيخ الإسلام ابن تيمية، وهي القول الراجح؛ لأن القول الراجح: أنه يجوز أن يأتمّ المفترض بالمتنفل بدليل حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلاة العشاء ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة، هي له نافلة ولهم فريضة " انتهى من "اللقاء الشهري".
والأفضل قضاؤها جماعة إن تيسر، فإن لم يتيسر فلا حرج عليك من قضائها منفردا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2108)
إذا صلى العشاء جمع تقديم مع المغرب فله أن يوتر بعدها مباشرة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا جمعت بين صلاتي المغرب والعشاء جمع تقديم بسبب السفر، فمتى أصلى صلاة الوتر؟ هل أصليها بعد العشاء مباشرة أم أنتظر حتى يدخل وقت صلاة العشاء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لك أن تصليها بعد صلاة العشاء مباشرة.
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (8/144)
يشرع الجمع بين الصلاتين للمسافر والمريض وللمقيم في الليلة المطيرة، وله أن يوتر بعد صلاة العشاء المجموعة جمع تقديم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2109)
الأفضل للموظف أن يبادر إلى الصلاة بمجرد سماع الأذان
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الأفضل في حق الموظف المبادرة إلى الصلاة عند سماع الأذان , أو الانتظار لإنجاز بعض المعاملات؟ وما حكم التنفل بعد الصلاة بغير السنن الرواتب؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" الأفضل في حق جميع المسلمين المبادرة إلى الصلاة عند سماع الأذان؛ لأن المؤذن يقول: "حي على الصلاة " (أي: أقبل على الصلاة) ، والتثاقل عنها يؤدي إلى فواتها.
أما تنفل الموظف بعد الصلاة بغير السنن الرواتب فلا يجوز؛ لأن وقته مستحق لغيره بمقتضى عقد الإجارة أو الوظيفة , وأما السنة الراتبة فلا بأس بها لأنها ممن جرت العادة بالتسامح فيه من المسؤولين.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
"مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (15/32) .(5/2110)
هل يصلي تحية المسجد أم يستمع الأذان
[السُّؤَالُ]
ـ[دخلت المسجد وكان يؤذن للصلاة فهل أصلي تحية المسجد أو أنتظر حتى ينتهي الأذان؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأفضل أن يجيب الأذان أولاً، ثم يصلي تحية المسجد ليجمع بين الفضيلتين، والأمر في ذلك واسع.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 7/373(5/2111)
فضل صلاة أربع ركعات قبل الظهر وبعدها
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في إحدى المنشورات الدينية أنه إذا صليت قبل صلاة الظهر 4 ركعات وبعدها 4 ركعات، الله يعتقه من النار يوم القيامة، وإذا كان صحيحاً فمتى أصلى السنة في صلاة الظهر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، يستحب صلاة أربع ركعات قبل صلاة الظهر، وأربع بعدها، فقد روى النسائي (1817) والترمذي (428) عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ رضي الله عنها عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ صَلَّى أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ وَأَرْبَعًا بَعْدَهَا لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ) .
ولفظ الترمذي: (مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَأَرْبَعٍ بَعْدَهَا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ) . والحديث صححه الألباني في صحيح النسائي.
وهذه الركعات ليست شيئاً آخر غير السنة الراتبة لصلاة الظهر، بل هي السنة الراتبة.
غير أن المؤكد والذي لا ينبغي تركه بحال، هو صلاة أربع ركعات قبل الظهر وركعتين بعدها، أما صلاة أربع بعدها، فإذا صلاها عملاً بهذا الحديث، فقد أصاب السنة، ويرجى له الخير، وإن اقتصر على ركعتين كفاه ذلك.
ووقت هذه السنّة القبلية: هو ما بين أذان الظهر، وصلاة الفرض.
ووقت البعدية: من الفراغ من صلاة الظهر إلى أذان العصر.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2112)
هل يتصدق على أخيه ويصلي معه في وقت النهي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا أفعل إذا طلب مني شخص لم يصلّ أن أتصدق عليه وأصلي معه لينال ثواب الجماعة، إذا كان هذا وقت كراهية، مثل بعد صلاة الفجر أو العصر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في إعادة الجماعة في وقت النهي، صدقةً على من فاتته الجماعة، ولم يجد من يصلي معه، لأن هذه الصلاة ليست نفلا مطلقا، وإنما هي لسبب، والصلاة إذا كان لها سبب، جاز فعلها في وقت النهي، على الراجح من قولي العلماء.
وقد دل على مشروعية إعادة الجماعة هنا: ما رواه أحمد (11631) وأبو داود (574) والترمذي (220) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا جَاءَ وَقَدْ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: (أَلَا رَجُلٌ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا فَيُصَلِّيَ مَعَهُ؟)
ولفظ أبي داود: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْصَرَ رَجُلًا يُصَلِّي وَحْدَهُ فَقَالَ: (أَلَا رَجُلٌ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا فَيُصَلِّيَ مَعَهُ؟) صححه الألباني في صحيح أبي داود.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن قوله عليه الصلاة والسلام: (لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس) فهل هذا العموم مراد أو ليس بمراد؟
فأجاب فضيلته بقوله: " هذا العموم ليس بمراد، بل يخرج منه بعض أفراده.
ومن ذلك:
إعادة الجماعة مثل أن يصلي الإنسان الصبح في مسجده، ثم إذا ذهب إلى مسجد آخر فوجدهم يصلون الصبح فإنه يصلي معهم، ولا إثم عليه ولا نهي، والدليل: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الفجر ذات يوم في منى، فلما انصرف رأى رجلين لم يصليا معه فسألهما لماذا لم تصليا؟ قالا: صلينا في رحالنا، قال: (إذا صليتما في رحالكما، ثم أتيتما مسجد الجماعة فصليا معهم) ، وهذا بعد صلاة الصبح.....إلخ " انتهى باختصار من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (14/344) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2113)
صلاة تحية المسجد في وقت النهي
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا دخل رجل المسجد في وقت النهي عن الصلاة هل يصلي ركعتي تحية المسجد؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
في هذه المسألة خلاف بين أهل العلم، والصحيح أن تحية المسجد مشروعة في جميع الأوقات حتى بعد الفجر وبعد العصر لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) . متفق على صحته، ولأنها من ذوات الأسباب كصلاة الطواف وصلاة الخسوف والصواب فيها كلها أنها تفعل في أوقات النهي كلها كقضاء الفوائت من الفرائض
لقول النبي، صلى الله عليه وسلم، في صلاة الطواف: (يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى أي ساعة شاء من ليل أو نهار) . أخرجه الإمام أحمد وأصحاب السنن بإسنادٍ صحيح؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم، في صلاة الكسوف: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته) 1/332.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/2114)
صلاة الأوابين
[السُّؤَالُ]
ـ[الرجاء توضيح كيفية صلاة الأوابين وما هو الدليل الذي يبرهن على وجودها فأنا لا أستطيع تحديد الحديث المنوط بهذه الصلاة جزاك الله خيرا]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صلاة الأوابين هي صلاة الضّحى التي تُصلى اثنتين أو أربعا أو ستا أو ثمانيا من بعد ارتفاع الشّمس إلى قرب وقت الظّهر وتأخيرها إلى وقت اشتداد الحرّ أفضل والدليل على ذلك ما يلي
عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَهْلِ قُبَاءَ وَهُمْ يُصَلُّونَ فَقَالَ: " صَلاةُ الأَوَّابِينَ إِذَا رَمِضَتْ الْفِصَالُ. " رواه مسلم 1238
وفي رواية للإمام أحمد عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى عَلَى مَسْجِدِ قُبَاءَ أَوْ دَخَلَ مَسْجِدَ قُبَاءَ بَعْدَمَا أَشْرَقَتْ الشَّمْسُ فَإِذَا هُمْ يُصَلُّونَ فَقَالَ إِنَّ صَلاةَ الأَوَّابِينَ كَانُوا يُصَلُّونَهَا إِذَا رَمِضَتْ الْفِصَالُ. "
وفي رواية لمسلم عَنْ الْقَاسِمِ الشَّيْبَانِيِّ أَنَّ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ رَأَى قَوْمًا يُصَلُّونَ مِنْ الضُّحَى فَقَالَ أَمَا لَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ الصَّلاةَ فِي غَيْرِ هَذِهِ السَّاعَةِ أَفْضَلُ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ صَلاةُ الأَوَّابِينَ حِينَ تَرْمَضُ الْفِصَالُ. " صحيح مسلم 1237
قال النووي رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الأوابين حين ترمض الفصال) هو بفتح التاء والميم , والرمضاء: الرمل الذي اشتدت حرارته بالشمس , أي حين تحترق أخفاف الفصال وهي الصغار من أولاد الإبل - جمع فصيل - من شدة حر الرمل (فترفع أخفافها وتضعها من حرارة الأرض) . والأواب: المطيع , وقيل: الراجع إلى الطاعة. وفي (الحديث) : فضيلة الصلاة هذا الوقت.. (و) هو أفضل وقت صلاة الضحى , وإن كانت تجوز من طلوع الشمس إلى الزوال. شرح مسلم للنووي، والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/2115)
كيف تصلى سنة الظهر الرباعية
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا صلى سنة الظهر أربعاً قبلها أو بعدها، أو سنة العصر هل يسلم تسليمة أو تسليمتين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز له تسليمة بتشهد واحد وتشهدين، والأفضل تسليمتان.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى الإمام النووي ص 51.(5/2116)
موضع دعاء القنوت، وصفة رفع اليدين فيه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يُقرأ دعاء القنوت بعد قراءة الفاتحة والسورة التي تليها، أم أن موضعها هو بعد الركوع؟ وهل يُقرأ دعاء القنوت واليدان مرفوعتان مع المجافاة بينهما، أم نبقيهما على البطن؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
مسألة موضع القنوت قبل الركوع أو بعده
قال الشيخ ابن عثيمين: أكثر الأحاديث والذي عليه أكثر أهل العلم أن القنوت بعد الركوع، وإن قنت قبل الركوع فلا حرج، فهو مخيَّر بين أن يركع إذا أكمل القراءة، فإذا رفع قال: ربنا ولك الحمد قنت، كما هو أكثر الروايات عن النبي صلى الله عليه وسلم وعليه أكثر أهل العلم، وبين أن يقنت إذا أتم القراءة ثم يكبِّر ويركع، وكل هذا جاءت به السنة. الشرح الممتع لابن عثيمين 4/65
وصفة رفع اليدين، قال العلماء: يرفع يديه إلى صدره ولا يرفعهما كثيراً ويبسط يديه وبطونهما إلى السماء، وظاهر كلام أهل العلم أنه يضمُّ اليدين بعضهما إلى بعض كحال المستجدي الذي يطلب من غيره أن يعطيه شيئاً، وأما التفريج والمباعدة بينهما فلا أعلم له أصلاً في السنة، ولا في كلام العلماء.
انظر الشرح الممتع لابن عثيمين 4/25.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/2117)
دعاء القنوت في الوتر
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو منكم ذكر دعاء القنوت الذي نقرأ به في صلاة الوتر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
دعاء القنوت يكون في الركعة الأخيرة من صلاة الوتر بعد الركوع، وإذا جعله قبل الركوع فلا بأس، إلا أنه بعد الركوع أفضل.
قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (23/100) :
وَأَمَّا الْقُنُوتُ: فَالنَّاسُ فِيهِ طَرَفَانِ وَوَسَطٌ: مِنْهُمْ مَنْ لا يَرَى الْقُنُوتَ إلا قَبْلَ الرُّكُوعِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لا يَرَاهُ إلا بَعْدَهُ. وَأَمَّا فُقَهَاءُ أَهْلِ الْحَدِيثِ كَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ فَيُجَوِّزُونَ كِلا الأَمْرَيْنِ لِمَجِيءِ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ بِهِمَا. وَإِنْ اخْتَارُوا الْقُنُوتَ بَعْدَهُ ; لأَنَّهُ أَكْثَرُ وَأَقْيَسُ اهـ.
ويرفع يديه وقد صح عن عمر رضي الله عنه كما أخرجه البيهقي وصححه (2/210) .
ويرفع يديه إلى صدره ولا يرفعها كثيراً، لأن هذا الدعاء ليس دعاء ابتهال يبالغ فيه الإنسان بالرفع، بل دعاء رغبة، ويبسط يديه وبطونهما إلى السماء ... وظاهر كلام أهل العلم أنه يضم اليدين بعضهما إلى بعض كحال المستجدي الذي يطلب من غيره أن يعطيه شيئاً.
والأحسن أن لا تداوم على قنوت الوتر، بل تفعله أحياناً، لأن ذلك لم يثبت عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكنه علّم الحسن بن علي رضي الله عنه دعاء يدعو به في قنوت الوتر، كما سيأتي.
ثانياً:
وأما دعاء القنوت فقد روى أبو داود (1425) والترمذي (464) والنسائي (1746) عن الْحَسَن بْن عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ: (اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ، فإِنَّكَ تَقْضِي وَلا يُقْضَى عَلَيْكَ، وَإِنَّهُ لا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، وَلا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ، ولا منجا منك إلا إليك) . والجملة الأخيرة "لا منجا منك إلا إليك" رواها ابن منده في "التوحيد" وحسنها الألباني.
وانظر: إرواء الغليل" حديث رقم (426) ، (429) .
ثم يصلي على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. انظر الشرح الممتع لابن عثيمين (4/14-52)
ثالثاً: يُستحب أن يقول بعدما يُسلّم (سبحان الملك القدوس) ثلاث مرات يمدّ بها صوته في الثالثة ويرفع كما أخرجه النسائي (1699) وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي.
زاد الدارقطني (رب الملائكة والروح) وإسنادها صحيح. انظر زاد المعاد لابن القيم (1/337) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2118)
السنن الرّواتب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من الممكن أن تعطينا عدد ركعات السنن الرواتب ومتى تأدى هذه السنن؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جواب سؤالك حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيه: مَنْ ثَابَرَ عَلَى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً مِنْ السُّنَّةِ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الفجر رواه الترمذي 379 وغيره وهو في صحيح الجامع رقم 6183
وعَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ صَلَّى فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ ". رواه الترمذي رقم 380 وقال: حَدِيثُ عَنْبَسَةَ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وهو في صحيح الجامع 6362
وليس لصلاة العصر سنّة راتبة ولكنّ صلاة أربع ركعات قبل فريضتها مستحبّة ولكنها دون منزلة السنن الرواتب في الأجر والمحافظة عليها، وهذه الأربع هي المذكورة في قوله صلى الله عليه وسلم: رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً صَلَّى قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا. " رواه الترمذي رقم 395 وقال: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ حَسَنٌ وحسنه الألباني في صحيح الجامع رقم 3493.
وكلّ النوافل الرّباعية السابقة تُصلى مثنى مثنى عند الشافعيّ وأحمد والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/2119)
تجزئ صلاة ركعتي الفجر عن تحية المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[شخص دخل المسجد قبل إقامة صلاة الفجر فهل يصلي تحية المسجد ثم يسلم ويصلي سنة الفجر أم يصلي سنة الفجر وتكفي عن تحية المسجد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سئلت اللجنة الدائمة عن ذلك فأجابت:
تجزئ صلاة ركعتي الفجر عن نفسها وعن تحية المسجد، وهذا هو الأفضل، ولو صلى تحية المسجد أولاً ثم ركعتي الفجر فلا بأس.
[الْمَصْدَرُ]
أنظر فتاوى اللجنة الدائمة م/7 ص/244(5/2120)
ترك السنة الراتبة في السفر ما عدا سنة الفجر
[السُّؤَالُ]
ـ[اعلم أنه من الأفضل قصر الصلاة أثناء السفر ولكن هل نصلي السنة أم لا؟ حسب علمي فأنا أصلي السنة لأنني لا أعلم الحديث الذي يدعم هذا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في السفر الاقتصار على الفرض ولم يحفظ عنه أنه كان يصلي السنن الرواتب لا قبل الفرائض ولا بعدها.
فعن عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: صَحِبْتُ ابْنَ عُمَرَ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ قَالَ فَصَلَّى لَنَا الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَقْبَلَ وَأَقْبَلْنَا مَعَهُ حَتَّى جَاءَ رَحْلَهُ وَجَلَسَ وَجَلَسْنَا مَعَهُ فَحَانَتْ مِنْهُ الْتِفَاتَةٌ نَحْوَ حَيْثُ صَلَّى فَرَأَى نَاسًا قِيَامًا فَقَالَ مَا يَصْنَعُ هَؤُلاءِ قُلْتُ يُسَبِّحُونَ (أي يصلون تطوعاً) قَالَ لَوْ كُنْتُ مُسَبِّحًا (أي مصلياً بعد الفريضة) لأَتْمَمْتُ صَلاتِي يَا ابْنَ أَخِي إِنِّي صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ وَصَحِبْتُ أَبَا بَكْرٍ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ وَصَحِبْتُ عُمَرَ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ ثُمَّ صَحِبْتُ عُثْمَانَ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) .
قال ابن القيم رحمه الله: (وهذا من فقهه رضي الله عنه فإن الله سبحانه وتعالى خفف عن المسافر في الرباعية شطرها فلو شرع له الركعتان قبلها أو بعدها لكان الإتمام أولى به)
زاد المعاد 1/316.
وكذلك يدل على مشروعية ترك السنن الرواتب ما صح عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّه عَنْهمَا قَالَ: جَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِجَمْعٍ (أي في مزدلفة) كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِإِقَامَةٍ وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا وَلا عَلَى إِثْرِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا.
رواه البخاري 1673.
وما ثبت عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ فَنَزَلَ بِهَا حَتَّى إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ فَرُحِلَتْ لَهُ حَتَّى إِذَا انْتَهَى إِلَى بَطْنِ الْوَادِي خَطَبَ النَّاسَ ثُمَّ أَذَّنَ بِلالٌ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا.
رواه مسلم 1218.
لكن يستثنى مما سبق راتبة الفجر فإنها تؤدى في حال السفر كما تؤدى في حال الحضر يقول ابن القيم:
(وكان من هديه في سفره الاقتصار على الفرض ولم يحفظ عنه أنه صلى سنة الصلاة قبلها ولا بعدها إلا ما كان من الوتر وسنة الفجر فإنه لم يكن ليدعهما حضرا ولا سفرا) زاد المعاد 1/473.
وقال رحمه الله: (وكان تعاهده ومحافظته على سنة الفجر أشد من جميع النوافل ولذلك لم يكن يدعها هي والوتر سفرا وحضرا وكان في السفر يواظب على سنة الفجر والوتر أشد من جميع النوافل دون سائر السنن ولم ينقل عنه في السفر أنه صلى سنة راتبة غيرهما) زاد المعاد 1/315.
ثبت عن أبي قتادة رضي الله عن أنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم في سفر له فمال رسول الله صلى الله عليه وسلم وملت معه فقال: انظر فقلت هذا راكب هذان راكبان هؤلاء ثلاثة حتى صرنا سبعة فقال احفظوا علينا صلاتنا يعني صلاة الفجر فضرب على آذانهم فما أيقظهم إلا حر الشمس فقاموا فساروا هنية ثم نزلوا فتوضئوا وأذن بلال فصلوا ركعتي الفجر ثم صلوا الفجر وركبوا فقال بعضهم لبعض قد فرطنا في صلاتنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنه لا تفريط في النوم إنما التفريط في اليقظة فإذا سها أحدكم عن صلاة فليصلها حين يذكرها.
رواه مسلم 681.
وجاء في كتاب صلاة المسافرين وقصرها عند الإمام مسلم برقم (724) حديث عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن على شيء من النواف أشد معاهدة منه على ركعتين قبل الصبح.
وكذلك يشرع للمسافر المحافظة على الوتر وقيام الليل وصلاة الضحى وكل صلاة ذات سبب كالصلاة بعد كل وضوء وصلاة التوبة وتحية المسجد وركعتي الطواف وغيرها، وكذلك لا يمنع من النفل المطلق.
يدل على ما سبق ما يلي من الأحاديث:
1- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَوْصَانِي خَلِيلِي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلَاثٍ لا أَدَعُهُنَّ فِي سَفَرٍ وَلا حَضَرٍ رَكْعَتَيِ الضُّحَى وَصَوْمِ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنَ الشَّهْرِ وَأَنْ لا أَنَامَ إِلا عَلَى وِتْرٍ.
صحيح سنن أبي داوود 1269.
2- عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي السَّفَرِ عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ يُومِئُ إِيمَاءً صَلاةَ اللَّيْلِ إِلا الْفَرَائِضَ وَيُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ.
رواه البخاري 1000.
وفي رواية: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَبِّحُ عَلَى الرَّاحِلَةِ قِبَلَ أَيِّ وَجْهٍ تَوَجَّهَ وَيُوتِرُ عَلَيْهَا غَيْرَ أَنَّهُ لا يُصَلِّي عَلَيْهَا الْمَكْتُوبَةَ.
رواه البخاري 1098.
3- عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ فَإِذَا أَرَادَ الْفَرِيضَةَ نَزَلَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ.
رواه البخاري 400.
4- عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِاللَّهِ أَنَّ أَبَا مُرَّةَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أُمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ تَقُولُ ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ قَالَتْ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ مَنْ هَذِهِ فَقُلْتُ أَنَا أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ قَامَ فَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَلَمَّا انْصَرَفَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ زَعَمَ ابْنُ أُمِّي أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلا قَدْ أَجَرْتُهُ فُلانَ ابْنَ هُبَيْرَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ قَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ وَذَاكَ ضُحًى.
رواه البخاري 357.
والمقصود بيان مشروعية ترك السنن الرواتب في حق المسافر والاقتصار منها على ركعتي الفجر كما يشرع للمسافر أن يحافظ على صلاة الوتر والقيام والضحى وذوات الأسباب والنفل المطلق ومنه تعلم خطأ ما يدور على بعض الألسن من أن السنة في السفر ترك السنة فإنها مع اضطرابها في نفسها مخالفة للسنة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحيح تقييدها بالسنة الراتبة المعروفة قبل وبعد الظهر وبعد المغرب والعشاء والله تعالى اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2121)
الأفضل صلاة النافلة في البيت
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صلاة النافلة في البيت أفضل أم صلاتها في المسجد أفضل مع ذكر الدليل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأفضل أن تُصلى صلاة النافلة في البيوت، اللهم إلا إن كان يسن لها الاجتماع في المسجد كصلاة الكسوف، أو ثبت الترغيب بأدائها في المسجد مثل التنفل قبل صلاة الجمعة، وقد ثبت ذلك عنه صلى الله عليه وسلم من قوله وفعله، ومن الأدلة على ذلك:
1. عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم ولا تتخذوها قبوراً ".
رواه البخاري (422) ومسلم (777) .
قال النووي:
قوله صلى الله عليه وسلم " اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبوراً "
معناه: صلُّوا فيها، ولا تجعلوها كالقبور مهجورة من الصلاة، والمراد به: صلاة النافلة، أي: صلوا النوافل في بيوتكم.
" شرح مسلم " (6 / 67) .
2. عن زيد بن ثابت، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذ حجرة - قال: حسبت أنه قال: من حصير - في رمضان فصلى فيها ليالي، فصلَّى بصلاته ناسٌ من أصحابه فلما علم بهم جعل يقعد فخرج إليهم، فقال: قد عرفت الذي رأيت من صنيعكم فصلُّوا أيها الناس في بيوتكم فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة ".
رواه البخاري (698) ومسلم (781) .
قال الحافظ ابن حجر:
ظاهره أنه يشمل جميع النوافل؛ لأن المراد بالمكتوبة: المفروضة، لكنه محمول على ما لا يشرع فيه التجميع، وكذا ما لا يخص المسجد كركعتى التحية، كذا قال بعض أئمتنا.
" فتح الباري " (2 / 215) .
3. عن عبد الله بن شقيق قال سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تطوعه فقالت كان يصلي في بيتي قبل الظهر أربعا ثم يخرج فيصلي بالناس ثم يدخل فيصلي ركعتين وكان يصلي بالناس المغرب ثم يدخل فيصلي ركعتين ويصلي بالناس العشاء ويدخل بيتي فيصلي ركعتين وكان يصلي من الليل تسع ركعات فيهن الوتر وكان يصلي ليلا طويلا قائما وليلا طويلا قاعدا وكان إذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم وإذا قرأ قاعدا ركع وسجد وهو قاعد وكان إذا طلع الفجر صلى ركعتين.
رواه مسلم (730) ، ونحوه من حديث ابن عمر في الصحيحين.
قال النووي في شرحه:
فيه استحباب النوافل الراتبة في البيت كما يستحب فيه غيرها، ولا خلاف في هذا عندنا، وبه قال الجمهور وسواء عندنا وعندهم راتبة فرائض النهار والليل.
" شرح مسلم " (6 / 9) .
4. عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده فليجعل لبيته نصيباً من صلاته فإن الله جاعل في بيته من صلاته خيراً ".
رواه مسلم (778) .
قال المناوي:
" إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده ": يعني: أدى الفرض في محل الجماعة، وخص المسجد لأن الغالب إقامتها فيه، " فليجعل لبيته ": أي: محل سكنه، " نصيبا ": أي: قِسما، " من صلاته ": أي: فليجعل الفرض في المسجد والنفل في بيته لتعود بركته على البيت وأهله كما قال " فإن الله تعالى جاعل في بيته من صلاته ": أي: من أجلها وبسببها، " خيراً ": أي كثيراً عظيماً، لعمارة البيت بذكر الله وطاعته، وحضور الملائكة، واستبشارهم، وما يحصل لأهله من ثواب وبركة.
وفيه: أن النفل في البيت أفضل منه في المسجد ولو بالمسجد الحرام …
" فيض القدير " (1 / 418) .
والأدلة على ذلك أكثر من هذا، فصلاته صلى الله عليه وسلم الرواتب، وقيام الليل، والضحى كل ذلك كان في بيته صلى الله عليه وسلم، وقد تركنا ذلك اختصاراً وفيما سبق كفاية، وقد ذكر بعض العلماء لذلك حِكَماً:
قال ابن قدامة:
والتطوع في البيت أفضل … ولأن الصلاة في البيت أقرب إلى الإخلاص، وأبعد من الرياء، وهو من عمل السر، وفعله في المسجد علانية والسر أفضل.
" المغني " (1 / 442) .
وفيه أيضاً: تذكير الناسي، وتعليم الجاهل من أهل البيت أو من يراه.
وأما الدليل على استحباب فعل صلاة الكسوف في المسجد:
5. عن أبي بكرة قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فانكسفت الشمس فقام النبي صلى الله عليه وسلم يجرُّ رداءه حتى دخل المسجد فدخلنا فصلى بنا ركعتين حتى انجلت الشمس فقال صلى الله عليه وسلم: إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد فإذا رأيتموهما فصلوا وادعوا حتى يكشف ما بكم.
رواه البخاري (993) .
وأما الدليل على استحباب التطوع قبل صلاة الجمعة في المسجد:
6. عن سلمان الفارسي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من اغتسل يوم الجمعة وتطهر بما استطاع من طهر، ثم ادَّهن أو مسَّ من طيبٍ، ثم راح فلم يفرِّق بين اثنين، فصلَّى ما كتب له، ثم إذا خرج الإمام أنصت: غُفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى ".
رواه البخاري (868) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2122)
يريد أن يقتصر على الصلوات المفروضة ولا يصلي النوافل
[السُّؤَالُ]
ـ[هل عليّ شيء إذا اكتفيت بأداء الصلوات المفروضة فقط وتركت غير المفروضة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فعل النوافل والقيام بها من أعظم الأمور التي توجب محبة الله للعبد، وتستوجب الجنة والرحمة، فقد أخرج البخاري (6502) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ قَالَ: " مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ، بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ)
فينبغي للمسلم أن يكون عالي الهمة قويّ العزيمة غير راض بالدون، بل يبحث عن الكمال والتمام في أمور دينه كما هو كذلك في أمور دنياه.
ومع ذلك: إذا اقتصر المسلم على الفرائض من الصلوات وغيرها ولم ينقص منها شيئاً فلا إثم عليه، وإن كان المواظبة على ترك السنن جملةً أمراً مذموماً عند العلماء. حتى قال الإمام أحمد: من ترك صلاة الوتر فهو رجل سوء لا ينبغي أن تقبل له شهادة.
روى البخاري (46) ومسلم (11) عن طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى دَنَا فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنْ الإِسْلامِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ. فَقَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: لا. إِلا أَنْ تَطَوَّعَ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَصِيَامُ رَمَضَانَ. قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ؟ قَالَ: لا. إِلا أَنْ تَطَوَّعَ. قَالَ: وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزَّكَاةَ. قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: لا. إِلا أَنْ تَطَوَّعَ. قَالَ: فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ: وَاللَّهِ لا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلا أَنْقُصُ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ)
قال النووي: يُحتمل أنه أراد أنه لا يصلي النافلة، مع أنه لا يخل بشيء من الفرائض، وهذا مفلح بلا شك، وإن كانت مواظبته على ترك السنن مذمومة، وتردّ بها الشهادة إلا أنه ليس بعاص بل هو مفلح ناج والله أعلم. شرح مسلم (1/121)
واعلم يا أخي – رحمك الله – أن للنوافل أجراً جزيلاً وفضلاً عظيماً، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ، فَإِنْ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ؟ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنْ الْفَرِيضَةِ، ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ) رواه الترمذي (413) وأبو داود (864) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ صَلَّى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بُنِيَ لَهُ بِهِنَّ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ) رواه مسلم (728)
وفقك الله تعالى إلى معالي الأمور وأعانك على صالح القول والعمل.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2123)
إذا دخل المسجد هل يصلي ركعتي التحية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل على الإمام أو المأموم أن يؤديا تحية المسجد إذا صليا ركعتي الفجر في البيت، ثم أتيا المسجد ليصليا صلاة الصبح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الواقع كما ذكر شرع لهما إذا دخلا المسجد أن يصليا تحية المسجد قبل الجلوس، وللإمام أن يأمر بإقامة الصلاة للصبح فلا يحتاج إلى تحية المسجد، لأن الفريضة تكفي عنها، وكذا المأموم إذا دخل وقد أقيمت الصلاة.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 7/672(5/2124)
صلاة التراويح جماعة في رمضان سنة وليس بدعة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تعتبر صلاة التراويح في جماعة بدعة لم تكن على عهد النبي وأن أول من أقامها عمر بن الخطاب رضي الله عنه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
القول بأن صلاة التراويح بدعة ليس بوارد، وإنما يُقال هل هي من سنن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأنها لم تكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفعلت في عهده أو هي من سنن النبي صلى الله عليه وسلم؟!
فادعى بعض الناس أنها من سنن عمر، واستدل لذلك بأن عمر بن الخطاب " أمر أبيّ بن كعب وتميماً الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة " وخرج ذات ليلة والناس يُصلُّون فقال: نعمت البدعة هذه " وهذا يدل على أنه لم يسبق لها مشروعية ...
ولكن هذا قول ضعيف غفل قائله عما ثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم (قام بأصحابه ثلاث ليال وفي الثالثة أوفي الرابعة لم يُصلّ، وقال: إني خشيت أن تُفرض عليكم) رواه البخاري (872) وفي لفظ مسلم (ولكني خشيت أن تُفرض عليكم صلاة الليل فتعجزوا عنها) (1271) فثبتت التراويح بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم المانع من الاستمرار فيها، لا من مشروعيتها، وهو خوف أن تُفرض، وهذا الخوف قد زال بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه لما مات صلى الله عليه وسلم انقطع الوحي فأمن من فرضيتها، فلما زالت العلة وهو خوف الفريضة بانقطاع الوحي ثبت زوال المعلول وحينئذ تعود السنية لها.أهـ انظر الشرح الممتع لابن عثيمين ج/4 ص/78
وثبت في الصحيحين عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَدَعُ الْعَمَلَ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ خَشْيَةَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ فَيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ ... رواه البخاري (الجمعة/1060) ومسلم (صلاة المسافرين/1174)
قال النووي: وَفِيهِ: بَيَان كَمَالِ شَفَقَته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَأْفَته بِأُمَّتِهِ.أهـ
فلا وجه للقول بأن صلاة التراويح ليست من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بل هي من سنة النبي صلى الله عليه وسلم تركها خشية أن تُفرض على الأمة فلما مات زالت هذه الخشية، وكان أبو بكر رضي الله عنه منشغلاً بحروب المرتدين وخلافته قصيرة (سنتان) ، فلما كان عهد عمر واستتب أمر المسلمين جمع الناس على صلاة التراويح في رمضان كما اجتمعوا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فقصارى ما فعله عمر رضي الله عنه العودة إلى تلك السنة وإحياؤها، والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/2125)
حكم قول: بلى عند قوله تعالى (أليس الله بأحكم الحاكمين)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم قول" بلي" عند قول الإمام "أليس الله بأحكم الحاكمين" هل هي بدعة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
لا بأس أن يقول المأموم ذلك، أو يقول: سبحانك فبلى، ونحوا من ذلك، عند قراءة الإمام: (أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى) (القيامة:40) ، أو قراءة: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) (التين:8) ، ونحوهما.
وهذا هو مذهب المالكية. قال في مواهب الجليل (2/253) : " إذَا مَرَّ ذِكْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِرَاءَةِ الْإِمَامِ فَلَا بَأْسَ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ إذَا مَرَّ ذِكْرُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ الْجَنَّةَ وَيَسْتَعِيذَ بِهِ مِنْ النَّارِ وَيَكُونُ ذَلِكَ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْمَأْمُومِ عِنْدَ قَوْلِ الْإِمَامِ {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} بَلَى إنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ " انتهى.
وهو أيضا مذهب الحنابلة، قال في شرح المنتهى (1/206) : "وَلِمُصَلٍّ قَوْلُ: سُبْحَانَكَ، فَبَلَى إذَا قَرَأَ {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} نَصًّا، فَرْضًا كَانَتْ أَوْ نَفْلًا؛ لِلْخَبَرِ.
وَأَمَّا {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ؟} فَفِي الْخَبَرِ فِيهَا نَظَرٌ، ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ " انتهى.
وانظر: الفروع (1/481) ، والإنصاف (2/107) .
والخبر المشار إليه رواه أبو داود (884) عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ قَالَ: (كَانَ رَجُلٌ يُصَلِّي فَوْقَ بَيْتِهِ وَكَانَ إِذَا قَرَأَ أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى قَالَ سُبْحَانَكَ فَبَلَى فَسَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)
وإسناده ضعيف؛ فيه انقطاع بين موسى والصحابي، سقط منه رجل آخر على الأقل، كما بينه الحافظ في النكت الظراف (11/210) ونتائج الأفكار (2/48) .
على أن الخبر لو صح، فليس فيه أن ذلك كان في صلاة الفريضة، بل ظاهر الحال أن النبي صلى الله عليه وسلم، لم يكن يفعل ذلك في الفريضة، ولو فعله لنقل، كما نقل عنه في صلاته بالليل؛ في حديث حُذَيْفَةَ رضي الله عنه، قَالَ: (صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ فَقُلْتُ يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ ثُمَّ مَضَى فَقُلْتُ يُصَلِّي بِهَا فِي رَكْعَةٍ فَمَضَى فَقُلْتُ يَرْكَعُ بِهَا ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ فَقَرَأَهَا ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا، يَقْرَأُ مُتَرَسِّلًا إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ ... ) رواه مسلم (772) .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" أما في النفل، ولا سيما في صلاة الليل، فإنه يسن أن يتعوذ عند آية الوعيد، ويسأل عند آية الرحمة، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأن ذلك أحضر للقلب، وأبلغ في التدبر، وصلاة الليل يسن فيها التطويل، وكثرة القراءة والركوع والسجود، وما أشبه ذلك.
وأما في صلاة الفرض، فليس بسنة، وإن كان جائزا.
فإن قال قائل: ما دليلك على هذا التفريق، وأنت تقول: إن ما ثبت في النفل ثبت في الفرض..؟
فالجواب: الدليل على هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم، يصلي في كل يوم وليلة ثلاث صلوات، كلها فيها جهر بالقراءة، ويقرأ آيات فيها وعيد، وآيات فيها رحمة، ولم ينقل الصحابة الذين نقلوا صفة صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم، أنه كان يفعل ذلك في الفرض، ولو كان سنة لفعله، ولو فعله لنقل؛ فلما لم ينقل علمنا أنه لم يفعله، ولما يفعله علمنا أنه ليس بسنة، والصحابة رضي الله عنهم حريصون على تتبع حركات النبي صلى الله عليه وسلم، وسكناته، حتى إنهم يستدلون على قراءته في السرية باضطراب لحيته، ولما سكت بين التكبير والقراءة سأله أبو هريرة ماذا يقول، ولو سكت عند آية الوعيد من أجل أن يتعوذ، أو آية الرحمة من أجل أن يسأل لنقلوا ذلك بلا شك.
فإذا قال قائل: إذا كان الأمر كذلك، لماذا لا تمنعونه في صلاة الفرض، كما منعه بعض أهل العلم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلوا كما رأيتموني أصلي) [البخاري (602) ]
فالجواب: على هذا أن نقول: ترك النبي صلى الله عليه وسلم له لا يدل على تحريمه، لأنه أعطانا عليه الصلاة والسلام قاعدة: (إن هذا الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن..) [مسلم (537) ] ، والدعاء ليس من كلام الناس، فلا يبطل الصلاة، فيكون الأصل فيه الجواز، لكننا لا نندب الإنسان أن يفعل ذلك في صلاة الفريضة، لما تقدم تقريره.
ولو قرأ القارئ: (أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يحْيِيَ الْمَوْتَى) (القيامة:40) ، لأنه ورد فيه حديث، ونص الإمام أحمد عليه، قال: إذا قرأ القارئ.. في الصلاة وغير الصلاة، قال: سبحانك فبلى، في فرض ونفل.
وإذا قرأ: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) (التين:8) ، فيقول: سبحانك فبلى ... "
انتهى من الشرح الممتع (1/604-605) بتصرف يسير.
وقد سئل الشيخ رحمه الله: " سمعنا بعض المأمومين إذا قرأ الإمام قوله تعالى: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) يقول المأموم: بلى، فما صحة هذا؟
فأجاب: هذا صحيح، إذا قال الله تعالى: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) فقل: بلى، وكذلك مثل هذا الترتيب، يعني: إذا جاءنا مثل هذا الكلام نقول: بلى. (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ) الزمر/36 تقول: بلى. (أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ) الزمر/37 تقول: بلى. (أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى) تقول: بلى. لكن المأموم إذا كان يشغله هذا الكلام عن الاستماع إلى إمامه فلا يفعل، لكن إذا جاء في آخر الآية التي وقف عليها الإمام فإنه لا يشغله. فإذا قال: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) يقول: بلى. انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (11/81) .
تنبيه: الحديث المشار إليه في قول ابن مفلح: " فيه نظر "، رواه أبو داود (887) والترمذي (عن أَبي هُرَيْرَةَ قال قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ قَرَأَ مِنْكُمْ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ فَانْتَهَى إِلَى آخِرِهَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ فَلْيَقُلْ بَلَى وَأَنَا عَلَى ذَلِكَ مِنْ الشَّاهِدِينَ وَمَنْ قَرَأَ لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَانْتَهَى إِلَى أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى فَلْيَقُلْ بَلَى وَمَنْ قَرَأَ وَالْمُرْسَلَاتِ فَبَلَغَ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ فَلْيَقُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ) والحديث في إسناده راو مجهول، كما ذكر الترمذي عقبه، وقد ضعفه جمع من الأئمة، كالنووي في المجموع (3/563) ، وغيره، وذكره الألباني في ضعيف أبي داود.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2126)
كافر يسأل لماذا تُصلَّى السنَّة قبل الفرض؟
[السُّؤَالُ]
ـ[من كافر ولم أعرف أجيبه: المسلمون يؤمنون أن الله قبل كل شيء، فلماذا يصلون السنَّة قبل الفرض؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نشكر لك اهتمامك بأمور دينك، وحرصك على الخير لنفسك ولغيرك، وننبهك إلى ضرورة أن يكون الحوار مع الكفار في مسائل الشرع من قبَل متخصصين؛ خشية أن يقذف أحدهم شبهة على المسلم المتحمس لدعوتهم فيحار في ردها.
ونحن إذ نشكر لك إرسال سؤاله لنا وعدم إجابتك عليه من تلقاء نفسك ننصحك – وننصح الدعاة إلى الله عموماً – أن لا يُفتح المجال لأولئك الكفار للحوار في مسائل عملية جزئية، بل ينبغي أن يكون الكلام معهم في الأصل الذي تتفرع منه هذه المسائل الجزئية وتنبني عليه، فيكون الكلام على توحيد الله تعالى وإثبات البعث والحساب، ورسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وبيان محاسن الإسلام وموافقته للفطرة المستقيمة والعقل الصريح، وبطلان الشرك وإقامة الحجج والبراهين على ذلك.
ولا مانع من أن يردَّ على بعضهم في هذه المسائل ممن يُعرف عنه حبّه للوصول للحق، وقد تكون هذه المسألة مفتاحاً له للدخول في دين الله عز وجل.
ثانياً:
سؤال هذا الكافر فيه مغالطة، ويجب رد هذه المغالطة قبل الدخول في تفاصيل الجواب، فلا علاقة لكون الله تعالى قبل كل شيء بكون الراتبة تؤدى قبل الفريضة؛ لأن تشريع الصلاة بهذا الترتيب هو من الله تعالى.
ولعله يظن أن النوافل والرواتب هي للنبي صلى الله عليه وسلم! ولعل هذا ما دعاه لاستشكال هذه المسألة، فظنَّ أننا نتقرب بالرواتب للنبي صلى الله عليه وسلم، وبالفرائض لله تعالى! وهذا لا شك جهل بدين الإسلام، ولا يحتاج المسلم لكثير عناء في رده.
وبكل حال: فنحن عبيد لربنا تبارك وتعالى، ونفعل ما يأمرنا به عز وجل، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يشرِّع للناس إلا ما أمره الله تعالى بتبليغه، فهو عبدٌ لربه تعالى مثلنا، إلا أن الفرق بيننا وبينه أن الله تعالى فضله بالوحي والرسالة، قال الله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ) الكهف/110، وقال تعالى: (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) يونس/15.
ثالثاً:
السنن الرواتب التي يصليها المسلم في اليوم الليلة اثنتا عشر ركعة، وهي التي جاء في فضلها أن من واظب عليها بني له بيتٌ في الجنة، وقد سبق بيانها في جواب السؤال رقم (1048) ، وهي ركعتان قبل الفجر، وأربع ركعات قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء.
رابعاً:
ذكر العلماء رحمهم الله تعالى حكَماً للصلاة قبل الفريضة، فمن المعلوم أن من يدخل المسجد فإنه يصلي ركعتين قبل أن يجلس، والمتوضئ يسن له الصلاة بعد كل وضوء، وكذا ما يوجد من رواتب قبل الصلاة كالفجر والظهر - كما سبق -، ورغَّب النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة أربع ركعات قبل العصر، ووصى بالصلاة قبل المغرب، وجعل بين كل أذانين – أي: أذان وإقامة - صلاة، وكل هذا التشريع لأداء نوافل قبل الفريضة، وله حِكَم عظيمة.
1. قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
"ففي هذه الرواتب فوائد عظيمة والمحافظة عليها من أسباب دخول الجنة والنجاة من النار مع أداء الفرائض وترك المحارم، فهي تطوع وليست فريضة لكنها مثل ما جاء في الحديث تكمل بها الفرائض، وهي من أسباب محبة الله للعبد، وفيها التأسي بالنبي عليه الصلاة والسلام، فينبغي للمؤمن المحافظة عليها والعناية بها كما اعتنى بها النبي عليه الصلاة والسلام مع سنة الضحى، ومع التهجد بالليل والوتر فالمؤمن يعتني بهذا كله" انتهى.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (11 / 381) .
2. وقال الشيخ عطية سالم رحمه الله:
"المسلم يؤدي النافلة قبل الفريضة تهيئةً لقيامه بين يدي الله وهو في أكمل ما يكون استحضاراً، وهذه زيادة تحضير، وسمِّها ما شئت؛ لأنها تعطيك زيادة تنبُّه ويقظة ورغبة فيما عند الله، فإذا دخلت في الفريضة عفويّاً ربما تحتاج إلى شيء من التحضير؛ لكن إذا صليت السنَّة كان التهيؤ أكمل، وكل فريضة - كما أشرنا - قبلها نافلة، فهذا الفجر له ركعتان قبلية، وتلك الظهر لها ركعتان أو أربع قبلية، وتلك العصر قبلها أربع، والمغرب كانوا يصلون قبلها ركعتين، يقول الراوي: (حتى إن الغريب إذا دخل المسجد رأى الناس قد بادروا إلى السواري فيظن أن الناس قد صلوا المغرب) ، وجاء في الحديث: (صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب، وقال في الثالثة: لمن شاء) ؛ كراهية أن يتخذها الناس سنة لازمة، وقال: (بين كل أذانين صلاة) ، والمغرب كغيره له أذانان، وهما: الأذان والإقامة، وهكذا قبل صلاة العشاء نافلة، وبعدها نافلة" انتهى.
" شرح الأربعين النووية " (الحديث الثلاثون) .
3. وقال الشيخ محمد المختار الشنقيطي حفظه الله:
"والسنن الراتبة هذه شُرعت لفضائل وحكَم عظيمة؛ فإن المصلي إذا دخل إلى الفريضة مباشرة يكون في حالة أدنى من الخشوع والخضوع واستحضار القلب مما لو سبق الفريضة بسنة قبلية، كما هو الحال في صلاة الظهر، فإن الناس في الظهر يكونون على عناء العمل وشظف طلب العيش، فإذا دخلوا إلى الصلاة وهم حديثو عهد بالتجارات ونحوها فإنهم يكونون أقل خشوعاً مما لو قدموا بسنَّة ثم دخلوا الفريضة بعد السنَّة، فإن الطاعة تشرح الصدر وتيسر الذكر، وهذا محفوظ من هدي النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنه لما أراد أن يقوم الليل عليه الصلاة والسلام استفتح بركعتين خفيفتين، قالوا: لأن هذا الاستفتاح يهيئ النفس للإطالة، وللاستحضار وللخشوع، فكان في السنة الراتبة نفس المعنى، وهذا مجرب في الشخص الذي يأتي متأخراً في الصلوات، أو يأتي مع الإقامة، فإنه إذا دخل لا تجده في الخشوع كحالته حين يدخل بين الأذان والإقامة فيصلي الراتبة ويذكر الله، فإن الحسنة تدعو إلى أختها، فتجده بعد انتهائه من الراتبة أشرح صدراً وأكثر طمأنينة في قلبه، فهذا يقوّيه على فعل الفريضة بنفس أقوى وحضور أبلغ، وهذا إذا كانت الراتبة قبلية" انتهى.
شرح زاد المستقنع " (كتاب الصلاة) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2127)
وقت صلاة الضحى
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الوقت المناسب لصلاة "الإشراق" وصلاة " الضحى"؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صلاة الإشراق هي صلاة الضحى في أول وقتها، وليست صلاتين مختلفتين، وسميت كذلك لكونها تفعل عقب شروق الشمس وارتفاعها.
قال الشيخ ابن باز:
صلاة الإشراق هي صلاة الضحى في أول وقتها.
مجموع فتاوى الشيخ ابن باز 11 / 401
وقت صلاة الضحى من طلوع الشمس وارتفاعها إلى قبيل وقت صلاة الظهر.
وقدّره الشيخ ابن عثيمين بأنه بعد شروق الشمس بربع ساعة إلى قبيل صلاة الظهر بعشر دقائق.
الشرح الممتع 4 / 122
فكل هذا الوقت وقت لصلاة الضحى.
(والأفضل صلاتها بعد اشتداد حر الشمس لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة الأوابين حين ترمض الفصال) رواه مسلم (748)
والفصال هي أولاد الإبل، ومعنى ترمض تشتد عليها الرمضاء وهي حرارة الشمس.
ابن باز مجموع فتاوى 11/ 395
وقدّر العلماء هذا بمضي ربع النهار أي نصف الوقت بين طلوع الشمس وصلاة الظهر.
انظر المجموع للنووي 4 / 36، والموسوعة الفقهية 27 / 224.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2128)
هل يردد مع المؤذن أو يصلي تحيَّة المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[عند دخول المسجد وأثناء رفع الأذان، هل يجب عليّ الانتظار إلى نهاية الأذان لأصلي تحية المسجد؟ أم أصليها مع الأذان.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
((الأفضل له أن يجيب المؤذن ثم يدعو بعد ذلك بما ورد ثم يدخل في تحية المسجد، إلا أن بعض العلماء استثنوا من ذلك من دخل المسجد والمؤذن يؤذِّن يوم الجمعة الأذان الثاني، فإنه يصلي تحية المسجد لأجل أن يستمع الخطبة، وعللوا ذلك بأن استماع الخطبة واجب وإجابة المؤذن ليست واجبة، والمحافظة على الواجب أولى من المحافظة على غير الواجب)) . فتاوى أركان الإسلام لابن عثيمين ص/28
وذهب بعض العلماء إلى أن الجمع الأحسن بين المصلحتين أن يردد مع المؤذِّن، لأنه مأمور به ثم يصلي ركعتين خفيفتين، والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/2129)
السنة القبلية للظهر ثنتان أم أربع
[السُّؤَالُ]
ـ[هل السنة القبلية لصلاة الظهر ركعتين أم ركعة واحدة؟ وهل ورد خلاف بين العلماء حول ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا بد أنك تقصد، هل السنة القبلية لصلاة الظهر تسليمة أو تسليمتان، لأن الركعة الواحدة وتر، وليس هناك شيء من الصلوات وتراً إلا صلاة المغرب، والوتر في الليل.
فالجواب: ورد في بعض الأحاديث أن سنة الظهر القبلية تسليمة واحدة (ركعتان) كما في حديث ابن عمر في الصحيحين.
وورد في بعضها أنها تسليمتان (أربع ركعات) كما في حديث عائشة رضي الله عنها في صحيح مسلم.
فالمرء مخيّر بين هذا وذلك، ولكن ذهب بعض أهل العلم إلى أنه إن صلاها في بيته فالأولى أن يصليها أربع ركعات في تسليمتين، وإن صلاها في المسجد فركعتان (تسليمة واحدة) .
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ سعد الحميد(5/2130)
ما يجوز فعله من النوافل في وقت الكراهة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو وقت الكراهة للصلاة؟ وهل يجوز أن يصلي المرء صلاة السنة في وقت الكراهة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
أوقات النهي عن الصلاة ثلاثة على سبيل الاختصار، وخمسة على سبيل البسط، وهي:
من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.
ومن طلوع الشمس إلى ارتفاعها مقدار رمح، ويقدر هذا الوقت باثنتي عشرة دقيقة، والاحتياط جعله ربع ساعة.
وعند قيام الشمس في الظهيرة حتى تزول عن كبد السماء.
ومن بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس.
وعند شروع الشمس في الغروب إلى أن يتم ذلك.
وأما على سبيل الاختصار فهي:
من الفجر إلى أن ترتفع الشمس قيد رمح.
وحين يقوم قائم الظهيرة إلى أن تزول.
ومن صلاة العصر حتى يتم غروب الشمس.
وانظر أدلة ذلك في جواب السؤال رقم (48998) .
ثانيا:
هذه الأوقات ينهى فيها عن صلاة التطوع، وأما فعل الفريضة، أو قضاؤها، فلا يتعلق به النهي.
"والأصل أن صلاة التطوع مشروعة دائما؛ لعموم قول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون) الحج/ 77، وعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي قضى له حاجة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (سل. قال: أسألك مرافقتك في الجنة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أو غير ذلك؟ قال: هو ذاك - يعني: لا أسألك غيره - قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود) .
وعلى هذا؛ فالأصل في صلاة التطوع أنها مشروعة كل وقت للحاضر والمسافر، لكن هناك أوقاتاً نهى الشارع عن الصلاة فيها، وهذه الأوقات خمسة ... " انتهى من "الشرح الممتع" للشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
ثالثا:
استثنى جماعة من الفقهاء أنواعاً من النفل يجوز فعلها في وقت النهي، وهي:
1- ركعتا الطواف؛ وذلك لما روى الترمذي (868) والنسائي (2924) وأبو داود (1894) وابن ماجه (1254) عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَصَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ، مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ) والحديث صححه الألباني في صحيح الترمذي.
2- إعادة الجماعة، فمن صلى الفريضة ثم أتى مسجد جماعة فوجدهم يصلون، فإنه يصلي معهم، ولو كان في وقت نهي، وصلاته معهم نافلة، وذلك لما روى الترمذي (219) والنسائي (858) عن يَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ الْعَامِرِيُّ رضي الله عنه أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لرجلين لم يصليا معه، لأنهما كانا صليا في رحالهما: (إِذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَا مَعَهُمْ، فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ) . والحديث صححه الألباني في صحيح الترمذي.
3- السنة الراتبة إذا شغل عنها حتى دخل وقت النهي، وكذلك سنة الظهر البعدية في حال جمع الظهر مع العصر، فيجوز فعلها بعد صلاة العصر. وقد شُغل النبي صلى الله عليه وسلم عن سنة الظهر البعدية، فصلاها بعد العصر، رواه البخاري (1233) ومسلم (834) .
4- من دخل يوم الجمعة والإمام يخطب؛ فإنه يصلي ركعتين خفيفتين، وذلك لما روى البخاري (931) ومسلم (875) عن جابر رضي الله عنه قَالَ: دَخَلَ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ، فَقَالَ: (أَصَلَّيْتَ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: قُمْ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ) .
5- صلاة الجنازة تفعل في أوقات النهي الطويلة، إجماعا، أي بعد طلوع الصبح حتى تطلع الشمس، وبعد صلاة العصر إلى غروبها.
قال ابن قدامة رحمه الله: "أما الصلاة على الجنازة بعد الصبح حتى تطلع الشمس , وبعد العصر حتى تميل للغروب , فلا خلاف فيه , قال ابن المنذر: إجماع المسلمين في الصلاة على الجنازة بعد العصر والصبح.
وأما الصلاة عليها في الأوقات الثلاثة التي في حديث عقبة بن عامر فلا يجوز.
(ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن , وأن نقبر فيهن موتانا) . وذكره للصلاة مقرونا بالدفن دليل على إرادة صلاة الجنازة. قال الأثرم: سألت أبا عبد الله [يعني: الإمام أحمد] عن الصلاة على الجنازة إذا طلعت الشمس؟ قال: أما حين تطلع فما يعجبني. ثم ذكر حديث عقبة بن عامر. وقد روي عن جابر , وابن عمر نحو هذا القول , وذكره مالك في " الموطأ " عن ابن عمر. وقال الخطابي: هذا قول أكثر أهل العلم.
وإنما أبيحت بعد الصبح والعصر لأن مدتهما تطول , فالانتظار يخاف منه عليها , وهذه مدتها تقصر" انتهى من "المغني" (1/425) باختصار وتصرف.
رابعا:
اختلف الفقهاء في بعض النوافل، هل يشرع فعلها في أوقات النهي أم لا، ومن ذلك اختلافهم في ذوات الأسباب كتحية المسجد وسنة الوضوء، فمنهم من جوز فعلها في وقت النهي، وهو مذهب الشافعي رحمه الله واختاره جمع من العلماء، وهو الراجح، ومنهم من منع ذلك، ولم يفرق بين النفل المطلق، والنفل الذي يفعل لسبب خاص. وانظر جواب السؤال رقم (306) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2131)
متى تُصلى راتبة الفجر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كيفية الصلاة قبل الفجر لتعد من الرواتب الاثنا عشر، عندنا في المغرب يؤذن للصبح فنقوم نصلي الفجر ثم الصبح، نرجو منكم أن توضحوا لنا متى نصلي ركعتي الرواتب الاثني عشر؟ خصوصا الركعتين قبل الفجر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الرواتب الاثنا عشر التي جاء في فضلها أن من واظب عليها بني له بيتٌ في الجنة سبق بيانها في جواب السؤال رقم (1048) ، وهي ركعتان قبل الفجر، وأربع ركعات قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء.
ثانياً:
ما تؤدونه بعد أذان الصبح قبل صلاة الفريضة، هو النافلة، وهي ركعتا الفجر وتسمى " سنة الفجر " أو " سنة الصبح "، وهي من الرواتب الاثنا عشر – كما سبق – ففعلكم لها هو من المحافظة على هذه الراتبة الشريفة.
وانظر لزيادة الفائدة جواب السؤال رقم (79345) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2132)
هل تقضى صلاة الضحى إذا خرج وقتها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل إذا فاتتني صلاة الضحى بعد الساعة الثانية عشرة ظهرا أقضيها حتى ولو بعد صلاة الظهر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
وقت الصلاة الضحى من ارتفاع الشمس قدر رمح، وذلك بمضي ربع ساعة أو ثلث ساعة بعد طلوعها، إلى قبيل الزوال (والزوال هو دخول وقت صلاة الظهر) ، وقبيل الزوال ما بين عشر دقائق إلى خمس دقائق فقط، أي قبل دخول وقت النهي " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله" (14/306) .
قال ابن مفلح رحمه الله: " ووقتها من خروج وقت النهي إلى الزوال , والمراد والله أعلم قبيل الزوال؛ للنهي " انتهى من "الفروع" (1/567) .
ثانيا:
اختلف أهل العلم في قضاء صلاة الضحى إذا فات وقتها، فذهب بعضهم إلى أنها تقضى، وهو الصحيح عند الشافعية، وقال به بعض الحنابلة، وذهب آخرون إلى عدم قضائها، وهو قول الشافعي القديم، ومذهب الحنفية والمالكية.
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (3/532) : " قال أصحابنا: النوافل قسمان (أحدهما) غير مؤقت وإنما يفعل لعارض كالكسوف والاستسقاء وتحية المسجد , فهذا إذا فات لا يقضى (الثاني) مؤقت كالعيد والضحى والرواتب مع الفرائض كسنة الظهر وغيرها، فهذه فيها ثلاثة أقوال: الصحيح منها أنها يستحب قضاؤها , قال القاضي أبو الطيب وغيره: هذا القول هو المنصوص في الجديد.
والثاني: لا تقضى وهو نصه في القديم، وبه قال أبو حنيفة.
والثالث: ما استقلّ كالعيد والضحى قُضي، وما لا يستقل كالرواتب مع الفرائض فلا يقضى , وإذا [كانت] تقضى فالصحيح أنها تقضى أبدا. وحكى بعض أصحابنا قولاً ضعيفا أنه يقضي فائت النهار ما لم تغرب شمسه , وفائت الليل ما لم يطلع فجره , وعلى هذا تقضى سنة الفجر ما دام النهار باقيا ... وهذا الخلاف كله ضعيف والصحيح استحباب قضاء الجميع أبدا , ودليله قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) وحديث أبي قتادة رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم فاته الصبح في السفر حتى طلعت الشمس فتوضأ ثم صلى سجدتين ثم أقيمت الصلاة فصلى الغداة) رواه مسلم، والمراد بالسجدتين صلاة السنة الراتبة التي قبل الفجر. وحديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين بعد العصر فسألته عن ذلك فقال: (إنه أتاني ناس من عبد القيس بالإسلام من قومهم فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر فهما هاتان الركعتان بعد العصر) رواه البخاري ومسلم، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من لم يصل ركعتي الفجر حتى تطلع الشمس فليصلهما) رواه البيهقي بإسناد جيد , وعن أبى سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من نام عن وتره أو نسيه فليصل إذا ذكره) رواه أبو داود بإسناد حسن ... وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان إذا فاتته الصلاة من الليل من وجع أو غيره صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة) رواه مسلم ... وفي المسألة أحاديث كثيرة غير ما ذكرتها وفي هذا أبلغ كفاية , وبالله التوفيق " انتهى باختصار وتصرف يسير.
وقال المرداوي في "الإنصاف" (2/191) : " وقال الشيخ عبد القادر: له فعلها بعد الزوال , وإن أخرها حتى صلى الظهر قضاها ندبا – يعني استحباباً - " انتهى.
وصرح الحنفية بأن السنن إذا فاتت لا يقضى منها إلا سنة الفجر إذا فاتت مع الفرض، فإنها تقضى إلى الزوال. "الفتاوى الهندية" (1/112) .
وإلى هذا ذهبت المالكية أيضا، فلا يقضى عندهم نفل سوى ركعتي الفجر، تقضى إلى الزوال، سواء كان معها الصبح أم لا. "بلغة السالك" (1/408) .
وينظر: "الموسوعة الفقهية الكويتة" (34/37) .
واختار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله القول بأن صلاة الضحى لا تقضى إذا فات وقتها، فقد سئل رحمه الله: إذا فاتت سنة الضحى هل تقضى أم لا؟
فأجاب: " الضحى إذا فات محلها فاتت؛ لأن سنة الضحى مقيدة بهذا، لكن الرواتب لما كانت تابعة للمكتوبات صارت تقضى وكذلك الوتر لما ثبت في السنة (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، إذا غلبه النوم، أو المرض في الليل صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة) . فالوتر يقضى أيضا " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (14/305) .
والأمر في ذلك واسع، والحمد لله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2133)
هل يشترط في السنة القبلية دخول وقت فريضتها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل سنة الفجر تصلى بعد دخول وقت صلاة الصبح أم بعد الأذان - الذي هو قبل وقت الصلاة -؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
السنَّة القبلية للصلاة لا يدخل وقتها إلا بدخول وقت الصلاة.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/544) :
" كل سنة قبل الصلاة , فوقتها من دخول وقتها إلى فعل الصلاة , وكل سنة بعدها , فوقتها من فعل الصلاة إلى خروج وقتها " انتهى.
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
دخلت المسجد في صلاة الصبح وصليت ركعتين، وعند قيامي للركعة الثانية: قام المؤذن يؤذن للصلاة، وقد نويت في صلاتي تلك أنها سنة الصبح، حيث قمت من منزلي وهو يؤذن في بعض المساجد، وعندما فرغت من صلاتي جلست أقرأ القرآن، فقال لي شخص بجانبي: قم صل سنة الصبح، فقلت له: إنني صليتها، فقال: لا يجوز ذلك إلا أن تصلي مرة أخرى حيث المؤذن أذن وأنت تصلي، أرجو إفادتي عن ذلك؟
فأجاب:
" إذا كان المؤذن الذي أذن وأنت تصلي سنة الفجر قد أخَّر الأذان وصادف فعلك لها بعد طلوع الفجر: فقد أديت السنَّة ويكفي ذلك ولا حاجة أن تعيدها، أما إذا كنت تشك في ذلك ولا تعلم هل المؤذن الذي أذن وأنت في الصلاة هل أذانه بعد الصبح أو عند طلوع الفجر: فالأحوط لك والأفضل أن تعيد الركعتين، حتى تكون أديتهما بعد طلوع الفجر يقينا " انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (11 / 369، 370) .
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
هل يُشترط للسنَّة الراتبة التي قبل الظهر وقبل الفجر دخول الوقت؟
فأجاب:
" السنَّة الراتبة القبلية التي تكون قبل الصلاة لا بدَّ أن تكون بعد (دخول) الوقت، فلو فُرض أن الإنسان صلاها قبل الوقت ظانّاً أن الوقت قد دخل ثم تبيَّن أنه لم يدخل: فليعُدها، وتكون الأولى نفلاً مطلقاً لا راتبة " انتهى.
" لقاءات الباب المفتوح " (السؤال رقم 590) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2134)
هل يجوز صلاة الوتر تسع ركعات بتشهدين وسلام واحد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم صلاة التراويح جماعة في المسجد تسع ركعات بتشهد بعد الثامنة، وآخر بعد التاسعة ثم السلام، فإن البعض قالوا إن هذا بدعة؟
أرجو ذكر الحكم بالدليل معضداً بأقوال العلماء المتقدمين والمتأخرين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأفضل في صلاة التراويح أن تُصلى إحدى عشرة ركعة , كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في رمضان وغيره , فيصلي ركعتين ركعتين. . ثم يوتر بثلاث , ولو زاد المصلي عن إحدى عشر أو نقص فلا حرج عليه , وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (9036) .
وأما الصفة المسئول عنها فهي إحدى صفات صلاة الوتر , فعن عائشة رضي الله عنها – وسئلت عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم - فقالت: (إن النبي صلى الله عليه وسلم كان َيُصَلِّي تِسْعَ رَكَعَاتٍ لا يَجْلِسُ فِيهَا إِلا فِي الثَّامِنَةِ فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ , ثُمَّ يَنْهَضُ وَلا يُسَلِّمُ , ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّ التَّاسِعَةَ , ثُمَّ يَقْعُدُ فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ , ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمًا يُسْمِعُنَا) رواه مسلم (746) .
قال ابن القيم – في بيان أنواع قيام ووتر النبي صلى الله عليه وسلم -:
" النوع الخامس: تسع ركعات يسرد منهن ثمانيا لا يجلس في شيء منهن إلا في الثامنة , يجلس يذكر الله تعالى ويحمده ويدعوه ثم ينهض ولا يسلم , ثم يصلي التاسعة ثم يقعد ويتشهد ويسلم ثم يصلي ركعتين جالسا بعدما يسلم " انتهى.
" زاد المعاد " (1 / 317) .
وقد ظن بعض الناس أن هذه الأحاديث معارضة لما ثبت في الصحيحين من قول النبي صلى الله عليه وسلم (صَلاَةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى) وليس الأمر كذلك؛ لأن هذا الحديث وارد في صلاة قيام الليل، والصورة التي ذكرناها والواردة في السؤال إنما هي في صلاة الوتر.
قال ابن القيم رحمه الله بعد أن ساق أحاديث في أنواع وتره صلى الله عليه وسلم -:
" وكلها أحاديث صحاح صريحة لا معارض لها , فَرُدَّتْ هذه بقوله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل مثنى مثنى) وهو حديث صحيح , ولكن الذي قاله هو الذي أوتر بالتسع والسبع والخمس , وسننه كلها حق يصدق بعضها بعضا , فالنبي صلى الله عليه وسلم أجاب السائل له عن صلاة الليل بأنها (مَثْنَى مَثْنَى) ولم يسأله عن الوتر، وأما السبع والخمس والتسع والواحدة: فهي صلاة الوتر، والوتر اسم للواحدة المنفصلة مما قبلها وللخمس والسبع والتسع المتصلة , كالمغرب اسم للثلاث المتصلة , فإن انفصلت الخمس والسبع بسلامين كالإحدى عشرة كان الوتر اسما للركعة المفصولة وحدها , كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (صَلاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى , فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمْ الصُّبْحَ أَوْتَرَ بِوَاحِدَةٍ تُوتِرُ لَهُ مَا صَلَّى) فاتفق فعله صلى الله عليه وسلم وقوله، وصدَّق بعضُه بعضاً " انتهى.
" إعلام الموقعين " (2 / 424، 425) .
وقد سبق في جواب السؤال (52875) بيان أن صلاة الوتر من صلاة الليل , ولكنها تخالفها في الكيفية.
وعلى هذا , فصلاة التراويح لا تصلى تسع ركعات متصلة بتشهدين وسلام واحد , وإنما الذي يُصلى كذلك هو صلاة الوتر.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2135)
هل يصلي خلف من يصلي الوتر ثلاثاً بتشهدين وسلام ويقنتون قبل الركوع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[في المركز الإسلامي الذي أصلي فيه يتبعون المذهب الحنفي حيث يصلون الوتر ثلاث ركعات يفصل بينهما التشهد في الركعة الثانية ولا يسلمون ويقومون للركعة الثالثة ثم بعد قراءة الفاتحة وسورة يكبرون ولا يركعون بل يأتون بدعاء التهجد سرّاً ثم يكبرون ثانية للركوع فهل هذا صحيح؟ وإن كان لا فماذا نفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ما فعله الإمام والمصلون من صلاة الوتر ثلاث ركعات بتشهدين وسلام واحد، ومن القنوت قبل الركوع هما من مسائل الخلاف المشهورة بين الحنفية وبين جمهور العلماء، وصلاة الوتر بتلك الطريقة لا تخلو من كراهة، فالوتر بثلاث ركعات له صفتان كلتاهما مشروعة وهما:
الأولى: أن يسرد الثلاث بتشهد واحد وتسليم واحد.
والثانية: أن يصلي ركعتين ثم يسلم ثم يوتر بواحدة.
وتجد تفصيل هاتين الصورتين بأدلتهما في جواب السؤال رقم (46544) فلينظر.
وصلاة ثلاث ركعات بتشهدين وسلام ورد فيها نهي أقل أحواله الكراهة، وقد سبق ذكر فتاوى العلماء في المنع منها في جواب السؤال رقم: (72246) و (26844) فلينظرا.
وأما القنوت قبل الركوع: فقد ورد في السنَّة الصحيحة ما يدل عليه، ولمن قال بالقنوت بعد الركوع دليل أيضاً، فليس في الأمر ما يسوِّغ الإنكار فضلاً عن المخالفة، فضلاً عما هو أشد وهو ترك الصلاة خلف ذلك الإمام.
وقد سبق ذكر مسألة القنوت في الوتر في جواب السؤال رقم (14093) فلينظر.
ثانياً:
لا بأس أن تصلي خلفهم، ولو كانوا على الصفة التي ذكرتها، لأن ما يفعلونه إنما هو تقليد لإمام مجتهد فلا يسوغ ترك الصلاة خلفهم، ولا الفرقة بينكم، وبخاصة أنكم في ديار كفر، وما تفعلونه يُحسب على الإسلام.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" وتنازعوا (يعني: العلماء) فيما إذا ترك الإمام ما يعتقد المأموم وجوبه مثل أن يترك قراءة البسملة والمأموم يعتقد وجوبها , أو يمس ذكره ولا يتوضأ والمأموم يرى وجوب الوضوء من ذلك , أو يصلي في جلود الميتة المدبوغة والمأموم يرى أن الدباغ لا يطهر , أو يحتجم ولا يتوضأ والمأموم يرى الوضوء من الحجامة، والصحيح المقطوع به: أن صلاة المأموم صحيحة خلف إمامه وإن كان إمامه مخطئاً في نفس الأمر , لما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يصلون لكم , فإن أصابوا فلكم ولهم وإن أخطأوا فلكم وعليهم) .
وكذلك إذا اقتدى المأموم بمن يقنت في الفجر أو الوتر قنت معه سواء قنت قبل الركوع أو بعده , وإن كان لا يقنت لم يقنت معه , ولو كان الإمام يرى استحباب شيء والمأمومون لا يستحبونه فتركه لأجل الاتفاق والائتلاف كان قد أحسن.
مثال ذلك: الوتر، فإن للعلماء فيه ثلاثة أقوال:
أحدهما: أنه لا يكون إلا بثلاث متصلة، كالمغرب، كقول من قاله من أهل العراق.
والثاني: أنه لا يكون إلا ركعة مفصولة عما قبلها كقول من قال ذلك من أهل الحجاز.
والثالث: أن الأمرين جائزان , كما هو ظاهر مذهب الشافعي وأحمد وغيرهما، وهو الصحيح، وإن كان هؤلاء يختارون فصله عما قبله.
فلو كان الإمام يرى الفصل فاختار المأمومون أن يصلي الوتر كالمغرب فوافقهم على ذلك تأليفاً لقلوبهم كان قد أحسن , كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة: (لولا أن قومَك حديثو عهد بجاهلية لنقضت الكعبة ولألصقتها بالأرض , ولجعلت لها بابين باباً يدخل الناس منه وباباً يخرجون منه) فترك الأفضل عنده لئلا ينفر الناس " انتهى.
" الفتاوى الكبرى " (2 / 476) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2136)
صلاة الوتر بعد أذان الفجر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم فيما إذا نوى المرء أن يصلي صلاة الوتر لكنه نام عنها أو لم ينتبه للوقت وهو يتناول طعام السحور؟ هل له أن يصلي الوتر حتى بعد أذان الفجر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ينتهي وقت صلاة الوتر بطلوع الفجر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صَلاة اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ الصُّبْحَ صَلَّى وَاحِدَةً فَأَوْتَرَتْ لَهُ مَا صَلَّى) رواه البخاري (472) .
وروى مسلم (754) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَوْتِرُوا قَبْلَ أَنْ تُصْبِحُوا) .
" فإذا أذن الفجر ولم يوتر الإنسان أَخَّره إلى الضحى بعد أن ترتفع الشمس فيصلي ما تيسر، يصلي ثنتين أو أربع أو أكثر، ثنتين ثنتين، فإذا كانت عادته ثلاثا ولم يصلها في الليل، صلاها الضحى أربعا بتسليمتين، فإذا كانت عادته خمسا ولم يتيسر له فعلها في الليل لمرض أو نوم أو غير ذلك صلاها الضحى ستا بثلاث تسليمات، وهكذا، لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يفعل ذلك، كان يوتر بإحدى عشرة، فإذا شغله مرض أو نوم صلاها من النهار ثنتي عشرة ركعة. هكذا قالت عائشة رضي الله عنها فيما رواه الشيخان البخاري ومسلم عنها، وهذا هو المشروع للأمة اقتداء به عليه الصلاة والسلام.
"مجموع فتاوى ابن باز" (11/300) .
وسئل الشيخ ابن باز أيضاً:
صلاة الوتر نهايتها هل هي عند ابتداء الأذان، أذان الفجر أم نهاية الأذان وإذا نام عنها هل تقضى وكيف؟
فأجاب:
" المشروع لكل مؤمن ومؤمنة الإيتار في كل ليلة ووقته ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر لما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى) وروى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي أنه قال: (أوتروا قبل أن تصبحوا) وخرج الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وصححه الحاكم عن خارجة بن حذافة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله أمدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم. قلنا: يا رسول الله ما هي؟ قال: الوتر، ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر) والأحاديث في هذا الباب كثيرة، وهي دالة على أن الوتر ينتهي بطلوع الفجر، وإذا لم يعلم المصلي طلوع الفجر اعتمد على المؤذن المعروف بتحري الوقت، فإذا أذن المؤذن الذي يتحرى وقت الفجر فاته الوتر، أما من أذن قبل الفجر فإنه لا يفوت بأذانه الوتر ولا يحرم به على الصائم الأكل والشرب، ولا يدخل به وقت صلاة الفجر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم) متفق على صحته. وكان ابن أم مكتوم رجلا أعمى لا ينادي حتى يقال له أصبحت أصبحت. وبما ذكرنا يتضح أن وقت الوتر ينتهي بأول الأذان إذا كان المؤذن يتحرى الصبح في أذانه، لكن إذا أذن المؤذن والمسلم في الركعة الأخيرة أكملها لعدم اليقين بطلوع الفجر بمجرد الأذان، ولا حرج في ذلك إن شاء الله.
ومن فاته الوتر شرع له أن يصلي عادته من النهار لكن يشفعها بركعة، فإذا كانت عادته ثلاثا صلى أربعا، وإذا كانت عادته خمسا صلى ستا، وهكذا يسلم من كل اثنتين، لما ثبت في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فاته وتره من الليل لمرض أو نوم صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة) وكانت عادته صلى الله عليه وسلم الغالبة الإيتار بإحدى عشرة ركعة، فإذا شغل عنها بمرض أو نوم صلى ثنتي عشرة ركعة، كما قالت عائشة رضي الله عنها، يسلم من كل اثنتين لما ثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله كم يصلي من الليل عشر ركعات يسلم من كل اثنتين ويوتر بواحدة) متفق على صحته؛ ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل والنهار مثنى مثنى) رواه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وأصله في الصحيحين بلفظ: (صلاة الليل مثنى مثنى) كما تقدم في أول هذا الجواب، والله ولي التوفيق " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (11/305-308) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: أحرص على الوتر في وقته الفاضل قبل طلوع الفجر؛ ولكن أحياناً لا أستطيع فعله قبل طلوع الفجر، فهل يجوز لي الوتر بعد طلوع الفجر؟
فأجاب:
" إذا طلع الفجر وأنت لم توتر فلا توتر، ولكن صل في النهار أربع ركعات إن كنت توتر بثلاث، وست ركعات إن كنت توتر بخمس وهكذا.
لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فاتته صلاة الليل صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (14/114) .
وقد جاء عن جماعة من الصحابة أنه لا حرج في صلاة الوتر بعد أذان الفجر إلى إقامة الصلاة، منهم: ابن مسعود، رواه النسائي (1667) وصححه الألباني في صحيح النسائي، وابن عباس، رواه مالك في "الموطأ" (255) ، وعبادة بن الصامت، رواه مالك في "الموطأ" أيضاً (257) رضي الله عنهم أجمعين.
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عمن نام عن صلاة الوتر؟
فأاب: " يصلي ما بين طلوع الفجر وصلاة الصبح، كما فعل ذلك عبد الله بن عمر وعائشة وغيرهما. وقد روى أبو داود في سننه عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من نام عن وتره أو نسيه فليصله إذا أصبح أو ذكر) . واختلفت الرواية عن أحمد هل يقضي شفعه معه؟ والصحيح أنه يقضي شفعه معه. وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، فإن ذلك وقتها) . وهذا يعم الفرض وقيام الليل والوتر والسنن الراتبة " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (2/240) .
فإذا فعل المسلم أي واحد من الأمرين فلا حرج عليه إن شاء الله تعالى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2137)
لا توجد صلاة سنة بعد فريضة الفجر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل توجد صلاة سنة بعد صلاة الفجر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس لصلاة الفجر صلاة سنة بعدها.
أما قبلها فلها سنة راتبة؛ ركعتان، وهي آكد السنن الرواتب، حتى كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يدعهما حضراً ولا سفرا. فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: (لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ النَّوَافِلِ أَشَدَّ مِنْهُ تَعَاهُدًا عَلَى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ) رواه البخاري (1163) ومسلم (724) .
وفي فضلها قال النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا) رواه مسلم (725) .
ويسن أن يقرأ المصلي فيهما بالكافرون والإخلاص؛ لما روى مسلم (726) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) وَ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) .
ومن فاتته سنة الفجر (القبلية) فله أن يصليها بعد صلاة الصبح.
ودليل ذلك ما رواه الترمذي (422) وأبو داود (1267) عَنْ قَيْسٍ بن عمرو قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُقِيمَتْ الصَّلاةُ، فَصَلَّيْتُ مَعَهُ الصُّبْحَ ثُمَّ انْصَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدَنِي أُصَلِّي، فَقَالَ: مَهْلا يَا قَيْسُ، أَصَلاتَانِ مَعًا؟! قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لَمْ أَكُنْ رَكَعْتُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ. قَالَ: فَلا إِذَنْ) . ولفظ أبي داود: (فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) والحديث صححه الألباني في صحيح الترمذي.
قال الخطابي:
" فِيهِ بَيَان أَنَّ لِمَنْ فَاتَتْهُ الرَّكْعَتَانِ قَبْل الْفَرِيضَة أَنْ يُصَلِّيهِمَا بَعْدهَا قَبْل طُلُوع الشَّمْس " انتهى من "عون المعبود".
وقال في "تحفة الأحوذي":
" (أَصَلاتَانِ مَعًا؟) الاسْتِفْهَامُ لِلإِنْكَارِ. أَيْ أَفَرْضَانِ فِي وَقْتِ فَرْضٍ وَاحِدٍ؟ إِذْ لا نَفْلَ بَعْدَ صَلاةِ الْفَجْرِ.
(فَلا إِذَنْ)
تَنْبِيهٌ: اِعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَلا إِذَنْ) مَعْنَاهُ: فَلا بَأْسَ عَلَيْك أَنْ تُصَلِّيَهُمَا حِينَئِذٍ , وَيَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ أَبِي دَاوُدَ بِلَفْظِ: (فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) , وَرِوَايَةُ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الأَنْصَارِ بِلَفْظِ: (فَلَمْ يَقُلْ لَهُ شَيْئًا) . قَالَ الْعِرَاقِيُّ: إِسْنَادُهُ حَسَنٌ , وَرِوَايَةُ اِبْنِ أَبِي شَيْبَةَ بِلَفْظِ: (فَلَمْ يَأْمُرْهُ وَلَمْ يَنْهَهُ) , وَرِوَايَةُ اِبْنِ حِبَّانَ بِلَفْظِ: (فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ) , وَالرِّوَايَاتُ بَعْضُهَا يُفَسِّرُ بَعْضًا " انتهى باختصار.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2138)
بدعة صلاة الرغائب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صلاة الرغائب سنة يستحب صلاتها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صلاة الرغائب من البدع المحدثة في شهر رجب، وتكون في ليلة أول جمعة من رجب، بين صلاتي المغرب والعشاء، يسبقها صيام الخميس الذي هو أول خميس في رجب.
وأول ما أُحدثت صلاة الرغائب ببيت المقدس، بعد ثمانين وأربعمائة سنة للهجرة، ولم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها، ولا أحد من أصحابه، ولا القرون المفضلة، ولا الأئمة، وهذا وحده كافٍ في إثبات أنها بدعة مذمومة، وليست سنة محمودة.
وقد حذر منها العلماء، وذكروا أنها بدعة ضلالة.
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (3/548) :
" الصلاة المعروفة بصلاة الرغائب , وهي ثنتا عشرة ركعة تصلى بين المغرب والعشاء ليلة أول جمعة في رجب , وصلاة ليلة نصف شعبان مائة ركعة وهاتان الصلاتان بدعتان ومنكران قبيحتان ولا يغتر بذكرهما في كتاب قوت القلوب , وإحياء علوم الدين , ولا بالحديث المذكور فيهما فإن كل ذلك باطل، ولا يغتر ببعض من اشتبه عليه حكمهما من الأئمة فصنف ورقات في استحبابهما فإنه غالط في ذلك , وقد صنف الشيخ الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل المقدسي كتابا نفيسا في إبطالهما فأحسن فيه وأجاد رحمه الله " انتهى.
وقال النووي – أيضاً - في "شرح مسلم":
" قاتل الله واضعها ومخترعها , فإنها بدعة منكرة من البدع التي هي ضلالة وجهالة وفيها منكرات ظاهرة. وقد صنف جماعة من الأئمة مصنفات نفيسة في تقبيحها وتضليل مصليها ومبتدعها ودلائل قبحها وبطلانها وتضليل فاعلها أكثر من أن تحصر " انتهى.
وقال ابن عابدين في "حاشيته" (2/26) :
" قال في "البحر": ومن هنا يعلم كراهة الاجتماع على صلاة الرغائب التي تفعل في رجب في أولى جمعة منه وأنها بدعة. . .
وللعلامة نور الدين المقدسي فيها تصنيف حسن سماه "ردع الراغب عن صلاة الرغائب" أحاط فيه بغالب كلام المتقدمين والمتأخرين من علماء المذاهب الأربعة " انتهى باختصار.
وسئل ابن حجر الهيتمي رحمه الله: هل تجوز صلاة الرغائب جماعة أم لا؟
فأجاب: " أما صلاة الرغائب فإنها كالصلاة المعروفة ليلة النصف من شعبان بدعتان قبيحتان مذمومتان وحديثهما موضوع فيكره فعلهما فرادى وجماعة " انتهى.
"الفتاوى الفقهية الكبرى" (1/216) .
وقال ابن الحاج المالكي في "المدخل" (1/294) :
" ومن البدع التي أحدثوها في هذا الشهر الكريم (يعني شهر رجب) : أن أول ليلة جمعة منه يصلون في تلك الليلة في الجوامع , والمساجد صلاة الرغائب , ويجتمعون في بعض جوامع الأمصار ومساجدها ويفعلون هذه البدعة ويظهرونها في مساجد الجماعات بإمام وجماعة كأنها صلاة مشروعة. . . . وأما مذهب مالك رحمه الله تعالى: فإن صلاة الرغائب مكروه فعلها، لأنه لم يكن من فعل من مضى , والخير كله في الاتباع لهم رضي الله عنهم " انتهى باختصار.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" فأما إنشاء صلاة بعدد مقدر وقراءة مقدرة في وقت معين تصلى جماعة راتبة كهذه الصلوات المسئول عنها: كصلاة الرغائب في أول جمعة من رجب، والألفية في أول رجب، ونصف شعبان. وليلة سبع وعشرين من شهر رجب، وأمثال ذلك فهذا غير مشروع باتفاق أئمة الإسلام , كما نص على ذلك العلماء المعتبرون ولا ينشئ مثل هذا إلا جاهل مبتدع , وفتح مثل هذا الباب يوجب تغيير شرائع الإسلام , وأخذ نصيب من حال الذين شرعوا من الدين ما لم يأذن به الله " انتهى.
"الفتاوى الكبرى" (2/239) .
وسئل شيخ الإسلام - أيضاً - عنها فقال:
" هذه الصلاة لم يصلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من الصحابة , ولا التابعين , ولا أئمة المسلمين , ولا رغب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم , ولا أحد من السلف , ولا الأئمة ولا ذكروا لهذه الليلة فضيلة تخصها. والحديث المروي في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم كذب موضوع باتفاق أهل المعرفة بذلك ; ولهذا قال المحققون: إنها مكروهة غير مستحبة " انتهى.
"الفتاوى الكبرى" (2/262) .
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (22/262) :
" نص الحنفية والشافعية على أن صلاة الرغائب في أول جمعة من رجب , أو في ليلة النصف من شعبان بكيفية مخصوصة , أو بعدد مخصوص من الركعات بدعة منكرة. . .
وقال أبو الفرج بن الجوزي: صلاة الرغائب موضوعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذب عليه. قال: وقد ذكروا على بدعيتهما وكراهيتهما عدة وجوه منها: أن الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الأئمة المجتهدين لم ينقل عنهم هاتان الصلاتان , فلو كانتا مشروعتين لما فاتتا السلف , وإنما حدثتا بعد الأربعمائة " انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2139)
هل يجوز أخذ نفقات الحج من والده؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن يدفع والدي نفقات الحج عني وعن زوجتي؟ وهل يجوز له أن يهديني التذكرتين ومصاريف الحج؟ وإذا اخترنا أيّاً من الطريقتين السابقتين فهل يصبح حجُّنا نافلة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا مانع من أن يتبرع محسنٌ بنفقات الحج لأحدٍ من الناس، ولا يشترط في صحة حج الفرض أو التطوع أن يكون من مال الحاج نفسه.
وإذا كان هذا التبرع لقريب: كان أكثر أجراً، وله مثل أجر حجته إن شاء الله، وما سيفعله والدكَ معك ومع زوجتك في التبرع بتكاليف حجكما أمرٌ يشكر عليه، وهو داخل في قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) المائدة/2.
ولا فرق بين الطريقتين اللتين ذكرتَهما في السؤال، وإذا لم تكونا حججتما من قبل فهذه الحجة تكون فريضة، ولا تكون نافلة من أجل تبرع والدك بالنفقات.
وقد سبق ذكر فتوى علماء اللجنة الدائمة في هذا في جواب السؤال رقم (36990) فلينظر.
وعلى والدِك المتبرع بهذه النفقات أن يكون قد حجَّ من قبْل؛ لأنه مخاطَبٌ بهذا.
ولا ينبغي أن يكون مؤخراً للحج ثم يعين غيره عليه، بل الأولى له أن يُبادر إلى الحج بنفسه، ثم إن فضل معه مال أعانكما به على الحج.
وقد سبق ذكر فتوى علماء اللجنة الدائمة في هذا في جواب السؤال رقم (36637) فلينظر.
ومما يدل على جواز الحج بغير مال الشخص نفسه: جواز دفع الزكاة للفقير ليحج، وهو داخل في قوله تعالى – عند تعداد المستحقين للزكاة – (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) التوبة/60، وهو شامل للجهاد والحج.
وقد سبق هذا في جواب السؤال رقم (40023) فلينظر.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2140)
هل تختلف صلاة الوتر عن صلاة الليل
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك فرق بين صلاة الوتر وصلاة الليل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صلاة الوتر هي من صلاة الليل، ومع ذلك فهناك فرق بينهما.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله:
" الوتر من صلاة الليل، وهو سنة، وهو ختامها، ركعة واحدة يختم بها صلاة الليل في آخر الليل، أو في وسط الليل، أو في أول الليل بعد صلاة العشاء، يصلي ما تيسر ثم يختم بواحدة " انتهى.
"فتاوى ابن باز" (11/309) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" والسنة قولاً وفعلاً قد فرقت بين صلاة الليل وبين الوتر، وكذلك أهل العلم فرقوا بينهما حكماً، وكيفية:
أما تفريق السنة بينهما قولاً: ففي حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً سال النبي صلى الله عليه وسلم كيف صلاة الليل؟ قال: (مثنى مثنى، فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة) رواه البخاري. وانظر "الفتح" (3/20) .
وأما تفريق السنة بينهما فعلاً: ففي حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وأنا راقدة معترضة على فراشه، فإذا أراد أن يوتر أيقظني فأوتر. رواه البخاري. وانظر: "الفتح" (2/487) ، ورواه مسلم (1/51) بلفظ: (كان يصلي صلاته بالليل وأنا معترضة بين يديه فإذا بقي الوتر أيقظها فأوترت) . وروى (1/508) عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر من ذلك بخمس لا يجلس في شيء إلا في آخرها) . وروى (1/513) عنها حين قال لها سعد بن هشام بن عامر: أنبئيني عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: (ويصلي تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة فيذكر الله ويحمده، ويدعوه، ثم ينهض ولا يسلم، ثم يقوم فيصلي التاسعة، ثم يقعد فيذكر الله، ويحمده، ويدعوه، ثم يسلم تسليماً يسمعنا) .
وأما تفريق العلماء بين الوتر وصلاة الليل حكماً: فإن العلماء اختلفوا في وجوب الوتر، فذهب أبو حنيفة إلى وجوبه، وهو رواية عن أحمد ذكرها في "الإنصاف" و "الفروع"، قال أحمد: من ترك الوتر عمداً فهو رجل سوء ولا ينبغي أن تقبل له شهادة.
والمشهور من المذهب أن الوتر سنة، وهو مذهب مالك؛ والشافعي.
وأما صلاة الليل فليس فيها هذا الخلاف، ففي "فتح الباري" (3/27) : "ولم أر النقل في القول بإيجابه إلا عن بعض التابعين. قال ابن عبد البر: شذ بعض التابعين فأوجب قيام الليل ولو قدر حلب شاة، والذي عليه جماعة العلماء أنه مندوب إليه " انتهى.
وأما تفريق العلماء بين الوتر وصلاة الليل في الكيفية: فقد صرح فقهاؤنا الحنابلة بالتفريق بينهما فقالوا: صلاة الليل مثنى مثنى، وقالوا في الوتر: إن أوتر بخمس، أو سبع لم يجلس إلا في آخرها، وإن أوتر بتسع جلس عقب الثامنة فتشهد، ثم قام قبل أن يسلم فيصلي التاسعة، ثم يتشهد ويسلم، هذا ما قاله صاحب "زاد المستقنع" " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (13/262-264) .
وبهذا يتبين أن صلاة الوتر من صلاة الليل، ولكنها تخالف صلاة الليل في بعض الفروقات، منها: الكيفية.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2141)
بيته بعيد عن المسجد فهل يصلي العشاء والتراويح مع أهله في البيت؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مبتعث للدراسة في دولة غربية وبرفقي زوجتي، والمسجد بعيد عن المنزل كثيراً ولا يوجد حولي مسلمون، فهل يجوز أن أصلي الفريضة والتراويح جماعة أنا وزوجتي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا: صلاة الجماعة واجبة في المسجد على المقيم والمسافر على حد سواء. راجع سؤال رقم (45815)
ثانيا: لا تجب صلاة الجماعة في المسجد إلا على من كان قريبا من المسجد، بحيث يسمع الأذان من المسجد بدون مكبرات الصوت، لما رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ أَعْمَى فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إِلَى الْمَسْجِدِ فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ فَرَخَّصَ لَهُ فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ فَقَالَ هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلاةِ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَأَجِبْ) رواه مسلم (653)
فمن كان بعيدا من المسجد بحيث لا يسمع النداء بلا مكبرات الصوت فلا تجب عليه صلاة الجماعة في المسجد. راجع سؤال رقم (20655) فإذا كان بيتك بعيدا عن المسجد بهذا الحد فلا حرج عليك من أداء الفريضة والتراويح في بيتك جماعة مع أهلك، بل هو أفضل عند الله من صلاتك وحدك.
والأجر يكثر في النوافل والفرائض بحسب كثرة المصلين في جماعة فيهما.
عن أبيِّ بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ... صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كثر فهو أحب إلى الله تعالى ". رواه النسائي (843) – وأبو داود (554) . انظر: " السلسلة الصحيحة " (1912) .
قال الشيخ ابن عثيمين:
فقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الرجل مع الرجل بأنها أزكى من صلاته وحده، وهذا يقتضي أنها أكثر أجراً.
" أسئلة الباب المفتوح " (السؤال رقم 1464) .
وللمزيد حول الجماعة في صلاة التراويح ينظر جواب السؤال: (21740) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2142)
شرع في صوم نافلة ثم دعي للأكل فأكل
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا نوى شخص أن يصوم نافلة ودعي للأكل عند زيارة بعض الأقارب فأكل، فهل عليه إثم أو عليه إعادة ذلك اليوم مادام قد نوى الصيام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا نوى المسلم صيام يوم وشرع فيه ثم أراد أن يفطر فله ذلك، لأن إتمام صوم النفل ليس بواجب، لكن يستحب له إتمامه إذا لم يكن له عذر، فإن كان هناك عذر أو مصلحة من إفطاره فلا حرج عليه حينئذ.
وقد دل على ذلك عدة أحاديث، منها:
1- روى مسلم (1154) عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ فَقُلْنَا لا قَالَ فَإِنِّي إِذَنْ صَائِمٌ ثُمَّ أَتَانَا يَوْمًا آخَرَ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أُهْدِيَ لَنَا حَيْسٌ فَقَالَ أَرِينِيهِ فَلَقَدْ أَصْبَحْتُ صَائِمًا فَأَكَلَ.
(الْحَيْس) نوع من الطعام معروف.
قال النووي:
فِيه التَّصْرِيحُ بِالدَّلالَةِ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيّ وَمُوَافِقِيهِ فِي أَنَّ صَوْم النَّافِلَة يَجُوز قَطْعُهُ , وَالأَكْل فِي أَثْنَاء النَّهَار, وَيَبْطُلُ الصَّوْمُ , لأَنَّهُ نَفْلٌ , فَهُوَ إِلَى خِيَرَة الإِنْسَان فِي الابْتِدَاء , وَكَذَا فِي الدَّوَام , وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة وَأَحْمَد وَإِسْحَاق وَآخَرُونَ , وَلَكِنَّهُمْ كُلّهمْ وَالشَّافِعِيّ مَعَهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى اِسْتِحْبَاب إِتْمَامه , وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَمَالِك: لا يَجُوزُ قَطْعُهُ وَيَأْثَم بِذَلِكَ , وَبِهِ قَالَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ وَمَكْحُول وَالنَّخَعِيّ , وَأَوْجَبُوا قَضَاءَهُ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ بِلا عُذْرٍ , قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ: وَأَجْمَعُوا عَلَى أَلا قَضَاءَ عَلَى مَنْ أَفْطَرَهُ بِعُذْرٍ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ.
2- روى أحمد (26353) عَنْ أُمِّ هَانِئٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا فَدَعَا بِشَرَابٍ فَشَرِبَ ثُمَّ نَاوَلَهَا فَشَرِبَتْ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَا إِنِّي كُنْتُ صَائِمَةً فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّائِمُ الْمُتَطَوِّعُ أَمِيرُ نَفْسِهِ إِنْ شَاءَ صَامَ وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ. صححه الألباني في صحيح الجامع (3854)
قال في تحفة الأحوذي عقب هذا الحديث:
وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِمَنْ صَامَ تَطَوُّعًا أَنْ يُفْطِرَ لا سِيَّمَا إِذَا كَانَ فِي دَعْوَةٍ إِلَى طَعَامِ أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ اهـ.
3- وأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عن أبي سعيد الخدري قَالَ: صَنَعْت لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا فَلَمَّا وُضِعَ قَالَ رَجُلٌ أَنَا صَائِمٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (دَعَاك أَخُوك وَتَكَلَّفَ لَك , أَفْطِرْ فَصُمْ مَكَانَهُ إِنْ شِئْت) . قَالَ الْحَافِظُ: إِسْنَادُهُ حَسَنٌ اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2143)
الكيفيات الواردة لصلاة الوتر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما أفضل كيفية لأداء صلاة الوتر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صلاة الوتر من أعظم القربات إلى الله تعالى، حتى رأى بعض العلماء – وهم الحنفية – أنها من الواجبات، ولكن الصحيح أنها من السنن المؤكدة التي ينبغي على المسلم المحافظة عليها وعدم تركها.
قال الإمام أحمد رحمه الله: " من ترك الوتر فهو رجل سوء لا ينبغي أن تقبل له شهادة "
وهذا يدل على تأكد صلاة الوتر.
ويمكن أن نلخص الكلام عن كيفية صلاة الوتر في النقاط التالية:
وقته:
ويبدأ من حين أن يصلي الإنسان العشاء، ولو كانت مجموعة إلى المغرب تقديماً إلى طلوع الفجر، لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَمَدَّكُمْ بِصَلاةٍ وهي الْوِتْرُ جَعَلَهُ اللَّهُ لَكُمْ فِيمَا بَيْنَ صَلاةِ الْعِشَاءِ إِلَى أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ) رواه الترمذي (425) وصححه الألباني في صحيح الترمذي
وهل الأفضل تقديمه أول الوقت أو تأخيره؟
دلت السنة على أن من طمع أن يقوم من آخر الليل فالأفضل تأخيره، لأن صلاة آخر الليل أفضل، وهي مشهودة، ومن خاف أن لا يقوم آخر الليل أوتر قبل أن ينام لحديث جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ خَافَ أَنْ لا يَقُومَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ أَوَّلَهُ وَمَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَهُ فَلْيُوتِرْ آخِرَ اللَّيْلِ فَإِنَّ صَلاةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَشْهُودَةٌ وَذَلِكَ أَفْضَلُ) رواه مسلم (755)
قال النووي: وهذا هو الصواب، ويُحمل باقي الأحاديث المطلقة على هذا التفضيل الصحيح الصريح، فمن ذلك حديث: (أوصاني خليلي أن لا أنام إلا على وتر) . وهو محمول على من لا يثق بالاستيقاظ. اهـ. شرح مسلم (3/277)
عدد ركعاته:
أقل الوتر ركعة. لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْوِتْرُ رَكْعَةٌ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ) رواه مسلم (752) وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (صَلاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمْ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى) رواه البخاري (911) ومسلم (749) ، فإذا اقتصر الإنسان عليها فقد أتى بالسنة ... ويجوز الوتر بثلاث وبخمس وبسبع وبتسع.
فإن أوتر بثلاث فله صفتان كلتاهما مشروعة:
الأولى: أن يسرد الثلاث بتشهد واحد. لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: " كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يسلّم في ركعتي الوتر "، وفي لفظ " كان يوتر بثلاث لا يقعد إلا في آخرهن " رواه النسائي (3/234) والبيهقي (3/31) قال النووي في المجموع (4/7) رواه النسائي بإسناد حسن، والبيهقي بإسناد صحيح. اهـ.
الثانية: أن يسلّم من ركعتين ثم يوتر بواحدة. لما ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه كان يفصل بين شفعه ووتره بتسليمة، وأخبر أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يفعل ذلك. رواه ابن حبان (2435) وقال ابن حجر في الفتح (2/482) إسناده قوي. اهـ.
أما إذا أوتر بخمس أو بسبع فإنها تكون متصلة، ولا يتشهد إلا تشهداً واحداً في آخرها ويسلم، لما روت عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر من ذلك بخمس لا يجلس في شيء إلا في آخرها. رواه مسلم (737)
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوتر بخمس وبسبع ولا يفصل بينهن بسلام ولا كلام. رواه أحمد (6/290) النسائي (1714) وقال النووي: سنده جيد. الفتح الرباني (2/297) ، وصححه الألباني في صحيح النسائي
وإذا أوتر بتسع فإنها تكون متصلة ويجلس للتشهد في الثامنة ثم يقوم ولا يسلم ويتشهد في التاسعة ويسلم. لما روته عائشة رضي الله عنها كما في مسلم (746) أن النبي صلى الله كان َيُصَلِّي تِسْعَ رَكَعَاتٍ لا يَجْلِسُ فِيهَا إِلا فِي الثَّامِنَةِ فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ ثُمَّ يَنْهَضُ وَلا يُسَلِّمُ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّ التَّاسِعَةَ ثُمَّ يَقْعُدُ فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمًا يُسْمِعُنَا)
وإن أوتر بإحدى عشرة، فإنه يسلم من كل ركعتين، ويوتر منها بواحدة.
أدنى الكمال فيه وما يقرأ منه:
أدنى الكمال في الوتر أن يصلي ركعتين ويسلّم، ثم يأتي بواحدة ويسلم، ويجوز أن يجعلها بسلام واحد، لكن بتشهد واحد لا بتشهدين، كما سبق.
ويقرأ في الركعة الأولى من الثلاث سورة (سبح اسم ربك الأعلى) كاملة. وفي الثانية: الكافرون. وفي الثالثة: الإخلاص.
روى النسائي (1729) عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْوِتْرِ بِسَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى وَقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) . وصححه الألباني في صحيح النسائي.
فكل هذه الصفات في صلاة الوتر قد جاءت بها السنة، والأكمل أن لا يلتزم المسلم صفة واحدة، بل يأتي بهذه الصفة مرة وبغيرها أخرى.. وهكذا. حتى يكون فعل السنن جميعها.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2144)
أذن المؤذن للفجر وهو يصلي الوتر
[السُّؤَالُ]
ـ[أستيقظ قبل الفجر بقليل، وقد يؤذن الفجر ولم أكمل الوتر، أو أكون في حالة دعاء، فهل أسجد أو لا أقنت؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سبق في السؤال (46544) ، (32577) أن وقت صلاة الوتر من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر.
وإذا أذن المؤذن لصلاة الفجر وأنت في صلاة الوتر، فقد قال الشيخ ابن باز رحمه الله:
"المشروع لكل مؤمن ومؤمنة الإيتار في كل ليلة، ووقته ما بين صلة العشاء إلى طلع الفجر، لما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: (صَلاة اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ الصُّبْحَ صَلَّى رَكعةً وَاحِدَةً تُوتِرُ لَهُ مَا صَلَّى) . . . .
والأحاديث في هذا الباب كثيرة، وهي دالة على أن الوتر ينتهي بطلوع الفجر، وإذا لم يعلم المصلي طلوع الفجر اعتمد على المؤذن المعروف بتحري الوقت، فإذا أذن المؤن الذي يتحرى وقت الفجر فاته الوتر، أما من أذن قبل الفجر فإنه لا يفوت بأذانه الوتر، ولا يحرم به على الصائم الأكل والشرب، ولا يدخل به وقت صلاة الفجر. . . .
وبما ذكرنا يتضح أن وقت الوتر ينتهي بأول الأذان إذا كان المؤذن يتحرى الصبح في أذانه، لكن إذا أذن المؤذن والمسلم في الركعة الأخيرة أكملها لعدم اليقين بطلوع الفجر بمجرد الأذان، ولا حرج في ذلك إن شاء الله" اهـ
"مجموع فتاوى ابن باز" (11/305) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن رجل يصلي الوتر وأثناء صلاته أذن المؤذن لصلاة الفجر، فهل يتم صلاته؟
فأجاب: "نعم، إذا أذن وهو أثناء الوتر فإنه يتم صلاته ولا حرج عليه" اهـ.
فتاوى ابن عثيمين (14/115) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2145)
كيف تصلى صلاة النهار الرباعية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[عن صلاة النافلة التي قبل الظهر وقبل العصر، هل تصلى بأربع ركعات وتسليمة واحدة أم كل ركعتين بتسليمة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ذهب جمهور العلماء إلى أن الأفضل في نافلة الليل والنهار أن تصلى ركعتين ركعتين، بل ذهب بعض العلماء كالإمام أحمد إلى وجوب ذلك، وأنها لا تصح إذا صلاها أكثر من ركعتين بتسليم واحد، إلا الوتر لورود السنة الصحيحة بذلك.
وقد استدلوا على هذا بحديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " صلاة الليل والنهار مثنى مثنى ". رواه الترمذي (597) وأبو داود (1295) والنسائي (1666) وابن ماجه (1322) . والحديث صححه الشيخ الألباني في " تمام المنَّة " (ص 240) .
ومعنى (مثنى مثنى) أي: ركعتين ركعتين. كذا فسره ابن عمر رضي الله عنهما
ففي صحيح مسلم عن عقبة بن حريث قال: قلت لابن عمر: ما معني مثنى مثنى؟ قال: تسلم من كل ركعتين.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين:
قوله: " مثنى مثنى " يعني: اثنتين اثنتين فلا يُصلِّي أربعاً جميعاً، وإنما يُصلِّي اثنتين اثنتين، لما ثبت في " صحيح البخاري ومسلم " مِن حديث ابن عُمرَ أنَّ رَجُلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما ترى في صلاةِ اللَّيلِ؟ قال: " مَثْنى مَثْنى، فإذا خَشِيَ أحدُكم الصّبحَ صَلَّى واحدةً فأوترت له ما قد صَلَّى ".
وأما " النَّهار ": فقد رواه أهل السُّنَن، واختلف العلماءُ في تصحيحه:
والصَّحيح: أنَّه ثابتٌ كما صَحَّح ذلك البخاريُّ، وعلى هذا: فتكون صلاةُ الليلِ وصلاةُ النَّهارِ كلتاهما مَثْنى مَثْنى يُسَلِّمُ مِن كُلِّ اثنتين، ويُبْنَى على هذه القاعدة كُلُّ حديثٍ وَرَدَ بلفظ الأربع مِن غير أن يُصرِّحَ فيه بنفي التَّسليم، أي: أنَّه إذا جاءك حديثٌ فيه أربع؛ ولم يُصرِّحْ بنفي التَّسليم: فإنه يجب أنْ يُحملَ على أنَّه يُسَلِّمُ مِن كُلِّ رَكعتين، لأنَّ هذه هي القاعدة، والقاعدةُ تُحْمَلُ الجزئيات عليها، فقول عائشة لما سُئلت عن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان: " ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة، يُصَلِّي أربعاً، فلا تسأل عن حُسنِهِنَّ وطُولِهِنَّ "، ظاهره: أنَّ الأربع بسلام واحد، ولكن يُحمل هذا الظَّاهر على القاعدة العامَّة، وهي أنَّ صلاة الليل مَثْنى مَثْنى، كما ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويُقال: إنها ذكرتْ أربعاً وحدها، ثم أربعاً وحدها؛ لأنَّه صَلَّى أربعاً ثم استراح، بدليل " ثم " التي للترتيب والمهلة.
" الشرح الممتع " (4 / 76، 77) .
وحديث ابن عمر بوَّب عليه ابن خزيمة - في صحيحه (2 / 214) - بقوله " باب التسليم في كل ركعتين من صلاة التطوع صلاة الليل والنهار جميعا "، وأعقبه بباب " باب ذكر الأخبار المنصوصة والدالة على خلاف قول من زعم أن تطوع النهار أربعاً لا مثنى " - وساق أدلة كثيرة على أن تطوع النهار ركعتين ركعتين -.
ويحمل حديث " رحم الله من صلى قبل العصر أربعاً " على ما سبق من كونها ركعتين ركعتين.
قال ابن حبان:
وقوله صلى الله عليه وسلم " أربعا ": أراد به: بتسليمتين؛ لأن في خبر يعلى بن عطاء عن علي بن عبد الله الأزدي عن ابن عمر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم " صلاة الليل والنهار مثنى مثنى ". " صحيح ابن حبان " (6 / 206) ، وقال مثل هذا - في (6 / 231) - في الأربع التي بعد صلاة الجمعة.
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله:
" المشروع للمسلم أن يصلي النافلة مثنى مثنى ليلاً ونهاراً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم " صلاة الليل مثنى مثنى) متفق على صحته، وفي رواية صحيحة: (صلاة الليل والنهار مثنى مثنى) خرجها الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح
مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (11/390)
وانظر جواب السؤال رقم (1048) لمعرفة تفصيل صلوات الرواتب.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2146)
صلاة النافلة جماعة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن أصلي صلاة النافلة جماعة، مثل: قيام الليل أو صلاة الضحى؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في صلاة النافلة جماعةً، لكن لا يفعل ذلك باستمرار، وإنما يفعله أحياناً.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" صلاة التطوع في جماعة نوعان: أحدهما: ما تسن له الجماعة الراتبة كالكسوف والاستسقاء وقيام رمضان , فهذا يفعل في الجماعة دائما كما مضت به السنة. الثاني: ما لا تسن له الجماعة الراتبة كقيام الليل , والسنن الرواتب , وصلاة الضحى , وتحية المسجد ونحو ذلك. فهذا إذا فعل جماعة أحيانا جاز. وأما الجماعة الراتبة في ذلك فغير مشروعة بل بدعة مكروهة , فإن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين لم يكونوا يعتادون الاجتماع للرواتب على ما دون هذا. والنبي صلى الله عليه وسلم إنما تطوع في ذلك في جماعة قليلة أحيانا فإنه كان يقوم الليل وحده ; لكن لما بات ابن عباس عنده صلى معه , وليلة أخرى صلى معه حذيفة , وليلة أخرى صلى معه ابن مسعود , وكذلك صلى عند عتبان بن مالك الأنصاري في مكان يتخذه مصلى صلى معه , وكذلك صلى بأنس وأمه واليتيم. وعامة تطوعاته إنما كان يصليها منفردا " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (23/414) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم صلاة النافلة جماعة، مثل صلاة الضحى؟
فأجاب:
" صلاة النافلة جماعة أحياناً لا بأس بها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى جماعة في أصحابه في بعض الليالي، فصلى معه ذات مرة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وصلى معه مرة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وصلى معه مرة حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، أما حذيفة فأخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بالبقرة والنساء وآل عمران، لا يمر بآية وعيد إلا تعوذ، ولا بآية رحمة إلا سأل، وأما عبد الله بن مسعود فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فأطال النبي صلى الله عليه وسلم القيام، قال عبد الله بن مسعود: حتى هممت بأمر سوء. قيل: وما أمر السوء الذي هممت به؟ قال: أن أجلس وأدعه، وذلك من طول قيامه عليه الصلاة والسلام. وأما عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فإنه قام يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الليل عن يساره، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم برأسه فجعله عن يمينه.
والحاصل: أنه لا بأس أن يصلي الجماعة بعض النوافل جماعة، ولكن لا تكون هذه سنة راتبة كلما صلوا السنة صلوها جماعة؛ لأن هذا غير مشروع " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (14/334) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2147)
حكم صلاة الوتر على هيئة المغرب
[السُّؤَالُ]
ـ[بالنسبة لصلاة التراويح بعض الأئمة يصلون الوتر ثلاث ركعات متصلة بتشهدين وتسليمة واحدة (مثل المغرب تماماً) فهل هذا صحيح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى الوتر على وجوهٍ متعددة، وقد صلَّى ركعة واحدة، وثلاث، وخمس، وسبع، وتسع، وقد صلَّى الثلاث على صفتين: إما أن يسردها سرداً بتشهد واحد، أو أنه يسلِّم من ركعتين، ثم يصلي واحدة ويسلِّم منها، ولم يكن يصليها كالمغرب – بتشهدين وسلام – بل قد نهى عن ذلك، فقال: " لا توتروا بثلاث تشبهوا المغرب " رواه الحاكم (1 / 304) والبيهقي (3 / 31) والدارقطني (ص 172) ، وقال الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " (4 / 301) : إسناده على شرط الشيخين.
قال الشيخ محمد الصالح العثيمين:
فيجوزُ الوِترُ بثلاثٍ، ويجوزُ بخمسٍ، ويجوزُ بسبعٍ، ويجوزُ بتسعٍ، فإنْ أوترَ بثلاثٍ فله صِفتان كِلتاهُما مشروعة:
الصفة الأولى: أنْ يَسْرُدَ الثَّلاثَ بِتَشهدٍ واحدٍ.
الصفة الثانية: أنْ يُسلِّمَ مِن رَكعتين، ثم يُوتِرَ بواحدة.
كلُّ هذا جَاءت به السُّنةُ، فإذا فَعَلَ هذا مرَّةً، وهذا مرَّةً: فَحَسَنٌ.
...
ويجوز أن يجعلها بسلام واحدٍ، لكن بتشهُّدٍ واحدٍ لا بتشهُّدين؛ لأنه لو جعلها بتشهُّدين لأشبهت صلاةَ المغربِ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تُشَبَّهَ بصلاةِ المغربِ.
" الشرح الممتع " (4 / 14 – 16) .
وانظر – للمزيد – جواب السؤال رقم (26844) و (3452) – وفيه تفصيل جيد ومطول حول القيام والوتر -.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2148)
هل يكثر من الطواف أم الصلاة في المسجد الحرام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الأفضل لمن كان بمكة أن يكثر من الصلاة في المسجد الحرام أم يكثر من الطواف؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الصلاة في المسجد الحرام والطواف بالكعبة كلاهما له فضل عظيم، روى أحمد (14284) وابن ماجه (1406) عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (صَلاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلاةٍ فِيمَا سِوَاهُ) . قال الحافظ: رجال إسناده ثقات اهـ وصححه الألباني في إرواء الغليل (1129) .
وروى الترمذي (959) عَنْ عبد الله بْن عُمَرَ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ أُسْبُوعًا (أي سبعة أشواط) فَأَحْصَاهُ كَانَ كَعِتْقِ رَقَبَةٍ، لا يَضَعُ قَدَمًا وَلا يَرْفَعُ أُخْرَى إِلا حَطَّ اللَّهُ عَنْهُ خَطِيئَةً وَكَتَبَ لَهُ بِهَا حَسَنَةً) . صححه الألباني في صحيح الترمذي.
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: هل الأحسن للمقيم بمكة الطواف بالبيت أم الصلاة؟
فأجاب:
. . أما تفضيل الصلاة على الطواف أو الطواف على الصلاة فهذا محل نظر (أي فيه تفصيل) ، فقد ذكر جمع من أهل العلم أن الغريب الأفضل له أن يكثر من الطواف، لأن الصلاة يمكنه الإتيان بها في كل مكان، ولا تختص بالمسجد الحرام، أما الطواف فلا يحصل له الطواف إلا بمكة، وهو ليس مقيماً في مكة بل سوف يخرج ويبتعد عنها فاغتنامه الطواف أولى.
أما المقيم بمكة فالصلاة له أفضل لأن جنس الصلاة أفضل من جنس الطواف، فإذا أكثر من الصلاة كان أفضل اهـ بتصرف.
مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (16/367) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2149)
الاضطجاع بعد ركعتي الفجر
[السُّؤَالُ]
ـ[قبل صلاة الفجر بعض المصلين يقرءون في أنفسهم أذكارا وما شابه ذلك وبعد ذلك يضجع على جنبه الأيمن لمدة أقل من دقيقة. فما حكم ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الاضطجاع بعد ركعتي الفجر سنة؛ لما روى البخاري (626) عن عائشة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سكت المؤذن بالأولى من صلاة الفجر قام فركع ركعتين خفيفتين قبل صلاة الفجر بعد أن يستبين الفجر ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن للإقامة) .
ورواه مسلم (736) بأتم من هذا، ولفظه: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء وهي التي يدعو الناس العتمة إلى الفجر إحدى عشرة ركعة يسلم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة، فإذا سكت المؤذن من صلاة الفجر وتبين له الفجر وجاءه المؤذن، قام فركع ركعتين خفيفتين ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن للإقامة) .
وجاء في بعض الروايات أن الاضطجاع قبل أذان الفجر. قال النووي رحمه الله في شرحه على مسلم:
(والصحيح أو الصواب أن الاضطجاع بعد سنة الفجر؛ لحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر فليضطجع على يمينه) رواه أبو داود والترمذي بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم. قال الترمذي هو حديث حسن صحيح. فهذا حديث صحيح صريح في الأمر بالاضطجاع، وأما حديث عائشة بالاضطجاع بعدها وقبلها وحديث ابن عباس قبلها فلا يخالف هذا، فإنه لا يلزم من الاضطجاع قبلها أن لا يضطجع بعدُ، ولعله صلى الله عليه وسلم ترك الاضطجاع بعدها في بعض الأوقات بيانا للجواز لو ثبت الترك، ولم يثبت، فلعله كان يضطجع قبل وبعد. وإذا صح الحديث في الأمر بالاضطجاع بعدها مع روايات الفعل الموافقة للأمر به تعين المصير إليه، وإذا أمكن الجمع بين الأحاديث لم يجز رد بعضها، وقد أمكن بطريقين أشرنا إليهما أحدهما: أنه اضطجع قبل وبعد. والثاني: أنه تركه بعدُ في بعض الأوقات لبيان الجواز. والله أعلم) انتهى كلامه رحمه الله.
قال الحافظ:
وذهب بعض السلف إلى استحبابه في البيت دون المسجد وهو محكي عن ابن عمر، وقواه بعض شيوخنا بأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله في المسجد، وصح عن ابن عمر أن كان يحصب [أي يرمي بالحصى] من يفعله في المسجد. أخرجه ابن أبي شيبة اهـ
وقال الشيخ ابن عثيمين بعد أن ذكر اختلاف العلماء في حكم هذا الاضطجاع:
والصحيح هو ما قاله شيخ الإسلام أنه إذا كان الإنسان متعباً من تهجده فإنه يستريح يضطجع على جنبه الأيمن، وهذا بشرط ألا يخشى أن تغلبه النوم فتفوته الصلاة، فإن خشي فلا ينم. اهـ شرح رياض الصالحين (3/287) .
فالحكمة من هذا الاضطجاع الاستراحة من تعب قيام الليل حتى يجدد نشاطه لصلاة الفجر، وعلى هذا فما يفعله بعض الناس من الاضطجاع أقل من دقيقة كما ورد في السؤال لا يحصل به المقصود، ثم هو خلاف السنة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضطجع حتى يأتيه المؤذن لإقامة الصلاة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2150)
هل هناك نص يحدد تحية المسجد بثلاثة الصفوف الأولى من المسجد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك نص يحدد تحية المسجد بثلاثة الصفوف الأولى من المسجد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا نعلم لهذا الكلام أصلاً، وتحية المسجد تُصلى في أي مكان في المسجد، ولا تخص ذلك بالصفوف الثلاثة الأولى.
والأمر سهل فحيثما تيسر للمسلم الصلاة في أي مكان من المسجد فليصل.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2151)
متى ينتهي وقت صلاة الوتر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[متى ينتهي وقت الشفع والوتر؟ وأتعمد أن أؤخرها حتى أدرك تكبيرة الفجر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
وقت صلاة الوتر من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر.
راجع السؤال (46544) .
فإذا طلع الفجر خرج وقتها، بدليل قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَوْتِرُوا قَبْلَ أَنْ تُصْبِحُوا) رواه مسلم (754) .
وروى مسلم (750) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (بَادِرُوا الصُّبْحَ بِالْوِتْرِ) .
وروى مسلم (752) أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (الْوِتْرُ رَكْعَةٌ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ) .
وروى الترمذي (469) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ فَقَدْ ذَهَبَ كُلُّ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَالْوِتْرُ، فَأَوْتِرُوا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ) صححه الألباني في صحيح الترمذي.
وروى البخاري (472) ومسلم (749) أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (صَلَاة اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ الصُّبْحَ صَلَّى وَاحِدَةً فَأَوْتَرَتْ لَهُ مَا صَلَّى) .
قال الشيخ ابن عثيمين:
"فدل على أن الوتر ينتهي وقته بطلوع الفجر، ولأنه صلاة تختم به صلاة الليل فلا تكون بعد انتهائه" اهـ. مجموع فتاوى ابن عثيمين (14/115) .
وذهب بعض العلماء إلى أن وقته يمتد بعد طلوع الفجر حتى يصلي الصبح، واستدلوا بما ورد عن بعض الصحابة أنهم صلوا الوتر بعد طلوع الفجر وقبل إقامة الصلاة.
قال ابن رشد القرطبي:
وأما وقته - أي: الوتر -: فإن العلماء اتفقوا على أن وقته من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر لورود ذلك من طرق شتى عنه عليه الصلاة والسلام، ومن أثبت ما في ذلك ما خرجه مسلم عن أبي نضرة العوفي أن أبا سعيد أخبرهم أنهم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن الوتر فقال " الوتر قبل الصبح " واختلفوا في جواز صلاته بعد الفجر، فقوم منعوا ذلك، وقوم أجازوه ما لم يصل الصبح، وبالقول الأول قال أبو يوسف ومحمد بن الحسن صاحبا أبي حنيفة وسفيان الثوري، وبالثاني قال الشافعي ومالك وأحمد. وسبب اختلافهم معارضة عمل الصحابة في ذلك بالآثار ...
والذي عندي في هذا: أن هذا من فعلهم ليس مخالفا للآثار الواردة في ذلك - أعني: في إجازتهم الوتر بعد الفجر - بل إجازتهم ذلك هو من باب القضاء لا من باب الأداء، وإنما يكون قولهم خلاف الآثار لو جعلوا صلاته بعد الفجر من باب الأداء فتأمل هذا ... " بداية المجتهد " (1 / 147، 148) .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله:
والأحاديث في هذا الباب كثيرة، وهي دالة على أن الوتر ينتهي بطلوع الفجر. فتاوى الشيخ ابن باز (11/306) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2152)
هل يمكن الجمع بين عدة أمور في صلاة استخارة واحدة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن أن أجمع بين عدة أمور في صلاة استخارة واحدة , أم يحتاج كل أمر إلى ركعتي استخارة , وإذا أمكن ذلك , كيف يكون؟ مثلاً , شراء سيارة وشراء منزل وزواج , هل يمكن أن يجمع كل هذه الأمور في ركعتي استخارة فقط , أم كل أمر يحتاج ركعتين، فيصلي ركعتين، ركعتين، ركعتين، وفي كل ركعتين يستخير في أمر واحد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الاستخارة دعاء يطلب فيه العبد من الرب عز وجل أن يختار له خير الأمرين، والدعاء باب واسع في الشريعة الإسلامية يجوز للمسلم أن يسأل الله تعالى فيه جميع حاجاته، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستحب جوامع الأدعية؛ وهي التي تجمع المعاني الكثيرة، في كلمات قليلة.
ولا يظهر ما يمنع من ذكر أكثر من حاجة في استخارته، بعد أن يصلي ركعتين؛ ويكون قد صدق عليه أن صلى ركعتين، ثم دعا بحاجته بعدهما، وإن كان الأفضل أن يخص كل حاجة له بصلاة ودعاء.
سئل الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله:
هل يستخار لأكثر من أمر في صلاة واحدة؟
فأجاب:
يجوز ذلك، وتجعل الصلاة وسيلة للدعاء بعدها، فلا مانع من كون الاستخارة بعد الصلاة في حاجتين أو أكثر، فيقول في الدعاء بعد المقدمة: اللهم إن كانت الحاجة الفلانية، والحاجة الفلانية خيرا لي، ويقول: فيسرهما ... إلخ.
" فتاوى في صلاة الاستخارة " (السؤال رقم 12) .
http://ibn-jebreen.com/book.php?cat=6&book=9&toc=319&page=304&subid=1289
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2153)
لا يصلي أحدٌ صلاة الاستخارة عن أحد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن يصلي أحد عني صلاة استخارة لي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز لأحد أن يصلي الاستخارة عن أحد.
جاء في لقاء "الباب المفتوح" للشيخ بن عثيمين رقم (83) : "الاستخارة لا تجوز إلا ممن أراد وهمَّ، ولا يصلح أن يستخير لغيره حتى لو وكله وقال: استخر الله لي؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين ثم يقول:.... وذكر الحديث) كما أنه لو دخل اثنان المسجد وقال أحدهما للآخر: صَلِّ عني ركعتين تحية المسجد وأنا سأجلس، لا يصح هذا، فصلاة الاستخارة متعلقة بنفس المستخير الذي يريد أن يفعل" انتهى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2154)
أمامه عدة خيارات، فكيف يستخير؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب سعودي في كندا أود إكمال دراستي للماجستير في الهندسة وأنا محتار في خمس تخصصات للماجستير ألا وهي 1- التخطيط العمراني 2- التصميم العمراني 3-الإسكان 4-التطوير العقاري 5-إدارة العمران سؤالي: هل أصلي صلاة استخارة واحدة وأذكر جميع التخصصات أو خمس صلوات متتالية لكل تخصص؟ أرجو الإجابة مع التوضيح وجزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
معنى الاستخارة أن يستخير المسلم ربه ليختار له أصلح الأمرين في دينه ودنياه.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" والاستخارة معناها طلب خير الأمرين " انتهى.
"شرح رياض الصالحين" (ص/ 792) .
وقال في "تاج العروس" (11 / 250) :
" وفي حديث الاستخارة: (اللَّهُمَّ خِرْ لِي) أَي: اختَرْ لِي أَصْلَحَ الأَمْرَيْن " انتهى.
والأصل في صلاة الاستخارة أنها تكون في أمر واحد يفعله الإنسان أو يتركه.
وعلى هذا، فعليك أن تنظر في هذه الخيارات، وتقلب فيها الرأي، وتستشير أهل الخبرة والمعرفة والعقل، حتى يترجح لديك أمر واحد، فتصلى له الاستخارة.
" قَالَ النَّوَوِيُّ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَشِيرَ قَبْلَ الِاسْتِخَارَةِ مَنْ يَعْلَمُ مَنْ حَالِهِ النَّصِيحَةَ وَالشَّفَقَةَ وَالْخِبْرَةَ , وَيَثِقُ بِدِينِهِ وَمَعْرِفَتِهِ. قَالَ تَعَالَى: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) وَإِذَا اسْتَشَارَ وَظَهَرَ أَنَّهُ مَصْلَحَةٌ , اسْتَخَارَ اللَّهَ تَعَالَى فِي ذَلِكَ " انتهى.
"الموسوعة الفقهية" (3/243) .
وقال الدكتور محمد بن عبد العزيز المسند:
" إذا أراد المسلم أن يقوم بعمل وليس أمامه سوى خيار واحد فقط قد همّ بفعله فليستخر الله على الفعل ثم ليقدم عليه، فإن كان قد همّ بتركه فليستخر على الترك، أمّا إن كان أمامه عدّة خيارات فعليه أوّلاً بعد أن يستشير من يثق به من أهل العلم والاختصاص أن يحدّد خياراً واحداً فقط من هذه الخيارات، فإذا همّ بفعله قدّم بين يدي ذلك الاستخارة " انتهى.
فإذا استخرت على واحد من تلك الخيارات، فلم يقدر الله اختياره لك فانتقل إلى ما يليه واستخر الله تعالى بعد النظر والاستشارة.
وإذا استخرت مرة لكل واحد من هذه الأمور (فتكرر الاستخارة خمس مرات) ، ثم تعزم على إحداها فلا يظهر لنا ما يمنع ذلك.
والله أعلم.
ولمزيد الفائدة عن صلاة الاستخارة راجع جواب السؤال: (112151) و (11981) و (2217) .
ونسأل الله لك التوفيق والسداد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2155)
هل قوله في الاستخارة: "اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر" يعني تشكيكا في علم الله؟
[السُّؤَالُ]
ـ[في دعاء الاستخارة المروي عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم وردت هذه الجملة (اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر ويسمي الإنسان حاجته..........إلى آخر الدعاء) هل في قول (إن كنت تعلم) تشكيك في علم الله سبحانه وتعالى؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس هذا تشكيكاً في علم الله تعالى، وكيف يكون تشكيكاً والعبد يريد بهذا الكلام طلب الخير من الله عز وجل، وأن يرشده إليه؟
وكيف يكون تشكيكاً وهو يقول في هذا الدعاء: (إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ) ؟
وكيف يكون تشكيكاً وهو يقول: (فَإِنَّكَ تَقْدِرُ، وَلَا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) ؟
قال الحافظ في "الفتح":
" وَقَوْله (إِنْ كُنْت) اِسْتَشْكَلَ الْكَرْمَانِيُّ الْإِتْيَان بِصِيغَةِ الشَّكّ هُنَا وَلَا يَجُوز الشَّكّ فِي كَوْن اللَّه عَالِمًا، وَأَجَابَ بِأَنَّ الشَّكّ فِي أَنَّ الْعِلْم مُتَعَلِّق بِالْخَيْرِ أَوْ الشَّرّ لَا فِي أَصْل الْعِلْم ".
فالمعنى: أنك يا رب إما أن تكون تعلم هذا الأمر خيراً لي أو تعلمه شراً لي، فإن كان خيراً فيسره.
وليس المعني: إما أن تكون تعلم هذا الأمر خيراً لي، أو لا تعلم - حاشا لله -.
قال في تحفة الأحوذي:
قَالَ الطِّيبِيُّ: " مَعْنَاهُ: اللَّهُمَّ إِنَّك تَعْلَمُ , فَأَوْقَعَ الْكَلَامَ مَوْقِعَ الشَّكِّ عَلَى مَعْنَى التَّفْوِيضِ إِلَيْهِ وَالرِّضَا بِعِلْمِهِ فِيهِ , وَهَذَا النَّوْعُ يُسَمِّيهِ أَهْلُ الْبَلَاغَةِ تَجَاهُلَ الْعَارِفِ وَمَزْجَ الشَّكِّ بِالْيَقِينِ. ويُحْتَمَلُ: أَنَّ الشَّكَّ فِي أَنَّ الْعِلْمَ مُتَعَلِّقٌ بِالْخَيْرِ أَوْ الشَّرِّ لَا فِي أَصْلِ الْعِلْمِ اِنْتَهَى. قَالَ الْقَارِي: وَالْقَوْلُ الْآخَرُ هُوَ الظَّاهِرُ، وَنَتَوَقَّفُ فِي جَوَازِ الْأَوَّلِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى " اِنْتَهَى.
وهذا الأسلوب معروف مشهور في الأحاديث، وفي كلام العرب:
ففي حديث الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة، قال كل واحد منهم: (اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا) متفق عليه، واللفظ للبخاري (3215) .
قال الحافظ في "الفتح" (6/507) :
" قوله: (اللهم إن كنت تعلم) فيه إشكال؛ لأن المؤمن يعلم قطعا أن الله يعلم ذلك. وأجيب بأنه تردد في عمله ذلك هل له اعتبار عند الله أم لا؟ وكأنه قال: إن كان عملي ذلك مقبولا فأجب دعائي " انتهى.
وروى البخاري (7029) عن ابْن عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ إِنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يَرَوْنَ الرُّؤْيَا ... الحديث، وفيه: (فلما اضْطَجَعْتُ ذَاتَ لَيْلَةٍ قُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ فِيَّ خَيْرًا فَأَرِنِي رُؤْيَا) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2156)
اكتشفت عيوبا في خاطبها فاستخارت لفسخ الخطبة لكن لم يتيسر الأمر
[السُّؤَالُ]
ـ[خطبت قريبا وبعد الخطبة اكتشفت عيوبا في خطيبي لا أتحملها وشعرت أنه غير مناسب لي بالإضافة أنه لا يعينني على طاعة الله وبالرغم من كل هذا كلما هممت على فسخ الخطبة واستخرت الله؛ يحدث تعسير للفسخ فماذا أفعل؟ وهل إذا فسخت الخطبة أكون عاصية لله لاختياري غير ما اختاره لي؟ وهل ألغي عقلي لكي أكون مطيعة لله؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا تبين لك أن الخاطب به عيوب لا يمكنك تحملها، فلا حرج عليك في فسخ الخطبة، فهذا خير من الزواج مع احتمال حدوث الخلاف والنزاع ثم الطلاق.
وإذا هممت بذلك فاستخيري الله تعالى، ثم أخبري وليك ليعتذر للخاطب، وبهذا تنفسخ خطوبتك.
وليست الاستخارة لإلغاء العقل، أو النظر في الأمور المادية المحيطة بالإنسان، وإنما هي مكملة لذلك، فإن الإنسان قد يتردد في أمر ما، لما فيه من خير وشر، ومصلحة ومفسدة، أو لما يجهله من عاقبته، فيسأل الله أن ييسر له الخير الذي يعلمه سبحانه.
فقد يبدو لك الخاطب خاليا من العيوب، لكن الله يعلم أنه لا يصلح لك، وأن به عيوبا تجهلينها، أو أنك لا تصلحين له، وقد يبدو لك أن بالخطاب عيوبا، والله يعلم أنه صالح لك، وأن عيوبه قد تزول، أو هي ليست عيوبا في الحقيقة، أو أن هذا ما يناسب زوجته، إلى غير ذلك من أمور الغيب التي لا يعلمها إلا الله سبحانه.
ومعلوم أنه لا فلاح للعبد إلا بتوفيق الله تعالى، وأنه لو وُكل إلى نفسه لضاع وتاه وخسر.
فإذا استخرت الله في شيء، فامضي فيه، فإن كان خيرا، سهله الله ويسره، وإن كان شرا صرفك الله عنه، أو صرفه عنك.
وتطبيق ذلك في مسألتك: أنك لما بدا لك من العيوب في الخاطب، فإنك تستخيرين الله تعالى في فسخ خطوبته، وتمضين في ذلك، بأن تكلمي وليك أو من يبلغ الخاطب بفسخ الخطوبة، فإن انقضى الأمر ويسّر، فهو الخير لك إن شاء الله، وإن تعسّر الفسخ، فلا خير لك فيه الآن، فقد يكون في علم الله أن زواجك منه خير لك، أو أن استمرار خطبتك مدة أخرى خير لك، ولا مانع أن تكرري الاستخارة مرة بعد مرة.
وننبه على أمور:
الأول: أن الاستخارة لا تكون في الأمر الواجب أو الحرام أو المكروه، إلا إذا كان التردد في تحديد وقت فعل الواجب. وعليه فلو تبين أن الخاطب تارك للصلاة، أو يقترف الفواحش مثلا، وجب رفضه، ولم تشرع الاستخارة حينئذ.
الثاني: أن مسألة التيسير والتعسير، قد يدخلها نوع من الشك والوسوسة، فربما يتصل الولي على الخاطب ليبلغه في الفسخ فلا يجده، فيقال: تعسّر الأمر، وليس كذلك، بل ينبغي أن يعاود الاتصال، أو يرسل من يبلغه، وهكذا.
الثالث: أنه لو خالف الإنسان مقتضى الاستخارة، لا يكون عاصيا، لكن قد يفوته خير كثير يندم عليه في حال الترك، أو يلحقه ضرر في حال الإقدام على أمر لم ييسره الله له.
وكمال الإيمان والتوكل أن يفوض العبد أمره لله تعالى، ويرضى باختياره، ويمضي في الأمر بعد الاستخارة ويعزم، ولا يكثر من الوسوسة.
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (11981) ورقم (5882) .
نسأل الله تعالى أن ييسر لك الخير حيث كان.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2157)
الاستخارة في الأمور كلها
[السُّؤَالُ]
ـ[كثيرا ما نسمع عن صلاة الاستخارة، لكن لا نعمل بها إلا في حالات نادرة. فهل هذا صحيح. أرجو توضيح ذلك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صلاة الاستخارة وَجهٌ من أوجه تحقيق العبودية لله تعالى، تُعَلِّقُ قلب المسلم بالله عز وجل، وتخلصه من تَعَلقِه بالمخلوق.
وتحقيق ذلك في جميع تقلبات القلب والنفس هو غاية العبودية، وكمال التوكل، وذلك حين يستشعر العبد حاجته وفقره إليه سبحانه، فيجد لذته وطمأنينته في الركون إلى الخالق القادر المدبر، فلا يكاد يطرأ عليه حادث صغير أو كبير إلا ويلجأ إلى صلاة الاستخارة ليطلب الخيرة من الله عز وجل.
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضى الله عنهما قَالَ: (كَانَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا الاِسْتِخَارَةَ فِى الأُمُورِ كُلِّهَا كَالسُّورَةِ مِنَ الْقُرْآنِ) رواه البخاري (6382)
يقول الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (11/184) :
" يتناول العمومُ العظيمَ من الأمور، والحقيرَ، فرب حقير يترتب عليه الأمر العظيم " انتهى.
ويقول العيني في "عمدة القاري" (7/223) :
" قوله: (في الأمور كلها) : دليل على العموم، وأن المرء لا يحتقر أمراً لصغره وعدم الاهتمام به فيترك الاستخارة فيه، فرب أمر يستخف بأمره فيكون في الإقدام عليه ضرر عظيم أو في تركه، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليسأل أحدكم ربه حتى في شسع نعله) " انتهى.
وبهذا يتبين أنَّ مِن الخطأ قصر الاستخارة على أحوال نادرة أو قليلة، بل الشأن في المسلم اللجوء إلى الله عز وجل واستخارته في جميع الأمور التي يتردد فيها، حتى إن زينب بنت جحش رضي الله عنها صلت الاستخارة حين عرض عليها الزواج بالنبي صلى الله عليه وسلم، وعلق على ذلك النووي بقوله في "شرح مسلم" (9/224) :
" فيه استحباب صلاة الاستخارة لمن هَمَّ بأمر، سواء كان ذلك الأمر ظاهر الخير أم لا، وهو موافق لحديث جابر في صحيح البخارى قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها) ، ولعلها استخارت لخوفها من تقصير في حقه صلى الله عليه وسلم " انتهى.
جاء في "لقاءات الباب المفتوح" للشيخ ابن عثيمين (لقاء رقم/85، السؤال الأول) :
" السؤال:
فضيلة الشيخ! هل ركعتا الاستخارة مشروعة فقط في الأمر الذي لم تتبين فيه المصلحة، أم أنها تفعل في كل أمر يقدم عليه ولو كان ظاهره الخير، كإمامة مسجد، أو خطبة امرأة صالحة، وما شابه ذلك. أرجو التوضيح؟
فكان الجواب:
صلاة الاستخارة أن الإنسان إذا هم بأمر وتردد في عاقبته فإنه يستخير الله أي: يسأل الله خير الأمرين: الإقدام أو الترك، ولكنه لا يستخير في كل شيء، يعني: ليس للإنسان إذا أراد أن يتغدى أن يقول: أستخير الله. إذا أراد أن يذهب يصلي مع الجماعة أن يقول: أستخير الله، إنما يستخير الله في أمر لا يدري ما عاقبته، ومن ذلك: إمامة المسجد، لو عرض عليه إمامة المسجد ولم يترجح عنده الإقدام أو الترك فليستخر الله، فالإمامة من حيث هي خير في ذاتها، لكن العاقبة؛ لأن الإنسان لا يدري في المستقبل هل يقوم بواجب الإمامة أو لا يقوم، وهل يستقر في هذا المسجد أو لا يستقر، وهل يكون ملائماً للجماعة أو غير ملائم، هو لا يستخير على أن الإمامة من حيث هي خير، لكن العاقبة، كم من إنسان كان إماماً في مسجد ثم لحقه من التعب وعدم القيام بالواجب والمشاكل مع الجماعة ما يتمنى أنه لم يكن إماماً، كذلك المرأة الصالحة، لكن لا أدري ما العاقبة.
والمهم أن كل شيء تتردد فيه فعليك بالله، الجأ إليه، اسأله خير الأمرين " انتهى باختصار.
وانظر جواب السؤال رقم (11981) ، ورقم (2217) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2158)
صلاة الاستخارة لترجيح أحد القولين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن يستخير المسلم لترجيح أحد القولين عند العلماء؟ مع العلم أنَّ كلا القولين قوي، وهو يريد معرفة الصحيح منهما لأنهما مختلفين؟ وذلك ليتبع الصحيح.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ثبت عن بعض السلف استخارتهم في مسائل العلم المختلف فيها، كما ثبت عن بعضهم استخارتهم في ترجيح حال الرواة المختلف فيهم، ومن ذلك:
1. روى عبد الرزاق في " المصنف " (10 / 301) عن ابن المسيب: (أن عمر بن الخطاب كتب في الجد والكلالة كتابا، فمكث يستخير الله يقول: اللهم إن علمت فيه خيرا فأمضه، حتى إذا طعن دعا بالكتاب، فمحى فلم يدر أحد ما كان فيه، فقال: إني كتبت في الجد والكلالة كتابا، وكنت أستخير الله فيه، فرأيت أن أترككم على ما كنتم عليه) .
2. وقد كان الإمام الشافعي رحمه الله من أكثر العلماء استخارة في مسائل العلم، حتى صرح في كتابه " الأم " في نحو أربع عشرة مسألة أنه قد استخار الله تعالى فيها، وكان منها قوله في " الأم " (2 / 44) :
وقد قيل: في الحلي صدقة، وهذا ما أستخير الله عز وجل فيه، قال الربيع: قد استخار الله عز وجل فيه، أخبرنا الشافعي: وليس في الحلي زكاة.
انتهى.
3. كما كان ابن حبان من المحدثين يستخير الله تعالى في الرواة الذين يشتبه حالهم عليه، ويكثر من التصريح بذلك في كتبه، خاصة كتاب " المجروحين "، ومن ذلك قوله في (1 / 194) : بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري: من أهل البصرة، يروي عن أبيه عن جده، روى عنه الثوري وحماد بن سلمة، كان يخطئ كثيراً، فأما أحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم رحمهما الله فهما يحتجان به ويرويان عنه، وتركه جماعة من أئمتنا، ولولا حديث (إنا آخذوه وشطر إبله عزمة من عزمات ربنا) لأدخلناه في الثقات، وهو ممن أستخير الله عز وجل فيه.
انتهى.
والأمثلة عن أهل العلم في الالتجاء إلى الاستخارة حين تشتبه عليهم المسائل كثيرة، وإنما سقت منها الشيء اليسير للتدليل على المقصود.
لكن ما معنى قولهم " هذا مما أستخير الله فيه " و " هذا ممن أستخير الله فيه "؟.
الظاهر أن معنى قولهم هو دعاء الله تعالى بأن يوفقهم لصحة الترجيح، والصواب من الأقوال في المسألة أو الراوي، وليس معناه أنهم كانوا يستخيرون الاستخارة التي هي الصلاة بدعائها؛ وذلك لعدم تطابق الدعاء مع الذي يريدون وينشدون، ففي دعاء الاستخارة " فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه " فكيف سيكون منطبقا على مسألة فقهية، أو على حال أحد رواة الحديث؟! .
فالذي يظهر أن هؤلاء الأئمة يطلبون من الله تعالى التوفيق للصواب في مسائل العلم، لا أنهم يدعون دعاء الاستخارة بصلاتها.
والغاية من الاستخارة هو طلب الهداية من الله سبحانه وتعالى إلى خير الأمرين المشتبهين الذين وقع التردد فيهما، فإن الهداية والتوفيق من الله سبحانه، وهو يعلم ولا نعلم، وهو علام الغيوب، ومن اعتمد على نفسه ضل، ومن اتكل على عقله ولم يستعن بمولاه هلك، وأولى ما يجب على العبد أن يستعين الله عليه هو الفهم الصحيح لدين الله، واختيار أنسب الأقوال وأحسنها، والاستخارة هي وسيلته إلى ذلك، بل قد تكون أوثق سبيل إلى اختيار أحد القولين الذين اشتبهت أدلتهما إلى حد كبير.
ولا يمنع أن يكون مع دعاء الإمام أو الفقيه ربه تعالى أن يوفقه للصواب في مسائل العلم أن يُسبق دعاءه بصلاة، ويمكن تسمية هذا الفعل تجوزاً " استخارة "، أو يكون ذلك نسبة للدعاء لا للصلاة، أما الصلاة والدعاء الوارد في حديث جابر المشهور فلا يمكن أن يكون هو المقصود في قولهم أنهم يستخيرون الله تعالى في كذا وكذا.
وأخيراً:
لا يظن أن الاستخارة في مسائل العلم تناقض ما أمر الله به من اتباع الدليل والبرهان، فإن اللجوء إلى الاستخارة يكون عند انعدام الدليل أو عدم ظهوره أو وجود معارض مساو، أو عند اشتباه المسألة في نفس العالم وإشكالها في الفهم عليه، وليس في شيء من ذلك ترك للدليل والبرهان، بل فيه استعانة بالله سبحانه على الفهم، ولجوء إليه ليرشد إلى الحق، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل ربه أن يهديه إلى الحق.
عن عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها قالت: (كَانَ النبي صلى الله عليه وسلم إِذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ افْتَتَحَ صَلَاتَهُ: اللَّهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) .
رواه مسلم (770) .
وانظر في صلاة الاستخارة وبعض أحكامها جواب السؤالين: (2217) و (11981) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2159)
طريقة مبتدعة لطلب الرؤيا بعد الاستخارة
[السُّؤَالُ]
ـ[غالبا ما يتعسر على الشخص أمور، فيقال له استخر، أو اطلب من ربك الرؤيا.. وهناك أساليب عدة لطلب الرؤيا: ومن الطرق المجربة: يقوم الشخص بالصلاة ركعتين لله، وقراءة كل من السور التالية: الليل (7) مرات، الشمس (7) مرات، سورة التين (7) مرات، بعد ذلك نقوم بحمد الله وثنائه والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء بدعاء الاستخارة.. أو طلب الرؤيا المعينة، يتوجب من الشخص الإيقان الكلي بقدرة الله على إيجاب طلبه، تتوجب طهارة المكان وخلوه من الصور وذوات الأرواح، كذلك يفضل عدم التحدث مع أي شخص بعد طلب الرؤيا، يقوم بها الشخص لمدة (7) أيام، وربما تحدث قبل ذلك بأيام قليلة. مجربة بإذن الله. ما حكم هذا العمل؟ هل هناك دليل عليه؟ أم أنه لا يجوز؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا العمل بدعة لا تجوز، فهو تخصيص عبادة بطريقة معينة لم ترد في الشرع.
وقد أحدث الناس في صلاة الاستخارة كثيراً من البدع.
فمن ذلك: تكرار قراءة سور معينة في صلاة الاستخارة – كما ورد في السؤال -، وكذا تكرار صلاة الاستخارة نفسها لمدة سبعة أيام، فهذه أنواع من التحديد والتخصيص فيها تشريع زائد على الدين، واستدراك على النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.
ومنها: أيضا اعتقاد بعضهم ضرورة وقوع الرؤيا بعد صلاة الاستخارة، كي يسترشد بها المستخير، بل ويرون أن الاستخارة من غير رؤيا بعدها غير صحيحة ولا نافعة.
وقد نبه العلماء على هذا الخطأ.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "فتاوى نور على الدرب" (فتاوى الصلاة/صلاة الاستخارة) :
" لا يشترط أن يرى المستخير شيئاً يدله على أن هذا هو الأفضل له، بل متى تيسر له الشيء بعد استخارته فليعلم أن هذا هو الخير، إذا كان قد دعا ربه بصدق وإخلاص؛ لأن في دعاء الاستخارة يقول الرجل أو المرأة المستخيرة: (اللهم إن كنت تعلم أن هذا - ويُسَمِّي حاجتَه - خير لي في ديني ودنياي وعاجل أمري وآجله فاقدره لي ويسره لي)
فإذا تيسر له الأمر بعد الاستخارة فليعلم أن هذا هو الخير؛ لأنه دعا الله أن يختار له ما هو خير ييسره له، فإذا تيسر فهذا علامة أن ذلك هو الخير.
وربما يرى الإنسان شيئا يدل على أن هذا هو الخير له، وربما ييسر الله له من يشير عليه بشيء فيأخذ بمشورته فيكون هو الخير.
المهم أنك إذا استخرت الله بصدق وإخلاص فما يجري بعد ذلك بأي سبب من الأسباب فهو الخير لك إن شاء الله تعالى.
وأما قول بعض الناس لا بد أن يرى الإنسان في الرؤيا أنه اختير له الإقدام أو الترك: فهذا لا أصل له، لكن بمجرد ما يستخير ثم يهيأ له الفعل أو الترك فإننا نعلم أن الله تعالى اختار له ما هو خير؛ لأنه قد سأل ربه أن يختار له ما هو خير"انتهى بتصرف يسير.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم: (5882) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2160)
الدعاء بالاستخارة من غير صلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الاستخارة: قراءة دعاء الاستخارة بدون صلاة الركعتين قبله، لأننا نكون فى الشارع على سبيل المثال؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الاستخارة هي دعاء الله تعالى، ليختار لك خير الأمرين، ويصرف عنك شرهما. وصلاة الركعتين إنما شرعت بين يدي الدعاء، ليكون أقرب إلى الإجابة، وأحضر للقلب، وأدعى للقبول.
قال ابن أبي جمرة – كما في "فتح الباري" (11/186) -:
" الحكمة في تقديم الصلاة على الدعاء أن المراد بالاستخارة حصول الجمع بين خيري الدنيا والآخرة، فيحتاج إلى قرع باب الملك، ولا شيء لذلك أنجع ولا أنجح من الصلاة، لما فيها من تعظيم الله، والثناء عليه، والافتقار إليه مآلا وحالا " انتهى.
والاستخارة التي علمنا إياها الرسول صلى الله عليه وسلم تكون بصلاة ركعتين ثم الدعاء بعدها.
وإذا تعذر على المسلم الصلاة، لسبب من الأسباب فلا حرج عليه من دعاء الله تعالى أن ييسر له خير الأمرين من غير صلاة.
قال النووي رحمه الله في "الأذكار" (ص/120) :
" ولو تعذرت عليه الصلاة استخار بالدعاء " انتهى.
وقد نقل كلام النووي هذا جماعة من علماء المذاهب، مقرين ومستشهدين به.
انظر: "حاشية رد المحتار" (2/27) ، "الفواكه الدواني" (1/35) ، "شرح مختصر خليل للخرشي" (1/37) ، "أسنى المطالب" (1/205) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2161)
أهمية صلاة الاستخارة
[السُّؤَالُ]
ـ[اسمحوا لي بهذا السؤال، أحب أن أسأل لأريح عقلي، وكثير من تحدثهم نفسهم بهذه الوساوس، وتعم الفائدة إن شاء الله على من يقرؤه. كثيرا ما نسمع عن صلاة الاستخارة، لكن لا نعمل بها إلا في حالات نادرة. وقد نصلي وهناك بعض الشك في قلوبنا؛ لأننا لا نعرف أهميتها. وأحيانا يجول في خواطرنا بأن قضاء الله هو الذي سيحدث، فما الفائدة من السؤال والدعاء والسعي؟ أخبروني عن صلاة الاستخارة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أهمية صلاة الاستخارة تكمن في أوجه ثلاثة:
الوجه الأول: تجريد الافتقار إلى الله، ونفي العلائق إلا بالله، وتحقيق التوكل عليه سبحانه وتعالى، وتفويض الأمور إليه، وهي كلها معان سامية من معاني التوحيد والإسلام، تساعد صلاة الاستخارة في تحقيقها، وتعين على قيامها، خاصة لمن اعتاد اللجوء إليها، واستشعر في قلبه حقيقتها وحكمة تشريعها.
الوجه الثاني: الفلاح في الاختيار، والنجاح في الأمر، والتوفيق في السعي، فمن فوض أمره إلى الله كفاه، ومن سأل الله بصدق أعطاه حاجته ولم يمنعه.
يقول الغزالي في "إحياء علوم الدين" (1/206) :
" قال بعض الحكماء: من أُعطي أربعا لم يُمنع أربعا: من أُعطي الشكر لم يُمنع المزيد، ومن أُعطي التوبة لم يُمنع القبول، ومن أٌعطي الاستخارةَ لم يُمنع الخِيَرة، ومن أُعطي المشورة لم يُمنع الصواب " انتهى.
أما حديث: (ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار) فهو حديث موضوع، انظر "السلسلة الضعيفة" (611) للشيخ الألباني.
الوجه الثالث: الرضا بالقضاء، والقناعة بالمقسوم، فمن استخار الله تعالى في شأنه لم يندم على خياره، وقام في قلبه من الطمأنينة واليقين ما يدفع عنه كل هم أو حزن يحصل في اختياره، وهذا الوجه من أعظم الفوائد التي تجنيها صلاة الاستخارة في قلب العبد.
روى ابن أبي الدنيا في "الرضا عن الله بقضائه" (92) وغيره بسنده عن وهب بن منبه قال:
" قال داود عليه السلام: رب! أي عبادك أبغض إليك؟ قال: عبد استخارني في أمر، فخرت له، فلم يرض به " انتهى.
يقول ابن القيم رحمه الله في "الوابل الصيب" (157) :
" كان شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: ما ندم من استخار الخالق وشاور المخلوقين وثبت في أمره " انتهى.
ويجمع هذه الحِكَمَ والفوائدَ جميعها العلامة ابن القيم في شرح رائع لأهمية صلاة الاستخارة فيقول – كما في "زاد المعاد" (2/442) -:
" وعوضهم بهذا الدعاء – دعاء الاستخارة - الذي هو توحيد وافتقار وعبودية وتوكل وسؤال لمن بيده الخير كله، الذي لا يأتي بالحسنات إلا هو، ولا يصرف السيئات إلا هو، الذي إذا فتح لعبده رحمة لم يستطع أحد حبسها عنه، وإذا أمسكها لم يستطع أحد إرسالها إليه من التطير والتنجيم واختيار الطالع ونحوه، فهذا الدعاء هو الطالع الميمون السعيد، طالع أهل السعادة والتوفيق، الذين سبقت لهم من الله الحسنى، لا طالع أهل الشرك والشقاء والخذلان الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعلمون.
فتضمن هذا الدعاء الإقرار بوجوده سبحانه، والإقرار بصفات كماله من كمال العلم والقدرة والإرادة، والإقرار بربوبيته، وتفويض الأمر إليه، والاستعانة به، والتوكل عليه، والخروج من عهدة نفسه، والتبري من الحول والقوة إلا به، واعتراف العبد بعجزه عن علمه بمصلحة نفسه وقدرته عليها، وإرادته لها، وأن ذلك كله بيد وليه وفاطره وإلهه الحق، وفى "مسند الإمام أحمد" من حديث سعد بن أبى وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من سعادة ابن آدم استخارة الله ورضاه بما قضى الله، ومن شقاوة ابن آدم ترك استخارة الله وسخطه بما قضى الله)
فتأمل كيف وقع المقدور مكتنفا بأمرين: التوكل الذي هو مضمون الاستخارة قبله، والرضا بما يقضى الله له بعده، وهما عنوان السعادة. وعنوان الشقاء أن يكتنفه ترك التوكل والاستخارة قبله، والسخط بعده.
والتوكل قبل القضاء، فإذا أبرم القضاء وتم انتقلت العبودية إلى الرضا بعده، كما في "المسند"، وزاد النسائي في الدعاء المشهور: (وأسألك الرضا بعد القضاء) .
وهذا أبلغ من الرضا بالقضاء، فإنه قد يكون عزما فإذا وقع القضاء تنحل العزيمة، فإذا حصل الرضا بعد القضاء، كان حالا أو مقاما.
والمقصود أن الاستخارة توكل على الله، وتفويض إليه، واستقسام بقدرته وعلمه، وحسن اختياره لعبده، وهى من لوازم الرضا به ربا، الذي لا يذوق طعم الإيمان من لم يكن كذلك، وإن رضى بالمقدور بعدها، فذلك علامة سعادته " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2162)
كيفية صلاة الاستخارة وشرح دعائها
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف تكون صلاة الاستخارة؟ وماهو الدعاء الذي يقال فيها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صفة صلاة الاستخارة قد رواها جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السَّلَمِيُّ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ الاسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا كَمَا يُعَلِّمُهُمْ السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ يَقُولُ: " إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ لِيَقُلْ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلا أَقْدِرُ وَتَعْلَمُ وَلا أَعْلَمُ وَأَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ هَذَا الأَمْرَ ثُمَّ تُسَمِّيهِ بِعَيْنِهِ خَيْرًا لِي فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ قَالَ أَوْ فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ اللَّهُمَّ وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ فَاصْرِفْنِي عَنْهُ [واصرفه عني] وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ. " رواه البخاري 6841 وله روايات أخرى في الترمذي والنسائي وأبو داود وابن ماجة وأحمد
قال ابن حجر رحمه الله في شرح الحديث:
الاستخارة: اسم، واستخار الله طلب منه الخِيَرة , والمراد طلب خير الأمرين لمن احتاج إلى أحدهما.
قوله (كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة.. في الأمور كلها) قال ابن أبي جمرة: هو عام أريد به الخصوص , فإن الواجب والمستحب لا يستخار في فعلهما والحرام والمكروه لا يستخار في تركهما , فانحصر الأمر في المباح وفي المستحب إذا تعارض منه أمران أيهما يبدأ به ويقتصر عليه. قلت:.. ويتناول العموم العظيم من الأمور والحقير , فرب حقير يترتب عليه الأمر العظيم.
قوله (إذا هَمَّ) .. وقع في حديث ابن مسعود " إذا أراد أحدكم أمرا فليقل ".
قوله (فليركع ركعتين.. من غير الفريضة) فيه احتراز عن صلاة الصبح مثلا.. وقال النووي في " الأذكار ": لو دعا بدعاء الاستخارة عقب راتبة صلاة الظهر مثلا أو غيرها من النوافل الراتبة والمطلقة.. ويظهر أن يقال: إن نوى تلك الصلاة بعينها وصلاة الاستخارة معا أجزأ , بخلاف ما إذا لم ينو.
وقال ابن أبي جمرة. الحكمة في تقديم الصلاة على الدعاء أن المراد بالاستخارة حصول الجمع بين خيري الدنيا والآخرة فيحتاج إلى قرع باب المَلِك , ولا شيء لذلك أنجع ولا أنجح من الصلاة لما فيها من تعظيم الله والثناء عليه والافتقار إليه مآلا وحالا.
وقوله (ثم ليقل) ظاهر في أن الدعاء المذكور يكون بعد الفراغ من الصلاة ويحتمل أن يكون الترتيب فيه بالنسبة لأذكار الصلاة ودعائها فيقوله بعد الفراغ وقبل السلام.
قوله (اللهم إني أستخيرك بعلمك) الباء للتعليل أي لأنك أعلم , وكذا هي في قوله " بقدرتك " ويحتمل أن تكون للاستعانة.. وقوله " وأستقدرك ".. معناه أطلب منك أن تجعل لي قدرة على المطلوب , ويحتمل أن يكون المعنى أطلب منك أن تقدِّره لي , والمراد بالتقدير التيسير.
قوله (وأسالك من فضلك) إشارة إلى أن إعطاء الرب فضل منه , وليس لأحد عليه حق في نعمه كما هو مذهب أهل السنة.
قوله (فإنك تقدر ولا أقدر , وتعلم ولا أعلم) إشارة إلى أن العلم والقدرة لله وحده , وليس للعبد من ذلك إلا ما قدّر الله له.
قوله (اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر) .. في رواية.. " ثم يسميه بعينه ".. وظاهر سياقه أن ينطق به , ويحتمل أن يكتفي باستحضاره بقلبه عند الدعاء.
قوله (فاقدره لي) .. أي نَجِّزه لي " , وقيل معناه يسره لي.
قوله (فاصرفه عني واصرفني عنه) أي حتى لا يبقى قلبه بعد صرف الأمر عنه متعلقا به ,
قوله (ورَضِّني) .. أي اجعلني بذلك راضيا فلا أندم على طلبه ولا على وقوعه لأني لا أعلم عاقبته وإن كنت حال طلبه راضيا به..
والسرّ فيه أن لا يبقى قلبه متعلقا به فلا يطمئن خاطره. والرضا سكون النفس إلى القضاء.
انتهى ملخّصا من شرح الحافظ ابن حجر رحمه الله في شرح الحديث في كتاب الدعوات وكتاب التوحيد من صحيح البخاري.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/2163)
صلّى الاستخارة ولم يحسّ بأيّ شيء
[السُّؤَالُ]
ـ[ما النصيحة التي توجهها لشخصين يريدان الزواج، كلاهما صلى الاستخارة والمرأة فقط وصلتها الرسالة وليس الرجل، رأت هذه الأخت بأنها وزوجها يعيشان بسعادة سوياً وأن الله يقول لها بأن هذا هو الخيار الصحيح لكليهما. ولكن ماذا عن الرجل الذي لم ير أي علامة أو إحساس أو منام؟ ماذا يجب عليهما أن يفعلا؟ كم المدة الواجب فيها صلاة الاستخارة؟ البعض قال 3 أيام والبعض قال 7. جزاك الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أما صلاة الاستخارة ودعاؤها: فدليلها ما رواه البخاري (1109) وغيره عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: انظر في شرح الحديث وفوائده سؤال 2217 وسؤال 410.
وأما قول بعض الناس " ثم يمضي لما ينشرح صدره له " فقد ورد فيه حديث عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم رواه ابن السنِّي - قال " إذا هممتَ بالأمر فاستخر ربك سبعاً ثم انظر إلى ما يسبق في قلبك فإنَّ الخير فيه ".
قال النووي: إسناده غريبٌ. فيه من لا أعرفهم. أ. هـ "الأذكار" (ص132) .
وقال الحافظ ابن حجر: وهذا لو ثبت لكان هو المعتمد، لكن سنده واهٍ جداً. أ. هـ "الفتح" (11/223) .
قال الحافظ العراقي: فيه راوٍ معروفٌ بالضعفِ الشديدِ وهو إبراهيم بن البراء.. فعلى هذا فالحديث ضعيف جدا. أ. هــ "الفتوحات الربانية" (3/357) .
والصواب: أنَّ تيسير الأمر من الله عز وجل - بعد تقديره وقبول الدعاء- هو علامة الخيرية في المضيِّ في العمل، ووجود العوائق وعدم تيسر الأمر هو دليل صرف الله تعالى عبده عن هذا العمل. ويظهر هذا المعنى جليًّا عند التأمُّلٍ في حديث جابر في الاستخارة، في قوله صلى الله عليه وسلم " اللهم إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذا الأَمْرَ - ويسميه - خَيْرٌ لي في دِيني وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي فَاقْدُرْهُ لي وَيَسِّرْهُ لي ثُمَّ بَارِكْ لي فِيهِ. وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذا الأَمْرَ شَرٌّ لي في دِيني وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدُرْ لِيَ الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ ".
. قال ابن علاّن - بعد أن نقل تضعيف حديث أنس عن الأئمة -: ومِن ثَمَّ قيل: إنَّ الأولى أن يفعل بعدها ما أراد (أي: وإن لم يشعر بانشراح الصّدْر) ، إذ الواقع بعدها- (أي: بعد الصلاة) - هو الخير..
وقال الحافظ ابن حجر: قال الحافظ زين الدين العراقي (في العمل بعد الاستخارة) : ".. مهما فعله، فالخير فيه، ويؤيده ما وقع في آخر حديث ابن مسعود في بعض طرقه " ثم يعزم" أ. هـ كلام العراقي. قلت - (أي: ابن حجر) : قد بَيَّنتُها فيما تقدّم وأن راويها - (أي: زيادة "ثم يعزم") - ضعيفٌ، لكنه أصلح حالاً من راوي هذا الحديث - (أي: حديث: ثم انظر ما يَسْبق إلى قلبك) - أ. هـ كلام ابن حجر "الفتوحات الربانية" (3/355-357) .
هـ. ومن خرافات الناس المنتشرة أنك بعد الاستخارة تنام، فما رأيتَه في منامك من خيرٍ وانشراح صدرٍ فهو يعني أنَّ أمرك خيرٌ فتسير فيه وإلا فلا! (وهذا ما قصده السائل بقوله: وصلت الرسالة!!) وليس لهذا دليل صحيح كما عرفنا.
وما مضى من البحث لا يعني أن انشراح الصدر لا يكون من العلامات، لكن لا ينبغي جعله هو العلامة الوحيدة والقاطعة على خيرية الأمر، والانسان كثيرا ما يستخير على أمر يحبه، وصدره منشرح له بالأساس.
قال شيخ الإسلام رحمه الله في مسألة انشراح الصّدْر: فإذا استخار الله كان ما شرح له صدره وتيسّر له من الأمور هو الذي اختاره الله له. أ. هــ"مجموع الفتاوى" (10/539) .
ففرقٌ بين مَن جعل "انشراح الصدر" هو العلامة الوحيدة وبين مَن جعلها مِن العلامات.
ولا يوجد مدة محدّدة لصلاة الاستخارة، ويجوز تكرار الصلاة أكثر مرة، وليست محدّدة بعدد من المرات، وللمصلي أن يدعو قبل السلام، أو بعد السلام، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/2164)
هل يستخير المسلم في الأمور الإجبارية
[السُّؤَالُ]
ـ[سألني أحد الأخوة عن جواز أداء صلاة الاستخارة لأي مشروع أو عمل كان ونحن نعرف حديث جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما) حيث قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها…..) والحديث في البخاري. ماذا إذا أراد أحد أن يؤدي صلاة الاستخارة لأمر إلزامي! لأنني لم أفهم المراد بكلمة كلها هل تشمل (الكل) أم (الأغلبية) لأن كلمة (كل) في اللغة العربية وعلى حسب معرفتي
قد تعني (الأغلبية) .
فهلا أفدتموني يا سماحة الشيخ ببعض الإيضاحات حول كلمة (كلها) ؟ وهل يمكن أداء صلاة الاستخارة في الأمور الإجبارية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فِعل الواجبات لا خِيَرةَ فيه لأن الله ألزمنا به، وكذلك تركُ المحرَّمات، فلا معنى للاستخارة في أمر لا بدّ لنا من فعله ولا يُشرع في ذلك صلاة الإستخارة، والإِستخارة إنَّما تكون في المباحات لترجيح أحَدِ الأمْرينِ على الآخر، وكذلك تعيِينُ ما تعدد أفرَادُه من المُسْتحَبَّات فيستخير من أجل تقديم مستحبّ معيّن منها كأن يحتار إلى أي المدن يتجه لطلب العلم أو على أيّ شيخ يدرس أو في أيّ حلقة يجلس فيستشير ثم يستخير على ما ترجّح لديه، وكذلك يستخير عند الإِقدام على الزواج مِنِ امرأةٍ بِعيْنِهَا، أو الحجِّ النَّفل في هذا العام أو فيِ الذي يليه، وكذلك كلُّ شيء فيه تردد، فهذا داخل في قوله " يعلِّمنا الإستخارة في الأمور كلها.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/2165)
فسخ الخطبة بسبب رؤيا منام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز فسخ الخطوبة بعد سنتين لأن الخطيب رؤي في حلم سيء بعد الاستخارة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المسلم ينطلق في أحكامه وفهمه لواقعه ومعايشته لتجارب زمانه من منطلقات العقل والحكمة، والأسباب التي أمر الله سبحانه وتعالى بمراعاتها والأخذ بها، وبذلك جاءت الشريعة الإسلامية، تأمر بالنظر والتفكر واستعمال موازين العقل والتجربة، ثم الحكم بعد ذلك على الأشخاص أو الأعمال.
يقول الله سبحانه وتعالى:
(كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) البقرة/242
وليس في شريعتنا أبدا الركون إلى الرؤى والأحلام والمنامات، لا في معايش الدنيا ولا في أحكام الدين، فإن المعرفة المتحصلة عن طريق الرؤى والمنامات غير منضبطة ولا متيقنة، بل يداخلها الشك والريبة، ولا يمكن أن تُرجع الشريعة الناس في معارفهم إلى مصادر موهومة لا تحقق أدنى مستويات العلم.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(الرُّؤْيَا ثَلاَثَةٌ: فَرُؤْيَا الصَّالِحَةِ بُشْرَى مِنَ اللَّهِ، وَرُؤْيَا تَحْزِينٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَرُؤْيَا مِمَّا يُحَدِّثُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ) رواه مسلم (2263)
فالشيطان له نصيب مما يراه الإنسان في منامه، كما للنفس نصيب أيضا، وتمييز ذلك قد لا يكون واضحا في جميع الأحيان، فكيف يطمئن المسلم إلى منام رآه ثم يبني عليه اختياره وهو يعلم أن الشيطان قد يكون له منه أوفر حظ ونصيب؟!
ومن ذلك أمر الزواج أيضا، فقد حدد لنا النبي صلى الله عليه وسلم الصفات التي ينبغي أن ينبني عليها الحكم بالقبول أو الرفض فيمن يتقدم للخطبة فقال:
(إذا جاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ قَالَ إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ)
رواه الترمذي (1085) وقال حسن غريب، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.
فجعل الخلق والدين هو المقياس الذي ينبغي أن يتحاكم إليه الناس في رفضهم أو قبولهم، وينبغي للسائلة الكريمة ألا تلتفت إلا إليه، ولا تستجيب لما تراه في منامها من أمور قد يكون للشيطان فيها نصيب، يريد بها التفريق بين الزوجين وإحداث الشقاق والنزاع.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "لقاء الباب المفتوح" (لقاء رقم 5/سؤال رقم 17) ما يلي:
خطب رجل امرأة، فرأته في المنام حالق اللحية، فهل توافق عليه أم لا؟ وفي اليقظة ظاهره طيب، لم يحلق اللحية، وهو شخص ملتزم ولا نزكي على الله أحدا ً.
فأجاب رحمه الله:
" المرأة التي رأت الرجل الذي خطبها في المنام حالق اللحية وهو في الواقع ليس بحالق لها لا يضرها ما رأت في المنام، ولا ينبغي أن يمنعها من التزوج به ما دام مستقيماً في دينه وخلقه " انتهى.
ثم يجب التنبه إلى أن الاستخارة لا علاقة لها برؤيا المنام – كما يظن كثير من الناس -، فإن المقصود من الاستخارة هو سؤال الله تعالى تيسير خير الأمرين، والالتجاء إليه سبحانه في الإرشاد إلى أحسن الأمور، والاستخارة دعاء إذا استجاب الله له يسر الأمر الذي اختاره المستخير – بعد التفكير والتأمل – ولا يرتبط الدعاء من قريب أو بعيد برؤيا المنام.
فالنصيحة للأخت السائلة الكريمة أن تراجع أمرها، ولا تسعى في خراب رابطتها الزوجية بمجرد رؤيا منامية، بل ينبغي أن تحكم الدين والعقل في أمر خطيبها، ثم تتخذ بعد ذلك الموقف المناسب.
وانظري جواب السؤال رقم (25793) ، (34726)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2166)
صلاة الاستخارة
[السُّؤَالُ]
ـ[أود معرفة المزيد عن صلاة الاستخارة. ماذا أتلو، وأدعو، كم عدد الركعات، وما هو الأجر من ذلك. وهل صلاة المذهب الحنبلي والشافعي والحنفي بنفس الطريقة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صلاة الاستخارة سنة شرعها النبي صلى الله عليه وسلم لمن أراد أن يعمل عملاً ولكنه مترددٌ فيه، وسيكون الحديث عن صلاة الاستخارة من خلال ثمان نقاط:
1ـ تعريفها. 2ـ حكمها. 3ـ الحكمة من مشروعيتها. 4ـ سببها.
5ـ متى تبدأ الاستخارة. 6ـالاستشارة قبل الاستخارة. 7ـ ماذا يقرأ في الاستخارة؟ .
8ـ متى يكون الدعاء؟ .
المطلب الأول: تعريفها.
الاسْتِخَارَةُ لُغَةً: طَلَبُ الْخِيَرَةِ فِي الشَّيْءِ. يُقَالُ: اسْتَخِرْ اللَّهَ يَخِرْ لَك. وَاصْطِلَاحًا: طَلَبُ الاخْتِيَارِ. أَيْ طَلَبُ صَرْفِ الْهِمَّةِ لِمَا هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ اللَّهِ وَالأَوْلَى , بِالصَّلاةِ , أَوْ الدُّعَاءِ الْوَارِدِ فِي الِاسْتِخَارَةِ.
المطلب الثاني: حكمها.
أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الاسْتِخَارَةَ سُنَّةٌ , وَدَلِيلُ مَشْرُوعِيَّتِهَا مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا الاسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ يَقُولُ: إذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ لِيَقُلْ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ , وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ , وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلا أَقْدِرُ , وَتَعْلَمُ وَلا أَعْلَمُ , وَأَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ , اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ: عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ , فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ , اللَّهُمَّ وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ: عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ , فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ ارْضِنِي بِهِ. وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي مَوَاضِعَ مِنْ صَحِيحِهِ (1166) وَفِي بَعْضِهَا ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ.
المطلب الثالث: الحكمة من مشروعيتها.
حِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّةِ الاسْتِخَارَةِ , هِيَ التَّسْلِيمُ لأَمْرِ اللَّهِ , وَالْخُرُوجُ مِنْ الْحَوْلِ وَالطَّوْلِ , وَالالْتِجَاءُ إلَيْهِ سُبْحَانَهُ. لِلْجَمْعِ بَيْنَ خَيْرَيْ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. وَيَحْتَاجُ فِي هَذَا إلَى قَرْعِ بَابِ الْمَلِكِ (سبحانه وتعالى) , وَلا شَيْءَ أَنْجَعُ لِذَلِكَ مِنْ الصَّلاةِ وَالدُّعَاءِ ; لِمَا فِيهَا مِنْ تَعْظِيمِ اللَّهِ , وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ , وَالافْتِقَارِ إلَيْهِ قَالا وَحَالا، ثم بعد الاستخارة يقوم إلى ما ينشرح له صدره.
المطلب الرابع: سببها.
سَبَبُهَا (مَا يَجْرِي فِيهِ الاسْتِخَارَةُ) : اتَّفَقَتْ الْمَذَاهِبُ الْأَرْبَعَةُ عَلَى أَنَّ الِاسْتِخَارَةَ تَكُونُ فِي الْأُمُورِ الَّتِي لَا يَدْرِي الْعَبْدُ وَجْهَ الصَّوَابِ فِيهَا , أَمَّا مَا هُوَ مَعْرُوفٌ خَيْرَهُ أَوْ شَرَّهُ كَالْعِبَادَاتِ وَصَنَائِعِ الْمَعْرُوفِ وَالْمَعَاصِي وَالْمُنْكَرَاتِ فَلا حَاجَةَ إلَى الاسْتِخَارَةِ فِيهَا , إلا إذَا أَرَادَ بَيَانَ خُصُوصِ الْوَقْتِ كَالْحَجِّ مَثَلا فِي هَذِهِ السُّنَّةِ ; لِاحْتِمَالِ عَدُوٍّ أَوْ فِتْنَةٍ , وَالرُّفْقَةِ فِيهِ , أَيُرَافِقُ فُلانًا أَمْ لا؟ وَعَلَى هَذَا فَالاسْتِخَارَةُ لا مَحَلَّ لَهَا فِي الْوَاجِبِ وَالْحَرَامِ وَالْمَكْرُوهِ , وَإِنَّمَا تَكُونُ فِي الْمَنْدُوبَاتِ وَالْمُبَاحَاتِ. وَالاسْتِخَارَةُ فِي الْمَنْدُوبِ لا تَكُونُ فِي أَصْلِهِ ; لِأَنَّهُ مَطْلُوبٌ , وَإِنَّمَا تَكُونُ عِنْدَ التَّعَارُضِ , أَيْ إذَا تَعَارَضَ عِنْدَهُ أَمْرَانِ أَيُّهُمَا يَبْدَأُ بِهِ أَوْ يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ؟ أَمَّا الْمُبَاحُ فَيُسْتَخَارُ فِي أَصْلِهِ.
المطلب الخامس: مَتَى يَبْدَأُ الاسْتِخَارَةَ؟
يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَخِيرُ خَالِيَ الذِّهْنِ , غَيْرَ عَازِمٍ عَلَى أَمْرٍ مُعَيَّنٍ , فَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فِي الْحَدِيثِ: " إذَا هَمَّ " يُشِيرُ إلَى أَنَّ الِاسْتِخَارَةَ تَكُونُ ِنْدَ أَوَّلِ مَا يَرِدُ عَلَى الْقَلْبِ , فَيَظْهَرُ لَهُ بِبَرَكَةِ الصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ مَا هُوَ الْخَيْرُ , بِخِلَافِ مَا إذَا تَمَكَّنَ الْأَمْرُ عِنْدَهُ , وَقَوِيَتْ فِيهِ عَزِيمَتُهُ وَإِرَادَتُهُ , فَإِنَّهُ يَصِيرُ إلَيْهِ مَيْلٌ وَحُبٌّ , فَيَخْشَى أَنْ يَخْفَى عَنْهُ الرَّشَادُ ; لِغَلَبَةِ مَيْلِهِ إلَى مَا عَزَمَ عَلَيْهِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْهَمِّ الْعَزِيمَةَ ; لأَنَّ الْخَاطِرَ لا يَثْبُتُ فَلَا يَسْتَمِرُّ إلَّا عَلَى مَا يَقْصِدُ التَّصْمِيمَ عَلَى فِعْلِهِ مِنْ غَيْرِ مَيْلٍ. وَإِلا لَوْ اسْتَخَارَ فِي كُلِّ خَاطِرٍ لاسْتَخَارَ فِيمَا لا يَعْبَأُ بِهِ , فَتَضِيعُ عَلَيْهِ أَوْقَاتُهُ. "
المطلب السادس: الاسْتِشَارَةُ قَبْلَ الاسْتِخَارَةِ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَشِيرَ قَبْلَ الاسْتِخَارَةِ مَنْ يَعْلَمُ مِنْ حَالِهِ النَّصِيحَةَ وَالشَّفَقَةَ وَالْخِبْرَةَ , وَيَثِقُ بِدِينِهِ وَمَعْرِفَتِهِ. قَالَ تَعَالَى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} وَإِذَا اسْتَشَارَ وَظَهَرَ أَنَّهُ مَصْلَحَةٌ , اسْتَخَارَ اللَّهَ تَعَالَى فِي ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْثَمِيُّ: حَتَّى عِنْدَ الْمُعَارِضِ (أَيْ تَقَدُّمِ الاسْتِشَارَةِ) لأَنَّ الطُّمَأْنِينَةَ إلَى قَوْلِ الْمُسْتَشَارِ أَقْوَى مِنْهَا إلَى النَّفْسِ لِغَلَبَةِ حُظُوظِهَا وَفَسَادِ خَوَاطِرِهَا. وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ نَفْسُهُ مُطْمَئِنَّةً صَادِقَةٌ إرَادَتَهَا مُتَخَلِّيَةً عَنْ حُظُوظِهَا , قَدَّمَ الاسْتِخَارَةَ.
المطلب السابع: الْقِرَاءَةُ فِي صَلاةِ الاسْتِخَارَةِ.
- فِيمَا يَقْرَأُ فِي صَلاةِ الاسْتِخَارَةِ ثَلاثَةُ آرَاءٍ:
أ - قَالَ الْحَنَفِيَّةُ , وَالْمَالِكِيَّةُ , وَالشَّافِعِيَّةُ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى بَعْدَ الْفَاتِحَةِ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} , وَفِي الثَّانِيَةِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} . وَذَكَر النَّوَوِيُّ تَعْلِيلًا لِذَلِكَ فَقَالَ: نَاسَبَ الْإِتْيَانُ بِهِمَا فِي صَلَاةٍ يُرَادُ مِنْهَا إخْلَاصُ الرَّغْبَةِ وَصِدْقُ التَّفْوِيضِ وَإِظْهَارُ الْعَجْزِ , وَأَجَازُوا أَنْ يُزَادَ عَلَيْهِمَا مَا وَقَعَ فِيهِ ذِكْرُ الْخِيَرَةِ مِنْ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ.
ب - وَاسْتَحْسَنَ بَعْضُ السَّلَفِ أَنْ يَزِيدَ فِي صَلاةِ الاسْتِخَارَةِ عَلَى الْقِرَاءَةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَرَبُّك يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ. مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ. وَرَبُّك يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ. وَهُوَ اللَّهُ لا إلَهَ إلا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} . فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى , وَفِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبِينًا}
ج - أَمَّا الْحَنَابِلَةُ وَبَعْضُ الْفُقَهَاءِ فَلَمْ يَقُولُوا بِقِرَاءَةٍ مُعَيَّنَةٍ فِي صَلاةِ الِاسْتِخَارَةِ.
المطلب الثامن: مَوْطِنُ دُعَاءِ الاسْتِخَارَةِ.
قَالَ الْحَنَفِيَّةُ , وَالْمَالِكِيَّةُ , وَالشَّافِعِيَّةُ , وَالْحَنَابِلَةُ: يَكُونُ الدُّعَاءُ عَقِبَ الصَّلاةِ , وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا جَاءَ فِي نَصِّ الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. أنظر الموسوعة الفقهية ج3 ص241
قال شيخ الاسلام في الفتاوى الكبرى ج2 ص265: مَسْأَلَةٌ فِي دُعَاءِ الِاسْتِخَارَةِ , هَلْ يَدْعُو بِهِ فِي الصَّلاةِ؟ أَمْ بَعْدَ السَّلامِ؟ الْجَوَابُ: يَجُوزُ الدُّعَاءُ فِي صَلاةِ الاسْتِخَارَةِ , وَغَيْرِهَا: قَبْلَ السَّلامِ , وَبَعْدَهُ , وَالدُّعَاءُ قَبْلَ السَّلامِ أَفْضَلُ ; فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَكْثَرُ دُعَائِهِ قَبْلَ السَّلامِ , وَالْمُصَلِّي قَبْلَ السَّلامِ لَمْ يَنْصَرِفْ , فَهَذَا أَحْسَنُ , وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ..
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2167)
من استخار في أمر فليمض فيه وليعزم
[السُّؤَالُ]
ـ[قمت بخطبة فتاة بقصد الزواج بها، ثم قمت بعد ذلك بصلاة الاستخارة بشأن هذا الزواج، فإذا بنفس اليوم الذي قمت فيه بصلاة الاستخارة ذهبت أنا وعائلتي لزيارة عائلة خطيبتي فإذا بها تتصرف تصرفا غير لائق مع والدتي مما أدى إلى خلق مشكلة مع عائلتي، فهل يجب علي أن أعتبر أن هذا الأمر إجابة من الله لأبتعد عن هذه الفتاة أو يجب علي مواصلة علاقتي بها رغم تخوف أفراد عائلتي من أن تضر هذه الفتاة بعلاقتنا الأسرية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كانت هذه الفتاة مرضية الدين والخُلق، واستخرت الله تعالى في خطبتها، فامض في أمرك ولا تتردد، فما يسره الله لك فهو الخير إن شاء الله، فعلامة الاستخارة: تيسير الأمر ومضيه، فإن تعسر ولم يمض كان دليلا على أنه لا خير للعبد فيه، ولهذا جاء في دعاء الاستخارة: (اللهم إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذا الأَمْرَ - ويسميه - خَيْرٌ لي في دِيني وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي فَاقْدُرْهُ لي وَيَسِّرْهُ لي ثُمَّ بَارِكْ لي فِيهِ. وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذا الأَمْرَ شَرٌّ لي في دِيني وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدُرْ لِيَ الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ) .
وتصرف الفتاة تصرفا خاطئا مع والدتك ليس سببا كافيا لتركها، فقد يقع ذلك على سبيل الغفلة أو الزلة أو لشدة الحياء ونحو ذلك.
لكن إن ظهر لك أن هذا التصرف يقدح في دينها أو خلقها، فهنا تكون محقّاً في ترددك في إتمام الزواج. وينبغي عليك إذا أردت أن تمضي هذا الزواج أن تزيل الوحشة بين أهلك وخطيبتك، وأن تهيئ أسرتك لاستقبالها فردا جديدا من أفرادها.
والحاصل أن من صدق في اللجوء إلى ربه، وتفويض أمره إليه، واستخار في أمر من أموره، فليمض فيه، فإن تيسر كان هذا دليلا على أنه الخير له، وإن وقف وتعسر، فلينصرف عنه، وليعلم أن صرف ذلك عنه هو الخير إن شاء الله. وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى، ويسر لنا ولك أرشد الأمور وأحبها إليه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2168)
كيف يمكن الاستفادة من صلاة الاستخارة بشكل صحيح؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يمكن الاستفادة من صلاة الاستخارة بشكل صحيح؟
بعد صلاة الاستخارة والتي قمت بها بعد أن تقدم لي شخص ما، حلمت أن أخت الخاطب كانت تلبسني جبة خضراء وكانت تقول لي بأن أخاها الخاطب لا يهدي إلا كل ما هو جميل، فأرجو منكم أن تدلوني على معنى هذه الرؤية حتى أتمكن من الاستفادة من صلاة الاستخارة بشكل صحيح.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هنا عدة أمور ينبغي التفطن لها:
أولاً:
بالنسبة للرؤيا التي رأيتِها؛ فعليك بسؤال من يحسن ذلك ممن يوثق بدينه وعقيدته ليفسرها لك، واحذري من الجهلة والمشعوذين.
ثانياً:
يظن كثير من الناس أنه يشترط في نتيجة الاستخارة؛ أن يتبعها رؤيا منام، أو راحة ملموسة في الصدر، أو ما شابه ذلك، مع أن الأمر ليس كذلك، فلو لم يحدث شيء من ذلك، وكان الإنسان قد استخار، وبذل الأسباب الممكنة في معرفة الأصلح له؛ من الاستشارة، والتحري، وسؤال أهل الخبرة، ثم أقدم بعد ذلك، فيرجى أن يكون هذا هو الخير له، ولو لم ينشرح صدره ابتداء، بل حتى لو فرض عدم توفيقه في هذا الأمر الذي أقدم عليه بعد الاستخارة؛ فقد يكون فيه خير له لا يعلمه هو، ويعلمه ربه عز وجل.
قال ابن الحاج المالكي:
" وبعضهم يستخير الاستخارة الشرعية ويتوقف بعدها حتى يرى مناماً يفهم منه فعل ما استخار فيه أو تركه، أو يراه غيره له، وهذا ليس بشيء، لأن صاحب العصمة صلى الله عليه وسلم قد أمر بالاستخارة والاستشارة، لا بما يرى في المنام " انتهى.
"المدخل" (4/ 37) .
ثالثاً:
لو فرض أن تعبير الرؤيا كان يدل على خير، فإن الرؤى الصالحة لا تعدو أن تكون مبشرات، لكن لا يعتمد عليها، بل ينبغي التحري والسؤال عن المتقدم للخطبة والتأكد من سلامة دينه وأخلاقه وغيرها مما يهمك التعرف عليه في شأنه، فإذا تحققت من هذه الأمور، فتكون الرؤيا الصالحة هي بمثابة التبشير، والتفاؤل بالخير من هذا الإقدام.
نسأل الله تعالى أن ييسر لك الخير، ويبارك لك فيه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2169)
هل يصلي صلاة الاستخارة في وقت النهي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن أصلي صلاة الاستخارة في وقت النهي عن الصلاة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سبق في جواب السؤال (306) ، (8818) ، (20013) بيان الأوقات التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فيها، وأن المراد بذلك النهي: صلاة النفل المطلق التي لا سبب لها، وأما النافلة التي لها سبب كتحية المسجد فإنها تصلى في وقت النهي.
وقد اختلف العلماء في صلاة الاستخارة هل تعتبر من ذوات الأسباب أم لا؟
والصواب في هذا: أن الاستخارة إذا كانت لأمر يفوت بحيث لا يمكن من تأجيل الصلاة فإنها تصلى في وقت النهي، كما لو عرض له السفر بعد صلاة العصر، وأما إن كانت لأمر لا يفوت بحيث يمكن تأجيل الصلاة إلى ما بعد انتهاء وقت النهي فإنها لا تصلى في وقت النهي.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى الكبرى" (5/345) :
" وتقضى السنن الراتبة , ويفعل ما له سبب في أوقات النهي , وهو إحدى الروايتين عن أحمد، واختيار جماعة من أصحابنا وغيرهم , ويصلي صلاة الاستخارة وقت النهي في أمر يفوت بالتأخير إلى وقت الإباحة.
ويستحب أن يصلي ركعتين عقب الوضوء ولو كان وقت النهي , وقاله الشافعية " انتهى.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يصلي الإنسان صلاة الاستخارة في وقت النهي؟
فأجاب:
" صلاة الاستخارة إن كانت لأمر مستعجل لا يتأخر حتى يزول النهي فإنها تفعل، وإن كانت لسبب يمكن أن يتأخر فإنه يجب أن تؤخر " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (14/275) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2170)
يحب الدعوة ورأى حلماً مزعجاً
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو أن يكون بإمكانكم مساعدتي في حيرتي، صليت الاستخارة قبل خمسة أيام، سألت الله إن كان باستطاعتي أن أحول رجلاً غير مسلم إلى مسلم وأن أريه طريق الصواب لحبي للإسلام ولله، أنا مهووس بهذه الفكرة لأنها أمنيتي في الحياة ولو لمرة واحدة في حياتي لأني أحب الله كثيرا من كل قلبي. لقد سألت الله في صلاة الاستخارة إن كان حلمي سيتحقق وأيضا سألته الهداية لذلك.
لكن حلمت اليوم صباحا بحلم مزعج. فما رأيكم ?.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله أن يثيبك على ما تقوم به من واجب الدعوة إلى الله، والحرص على نشر الخير، وحبك للخير ونشره يدل على خيريتك إن شاء الله، ونسأل الله أن تكون داخلاً في قوله تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} .
وأما ما ذكرت من محبتك لله سبحانه وتعالى فهذه صفة أحباب الله الذين قال الله عنهم: {يحبهم ويحبونه} ، فمن أحب الله بصدق أحبه الله، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم " من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه " رواه البخاري (6507) ومسلم (2683) .
وقد أخرج البخاري (7375) ومسلم (813) عن عائشة رضي الله عنها: " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ رَجُلًا عَلَى سَرِيَّةٍ وَكَانَ يَقْرَأُ لِأَصْحَابِهِ فِي صَلَاتِهِمْ فَيَخْتِمُ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ سَلُوهُ لأَيِّ شَيْءٍ يَصْنَعُ ذَلِكَ فَسَأَلُوهُ فَقَالَ لأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ " فهذا الرجل أحب صفة الله فأحبه الله.
وإذا أردت أن تعرف صدق محبتك لله فاعرض نفسك على هذه الآية التي يقول الله تعالى فيها: {قل إن كنتم تُحبون الله فاتبعوني يُحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم} أي اتبعوا النبي صلى الله عليه وسلم.
فإذا أحبك الله فأبشر بالخير العظيم فقد قال الله تعالى في الحديث القدسي: " مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ " رواه البخاري (6502)
فهذه ست فوائد من فوائد محبة الله للعبد وهي على سبيل التفصيل:
1- أن يكون الله سمعه، أي أنه لا يسمع إلا ما يرضي الله.
2- أن يكون بصره، أي لا ينظر إلا إلى ما يُرضي الله.
3- أن يكون رجله التي يمشي عليها، أي لا يمشي إلا إلى ما يحبه الله.
4- أن يكون يده التي يبطش بها، أي أنه لا ينتقم لنفسه وإنما لله فلا يعمل بيده إلا ما يرضي الله.
5- أن يستجيب الله دعائه.
6- أن يعيذه الله من كل ما يكره.
فهنيئاً لأحباب الله، هنيئاً لأولياء الله، هنيئاً لحزب الله: (أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون)
أما الاستخارة فإنها تشرع عندما يهمُّ الإنسان بالقيام بعمل ثم يتردد فيه، وأما عملك الذي تقوم به وهو دعوة الخلق إلى الله، فلا يحتاج منك إلى استخارة بل أقدم وادع إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.
وأما بالنسبة للحلم الذي رأيته في منامك فهو من الشيطان، وقد أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم عندما نرى ما يسرنا أن نخبر به من نُحب، وأما إذا رأينا ما نكره أن نستعيذ بالله من الشيطان وأن ننفث عن اليسار ثم نتحول إلى الجهة الأخرى، ولا نلتفت إلى هذا الحلم أنظر السؤال (9577) .
وإذا أردت أن تتعرف على هدي النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فراجع السؤال رقم (21216)
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2171)
المواظبة على القنوت في الوتر كل ليلة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم قراءة دعاء القنوت في كل ليلة بعد الوتر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا حرج في هذا. دعاء القنوت سنة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقنت، وقد علم الحسن القنوت وكلمات القنوت في الوتر، فهو سنة، فإذا قرأت في كل ليلة فلا بأس، وإن تركت في بعض الأحيان حتى يعلم الناس أنه ليس بواجب، فهذا لا بأس به، إذا ترك الإمام القنوت بعض الأحيان ليعلم الناس أنه ليس بواجب، فلا بأس، النبي صلى الله عليه وسلم لما علم الحسن القنوت لم يقل له: دعه في بعض الأيام، دل ذلك على أنه إذا استمر فلا حرج" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (2/1062) .
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
فتاوى نور على الدرب(5/2172)
إذا أوتر بركعة واحدة، فماذا يقرأ فيها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد معرفة صلاة الوتر ذات الركعة الواحدة ما الآية التي تقرأ فيها هل تقرأ سورة (سبح اسم ربك الأعلى) ، أم سورة (الإخلاص) ، أم سورة (الكافرون) أم تقرأ الثلاث السور كلها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
السنة لمن أوتر بثلاث ركعات أن يقرأ في الأولى بعد الفاتحة: "سبح اسم ربك الأعلى"، وفي الثانية: "قل يا أيها الكافرون"، وفي الثالثة: "قل هو الله أحد".
ودليل ذلك ما رواه أحمد (2715) والترمذي (462) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ: بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، وَقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وروى النسائي (1730) وابن ماجه (1171) عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنهما قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوتِرُ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، وَقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه.
واستحب بعض الأئمة أن يقرأ المعوذتين بعد سورة الإخلاص في الركعة الثالثة. واستدلوا بما رواه الترمذي (463) عن عائشة رضي الله عنها أنها سئلت: بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ يُوتِرُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقَالَتْ: (كَانَ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، وَفِي الثَّانِيَةِ بِقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، وَفِي الثَّالِثَةِ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ) .
وقد صحح هذا الحديث: الحاكم ووافقه الذهبي، وحسنه الحافظ ابن حجر في "نتائج الأفكار" وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وضعفه الإمام أحمد ويحيى بن معين والعقيلي والشوكاني وغيرهم.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/599) :
"ويستحب أن يقرأ في ركعات الوتر الثلاث، في الأولى بـ (سبح) ، وفي الثانية: (قل يا أيها الكافرون) ، وفي الثالثة: (قل هو الله أحد) وبه قال الثوري وإسحاق وأصحاب الرأي، وقال الشافعي: يقرأ في الثالثة: (قل هو الله أحد) والمعوذتين، وهو قول مالك في الوتر، وقال في الشفع: لم يبلغني فيه شيء معلوم، وقد روي عن أحمد أنه سئل: يقرأ بالمعوذتين في الوتر؟ قال: ولِمَ لا يقرأ؟ ...
وحديث عائشة في هذا لا يثبت، فإنه يرويه يحيى بن أيوب وهو ضعيف، وقد أنكر أحمد ويحيى بن معين زيادة المعوذتين" انتهى.
وقول الإمام أحمد رحمه الله: ولِمَ لا يقرأ؟ يعني: مع ضعف الحديث، فلا حرج عليه إذا قرأ المعوذتين مع قل هو الله أحد في الركعة الثالثة، وإن كان الأصح أن يقتصر على (قل هو الله أحد) فقط.
وبالرغم من ورود حديث ابن عباس وأبي بن كعب وعائشة رضي الله عنهما في قراءة الرسول صلى الله عليه وسلم هذه السور الثلاثة فقد اختلف العلماء في ذلك، فذهب أبو حنيفة إلى أنه يقرأ في الوتر ما يشاء، وكذا الإمام مالك، في ركعتي الشفع ـ كما ذكره ابن قدامة عنه، وقد نقلناه آنفاً.
وهو قول بعض التابعين كإبراهيم النخعي رحمه الله، فقد روى عبد الرزاق في "المصنَّف" (3/34) عن إبراهيم النخعي قال: اقرأ فيهن ما شئت، ليس فيهن شيء موقوت. أي: محدد.
وجاء في " المدونة " (1 / 212) :
وقال مالك: الوتر واحدة، والذي أقر به وأقرأ به فيها في خاصة نفسي: (قل هو الله أحد) ، و (قل أعوذ برب الفلق) ، و (قل أعوذ برب الناس) في الركعة الواحدة مع أمِّ القرآن: قال ابن القاسم: وكان لا يفتي به أحدا، ولكنه كان يأخذ به في خاصة نفسه. انتهى.
وظاهر هذا، أنه لم يثبت شيء عند الإمام مالك رحمه الله في القراءة في الوتر، وإلا كان أفتى به.
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (27/298) :
"ما يقرأ في صلاة الوتر.. اتفق الفقهاء على أنه يقرأ في كل ركعة من الوتر الفاتحة وسورة. والسورة عند الجمهور سنة ... ثم ذهب الحنفية إلى أنه لم يوقت في القراءة في الوتر شيء غير الفاتحة , فما قرأ فيه فهو حسن , وما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قرأ به في الأولى بسورة (سبح اسم ربك الأعلى) , وفي الثانية بـ (الكافرون) وفي الثالثة (بالإخلاص) , فيقرأ به أحيانا , ويقرأ بغيره أحيانا للتحرز عن هجران باقي القرآن. وذهب الحنابلة إلى أنه يندب القراءة بعد الفاتحة بالسور الثلاث المذكورة ... وذهب المالكية والشافعية إلى أنه يندب في الشفع (سبح , والكافرون) , أما في الثالثة فيندب أن يقرأ بسورة الإخلاص , والمعوذتين) " انتهى.
وإذا كان قد وقع الاختلاف مع ورود هذه الأحاديث في قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الوتر بثلاث، فأولى أن يقع الاختلاف في القراءة إذا أوتر بركعة واحدة.
ويمكننا حصر أقوى ما ينبغي أن يقال في قراءة الركعة الواحدة من الوتر في قولين:
1. الإخلاص، أو الإخلاص والمعوذتان – عند من يصحح حديثهما -.
2. التخيير، فيقرأ ما يشاء، وهذا أكثر ما ورد عن السلف.
وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى ركعة الوتر، وقرأ فيها بمائة آية من النساء، ولم يقرأ فيها بقل هو الله أحد.
فعن أبي مجلز أن أبا موسى: كان بين مكة والمدينة فصلَّى العشاء ركعتين، ثم قام فصلى ركعة أوتر بها فقرأ فيها بمائة آية من النساء، ثم قال: ما ألوت أن أضع قدمي حيث وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم قدميه، وأنا أقرأ بما قرأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
رواه النسائي (1728) وصححه الألباني في " صحيح النسائي "، وهناك كلام لبعض أهل العلم في سماع أبي مجلز من أبي موسى، وقد اعتمدنا ها هنا تصحيح الشيخ الألباني.
ومعنى " ألَوت ": أي: قصَّرت.
وقد نقل ابن حجر الهيتمي رحمه الله عن البلقيني أن من أوتر بغير ثلاث يقرأ بما يشاء، غير أن ابن حجر توقف في ذلك. فقال رحمه الله في " تحفة المحتاج في شرح المنهاج " (2/227) :
"ويسنُّ في الأولى: قراءة " سبح "، وفي الثانية " الكافرون "، وفي الثالثة: " الإخلاص "، و " المعوذتين "؛ للاتباع، وقضيته: أن ذلك إنما يسن إن أوتر بثلاث؛ لأنه إنما ورد فيهن.
ولو أوتر بأكثر: فهل يسنُّ ذلك في الثلاثة الأخيرة فَصَلَ، أو وَصَلَ؟ محل نظر، ثم رأيتُ البلقيني قال: " إنه متى أوتر بثلاث مفصولة عما قبلها كثمان أو ست أو أربع: قرأ ذلك في الثلاثة الأخيرة، ومن أوتر بأكثر من ثلاث موصولة: لم يقرأ ذلك في الثلاثة، أي: لئلا يلزم خلو ما قبلها عن سورة، أو تطويلها على ما قبلها، أو القراءة على غير ترتيب المصحف، أو على غير تواليه، وكل ذلك خلاف السنَّة " اهـ.
نعم، يمكن أن يقرأ فيما لو أوتر بخمس – مثلاً -: " المطففين " و " الانشقاق " في الأولى، و " البروج " و " الطارق " في الثانية، وحينئذ لا يلزم شيء من ذلك.انتهى.
والذي نراه أن تعليل البلقيني رحمه الله فيه نظر، وقد ردَّ عليه بسهولة الهيتمي رحمه الله، وكان اللائق أن يقول في السبب المانع من القراءة بما ورد في الثلاث إن صلَّى بأكثر منها: بأنه " إنما ورد فيهن " وهي عبارة الهيتمي نفسها في أول كلامه.
وقال ابن حزم في "المحلى" (3/50) :
"ويقرأ في الوتر بما تيسر من القرآن مع أم القرآن، وإن قرأ في الثلاث ركعات مع أم القرآن بسبح اسم ربك الأعلى وقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد: فحسن، وإن اقتصر على أم القرآن فحسن، وإن قرأ في ركعة الوتر مع أم القرآن بمائة آية من النساء فحسن، قال تعالى (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ) المزمل/20" انتهى.
والخلاصة:
الذي يظهر لنا فيمن أوتر بركعة واحدة أنه يقرأ ما يشاء بعد الفاتحة، وليس هناك قراءة معينة وردت بها السنة، وإذا قرأ بقل هو الله أحد فلا حرج عليه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2173)
تقسيم قيام الليل في العشر الأواخر إلى قسمين
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو التكرم بذكر أقوال العلماء بشأن حكم تقسيم صلاة التراويح في العشر الأواخر من رمضان قسمين: في أول الليل، وآخره , كما يفعل كثير من المساجد، مع ذكر الأدلة إن أمكن.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المستحب في ليالي رمضان إحياؤها بالقيام والصلاة والعبادة، وتخصيص العشر الأواخر منه بمزيد تعبد واجتهاد، طلبا للمغفرة والرحمة، وتحريا لليلة القدر التي هي خير من ألف شهر.
ثم إن صلاة التراويح تعتبر من قيام الليل، وتسميتها بالتراويح لما يتخللها من أخذ قسط يسير من الراحة بين الركعات، ولذلك فالأمر فيها واسع، يجوز للعبد أن يصلي في الليلة ما شاء من الركعات، وفي أي وقت من الليل شاء.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (34/123) :
" لا خلاف بين الفقهاء في سنية قيام ليالي رمضان؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)
وقال الفقهاء: إن التراويح هي قيام رمضان؛ ولذلك فالأفضل استيعاب أكثر الليل بها ; لأنها قيام الليل " انتهى.
وما يقوم به كثير من الأئمة اليوم – خاصة في العشر الأواخر – من الصلاة بالناس التراويح بعد العشاء مباشرة، ثم الرجوع إلى المسجد في ساعة متأخرة من الليل للصلاة والقيام، هو من المشروع لا من الممنوع، وليس هناك ما يمنعه، والمطلوب هو الاجتهاد في العشر الأواخر على حسب الاستطاعة، فإذا قَسَّم المرء ليله ما بين صلاة وراحة ونوم وقراءة قرآن فقد أحسن.
قال الشيخ عبد الله أبابطين – كما في "الدرر السنية" (4/364) -:
" مسألة في الجواب عما أنكره بعض الناس على من صلى في العشر الأواخر من رمضان زيادة على المعتاد في العشرين الأول، وسبب إنكارها لذلك غلبة العادة، والجهل بالسنة وما عليه الصحابة والتابعون وأئمة الإسلام.
فنقول: قد وردت الأحاديث عن النبي صلى الله وعليه وسلم بالترغيب في قيام رمضان، والحث عليه، وتأكيد ذلك في عشره الأخير.
إذا تبين أنه لا تحديد في عدد التراويح، وأن وقتها عند جميع العلماء من بعد سنة العشاء إلى طلوع الفجر، وأن إحياء العشر سنة مؤكدة، وأن النبي صلى الله وعليه وسلم صلاها ليالي جماعة، فكيف ينكر على من زاد في صلاة العشر الأواخر عما يفعلها أول الشهر، فيصلي في العشر أول الليل، كما يفعل في أول الشهر، أو قليل، أو كثير، من غير أن يوتر، وذلك لأجل الضعيف لمن يحب الاقتصار على ذلك، ثم يزيد بعد ذلك ما يسره الله في الجماعة، ويسمى الجميع قياماً وتراويح.
وربما اغتر المنكر لذلك بقول كثير من الفقهاء: يستحب أن لا يزيد الإمام على ختمة، إلا أن يؤثر المأمومون الزيادة، وعللوا عدم استحباب الزيادة على ختمة بالمشقة على المأمومين، لا كون الزيادة غير مشروعة، ودل كلامهم على أنهم لو آثروا الزيادة على ختمة كان مستحباً، وذلك مصرح به في قولهم: إلا أن يؤثر المأمومون الزيادة.
وأما ما يجري على ألسنة العوام من تسميتهم ما يفعل أول الليل تراويح، وما يصلي بعد ذلك قياماً، فهو تفريق عامي، بل الكل قيام وتراويح، وإنما سمي قيام رمضان تراويح لأنهم كانوا يستريحون بعد كل أربع ركعات من أجل أنهم كانوا يطيلون الصلاة، وسبب إنكار المنكر لذلك لمخالفته ما اعتاده من عادة أهل بلده وأكثر أهل الزمان، ولجهله بالسنة والآثار، وما عليه الصحابة والتابعون وأئمة الإسلام، وما يظنه بعض الناس من أن صلاتنا في العشر هي صلاة التعقيب الذي كرهه بعض العلماء فليس كذلك؛ لأن التعقيب هو التطوع جماعة بعد الفراغ من التراويح والوتر.
هذه عبارة جميع الفقهاء في تعريف التعقيب أنه التطوع جماعة بعد الوتر عقب التراويح، فكلامهم ظاهر في أن الصلاة جماعة قبل الوتر ليس هو التعقيب " انتهى باختصار.
وقال الشيخ صالح الفوزان في كتاب "إتحاف أهل الإيمان بمجالس شهر رمضان":
" وأما في العشر الأواخر من رمضان، فإن المسلمين يزيدون من اجتهادهم في العبادة، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وطلباً لليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، فالذين يصلون ثلاثاً وعشرين ركعة في أول الشهر يقسمونها في العشر الأواخر، فيصلون عشر ركعات في أول الليل، يسمونها تراويح، ويصلون عشراً في آخر الليل، يطيلونها مع الوتر بثلاث ركعات، ويسمونها قياماً، وهذا اختلاف في التسمية فقط، وإلا فكلها يجوز أن تسمى تراويح، أو تسمى قياماً، وأما من كان يصلى في أول الشهر إحدى عشرة أو ثلاث عشرة ركعة فإنه يضيف إليها في العشر الأواخر عشر ركعات، يصليها في آخر الليل، ويطيلها، اغتناماً لفضل العشر الأواخر، وزيادة اجتهاد في الخير، وله سلف في ذلك من الصحابة وغيرهم ممن كانوا يصلون ثلاثاً وعشرين كما سبق، فيكونون جمعوا بين القولين: القول بثلاث عشرة في العشرين الأول، والقول بثلاث وعشرين في العشر الأواخر " انتهى.
وانظر للفائدة جواب السؤال رقم: (82152) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2174)
مشابهة الوتر للمغرب
[السُّؤَالُ]
ـ[كتبت في مقالة " صلاة الليل في رمضان " أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم الصلاة للوتر كثلاث ركعات ووضح ذلك بقوله: لا تجعلوها تشابه صلاة المغرب. وعليه فإن من أراد أن يصلي الوتر ثلاثا عليه أن يجد طريقة تجعلها تختلف (عن صلاة المغرب) . وهناك طريقتان: إما بالتسليم عقب الركعتين الأوليين، وهو الأفضل، أو بعدم الجلوس بعد الركعتين الأوليين.
أنا أيضا أصلي ثلاث ركعات للوتر لكني أجعل صلاتي تختلف عن المغرب برفع يدي للتكبير قبل دعاء القنوت. فهل يصح ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قبل الجواب على هذا السؤال نشكر لك حرصك على اتباع السنة، ونسأل الله أن يجعلنا وإياك ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
ما ذكرته – وفقك الله - من إرادتك عدم المشابهة بأن ترفع يدك للتكبير قبل دعاء القنوت، فهذا ليس مرادا من نهي النبي صلى الله عليه وسلم في قوله في الحديث الذي أخرجه الحاكم (1/304) والبيهقي (3/31) والدارقطني (ص172) وصححه الحاكم على شرطهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا توتروا بثلاث تشبهوا المغرب ". ومراده صلى الله عليه وسلم – كما بينه أهل العلم – هو النهي عن الجلوس للتشهد الأول بحيث تشبه صلاة المغرب.
انظر في ذلك: فتح الباري لابن حجر4/301 قال الحافظ: إسناده على شرط الشيخين، وعون المعبود شرح حديث رقم (1423) ، وصلاة التراويح للألباني ص97.
ورفع اليدين للتكبير قبل دعاء القنوت ليس بفرق في الحقيقة؛ لأن مواضع رفع اليدين في الصلاة أربعة:
1- عند تكبيرة الإحرام.
2- عند الركوع.
3- عند الرفع من الركوع.
4- عند القيام من التشهد الأول.
فلا يشرع للمصلي أن يرفع يديه في غير هذه المواضع الأربعة.
انظر في ذلك فتاوى أركان الإسلام للشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله ص 312.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2175)
يحمل مصحف بتفسير في قيام الليل
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن يحمل معه مصحف بهامشه تفسير في قيام الليل، فإذا أشكلت عليه كلمة نظر في معناها أثناء الصلاة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سألت هذا السؤال لشيخي سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله فأجاب:
لا بأس. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله(5/2176)
الأسباب المعينة على قيام الليل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الأمور التي تساعد على قيام الليل (التهجد) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأسباب المعينة على قيام الليل كثيرة منها:
1- الإخلاص لله تعالى: كما أمر الله تعالى بإخلاص العمل له دون ما سواه: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) ، فكلما قوي إخلاص العبد كان أكثر توفيقاً إلى الطاعات والقربات، وفي حديث أبي بن كعب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " بشر هذه الأمة بالسناء والدين والرفعة والنصر والتمكين في الأرض، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة من نصيب " رواه أحمد صحيح الجامع 2825. قال مطرف بن عبد الله بن الشخير: صلاح العمل بصلاح القلب، وصلاح القلب بصلاح النية. قال ابن القيم رحمه الله: وعلى قدر نية العبد وهمته ومراده ورغبته يكون توفيقه سبحانه وإعانته، فالمعونة من الله تنزل على العباد على قدر هممهم ونياتهم ورغبتهم ورهبتهم، والخذلان ينزل عليهم على حسب ذلك. ولذا حرص السلف الكرام أشد الحرص على إخفاء الطاعات كقيام الليل؛ سأل رجل تميم بن أوس الداري رضي الله عنه فقال له: كيف صلاتك بالليل؟ فغضب غضباً شديداً ثم قال: والله لركعة أصليها في جوف الليل في السر أحب إلي من أن أصلي الليل كله، ثم أقصه على الناس. وكان أيوب السختياني يقوم الليل كله، فإذا قرب الفجر رجع فاضطجع في فراشه، فإذا طلع الصبح رفع صوته كأنه قد قام تلك الساعة.
2- أن يستشعر مريد قيام الليل أن الله تعالى يدعوه للقيام: فإذا استشعر العبد أن مولاه يدعوه لذلك وهو الغني عن طاعة الناس جميعاً كان ذلك أدعى للاستجابة، قال تعالى: (يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلاً نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلاً) ، قال سعد بن هشام بن عامر لعائشة رضي الله عنها: أنبئيني عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: ألست تقرأ (يا أيها المزمل) قلت: بلى، فقالت: إن الله عز وجل افترض قيام الليل في أول هذه السورة فقام النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولاً، وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهراً في السماء حتى أنزل الله في آخر هذه السورة التخفيف، فصار قيام الليل تطوعاً بعد فريضة. رواه مسلم.
2- معرفة فضل قيام الليل: فمن عرف فضل هذه العبادة حرص على مناجاة الله تعالى، والوقوف بين يديه في ذلك الوقت، ومما جاء في فضل هذه العبادة ما ثبت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أفضل الصلاة بعد الصلاة المكتوبة الصلاة في جوف الليل، وأفضل الصيام بعد شهر رمضان صيام شهر الله المحرم " رواه مسلم. وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أحب الصلاة إلى الله صلاة داود، وأحب الصيام إلى الله صيام داود، كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه، ويصوم يوماً ويفطر يوماً " متفق عليه. وعن عمرو بن عبسة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن " رواه الترمذي والنسائي. وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " عجب ربنا من رجلين: رجل ثار عن وطائه ولحافه من بين أهله وحبه إلى صلاته فيقول الله جل وعلا: أيا ملائكتي انظر إلى عبدي ثار من فراشه ووطائه من بين حبه وأهله إلى صلاته رغبة فيما عندي، وشفقة مما عندي " رواه أحمد وهو حسن، صحيح الترغيب 258. وقيام الليل يطرد الغفلة عن القلب كما جاء في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين " رواه أبوداود وابن حبان وهو حسن، صحيح الترغيب 635. قال يحى بن معاذ: دواء القلب خمسة أشياء: قراءة القرآن بالتفكر، وخلاء البطن، وقيام الليل، والتضرع عند السحر، ومجالسة الصالحين.
4-النظر في حال السلف والصالحين في قيام الليل ومدى لزومهم له: فقد كان السلف يتلذذون بقيام الليل، ويفرحون به أشد الفرح، قال عبد الله بن وهب: كل ملذوذ إنما له لذة واحدة، إلا العبادة، فإن لها ثلاث لذات: إذا كنت فيها، وإذا تذكّرتها، وإذا أعطيت ثوابها. وقال محمد بن المنكدر: ما بقي من لذات الدنيا إلا ثلاث: قيام الليل، ولقاء الإخوان، والصلاة في جماعة. وقال ثابت البناني: ما شيء أجده في قلبي ألذّ عندي من قيام الليل وقال يزيد الرقاشي: بطول التهجد تقر عيون العابدين، وبطول الظمأ تفرح قلوبهم عند لقاء الله. قال مخلد بن حسين: ما انتبهت من الليل إلا أصبت إبراهيم بن أدهم يذكر الله ويصلي، فأَغتمُّ لذلك، ثم أتعزى بهذه الآية (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم) . وقال أبو عاصم النبيل: كان أبو حنيفة يسمى الوتد لكثرة صلاته. وعن القاسم بن معين قال: قام أبو حنيفة ليلة بهذه الآية (بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر) يرددها ويبكي، ويتضرع حتى طلع الصبح. وقال إبراهيم بن شماس: كنت أرى أحمد بن حنبل يُحيي الليل وهو غلام. وقال أبو بكر المروذي: كنت مع الإمام أحمد نحواً من أربعة أشهر بالعسكر ولا يدع قيام الليل وقرآن النهار، فما علمت بختمة ختمها، وكان يسرّ ذلك. وكان الإمام البخاري: يقوم فيتهجد من الليل عند السحر فيقرأ ما بين النصف إلى الثلث من القرآن، فيختم عند السحر في كل ثلاث ليال. وقال العلامة ابن عبد الهادي يصف قيام شيخ الإسلام ابن تيمية: وكان في ليله منفرداً عن الناس كلهم خالياً بربه، ضارعاً مواظباً على تلاوة القرآن، مكرراً لأنواع التعبدات الليلية والنهارية، وكان إذا دخل في الصلاة ترتعد فرائصه وأعضاؤه حتى يميل يمنة ويسرة. وقال ابن رجب في شيخه الإمام ابن القيم: وكان ذا عبادة وتهجد وطول صلاة إلى الغاية القصوى، ولم أشاهد مثله في عبادته وعلمه بالقرآن والحديث وحقائق الإيمان. وقال الحافظ ابن حجر يصف شيخه الحافظ العراقي: وقد لازمته، فلم أره ترك قيام الليل بل صار له كالمألوف.
3- النوم على الجانب الأيمن: وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرشد أمته إلى النوم على الجانب الأيمن، كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أوى أحدكم إلى فراشه فليفضه بداخلة إزاره، فإنه لا يدري ما خلّفه عليه، ثم ليضطجع على شقه الأيمن، ثم ليقل باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه إن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين " متفق عليه. وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن " متفق عليه، وعن حفصة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أخذ مضجعه جعل يده اليمنى تحت خده الأيمن " رواه الطبراني، صحيح الجامع 4523. قال الإمام ابن القيم رحمه الله: وفي اضطجاعه صلى الله عليه وسلم على شقه الأيمن سر، وهو أن القلب معلّق في الجانب الأيسر، فإذا نام على شقه الأيسر استثقل نوماً، لأنه يكون في دعة واستراحة فيثقل نومه، فإذا نام على شقه الأيمن فإنه يقلق ولا يستغرق في النوم لقلق القلب وطلبه مستقره وميله إليه.
4- النوم على طهارة: تقدم حديث البراء بن عازب رضي الله عنه وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة " متفق عليه، وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما من مسلم يبيت على ذكر طاهراً فيتعارّ من الليل، فيسأل الله خيراً من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه " رواه أبو داود وأحمد، صحيح الجامع 5754. وجاء من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " طهّروا هذه الأجساد طهركم الله، فإنه ليس عبد يبيت طاهراً إلا بات معه في شعاره ملك، لا يتقلب ساعة من الليل إلا قال: اللهم اغفر لعبدك، فإنه بات طاهراً " رواه الطبراني، قال المنذري: إسناد جيد، صحيح الجامع 3831.
6- التبكير بالنوم: النوم بعد العشاء مبكراً وصية نبوية، وخصلة حميدة، وعادة صحية ومما جاء في فضله حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستحب أن يؤخر العشاء، وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها " رواه البخاري، نقل الحافظ ابن حجر عن القاضي عياض في قوله: "وكان يكره النوم قبلها " قال: لأنه قد يؤدي إلى إخراجها عن وقتها مطلقاً، أو عن الوقت المختار، والسمر بعدها قد يؤدي إلى النوم قبل الصبح، أو عن وقتها المختار، أو عن قيام الليل. وقال ابن رافع: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه ينِشّ الناس بدِرّته بعد العتمة ويقول: قوموا لعل الله يرزقكم صلاة. ومما يتعلق بالنوم: اختيار الفراش المناسب، وذلك بعدم المبالغة في حشو الفراش، وتليينه وتنعيمه لأن ذلك من أسباب كثرة النوم والغفلة، ومجلبة للكسل والدّعة، وثبت من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كانت وسادة النبي صلى الله عليه وسلم التي ينام عليها بالليل من أدم حشوها ليف. رواه أبوداود وأحمد، صحيح الجامع 4714. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على حصير قد أثر في جنبه الشريف فقال عمر: يا نبي الله لو اتخذت فراشاً أوْثر من هذا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ما لي وللدنيا، ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف، فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار، ثم راح وتركها. رواه أحمد والحاكم، صحيح الجامع 5545. وكان علي بن بكار رحمه الله تفرش له جاريته فراشه، فيلمسه بيده ثم يقول: والله إنك لطيب، والله إنك لبارد، والله لا علوتك ليلتي، ثم يقوم يصلي إلى الفجر. ومن ذلك عدم الإفراط في النوم والاستغراق فيه، قال إبراهيم ابن أدهم: إذا كنت بالليل نائماً، وبالنهار هائماً، وفي المعاصي دائماً، فكيف تُرضي من هو بأمورك قائماً.
7- المحافظ على الأذكار الشرعية قبل النوم: فإن هذه الأذكار حصن حصين يقي بإذن الله من الشيطان، ويعين على القيام، ومن هذه الأذكار، ما ثبت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أوى أحدكم إلى فراشه، فلينفضه بداخلة إزاره، فإنه لا يدري ما خلّفه عليه، ثم ليضطجع على شقّه الأيمن، ثم ليقل: باسمك ربي وضعت جنبي، وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين " متفق عليه. وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه، ثم نفث فيهما يقرأ (قل هو الله أحد) و (قل أعوذ برب الفلق) و (قل أعوذ برب الناس) ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات " متفق عليه.وعن أبي مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه " متفق عليه. وعن أنس بن مالك رضي الله أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه قال: " الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا، وكفانا فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي له " رواه مسلم. وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه وقصة الشيطان معه قال له: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) حتى تختمها، فإنه لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح، فذكر ذلك أبو هريرة للنبي صلى الله عليه وسلم فقال له: صدقك وهو كذوب " متفق عليه. وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابنته فاطمة رضي الله عنها لما جاءت إليه تطلب منه خادماً، فقال لها ولعلي: ألا أدلكما على خير لكما من خادم،إذا أويتما إلى فراشكما، فسبّحا ثلاثاً وثلاثين، واحمدا ثلاثاً وثلاثين، وكبرا أربعاً وثلاثين، فإنه خير لكما من خادم " متفق عليه. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " اقرأ (قل يا أيها الكافرون) عند منامك، فإنها براءة من الشرك " رواه البيهقي، صحيح الجامع 1172. وعن حفصة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أخذ مضجعه جعل يده اليمنى تحت خده الأيمن وقال: رب قني عذابك يوم تبعث عبادك " رواه أبو داود، صحيح الجامع 4532. وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أتيت إلى مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن، ثم قل: اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت، فإن متّ متّ على الفطرة، واجعلهن آخر ما تقول " متفق عليه. وينبغي كذلك أن يحافظ المسلم على الأذكار الشرعية عند الاستيقاظ، ومنها: ما ثبت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا استيقظ أحدكم فليقل: الحمد لله الذي رد علي روحي، وعافاني في جسدي، وأذن لي بذكره " رواه الترمذي والنسائي، صحيح الجامع 326. وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من تعارّ من الليل فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، الحمد لله سبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: اللهم اغفر لي، أو دعا استجيب له، فإن توضأ ثم صلى قُبلت صلاته " رواه البخاري. قال الإمام ابن بطال: وعد الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم أن من استيقظ من نومه لَهِجاً بتوحيد ربه، والإذعان له بالملك، والاعتراف بنعمه بحمده عليها، وينزهه عما لا يليق به بتسبيحه والخضوع له بالتكبير، والتسليم له بالعجز عن القدرة إلا بعونه، أنه إذا دعاه أجابه، وإذا صلى قبلت صلاته، فينبغي لمن بلغه هذا الحديث أن يغتنم العمل به، ويخلص نيته لربه سبحانه وتعالى. وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا استيقظ من نومه قال: " الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور " رواه مسلم. وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا استيقظ من الليل يمسح النوم عن وجهه بيده، ثم ينظر إلى السماء ويقرأ العشر آيات الخواتم من سورة آل عمران: (إن في خلق السماوات والأرض …) الآيات. رواه مسلم، قال الإمام النووي: فيه استحباب مسح أثر النوم عن الوجه، واستحباب قراءة هذه الآيات عند القيام من النوم.
5- الحرص على نومة القيلولة بالنهار: وهي إما قبل الظهر أو بعده، فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " قيلوا فإن الشياطين لا تقيل " رواه الطبراني، الصحيحة 2647، قال إسحاق بن عبد الله: القائلة من عمل أهل الخير، وهي مجمة للفؤاد مَقْواة على قيام الليل. ومرّ الحسن البصري بقوم في السوق في وسط النهار فرأى صخبهم وضجيجهم فقال: أما يقيل هؤلاء، فقيل له: لا فقال: إني لأرى ليلهم ليل سوء.
6- اجتناب كثرة الأكل والشرب: فإن الإكثار منهما من العوائق العظيمة التي تصرف المرء عن قيام الليل، وتحول بينه وبينه كما جاء في حديث المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما ملأ آدمي وعاءاً شراً من بطنه، حسْب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه " رواه الترمذي وابن ماجه، صحيح الجامع 5674. وعن أبي جحيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل تجشأ في مجلسه: أقصر من جشائك، فإن أكثر الناس شبعاً في الدنيا أكثرهم جوعاً يوم القيامة " رواه الحاكم، صحيح الجامع 1190. قال سفيان الثوري: عليكم بقلة الأكل، تملكوا قيام الليل. ورأى معقل بن حبيب قوماً يأكلون كثيراً فقال: ما نرى أصحابنا يريدون أن يصلوا الليلة. وقال وهب بن منبه: ليس من بني آدم أحب إلى شيطانه من الأكول النوام.
7- مجاهدة النفس على القيام: وهذا من أعظم الوسائل المعينة على قيام الليل لأن النفس البشرية بطبيعتها أمارة بالسوء تميل إلى كل شر ومنكر فمن أطاعها فيما تدعو إليه قادته إلى الهلاك والعطب، وقد أمرنا الله تعالى بالمجاهدة فقال: (وجاهدوا في الله حق جهاده) وقال سبحانه: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين) وقال تعالى: (تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً) وعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " المجاهد من جاهد نفسه في الله " رواه الترمذي وابن حبان، الصحيحة 549. وفي حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الرجل من أمتي يقوم من الليل يعالج نفسه إلى الطهور وعليه عُقَد، فإذا وضأ يديه انحلت عقدة، وإذا وضأ وجهه انحلت عقدة، وإذا مسح رأسه انحلت عقدة، وإذا وضأ رجليه انحلت عقدة، فيقول الله عز وجل للذين من وراء الحجاب: انظروا إلى عبدي هذا يعالج نفسه، ويسألني، ما سألني عبدي فهو له " رواه أحمد وابن حبان، صحيح الترغيب 627. قال محمد بن المنكدر: كابدت نفسي أربعين عاماً حتى استقامت لي. وقال ثابت البناني: كابدت نفسي على قيام الليل عشرين سنة وتلذذت به عشرين سنة. وقال عمر بن عبد العزيز: أفضل الأعمال ما أكرهت عليه النفوس. وقال عبد الله بن المبارك: إن الصالحين فيما مضى كانت تواتيهم أنفسهم على الخير، وإن أنفسنا لا تكاد تواتينا إلا على كره فينبغي لنا أن نكرهها. وقال قتادة: يا ابن آدم: إن كنت لا تريد أن تأتي الخير إلا بنشاط، فإن نفسك إلى السآمة وإلى الفترة وإلى الملل أميل، ولكن المؤمن هو المتحامل.
8- اجتناب الذنوب والمعاصي: فإذا أراد المسلم أن يكون مما ينال شرف مناجاة الله تعالى، والأنس بذكره في ظلم الليل، فليحذر الذنوب، فإنه لا يُوفّق لقيام الليل من تلطخ بأدران المعاصي، قال رجل لإبراهيم بن أدهم: إني لا أقدر على قيام الليل فصف لي دواء؟ فقال: لا تعصه بالنهار، وهو يُقيمك بين يديه في الليل، فإن وقوفك بين يديه في الليل من أعظم الشرف، والعاصي لا يستحق ذلك الشرف. وقال رجل للحسن البصري: يا أبا سعيد: إني أبِيت معافى، وأحب قيام الليل، وأعِدّ طهوري، فما بالي لا أقوم؟ فقال الحسن: ذنوبك قيدتْك. وقال رحمه الله: إن العبد ليذنب الذنب فيحرم به قيام الليل، وصيام النهار. وقال الفضيل بن عياض: إذا لم تقدر على قيام الليل، وصيام النهار، فأعلم أنك محروم مكبّل، كبلتك خطيئتك.
9- محاسبة النفس وتوبيخها على ترك القيام: فمحاسبة النفس من شعار الصالحين، وسمات الصادقين قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون) . قال الإمام ابن القيم: فإذا كان العبد مسئولاً ومحاسباً على كل شيء حتى على سمعه وبصره وقلبه كما قال تعالى: (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً) فهو حقيق أن يحاسب نفسه قبل أن يناقش الحساب.
وقيام الليل عبادة تصل القلب بالله تعالى، وتجعله قادراً على التغلب على مغريات الحياة الفانية، وعلى مجاهدة النفس في وقت هدأت فيه الأصوات، ونامت العيون وتقلب النّوام على الفرش. ولذا كان قيام الليل من مقاييس العزيمة الصادقة، وسمات النفوس الكبيرة، وقد مدحهم الله وميزهم عن غيرهم بقوله تعالى: (أمّن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجوا رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب) .
وقيام الليل سنة مؤكدة حث النبي صلى الله عليه وسلم على أدائها بقوله: " عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، ومقربة إلى ربكم، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم مطردة للداء عن الجسد " رواه الترمذي وأحمد.
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أفضل الصلاة بعد المكتوبة قيام الليل "، وقد حافظ النبي صلى الله عليه وسلم على قيام الليل، ولم يتركه سفراً ولا حضراً، وقام صلى الله عليه وسلم وهو سيد ولد آدم المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر حتى تفطّرت قدماه، فقيل له في ذلك فقا: " أفلا أكون عبداً شكوراً " متفق عليه.
وهكذا كان حال السلف الكرام عليه رحمة الله تعالى؛ قال أبو الدرداء رضي الله عنه: صلوا ركعتين في ظلم الليل لظلمة القبور. وقال أحمد بن حرب: عجبت لمن يعلم أن الجنة تزيّن فوقه، والنار تضرم تحته، كيف نام بينهما. وكان عمر بن ذر إذا نظر إلى الليل قد أقبل قال: جاء الليل، وللّيل مهابة، والله أحق أن يهاب، ولذا قال الفضيل بن عياض: أدركت أقواماً يستحيون من الله في سواد الليل من طول الهجعة إنما هو على الجنب فإذا تحرك قال: ليس هذا لكِ، قومي خذي حظك من الآخرة. وقال الحسن: ما نعلم عملاً أشد من مكابدة الليل، ونفقة المال، فقيل له: ما بال المتهجدين من أحسن الناس وجوهاً؟ قال: لأنهم خلو بالرحمن فألبسهم نوراً من نوره.
وكان نساء السلف يجتهدن في قيام الليل مشمرات للطاعة، فأين نساء هذه الأيام عن تلك الأعمال العظام. قال عروة بن الزبير أتيت عائشة رضي الله عنها يوماً لأسلم عليها فوجدتها تصلي وتقرأ قوله تعالى: (فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم) ترددها وتبكي، فانتظرتها فلما مللت من الانتظار ذهبت إلى السوق لحاجتي ثم رجعت إلى عائشة فإذا هي على حالتها الأولى تردد هذه الآية في صلاتها وتبكي. وفي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال لي جبريل: راجع حفصة فإنها صوامة قوامة. رواه الحاكم، صحيح الجامع 4227. وقامت معاذة العدوية من التابعيات الصالحات ليلة زفافها هي وزوجها صلة بن أشيم يصليان إلى الفجر، ولما قتل زوجها وابنها في أرض الجهاد، كانت تحيي الليل كله صلاة وعبادة وتضرعاً، وتنام بالنهار، وكانت إذا نعست في صلاتها بالليل قالت لنفسها: يا نفس النوم أمامك. وكانت حبيبة العدوية إذا صلت العشاء، قامت على سطح دارها وقد شدت عليها درعها وخمارها، ثم تقول: إلهي، غارت النجوم، ونامت العيون، وغلقت الملوك أبوابها، وبابك مفتوح، وخلا كل حبيب بحبيبه، وهذا مقامي بين يديك، ثم تقبل على صلاتها ومناجاتها لربها إلى السحر، فإذا جاء السحر قالت: اللهم هذا الليل قد أدبر، وهذا النهار قد أسفر، فليت شعري هل قبلت مني ليلتي فأهني، أم رددتها علي فأعزي. وقامت عمرة زوج حبيب العجمي ذات ليلة تصلي من الليل، وزوجها نائم، فلما دنا السحر، ولم يزل زوجها نائماً، أيقظته وقالت له: قم يا سيدي، فقد ذهب الليل، وجاء النهار، وبين يديك طريق بعيد وزاد قليل، وقوافل الصالحين قد سارت قدامنا، ونحن قد بقينا.
نسأل الله أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/2177)
فضل قيام رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[ما فضل قيام رمضان؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
فضل قيام ليالي رمضان:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُرغب في قيام رمضان، من غير أن يأمرهم بعزيمة، ثم يقول: " من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه " فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك (أي على ترك الجماعة في التراويح) ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر رضي الله عنه، وصدرٍ من خلافة عمر رضي الله عنه.
وعن عمرو بن مرة الجهني قال: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من قضاعة فقال: يا رسول الله! أرأيت إن شهدت أن لا إله إلا الله، وأنك محمد رسول الله، وصليت الصلوات الخمس، وصمت الشهر، وقمت رمضان، وآتيت الزكاة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " من مات على هذا كان من الصديقين والشهداء "
ليلة القدر وتحديدها:
2- وأفضل لياليه ليلة القدر، لقوله صلى الله عليه وسلم: " من قام ليلة القدر {ثم وُفّقت له} ، إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه "
3- وهي ليلة سابع وعشرين من رمضان على الأرجح، وعليه أكثر الأحاديث منها حديث زر بن حبيش قال: سمعت أبي ابن كعب يقول - وقيل له: إن عبد الله بن مسعود يقول: من قام السنة اصاب ليلة القدر! - فقال أُبيّ رضي الله عنه: رحمه الله، أراد أن لا يتكل الناس، والذي لا إله إلا هو، إنها لفي رمضان - يحلف ما يستثني - ووالله إني لأعلم أي ليلة هي؟ هي الليلة التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها، هي ليلة صبيحة سبع وعشرين وأمارتها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها. ورفع ذلك في رواية إلى النبي صلى الله عليه وسلم. أخرجه مسلم وغيره.
مشروعية الجماعة في القيام:
4- وتشرع الجماعة في قيام رمضان، بل هي أفضل من الانفراد، لإقامة النبي صلى الله عليه وسلم لها بنفسه، وبيانه لفضلها بقوله، كما في حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: " صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان، فلم يقم بنا شيئاً من الشهر حتى بقي سبع فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل، فلما كانت السادسة لم يقم بنا، فلما كانت الخامسة قام بنا حتى ذهب شطر الليل، فقلت: يا رسول الله! لو نفّلتنا قيام هذه الليلة، فقال: " إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة " فلما كانت الرابعة لم يقم، فلما كانت الثالثة جمع أهله ونساءه والناس، فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح، قال: قلت: وما الفلاح؟ قال: السحور، ثم لم يقم بنا بقية الشهر) حديث صحيح، أخرجه أصحاب السنن.
السبب في عدم استمرار النبي صلى الله عليه وسلم بالجماعة فيه:
5- وإنما لم يقم بهم عليه الصلاة والسلام بقية الشهر خشية أن تُفرض عليهم صلاة الليل في رمضان، فيعجزوا عنها كما جاء في حديث عائشة في الصحيحين وغيرهما، وقد زالت هذه الخشية بوفاته صلى الله عليه وسلم بعد أن أكمل الله الشريعة، وبذلك زال المعلول، وهو ترك الجماعة في قيام رمضان، وبقي الحكم السابق وهو مشروعية الجماعة، ولذلك أحياها عمر رضي الله عنه كما في صحيح البخاري وغيره.
مشروعية الجماعة للنساء:
6- ويشرع للنساء حضورها كما في حديث أبي ذر السابق بل يجوز أن يُجعل لهن إمام خاص بهن، غير إمام الرجال، فقد ثبت أن عمر رضي الله عنه لما جمع الناس على القيام، جعل على الرجال أبيّ بن كعب، وعلى النساء سليمان بن أبي حثمة، فعن عرفجة الثقفي قال: (كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يأمر الناس بقيام شهر رمضان ويجعل للرجال إماماً وللنساء إماماً، قال: فكنت أنا إمام النساء "
قلت: وهذا محله عندي إذا كان المسجد واسعاً، لئلا يشوش أحدهما على الآخر.
عدد ركعات القيام:
7- وركعاتها إحدى عشرة ركعة، ونختار أن لا يزيد عليها اتباعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه لم يزد عليها حتى فارق الدنيا، فقد سئلت عائشة رضي الله عنها عن صلاته في رمضان؟ فقالت: " ما كان رسول الله يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعاً فلا تسل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاُ فلا تسل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً " أخرجه الشيخان وغيرهما
8- وله أن ينقص منها، حتى لو اقتصر على ركعة الوتر فقط، بدليل فعله صلى الله عليه وسلم وقوله.
أما الفعل، فقد سئلت عائشة رضي الله عنها: بكم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر؟ قالت: " كان يوتر بأربع وثلاث، وست وثلاث، وعشر وثلاث، ولم يكن يوتر بأنقص من سبع، ولا بأكثر من ثلاث عشرة " رواه ابو داود وأحمد وغيرهما.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم فهو: " الوتر حق، فمن شاء فليوتر بخمس، ون شاء فليوتر بثلاث، ومن شاء فليوتر بواحدة ".
القراءة في القيام:
9- وأما القراءة في صلاة الليل في قيام رمضان أو غيره، فلم يحُد فيها النبي صلى الله عليه وسلم حداً لا يتعداه بزيادة أو نقص، بل كانت قراءته فيها تختلف قصراً وطولاً، فكان تارة يقرأ في كل ركعة قدر (يا أيها المزمل) وهي عشرون آية، وتارة قدر خمسين آية، وكان يقول: " من صلى في ليلة بمائة آية لم يكتب من الغافلين "، وفي حديث آخر: ".. بمائتي آية فإنه يُكتب من القانتين المخلصين ".
وقرأ صلى الله عليه وسلم في ليلة وهو مريض السبع الطوال، وهي سورة (البقرة) و (آل عمران) و (النساء) و (المائدة) و (الأنعام) و (الأعراف) و (التوبة) .
وفي قصة صلاة حذيفة بن اليمان وراء النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى الله عليه وسلم قرأ في ركعة واحدة (البقرة) ثم (النساء) ثم (آل عمران) ، وكان يقرؤها مترسلا متمهلاً
وثبت بأصح إسناد أن عمر رضي الله عنه لما أمر أبيّ بن كعب أن يصلي للناس بإحدى عشرة ركعة في رمضان، كان أبيّ رضي الله عنه يقرأ بالمئين، حتى كان الذين خلفه يعتمدون على العصي من طول القيام، وما كانوا ينصرفون إلا في أوائل الفجر.
وصح عن عمر أيضاً أنه دعا القراء في رمضان، فأمر أسرعهم قراءة أن يقرأ ثلاثين آية، والوسط خمساً وعشرين آية، والبطيء عشرين آية.
وعلى ذلك فإن صلى القائم لنفسه فليطوّل ما شاء، وكذلك إذا كان معه من يوافقه، وكلما أطال فهو أفضل، إلا أنه لا يبالغ في الإطالة حتى يحيي الليل كله إلا نادراً، اتباعاً للنبي صلى الله عليه وسلم القائل: " وخير الهدي هدي محمد "، وأما إذا صلى إماماً، فعليه أن يطيل بما لا يشق على من وراءه لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا قام أحدكم للناس فليخفف الصلاة، فإن فيهم الصغير والكبير وفيهم الضعيف، والمريض، وذا الحاجة، وإذا قام وحده فليُطل صلاته ما شاء.
وقت القيام:
10- ووقت صلاة الليل من بعد صلاة العشاء إلى الفجر، لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله زادكم صلاة، وهي الوتر، فصلوها بين صلاة العشاء إلى صلاة الفجر "
11- والصلاة في آخر الليل أفضل لمن تيسر له ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: " من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل، فإن صلاة آخر الليل مشهودة، وذلك أفضل "
12- وإذا دار الأمر بين الصلاة أول الليل مع الجماعة، وبين الصلاة آخر الليل منفرداً، فالصلاة مع الجماعة أفضل، لأنه يحسب له قيام ليلة تامة.
وعلى ذلك جرى عمل الصحابة في عهد عمر رضي الله عنه، فقال عبد الرحمن بن عبيد القاري: " خرجت مع عمر بن الخطاب ليلة في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون، يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرّهط، فقال: والله إني لأرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل، ثم عزم، فجمعهم على أبيّ بن كعب، قال: ثم خرجت معه ليلة أخرى، والناس يصلون بصلاة قارئهم، فقال: عمر، نعمت البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون - يريد آخر الليل - وكان الناس يقومون أوله "
وقال زيد بن وهب: (كان عبد الله يصلي بنا في شهر رمضان فينصرف بليل)
13- لما كان النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن الإيتار بثلاث، وعلل ذلك بقوله: " ولا تشبهوا بصلاة المغرب " فحينئذ لا بد لمن صلى الوتر ثلاثاً من الخروج من هذه المشابهة، وذلك يكون بوجهين:
أحدهما: التسليم بين الشفع والوتر، وهو الأقوى والأفضل.
والآخر: أن لا يقعد بين الشفع والوتر، والله تعالى أعلم.
القراءة في ثلاث الوتر:
14- ومن السنة أن يقرأ في الركعة الأولى من ثلاث الوتر: (سبح اسم ربك الأعلى) ، وفي الثانية: (قل يا أيها الكافرون) ، وفي الثالثة: (قل هو الله أحد) ويضيف إليها أحياناُ: (قل أعوذ برب الفلق) و (قل أعوذ برب الناس) .
وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قرأ مرة في ركعة الوتر بمائة آية من سورة (النساء)
دعاء القنوت:
15- و.. يقنت.. بالدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم سبطه الحسن بن علي رضي الله عنهما وهو: (اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، لا منجا منك إلا إليك) ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم أحياناً، لما يأتي بعده. (ولا بأس أن يزيد عليه من الدعاء المشروع والطيّب الصحيح) .
16- ولا بأس من جعل القنوت بعد الركوع، ومن الزيادة عليه بلعن الكفرة، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء للمسلمين في النصف الثاني من رمضان، لثبوت ذلك عن الأئمة في عهد عمر رضي الله عنه، فقد جاء في آخر حديث عبد الرحمن بن عبيد القاري المتقدم: " وكانوا يلعنون الكفرة في النصف: اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك، ويكذبون رسلك، ولا يؤمنون بوعدك، وخالف بين كلمتهم، وألق في قلوبهم الرعب، وألق عليهم رجزك وعذابك، إله الحق) ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويدعو للمسلمين بما استطاع من خير، ثم يستغفر للمؤمنين.
قال: وكان يقول إذا فرغ من لعنة الكفرة وصلاته على النبي واستغفاره للمؤمنين والمؤمنات ومسألته: (اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، ونرجو رحمتك ربنا، ونخاف عذابك الجد، إن عذابك لمن عاديت ملحق " ثم يكبر ويهوي ساجداً.
ما يقول في آخر الوتر:
17- ومن السنة أن يقول في آخر وتره (قبل السلام أو بعده) :
" اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك، أنت كما اثنيت على نفسك "
18- وإذا سلم من الوتر، قال: سبحان الملك القدوس، سبحان الملك القدوس، سبحان الملك القدوس (ثلاثاً) ويمد بها صوته، ويرفع في الثالثة.
الركعتان بعده:
19- وله أن يصلي ركعتين (بعد الوتر إن شاء) ، لثبوتهما عن النبي صلى الله عليه وسلم فعلاً بل.. قال: " إن هذا السفر جهد وثقل، فإذا أوتر أحدكم، فليركع ركعتين، فإن استيقظ وإلا كانتا له ".
20- والسنة أن يقرأ فيهما: (إذا زلزلت الأرض) و (قل يا أيها الكافرون) .
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب قيام رمضان للألباني.(5/2178)
تتبع المساجد من أجل الخشوع في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد صحة حديث (ليصل أحدكم في المسجد الذي يليه، ولا يتبع المساجد) . وماذا نقول للذي يتتبع المساجد ليخشع في الصلاة وأقرب لحضور القلب دون أن يفوت صلاة العشاء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"هذا الحديث فيما أعرفه مُختلف في صحته، وعلى تقدير ثبوته فإنه يحمل على ما إذا كان في ذلك تفريق للمصلين عن المسجد الذي حولهم، وإلا فمن المعلوم أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يرتادون المسجد النبوي ليصلوا خلف النبي صلى الله عليه وسلم، بل كان معاذ رضي الله عنه يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء الآخرة، ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم، مع تأخر الزمن.
وارتياد الإنسان المسجد من أجل حسن القراءة، واستعانته بحسن قراءة إمامه على القيام لا بأس به، اللهم إلا إذا خشي من ذلك فتنة، أو خشي من ذلك إهانة للإمام الذي حوله، مثل أن يكون هذا الرجل من كبراء القوم، وانصرافه عن مسجده إلى مسجد آخر يكون فيه شيء من القدح في الإمام، فهنا قد نقول: إنه ينبغي أن يراعي هذه المفسدة فيتجنبها" انتهى.
والله أعلم.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (14/241، 242) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2179)
دخول النساء المساجد بأطفالهن في صلاة التراويح
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم دخول النساء بالأطفال إلى المساجد في صلاة التراويح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا تمنع النساء من إتيان المساجد بأطفالهن في رمضان، فقد دلت السنة على إتيان النساء المساجد ومعهن أطفالهن زمن النبي صلى الله عليه وسلم، لحديث: (إِنِّي لَأَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ وَأَنَا أُرِيدُ إِطَالَتَهَا فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلَاتِي، مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ مِنْ بُكَائِهِ) . ومن ذلك: (حمل النبي صلى الله عليه وسلم أمامة في صلاة الفريضة وهو يؤم الناس في المسجد) .
لكن عليهن الحرص على صيانة المسجد من النجاسة بالتحرز في حق الأطفال في نومهم وغير ذلك" انتهى.
"فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله" (4/214، 215) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2180)
مراعاة حال الضعفاء من كبار السن ونحوهم في صلاة التراويح
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ينبغي للإمام مراعاة حال الضعفاء من كبار السن ونحوهم في صلاة التراويح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"هذا أمر مطلوب في جميع الصلوات، في التراويح وفي الفرائض، لقوله صلى الله عليه وسلم: (أيكم أمَّ الناس فليخفف فإن فيهم الضعيف والصغير وذا الحاجة) فالإمام يراعي المأمومين، ويرفق بهم في قيام رمضان، وفي العشر الأخيرة، وليس الناس سواء، فالناس يختلفون، فينبغي له أن يراعي أحوالهم، ويشجعهم على المجيء، وعلى الحضور، فإنه متى أطال عليهم شق عليهم، ونَفَّرهم من الحضور، فينبغي له أن يراعي ما يشجعهم على الحضور، ويرغبهم في الصلاة، ولو بالاختصار وعدم التطويل، فصلاة يخشع فيها الناس ويطمئنون فيها ولو قليلاً خير من صلاة يحصل فيها عدم الخشوع، ويحصل فيها الملل والكسل" انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله" (11/336) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2181)
تتبع المساجد طلباً لحسن الصوت
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تتبع المساجد طلباً لحسن صوت الإمام لما ينتج عن ذلك من الخشوع وحضور القلب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الأظهر - والله أعلم - أنه لا حرج في ذلك، إذا كان المقصود أن يستعين بذلك على الخشوع في صلاته، ويرتاح في صلاته ويطمئن قلبه، لأنه ما كل صوت يريح، فإذا كان قصده من الذهاب إلى صوت فلان أو فلان الرغبة في الخير، وكمال الخشوع في صلاته، فلا حرج في ذلك، بل قد يشكر على هذا ويؤجر على نيته، والإنسان قد يخشع خلف إمام، ولا يخشع خلف إمام، بسبب الفرق بين القراءتين والصلاتين، فإذا كان قَصَدَ بذهابه إلى المسجد البعيد أن يستمع لقراءته لحسن صوته، وليستفيد من ذلك، وليخشع في صلاته، لا لمجرد الهوى والتجول، بل لقصد الفائدة والعلم، وقصد الخشوع في الصلاة، فلا حرج في ذلك، وقد ثبت في الحديث الصحيح عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (أَعْظَمُ النَّاسِ أَجْرًا فِي الصَّلَاةِ: أَبْعَدُهُمْ فَأَبْعَدُهُمْ مَمْشًى) رواه البخاري (651) ومسلم (662) ، فإذا كان قصده أيضاً زيادة الخطوات فهذا أيضاً مقصد صالح" انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله" (11/328، 329) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2182)
أيهما أفضل: ليلة القدر أو ليلة الإسراء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الراجح من أقوال العلماء في تعين ليلة القدر، وهل هي أفضل الليالي على الإطلاق؟ أم لا؟ وما رأيكم فيمن قال بتفضيل ليلة الإسراء على ليلة القدر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"ليلة القدر ليلة عظيمة، نوه الله بشأنها في كتابه الكريم، في قوله تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ*فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) الدخان/3، 4 وفي قوله تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ *وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) القدر/1-5. فهي ليلة شرفها الله عز وجل على غيرها، وأخبر أن العمل فيها خير من العمل في ألف شهر، وهذا فضل عظيم، واختصها بإنزال القرآن فيها، ووصفها بأنها ليلة مباركة، وأنها يُقدَّر فيها ما يجري في العام من الحوادث، وهذه مزايا عظيمة لهذه الليلة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر من رمضان ما لا يجتهد في غيرها طلباً لليلة القدْر، وهي أفضل الليالي، لأنه لم يرد في ليلة من الليالي ما ورد في فضلها، والتنويه بشأنها، فهي أفضل الليالي لما تشتمل عليه من هذه المزايا العظيمة، وهذا من رحمة الله تعالى لهذه الأمة وإحسانه إليها، حيث خصها بهذه الليلة العظيمة.
وأما المفاضلة بينها وبين ليلة الإسراء فقد سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن ليلة القدر وليلة الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم أيهما أفضل؟ فأجاب بأن ليلة الإسراء أفضل في حقِّ النبي صلى الله عليه وسلم، وليلة القدْر أفضل بالنسبة إلى الأمَّة، فحظ النبي صلى الله عليه وسلم من ليلة المعراج أكمل من حظِّه من ليلة القدر، وحظ الأمة من ليلة القدر أكمل من حظهم من ليلة المعراج، وإن كان لهم فيها أعظم حظ، لكن الفضل والشرف والرتبة العليا إنما حصلت فيها لمن أسري به صلى الله عليه وسلم. هذا ما أجاب به شيخ الإسلام ابن تيمية في هذه المسألة.
وللإمام العلامة ابن القيم كلام في هذا الموضوع، يوافق كلام شيخه، بأن ليلة الإسراء أفضل في حق النبي صلى الله عليه وسلم، وليلة القدر أفضل في حق الأمة.
ومما يجب التنبيه عليه، أن الله سبحانه وتعالى شرع لنا في ليلة القدر من التعبد والتقرب إليه ما لم يشرعه في ليلة الإسراء، فليلة الإسراء لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يتهجد فيها، أو يخصها بقيامٍ أو ذكرٍ، وإنما كان يخص ليلة القدر لفضلها ومكانتها.
وأيضاً: ليلة الإسراء لم يثبت في أي شهر هي، أو في أي ليلة من الشهر هي، مما يدل على أن العلم بها وتحديدها ليس لنا فيه مصلحة، خلاف ليلة القدر، فإن الله أخبر أنها في رمضان، لأن الله تعالى قال: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) البقرة/185، ثم قال: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) القدر/1، فدل على أن ليلة القدر في شهر رمضان، وإن كانت لا تتعين في ليلة معينة من رمضان إلا أنه يترجح أنها في العشر الأواخر منه، وفي ليلة سبع وعشرين آكد الليالي عند الإمام أحمد وجماعة من الأئمة، وللعلماء في تحريها اجتهادات ومذاهب، ولكن هي في شهر رمضان قطعاً، ولا شك أن من شهد ليلة القدر له من الأجر بحسب نيته واجتهاده وتوفيق الله له.
فليلة القدر لها ميزة، لأنه شُرع لنا فيها الاجتهاد في العبادة، والدعاء، والذكر، وتحريها بخلاف ليلة الإسراء، فهذه لم يُطلب منا أن نتحراها، ولا أن نخصها بشيء من العبادات، وبهذا يظهر أن هؤلاء الذين يحتفلون بليلة الإسراء والمعراج أنهم مبتدعة، جاؤا بما لم يشرعه الله، ولم يشرعه رسوله صلى الله عليه وسلم، فلم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يحتفل كل سنة بمرور ليلة من الليالي يقول: إن هذه هي ليلة الإسراء والمعراج، كما يفعله هؤلاء المخرفون المبتدعة الذين اتخذوا دينهم طقوساً ومناسبات بدعية، وتركوا السنن وتركوا الشرائع الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا مما يجب الانتباه له، وبيانه للناس، وأن الله شرع لنا الاجتهاد في ليلة القدر، وتحريها، والتقرب إليه فيها كل سنة؛ بخلاف ليلة الإسراء والمعراج، فلم يشرع لنا أن نتحراها، ولا أن نخصها بشيء، وأيضاً: هي لم تُبين لنا في أي شهر أو في أي ليلة، بخلاف ليلة القدر، فإنها في رمضان بلا شك، والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد " انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (2/430) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2183)
إذا انصرف مع الإمام الأول في التراويح هل يكتب له قيام ليلة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[عندنا في بعض المساجد, إمامان أو ثلاثة يتناوبون على صلاة العشاء مع صلاة التراويح, فهل إن صلى المرء مع أولهم حتى يأخذ مكانه الإمام التالي فيكون قد صلى العشاء فقط أو العشاء وشيئا من التراويح, هل في هذه الحالة يعد المأموم قد صلى مع الإمام حتى انصرف ويكون له أجر قيام ليلة بأكملها مع أنه لم يصل 11 ركعة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يكتب له قيام ليلة بأكملها إلا إذا أتم الصلاة معهم جميعاً، أما إذا انصرف بعد صلاة الإمام الأول أو الثاني ولم يكمل الصلاة مع الثالث فلا يكتب له إلا ما صلاه فقط.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَامَ مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ قِيَامَ لَيْلَةٍ) رواه الترمذي (806) وصححه الألباني في صحيح الترمذي: المراد منه الحث على عدم الانصراف قبل تمام الصلاة، ولو كان يصليها أكثر من إمام.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: بعض الناس في المسجد الحرام يصلون القيام دون التراويح بحجة المحافظة على السنة وعدم الزيادة على إحدى عشرة ركعة فما رأي فضيلتكم؟
فأجاب:
"الذي أرى أنه ينبغي للإنسان أن يحافظ على التراويح والقيام جميعاً، فيصلي مع الإمام الأول حتى ينصرف ويصلي مع الإمام الثاني حتى ينصرف؛ لأن تعدد الأئمة في مكان واحد يجعل ذلك كأن الإمامين إمام واحد، كأن الثاني ناب عن الأول في الصلاة الأخيرة، فالذي أرى في هذه المسألة أن يحافظ الإنسان على الصلاة مع الأول والثاني ليشمله قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة) " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (14/190) .
وقال أيضاً:
" هل الإمامان في مسجد واحد يعتبر كل واحد منهم مستقلاً، أو أن كل واحد منهما نائب عن الثاني؟
الذي يظهر الاحتمال الثاني – أن كل واحد منهما نائب عن الثاني مكمل له، وعلى هذا فإن كان المسجد يصلي فيه إمامان فإن هذين الإمامين يعتبران بمنزلة إمام واحد، فيبقى الإنسان حتى ينصرف الإمام الثاني، لأننا نعلم أن الثانية مكملة لصلاة الأول" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (14/207) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2184)
صلاة التراويح رغم نزول الكدرة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لي صلاة التراويح وأنا في طهري مع نزول الكدرة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن كانت هذه الكدرة قبل حصول الطهر من الحيض فهي حيض، فلا يجوز معها الصلاة ولا الصوم.
وإن كانت بعد الطهر من الحيض، فليست بحيض، فلا تمنع من الصلاة ولا الصيام.
جاء في "فتاوى الشيخ ابن باز" (10/208) :
" لو جاءت هذه الكدرة أو الصفرة بعد الطهر من الحيض فإنها لا تعتبر حيضا، بل حكمها حكم الاستحاضة، وعليك أن تستنجي منها كل وقت، وتتوضئي وتصلي وتصومي، ولا تحتسب حيضا، وتحلين لزوجك؛ لقول أم عطية رضي الله عنها: (كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئا) أخرجه البخاري في صحيحه (320) ." انتهى.
وراجعي جواب السؤال رقم (50059) ، (50430)
وعليه فلا حرج عليك من صلاة التراويح في المسجد رغم نزول الكدرة أو الصفرة، لكن بشرط أن تكوني قد تيقنت أنك قد طهرت من الحيض.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2185)
قراءة الأدعية من ورقة في صلاة القيام
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أسأل إن كان يجوز أن أكتب الأدعية على ورقه وأستعين بها في صلاة القيام؟
وأيضا أريد أن أعرف هل معجون الأسنان يجرح الصيام أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الدعاء في قنوت الوتر مشروع للإمام والمنفرد، لما روى النسائي (1745) والترمذي (464) وأبو داود (1425) وابن ماجه (1178) عن الْحَسَن بن علي رضي الله عنهما قال: عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي الْوِتْرِ فِي الْقُنُوتِ اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ إِنَّكَ تَقْضِي وَلا يُقْضَى عَلَيْكَ وَإِنَّهُ لا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ) . وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي. وانظر السؤال رقم (14093)
ولم يثبت قنوت الوتر من فعل النبي صلى الله عليه وسلم نفسه، وثبت من فعل عمر رضي الله عنه، كما رواه البيهقي وصححه.
ولهذا ذهب بعض أهل العلم إلى أن الأفضل عدم المداومة على القنوت، بل يقنت ويترك.
انظر: "الشرح الممتع" للشيخ ابن عثيمين رحمه الله (4/19) .
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يقنت إلا في النصف الأخير من رمضان، وهو قول الشافعي ومالك في رواية.
قال الشافعي رحمه الله: " ولا يقنت في رمضان إلا في النصف الأخير , وكذلك كان يفعل ابن عمر ومعاذ القاري " انتهى من "مختصر المزني، مطبوع مع الأم" (8/114) .
وقال الباجي في "المنتقى" (1/210) : " وعن مالك في ذلك روايتان: إحداهما: نفي القنوت في الوتر جملة وهي رواية ابن القاسم وعلي. والثانية: أن ذلك مستحب في النصف الآخر من رمضان وهي رواية ابن حبيب عن مالك وبه قال الشافعي ".
وذهب أبو حنيفة وأحمد رحمهما الله إلى أنه يُقنت في رمضان كله، بل يقنت في الوتر السنة كلها.
قال ابن قدامة رحمه الله: " القنوت مسنون في الوتر , في الركعة الواحدة , في جميع السنة. هذا المنصوص عند أصحابنا , وهذا قول ابن مسعود , وإبراهيم , وإسحاق , وأصحاب الرأي. وروي ذلك عن الحسن.
وعن أحمد رواية أخرى , أنه لا يقنت إلا في النصف الأخير من رمضان، وروي ذلك عن علي، وأبيّ، وبه قال ابن سيرين , وسعيد بن أبي الحسن , والزهري , ويحيى بن وثاب , ومالك والشافعي واختاره أبو بكر الأثرم ; لما روي عن الحسن , أن عمر جمع الناس على أبي بن كعب , فكان يصلي لهم عشرين ليلة , ولا يقنت إلا في النصف الثاني. رواه أبو داود , وهذا كالإجماع.
وقال قتادة: يقنت في السنة كلها إلا في النصف الأول من رمضان ; لهذا الخبر , وعن ابن عمر أنه لا يقنت إلا في النصف الأخير من رمضان.
وعنه لا يقنت في صلاة بحال.
والرواية الأولى هي المختارة عند أكثر الأصحاب. وقد قال أحمد , في رواية المروذي: كنت أذهب إلى أنه في النصف من شهر رمضان , ثم إني قنت , هو دعاء وخير. ووجهه ما روي عن أبي , {أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر , فيقنت قبل الركوع} . وعن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر وتره: {اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك , وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك , وأعوذ بك منك , لا أحصي ثناء عليك , أنت كما أثنيت على نفسك} . وكان للدوام , وفعل أبيّ يدل على أنه رآه. ولا ينكر اختلاف الصحابة في هذا , ولأنه وتر , فيشرع فيه القنوت , كالنصف الآخر , ولأنه ذكر يشرع في الوتر , فيشرع في جميع السنة , كسائر الأذكار " انتهى من "المغني" (1/447) .
ثانيا:
لا ينبغي التطويل في دعاء القنوت، بل قال البغوي: " يكره إطالة القنوت، كما يكره إطالة التشهد الأول " [نقله النووي في المجموع 3/479] ، وقال القاضي حسين: " لو طول القنوت زائدا على العادة كره، وفي البطلان احتمالان " [نقله الخطيب الشربيني في مغني المحتاج 1/167] .
وكذلك يجتنب فيه ما أحدثه بعض الأئمة من جعله موعظة بما يذكرونه فيه من أحوال القبر والحشر والحساب ونحو ذلك، مما هو أليق بالموعظة والخطبة منه بالدعاء والقنوت؛ بل لو اقتُصر على الدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم للحسن، أو زيد عليه قليلا، فهذا أفضل، وهو دعاء يسير ينبغي لك أن تحفظه، ولا تحتاج معه إلى النظر في ورقة.
وإن زدت عليه بعض الأدعية النبوية اليسيرة فهذا حسن، وهو سهل إن شاء الله.
فإن لم يتمكن الإمام، أو المصلي من حفظ الدعاء المأثور في الوتر، فلا حرج عليه في أن يتخير لنفسه من الدعاء ما شاء، فإن دعاء القنوت لا يتعين له صيغة معينة، ونقل القاضي عياض اتفاق العلماء على ذلك. [انظر: المجموع 3/477] .
فإذا عرفنا أن الأصل في دعاء القنوت أنه دعاء قصير، وإن إطالته مكروهة مخالفة للهدي، وأنه لا يتعين له دعاء معين، ولا حتى الدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يظهر لكتابة الدعاء في ورقة، وقراءته منها في الصلاة فائدة، بل الذي يظهر أن الحامل على ذلك رغبة الأئمة أو المصلين في التزام الأدعية المتكلفة وامسجوعة، والتطويل في القنوت، كما هو حال كثير من الأئمة الآن.
والواجب على المصلي أن يحرص على التدبر وحضور القلب؛ لما روى الترمذي (3479) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لاهٍ) والحديث حسنه الألباني في صحيح الترمذي.
ثالثا:
لا حرج على الصائم في استعمال معجون الأسنان، مع التحرز من ابتلاع شيء منه.
وانظر السؤال رقم (13619)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2186)
متابعة الإمام حتى ينصرف في التراويح
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان الأرجح في عدد ركعات التراويح هو أحد عشر ركعة وصليت في مسجد تقام فيه التراويح بإحدى وعشرين ركعة، فهل لي أن أغادر المسجد بعد الركعة العاشرة أم من الأحسن إكمال الإحدى وعشرين ركعة معهم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأفضل إتمام الصلاة مع الإمام حتى ينصرف ولو زاد على إحدى عشرة ركعة لأنّ الزيادة جائزة لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: ".. مَنْ قَامَ مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ قِيَامَ لَيْلَةٍ.. " رواه النسائي وغيره: سنن النسائي: باب قيام شهر رمضان. ولقوله صلى الله عليه وسلم: " صَلاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خَشِيتَ الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ ". رواه السبعة وهذا لفظ النسائي.
ولا شكّ أنّ التقيّد بسنة النبي صلى الله عليه وسلم هو الأولى والأفضل والأكثر أجرا مع إطالتها وتحسينها، ولكن إذا دار الأمر بين مفارقة الإمام لأجل العدد وبين موافقته إذا زاد فالأفضل أن يوافقه المصلي للأحاديث المتقدّمة، هذا مع مناصحة الإمام بالحرص على السنّة.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/2187)
حكم صلاة التراويح للنساء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل على النساء صلاة تراويح، وهل يستحسن لهن أداؤها في المنزل أم الذهاب للمسجد لهذا الغرض؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صلاة التروايح سنة مؤكدة، ويبقى الأفضل في حق النساء قيام الليل في بيوتهن لقوله صلى الله عليه وسلم: " لا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمْ الْمَسَاجِدَ وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ. " رواه أبو داود في سننه باب ما جاء في خروج النساء إلى المسجد: باب التشديد في ذلك. وهو في صحيح الجامع 7458
بل كلّما كانت صلاتها في موضع أخفى وأكثر خصوصية كان ذلك أفضل كما قال صلى الله عليه وسلم: " صَلاةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِهَا فِي حُجْرَتِهَا وَصَلاتُهَا فِي مَخْدَعِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِهَا فِي بَيْتِهَا " رواه أبو داود في سننه كتاب الصلاة باب ما جاء في خروج النساء إلى المسجد وهو في صحيح الجامع 3833
وعن أُمِّ حُمَيْدٍ امْرَأَةِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهَا جَاءَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُحِبُّ الصَّلاةَ مَعَكَ قَالَ قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكِ تُحِبِّينَ الصَّلاةَ مَعِي وَصَلاتُكِ فِي بَيْتِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي حُجْرَتِكِ وَصَلاتُكِ فِي حُجْرَتِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلاتِكِ فِي دَارِكِ وَصَلاتُكِ فِي دَارِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ وَصَلاتُكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي مَسْجِدِي قَالَ فَأَمَرَتْ فَبُنِيَ لَهَا مَسْجِدٌ فِي أَقْصَى شَيْءٍ مِنْ بَيْتِهَا وَأَظْلَمِهِ فَكَانَتْ تُصَلِّي فِيهِ حَتَّى لَقِيَتْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ. رواه الإمام أحمد ورجال إسناده ثقات
ولكنّ هذه الأفضلية لا تمنع من الإذن لهنّ من الذهاب إلى المساجد كما في حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمْ الْمَسَاجِدَ إِذَا اسْتَأْذَنَّكُمْ إِلَيْهَا قَالَ فَقَالَ بِلالُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَاللَّهِ لَنَمْنَعُهُنَّ قَالَ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ فَسَبَّهُ سَبًّا سَيِّئًا مَا سَمِعْتُهُ سَبَّهُ مِثْلَهُ قَطُّ وَقَالَ أُخْبِرُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقُولُ وَاللَّهِ لَنَمْنَعُهُنَّ رواه مسلم 667
ولكنّ ذهاب المرأة إلى المسجد يشترط فيه ما يلي:
1- أن تكون بالحجاب الكامل
2- أن تخرج غير متطيّبة
3- أن يكون ذلك بإذن الزّوج
وأن لا يكون في خروجها أيّ مُحرّم آخر كالخلوة مع السّائق الأجنبي في السّيارة ونحو ذلك.
فلو خالفت المرأة شيئا مما ذُكِر فإنه يحقّ لزوجها أو وليها أن يمنعها من الذّهاب بل يجب ذلك عليه.
وقد سألت شيخنا الشيخ عبد العزيز عن صلاة التراويح هل لها على وجه الخصوص أفضلية للمرأة في صلاتها في المسجد فأجاب بالنفي وأنّ الأحاديث في أفضلية صلاة المرأة في بيتها عامة تشمل التراويح وغيرها هذا والله تعالى أعلم.
ونسأل الله لنا ولسائر إخواننا المسلمين الإخلاص والقبول وأن يجعل عملنا على ما يحبّ ويرضى وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/2188)
صلاة الوتر في السفر
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كنت مسافرا وكنت تقصر الصلاة، هل تبقى صلاة الوتر واجبة عليك في هذه الحالة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
استدلّ جمهور أهل العلم بحديث الأعرابي على أنّ صلاة الوتر سنّة مؤكدّة وليست بواجبة كما ذكر السائل والمقصود بحديث الأعرابي: الرجل الذي جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُ عَنِ الإِسْلامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ فَقَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُنَّ قَالَ لا إِلاَّ أَنْ تَطَّوَّعَ.. الحديث متفق عليه
وقال بعض أهل العلم إنّ قيام الليل وصلاة الوتر أفضل النوافل فتنبغي المحافظة عليها وعدم تركها وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يترك قيام الليل ولا سنّة الفجر في الحضر والسفر كما جاء في السنّة الصحيحة.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/2189)
صلاة التراويح في البيت / ووضع الكريم على الجسم أثناء الصوم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمسلم أن يصلي التراويح في البيت؟ وإذا كان يجوز فكم عدد الركعات؟ وهل هناك أدعية مخصوصة؟
هل يجوز وضع كريم على الوجه أو بقية الجسم في حال الصوم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صلاة التراويح تشرع جماعةً للرجال في المسجد في ليالي رمضان لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة " أخرجه الترمذي (806) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
ومع ذلك فلو صلاها الرجل في بيته فلا إثم عليه وصلاته صحيحة، وأما في غير رمضان فالمشروع أن يصلي الرجل قيام الليل في بيته.
وأما المرأة فالأفضل في حقها أن تصلي في بيتها ولو أرادت الصلاة في المسجد فلا تُمنع لقوله صلى الله عليه وسلم: لا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمْ الْمَسَاجِدَ وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ " رواه أبو داود (567) صححه الألباني.
وقال صلى الله عليه وسلم: " لا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ " متفق عليه: البخاري (900) ـ مسلم (442)
وأما وضع الكريم على الوجه والجسم، فلا بأس به، يُراجع السؤال رقم (2299) . والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/2190)
أحاديث فضل قيام ليالي الأسبوع مكذوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أتتني رسالة تحتوى على أحاديت فى فضل صلاة الليل عن الرسول عليه الصلاة والسلام، وهذه الأحاديث لأول مرة أسمعها في حياتي، أرجو من حضراتكم أن توضحوا لي إذا كانت هذه الأحاديث صحيحة أو لا: عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (من صلى ليلة الجمعة ركعتين، وقرأ فى كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة الزلزلة 15 مرة، فاذا فرغ من صلاته يقول: يا حي يا قيوم، ياذا الجلال والاكرام (100 مرة) آمنه الله من عذاب القبر وظلمته وضيقته، وأهوال يوم القيامة، ولا يقوم من مقامه لا جائعا ولا ظمآنا، ويكسى حلة من نور، ولا يخرج من الدنيا حتى يرى مقعده فى الجنة) . الحديث التاني: عن معاذ بن جبل رضى الله عنه قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (من صلى ليلة السبت 16 ركعة، وقرأ فى كل ركعة الفاتحة وسورة الاخلاص (31 مرة) أخرج المكر والوسواس والعجب والرياء من قلبه، ويجمع الله فى قلبه النور والرحمة والرأفة، ويلبسه يوم القيامة المغفرة، ويبقى وجهه كالقمر ليلة البدر، ويبنى له بكل ركعة قصر فى الجنة) ... إلى العديد ممَّا هو مكتوب من الأحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم. أرجوكم أفيدوني، هل أصلي هذه الصلوات، وهل هى صحيحة أم ضعيفة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم يرد حديث صحيح في فضل تخصيص يوم من أيام الأسبوع أو لياليه بقيام أو صلاة نافلة، وكل ما ورد في ذلك فهو منكر مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا تجوز روايته فضلا عن العمل به، ومن عمل بمثل هذه الأحاديث المكذوبة فإنما يبتدع في الدين ما ليس منه، فليحذر عقوبة الله وغضبه.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (23/134) :
" والصلاة يوم الأحد والاثنين وغير هذا من أيام الأسبوع - وإن كان قد ذكرها طائفة من المصنفين فى الرقائق - فلا نزاع بين أهل المعرفة بالحديث أن أحاديثه كلها موضوعة، ولم يستحبها أحد من أئمة الدين، وفى صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لَا تَخُصُّوا لَيلَةَ الجُمعَةِ بِقِيَامٍ، وَلَا يَومَ الجُمعَةِ بِصِيَامٍ) والله أعلم " انتهى.
ويقول ابن القيم في "المنار المنيف" (95) :
" أحاديث صلوات الأيام والليالي، كصلاة يوم الأحد وليلة الأحد ويوم الاثنين وليلة الاثنين إلى آخر الأسبوع، كل أحاديثها كذب " انتهى.
ويقول العراقي رحمه الله في "تخريج الإحياء" (1/259) :
" ليس يصح في أيام الأسبوع ولياليه شيء، وكلها ضعيفة منكرة " انتهى.
وقال الشوكاني في "الفوائد المجموعة" (46) :
" قال في المختصر: لا يصح في صلاة الأسبوع شيء " انتهى.
وقد جاء في فضل قيام الليل مطلقا آيات كريمة وأحاديث صحيحة سبق بيانها في جواب السؤال رقم (50070)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2191)
كم كانت عدد الركعات في صلاة التراويح على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما يُروى عن عمر رضي الله عنه أنه أمر بصلاة التراويح عشرين ركعة. هل هذا صحيح أم ضعيف؟ أو لا أصل له؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
جاء الأمر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بصلاة العشرين ركعة عن أربعة من التابعين، وهذه رواياتهم:
1- عن السائب بن يزيد أنه قال: (أَنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ جَمَعَ النَّاسَ فِي رَمَضَانَ عَلَى أُبَيِّ بنِ كَعبٍ وَعَلَى تَمِيمٍ الدَّارِيِّ عَلَى إِحدَى وَعِشرِينَ رَكعَةً، يَقرَؤُونَ بِالمِئِينَ، وَيَنصَرِفُونَ عِندَ فُرُوعِ الفَجرِ)
رواه عن السائب جماعة من الرواة: ومنهم من يذكر (العشرين) أو (إحدى وعشرين) أو (ثلاث وعشرين) وهم:
محمد بن يوسف ابن أخت السائب عن السائب: كما عند عبد الرزاق في "المصنف" (4/260) من رواية داود بن قيس وغيره عنه.
ويزيد بن خصيفة: أخرجه ابن الجعد في "المسند" (1/413) ، ومن طريقه البيهقي في السنن (2/496)
والحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب: أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (4/261)
فهذه روايات صحيحة من رواة ثقات عن السائب بن يزيد، وفيها ذكر العشرين ركعة في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، والزيادة في رواية (إحدى وعشرين) أو (ثلاث وعشرين) إنما هو باعتبار القيام مع الوتر.
2- عن يزيد بن رومان قال: (كَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ فِي زَمَانِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ فِي رَمَضَانَ بِثَلاثٍ وَعِشرِينَ رَكعةً)
رواه عنه مالك في "الموطأ" (1/115) ، وقال النووي في "المجموع" (4/33) : " مرسل، فإن يزيد بن رومان لم يدرك عمر " انتهى.
3- عن يحيى بن سعيد القطان: (أَنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ أَمَرَ رَجُلا يُصَلِّي بِهِم عِشرِينَ رَكعَةً)
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (2/163) عن وكيع عن مالك به، ولكن يحيى بن سعيد لم يدرك عمر.
4- عن عبد العزيز بن رفيع قال: (كَانَ أُبَيُّ بنُ كَعبٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فِي رَمَضَانَ بِالمَدِينَةِ عِشرِينَ رَكعَةً، وَيُوتِرُ بِثَلاثٍ)
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (2/163) .
وبمجموع هذه الروايات يتبين أن العشرين ركعة كانت هي السنة الغالبة على التراويح في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومثل صلاة التراويح أمر مشهور يتناقله الجيل وعامة الناس، ورواية يزيد بن رومان ويحيى القطان يعتبر بهما وإن كانا لم يدركا عمر، فإنهما ولا شك تلقياه عن مجموع الناس الذين أدركوهم، وذلك أمر لا يحتاج إلى رجل يسنده، فإن المدينة كلها تسنده.
قال الإمام الترمذي رحمه الله في سننه (3/169) :
" وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِشْرِينَ رَكْعَةً وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيِّ.
وقَالَ الشَّافِعِيُّ وَهَكَذَا أَدْرَكْتُ بِبَلَدِنَا بِمَكَّةَ يُصَلُّونَ عِشْرِينَ رَكْعَةً.
وقال ابن عبد البر في "الاستذكار" (2/69) :
" وروي عشرون ركعة عن علي، وشتير بن شكل، وابن أبي مليكة، والحارث الهمداني، وأبي البختري، وهو قول جمهور العلماء، وبه قال الكوفيون والشافعي وأكثر الفقهاء، وهو الصحيح عن أبي بن كعب، من غير خلاف من الصحابة، وقال عطاء: أدركت الناس وهم يصلون ثلاثا وعشرين ركعة بالوتر " انتهى.
وانظر ذلك مسندا في "مصنف ابن أبي شيبة" (2/163)
يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى "مجموع الفتاوى" (23/112) :
" ثبت أن أُبَىَّ بن كعب كان يقوم بالناس عشرين ركعة فى قيام رمضان، ويوتر بثلاث، فرأى كثير من العلماء أن ذلك هو السنة؛ لأنه أقامه بين المهاجرين والانصار ولم ينكره منكر، واستحب آخرون تسعة وثلاثين ركعة، بناء على أنه عمل أهل المدينة القديم " انتهى.
أما ما جاء من رواية الإمام مالك ويحيى القطان وغيرهما عن محمد بن يوسف عن السائب بن يزيد في "الموطأ" (1/115) وفي "مصنف ابن أبي شيبة" (2/162) بلفظ: (إحدى عشرة ركعة) فهو محمول على أنه كان في بداية الأمر، ثم خُفِّفَ بعدُ على الناس، فزاد عمر الركعات إلى عشرين ليخفف على الناس القراءة في القيام.
قال ابن عبد البر في "الاستذكار" (2/68) :
" إلا أنه يحتمل أن يكون القيام في أول ما عمل به عمر بإحدى عشرة ركعة، ثم خفف عليهم طول القيام، ونقلهم إلى إحدى وعشرين ركعة، يخففون فيها القراءة ويزيدون في الركوع والسجود، إلا أن الأغلب عندي في إحدى عشرة ركعة الوهم، والله أعلم " انتهى.
ويقول ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (23/113) :
" وأُبَىٌّ بن كعب لما قام بهم وهم جماعة واحدة لم يمكن أن يطيل بهم القيام، فكثر الركعات ليكون ذلك عوضا عن طول القيام، وجعلوا ذلك ضعف عدد ركعاته، فإنه كان يقوم بالليل إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة، ثم بعد ذلك كأن الناس بالمدينة ضعفوا عن طول القيام، فكثروا الركعات، حتى بلغت تسعا وثلاثين " انتهى.
ثانيا:
صلاة الليل الباب فيها واسع، وهي غير محصورة بعدد، فمن شاء قامها بإحدى عشرة ركعة، ومن شاء زاد أو نقص، وكذلك صلاة التراويح في رمضان.
يقول ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (23/113) :
" وقال طائفة: قد ثبت فى الصحيح عن عائشة (أن النبى لم يكن يزيد فى رمضان ولا غيره على ثلاث عشرة ركعة) واضطرب قوم فى هذا الأصل؛ لما ظنوه من معارضة الحديث الصحيح لما ثبت من سنة الخلفاء الراشدين وعمل المسلمين.
والصواب أن ذلك جميعه حسن، كما قد نص على ذلك الامام أحمد رضى الله عنه، وأنه لا يتوقت فى قيام رمضان عدد، فان النبى لم يوقت فيها عددا " انتهى.
ويقول الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى "مجموع الفتاوى" (11/322) :
" وثبت عن عمر رضي لله عنه أنه أمر من عين من الصحابة أن يصلي إحدى عشرة، وثبت عنهم أنهم صلوا بأمره ثلاثا وعشرين، وهذا يدل على التوسعة في ذلك، وأن الأمر عند الصحابة واسع، كما دل عليه قوله عليه الصلاة والسلام: (صلاة الليل مثنى مثنى) " انتهى
وانظر جواب السؤال رقم (9036) (38021)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2192)
زاد ركعة في أحد تسليمات التراويح
[السُّؤَالُ]
ـ[قام الإمام في الركعة الثالثة في صلاة التراويح وأنهى الصلاة ثم أخبروه أنه صلى ثلاثة، فهل يسجد للسهو أم يكملها أربعاً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
عرضنا السؤال التالي على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله بقوله:
يسجد للسهو، ثم يكمل الصلاة مثنى مثنى، كما لو كان هذا في الفريضة. انتهى
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(5/2193)
الإطالة في الدعاء في صلاة التراويح
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض أئمة المساجد في رمضان يطيلون في الدعاء ويعضهم يقصر، فما هو الصحيح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الصحيح ألا يكون غلو ولا تقصير، فالإطالة التي تشق على الناس منهي عنها، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغه أن معاذ بن جبل أطال الصلاة في قومه غضب عليه غضباً شديداً لم يغضب في موعظة مثله قط، وقال لمعاذ بن جبل: (يا معاذ أفتان أنت) البخاري في الأدب (6106) ، ومسلم في الصلاة (465) ، فالذي ينبغي أن يقتصر على الكلمات الواردة أو يزيد.
ولا شك في أن الإطالة شاقة على الناس وترهقهم، ولاسيما الضعفاء منهم، ومن الناس من يكون وراءه أعمال، ولا يحب أن ينصرف قبل الإمام ويشق عليه أن يبقى مع الإمام، فنصيحتي لإخواني الأئمة أن يكونوا بين بين، كذلك ينبغي أن يترك الدعاء أحياناً حتى لا يظن العامة أن الدعاء واجب.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب الدعوة ج/5 الشيخ ابن عثيمين (2/198) .(5/2194)
صلى بزوجته وأولاده قيام الليل في البيت سرّاً
[السُّؤَالُ]
ـ[نويت أن أحيى ليلة القدر فى المسجد، ولكن لم أستطع، فصليت التراويح فى بيتي أنا وزوجتي وأولادي. فهل تصح صلاتي هذه أم لا؟ سؤالي الثاني: لقد صليت ثنتي عشرة ركعة أنا وأسرتي، وكنت أنا الإمام، ولكن صليت بهم سرا وليس جهرا. أفيدونى أفادكم الله؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد للَّه
أولا:
صلاة التراويح في البيت جائزة لا حرج فيها، إلا أن صلاتها جماعة في المسجد أفضل.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
عندما يمر شهر رمضان وحان وقت صلاة التراويح، هل أذهب إلى المسجد أم أصلي في بيتي، وأنا لست إماما ولكن مأموم، وأحب أن أقرأ القرآن، وأفضل قراءتي عن استماعي، وإذا صليت في بيتي هل فيه ذنب علي، نقصد صلاة التراويح فقط؟
فأجابوا:
"لا حرج عليك في صلاتها في البيت لكونها نافلة، لكن صلاتها مع الإمام في المسجد أفضل، تأسِّياً بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه لما صلى بهم التراويح في بعض الليالي إلى ثلث الليل وقال له بعضهم: لو نَفَّلتَنا بقيةَ ليلتنا: (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب الله له قيام ليلته) رواه أحمد (5/159) وأصحاب السنن بإسناد حسن من حديث أبي ذر رضي الله عنه " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (7/201-202) .
ثانيا:
الأصل في صلاة التراويح أنها من الصلوات الجهرية لما ثبت عن الصحابة رضوان الله عليهم في صلاتها زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث كان أبي بن كعب وغيره يقومون بالناس فيطيلون القراءة.
ولكن الجهر في الصلاة الجهرية، والإسرار في الصلاة السرية بالنسبة للإمام هو من مندوبات الصلاة، وليس من واجباتها، كما هو مذهب جمهور أهل العلم من المالكية والشافعية والحنابلة.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (16/188) :
" يرى جمهور الفقهاء أنّ الجهر فيما يجهر به والإخفات فيما يخافت فيه سنّة من سنن الصّلاة، وذهب الحنفيّة إلى أنّه يجب الجهر فيما يجهر به والمخافتة فيما يخافت فيه " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "نور على الدرب" (الصلاة/218) :
" الجهر بالقراءة في الصلاة الجهرية ليس على سبيل الوجوب، بل هو على سبيل الأفضلية، فلو أن الإنسان قرأ سرّاً فيما يشرع فيه الجهر لم تكن صلاته باطلة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن) ولم يقيد هذه القراءة بكونها جهراً أو سراً، فإذا قرأ الإنسان ما تجب قراءته سرّاً أو جهراً فقد أتى بالواجب، لكن الأفضل فيما يسن فيه الجهر كالركعتين الأوليين من صلاتي المغرب والعشاء وكصلاة الفجر وصلاة الجمعة وصلاة العيد وصلاة الاستسقاء وصلاة التراويح وما أشبه ذلك مما هو معروف، ولو تعمد الإنسان وهو إمام أن لا يجهر فصلاته صحيحة، لكنها ناقصة، أما المنفرد إذا صلى صلاة جهرية فإنه يخير بين الجهر والإسرار، وينظر ما هو أنشط له وأقرب إلى الخشوع فيقوم به " انتهى
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء" (6/392) :
"ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجهر بالقراءة في ركعتي الصبح، وفي الأوليين من صلاة المغرب وصلاة العشاء، فكان الجهر في ذلك سنة، والمشروع في حق أمته أن تقتدي به لقوله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) الأحزاب/21، ولما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (صَلُّوا كَمَا رَأَيتُمُونِي أُصَلِّي) .
وإن أسر في موضع الجهر كان تاركا للسنة، ولا تبطل صلاته بذلك " انتهى.
والخلاصة: أن صلاتك صحيحة ولا شيء عليك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2195)
صلاة التراويح للمسافر
[السُّؤَالُ]
ـ[لما كان لشعائر شهر رمضان خصوصية لكل مسلم والنشاط في العبادات من السمات الظاهرة عليه , أريد أن أسأل عن أداء صلاة التراويح لمن هو في حكم المسافر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صلاة التراويح في رمضان هي من قيام الليل، الذي مدح الله أهله بقوله: (كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) الذاريات/17، وقد قام النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان وغيره، ولم يترك قيام الليل حضرا ولا سفرا.
قال ابن القيم رحمه الله: "ولم يكن صلى الله عليه وسلم يدع قيام الليل حضرا ولا سفرا، وكان إذا غلبه نوم أو وجع صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة" انتهى من "زاد المعاد" (1/311) .
وقد روى البخاري (945) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي السَّفَرِ عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ يُومِئُ إِيمَاءً، صَلَاةَ اللَّيْلِ، إِلَّا الْفَرَائِضَ، وَيُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ) .
وروى البخاري (1034) عن سَالِم بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يُصَلِّي عَلَى دَابَّتِهِ مِنْ اللَّيْلِ وَهُوَ مُسَافِرٌ، مَا يُبَالِي حَيْثُ مَا كَانَ وَجْهُهُ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: (وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَبِّحُ عَلَى الرَّاحِلَةِ قِبَلَ أَيِّ وَجْهٍ تَوَجَّهَ، وَيُوتِرُ عَلَيْهَا، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي عَلَيْهَا الْمَكْتُوبَةَ) .
والذي يتركه المسافر من النوافل إنما هو: راتبة الظهر القبلية والبعدية وراتبة المغرب وراتبة العشاء فقط، أما ما عدا ذلك من الرواتب وسائر النوافل فهي مشروعة للمسافر والمقيم.
روى مسلم في صحيحه (1112) عن حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: صَحِبْتُ ابْنَ عُمَرَ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ، فَصَلَّى لَنَا الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَقْبَلَ وَأَقْبَلْنَا مَعَهُ حَتَّى جَاءَ رَحْلَهُ، وَجَلَسَ وَجَلَسْنَا مَعَهُ فَحَانَتْ مِنْهُ الْتِفَاتَةٌ نَحْوَ حَيْثُ صَلَّى، فَرَأَى نَاسًا قِيَامًا، فَقَالَ مَا يَصْنَعُ هَؤُلَاءِ؟ قُلْتُ: يُسَبِّحُونَ (أي: يصلون الراتبة) قَالَ: لَوْ كُنْتُ مُسَبِّحًا لَأَتْمَمْتُ صَلَاتِي، يَا ابْنَ أَخِي، إِنِّي صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ، فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، وَصَحِبْتُ أَبَا بَكْرٍ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، وَصَحِبْتُ عُمَرَ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، ثُمَّ صَحِبْتُ عُثْمَانَ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) .
وَقَوْله: (وَلَوْ كُنْت مُسَبِّحًا لَأَتْمَمْت) مَعْنَاهُ: لَوْ اِخْتَرْت التَّنَفُّل لَكَانَ إِتْمَام فَرِيضَتِي أَرْبَعًا أَحَبّ إِلَيَّ , وَلَكِنِّي لَا أَرَى وَاحِدًا مِنْهُمَا , بَلْ السُّنَّة الْقَصْر وَتَرْك السنة الراتبة.
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
ما رأيكم في المسافرين هل الأفضل لهم أن يصلوا التراويح في رمضان أم لا؟ (وهم يقصرون الصلاة) .
فأجابوا: "قيام رمضان سنة، سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا أخذها عنه الصحابة رضوان الله عليهم وعملوا بها، واستمرت إلى يومنا هذا، وقد ثبت في الصحيحين من حديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم صلاها ليالي فصلوها معه، ثم تأخر وصلى في بيته باقي الشهر، وقال: (إني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها) ، وفي البخاري أن عمر جمع الناس على أبي بن كعب فصلى بهم التراويح، وثبت في الصحيحين من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه سأل عائشة رضي الله عنها: كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قالت: (ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة) وكان صلى الله عليه وسلم يسافر في رمضان، ومن ذلك سفره صلى الله عليه وسلم لفتح مكة، فقد خرج صلى الله عليه وسلم لعشر مضين من رمضان في سنة ثمان من الهجرة، قال ابن القيم: (ولم يكن صلى الله عليه وسلم يدع قيام الليل حضراً ولا سفراً، وكان إذا غلبه نوم أو وجع صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة) وبذلك يتبين أنهم إذا صلوها في سفر فقد أصابوا السنة" انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (7/206) .
والحاصل: أن صلاة التراويح تستحب للمسافر كما تستحب للمقيم؛ لمواظبته صلى الله عليه وسلم على قيام الليل في السفر والحضر.
نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياك لطاعته ومرضاته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2196)
المراد بصلاة الشفع والوتر
[السُّؤَالُ]
ـ[من المتداول أن من السنن المؤكدة الشفع والوتر. فهل هناك حديث عن صلاة الشفع؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الشفع في اللغة هو الزوج (أي العدد الزوجي) ، عكس الوتر الذي هو الفرد، والسنن الثابتة بعد صلاة العشاء ثلاثة:
1- سنة العشاء البعدية: وهي ركعتان.
2- قيام الليل، فيصلي ما شاء ركعتين ركعتين.
3- الوتر، فله أن يوتر بركعة واحدة، أو ثلاث أو خمس أو سبع أو تسع.
انظر جواب السؤال (46544) .
وإذا اختار أن يوتر بثلاث فإما أن يصليها متصلة بتشهد واحد، وإما أن يصلي ركعتين ثم يسلم ثم يصلي ركعة واحدة.
وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن أدنى الكمال الوتر أن يوتر الإنسان بثلاث ركعات، سواء فعلها متصلة أو منفصلة، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " أدنى الكمال في الوتر أن يصلي ركعتين ويسلم، ثم يأتي بواحدة ويسلم. ويجوز أن يجعلها بسلام واحد، لكن بتشهد واحد لا بتشهدين؛ لأنه لو جعلها بتشهدين لأشبهت صلاة المغرب، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تُشبّه بصلاة المغرب " انتهى من "الشرح الممتع" (4/21) .
وروى ابن حبان (2435) عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يفصل بين شفعه ووتره بتسليمة، وأخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك. قال الحافظ في الفتح (2/482) : إسناده قوي.
وهذا الحديث يدل على أن المراد بالشفع الركعتان قبل ركعة الوتر.
قال الشيخ الألباني رحمه الله في رسالته " صلاة التراويح " بعد أن ذكر صفات صلاة الوتر المتنوعة الواردة في السنة:
" ويتلخص فمن كل ما سبق أن الإيتار بأي نوع من هذه الأنواع المتقدمة جائز حسن، وأن الإيثار بثلاث بتشهدين كصلاة المغرب لم يأت فيه حديث صحيح صريح، بل هو لا يخلو من كراهة، ولذلك نختار أن لا يقعد بين الشفع والوتر، وإذا قعد سَلَّم، وهذا هو الأفضل " انتهى.
وبعض الناس يظن أن الشفع هو سنة العشاء البعدية، وليس الأمر كذلك.
جاء في "فتاوى اللجنة الدئمة" (7/255) :
" سنة العشاء البعدية وهي ركعتان، خلاف الشفع والوتر " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2197)
يقرأ خواتيم سورة البقرة في صلاة الوتر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم المداومة على قراءة نهاية سورة البقرة في التسليمة الخامسة من صلاة التراويح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
مداومة الإمام على قراءة خواتيم سورة البقرة في التراويح أو الشفع والوتر، إن اعتقد أنه سنة، فقط أخطأ. والثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ بالأعلى والكافرون والإخلاص. لما روى أبو داود (1423) والنسائي (1736) وابن ماجه (1171) واللفظ له، عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بسبح اسم ربك الأعلى، وقل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد) . صححه الألباني في صحيح النسائي.
فمن أراد اتباع النبي صلى الله عليه وسلم فهذه سنته، ولا حرج إذا قرأ غير ذلك من القرآن الكريم، لكن لا يداوم على شيء معين لا يتعداه إلى غيره، فإن هذا قد يُدخل فعله ذلك في البدعة المذمومة لأنه بذلك يخص صلاة بقراءة معينة لم يخصها الرسول صلى الله عليه وسلم، ويتقرب إلى الله بما لم يشرعه، وهذا من البدع.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2198)
القراءة من المصحف في صلاة التراويح
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم القراءة من المصحف في صلاة التروايح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا بأس بالقراءة من المصحف في الصلاة، فقد كان لعائشة رضي الله عنها غلام يؤمها من المصحف في رمضان. رواه البخاري معلقاً (1/245) .
وقال ابن وهب: قال ابن شهاب: كان خيارنا يقرءون في المصاحف في رمضان. "المدونة" (1/224) .
وقال النووي: "لو قرأ القرآن من المصحف لم تبطل صلاته سواء كان يحفظه أم لا، بل يجب عليه ذلك إذا لم يحفظ الفاتحة, ولو قلَّب أوراقه أحيانا في صلاته لم تبطل...... هذا مذهبنا ومذهب مالك وأبي يوسف ومحمد وأحمد " انتهى من "المجموع" (4/27) بتصرف.
وقال سحنون: وقال مالك: لا بأس بأن يؤم الإمام بالناس في المصحف في رمضان وفي النافلة. قال ابن القاسم: وكره ذلك في الفريضة. "المدونة" (1/224) .
وأما اعتراض من اعترض على ذلك بأن حمل المصحف وتقليب أوراقه في الصلاة حركة كثيرة فهو اعتراض غير صحيح، لأنه قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالناس وهو حامل أمامة بنت ابنته. رواه البخاري (494) ومسلم (543) ، فحمل المصحف في الصلاة ليس أعظم من حمل طفلة في الصلاة.
وقد سبق ذكر فتوى الشيخ ابن باز بجواز ذلك في جواب السؤال (1255) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2199)
هل للمأموم أن يقرأ من المصحف خلف إمامه بغير قراءة الإمام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أصلي مقتدياً خلف الإمام في صلاة التراويح، ولكن بعد تأمينه وقراءتي الفاتحة أقرأ من مصحف في يدي من ختمتي الخاصة، ثم أتابع الإمام في سائر الصلاة، فهل يجوز قراءتي بعد الفاتحة من مصحفي مع العلم أني أقرأ بسورة مختلفة عما يقرأ الإمام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الواجب على المأموم أن يقرأ الفاتحة ثم ينصت لقراءة إمامه، ولا يجوز له أن يقرأ زيادة على الفاتحة، سواء قرأها من حفظه أم من مصحف.
فقد أمرَ الله تعالى المصلِّين وغيرهم أن يستمعوا وينصتوا إذا قُرِئ عليهم القرآن، فقال تعالى: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) الأعراف/204.
وهكذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم، فعَنْ أَبِي موسى الأشعري رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا) رواه مسلم (404) .
ولا يُستثنَى من هذا إلا قراءة الفاتحة فقط.
فعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلاةِ الْفَجْرِ، فَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَثَقُلَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: (لَعَلَّكُمْ تَقْرَءُونَ خَلْفَ إِمَامِكُمْ؟) قُلْنَا: نَعَمْ، هَذًّا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: (لا تَفْعَلُوا إِلا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، فَإِنَّهُ لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا) رواه أبو داود (823) وصححه الشيخ ابن باز في "فتاواه" (11/221) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
" لا يجوز للمأموم في الصلاة الجهرية أن يقرأ زيادة على الفاتحة بل الواجب عليه بعد ذلك الإنصات لقراءة الإمام لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لَعَلَّكُمْ تَقْرَءُونَ خَلْفَ إِمَامِكُمْ) قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: (لا تَفْعَلُوا إِلا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُ لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا) ، ولقول الله سبحانه: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) وقوله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا) .
وإنما يستثنى من ذلك قراءة الفاتحة فقط للحديث السابق ولعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ) متفق على صحته " انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (11 / 234) .
ثانياً:
وقد سبق في جواب السؤال رقم (52876) أنه ينبغي للمأموم ألا يحمل المصحف خلف إمامه، وأن حمله له خلاف السنة، هذا إذا كان سيتابع قراءة إمامه، إما إذا كان سيحمل المصحف ويقرأ غير قراءة الإمام فقد سبق أن ذلك حرام، لأنه لا يجوز للمأموم في الصلاة الجهرية أن يزيد على قراءة الفاتحة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2200)
تطويل الركعة الثانية وتقصير الأولى
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الصلاة خلف إمام يقصر في الركعة الأولى، ويطول في الركعة الثانية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
السنة في الصلاة تطويل الركعة الأولى، وتقصير الثانية، لما روى البخاري (759) ومسلم (685) عن أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ مِنْ صَلاةِ الظُّهْرِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ، يُطَوِّلُ فِي الأُولَى، وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ، وَيُسْمِعُ الآيَةَ أَحْيَانًا، وَكَانَ يَقْرَأُ فِي الْعَصْرِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ، وَكَانَ يُطَوِّلُ فِي الأُولَى، وَكَانَ يُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى مِنْ صَلاةِ الصُّبْحِ، وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ.
وبوب البخاري رحمه الله في صحيحه: (باب يطول في الركعة الأولى) وساق تحته حديث أبي قتادة (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطول في الركعة الأولى من صلاة الظهر، ويقصِّر في الثانية، ويفعل ذلك في صلاة الصبح) .
قال الحافظ ابن حجر: (قوله باب يطول في الركعة الأولى) أي في جميع الصلوات، وهو ظاهر الحديث المذكور) انتهى من فتح الباري (2/305) .
وقال النووي رحمه الله: (وقوله "وكان يطول الركعة الأولى ويقصر الثانية": هذا مما اختلف العلماء في العمل بظاهره، وهما وجهان لأصحابنا، أشهرهما عندهم: لا يطول، والحديث متأول على أنه طوّل بدعاء الافتتاح والتعوذ، أو لسماع دخول داخل في الصلاة ونحوه لا في القراءة. والثاني: أنه يستحب تطويل القراءة في الأولى قصداً، وهذا هو الصحيح المختار الموافق لظاهر السنة) انتهى من شرح مسلم (4/175) .
وعليه؛ فإذا كان الإمام يطول الركعة الثانية على الأولى، ويلتزم ذلك ويعتاده، فهذا خلاف السنة، وينبغي نصحه وإرشاده ليوافق سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فإن خير الهدى محمد صلى الله عليه وسلم. لكن تطويل الأولى على الثانية، ليس واجبا ولا شرطا لصحة الصلاة، بل هو أولى وأكمل.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2201)
هل يجتمعن في بيت إحداهن لأداء صلاة التراويح؟
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن في قرية لا يوجد فيها نساء يذهبن إلى الجامع , والجامع أيضاً لا يوجد فيه مكان مخصص للنساء , فهل يجوز لمجموعة من النساء التجمع في أحد المنازل لصلاة التراويح لوحدهن في جماعة؟ وإن جاز فهل الصلاة تكون سرية أو ماذا؟ وكيف يمكن لهن الصلاة في جماعة إذا كانت الصلاة جهرية كالصبح أو العشاء وكانت إحداهن إماماً فهل تجهر بالقراءة أو لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يجوز للنساء أن يجتمعن لأداء صلاة التراويح في بيت إحداهنَّ بشرط عدم التبرج والزينة في الخروج، وبشرط الأمن وعدم الفتنة.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" ولا بأس بحضور النساء صلاة التراويح إذا أمنت الفتنة، بشرط أن يخرجن محتشمات غير متبرجات بزينة ولا متطيبات " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (14/السؤال رقم 808) .
والأفضل لهن أن تصلي كل واحدة منهن في بيتها، بل في قعر بيتها، وقد نصَّ النبي صلى الله عليه وسلم على أن صلاة النساء للفرض في بيوتهن خير لهنَّ من الصلاة في المساجد، فأولى أن تكون النافلة مثله.
عن أم سلمة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خَيْرُ مَسَاجِدِ النِّسَاءِ قَعْرُ بُيُوتِهِنَّ) . رواه أحمد (26002) وحسَّنه الألباني في "صحيح الترغيب" (341) .
بل إن صلاة المرأة في بيتها خير من صلاة جماعة في المسجد الحرام أو النبوي خلف النبي صلى الله عليه وسلم.
عَنْ أُمِّ حُمَيْدٍ امْرَأَةِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنهما أَنَّهَا جَاءَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُحِبُّ الصَّلاةَ مَعَكَ. قَالَ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكِ تُحِبِّينَ الصَّلاةَ مَعِي، وَصَلاتُكِ فِي بَيْتِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي حُجْرَتِكِ، وَصَلاتُكِ فِي حُجْرَتِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلاتِكِ فِي دَارِكِ، وَصَلاتُكِ فِي دَارِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ، وَصَلاتُكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي مَسْجِدِي. قَالَ: فَأَمَرَتْ، فَبُنِيَ لَهَا مَسْجِدٌ فِي أَقْصَى شَيْءٍ مِنْ بَيْتِهَا وَأَظْلَمِهِ، فَكَانَتْ تُصَلِّي فِيهِ حَتَّى لَقِيَتْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ. رواه أحمد (26550) وصححه ابن خزيمة (1689) ، وحسَّنه الألباني في "صحيح الترغيب" (340) .
والحديث بوَّب عليه الإمام ابن خزيمة بقوله: باب اختيار صلاة المرأة في حجرتها على صلاتها في دارها، وصلاتها في مسجد قومها على صلاتها في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وإن كانت صلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم تعدل ألف صلاة في غيرها من المساجد، والدليل على أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: " صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد " أراد به صلاة الرجال دون صلاة النساء.
وقال الشيخ عبد العظيم آبادي رحمه الله:
ووجه كون صلاتهن في البيوت أفضل للأمن من الفتنة، ويتأكد ذلك بعد وجود ما أحدث النساء من التبرج والزينة. " عون المعبود " (2 / 193) .
ثانياً:
إذا اجتمعت النساء في بيتٍ وفق الشروط السابقة جاز أن يصلين جماعة، وتقف إمامتهن في وسطهن ولا تتقدّم عليهن، ولا تؤم الرجال ولو كانوا من محارمها، وتجهر بصلاتها كما يجهر الرجل في الصلوات الجهرية، على أن لا تُسمع صوتها الرجال إلا أن يكونوا من محارمها.
عن أم ورقة بنت عبد الله بن نوفل الأنصارية أنها استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم أن تتخذ في دارها مؤذنا فأذن لها ... وأمرها أن تؤم أهل دارها. رواه أبو داود (591) وحسنة الشيخ الألباني في " إرواء الغليل " (493) .
وعن عائشة أنها كانت تؤذن وتقيم وتؤم النساء وتقف وسطهن.
وعن عائشة أنها أمت نسوة في المكتوبة فأمتهن بينهن وسطاً.
وعَنْ حُجَيْرَة بنت حصين قَالَتْ: أَمَّتْنَا أُمُّ سَلَمَةَ قَائِمَةً وَسَطَ النِّسَاءِ.
وعن أم الحسن أنها رأت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تؤم النساء تقوم معهن في صفهن.
قال الشيخ الألباني رحمه الله بعد تخريج تلك الآثار:
وبالجملة فهذه الآثار صالحة للعمل بها ولاسيما وهي مؤيدة بعموم قوله صلى الله عليه وسلم: " إنما النساء شقائق الرجال " ... .
" صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم " (ص 153 – 155) باختصار.
وقال ابن قدامة رحمه الله:
وتجهر في صلاة الجهر، وإن كان ثَمَّ (أي هناك) رجالٌ: لا تجهر، إلا أن يكونوا من محارمها، فلا بأس. " المغني " (2 / 17) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2202)
تريد أن تتهجد آخر الليل فهل توتر مع الإمام في التروايح؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة مسلمة أحافظ على أداء صلاة التراويح. وفي الغالب إذا لم أذهب إلى الصلاة في المسجد فإن أخي الذي يصغرني سناً لا يذهب أيضاً. وإذا ذهبنا إلى المسجد نصلي الوتر مع الإمام. وقد اعتدت على الاستيقاظ في جوف الليل لصلاة التهجد وقراءة القرآن، ولكني بعد صلاة الوتر لا أستطيع أن أصلي صلاة التهجد. فما هو الخيار الأفضل بالنسبة لي؟ أداء صلاة التراويح في المسجد حتى يصلي أخي في المسجد أم البقاء في البيت لأصلي صلاة التهجد في جوف الليل؟ أيهما أكثر أجراً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ذهابك للمسجد، وحضورك التروايح مع الجماعة، ولقاؤك بأخواتك المسلمات، كل ذلك خير وهدى والحمد لله. وكونك تعينين أخاك على هذا الخير، طاعة أخرى تضاف لذلك.
ولا تعارض بين هذا وبين تهجدك آخر الليل، فبإمكانك أن تجمعي بين هذه الفضائل كلها.
وذلك بأحد أمرين:
الأول: أن توتري مع الإمام، ثم إذا تيسر لك التهجد بعد ذلك، فصلِّ ما كتب الله لك ركعتين ركعتين، دون أن تعيدي صلاة الوتر مرة أخرى، لأنه لا وتران في ليلة.
الثاني: أن تؤخري الوتر إلى آخر الليل، فإذا سلم الإمام من صلاة الوتر فإنك لا تسلمين معه، بل تقومين وتزيدين ركعة، ليكون وترك آخر الليل.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: بعض الناس إذا صلى مع الإمام الوتر وسلم الإمام قام وأتى بركعة ليكون وتره آخر الليل، فما حكم هذا العمل؟ وهل يعتبر انصرف مع الإمام؟
فأجاب:
" لا نعلم في هذا بأساً، نص عليه العلماء، ولا حرج فيه حتى يكون وتره في آخر الليل. ويصدق عليه أنه قام مع الإمام حتى ينصرف، لأنه قام معه حتى انصرف الإمام وزاد ركعة لمصلحة شرعية حتى يكون وتره آخر الليل فلا بأس بهذا، ولا يخرج به عن كونه ما قام مع الإمام، بل هو قام مع الإمام حتى انصرف لكنه لم ينصرف معه، بل تأخر قليلا " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (11/312) .
وسئل الشيخ ابن جبرين حفظه الله سؤالا مشابها، فأجاب:
" يفضّل في حق المأموم متابعة الإمام حتى ينصرف من التراويح والوتر؛ ليصدق عليه أنه صلى مع الإمام حتى انصرف، فيكتب له قيام ليلة، وكما فعله الإمام أحمد وغيره من العلماء.
وعلى هذا فإن أوتر معه وانصرف معه، فلا حاجة إلى الوتر آخر الليل، فإن استيقظ آخر الليل صلى ما كُتب له شفعا (أي ركعتين ركعتين) ولا يعيد الوتر، فإنه لا وتران في ليلة ...
وفضّل بعض العلماء أن يشفع الوتر مع الإمام (أي يزيد ركعة) ، بأن يقوم بعد سلام الإمام فيصلي ركعة ثم يسلم، ويجعل وتره آخر تهجده؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمْ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى) ، وكذا قوله: (اجْعَلُوا آخِرَ صَلاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا) " انتهى نقلا عن "فتاوى رمضان" (ص 826) .
وأفتت اللجنة الدائمة بأن هذا الأمر الثاني: حسن.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (7/207) .
نسأل الله لك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2203)
هل يكرر السورة نفسها في الصلاة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لا أحفظ الكثير من سور القرآن لأني لا أزال أتعلم، فهل يجوز أن أعيد قراءة نفس السور في صلاة التراويح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في إعادة قراءة نفس السورة في صلاة التراويح، أو غيرها من الصلوات، فيقرأ سورة في الركعة الأولى، ثم يعيد السورة نفسها في الركعة الثانية. ودليل ذلك عموم قول الله تعالى: (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) المزمل/20.
وروى أبو داود (816) عَنْ مُعَاذِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجُهَنِيِّ أَنَّ رَجُلا مِنْ جُهَيْنَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ: (إِذَا زُلْزِلَتْ الأَرْضُ) فِي الرَّكْعَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا. فَلا أَدْرِي أَنَسِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْ قَرَأَ ذَلِكَ عَمْدًا؟ حسنه الألباني في صحيح أبي داود.
قال عبد العظيم آبادي:
تردد الصحابي في أن إعادة النبي صلى الله عليه وسلم للسورة هل كان نسيانا لكون المعتاد من قراءته أن يقرأ في الركعة الثانية غير ما قرأ به في الأولى فلا يكون مشروعا لأمته أو فعله عمد البيان الجواز؟ فتكون الإعادة مترددة بين المشروعية وعدمها وإذا دار الأمر بين أن يكون مشروعا أو غير مشروع فحمل فعله صلى الله عليه وسلم على المشروعية أولى لأن الأصل في أفعاله التشريع والنسيان على خلاف الأصل. " عون المعبود " (3 / 23) .
بل لا حرج أن يكرر السورة نفسها أو الآية نفسها في الركعة الواحدة.
روى النسائي (1010) وابن ماجه (1350) عن أَبي ذَرٍّ رضي الله عنه قال: قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِآيَةٍ حَتَّى أَصْبَحَ يُرَدِّدُهَا، وَالآيَةُ: (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) حسنه الألباني في صحيح النسائي.
وروى البخاري (5014) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَجُلا سَمِعَ رَجُلا يَقْرَأُ: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) يُرَدِّدُهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، وَكَأَنَّ الرَّجُلَ يَتَقَالُّهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ) .
وفي رواية: (أَنَّ رَجُلا قَامَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ مِنْ السَّحَرِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ لا يَزِيدُ عَلَيْهَا) .
فأقره الرسول صلى الله عليه وسلم على تكرار السورة نفسها.
قال الحافظ:
" الْقَارِئ هُوَ قَتَادَةُ بْن النُّعْمَان , أَخْرَجَ أَحْمَد مِنْ طَرِيق أَبِي الْهَيْثَم عَنْ أَبِي سَعِيد قَالَ: (بَاتَ قَتَادَةُ بْن النُّعْمَان يَقْرَأ مِنْ اللَّيْل كُلّه قُلْ هُوَ اللَّه أَحَد لا يَزِيد عَلَيْهَا) الْحَدِيث. . . وَقَدْ أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيق إِسْحَاق بْن الطَّبَّاع عَنْ مَالِك فِي هَذَا الْحَدِيث بِلَفْظِ: (إِنَّ لِي جَارًا يَقُوم بِاللَّيْلِ فَمَا يَقْرَأ إِلا بـ قُلْ هُوَ اللَّه أَحَد) " انتهى.
ونسأل الله أن يوفقك لحفظ كتابه، والعمل بما فيه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2204)
هل لا بد له من إتمام صلاة التراويح مع الإمام حتى يؤجر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد ذكر أحد الأئمة أنه يجب أن تختم صلاة التراويح مع الإمام ولا تتركها في المنتصف لأنه لن تحسب لك ما قمته معه سواء ركعتين أو أربعة، فهل هذا صحيح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أن هذا القول خطأ، ولا يحل لأحدٍ أن ينسب للشرع ما ليس فيه، وقد حرَّم الله تعالى القول عليه بغير علم فقال تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) الأعراف/33.
ومن قام مع إمامه حتى يتم صلاته كُتب له قيام ليلة.
عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَامَ مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ) .
رواه الترمذي (806) وأبو داود (1375) والنسائي (1605) وابن ماجه (1327) . والحديث: صححه الترمذي وابن خزيمة (3/337) وابن حبان (3/340) والألباني في "إرواء الغليل" (447) .
ولا ينال هذا الثواب (وهو أجر قيام ليلة) إلا من قام مع الإمام في صلاتها كلها، حتى يتمها، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم.
أما من صلى مع الإمام ما يتيسر له وانصرف قبل تمام صلاة الإمام فإنه يكتب له ما صلاه فقط، ولا يكتب له قيام ليلة. قال الله تعالى: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه) الزلزلة/7، 8.
فلعل إمامكم أراد أن يقول ذلك فأخطأ في التعبير، أو لعلك لم تنتبه لمراده جيداً.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2205)
هل من فرق بين صلاة التراويح وصلاة القيام
[السُّؤَالُ]
ـ[وددت لو علمت الفرق بين القيام والتراويح؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صلاة التراويح هي من قيام الليل، وليستا صلاتين مختلفتين كما يظنّه كثير من العوامّ، وإنما سميّ قيام الليل في رمضان بصلاة التراويح لأنّ السّلف رحمهم الله كانوا إذا صلّوها استراحوا بعد كلّ ركعتين أو أربع من اجتهادهم في تطويل صلاة قيام الليل اغتناما لموسم الأجر العظيم وحرصا على الأجر المذكور في قوله صلى الله عليه وسلم: " مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ. " رواه البخاري رقم 36، والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/2206)
عدد ركعات صلاة التراويح
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد سألت هذا السؤال من قبل وأرجو الإجابة عنه بما يفيدني فإنني تلقيت إجابة غير مرضية والسؤال عن التراويح هل هي 11 ركعة أم 20 ركعة. فالسنة تقول 11 والشيخ الألباني رحمه الله في كتاب القيام والتراويح يقول 11 ركعة وبعض الناس يذهبون للمسجد الذي يصلي 11 ركعة والبعض الآخر يذهبون للمسجد الذي يصلي 20 ركعة وأصبحت المسألة حساسة هنا في الولايات المتحدة فمن يصلي 11 يلوم الذي يصلي 20 والعكس وصارت فتنة حتى في المسجد الحرام يصلون 20 ركعة.
لماذا تختلف الصلاة في المسجد الحرام والمسجد النبوي عن السنة. لماذا يصلون التراويح 20 ركعة في المسجد الحرام والمسجد النبوي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا نرى أن يتعامل المسلم مع المسائل الاجتهادية بين أهل العلم بمثل هذه الحساسية فيجعل منها سبباً لحصول الفرقة والفتن بين المسلمين.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عند الكلام على مسألة من يصلي مع الإمام عشر ركعات ثم يجلس وينتظر صلاة الوتر ولا يكمل صلاة التراويح مع الإمام:
ويؤسفنا كثيراً أن نجد في الأمة الإسلامية المتفتحة فئة تختلف في أمور يسوغ فيها الخلاف، فتجعل الخلاف فيها سبباً لاختلاف القلوب، فالخلاف في الأمة موجود في عهد الصحابة، ومع ذلك بقيت قلوبهم متفقة.
فالواجب على الشباب خاصة، وعلى كل الملتزمين أن يكونوا يداً واحدةً ومظهراً واحداً؛ لأن لهم أعداءً يتربصون بهم الدوائر.
" الشرح الممتع " (4 / 225) .
وقد غلا في هذه المسألة طائفتان، الأولى أنكرت على من زاد على إحدى عشر ركعة وبدَّعت فعله، والثانية أنكروا على من اقتصر على إحدى عشر ركعة وقالوا: إنهم خالفوا الإجماع.
ولنسمع إلى توجيه من الشيخ الفاضل ابن عثيمين رحمه الله حيث يقول:
وهنا نقول: لا ينبغي لنا أن نغلو أو نفرط، فبعض الناس يغلو من حيث التزام السنة في العدد، فيقول: لا تجوز الزيادة على العدد الذي جاءت به السنَّة، وينكر أشدَّ النكير على من زاد على ذلك، ويقول: إنه آثم عاصٍ.
وهذا لا شك أنه خطأ، وكيف يكون آثماً عاصياً وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل فقال: مثنى مثنى، ولم يحدد بعدد، ومن المعلوم أن الذي سأله عن صلاة الليل لا يعلم العدد؛ لأن من لا يعلم الكيفية فجهله بالعدد من باب أولى، وهو ليس ممن خدم الرسول صلى الله عليه وسلم حتى نقول إنه يعلم ما يحدث داخل بيته، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن له كيفية الصلاة دون أن يحدد له بعدد: عُلم أن الأمر في هذا واسع، وأن للإنسان أن يصلِّيَ مائة ركعة ويوتر بواحدة.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم " صلوا كما رأيتموني أصلي " فهذا ليس على عمومه حتى عند هؤلاء، ولهذا لا يوجبون على الإنسان أن يوتر مرة بخمس، ومرة بسبع، ومرة بتسع، ولو أخذنا بالعموم لقلنا يجب أن توتر مرة بخمس، ومرة بسبع، ومرة بتسع سرداً، وإنما المراد: صلوا كما رأيتموني أصلي في الكيفية، أما في العدد فلا إلا ما ثبت النص بتحديده.
وعلى كلٍّ ينبغي للإنسان أن لا يشدد على الناس في أمر واسع، حتى إنا رأينا من الإخوة الذين يشددون في هذا مَن يبدِّعون الأئمة الذين يزيدون على إحدى عشرة، ويخرجون من المسجد فيفوتهم الأجر الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم " من قام مع الإمام حتى ينصرف كُتب له قيام ليلة " رواه الترمذي (806) وصححه الألباني في صحيح الترمذي (646) ، وقد يجلسون إذا صلوا عشر ركعات فتنقطع الصفوف بجلوسهم، وربما يتحدثون أحياناً فيشوشون على المصلين.
ونحن لا نشك بأنهم يريدون الخير، وأنهم مجتهدون، لكن ليس كل مجتهدٍ يكون مصيباً.
والطرف الثاني: عكس هؤلاء، أنكروا على من اقتصر على إحدى عشرة ركعة إنكاراً عظيماً، وقالوا: خرجتَ عن الإجماع قال تعالى: {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً} ، فكل من قبلك لا يعرفون إلا ثلاثاً وعشرين ركعة، ثم يشدِّدون في النكير، وهذا أيضاً خطأ.
" الشرح الممتع " (4 / 73 – 75) .
أما الدليل الذي استدل القائلون بعدم جواز الزيادة في صلاة التراويح على ثمان ركعات فهو حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه سأل عائشة رضي الله عنها: " كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ فقالت: ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة يصلي أربعا فلا تسل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعا فلا تسل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثا فقلت يا رسول الله أتنام قبل أن توتر قال يا عائشة إن عينيَّ تنامان ولا ينام قلبي ".
رواه البخاري (1909) ومسلم (738) .
فقالوا: هذا الحديث يدل على المداومة لرسول الله في صلاته في الليل في رمضان وغيره.
وقد ردَّ العلماء على الاستدلال بهذا الحديث بأن هذا من فعله صلى الله عليه وسلَّم، والفعل لا يدل على الوجوب.
ومن الأدلة الواضحة على أن صلاة الليل ومنها صلاة التراويح غير مقيدة بعدد حديث ابن عمر أن رجلا سأل سول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام: " صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلَّى ".
رواه البخاري (946) ومسلم (749) .
ونظرة إلى أقوال العلماء في المذاهب المعتبرة تبين لك أن الأمر في هذا واسع، وأنه لا حرج في الزيادة على إحدى عشرة ركعة:
قال السرخسي وهو من أئمة المذهب الحنفي:
فإنها عشرون ركعة سوى الوتر عندنا.
" المبسوط " (2 / 145) .
وقال ابن قدامة:
والمختار عند أبي عبد الله (يعني الإمام أحمد) رحمه الله، فيها عشرون ركعة، وبهذا قال الثوري، وأبو حنيفة، والشافعي، وقال مالك: ستة وثلاثون.
" المغني " (1 / 457) .
وقال النووي:
صلاة التراويح سنة بإجماع العلماء، ومذهبنا أنها عشرون ركعة بعشر تسليمات وتجوز منفردا وجماعة.
" المجموع " (4 / 31) .
فهذه مذاهب الأئمة الأربعة في عدد ركعات صلاة التراويح وكلهم قالوا بالزيادة على إحدى عشرة ركعة، ولعل من الأسباب التي جعلتهم يقولون بالزيادة على إحدى عشرة ركعة:
1- أنهم رأوا أن حديث عائشة رضي الله عنها لا يقتضي التحديد بهذا العدد.
2- وردت الزيادة عن كثير من السلف.
انظر: المغني (2 / 604) ، والمجموع (4 / 32)
3- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي إحدى عشرة ركعة وكان يطيلها جداً حتى كان يستوعب بها عامة الليل، بل في إحدى الليالي التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم صلاة التراويح بأصحابه لم ينصرف من الصلاة إلا قبيل طلوع الفجر حتى خشي الصحابة أن يفوتهم السحور، وكان الصحابة رضي الله عنهم يحبون الصلاة خلف النبي صلى الله عليه وسلم ولا يستطيلونها فرأى العلماء أن الإمام إذا أطال الصلاة إلى هذا الحد شق ذلك على المأمومين وربما أدى ذلك إلى تنفيرهم فرأوا أن الإمام يخفف من القراءة ويزيد من عدد الركعات.
والحاصل: أن من صلى إحدى عشرة ركعة على الصفة الواردة عن الني صلى الله عليه وسلم فقد أحسن وأصاب السنة، ومن خفف القراءة وزاد عدد الركعات فقد أحسن، ولا إنكار على من فعل أحد الأمرين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
والتراويح إن صلاها كمذهب أبي حنيفة، والشافعي، وأحمد: عشرين ركعة أو: كمذهب مالك ستا وثلاثين، أو ثلاث عشرة، أو إحدى عشرة فقد أحسن، كما نص عليه الإمام أحمد لعدم التوقيف فيكون تكثير الركعات وتقليلها بحسب طول القيام وقصره.
الاختيارات ص (64) .
قال السيوطي:
الذي وردت به الأحاديث الصحيحة والحسان الأمر بقيام رمضان والترغيب فيه من غير تخصيص بعدد، ولم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى التراويح عشرين ركعة، وإنما صلى ليالي صلاة لم يذكر عددها، ثم تأخر في الليلة الرابعة خشية أن تفرض عليهم فيعجزوا عنها. وقال ابن حجر الهيثمي: لم يصح أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى التراويح عشرين ركعة، وما ورد أنه " كان يصلي عشرين ركعة " فهو شديد الضعف.
الموسوعة الفقهية (27 / 142 – 145)
وبعد فلا تعجب أخي السائل من صلاة التراويح عشرين ركعة وقد سبقوا من أولئك الأئمة جيلا قبل جيل، وفي كلٍّ خير.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2207)
فضل صلاة التراويح
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو فضل صلاة التراويح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
صلاة التراويح سنة مستحبة باتفاق العلماء، وهي من قيام الليل، فتشملها أدلة الكتاب والسنة التي وردت بالترغيب في قيام الليل، وبيان فضله. وقد سبق ذكر بعضها في السؤال رقم (50070) .
ثانياً:
قيام رمضان من أعظم العبادات التي يتقرب بها العبد إلى ربه في هذا الشهر.
قال الحافظ ابن رجب: "واعلم أن المؤمن يجتمع له في شهر رمضان جهادان لنفسه: جهاد بالنهار على الصيام، وجهاد بالليل على القيام، فمن جمع بين هذين الجهادين وُفِّي أجره بغير حساب" اهـ.
وقد وردت بعض الأحاديث الخاصة بالترغيب في قيام رمضان وبيان فضله، منها:
ما رواه البخاري (37) ومسلم (759) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) .
(مَنْ قَامَ رَمَضَان) أَيْ قَامَ لَيَالِيَهُ مُصَلِّيًا.
(إِيمَانًا) أَيْ تَصْدِيقًا بِوَعْدِ اللَّهِ بِالثَّوَابِ عَلَيْهِ.
(وَاحْتِسَابًا) أَيْ طَلَبًا لِلْأَجْرِ لَا لِقَصْدٍ آخَرَ مِنْ رِيَاءٍ أَوْ نَحْوِهِ.
(غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبه)
جَزَمَ اِبْنُ الْمُنْذِرِ أنه يَتَنَاوَلُ الصَّغَائِرَ وَالْكَبَائِرَ، لكن قال النووي: الْمَعْرُوف عِنْد الْفُقَهَاء أَنَّ هَذَا مُخْتَصّ بِغُفْرَانِ الصَّغَائِر دُون الْكَبَائِر. قَالَ بَعْضهمْ: وَيَجُوز أَنْ يُخَفِّف مِنْ الْكَبَائِر مَا لَمْ يُصَادِف صَغِيرَة اهـ من فتح الباري.
ثالثاً:
ينبغي أن يكون المؤمن حريصاً على الاجتهاد في العبادة في العشر الأواخر من رمضان أكثر من غيرها، ففي هذه العشر ليلة القدر التي قال الله تعالى فيها: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) القدر/3.
وقد ورد في ثواب قيامها قول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) . رواه البخاري (1768) ومسلم (1268) .
ولهذا (كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْتَهِد فِي الْعَشْر الأَوَاخِر مَا لا يَجْتَهِد فِي غَيْرهَا) . رواه مسلم (1175) .
وروى البخاري (2024) ومسلم (1174) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ.
(دَخَلَ الْعَشْرُ) أي: الْعَشْر الأَوَاخِر مِنْ رَمَضَان.
(شَدَّ مِئْزَرَهُ) قيل هو كناية عن الاجتهاد في العبادة، وقيل كناية عن اعتزال النساء، ويحتمل أنه يشمل المعنيين جميعاً.
(وَأَحْيَا لَيْلَهُ) أَيْ سَهِرَهُ فَأَحْيَاهُ بِالطَّاعَةِ، بالصلاة وغيرها.
(وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ) أي: أَيْقَظَهُمْ لِلصَّلاةِ فِي اللَّيْل.
وقال النووي:
فَفِي هَذَا الْحَدِيث: أَنَّهُ يُسْتَحَبّ أَنْ يُزَاد مِنْ الْعِبَادَات فِي الْعَشْر الأَوَاخِر مِنْ رَمَضَان , وَاسْتِحْبَاب إِحْيَاء لَيَالِيه بِالْعِبَادَاتِ اهـ.
رابعاً:
ينبغي الحرص على قيام رمضان في جماعة، والبقاء مع الإمام حتى يتم الصلاة، فإنه بذلك يفوز المصلي بثواب قيام ليلة كاملة، وإن كان لم يقم إلا وقتاً يسيراً من الليل، والله تعالى ذو الفضل العظيم.
قال النووي رحمه الله:
"اتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى اِسْتِحْبَاب صَلاة التَّرَاوِيح , وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الأَفْضَل صَلاتهَا مُنْفَرِدًا فِي بَيْته أَمْ فِي جَمَاعَة فِي الْمَسْجِد؟ فَقَالَ الشَّافِعِيّ وَجُمْهُور أَصْحَابه وَأَبُو حَنِيفَة وَأَحْمَد وَبَعْض الْمَالِكِيَّة وَغَيْرهمْ: الأَفْضَل صَلاتهَا جَمَاعَة كَمَا فَعَلَهُ عُمَر بْن الْخَطَّاب وَالصَّحَابَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ، وَاسْتَمَرَّ عَمَل الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ" اهـ.
وروى الترمذي (806) عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2208)
ثواب قيام الليل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما ثواب قيام الليل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قيام الليل سُنة مؤكدة , تواترت النصوص من الكتاب والسنة بالحث عليه , والتوجيه إليه , والترغيب فيه, ببيان عظيم شأنه، وجزالة الثواب عليه.
وقيام الليل له شأن عظيم في تثبيت الإيمان , والإعانة على جليل الأعمال , قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمْ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا * نِصْفَهُ أَوْ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلا * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلا) المزمل/1-6.
ومدح الله تعالى أهل الإيمان والتقوى , بجميل الخصال وجليل الأعمال , ومن أخص ذلك قيام الليل , قال تعالى: (إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ * تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) السجدة/15-17.
ووصفهم في موضع آخر بقوله: (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا. . . إلى أن قال: أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا * خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا) الفرقان/64-75.
وفي ذلك من التنبيه على فضل قيام الليل , وكريم عائدته ما لا يخفى، وأنه من أسباب صرف عذاب جهنم , والفوز بالجنة , وما فيها من النعيم المقيم , وجوار الرب الكريم , جعلنا الله ممن فاز بذلك.
وقد وصف الله تعالى المتقين في سورة الذاريات , بجملة صفات - منها قيام الليل - , فازوا بها بفسيح الجنات , فقال سبحانه: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) الذاريات/15-17.
وقد حث النبي على قيام الليل ورغّب فيه في أحاديث كثيرة، فمن ذلك:
قوله صلى الله عليه وسلم: (أَفْضَلُ الصَّلاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلاةُ اللَّيْلِ) رواه مسلم (1163) .
وقوله صلى الله عليه وسلم: (عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ، فَإِنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَهُوَ قُرْبَةٌ إِلَى رَبِّكُمْ، وَمَكْفَرَةٌ لِلسَّيِّئَاتِ، وَمَنْهَاةٌ لِلإِثْمِ) . رواه الترمذي (3549) وحسنه الألباني في إرواء الغليل (452) .
(فَإِنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحِينَ) أَيْ عَادَتُهُمْ وَشَأْنُهُمْ.
(وَهُوَ قُرْبَةٌ إِلَى رَبِّكُمْ) أَيْ مِمَّا يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى.
(وَمَكْفَرَةٌ لِلسَّيِّئَاتِ) أي يكفر السيئات.
(وَمَنْهَاةٌ لِلإِثْمِ) أَيْ ينهى عَنْ اِرْتِكَابِ الإِثْمِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) .
وعن عمرو بن مرة الجهني قال: جاء رسولَ الله صلى الله عليه وسلم رجلٌ من قضاعة فقال له: يا رسول الله، أرأيت إن شهدت أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، وصليت الصلوات الخمس، وصمت الشهر، وقمت رمضان، وآتيت الزكاة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من مات على هذا كان من الصديقين والشهداء) رواه ابن خزيمة وصححه الألباني في صحيح ابن خزيمة (2212) .
وروى الترمذي (1984) عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا تُرَى ظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا، وَبُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا، فَقَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لِمَنْ أَطَابَ الْكَلامَ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَأَدَامَ الصِّيَامَ، وَصَلَّى لِلَّهِ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ) . وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.
وروى الحاكم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أتاني جبريل فقال: يا محمد، عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس) . حسنه الألباني في صحيح الجامع (73) .
وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ قَامَ بِعَشْرِ آيَاتٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنْ الْغَافِلِينَ، وَمَنْ قَامَ بِمِائَةِ آيَةٍ كُتِبَ مِنْ الْقَانِتِينَ، وَمَنْ قَامَ بِأَلْفِ آيَةٍ كُتِبَ مِنْ الْمُقَنْطِرِينَ) . رواه أبو داود (1398) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
(الْمُقَنْطِرِينَ) أي: هم الذين أعطوا قِنْطاراً من الأجر.
والقنطار مقدار كبير من الذهب، وأكثر أهل اللغة على أنه أربعة آلاف دينار.
وقيل: إنَّ القِنطار مِلْء جِلْد ثَور ذَهباً. وقيل: ثمانون ألفاً. وقيل: هو جُمْلة كثيرة مجهولة من المال.
انظر "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير.
والمراد من الحديث تعظيم أجر من قام بألف آية، وقد روى الطبراني أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (والقنطار خير من الدنيا وما فيها) وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (638) .
(فائدة) :
قال الحافظ ابن حجر: " من سورة (تبارك) إلى آخر القرآن ألف آية اهـ.
فمن قام بسورة تبارك إلى آخر القرآن فقد قام بألف آية.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2209)
شروط خروج المرأة إلى المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمرأة الذهاب لصلاة التهجد في المسجد دون محرم؟ حيث إن المسجد بجوار البيت ورجال البيت لا يؤدون هذه الصلاة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز للمرأة أن تذهب إلى المسجد للصلاة بشروط معينة، وليس من هذه الشروط أن يكون معها محرم، فلا حرج عليها من الذهاب إلى المسجد للصلاة من غير محرم.
جاء في فتاوى "اللجنة الدائمة" (7/332) :
فأجابت:
يجوز للمرأة المسلمة أن تصلي في المساجد، وليس لزوجها إذا استأذنته أن يمنعها من ذلك ما دامت مستترة ولا يبدو من بدنها شيء مما يحرم نظر الأجانب إليه؛ لما رواه ابْنَ عُمَرَ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِذَا اسْتَأْذَنَكُمْ نِسَاؤُكُمْ إِلَى الْمَسَاجِدِ فَأْذَنُوا لَهُنَّ) . وفي رواية: (لا تَمْنَعُوا النِّسَاءَ حُظُوظَهُنَّ مِنْ الْمَسَاجِدِ إِذَا اسْتَأْذَنكُمْ) فَقَالَ بِلالٌ (هو ابن لعبد الله بن عمر) : وَاللَّهِ لَنَمْنَعُهُنَّ. فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ: أَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقُولُ أَنْتَ لَنَمْنَعُهُنَّ. رواهما مسلم.
فإن كانت متكشفة قد بدا من بدنها ما يحرم على الأجانب النظر إليه أو كانت متطيبة فلا يجوز لها الخروج على هذه الحالة من بيتها فضلا عن خروجها إلى المساجد وصلاتها فيها؛ لما في ذلك من الفتنة؛ قال الله تعالى: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ) النور/31.
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الأحزاب /59.
وثبت أن زينب الثقفية كانت تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ الْعِشَاءَ فَلَا تَطَيَّبْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ) . وفي رواية: (إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ الْمَسْجِدَ فَلا تَمَسَّ طِيبًا) رواهما مسلم في صحيحه.
وثبت في الأحاديث الصحيحة أن نساء الصحابة كن يحضرن صلاة الفجر جماعة متلفعات بمروطهن (أي ساترات وجوههن) ما يعرفهن أحد من الناس، وثبت أن عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قالت: سَمِعَتْ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقُولُ: (لَوْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ الْمَسْجِدَ كَمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ) فقيل لِعَمْرَةَ: أَنِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُنِعْنَ الْمَسْجِدَ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. رواه مسلم في صحيحه.
فهذه النصوص تدل دلالة واضحة على أن المرأة المسلمة إذا التزمت آداب الإسلام في ملابسها وتجنبت ما يثير الفتنة ويستميل نفوس ضعفاء الإيمان من أنواع الزينة المغرية، لا تمنع من الصلاة في المساجد، وأنها إذا كانت على حالة تغري بها أهل الشر وتفتن من في قلبه ريب منعت من دخول المساجد، بل تمنع من الخروج من بيتها ومن حضور المجامع العامة اهـ.
وقال الشيخ ابن عثيمين في "مجموع الفتاوى" (14/211) :
"ولا بأس بحضور النساء صلاة التراويح إذا أمنت الفتنة بشرط أن يخرجن محتشمات غير متبرجات بزينة ولا متطيبات" اهـ.
وجمع الشيخ بكر أبو زيد في كتابه "حراسة الفضيلة" (ص86) شروط خروج المرأة إلى المسجد فقال:
"أذن للمرأة بالخروج للمسجد وفق الأحكام الآتية:
1-أن تؤمن الفتنة بها وعليها.
2- أن لا يترتب على حضورها محذور شرعي.
3- أن لا تزاحم الرجال في الطريق ولا في الجامع.
4- أن تخرج تَفِلَة. أي: غير متطيبة.
5- أن تخرج متحجبة غير متبرجة بزينة.
6- إفراد باب خاص للنساء في المساجد، يكون دخولها وخروجها منه، كما ثبت الحديث بذلك في سنن أبي داود وغيره.
7- تكون صفوف النساء خلف الرجال.
8- خير صفوف النساء آخرها بخلاف الرجال.
9- إذا ناب الإمام شيء في صلاته سبح رجل، وصفقت امرأة.
10- تخرج النساء من المسجد قبل الرجال، وعلى الرجال الانتظار حتى انصرافهن إلى دورهن، كما في حديث أم سلمة رضي الله عنها في صحيح البخاري وغيره" اهـ..
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2210)
حكم الدعاء بعد كل ركعتين من صلاة التراويح
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الدعاء بين التسليمة والأخرى بهذه الصيغة: (سبحانك ربنا وبحمدك اللهم اغفر لنا) ؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الدعاء بين التسليمة والأخرى في صلاة التراويح بهذه الصيغة: (سبحانك ربنا وبحمدك اللهم اغفر لنا) ليس له أصل في السنة، وليس للإمام أو المأموم التزام ذلك، لأن العبادة مبناها على التوقيف، فلا يشرع منها إلا ما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم. والتزام عبادة معينة في وقت معين، من غير دليل، يدخل في باب البدعة والإحداث.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) متفق عليه.
وهذا الذكر العظيم: (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي) مما كان يقوله النبي صلى الله عليه وسلم في ركوعه وسجوده، فقد روى البخاري (784) ومسلم (484) عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، يتأول القرآن) .
ومعنى "يتأول القرآن": أي يفعل ما أُمِر به في القرآن، وهو قول الله تعالى له: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا) .
فانظر كيف تُركت السنة في هذا الموضع، وتمسك الناس بالمحدَث!!
ومن البدع التي تفعل في التراويح: قول الناس: صلاة القيام أثابكم الله، وقولهم بين كل ركعتين: اللهم صل وسلم على سيدنا محمد بصوت مرتفع، وقراءتهم بين كل ركعتين سورة الإخلاص والمعوذتين، أو قول الإمام سبحان الله، وترديد المأمومين خلفه: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم، كل هذا لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا أفتت اللجنة الدائمة بأنه من البدع المحدثة.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (7/ 208- 215) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2211)
صلاة التراويح في المسجد جماعة أفضل من صلاتها في البيت
[السُّؤَالُ]
ـ[هل فعل صلاة التراويح جماعة في المسجد أفضل، أم صلاتها في البيت؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صلاة الجماعة في المسجد مع الجماعة أفضل من صلاتها في البيت.
وقد دلت على ذلك السنة، وفعل الصحابة رضي الله عنهم.
1- روى البخاري (1129) ومسلم (761) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَصَلَّى بِصَلَاتِهِ نَاسٌ، ثُمَّ صَلَّى مِنْ الْقَابِلَةِ، فَكَثُرَ النَّاسُ، ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِنْ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ، فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ: (قَدْ رَأَيْتُ الَّذِي صَنَعْتُمْ، وَلَمْ يَمْنَعْنِي مِنْ الْخُرُوجِ إِلَيْكُمْ إِلا أَنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ) وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ.
فهذا يدل على أن صلاة التراويح في جماعة مشروعة بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، غير أنه تركها خشية أن تفرض على الأمة، فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم زال هذا المحذور، لاستقرار الشريعة.
2- وروى الترمذي (806) عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ قَامَ مَعَ الإِمَامِ –يعني في صلاة التراويح- حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ) .
صححه الألباني في صحيح الترمذي.
3- وروى البخاري (2010) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ، يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ، وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلَاتِهِ الرَّهْطُ، فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي أَرَى لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلاءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ، ثُمَّ عَزَمَ فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ.
قَوْله: (أَمْثَل) أي أفضل.
قال الحافظ:
" قَالَ اِبْن التِّين وَغَيْره اِسْتَنْبَطَ عُمَر ذَلِكَ مِنْ تَقْرِير النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَلَّى مَعَهُ فِي تِلْكَ اللَّيَالِي , وَإِنْ كَانَ كَرِهَ ذَلِكَ لَهُمْ فَإِنَّمَا كَرِهَهُ خَشْيَةَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْهِمْ , فَلَمَّا مَاتَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَصَلَ الأَمْنُ مِنْ ذَلِكَ , وَرَجَحَ عِنْد عُمَر ذَلِكَ لِمَا فِي الاخْتِلاف مِنْ اِفْتِرَاق الْكَلِمَة , وَلأَنَّ الاجْتِمَاعَ عَلَى وَاحِدٍ أَنْشَطُ لِكَثِيرِ مِنْ الْمُصَلِّينَ , وَإِلَى قَوْل عُمَر جَنَحَ الْجُمْهُور " انتهى من "فتح الباري".
وقال النووي في "المجموع" (3/526) :
" صَلاةُ التَّرَاوِيحِ سُنَّةٌ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ. . . وَتَجُوزُ مُنْفَرِدًا وَجَمَاعَةً , وَأَيُّهُمَا أَفْضَلُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ، الصَّحِيحُ بِاتِّفَاقِ الأَصْحَابِ أَنَّ الْجَمَاعَةَ أَفْضَلُ. الثَّانِي: الانْفِرَادُ أَفْضَلُ.
قَالَ أَصْحَابُنَا: الْخِلافُ فِيمَنْ يَحْفَظُ الْقُرْآنَ، وَلا يَخَافُ الْكَسَلَ عَنْهَا لَوْ انْفَرَدَ , وَلا تَخْتَلُّ الْجَمَاعَةُ فِي الْمَسْجِدِ لِتَخَلُّفِهِ. فَإِنْ فُقِدَ أَحَدُ هَذِهِ الأُمُورِ فَالْجَمَاعَةُ أَفْضَلُ بِلا خِلافٍ.
قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ: قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ وَأَبُو إِسْحَاقَ صَلَاةُ التَّرَاوِيحِ جَمَاعَةً أَفْضَلُ مِنْ الانْفِرَادِ لإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، وَإِجْمَاعِ أَهْلِ الأَمْصَارِ عَلَى ذَلِكَ: انتهى.
وقال الترمذي:
" وَاخْتَارَ اِبْنُ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ الصَّلاةَ مَعَ الإِمَامِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ ".
قال في تحفة الأحوذي:
" وَفِي كِتَابِ قِيَامِ اللَّيْلِ: وَقِيلَ لأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: يُعْجِبُك أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ مَعَ النَّاسِ فِي رَمَضَانَ أَوْ وَحْدَهُ؟ قَالَ يُصَلِّي مَعَ النَّاسِ. قَالَ وَيُعْجِبُنِي أَنْ يُصَلِّيَ مَعَ الإِمَامِ وَيُوتِرَ مَعَهُ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا قَامَ مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ بَقِيَّةُ لَيْلَتِهِ ". قَالَ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ: يَقُومُ مَعَ النَّاسِ حَتَّى يُوتِرَ مَعَهُمْ وَلا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَنْصَرِفَ الإِمَامُ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: شَهِدْته يَعْنِي أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ شَهْرَ رَمَضَانَ يُوتِرُ مَعَ إِمَامِهِ إِلا لَيْلَةً لَمْ أَحْضُرْهَا. وَقَالَ إِسْحَاقُ رَحِمَهُ اللَّهُ قُلْت لأَحْمَدَ: الصَّلاةُ فِي الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إِلَيْك أَمْ يُصَلِّي وَحْدَهُ فِي قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ؟ قَالَ: يُْجِبُنِي أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْجَمَاعَةِ، يُحْيِي السُّنَّةَ. وَقَالَ إِسْحَاقُ كَمَا قَالَ " اِنْتَهَى.
وانظر: "المغني" (1/457) .
وقال الشيخ ابن عثيمين في "مجالس شهر رمضان" (ص 22) :
" وكان النبي صلى الله عليه وسلم أول من سن الجماعة في صلاة التراويح في المسجد، ثم تركها خوفا من أن تفرض على أمته. . . ثم ذكر الحديثين السابقين، ثم قال:
ولا ينبغي للرجل أن يتخلف عن صلاة التروايح لينال ثوابها وأجرها، ولا ينصرف حتى ينتهي الإمام منها ومن الوتر، ليحصل له أجر قيام الليل كله " انتهى باختصار.
وقال الألباني في "قيام رمضان":
" وتشرع الجماعة في قيام رمضان، بل هي أفضل من الانفراد، لإقامة النبي صلى الله عليه وسلم لها بنفسه، وبيانه لفضلها بقوله.
وإنما لم يقم بهم عليه الصلاة والسلام بقية الشهر خشية أن تفرض عليهم صلاة الليل في رمضان، فيعجزوا عنها كما جاء في حديث عائشة في "الصحيحين" وغيرهما. وقد زالت هذه الخشية بوفاته صلى الله عليه وسلم بعد أن أكمل الله الشريعة، وبذلك زال المعلول، وهو ترك الجماعة في قيام رمضان، وبقي الحكم السابق، وهو مشروعية الجماعة، ولذلك أحياها عمر رضي الله عنه كما في "صحيح البخاري" وغيره " انتهى.
وجاء في الموسوعة الفقهية (27/138) ":
" وَقَدْ وَاظَبَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَالْمُسْلِمُونَ مِنْ زَمَنِ عُمَرَ رضي الله تعالى عنه عَلَى صَلاةِ التَّرَاوِيحِ جَمَاعَةً , وَكَانَ عُمَرُ رضي الله تعالى عنه هُوَ الَّذِي جَمَعَ النَّاسَ فِيهَا عَلَى إمَامٍ وَاحِدٍ. . . .
وَرَوَى أَسَدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ: سَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ عَنْ التَّرَاوِيحِ وَمَا فَعَلَهُ عُمَرُ , فَقَالَ: التَّرَاوِيحُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ , وَلَمْ يَتَخَرَّصْ عُمَرُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ , وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ مُبْتَدِعًا , وَلَمْ يَأْمُرْ بِهِ إلا عَنْ أَصْلٍ لَدَيْهِ وَعَهْدٍ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَقَدْ سَنَّ عُمَرُ هَذَا وَجَمَعَ النَّاسَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَصَلاهَا جَمَاعَةً وَالصَّحَابَةُ مُتَوَافِرُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَمَا رَدَّ عَلَيْهِ وَاحِدٌ مِنْهُمْ , بَلْ سَاعَدُوهُ وَوَافَقُوهُ وَأَمَرُوا بِذَلِكَ " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2212)
هل يجوز التطوع بعد الوتر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا لا أصلي التهجد باستمرار، إذا حصل أن صليت الوتر بعد العشاء ثم أردت أن أصلي النفل فهل أستطيع ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج على من أوتر أول الليل أو أوسطه أن يصلي بعد وتره شيئاً من النوافل، وإن كان المستحب أن يكون آخر صلاته من الليل وتراً، وفي هذه الحال فإنه لا يعيد الوتر مرة ثانية، بل يكفيه الوتر الذي صلاه أول الليل.
فعن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا) . واه البخاري (998) ومسلم (749) .
وعن طلق بن علي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا وتران في ليلة) .
رواه الترمذي (470) والنسائي (1679) وأبو داود (1439) .
وصححه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " (7567) .
قال ابن حزم في "المحلى" (2 / 92، 93) :
والوتر آخر الليل أفضل. ومن أوتر أوله فحسن , والصلاة بعد الوتر جائزة , ولا يعيد وتراً آخر اهـ.
وقال النووي في "المجموع" (3/512) :
إذا أوتر ثم أراد أن يصلي نافلة أم غيرها في الليل جاز بلا كراهة ولا يعيد الوتر, ودليله حديث عائشة رضي الله عنها وقد سئلت عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: " كنَّا نعدُّ له سواكه وطهوره فيبعثه الله ما شاء أن يبعثه من الليل فيتسوك ويتوضأ ويصلي تسع ركعات لا يجلس فيهن إلا في الثامنة فيذكر الله ويمجده ويدعوه , ثم ينهض ولا يسلم , ثم يقوم فيصلي التاسعة , ثم يقعد فيذكر الله ويمجده ويدعوه, ثم يسلم تسليماً يسمعنا , ثم يصلي ركعتين بعد ما يسلم وهو قاعد " رواه مسلم , وهو بعض حديث طويل , وهذا الحديث محمول على أنه صلى الله عليه وسلم صلى الركعتين بعد الوتر بياناً لجواز الصلاة بعد الوتر اهـ.
راجع الأسئلة رقم (37729) ، (38400) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2213)
يتفقون على قيام الليل وأنشطة أخرى مرة كل شهر
[السُّؤَالُ]
ـ[في المنطقة التي أعيش فيها يقومون بتنظيم صلاة القيام مرة في الشهر لصغار السن من الذكور في المسجد، حيث يبقون من العشاء حتى الفجر، ويتم تنظيم محاضرات وبعض الأنشطة ومنها كرة السلة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج من الاجتماع لتنظيم المحاضرات النافعة وبعض الأنشطة الطيبة والمباحة الأخرى.
ونسأل الله تعالى أن يوفق القائمين على هذا العمل إلى ما يحب ويرضى، وأن يبارك في جهودهم.
وبالنسبة للأنشطة الرياضية التي ذكرتها فإن أمكن جعلها نهارا فهو الأفضل لأن الحديث بعد صلاة العشاء مكروه إلا فيما فيه مصلحة، إلا إذا كانت وقتاً يسيراً وبهدف الترويح عن النفس حتى تقبل على المحاضرات بنشاط فهذا لا بأس به إن شاء الله تعالى.
يراجع سؤال رقم (20811)
وأما بالنسبة لقيام الليل، فإن الاجتماع عليه غير مشروع إلا:
1- أن يقع ذلك أحياناً، ولا يكون شيئاً مستمراً.
2- أن يكون من غير اتفاق مسبق.
وأما في رمضان فيشرع قيامه جماعة في كل ليالي الشهر،
يراجع سؤال رقم: (38021)
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/442) :
(يجوز التطوع جماعة وفرادى ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل الأمرين كليهما , وكان أكثر تطوعه منفردا , وصلى بحذيفة مرة , وبابن عباس مرة , وبأنس وأمه واليتيم مرة , وأم أصحابه في بيت عتبان مرة , وأمهم في ليالي رمضان ثلاثا , وهذه الأخبار كلها صحاح جياد) اهـ.
وصلاة النوافل جماعة في هذه الأحاديث وقعت من غير اتفاق مسبق، ولهذا قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
(وأما اتفاق مجموعة على الالتقاء في ليلة معينة لقيام الليل فهذا بدعة؛ لأن لإقامة الجماعة في قيام الليل غير مشروعة إلا إذا فعلت أحياناً وبغير قصد كما جرى للنبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم مع عبد الله بن عباس رضي الله عنهما) اهـ
فتاوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين، كتاب العلم،الصفحة (208) .
فالنصيحة للقائمين على هذا العمل إما أن يقتصروا على المحاضرات والأنشطة الأخرى، وإما أن يتركوا وقتاً لمن أراد قيام الليل، ويصلي كل واحد منهم منفرداً.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2214)
ما هي أفضل ليلة يقومها إذا كان لا يمكنه ذلك إلا مرة واحدة في الشهر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان المسلم لا يمكنه أن يصلي قيام الليل إلا مرة واحدة في الأسبوع، فما هي أفضل ليلة لذلك؟ وإذا كان لا يمكنه أن يقوم الليل إلا مرة في الشهر فمتى تكون أفضل ليلة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس هناك ليلة معينة رغَّب الشرع بتخصيصها من بين الليالي لا في الأسبوع ولا في الشهر، بل يصلي متى تيسر له ذلك، ومتى رأى من نفسه نشاطاً، وإن استطاع تكرار الليالي في الأسبوع والشهر فهو خير له من جعلها ليلة واحدة.
وينبغي له اجتناب تخصيص ليلة الجمعة بقيامها؛ لورود النهي الصريح في ذلك.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا تَخْتَصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي، وَلا تَخُصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الأَيَّامِ، إِلا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ) رواه مسلم (1144) .
قال النووي:
وفي هذا الحديث النهي الصريح عن تخصيص ليلة الجمعة بصلاة من بين الليالي , ويومها بصوم، وهذا متفق على كراهيته.
" شرح مسلم " (8 / 20) .
ولكن إن قام ليلة الجمعة لا على وجه التخصيص لكونها يوم الجمعة، بل لكونها يوم فراغه من العمل، فهذا لا بأس به، كما أن من صام يوم الجمعة لكونه يوم فراغه من العمل لا بأس به.
قال الشيخ ابن باز:
" إذا صادف يوم الجمعة يوم عرفة فصامه المسلم وحده فلا بأس بذلك، لأن هذا الرجل صامه لأنه يوم عرفة لا لأنه يوم جمعة، وكذلك لو كان عليه قضاء من رمضان ولا يتسنى له فراغ إلا يوم الجمعة فإنه لا حرج عليه أن يفرده، وذلك لأنه يوم فراغه، وكذلك لو صادف يوم الجمعة يوم عاشوراء فإنه لا حرج عليه أن يفرده لأنه صامه لأنه يوم عاشوراء، لا لأنه يوم الجمعة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تَخْتَصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ، ولا لَيْلَتها بِقِيَامٍ) . فنص على التخصيص، أي على أن يفعل الإنسان ذلك لخصوص يوم الجمعة أو ليلتها " انتهى من مجموع فتاوى ابن باز (15/414) .
وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (6/291) :
" يكره إفراد الجمعة – يعني بالصيام - والدليل أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: (لا تصوموا يوم الجمعة إلا أن تصوموا يوماً قبله أو يوماً بعده) وقال: (لا تخصوا يوم الجمعة بصيام ولا ليلتها بقيام) وقال لإحدى أمهات المؤمنين وقد وجدها صائمة يوم الجمعة: (أصمت أمس؟ قالت: لا، قال: أتصومين غداً؟ قالت: لا، قال: فأفطري) فإن صامها مع غيرها فلا يكره، فلو صام الخميس والجمعة فلا بأس، أو الجمعة والسبت فلا بأس.
وإن صامها وحدها لا للتخصيص، لكن لأنه وقت فراغه، كرجل عامل يعمل كل أيام الأسبوع، وليس له فراغ إلا يوم الجمعة، فهل يكره؟
الجواب: عندي فيه تردد، فإن نظرنا إلى ما رواه مسلم: (لا تخصوا يوم الجمعة بصيام) قلنا: لا بأس؛ لأن هذا لم يخصه، وإن نظرنا إلى حديث: (أصمت أمس؟ قالت: لا، قال: أتصومين غداً؟ قالت: لا، قال: فأفطري) فإن هذا قد يؤخذ منه أنه يكره إفرادها، وإن كان في الأيام الأخرى لا يستطيع، وقد لا يؤخذ منه، فيقال: إن قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (أصمت أمس؟ أو أتصومين غداً؟) يدل على أنها قادرة على الصوم.
فالحاصل أنه إذا أفرد يوم الجمعة بصوم لا لقصد الجمعة، ولكن لأنه اليوم الذي يحصل فيه الفراغ، فالظاهر إن شاء الله أنه لا يكره، وأنه لا بأس بذلك " انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2215)
هل يجوز أن يصلي التراويح في البيت؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تجوز إقامة صلاة التراويح في البيت؟ وهل تجوز مع الزوجة ويكون الزوج هو الإمام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صلاة التراويح سنة مؤكدة، حث عليها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "من قام رمضان إيماناً واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه". رواه البخاري (37) ومسلم (759) .
وقد صلاها النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه عدة ليال، ثم خاف أن تفرض عليهم فلم يخرج إليهم، ثم إن عمر رضي الله عنه جمعهم على إمام واحد، فهي تصلى في جماعة إلى يومنا هذا. وعن إسماعيل بن زياد , قال: مر علي رضي الله عنه على المساجد وفيها القناديل في شهر رمضان. فقال نور الله على عمر قبره , كما نور علينا مساجدنا. رواه الأثرم، ونقله في المغني 1/457.
قال البهوتي في "دقائق أولي النهى" (1/2245) :
وَالتَّرَاوِيحُ بِمَسْجِدٍ أَفْضَلُ مِنْهَا بِبَيْتٍ , لأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم جَمَعَ النَّاسَ عَلَيْهَا ثَلَاثَ لَيَالٍ مُتَوَالِيَةً , كَمَا رَوَتْهُ عَائِشَةُ. . . وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَامَ مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ حُسِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ) اهـ.
وقال الشوكاني في "نيل الأوطار" (3/62) :
قَالَ النَّوَوِيُّ: اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِهَا , قَالَ: وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الأَفْضَلَ صَلاتُهَا فِي بَيْتِهِ مُنْفَرِدًا أَمْ فِي جَمَاعَةٍ فِي الْمَسْجِدِ , فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِهِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرُهُمْ: الأَفْضَلُ صَلاتُهَا جَمَاعَةً كَمَا فَعَلَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَالصَّحَابَةُ رضي الله عنهم , وَاسْتَمَرَّ عَمَلُ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ , لأَنَّهُ مِنْ الشَّعَائِرِ الظَّاهِرَةِ اهـ.
فصلاتها جماعةً المسجد أفضل، لكن لو صلاها الرجل في بيته منفرداً، أو جماعةً بأهله فهو جائز.
قال النووي في "المجموع" (3/526) :
صَلاةُ التَّرَاوِيحِ سُنَّةٌ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ. . . وَتَجُوزُ مُنْفَرِدًا وَجَمَاعَةً , وَأَيُّهُمَا أَفْضَلُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ. . . الصَّحِيحُ بِاتِّفَاقِ الأَصْحَابِ أَنَّ الْجَمَاعَةَ أَفْضَلُ اهـ.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2216)
هل تصلي التراويح أم تلبي طلبات زوجها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز مناداة الزوجة للفراش أو لوضع العشاء أو لأي أمر كان وهى تصلى التراويح قبل أن تكمل الإحدى عشرة ركعة؟ وهل يجوز أن تصلي جزءاً وتقوم بواجباتها المنزلية وتعود لتكملة ما تبقى من صلاة التراويح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز للمسلم أن يصلي التراويح متوالية وله أن يصليها متفرقة، فمن أراد أن يصليها أول الليل أو أوسطه أو آخره دون الانشغال بعملٍ آخر: فله ذلك ولا حرج عليه، ومن أراد أن يصلي أول الليل شيئا من القيام ويؤخر الباقي إلى آخر الليل: فلا حرج عليه أيضاً.
وعليه: فيجوز للمرأة أن تصلي التراويح وأن تفصل بين كل ركعتين بما يحتاجه الزوج أو الأولاد من أعمال، ولا يؤثر هذا على صلاتها، بل هي مأجورة على صلاها وعلى خدمتها لزوجها وبيتها.
كما أن حق الزوج مقدم على صلاة التراويح لأن حقه واجب على الزوجة والتروايح سنة، والواجب مقدم على السنة.
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم المرأة عن صيام النفل إلا بإذن زوجها.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه ولا تأذن في بيته إلا بإذنه وما أنفقت من نفقة عن غير أمره فإنه يؤدى إليه شطره) .
رواه البخاري (4899) ومسلم (1026) .
وسبب النهي أنها إن صامت فوتت بذلك حق الزوج عليها من الاستمتاع من أجل فعل نافلة، ولا يجوز فعل نافلة وتضييع واجب.
قال الحافظ ابن حجر:
وفي الحديث أن حق الزوج آكد على المرأة من التطوع بالخير لأن حقه واجب والقيام بالواجب مقدم على القيام بالتطوع.
" فتح الباري " (9 / 296) .
فعلى الزوجة أن توفق بين القيام بكلا الأمرين دون إفراط ولا تفريط.
وعلى الزوج أن لا يُشغل زوجته بأمورٍ تافهة يمكن تأجيلها ووليكن عوناً لها على القيام والدعاء وقراءة القرآن ففي ذلك خير له ولها ولأسرتهما.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2217)
يصلي إماماً ويريد أن يؤخر الوتر
[السُّؤَالُ]
ـ[سأكون الإمام لمجموعة من الإخوة في صلاة التراويح، سنصلي ثمان ركعات ثم ثلاثاً للوتر، هل صحيح أن آخر شيء يجب أن أفعله قبل النوم هو صلاة الوتر أم أن هذا مستحب فقط لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم؟
إذا كنت أريد أن أصلي التهجد في الليل فهل من الأفضل بالنسبة لي تأخير الوتر لبعد التهجد وأن لا أصلي الوتر مع الجماعة؟ أم أصلي بهم وأنوي صلاة نافلة لركعة واحدة وتنوي الجماعة الوتر؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يستحب أن تكون آخر صلاة يصليها المسلم في الليل هي صلاة الوتر، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا) رواه البخاري (998) ومسلم (751) .
وهذا الأمر من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على سبيل الاستحباب والأفضلية وليس على سبيل الوجوب والإلزام؛ لأنه ثبت في صحيح مسلم (738) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بعد الوتر وَهُوَ جَالِسٌ.
قال النووي رحمه الله:
الصَّوَاب: أَنَّ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ فَعَلَهُمَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْد الْوِتْر جَالِسًا ; لِبَيَانِ جَوَاز الصَّلَاة بَعْد الْوِتْر , وَبَيَان جَوَاز النَّفْل جَالِسًا , وَلَمْ يُوَاظِب عَلَى ذَلِكَ , بَلْ فَعَلَهُ مَرَّة أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ مَرَّات قَلِيلَة. . .
والرِّوَايَات الْمَشْهُورَة فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرهمَا عَنْ عَائِشَة مَعَ رِوَايَات خَلَائِق مِنْ الصَّحَابَة فِي الصَّحِيحَيْنِ مُصَرِّحَة بِأَنَّ آخِر صَلَاته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اللَّيْل كَانَ وِتْرًا , وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَحَادِيث كَثِيرَة مَشْهُورَة بِالأَمْرِ بِجَعْلِ آخِر صَلاة اللَّيْل وِتْرًا مِنْهَا: (اِجْعَلُوا آخِر صَلاتكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا) وَ (صَلاة اللَّيْل مَثْنَى مَثْنَى , فَإِذَا خِفْت الصُّبْح فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ) , وَغَيْر ذَلِكَ فَكَيْف يُظَنّ بِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ هَذِهِ الأَحَادِيث وَأَشْبَاههَا أَنَّهُ يُدَاوِم عَلَى رَكْعَتَيْنِ بَعْد الْوِتْر وَيَجْعَلهُمَا آخِر صَلاة اللَّيْل؟ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ بَيَان الْجَوَاز , وَهَذَا الْجَوَاب هُوَ الصَّوَاب اهـ.
وقال الشيخ ابن باز أيضاً في بيان الحكمة من صلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ركعتين بعد الوتر ما نصه:
والحكمة في ذلك – والله أعلم- أن يبين للناس جواز الصلاة بعد الوتر اهـ فتاوى إسلامية (1/339) .
وإذا كنت تريد أن تصلي التهجد بالليل، فإنه يجوز لك أن تصلي الوتر بالجماعة ثم تصلي بعد ذلك ما شئت من الركعات ركعتين ركعتين، ولا تعيد الوتر.
ولك أن لا تصلي الوتر مع الجماعة، وتؤخر الوتر حتى يكون آخر صلاتك بالليل.
وعليك في هذا مراعاة الجماعة الذين يصلون معك، فإن كان لا يوجد أحد يصلي بهم الوتر غيرك، وعدم صلاتك بهم سيؤدي إلى تركهم للوتر أو لا يحسنون صلاته، فصلّ بهم الوتر.
سئل الشيخ ابن باز:
إذا أوترت أول الليل ثم قمت في آخره فكيف أصلي؟
فأجاب:
إذا أوترت من أول الليل ثم يسر الله لك القيام في آخره فصل ما يسر الله لك شفعاً –يعني ركعتين ركعتين- بدون وتر، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا وتران في ليلة) .
ولما ثبت عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلي ركعتين بعد الوتر وهو جالس اهـ فتاوى إسلامية (1/339)
وأما قولك إنك تصلي معهم ركعة وتنوي بها نافلة ولا تنوي الوتر، فهذا عمل غير مشروع. لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (صَلاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى) رواه البخاري (472) ومسلم (749) . انظر المغني (2/539) .
قال الحافظ:
وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى عَدَم النُّقْصَان عَنْ رَكْعَتَيْنِ فِي النَّافِلَة مَا عَدَا الْوِتْر اهـ
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2218)
حكم التهاون في أداء الوتر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز ترك صلاة الوتر؟ وما يترتب على تركها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صلاة الوتر سنة مؤكدة عند جمهور العلماء، ومن الفقهاء من أوجبها.
ويدل على عدم وجوبها: ما رواه البخاري (1891) ومسلم (11) عن طَلْحَةَ بْن عُبَيْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي مَاذَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ الصَّلاةِ؟ فَقَالَ: (الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ إِلا أَنْ تَطَّوَّعَ شَيْئًا) ولفظ مسلم: (خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ. فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: لا، إِلا أَنْ تَطَوَّعَ) .
قال النووي:
" فِيهِ: أَنَّ صَلاة الْوِتْر لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ " انتهى.
وقال الحافظ في "الفتح":
" فيه: أَنَّهُ لا يَجِب شَيْء مِنْ الصَّلَوَات فِي كُلّ يَوْم وَلَيْلَة غَيْر الْخَمْس , خِلافًا لِمَنْ أَوْجَبَ الْوِتْر أَوْ رَكْعَتَيْ الْفَجْر " انتهى.
ومع ذلك فهي آكد السنن، فقد أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم في غير ما حديث.
روى مسلم (754) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَوْتِرُوا قَبْلَ أَنْ تُصْبِحُوا) .
وروى أبو داود (1416) عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ، أَوْتِرُوا، فَإِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ) صححه الألباني في صحيح أبي داود.
ولهذا فينبغي المحافظة عليها حضرا وسفرا، كما كان يفعل صلى الله عليه وسلم، فقد روى البخاري (1000) ومسلم (700) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي السَّفَرِ عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ يُومِئُ إِيمَاءً صَلاةَ اللَّيْلِ إِلا الْفَرَائِضَ وَيُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ) .
قال ابن قدامة رحمه الله: " الوتر غير واجب وبهذا قال مالك والشافعي. وقال أبو حنيفة: هو واجب ". ثم قال: " قال أحمد: من ترك الوتر عمدا فهو رجل سوء، ولا ينبغي أن تقبل له شهادة، وأراد المبالغة في تأكيده لما قد ورد فيه من الأحاديث في الأمر به، والحث عليه " انتهى بتصرف من "المغني" (1/827) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة: هل صلاة الوتر واجبة وهل الذي يصليها يوماً ويتركها اليوم الآخر يؤاخذ؟
فأجابوا:
" صلاة الوتر سنة مؤكدة، ينبغي أن يحافظ المؤمن عليها، ومن يصليها يوما ويتركها يوما لا يؤاخذ، لكن ينصح بالمحافظة على صلاة الوتر ثم يشرع له أن يصلي بدلها من النهار ما فاته شفعا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك، كما ثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا شغله نوم أو مرض عن صلاة الليل صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة. خرجه مسلم في صحيحه، وكان صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل غالبا إحدى عشرة ركعة، يسلم من كل اثنتين ويوتر بواحدة، فإذا شغل عن ذلك بنوم أو مرض صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة، كما ذكرت ذلك رضي الله عنها، وعلى هذا إذا كانت عادة المؤمن في الليل خمس ركعات فنام عنها أو شغل عنها بشيء شُرع له أن يصلي من النهار ست ركعات يسلم من كل اثنتين، وهكذا إذا كانت عادته ثلاثا صلى أربعا بتسليمتين، وإذا كانت عادته سبعا صلى ثمان يسلم من كل اثنتين " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (7/172) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2219)
قيام الليل جماعة في غير شهر رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لمجموعة من الرجال أن يجتمعوا لأداء قيام الليل على شكل دائم (كل ليلة تقريبا) في غير شهر رمضان؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لو أراد الناس أن يجتمعوا على قيام الليل في المساجد جماعة في غير رمضان لكان هذا من البدع.
ولكن لا بأس أن يُصلي الإنسان جماعة في غير رمضان في بيته أحياناً، لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم: ((فقد صلى بابن عباس وابن مسعود وحذيفة بن اليمان جماعة في بيته)) لكن لم يتَّخذ ذلك سنَّة راتبة ولم يكن أيضاً يفعله في المسجد.
انظر الشرح الممتع لابن عثيمين ج/4 ص/82
ومن الملاحظ أن هذه الجماعة التي حصلت في غير رمضان لم تكن عن اتفاق أو إعلان مسبق فإذا حصل أن رأى مسلم مسلماً آخر يقوم الليل فانضم إليه دون اتفاق مسبق كما وقع في حديث ابن عباسٍ - مثلاً - في استيقاظه وانضمامه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فلا بأس بذلك. وأما الاجتماع المتفق عليه مسبقاً لأداء صلاة الليل على شكل دائم كل ليلة تقريباً كما ورد في السؤال فهو بدعة كما تقدم في أول الجواب.
ونسوق للفائدة حديث ابن عباس رضي الله عنه قال: (بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ لَيْلَةً فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ اللَّيْلِ فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَوَضَّأَ مِنْ شَنٍّ مُعَلَّقٍ وُضُوءًا خَفِيفًا يُخَفِّفُهُ عَمْرٌو وَيُقَلِّلُهُ وَقَامَ يُصَلِّي فَتَوَضَّأْتُ نَحْوًا مِمَّا تَوَضَّأَ ثُمَّ جِئْتُ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ عَنْ شِمَالِهِ فَحَوَّلَنِي فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ ثُمَّ صَلَّى مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ اضْطَجَعَ فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ ثُمَّ أَتَاهُ الْمُنَادِي فَآذَنَهُ بِالصَّلاةِ فَقَامَ مَعَهُ إِلَى الصَّلاةِ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ قُلْنَا لِعَمْرٍو إِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَنَامُ عَيْنُهُ وَلا يَنَامُ قَلْبُهُ قَالَ عَمْرٌو سَمِعْتُ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ رُؤْيَا الأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ ثُمَّ قَرَأَ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ " رواه البخاري (138) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/2220)
هل لسجود الشكر شروط؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل سجود الشكر تتوفر فيه شروط، مثلاً: الحجاب، الوضوء ... ؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نوجز الكلام على " سجود الشكر " في النقاط التالية:
1. سجود الشكر من أعظم ما يشكر به العبد ربه جل وعلا؛ لما فيه من الخضوع لله بوضع أشرف الأعضاء - وهو الوجه - على الأرض، ولما فيه من شكر الله بالقلب، واللسان والجوارح.
2. سجود الشكر من السنن النبوية الثابتة التي هجرها كثير من الناس.
3. الخلاف في مشروعية سجود الشكر يعدُّ خلافاً ضعيفاً؛ لمخالفته ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن كثير من أصحابه رضي الله عنهم في ذلك.
4. سجود الشكر يُشرع كلما حصلت للمسلمين نعمة عامة، أو اندفعت عنهم نقمة، أو حصلت للمسلم نعمة خاصة، سواء تسبب في حصولها، أو لم يتسبب، وكلما اندفعت عنه نقمة.
قال الإمام الشوكاني - رحمه الله -:
فإن قلتَ: نعَمُ الله على عباده لا تزال واردة عليه في كل لحظة؟ قلت: المراد النعَم المتجددة التي يمكن وصولها ويمكن عدم وصولها، ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسجد إلا عند تجدد تلك النعم مع استمرار نعم الله سبحانه وتعالى عليه وتجددها في كل وقت.
" السيل الجرار " (1/175) .
5. الصحيح أنه لا يشترط لسجود الشكر ما يشترط للصلاة، من الطهارة، وستر العورة – ومنه الحجاب للمرأة -، واستقبال القبلة، وغيرها.
وهذا قول كثير من السلف، واختاره بعض المالكية، وكثير من المحققين، كابن جرير الطبري، وابن حزم، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، والشوكاني، والصنعاني، ورجحه كثير من مشايخنا، ومنهم: الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، والشيخ محمد بن صالح بن عثيمين، والشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين – رحمهم الله -، وغيرهم.
خلافاً لمن اشترط لسجود الشكر ما يشترط للنافلة، وهو مذهب الشافعية، وقال به أكثر الحنابلة، وبعض الحنفية، وبعض المالكية.
ومما استدل به أصحاب القول الأول:
أ. أن اشتراط الطهارة، أو غيرها من شروط الصلاة لسجود الشكر: يحتاج إلى دليل، وهو غير موجود، إذ لم يأت بإيجاب هذه الأمور لهذا السجود كتاب، ولا سنَّة، ولا إجماع، ولا قياس صحيح، ولا يجوز أن نوجب على أمة محمَّد صلى الله عليه وسلم أحكاماً لا دليل عليها.
ب. أن ظاهر حديث أبي بكرة – " أنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا جَاءَهُ أَمْرُ سُرُورٍ أَوْ بُشِّرَ بِهِ خَرَّ سَاجِدًا شَاكِرًا لِلَّهِ " رواه الترمذي (1578) وحسَّنه، وأبو داود (2774) وابن ماجه (1394) - وغيره من الأحاديث التي روي فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد سجود الشكر، تدل على أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يتطهر لهذا السجود، فخروره صلى الله عليه وسلم مباشرةً يدل على أنه كان يسجد للشكر بمجرد وجود سببه، سواء كان محدثا، أم متطهراً، وهذا أيضا هو ظاهر فعل أصحابه رضي الله عنهم.
ج. أنه لو كانت الطهارة - أو غيرها من شروط الصلاة - واجبة في سجود الشكر: لبيَّنها النبي صلى الله عليه وسلم لأمَّته؛ لحاجتهم إلى ذلك، ومن الممتنع أن يفعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا السجود ويسنُّه لأمته وتكون الطهارة - أو غيرها - شرطاً فيه، ولا يسنُّها، ولا يأمر بها صلى الله عليه وسلم أصحابَه، ولا يروى عنه في ذلك حرف واحد.
د. أن سبب سجود الشكر يأتي فجأة، وقد يكون من يريد السجود على غير طهارة، وفي تأخير السجود بعد وجود سببه حتى يتوضأ أو يغتسل: زوالٌ لسرِّ المعنى الذي شُرع السجود من أجله.
هـ. أن هذه الشروط من الطهارة وغيرها إنما تشترط للصلاة، ومما يدل على ذلك ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنْ الْخَلاءِ فَأُتِيَ بِطَعَامٍ فَذَكَرُوا لَهُ الْوُضُوءَ فَقَالَ: (أُرِيدُ أَنْ أُصَلِّيَ فَأَتَوَضَّأَ) – رواه مسلم (374) - وسجود الشكر ليس صلاة؛ لأنه لم يرد في الشرع تسميته صلاة، ولأنه لي بركعة ولا ركعتين، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسن له تكبيراً ولا سلاماً ولا اصطفافاً ولا تقدم إمام، كما سنَّ ذلك في صلاة الجنازة وسجدتي السهو بعد السلام وسائر الصلوات، فلا يشترط لسجود الشكر ما يشترط للصلاة.
و. قياس السجود المجرد على سائر الأذكار التي تفعل في الصلاة وتشرع خارجها، كقراءة القرآن - التي هي أفضل أجزاء الصلاة وأقوالها، وكالتسبيح والتحميد والتكبير والتهليل، فكما أن هذه الأمور لا تشترط لها الطهارة إذا فعلت خارج الصلاة - مع أنها كلها من أجزاء الصلاة -: فكذلك السجود المجرد.
قال علماء اللجنة الدائمة:
الصحيح: أن سجود الشكر وسجود التلاوة لتالٍ أو مستمع: لا تشترط لهما الطهارة؛ لأنهما ليسا في حكم الصلاة.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (7 / 263) .
6. القول الراجح في صفة سجود الشكر أنه لا يجب فيه تكبير في أوله، أو في آخره، أو تشهد، أو سلام، وهذا هو المنصوص عن الإمام الشافعي، وهو قول الإمام أحمد في رواية عنه، وهو وجه في مذهب الشافعية؛ لعدم ثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو عن أحد من أصحابه رضي الله عنهم.
وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى أنه لا يشرع في هذا السجود تشهد أو سلام، بل هو بدعة، لا يجوز فعله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
وأما سجود التلاوة والشكر: فلم يَنقل أحدٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه أن فيه تسليماً، ولا أنهم كانوا يسلمون منه، ولهذا كان أحمد بن حنبل، وغيره من العلماء: لا يعرفون فيه التسليم، وأحمد في إحدى الروايتين عنه لا يسلِّم فيه؛ لعدم ورود الأثر بذلك، وفي الرواية الأخرى يسلِّم واحدة، أو اثنتين، ولم يثبت ذلك بنصٍّ، بل بالقياس، وكذلك من رأى فيه تسليماً من الفقهاء ليس معه نصٌّ، بل القياس أو قول بعض التابعين.
" مجموع الفتاوى " (21 / 277) .
وقال – رحمه الله – عن سجود التلاوة والشكر -:
فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسمِّ ذلك صلاة، ولم يشرع لها الاصطفاف، وتقدم الإمام، كما يشرع في صلاة الجنازة، وسجدتي السهو بعد السلام، وسائر الصلوات، ولا سنَّ فيها النبي صلى الله عليه وسلم سلاماً، لم يُروَ ذلك عنه، لا بإسنادٍ صحيح ولا ضعيف، بل هو بدعة، ولا جعل لها تكبير افتتاح.
" مجموع الفتاوى " (23 / 171) .
7.أنه لا يجب فيه ذِكْرٌ معيَّن، وإنَّما يشرع للساجد أن يقول في سجوده ما يناسب المقام، من حمد الله وشكره ودعائه واستغفاره، ونحو ذلك.
قال الشوكاني - رحمه الله -:
فإن قلت: لم يرِد في الأحاديث ما كان يقوله صلى الله عليه وسلم في سجود الشكر، فماذا يقول الساجد للشكر؟ قلت: ينبغي أن يستكثر من شكر الله عز وجل؛ لأن السجود سجود شكر.
" السيل الجرار " (1 / 286) .
8. أنه لا يسجد للشكر إذا بُشِّر بما يسره وهو يصلي.
لأن سبب السجود، في هذه الحالة ليس من الصلاة، وليس له تعلق بها، فإن سجد متعمِّداً: بطلت صلاته، كما لو زاد فيها سجوداً متعمداً، أو سجد فيها لسهو صلاة أخرى، وكما لو صلى فيها صلاة أخرى، وهذا القول هو مذهب الشافعية، وقال به أكثر الحنابلة.
وقال بعض الحنابلة: إنه يستحب سجود الشكر في هذه الحالة، قياساً على سجود التلاوة.
ويمكن أن يناقش دليلهم: بأن ما ذكروه من القياس غير صحيح؛ لأنه قياس مع الفارق، فإن سجود التلاوة سببه من أفعال الصلاة، وهو القراءة، أما سجود الشكر: فسببه من خارج الصلاة.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
مَن سَجَدَ سَجْدةَ الشُّكر عالماً بالحُكم، ذاكِراً له: فإنَّ صلاتَه تبطُلُ ... .
وما ذكرَه المؤلِّفُ صحيحٌ؛ أي: أنَّ الصَّلاة تبطلُ بسُجودِ الشُّكرِ؛ لأنَّه لا علاقة له بالصَّلاة، بخلافِ سُجودِ التِّلاوة؛ لأن سُجودَ التِّلاوةِ لأمرٍ يتعلَّق بالصَّلاة، وهو القِراءة.
" الشرح الممتع على زاد المستقنع " (4 / 107، 108) .
9. سجود الشكر يُشرع للراكب على الراحلة بالإيماء، ويومئ على قدر استطاعته.
10. أنه يجوز قضاء سجود الشكر إذا لم يتمكن من أدائه في وقته.
وإذا بُشِّر الإنسان بما يسرُّه، أو حصلت له نعمة ولم يسجد، ولم يأت له عذر في ترك السجود عند حصول سببه: فقد ذكر بعض أهل العلم أنه لا يشرع له قضاء هذا السجود بعد ذلك؛ وذلك لأنه غير معذور في تأخير السجود. انظر " حاشية قليوبي " (1 / 209) .
انتهى ملخَّصاً مرتَّباً – بزيادة يسيرة - من بحث بعنوان " سجود الشكر وأحكامه في الفقه الإسلامي "، إعداد: الدكتور: عبد الله بن عبد العزيز الجبرين وفقه الله.
نشره في " مجلة البحوث الإسلامية " (36 / 267 – 309) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2221)
حكم القراءة بعد سجود التلاوة في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[صلى بنا إمام صلاة الفجر وقرأ آخر سورة الأعراف وعندما وصل إلي السجدة سجد بنا ورفع من السجود ولم يقرأ شيئا من القران بل ركع مباشرة بعد الرفع من السجود وبعد الانتهاء من الصلاة قال لنا شيخ المسجد يجب إعادة الصلاة سألته لماذا قال لان عليه سجود سهو لتركه القراءة بعد الرفع من السجود وقد انحرف عن القبلة بعد السلام لذي لا يمكنه فعل سجود السهو الآن فعلينا أن نعيد الصلاة فأخبرته أن القراءة بعد الفاتحة ليست من واجبات الصلاة فقال عندنا نحن الأحناف واجبة وتوجب سجود السهو فقلت إذا لماذا تعيد الصلاة وذكرته بحديث ذي اليدين الذي في البخاري وان رسول الله صلي الله عليه وسلم انحرف بل ترك مكانه وعندما ذكر عاد إلى مكانه وأكمل الصلاة ثم سجد لسهو. قال نحن سنعيد الصلاة. وأنا خرجت ولم أعيد معهم الصلاة هل فعلي هذا صحيح؟ وهل صحيح أن قراءة الفاتحة عند الأحناف من واجبات الصلاة وليست من الأركان.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
قراءة الفاتحة في الصلاة عند الأحناف ليست من أركان الصلاة، وإنما تجب في الأوليين مع سورة، وتندب في الأخريين دون قراءة سورة معها، ويكره تنزيها الجمع بينهما في الثالثة والرابعة، وإنما يقتصر فيهما على الفاتحة.
قال ابن نجيم رحمه الله:
" ثُمَّ الْفَاتِحَةُ وَاجِبَةٌ فِي الْأُولَيَيْنِ مِنْ الْفَرْضِ , وَفِي جَمِيعِ رَكَعَاتِ النَّفْلِ , وَفِي الْوِتْرِ وَالْعِيدَيْنِ , وَأَمَّا فِي الْأُخْرَيَيْنِ مِنْ الْفَرْضِ فَسُنَّةٌ " انتهى.
"البحر الرائق" (1/312) .
فإذ ترك القراءة، بعد الفاتحة، في الأوليين، عامدا كان آثما، وإن كان ناسيا: سجد للسهو.
قال الكاساني رحمه الله:
" أمَّا الْوَاجِبَاتُ الْأَصْلِيَّةُ فِي الصَّلَاةِ فَسِتَّةٌ: مِنْهَا قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ فِي صَلَاةٍ ذَاتِ رَكْعَتَيْنِ , وَفِي الْأُولَيَيْنِ مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ وَالثَّلَاثِ , حَتَّى لَوْ تَرَكَهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا: فَإِنْ كَانَ عَامِدًا كَانَ مُسِيئًا , وَإِنْ كَانَ سَاهِيًا يَلْزَمُهُ سُجُودُ السَّهْوِ " انتهى.
"بدائع الصنائع" (1/160)
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (24/237-238) :
" جَاءَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ نَقْلاً عَنِ التتارخانية الأَْصْل أَنَّ الْمَتْرُوكَ ثَلاَثَةُ أَنْوَاعٍ: فَرْضٌ، وَسُنَّةٌ، وَوَاجِبٌ، فَفِي الْفَرْضِ إِنْ أَمْكَنَهُ التَّدَارُكُ بِالْقَضَاءِ يَقْضِي وَإِلاَّ فَسَدَتْ صَلاَتُهُ، وَفِي السُّنَّةِ لاَ تَفْسُدُ، لأَِنَّ قِيَامَ الصَّلاَةِ بِأَرْكَانِهَا وَقَدْ وُجِدَتْ، وَلاَ يُجْبَرُ تَرْكُ السُّنَّةِ بِسَجْدَتَيِ السَّهْوِ، وَفِي الْوَاجِبِ إِنْ تَرَكَ سَاهِيًا يُجْبَرُ بِسَجْدَتَيِ السَّهْوِ، وَإِنْ تَرَكَ عَامِدًا لاَ.
وذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى وُجُوبِ سُجُودِ السَّهْوِ بِتَرْكِ وَاجِبٍ مِنْ وَاجِبَاتِ الصَّلاَةِ سَهْوًا، وَيَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ إِذَا لَمْ يَسْجُدْ لِلسَّهْوِ. قَال ابْنُ عَابِدِينَ: لاَ تَفْسُدُ بِتَرْكِهَا، وَتُعَادُ وُجُوبًا فِي الْعَمْدِ، وَالسَّهْوِ إِنْ لَمْ يَسْجُدْ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُعِدْهَا يَكُونُ فَاسِقًا آثِمًا " انتهى.
هذا، مع أن الصحيح في المسألة قول جمهور العلماء: أن قراءة الفاتحة في كل ركعة: ركن من أركان الصلاة، لا تصح الصلاة بدونه، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ) . متفق عليه.
وينظر جواب السؤال رقم (10995) .
ثانيا:
سبق أن قراءة سورة بعد الفاتحة في الأوليين واجب عند الأحناف، وأما عند جمهور العلماء: فقراءتها سنة مستحبة، فلو تركها سهوا أو عمدا: صحت صلاته.
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: (فِي كُلِّ صَلَاةٍ قِرَاءَةٌ؛ فَمَا أَسْمَعَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْمَعْنَاكُمْ، وَمَا أَخْفَى مِنَّا أَخْفَيْنَاهُ مِنْكُمْ، وَمَنْ قَرَأَ بِأُمِّ الْكِتَابِ فَقَدْ أَجْزَأَتْ عَنْهُ وَمَنْ زَادَ فَهُوَ أَفْضَلُ) . رواه البخاري (772) ومسلم (296) .
قال النووي رحمه الله:
" فِيهِ دَلِيل لِوُجُوبِ الْفَاتِحَة وَأَنَّهُ لَا يُجْزِي غَيْرهَا , وَفِيهِ اِسْتِحْبَاب السُّورَة بَعْدهَا , وَهَذَا مُجْمَع عَلَيْهِ فِي الصُّبْح وَالْجُمْعَة وَالْأُولَيَيْنِ مِنْ كُلّ الصَّلَوَات , وَهُوَ سُنَّة عِنْد جَمِيع الْعُلَمَاء. وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى عَنْ بَعْض أَصْحَاب مَالِك وُجُوب السُّورَة وَهُوَ شَاذّ مَرْدُود ".
وينظر: "المغني"، لابن قدامة (1/568) .
وقال علماء اللجنة:
" من نسي السورة بعد الفاتحة في الصلاة فلا شيء عليه سواء كان إماما أو مأموما أو منفردا، وسواء كانت الصلاة فرضا أو نفلا، وذلك في أصح قولي العلماء " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (7 / 146) .
ثالثا:
ما فعله الإمام لا يوجب إعادة الصلاة، بل ولا يوجب سجودا للسهو عند عامة أهل العلم؛ أما عند جمهور العلماء: فواضح؛ لأن أصل القراءة عندهم سنة مستحبة، فلو تركها عمدا، أو سهوا: صحت صلاته، ولا شيء عليه؛ فكيف إذا كان الإمام قد قرأ فعلا بعد الفاتحة، وإنما ـ فقط ـ ترك القراءة بعد سجود التلاوة.
وأما عند الأحناف الذين يرون أن أصل القراءة بعد الفاتحة واجب: فهنا الإمام قد أتى بهذا الواجب، وهو ما قرأه قبل سجود التلاوة، وما يقرؤه بعد هذا السجود: على سبيل الاختيار، لا الوجوب، كما نصوا على ذلك:
" ولو سجد يعود إلى القيام؛ لأنه يحتاج إلى الركوع، والركوع لها يكون من القيام، ويقرأ بقية السورة ... ، ولو شاء ضم إليها من السورة الأخرى ...
وهذه القراءة بعد السجدة بطريق الندب، لا بطريق الوجوب ".
"المحيط البرهاني" (2/71) .
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (24/223) :
" وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ (سجود التلاوة) قَامَ وَلاَ يَجْلِسُ لِلاِسْتِرَاحَةِ، فَإِذَا قَامَ اسْتُحِبَّ أَنْ يَقْرَأَ شَيْئًا ثُمَّ يَرْكَعَ، فَإِنِ انْتَصَبَ قَائِمًا ثُمَّ رَكَعَ بِلاَ قِرَاءَةٍ: جَازَ إِذَا كَانَ قَدْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ قَبْل سُجُودِهِ، وَلاَ خِلاَفَ فِي وُجُوبِ الاِنْتِصَابِ قَائِمًا، لأَِنَّ الْهُوِيَّ إِلَى الرُّكُوعِ مِنَ الْقِيَامِ وَاجِبٌ " انتهى.
وقال علماء اللجنة الدائمة:
" ليس على من سجد لتلاوة آية سجدة في آخر سورة كـ: (الأعراف) و (النجم) و (اقرأ) وهو في الصلاة أن يقرأ قرآنا بعدها وقبل الركوع، وإن قرأ فلا بأس " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (7 / 260)
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2222)
حديث مكذوب في فضل سجدة الشكر
[السُّؤَالُ]
ـ[فضل سجدة الشكر: (إن العبد إذا صلى ثم سجد سجدة الشكر فتح الرب تعالى الحجاب بين العبد وبين الملائكة، فيقول: يا ملائكتي! انظروا إلى عبدي، أدى فريضتي، وأتم عهدي ثم سجد لي شكرا على ما أنعمت به عليه، يا ملائكتي ماذا له؟ فتقول الملائكة: يا ربنا رحمتك. ثم يقول الرب تعالى: ثم ماذا له؟ فتقول الملائكة: يا ربنا جنتك. فيقول الرب تعالى: ثم ماذا؟ فتقول الملائكة: يا ربنا كفاه ما همه. فيقول الله سبحانه وتعالى: ثم ماذا؟ فلا يبقى شيء من الخير إلا قالته الملائكة. فيقول الله تعالى: يا ملائكتي ثم ماذا؟ فتقول الملائكة: يا ربنا لا علم لنا. فيقول الله تعالى: لأشكرنه كما شكرني، وأقبل إليه بفضلي وأريه رحمتي) . أفتوني بارك الله فيكم: ما صحته؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سجود الشكر مستحب، وهو سجدة واحدة يسجدها المسلم عند حدوث نعمة أو اندفاع نقمة، واستحبابها ثبت من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وفعل أصحابه الكرام رضي الله عنهم.
فعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَنَّهُ كَانَ إِذَا جَاءَهُ أَمْرُ سُرُورٍ أَوْ بُشِّرَ بِهِ خَرَّ سَاجِدًا شَاكِرًا لِلَّهِ) رواه أبو داود (2774) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
وقد سجد كعب بن مالك رضي الله عنه حين جاءه خبر توبة الله عليه. رواه البخاري (4418) ومسلم (2769) .
وسجد أبو بكر رضي الله عنه شكرا حين جاءه خبر قتل مسيلمة الكذاب.
وسجد علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين رأى ذا الثدية بين قتلى الخوارج.
انظر: "مصنف ابن أبي شيبة" (2/366-368) .
وأما الحديث الوارد في السؤال فلم يروه أحد من علماء الحديث الثقات، ولم يذكره أحد في كتب السنة والآثار، وإنما تذكره بعض كتب الشيعة المليئة بالأحاديث المكذوبة، ككتاب " من لا يحضره الفقيه " (1/333، حديث رقم/979، باب سجدة الشكر والقول فيها، وكتاب " تهذيب الأحكام " للطوسي (2/110) ، وإنما يسندانه إلى جعفر الصادق، وليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، كما أن في إسناده محمد بن أبي عمير، جاء في ترجمته في " لسان الميزان " (5/221) " محمد بن أبي عمير، عن أبيه: حدَّث عنه ابن جريج: مجهول. انتهى.
وفي إسناده أيضا كل من حريز بن أبي حريز، ومرازم بن حكيم، ولم يذكر أحد من أهل العلم فيهما توثيقاً، وانظر ترجمتهما في "لسان الميزان" (2/181، 186) .
فالحاصل: أنه لا تجوز نسبة هذا الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويجب الحذر من نشره بين الناس.
وانظر لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم: (5110) ، (21888) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2223)
هل يجوز أن يصلي ركعتين شكراً لله؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للإنسان أن يصلي ركعتين شكراً لله عز وجل إذا حدث أمر يسره؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
السجود شكراً لله عند حدوث نعمة أو اندفاع نقمة، من السنن الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (5110) .
وأما صلاة ركعتين شكراً لله تعالى، فمحل خلاف بين العلماء.
فمن أهل العلم من استحب ذلك عند حدوث نعمة متجددة، ومما قد يُستدل به لمشروعية ذلك:
1-ما رواه الحاكم عن كعب بن عجرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر كعب بن مالك حين تيب عليه وعلى أصحابه أن يصلي ركعتين أو سجدتين. رواه الحاكم في "المستدرك على الصحيحين" (5/148) .
إلا أن هذا الحديث لا يصح؛ لأن في إسناده: يحيى بن المثنى.
قال العقيلي: "حديثه غير محفوظ، ولا يعرف بالنقل" انتهى من "الضعفاء الكبير" (4/ 432) .
2- ما رواه ابن ماجه (1391) من طريق سَلَمَة بْن رَجَاءٍ حَدَّثَتْنِي شَعْثَاءُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنه (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى يَوْمَ بُشِّرَ بِرَأْسِ أَبِي جَهْلٍ رَكْعَتَيْنِ) .
وهذا الحديث حسنه بعض العلماء كابن حجر وابن الملقن. ينظر: "البدر المنير" (9 /106) ، تلخيص الحبير (4 /107) .
ولكن قال البوصيري: " هذا إسنادٌ فيه مقال، شَعْثَاء بنتُ عبد الله، لَمْ أَرَ مَنْ تَكَلَّمَ فِيهَا لَا بِجُرْحٍ وَلَا بِتَوْثِيقٍ.
وَسَلَمَة بْن رَجَاء لَيَّنَهُ اِبْن مُعِين، وَقَالَ اِبْن عَدِّي: حَدَّثَ بِأَحَادِيث لَا يُتَابَع عَلَيْهَا، وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ضَعِيف، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: يَنْفَرِد عَنْ الثِّقَات بِأَحَادِيث، وَقَالَ أَبُو زُرْعَة: صَدُوق، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: مَا بِحَدِيثِهِ بَأْس ". انتهى من "مصباح الزجاجة " (1 / 211) .
وكذلك ضعفه الشيخ الألباني في ضعيف سنن ابن ماجه.
3- صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ثمان ركعات عام الفتح، وقد قال كثير من العلماء إنها كانت شكراً لله على نعمة الفتح.
قال محمد بن نصر المروزي: " وأما الصلاة والسجود عند حوادث النعم شكراً لله عز وجل، فمن ذلك: أن الله لما أنعم على نبيه صلى الله عليه وسلم بفتح مكة اغتسل وصلى ثمان ركعات شكراً لله عز وجل ". انتهى من " تعظيم قدر الصلاة" (1 /240) .
وقال ابن حجر: " فيه مشروعيه الصلاة للشكر". انتهى " فتح الباري " (3 / 15) .
ولكن الاستدلال بهذا الحديث قد ينازع فيه من وجهين:
1- أنه خاص بالنصر والفتح، فلا يعمم على جميع حالات السرور.
قال ابن كثير: " هي صلاة الشكر على النصر، على المنصور من قولي العلماء". انتهى من " البداية والنهاية " (1 / 324) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: " وكانوا يستحبون عند فتح مدينة أن يصلى الإمام ثماني ركعات شكراً لله، ويسمونها: صلاة الفتح ". انتهى " مجموع الفتاوى" (17 / 474) .
وقال ابن القيم رحمه الله: "ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار أم هانئ بنت أبي طالب، فاغتسل وصلى ثمان ركعات في بيتها، وكانت ضحى، فظنها من ظنها صلاة الضحى، وإنما هذه صلاة الفتح.
وكان أمراء الإسلام إذا فتحوا حصنا أو بلدا صلوا عقيب الفتح هذه الصلاة، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي القصة ما يدل على أنها بسبب الفتح شكرا لله عليه، فإنها قالت: ما رأيته صلاها قبلها ولا بعدها " انتهى من " زاد المعاد " (3 /361) .
2- أن أم هانئ بنت أبي طالب، وهي التي روت هذا الحديث، صرحت في لفظ حديثها بأنها كانت صلاة الضحى، وهو خلاف ما ذهب إليه ابن القيم رحمه الله في كلامه السابق.
فروى مسلم (336) عنها قالت: (لَمَّا كَانَ عَامُ الْفَتْحِ أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِأَعْلَى مَكَّةَ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى غُسْلِهِ فَسَتَرَتْ عَلَيْهِ فَاطِمَةُ ثُمَّ أَخَذَ ثَوْبَهُ فَالْتَحَفَ بِهِ ثُمَّ صَلَّى ثَمَانَ رَكَعَاتٍ سُبْحَةَ الضُّحَى) .
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم:
"قَوْلهَا: (ثُمَّ صَلَّى ثَمَان رَكَعَات سُبْحَة الضُّحَى) هَذَا اللَّفْظ فِيهِ فَائِدَة لَطِيفَة، وَهِيَ أَنَّ صَلَاة الضُّحَى ثَمَان رَكَعَات. وَمَوْضِع الدَّلَالَة كَوْنهَا قَالَتْ: (سُبْحَة الضُّحَى) , وَهَذَا تَصْرِيح بِأَنَّ هَذَا سُنَّة مُقَرَّرَة مَعْرُوفَة , وَصَلَّاهَا بِنِيَّةِ الضُّحَى بِخِلَافِ الرِّوَايَة الْأُخْرَى (صَلَّى ثَمَان رَكَعَات، وَذَلِكَ ضُحًى) , فَإِنَّ مِنْ النَّاس مَنْ يَتَوَهَّم مِنْهُ خِلَاف الصَّوَاب، فَيَقُول: لَيْسَ فِي هَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّ الضُّحَى ثَمَان رَكَعَات، وَيَزْعُم أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي هَذَا الْوَقْت ثَمَان رَكَعَات بِسَبَبِ فَتْح مَكَّة، لا لِكَوْنِهَا الضُّحَى , فَهَذَا الْخَيَال الَّذِي يَتَعَلَّق بِهِ هَذَا الْقَائِل فِي هَذَا اللَّفْظ لَا يَتَأَتَّى لَهُ فِي قَوْلهَا: (سُبْحَة الضُّحَى) .
وَلَمْ تَزَلْ النَّاس قَدِيمًا وَحَدِيثًا يَحْتَجُّونَ بِهَذَا الْحَدِيث عَلَى إِثْبَات الضُّحَى ثَمَان رَكَعَات. وَاللَّهُ أَعْلَم. وَ (السُّبْحَة) هِيَ النَّافِلَة سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِلتَّسْبِيحِ الَّذِي فِيهَا" انتهى.
وبناء على ما سبق ذهب أكثر العلماء إلى عدم مشروعية ما يسمى بـ "صلاة الشكر".
قال الرملي: " لَيْسَ لَنَا صَلَاةٌ تُسَمَّى صَلَاةَ الشُّكْرِ ". انتهى من " تحفة المحتاج " (3 / 208) .
وقال الشيخ ابن باز: " لا أعلم أنه ورد شيء في صلاة الشكر، وإنما الوارد في سجود الشكر ". انتهى "مجموع الفتاوى " (11 /424) .
وقال الشيخ ابن عثيمين: " لا أعلم في السنة صلاة تسمى: صلاة الشكر، ولكن فيها سجوداً يسمى: سجود الشكر". انتهى " فتاوى نور على الدرب" (6 / 17) .
وقال: " الشكر ليس له صلاة ذات ركوع وقيام، وإنما له سجود فقط ". انتهى "فتاوى نور على الدرب" (6 / 18) .
فالمشروع للمسلم إذا حدث له ما سره أن يسجد شكراً لله تعالى، أما صلاة الشكر فلا أصل لها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2224)
هل يجوز الاكتفاء بالتسبيح والذكر عن سجود التلاوة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الاكتفاء بالتسبيح: (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله) أربع مرات عوضا عن السجود للتلاوة؟ لأنه يقال: إذا مررت بآية فيها سجدة يمكنك بدل السجود أن تقول التسبيح السابق، هل له أصل أو دليل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ سُجُودِ التِّلاَوَةِ، لِلآْيَاتِ وَالأَْحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِيهِ، فيشرع للمسلم إذا مر بآية سجدة أن يسجد، سواء كان في صلاة، أو كان خارجا عن الصلاة، وقد روى مسلم في صحيحه (81) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا قَرَأَ ابْنُ آدَمَ السَّجْدَةَ فَسَجَدَ اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي يَقُولُ يَا وَيْلَهُ! أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الْجَنَّةُ، وَأُمِرْتُ بِالسُّجُودِ فَأَبَيْتُ فَلِي النَّارُ) .
ولا بد فيه من السجود، ولا يصح الإتيان بالتسبيح أو شيء من الأذكار بدلاً منه، بل هذا من البدع المحدثة التي ينبغي النهي عنها.
فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ) . متفق عليه.
قال النووي:
"هَذَا الْحَدِيث قَاعِدَة عَظِيمَة مِنْ قَوَاعِد الْإِسْلَام , وَهُوَ مِنْ جَوَامِع كَلِمه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ صَرِيح فِي رَدّ كُلّ الْبِدَع وَالْمُخْتَرَعَات" انتهى.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي، وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ) رواه أبو داود (4607) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وَسُئِلَ ابن حجر الهيتمي رحمه الله عن قول بعضهم: (سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَك رَبَّنَا وَإِلَيْك الْمَصِيرُ) عِنْدَ تَرْكِ السُّجُودِ لِآيَةِ السَّجْدَةِ لِحَدَثٍ أَوْ عَجْزٍ عَنْ السُّجُودِ؟
فَأَجَابَ: "إنَّ ذَلِكَ لَا أَصْلَ لَهُ. فَلَا يَقُومُ مَقَامَ السَّجْدَةِ، بَلْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ إنْ قَصَدَ الْقِرَاءَةَ لأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ شَيْءٌ" انتهى مختصرا.
"الفتاوى الفقهية الكبرى" (1/194) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عندما نقرأ في كتاب الله وتمر علينا سجدة، ونحن في مكان غير المسجد والمصلى، كالمدرسة وغيرها نقول (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) أربع مرات، فهل يجوز ذلك أم لا؟ وإذا كان لا يجوز فماذا نفعل؟
فأجاب:
"إذا مر القارئ بآية سجدة، فإن كان في محل يمكنه فيه السجود فليسجد استحباباً، ولا يجب السجود على القول الراجح؛ لأنه ثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه قرأ وهو يخطب يوم الجمعة آية السجدة فنزل وسجد , ثم قرأها في الجمعة الثانية فلم يسجد وقال:
(إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء) وإذا لم يسجد فإنه لا يقول شيئاً بدل السجود، لأن ذلك بدعة، ودليله أن زيد بن ثابت قرأ عند النبي صلى الله عليه وسلم سورة النجم فلم يسجد فيها، ولم يعلمه النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً يقوله بدلاً عن السجود " انتهى.
"فتاوى إسلامية" (4/66) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2225)
التكبير لسجدة التلاوة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يلزم التكبير لسجدة التلاوة في الصلاة وخارجها؟ وهل يلزم السلام خارجها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"سجدة التلاوة في الصلاة مثل سجود الصلاة إذا سجد يكبر، وإذا رفع يكبر، والدليل على هذا: ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان في الصلاة يكبر في كل خفض ورفع، إذا سجد كبر، وإذا نهض كبر، هكذا أخبر الصحابة من حديث أبي هريرة وغيره، وهذا السجود من سجود الصلاة، هذا هو الأظهر من الأدلة.
أما إذا سجد للتلاوة في خارج الصلاة فلم يرو إلا التكبير في أوله، هذا هو المعروف، كما رواه أبو داود والحاكم.
أما عند الرفع في خارج الصلاة فلم يرو فيه تكبير ولا تسليم، وبعض أهل العلم قال: يكبر عند النهوض، ويسلم أيضا ولكن لم يرد في هذا شيء، فلا يشرع له إلا التكبيرة الأولى عند السجود إذا كان خارج الصلاة، وبالله التوفيق" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (24/405) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2226)
الأفضل وضع المصحف على شيء مرتفع أثناء سجود التلاوة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كنت أقرأ القرآن ووصلت إلى آية فيها سجدة فهل يجوز لي أن أضع المصحف شرفه الله على الأرض حتى أفرغ من سجدة التلاوة أم لابد من وضعه على شيء مرتفع؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا حرج في وضعه على الأرض إذا كانت طاهرة وقت سجود التلاوة، وإذا تيسر مكان مرتفع شرع وضعه فيه، أو تسليمه إلى أخيك الذي بجوارك إن وُجد حتى تفرغ من السجود؛ لأن ذلك من تعظيمه والعناية به، ولئلا يظن بعض الناس أنك أردت إهانته أو قلة المبالاة به. وبالله التوفيق" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (24/349) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2227)
هل يسجد للتلاوة من لم يكن على طهارة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كنت أقرأ القرآن الكريم، وأنا غير مستقبل القبلة، ومررت بآية فيها سجدة تلاوة فهل أسجد؟ وهل يشترط لسجدة التلاوة أن يكون الإنسان على طهارة؟ وإذا كنت أقرأ القرآن الكريم، وأنا مسافر بالسيارة أو الطائرة، ومررت بآية فيها سجدة تلاوة فهل أسجد وأنا على الكرسي؟ وماذا لو مررت بها وأنا جالس على الكرسي في المكتب أو المنزل؟ نرجو التكرم بالإجابة، جزاكم الله خيرا]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"السنة لمن مر بآية السجدة في حال قراءته أن يسجد تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، لأنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بين أصحابه، فإذا مر بآية فيها سجدة سجد، وسجدوا معه. والسنة: استقبال القبلة إذا تيسر ذلك، وسجدة التلاوة ليست مثل الصلاة؛ بل هي خضوع لله وتأسٍٍ برسوله صلى الله عليه وسلم، فلا يشترط لها شروط الصلاة، لعدم الدليل على ذلك، ولأنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ القرآن في مجلسه بين أصحابه فإذا مر بآية السجدة سجد وسجدوا معه، ولم يقل لهم: لا يسجد إلا من كان على طهارة. والمجالس تجمع من هو على طهارة، ومن هو على غير طهارة، فلو كانت الطهارة شرطا لنبههم النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أنصح الناس، وقد أمره الله بالبلاغ، ولو كانت الطهارة شرطا في سجود التلاوة لأبلغهم بذلك رضي الله عنهم، ولو بلغهم لنقلوا ذلك لمن بعدهم، كما نقلوا عنه سيرته وأحاديثه عليه الصلاة والسلام، فإذا كان القارئ في الطائرة، أو السيارة، أو الباخرة، أو على دابة في السفر فإنه يسجد إلى جهة سيره، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك في أسفاره في صلاة النافلة. وإن تيسر له استقبال القبلة حال صلاة النافلة عند الإحرام، ثم يتجه إلى جهة سيره فذلك أفضل؛ لأنه ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأحاديث، والله ولي التوفيق" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (24/346) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2228)
ماذا يفعل المأموم إذا قرأ آية فيها سجدة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا أفعل إذا قرأت سورة فيها سجدة، وأنا أصلي خلف الإمام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" لا تسجد؛ لأن متابعة الإمام واجبة، وسجود التلاوة سنة، وفي حال كون الإنسان مأموماً لا يجوز له أن يسجد، فإن سجد متعمداً مع علمه بأن ذلك لا يجوز بطلت صلاته " انتهى.
الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
"فتاوى إسلامية" (1/290) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2229)
لا يشرع السجود المفرد من أجل الدعاء
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الناس إذا أراد أن يدعو الله تعالى بعد الصلاة، سجد ودعا وهو ساجد، فهل هذا السجود سنة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم ترد الشريعة بالتقرب إلى الله تعالى بالسجود إلا إذا كان السجود في الصلاة، أو لسبب خاص كسجود السهو أو سجود التلاوة، أو سجود الشكر.
أما السجود من أجل الدعاء فلم يرد في الشرع ما يدل على جوازه أو استحبابه، بل الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث المتواترة الكثيرة أنه كان يرفع يديه عند الدعاء، وحث على ذلك ورَغَّب فيه، فقال: (إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِيٌّ كَرِيمٌ، يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا) رواه أبو داود (1488) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
فيكون السجود من أجل الدعاء بدعة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله، ولأنه يضيع السنة التي حث عليها النبي صلى الله عليه وسلم وهي رفع اليدين عند الدعاء.
وقد أنكر العلماء هذا السجود المفرد ونهوا عنه، فقد ذكره أبو شامة رحمه الله في كتابه "الباعث على إنكار البدع والحوادث" (ص62، 63) وقال: "قال إمام الحرمين أبو المعالي ذكر صاحب التقريب عن بعض الأصحاب أن الرجل لو خضع لله تعالى فسجد من غير سبب فله ذلك. قال: وهذا لم أره إلا له، وكان شيخي يكره ذلك، واشتد نكيره على من يفعل ذلك. قال: وهو الظاهر عندي.
قال أبو حامد الغزالي: كان الشيخ أبو محمد رحمه الله تعالى يشدد النكير على فاعل ذلك، وهو الصحيح، وقال في كتاب النذر: ولم يذهب أحد إلى أن السجدة وحدها تلزم بالنذر فإنها ليست عبادة مقرونة بسبب، كالتلاوة.
قال إمام الحرمين: وكان شيخي يقطع بأن السجدة مفردة لا تلزم بالنذر، وإن كان التالي يسجد، فإن السجدة مفردة من غير سبب ليست قربة على الرأي الظاهر.
وقال صاحب التتمة: جرت عادة بعض الناس بالسجود بعد الفراغ من الصلاة يدعو فيه، قال: وتلك سجدة لا يعرف لها أصل، ولا نقلت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه، والأولى أن يدعو بالصلاة لما روي من الأخبار فيه. والله أعلم.
قلت (أبو شامة) : ولا يلزم من كون السجود قربة في الصلاة أن يكون قربة خارج الصلاة، كالركوع. قال الفقيه أبو محمد: لم ترد الشريعة بالتقرب إلى الله تعالى بسجدة منفردة لا سبب له" انتهى.
وينظر السؤال رقم (98156)
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2230)
بيان الأحاديث في سجدات التلاوة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الدليل على سجدات التلاوة في القرآن الكريم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1- سجدة الأعراف: حديثها مرفوعاً عن أبي الدرداء ضعيف، وموقفاً على ابن عمر وابن عباس، صحيح. رواه عبد الرازق، وأجمع العلماء على السجود فيها، كما في تفسير ابن كثير.
2- سجدة الرعد: حديثها موقفاً على ابن عمر وابن عباس، صحيح في عبد الرازق.
3- سجدة النحل: حديثها موقفاً على عمر بن الخطاب، صحيح في البخاري، سجد فيها وهو يخطب الناس على المنبر، وفي الجمعة الثانية لم يسجد، وقال: (من سجد فقد أصاب، ومن لم يسجد فلا إثم عليه) . وعلى ابن عمر وابن عباس، صحيح في عبد الرازق.
4- سجدة الإسراء: حديثها موقفاً على ابن عمر وابن عباس، صحيح في عبد الرازق.
5- سجدة مريم: حديثها موقفاً عليهما في عبد الرازق، ونقل ابن كثير الإجماع فيها.
6- 7 سجدتا الحج: حديث السجدة الأولى موقفاً على ابن عمر وابن عباس، صحيح في عبد الرازق. وحديث السجدتين مرفوعاً عن عمرو بن العاص فيه ضعف، لكن له شاهد من حديث عقبة بن عامر وخالد بن معدان، وموقوفاً على عمر وابنه عبد الله وأبي الدرداء وأبي موسى الأشعري، صحيح، وقال إسحاق: أدركت الناس منذ سبعين سنة يسجدون في الحج سجدتين.
8- سجدة الفرقان: حديثها موقوفاً على ابن عمر وابن عباس، صحيح في عبد الرازق.
9- سجدة النمل: حديثها موقوفاً على ابن عمر وابن عباس، صحيح في عبد الرازق.
10- سجدة الم تنزيل: حديثها موقوفاً على ابن عمر وابن عباس، صحيح في عبد الرازق، وعن أبي هريرة (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الجمعة في صلاة الفجر الم تنزيل السجدة إلخ) صحيح في البخاري. قال في "الفتح": ولم أر في شيء من الطرق التصريح أنه سجد إلا في كتاب الشريعة وذكره وقال: في إسناده من ينظر في حاله، قال: وللطبراني في الصغير من حديث عليّ فذكره مرفوعاً وقال: لكن في إسناده ضعف اهـ.
11- سجدة ص: حديثها مرفوعاً، صحيح في البخاري.
12- سجدة فصلت: حديثها موقوفاً على ابن عمر وابن عباس، صحيح في عبد الرازق.
13- سجدة النجم: حديثها مرفوعاً، صحيح في البخاري.
14- سجدة الانشقاق: حديثها مرفوعاً، صحيح في مسلم.
15- سجدة العلق: حديثها مرفوعاً، صحيح في مسلم.
فائدة:
ذكر الموفق [ابن قدامة] في "الكافي" (1/206) أن مواضع السجدات ثابتة بالإجماع إلا سجدات المُفَصَّل [من سورة ق إلى آخر القرآن] والثانية من الحج اهـ.
وقد عرفت أدلة ذلك.
تم بقلم محمد الصالح العثيمين في 3/8/1404هـ.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2231)
سجود التلاوة يسن للقارئ والمستمع دون السامع
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم قراءة القرآن جماعة، وسجود تلاوة جماعة للذين يقرؤون، والذين لا يقرؤون القرآن؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
قراءة القرآن جماعة على صوت واحد، ليس مشروعا؛ لعدم وروده في السنة، والأصل في العبادة التوقيف، حتى يدل الدليل الصحيح على المشروعية، في أصل العبادة ووصفها وزمانها ومكانها وعددها، فلا تخص العبادة بشيء من ذلك إلا بدليل.
قال الشاطبي رحمه الله: " فالبدعة إذن عبارة عن طريقة في الدين مخترعة، تضاهي الشرعية، يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه ... ومنها التزام الكيفيات والهيآت المعينة، كالذكر بهيئة الاجتماع على صوت واحد، واتخاذ يوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم عيدا، وما أشبه ذلك.
ومنها التزام العبادات المعينة، في أوقات معينة، لم يوجد لها ذلك التعيين في الشريعة، كالتزام صيام يوم النصف من شعبان، وقيام ليلته " انتهى من "الاعتصام" (1/37-39) .
وإذا كان بصوت مرتفع يشوش على الذاكرين والجالسين، كان أشد كراهة، لعوم قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَمَا إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ فَلْيَعْلَمْ أَحَدُكُمْ مَا يُنَاجِي رَبَّهُ وَلَا يَجْهَرْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ) رواه أحمد (4928) وصححه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند.
وأما إن كان أحد الجماعة يقرأ، والباقون يستمعون لقراءته، أو يتناوبون القراءة فيما بينهم، وهو ما يعرف بالإدارة بالقراءة، أو كان الجماعة في المسجد، وكل منهم يقرأ لنفسه، لا يشوش أحدهم على صاحبه، ولا يوافقه بقراءته، فهذا لا بأس به، بل هو قربة مشروعة، محبوبة لله تعالى.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( ... وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ) رواه مسلم (2699) .
قال الإمام النووي رحمه الله:
" فصل: في استحباب قراءة الجماعة مجتمعين، وفضل القارئين من الجماعة والسامعين، وبيان فضيلة من جمعهم عليها، وحرَّضهم وندبهم إليها " ثم قال: " اعلم أن قراءة الجماعة مجتمعين مستحبة بالدلائل الظاهرة وأفعال السلف والخلف المتظاهر "، ثم ذكر الحديث السابق، وما أشبهه.
انظر: التبيان في آداب حملة القرآن (72-74)
ثم ذكر بعده فصلا في " الإدارة بالقرآن "، قال:
" وهو أن يجتمع جماعة يقرأ بعضهم عشرا أو جزءا أو غير ذلك، ثم يسكت ويقرأ الآخر من حيث انتهى الأول، ثم يقرأ الآخر، وهذا جائز حسن؛ وقد سئل مالك رحمه الله تعالى عنه فقال: لا بأس به ". التبيان (74) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" الِاجْتِمَاعُ لِذِكْرِ اللَّهِ، وَاسْتِمَاعِ كِتَابِهِ، وَالدُّعَاءِ: عَمَلٌ صَالِحٌ، وَهُوَ مِنْ أَفْضَلِ الْقُرُبَاتِ وَالْعِبَادَاتِ فِي الْأَوْقَاتِ. فَفِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: {إنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً سَيَّاحِينَ فِي الْأَرْضِ فَإِذَا مَرُّوا بِقَوْمِ يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنَادَوْا هَلُمُّوا إلَى حَاجَتِكُمْ} وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ {وَجَدْنَاهُمْ يُسَبِّحُونَك وَيَحْمَدُونَك} .
لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا أَحْيَانًا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَالْأَمْكِنَةِ فَلَا يُجْعَلُ سُنَّةً رَاتِبَةً يُحَافَظُ عَلَيْهَا إلَّا مَا سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمُدَاوَمَةَ عَلَيْهِ فِي الْجَمَاعَاتِ، مِنْ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي الْجَمَاعَاتِ وَمِنْ الْجُمُعَاتِ وَالْأَعْيَادِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَأَمَّا مُحَافَظَةُ الْإِنْسَانِ عَلَى أَوْرَادٍ لَهُ مِنْ الصَّلَاةِ أَوْ الْقِرَاءَةِ أَوْ الذِّكْرِ أَوْ الدُّعَاءِ طَرَفَيْ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ وَغَيْرُ ذَلِكَ: فَهَذَا سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا.
فَمَا سُنَّ عَمَلُهُ عَلَى وَجْهِ الِاجْتِمَاعِ كَالْمَكْتُوبَاتِ: فُعِلَ كَذَلِكَ، وَمَا سُنَّ الْمُدَاوَمَةُ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الِانْفِرَادِ مِنْ الْأَوْرَادِ عُمِلَ كَذَلِكَ، كَمَا كَانَ الصَّحَابَةُ - رضي الله عنهم - يَجْتَمِعُونَ أَحْيَانًا: يَأْمُرُونَ أَحَدَهُمْ يَقْرَأُ وَالْبَاقُونَ يَسْتَمِعُونَ. وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقُولُ: يَا أَبَا مُوسَى ذَكِّرْنَا رَبَّنَا فَيَقْرَأُ وَهُمْ يَسْتَمِعُونَ، وَكَانَ مِنْ الصَّحَابَةِ مَنْ يَقُولُ: اجْلِسُوا بِنَا نُؤْمِنُ سَاعَةً. وَصَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِأَصْحَابِهِ التَّطَوُّعَ فِي جَمَاعَةٍ مَرَّاتٍ وَخَرَجَ عَلَى الصَّحَابَةِ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ وَفِيهِمْ قَارِئٌ يَقْرَأُ فَجَلَسَ مَعَهُمْ يَسْتَمِعُ ". مجموع الفتاوى (22/521) .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (4/112) : " ما حكم قراءة القرآن في المسجد جماعة؟
الجواب: السؤال فيه إجمال، فإذا كان المقصود أنهم يقرؤون جميعاً بصوت واحد ومواقف ومقاطع واحدة: فهذا غير مشروع، وأقل أحواله الكراهة، لأنه لم يؤثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن الصحابة رضي الله عنهم، لكن إذا كان ذلك من أجل التعليم فنرجو أن يكون ذلك لا بأس به.
وإن كان المقصود أنهم يجتمعون على قراءة القرآن لحفظه أو تعلمه، ويقرأ أحدهم وهم يستمعون، أو يقرأ كل منهم لنفسه غير ملتق بصوته، ولا بموافقة مع الآخرين: فذلك مشروع، لما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وحفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة وذكرهم الله فيمن عنده) رواه مسلم " انتهى.
وجاء فيها أيضا (2/480) : " الاجتماع لتلاوة القرآن ودراسته بأن يقرأ أحدهم ويستمع الباقون ويتدارسوا ما قرؤوه، ويتفهموا معانيه، مشروع وقربة يحبها الله , ويجزي عليها الجزاء الجزيل، فقد روى مسلم في صحيحه وأبو داود، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده) " انتهى.
ثانيا:
سجود التلاوة يسن للقارئ والمستمع، دون السامع الذي يسمع بلا إصغاء أو قصد.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/361) : " ويسن السجود للتالي والمستمع، لا نعلم في هذا خلافا. وقد دلت عليه الأحاديث التي رويناها. وقد روى البخاري , ومسلم , وأبو داود , عن ابن عمر , قال: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا السورة في غير الصلاة , فيسجد , ونسجد معه , حتى لا يجد أحدنا مكانا لموضع جبهته} .
فأما السامع غير القاصد للسماع فلا يستحب له , وروي ذلك عن عثمان , وابن عباس , وعمران، وبه قال مالك. وقال أصحاب الرأي: عليه السجود. وروي نحو ذلك عن ابن عمر , والنخعي , وسعيد بن جبير , ونافع , وإسحاق ; لأنه سامع للسجدة , فكان عليه السجود كالمستمع. وقال الشافعي: لا أؤكد عليه السجود , وإن سجد فحسن.
ولنا ما روي عن عثمان رضي الله عنه: أنه مر بقاص , فقرأ القاص سجدة ليسجد عثمان معه , فلم يسجد. وقال: إنما السجدة على من استمع. وقال ابن مسعود , وعمران: ما جلسنا لها. وقال سلمان: ما عدونا لها. ونحوه عن ابن عباس , ولا مخالف لهم في عصرهم نعلمه إلا قول ابن عمر: إنما السجدة على من سمعها. فيحتمل أنه أراد من سمع عن قصد , فيحمل عليه كلامه جمعا بين أقوالهم ; ولا يصح قياس السامع على المستمع , لافتراقهما في الأجر " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2232)
ماذا يقول في سجود الشكر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا يقول في سجود الشكر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم يرد في الأحاديث تخصيص سجود الشكر بدعاء معين، ولذلك قال العلماء: يقول في سجود الشكر ما يقوله في سجود الصلاة من التسبيح والدعاء. فيقول: سبحان ربي الأعلى، اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ. ثم يدعو بما أحب.
قال ابن قدامة رحمه الله: صفة سجود الشكر في أفعاله وأحكامه وشروطه كصفة سجود التلاوة اهـ المغني 2/372. وقال في سجود التلاوة: ويقول في سجوده ما يقول في سجود الصلاة اهـ المغني 2/362.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: يكون سجود الشكر عن مصيبة اندفعت أو لنعمة تهيأت للإنسان وهو كالتلاوة خارج الصلاة، فبعض العلماء يرى له الوضوء والتكبير، وبعضهم يرى التكبيرة الأولى فقط، ثم يخر ساجدا ويدعو بعد قوله سبحان ربي الأعلى اهـ فتاوى منار الإسلام 1/205.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/2233)
صفة سجود التلاوة والطهارة له
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يشترط لسجود التلاوة طهارة، وهل يكبر إذا خفض ورفع سواء كان في الصلاة أو خارجها؟ وماذا يقال في هذا السجود؟ وهل ما ورد من الدعاء فيه صحيح؟ وهل يشرع السلام في هذا السجود إذا كان خارج الصلاة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
وبعد: سجود التلاوة لا تشترط له الطهارة في أصح قولي العلماء وليس فيه تسليم ولا تكبير عند الرفع منه في أصح قولي أهل العلم.
ويشرع فيه التكبير عند السجود لأنه قد ثبت من حديث ابن عمر رضي الله عنهما ما يدل على ذلك.
أما إذا كان سجود التلاوة في الصلاة فإنه يجب فيه التكبير عند الخفض والرفع لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك في الصلاة في كل خفض ورفع. وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: صلوا كما رأيتموني أصلي. رواه البخاري في صحيحه (595) ، ويشرع في سجود التلاوة من الذكر والدعاء ما يشرع في سجود الصلاة لعموم الأحاديث ومن ذلك: اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته تبارك الله أحسن الخالقين روى ذلك مسلم في صحيحه (1290) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول هذا الذكر في سجود الصلاة من حديث علي رضي الله عنه.
وقد سبق آنفا أنه يشرع في سجود التلاوة ما يشرع في سجود الصلاة وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دعا في سجود التلاوة بقوله: " اللهم اكتب لي بها عندك أجرا وامح عني بها وزرا واجعلها لي عندك ذخرا وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود عليه السلام" رواه الترمذي (528)
والواجب في ذلك قول: سبحان ربي الأعلى، كالواجب. في سجود الصلاة، وما زاد عن ذلك من الذكر والدعاء فهو مستحب.
وسجود التلاوة في الصلاة وخارجها سنة وليس بواجب لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث زيد بن ثابت ما يدل على ذلك وثبت عن عمر رضي الله عنه ما يدل على ذلك أيضا، والله ولي التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
(مجموع فتاوى ومقالات سماحة الشيخ ابن باز 11 / 406) .(5/2234)
التعبد لله بالسجود المفرد
[السُّؤَالُ]
ـ[زميلي أخ ملتزم مواظب على الفرائض والسنن وجدته يسجد لله سجودا ليس هو سجود الصلاة ولا سجود السهو ولا سجود التلاوة ولا سجود الشكر وإنما هو سجود يفعله في أي زمن يشتهي وفي هذا السجود يذكر الله بالأذكار الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم ويستدل بقوله صلى الله عليه وسلم: (أعني على نفسك بكثرة السجود) فهل هذا السجود صحيح أم هو بدعة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل في العبادات التوقيف، فلا يعبد الله إلا بما شرع، وليس في الشريعة التعبد لله بالسجدة المفردة، إلا أن تكون سجدة تلاوة أو سجدة شكر، ولا يشرع غير هذا، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ) رواه البخاري (2499) ومسلم (3242) ، وفي لفظ له: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) .
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (3/565) : " لو خضع إنسان لله تعالى فتقرب بسجدة بغير سبب يقتضي سجود شكر ففيه وجهان حكاهما إمام الحرمين وغيره (أحدهما) : يجوز , قاله صاحب التقريب (وأصحهما) : لا يجوز , صححه إمام الحرمين وغيره وقطع به الشيخ أبو حامد. قال إمام الحرمين: وكان شيخي - يعني أبا محمد - يشدد في إنكار هذا السجود، واستدلوا لهذا بالقياس على الركوع , فإنه لو تطوع بركوع مفردا كان حراما بالاتفاق ; لأنه بدعة، وكل بدعة ضلالة إلا ما دل دليل على استثنائه , وسواء في هذا الخلاف في تحريم السجدة ما يفعل بعد صلاة وغيره " انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " أنكر من هذا ما يفعله بعض الناس من أنه يسجد بعد السلام سجدة مفردة , فإن هذه بدعة , ولم ينقل عن أحد من الأئمة استحباب ذلك. والعبادات مبناها على الشرع والاتباع , لا على الهوى والابتداع ; فإن الإسلام مبني على أصلين: أن لا نعبد إلا الله وحده , وأن نعبده بما شرعه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، لا نعبده بالأهواء والبدع " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (2/242) .
وقال ابن الحاج في "المدخل" (4/266) في إنكار السجدتين المفردتين بعد صلاة الرغائب: " الصلاة إنما يراد بها التقرب إلى الله تعالى، والتقرب إنما يكون بالامتثال لا بالابتداع ولا بالمكروه ... والعلماء إنما أجازوا السجود المنفرد عن الصلاة في موضعين لا ثالث لهما: أحدهما: سجود التلاوة. والثاني: سجود الشكر على مذهب من يراه. وليست هاتان السجدتان منهما ; لأنه لم يرد ذلك عن السلف الماضين رضي الله عنهم " انتهى.
وليعلم أن الشيطان حريص على إيقاع العبد في البدعة، لأمور:
منها أنه: لا يؤجر عليها.
ومنها: أنها تشغله عن فعل السنة، مع ما فيها من الاستدراك على الشارع وكأن المبتدع هُدي إلى ما لم يهد إليه محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
وخلاصة الجواب: أن هذه السجدة غير مشروعة ويدل على ذلك:
1- أنها بدعة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل بدعة ضلالة)
2- قياساً على أنه لا يجوز التقرب إلى الله بركوع مفرد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2235)
هل يسجد لله شكرا على نعمة السمع والبصر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن يسجد ويشكر الله عز وجل على نعمه كنعمة السمع؟ أرجو الإيضاح مع الأدلة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سجود الشكر إنما يكون للنعم المتجددة، كحصول ولد، أو قدوم غائب أو نصر على عدو، لا للنعم المستمرة كنعمة السمع والبصر، لعدم ورود ذلك في الشرع، ولو كان مشروعا لاقتضى أن يظل الإنسان طول عمره ساجداً للشكر.
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (3/564) : " قال الشافعي والأصحاب: سجود الشكر سنة عند تجدد نعمة ظاهرة واندفاع نقمة ظاهرة , سواء خصته النعمة والنقمة أو عمت المسلمين. قال أصحابنا: وكذا إذا رأى مبتلى ببلية في بدنه أو بغيرها أو بمعصية يستحب أن يسجد شكرا لله تعالى , ولا يشرع السجود لاستمرار النعم ; لأنها لا تنقطع " انتهى.
وقال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/363) : " ويستحب سجود الشكر عند تجدد النعم , واندفاع النقم. وبه قال الشافعي , وإسحاق , وأبو ثور , وابن المنذر.
لما رواه ابن المنذر , بإسناده عن أبي بكرة , أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاه أمر يُسَر به خر ساجدا , ورواه أبو داود , ولفظه قال: كان إذا أتاه أمر يسر به , أو بشّر به خر ساجدا ; شكرا لله} . وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. وسجد أبو بكر الصديق حين فتح اليمامة، وسجد عليٌّ حين وجد ذا الثديَّة في قتلى الخوارج. وروي عن جماعة من الصحابة " انتهى
وقال ابن القيم رحمه الله في "إعلام الموقعين" (2/296) : " فإن النعم نوعان: مستمرة , ومتجددة , فالمستمرة شكرها بالعبادات والطاعات , والمتجددة شرع لها سجود الشكر ; شكرا لله عليها , وخضوعا له وذلا , في مقابلة فرحة النعم وانبساط النفس لها , وذلك من أكبر أدوائها ; فإن الله سبحانه لا يحب الفرحين ولا الأشرين ; فكان دواء هذا الداء الخضوع والذل والانكسار لرب العالمين " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع على زاد المستقنع" (4/105) : " قوله: «عند تجدد النعم» . أي: عند النِّعمة الجديدة، احترازاً مِن النِّعمة المستمرَّة، فالنِّعمة المستمرَّة لو قلنا للإنسان: إنه يستحبُّ أنْ يسجدَ لها لكان الإنسانُ دائماً في سُجود، لأن الله يقول: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا) إبراهيم/34} ، والنعمة المستمرَّة دائماً مع الإنسان فسلامةُ السمعِ، وسلامةُ البصرِ، وسلامةُ النُّطقِ، وسلامةُ الجسم، كلُّ هذا مِن النِّعَمِ.
والتنفُّس مِن النِّعَم وغير ذلك، ولم تَرِدِ السُّنَّة بالسُّجود لمثل ذلك، لكن لو فُرِضَ أنَّ أحداً أُصيب بضيق التنفُّس؛ ثم فَرَّجَ الله عنه؛ فَسَجَد شكراً لله؛ كان مصيباً؛ لأنَّ انطلاق نَفَسِهِ بعد ضيقه تجدّد نعمة.
مثال ذلك: إنسان نجح في الاختبار وهو مُشفِقٌ أنْ لا ينجح، فهذا تجدُّد نِعمةٍ يسجدُ لها.
مثال آخر: إنسانٌ سَمِعَ انتصاراً للمسلمين في أيِّ مكانٍ، فهذا تجدُّد نِعمةٍ يسجدُ لله شكراً.
مثال آخر: إنسانٌ بُشِّر بولد، هذا تجدُّد نِعمة يُسجدُ لها، وعلى هذا فَقِسْ.
قوله: «واندفاع النقم» أي: التي وُجِدَ سببُها فَسَلِمَ منها.
مثال ذلك: رجل حَصَلَ له حادث في السيارة وهو يسير، وانقلبت وخرجَ سالماً، فهنا يسجدُ؛ لأنَّ هذه النقمة وُجِدَ سببُها وهو الانقلاب لكنه سَلِمَ.
مثال آخر: إنسان اشتعل في بيته حريق، فَيَسَّرَ اللهُ القضاء عليه فانطفأ؛ فهذا اندفاعُ نِقْمَةٍ يَسجدُ لله تعالى شكراً.
مثال آخر: إنسانٌ سَقَطَ في بئر فَخَرَجَ سالماً، فهذا اندفاعُ نِقْمَةٍ؛ يسجدُ لله شُكراً عليها.
فالمُراد بذلك اندفاع النِّقم التي وُجِدَ سَبَبُهَا فَسَلِمَ منها، أمَّا المستمر فلا يمكن إحصاؤه، ولو أننا قلنا للإنسان يُستحبُّ أن تسجدَ لذلك لكان دائماً في سُجود " انتهى.
والحاصل وأن سجود الشكر يكون لحصول النعم المتجددة لا المستمرة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2236)
حكم المرور أمام ساجد سجدة التلاوة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم المرور أمام ساجد سجدة التلاوة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس عليه في ذلك شيء.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 7/263(5/2237)
حكم الوقوف لأداء سجدة التلاوة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان الإنسان يقرأ القرآن في المسجد أو غيره وهو جالس ووصل إلى سجدة من السجدات هل الأفضل يقوم قائما ويسجد أم يسجد في مكانه وهو جالس، أيهما أفضل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا نعلم دليلا على شرعية القيام من أجل سجود التلاوة.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 7/265(5/2238)
هل يجب الحجاب على المرأة في سجود التلاوة
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا تفعل المرأة عندما تكون تقرأ القرآن وتقابلها آية سجدة هل تسجد وهي بدون غطاء أم ماذا تفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأولى للمرأة إذا مرت بآية سجدة أن تسجد وهي مخمرة رأسها وإن سجدت للتلاوة بدون خمار فنرجو ألا حرج، لأن سجود التلاوة ليس له حكم الصلاة، وإنما هو خضوع لله سبحانه وتقرب إليه مثل بقية الأذكار وأفعال الخير.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 7/263(5/2239)
كيفية التكبير في سجود التلاوة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يكبر القارئ في سجود التلاوة في الخفض والرفع منه أو في الخفض فقط، وهل يقرأ التشهد أولا، وهل يسلم منه أو لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا: يكبر من سجد سجود التلاوة في الخفض، لما رواه أبو داود في سننه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا القرآن، فإذا مر بالسجدة كبر وسجد وسجدنا) أخرجه أحمد2/17، والبخاري 2/33،34، ومسلم 1/405 برقم (575) ، ولا يكبر في الرفع من السجود؛ لعدم ثبوت ذلك عنه صلى الله عليه وسلم، ولأن سجود التلاوة عبادة، والعبادات توقيفية، يقتصر فيها على ما ورد، والذي ورد التكبير في الخفض لسجود التلاوة لا للرفع منه، إلا إذا كان سجود التلاوة وهو في الصلاة فيكبر للخفض والرفع؛ لعموم الأحاديث الصحيحة الواردة في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه كان يكبر في كل خفض ورفع.
ثانيا: لا يتشهد عقب سجود التلاوة ولا يسلم منه، لعدم ثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه، وهو من العبادات، وهي توقيفية، فلا يعول فيه على القياس على التشهد والسلام في الصلاة.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 7/261(5/2240)
هل يجوز سجود التلاوة للحائض
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز سجود التلاوة للحائض وكذلك سجدة الشكر لها، وإذا كان غير جائز فهل يجوز عند سماع سجدة التلاوة أن تسبح الله فقط باللسان؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: في الحالات التي تباح فيها لها القراءة يشرع لها سجود التلاوة إذا مرت بسجدة تلاوة، أو استمعت لها، والصواب: أنه يجوز لها القراءة عن ظهر قلب، لا من المصحف، وعليه يشرع لها السجود، لأنه ليس صلاة وإنما هو خضوع لله وعبادة كأنواع الذكر.
ثانياً: الصحيح أن سجود الشكر وسجود التلاوة لتال أو مستمع لا تشترط لهما الطهارة؛ لأنهما ليسا في حكم الصلاة.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 7/262(5/2241)
سجود الشكر بعد الولادة بأربعين يوماً
[السُّؤَالُ]
ـ[أصبح عمر ابنتي 40 يوما وذهبت للمسجد لأسجد السجدة التقليدية التي نعملها في بلدنا باكستان ولكن رفض الإمام هذا وقال إن هذا السجود ليس له أصل في أي حديث وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعل هذا ولا يجب أن نكون أفضل منه.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا السجود كما قال إمام المسجد ليس له أصل، نعم سجود الشكر مشروع عند تجدد نعمة أو اندفاع نقمة، لكنه يفوت إذا مضى عليها مدة كهذه. انتهى جواب الشيخ عبد الكريم الخضير.
فلو كنت سجدت سجود الشكر لمّا ولدت ابنتك سالمة وسلمت الأم لقلنا لك هذا لا بأس به، وفعل مشروع أما توقيتها بأربعين في المسجد فهذه بدعة، وفقنا الله وإياك لكل خير.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/2242)
صفة سجدة الشكر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي صفة صلاة الشكر لله تعالى على عملٍ ما، أركانها وشروطها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سجدة الشكر مشروعة لما يسر، من جلب نفع ودفع ضر، وقد دلت على ذلك الأحاديث والآثار، فمن الأحاديث حديث أبي بكرة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاه أمر يسره وبشر به خر ساجدا شكرا لله تعالى) رواه الخمسة إلا النسائي، قال الترمذي: حسن غريب، ولفظ أحمد: أنه شهد النبي صلى الله عليه وسلم أتاه بشير يبشره بظفر جند له على عدوهم ورأسه في حجر عائشة، فقام فخر ساجداً. أخرجه أحمد 5/45، والحاكم 4/291.
ومنها: حديث عبد الرحمن بن عوف قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم فتوجه نحو صدقته فدخل واستقبل القبلة فخر ساجدا فأطال السجود ثم رفع رأسه وقال: (إن جبريل أتاني فبشرني، فقال: إن الله عز وجل يقول لك: من صلى عليك صليت عليه، ومن سلم عليك سلمت عليه، فسجدت لله شكرا) رواه أحمد، قال المنذري: وقد جاء حديث سجدة الشكر من حديث البراء بإسناد صحيح ومن حديث كعب بن مالك وغير ذلك. انتهى. وأما الآثار فمنها: أن أبا بكر رضي الله عنه سجد حين جاءه خبر قتل مسيلمة. رواه سعيد بن منصور في سننه، وسجد علي رضي الله عنه حين وجد ذا الثدية في الخوارج. رواه أحمد في المسند، وسجد كعب بن مالك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لما بشر بتوبة الله عليه. وقصته متفق عليها.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء7/266(5/2243)
سجد الإمام للتلاوة ولم يعلم المأموم فركع
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا سجد الإمام للتلاوة فظن المأموم أن الإمام ركع فركع فما الحكم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا سجد الإمام للتلاوة فظن المأموم أنه ركع ثم ركع بناء على أن الإمام قد ركع، فلا يخلو من حالين:
إحداهما: أن يعلم بأن الإمام ساجد وهو راكع، ففي هذه الحالة يجب عليه أن يسجد اتباعاً لإمامه.
الحال الثانية: أن لا يشعر أن الإمام ساجد إلا بعد أن يقوم من السجدة، وحينئذ نقول للمأموم الذي ركع: ارفع الآن وتابع الإمام واركع مع إمامك واستمر، وسجود التلاوة سقط عنك حينئذ، لأن سجود التلاوة ليس ركناً في الصلاة حتى يحتاج أن تأتي به بعد إمامك، وإنما يجب عليك متابعة للإمام. والمتابعة هنا قد فاتت، فهي سنة قد فات محلها، وتستمر في صلاتك" انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
"مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (14/24) .(5/2244)
سجد للتلاوة مع الإمام في آخر المسجد ثم تقدم إلى الصف ودخل في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[دخل رجل المسجد – وهو مسجد كبير – والإمام يقرأ حتى بلغ آية سجدة، فسجد الإمام، ورأى ذلك الرجل أنه إذا وصل إلى الصف لن يدرك هذه السجدة مع الإمام. فسجد وهو في آخر المسجد ثم رفع من السجود ووصل إلى الصف ودخل مع الإمام في الصلاة، فهل ما فعله ذلك الرجل صحيح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" لا يشرع له ذلك إلا إذا كان مستمعاً للقراءة، قاصداً للاستماع، فإنه يسجد معه ولو لم يكن مصلياً خلفه. أما وهو مأموم يريد الالتحاق بالإمام فلا وجه لعمله هذا " اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
فضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم الخضير.(5/2245)
هل يسجد للتلاوة إذا سمع آية السجدة مسجَّلَةً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[متى يجب أن يسجد المسلم؟ فماذا يجب علينا أن نفعل؟ وهل يجوز أن نستمع إلى القرآن عندما نود أن ننام؟ حيث أنام والقرآن مستمر تلاوته؟ .
إذا كنت أستمع إلى القرآن عن طريق الكومبيوتر وسمعت آية فيها سجدة، فماذا أفعل؟
وفي سورة مريم هناك آية تقول بأنه عندما نسمع آيات الله نخر سجدا وبكيا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
مواضع سجود التلاوة في القرآن الكريم خمسة عشر موضعاً، وقد سبق بيانها في جواب السؤال رقم (5126) .
ثانياً:
السجود في هذه المواضع مستحب للقارئ والمستمع، وليس واجباً، فيكبِّر إذا أراد أن يسجد ثم يقول في سجوده ما يقول في سجود الصلاة، ثم يرفع من غير تكبير، ولا يتشهد، ولا يسلم، وإذا كان سجود التلاوة في الصلاة فإنه يكبر كذلك عند الرفع منه. وانظر بيان ذلك في جواب السؤال رقم (22650) و (4890) .
ثالثاً:
لا حرج على المسلم في استماع القرآن إذا أراد أن ينام، بل استماع القرآن سبب لطمأنينة القلب، وانشراح الصدر، قال الله تعالى: (أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) الرعد/28.
رابعاً:
وأما سجود التلاوة إذا كنت تستمع آية فيها سجدة من الكمبيوتر أو جهاز التسجيل، فالذي يظهر أنه لا يشرع السجود لذلك. وقد نص العلماء المتقدمون على قريب من هذه المسألة. فمن ذلك: ما جاء في "الفتاوى الهندية" (1/133) وهو من كتب الأحناف:
" إن سمعها (يعني آية السجدة) من الصَّدَى (وهو ارتداد الصوت من مكان بعيد) لا تجب عليه " انتهى.
فمثله: إذا سمعها من جهاز تسجيل ونحوه.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله:
إن كان الإنسان يستمع إلى تلاوة القرآن الكريم بواسطة جهاز التسجيل، ومر القارئ بآية فيها سجدة تلاوة، فهل يسجد؟
فأجاب:
" لا يشرع للمستمع أن يسجد إلا إذا سجد القارئ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ عليه زيد بن ثابت رضي الله عنه سورة النجم ولم يسجد، فلم يسجد النبي صلى الله عليه وسلم، فدل ذلك على عدم وجوب سجود التلاوة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على زيد تركه، كما دل الحديث أيضا على أن المستمع لا يسجد إلا إذا سجد القارئ " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (11/415) ونحوه في "الشرح الممتع" (4/133) .
خامساً:
وأما قوله تعالى في سورة مريم: (إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا) ، فهو ثناء من الله تعالى على الأنبياء والمرسلين ومن هداهم الله واجتباهم أنهم لكمال خشيتهم من الله وخضوعهم له إذا قرئت عليهم آياته يخرون ساجدين باكين.
ولذلك استحب العلماء البكاء عند قراءة القرآن أو استماعه، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا قرأ هذه الآية قال: (هذا السجود، فأين البكى؟) يعاتب نفسه رضي الله عنه على عدم البكاء.
وقد وصف الله تعالى حال الذين أوتوا العلم إذا يتلى عليهم القرآن الكريم بقوله: (قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً * وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا) الإسراء/107-109.
نسأل الله أن يجعلنا ممن يخشونه حق خشيته ويتقونه حق تقاته.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2246)
مواضع سجود التلاوة في القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الآيات في القرآن التي ينبغي أن نسجد عندها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
مواضع السجود في القرآن خمسة عشر موضعاً فعن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأه خمس عشرة سجدة في القرآن منها ثلاث في المفصل وفي الحج سجدتان رواه أبو داود وابن ماجة والحاكم والدارقطني وحسنه المنذري والنووي وهي:
1- (إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون) (الأعراف/206) .
2- (ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً وظلالهم بالغدو والآصال) . (الرعد/15) .
3- (ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون) (النحل/49) .
4- (قل آمنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا) (الإسراء/107) .
5- (إذ تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجداً وبكياً) (مريم/58) .
6- (ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء) (الحج/18) .
7- (يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون) (الحج/77)
8- (وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزداهم نفوراً) . (الفرقان/60) .
9- (ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون) (النمل/25) .
10- (إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجداً وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون) (السجدة/15) .
11- (وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعاً وأناب) (ص/24) .
12- (ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون) (فصلت/37) .
13- (فاسجدوا لله واعبدوا) (النجم/63) .
14- (وإذا قرء عليهم القرآن لا يسجدون) (الانشقاق/21) .
15- (كلا لا تطعه واسجد واقترب) (العلق/19) .
فقه السنة 1/186-188
قال الألباني في تمام المنة 269 معلقا:
" كلا ليس بحسن، لأن فيه مجهولين، فقد قال الحافظ في التلخيص بعد أن نقل تحسين المنذري والنووي للحديث: وضعفه عبد الحق وابن القطان وفيه عبد الله بن منين وهو مجهول والراوي عنه الحارث بن سعيد العتقي وهو لا يعرف أيضاً وقال ابن ماكولا: ليس له غير هذا الحديث ".
ولذلك اختار الطحاوي أن ليس في الحج سجدة ثانية قرب آخرها وهو مذهب ابن حزم في المحلى قال:
" لأنه لم يصح فيها سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أجمع عليها وصح عن عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وأبي الدرداء السجود فيها "
ثم ذهب ابن حزم إلى مشروعية السجود في السجدات الأخرى المذكورة في الكتاب وذكر أن العشر الأولى متفق على مشروعية السجود فيها عند العلماء وكذلك حكى الاتفاق عليها الطحاوي في شرح المعاني (1/211) إلا أنه جعل سجدة (فصلت) بدل سجدة (ص) ثم أخرجا كلاهما بأسانيد صحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سجد في (ص) (والنجم) والانشقاق) و (اقرأ) وهذه الثلاث الأخيرة من المفصل التي أشير إليها في حديث عمرو المذكور آنفا.
وبالجملة فالحديث مع ضعف إسناده قد شهد له اتفاق الأمة على العمل بغالبه، ومجيء الأحاديث الصحيحة شاهدة لبقيته إلا سجدة الحج الثانية فلم يوجد ما يشهد لها من السنة والاتفاق، إلا أن عمل بعض الصحابة على السجود فيها قد يستأنس بذلك على مشروعيتها ولا سيما ولا يعرف لهم مخالف.
والخلاصة أنّ السجود للتلاوة في الخمسة عشر موضعا المذكورة والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/2247)
سجود التلاوة في أوقات النهي
[السُّؤَالُ]
ـ[عند طلوع الشمس وعند غروبها هل تمنع كل النوافل حتى ركعتي الاستغفار وركعتي الطواف وسجدة التلاوة؟ ما دليل ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: صلاة النافلة في وقت النهي تقدم الكلام عليها في الأسئلة (306) (8818) (20013)
ثانياً: سجود التلاوة ليس صلاة على الراجح من قولي أهل العلم وقد تقدم الكلام عليها في الأسئلة (4913) (22650) .
وبناءً عليه فإنه " يجوز سجود التلاوة في أوقات النهي عن الصلاة، على الصحيح من قولي العلماء؛ لأنه ليس له حكم الصلاة، ولو فرضنا أن له حكم الصلاة جاز فعله في وقت النهي؛ لأنه من ذوات الأسباب، كصلاة الكسوف وركعتي الطواف لمن طاف في وقت النهي ". فتاوى اللجنة الدائمة 7/264
ثالثاً / قولك " ركعتي الاستغفار " لعلك تقصد بها ركعتي التوبة، وهي مشروعة عند التوبة من الذنب فعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من رجل يذنب ذنباً ثم يقوم فيتطهر ثم يصلي ركعتين ثم يستغفر الله إلا غفر الله له) ثم قرأ هذه الآية: (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون) آل عمران /135. رواه الترمذي 408 وأبو داوود 1521 وابن ماجه 1395، وصححه الألباني في صحيح أبي داوود 1346
وركعتا التوبة صلاة ذات سبب، فيجوز أداءها في وقت النهي. والله أعلم
وقد ورد في روايات أخرى صحيحة صفات أخرى لركعتين تكفران الذنوب وهذا ملخصها:
- ما من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء (لأن الخطايا تخرج من الأعضاء المغسولة مع الماء أو مع آخر قطر الماء)
ومن إحسان الوضوء قول بسم الله قبله، والأذكار بعده وهي: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله – اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين – سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. وهذه أذكار ما بعد الوضوء لكل منها أجر عظيم.
- يقوم فيصلي ركعتين.
- لا يسهو فيهما.
- لا يحدث فيهما نفسه.
- يحسن فيهن الذكر والخشوع.
- ثم استغفر الله.
والنتيجة:
غفر له ما تقدم من ذنبه.
إلا وجبت له الجنة. صحيح الترغيب 1/ 210-211.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2248)
ما يقال في سجود السهو والتلاوة
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا يقول المصلي عندما يسجد للسهو في صلاته؟ وماذا يقول المصلي عندما يسجد لسجدة القرآن الكريم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يقول الساجد في سجود السهو والتلاوة مثل ما يقول في سجوده في صلاته: " سبحان ربي الأعلى " والواجب في ذلك مرة واحدة، وأدنى الكمال ثلاث مرات، ويستحب الدعاء في السجود بما يسر الله من الأدعية الشرعية المهمة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم»
فقمن أي: جدير
وقوله صلى الله عليه وسلم: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء» رواهما مسلم في صحيحه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي» متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها، وكان صلى الله عليه وسلم يقول أيضا في الركوع والسجود: «سبوح قدوس رب الملائكة والروح» أخرجه مسلم في صحيحه.
وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 6/443(5/2249)
هل سجود التلاوة سجدة أو سجدتين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل سجود التلاوة سجدة أو سجدتين؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سجود التلاوة سجدة واحدة يسجدها المسلم إذا قرأ آية من آيات السجدة، وهي معروفة في المصحف.
وقد " اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ سُجُودَ التِّلاوَةِ يَحْصُلُ بِسَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ " اهـ
الموسوعة الفقهية (24/221) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2250)
حكم الاستعاذة من عذاب جهنم وعذاب القبر قبل التسليم من الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والاستعاذة من عذاب القبر، وعذاب جهنم، وفتنة المحيا والممات، وفتنة المسيح الدجال واجبة في هذا التشهد أم سنَّة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
روى مسلم (588) عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ، يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ) .
وفي رواية عند مسلم (590) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُعَلِّمُهُمْ هَذَا الدُّعَاءَ كَمَا يُعَلِّمُهُمُ السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ يَقُولُ: (قُولُوا: اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ) .
قَالَ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ: بَلَغَنِي أَنَّ طَاوُسًا قَالَ لاِبْنِهِ: أَدَعَوْتَ بِهَا فِي صَلاَتِكَ؟ فَقَالَ: لاَ، قَالَ: " أَعِدْ صَلاَتَكَ "؛ لأَنَّ طَاوُسًا رَوَاهُ عَنْ ثَلاَثَةٍ، أَوْ أَرْبَعَةٍ، أَوْ كَمَا قَالَ.
انتهى
وقد اختلف العلماء في حكم هذه الاستعاذة، فذهب جمهورهم إلى استحبابها، وذهبت طائفة منهم إلى وجوبها.
قال النووي – رحمه الله -:
وإن طاوسا رحمه الله تعالى أمر ابنه حين لم يدع بهذا الدعاء فيها بإعادة الصلاة، هذا كله يدل على تأكيد هذا الدعاء، والتعوذ، والحث الشديد عليه , وظاهر كلام طاوس رحمه الله تعالى أنه حمل الأمر به على الوجوب، فأوجب إعادة الصلاة لفواته , وجمهور العلماء على أنه مستحب، ليس بواجب.
" شرح النووي " (5 / 89) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
بل قد ذهب طائفة من السلف، والخلف، إلى أن الدعاء في آخرها واجب، وأوجبوا الدعاء الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم آخر الصلاة بقوله: (إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع: من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال) رواه مسلم، وغيره، وكان طاووس يأمر من لم يدع به أن يعيد الصلاة، وهو قول بعض أصحاب أحمد.
" مجموع الفتاوى " (22 / 518) .
وقال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -:
وفي التعوّذ من هذه الأربع قولان:
القول الأول: أنه واجب، وهو رواية عن الإمام أحمد؛ لما يلي:
1. لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بها.
2. ولشدَّة خطرها، وعِظَمها.
والقول الثاني: أنه سُنَّة، وبه قال جمهور العلماء.
ولا شَكَّ أنه لا ينبغي الإخلالُ بها، فإن أخلَّ بها: فهو على خَطَرٍ من أمرين:
1. الإثم.
2. ألا تصح صلاته، ولهذا كان بعضُ السَّلف يأمر مَنْ لم يتعوَّذ منها بإعادة الصَّلاة.
" الشرح الممتع " (3 / 199، 200) .
والأرجح هو قول الجمهور، ويُحمل فعل طاوس رحمه الله – إن صح عنه – على توكيد هذا الاستحباب؛ حيث إن أمره بالإعادة كان لابنه في سياق تعليمه، لا لعامة المصلين، وهو احتمال ذكره أبو العباس القرطبي، وارتضاه جمع من الأئمة، حيث قال:
" ويحتمل: أن يكون ذلك إنما أمره بالإعادة تغليظًا عليه؛ لئلا يتهاون بتلك الدعوات، فيتركها، فيُحْرَم فائدتها، وثوابها.
انتهى من " المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم " (2 / 209) .
ثم إن الأصل في الأدعية في الصلاة وغيرها: أنها للاستحباب، والإرشاد، إلا أن تدل قرينة قوية على الوجوب.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2251)
المسبوق إذا أدرك التشهد الأول هل يرفع يديه إذا قام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[دخلت الصلاة على التشهد الأول مع الإمام، هل أرفع يدي للتكبير عند القيام من التشهد الأول؟ وسوف أجلس مع الإمام التشهد الأخير ويعتبر لي التشهد الأول، هل أرفع يدي مرة أخرى؟ مع العلم الصلاة رباعية. ولو أدركت ركعة واحدة فقط وجلست مع الإمام التشهد الأخير هل إذا قمت أرفع يدي أو أنتظر أن آتي بالتشهد الأول؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ثبت رفع اليدين في الصلاة في أربعة مواضع: عند تكبيرة الإحرام، وعند الركوع والرفع منه، وبعد القيام من الركعة الثانية.
وقد روى البخاري (739) عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما (كَانَ إِذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا رَكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَرَفَعَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) .
ثانياً:
ما يدركه المسبوق مع الإمام هو أول صلاته على الراجح؛ وهو مذهب الشافعي رحمه الله؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا سَمِعْتُمْ الإِقَامَةَ فَامْشُوا إِلَى الصَّلاةِ وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ وَلا تُسْرِعُوا، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا) البخاري (636) ومسلم (602) . ومعنى "أتموا": أكملوا.
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (4/118) : "قد ذكرنا أن مذهبنا أن ما أدركه المسبوق أول صلاته، وما يتداركه آخرها، وبه قال سعيد بن المسيب والحسن البصري وعطاء وعمر بن عبد العزيز ومكحول والزهري والأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز وإسحاق , حكاه عنهم ابن المنذر قال: وبه أقول , قال: وروي عن عمر وعلي وأبي الدرداء ولا يثبت عنهم , وهو رواية عن مالك وبه قال داود.
وقال أبو حنيفة ومالك والثوري وأحمد: ما أدركه آخر صلاته، وما يتداركه أول صلاته. وحكاه ابن المنذر عن ابن عمر ومجاهد وابن سيرين , واحتج لهم بقوله صلى الله عليه وسلم: (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا) رواه البخاري ومسلم.
واحتج أصحابنا بقوله صلى الله عليه وسلم: (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) رواه
البخاري ومسلم من طرق كثيرة.
قال البيهقي: الذين رووا "فأتموا" أكثر وأحفظ وألزم لأبي هريرة الذي هو راوي الحديث , فهم أولى.
قال الشيخ أبو حامد والماوردي: وإتمام الشيء لا يكون إلا بعد تقدم أوله وبقية آخره , وروى البيهقي مثل مذهبنا عن عمر بن الخطاب وعلي وأبي الدرداء وابن المسيب وحسن وعطاء وابن سيرين وأبي قلابة رضي الله عنهم.
فأما رواية فاقضوا فجوابها من وجهين:
أحدهما: أن رواة (فأتموا) أكثر وأحفظ.
والثاني: أن القضاء محمول على الفعل لا القضاء المعروف في الاصطلاح ; لأن هذا اصطلاح متأخري الفقهاء , والعرب تطلق القضاء بمعنى الفعل , قال الله تعالى: (فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ) (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ) .
قال الشيخ أبو حامد: والمراد: وما فاتكم من صلاتكم أنتم لا من صلاة الإمام، والذي فات المأموم من صلاة نفسه إنما هو آخرها , والله أعلم " انتهى.
وعلى هذا؛ فلو أدركت التشهد الأول مع الإمام في الصلاة الرباعية، فإن الركعة الثالثة للإمام تكون هي الأولى بالنسبة لك، وإذا سلم الإمام قمت لإتمام صلاتك، وتكون الركعة التي قمت إليها هي الركعة الثالثة.
وإذا أدركت الركعة الأخيرة مع الإمام، فإنه إذا سلم قمت للركعة الثانية.
وفي كل هذه المواضع، هل ستحب لك رفع اليدين أم لا؟
أما قيامك بعد سلام الإمام إلى الركعة الثالثة لإتمام صلاتك، فلا إشكال هنا في رفع اليدين، لأن هذا من مواضع رفع اليدين، كما سبق في حديث ابن عمر.
وأما ما عدا ذلك، فقد اختلف العلماء في استحباب رفع اليدين، بناءً على اختلافهم في علة رفع اليدين إذا قام من التشهد الأول إلى الركعة الثالثة.
فذهب بعض العلماء إلى أن العلة هي القيام إلى الركعة الثالثة، فقال هؤلاء في المسبوق: لا يرفع يديه إلا إذا قام إلى الركعة الثالثة.
وذهب آخرون إلى أن العلة هي القيام من التشهد، فقال هؤلاء في المسبوق: متى قام من التشهد فإنه يرفع يديه، ولو لم يكن قائماً إلى الركعة الثالثة، وقد اختار هذا القول الأخير الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
وانظر جواب السؤال رقم (21506) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(5/2252)
حكم انصراف المأموم فور سلام الإمام
[السُّؤَالُ]
ـ[عند الانتهاء من صلاة الجماعة وتسليم من الصلاة متى يستطيع المأموم التحرك..هل يستطيع قبل أن يلتفت الإمام ويسبقه بالحركة أم يجب عليه الانتظار ولا يسابقه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا سلم الإمام جاز للمأموم الانصراف سواء التفت الإمام إلى المأمومين أو بقي مكانه، أو قام من موضعه، والأولى للمأموم أن يبقى حتى يلتفت الإمام ويستقبل المأمومين، لاحتمال أن يكون الإمام جالساً ليسجد سجدتي السهو بعد التسليم من الصلاة، والأفضل من هذا: أن يكون قيامه بعد قيام الإمام.
ويدل على جواز الانصراف بمجرد السلام: ما رواه البخاري (875) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَلَّمَ قَامَ النِّسَاءُ حِينَ يَقْضِي تَسْلِيمَهُ وَيَمْكُثُ هُوَ فِي مَقَامِهِ يَسِيرًا قَبْلَ أَنْ يَقُومَ. قَالَ أحد رواة الحديث: نَرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِكَيْ يَنْصَرِفَ النِّسَاءُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُنَّ أَحَدٌ مِنْ الرِّجَالِ.
وأما ما رواه مسلم (426) عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ: (أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي إِمَامُكُمْ، فَلَا تَسْبِقُونِي بِالرُّكُوعِ، وَلَا بِالسُّجُودِ، وَلَا بِالْقِيَامِ، وَلَا بِالِانْصِرَافِ، فَإِنِّي أَرَاكُمْ أَمَامِي وَمِنْ خَلْفِي) .
فالمراد بالانصراف هنا: السلام.
قال النووي رحمه الله: " قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تَسْبِقُونِي بِالرُّكُوعِ، وَلَا بِالْقِيَامِ، وَلَا بِالِانْصِرَافِ) فِيهِ تَحْرِيم هَذِهِ الْأُمُور وَمَا فِي مَعْنَاهَا , وَالْمُرَاد بِالِانْصِرَافِ: السَّلَام " انتهى.
وقال الإمام الشافعي رحمه الله في "الأم" (1/151) : " وللمأموم أن ينصرف إذا قضى الإمام السلام قبل قيام الإمام، وأن يؤخر ذلك حتى ينصرف بعد انصراف الإمام، أو معه أحب إلي له " انتهى.
وقال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/328) : " ويستحب للمأمومين أن لا يثبوا قبل الإمام , لئلا يذكر سهوا فيسجد " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2253)
شك في قوله ربنا ولك الحمد بعد أن كبر الإمام للسجود
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أصلي مع الأمام وأنا في صلاتي قال الإمام - سمع الله لمن حمده - وبعد أن كبر للسجود. شكيت هل قلت: ربنا ولك الحمد، أم لم أقل؟ فهل صلاتي صحيحة أم علي إعادة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
التسميع (وهو قول " سمع الله لمن حمده ") عند الرفع من الركوع، والتحميد عند الاستواء قائما (وهو قول " ربنا لك الحمد ") سنة مستحبة عند جمهور أهل العلم، وذهب الحنابلة إلى وجوبهما، وهو الصحيح.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (3/433) :
"والدليل على ذلك (يعني: الوجوب) ما يلي:
أولا: أن الرسول صلى الله عليه وسلم واظب على ذلك، فلم يدع قول (سمع الله لمن حمده) في حال من الأحوال.
ثانيا: أنه شعار الانتقال من الركوع إلى القيام.
ثالثا: قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا قال سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد) " انتهى.
وينظر جواب السؤال رقم (102700) .
ثانيا:
من شك في ترك واجب من واجبات الصلاة أثناء الصلاة، فهو كتاركه، فإن كان لا يزال في موضعه أتى به، ولا شيء عليه، وإن فارق موضعه فقد تعذر الإتيان به، وعليه سجود السهو.
وعلي هذا؛ فإن حصل الشك منك أثناء الاعتدال بعد الركوع فكان الواجب عليك أن تأتي بهذا القول، لأنك لا تزال في موضعه.
وإن حصل الشك بعد أن سجدت فقد فات موضع التحميد، وحينئذ تكون كالتارك له سهواً.
فإن كنت أدركت الركعة الأولى مع الإمام فإنك تسلم مع الإمام ويسقط عنك سجود السهو في هذه الحالة.
وإن كنت جئت متأخراً ركعة أو أكثر فعليك سجود السهو قبل التسليم بعد ما تتم صلاتك.
فإن تركت سجود السهو في هذه الحالة لعدم علمك بوجوبه فصلاتك صحيحة ولا شيء عليك.
والحاصل: أن صلاتك صحيحة، ولا إعادة عليك، أما سجود السهو فعلى حسب التفصيل السابق.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2254)
حديث مبادرة الملائكة لكتابة الذكر عند الاعتدال من الركوع حديث صحيح
[السُّؤَالُ]
ـ[انتشر في المنتديات حديث للرسول صلى الله عليه وسلم، أنه صلى الله عليه وسلم سمع عند اعتداله من الركوع رجلا يقول: ربنا ولك الحمد والشكر حمداً كثيرا طيباً مباركاً فيه ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد. فقال صلى الله عليه وسلم: رأيت ثلاثين ملكا يجرون كل واحد منهم يريد كتابتها له قبل الآخر. هل هذا الحديث صحيح عن الرسول عليه الصلاة والسلام؟ جزاكم الله عنا خير الجزاء.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضيلة هذا الذكر بعد الاعتدال من الركوع حديث عظيم، وهو ما جاء عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِىِّ قَالَ:
(كُنَّا يَوْمًا نُصَلِّي وَرَاءَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. قَالَ رَجُلٌ وَرَاءَهُ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ. فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: مَنِ الْمُتَكَلِّمُ؟ قَالَ: أَنَا. قَالَ: رَأَيْتُ بِضْعَةً وَثَلاَثِينَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا، أَيُّهُمْ يَكْتُبُهَا أَوَّلُُ)
رواه البخاري (799) .
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله:
" قوله: (أول) روي على وجهين: بضم اللام وفتحها. فالضم على أنه صفة لأي.
و (البِضع) : ما بين الثلاث إلى التسع، في الأشهر، وقال أبو عبيدة: ما بين الثلاث إلى الخمس. وقيل غير ذلك ...
وقد دل الحديث على فضل هذا الذكر في الصلاة، وأن المأموم يشرع له الزيادة على التحميد بالثناء على الله عز وجل، كما هو قول الشافعي وأحمد - في رواية -.
وأن مثل هذا الذكر حسنٌ في الاعتدال من الركوع في الصلوات المفروضات؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم إنما كانوا يصلون وراء النبي صلى الله عليه وسلم الصلوات المفروضة غالباً، وإنما كانوا يصلون وراءه التطوع قليلا.
وفيه - أيضاً -: دليل على أن جهر المأموم أحيانا وراء الإمام بشيء من الذكر غير مكروه، كما أن جهر الإمام أحياناً ببعض القراءة في صلاة النهار غير مكروه " انتهى.
" فتح الباري " لابن رجب (5/80-81)
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" قوله: (مباركا فيه) زاد رفاعة بن يحيى: (مباركا عليه كما يحب ربنا ويرضى) ، فأما قوله: (مباركا عليه) فيحتمل أن يكون تأكيدا، وهو الظاهر، وقيل الأول بمعنى الزيادة والثاني بمعنى البقاء ...
وأما قوله: (كما يحب ربنا ويرضى) ففيه من حسن التفويض إلى الله تعالى ما هو الغاية في القصد.
والظاهر أن هؤلاء الملائكة غير الحفظة، ويؤيده ما في الصحيحين عن أبي هريرة مرفوعا: (إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر) الحديث.
واستدل به على أن بعض الطاعات قد يكتبها غير الحفظة، والحكمة في سؤاله صلى الله عليه وسلم له عمن قال، أن يتعلم السامعون كلامه فيقولوا مثله. " انتهى.
" فتح الباري " (2/286-287))
ثانيا:
أما لفظ (ربنا لك الحمد والشكر) فلم يثبت في أي من روايات الحديث السابقة، وإن كانت زيادتها من غير اعتيادها مع عدم نسبتها للشرع جائزة، ولكن الأولى الاقتصار على الوارد.
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله السؤال الآتي:
" رجل عندما يرفع من الركوع يقول: ربنا ولك الحمد والشكر، وهل كلمة الشكر صحيحة؟ فأجاب:
لم تَرِد، لكن لا يضر قولها: الحمد والشكر لله وحده سبحانه وتعالى، ولكن هو من باب عطف المعنى، وإن الحمد معناه الشكر والثناء، فالأفضل أن يقول ربنا ولك الحمد، ويكفي ولا يزيد والشكر، ويقول: ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، ملء السماوات والأرض، وملء ما شئت من شيء بعد، وإن زاد الشكر لا يضره، ويعلم أنه غير مشروع " انتهى.
" مجموع فتاوى ابن باز " (29/286)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2255)
صفة وضع اليدين عند الجلوس بين السجدتين
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو من فضيلتكم التكرم بالإجابة على سؤالي فيما يخص تحريك السبابة بين السجدتين حال الدعاء: هل سبق أحد الشيخ ابن عثيمين بهذا القول؟ وما هو الراجح في المسألة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سبق بيان رأي الشيخ رحمه الله في هذه المسألة، ونقلنا ذلك عن ابن القيم رحمه الله أيضا، في جواب السؤال رقم (107626) .
وللشيخ رحمه الله رسالة في هذه المسألة، نضعها هنا للفائدة:
" بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد الصالح العثيمين إلى أخيه الشيخ المكرم الفاضل:.... حفظه الله تعالى.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد: فإليكم إيضاح ما حصل فيه الإشكال في كيفية وضع اليد اليمنى بين السجدتين، فقد دلت السنة على أن وضعها بين السجدتين كوضعها في التشهدين، وأن المصلي يرفع أصبعه يدعو بها، ففي صحيح مسلم (1/408-409) عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: (كان [يعني النبي صلى الله عليه وسلم] إذا جلس في الصلاة وضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى، وقبض أصابعه كلها وأشار بأصبعه التي تلي الإبهام، ووضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى) . وفي رواية له: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس في الصلاة وضع يديه على ركبتيه، ورفع إصبعه اليمنى التي تلي الإبهام فدعا بها، ويده اليسرى على ركبته اليسرى باسطها عليها) ، فقوله: (إذا قعد في الصلاة) عام أو مطلق يتناول كل قعود حتى ما بين السجدتين، ويدل على ذلك ما رواه الإمام أحمد في المسند 4/317 من حديث وائل بن حجر رضي الله عنه قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم كَبَّر فرفع يديه حين كبر - فذكر الحديث وفيه - فسجد فوضع يديه حذو أذنيه، ثم جلس فافترش رجله اليسرى، ثم وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى ووضع ذراعه اليمنى على فخذه اليمنى، ثم أشار بسبابته ووضع الإبهام على الوسطى، وقبض سائر أصابعه، ثم سجد فكانت يداه حذو أذنيه) وفي رواية: (عقد ثلاثين وحلق واحدة، وأشار بإصبعه السبابة) . قال في "الفتح الرباني" 3/147: وسنده جيد. وقال الأرنؤوطان في التعليق على زاد المعاد 1/238: وسنده صحيح. وقد رواه بنحوه أبو داود 1/219 والنسائي 3/30. وأما ما ورد في بعض ألفاظ حديث ابن عمر في صحيح مسلم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قعد في التشهد وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى، ووضع يده اليمنى على ركبته اليمنى، وعقد ثلاثاً وخمسين وأشار بالسبابة) فإن ذلك لا يقتضي تقييد المطلق؛ لأن ذكر بعض أفراد المطلق بحكم يوافق حكم المطلق غير مقتض للتقييد عند جمهور الأصوليين وهو الحق.
وأما ما ادعاه بعضهم من أن حديث وائل بن حجر شاذ، فغير صحيح؛ لأن الشاذ عند أهل العلم بالحديث ما خالف فيه الثقة من هو أرجح منه، وأين المخالفة في حديث وائل؟! فإنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يبسط يده اليمنى على فخذه اليمنى بين السجدتين، فيكون مؤيداً لحديث وائل وشاهداً له.
ولهذا ذهب ابن القيم رحمه الله إلى أن ما بين السجدتين كالتشهدين في وضع اليد اليمنى. (زاد المعاد 1/238- تحقيق الأرنؤوطين) .
وفي قول ابن عمر رضي الله عنهما: (ورفع إصبعه اليمنى التي تلي الإبهام فدعا بها) دليل على أن السبابة ترفع عند الدعاء، وهو يؤيد حديث وائل بن حجر في المسند 4/318 (فرأيته يحركها يدعو بها) . وعلى هذا يشرع تحريكها عند كل جملة دعائية إشارةً على علو من يدعوه وهو الله تعالى، وهذا التحريك أمر زائد على مطلق الإشارة التي جاءت في حديث ابن عمر رضي الله عنهما، فإن هذه الإشارة تكون في جميع الجلوس لا حال الدعاء فقط، فيرفعها كأنه يشير إلى شيء، لكن تكون محنية شيئاً يسيراً كما في سنن النسائي 3/32.
هذا وأرجو أن يكون فيما كتبته إيضاح للإشكال. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. حرر في 2/8/1411هـ " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (13/195) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2256)
دعاء الاستفتاح يسن في كل صلاة إلا الجنازة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجب قراءة دعاء الاستفتاح في كل صلاة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"دعاء الاستفتاح بقوله: "سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدّك، ولا إله غيرك". وهو غير واجب، لكنه سنة مؤكدة بعد تكبيرة الإحرام وقبل القراءة، ولا يشرع في صلاة الجنائز وحدها. وإنما يُسن في بقية الصلوات التي فيها ركوع وسجود كالفرائض والسنن الراتبة والوتر وصلاة الجمعة والعيدين والاستسقاء والكسوف والتراويح ونحوها. وقد ورد الاستفتاح بغير هذا المذكور، فمن استفتح بشيء من الأدعية والأذكار الواردة فلا بأس بذلك" انتهى.
فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن جبرين حفظه الله.
"فتاوى إسلامية" (1/302) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2257)
صفة رفع اليدين عند التكبير في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[أشاهد بعض المصلين عندما يرفع من الركوع يرفع يديه كأنه يدعو أي أن باطنيهما جهة وجهه فهل فعلهم هذا موافق للسنة؟ وإذا كان غير ذلك فما هي الهيئة الصحيحة لرفع بعد الركوع وغيره؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"السنة للمصلي أن يرفع يديه حذاء منكبيه، أو حذاء أذنيه عند تكبيرة الإحرام، وعند الركوع والرفع منه، وعند القيام من التشهد الأول إلى الثالثة، موجها بطونهما إلى القبلة. هذا هو السنة، وهو الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم. والله الموفق" انتهى.
مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (11/155) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2258)
حكم الصلاة في النظارات الطبية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الصلاة في النظارات الطبية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" يجوز للإنسان أن يصلي بالنظارات الطبية، إلا إذا كان استعمالها يمنع من تمكين المصلي جبهته أو أنفه من الأرض فلا يجوز.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (6/175) .
وللفائدة ينظر جواب السؤال رقم (98466) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2259)
حكم سجود من صلى جالساً على وسادة ونحوها
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة تعاني من ألم في المفاصل، وتصلي وهي جالسة، هل يجب عليها عند السجود أن تضع شيئاً تسجد عليه مثل وسادة أو غيرها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين: (صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب) .
فإذا كانت هذه المرأة لا تستطيع القيام، قلنا لها: صلي جالسة، وتكون في حال القيام متربعة، كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم تومئ بالركوع وهي متربعة، ثم إن استطاعت السجود سجدت وإلا أومأت برأسها أكثر من إيماء الركوع.
وليس في السنة أن تضع وسادة أو شيئاً تسجد عليه، بل هذا إلى الكراهة أقرب؛ لأنه من التنطع والتشدد في دين الله، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون) " انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (13/135) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2260)
هل يشرع تكرار الفاتحة إذا قرأها الإنسان دون خشوع في الصلاة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك أخت تقرأ الفاتحة في صلاتها ثم تشرع في قراءة ما تيسر من القرآن وأحيانا، إن ذكرت أنها لم تخشع مع قراءة الفاتحة، رجعت وقرأت بأم الكتاب مرة ثانية ثم قرأت بما تيسر من القرآن وأتمت صلاتها فهل هذا يجوز؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يشرع تكرار قراءة الفاتحة في الركعة، وهذه الأخت إذا فاتها الخشوع أثناء قراءة الفاتحة، ثم انتبهت وتذكرت، فإنها تخشع فيما بقي من صلاتها، وإذا فعلت ذلك فيوشك أن تعتاد الانتباه وتلازم الخشوع إن شاء الله.
وأما تكرار الفاتحة لهذا الغرض، فيخشى أن يؤدي إلى الوسوسة، فلا تصلي صلاة، حتى تكرر الفاتحة فيها عدة مرات، والوسوسة داء وشر ينبغي الحذر منه.
قال في "الإنصاف" (2/99) : " ويكره تكرار الفاتحة. هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب، وقطع به كثير منهم. وقيل: تبطل ". انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " قوله: «وتكرار الفاتحة» أي: ويُكره تكرار الفاتحة مرَّتين، أو أكثر.
وتعليل ذلك: أنه لم يُنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم. والمُكرِّرُ للفاتحة على وجه التعبُّد بالتكرار لا شَكَّ أنه قد أتى مكروهاً؛ لأنه لو كان هذا مِن الخير لفَعَلَهُ النبي صلى الله عليه وسلم، لكن إذا كرَّر الفاتحةَ لا على سبيل التعبُّد، بل لفوات وصف مستحبّ؟ فالظَّاهرُ الجواز، مثل: أن يكرِّرها لأنه نسيَ فقرأها سِرًّا في حال يُشرع فيها الجهرُ، كما يقعُ لبعض الأئمة ينسى فيقرأ الفاتحةَ سِرًّا، فهنا نقول: لا بأس أن يُعيدها من الأول استدراكاً لما فات من مشروعية الجهر، وكذلك لو قرأها في غير استحضار، وأراد أن يكرِّرها ليحضر قلبه في القراءة التالية؛ فإن هذا تكرار لشيء مقصود شرعاً، وهو حضور القلب، لكن إن خشيَ أن ينفتح عليه باب الوسواس فلا يفعل، لأن البعض إذا انفتحَ له هذا البابُ انفتح له باب الوسواس الكثير، وصار إذا قرأها وقد غَفَلَ في آية واحدة منها رَدَّها، وإذا رَدَّها وغَفَلَ رَدَّها ثانية وثالثة ورابعة، حتى ربما إذا شدَّد على نفسه شَدَّد الله عليه، وربَّما غَفَلَ في أول مرَّة عن آية، ثم في الثانية يغفُلُ عن آيتين، أو ثلاث " انتهى من "الشرح الممتع" (3/331) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2261)
إذا أسر بتكبيرة الإحرام في الصلاة الجهرية
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كبرت تكبيرة الإحرام سراً في الصلاة الجهرية هل صلاتي صحيحة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يسن الجهر بالتكبير وبالقراءة في الصلاة الجهرية، ولا يجب، فمن أسر بهما فلا شيء عليه، وصلاته صحيحة.
لكن يلزم تحريك اللسان وإخراج الحروف، ولا يكفي النطق بدون ذلك، لا في الصلاة الجهرية ولا في الصلاة السرية.
واشترط بعض الفقهاء أن يسمع صوت نفسه، والراجح أنه يكفي تحريك اللسان وإخراج الحروف.
وتفصيل القول في ذلك كما يلي:
1- ذهب جمهور أهل العلم من الشافعية والحنابلة والحنفية في أصح القولين إلى أنه يجب أن يتلفظ المصلي بالتكبير بحيث يسمع صوت نفسه، ولا يجزئه أن يحرك لسانه من غير صوت، وهكذا في كل ذكر قولي، لا يعتد به إذا كان بدون صوت.
2- وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يجزئ أن يحرك لسانه ويخرج الحروف دون صوت، وهو مذهب المالكية، والحنفية في قولهم الآخر، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/276) : "يجب على المصلي أن يسمعه نفسه [يعني: التكبير] إماماً كان أو غيره , إلا أن يكون به عارض من طرش , أو ما يمنعه السماع , فيأتي به بحيث لو كان سميعا أو لا عارض به سمِعَه , ولأنه ذكر محله اللسان , ولا يكون كلاما بدون الصوت , والصوت ما يتأتى سماعه , وأقرب السامعين إليه نفسه , فمتى لم يسمعه لم يعلم أنه أتى بالقول , ولا فرق بين الرجل والمرأة فيما ذكرناه" انتهى.
وقال النووي رحمه الله في "المجموع" (3/256) : "وأدنى الإسرار أن يسمع نفسه إذا كان صحيح السمع ولا عارض عنده من لغط وغيره. وهذا عام في القراءة والتكبير والتسبيح في الركوع وغيره , والتشهد والسلام والدعاء , سواء واجبها ونفلها لا يحسب شيء منها حتى يسمع نفسه إذا كان صحيح السمع ولا عارض" انتهى.
وينظر: "تبيين الحقائق" (1/127) ، "البحر الرائق" (1/356) .
وقال خليل رحمه الله في مختصره: "وفاتحة بحركة لسان على إمام وفذ , وإن لم يسمع نفسه" انتهى.
وقال الحطاب رحمه الله: "قال ابن ناجي في شرح الرسالة: اعلم أن أدنى السر أن يحرك لسانه بالقراءة، وأعلاه أن يسمع نفسه فقط، وأدنى الجهر أن يسمع نفسه ومن يليه، وأعلاه لا حد له. انتهى. زاد في شرح المدونة فمن قرأ في قلبه في الصلاة فكالعدم، ولذلك يجوز للجنب أن يقرأ في قلبه. وقال ابن عرفة: وسمع سحنون ابن القاسم: تحريك لسان المسرّ فقط يجزئه وأحبُّ إسماع نفسه" انتهى من "مواهب الجليل" (1/525) .
وقال المرادوي رحمه الله في "الإنصاف" (2/44) : "قوله (وبالقراءة بقدر ما يسمع نفسه) يعني أنه يجب على المصلي أن يجهر بالقراءة في صلاة السر وفي التكبير وما في معناه بقدر ما يسمع نفسه , وهذا المذهب , وعليه الأصحاب. وقطع به أكثرهم. واختار الشيخ تقي الدين (ابن تيمية) الاكتفاء بالإتيان بالحروف , وإن لم يسمعها , وذكره وجها في المذهب. قلت: والنفس تميل إليه" انتهى.
ورجح الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ما ذهب إليه المالكية وشيخ الإسلام، قال رحمه الله: " وقوله: «ويقول» إذا قلنا: إن القول يكون باللسان؛ فهل يُشترط إسماع نفسه لهذا القول؟
في هذا خِلافٌ بين العلماء، فمنهم مَن قال: لا بُدَّ أن يكون له صوتٌ يُسمعَ به نفسَه. وهو المذهب، وإن لم يسمعه مَنْ بجنبه، بل لا بُدَّ أنْ يُسمع نفسَه، فإنْ نَطَقَ بدون أن يُسمعَ نفسَه فلا عِبْرَة بهذا النُّطقِ، ولكن هذا القول ضعيف. والصَّحيحُ: أنه لا يُشترط أن يُسمِعَ نفسَه؛ لأن الإسماعَ أمرٌ زائدٌ على القول والنُّطقِ، وما كان زائداً على ما جاءت به السُّنَّةُ فعلى المُدَّعي الدليلُ. وعلى هذا: فلو تأكَّدَ الإنسان من خروج الحروف مِن مخارجها، ولم يُسمعْ نفسَه، سواء كان ذلك لضعف سمعه، أم لأصوات حولَه، أم لغير ذلك؛ فالرَّاجحُ أنَّ جميعَ أقواله معتبرة، وأنه لا يُشترط أكثر مما دلَّت النُّصوصُ على اشتراطِه وهو القول " انتهى من "الشرح الممتع" (3/25) .
وانظر: جواب السؤال رقم (70577) .
وعليه؛ فإذا كنت تحرك لسانك وشفتيك بالتكبير، فهذا كافٍ، والأولى أن يكون ذلك بصوت تسمعه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2262)
الجهر بالتأمين في قنوت النوازل
[السُّؤَالُ]
ـ[عند حدوث النوازل يقوم الإمام بدعاء القنوت، هل يجب على المأمومين أن يأمنوا بصوت مرتفع أم يكفي التأمين بالسر؟ وهل يجوز للإمام تأنيب المصلين لعدم رفع صوتهم بالتأمين خلفه؟ أريد الدليل إذا كان التأمين بصوت مرتفع واجباً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
أولاً:
اختلف الفقهاء في صفة تأمين المأموم على قنوت النوازل:
فذهب الحنفية إلى أنه لا تأمين في قنوت النوازل؛ لأن قنوتها يكون سرا إلا إذا جهر الإمام بالقنوت.
وذهب الشافعية والحنابلة إلى الجهر بالتأمين في قنوت النازلة.
وأما المالكية فلا يشرع عندهم قنوت النوازل أصلا، والتأمين تابع للقنوت، فإذا سقط المتبوع علم سقوط التابع.
وينظر: "الموسوعة الفقهية" (1/116) .
قال في "مغني المحتاج" (1/361) : " فائدة: يجهر المأموم خلف الإمام في خمسة مواضع: أربعة مواضع تأمين: يؤمن مع تأمين الإمام (يعني: بعد قراءة الفاتحة) , وفي دعائه في قنوت الصبح , وفي قنوت الوتر في النصف الثاني من رمضان , وفي قنوت النازلة في الصلوات الخمس , وإذا فتح عليه (يعني: إذا أخطأ الإمام في قراءة القرآن وصحح له المأموم) " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وإذا قلنا بالقُنُوت في الصَّلوات الخمس، فإنْ كان في الجهرية فَمِنَ المعلوم أنَّه يجهرُ به، وإنْ كان في السِّريَّة فإنه يجهر به أيضاً؛ كما ثبتت به السُّنَّةُ: أنه كان يقنتُ ويؤمِّنُ النَّاسُ وراءَه. ولا يمكن أن يؤمِّنُوا إلا إذا كان يجهرُ.
وعلى هذا؛ فيُسَنُّ أنْ يجهرَ ولو في الصَّلاة السِّريَّة " انتهى من "الشرح الممتع" (4/47) .
وبهذا يعلم أن الإمام إذا جهر بالقنوت شرع للمأموم الجهر بالتأمين، لكن لا ينبغي المبالغة في الجهر، بما يتنافى مع الخشوع والسكينة كما يفعله بعض الناس، فيرفعون أصواتهم كأنهم في تظاهرة وليسوا في صلاة.
ولا يجب الجهر بالتأمين، بل يستحب، كما لا يجب التأمين نفسه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2263)
أيهما أفضل الدخول مع الإمام وهو ساجد أم انتظاره حتى يرفع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لمصلي فاتته ركعة ثم وجد الإمام ساجداً أن يكبر ثم يسجد، أو ينتظر حتى يرتفع الإمام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الأفضل إذا جاء الإنسان والإمام على حال أن يدخل مع الإمام على أي حال كان، فإذا جاء ووجده ساجداً فليكبر ثم يسجد، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا) ولأن هذه السجدة التي سجدها ربما تكون سبباً لمغفرة ذنوبه فلا يفوتها على نفسه؛ لذلك فعليه أن يسجد ثم يقوم مع إمامه، لكن لا يحتسب بها ركعة؛ لأن الركعة لا تدرك إلا بإدراك الركوع" انتهى.
الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
"لقاءات الباب المفتوح" (1/408) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2264)
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند ذكره في الفريضة والنافلة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا مر الإنسان في الصلاة بآية فيها ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فهل يصلي عليه بمناسبة ذكره، أم أن الصلاة عليه ليست من أعمال الصلاة، إلا في موضعها من التشهد، فلا تفعل إلا فيه وأما في غيره فلا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" أما في الفريضة فلا يفعل ذلك؛ لعدم نقله عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأما في النافلة فلا بأس؛ لأنه كان صلى الله عليه وسلم في تهجده بالليل يقف عند كل آية فيها تسبيح فيسبح، وعند كل آية فيها تعوذ فيتعوذ، وعند كل آية فيها سؤال فيسأل، والصلاة عليه صلى الله عليه وسلم من هذا الباب.
والله ولي التوفيق " انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (11/201) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2265)
عطس وهو يصلي فهل يحمد الله؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا عطست وأنا أصلي، هل أقول: الحمد لله أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"من عطس وهو في الصلاة فإنه يشرع له أن يحمد الله سبحانه، سواء كانت الصلاة فرضاً أو نفلاً، وبذلك قال جمهور العلماء من الصحابة والتابعين، وقال به الإمام مالك والشافعي وأحمد، على خلاف بينهم: هل يسر بذلك أو يجهر به، والصحيح من قولي العلماء ومذهب أحمد أنه يجهر بذلك، ولكن بقدر ما يسمع نفسه؛ لئلا يشوش على المصلين، ويدل لذلك عموم ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله..) الحديث أخرجه البخاري، ويؤيد ذلك أيضاً ما رواه رفاعة بن رافع رضي الله عنه قال: (صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فعطست، فقلت: الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، مباركاً عليه، كما يحب ربنا ويرضى) فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وانصرف قال: (من المتكلم في الصلاة؟) فلم يتكلم أحد، ثم قالها الثانية: (من المتكلم في الصلاة؟) فلم يتكلم أحد، ثم قالها الثالثة: (من المتكلم في الصلاة؟) فقال رفاعة بن رافع: أنا يا رسول الله، قال: (كيف قلت؟) قال: قلت: (الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، مباركاً عليه، كما يحب ربنا ويرضى) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده، لقد ابتدرها بضعة وثلاثون ملكاً أيهم يصعد بها) أخرجه الترمذي وأبو داود والنسائي، وقال الترمذي: حديث حسن، والذي نقله الحافظ في التهذيب عن الترمذي أنه صححه، وأخرجه البخاري في صحيحه إلا أنه لم يذكر أنه قال ذلك بعد أن عطس، وإنما قاله بعد الرفع من الركوع، فيحمل على أن عطاسه وقع عند رفعه من الركوع، فقال ذلك لأجل عطاسه، فأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك ولم ينكر عليه، فدل ذلك على مشروعيته في الصلاة، لكن من عطس في الصلاة ثم حمد الله، فإنه لا يجوز لمن سمعه أن يشمته؛ لأن التشميت من كلام الناس، فلا يجوز في الصلاة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أنكر على من شمت العاطس في الصلاة، ثم قال له: (إن هذه الصلاة لا يحل فيها شيء من كلام الناس هذا، وإنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن) أخرجه الإمام مسلم وأبو داود والنسائي.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ... الشيخ صالح بن فوزان الفوزان ... الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (26/113) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2266)
هل يصلي على الملائكة في التشهد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن أصلي على الملائكة في التشهد كما أصلي على النبي صلى الله عليه وسلم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سبق في جواب السؤال رقم (105330) مشروعية الصلاة على الملائكة.
أما في التشهد فلا يشرع ذلك، لأن الواجب الاقتصار على ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، من غير زيادة عليه.
وقد سئل الشيخ صالح الفوزان: هل يصلي على الملائكة في التشهد كما يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم؟
فأجاب:
"لا، الصلاة التي في التشهد يُقتصر فيها على الوارد، ولكن في قولنا: (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) هذا يشمل كل عبد صالح في السماء أو في الأرض، وتدخل فيه الملائكة ".
"مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (1/52)
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2267)
دخل في الصلاة قبيل الركوع فهل يقرأ دعاء الاستفتاح؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا دخلت في الصلاة قبيل الركوع بقليل، فهل أشرع في قراءة الفاتحة أو أقرأ دعاء الاستفتاح؟ وإذا ركع الإمام قبل إتمام الفاتحة فماذا أفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"قراءة الاستفتاح سنة، وقراءة الفاتحة فرض على المأموم على الصحيح من أقوال أهل العلم، فإذا خشيت أن تفوت الفاتحة فابدأ بها، ومتى ركع الإمام قبل أن تكملها فاركع معه ويسقط عنك باقيها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا) متفق عليه" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (11/243-244) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2268)
إذا قال بين السجدتين: رب اغفر ولوالدي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يقول رب اغفر لي ولوالدي في الجلسة بين السجدتين؟ وهل هذا جائز؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ينبغي التمسك بما ورد من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بين السجدتين، وهو قوله: رب اغفر لي، كما روى النسائي (1145) وابن ماجه (897) عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ: (رَبِّ اغْفِرْ لِي، رَبِّ اغْفِرْ لِي) .
وثبت أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين أيضاً: اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني وارفعني واهدني وعافني وارزقني.
فقد روى الترمذي (284) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَاجْبُرْنِي وَاهْدِنِي وَارْزُقْنِي) .
ورواه أبو داود (850) بلفظ: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَعَافِنِي وَاهْدِنِي وَارْزُقْنِي) .
وعند ابن ماجه (898) بلفظ: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَاجْبُرْنِي وَارْزُقْنِي وَارْفَعْنِي) .
والحديث صححه الألباني في صحيح الترمذي.
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (3/414) : " وأما حديث ابن عباس فرواه أبو داود والترمذي وغيرهما بإسناد جيد , ورواه الحاكم في المستدرك وقال: صحيح الإسناد. . وذكر اختلاف ألفاظه ثم قال: فالاحتياط والاختيار: أن يجمع بين الروايات ويأتي بجميع ألفاظها وهي سبعة: (اللهم اغفر لي وارحمني وعافني واجبرني وارفعني واهدني وارزقني) " انتهى.
وأما الزيادة على هذا الدعاء، فالذي يظهر جواز ذلك، لكن الأفضل الاقتصار على الوارد، وجعل الدعاء للوالدين في السجود، أو قبل التسليم من الصلاة، وقد روى مسلم (479) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ فَقَمِنٌ [أي: جدير] أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ) .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " ثم يرفع من السجدة قائلا: الله أكبر ويجلس مفترشا يسراه، ناصبا يمناه، ويضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، أو على الركبة، باسط الأصابع على ركبته، ويضع يده اليسرى على فخذه اليسرى، أو على ركبته اليسرى، ويبسط أصابعه عليها، هكذا السنة ويقول: رب اغفر لي , رب اغفر لي , رب اغفر لي , كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقوله , ويستحب أن يقول مع هذا: اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وارزقني وعافني , لثبوت ذلك عنه صلى الله عليه وسلم , وإذا قال زيادة فلا بأس كأن يقول: اللهم اغفر لي ولوالدي، اللهم أدخلني الجنة، وأنجني من النار، اللهم أصلح قلبي وعملي ونحو ذلك , ولكن يكثر من الدعاء بالمغفرة فيما بين السجدتين كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم" انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (11/36) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2269)
كراهة الصلاة مع استقبال وجه إنسان
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الصلاة وأمامي شخص جالس على الكرسي ولا أرى إلا ظهره؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في الصلاة خلف إنسان جالس قد أعطاك ظهره، وإنما يكره استقبال وجهه؛ إذا كان سيؤدي إلى إشغال المصلي.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/40) : " ويكره أن يصلي مستقبلا وجه إنسان ; لأن عمر أدب على ذلك، وفي حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي حذاء وسط السرير , وأنا مضطجعة بينه وبين القبلة , تكون لي الحاجة فأكره أن أقوم فأستقبله , فأنسل انسلالا. متفق عليه" انتهى.
وقال النووي رحمه الله في "المجموع" (3/230) : " يكره أن يصلي وبين يديه رجل أو امرأة يستقبله ويراه , وقد كرهه عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهما ; ولأنه يشغل القلب غالبا , فكره كما كره النظر إلى ما يلهيه , كثوب له أعلام , ورفع البصر إلى السماء وغير ذلك مما ثبتت فيه الأحاديث الصحيحة , وقال البخاري في صحيحه: كره عثمان رضي الله عنه أن يستقبل الرجل وهو يصلي , قال البخاري: وإنما هذا إذا اشتغل به , فأما إذا لم يشتغل به فقد قال زيد بن ثابت: (ما باليتُ، إنّ الرجل لا يقطع صلاة الرجل) " انتهى.
وأما الجالس المولي ظهره، إذا كان لا يتحرك ولا يشغل المصلي، فلا حرج في الصلاة خلفه، كما أنه لا حرج في الصلاة إلى النائم؛ لما روى البخاري (382) ومسلم (512) عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ: كُنْتُ أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِجْلَايَ فِي قِبْلَتِهِ، فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي فَقَبَضْتُ رِجْلَيَّ، فَإِذَا قَامَ بَسَطْتُهُمَا، قَالَتْ: وَالْبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2270)
المقصود بالذكر والدعاء دبر الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى دبر كل صلاة؟ هل معناه قبل السلام من الصلاة أم بعده؟ وهل يسن رفع اليدين في الدعاء بعد الصلاة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
دبر الصلاة: عقبها وخلفها، أو آخرها.
وقد ورد الترغيب في الذكر والدعاء دبر الصلوات في عدة أحاديث، منها:
1- ما رواه البخاري (6330) ومسلم (594) عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ إِذَا سَلَّمَ: (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ) .
2- وروى البخاري (6329) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه (قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالدَّرَجَاتِ وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ. قَالَ: كَيْفَ ذَاكَ؟ قَالُوا: صَلَّوْا كَمَا صَلَّيْنَا، وَجَاهَدُوا كَمَا جَاهَدْنَا، وَأَنْفَقُوا مِنْ فُضُولِ أَمْوَالِهِمْ، وَلَيْسَتْ لَنَا أَمْوَالٌ، قَالَ أَفَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَمْرٍ تُدْرِكُونَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، وَتَسْبِقُونَ مَنْ جَاءَ بَعْدَكُمْ، وَلَا يَأْتِي أَحَدٌ بِمِثْلِ مَا جِئْتُمْ بِهِ إِلَّا مَنْ جَاءَ بِمِثْلِهِ، تُسَبِّحُونَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ عَشْرًا، وَتَحْمَدُونَ عَشْرًا، وَتُكَبِّرُونَ عَشْرًا) .
وللبخاري (843) : (تُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ) .
ولمسلم (595) : (تُسَبِّحُونَ وَتُكَبِّرُونَ وَتَحْمَدُونَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ مَرَّةً) .
3- وروى مسلم (596) عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مُعَقِّبَاتٌ لَا يَخِيبُ قَائِلُهُنَّ أَوْ فَاعِلُهُنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ: ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ تَسْبِيحَةً، وَثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ تَحْمِيدَةً، وَأَرْبَعٌ وَثَلَاثُونَ تَكْبِيرَةً) .
والمراد بدبر الصلاة في هذه الأحاديث: عقب الصلاة وخلفها، أي: بعد السلام، كما جاء مصرحا به في بعض الروايات، وكذلك ما جاء في قراءة آية الكرسي والمعوذات دبر الصلاة، فإن المراد بذلك بعد السلام.
4- وروى أبو داود (1522) عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِهِ، وَقَالَ: (يَا مُعَاذُ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، فَقَالَ: أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
ورواه النسائي (1303) بلفظ: (فَلَا تَدَعْ أَنْ تَقُولَ فِي كُلِّ صَلَاةٍ رَبِّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ) وصححه الألباني في صحيح النسائي.
والمراد بدبر الصلاة هنا: آخر الصلاة قبل التسليم؛ لأن "دبر الشيء" يكون منه، ويتأكد هذا بقوله في رواية النسائي: (في كل صلاة) .
قال ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد" (1/294) : " ودبر الصلاة يحتمل قبل السلام وبعده، وكان شيخنا [أي ابن تيمية] يرجح أن يكون قبل السلام، فراجعته فيه، فقال: دبر كل شئ منه كدبر الحيوان " انتهى.
5- وروى الترمذي (3499) عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الدُّعَاءِ أَسْمَعُ؟ قَالَ: (جَوْفَ اللَّيْلِ الْآخِرِ، وَدُبُرَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ) والحديث حسنه الترمذي والألباني في صحيح الترمذي.
والظاهر أن المراد بدبر الصلاة هنا: قبل السلام.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "والظاهر أن المراد بدبر الصلوات المكتوبة في حديث أبي أمامة "إن صح" آخر الصلاة" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (13/268) .
وقد ذكر أهل العلم في ذلك: أن ما ورد في النصوص مقيداً بدبر الصلاة، فإن كان ذِكْراً (كالتسبيح والتحميد والتكبير وقراءة آية الكرسي والمعوذات) فالمراد بدبر الصلاة هنا: بعدها.
وإن كان دعاءً، فالمراد بدبر الصلاة: آخرها، أي قبل التسليم.
إلا إذا جاء ما يدل على أن هذا الدعاء المعين يقال بعد التسليم، كقوله صلى الله عليه وسلم (استغفر الله ثلاثاً) ، فهذا دعاء ولكن دلت السنة على أنه يقال بعد السلام.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله:
ما المراد بدبر الصلاة في الأحاديث التي ورد فيها الحث على الدعاء أو الذكر دبر كل صلاة؟ هل هو آخر الصلاة أو بعد السلام؟
فأجاب
"دبر الصلاة يطلق على آخرها قبل السلام، ويطلق على ما بعد السلام مباشرة، وقد جاءت الأحاديث الصحيحة بذلك، وأكثرها يدل على أن المراد آخرها قبل السلام فيما يتعلق بالدعء، كحديث ابن مسعود رضي الله عنه لما علمه الرسول صلى الله عليه وسلم التشهد، ثم قال: (ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو) وفي لفظ: (ثم ليتخير بعد المسألة ما شاء) . متفق على صحته.
ومن ذلك: حديث معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (لا تدعن دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحُسن عبادتك) أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي بإسناد صحيح.
ومن ذلك: ما رواه البخاري رحمه الله عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول دبر كل صلاة: (اللهم إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك من أن أُرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا، ومن عذاب القبر) .
أما الأذكار الواردة في ذلك، فقد دلت الأحاديث الصحيحة على أن ذلك في دبر الصلاة بعد السلام. ومن ذلك أن يقول حين يُسلم: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، سواء كان إماماً أو مأموماً أو منفرداً ثم ينصرف الإمام بعد ذلك إلى المأمومين ويعطيهم وجهه، ويقول الإمام والمأموم والمنفرد بعد هذا الذكر والاستغفار: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله. لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن. لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون. اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد.
ويستحب أن يقول المسلم والمسلمة هذا الذكر بعد كل صلاة من الصلوات الخمس ثم يُسبح الله ويحمده ويكبره ثلاثاً وثلاثين ثم يقول تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. وهذا كله قد ثبتت به الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويُستحب أن يقرأ بعد ذلك آية الكرسي مرة واحدة سراً، ويقرأ: (قل هو الله أحد) والمعوذتين بعد كل صلاة سراً مرة واحدة، إلا في المغرب والفجر فيُستحب له أن يكرر قراءة السور الثلاث المذكورة ثلاث مرات، ويُستحب أيضاً للمسلم والمسلمة بعد صلاة المغرب والفجر أن يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، عشر مرات زيادة على ما تقدم قبل قراءة آية الكرسي وقبل قراءة السور الثلاث. عملا بالأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (11/194) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"والمتأمل في هذه المسألة يتبن له: أن ما قيد بدبر الصلاة إن كان ذكراً فهو بعدها، وإن كان دعاء فهو في آخرها.
أما الأول: فلأن الله تعالى جعل ما بعد الصلاة محلاً للذكر، فقال تعالى: (فَإِذَا قَضَيْتُمْ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ) النساء/103، وجاءت السنة مبينة لما أجمل في هذه الآية من الذكر مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين) . فيحمل كل نص في الذكر مقيد بدبر الصلاة على ما بعدها ليطابق الآية الكريمة.
وأما الثاني: فلأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل ما بعد التشهد الأخير محلا للدعاء، فيحمل كل نص في الدعاء مقيد بدبر الصلاة على آخرها، ليكون الدعاء في المحل الذي أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى الدعاء فيه، إلا أن يكون حمل النص على ذلك ممتنعاً، أو بعيداً بمقتضى السياق المعين فيحمل على ما يقتضيه السياق" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (13/268) .
ثانيا:
لا يشرع رفع اليدين في الدعاء بعد الصلاة؛ لعدم ورود ذلك عنه صلى الله عليه وسلم.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (7/103) : " ليس الدعاء بعد الفرائض بسنة إذا كان برفع الأيدي، سواء كان من الإمام وحده أو المأموم وحده، أو منهما جميعا، بل ذلك بدعة؛ لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه رضي الله عنهم، أما الدعاء بدون ذلك فلا بأس به، لورود بعض الأحاديث في ذلك " انتهى.
وينظر جواب السؤال رقم (21976) ورقم (7886)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2271)
حكم صلاة الطفلة دون خمار
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم صلاة الطفلة دون خمار؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا كانت لم تبلغ فصلاتها صحيحة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار) ، فدل ذلك على أن غير الحائض، وهى غير البالغة لا حرج عليها في الصلاة بغير خمار، ولكن كونها تصلي بالخمار أولى وأكمل إذا كانت بنت سبع أو أكثر، أما من دون السبع من الذكور والإناث فليسوا من أهل الصلاة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع) " انتهي.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (29/200) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2272)
لا تتمكن من تحريك رأسها بسبب الألم الشديد فكيف تصلي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إحدى الأخوات تسأل وتقول: إنها يأتيها ألم شديد جدا في رأسها إلى حد أنها أكرمكم الله تتقيأ وهي في ذاك الوضع لا تستطيع أن تصلي على أي وضع لعدم قدرتها حتى على رفع رأسها فكيف تصلي إذا حضرت الصلاة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نسأل الله تعالى لأختنا الشفاء والعافية والمعافاة في الدين والدنيا.
ثانيا:
إذا حانت الصلاة وهي تشعر بالألم، فإنها تؤخر الصلاة إلى آخر الوقت المختار، رجاء أن تصلي صلاة تامة كاملة، فإن استمر الألم فإنها تصلي على قدر استطاعتها، ولو مستلقية.
والأصل في ذلك: قوله تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) البقرة/286، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين: (صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ) رواه البخاري (1117) وأبو داود (952) .
ومن صلى جالسا فإنه ينحني بالركوع والسجود، ويجعل السجود أخفض من الركوع.
ومن صلى على جنبه الأيمن أو الأيسر، فإنه يحني رأسه إلى صدره عند الركوع والسجود.
ومن صلى مستلقيا، جعل رجليه إلى جهة القبلة، وحنى رأسه إلى صدره عند الركوع والسجود، فإن عجز - الجالس أو المستلقي - عن تحريك رأسه سقطت عنه الأفعال فقط، لأنها هي التي كان عاجزا عنها، وأما الأقوال فإنها لا تسقط عنه؛ لأنه قادر عليها وقد قال الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/16، فنقول: كبر واقرأ، وانو الركوع فكبر وسبح تسبيح الركوع، ثم انو القيام وقل: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، إلى آخره، ثم انو السجود فكبر وسبح تسبيح السجود، لأن هذا مقتضى القواعد الشرعية (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) " انتهى من "الشرح الممتع" (4/332) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2273)
حكم السجود مع لبس النظارة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن نؤدي الصلاة ونحن نضع عدسات لاصقة ملونة أو نظارات؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في الصلاة مع وجود العدسات اللاصقة الملونة، والنظارات، إلا إذا كانت النظارة لا يتمكن معها المصلي من تمكين أنفه أو جبهته من الأرض أثناء السجود، فيلزمه نزعها قبل الصلاة، أو عند سجوده.
روى البخاري (812) ومسلم (490) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ: عَلَى الْجَبْهَةِ وَأَشَارَ بِيَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ وَالْيَدَيْنِ، وَالرُّكْبَتَيْنِ، وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عمن يلبس نظارات كبيرة، لا تمكنه من السجود كاملاً على الأعضاء السبعة.
فأجاب: " إن كانت تمنع من وصول طرف الأنف إلى الأرض فإن السجود لا يجزئ، وذلك لأن الذي يحمل الوجه هما النظارتان، وهما ليستا على طرف الأنف بل هما بحذاء العينين وعلى هذا فلا يصح السجود، ويجب على من عليه نظارة تمنعه من وصول أنفه إلى مكان السجود أن ينزعها في حال السجود " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (13/186) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2274)
صيغ التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أتعلم صيغة التشهد في الصلاة، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
حثنا الرسول صلى الله عليه وسلم على تعمل أحكام الصلاة، وصفة صلاته صلى الله عليه وسلم، حتى نقتدي به فيها، فقال: (صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي) رواه البخاري (631) .
وعلى هذا، فينبغي الاهتمام بمعرفة ذلك.
وألفاظ التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم الواردة كثيرة ومتنوعة، والأكمل للمسلم أن يأتي بها جميعاً، فيأتي بهذه الصيغة مرة، ثم بالأخرى مرة أخرى، وهكذا، حتى يكون فعل السنة جميعها، ولم يقتصر على بعضها، فإن شق عليه ذلك، فليقتصر على ما يستطيع منها، ولا حرج عليه إن شاء الله تعالى.
وهذه بعض صيغ التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة:
تشهد ابن مسعود رضي الله عنه: (التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ) رواه البخاري (6265) ومسلم (402) .
تشهد ابن عمر رضي الله عنهما: (التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ) رواه أبو داود (971) وصححه الألباني.
تشهد عمر قاله على المنبر يعلم الناس: (التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، الزَّاكِيَاتُ لِلَّهِ، الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ، الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ) رواه مالك (204) وصححه الألباني.
وأما صيغ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فمنها:
(اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) رواه البخاري (3370)
(اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) رواه مسلم (405)
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2275)
جواز السجود على البطانية والفرش
[السُّؤَالُ]
ـ[تقول جدتي إنه لا يجوز السجود أثناء الصلاة على سطح أملس كالبطانية وأنه يجب أن يسجد المرء على سطح صلب. فهل هذا صحيح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز السجود على سطح أملس ناعم كالبطانية وغيرها، ما دام المصلي يستطيع أن يمكن جبهته وأنفه عند السجود. والممنوع هو السجود على شيء رخو يغوص فيه وجه المصلي ولا يستقر.
قال ابن الهمام في "فتح القدير" (1/304) : " يجوز السجود على الحشيش والتبن والقطن إن وجد حجم الأرض، وكذا الثلج الملبّد , فإن كان بحالٍ يغيب فيه وجهُه ولا يجد الحجم لا " انتهى.
وقال ابن نجيم في "البحر الرائق" (1/337) : " والأصل كما أنه يجوز السجود على الأرض يجوز على ما هو بمعنى الأرض مما تجد جبهتُه حجمَه وتستقر عليه، وتفسير وجدان الحجم أن الساجد لو بالغ لا يتسفّل رأسه أبلغ من ذلك " انتهى.
وعلى هذا فلا حرج من السجود على الفرش كالبطانية أو المرتبة، إذا كانت تثبت وتستقر مهما بالغ الإنسان في الضغط عليها.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن حكم السجود على الاسفنج. فأجاب: " إذا كان الاسفنج خفيفاً ينكبس عند السجود عليه فلا باس "
"فتاوى ابن عثيمين" (13/184)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2276)
إذا أدرك الإمام راكعاً فماذا يفعل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا دخلت المسجد وكان الإمام راكعاً، فهل إذا ركعت معه تحسب لي هذه الركعة؟ مع العلم أني لم أقرأ الفاتحة، وهل أكبر تكبيرة واحدة أو تكبيرتين؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إذا دخل المسجد والإمام راكع ركع معه , ويكون مدركاً للركعة إذا اجتمع مع الإمام في الركوع , ولو لم يطمئن إلا بعد رفع الإمام. قال أبو داود: " سمعت أحمد سئل عمن أدرك الإمام راكعاً , فكبر ثم ركع فرفع الإمام؟ قال: إذا أمكن يديه من ركبتيه قبل أن يرفع الإمام فقد أدرك " انتهى.
انظر: "مسائل الإمام أحمد لأبي داود" (ص 35) , "حاشية الروض" لابن قاسم (2/275) , "المجموع" (4/215) .
ثم يطمئن في الركوع ويرفع منه ويتابع إمامه.
قال الشيخ ابن باز: " إذا أدرك المأموم الإمام راكعا أجزأته الركعة ولو لم يسبح المأموم إلا بعد رفع الإمام " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (11/245-246) .
ثانياً:
وإذا أدركه حال الركوع أجزأته تكبيرة واحدة , وهي تكبيرة الإحرام عن تكبيرة الركوع , روي ذلك عن زيد بن ثابت وابن عمر وسعيد وعطاء والحسن وإبراهيم النخعي , وبه قال الأئمة الأربعة (أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد) . قال أبو داود: " قلت لأحمد: أُدرك الإمام راكعاً؟ قال: يجزيك تكبيرة " انتهى.
"مسائل الإمام أحمد" (ص 35) .
وذلك لأن حال الركوع يضيق عن الجمع بين تكبيرتين في الغالب , ولأنه اجتمع عبادتان من جنس واحد في محل واحد , ونية الركوع لا تنافي نية افتتاح الصلاة , فأجزأ الركن وهي تكبيرة الإحرام عن الواجب وهي تكبيرة الركوع , كطواف الإفاضة يغني عن طواف الوداع إذا جعله آخر شيء.
انظر: "المغني" (2/183) , "القواعد" لابن رجب " القاعدة الثامنة عشرة ".
فإن أمكن أن يأتي بتكبيرتين: الأولى للإحرام , والثانية للركوع فهذا أولى , قال أبو داود: " قلت لأحمد: يكبر مرتين أحب إليك؟ قال: فإن كبر مرتين فليس فيه اختلاف " انتهى.
"مسائل الإمام أحمد" (ص 35) .
وسئل الشيخ ابن باز: إذا حضر المأموم إلى الصلاة والإمام راكع هل يكبر تكبيرة الافتتاح والركوع أو يكبر ويركع؟
فأجاب:
" الأولى والأحوط أن يكبر التكبيرتين: إحداهما: تكبيرة الإحرام وهي ركن ولا بد أن يأتي بها وهو قائم، والثانية: تكبيرة الركوع يأتي بها حين هويه إلى الركوع، فإن خاف فوت الركعة أجزأته تكبيرة الإحرام في أصح قولي العلماء، لأنهما عبادتان اجتمعتا في وقت واحد فأجزأت الكبرى عن الصغرى، وتجزئ هذه الركعة عند أكثر العلماء " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (11/244-245) .
وعلى الداخل أن يكبر للإحرام قائماً , فإن أتى به على حال انحنائه للركوع لم يصح.
قال النووي في "المجموع" (4/111) :
" إذا أدرك الإمام راكعا كبر للإحرام قائما ثم يكبر للركوع ويهوي إليه , فإن وقع بعض تكبيرة الإحرام في غير القيام لم تنعقد صلاته فرضا بلا خلاف , ولا تنعقد نفلا أيضا على الصحيح " انتهى.
وانظر: "المغني" (2/130) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (4/123) :
" ولكن هنا أمْرٌ يجبُ أن يُتفَطَّنُ له، وهو أنَّه لا بُدَّ أنْ يكبِّرَ للإحرامِ قائماً منتصباً قبل أنْ يهويَ؛ لأنَّه لو هَوى في حالِ التكبيرِ لكان قد أتى بتكبيرةِ الإحرامِ غير قائمٍ، وتكبيرةُ الإحرامِ لا بُدَّ أن يكونَ فيها قائماً " انتهى.
ثالثاً:
وإذا ركع مع الإمام أجزأته الركعة ولو لم يقرأ الفاتحة , وهو قول الجمهور , وهو الراجح ـ إن شاء الله ـ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكرة رضي الله عنه لما انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ رَاكِعٌ فَرَكَعَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى الصَّفِّ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلا تَعُدْ) رواه البخاري (783) .
ووجه الدلالة: أنه لو لم يكن إدراك الركوع مجزئاً لإدراك الركعة مع الإمام لأمره النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء تلك الركعة التي لم يدرك القراءة فيها , ولم ينقل عنه ذلك , فدل على أن من أدرك الركوع فقد أدرك الركعة.
انظر: "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (230) .
قال الشوكاني: " وكذلك فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر الداخل بأن يصنع كما يصنع الإمام , ومعلوم أنه لا يحصل الامتثال إلا إذا ركع مع إمامه , فإذا أخذ يقرأ الفاتحة فقد أدرك الإمام على حالة ولم يصنع كما صنع إمامه , فخالف الأمر الذي وجب عليه امتثاله " انتهى من رسالة نقلها له صاحب "عون المعبود" (3/157) .
وأما أدلة وجوب قراءة الفاتحة في الصلاة فهي عامة تشمل المسبوق وغير المسبوق , وهذا حديث خاص يدل على سقوط الفاتحة عمن أدرك إمامه راكعاً، فيكون هذا الحديث مخصصاً لعموم تلك الأحاديث.
انظر: "مجموع الفتاوى" (23/290) .
وقد سبق في جواب السؤال (74999) أن قراءة الفاتحة تسقط عن المأموم في موضعين:
1- إذا أدرك الإمام راكعاً.
2- إذا أدركه قبيل الركوع، ولم يتمكن من إتمام قراءة الفاتحة.
انظر: "أحكام حضور المساجد" (ص141-143) للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2277)
هل يجوز للمصلي أن يجهر في هذا الصلوات والركعات؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تؤدى هذه الصلوات جهراً أم سرّاً: نافلة صلاة المغرب، والركعة الثالثة لصلاة الوتر في حالة أدائها على شاكلة صلاة المغرب، وقيام الليل، رغيبة الفجر، صلاة الضحى؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ذكر العلماء رحمهم الله تعالى أن المشروع أن يسر المصلي في صلاة النافلة نهاراً، ويُخير في صلاة الليل بين الجهر والإسرار، غير أن الجهر أفضل.
وذكر في "كشاف القناع" (1/441) أن النهار هنا طلوع الشمس لا من طلوع الفجر، فتكون راتبة الفجر صلاة ليلية.
وقد نقلنا أقوال العلماء في ذلك في جواب السؤال رقم (91325) .
فعلى هذا؛ يُسر المصلي بصلاة الضحى، لأنها صلاة نهارية.
وأما نافلة المغرب، والركعة الثالثة من الوتر، وقيام الليل، ورغيبة الفجر، فيخير فيها المصلي بين الجهر والإسرار، والجهر أفضل، إلا أن يكون الإسرار أخشع له، أو عنده من يتأذى بالجهر كنائم أو مريض ونحو ذلك.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
السنة في صلاة الليل الجهر بالقراءة سواء كان المصلي يصلي وحده أو معه غيره، فإذا كانت زوجته أو غيرها من النساء يصلين معه فإنهن يصلين خلفه ولو كانت واحدة، أما إن كان يصلي وحده فهو مخير بين الجهر والإسرار، والمشروع له أن يفعل ما هو أصلح لقلبه، وقد سئلت عائشة رضي الله عنها عن ذلك فقالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل ربما جهر وربما أسر) ، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم من حديث حذيفة رضي الله عنه وغيره (أنه صلى الله عليه وسلم كان يجهر بالقراءة في صلاة الليل ويقف عند آية الرحمة فيسأل وعند آية الوعيد فيتعوذ وعند آية التسبيح فيسبح) والمعنى عند ذكر الآيات التي فيها أسماء الله وصفاته فيسبح الله سبحانه، وقد قال الله عز وجل: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) الأحزاب/21، وقال عليه الصلاة والسلام: (صلوا كما رأيتموني أصلي) أخرجه البخاري في صحيحه.
فدلت هذه الأحاديث على أن الجهر بالقراءة في صلاة الليل أفضل، ولأن ذلك أخشع للقلب وأنفع للمستمعين إلا أن يكون حوله مرضى أو نوام أو مصلون أو قراء، فالأفضل خفض الصوت على وجه لا يترتب عليه إشغال المصلين والقراء، وإيقاظ النائمين، وإزعاج المرضى.
وإن أسر في بعض صلاة الليل إذا كان وحده فلا حرج لحديث عائشة المذكور. . ولأن ذلك قد يكون أخشع لقلبه وأرفق به في بعض الأوقات.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (11 / 124، 125) .
وقال الشيخ رحمه الله – أيضاً -:
إذا كان الإنسان يصلي لنفسه شُرع له أن يفعل ما هو أصلح لقلبه من الجهر والإسرار إذا كان في صلاة النافلة ليلاً ولم يتأذَّ بجهره أحد، فإذا كان حوله من يتأذى بجهره كالمصلين والقراء والنوم شرع له خفض الصوت.
أما في الصلاة النهارية كصلاة الضحى والرواتب وصلاة الظهر والعصر: فإن السنة فيها الإسرار.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (11 / 126، 127) .
ثانياً:
أما قول السائل " والركعة الثالثة لصلاة الوتر في حالة أدائها على شاكلة صلاة المغرب " فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الوتر على شاكلة المغرب، فقال صلى الله عليه وسلم: (لا توتروا بثلاث، تشبهوا المغرب) رواه الحاكم (1/304) والبيهقي (3 / 31) والدارقطني (ص 172) ، وقال الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " (4 / 301) : إسناده على شرط الشيخين.
وقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أوتر بثلاث على صورتين:
الصورة الأولى: صلاة ثلاث ركعات بتشهدين وسلامين، فيصلي ركعتين ويسلم، ثم واحدة ويسلِّم.
فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفصل بين الشفع والوتر بتسليم يسمعناه. رواه ابن حبان (2435) وقال الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " (2 / 482) : وإسناده قوي.
والصورة الثانية: يصلي الثلاث ركعات بتشهد واحد وتسليمتين.
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث لا يقعد إلا في آخرهن. رواه البيهقي (4581) . والحديث: صححه الحاكم ووافقه الذهبي " المستدرك " (1 / 304) ، وصححه النووي في " المجموع " (4 / 7) .
وقال الشيخ الألباني رحمه الله:
وأما صلاة الخمس والثلاث بقعود بين كل ركعتين بدون تسليم: فلم نجده ثابتاً عنه صلى الله عليه وسلم، والأصل الجواز لكن لما كان النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن الإيتار بثلاث وعلَّل ذلك بقوله: (ولا تشبهوا بصلاة المغرب) فحينئذ لا بد لمن صلى الوتر ثلاثاً من الخروج عن هذه المشابهة، وذلك يكون بوجه من وجهين:
أحدهما: التسليم بين الشفع والوتر وهو الأقوى والأفضل، والآخر: أن لا يقعد بين الشفع والوتر، والله تعالى أعلم.
" قيام رمضان " (ص 22) .
ولمزيد الفائدة راجع جواب السؤال: (46544) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2278)
على كل واحد من الشريكين أن يزكي نصيبه من أرباح المضاربة
[السُّؤَالُ]
ـ[أعطاني سبعة آلاف ريال من أربع سنين أشري وأبيع في الحلال وكل سنة نتقاسم الأرباح، والآن وصلت ستة عشر ألف ريال، ولا أخرجنا زكاة كل الأربع سنين التي مرت. أرجو أن تكون الصورة واضحة. أفتونا مأجورين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الزكاة ركن من أركان الإسلام، ومن أعظم واجبات الدين وفرائضه، والواجب على المسلم أن يسارع إلى أدائها متى وجبت عليه، ولا يجوز التهاون في أدائها.
ولا تسقط الزكاة بالتقادم، فلو مرت عليه سنون ولم يخرج الزكاة، كانت ديناً عليه، ويجب عليه إخراجها.
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (5/302) :
"إذا مضت عليه سنون ولم يؤد زكاتها لزمه إخراج الزكاة عن جميعها" انتهى.
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (23/298) :
"إذا أتى على المكلف بالزكاة سنون لم يؤد زكاته فيها، وقد تمت شروط الوجوب، لم يسقط عنه منها شيء اتفاقا، ووجب عليه أن يؤدي الزكاة عن كل السنين التي مضت ولم يخرج زكاته فيها" انتهى.
ثانياً:
تجب الزكاة في عروض التجارة عند جماهير العلماء، وقد سبق بيان أدلة ذلك في جواب السؤال رقم (130487) .
وطريقة حساب زكاة عروض التجارة: أن تقوم البضاعة آخر الحول ثم يخرج زكاتها ربع العشر أي 2.5 بالمائة.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (4/249) :
"مِنْ مَلَكَ عَرْضًا لِلتِّجَارَةِ , فَحَالَ عَلَيْهِ حَوْلٌ , وَهُوَ نِصَابٌ , قَوَّمَهُ فِي آخِرِ الْحَوْلِ , فَمَا بَلَغَ أَخْرَجَ زَكَاتَهُ , وَهُوَ رُبْعُ عُشْرِ قِيمَتِهِ" انتهى.
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
"الطريقة الشرعية أنه يقوّم ما لديه من عروض التجارة عند تمام الحول بالقيمة التي تساويها عند الوجوب، بصرف النظر عن ثمن الشراء" انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (9/319) .
ويضم الربح إلى الأصل ويزكى الجميع.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (22/86) :
"يُضَمُّ الرِّبْحُ الْحَاصِل مِنْ عُرُوضِ التِّجَارَةِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْل إِلَى الأَْصْل، وَذَلِكَ لأَِجْل حِسَابِ الزَّكَاةِ. فَلَوِ اشْتَرَى مَثَلاً عَرْضًا فِي شَهْرِ الْمُحَرَّمِ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَصَارَتْ قِيمَتُهُ قَبْل آخِرِ الْحَوْل وَلَوْ بِلَحْظَةٍ ثَلاَثَمِائَةِ دِرْهَمٍ زَكَّى الْجَمِيعَ آخِرَ الْحَوْل" انتهى.
هذا بالنسبة لصاحب المال: يزكي أصل المال (رأس ماله) مع نصيبه من الربح كل سنة.
أما بالنسبة للمضارب (العامل) ففي وجوب الزكاة عليه في نصيبه من الربح إذا لم يتم اقتسامه - كما في الصورة المسؤول عنها - خلاف بين العلماء، والذي اختاره جماعة من علمائنا المعاصرين: وجوب الزكاة عليه في نصيبه من الربح.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"حصة المضارب فيها خلاف هل تجب الزكاة فيها أو لا؟ والصحيح أنه إذا تم الحول وهي لم تقسم أن فيها الزكاة؛ لأنها ربح مال تجب زكاته فيجب عليه أن يزكيه، ولأن هذا هو الظاهر من عمل الناس من عهد الرسول عليه الصلاة والسلام إلى اليوم: أنه إذا وجبت الزكاة في المال أخرجت منه ومن ربحه" انتهى.
" شرح الكافي" (3/121) .
وسئل الشيخ ابن جبرين رحمه الله:
هل تجب الزكاة في حصة المضارب قبل القسمة إذا بلغ نصاباً؟
فأجاب:
"المضاربة كونك تعطي إنساناً مالك يتجر به، فإذا أعطيته مثلاً عشرين ألفاً واشترى بها بضائع على أن له نصف الربح، ويرد عليك رأس مالك، فبعد سنة أصبحت العشرون ثلاثين بأرباحها، حصة العامل خمسة آلاف، وحصة صاحب المال خمسة آلاف، ورأس المال عشرون.
فما الذي يزكى؟ يُزكى الجميع؛ الثلاثون ألفاً، وتكون الزكاة عن الجميع؛ عن الربح، وعن رأس المال. هذه صورة المضاربة وصورة الزكاة فيها" انتهى.
"فتاوى الشيخ ابن جبرين" (50/8) .
وسئل الشيخ صالح الفوزان رحمه الله:
لي مبلغ من المال وقد تركته عند صديق لي ليتاجر فيه، من يدفع الزكاة هو أم أنا وهل أزكي عن رأس المال فقط أم حتى عن الربح؟
فأجاب:
"أنت تزكي نصيبك من الربح، إذا بلغ نصابًا، وأما صاحب رأس المال فإنه يزكيه ويزكي نصيبه من الربح ولو كان قليلاً لأنه يتبع رأس المال" انتهى.
"المنتقى من فتاوى الفوزان" (87/1-2) .
وعلى هذا، فعليك أن تحسب الأرباح المضافة إلى رأس المال كل سنة، ثم يقوم صاحب رأس المال بإخراج زكاة رأس المال ونصيبه من الربح، وتخرج أنت زكاة نصيبك من الربح عن السنوات الماضية.
تنبيه: حول عروض التجارة لا يبدأ حسابه من أول شراء العروض للتجارة، وإنما ينبني هذا الحول على حول النقود التي اشتريت بها عروض التجارة.
ولبيان ذلك: انظر جواب السؤال رقم (32715) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2279)
هل يجوز إخراج الزكاة مواد عينية بدلا من النقود؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ذكر الله عز وجل لنا مصارف الزكاة الثمانية في كتابه الكريم , فهل تعتبر الأنشطة التالية من مصارف الزكاة؟ (توزيع الشنط الغذائية , توزيع البطاطين في الشتاء , توصيل المياه لمنازل الفقراء , بناء أسقف خشبية لهم , تجهيز عرائس يتيمات أو فقراء , توصيل المساعدات الطبية للمرضى) على أن تعطى أموال الزكاة لجمعية موثوق بها , وتتولى الجمعية القيام بهذه الأنشطة؟ مع العلم أن الجمعية تقوم باستكشاف الحالات قبل تقديم المساعدات لها أفيدونا جزاكم الله خيرا بشأن كون ما تقدم ذكره من مصارف الزكاة من عدمه؟ وهل بإخراجي للزكاة بهذه الكيفية أكون أخرجتها في صورة مال كما هو مطلوب مني؟ أم أن أخراج زكاة المال في صورة مال غير واجب أصلا؟ وفقكم الله إلى ما فيه خير المسلمين وجزاكم الله خيرا]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
أولاً:
الواجب في زكاة المال أن تكون من النقود، ولا يجوز إخراجها مواد عينية، ولا سلعاً غذائية.
ومن واجب صاحب الزكاة تسليم مبلغ الزكاة للمستحقين، وليس من حقه التصرف بهذا المبلغ ولا الاجتهاد في البحث عن الأنفع لهم حسب نظره، بل يعطي المال المستحق للفقير، وهو أدرى بحاجته ومصلحته من غيره.
ومن المعلوم أن الإنسان يستطيع الحصول على ما يريد عن طريق المال، بخلاف المواد العينية التي قد يحتاجها وقد لا يحتاجها، ويضطر لبيعها بثمن بخس للاستفادة من ثمنها.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"هل يجوز تحويل مبلغ الزكاة إلى مواد عينية غذائية وغيرها فتوزع على الفقراء؟ ".
فأجاب:
" لا يجوز، الزكاة لا بد أن تدفع دراهم ... ". انتهى من " اللقاء الشهري" (41 / 12) .
وقال أيضا:
" زكاة الدراهم لابد أن تكون دراهم، ولا تخرج من أعيان أخرى إلا إذا وكلك الفقير فقال: إن جاءك لي دراهم فاشتر لي بها كذا وكذا، فلا بأس ... ". انتهى.
"مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (18/303) .
ثانياً:
إذا كان هناك فقير معين، يحتاج إما إلى دواء أو غذاء، أو نحو ذلك من احتياجاته، ويعلم أنه سيترتب على صرف الزكاة له نقوداً مفسدة واضحة، أو كانت المصلحة تقتضي عدم إعطاء ذلك الفقير النقود، ففي هذه الحال أجاز بعض العلماء صرفها له مواد عينية بدلاً من النقود.
ومن صور ذلك: أن يكون الفقير مجنونا، أو ضعيف العقل لا يحسن التصرف المال، أو سفيها مبذراً للمال، أو مفسدا ينفق المال على ما لا فائدة فيه، ثم يبقى ـ هو أو من يعوله ـ محتاجا.
قال شيخ الإسلام: " إخْرَاجُ الْقِيمَةِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَلا مَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ مَمْنُوعٌ مِنْهُ ... ؛ وَلأَنَّهُ مَتَى جُوِّزَ إخْرَاجُ الْقِيمَةِ مُطْلَقًا فَقَدْ يَعْدِلُ الْمَالِكُ إلَى أَنْوَاعٍ رَدِيئَةٍ، وَقَدْ يَقَعُ فِي التَّقْوِيمِ ضَرَرٌ؛ وَلأَنَّ الزَّكَاةَ مَبْنَاهَا عَلَى الْمُوَاسَاةِ، وَهَذَا مُعْتَبَرٌ فِي قَدْرِ الْمَالِ وَجِنْسِهِ، وَأَمَّا إخْرَاجُ الْقِيمَةِ لِلْحَاجَةِ أَوْ الْمَصْلَحَةِ أَوْ الْعَدْلِ فَلا بَأْسَ بِهِ ". انتهى " مجموع الفتاوى" (25/82) .
وقال الشيخ ابن باز في الفتاوى (14 / 253) : " ويجوز أن يخرج عن النقود عروضاً من الأقمشة والأطعمة وغيرها، إذا رأى المصلحة لأهل الزكاة في ذلك مع اعتبار القيمة، مثل أن يكون الفقير مجنوناً، أو ضعيف العقل، أو سفيهاً، أو قاصراً، فيخشى أن يتلاعب بالنقود، وتكون المصلحة له في إعطائه طعاماً، أو لباساً ينتفع به من زكاة النقود بقدر القيمة الواجبة، وهذا كله في أصح أقوال أهل العلم". انتهى.
والأفضل من ذلك أن يأخذ توكيلا من الفقراء بشراء الأشياء التي يحتاجون إليها.
قال الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله: " إذا كان أهل هذا البيت فقراء، ولو أعطيناهم الدراهم لأفسدوها بشراء الكماليات والأشياء التي لا تفيد، فإذا اشترينا لهم الحاجات الضرورية ودفعناها لهم، فهل هذا جائز؟
فمعروف عند أهل العلم أن هذا لا يجوز، أي لا يجوز للإنسان أن يشتري بزكاته أشياء عينية يدفعها بدلاً عن الدراهم، قالوا: لأن الدراهم أنفع للفقير، فإن الدراهم يتصرف فيها كيف يشاء، بخلاف الأموال العينية فإنه قد لا يكون له فيها حاجة، وحينئذ يبيعها بنقص.
ولكن هناك طريقة: إذا خفت لو أعطيت الزكاة لأهل هذا البيت صرفوها في غير الحاجات الضرورية، فقل لرب البيت، سواء كان الأب أو الأم أو الأخ أو العم، قل له: عندي زكاة، فما هي الأشياء التي تحتاجونها لأشتريها لكم وأرسلها لكم؟
فإذا سلك هذه الطريقة، كان هذا جائزاً، وكانت الزكاة واقعة موقعها ". انتهى " مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/ السؤال 643) .
والخلاصة: أن إخراج السلع والمواد العينية بدلا من زكاة المال لا تجوز ولا تجزئ، إلا إذا وجدت الحاجة والمصلحة الداعية لذلك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2280)
توفي والده وله عليه دين فهل يلزمه إخراج زكاته؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أصيب والدي بجلطة أقعدته وكان يسكن معي في بيتي وكان له مبلغ 16000 ريال أمانة عندي وقد استخدمت هذا المبلغ في شراء فرش لمنزلي وأبلغت والدي بذلك وبقي هذا المبلغ ديناً في ذمتي لمدة عشر سنوات حتى توفي والدي رحمه الله وسامحني جميع الورثة في هذا المبلغ علما بأنني موظف وأما والدي فلا يعمل بل مقعد. السؤال: هل على هذا المبلغ زكاة طيلة هذه السنوات؟ وهل على والدي إثم أو علي أنا في ترك زكاته؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
أولاً:
ينبغي لمن عليه دين أن يبادر بالوفاء به قبل أن يفاجئه الأجل، حتى لو كان الدين لقريب، فإن كان لا يتمكن من الوفاء به لعسره، نوى سداده متى ما أيسر؛ لقوله عليه الصلاة والسلام عليه الصلاة والسلام: (مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ) رواه البخاري (2387) .
ثانياً:
من له دين على شخص لم يجب عليه أن يؤدي زكاته قبل قبضه، فإن كان الدين على موسر، زكاه إذا قبضه عن كل السنوات التي بقي الدين فيها عند المدين، أما إذا كان الدين على معسر أو غني مماطل فإنه يزكيه لسنة واحدة عند قبضه.
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
"من كان له على مليء دين يبلغ النصاب أو يُكمل بلوغ نصاب عنده، فتجب فيه الزكاة، ويزكيه إذا قبضه لما مضى عليه، سواء كان ذلك سنة أو أكثر، وإن زكاه قبل قبضه فحسن، وإن كان على غير مليء، فيزكيه إذا قبضه لسنة واحدة، وإن مضى عليه أكثر من سنة، وهذا رواية عن الإمام أحمد، وهو قول مالك، وأفتى به الشيخ عبد الرحمن بن حسن وقال: وهو اختيار الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (9/190) .
ثالثاً:
لا إثم على والدك في تأخير إخراج زكاة الدين الذي في ذمتك؛ لأنه ليس في يده، ولأنه لا تجب عليه زكاته إلا بعد قبضه.
قال الحجاوي في "زاد المستقنع ": (ومن كان له دين أو حق من صداق وغيره على مليء أو غيره أدى زكاته إذا قبضه لما مضى،..)
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (6/5) :
وقوله: "أدى زكاته إذا قبضه" أي: لا يلزمه أن يؤدي زكاته قبل قبضه، فهو مرخص له في عدم أداء الزكاة حتى يقبضه.
فإن قال قائل: أليست الزكاة على الفور، فلماذا لا تلزمه الزكاة إذا تم الحول، ولو كان في ذمة غيره؟
فالجواب: أن فيه احتمالا أن يتلف مال من عليه الدين، أو يعسر، أو يجحد نسيانا أو ظلما، فلما كان هذا الاحتمال قائما رُخِصَ له أن يؤخر إخراج الزكاة حتى يقبضه.
فإن أدى الزكاة قبل قبضه ليستريح فله ذلك؛ لأن تأخيرها من باب الرخصة والتسهيل، بل قال أهل العلم: إن ذلك أفضل" انتهى.
وقال أيضاً: " لا يجب على من له دين على شخص أن يؤدي زكاته قبل قبضه؛ لأنه ليس في يديه، ولكن إن كان الدين على موسر، فإن عليه زكاته كل سنة، فإن زكاها مع ماله فقد برئت ذمته، وإن لم يزكها مع ماله وجب عليه إذا قبضها أن يزكيها لكل الأعوام السابقة.." انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/28) .
وعلى هذا، لا إثم عليك ولا على والدك في عدم إخراج زكاة هذا الدين، لأنها لم تكن واجبة عليه.
رابعاً:
إذا تنازل الورثة عن الدين الذي في ذمتك فلا حرج في ذلك، وهذا إن كانوا مكلفين، فإن كان فيهم صغير دون البلوغ فلا يسقط حقه من الميراث من هذا الدين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2281)
لا زكاة في المال الموقوف للزواج
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك جهة تعمل على دعم الشباب في التزويج، فأوقف أهل الخير مبلغاً من المال لتزويج الشاب، فهل يجب على القائمين على هذه المؤسسة إخراج زكاة المال المودع عندهم أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المال الموقوف على جهة عامة كالفقراء أو المساجد أو من يحتاج إلى الزواج لا زكاة فيه، لأنه ليس له مالك معين، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (130229) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"وأما الدراهم التي تبرع بها أهلها للزواج، أو للصدقات، أو للجهاد أو ما أشبه ذلك، فليس فيها زكاة ... ؛ لأنها ليست ملكاً لأحد، إذ إن الموقوف على جهة عامة لا يملكه الموقوف عليه، فهي ليست ملكاً لأحد" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/194) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2282)
جواز تأخير إخراج الزكاة لتُعطى لمبعوث الإمام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعلم أنه لا يجوز تأخير الزكاة عن وقتها، لكن إذا كان الإمام يرسل السعاة لأخذ الزكاة، فأخرها حتى لا تأخذ منه مرة أخرى فهل يأثم أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
يجب إخراج الزكاة على الفور، إذا كمل النصاب وحال عليه الحول.
قال النووي رحمه الله: "يجب إخراج الزكاة على الفور، إذا وجبت، وتمكن من إخراجها، ولم يجز تأخيرها , وبه قال مالك وأحمد وجمهور العلماء؛ لقوله تعالى: (وَآتُوا الزَّكَاةَ) والأمر على الفور.." انتهى من "المجموع" (5/308) .
ولا مانع من تأخيرها لعذر، ومن الأعذار: تأخر الساعي المرسل من قِبل ولي الأمر، وكذا إذا كان ماله غائباً أو لأجل البحث عن أهل الاستحقاق.. ونحو غير ذلك من الأعذار.
وينظر جواب السؤال رقم (87518) .
قال النووي رحمه الله: "لو طلب الإمام زكاة الأموال الظاهرة وجب التسليم إليه ... , فإن لم يطلب الإمام ولم يأت الساعي، وقلنا: يجب دفعها إلى الإمام أَخَّرهَا ربُّ المال ما دام يرجو مجيء الساعي , فإذا أيس منه فرقها بنفسه , نص عليه الشافعي" انتهى من "المجموع" (6/139) مختصراً.
وقال البهوتي في "كشاف القناع" (2/255) : "لا يجوز تأخير إخراج زكاة المال عن وقت وجوبها , مع إمكانه فيجب إخراجها على الفور.... إلا أن يخاف من وجبت عليه الزكاة ضرراً، فيجوز له تأخيرها نص عليه [يعني: الإمام أحمد] ؛ لحديث: (لا ضرر ولا ضرار) ، كرجوع ساعٍ عليه إذا أخرجها هو بنفسه , مع غيبة الساعي أو خوفه على نفسه أو ماله ونحوه؛ لما في ذلك من الضرر" انتهى.
ومعنى "رجوع الساعي عليه": أن يلزمه الساعي بإخراجها مرة أخرى.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عن حكم تأخير الزكاة شهراً أو شهرين لحين وصول مبعوث الحكومة لتسليمها له؟
فأجاب: "الواجب على الإنسان أن يؤدي الزكاة فوراً، كما أن الدين لو كان لا?دمي وجب عليه أن يؤديه فوراً إذا لم يؤجل، وكان قادراً على تسليمه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مطل الغني ظلم) . وقوله: (اقضوا الله، فالله أحق بالقضاء) .
وعلى هذا؛ فالواجب أن الإنسان يبادر بها، لكن إذا أخرها خوفاً من أن تأتي الحكومة وتطالبه بها، فهذا لا حرج عليه، ينتظر حتى يأتي مبعوث الحكومة ويسلمها له " انتهى من "مجموع الفتاوى" (18/305) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: هل يجوز التريث (تأخير دفع الزكاة) بعد حلول الحول بحثا عن المستحقين الحقيقيين؟ لأنه أصبح من الصعب الآن التأكد من وجود الفقراء والمساكين بما تعنيه هذه الكلمة لغة وشرعاً.
فأجابوا: "يجوز التريث في إخراج الزكاة للغرض المذكور في السؤال؛ لما فيه من الحيطة لإبراء الذمة وإيصال الحق إلى مستحقه" انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (9/394) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2283)
توكيل المرأة في تفريق الزكاة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن أن تتولى امرأة تصريف زكوات أموال يعطيها إياها الناس لإخراجها وهى لا تجد بيت مال توجه إليه الزكاة وفى نفس الوقت تعرف ذوي حاجات كثيرين يمكن أن تصرف لهم هذه الأموال؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز للإنسان أن يوكل من يوزع زكاته على المحتاجين، بشرط أن يكون الوكيل ثقة أمينا يعطي الزكاة لمستحقيها، ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة، فيجوز أن تدفع أموال الزكاة لامرأة موثوقة تتحرى إعطاءها للمستحق.
والقاعدة في ذلك: (أنه يشترط في الوكيل أن يكون ممن يصح تصرفه لنفسه في الأمر الذي وُكّل فيه) ، والمرأة لها أن تفرق زكاتها بنفسها، فجاز أن تنوب عن غيرها في ذلك.
قال ابن قدامة رحمه الله: " وكل من صح تصرفه في شيء بنفسه , وكان مما تدخله النيابة , صح أن يوكل فيه رجلا كان أو امرأة , حرا أو عبدا , مسلما كان أو كافرا " انتهى من "المغني" (5/51) .
وينظر: "نهاية المحتاج" (5/18) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2284)
كان لديها شهادات استثمار ولم تعلم تحريمها ولم تخرج زكاتها
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أملك 6 شهادات استثمار في البنك الأهلي المصري قيمة الشهادة الواحدة 10000 جنيه مصري وعلى ذلك تكون قيمتها كلها 60000 جنيهاً مصرياً، وقد اشتريتها عام 1992 وكانت مدتها 10 سنوات فأصبحت قيمتها عند استلامها 333000 جنيهاً مصرياً، وعندما أخذت المبلغ قمت ببناء منزل عادي جداً لي ولأسرتي في غزة لأن زوجي فلسطيني وكلفني المنزل أكثر من ذلك، ولم أكن أعلم أنه يجب إخراج الزكاة عن هذا المبلغ. والآن أريد أعرف هل يجب إخراج الزكاة عليها؟ وكم هي القيمة المستحقة عن المبلغ وإذا لم أكن أملك هذه القيمة؟ ماذا أفعل لأننا في فلسطين!!!]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
من ملك مالا يبلغ نصابا، وهو ما يعادل قيمة 85 جراما من الذهب أو 595 جراماً من الفضة، لزمه زكاته، ولو كان مدخرا في البنك، فيزكيه كلما حال عليه الحول، بإخراج ربع العشر 2.5%.
فإن ترك زكاته، فقد قصر وأساء؛ لأن الزكاة فريضة محكمة لا يجوز التهاون فيها، فيلزمه أن يزكي ما مضى من السنوات.
ثانيا:
شهادات الاستثمار من البنك الأهلي محرمة، لأنها قائمة على الربا، وقد بينا في جواب السؤال رقم 98152 أنه لا فرق بين شهادات الاستثمار من الفئة (أ) أو (ب) أو (ج) أي سواء كانت ذات عائد ثابت أو متغير (ذات الجوائز) بل هذا النوع الأخير أقبح، لاشتماله على الميسر مع الربا. وفي السؤال المحال عليه قرار لمجمع الفقه الإسلامي بتحريم هذه الشهادات.
وعليه: فالزكاة إنما تجب في أصل المال المباح، وهو 60000، تزكينها عن كل سنة ماضية وزكاتها عن كل عام: 1500 جنيه.
وما زاد عن ذلك فهو مال محرم، لا يزكى؛ لأن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا.
ثالثا:
المال الحرام يلزم التخلص منه، بإعطائه للفقراء والمساكين، أو وضعه في المشاريع الخيرية.
وما أُنفق منه قبل التوبة لا يلزم إخراج بدله.
وقد ذكرت أنك أنفقت المبلغ في بناء المنزل، فلم يبق منه شيء.
وعليه؛ فلا يزمك شيء في هذا المال، ولك الانتفاع بالمنزل والسكنى فيه، مع التوبة إلى الله تعالى من التقصير في السؤال عن حكم هذه الشهادات قبل شرائها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2285)
بناء البيوت زيادة عن الحاجة والزكاة فيها
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في حديث أن من بنى بيوتاً زيادة عن حاجته فإنه سيأتي يوم القيامة يحمل هذه البيوت على ظهره. إذا دفع الشخص الزكاة المفروضة عن البيوت الزائدة، فهل سيحمل هذا الحمل يوم القيامة أيضاً؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا نعلم هذا الحديث الذي أشرت إليه، والذي ثبت أنه يحمل على ظهره شيئاً يوم القيامة هو الذي يأخذ الأشياء في الدنيا من الناس بغير حقٍّ جحداً أو سرقة أو غلولاً من المعركة قبل توزيع الغنائم.
كما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قام فينا النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الغلول فعظَّمه وعظَّم أمره، قال: " لا ألفين أحدكم يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء، على رقبته فرس له حمحمة، يقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك، وعلى رقبته بعير له رغاء، يقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك، وعلى رقبته صامت، فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك، أو على رقبته رقاع تخفق، فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك. رواه البخاري (2908) ومسلم (1831) .
ثغاء: صوت الشاة.
حمحمة: صوت الفرس.
رغاء: صوت البعير.
صامت: الذهب والفضة.
رقاع تخفق: ثياب تتحرك.
ثانياً:أما بناء المسلم وتوسعه إلى حد يزيد عن حاجته وحاجة من يعولهم فقد قال ابن حزم:
(اتفقوا على أن بناء ما يستتر به المرء هو وعياله من العيون والبرد والحر والمطر فرض، أو اكتساب منزل أو مسكن يستر ما ذكرنا … واتفقوا أن الاتساع في المكاسب والمباني من حل إذا أدى جميع حقوق الله تعالى مباح، ثم اختلفوا فمن كاره ومن غير كاره) اهـ. مراتب الإجماع (ص155) .
والذي ينبغي أن يكون عليه المسلم هو عدم التوسع في أمور الدنيا، والاقتصار على ما يحتاج إليه استدلالا بعموم الآيات الناهية عن الإسراف كقوله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأعراف/31. وقوله تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) الفرقان/67.
وروى الترمذي (4283) عن خباب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن العبد ليؤجر في نفقته كلها إلا في التراب أو قال في البناء) . صححه الألباني في صحيح الترمذي. ورواه البخاري (5672) من قول خباب رضي الله عنه. قال ابن حجر: وهو محمول على ما زاد عن الحاجة اهـ.
ويستدل على هذا أيضا بما كان عليه حال النبي صلى الله عليه وسلم من الترفع عن الانشغال بالدنيا، وتحذيره أمته عن انفتاح الدنيا عليهم كما في الحديث: (فَوَاللَّهِ لا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ وَلَكِنْ أَخَشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمْ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ) . رواه البخاري (3158) ومسلم (2961) .
ثالثاً:
والبيوت التي يبنيها المسلم لأهله وأولاده ليست فيها زكاة، ولو ارتفعت قيمتها، والبيوت التي يبنيها ليؤجرها ليس فيها زكاة في ذاتها، بل تجب الزكاة في الأجرة إذا بلغت النصاب ومضى عليها حول كامل.
والبيوت التي يبنيها ليبيعها فيها الزكاة؛ إذ هي من عروض التجارة، فعليه في نهاية الحول تقدير أثمانها وإخراج زكاتها، ومقدار الزكاة: ربع العشر من إجمالي قيمتها. وانظر في تفصيل المسألة وأدلتها إجابة السؤال (10823) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2286)
هل له أن يستفيد من مساعدة الضمان الاجتماعي، وهو من آل البيت؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يحق لي أن أستفيد من مساعدة الضمان الاجتماعي، مع العلم أني يرجع نسبي لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وما هو حكم الراتب الذي تصرفه التأمينات الاجتماعية؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
مؤسسة الضمان الاجتماعي في بلاد الحرمين الشريفين هي مؤسسة تُعنى بالفقراء والمحتاجين، وتقدِّم لهم المساعدات، وهي مؤسسة حكومية غير ربحية، بخلاف مؤسسات الضمان في عامة البلدان.
ويجوز لمن كان محتاجاً، وتنطبق عليه الشروط التي وضعتها الدولة لمن يحق له الاستفادة من أموال " الضمان الاجتماعي ": يجوز له أن يستفيد منها، ويأخذ منها ما تصرفه له الدولة، حتى لو كان من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما الممنوع في حقهم هو أخذ مال الزكاة الواجبة، وليس مال صدقة التطوع.
وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
نحن أسرة متوسطة الحال، ومن أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولدينا وثائق تثبت ذلك، وقد بلغ والدي سن الستين، حيث تنطبق عليه شروط الالتحاق بالضمان الاجتماعي، وقد طلبنا من الوالد الاستفادة من الضمان الاجتماعي، لكنه رفض؛ لأن هناك حديثا عن الرسول صلى الله عليه وسلم ينص على عدم إعطاء الزكاة والصدقة لأهل بيته، وسؤالي هل يعتبر الضمان الاجتماعي في حكم الصدقة أم لا؟ .
فأجاب:
"إذا توافرت في والدك الشروط المعتبرة فيمن يستفيد من مصلحة الضمان الاجتماعي: فإنه يحل له أخذ ذلك؛ لأنه مساعدة من بيت المال للفقراء الذين تتوافر فيهم الشروط المطلوبة، وليس هو من الزكاة حسب إفادة الجهة المسئولة عن ذلك" انتهى.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (14 / 315) .
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى:
نحن ممن ينتسب إلى بني هاشم، ويوجد من بيننا محتاجون، وفقراء، ومساكين، بل من أفقر الناس، ولا يوجد لديهم ما ينفقون سوى " الضمان الاجتماعي " للعجزة، وكبار السن فقط، فهل يجوز إعطاؤهم الصدقة، سواء كانت هذه الصدقة من هاشمي مثلهم، أو من غير هاشمي؟ وما الحكم إذا أعطيت لهم؟ .
فأجاب:
"إذا كانت الصدقة صدقة تطوع: فإنها تُعطى إليهم، ولا حرج في هذا، وإن كانت الصدقة واجبة: فإنها لا تعطى إليهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما هي أوساخ الناس) ، وبنو هاشم شرَّفهم الله عز وجل بألا يأخذوا من الناس أوساخهم، أما صدقة التطوع: فليست وسخاً في الواقع، وإن كانت لا شك تكفر الخطيئة، لكنها ليست كالزكاة الواجبة، ولهذا ذهب كثير من العلماء إلى أنهم يعطون من صدقة التطوع، ولا يعطون من الصدقة الواجبة" انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (18 / جواب السؤال رقم 613) .
بل حتى الزكاة يجوز أن تُدفع لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم في حال عدم أخذهم من سهم الغنائم، كما هو الحال في وقتنا الحالي، بشرط أن لا يتوفر لهم مصدر آخر غير الزكاة.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (111802) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2287)
هل يدفع الزكاة في وقتها أم يؤخرها شهرا ليحج؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قد أديت بفضل الله حج الفريضة أنا وزوجتي سابقا ولكنى هذا العام أعمل بالسعودية ويتيسر لي الحج ثانية ولكن توافق ميعاد دفع زكاة المال في نفس شهر الحجز للحج وأنا هذا الشهر ليس في راتبي ما يكفي للاثنين معا فهل يجوز أن أحجز الحج هذا الشهر ثم أخرج الزكاة الشهر القادم مباشرة أم لا يجوز؟ علما بأن لي ابنة بلغت الحلم هذا العام أريد أن تحج معي هذه المرة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الزكاة واجبة على الفور في قول جمهور العلماء، فإذا بلغ المال نصابا وحال عليه الحول وجب إخراج زكاته، ولم يجز تأخيرها، ولا يستثنى من ذلك إلا حالات يسيرة كغيبة المال أو انتظار فقير يستحقها ونحو ذلك.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/289) : " وتجب الزكاة على الفور , فلا يجوز تأخير إخراجها مع القدرة عليه , والتمكن منه , إذا لم يخش ضررا. وبهذا قال الشافعي ... فأما إذا كانت عليه مضرة في تعجيل الإخراج , مثل من يحول حوله قبل مجيء الساعي , ويخشى إن أخرجها بنفسه أخذها الساعي منه مرة أخرى , فله تأخيرها. نص عليه أحمد. وكذلك إن خشي في إخراجها ضررا في نفسه أو مال له سواها , فله تأخيرها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) فإن أخرها ليدفعها إلى من هو أحق بها , من ذي قرابة , أو ذي حاجة شديدة , فإن كان شيئا يسيرا , فلا بأس , وإن كان كثيرا , لم يجز " انتهى.
وعليه؛ فالواجب أن تخرج زكاة مالك في وقتها، وأما الحج فإن تيسر لك من يقرضك إلى أول الشهر فبها ونعمت، وإلا فإنه غير لازم لك وقد سبق لك الحج والحمد لله، ومعلوم أنه لا يجوز ترك الواجب لفعل المندوب، فبادر بفريضة الزكاة التي هي قرينة الصلاة في كتاب الله، وهي أفضل من الحج، وسل الله التيسير، فإن وجود المقرض ليس بالأمر العسير.
وبالنسبة لحج ابنتك، فما دامت ليس لها مال تحج به فالحج غير واجب عليها، فلتنتظر حتى يغنيها الله تعالى من فضله، وييسر لها الحج في عام آخر.
وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2288)
لم ينته المشروع التجاري بعد مرور أكثر من عام، فكيف تحسب الزكاة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أتى لي مبلغ من مكافأة، وهو مبلغ 30.000 جنيهاً، وكان ذلك في شهر " فبراير " الماضي 2007، وقد أعطيت هذا المبلغ لقريب لي للاشتراك في فتح صيدلية، ولكن لم يتم الانتهاء من المشروع حتى الآن لظروف لا دخل لي فيها. والسؤال: هل على هذا المبلغ زكاة مال، علماً بأنني ليس معي الآن مبلغ 750 جنيها، وإذا كان الجواب بنعم فهل مطلوب استلافهم؟ مع العلم بأنني مدين لشخص آخر بمبلغ 20.000 جنيهاً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الراجح من أقوال العلماء أن الدَّيْن لا يمنع وجوب الزكاة، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (22426) ، ورقم (83903) .
وعليه، فالدَّيْن الذي عليك وهو (20.000) جنيهاً لا يُخصم من أموالك التي تجب فيها الزكاة، ولا يؤثر في وجوب الزكاة عليك.
ثانياً:
أما بخصوص المال الذي دفعته لقريبك لفتح مشروع تجاري وهو " صيدلية ": فإننا لا ندري عن طبيعة العقد بينك وبينه، هل هو مضاربة أم ماذا؟
ولكن بما أن هذا المشروع لم يتم بعد، فهذا المبلغ لا يخلو من الاحتمالات التالية:
الأولى: أن يكون كله أو جزء منه بيد ذلك القريب لم ينفقه بعد.
الثانية: أن يكون كله أو جزء منه تحوَّل إلى بضاعة (أدوية وغيرها) .
الثالثة: أن يكون أُنفق منه على تجهيز المحل.
فما كان من هذا المال باقياً أو تحول إلى بضاعة ففيه الزكاة، وهي ربع العشر 2.5 %، وينبغي التنبه إلى أن البضاعة تُقوم بالثمن الذي تباع به لا الذي اشتريت به.
وانظر جواب السؤال رقم: (26236) .
وما أنفق من هذا المال في تجهيزات الصيدلية، فلا زكاة فيه.
وإذا تم شراء بعض البضاعة بالتقسيط، فينظر حصتك من هذه البضاعة ثم تخرج زكاتها.
ثالثاً:
من وجبت عليه الزكاة وليس عنده نقود: فإنها تبقى الزكاة في ذمته، حتى يؤديها، ويمكنك إخراج زكاة البضاعة من البضاعة نفسها، فيمكنك إعطاء بعض الأودية لفقير محتاج إليها وتحسب ذلك من الزكاة، وانظر جواب السؤال (22449) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2289)
حكم من نوى بالصدقة والزكاة نماء ماله فقط
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الناس يقول: إني لا أزكي مالي أو لا أتصدق إلا بقصد نماء هذا المال والبركة فيه فما توجيهكم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا بأس بذلك، وقد نبه الله على مثل ذلك في قول نوح عليه السلام لقومه: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مُدْرَاراً) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما نقصت صدقة من مال) . وقال صلى الله عليه وسلم: (من أحب أن يُنسأ له في أثره، ويبسط له في رزقه فليصل رحمه) ، ولم يجعل الله عز وجل هذه الفوائد الدنيوية إلا ترغيباً للناس، وإذا كانوا يرغبون فيها فسوف يقصدونها، لكن من قصد الآخرة حصلت له الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ) الشورى/20، يعني نعطيه الدنيا والآخرة، أما الاقتصار في أداء العبادة على رجاء الفوائد الدنيوية فقط فلا شك أن هذا قصور في النية سببه تعظيم الدنيا ومحبتها في قلب من يفعل ذلك" انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
"لقاءات الباب المفتوح" (3/505) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2290)
هل الأفضل إخراج الزكاة في رمضان؟
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت أن إخراج الزكاة في رمضان أفضل من إخراجها في غيره من الأشهر. فهل هذا صحيح؟ وما الدليل على ذلك؟ علماً أن وقت إخراج الزكاة الأصلي قد يكون قبل أو بعد رمضان.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: الزكاة إذا حال عليها الحول وجب إخراجها إلا أن تكون زكاة زروع فيجب إخراجها يوم الحصاد لقوله تعالى: {وآتوا حقه يوم حصاده} سورة الأنعام/ 141
ويجب إخراجها أول ما يحول الحول لقوله تعالى: (سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض) الحديد/21
قال ابن بطال:
إن الخير ينبغي أن يبادر به فإن الآفات تعرض، والموانع تمنع، والموت لا يؤمن، والتسويف غير محمود.
قال ابن حجر: وزاد غيره:
وهو أخلص للذمة وأنفى للحاجة وأبعد عن المطل المذموم وأرضى للرب وأمحى للذنب " فتح الباري " (3 / 299) .
ثانياً: لا يجوز تأخير الزكاة بعد حلول موعدها إلا لعذر.
ثالثاً: يجوز إخراج الزكاة قبل انتهاء الحول بطريق التعجيل.
وتعجّل الزكاة: أداؤها قبل موعدها بحولين فأقل.
عن علي أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم: تعجَّل من العباس صدقة سنتين.
رواه أبو عبيد القاسم بن سلاَّم في " الأموال " (1885) . وقال الألباني في " الإرواء " (3 / 346) : حسن.
وفي رواية:
عن علي أن العباس سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعجيل صدقته قبل أن تحل فرخص له في ذلك. رواه الترمذي (673) وأبو داود (1624) وابن ماجه (1795) .
وصححه الشيخ أحمد شاكر في " تحقيق المسند " (822) .
رابعاً: الصدقة والإحسان إلى الناس بالمال في رمضان أفضل من غيره من الشهور.
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ. رواه البخاري (6) ومسلم (2308) .
قال النووي: وَفِي هَذَا الْحَدِيث فَوَائِد مِنْهَا: اِسْتِحْبَاب إِكْثَار الْجُود فِي رَمَضَان اهـ.
فمن كانت زكاته في رمضان، أو بعد رمضان ولكنه أخرجها في رمضان متعجلاً ليدرك فضيلة الزكاة في رمضان فإن هذا لا بأس به. أما إن كانت زكاته تجب قبل رمضان (كشهر رجب مثلاً) فأخرها حتى يخرجها في رمضان فإن هذا لا يجوز. لأنه لا يجوز تأخير الزكاة عن وقتها إلا لعذر.
خامساً: قد يعرض من الأسباب ما يجعل إخراج الزكاة في غير رمضان أفضل من إخراجها في رمضان. كما لو حدثت كارثة عامة أو مجاعة في بعض بلاد المسلمين كان إخراج الزكاة في هذا الوقت أفضل من كونها في رمضان. وكما لو كان كثير من الناس يخرجون زكاتهم في رمضان فتسد حاجات الفقراء، ثم لا يجد الفقراء من يعطيهم في غير رمضان فهنا إخراجها في غير رمضان أفضل ولو أدى ذلك إلى تأخير الزكاة عن وقتها، مراعاةً لمصلحة الفقراء.
سادساً: قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
يجوز تأخير الزكاة لمصلحة الفقراء لا للضرر بهم، فمثلاً عندنا في رمضان يكثر إخراج الزكاة ويغتني الفقراء أو أكثرهم، لكن في أيام الشتاء التي لا توافق رمضان يكونون أشدّ حاجةً، ويقل من يخرج الزكاة، فهنا: يجوز تأخيرها لأن في ذلك مصلحة لمستحقها. " الشرح الممتع " (6 / 189) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2291)
لا يجوز تأخير الزكاة إلى رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[زكاة أموالي سوف تكون قبل شهر رمضان، فهل يجوز لي أن أؤخرها إلى رمضان لأن الزكاة في رمضان أفضل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا مَرَّ الحولُ على ملك النصاب وجب إخراج الزكاة على الفور، ولا يجوز تأخيرها بعد الحول مع القدرة على إخراجها.
قال الله تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) آل عمران/133.
وقال: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ) الحديد/21.
ولأن الإنسان إذا أخرها لا يدري ما يعرض له، فقد يموت ويبقى الواجب في ذمته، وإبراء الذمة واجب.
ولأن حاجة الفقراء قد تعلقت بها، فإذا أخرها بعد الحول بقي الفقراء محتاجين ولا يجدون ما يكفيهم ويسد حاجتهم. انظر الشرح الممتع (6/187) .
وسئلت اللجنة الدائمة عن رجل ملك النصاب في شهر رجب ويريد إخراج الزكاة في رمضان.
فأجابت اللجنة:
تجب الزكاة عليك في شهر رجب من السنة التالية للسنة التي ملكت فيها النصاب. . . لكن إن رغبت في إخراجها في رمضان الذي بالسنة التي ملكت فيها النصاب تعجيلاً لها قبل أن يحول الحول جاز ذلك إذا كانت هناك حاجة ملحة لتعجيلها، أما تأخير إخراجها إلى رمضان بعد تمام الحول في رجب فهذا لا يجوز لوجوب إخراجها على الفور اهـ باختصار. فتاوى اللجنة (9/392) .
وفي فتوى أخرى (9/395) :
من وجبت عليه زكاة وأخرها بغير عذر مشروع أثم، لورود الأدلة من الكتاب والسنة بالمبادرة بإخراج الزكاة في وقتها اهـ
وفي فتوى أخرى (9/398) :
لا يجوز تأخير إخراج الزكاة بعد تمام الحول إلا لعذر شرعي، كعدم وجود الفقراء حين تمام الحول، وعدم القدرة على إيصالها إليهم، ولغيبة المال ونحو ذلك. أما تأخيرها من أجل رمضان فلا يجوز إلا إذا كانت المدة يسيرة، كأن يكون تمام الحول في النصف الثاني من شعبان فلا بأس بتأخيرها إلى رمضان اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2292)
متى يفطر الصائم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الأفضل أن أفطر بعد غروب الشمس أم أنتظر حتى يذهب الضوء من السماء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
السنَّة تعجيل الفطر وهو أن يفطر بعد غروب الشمس مباشرة، بل إن تأخيره إلى أن تشتبك النجوم من فعل اليهود وتبعهم عليه الرافضة، فلا ينبغي التأخير المتعمد حتى يمسي الصائم جدّاً، ولا أن يؤخر إلى آخر الأذان، فكل ذلك ليس من هديه صلى الله عليه وسلم.
عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يزال الناس بخير ما عجَّلوا الفطر ". رواه البخاري (1856) ومسلم (1098) .
قال النووي:
فيه الحث على تعجيل الفطر بعد تحقق غروب الشمس , ومعناه: لا يزال أمر الأمة منتظماً وهم بخير ما داموا محافظين على هذه السنَّة , وإذا أخروه كان ذلك علامة على فسادٍ يقعون فيه " شرح مسلم " (7 / 208) .
وعن ابن أبي أوفى رضي الله عنه قال: كنتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فصام حتى أمسى فقال لرجل: انزل فاجدح لي، (المراد إعداد نوع معين من الطعام ليُفطر عليه) قال: لو انتظرت حتى تمسي، قال: انزل فاجدح لي، إذا رأيت الليل قد أقبل من ها هنا فقد أفطر الصائم. رواه البخاري (1857) ومسلم (1101) .
وعن أبي عطية قال: دخلت أنا ومسروق على عائشة فقلنا: يا أم المؤمنين رجلان من أصحاب محمَّد صلى الله عليه وسلم أحدهما يعجل الإفطار ويعجل الصلاة، والآخر يؤخر الإفطار ويؤخر الصلاة، قالت: أيهما الذي يعجل الإفطار ويعجل الصلاة؟ قال: قلنا: عبد الله - يعني: ابن مسعود - قالت: كذلك كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
رواه مسلم (1099) .
قال الحافظ ابن حجر:
تنبيه:
من البدع المنكرة ما أحدث في هذا الزمان من إيقاع الأذان الثاني قبل الفجر بنحو ثلث ساعة في رمضان , وإطفاء المصابيح التي جعلت علامة لتحريم الأكل والشرب على من يريد الصيام زعما ممن أحدثه أنه للاحتياط في العبادة ولا يعلم بذلك إلا آحاد الناس , وقد جرهم ذلك إلى أن صاروا لا يؤذنون إلا بعد الغروب بدرجة لتمكين الوقت - زعموا - فأخروا الفطر وعجلوا السحور وخالفوا السنَّة , فلذلك قل عنهم الخير وكثُر فيهم الشر, والله المستعان.
" فتح الباري " (4 / 199) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2293)
كيف يزكي من له ديون وتجارة وعليه ديون؟
[السُّؤَالُ]
ـ[علي دين للبنك وهو تمويل إسلامي وقد أخرجته لغرض التجارة وقد خسرت ثلاثة أرباع هذا التمويل، الربع الباقي باقي على شكل دين عند صاحبي واستلفت مبلغا آخر من شخص شغلته في التجارة (اشتريت معدة من المعدات الثقيلة لغرض بيعها ومر عام كامل ولم تبع) فكم زكاتي التي يجب أن أخرجها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
من ملك مالاً تجب زكاته، وكان عليه دَيْن، فالزكاة واجبة عليه، ولا أثر لهذا الدَّيْن، وهو مذهب الإمام الشافعي رحمه الله؛ لعموم الأدلة الدالة على وجوب الزكاة على من ملك نصاباً، ولأن النبي صلى الله عليه ومسلم كان يرسل عماله لقبض الزكاة ولا يأمرهم بالاستفصال هل على أصحاب الأموال ديون أو لا؟ ولأن الزكاة تتعلق بعين المال، والدين يتعلق بالذمة، فلا يمنع أحدهما الآخر.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " وأما الدين الذي عليه فلا يمنع الزكاة في أصح أقوال أهل العلم " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (14/189) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " والذي أرجحه أن الزكاة واجبة مطلقا، ولو كان عليه دين ينقص النصاب، إلا دَيْناً وجب قبل حلول الزكاة فيجب أداؤه، ثم يزكي ما بقي بعده " انتهى من "الشرح الممتع" (6/39) .
وينظر: "المجموع" (5/317) ، "نهاية المحتاج" (3/133) ، "الموسوعة الفقهية"
(23/247) .
ثانيا:
الدين الذي للإنسان على غيره، فيه تفصيل عند الفقهاء:
أ - إن كان الدين على غني قادر على السداد، باذلٍ للدَّيْن، أي يمكن استيفاء الدين منه عند طلبه، فتجب زكاته، كل سنة، ويجوز أن يؤخر إخراج الزكاة حتى يقبض المال، فإن قبضه زكاة لما مرَّ من السنين.
ب- وإن كان الدين على فقير أو جاحد للدين ولا بينة تُثبته، فهذا لا زكاة فيه، والأحوط لصاحب المال: أن يزكيه إذا قبضه، لسنة واحدة، وهو مذهب المالكية.
وينظر: "المغني" (2/345) ، "الموسوعة الفقهية" (23/238) .
ثالثا:
من اشترى شيئا بنية التجارة، وحال عليه الحول، وهو بالغ نصابا بنفسه أو بما ينضم إليه من نقود أخرى، وجب أن يزكيه زكاة التجارة، فيقومّه في نهاية الحول، حسب سعر السوق، ويخرج ربع العشر من قيمته.
وينظر جواب السؤال رقم (26236) ورقم (42072) .
والحاصل: أنك تنظر فيما في يدك من المال، وفيما لك عند صديقك، وفي قيمة الآلة المعدة للبيع، فتزكي الجميع – إذا توفرت الشروط السابقة - دون نظر إلى الدَّيْن الذي عليك.
ونسأل الله تعالى أن يقضي دينك، ويخلف عليك، ويزيدك من فضله، ويعينك به على طاعته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2294)
أودع والدهم مالا في مصرف أجنبي ووضعه المصرف في أسهم
[السُّؤَالُ]
ـ[كان أبي يضع أمواله في بنك أوربي من سنة 1978 وتوفي سنة 1993 وفي عام 2005 سافرت أنا وأمي إلى البنك فرفضوا إطلاعنا على الرصيد، أو السحب منه، لكن أعطونا جزءاً منه لتكاليف الإقامة والسفر. وطلب منا المصرف أوراق الفريضة الشرعية لتوزيع المال على الورثة. وعدنا مرة أخرى عام 2006 وتبين أن المصرف باسمه القديم أغلق ودخل تحت اسم جديد (المجموعة العالمية للمصارف الأمريكيةAIG) . ووجدنا أن نظام استثماراته في شراء أسهم بأموال أصحاب الحسابات، في شركات التأمين، والأدوية، والألبان، والمثلجات، ومياه الشرب، وشراء الأراضي وبيعها، والاستثمار في بعض المصارف الأخرى، وذلك مبين في الأوراق التي يعطونها نهاية كل عام، والتي تبين كم أخذ من حسابك وكم رجع لك من الأرباح. والأموال مقسمة لتوضح في أي الشركات وأي الأنشطة التي دخل فيها. لكن لا يمكننا معرفة رأس المال الذي وضعه أبي، وأقصى حد لمعرفة الرصيد هو في سنة 1996. وقد يعطي البنك قروضاً ربوية بفائدة 1% في حالات استثنائية، لكنهم قالوا هذه الفائدة يأخذها أصحاب البنك وليس أصحاب الحسابات. وقد لا أستطيع أخذ المال مرة واحدة والرجوع به إلى بلدي، فما رأيكم في هذه الأموال؟ وأنا قادر علي أخذ الأموال المتحصلة من مجالات الأغذية وغيرها وترك ما فيه شبهة حسب ما هو مبين في الأوراق التي يعطيها المصرف؟ وأعلمونى كيفية إخراج الزكاة عن تلك الفترة الماضية؟ وهل أخرج الزكاة عن كل مبلغ آخذه كل مرة أم على العوائد السنوية؟ وإن كنت أخذت منه عامين متتالين في أشهر مختلفة، وأنا أريد التطهر من المال الذي فيه شبهة فهل أعطيه للفقراء أم لبناء المساجد أم لمساعدة الشباب العاطل وفتح مشاريع لهم وللناس الذين عليهم ديون ولهم وظائف؟ وهل تحسب الزكاة على هذه الأموال المخرجة أم لا؟ ملاحظة: نظام المصرف علي الربح والخسارة (balanced strategy) أي غير محدد بقيمة ثابتة للربح وقال لي أيضا عند إعلان إفلاسه أنك لا تخسر أموالك. وهذا في الأغلب لا يحدث.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا يجوز وضع المال في البنك الربوي، إلا لضرورة حفظه عند عدم وجود بنك الإسلامي. والبنك الربوي لا تنفك معاملاته عن الحرام، إما بالإقراض بالربا ولو بنسبة 1%، أو الاستثمار في الشركات المحرمة كالتأمين، أو الشركات التي تتعامل بالحرام، أو المضاربة في مال العملاء مع ضمان رأس المال، وغير ذلك مما حرمه الله، لأنه لم يؤسس على التقوى، وإنما أسس لجمع المال بأي طريقة.
ولهذا يجب سحب المال من هذا البنك، والاجتهاد في ذلك، وعدم التراخي فيه.
ثانيا:
نرى أن تأخذ جميع المال الموجود في البنك، ثم تتخلص من الجزء المحرم، وهو ما نتج عن الدخول في أسهم شركات التأمين، وما نتج عن الاستثمار في البنوك الأخرى، ولك الانتفاع برأس المال الذي وضع في هاتين الجهتين.
والتخلص من المال يكون بصرفه في أوجه البر المختلفة، فيجوز إعطاؤه للفقراء، أو لمساعدة الشباب العاطل، أو في سداد ديونهم أو في بناء مسجد. ولا زكاة في هذا المال، لأنه مال حرام، ولهذا وجب التخلص منه.
ثالثا:
الذي يظهر _ والله أعلم _ أن هذا المال لا زكاة فيه، لأنك لا تملكه ملكاً كاملاً، فلا تستطيع التصرف فيه، أو السحب منه، أو تحويله، أو حتى معرفة قدره.
والأحوط لك: أن ما تقبضه من الأموال من البنك تخرج زكاته عن عام واحد فقط، أي تخرج منه 2.5%.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2295)
زكاة العملات إن جمعت على سبيل الهواية
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي هواية جمع العملات من عدة دول مختلفة، وأنا أحتفظ بها أكثر من 4 سنوات وسمعت أنه يجب أن أقوم بدفع الزكاة، وأنا لم أدفع شيئاً حتى الآن من الزكاة - علماً بأن مجموعها قرابة الألف -، فكيف أزكي تلك العملات؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم تبين في سؤالك هل ما جمعته من العملات القديمة، أو الحديثة التي لا يزال الناس يتعاملون بها؟ .
والعملات لا تخلو من حالتين:
الحال الأولى: أن تكون العملات التي جمعتها قديمة، وقد انتهى التعامل بها، فهذه نوعان:
1. أن تكون العملة من الذهب والفضة، فهذه تجب فيها الزكاة إذا كانت نصاباً بنفسها، أو كان عندك من الذهب أو الفضة ما يكمل النصاب، فتزكيها كل سنة.
ونصاب الذهب 85 جراما ونصاب الفضة 595 جراما.
2. أن تكون العملة من غير الذهب والفضة، وقد انتهى التعامل بها الآن، فهذه لا تجب فيها الزكاة؛ لأنها فقدت قيمتها النقدية.
الحال الثانية: أن تكون العملات التي جمعتها هي عملات قائمة الآن ومتداولة، فهذه فيها الزكاة سواء كانت من ذهب أو فضة، أو كانت من الأوراق النقدية المعروفة أو من المعادن إذا بلغت نصابا، وسبق بيان نصاب الذهب والفضة، أما نصاب النقود فهو إذا بلغت النقود قيمة نصاب الذهب أو الفضة أيهما أقل.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: لي قريب كان لديه هواية في جمع العملات الأجنبية قديماً , وانقطع عنها , فهل يزكي عنها أم لا؟ وإذا كانت هذه العملات قد مضى عليها الزمن ولا يتعامل بها , فما الحكم؟
فأجاب: " إذا كان اتخذها على سبيل التجارة أي: يتكسب فيها , فيشتري هذه العملة بـ (10) ثم يبيعها بعد ذلك بـ (20) ، فهذه عروض تجارة , تقدر قيمتها عند تمام الحول، ويخرج ربع العشر، وأما إذا كان مجرد هواية واقتناء فإن بقيت ماليتها أي: مالية هذه النقود , فهي على قيمتها تزكى قيمتها , وإن أبطلت وانتهى التعامل بها، فلا شيء فيها " انتهى.
فعلى هذا، إذا كانت هذه العملات التي معك هي من الذهب أو الفضة، أو كانت يتعامل بها الآن ففيها الزكاة، وعليك الاجتهاد في تقويمها لكل سنة مضت وإخراج الزكاة، وهو ربع العشر.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2296)
أعطاه الزكاة ثم أهداها الفقير إليه، فهل يقبلها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أعطى الرجل زكاته لمن يستحقها ثم أهداها له مَنْ أخذها فهل يقبلها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" إذا أعطى الرجل زكاته من يستحقها ثم أهداها له، فلا بأس بذلك إذا لم يكن بينهما مواطأة، والأحوط أن لا يقبلها " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/472) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2297)
زكاة المال المتوفر من قرض الصندوق العقاري
[السُّؤَالُ]
ـ[اقترض رجل فقير من صندوق التنمية العقاري لإقامة مبنى سكن، وبعد أن نفذ المبنى وسكن فيه توفر لديه زيادة من القرض، بعد ذلك أنفق هذا المبلغ الزائد معه في تجارة، ويسدد هذا الرجل أقساط البنك من المتوفر من هذا المبلغ، فهل تجب عليه الزكاة في هذا المال، وهل يعتبر هذا المال ملكاً له أم للدولة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" هذا المال يعتبر ملكاً له، حكمه حكم سائر ماله، وتجب فيه الزكاة إذا تم حوله بعد قبضه من البنك إذا كان نصاباً بنفسه، أو مع ما لديه من المال بأرباحه.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. الشيخ عبد الرازق عفيفي.. الشيخ عبد الله بن غديان.. الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (9/316) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2298)
الزكاة تجب على المقرض لا على المقترض
[السُّؤَالُ]
ـ[أخذت من رجل مبلغاً وقدره خمسة آلاف، ولما أخذتها وقضيت بها حاجتي قال لي: عليك زكاة المال الذي أخذته مني، فقلت له: إنه لا يجوز أن أزكيها. فقال لي: أعدها إليّ كي أزكيها أنا، ولكن لم أجدها في ذلك الوقت فاضطررت أن أخرج زكاتها، فهل في هذه الحالة يلزمني شيء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" ما فعله هذا الرجل محرم من وجهين:
الوجه الأول: أنه طلب زيادة عن القرض، والقرض لا يجوز أخذ الزيادة أو المنفعة عليه من المقرض؛ لأنه عقد إرفاق يقصد به الثواب والأجر، فلا يجوز للمقرض أن يأخذ من المقترض زيادة على القرض وأن يفرضها عليه فرضاً أو يشترطها عليه اشتراطاً؛ لأن هذا يكون من الربا، بل هو من أعظم الربا، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (كل قرض جر نفعاً فهو ربا) . والحديث وإن كان فيه مقال؛ ولكن إجماع أهل العلم على ذلك، أن المقرض لا يجوز أن ينتفع من مال المقترض بسبب القرض.
فهذا الذي فعله هذا الرجل يكون ربا، وعلى هذا الرجل أن يتوب إلى الله وأن يرد هذه الزيادة التي أخذها منك وفرضها عليك.
الوجه الثاني: أن زكاة المال إنما تجب على المالك ولا تجب على غيره، فإلزامه إياك بدفع الزكاة لا يبرئ ذمته منها؛ لأن الزكاة واجبة على صاحب الدين، ودفعها مطلوب منه " انتهى.
"المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (2/304) .
"مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (2/505) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2299)
يسأل عن قدر الزكاة وهل ينقلها إلى بلد إسلامية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أعرف ما هي القيمة التي يجب إخراجها بعد حلول العام على ألف أويرو (1000صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) وهل أستطيع أن أخرجها في بلاد إسلامية أم في البلاد التي أقيم فيها؟ وهل أستطيع أن أعطيها لشخص هو بحاجة لمال لبناء دار؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المبلغ الذي يجب عليك إخراجه من (1000) يورو هو اثنان ونصف بالمائة (ربع العشر) ، أي: 25 يورو.
أما عن مكان إخراج الزكاة، فالأصل أنها تخرج على فقراء البلد الذي فيه المال، ولا حرج من نقلها إلى بلد آخر إذا كان ذلك لمصلحة شرعية، كما لو كانوا أشد حاجة من أهل البلد الأول، أو كانوا أقارب للمزكي.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (43146) .
وأما إعطاء الزكاة لمن يبني بها بيتاً، فقد سبق في جواب السؤال (111884) أن المسألة من مسائل الاجتهاد، وذكرنا اختيار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أن لا يشتري للفقير بيتاً من أموال الزكاة، وإنما يستأجر له.
وإذا كان الرجل عنده الأرض التي يبني عليها، أو بدأ بالبناء بالفعل، ولكن ما معه من الأموال لم يكف فإعطاء مثل هذا من الزكاة أقوى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2300)
المال المستثمر يزكى مع ربحه عند حولان الحول على أصل المال
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي أموال وضعتها عند صديق لي لتشغيلها ويعطيني أرباحا نصف سنوية فكيف أدفع زكاتها؟ ولدي أيضا مبلغ من المال وضعته في حساب توفير في بنك إسلامي فكيف أحسب زكاة ماله أيضا؟ هل أعطي زكاة على أرباح الأموال المذكورة أم أعطي للمال كاملا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من ملك نصابا من المال وحال عليه الحول، وجب عليه أن يزكيه، والنصاب ما يعادل 85 جراما من الذهب أو 595 جراما من الفضة، والقدر الواجب إخراجه هو ربع العشر.
وإذا كان هذا المال مستثمرا، في شركة مع صديق أو في بنك إسلامي، ونتج من ذلك ربح، فإن الربح يزكى مع أصل المال، وحوله هو حول أصل المال.
قال ابن قدامة رحمه الله في المال الناتج من ربح التجارة: "فهذا يجب ضمه إلى ما عنده من أصله , فيعتبر حوله بحوله. لا نعلم فيه خلافا " انتهى من "المغني" (2/258) .
وعليه؛ فإذا كان لديك عشرة آلاف مثلا، وحولها في رمضان، فإنه إذا جاء رمضان، وجب أن تزكي جميع ما لديك من رأس المال، والربح الحاصل إلى رمضان، ويمكن معرفة هذا الربح في وقت إخراج الزكاة بسؤال البنك أو الشريك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2301)
مصير مانع الزكاة إذا مات
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من شهد أن لا إله إلا الله وأقام الصلاة ولم يؤت الزكاة ولم يرض بذلك؟ ما حكمه في الإسلام إن مات أيصلى عليه أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الزكاة ركن من أركان الإسلام فمن تركها جحدا لوجوبها يبين له حكمها فإن أصر كفر ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين أما إن كان تركها بخلا وهو يؤمن بوجوبها فهو عاص معصية كبيرة وفاسق بذلك ولكن لا يكفر يغسل ويصلى عليه إذا مات على الحال وأمره إلى يوم القيامة.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى الجنة الدائمة 9/184(5/2302)
هل يزكي مصروفه الذي يعطيه إياه والده؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لا أزال في مرحلة الدراسة، ووالدي هو الذي يصرف علي، وبما أن مصاريفي ليست كثيرة فإنني - والحمد لله - لا أذكر أن محفظتي قد خلت من المال منذ فترة، أظن أنه مر أكثر من سنة، لا أذكر بالتحديد، وهذا المال الذي لدي يزيد وينقص خلال الحول، ووالدي يزودني بالمال بين فترة وأخرى، فأحياناً يكون لدي مبلغ يساوي أقل من (1000) ريال سعودي، وأحياناً أخرى يكون لدي ما يساوي (5000) وأكثر، فهل علي أن أدفع زكاة عن مصروفي هذا؟ علماً أن أبي لا يزودني بمبلغ معين، ولا وفي وقت معين. سؤالي الآن: إذا كانت تجب الزكاة: 1- فكيف أحسبها؟ وهل لي أن أعطيها لبيت الزكاة؟ 2- وسؤال آخر: ما هو المبلغ المالي الذي يبلغ النصاب وتجب به الزكاة بعد مرور الحول؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
تجب الزكاة في الأوراق النقدية على من ملك نصاباً ملكاً تاماً، ومَرَّ عليه سنه هجرية كاملة.
والمصروف الذي يعطيه الوالد لولده. يملكه ملكاً تاماً، ويتصرف فيه كيفما يشاء، فتجب فيه الزكاة.
ثانياً:
من المعلوم أن هذه الأوراق النقدية لم تكن موجودة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال العلماء بوجوب الزكاة فيها قياساً لها على الذهب والفضة.
ونصاب الذهب 85 جراماً، ونصاب الفضة 595 جراماً.
فإذا بلغت النقود قيمة نصاب الذهب، أو قيمة نصاب الفضة، فقد بلغت النصاب.
ونظراً لأن الفضة الآن هي الأقل ثمناً فيكون تقدير نصاب النقود بنصاب الفضة. لأنه أحوط وأنفع للفقراء.
وحسب أسعار الفضة اليوم 12 من ربيع الآخر عام 1428هـ.
الموافق 29 من إبريل عام 2007م، فإن نصاب الأوراق النقدية هو 1093 ريالاً سعوديًّا تقريباً.
فإذا امتلكت هذا القدر من النقود ومرَّت عليه سنة هجرية كاملة لم ينقص فيها عن هذا القدر، وجبت عليه الزكاة، وهي 2.5 بالمائة.
أما إذا نقصت النقود عن التي معك عن النصاب أثناء الحول، فلا تجب فيها الزكاة، حتى تبلغ النصاب مرة أخرى، وتبدأ في حساب سنة جديدة من حين بلوغه النصاب.
وإذا كان مقدار نقص النقود عن النصاب يسيراً، فإن الأحوط لك إخراج الزكاة، استمرار حساب الحول، وذلك لاختلاف سعر الفضة وعدم ثباته على مدار العام.
ولا يفوتنا الثناء على حرصك واهتمامك بأمر الزكاة، رغم أنك تتحدث عن مصروف تأخذه من والدك، إلا أنك راعيت حق الله تعالى فيه، وسألت عن حكمه وشرعه، في حين يغفل – أو يتغافل – كثير من الأثرياء عن هذا الركن من أركان الإسلام، فلا يعرف لله حقا في ماله، ولا يبذل منه القليل ولا الكثير، ويقضي أيامه في الجمع والكنز والطمع والشجع، فإذا وافاه الحساب يوم القيامة كانت أمواله حسرة وندامة.
قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ. يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ) التوبة/34-35
نسأل الله أن يبارك لك في مالك، ويرزقك الرزق الواسع الطيب.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2303)
دفع إليه الزكاة بشرط أن يردها عليه عن دينه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لصاحب الدين أن يدفع الزكاة للمدين بشرط أن يردها إليه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز للإنسان أن يدفع الزكاة لمن كان مديناً له، ولا يستطيع السداد، بشرط أن لا يشترط عليه أن يردها إليه.
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (6/198) : " أَمَّا إذَا دَفَعَ الزَّكَاةَ إلَيْهِ بِشَرْطِ أَنْ يَرُدَّهَا إلَيْهِ عَنْ دَيْنِهِ فَلَا يَصِحُّ الدَّفْعُ وَلَا تَسْقُطُ الزَّكَاةُ بِالِاتِّفَاقِ " انتهى.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يجوز لصاحب الدين دفع الزكاة للفقير المدين بشرط أن يردها للدافع وفاءً لدينه؟
فأجاب: " لو كان لك مدين فقير، ودفعت إليه زكاتك، فلا بأس ولا حرج حتى لو ردها عليك فيما بعد، فلا حرج، لكن تشترط عليه ذلك لا يجوز؛ لأنك إذا فعلت هذا فقد علمنا أنك إنما تريد بهذا العمل أن تسترد مالك الذي في ذمة الفقير، والزكاة لا يجوز أن يحابي فيها الإنسان أحداً لا نفسه ولا غيره " انتهى.
"مجموع فتاوى" (18/378) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2304)
لم يخرج الزكاة جهلا والآن نقص المال
[السُّؤَالُ]
ـ[أسكن في بيت ملك لي وراتبي لا يكفيني، ولكن من الله علي من فضله وتعلمت مهنة اللحام وقدر الله لي رزقا من غير الوظيفة التي أعمل بها، فجمعت منها مبلغا قدره تسعة ملايين دينارا ومر عليه أكثر من عام، وحين سألت عن الزكاة، قال لي إخوة ليسوا من أهل العلم إن الزكاة غير واجبة عليك وإن البيت الذي تسكن به غير كامل ويحتاج بعض المال لتكملته. وقدر الله أن أنقطع عن العمل بسبب أعمال الاقتتال الطائفي في العراق، وقمت بالصرف من هذا المبلغ الذي جمعته، مرت أشهر وأيام وأصبح المبلغ خمسة ملايين دينار عراقي. سؤالي هو: هل المال المتبقي عليه زكاة؟ فان كان كذلك فكم هي الزكاة الواجب علي إخراجها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من ملك نصابا وحال عليه الحول، وجب عليه إخراج زكاته، ولو كان يعُدّ المال لحج أو زواج أو بناء مسكن أو غير ذلك.
والنصاب ما يعادل 85 جراما من الذهب، أو 595 جراما من الفضة.
وعليه؛ فكان يجب عليك بعد مرور الحول (وهو عام هجري) أن تخرج زكاة المال الذي معك، وقد أخطأت في الاعتماد على قول أصحابك، وأخطئوا هم في الفتوى بغير علم.
والزكاة التي لم تخرجها تبقى ديناً في ذمتك، فيلزمك إخراجها الآن، مع التوبة إلى الله تعالى من تأخيرها.
والقدر الواجب إخراجه هو ربع العشر (2.5%) ، أي في كل ألف 25.
فزكاة الـ (تسعة ملايين) هي: (225000) مائتان وخمسة وعشرون ألف دينار.
وإذا انتهى الحول الجديد، نظرت فيما تبقى معك من المال، فإن كان بالغا النصاب، لزمك إخراج زكاته.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله عمن ترك إخراج الزكاة لمدة خمس سنوات جهلا منه.
فأجاب: " عليك الزكاة عن جميع الأعوام السابقة، وجهلك لا يسقطها عنك؛ لأن فرض الزكاة أمر معلوم من الدين بالضرورة، والحكم لا يخفى على المسلمين، والزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام، والواجب عليك المبادرة بإخراج الزكاة عن جميع الأعوام السابقة، مع التوبة إلى الله سبحانه من التأخير، عفا الله عنا وعنك وعن كل مسلم. والله الموفق " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (14/239) .
والحاصل: أن زكاة الحول الماضي واجبة عليك، ويلزمك إخراجها لأنها استقرت في ذمتك، ولا عبرة بنقص المال الآن.
ولمعرفة مصارف الزكاة راجع جواب السؤال رقم (46209) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2305)
زكاة الفطر عن الزوجة المطلقة طلاقاً رجعياً
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة طلقها زوجها طلقة واحدة، فهل يجب عليه أن يُخرج زكاة الفطر عنها؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
زكاة الفطر تجب على الإنسان، وعلى من تلزمه نفقته، كالزوجة، والابن، وغيرهما؛ لما روى الدارقطني والبيهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أدوا صدقة الفطر عمن تمونون) ، ولكنه حديث ضعيف، ضعفه الدارقطني والبيهقي والنووي وابن حجر وغيرهم.
انظر: "المجموع" (6 / 113) ، و "تلخيص الحبير" (2 / 771) .
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: " زكاة الفطر تلزم الإنسان عن نفسه وعن كل من تجب عليه نفقته ومنهم الزوجة، لوجوب نفقتها عليه " انتهى.
" فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء " (9 / 367) .
ثانياً:
المرأة إذا طُلقت طلاقاً رجعياً، فهي في حكم الزوجات لها ما لهن من النفقة والسكنى، ما دامت في العدة، والفطرة تتبع النفقة، فما دام أن نفقة الرجعية على الزوج، فكذلك الفطرة عليه.
قال النووي في " المجموع " (6 / 74) : " قَالَ أَصْحَابُنَا: تَجِبُ عَلَيْهِ فِطْرَةُ زَوْجَتِهِ الرَّجْعِيَّةِ كَنَفَقَتِهَا " انتهى.
وقال ابن يوسف المواق من المالكية في " التاج والإكليل " (3 / 265) : " لَوْ طَلَّقَ الْمَدْخُولَ بِهَا طَلْقَةً رَجْعِيَّةً لَزِمَهُ النَّفَقَةُ عَلَيْهَا وَأَدَاءُ الْفِطْرِ عَنْهَا " انتهى بتصرف.
وذهب بعض العلماء إلى أن الزوج لا يلزمه إخراج زكاة الفطر عن زوجته، بل ذلك واجب عليها هي، وهو مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله، واختاره الشيخ ابن عثيمين، وانظر جواب السؤال (99353) .
وينبغي للزوج أن يأخذ بالأحوط والأبرأ لذمته، فيخرج زكاة الفطر عن مطلقته الرجعية، ولا سيما وزكاة الفطر شيء يسير، لا يشق على الزوج إخراجه في الغالب.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2306)
زكاة المال المرهون
[السُّؤَالُ]
ـ[اقترضت مبلغاً من المال، ورهنت بعض الذهب عند صاحب المال مقابل هذا القرض، فهل يجب علي إخراج زكاة الذهب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان هذا الذهب يبلغ نصاباً، أو عندك ذهب آخر إذا انضم إليه بلغ النصاب، وجبت فيه الزكاة إذا حال عليه الحول، وكونه مرهونا ًمقابل الدين لا يمنع وجوب الزكاة فيه؛ لأنك تملكه ملكاً تاماً.
قال النووي رحمه الله في " المجموع " (5/318) : " لو رهن ماشية أو غيرها من أموال الزكاة، وحال الحول وجبت فيها الزكاة؛ لتمام الملك " انتهى بتصرف.
وقال الشيخ منصور البهوتي رحمه الله: " وَتَجِبُ الزكاة أيضا في.... َمَرْهُون وَيُخْرِجهَا الرَّاهِنُ مِنْهُ أَيْ: مِنْ الْمَرْهُونِ إنْ أَذِنَ لَهُ الْمُرْتَهِنُ " انتهى.
" كشاف القناع عن متن الإقناع " (2 / 175) .
والراهن هو صاحب الرهن (المقترض) ، والمرتهن: المقرض.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل تجب الزكاة في المال المرهون؟ .
فأجاب رحمه الله: " المال المرهون تجب الزكاة فيه إذا كان مالاً زكوياً، لكن يخرجها الراهن منها إذا وافق المرتهن، مثال ذلك: رجل رهن ماشية من الغنم ـ والماشية مال زكوي ـ رهنها عند إنسان، فالزكاة فيها واجبة لابد منها؛ لأن الرهن لا يسقط الزكاة، ويخرج الزكاة منها، لكن بإذن المرتهن " انتهى.
" مجموع فتاوى ابن عثيمين " (18 / 34) .
فإن لم يأذن المقرض بإخراج الزكاة من الرهن، فإما أن يخرجها المقترض من مال آخر – إن كان عنده – أو ينتظر حتى يفك الرهن ثم يخرج الزكاة عن السنوات الماضية كلها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2307)
يجب على السجين أن يخرج زكاة ماله
[السُّؤَالُ]
ـ[لو حبس إنسان، وكان له مال، فهل يلزمه أن يخرج الزكاة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
من حُبس عن ماله بأن كان أسيراً أو مسجوناً، فإن الزكاة تجب عليه؛ لأنه مالك للمال.
قال ابن قدامة رحمه الله في " المغني " (4 / 275) : " وإن أُسِر المالك لم تسقط عنه الزكاة، سواء حِيل بينه وبين ماله، أو لم يُحل؛ لأن تصرفه في ماله نافذ، يصح بيعه، وهبته، وتوكيله فيه ".
وقال النووي رحمه الله في " المجموع " (5 / 316) : " إذا أُسر رب المال، وحيل بينه وبين ماشيته، ففي المسألة خلاف؟ الأصح وجوب الزكاة؛ لنفوذ تصرفه. قال أصحابنا: وسواء كان أسيراً عند كفارٍ أو مسلمين " انتهى بتصرف.
وقال البهوتي رحمه الله في " كشاف القناع " (2 / 176) : " ولو أسر رب المال أو حبس ومنع من التصرف في ماله لم تسقط زكاته؛ لعدم زوال ملكه عنه ".
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2308)
المال غير الموثوق بحصوله ليس فيه زكاة
[السُّؤَالُ]
ـ[نفيدكم علما بأننا موظفون في إحدى شركات البترول في السعودية، وقد تم ابتعاثنا إلى الخارج لمدة ثلاث سنوات، وبعد عودتنا من الابتعاث بخمس سنوات علمنا أنه لنا مستحقات بدل سكن عن سنوات الابتعاث، فتقدمنا بشكوى إلى المسئولين، ونحن في شك من صرفها لنا، وبعد سنة من تقديم الشكوى تم صرفها، فهل على هذه المستحقات زكاة؟ وإذا كان هناك زكاة فهل تكون مدتها منذ عودتنا من الابتعاث حتى الآن وهي ست سنوات، أم تكون على سنة واحدة فقط وهي السنة التي تقدمنا فيها بالشكوى، واستلمنا في نهايتها المستحقات؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" إذا كان الواقع هو كما ذكرتم في السؤال فليس عليكم زكاة؛ لأن هذا المال غير موثوق بحصوله، فهو يشبه الدين على المعسر، والصحيح أنه لا تجب فيه زكاة حتى يقبضه صاحبه ويستقبل به حولا جديداً ... فهكذا المال الذي ذكرتم ليس فيه زكاة إلا إذا حال عليه الحول بعد القبض " انتهى.
" مجموع فتاوى ابن باز " (14 / 39) .
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء: " إذا كان المدين معسرا أو كان مليئا لكنه مماطل ولا يمكن للدائن استخلاص دينه منه، إما لكونه لا يجد لديه من الإثبات ما يستخلص به حقّه لدى الحاكم، أو لديه الإثبات لكن لا يجد من وليّ الأمر ما يساعده على تخليص حقه، كما في بعض الدول التي لا نصرة فيها للحقوق فلا تجب الزكاة على الدائن حتى يقبض دينه ويستقبل به حولاً (أي تمر عليه سنة هجرية والمال عنده) . وأما إذا كان المدين مليئا ويمكن استخلاص الدين منه فالزكاة واجبة على الدائن كلما حال الحول، وكان الدَّين نصابا بنفسه أو بضمّه إلى غيره من النقود ونحوها ". "فتاوى اللجنة الدائمة " (9/191) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2309)
المدين إذا أُعطي من الزكاة فإنه يصرفه في سداد دينه
[السُّؤَالُ]
ـ[عليّ ديون، وأخذ من الزكاة لسدادها، فهل يجوز لي أن أؤجل سداد الديون، وأشتري بهذا المال أشياء أحتاج إليها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا أُعطي المدين من الزكاة لأجل سداد دينه، فإنه لا يصرفه في غير الدين؛ لأنه إنما أُعطي لأجل أن يسدد دينه لا أن يتملكه لنفسه.
قال البهوتي في "كشاف القناع" (2/283) : " وَإِذَا دُفِعَ للغارم (المدين) مَا يَقْضِي بِهِ دَيْنَهُ , لَمْ يَجُزْ لَهُ صَرْفُهُ فِي غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا ; لِأَنَّهُ إنَّمَا يَأْخُذُ أَخْذًا مُرَاعًى " انتهى.
أي: أخذه لسبب معين، وهو سداد الدين، فلا يصرفه في غيره.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2310)
الاختلاف بين الزوجين في المسائل الخلافية
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يكون التصرف في حال أراد أحد الزوجين القيام بشيء فيه خلاف بين الفقهاء، وكان كل منهما يؤيد فتوى مختلفة عن الآخر؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب على الزوجة طاعة زوجها إلا أن يكون في ذلك في معصية، أو فيما يضرها، أو يضيع حقوقها، فإنها لا تطيعه.
وأما المسائل الخلافية التي تكون بين العلماء ويكون للزوجة فيها ترجيح يختلف عن ترجيح الزوج فيأمرها بخلاف ترجيحها واعتقادها: فإن هذا يختلف باختلاف المسألة نفسها:
1. فإن كانت تتعلق بعبادتها – الواجبة أو المستحبة - من حيث الحكم أو الكيفية، وكان ذلك لا يؤثِّر على الزوج في تضييع حقوقه، ولم يكن في فعلها إساءة له: فلا يجب عليها أن تفعل ما ليست مقتنعة به إن أمرها زوجها أن تفعله، ومثال ذلك: زكاة الذهب، فإن كانت تعتقد وجوب زكاة الذهب ولو اتخذ للزينة – كما هو الراجح -: فإنه ليس من حق الزوج أن تطيعه في عدم إخراج زكاة ذهبها ـ من مالها ـ إن كان يرى هو أنه لا زكاة واجبة على ذهب الزينة.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
بعض الأزواج يمنع زوجته من إخراج زكاة حليها بناءً على القول الثاني الضعيف - الذي أشرنا إليه آنفاً -، وهذا حرام عليه، لا يحل للزوج، ولا للأب، ولا للأخ أن يمنع أحداً يريد أن يزكي ماله، وعلى الزوجة أن تعصي زوجها بهذا، وأن تخرج الزكاة رغماً على أنفه؛ لأن طاعة الله أولى من طاعة الزوج، وقضاء الله أحق، وشرط الله أوثق، وزوجها لا ينجيها يوم القيامة من عذاب الله عز وجل، فتقول للزوج - مثلاً - إذا قال: هذه مسألة خلافية، وأنا ما أعتقد الوجوب، تقول: أنت لك اعتقادك، وأنا لي اعتقادي، أنا لا يمكن أن أترك الزكاة، وأنا يترجح عندي أنها واجبة، وفي هذه الحال يجب أن تعصيه طاعة لله عز وجل، فإذا قالت: أخشى أن يغضب: فلنا عن ذلك جوابان:
أحدهما: أن نقول: وليكن ذلك؛ لأن غضبه في رضى الله ليس بشيء.
والجواب الثاني: أن نقول: تداريه، يعني: أخرجي الزكاة من حيث لا يعلم، وبهذا تؤدين الزكاة الواجبة عليك وتسلمين من غضب الزوج وتنكيده عليك.
لكن نحن من هنا نخاطب الأزواج نقول لهم: اتقوا الله! ما دامت الزوجة ترى الوجوب لا يحل لكم أن تمنعوها من أداء الواجب، وكذلك الأب لو قال لابنته: لا تخرجي الزكاة أنا ما أرى وجوبها: فإنها لها الحق أن تقول: لا سمع ولا طاعة، السمع والطاعة لله ولرسوله، قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق، لكن إذا خافت أن يغضب - لأن بعض الناس عقله ضعيف، ودينه ضعيف -: فإنها تداريه، وتُخرج بدون علمه.
جلسات رمضانية لعام 1412هـ السؤال رقم (5) .
ومثله أيضاً: ما يتعلق بكيفية الصلاة كالنزول على اليدين أو الركبتين، أو القبض بعد الركوع وعدمه، فإن مثل هذه المسائل لا تُلزم الزوجة برأي زوجها وترجيحها إن كانت تخالفه إلا أن ترى أن هذا يسعها، أو تقتنع برأيه وترجيحه.
2. وإن كانت المسألة تتعلق بعبادة أو طاعة من النوافل تؤثر على حقوقه: فلا يجوز لها فعلها، بل قد نهيت عن ذلك، كما هو الحال في صيام التطوع دون إذنه، وكما لو خرجت من بيتها لصلة رحم أو زيارة مباحة دون إذنه؛ لأن في أفعالها تلك تضييعاً لحقوقه، وهي غير آثمة بتركها، بل تؤجر على طاعة ربها في إعطاء زوجها حقه بتركها من أجله.
قال ابن قدامة – رحمه الله -:
وله منعها من الخروج إلى حج التطوع والإحرام به بغير خلاف، قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ قوله من أهل العلم على أن للرجل منع زوجته من الخروج إلى حج التطوع.
ولأنه تطوع يفوِّت حق زوجها، فكان لزوجها منعها منه، كالاعتكاف، فإن أذن لها فيه: فله الرجوع ما لم تتلبس بإحرامه، فإن تلبست بالإحرام: لم يكن له الرجوع فيه، ولا تحليلها منه؛ لأنه يلزم بالشروع، فصار كالواجب الأصلي.
" المغني " (3 / 572) .
وقال – رحمه الله – في منع الزوج من عيادة والدي الزوجة -:
وللزوج منعها من الخروج من منزله إلى ما لها منه بدٌّ، سواء أرادت زيارة والديها، أو عيادتهما، أو حضور جنازة أحدهما، قال أحمد في امرأة لها زوج وأم مريضة: طاعة زوجها أوجب عليها من أمها، إلا أن يأذن لها ... .
ولأن طاعة الزوج واجبة، والعيادة غير واجبة، فلا يجوز ترك الواجب لما ليس بواجب، ولا يجوز لها الخروج إلا بإذنه، ولكن لا ينبغي للزوج منعها من عيادة والديها وزيارتهما؛ لأن في ذلك قطيعة لهما، وحملاً لزوجته على مخالفته، وقد أمر الله تعالى بالمعاشرة بالمعروف، وليس هذا من المعاشرة بالمعروف.
" المغني " (8 / 130) .
3. وكل شيء مباح لها: فإن له أن يمنعها منه، أو يُلزمها بقوله إن كان يراه حراماً، ويتحتم ذلك عليها إن كان في فعلها إساءة لزوجها، وتعريضه للإهانة أو التنقص، ومثاله: تغطية وجهها، فهي مسألة خلافية، وليس يوجد من يقول بحرمة تغطيتها لوجهها، فإن كانت ترى أنه يسعها كشف وجهها: فإن له أن يمنعها من إظهاره للأجانب، وله أن يلزمها بقوله وترجيحه، وهو وجوب ستر وجهها – وهو القول الراجح -، وليس لها مخالفته، وهي مأجورة على فعلها ذلك إن احتسبت طاعة ربها بطاعة زوجها، وفعل ما هو أستر.
4. وكل ما تراه المرأة اجباً، أو حراماً أو بدعة: فلا طاعة للزوج بترك الواجب، أو فعل الحرام والبدعة.
وقد ذكرنا فيما سبق مثالاً للواجب، وهو زكاة الذهب، ومن أمثلة ما تراه الزوجة حراماً، وهو يراه مباحاً: تغطية وجهها – عكس الصورة السابقة -، فلو كانت ترجح حرمة كشف وجهها أمام الأجانب: لم يكن لزوجها أن يأمرها بكشفه بعلة أنه يرى إباحة كشف الوجه.
سئل علماء اللجنة الدائمة:
هل لي أن أعصي زوجي إذا طلب مني أن أكشف وجهي أمام الأجانب؟ وهل هذا الأمر ينطبق عليه " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق "؟ مع العلم من الاختلاف بين العلماء في حكم تغطية الوجه، وهل يحل لي أن أكشف وجهي وأنا في بيتي عند وجود أهل زوجي من الرجال، أو عندما أفتح الباب لمحصل الكهرباء أو الغاز أو عندما أخرج للشرفة لنشر الملابس مع التزامي بالحجاب الكامل دون غطاء الوجه؟ .
فأجابوا:
يحرم على الزوجة طاعة زوجها فيما حرم الله؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ومن ذلك: كشف وجهها أمام غير محارمها من الرجال، سواء كانوا من أقاربه، أم أقاربها، أم غيرهم، في البيت، وخارج البيت، وفي الشرفة، وعند فتح الباب لمحصل الكهرباء والضيوف، ولا يكون الحجاب كاملا إلا بالمحافظة على ما ذكر.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (17 / 257، 258) .
وننبه هنا إلى أمور:
أ. أن العشرة بين الزوجين بالمعروف واجبة على الطرفين.
ب. لا يجوز للزوجين التهكم والسخرية بالطرف الآخر لترجيحه لمسألة أو لتقليده فيها.
ج. يجب على الزوجين تقليد الأكثر علماً وديناً ممن يرجعون إليه في الفتوى، ويجب عليهما ترك اتباع الهوى في البحث عن الرخص.
د. ما كان فيه سعة من المسائل لا ينبغي للزوج التضييق فيها على زوجته، وما كان فيه سعة منها بالنسبة للزوجة فالتزام قول الزوج أفضل وأولى.
هـ. نوصي الزوجين – والأزواج عموماً – بطلب العلم، والبحث عن الحق، وترك المماراة والمجادلة بالباطل، وليضع كل واحد منكما الحق نصب عينيه.
و. الأسرة السعيدة هي التي يكون بين قطبيها المودة والألفة والحب والتفاهم، فأنتما لستما في معهد علمي، ولا جامعة لتجعلوا الأمور مبنية على المناقشات والمناكفات، وكونوا قدوة لأولادكم في اتباع الحق، والاختلاف بتعقل دون شطط.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2311)
حكم تارك الزكاة
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل مع رجل لا يزكي ولا يدفع ولا درهماً واحداً للزكاة وحتى إنه يوم أداء الزكاة قام بالفرار من المدينة التي يقطنها كي لا يزعجه طالبو الزكاة, فما حكم هذا الرجل؟ هل هو كافر مرتد أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تارك الزكاة إما أن يكون مقرا بوجوبها أو لا، فإن كان غير مقر بوجوبها، فهو كافر بإجماع المسلمين، لإنكاره شيئا معلوما من الدين بالضرورة وأما إن كان مقرا بوجوبها، لكنه لا يخرجها بخلا، فليس بكافر في قول جماهير أهل العلم، وذهب بعض العلماء إلى كفره.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/228) : ": فمن أنكر وجوبها جهلا به , وكان ممن يجهل ذلك إما لحداثة عهده بالإسلام , أو لأنه نشأ ببادية نائية عن الأمصار , عرف وجوبها , ولا يحكم بكفره ; لأنه معذور , وإن كان مسلما ناشئا ببلاد الإسلام بين أهل العلم فهو مرتد , تجري عليه أحكام المرتدين ويستتاب ثلاثا , فإن تاب وإلا قتل ; لأن أدلة وجوب الزكاة ظاهرة في الكتاب والسنة وإجماع الأمة , فلا تكاد تخفى على أحد ممن هذه حاله , فإذا جحدها لا يكون إلا لتكذيبه الكتاب والسنة , وكفره بهما.
وإن منعها معتقدا وجوبها , وقدر الإمام على أخذها منه , أخذها وعزره , ولم يأخذ زيادة عليها , في قول أكثر أهل العلم , منهم أبو حنيفة ومالك والشافعي وأصحابهم.
وقال إسحاق بن راهويه وأبو بكر عبد العزيز: يأخذها وشطر ماله ...
فأما إن كان مانع الزكاة خارجا عن قبضة الإمام قاتله؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم قاتلوا مانعيها , وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه " انتهى.
وسئل علماء اللجنة الدائمة: لقد كتبتم في عدد سابق أن الذي يصوم ولا يصلي لا يجوز صومه، والآن العكس فهل الذي يصلي ولا يصوم تجوز صلاته. وهل الذي لا يزكي ويصلي تجوز صلاته. وهل الذي يحج ولا يصلي يجوز حجه؟
فأجابوا: "من ترك صوم شهر رمضان جحدًا لوجوبه كفر ولا تصح صلاته، ومن تركه عمدًا وتساهلًا فلا يكفر في الأصح وتصح صلاته، ومن ترك الزكاة المفروضة جحدًا لوجوبها كفر ولا تصح صلاته، ومن تركها عمدًا تساهلا وبخلا فلا يكفر وتصح صلاته، وهكذا الحج من تركه جحدًا لوجوبه مطلقًا كفر أما من تركه مع الاستطاعة تساهلا لم يكفر وتصح صلاته " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (10/143) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن الزكاة: " وهي فرض بإجماع المسلمين، فمن أنكر وجوبها فقد كفر، إلا أن يكون حديث عهد بإسلام، أو ناشئا في بادية بعيدة عن العلم وأهله فيعذر، ولكنه يُعَلَّم، وإن أصر بعد علمه فقد كفر مرتدا، وأما من منعها بخلا وتهاونا ففيه خلاف بين أهل العلم، فمنهم من قال: إنه يكفر، وهو إحدى روايتين عن الإمام أحمد، ومنهم من قال: إنه لا يكفر، وهذا هو الصحيح، ولكنه قد أتى كبيرة عظيمة، والدليل على أنه لا يكفر حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر عقوبة مانع زكاة الذهب والفضة، ثم قال: (حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله: إما إلى الجنة وإما إلى النار) . وإذا كان يمكن أن يرى له سبيلا إلى الجنة فإنه ليس بكافر؛ لأن الكافر لا يمكن أن يرى سبيلا له إلى الجنة، ولكن على مانعها بخلا وتهاونا من الإثم العظيم ما ذكره الله تعالى في قوله: (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) آل عمران/180، وفي قوله: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) التوبة/34،35 " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (18/14) .
وينبغي نصح هذا المتهاون بالزكاة، وتذكيره بعظم شأنها، والنصوص الواردة في وعيد من بخل بها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2312)
يتصدق بثيابه الشتوية بعد انتهاء الشتاء، ويشتري غيرها في العام القادم
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما ينتهي الشتاء أقوم بالتصدق بثيابي الشتوية، حيث إني لا أعلم إن كنت أعيش للعام المقبل، وعندما يحل الشتاء المقبل أقوم بالشراء مرة أخرى، حيث إني ميسور ولله الحمد، فهل فعلي صحيح؟ وهل يوجد ما هو أصح منه؟ وهل يعد ذلك إسرافاً بحيث أني ألبس دائما الجديد كل شتاء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
لا بأس أن يتصدق المسلم بثيابه كل عام، ويشتري غيرها، أو يبيعها ويتصدق بثمنها، ولا يدخل هذا في الإسراف، ولا التبذير إن كان الله تعالى قد وسَّع عليه في المال، بل هذا أمر حسن ممدوح من صاحبه. قال الله تعالى: (وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) الإسراء/26-27.
" قال ابن مسعود رضي الله عنه: التبذير: الإنفاق في غير حق، وكذا قال ابن عباس رضي الله عنهما.
وقال مجاهد: لو أنفق إنسان ماله كله في الحق، لم يكن مبذرًا، ولو أنفق مُدًا في غير حقه كان تبذيرًا.
وقال قتادة: التبذير: النفقة في معصية الله تعالى، وفي غير الحق، وفي الفساد ".
تفسير ابن كثير (5/68) .
وفي صحيح البخاري (73) ومسلم (816) عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْحِكْمَةَ فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " قَوْله: (أَيْ: إِهْلَاكه , وَعَبَّرَ بِذَلِكَ لِيَدُلّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُبْقِي مِنْهُ شَيْئًا. وَكَمَّلَهُ بِقَوْلِهِ: " فِي الْحَقّ "، أَيْ: فِي الطَّاعَات لِيُزِيلَ عَنْهُ إِيهَام الْإِسْرَاف الْمَذْمُوم."
وقال القرطبي – رحمه الله -:
وروي عن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - شيخ مالك - رضي الله عنهم أنه كان يلبس كساء خزٍّ بخمسين ديناراً، يلبسه في الشتاء، فإذا كان في الصيف: تصدَّق به، أو باعه فتصدق بثمنه، وكان يلبس في الصيف ثوبين من متاع بمصر ممشقين – أي: مصبوغيْن بـ " المشق "، وهو صبغ أحمر - ويقول: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق) .
" تفسير القرطبي " (7 / 195، 196) .
ثم إن ما ذكرته في سؤالك من أنك لا تعلم أنك لا تعيش إلى العام المقبل، هو أمر تحمد عليه؛ أعني: إذا عودت نفسك قِصَر الأمل في الدنيا، وترك التعلق بها.
وفي صحيح البخاري (6416) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْكِبِي فَقَالَ: (كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ)
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الْمَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ. ٍ
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2313)
لديه محفظة بسوق الأسهم ولم يزك من سنتين
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا عندي محفظة بسوق الأسهم منذ ما يقارب السنتين ولم أعلم أنه يجب علي الزكاة فماذا أفعل وكيف أزكي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
سبق في جواب السؤال (69912) تفصيل القول في زكاة الأسهم، فراجعه لتعرف هل عليك زكاة في هذه الأسهم أم لا؟
ثانياً:
إذا كانت الزكاة واجبة عليك، وكان القائمون على المحفظة يخرجون هم الزكاة عن الأسهم، فلا يلزمك إعادة إخراجها.
وإذا كانوا لا يخرجونها، فعليك إخراجها عن السنوات الماضية.
وانظر جواب السؤال (69798) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2314)
اشترى أسهما بالتقسيط فهل يخصم الأقساط عند الزكاة
[السُّؤَالُ]
ـ[اشتريت أسهماً بالتقسيط، هل تجب علي الزكاة في قيمة الأسهم الحالية أم أخصم منها قيمة القرض؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
من اشترى الأسهم بقصد الاتجار فيها، وجب عليه أن يزكيها زكاة التجارة في نهاية الحول، فيقومها بسعر السوق، ويخرج ربع العشر.
ومن اشترى الأسهم بغرض اقتنائها، والاستفادة من أرباحها، لا للاتجار فيها، فهذا يزكي الربح، ويزكي ما يقابل السهم من نقود في مال الشركة، وانظر تفصيل هذا في الجواب رقم (69912)
ثانيا:
إذا حال الحول، وبقي بعض الأقساط عليك، لزمك أن تزكي الأسهم دون اعتبار لهذه الأقساط؛ لأن الدين لا يؤثر على الزكاة، في أصح قولي العلماء، وهو مذهب الإمام الشافعي رحمه الله. انظر: المجموع (5/317) ، نهاية المحتاج (3/133) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " والذي أرجحه أن الزكاة واجبة مطلقا، ولو كان عليه دين ينقص النصاب، إلا دينا وجب قبل حلول الزكاة فيجب أداؤه، ثم يزكي ما بقي بعده " انتهى من "الشرح الممتع" (6/39) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2315)
تأخير إخراج الزكاة بسبب بعده عن المال
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي مبلغ من المال مودع بأحد البنوك في بلدي وقد مر عليه الحول ويستحق عنه الزكاة. المشكلة الآن أني وزوجتي الوحيدين من لهم الحق في سحب المال من البنك، وكلانا في سفر خارج البلاد حاليا، وأنا حاليا في عسرة بالخارج بعض الشيء مما أدى لتأخر دفع الزكاة شهرين حتى الآن، أيضا الشهر القادم يحل موعد قسط لدين شقة ولا أدري إن كنت سأتمكن من جمع قيمة القسط بالاقتراض أم لا، فهل لي عذر في تأخير الزكاة بضعة أشهر لحين القدرة على توفير المال؟ أم كما سأحاول الاستدانة لدفع القسط، يجب على التصرف لدفع الزكاة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الزكاة يجب إخراجها على الفور، ولا يجوز تأخيرها إلا لعذر.
ومن الأعذار التي ذكرها الفقهاء: غيبة المال، بحيث لا يمكن الوصول إليه، فهذا عذر يبيح التأخير.
وعليه فلا حرج عليك في تأخير إخراج الزكاة، حتى تتمكن من الرجوع إلى بلدك، أو تجد مالا آخر تدفعه للمستحقين، ولا يلزمك الاقتراض لأجل إخراجها.
قال المرداوي في "الإنصاف" (3/186) : " وإن تعذّر إخراجها (يعني الزكاة) من النصاب لغَيْبةٍ أو غيرها جاز التأخير إلى القدرة " انتهى.
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة" (9/398) : " لا يجوز تأخير إخراج الزكاة بعد تمام الحول إلا لعذر شرعي، كعدم وجود الفقراء حين تمام الحول، وعدم القدرة على إيصالها إليهم، ولغيبة المال ونحو ذلك. أما تأخيرها من أجل رمضان فلا يجوز إلا إذا كانت المدة يسيرة، كأن يكون تمام الحول في النصف الثاني من شعبان فلا بأس بتأخيرها إلى رمضان " انتهى.
ولا يخفى أن الزكاة فريضة عظيمة، وأنها قرينة الصلاة في كتاب الله، وأنها مع ذلك بركة ونماء للمال، فلا ينبغي التهاون فيها بحال.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2316)
المال المستثمر تجب الزكاة فيه وفي ربحه
[السُّؤَالُ]
ـ[لدى مبلغ من المال أستثمره في أحد البنوك الإسلامية والأرباح التي تأتي منه أنفق به على أهلي وأبنائي على الاحتياجات الضرورية وأحتاج إلى آخر قرش منه وأريد أن أؤدي زكاته فهل أخرج الاثنين والنصف في المائة من المبلغ الإجمالي وبهذا أعجز عن النفقة على أبنائي لأنه سيكون مبلغا كبيرا من الأرباح؟ أم أخرج هذه النسبة من الأرباح فقط وبالتالي سيكون هذا المبلغ يسيرا علي وأريد أن أحافظ على رأس المال، لأنه يساعدنا كثيرا على العيش.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المال المستثمر الذي يدر ربحا، تجب الزكاة فيه وفي ربحه، عند مرور الحول على الأصل، إذا كان نصاباً.
فقد ذكر ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/258) أن ربح مال التجارة يجب ضمه إلى رأس المال إذا مرت سنة على رأس المال، وتخرج الزكاة عن الجميع، وقال: " لا نعلم فيه خلافا " انتهى.
وعلى هذا، فيلزمك أن تخرج الزكاة عن المبلغ الإجمالي (رأس المال وربحه) .
ولو فرض أن هذا سيؤثر على نفقتك على أولادك، أو يستلزم الأخذ من رأس المال، فهذا لا يغير من حكم المسألة، ومعلوم أن الإنسان قد تجب عليه الزكاة، لملكه النصاب، ويكون هو مستحقا للزكاة أيضا؛ لأن ما لديه لا يكفيه.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " فإن قال قائل: كيف يمكن أن يكون الإنسان مزكيا، وله أن يأخذ الزكاة؟
فنقول: " ليس فيه غرابة، لو كان عند الإنسان نصاب أو نصابان لا يكفيانه للمؤنة، لكنهما يبقيان عنده إلى الحول فهنا نقول نعطه المؤنة ونأمره بالزكاة، ولا تناقض " انتهى من "الشرح الممتع" (2/562) .
وينبغي أن توقن أيها الأخ الكريم بأن الزكاة لا تنقص المال، بل تباركه وتنميه وتزيده، وقد أقسم على ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلا رَفَعَهُ اللَّهُ) رواه مسلم (2588) . ورواه الترمذي (2325) بلفظ: (ثَلاثَةٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ قَالَ: مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ، وَلا ظُلِمَ عَبْدٌ مَظْلَمَةً فَصَبَرَ عَلَيْهَا إِلا زَادَهُ اللَّهُ عِزًّا، وَلا فَتَحَ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ إِلا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ) صححه الألباني في صحيح الترمذي.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2317)
يجوز إخراج الزكاة من غير النقود المدخرة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل لابد من إخراج زكاة المال من نفس المبلغ المدخر بعد مرور الحول عليه أم يمكن إخراج الزكاة له من أي دخل آخر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من كان عنده مال وجبت فيه الزكاة، فلا يجب أن يخرج الزكاة من نفس المال المدخَّر، فله أن يخرجها من غيره.
وقد نقل النووي رحمه الله في المجموع " (5/346) اتفاق العلماء على أنه يجوز إخراج الزكاة من غير المال الذي وجبت فيه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2318)
لديها أموال أيتام أمانة وقد تأكله الزكاة فهل تأثم إذا لم تستثمره؟
[السُّؤَالُ]
ـ[جاءتني أرملة ووضعت عندي مبلغا من المال أمانة لها لوقت الحاجة وهذا المال يخص أيتامها وانأ أخاف أن تأكله الصدقة كما قال رسولنا الكريم صلوات ربي وسلامه عليه، مع العلم أنها لم تطلب مني تشغيله لها، ولو فعلت فليس عندي أي موضع لأضعه فيه، فهل علي من إثم في هذا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا إثم عليك في عدم استثمار هذا المال، لأنكِ إنما أخذيته على سبيل الأمانة لتحفظيه، فالواجب عليك هو حفظه وأداؤه إلى أهله عند طلبهم، قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) النساء/ 58. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أَدِّ الأَمَانَةَ إِلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ) رواه الترمذي (1264) وأبو داود (3534) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وينبغي أن تنصحي وتبيني لهذه الأخت أن هذا المال تجب فيه الزكاة، وأن الزكاة قد تأكله ما لم يستثمر.
وننبه إلى أن حديث: (ألا من ولى يتيما له مال فليتجر فيه ولا يتركه حتى تأكله الصدقة) رواه الترمذي (641) وضعفه الألباني في ضعيف الترمذي، لكن معناه صحيح واضح؛ لأن مال اليتيم كغيره من الأموال، إذا بلغ نصابا وحال عليه الحول وجبت فيه الزكاة، فإذا لم يستثمر، وأخذت منه الزكاة كل عام، أدى ذلك إلى نقصه.
وقد ثبت هذا من كلام عمر رضي الله عنه: (اتجروا بأموال اليتامى لا تأكلها الزكاة) رواه الدارقطني والبيهقي وقال: إسناده صحيح.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2319)
هل يخرج زكاة والده من غير إذنه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أبي لا يخرج زكاته بانتظام ولا يحسبها، فهل يجوز أن آخذ منه مالاً بأي حجة وأخرجها عنه بدون علمه؟ مع العلم أني تكلمت معه بهذا الشأن من قبل ولم يستمع لي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الزكاة أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين والصلاة، ولذلك فمانعها مرتكب إثما عظيماً، وكبيرة من كبائر الذنوب.
ثانياً:
نظراً لأن الزكاة عبادة من العبادات فإنها لا تصح إلا إذا نواها صاحبها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات) وله أن يخرجها بنفسه، أو يعطيها أحداً ويوكله في إخراجها.
فإذا تصدق الرجل بالمال ولم ينو أنه من زكاة ماله، ثم أراد أن يجعله من زكاة ماله لم يصح ذلك، لأنه لم ينو الزكاة عند إخراج المال.
وكذلك إذا أراد أحد أن يخرج الزكاة عن أحد، لا يصح ذلك إلا إذا كان صاحب المال قد أذن له في ذلك، لأن هذا الإذن يتضمن نية إخراج الزكاة.
قال ابن قدامة في "المغني" (4/88) :
" مذهب عامة الفقهاء أن النية شرط في أداء الزكاة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات) " انتهى.
وعلى هذا، أخذك للمال من والدك وإخراجه عنه زكاة من غير إذنه لك في ذلك لا يبرئ ذمته، ولا يسقط عنه إثم منع الزكاة، فعليك الاستمرار في نصيحته والدك.
نسأل الله تعالى له الهداية والتوفيق.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2320)
إخراج الزكاة عروضا بدلا عن النقود
[السُّؤَالُ]
ـ[في السنوات الماضية جعل شهر رمضان بداية لإخراج الزكاة فكانت تخرج تموين للفقراء وأغراض ضرورية لهم.. هذا العام علمنا أن زكاة الأموال لا بد أن تكون نقدا توزع على مصارفها.. سؤالي من شقين: 1-ما حكم إخراج الزكاة في الأعوام السابقة بشراء تموين وضروريات للفقراء ولم تكن نقداً؟ وهل نأثم بالجهل في ذلك؟ وماذا علينا حالياً؟ 2- بعض بيوت الفقراء إذا سلمنا الزكاة نقدا فإن عائلها يأخذها ويحرم منها أهل البيت في شراء دخان أو دش أو سفريات فنضطر لشراء احتياجات البيت ولا تسلم نقدا.. حتى نضمن استفادة هذه الأسرة وسد حاجتها ... فما الحكم في ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الأصل أن تخرج الزكاة من جنس المال المزكَّى، فزكاة النقود تخرج نقودا، وزكاة بهيمة الأنعام تُخرج منها، وزكاة الزروع تخرج زرعا، إلا زكاة التجارة فإنها تخرج من القيمة، ويجوز إخراجها من عروض التجارة، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (22449) .
وقد اختلف العلماء في جواز إخراج الزكاة من غير جنس المال المزكَّى، وهو ما يعرف عند العلماء بإخراج القيمة من الزكاة، والراجح أنه لا يجوز إخراجها قيمة.
ولكن.. نظراً لقوة الخلاف في المسألة، فنرجو ألا يكون عليك حرج في إخراج القيمة في الأعوام الماضية، وعليك إخراجها من جنس المال المزكَّى في الأعوام القادمة.
ثانياً:
إذا كان الفقير سفيهاً لا يحسن التصرف في المال، فقد أجاز بعض العلماء إعطاءه الزكاة سلعاً عينيةً بدلاً من النقود، مراعاة لمصلحة الفقير، وسدّاً لحاجته.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في "مجموع الفتاوى" (25/82) : " وأما إخراج القيمة في الزكاة والكفارة ونحو ذلك، فالمعروف من مذهب مالك والشافعي أنه لا يجوز، وعند أبي حنيفة يجوز، وأحمد رحمه الله قد منع القيمة في مواضع، وجوزها في مواضع، فمن أصحابه من أقر النص، ومنهم من جعلها على روايتين. والأظهر في هذا: أن إخراج القيمة لغير حاجة ولا مصلحة راجحة ممنوع منه. . . إلى أن قال رحمه الله:
" وأما إخراج القيمة للحاجة، أو المصلحة، أو العدل فلا بأس به، مثل أن يبيع ثمر بستانه أو زرعه بدراهم فهنا إخراج عشر الدراهم يجزئه ولا يكلف أن يشتري ثمرا أو حنطة إذ كان قد ساوى الفقراء بنفسه، وقد نص أحمد على جواز ذلك ... ومثل أن يكون المستحقون للزكاة طلبوا منه إعطاء القيمة لكونها أنفع فيعطيهم إياها " انتهى.
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " ويجوز أيضا أن يخرج عن النقود عروضا من الأقمشة والأطعمة وغيرها، إذا رأى المصلحة لأهل الزكاة في ذلك مع اعتبار القيمة، مثل أن يكون الفقير مجنونا أو ضعيف العقل أو سفيها أو قاصرا، فيخشى أن يتلاعب بالنقود، وتكون المصلحة له في إعطائه طعاما أو لباسا ينتفع به من زكاة النقود بقدر القيمة الواجبة، وهذا كله في أصح أقوال أهل العلم ". انتهى من "مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز" (14/253) .
وسئل رحمه الله عن شراء مواد غذائية منوعة وعينية كالبطانيات والملابس وصرفها للجهات الإسلامية الفقيرة من الزكاة، خاصة في الحالات التي لا تتوفر فيها المواد الغذائية بأسعار معقولة في تلك البلدان.
فأجاب: " لا مانع من ذلك بعد التأكد من صرفها في المسلمين ". انتهى من "مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز" (14/246) .
وسئلت الجنة الدائمة للإفتاء: نحب أن نستوضح من سماحتكم عن موضوع صرف مبالغ من الزكاة لشراء مواد غذائية منوعة وعينية كالبطانيات والملابس وصرفها لبعض الجهات الإسلامية الفقيرة مثل السودان وأفريقيا والمجاهدين الأفغان، خاصة في الحالات التي لا تتوفر المواد الغذائية بأسعار معقولة في تلك البلدان، أو تكاد تكون معدومة فيها كلية، وإن توفرت فيها فهي بأسعار مضاعفة عن الأسعار التي تصلهم بها لو أرسلت عيناً.. نرجو إفادتنا جزاكم الله خيراً بما ترونه حيال ذلك.
فأجابت: " إذا كان الأمر كما ذكر فإنه لا حرج في ذلك؛ مراعاة لمصلحة مستحقيها ". انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (9/433) .
نسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد في القول والعمل.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2321)
استثمر والدهم لهم أموالا ولم يكن يخرج زكاتها، فما العمل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شابٌّ في السادسة والعشرين من العمر، استثمر أبي لنا مالاً في شركةِ مضاربةٍ، ولم أكن أعلمُ عنها حتى الآن، ولما رأيت بنودَ عقد المضاربة، نصَّ أحدُها على ما يلي:
على المضاربِ إخراجُ زكاة ماله بنفسه.
سؤالي: ما هو مقدار الزكاةِ الواجبِ إخراجُها عليّ، حيث إن هذا الاستثمارَ مضى عليه أربعةٌ وعشرون عامًا لم يُخرَج زكاتُه؟
وهل يجب أن يكون من رأس المال نفسه المستثمر منه، أم يجوز إخراجُها من غيره، حيث إنَّنِي أعمل، ولي راتبٌ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
قد ذكرت أن هذا المال كان مستثمراً في شركة مضاربة، وليست كل الأموال التي يساهم بها في الشركات تجب فيها الزكاة، بل في ذلك تفصيل، وقد سبق بيانه في جواب السؤال رقم (69912) , فإن كانت الزكاة واجبة في هذا المال فعليك بالمبادرة بإخراجها ونسأل الله أن يتقبل منك.
ثانياً:
تأخير إخراج الزكاة - لعذر أو لغير عذر - لا يُسقطُها مع مضيِّ السنين؛ لأنها حقٌّ أوجبه الله تعالى للفقراء والمساكين وسائرِ المستحقين.
قال النوويُّ في "المجموع" (5/302) :
" إذا مضت عليه سنون ولم يؤد زكاتها لزمه إخراج الزكاة عن جميعها " انتهى.
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (23/298) :
" إذا أتى على المكلّف بالزّكاة سنون لم يؤدّ زكاته فيها، وقد تمّت شروطُ الوجوبِ، لم يسقط عنه منها شيءٌ اتّفاقًا، ووجب عليه أن يؤدّيَ الزّكاة عن كلّ السّنينِ الّتي مضت ولم يخرج زكاتَه فيها " انتهى.
وانظر سؤال رقم (69798) .
فالواجب عليك المبادرة إلى إخراج الزكاة عن جميع السنواتِ الماضية، قبل أن تأخذك النفسُ بالتسويف والتأجيل.
ولا يختلف الحكم سواء كان هذا المال ملكاً لأبيكم. أو كان ملكاً لكم وهو يستثمره لكم. لأن الزكاة واجبة فيه في الحالتين.
سئل الشيخ ابن عثيمين: عن رجلٍ تُوفيَ وفي ذمته زكاةٌ: فهل تُخرجُ وتُقدَّمُ على قسمةِ التركة؟
فأجاب:
" إذا كان هذا الرجل المسؤولُ عنه يخرجُ الزكاةَ في حياته، ولكن تم الحولُ ومات، فعلى الورثةِ إخراجُ الزكاة ِ، لقوله صلى الله عليه وسلم: (اقضوا الله، فالله أحق بالوفاء) .
وأما إذا كان تعمَّدَ ترك إخراج الزكاة، ومَنعَها بخلاً: فهذا محلُّ خلافٍ بين العلماء رحمهم الله والأحوط والله أعلم أن الزكاةَ تُخرَج؛ لأنه تعلَّقَ بها حقُّ أهلِ الزكاةِ فلا تسقط، وقد سبق حقُّ أهل الزكاة في هذا المالِ حقَّ الورثة، ولكن لا تبرأُ ذمة الميت بذلك؛ لأنه مصرٌّ على عدمِ الإخراج، والله أعلم " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/رقم 43) .
ثالثاً:
لا حرج في إخراج الزكاة من غير المال الذي وجبت فيه الزكاة، كما لو أخرجتها من راتبك أو غيره، وقد نص على ذلك أهل العلم.
قال ابن قدامة:
" وإخراج الزكاة من غير النصاب جائز ".
"المغني" (2/287) .
بل نقل بعض أهل العلم الإجماع على ذلك:
قال عبد العزيز بن أحمد البخاري: يجوز بالإجماع أداء حقِّ الفقيرِ من غير النصاب.
"كشف الأسرار" (3/370) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2322)
دفع الزكاة عن طريق بطاقة الائتمان
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز دفع الزكاة عن طريق بطاقات الائتمان؟ لدي رصيد يغطي المبلغ وأسدده دون أن يُحسب علي أي فوائد.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يجوز الاشتراك في نظام بطاقات الائتمان إلا لمن اضطر إلى ذلك، لأنه عقد ربوي، والربا محرم بالكتاب والسنة والإجماع.
راجع الأسئلة (13735) و (13725) و (3402) .
ثانياً:
بالنسبة لدفع الزكاة عن طريق هذه البطاقة، فإذا كان عندك رصيد يغطي ما ستدفعه بحيث لا يحتسب عليك أي فوائد – كما ذكرت في سؤالك – فلا بأس بدفع الزكاة بهذه الطريقة.
أما إذا لم يكن عندك رصيد يغطي ما ستدفعه فإن هذا يعتبر اقتراض من البنك بفائدة وهو رباً محرم، ولا يجوز دفع الزكاة ولا غيرها بهذه الطريقة، والله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً.
والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2323)
إخراج الزكاة عن مال الصبي عن السنوات الماضية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم إذا كان الشخص لم يخرج الزكاة لمدة أربع سنوات ماضية جهلا، علما أنه بدأ يخرج الزكاة من السنة الحالية فماذا عليه في السنوات الماضية؟
وما حكم الأسهم التي كانت تحت الوصاية هل يجب أن يزكي عليها إذا بلغ مالك الأسهم سن التكليف؟ علما أن الوصي كان لا يزكي عليها لمدة 18 سنة تقريبا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
من ترك الزكاة لسنوات مضت فإنه يجب عليها أن يخرجها، سواء تركها عن علم أو جهل.
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله عمن ترك إخراج الزكاة لمدة خمس سنوات جهلا منه.
فأجاب: " عليك الزكاة عن جميع الأعوام السابقة، وجهلك لا يسقطها عنك؛ لأن فرض الزكاة أمر معلوم من الدين بالضرورة، والحكم لا يخفى على المسلمين، والزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام، والواجب عليك المبادرة بإخراج الزكاة عن جميع الأعوام السابقة، مع التوبة إلى الله سبحانه من التأخير، عفا الله عنا وعنك وعن كل مسلم. والله الموفق " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (14/239) .
وانظر السؤال (21715) .
ويستثنى من ذلك: الزكاة في المال المختلف في وجوب الزكاة فيه، كالحلي المستعمل، فمن ترك زكاته جهلا، أو اتباعا لمن يقول بعدم وجوب الزكاة فيه، فإنه لا يلزمه أن يخرج زكاته عما مضى، بل يخرج من حين علمه بوجوب الزكاة فيه.
وبهذا أفتى الشيخ ابن باز أيضا، قال رحمه الله: " وننبه على أنه يلزم إخراج الزكاة من حين علمتم بوجوبها في الحلي، وأما ما مضى قبل ذلك من أعوام قبل العلم بالوجوب، فليس عليكم فيه زكاة؛ لأن الأحكام الشرعية إنما تلزم بعد العلم؛ ولخلاف العلماء في هذه المسألة " انتهى. نقلا عن "فتاوى إسلامية" (2/84) .
ثانيا:
ذهب جمهور العلماء إلى أن الزكاة واجبة في مال الصبي، وأن صغره لا يسقط وجوب الزكاة عنه.
قال ابن قدامة رحمه الله: " الزكاة تجب في مال الصبي والمجنون. . روي ذلك عن عمر وعلي وابن عمر وعائشة والحسن بن علي وجابر رضي الله عنهم. وبه قال مالك والشافعي وأحمد " انتهى من "المغني" (2/256) بتصرف.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (75307) .
ثالثاً:
ليست كل الأسهم تجب فيها الزكاة، فبعضها تجب فيه الزكاة، وبعضها لا زكاة إلا في أرباحها إذا بلغت نصاباً وحال عليها الحول. ولمعرفة ذلك يراجع السؤال (69912) .
فإذا كانت هذه الأسهم تجب فيها الزكاة، وجب عليه إخراج زكاتها عما مضى من السنوات.
وإذا كانت الزكاة واجبة في أرباحها فقط، وجب عليه إخراج الزكاة عن الأرباح التي بلغت نصابا وحال عليها الحول.
الله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2324)
هل فوض عثمان رضي الله عنه الناس في إخراج زكاة أموالهم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أن عثمان بن عفان رضي الله عنه فوض إلى الناس إخراج زكاة أموالهم؟ ولماذا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ثبت عن عثمان رضي الله عنه أنه قال: (هَذَا شَهْرُ زَكَاتِكُمْ، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ دَيْنٌ فَلْيَقْضِ دَيْنَهُ، ثُمَّ لِيُزَكِّ بَقِيَّةَ مَالِهِ) رواه البيهقي في السنن الكبرى بإسناد صحيح كما قال النووي رحمه الله في المجموع.
وقد احتج به الفقهاء على أن للإنسان أن يخرج زكاة أمواله الباطنة بنفسه.
قال في المهذب: " ويجوز لرب المال أن يفرق زكاة الأموال الباطنة بنفسه. وهي الذهب والفضة وعروض التجارة والركاز؛ لما روي عن عثمان رضي الله عنه ".
وقال النووي رحمه الله: " قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله تعالى: للمالك أن يفرق زكاة ماله الباطن بنفسه، وهذا لا خلاف فيه، ونقل أصحابنا فيه إجماع المسلمين.
والأموال الباطنة هي الذهب والفضة والركاز وعروض التجارة وزكاة الفطر ...
وأما الأموال الظاهرة: وهي الزروع والمواشي والثمار والمعادن ففي جواز تفريقها بنفسه قولان مشهوران، أصحهما، وهو الجديد: جوازه. والقديم: منعه ووجوب دفعها إلى الإمام أو نائبه) انتهى من "المجموع" (6/136) باختصار.
وقال في "كشاف القناع" (2/258) : " ويستحب للإنسان تفرقة زكاته وتفرقة فطرته بنفسه، بشرط أمانته، وهو أفضل من دفعها إلى إمام عادل؛ لقوله تعالى: (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ) وليكون على ثقة من إيصالها إلى مستحقيها، ولا فرق بين الأموال الظاهرة والباطنة) انتهى باختصار.
والحاصل: أن الآية الكريمة، وقول عثمان رضي الله عنه، وإقرار الصحابة له، كل ذلك يدل على جواز أن يخرج الإنسان زكاته بنفسه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2325)
تفصيل القول في زكاة الأسهم
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو التفصيل في بيان حكم زكاة أسهم الشركات، هل فيها زكاة أم لا؟ وما مقدارها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
السهم: هو حصة الشريك في رأس مال شركة مساهمة.
كما يعرف السهم بأنه الصك المثبت لهذا النصيب.
انظر: "الأسهم والسندات" (ص 47) ، "موسوعة المصطلحات الاقتصادية والإحصائية" (ص 775) .
والسهم ينتج جزءاً من ربح الشركة يزيد أو ينقص تبعاً لنجاح الشركة وزيادة ربحها أو نقصه , ويتحمل نصيبه من الخسارة , لأن مالك السهم مالك لجزء من الشركة بقدر سهمه.
قيمة السهم:
للسهم قيم متعددة على النحو التالي:
1- القيمة الاسمية: وهي القيمة التي تحدد للسهم عند تأسيس الشركة، وهي المدونة في شهادة السهم.
2- القيمة الدفترية: وهي قيمة السهم بعد خصم التزامات الشركة، وقسمة أصولها على عدد الأسهم المصدرة.
3- القيمة الحقيقية للسهم: وهي القيمة المالية التي يمثلها السهم فيما لو تمت تصفية الشركة وتقسيم موجوداتها على عدد الأسهم.
4- القيمة السوقية: وهي القيمة التي يباع بها السهم في السوق، وهي تتغير بحسب حالة العرض والطلب.
والأسهم قابلة للتعامل والتداول بين الأفراد , كسائر السلع مما يجعل بعض الناس يتخذ منها وسيلة للاتجار بالبيع والشراء ابتغاء الربح من ورائها.
وقد سبق في جواب السؤال (4714) أنه لا بأس ببيع أسهم الشركات ما لم يكن نشاط الشركة محرماً.
كيف تزكى أسهم الشركات؟
بعض المساهمين يتخذ الأسهم للاتجار بقصد الربح , وبعضهم يتخذها للاقتناء والكسب من ربحها لا للاتجار فيها.
فأما القسم الأول: فتعتبر الأسهم عنده عروض تجارة، وتعامل في البورصة بالبيع والشراء، فيكون حكمها حكم عروض التجارة , فتؤخذ الزكاة منها بقدر قيمتها في نهاية كل حول.
وأما القسم الثاني: فقد اختلف فيه العلماء والباحثون المعاصرون , ولهم في هذا اتجاهان رئيسان:
الأول: اعتبارها عروض تجارة , بقطع النظر عن نشاط الشركة.
قالوا: لأن صاحبها يربح منها كما يربح كل تاجر من سلعته , فهي بهذا الاعتبار من عروض التجارة.
وأصل هذا القول مبني على أن المعدات والآلآت الصناعية الآن فيها الزكاة , لأنها تعتبر ـ عندهم ـ أموالاً نامية.
وقد تبنى هذا القول: محمد أبو زهرة , وعبد الرحمن بن الحسن , وعبد الوهاب خلاف وغيرهم.
الاتجاه الثاني:
التفريق في حكم هذه الأسهم حسب نوع الشركة المساهمة التي أصدرتها.
وهو قول جمهور العلماء المعاصرين، وإن كانوا يختلفون فيما بينهم في بعض التفصيلات.
ويمكن تقسيم الشركات المساهمة إلى أربعة أنواع:
الأول: الشركات الصناعية المحضة التي لا تمارس عملاً تجارياً كشركات الصباغة وشركات الفنادق وشركات النقل، فهذه لا تجب الزكاة في أسهمها , لأن قيمة هذه الأسهم موضوعة في الآلات والأدوات والمباني والأثاث ونحو ذلك مما يلزم الأعمال التي تمارسها , وهذه الأشياء لا زكاة فيها , وإنما تجب الزكاة في أرباح هذه الأسهم إذا بلغت نصاباً وحال عليها الحول.
الثاني: الشركات التجارية المحضة.
الثالث: الشركات الصناعية التجارية.
أما الشركات التجارية المحضة فهي التي تشتري البضائع وتبعيها بدون إجراء عمليات تحويلية عليها كشركات الاستيراد والتصدير , وشركات التجارة الخارجية.
وأما الشركات الصناعية التجارية فهي التي تجمع بين الصناعة والتجارة , كالشركات التي تستخرج المواد الخام أو تشتريها ثم تجري عليها عمليات تحويلية ثم تتجر فيها , كشركات البترول , وشركات الغزل والنسيج , وشركات الحديد والصلب , والشركات الكيماوية , ونحو ذلك.
فهذان النوعان من الشركات (شركات تجارية محضة , وشركات تجارية صناعية) تجب الزكاة في أسهمها بعد خصم قيمة المباني والأدوات والآلات المملوكة لهذه الشركات.
ويمكن معرفة صافي قيمة المباني والآلات والأدوات بالرجوع إلى ميزانية الشركة التي تحصى كل عام.
الرابع: الشركات الزراعية، وهي التي نشاطها زراعة الأراضي.
فهذه فيها زكاة الزروع والثمار – إن كان المحصول مما تجب فيه الزكاة - فينظر ما يقابل كل سهم من زروع وثمار وعلى صاحب السهم زكاته، فعليه عشره إن كان يسقى بدون كلفة، ونصف العشر إن كان يسقى بكلفة، بشرط أن يبلغ نصيب المساهم نصاباً وهو 300 صاع.
وهذا الاتجاه مبني على أن المصانع والعمائر الاستغلالية كالفنادق والسيارات ونحوها ليس فيها زكاة , إلا في أرباحها إذا بلغت النصاب وحال عليها الحول. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (74987) .
وهذا القول الثاني أصح، لأن السهم هو جزء من الشركة فكان له حكمها في الزكاة، سواء كانت شركة صناعية أو تجارية أو زراعية.
وقد ذهب إلى هذا القول الشيخ عبد الرحمن عيسى في كتابه "المعاملات الحديثة وأحكامها" , والشيخ عبد الله البسام , ود/ وهبة الزحيلي كما في "مجلة المجمع الفقهي" (4/742) .
وذكر البسام أن التفريق بين الشركات التجارية والشركات الصناعية هو قول الجمهور.
مجلة المجمع الفقهي (4/1/725) .
تنبيه:
ويجب التنبه إلى أن الشركات الصناعية أو الزراعية لا تخلو خزائنها من أموال نقدية، وهذه الأموال لا إشكال في وجوب الزكاة فيها، فيقدر ما يعادل كل سهم من هذه النقود، ويكون على صاحب السهم إخراج زكاتها، إن بلغ نصاباً بمفرده، أو كان يبلغ النصاب بضمه إلى ما عنده من نقود.
قاله الدكتور على السالوس، كما في "مجلة المجمع الفقهي" (4/1/849) .
ونبه عليه الشيخ ابن عثيمين أيضا بقوله:
" إن كان الإنسان قد اشترى هذه الأسهم للتجارة ـ بمعنى أنه يشتري هذه الأسهم اليوم ويبيعها غداً كلما ربح فيها ـ فإنه يجب عليه أن يزكي هذه الأسهم كل عام، ويزكي ما حصل فيها من ربح.
وأما إذا كانت هذه الأسهم للاستغلال والتنمية، ولا يريد أن يبيعها فإنه ينظر؛ فما كان نقوداً ـ ذهباً أو فضة أو ورقاً نقديًّا ـ وجبت فيها الزكاة، لأن الزكاة في النقود والذهب والفضة واجبة بعينها، فيزكيها على كل حال.
وحينئذ يسأل القائمين على هذه الدار عما له في خزينتهم من الأموال.
وإن كانت أعياناً ومنافع؛ لا ذهباً، ولا فضة، ولا نقوداً، فإنه ليس فيها زكاة، وإنما الزكاة فيما يحصل بها من ربح إذا حال عليه الحول من ملكه إياه " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/199) .
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: استثمرنا مبالغ في شراء أسهم لشركات، علماً بأن بعض هذه الشركات ستخصم الزكاة الشرعية قبل توزيعها الربح وبعضها لا تحسب زكاة شرعية فهل تجب الزكاة على رأس المال أو على أرباح هذه الشركات؟ علماً بأن أصل المساهمة نوعان:
أ - نوع بغرض استلام الأرباح فقط وليس بغرض بيع الأسهم.
ب - ونوع آخر لبيع الأسهم كعروض تجارة.
فأجابت:
" عليه إخراج الزكاة عن السهام التي للبيع وعن أرباحها كل سنة، وإذا كانت الشركة تخرج الزكاة عن أصحابها بإذن منهم كفى ذلك، أما السهام التي أراد استثمارها فقط فإن الزكاة تجب في أرباحها إذا حال عليها الحول إلا أن تكون نقوداً فإن الزكاة تجب في الأصل والربح " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (9/341) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: تقيم بعض المؤسسات التجارية مساهمات في العقار وغيره، وتبقى المبالغ المالية مدة طويلة عند المؤسسة قد تصل إلى سنوات فكيف تزكى أموال هذه المساهمات؟ وهل يجوز أن يقوم صاحب المؤسسة بإخراج زكاة جميع هذا المال في وقته، ثم يقوم بحسمه من رأس مال المساهمين أو أرباحهم قبل توزيعها؟
فأجاب:
" المساهمات التجارية تجب فيها الزكاة كل سنة؛ لأنها عروض تجارة، فتقدر قيمتها كل سنة حين وجوب الزكاة ويخرج ربع عشرها، سواء كانت تساوي قيمة الشراء، أو تزيد أو تنقص.
أما إخراج صاحب المؤسسة لزكاة هذه المساهمات فإن كان بتوكيل من المساهمين فلا بأس، ويقدر الزكاة على ما سبق، وإن لم يوكلوه في إخراج الزكاة فلا يخرجها، لكن عليه أن يبلغ المساهمين بما تساوي وقت وجوب الزكاة، ليخرج كل واحد منهم زكاة سهمه بنفسه، أو يوكلوه في إخراج الزكاة، وإن وكله بعضهم دون بعض أخرج زكاة سهم من وكله دون الآخرين.
ومعلوم أنه إذا أخرج الزكاة فسوف يحسمها من رأس المال، أو من الربح " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/217) .
وخلاصة القول في هذا:
أن الأسهم الذي أراد بها صاحبها التجارة والربح، وأسهم الشركات التجارية تجب فيها الزكاة، في أصل السهم وربحه.
والشركات الصناعية تجب الزكاة في أرباحها إذا بلغت نصابا وحال عليها الحول، ولا زكاة في أسهمها إلا فيما يقابل السهم من نقود في خزينة الشركة.
والشركات الزراعية تجب الزكاة فيما يقابل السهم من زروع أو ثمار إذا كانت من الأصناف التي تجب فيها الزكاة بشرط أن تبلغ حصة المساهم نصابا، وهو 300 صاع، وتجب الزكاة أيضاً فيما يقابل السهم من نقود في خزينة الشركة.
هل الزكاة تجب على الشركة المساهمة أم على المساهمين؟
ذهب بعض الباحثين إلى أن زكاة الأسهم واجبة على الشركة، واحتجوا بأن الشركة المساهمة لها شخصية اعتبارية مستقلة، فهي تملك التصرف في المال، والزكاة تكليف متعلق بالمال، ولذلك لا يشترط لها البلوغ والعقل.
وأجيب عن هذا بأن الشركة وإن كان لها شخصية اعتبارية فإن هذه الشخصية لا تصلح لوجوب الزكاة عليها، إذ من شروط وجوب الزكاة: الإسلام والحرية. . . إلخ وهي أوصاف لا توصف بها الشركة.
ثم إن ملك الشركة للمال إنما هو بالنيابة عن المساهمين، فالملك في الأصل هو للمساهمين لا للشركة.
واحتجوا أيضاً بالقياس على المشاركة في بهيمة الأنعام، فإن الزكاة تجب في المال المجتمع ككل، وليس في مال كل شريك على حدة.
وأجيب عن هذا بأن وجوب الزكاة في الماشية المجتمعة ليس معناه أن المال وجب على الشركة باعتبارها شخصية اعتبارية، وإنما معناه ضم مال الشركاء بعضه إلى بعض وحساب زكاته كمالٍ لشخص واحد.
وذهب جمهور العلماء والباحثين إلى وجوب الزكاة على المساهم – وهو الصواب – لأن المساهم هو المالك الحقيقي للمال، والشركة تتصرف في أسهمه نيابة عنه حسب الشروط المذكورة في نظام الشركة.
ولأن الزكاة عبادة تحتاج إلى نية عند فعلها، ويثاب على إخراجها ويعاقب على منعها، وهو ما لا يتصور في الشركة المساهمة.
من الذي يخرج زكاة الأسهم: الشركة أم صاحب السهم؟
الأصل أن الذي يخرج زكاة السهم هو صاحب السهم نفسه، لأنه المالك له المكلف بإخراج زكاته، لكن لا حرج من إخراج الشركة الزكاة نيابة عن أصحاب الأسهم، وقد ذكر المجمع الفقهي أنه لا مانع من إخراج الشركة المساهمة الزكاة في أربع حالات:
" إذا نص في نظامها الأساسي على ذلك، أو صدر به قرار من الجمعية العمومية، أو كان قانون الدولة يلزم الشركات بإخراج الزكاة، أو حصل تفويض من صاحب الأسهم لإخراج إدارة الشركة زكاة أسهمه".
"مجلة المجمع الفقهي" (4/1/881) .
قدر زكاة الأسهم:
زكاة أسهم الشركات هو ربع العشر أي: 2.5 بالمائة سواء قصد مالكها بها التجارة أو الاقتناء من أجل أرباحها السنوية , لأنها إن كانت من أجل التجارة بها , فهي عروض تجارة , وزكاة عروض التجارة ربع العشر , وإن كانت من أجل الاقتناء والربح السنوي فهي تشبه العقار المؤجر , وزكاة أجرة العقار ربع العشر.
متى يبدأ حساب الحول للأسهم؟
أما الأسهم في الشركات التجارية، أو الأسهم الذي يتاجر فيها صاحبها فالأرباح فيها تابعة لأصل المال في الحول، لأن ربح التجارة لا يحسب له حول جديد، بل حوله هو حول أصل المال إن كان أصل المال يبلغ النصاب.
"المغني" (4/75) .
ويجب التنبه إلى أن عروض التجارة إذا اشتريت بذهب أو فضة أو نقود لا يبدأ لها حول جديد من شرائها وإنما يبني على حول النقود التي اشتريت بها إن كانت نصاباً.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " واعلم أن عروض التجارة ليس حولها أن تأتي سنة بعد شرائها، بل إن حولها حول المال الأصلي، لأنها عبارة عن دراهم من رأس مالك حولتها إلى عروض، فيكون حولها حول مالك الأول " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/234) .
انظر جواب السؤال (32715) .
أما الشركات الصناعية والتي تقتنى أسهمها من أجل الاستثمار والربح السنوي منها لا بقصد التجارة، فهذه الأسهم تجب الزكاة في أرباحها إن بلغ الربح بمفرده نصابا، أو كان يبلغ النصاب بضمه إلى ما عنده من نقود، ويبدأ حساب الحول من حين قبض هذه الأرباح، كما قرر ذلك المجمع الفقهي، والشيخ عبد الله البسام.
انظر: مجلة المجمع الفقهي (4/1/722) .
وينبغي التنبه إلى أن أسهم الشركات الزراعية، والتي تجب فيها زكاة الزروع والثمار لا يشترط لوجوب الزكاة فيها مرور الحول، باتفاق العلماء، لقوله سبحانه: (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) الأنعام/141.
"الموسوعة الفقهية" (23/281) .
فتقدر زكاة كل محصول بمفرده.
كيف تحسب قيمة السهم لإخراج الزكاة؟
أما الأسهم التي تجب فيها الزكاة (وهي الأسهم التي يتاجر فيها صاحبها، أو أسهم الشركات التجارية) فتخرج الزكاة على حسب قيمتها السوقية في نهاية الحول.
لأن هذه الأسهم عروض تجارة، وعروض التجارة تقوم في نهاية الحول ثم تخرج زكاتها على هذه القيمة، بقطع النظر عن قيمة السهم الاسمية.
انظر السؤال (32715) .
وأما الأسهم التي لا زكاة فيها (وهي أسهم الشركات الصناعية) فلا يحتاج إلى تقويمها في نهاية الحول لأن الزكاة إنما هي على الأرباح وليست على الأسهم.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: الزكاة على الأسهم تكون على القيمة الرسمية للسهم أم القيمة السوقية أم ماذا؟
فأجاب:
" الزكاة على الأسهم وغيرها من عروض التجارة تكون على القيمة السوقية، فإذا كانت حين الشراء بألف ثم صارت بألفين عند وجوب الزكاة فإنها تقدر بألفين، لأن العبرة بقيمة الشيء عند وجوب الزكاة لا بشرائه " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/197) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2326)
الفرق بين الأسهم والسندات
[السُّؤَالُ]
ـ[نعلم أن الأسهم تجب فيها الزكاة، فهل السندات أيضاً عليها زكاة؟ وكيف تحسب زكاتها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أما زكاة الأسهم فقد سبق في السؤال (69912) تفصيل القول في زكاتها، وأن من الأسهم ما تجب فيه الزكاة، ومنها ما لا تجب فيه الزكاة.
وأما السندات فهي غير الأسهم.
فالسند هو تعهد مكتوب بمبلغ من الدَّين (قرض) لحامله في تاريخ معين نظير فائدة مقدرة.
أما السهم فهو نصيب الشريك في رأس مال شركة مساهمة.
ومن هذين التعريفين يتبين الفرق بين الأسهم والسندات.
الفرق بين السهم والسند:
1- السهم يمثل حصة في الشركة بمعنى أن صاحبه شريك , أما السند فهو يمثل دَيْناً على الشركة , بمعنى أن صاحبه مقرض أو دائن.
وبناءاً على هذا , لا يحصل صاحب السهم على الأرباح إلا حين تحقق الشركة أرباحاً فقط , أما صاحب السند فيتلقى فائدة ثابتة سنوياً سواء ربحت الشركة أم لا.
وبناءاً على هذا أيضاً: إذا خسرت الشركة فإن صاحب السهم يتحمل جزءاً من هذه الخسارة حسب الأسهم التي شارك بها , لأنه شريك ومالك لجزء من الشركة , فلابد من تحمله جزءاً من الخسارة , أما صاحب السند فلا يتحمل شيئاً من خسارة الشركة لأنه ليس شريكاً فيها , وإنما هو مقرض فقط، مقابل فائدة متفق عليه سواء ربحت الشركة أم خسرت.
حكم التعامل بالسندات:
التعامل بالسندات محرم شرعاًَ , لأنها قرض مقابل فائدة متفق عليها، وهذا هو الربا الذي حرمه الله تعالى وتوعد عليه بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) البقرة/278، 279.
وقد لعن الرسول صلى الله عليه وسلم أكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء. رواه مسلم (2995) .
وجاء في المؤتمر الثاني للمصرف الإسلامي بالكويت عام 1403 هـ /1983 م: " أن ما يسمى بالفائدة في اصطلاح الاقتصاديين الغربيين ومن تابعهم هو عين الربا المحرم شرعاً " انتهى.
"مجلة المجمع الفقهي" (4/1/732) .
وانظر جواب السؤال (2143) .
زكاة السندات:
بالرغم من تحريم التعامل بالسندات فإن الزكاة واجبة فيها لأنها تمثل دَيْناً لصاحبها , والدَّيْن الذي يُرجى تحصيله تجب فيه الزكاة عند جمهور العلماء , فيحسب زكاته كل عام، ولكن لا يلزمه إخراجها إلا إذا قبض قيمة السند , أما الفائدة التي يأخذها مقابل السند فهي مال خبيث محرم، يجب عليه التخلص منه في أوجه البر المتنوعة.
والقدر الواجب إخراجه من الزكاة هو 2.5 بالمائة.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2327)
ما هو الأفضل في رمضان الزكاة بالمال أو إطعام الفقراء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الأفضل في رمضان الزكاة بالمال أو إطعام الفقراء؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أما الزكاة المفروضة فهي عبادة لها وقتها المقدَّر، وهو مرور سنة هجرية على النصاب، فإذا تمت السنة وجب إخراج الزكاة، ولا يجوز لمن وجب في ماله الزكاة وحل موعدها أن يتأخر عن أدائها إلا لعذر شرعي.
ولا يجوز انتظار شهر رمضان لأدائها فيه، إلا إذا كان الانتظار يسيرا كأسبوع أو أسبوعين. وانظر جواب السؤال رقم (13981) .
قال ابن قدامة رحمه الله:
" وتجب الزكاة على الفور، فلا يجوز تأخير إخراجها مع القدرة عليه والتمكن منه إذا لم يخش ضرراً، وبهذا قال الشافعي " انتهى.
" المغني " (2 / 289) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
هل الزكاة تفضل في رمضان مع أنها ركن من أركان الإسلام؟
فأجاب:
" الزكاة كغيرها من أعمال الخير تكون في الزمن الفاضل أفضل، لكن متى وجبت الزكاة وتمَّ الحوْل وجب على الإنسان أن يُخرجها ولا يؤخرها إلى رمضان، فلو كان حوْل ماله في رجب: فإنه لا يؤخرها إلى رمضان بل يؤديها في رجب، ولو كان يتم حولها في محرَّم فإنه يؤديها في محرم، ولا يؤخرها إلى رمضان، أما إذا كان حوْل الزكاة يتم في رمضان: فإنه يُخرجها في رمضان " انتهى.
" فتاوى إسلاميَّة " (2 / 164) .
ولعل قصد السائل بالزكاة: صدقة التطوع، ولا شك أن الجود والبذل والعطاء بالمال والطعام والكسوة وغيرها: في رمضان أفضل من فعلها في غيره من الشهور ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود ما يكون في شهر رمضان.
فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ , فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ. رواه البخاري (6) ومسلم (2308) .
قال النووي: وَفِي هَذَا الْحَدِيث فَوَائِد مِنْهَا: اِسْتِحْبَاب إِكْثَار الْجُود فِي رَمَضَان.
" شرح مسلم " (15 / 69) .
وقال ابن القيم رحمه الله:
" وكان صلى الله عليه وسلم أجودَ الناس، وأجودُ ما يكون في رمضان، يُكثر فيه مِن الصدقة والإحسان وتلاوة القرآن والصلاة والذكر والاعتكاف " انتهى.
" زاد المعاد " (2 / 32) .
وإطعام الطعام فيه أجر عظيم لفاعله، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى أن من صفات المؤمنين الذين استحقوا الجنة أنهم يطعمون الطعام، فقال تعالى: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا. إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا. إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا. فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا. وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا) الإنسان/8-12، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه (مَنْ فَطَّرَ صَائِماً كانَ لَهُ مِثْلَ أَجْرِه) رواه الترمذي (807) وابن ماجه (1746) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
وقد كان السلف الصالح يحرصون على إطعام الطعام، وذلك لما ورد من الترغيب فيه، مع ما ينشأ عنه من عبادات كثيرة منها: التودد والتحبب إلى المُطعَمين فيكون ذلك سبباً في دخول الجنة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولن تؤمنوا حتى تحابوا) ، كما ينشأ عنها مجالسة الصالحين واحتساب الأجر في معونتهم على الطاعات التي تقووا عليها بطعامك.
وأما تفضيل أحدهما على الآخر؛ " فقد كان كثير من السلف يفضل إطعام الإخوان على الصدقة على المساكين.
وقد روي في هذا المعنى مرفوعاً من حديث أنس بإسناد ضعيف، ولاسيما إن كان الإخوان لا يجدون مثل ذلك الطعام.
وروي عن علي رضي الله عنه قال: لأن أجمع أناسا من إخواني على صاع من طعام، أحب إلي من أن أدخل سوقكم فأبتاع نسمة فأعتقها.
وعن أبي جعفر محمد بن علي قال: لأن أدعو عشرة من أصحابي فأطعمهم طعاماً يشتهونه أحب إلي من أن أعتق عشرة من ولد إسماعيل ".
شرح حديث "اختصام الملأ الأعلى " لابن رجب، من "مجموع الرسائل" (4/41) .
والحاصل: أن كلاًّ من الصدقة بالمال وإطعام الطعام له فضل كبير، فاحرص على الأمرين معا، وليكن لك نصيب من كل عبادة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2328)
هل يصح أن يضم ماله مع مال زوجته ويزكيهما معاً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا موظف، وزوجتي أيضا، ومالي ومالها واحد، نأخذ من هذا، ومن ذاك، والطريقة في إخراج زكاة مالنا: أنني أقوم بجمع جميع الأموال الموجودة في تاريخ محدد من الشهر الفضيل والذهب ثم أقسم على أربعين، فهل هناك حرج من تداخل الأموال والطريقة في إخراج الزكاة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج من ضم نقودك إلى نقود زوجتك وذهبها ثم زكاة الجميع معاً , وذلك لأن زكاة النقود والذهب والفضة لا تختلف بالضم أو التفريق , لأن الواجب هو إخراج ربع العشر سواء قَلَّ المال أو كثر، ما دام قد بلغ النصاب.
وإنما تختلف الزكاة بالضم أو التفريق في بهيمة الأنعام فقط (الإبل والبقر والغنم) .
وما تفعله أنت وزوجتك فيما توفرانه من رواتبكما وإخراج زكاته مع ما عندها من الذهب في شهر واحد هو أفضل وأيسر طرق إخراج زكاة الراتب.
وما حسبته من قسمة المال على أربعين صحيح؛ لأن الواجب في زكاة الذهب والنقد ربع العشر وهو واحد من أربعين.
وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
رجل يعتمد في دخله على المرتب الشهري فيصرف بعضه ويوفر البعض الأخر فكيف يخرج زكاة هذا المال؟
فأجاب:
" عليه أن يضبط بالكتابة ما يدخره من مرتباته، ثم يزكيه إذا حال عليه الحول، كل وافر شهر يزكَّى إذا حال عليه الحول، وإن زكى الجميع تبعاً للشهر الأول: فلا بأس، وله أجر ذلك، وتعتبر الزكاة معجلة عن الوفر الذي لم يحل عليه الحول، ولا مانع من تعجيل الزكاة إذا رأى المزكي المصلحة في ذلك، أما تأخيرها بعد تمام الحول: فلا يجوز إلا لعذر شرعي: كغيبة المال، أو غيبة الفقراء " انتهى.
" تحفة الإخوان بأجوبة مهمة تتعلق بأركان الإسلام " (السؤال 12) .
وللتفصيل في زكاة الراتب انظر جواب السؤال: (26113) وفيه فتوى عن اللجنة الدائمة بمثل فتوى الشيخ ابن باز رحمه الله.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2329)
هل تجوز كفالة اليتيم من مال الزكاة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تجوز كفالة اليتيم من زكاة الأموال؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الزكاة لها مصارف محددة، بينها الله تعالى بقوله: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) التوبة/60.
فإذا كان اليتيم واحدا من هؤلاء، كأن كان فقيرا أو مسكينا، جاز دفع الزكاة إليه.
ومجرد وصف الشخص بأنه يتيم لا يعني ذلك أنه من مصارف الزكاة، لأنه قد يكون غنياً عنده من المال ما يكفيه.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن دفع الزكاة في كفالة الأيتام فأجاب:
" الأيتام الفقراء من أهل الزكاة فإذا دفعت الزكاة إلى أوليائهم فهي مجزئة إذا كانوا مأمونين عليها، فيعطى وليهم ما يسد حاجتهم ويشتري بها هو نفسه ما يحتاجون " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثمين" (18/346) .
وقال أيضاً:
" ولكن هنا تنبيه: وهو أن بعض الناس يظن أن اليتيم له حق من الزكاة على كل حال، وليس كذلك فإن اليتيم ليس من جهات استحقاق أخذ الزكاة، ولا حق لليتيم في الزكاة إلا أن يكون من أصناف الزكاة الثمانية.
أما مجرد أنه يتيم فقد يكون غنيًّا لا يحتاج إلى زكاة " <.
"مجموع فتاوى ابن عثمين" (18/353) .
وقال أيضاً:
" يجب أن نعلم أن الزكاة ليست للأيتام، الزكاة للفقراء والمساكين وبقية الأصناف، واليتيم قد يكون غنيًّا، قد يترك له أبوه مالاً يغنيه، وقد يكون له راتب من الضمان الاجتماعي أو غيره يستغني به.
ولهذا نقول: يجب على ولي اليتيم ألا يقبل الزكاة إذا كان عند اليتيم ما يغنيه.
أما الصدقة فإنها مستحبة على اليتامى وإن كانوا أغنياء " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثمين" (18/307) .
وأما تقسيط الزكاة على الفقراء، فقد سبق في جواب السؤال (52852) أن ذلك لا يجوز لما فيه من تأخير الزكاة بعد مرور الحول، إلا إذا أخرجها معجلة فلا بأس بتقسيطها على الفقراء حينئذ لأنه لم يؤخرها بعد وجوبها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2330)
ما هو السن المناسب لتعويد الأطفال على الصيام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو السن الذي يجب على الأطفال الصيام فيه؟ وكيف نشجعهم على الصيام والصلاة في المسجد وخاصة صلاة التراويح؟ وهل توجد أفكار دينية بسيطة لشغل أوقات فراغ الأطفال في رمضان؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يجب الصيام على الطفل الصغير حتى يبلغ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاثَةٍ: عَنْ الْمَجْنُونِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ حَتَّى يفِيقَ، وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ) رواه أبو داود (4399) . وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
ومع ذلك، فينبغي أمر الصبي بالصيام حتى يعتاده، ولأنه يكتب له الأعمال الصالحة التي يفعلها.
والسن الذي يبدأ الوالدان بتعليم أولادهما الصيام فيه هو سن الإطاقة للصيام، وهو يختلف باختلاف بنية الولد، وقد حدَّه بعض العلماء بسن العاشرة.
قال الخرقي:
" وإذا كان الغلام عشر سنين، وأطاق الصيام أُخِذَ به ".
قال ابن قدامة:
" يعني: أنه يُلزم الصيام، يؤمر به، ويضرب على تركه، ليتمرن عليه ويتعوده، كما يُلزم بالصلاة ويؤمر بها، وممن ذهب إلى أنه يؤمر بالصيام إذا أطاقه: عطاء والحسن وابن سيرين والزهري وقتادة والشافعي.
وقال الأوزاعي: إذا أطاق صوم ثلاثة أيام تباعا لا يخور فيهن ولا يضعف حُمِّلَ صومَ شهر رمضان، وقال إسحاق: إذا بلغ ثنتي عشرة أحب أن يكلف الصوم للعادة.
واعتباره بالعشر أولى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالضرب على الصلاة عندها، واعتبار الصوم بالصلاة أحسن لقرب إحداهما من الأخرى، واجتماعهما في أنهما عبادتان بدنيتان من أركان الإسلام، إلا أن الصوم أشق فاعتبرت له الطاقة، لأنه قد يطيق الصلاة من لا يطيقه " انتهى. " المغني " (4/412) .
وقد كان هذا هو هدي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مع أولادهم، يأمرون من يطيق منهم بالصيام فإذا بكى أحدهم من الجوع دُفع إليه اللعب يتلهى بها، ولا يجوز الإصرار عليهم بالصيام إذا كان يضرهم بسبب ضعف بنيتهم أو مرضهم.
قال الشيخ ابن عثيمين:
" والصغير لا يلزمه الصوم حتى يبلغ، ولكن يؤمر به متى أطاقه ليتمرن عليه ويعتاده، فيسهل عليه بعد البلوغ، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم - وهم خير هذه الأمة - يصوِّمون أولادهم وهم صغار " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (19 / 28، 29)
وسئل الشيخ رحمه الله تعالى:
طفلي الصغير يصر على صيام رمضان رغم أن الصيام يضره لصغر سنه واعتلال صحته، فهل أستخدم معه القسوة ليفطر؟
فأجاب:
" إذا كان صغيراً لم يبلغ فإنه لا يلزمه الصوم، ولكن إذا كان يستطيعه دون مشقة فإنه يؤمر به، وكان الصحابة رضي الله عنهم يُصوِّمون أولادهم، حتى إن الصغير منهم ليبكي فيعطونه اللعب يتلهى بها، ولكن إذا ثبت أن هذا يضره فإنه يمنع منه، وإذا كان الله سبحانه وتعالى منعنا من إعطاء الصغار أموالهم خوفاً من الإفساد بها، فإن خوف إضرار الأبدان من باب أولى أن نمنعهم منه، ولكن المنع يكون عن غير طريق القسوة، فإنها لا تنبغي في معاملة الأولاد عند تربيتهم " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (19/83) .
ثانياً:
يمكن للوالدين تشجيع أولادهم على الصيام بإعطائهم هدية في كل يوم، أو بتذكية روح المنافسة بينهم وبين أقرانهم أو من هو دون سنهم، ويمكن تشجيعهم على الصلاة بأخذهم إلى المساجد للصلاة فيها، وبخاصة إذا خرجوا مع الأب وصلوا في مساجد متفرقة في كل يوم.
وكذلك يمكن تشجيعهم بمكافأتهم على ذلك، سواء كانت المكافأة بالثناء عليهم ومدحهم، أو بإخراجهم للتنزه أحياناً، أو شراء ما يحبون......... ونحو ذلك.
وللأسف يوجد تقصير عظيم من بعض الآباء والأمهات تجاه أولادهم في هذا التشجيع، بل تجد في بعض الأحيان الصد عن هذه العبادات، ويظن بعض هؤلاء الآباء والأمهات أن الرحمة والشفقة تقتضي عدم تصويمهم أو عدم قيام أبنائهم للصلاة، وهذا خطأ محض من حيث الشرع، ومن حيث التربية.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
" أوجب الله الصيام أداء على كل مسلم مكلف قادر مقيم، فأما الصغير الذي لم يبلغ فإن الصيام لا يجب عليه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاثة: وذكر: الصبي حتى يبلغ) ، ولكن يجب على وليه أن يأمره بالصيام إذا بلغ حدّاً يطيق الصيام فيه؛ لأن ذلك من تأديبه وتمرينه على فعل أركان الإسلام، ونرى بعض الناس ربما يترك أولاده فلا يأمرهم بصلاة ولا صوم وهذا غلط، فإنه مسؤول عن ذلك بين يدي الله تبارك وتعالى، وهم يزعمون أنهم لا يُصَوِّمون أولادهم شفقة عليهم ورحمة بهم، والحقيقة أن الشفيق على أولاده والراحم لهم هو من يمرنهم على خصال الخير وفعل البر، لا من يترك تأديبهم وتربيتهم تربية نافعة " انتهى. " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (19 / 19، 20) .
ثالثاً:
ويمكن للوالدين شغل أوقات أولادهم بقراءة القرآن وحفظ جزء يسير كل يوم منه، وكذلك بقراءة كتب تناسب مستواهم، وإسماعهم أشرطة متنوعة تجمع بين الفائدة والمرح كالأناشيد، وإحضار الأشرطة المرئية المفيدة لهم، وقد جمعت " قناة المجد للأطفال " أكثر هذه الأشياء، فيمكن تخصيص وقتٍ كلَّ يومٍ لمتابعة ما يفيد الأطفال منها.
وإننا لنشكر الأخت السائلة على اهتمامها بتربية الأولاد، وهذا يدل على خير في الأسر المسلمة لكن كثيرين لم يحسنوا تفجير طاقات أولادهم الذهنية والبدنية، فتعودوا على الراحة والكسل والاعتماد على غيرهم، كما لم يُهتم بتنشيطهم على العبادة كالصلاة والصيام فتربى أجيال كثيرة على هذا فنفرت قلوبهم من العبادة بعدما كبروا، وصعُب على آبائهم توجيههم ونصحهم، ولو أنهم اهتموا بالأمر من بدايته لما حصل الندم في آخره.
ونسأل الله تعالى أن يعيننا على تربية أولادنا، وعلى تحببيهم في العبادة، وأن يوفقنا لأداء ما أوجب علينا تجاههم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2331)
لا بأس بإخراج زكاة عروض التجارة من البضاعة
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي محل مواد غذائية به بضاعة بقيمة خمسين ألف دينار تقريبا، وعليّ دين بعشرين ألف دينار. زكاة المحل وجبت الآن، كيف أخرجها ولا أملك مالاً في خزينة المحل إلا القليل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
اختلف العلماء فيمن عنده نصاب من المال تجب فيه الزكاة، وعليه دين، هل تجب الزكاة في مقدار الدين من المال أو لا؟
والراجح أن الدَّين لا يمنع وجوب الزكاة، وعلى هذا فإنك تقَوِّم البضاعة الموجودة بالمحل في نهاية الحول، ثم تخرج زكاة جميع المال، ولا تخصم منه مقدار الدين الذي عليك.
راجع السؤال رقم (22426)
ثانياً:
أما إخراج الزكاة وليس عندك نقود، فالقول الراجح في زكاة عروض التجارة أنه يجوز إخراجها عروضاً.
وعلى هذا؛ فإن لم يكن معك نقود، فإنك تخرج الزكاة من البضاعة الموجودة عندك بالمحل، ويجزئك ذلك إن شاء الله تعالى، ولا يجوز لك تأخير الزكاة بعد وجوبها.
راجع السؤال (13981)
قال شيخ الإسلام رحمه الله:
يجوز إخراج زكاة العروض عرضاً اهـ. " الاختيارات " ص 101.
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: هل يجوز إخراج الزكاة من الأقمشة؟
فأجاب:
" يجوز ذلك في أصح قولي العلماء، الطيب عن الطيب، والرديء عن مثله حسب القيمة، مع الحرص على ما يبرئ الذمة، لأن الزكاة مواساة، من الغني للفقراء، فجاز له أن يواسيهم من القماش بقماش، كما يواسيهم من الحبوب والتمور والبهائم الزكوية من نفسها " اهـ. "فتاوى الشيخ ابن باز" (14/253) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2332)
حكم دفع الصدقات لمن عنده بدعة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز دفع الصدقات والمساعدات المالية لمن عنده بعض البدع؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أن إعانة المسلم، وتفريج كربته، وسد خلته وعوزه، وكف ضيعته، كل ذلك من مقتضيات موالاته التي وجبت له بأصل إيمانه، كما قال الله تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) التوبة/71. وإلى ذلك يشير قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الْمُؤْمِنُ مِرْآةُ الْمُؤْمِنِ، وَالْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ، يَكُفُّ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ، وَيَحُوطُهُ مِنْ وَرَائِهِ) رواه أبو داود (4918) وحسنه الألباني.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (يَكُفّ عَلَيْهِ ضَيْعَته) : أَيْ يَمْنَع تَلَفه وَخُسْرَانه. قال ابن الأثير: وَضَيْعَة الرَّجُل مَا يَكُون مِنْ مَعَاشه كَالصَّنْعَةِ وَالتِّجَارَة وَالزِّرَاعَة وَغَيْر ذَلِكَ، أَيْ يَجْمَع إِلَيْهِ مَعِيشَته، وَيَضُمّهَا لَهُ
وقوله: (وَيَحُوطهُ مِنْ وَرَائِهِ) : أَيْ يَحْفَظهُ وَيَصُونَهُ وَيَذُبّ عَنْهُ بِقَدْرِ الطَّاقَة. [انظر: عون المعبود]
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا ـ وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ ـ) رواه البخاري (481) ومسلم (2585) .
قال النووي: " قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْمُؤْمِن لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضه بَعْضًا) صَرِيح فِي تَعْظِيم حُقُوق الْمُسْلِمِينَ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض , وَحَثّهمْ عَلَى التَّرَاحُم وَالْمُلاطَفَة وَالتَّعَاضُد فِي غَيْر إِثْم وَلا مَكْرُوه) .
والنصوص الشرعية من الكتاب والسنة الصحيحة كثيرة في هذا المعنى، وفي جميعها تعليق للموالاة والنصرة والحيطة بأسماء الإيمان والإسلام، فالواجب أن يكون ذلك هو أساس الحب والبغض، والعطاء والمنع، كما قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَعْطَى لِلَّهِ تَعَالَى وَمَنَعَ لِلَّهِ تَعَالَى وَأَحَبَّ لِلَّهِ تَعَالَى وَأَبْغَضَ لِلَّهِ تَعَالَى وَأَنْكَحَ لِلَّهِ تَعَالَى فَقَدْ اسْتَكْمَلَ إِيمَانَهُ) أحمد (1519) والترمذي (2521) وأبو داود (4681) وحسنه الألباني.
وإذا كان الناس متفاوتين في معاني الإيمان والإسلام، فبعضهم أتقى لله، وأعظم استكمالا لهذه المعاني من بعض، فكذلك يتفاوت ما لكل واحد من حقوق الموالاة، بمقدار تحقيقه هذه المعاني، وإن اشتركوا في أصل الموالاة الواجبة.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى [28/ 209] :
(الله سبحانه بعث الرسل وأنزل الكتب ليكون الدين كله لله، فيكون الحب لأوليائه، والبغض لأعدائه والإكرام لأوليائه، والإهانة لأعدائه، والثواب لأوليائه والعقاب لأعدائه. وإذا اجتمع في الرجل الواحد خير وشر، وفجور وطاعة ومعصية، وسنة وبدعة، استحق من الموالاة والثواب بقدر ما فيه من الخير، واستحق من المعاداة والعقاب بحسب ما فيه من الشر، فيجتمع في الشخص الواحد موجبات الإكرام والإهانة، فيجتمع له من هذا وهذا، كاللص الفقير تقطع يده لسرقته، ويعطى من بيت المال ما يكفيه لحاجته.
هذا هو الأصل الذي اتفق عليه أهل السنة والجماعة..) .
وعلى هذا الأصل العام ينبني الجواب عن هذا السؤال.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
(البدعة منها ما يُعذر فيه الإنسان، ومنها ما يصل إلى درجة الفسق، ومنها ما يصل إلى درجة الكفر؛ فأصحاب البدعة المكفرة لا تجوز معونتهم إطلاقا، وإن تسموا بالإسلام، لأن تسميهم بالإسلام مع الإقامة والإصرار على البدعة المكفرة، بعد البيان، يُلحقهم بالمنافقين الذين قالوا نشهد إنك لرسول الله، فقال الله تعالى: (وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ) المنافقون/1.
أما البدع المفسقة، أو التي يعذر فيها الإنسان بعذر سائغ، فإن بدعتهم لا تمنع معونتهم، فيعاونون على أعدائهم الكفار، لأنهم لا شك خير من هؤلاء الكفار.) الباب المفتوح، اللقاء الثاني 1/66.
لكن ينبغي أن يُمنعوا من صرف هذه الأموال في إقامة بدعتهم، أو نشرها، فإن علم منهم، أو غلب على ظن المعطي أنهم يستعينون بها على بدعتهم، ولم يمكن منعهم من ذلك، ولا صرفها في حاجاتهم المباحة، فإنهم لا يُعطون من هذه الأموال، لما فيه من إعانتهم على إثمهم، وقد قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثم وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2333)
لا تخصم المصروفات التي أنفقها على الزرع من الزكاة
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي نخل وأريد أن أؤدي زكاته، فهل يخصم من الزكاة المصروفات مثل (النقل، أجور الذي يجني التمر، أجور الذي يبيع التمر) ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا تخصم المصروفات التي ينفقها صاحب الزرع على زرعه من الزكاة، والواجب في الزكاة إخراج عشر الزرع أو الثمر إن كان السقي بلا كلفة، ونصف العشر إن كان السقي بكلفة. راجع السؤال رقم (36778) .
قال ابن قدامة في "المغني" (4/179) :
"وَالْمُؤْنَةُ الَّتِي تَلْزَمُ الثَّمَرَةَ إلَى حِينِ الإِخْرَاجِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ ; لأَنَّ الثَّمَرَةَ كَالْمَاشِيَةِ , وَمُؤْنَةُ الْمَاشِيَةِ وَحِفْظُهَا وَرَعْيُهَا , وَالْقِيَامُ عَلَيْهَا إلَى حِينَ الإِخْرَاجِ , عَلَى رَبِّهَا , كَذَا هَاهُنَا" اهـ.
وسئلت اللجنة الدائمة (9/220) :
هل تخرج زكاة المزرعة بعد حسم قيمة المصروفات على هذه المزرعة أم قبل حساب تلك المصروفات وما هو مقدار الزكاة التي تخرج من المزرعة حيث الري فيها بالآلة؟
فأجابت:
تخرج زكاة الحبوب والثمار إذا بلغت نصابا فأكثر بقطع النظر عما أنفق على المزرعة من مصروفات، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر عماله بخرص الثمار على أهلها ثم يأخذ الزكاة بموجب الخرص، ولا يسألهم عن نفقاتها.
ومقدار الواجب فيما سقي بالآلات نصف العشر، وما سقي بالأمطار والأنهار ونحو ذلك مما لا مؤنة فيه العشر.
وسئلت اللجنة الدائمة أيضا (9/230) :
عن رجل صاحب مزرعة عنب ويستأجر عمالاً وسيارات لجمع المحصول وتصديره فهل تخرج الزكاة بعد تصفية هذه الأجور أم أن الزكاة تجب على المحصول؟
فأجابت:
"تخرج الزكاة قبل إخراج أجور العمال التي تصرف عليه لتسويقه" اهـ باختصار.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2334)
يريد أن يتصدق عن مسلم فاسق
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كنت أعرف بعض المسلمين غير المستقيمين، فهل يجوز لي أن أتبرع بشيء من المال نيابة عنهم؟ هل سيعرف هؤلاء الناس يوم القيامة بأن قسما من حسناتهم أتى من شخص تبرع بالمال عنهم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم يجوز لك أن تتصدق عن أخيك المسلم ولو كان مرتكبا لبعض المعاصي، ونسأل الله أن يثيبك على ذلك.
ولا شك بأنهم سيعلمون يوم القيامة بأنك تصدقت عنهم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ سعد الحميد.(5/2335)
الفرق بين زكاة المال وزكاة الفطر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الزكاة المفروضة علي المسلم التي في الأركان الخمسة غير زكاة رمضان؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، الزكاة التي هي ركن من أركان الإسلام الخمسة غير الزكاة التي تجب بالفطر من رمضان.
فالأولى هي زكاة المال لا تجب إلا في أصناف معينة من المال وهي:
1- بهيمة الأنعام (الإبل والبقر والغنم) .
2- الذهب والفضة. ومثلهما الآن الأوراق النقدية.
3- عروض التجارة.
4- الخارج من الأرض وهذا يشمل شيئين:
الأول: الزروع والثمار. وأجمع العلماء على وجوبها في أربعة أصناف وهي: القمح والشعير والتمر والزبيب. واختلفوا فيما عدا هذه الأصناف الأربعة.
الثاني: الركاز وهو مال الكفار المدفون بالأرض الذي يجده مسلم.
ونقل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في " مجموع الفتاوى" (25/10) عن ابن المنذر رحمه الله أنه قال:
أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي تِسْعَةِ أَشْيَاءَ: فِي الإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْبُرِّ (القمح) وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ. إذَا بَلَغَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ مِنْهَا مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ اهـ.
واختلفوا فيما عدا هذه الأموال.
وتجب الزكاة في هذه الأموال بشروط معينة، والواجب إخراج قدر معين من المال حدَّده الشرع.
راجع أسئلة الموقع في قسم الزكاة لزيادة التفصيل.
وهذه الزكاة (زكاة المال) ركن من أركان الإسلام يكفر منكرها، ومانعها فاسق قطعاً، وعلى الحاكم المسلم أخذها منه قهراً، فإن أصر على منعها واحتمى بعشيرته قوتل حتى يؤديها.
روى البخاري (8) ومسلم (16) عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ الإِسْلامَ بُنِيَ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَصِيَامِ رَمَضَانَ وَحَجِّ الْبَيْتِ.
وروى البخاري (25) ومسلم (22) عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلا بِحَقِّ الإِسْلامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ.
وأجمع الصحابة رضي الله عنهم على قتال مانعي الزكاة، فقد روى البخاري (1400) ومسلم (20) عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنْ الْعَرَبِ فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ فَمَنْ قَالَهَا فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلا بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ فَقَالَ وَاللَّهِ لأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا (شاة صغيرة) كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلا أَنْ قَدْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ.
وأما الزكاة التي تجب في آخر رمضان فهي زكاة الفطر وقد أجمع العلماء على وجوبها، إلا من شذ.
انظر: "طرح التثريب" (4/46) .
وهي دون زكاة المال في الوجوب والمنزلة، فزكاة الفطر ليست ركنا من أركان الإسلام، ولا يكفر منكرها.
وزكاة الفطر قد ورد ذكرها في أحاديث كثيرة، منها:
روى البخاري (1503) ومسلم (984) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاةِ.
وروى أبو داود (1609) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ. حسنه الألباني في صحيح أبي داود.
وراجع السؤال رقم (12459) زيادة التفصيل.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2336)
زكاة النخيل الموجودة في البيوت
[السُّؤَالُ]
ـ[كثير من البيوت يوجد بها نخيل، وفيه ثمر قد يصل إلى حد النصاب وقد يتعداه، فهل تجب فيها الزكاة؟ وإن كان يهدى منها ويؤكل فهل يجزئ ذلك عن الزكاة أم لا؟ وما مقدار الزكاة إن وجدت؟ وما مقدار النصاب؟ وإذا كانت فسائلها تباع فهل فيها زكاة؟ وإذا كان النخيل يغرس بقصد بيع الفسائل (الفراخة) فهل فيها زكاة؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
النخيل التي في البيوت تجب الزكاة في ثمرها إذا بلغت نصابا لقول الله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض "، وهذه مما أخرج الله لنا من الأرض فتجب فيها الزكاة سواء كانت تهدى بعد خرفها أو تؤكل أو تباع.
وإذا لم تبلغ النصاب فلا زكاة فيها لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: " ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة " والوسق الواحد ستون صاعا بصاع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ومقدار صاع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كيلوان اثنان وأربعون غراما فيكون النصاب ستمائة واثني عشر كيلو (612) ، والمعتبر في هذا الوزن بالبر (القمح) الجيد؛ فتزن من البر الجيد ما يبلغ كيلوين اثنين وأربعين غراما ثم تضعه في مكيال يكون بقدره من غير زيادة ولا نقص فهذا هو الصاع النبوي يقاس به كيلا ما سوى البر.
ومن المعلوم أن الأشياء المكيلة تختلف في الوزن خفة وثقلا، فإذا كانت ثقيلة فلا بد من زيادة الوزن حسب الثقل.
ومقدار الزكاة نصف العشر لأنها تسقى بالماء المستخرج من الآبار أو من البحر لكن بمؤونة إخراج وتحلية وتصفية وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: " فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريا العشر، وفيما سقى بالنضح نصف العشر " رواه البخاري.
وليس في الفسائل زكاة ولكن إذا بيعت بالدراهم وحال على ثمنها الحول وجبت زكاته.
وليس في النخيل التي تغرس لبيع الفسائل زكاة، كما أن النخيل التي تغرس لقصد بيع ثمرتها ليس فيها زكاة، وما بيع من ثمر النخل التي في البيوت تخرج زكاته من قيمته، وما أكل رطبا تخرج زكاته رطبا من النوع المتوسط إذا كان كثيرا في النخل، وما بقي حتى يتمر تخرج زكاته تمرا. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين حفظه الله. مجلة الدعوة العدد 1752 ص 37.(5/2337)
الحكمة من تشريع الزكاة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك حكمة معينة من تشريع الزكاة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يجب أن يُعلم أن الله تعالى لا يشرع شيئاً إلا وهو متضمن لأحسن الحكم، ومحقق لأحسن المصالح، فإن الله تعالى هو العليم، الذي أحاط بكل شيء علماً، الحكيم، الذي لا يشرع شيئاً إلا لحكمة.
ثانياً:
وأما الحكمة من تشريع الزكاة، فقد ذكر العلماء حكما كثيرة لذلك، منها:
الأولى: إتمام إسلام العبد وإكماله؛ لأنها أحد أركان الإسلام، فإذا قام بها الإنسان تم إسلامه وكمل، وهذا لا شك أنه غاية عظيمة لكل مسلم، فكل مسلم مؤمن يسعى لإكمال دينه.
الثانية: أنها دليل على صدق إيمان المزكي، وذلك أن المال محبوب للنفوس، والمحبوب لا يبذل إلا ابتغاء محبوب مثله أو أكثر، بل ابتغاء محبوب أكثر منه، ولهذا سميت صدقة؛ لأنها تدل على صدق طلب صاحبها لرضا الله عزّ وجل.
الثالثة: أنها تزكي أخلاق المزكي، فتنتشله من زمرة البخلاء، وتدخله في زمرة الكرماء؛ لأنه إذا عود نفسه على البذل، سواء بذل علم، أو بذل مال، أو بذل جاه، صار ذلك البذل سجية له وطبيعة حتى إنه يتكدر، إذا لم يكن ذلك اليوم قد بذل ما اعتاده، كصاحب الصيد الذي اعتاد الصيد، تجده إذا كان ذلك اليوم متأخراً عن الصيد يضيق صدره، وكذلك الذي عود نفسه على الكرم، يضيق صدره إذا فات يوم من الأيام لم يبذل فيه ماله أو جاهه أو منفعته.
الرابعة: أنها تشرح الصدر، فالإنسان إذا بذل الشيء، ولاسيما المال، يجد في نفسه انشراحاً، وهذا شيء مجرب، ولكن بشرط أن يكون بذله بسخاء وطيب نفس، لا أن يكون بذله وقلبه تابع له.
وقد ذكر ابن القيم في "زاد المعاد" أن البذل والكرم من أسباب انشراح الصدر، لكن لا يستفيد منه إلا الذي يعطي بسخاء وطيب نفس، ويخرج المال من قلبه قبل أن يخرجه من يده، أما من أخرج المال من يده، لكنه في قرارة قلبه، فلن ينتفع بهذا البذل.
الخامسة: أنها تلحق الإنسان بالمؤمن الكامل (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) فكما أنك تحب أن يبذل لك المال الذي تسد به حاجتك، فأنت تحب أن تعطيه أخاك، فتكون بذلك كامل الإيمان.
السادسة: أنها من أسباب دخول الجنة، فإن الجنة (لمن أطاب الكلام، وأفشى السلام، وأطعم الطعام وصلى بالليل والناس نيام) ، وكلنا يسعى إلى دخول الجنة.
السابعة: أنها تجعل المجتمع الإسلامي كأنه أسرة واحدة، فيعطف فيه القادر على العاجز، والغني على المعسر، فيصبح الإنسان يشعر بأن له إخواناً يجب عليه أن يحسن إليهم كما أحسن الله إليه، قال تعالى: (وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ) القصص/77. فتصبح الأمة الإسلامية وكأنها عائلة واحدة، وهذا ما يعرف عند المتأخرين بالتكافل الاجتماعي، والزكاة هي خير ما يكون لذلك؛ لأن الإنسان يؤدي بها فريضة، وينفع إخوانه.
الثامنة: أنها تطفئ حرارة ثورة الفقراء؛ لأن الفقير قد يغيظه أن يجد هذا الرجل يركب ما شاء من المراكب، ويسكن ما يشاء من القصور، ويأكل ما يشتهي من الطعام، وهو لا يركب إلا رجليه، ولا ينام إلا على الأرض وما أشبه ذلك، لا شك أنه يجد في نفسه شيئاً.
فإذا جاد الأغنياء على الفقراء كسروا ثورتهم وهدؤوا غضبهم، وقالوا: لنا إخوان يعرفوننا في الشدة، فيألفون الأغنياء ويحبونهم.
التاسعة: أنها تمنع الجرائم المالية مثل السرقات والنهب والسطو، وما أشبه ذلك؛ لأن الفقراء يأتيهم ما يسد شيئاً من حاجتهم، ويعذرون الأغنياء بكونهم يعطونهم من مالهم، فيرون أنهم محسنون إليهم فلا يعتدون عليهم.
العاشرة: النجاة من حر يوم القيامة، فقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: (كل امرئ في ظل صدقته يوم القيامة) صححه الألباني في "صحيح الجامع" (4510) ، وقال في الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: (رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه) متفق عليه.
الحادية عشرة: أنها تلجئ الإنسان إلى معرفة حدود الله وشرائعه؛ لأنه لن يؤدي زكاته إلا بعد أن يعرف أحكامها وأموالها وأنصباءها ومستحقيها، وغير ذلك مما تدعو الحاجة إليه.
الثانية عشرة: أنها تزكي المال، يعني تنمي المال حساً ومعنى، فإذا تصدق الإنسان من ماله فإن ذلك يقيه الآفات، وربما يفتح الله له زيادة رزق بسبب هذه الصدقة، ولهذا جاء في الحديث: (ما نقصت صدقة من مال) رواه مسلم (2588) ، وهذا شيء مشاهد أن الإنسان البخيل ربما يسلط على ماله ما يقضي عليه أو على أكثره باحتراق، أو خسائر كثيرة، أو أمراض تلجئه إلى العلاجات التي تستنزف منه أموالاً كثيرة.
الثالثة عشرة: أنها سبب لنزول الخيرات، وفي الحديث: (ما منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء) صححه الألباني في "صحيح الجامع" (5204) .
الرابعة عشرة: (أن صدقة السر تطفئ غضب الرب) كما ثبت ذلك عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم، صححه الألباني في "صحيح الجامع" (3759)
الخامسة عشرة: أنها تدفع ميتة السوء.
السادسة عشرة: أنها تتعالج (أي تتصارع) مع البلاء الذي ينزل من السماء فتمنع وصوله إلى الأرض.
السابعة عشرة: أنها تكفر الخطاي، قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار) صححه الألباني في "صحيح الجامع" (5136) .
انظر: "الشرح الممتع" (6/4-7) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2338)
هل يجوز نقل الزكاة إلى بلد آخر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز إعطاء الزكاة لبلدة أخرى مثل فلسطين ويوجد فقراء في بلدي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (10/9) :
تعطى الزكاة لمن فرضها الله لهم بقوله سبحانه: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم} ، ولا تعطى إلا لمن تحقق إسلامه ظاهراً؛ لقوله عليه الصلاة والسلام لمعاذ بن جبل لما بعثه إلى اليمن: " فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم "، وكلما كان المُعطى من الفقراء والمساكين أتقى وأكثر طاعة فهو أولى من غيره.
والأصل في الزكاة أن تصرف في فقراء البلد التي بها المال للحديث المذكور، وإن دعت حاجة إلى نقلها، كأن يكون فقراء البلد التي ينقلها إليه أشد حاجة، أو أقرباء للمزكي بجانب أنهم فقراء، أو نحو ذلك: جاز النقل.
والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2339)
علاقة الزكاة بالنظام الاقتصادي والتكافل الاجتماعي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الزكاة نظام اقتصادي إسلامي أو (نظام) للكفالة الاجتماعية؟ إذا كان الجواب بلا، فما هو النظام الاقتصادي الإسلامي إذن؟ وما هو نظام الكفالة الاجتماعية الإسلامي؟ أهو الزكاة؟ ومتى أستحق الحصول على معونات حكومية من دولة مسلمة أو كافرة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم يرد في النصوص الشرعية من كتاب أو سنة تعريفا للنظام الاقتصادي الإسلامي بل جاءت الشريعة ببيان كل ما يتعلق بحياة المسلم من خلال النصوص ومنها ما يتعلق بأحواله الاقتصادية.
ويمكن أن يعرَّف النظام الاقتصادي الإسلامي: بأنه مجموعة الأصول العامة الاقتصادية المستنبطة من القرآن والسنة، والبناء الاقتصادي الذي يقام على أساس تلك الأصول.
أو يعرَّف بأنه النظام الذي يوجه النشاط الاقتصادي وينظمه وفقا لأصول الإسلام وسياسته في الاقتصاد.
ومن الأصول العامة التي جاءت بها الشريعة: حق الإنسان في التملك، وحرمة الاعتداء على مال الغير، وإباحة الانتفاع بما في الأرض، وتحريم الربا والميسر والظلم.
ومن صور البناء الاقتصادي الذي يقوم على تلك الأسس: البيوع الجائزة، والشركة، والمضاربة، والإجارة، والمزارعة، والاستثمار المباح بأشكاله المتنوعة.
وباعتبار أن الزكاة عبارة عن خروج المال من يد، وانتقالها إلى يد أخرى تنتفع بها وتتصرف فيها، وأن ذلك كله منضبط بالأصول العامة المستخرجة من القرآن والسنة، فالزكاة جزء من النظام الاقتصادي الإسلامي ولا شك، وفيها من النصوص الخاصة التي تبين أصناف الأموال الزكوية، والقدر الواجب فيها، وأهلها، ومصارفها، ما هو معروف مشهور.
وهي أيضا وسيلة من وسائل تحقيق الكفالة الاجتماعية، وهذه الكفالة في الإسلام لا تقتصر على الزكاة بل تتحقق بأمور أخرى أيضا، كالصدقة، والوقف، والفيء والغنيمة وعطايا بيت المال.
فالمجتمع الإسلامي ينهض بأفراده من الأغنياء والفقراء، فيحث الأغنياء على البذل والعطاء، ويلزمهم بقدر واجبٍ زكاة لأموالهم، ويحقق الكفاية للفقراء والمحتاجين والعاجزين عن العمل من الشيوخ والأرامل وغيرهم. ولهذا جعلت الشريعة الزكاة فرضا وركنا من أركان الإسلام وحثت على الصدقة والوقف والوصية، وجعلت الفقراء مصرفا من مصارف الزكاة والكفارة والفدية، ككفارة الظهار واليمين والصوم، وفدية الحج، حتى تضيق دائرة الفقر في المجتمع المسلم.
والإنسان يستحق المعونة من الدولة المسلمة في حال عجزه عن العمل والكسب، وعدم من ينفق عليه من أب أو أم أو قريب، والعجز عن الكسب قد يكون لصغر أو مرض أو كبر.
وتضع بعض الدول المسلمة أنظمة للمعونة، وفق معايير مختلفة، كالمعاش التقاعدي، والنفقة على أولاد المتوفى إلى بلوغهم سن الرشد، ونحو ذلك، ولو كان لديهم مال خاص بهم.
وأما الدول الأخرى غير المسلمة، فلها أنظمتها ومعاييرها الخاصة هي التي تحكم مسألة المعونة.
وينبغي للمسلم أن يحرص على الكسب الحلال من عمل يده، وأن يكون المنفق المعطي، لا الآخذ ولا السائل لاسيما إن كان السؤال للمال من دولة كافرة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " أفضل الصدقة ما ترك غنى واليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول " واليد العلياء هي المنفقة واليد السفلى هي السائلة. رواه البخاري (5040) ومسلم (1034) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2340)
كيف يزكي الذهب المخلوط بالألماس
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان مع الذهب ألماس ونحوه فكيف تقدر زكاته؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: " يقدر ذلك أهل الخبرة فيذهب بها إلى تجار الذهب أو الصاغة، لينظروا هل يبلغ الذهب النصاب أو لا يبلغ؟
فإن لم يبلغ النصاب فلا زكاة فيه إلا أن يكون عندها من الذهب ما يكمل به النصاب، وتقدر قيمة الذهب الذي مع الماس، ثم تخرج زكاته وهي ربع العشر."
[الْمَصْدَرُ]
مجموع الفتاوى 18/96(5/2341)
وقت إخراج الزكاة
[السُّؤَالُ]
ـ[أعلم أنه حسب الشريعة, فإن الزكاة تحين إذا حال الحول. والذي أرغب في التعرف عليه هو: هل يوجد تاريخ محدد يحين فيه دفع الزكاة, أم أن الأمر متروك لتقدير الفرد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اعلم أيها المسلم أنّه تجب المُبَادرة بإخراج الزكاة، فَوْرَ وُجُوبِهَا في المال، لقوله تعالى: (وآتوا الزكاة) البقرة 110، ولأنّ حَاجَة الفَقِير تَسْتَدْعِي المُبَِادرة بِدَفعها إليه وفي تأخيرها إضرار به، ولأن المبادرة بإخراجها أبْعَد عن الشُّحِّ وأخْلَص للذِّمة، وهو مرضاة للرَّب، وعَدَم تأخيرها إلا لضرورة، كما لو أخرها ليَدْفَعَها إلى من هو أشدّ حاجة أو لغَيْبَةِ المال، كما أنه يجوز تَعْجِيل إخراج الزكاة قبل وجوبها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم تعجل من العباس صدقة سنتين، رواه الترمذي (الزكاة/615) وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي، ويكون تعجيلها إذا انعقد سبب وجوبها.
انظر الملخص الفقهي للفوزان 1/247.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/2342)
الفرق بين الزكاة والصدقة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين الصدقة والزكاة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الزكاة لغة: النماء والريع والبركة والتطهير.
انظر: " لسان العرب " (14 / 358) ، " فتح القدير " (2 / 399) .
والصدقة لغة: مأخوذة من الصدق؛ إذ هي دليل على صدق مخرجها في إيمانه.
انظر: " فتح القدير " (2 / 399) .
وأما تعريفها شرعا:
فالزكاة: هي التعبد لله عز وجل بإعطاء ما أوجبه من أنواع الزكوات إلى مستحقيها على حسب ما بينه الشرع.
والصدقة: هي التعبد لله بالإنفاق من المال من غير إيجاب من الشرع، وقد تطلق الصدقة على الزكاة الواجبة.
وأما الفرق بين الزكاة والصدقة فكما يلي:
1. الزكاة أوجبها الإسلام في أشياء معينة وهي: الذهب والفضة والزروع والثمار وعروض التجارة وبهيمة الأنعام وهي الأبل والبقر والغنم.
وأما الصدقة: فلا تجب في شيء معين بل بما يجود به الإنسان من غير تحديد.
2. الزكاة: يشترط لها شروط مثل الحول والنصاب. ولها مقدار محدد في المال.
وأما الصدقة: فلا يشترط لها شروط، فتعطى في أي وقت وعلى أي مقدار.
3. الزكاة: أوجب الله أن تعطى لأصناف معينة فلا يجوز أن تعطى لغيرهم، وهم المذكورون في قوله تعالى: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم} التوبة / 60.
وأما الصدقة: فيجوز أن تعطى لمن ذكروا في آية الزكاة ولغيرهم.
4. من مات وعليه زكاة فيجب على ورثته أن يخرجوها من ماله وتقدم على الوصية والورثة.
وأما الصدقة: فلا يجب فيها شيء من ذلك.
5. مانع الزكاة يعذب كما جاء في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه (987) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من صاحب كنز لا يؤدي زكاته إلا أحمي عليه في نار جهنم فيجعل صفائح فيكوى بها جنباه وجبينه حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار، وما من صاحب إبل لا يؤدي زكاتها إلا بطح لها بقاع قرقر كأوفر ما كانت تستن عليه كلما مضى عليه أخراها ردت عليه أولاها حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار،وما من صاحب غنم لا يؤدي زكاتها إلا بطح لها بقاع قرقر كأوفر ما كانت فتطأه بأظلافها وتنطحه بقرونها ليس فيها عقصاء ولا جلحاء كلما مضى عليه أخراها ردت عليه أولاها حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار …".
وأما الصدقة: فلا يعذب تاركها.
6. الزكاة: على المذاهب الأربعة لا يجوز إعطاؤها للأصول والفروع والأصول هم الأم والأب والأجداد والجدات، والفروع هم الأولاد وأولادهم.
وأما الصدقة: فيجوز أن تعطى للفروع والأصول.
7. الزكاة: لا يجوز إعطاؤها لغني ولا لقوي مكتسب.
عن عبيد الله بن عدي قال: أخبرني رجلان أنهما أتيا النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وهو يقسم الصدقة فسألاه منها فرفع فيهما البصر وخفضه فرآنا جلدين فقال: " إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب ". رواه أبو داود (1633) والنسائي (2598) . والحديث: صححه الإمام أحمد وغيره.
انظر: " تلخيص الحبير " (3 / 108) .
وأما الصدقة: فيجوز إعطاؤها للغني والقوي المكتسب.
8. الأفضل في الزكاة أن تؤخذ من أغنياء البلد فترد على فقرائهم. بل ذهب كثير من أهل العلم أنه لا يجوز نقلها إلى بلد آخر إلا لمصلحة.
وأما الصدقة: فتصرف إلى القريب والبعيد.
9. الزكاة: لا يجوز إعطاؤها للكفار والمشركين.
وأما الصدقة: فيجوز إعطاؤها للكفار والمشركين.
كما قال الله تعالى: {ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا} الإنسان / 8، قال القرطبي: والأسير في دار الإسلام لا يكون إلا مشركاً.
10. لا يجوز للمسلم أن يعطي الزكاة لزوجته، وقد نقل ابن المنذر الإجماع على ذلك.
وأما الصدقة: فيجوز أن تعطى للزوجة.
هذه بعض الفوارق بين الزكاة والصدقة.
وتطلق الصدقة على جميع أعمال البر، قال البخاري رحمه الله في صحيحه: باب كل معروف صدقة، ثم روى بسنده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل معروف صدقة) .
قال ابن بطال: دل هذا الحديث على أن كل شيء يفعله المرء أو يقوله من الخير يكتب له به صدقة.
وقال النووي: قوله صلى الله عليه وسلم: (كل معروف صدقة) أي: له حكمها في الثواب.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2343)
لا زكاة في الأرض إذا لم يقصد بها التجارة
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل يملك قطعة أرض ولا ينوي الآن بيعها وهي تقع في مدينة تجارية وينوي أن يبني عليها بيتا في المستقبل لكي يستثمره فهل تجب فيها الزكاة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه الأرض لا زكاة فيها، لأن الأرض لا تجب فيها الزكاة إلا إذا قصد صاحبها بها التجارة.
ثم إذا بنيتها واستثمرتها فعليك الزكاة في المال الذي تحصل عليه إذا بلغ النصاب وحال عليه الحول.
سئل الشيخ ابن عثيمين: هل على الأرض المعدة للسكن في المستقبل زكاة؟
فأجاب:
لا زكاة فيها إذا أعدها للبناء، أو للاستغلال إلا على الأجرة إذا حال عليها الحول اهـ.
وقال أيضاً:
الأرض التي اشتريتها لتكون سكناً لك أو لتكون للإيجار فلا زكاة فيها ولو بقيت عدة سنوات، لأن الأرض التي فيها الزكاة هي ما أعدها الإنسان للبيع للاتجار والتكسب، وأما ما أعده الإنسان لحاجته أو لاستغلاله فلا زكاة فيه كما هو شأن جميع عروض التجارة، وعلى هذا فلا زكاة عليك في هذه الأرض، والله الموفق اهـ
فتاوى منار الإسلام (1/298، 299) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/2344)
لا يجب إخبار المستحق للزكاة بأن المال زكاة
[السُّؤَالُ]
ـ[أرسلت مبلغاً إلى خالي ولم أذكر له أنها زكاة؛ لأنني لو ذكرت له أنها زكاة لا يأخذها وتركت هذا بيني وبين الله هل زكاتي صحيحة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا دفعت زكاتك إلى من تعلم أنه مستحق لها بنية الزكاة فهي زكاة صحيحة، ونرجو أن يقبلها الله تعالى منك، ولا يلزمك إخبار الآخذ بأنها زكاة.
وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء فتوى رقم (11241)(5/2345)
زكاة الحلي واجبة على المرأة، ويصح دفعها لزوجها المحتاج
[السُّؤَالُ]
ـ[لدى زوجتي حلي من ذهب قدمته والدتها (أو والدتي) لها، لكني لست ميسور الحال ماديا وأنا مديون أيضا، فكيف يمكنني دفع الزكاة (عن تلك الحلي) ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يلزم الزوج أن يخرج زكاة الحلي عن امرأته، لأن الزكاة إنما تكون على مالك المال، ومالكته هنا هي الزوجة لأنها صاحبة الحلي؛ فيجب عليها أن تخرج زكاته؛ إما من نفس الحلي أو من قيمته، ولو أداها زوجها أو غيره عنها بإذنها فلا بأس، ويكون مأجوراً مثاباً على تطوعه هذا.
وإذا أرادت الزوجة دفع زكاة حليها أو غير حليها لزوجها المدين الذي لا يستطيع الوفاء أو الفقير فلا حرج في ذلك لأنه داخل في عموم قوله تعالى: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين.. الآية) التوبة/60 بل يرجى لها مضاعفة الثواب لما روى البخاري ومسلم (1466) ومسلم (1000) عن زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَصَدَّقْنَ يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ " قَالَتْ فَرَجَعْتُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ فَقُلْتُ: إِنَّكَ رَجُلٌ خَفِيفُ ذَاتِ الْيَدِ وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَرَنَا بِالصَّدَقَةِ فَأْتِهِ فَاسْأَلْهُ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يَجْزِي عَنِّي وَإِلا صَرَفْتُهَا إِلَى غَيْرِكُمْ. قَالَتْ: فَقَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ: بَلْ ائْتِيهِ أَنْتِ قَالَتْ فَانْطَلَقْتُ فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنْ الأَنْصَارِ بِبَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجَتِي حَاجَتُهَا قَالَتْ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُلْقِيَتْ عَلَيْهِ الْمَهَابَةُ قَالَتْ فَخَرَجَ عَلَيْنَا بِلالٌ فَقُلْنَا لَهُ ائْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبِرْهُ أَنَّ امْرَأَتَيْنِ بِالْبَابِ تَسْأَلانِكَ أَتُجْزِئُ الصَّدَقَةُ عَنْهُمَا عَلَى أَزْوَاجِهِمَا وَعَلَى أَيْتَامٍ فِي حُجُورِهِمَا وَلا تُخْبِرْهُ مَنْ نَحْنُ قَالَتْ فَدَخَلَ بِلالٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ هُمَا فَقَالَ امْرَأَةٌ مِنْ الأَنْصَارِ وَزَيْنَبُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الزَّيَانِبِ قَالَ امْرَأَةُ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَهُمَا أَجْرَانِ أَجْرُ الْقَرَابَةِ وَأَجْرُ الصَّدَقَةِ " قال ابن حجر رحمه الله: " وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى جَوَازِ دَفْعِ الْمَرْأَةِ زَكَاتهَا إِلَى زَوْجِهَا , وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيّ وَالثَّوْرِيّ وَصَاحِبَيْ أَبِي حَنِيفَة وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ وَعَنْ أَحْمَدَ " ا. هـ.
[الْمَصْدَرُ]
انظر فتوى سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله. في (فتاوى إسلامية 2/ 85) و (الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة (1 / 305) .(5/2346)
الزكاة المتروكة عن سنين ماضيه
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك كذا سنه لم أؤدي الزكاة عن مالي وهي قرابة خمس سنوات ما العمل وكيف أؤديها هذه السنة وكم نصاب الزكاة هذا]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لمعرفة نصاب الزكاة يراجع جواب سؤال رقم (2794) .
أما عن إخراج الزكاة الواجبة عما مضى:
فإن من وجبت عليه الزكاة وأخرّها بغير عذر مشروع أَثِم، لورود الأدلة من الكتاب والسنة بالمبادرة بإخراج الزكاة في وقتها، فيجب عليه التوبة النصوح لله تعالى.
وثانياً: من وجبت عليه زكاة ولم يخرجها في وقتها المحدد وجب عليه إخراجها بعد، ولو كان تأخيرها لمدّة سنوات.
" فإن كان جازماً بمقدارها أخرج، وإن لم يكن جازماً فإنه يخرج من ماله مقداراً ينويه زكاة حتى يغلب على ظنّه أن ما أخرجه يكفي عن الزكاة الواجبة في ذمَّته، والبناء على الظن أصل من أصول الشريعة."
اللجنة الدائمة. انظر كتاب فتاوى إسلامية ج/2 ص/95
فقدرها تقديراً إذا لم تعرفها بالضبط وأخرجها مع التوبة، والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/2347)
الدورات العلمية ليست مصرفاً للزكاة
[السُّؤَالُ]
ـ[تقيم بعض المؤسسات الإسلامية الموثوقة دورات شرعية في أوربا في مناطق هم بأمس الحاجة إلى تثقيفهم وتعليمهم العلم الشرعي والعقيدة الصحيحة، وتطلب تلك المؤسسات دعم هذه البرامج الدعوية، فهل يدخل هذا الدعم في قول الله تعالى: (وفي سبيل الله) ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا تدخل الدورات المذكورة وأشباهها في قوله تعالى: (وفي سبيل الله) في أصناف أهل الزكاة، لأن المراد بذلك المجاهدون في سبيل الله، لكن من كان من المعلمين أو من المتعلمين فقيراً فيُعطى من الزكاة لفقره، لقوله سبحانه تعالى: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين) التوبة / 60
[الْمَصْدَرُ]
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ ابن باز الجزء 14 ص 298.(5/2348)
إعطاء الزكاة لجمعية حتى تصرف الزكاة للمحتاجين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لنا أن نعطي زكاتنا للمنظمات التي تستقبلها لتساعد بها المحتاجين، دون أن نعلم أين ستنفق تلك الأموال؟ وجزاك الله خيرا على الإجابة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا تولّيت الإخراج بنفسك وتحرّيت وضعها في يد مستحقّها من أهلها حسب اجتهادك ففي ذلك اطمئنان لقلبك، وإن عهدت بالإخراج إلى من تثق به في صرفها في مصارفها الشرعية فهذا جائز.
فتاوى اللجنة الدائمة 9/ 457
وقال الشيخ ابن باز: إذا كان القائمون عليها ثقات مأمونين، يقدمون الزكاة في مصرفها الشرعي، فلا بأس بدفع الزكاة إليهم، لما في ذلك من التعاون على البر والتقوى.
فتاوى الشيخ عبد العزيز ابن باز 3 /126.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/2349)