الجمع بين المغرب والعشاء بسبب حظر التجول
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن في العراق عندنا في بلدتنا حظر للتجوال يبدأ الساعة العاشرة مساء، وإمام مسجدنا قليل الفقه، أصبح يجمع صلاة المغرب والعشاء معا، فيصلي المغرب ثلاث ركعات ثم بعدها يجمع العشاء أربع ركعات بعد صلاة المغرب، ثم بعد ذلك يؤذن لصلاة العشاء في وقت صلاة العشاء.
فهل عمله هذا موافق للكتاب والسنة أم ماذا؟ وما هي صيغة صلاة الخوف الشرعية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نعم، يجوز في حالتكم هذه الجمع بين صلاتي المغرب والعشاء، وقد ثبت في السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يجمع بين الصلاتين بسبب المطر، فقد روى مسلم (705) عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلا مَطَرٍ. قُلْتُ لابْنِ عَبَّاسٍ: لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ؟ قَالَ: كَيْ لا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ.
فنفيُ ابن عباس رضي الله عنه الخوف والمطر، دليل على أنهما من أسباب الجمع بين الصلاتين.
قال شيخ الإسلام:
" يجوز الجمع بين العشاءين للمطر والريح الشديدة الباردة والوحل الشديد. وهذا أصح قولي العلماء وهو ظاهر مذهب أحمد ومالك وغيرهما " انتهى.
وقال أيضاً:
" يجوز الجمع للوحل الشديد والريح الشديدة الباردة في الليلة الظلماء ونحو ذلك وإن لم يكن المطر نازلا في أصح قولي العلماء، وذلك أولى من أن يصلوا في بيوتهم، بل ترك الجمع مع الصلاة في البيوت بدعة مخالفة للسنة، إذ السنة أن تصلى الصلوات الخمس في المساجد جماعة، وذلك أولى من الصلاة في البيوت باتفاق المسلمين. والصلاة جمعاً في المساجد أولى من الصلاة في البيوت مفرقة باتفاق الأئمة الذين يجوزون الجمع: كمالك والشافعي وأحمد " انتهى. "مجموع الفتاوى" (24/30) .
وحالتكم هذه أولى من الجمع بسبب المطر بلا شك.
ثانياً:
وهذا الجمع إنما هو لمن كان من أهل الجماعة، أما المريض الذي يصلي في بيته، أو المرأة التي تصلي في بيتها فلا يجوز لهما الجمع.
قال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (4/288) :
" أما إذا كان يصلي في بيته لمرض وهو لا يحضر المسجد لا يجوز له أن يجمع، لأنه لا يستفيد شيئاً، أو كانت امرأة فإنه لا يجوز لها الجمع من أجل المطر، لأنها لا تستفيد بالجمع شيئاً، فهي ليست من أهل الجماعة " انتهى.
وانظر جواب السؤال (31172) .
ثالثاً:
وأما أذانه العشاء بعد ذلك في وقتها فلا حرج فيه، حتى يعلم من يصلي في بيته كالنساء والمرضى بدخول وقت صلاة العشاء.
رابعاًَ:
وصفك إمام مسجدكم بأنه قليل الفقه من أجل أنه يجمع بين صلاتي المغرب والعشاء خطأ ظاهر، بعد ما تبين أن فعله هذا صحيح بدلالة ما سبق.
فكان عليك أن تتمهل، ولا تتسرع في إنكار الشيء إلا إذا تبين لك أنه منكر، ولا تنسب أخاك إلى الجهل من غير بينة.
خامساً:
وأما صفة صلاة الخوف فلها عدة صفات على حسب حال الخوف، وكون العدو في جهة القبلة أم في غيرها، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (36896) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1520)
صفة صلاة الخوف
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي صفة صلاة الخوف؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
صلاة الخوف مشروعة بقول الله تعالى: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً) النساء/102.
وقد صلاها النبي صلى الله عليه وسلم عدة مرات بأصحابه بصفات مختلفة.
قال الإمام أحمد: ثبت في صلاة الخوف ستة أحاديث أو سبعة أيهما فعل المرء جاز.
وقال ابن القيم:
" أُصُولُهَا سِتّ صِفَات , وَأبَلَغَهَا بَعْضهمْ أَكْثَر , وَهَؤُلاءِ كُلَّمَا رَأَوْا اِخْتِلاف اَلرُّوَاةُ فِي قِصَّةٍ جَعَلُوا ذَلِكَ وَجْهًا مِنْ فِعْلِ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ اِخْتِلاف اَلرُّوَاةِ " انتهى. قال الحافظ: وَهَذَا هُوَ اَلْمُعْتَمَدُ.
وصفة صلاة الخوف تختلف باختلاف شدة الخوف، وباختلاف مكان العدو، هل هو في اتجاه القبلة أم في جهة أخرى؟
وعلى الإمام أن يختار من الصفات ما هو أنسب للحال، ومحققاً المصلحة، وهي الاحتياط للصلاة، مع كمال التحفظ والاحتراس من العدو، حتى لا يهجموا على المسلمين بغتة وهو يصلون.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: " صَلاة الْخَوْف أَنْوَاع صَلاهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَيَّام مُخْتَلِفَة، وَأَشْكَال مُتَبَايِنَة، يَتَحَرَّى فِي كُلّهَا مَا هُوَ أَحْوَط لِلصَّلاةِ، وَأَبْلَغ فِي الْحِرَاسَة " انتهى نقلاً من شرح مسلم للنووي.
ثانياً: أول مشروعيتها
عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمًا مِنْ جُهَيْنَةَ، فَقَاتَلُونَا قِتَالا شَدِيدًا، فَلَمَّا صَلَّيْنَا الظُّهْرَ قَالَ الْمُشْرِكُونَ: لَوْ مِلْنَا عَلَيْهِمْ مَيْلَةً لاقْتَطَعْنَاهُمْ، فَأَخْبَرَ جِبْرِيلُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَقَالُوا: إِنَّهُ سَتَأْتِيهِمْ صَلاةٌ هِيَ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْ الأَوْلادِ، فَلَمَّا حَضَرَتْ الْعَصْرُ قَالَ: صَفَّنَا صَفَّيْنِ، وَالْمُشْرِكُونَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ. . . ثم ذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى بهم صلاة الخوف. رواه مسلم (840) .
ثالثاً:
نكتفي هنا ببيان بعض هذه الصفات:
الصفة الأولى: إذا كان العدو في غير اتجاه القبلة، " فيقسم قائد الجيش جيشه إلى طائفتين، طائفة تصلّي معه، وطائفة أمام العدو، لئلا يهجم على المسلمين، فيصلّي بالطائفة الأولى ركعة، ثم إذا قام إلى الثانية أتموا لأنفسهم أي: نووا الانفراد وأتموا لأنفسهم، والإِمام لا يزال قائماً، ثم إذا أتموا لأنفسهم ذهبوا ووقفوا مكان الطائفة الثانية أمام العدو، وجاءت الطائفة الثانية ودخلت مع الإِمام في الركعة الثانية، وفي هذه الحال يطيل الإِمام الركعة الثانية أكثر من الأولى لتدركه الطائفة الثانية، فتدخل الطائفة الثانية مع الإِمام فيصلّي بهم الركعة التي بقيت، ثم يجلس للتشهد، فإذا جلس للتشهد قامت هذه الطائفة من السجود رأساً وأكملت الركعة التي بقيت وأدركت الإِمام في التشهد فيسلم بهم.
وهذه الصفة موافقة لظاهر القرآن، قال الله تعالى: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا – أي: أتموا الصلاة - فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى - وهي التي أمام العدو - لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُم) " الشرح الممتع (4/298) بتصرف يسير.
روى البخاري (413) ومسلم (842) عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ عَمَّنْ شَهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ صَلَّى صَلاةَ الْخَوْفِ: (أَنَّ طَائِفَةً صَفَّتْ مَعَهُ، وَطَائِفَةٌ وِجَاهَ الْعَدُوِّ، فَصَلَّى بِالَّتِي مَعَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ ثَبَتَ قَائِمًا، وَأَتَمُّوا لأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ انْصَرَفُوا فَصَفُّوا وِجَاهَ الْعَدُوِّ، وَجَاءَتْ الطَّائِفَةُ الأُخْرَى فَصَلَّى بِهِمْ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ مِنْ صَلاتِهِ، ثُمَّ ثَبَتَ جَالِسًا، وَأَتَمُّوا لأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ) قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي صَلاةِ الْخَوْفِ.
الصفة الثانية: " إذا كان العدو في جهة القبلة، فإن الإِمام يصفهم صفين ويبتدئ بهم الصلاة جميعاً، ويركع بهم جميعاً ويرفع بهم جميعاً، فإذا سجد سجد معه الصف الأول فقط ويبقى الصف الثاني قائماً يحرس، فإذا قام قام معه الصف الأول ثم سجد الصف المؤخر، فإذا قاموا تقدم الصف المؤخر وتأخر الصف المقدم، ثم صلّى بهم الركعة الثانية قام بهم جميعاً وركع بهم جميعاً، فإذا سجد سجد معه الصف المقدم الذي كان في الركعة الأولى هو المؤخر، فإذا جلس للتشهد سجد الصف المؤخر، فإذا جلسوا للتشهد سلم الإِمام بهم جميعاً، وهذه لا يمكن أن تكون إلا إذا كان العدو في جهة القبلة " الشرح الممتع (4/300) .
روى مسلم (840) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْخَوْفِ، فَصَفَّنَا صَفَّيْنِ: صَفٌّ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْعَدُوُّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، فَكَبَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَبَّرْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ رَكَعَ وَرَكَعْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ وَرَفَعْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ انْحَدَرَ بِالسُّجُودِ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ، وَقَامَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ فِي نَحْرِ الْعَدُوِّ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السُّجُودَ وَقَامَ الصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ انْحَدَرَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ بِالسُّجُودِ وَقَامُوا، ثُمَّ تَقَدَّمَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ وَتَأَخَّرَ الصَّفُّ الْمُقَدَّمُ، ثُمَّ رَكَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَكَعْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ وَرَفَعْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ انْحَدَرَ بِالسُّجُودِ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ الَّذِي كَانَ مُؤَخَّرًا فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى، وَقَامَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ فِي نُحُورِ الْعَدُوِّ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السُّجُودَ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ انْحَدَرَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ بِالسُّجُودِ، فَسَجَدُوا، ثُمَّ سَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَلَّمْنَا جَمِيعًا) .
الصفة الثالثة: إذا كان الخوف شديداً، ولم يمكن للإمام أن يصف المسلمين ويصلي بهم جماعة، وهذا يكون عند تلاحم الصفين، ونشوب القتال.
ففي هذه الحال يصلي كل مسلم بمفرده، وهو يقاتل، ماشيا على قدميه، أو راكباً، مستقبل القبلة أو غير مستقبلها، وينحني عند الركوع والسجود، ويجعل السجود أخفض من الركوع.
قال الله تعالى: (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً) البقرة/239.
قال السعدي (ص 107) :
" (رِجَالاً) أي: على أرجلكم، (أَوْ رُكْبَاناً) على الخيل والإبل وسائر المركوبات، وفي هذه الحال لا يلزمه الاستقبال (يعني: استقبال القبلة) ، فهذه صلاة المعذور بالخوف " انتهى.
روى البخاري (943) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: (وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَلْيُصَلُّوا قِيَامًا وَرُكْبَانًا) .
قال الحافظ:
" (وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ: إِنْ كَانَ اَلْعَدُوّ , وَالْمَعْنَى أَنَّ اَلْخَوْفَ إِذَا اِشْتَدَّ وَالْعَدْوّ إِذَا كَثُرَ فَخِيفَ مِنْ اَلانْقِسَامِ لِذَلِكَ جَازَتْ اَلصَّلاةُ حِينَئِذٍ بِحَسَبَ اَلإِمْكَان , وَجَازَ تَرْكُ مُرَاعَاة مَا لا يُقْدَرُ عَلَيْهِ مِنْ اَلأَرْكَانِ , فَيَنْتَقِلُ عَنْ اَلْقِيَامِ إِلَى اَلرُّكُوعِ , وَعَنْ اَلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ إِلَى اَلإِيمَاءِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ , وَبِهَذَا قَالَ اَلْجُمْهُور " انتهى.
وروى اَلطَّبَرِيّ عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ: (إِذَا اِخْتَلَطُوا - يَعْنِي فِي اَلْقِتَالِ - فَإِنَّمَا هُوَ اَلذِّكْرُ وَإِشَارَة اَلرَّأْسِ) .
وروى البخاري (4535) عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. . . ذكر صفة صلاة الخوف، ثم قال:
(فَإِنْ كَانَ خَوْفٌ هُوَ أَشَدَّ مِنْ ذَلِكَ صَلَّوْا رِجَالًا قِيَامًا عَلَى أَقْدَامِهِمْ، أَوْ رُكْبَانًا مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ أَوْ غَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا) قَالَ نَافِعٌ: لا أُرَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ ذَكَرَ ذَلِكَ إِلا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال الحافظ:
" وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي قَوْلِهِ " فَإِنْ كَانَ خَوْف أَشَدّ مِنْ ذَلِكَ " هَلْ هُوَ مَرْفُوعٌ أَوْ مَوْقُوفٌ عَلَى اِبْن عُمَر , وَالرَّاجِح رَفْعه " انتهى.
وقال في المنتقى شرح الموطأ:
" (فَإِنْ كَانَ خَوْفًا هُوَ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ) يَعْنِي: خَوْفًا لا يُمْكِنُ مَعَهُ الْمُقَامُ فِي مَوْضِعٍ، وَلا إقَامَةَ صَفٍّ، صَلَّوْا رِجَالا؛ قِيَامًا عَلَى أَقْدَامِهِمْ، وَذَلِكَ أَنَّ الْخَوْفَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: ضَرْبٌ يُمْكِنُ فِيهِ الاسْتِقْرَارُ وَإِقَامَةُ الصَّفِّ لَكِنْ يَخَافُ مِنْ ظُهُورِ الْعَدُوِّ بِالاشْتِغَالِ بِالصَّلاةِ. . .
وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي مِنْ الْخَوْفِ: فَهَذَا أَنْ لا يُمْكِنَ مَعَهُ اسْتِقْرَارٌ، وَلا إقَامَةُ صَفٍّ، مِثْلُ الْمُنْهَزِمِ (الهارب من العدو) الْمَطْلُوبِ فَهَذَا يُصَلِّي كَيْفَ أَمْكَنَهُ، رَاجِلا أَوْ رَاكِبًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا) " انتهى باختصار.
رابعاً:
قال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (4/300) :
" ولكن إذا قال قائل: لو فرض أن الصفات الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن تطبيقها في الوقت الحاضر؛ لأن الوسائل الحربية والأسلحة اختلفت؟
فنقول: إذا دعت الضرورة إلى الصلاة في وقت يخاف فيه من العدو، فإنهم يصلّون صلاة أقرب ما تكون إلى الصفات الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا كانت الصفات الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم لا تتأتى، لقول الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/16 " انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1521)
حامل ولا تستطيع الركوع ولا السجود
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة حامل ولا أستطيع أن أتم السجود بشكل جيد لأن الوضع غير مريح أبداً، فهل أجلس وأصلي وأنا جالسة مع أنني أستطيع القيام في أغلب الصلاة؟
ما هي الطريقة المثلى للصلاة في وضع الجلوس هل على كرسي أم على الأرض؟ هل أقف في مواضع الوقوف وأجلس على الكرسي في مواضع السجود والهبوط؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
القاعدة في صلاة المريض أنه يجب عليه الإتيان بما يستطيعه من أركان الصلاة وواجباتها، ويسقط عنه ما لا يستطيعه. وقد دل على ذلك أدلة كثيرة من الكتاب والسنة. قال الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/16. وقال: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا) البقرة/286. وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ) رواه البخاري (7288) ومسلم (1337) . وعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّلاةِ، فَقَالَ: صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ. رواه البخاري (1117) .
وعلى هذا فإذا كنت تستطيعين الصلاة وأنت قائمة وجب عليك القيام، ثم إذا عجزت عن القيام أو شق عليك مشقة شديدة فإنك تجلسين في الصلاة.
ويجوز الجلوس على الكرسي أو على الأرض حسب ما تستطيعين ويتيسر لك. غير أن الأفضل أن يكون الجلوس على الأرض، لأن السنة أن يجلس الإنسان متربعاً في موضع القيام والركوع، وهذا لا يتيسر على الكرسي
قال الشيخ ابن عثيمين:
فإن كان لا يستطيع القيام صلى جالساً والأفضل أن يكون متربعاً في موضع القيام والركوع اهـ رسالة " طهارة المريض وصلاته ".
وهذا التربع ليس واجباً، فله أن يجلس كيفما يشاء لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا) ولم يبين كيفية قعوده. انظر: "الشرح الممتع" (4/462) .
وإذا كان يشق عليك السجود والركوع فإنك تومئين بهما (أي: تحنين ظهرك) وتجعلين السجود أخفض من الركوع.
وإذا كنت تستطيعين القيام فيكون الإيماء للركوع وأنت قائمة، وللسجود وأنت جالسة، لأن القيام أقرب إلى الركوع من الجلوس، والجلوس أقرب إلى السجود من القيام.
قال الشيخ ابن باز:
ومن قدر على القيام وعجز عن الركوع أو السجود لم يسقط عنه القيام، بل يصلي قائماً فيومئ بالركوع (يعني وهو قائم) ، ثم يجلس ويومئ بالسجود. . . ويجعل السجود أخفض من الركوع، وإن عجز عن السجود وحده ركع وأومأ بالسجود. . .
ومتى قدر المريض في أثناء الصلاة على ما كان عاجزاً عنه من قيام أو قعود أو ركوع أو سجود انتقل إليه وبنى على ما مضى من صلاته اهـ من رسالة "أحكام صلاة المريض وطهارته".
وقال الشيخ ابن عثيمين:
فمن لم يقدر على الركوع أومأ به قائماً، ومن لم يقدر على السجود أومأ به جالساً اهـ الشرح الممتع (4/475) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1522)
جمع الصلاة بسبب المطر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز جمع صلاة الظهر مع العصر والمغرب مع العشاء في المطر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" يرخص في الجمع بين المغرب والعشاء جمع تقديم بأذان واحد وإقامة لكل منهما، من أجل المطر الذي يبل الثياب، ويحصل معه مشقة، من تكرار الذهاب إلى المسجد لصلاة العشاء، على الصحيح من قولي العلماء.
وكذا يجوز الجمع بينهما جمع تقديم للوحل الشديد، على الصحيح من أقوال العلماء، دفعاً للحرج والمشقة، قال الله تعالى: {وما جعل عليكم في الدين من حرج} الحج / 87، وقال: {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} البقرة / 286.
وقد جمع أبان بن عثمان رضي الله عنهما بين المغرب والعشاء في الليلة المطيرة، ومعه جماعة من كبار علماء التابعين، ولم يعرف لهم مخالف، فكان إجماعاً.
ذكر ذلك ابن قدامة في المغني. ويرخص للمريض مرضاً شديداً أن يجمع بين الظهر والعصر في وقت إحداهما، حسب ما يتيسر له، وكذلك يجمع بين المغرب والعشاء؛ دفعاً للحرج عنه "
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء (8/135)
فإن قيل: هل نجمع الصلاة – من أجل المطر – في المسجد أم في البيت؟
فالجواب:
" المشروع أن يجمع أهل المسجد إذا وجد مسوغ للجمع كالمطر؛ كسباً لثواب الجماعة، ورفقاً بالناس، وبهذا جاءت الأحاديث الصحيحة.
أما جمع جماعة في بيت واحد من أجل العذر المذكور فلا يجوز؛ لعدم وروده في الشرع المطهر، وعدم وجود العذر المسبب للجمع "
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء (8/134) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1523)
ماذا يصنع مسافر أراد صلاة العشاء خلف من يصلي المغرب؟
[السُّؤَالُ]
ـ[صليتُ المغرب، ثم قمتُ لكي أصلي العشاء معها قصراً، فصليتُ مع جماعة متأخرة تصلي المغرب، فصليتُ معهم العشاء قصراً، مع أنهم مقيمون، حيث دخلت معهم في الصلاة في الركعة الثانية، ثم جلسنا بعدها للتشهد الأول، ثم أتينا بركعة أخرى، ثم سلَّم الإمام، وسلمتُ معه، هل صلاتي صحيحة أم أعيدها؟ وهل إذا أعدت الصلاة أصليها ركعتين، أو أربع؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا صلى المسافر خلف إمام مقيم: فعليه أن يُتم صلاته معه، إذا اتفقت الصلاتان، ولا يجوز له أن يقتصر على صلاة ركعتين.
وينظر في ذلك جواب السؤال رقم: (21996) .
أما إذا اختلفت الصلاتان ـ كما في السؤال ـ فالمأموم مخير بين أن يقتصر على صلاة ركعتين، وبين أن يتم صلاته أربعاً بعد سلام الإمام.
وقد سئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: عن رجل مسافر دخل المسجد , ووجد جماعة يصلون المغرب , وهو قد صلَّى المغرب , فصلَّى معهم بنية العشاء , ولما قام الإمام للركعة الثالثة: جلس، وتشهد، وسلم، فما حكم ذلك؟ .
فأجاب:
"إذا دخل رجل مسافر قد صلَّى المغرب , فوجدهم يصلون المغرب , فدخل معهم بنية صلاة العشاء: فمِن العلماء من قال: " لا يصح دخوله؛ لاختلاف الصلاتين نية، وعملاً "، ومنهم من قال: " يصح ذلك " , فإذا قام الإمام للثالثة: أكمل الداخل التشهد، وسلَّم من ركعتين , وهذا هو الصحيح، وله أن يقوم معه في الثالثة، ويتم العشاء أربعاً" انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " (15 / 357) .
وعلى هذا، فما فعله السائل، وهو اقتصاره على صلاة ركعتين، صحيح وليس عليه إعادة هذه الصلاة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1524)
دخل في الصلاة بنية القصر، ثم غَيَّر نيته إلى الإتمام
[السُّؤَالُ]
ـ[دخلت صلاة الظهر مع جماعة مسافرة بنية القصر ثم تذكرت أن شروط قصر الصلاة لا تنطبق علي فغيرت النية من القصر إلى إتمام الصلاة ,فهل فعلي هذا صحيح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا غَيَّر المصلي نيته من قصر الصلاة إلى إتمامها لأنه تبين له أنه ليس له أن يقصر، فصلاته صحيحة ولا شيء عليه.
قال النووي رحمه الله:
"قَالَ أَصْحَابُنَا: وَإِذَا صَارَ مُقِيمًا أَتَمَّ صَلَاتَهُ أَرْبَعًا وَلَا يَلْزَمُهُ نِيَّةُ الْإِتْمَامِ , وَإِنْ كَانَ لَمْ يَنْوِ إلَّا رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ قَطَعَتْ حُكْمَ الرُّخْصَةِ بِتَعْيِينِ الْإِتْمَامِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ. قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَالْإِتْمَامُ مُنْدَرِجٌ فِي نِيَّةِ الْقَصْرِ , فَكَأَنَّهُ قَالَ: نَوَيْت الْقَصْرَ مَا لَمْ يَعْرِضْ مَا يُوجِبُ الْإِتْمَامَ" انتهى.
"المجموع" (4/230) .
وقال أيضا (4/232) :
"لَوْ نَوَى الْقَصْرَ فِي الْإِحْرَامِ ثُمَّ تَرَدَّدَ فِي الْقَصْرِ وَالْإِتْمَامِ أَوْ شَكَّ فِيهِ ثُمَّ جَزَمَ بِهِ أَوْ تَذَكَّرَهُ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ" انتهى.
وقال ابن قدامة في "المغني" (2/64) :
"وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الْإِمَامَ مُسَافِرٌ ; لِرُؤْيَةِ حِلْيَةِ الْمُسَافِرِينَ عَلَيْهِ وَآثَارِ السَّفَرِ , فَلَهُ أَنْ يَنْوِيَ الْقَصْرَ , فَإِنْ قَصَرَ إمَامُهُ قَصَرَ مَعَهُ , وَإِنْ أَتَمَّ لَزِمَهُ مُتَابَعَتُهُ , وَإِنْ نَوَى الْإِتْمَامَ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ , سَوَاءٌ قَصَرَ إمَامُهُ , أَوْ أَتَمَّ , اعْتِبَارًا بِالنِّيَّةِ" انتهى.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
هل يجوز تغيير النية في الصلاة إذا كان في السفر من القصر إلى الإتمام إذا شك في قربه من المدينة التي هو مقيم فيها؟
فأجاب:
"الأصل في صلاة السفر القصر، ولهذا لا يحتاج إلى نية، أي: إذا دخلتَ الصلاة الرباعية وأنت مسافر وإن لم تنوِ القصر فأقصر؛ لأن الأصل في صلاة السفر القصر، كما ثبت في صحيح البخاري وغيره أنه (أول ما فُرِضَت الصلاة ركعتين، فأُقِرَّت صلاة السفر، وزِيْدَ في صلاة الحَضَر) .
ولهذا كان القول الراجح: أن صلاة القصر لا تحتاج إلى نية في السفر" انتهى.
"لقاء الباب المفتوح" (3/42) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1525)
الجمع بين الظهر والعصر يوم الجمعة، وحكم الجمع دون قصر
[السُّؤَالُ]
ـ[1- ما حكم جمع الظهر والعصر للمسافر يوم الجمعة؟ علماً أن المسجد على الطريق ولا تقام فيه صلاة الجمعة. 2- ما حكم جمع الظهر والعصر للمسافر بدون قصر لإدراكه جماعتين وكلاهما تصلي الظهر بدون قصر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
أولاً:
لا حرج على المسافر من الجمع بين الظهر والعصر في يوم الجمعة، ولا يلزمه أداء صلاة الجمعة في الطريق.
قال شيخ الإسلام: " الصواب ما عليه سلف الأمة وجماهيرها من الأئمة الأربعة وغيرهم، من أن المسافر لا يصلي جمعة ". انتهى " مجموع الفتاوى" (17 / 480) .
وقال الشيخ ابن باز: " المسافر ليس عليه جمعة، وإنما يصلي ظهراً، ولا بأس أن يجمع بين الظهر والعصر.
أما إذا صلى المسافر مع الناس الجمعة في أي بلد فإنه لا يجمع إليها العصر، بل عليه أن يصلي العصر في وقتها " انتهى.
" مجموع الفتاوى" (30 / 215) .
ثانياً:
لا ارتباط بين الجمع والقصر، فيجوز للمسافر أن يجمع بين الصلاتين من غير قصر، كما يجوز له القصر من غير جمع.
وقد سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: هل يجوز للمسافر أن يجمع بدون القصر، أو يقصر بدون جمع؟
فأجابت: " يجوز له الجمع بدون قصر، والقصر بدون جمع، والقصر في حقه أفضل من الإتمام؛ لأن الله تعالى يُحب أن تُؤتى رخصه كما يحب أن تُؤتى عزائمه، كما أن الجمع له في حال مسيره في السفر أفضل له؛ لما ذُكر، ولأنه صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك " انتهى.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (8 /206) .
وعلى هذا، فلا حرج من جمع المسافر بين صلاتي الظهر والعصر من غير قصر.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1526)
إذا كانت تزور زوجها في بلده أياما فهل تقصر أو تتم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لو أن رجلاً وامرأته يعيش كل منهما في ولاية أخرى بسبب ظروف العمل والدراسة، وتقوم الزوجة بزيارته لعدة أيام بين فترة وأخرى، فهل يجب عليها أن تصلي جمعاً وقصراً كحكم المسافر، أم أن بيت زوجها هو بيتها؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كانت إقامتها في ولايتها، ولا تزور زوجها إلا أياما معدودة، فلا يعتبر بيت زوجها وطنا لها، بل هو كغيره من الأماكن التي تسافر إليها، فإن كان بين الولايتين مسافة قصر وهي 80 كيلو تقريبا، قصرت الصلاة أثناء السفر، وإن عزمت على الإقامة عند زوجها أكثر من أربعة أيام، أتمت الصلاة من حين دخولها ولايته؛ لأنها في حكم المقيمة حينئذ، وإن نوت أربعة أيام فأقل، قصرت الصلاة.
وحيث جاز القصر جاز الجمع، وجاز أيضاً لأسباب أخرى كالمرض والحرج والمشقة.
ولكن هناك فرق بين القصر والجمع، فالقصر سنة مؤكدة للمسافر لا ينبغي تركها، أما الجمع فهو جائز، فله أن يجمع، وله أن يصلي كل صلاة في وقتها.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: أنا شخص أسكن في القصيم، ثم أذهب أحياناً إلى الرياض لزيارة الأهل، ولي غرفة هناك، وأجلس عندهم يومين أو ثلاثة أيام، فهل يحق لي أن أقصر الصلاة إذا صليت منفرداً؟ وهل حكمي حكم المسافر؟
فأجاب: " نعم، حكمك حكم المسافر؛ لأن وطنك هو القصيم، وزيارتك لأهلك زيارة المسافر، ولهذا قصر النبي صلى الله عليه وسلم في مكة وكان في السابق ساكناً فيها، وله فيها دور، لكنه لما هاجر صارت المدينة وطنه، فأنت إذا ذهبت إلى أهلك فأنت مسافر " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (58/23) .
وسئل أيضا: إذا سافر شخص من عند أهله وعنده نية عدم الرجوع إلى بلده، وأقام في بلد بعيد عن بلدهم في نية الاستقرار، ثم رجع إلى أهله زيارة هل يعتبر نفسه مسافراً أم لا؟
فأجاب: "إذا خرج الإنسان عن وطنه الأول بنية الاستقرار في البلد الثاني فإنه إذا رجع إلى وطنه الأول يكون مسافراً، ما دام على نيته الأولى، والدليل على ذلك: أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان وطنه الأول مكة ولما فتح مكة قصر وفي حجة الوداع قصر.
السائل: يا شيخ وإن كان في نفس هذا البلد - بلده الأول - زوجته وأولاده؟
الشيخ: إي: نعم. حتى وإن كان زوجته وأولاده فيه " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (82/23) .
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (121637) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1527)
يسافر إلى المدرسة يومياً 120 كيلو متر، فهل يجمع ويقصر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا معلم في منطقة نائية تبعد عن المنزل 120 كيلو تقريباً، وأخرج من المدرسة مع صلاة الظهر أو قبله بقليل أو بعده بقليل، وأصل إلى المنزل قبل وقت صلاة العصر بساعة أو أكثر من ذلك. السؤال الأول: هل يجوز لي قصر صلاة الظهر؟ السؤال الثاني: هل يجوز لي الجمع الظهر مع العصر جمع تقديم؟ السؤال الثالث: هل يجوز أن أصلي بعد دخول المدينة بأقل من كيلو تقريبا أو لابد من خارج حدود المدينة في حالة القصر أو في حالة الجمع؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يعتبر هذا سفراً، فإن السفر ما لا يقطع إلا بمشقة، والسفر قطعة من العذاب، فالذي يرجع في يومه لا يسمى هذا مسافراً، الذي يذهب ويرجع في يومه ولو في ساعتين أو عشر ساعات فيرجع إلى بيته لا يسمى مسافراً، فليس لك أن تترخص لا في الجمع ولا في القصر، فإذا صليت الظهر في السفر فإنك تصليها أربعاً، وإذا صليتها في المدرسة فإنك تصليها تامة.
وأما العصر فإنك تؤخرها إلى أن تصل إلى أهلك فتصليها تامة في وقتها مع الجماعة، ولا يجوز لك أن تسمع المؤذن فلا تجيب، لأن في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر) .
سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله.
وسئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: نحن جماعة من المدرسين تبعد المدرسة ما يزيد على مائة وخمسين كيلو عن البلدة التي نسكن فيها، ونحن نتردد يومياً إلى المدرسة، وقد اختلفنا في حكم القصر والجمع بالنسبة لصلاة الظهر والعصر، فهل يحق لنا في هذه المسافة القصر والجمع ونحن نتردد يومياً إلى المدرسة أم لا؟
فأجاب: " الاحتياط ألا يقصروا ولا يجمعوا؛ لأن مثل هذا لا يعد عند الناس سفراً، وإن كان سفراً عند بعض العلماء، فالذي أرى لهم: ألا يجمعوا ولا يقصروا. إلا لو فرض أنهم إذا وصلوا إلى أهليهم متعبين ويخشون إن ناموا ألا يقوموا إلا عند الغروب، أو يخشون إن بقوا حتى يؤذن العصر أن يصلوا العصر وهم في شدة النعاس، فهنا نقول: اجمعوا؛ لأن الجمع أوسع من القصر، لا حرج أن يجمعوا، وإذا وصلوا إلى بلدهم ينامون إلى الغروب، أما القصر فأرى أن الاحتياط ألا يقصروا؛ لأن هذا لا يسمى سفراً في عرف الناس الآن " انتهى من "اللقاء الشهري" (60/11) .
وعلى هذا، فالأحوط لكم عدم قصر الصلاة.
أما الجمع، فلكم الجمع إذا كان هناك مشقة في أداء كل صلاة في وقتها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1528)
مسافر وأدركته الجمعة فهل يصليها ظهرا قصرا وجمعا مع العصر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل مسافر على طريق وحانت صلاة الجمعة فهل يصليها ظهرا قصرا وجمعا مع العصر؟ أم يصليها من غير جمع؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تسقط الجمعة عن المسافر، فيصلي الظهر ركعتين قصرا، وإن شاء جمعها مع العصر تقديما أو تأخيرا، بحسب ما يحتاج إليه، والأولى عدم الجمع إلا إذا احتاج إليه، بأن يكون عليه مشقة في أداء كل صلاة في وقتها.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"المسافر لا جمعة عليه، ودليل ذلك: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم في أسفاره لم يكن يصلي الجمعة، مع أن معه الجمع الغفير، وإنما يصلي ظهراً مقصورة" انتهى.
"الشرح الممتع" (5/10) .
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
هَلْ الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ أَفْضَلُ أَمْ الْقَصْرُ؟
فَأَجَابَ:
"بَلْ فِعْلُ كُلِّ صَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا أَفْضَلُ إذَا لَمْ يَكُنْ بِهِ حَاجَةٌ إلَى الْجَمْعِ، فَإِنَّ غَالِبَ صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي كَانَ يُصَلِّيهَا فِي السَّفَرِ إنَّمَا يُصَلِّيهَا فِي أَوْقَاتِهَا. وَإِنَّمَا كَانَ الْجَمْعُ مِنْهُ مَرَّاتٍ قَلِيلَةً" انتهى.
"مجموع الفتاوى" (24/19) .
وقال أيضا رحمه الله:
"وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ الْجَمْعَ لَيْسَ مِنْ سُنَّةِ السَّفَرِ كَالْقَصْرِ؛ بَلْ يُفْعَلُ لِلْحَاجَةِ سَوَاءٌ كَانَ فِي السَّفَرِ أَوْ الْحَضَرِ" انتهى.
"مجموع الفتاوى" (24/64) .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله:
"من شرع الله له القصر وهو المسافر جاز له الجمع ولكن ليس بينهما تلازم، فله أن يقصر ولا يجمع. وترك الجمع أفضل إذا كان المسافر نازلا غير ظاعن كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في منى في حجة الوداع، فإنه قصر ولم يجمع وقد جمع بين القصر والجمع في غزوة تبوك، فدل على التوسعة في ذلك. وكان صلى الله عليه وسلم يقصر ويجمع إذا كان على ظهر سير غير مستقر في مكان " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (12/289) .
والغالب أن المسافر وهو على الطريق يحتاج إلى الجمع، لكونه أيسر له، حتى لا يتكرر نزوله من أجل الصلاة، مما يشق عليه ويؤخره عن سفره.
وعلى هذا، فيجوز لك أن تصلي الظهر ركعتين، وتجمع معها صلاة العصر جمع تقديم أو تأخير حسب الأيسر لك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1529)
له بيتان في مدينتين فهل يقصر إذا سافر إلى أحدها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[حكم القصر في الصلاة؛ إذا كان شخص له بيتان في بلدين مختلفين داخل قطر واحد، ومقيم فيهما معا ويسافر من حين إلى آخر، فهل إذا سافر إلى أحدهما يجب القصر في الصلاة أم يجوز له أن يتم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا كان الواقع كما ذكر من اتخاذ كل من البيتين محل إقامة له فلا يجوز له أن يترخص برخص السفر من قصر الصلاة وغيره، وهو نازل في أي بلد من البلدين، وله أن يترخص بذلك وهو مسافر بين البلدين، إذا كانت المسافة بين البلدين مسافة قصر وهي ثمانون كيلا تقريبا.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (8/148) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1530)
طالب يدرس في مدينة ويقيم في أخرى، فهل يقصر الصلاة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[طالب يسافر إلى الرياض للدراسة في الجامعة، فيذهب مساء الجمعة ويرجع إلى أهله وإلى بلده عصر الاثنين، فهل يطبق حكم المسافر من ناحية قصر الصلوات وجمعها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"هو مسافر لا شك؛ لأنه لم يتخذ بلد الدراسة وطناً، ولم ينوِ فيه الإقامة المطلقة، بل إقامته لغرض؛ لكنه إذا كان في بلد تقام فيه الجماعة فيجب عليه أن يحضر الجماعة، وأما ما اشتهر عند بعض العوام أن المسافر لا جماعة عليه ولا جمعة فهذا لا أصل له، بل إن الجماعة واجبة على المسافر ولو كان في القتال، قال الله تعالى: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ) النساء/102، والجمعة واجبة على كل مَن سمع النداء، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) الجمعة/9؛ لكن إذا فاتتك الصلاة وأنت هناك، أو كنت في مكان بعيد عن المساجد؛ فإنك تصلي الرباعية ركعتين" انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
"لقاءات الباب المفتوح" (1/294) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1531)
مسافر أراد أن يجمع بين صلاتين ويغلب على ظنه إدراك الثانية منهما في بلده
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من أراد أن يجمع في السفر بين صلاتين جمع تقديم، مع العلم بأنه يغلب على ظنه أن يدرك الأخرى في بلده؟ وما يترتب عليه إذا وصل أثناء أداء الصلاة بالمساجد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"ما دام الإنسان مسافراً فله أن يجمع حتى لو كان سيقدم إلى بلده قبل دخول وقت الفريضة الثانية، لكنه في هذه الحالة الأفضل ألا يجمع؛ لأن الجمع إنما يكون للحاجة، وهذا الرجل الذي علم أنه سوف يقدم قبل أن يدخل وقت الثانية لا حاجة له في الجمع، لكن مع ذلك لو فعل فلا بأس. وإذا قدم والوقت لم يدخل فقد أبرأ ذمته وليس عليه صلاة؛ لأنه أداها جمعاً مع الأولى" انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
"لقاءات الباب المفتوح" (1/203) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1532)
حكم جمع المسافر الصلاة في آخر يوم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمسلم إذا كان مسافراً سفراً طويلاً أن يجمع الصلاة في آخر يوم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا منكر عظيم لم يقل به أحد من أهل العلم وإنما يجوز للمسافر أن يجمع بين الظهر والعصر فقط في وقت إحداهما قبل أن تصفر الشمس، وبين المغرب والعشاء في وقت إحداهما، قبل منتصف الليل، أما الفجر فلا تجمع إلى غيرها، بل تصلى في وقتها دائماً في السفر والحضر قبل طلوع الشمس، والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - ج/12 ص/296.(5/1533)
المسافر يتم الصلاة إذا نوى الإقامة أكثر من 4 أيام
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا جزائري قدمت إلى بريطانيا منذ حوالي ثلاث سنوات وأنا أقصر الصلاة بعد أن سمعت فتوى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ومفادها أن القصر ليس له حد زمني.
وأنا اعتبر نفسي في حالة انتظار متى أصبح الوضع في بلادي آمنا رجعت فأريد منكم فتوى صريحة تنطبق على حالي وجزاكم الله خير الجزاء.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فتوى الشيخ - رحمه الله - بأن المسافر يترخص فيقصر ويجمع ويفطر ما دام الوصف (السفر) باقيا
لإطلاق النصوص وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية من قبله. لكن جمهور العلماء على أن المسافر له أن يترخص برخص السفر ما لم ينو الإقامة أربعة أيام فأكثر وهو أحوط، وبه كان يفتي سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله -.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الكريم الخضير.(5/1534)
من سافر إلى بلد له فيها قريب مسافة قصر فيعتبر مسافراً
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا سافر شخص من بلد إلى بلد آخر، وفي طريقه مر على بلد يوجد فيه بعض أقربائه فجلس عندهم يومين، فهل يعتبر مسافراً أو مقيماً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا يعتبر مسافراً، ما دام في غير وطنه، ولو كان فيه قريب له كأخ أو أخت أو غيرهما، لكن لا يصلي وحده بل يصلي مع الجماعة، ويتم معهم أربعاً لوجوب الصلاة مع الجماعة، أما إذا كان معه شخص آخر أو أكثر فلهم أن يصلوا قصراً، ولهم أن يصلوا مع جماعة البلد ويتموا.
أما إن نوى الإقامة أكثر من أربعة أيام فإن عليه أن يتم الصلاة الرباعية سواء كان المسافر واحداً أو كانوا جماعة.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - ج/12 ص/299.(5/1535)
يجب على المسافر إتمام الصلاة إذا صلى خلف إمام يتم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لمن صلى وهو مسافر خلف إمام يتم صلاته هل يجوز له أن يقصر صلاته بمعنى يصلي معه ركعتين فإذا قام الإمام سلم وانصرف؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الْمُسَافِر مَتَى ائْتَمَّ بِمُقِيمٍ , لَزِمَهُ الإِتْمَامُ , سَوَاءٌ أَدْرَكَ جَمِيعَ الصَّلاةِ أَوْ رَكْعَةً , أَوْ أَقَلَّ. قَالَ الأَثْرَمُ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (يعني الإمام أحمد) عَنْ الْمُسَافِرِ , يَدْخُلُ فِي تَشَهُّدِ الْمُقِيمِينَ؟ قَالَ: يُصَلِّي أَرْبَعًا. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ , وَابْنِ عَبَّاسٍ , وَجَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وأبو حنيفة.
والدليل على ذلك:
1- قول النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ) رواه البخاري (722) ومسلم (414) . وَمُفَارَقَةُ إمَامِهِ اخْتِلافٌ عَلَيْهِ.
2- مَا رواه أحمد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ , أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: مَا بَالُ الْمُسَافِرِ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فِي حَالِ الانْفِرَادِ , وَأَرْبَعًا إذَا ائْتَمَّ بِمُقِيمٍ؟ فَقَالَ: تِلْكَ السُّنَّةُ. وَقَوْلُهُ: "السُّنَّةُ" يَنْصَرِفُ إلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. صححه الألباني في "إرواء الغليل" (571) .
3- وَلِأَنَّهُ فِعْلُ عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قَالَ نَافِعٌ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا صَلَّى مَعَ الإِمَامِ صَلاهَا أَرْبَعًا , وَإِذَا صَلَّى وَحْدَهُ صَلاهَا رَكْعَتَيْنِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
انتهى من "المغني" (3/143) باختصار وتصرف.
وقال الشيخ ابن عثيمين:
"الواجب على المسافر إذا صلّى خلف الإمام المقيم أن يتمّ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الإمام ليؤتمّ به) . ولأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يصلّون خلف أمير المؤمنين عثمان بن عفّان في الحج في منى فكان يصلي بهم أربعاً فيصلّون معه أربعاً.
وكذلك لو دخل والإمام في آخر ركعتين فعليه بعد أن يسلِّم الإمام أن يقوم فيأتي بما بقي فيتمّ أربعاً لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (ما أدركتم فصلّوا وما فاتكم فأتمّوا) رواه البخاري (635) ومسلم (603) ولأن المأموم في هذه الحال ارتبطت صلاته بالإمام فلزم أن يتابعه حتى فيما فاته.
وأما من فعل ذلك فيما سبق، فكان يصلّي ركعتين خلف إمام مقيم، فإنه يجب عليه إعادة ما صلاّه من الصلوات الرباعية ولا يُشترط أن تكون متتابعة، وعليه أن يتحرّى عدد الصلوات التي صلاّها ويجتهد في ذلك ويعيدها" اهـ.
لقاء الباب المفتوح ص/40-41.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1536)
متى يكون السفَر سفَراً
[السُّؤَالُ]
ـ[متى يكون السفَر سفَراً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يرى بعض العلماء رحمهم الله أنَّ السفر مُقيَّدٌ بالمسافة وهي بين "81" إلى " 83" كيلو، ويرى بعضهم أنَّ السفر بالعُرْف، فما جرَت العادة بأنَّه سفَر فهو سفر وإنْ قَرُب وما لم تَجْرِ العادة بأنَّه سفرٌ أي لا يُسمِّيه النَّاس سفَراً فليس بسفر، وهذا الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو أصحُّ من حيثُ الدَّليل، لكنَّه صعبٌ من حيثُ التطبيقُ إذْ إنَّ بعضَ النَّاس قد يرى هذا سفراً والآخَر لا يراه سفراً، لكن تحديد المسافة أضبَطُ وأبْيَنُ للناس، ومتى ما اجتمع أنْ يكون هذا السفر سفراً بالمسافة وبالعرف فلا إشكال وإذا اختلفَت المسافة والعُرْف فيَعمل الإنسان بالأحْوط.
[الْمَصْدَرُ]
إعلام المسافرين ببعض آداب وأحكام السفر وما يخص الملاحين الجويين لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ص5.(5/1537)
الصلاة في الطائرة وهو على جنابة
[السُّؤَالُ]
ـ[يَحدُث أثناء الرَّحلات الطويلة أنْ ينامَ بعضُ المسافرين على مقاعدهم فيَحْتَلِِمُ أحدُهم أو يصعدُ الرَّاكب إلى الطائرة وهو ناسٍ جَنَابتَه أو أنْ تطْهُرَ المرأةُ مِن حيْضِها أو نِفاسِها مع دخول وقت صلاةِ الفجرِ، علماً أنَّ وصول الطائرة إلى البلد الآخَر لا يكونُ إلاّ بعد خروج الوقت، وأنظمةُ السلامةِ في الطائرة تمنَعُ الاغتسالَ في حَمَّام الطائرة منعاً باتاً لعدم أهلِيَّتها لذلك، فما العملُ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان يُمكن أنْ يتيمَّم على فراش الطائرة تيمَّمَ، وإذا لم يُمكن بأنْ كان خالياً مِن الغُبار فإنَّه يصلِّي ولو على غَيْر طُهْر، فإذا قَدِرَ بعد هذا على الطُّهْر تَطَهَّر.
[الْمَصْدَرُ]
إعلام المسافرين ببعض آداب وأحكام السفر وما يخص الملاحين الجويين لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ص10.(5/1538)
حكم جمع صلاة العصر مع صلاة الجمعة
[السُّؤَالُ]
ـ[سافرت إلى مكة المكرمة لأداء العمرة وأدركتني صلاة الجمعة وأنا بالقرب من إحدى المدن على الطريق وصليت الجمعة مع المسلمين في الجامع وبعد أداء الصلاة وحيث إني مسافر أقمت وصليت العصر فهل عملي هذا جائز؟ أفتونا مأجورين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس هناك دليل فيما نعلم يدل على جواز جمع العصر مع الجمعة، ولم ينقل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه رضي الله عنهم، فالواجب ترك ذلك، وعلى من فعل ذلك أن يعيد صلاة العصر إذا دخل وقتها، وفق الله الجميع.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - ج/12 ص/300.(5/1539)
اكتشف عدم دخول وقت الصلاة وهو في سفر
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل مسافر وصلى العصر خلال السفر وعندما وصل إلى نهاية الرحلة اكتشف أن وقت العصر لم يدخل بعد، فهل يجب عليه أن يصلي العصر ثانية؟
حصل الكثير من هذه القصص فأرجو أن تلقي بعض الضوء على هذا الموضوع.
جزاك الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان قد صلى العصر في وقت الظهر جمع تقديم، فلا يجب عليه أن يصلي العصر ثانية، لأنه حينما جمع العصر إلى الظهر كان في حالة تبيح الجمع، وهو لم يجزم حينما جمع أنه سيصل قبل العصر، ولو جزم حينما جمع العصر إلى الظهر أنه سيصل قبل العصر فإنه يجوز له الجمع أيضاً كما أفتى به جمع من أهل العلم.
وتشبه هذه الصورة صورة أخرى وهي أن الإنسان إذا فقد الماء وصلى بالتيمم في الوقت ثم وجد الماء قبل خروج الوقت فإنه لا تجب عليه الإعادة.
وكذلك فإن وقت الظهر في حق المسافر هو وقت للظهر والعصر ووقت العصر هو وقت للعصر والظهر. والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1540)
عمله ببلد وسكنه بآخر أين يترخص؟
[السُّؤَالُ]
ـ[طيَّار عملُه في المملكة وإقامته بها وعنده منْزل في بلدٍ آخرَ حيث تعيش زوجته وأولاده ويسافر إليهم من وقت إلى آخر فكيف تكون صلاته هناك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الاحتياطُ أنْ لا يترخَّص برُخَص السَّفر لا في المملكة ولا في بلده وكأنّ له وطنيْن وحينئذٍ نقول له لا تترخَّصْ لا في مقرِّ عملك ولا في مقرِّ سكن أهلك.
[الْمَصْدَرُ]
إعلام المسافرين ببعض آداب وأحكام السفر وما يخص الملاحين الجويين لفضيلة الشيخ ابن عثيمين ص7.(5/1541)
هل يقصر الصلاة قبل الخروج من البلد
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل خرج من بيته مسافراً وأدركته صلاة العصر قبل أن يخرج من البنيان أو المنطقة التي هو فيها، هل يقصر أم يتم الصلاة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا أدركت المسافر الصلاة وهو في بلده فإن صلاها في بلده فإنه لا يقصر لأنه لم يخرج، وإن خرج وفي أثناء الطريق صلاها فإنه يصليها ركعتين وإن كان قد أذّن وهو في البلد، يعني العبرة بفعل الصلاة، كما أنه لو دخل عليك الوقت وأنت في السفر ووصلت بلدك قبل أن تصلي، فإنك تصليها أربعاً، إذاً القاعدة أن الاعتبار بأداء الصلاة، إن أديتها في سفر فاقصر، وإن أديتها في الحضر فأتم.
[الْمَصْدَرُ]
لقاء الباب المفتوح لابن عثيمين /148(5/1542)
الموالاة بين الصلاتين عند الجمع
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الموالاة بين الصلاتين، إذ قد يتأخرون مدة تعتبر فصلاً بين الصلاتين ويجمعون فما الحكم في ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب في جمع التقديم الموالاة بين الصلاتين ولا بأس بالفصل اليسير عرفاً لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي) رواه البخاري (كتاب الأذان/631) ، والصواب أن النية ليست بشرط، أما جمع التأخير فالأمر فيه واسع، لأن الثانية تفعل في وقتها، ولكن الأفضل هو الموالاة بينهما تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك. والله ولي التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - ج/12 ص/295.(5/1543)
عمله يبعد عن مدينته 150 كيلو فهل يرخص له في القصر والجمع
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا موظف في شركة في مدينة رابغ شمال جدة 150 كيلو، ونحن نسكن في مدينة جدة، ويوميا يقلنا باص موظفي الشركة واستفساري هو: هل علينا أن نجمع صلاة الظهر مع العصر بعد أن نخرج من العمران؟ وإذا كان عند أحد الموظفين سكن خاص في مدينة رابغ هل يقصر ويجمع؟ علما بأنه لا يجلس فيه إلا للضرورة. وهل نصلي الظهر أربع ركعات ونصلي العصر ركعتين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ذهب جمهور الفقهاء إلى تحديد السفر بالمسافة، وذهب بعض أهل العلم إلى أن المرجع في ذلك هو العرف، فما عدّه الناس سفرا فهو سفر، وما لم يعدوه في عرفهم سفرا فليس بسفر.
وتقدّر المسافة على قول الجمهور بثمانين كيلو مترا تقريبا.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (8/99) : " السفر الذي يشرع فيه الترخيص برخص السفر هو ما اعتبر سفراً عرفاً، ومقداره على سبيل التقريب مسافة ثمانين كيلو متراً، فمن سافر لقطع هذه المسافة فأكثر فله أن يترخص برخص السفر من المسح على الخفين ثلاثة أيام بلياليهن، والجمع والقصر، والفطر في رمضان " انتهى.
وعلى هذا فلكم أن تجمعوا بين الظهر والعصر، وأن تقصروا الظهر، وكذلك العصر إذا صليتموها في رابغ أو في طريق عودتكم إلى جدة قبل دخولها.
والموظف الذي له سكن خاص لكنه لا يقيم فيه، ولا يأتيه إلا للضرورة، هو في حكم المسافر أيضا، فله أن يترخص برخص السفر.
والجمع للمسافر ليس واجبا، ولكنه رخصة، إن شاء جمع، وإن شاء صلى كل صلاة في وقتها.
هذا كله على تقدير السفر بالمسافة، وأما على العرف، فعرف كثير من الناس اليوم أن هذا ليس سفرا، ولهذا أفتى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في حق الموظف الذي يذهب يوميا نحوا من 150 كيلو أن الأحوط في حقه أن يتم الصلاة.
فقد سئل رحمه الله: نحن جماعة من المدرسين تبعد المدرسة ما يزيد على مائة وخمسين كيلو عن البلدة التي نسكن فيها، ونحن نتردد يومياً إلى المدرسة، وقد اختلفنا في حكم القصر والجمع بالنسبة لصلاة الظهر والعصر، فهل يحق لنا في هذه المسافة القصر والجمع ونحن نتردد يومياً إلى المدرسة أم لا؟
فأجاب: " الاحتياط ألا يقصروا ولا يجمعوا؛ لأن مثل هذا لا يعد عند الناس سفراً، وإن كان سفراً عند بعض العلماء، فالذي أرى لهم: ألا يجمعوا ولا يقصروا. إلا لو فرض أنهم إذا وصلوا إلى أهليهم متعبين ويخشون إن ناموا ألا يقوموا إلا عند الغروب، أو يخشون إن بقوا حتى يؤذن العصر أن يصلوا العصر وهم في شدة النعاس، فهنا نقول: اجمعوا؛ لأن الجمع أوسع من القصر، لا حرج أن يجمعوا، وإذا وصلوا إلى بلدهم ينامون إلى الغروب، أما القصر فأرى أن الاحتياط ألا يقصروا؛ لأن هذا لا يسمى سفراً في عرف الناس الآن " انتهى من "اللقاء الشهري" (60/11) .
وعلى هذا، فالأحوط لكم عدم قصر الصلاة.
أما الجمع، فلكم الجمع إذا كان هناك مشقة في أداء كل صلاة في وقتها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1544)
قصر الصلاة للمسافر سنة مؤكدة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمسافر أن يتم الصلاة؟ فيصليها أربع ركعات؟]ـ
[الْجَوَابُ]
قصر الصلاة للمسافر سنة مؤكدة لا ينبغي تركها، باتفاق الأئمة، إلا ما يُحكى عن الشافعي في أحد قوليه: أن الإتمام أفضل، ولكن الصحيح من مذهبه: أن القصر أفضل.
وانظر: "المجموع" للنووي (4/218- 223) .
ويدل على تفضيل القصر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قصر الصلاة في جميع أسفاره، ولم يصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه أتم الصلاة وهو مسافر قط.
قال أنس بن مالك رضي الله عنه: (خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ فَكَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ) رواه البخاري (1081) ومسلم (724) .
وقال ابن عمر رضي الله عنهما: (صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ لَا يَزِيدُ فِي السَّفَرِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ، وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ كَذَلِكَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ) رواه البخاري (1102) وسلم (689) .
يعني في أول خلافة عثمان، وإلا فعثمان رضي الله عنه كان يتم في آخر خلافته.
ولما بلغ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن عثمان بن عفان رضي الله عنه صلى بمنى أربع ركعات قال: (إنا لله وإنا إليه راجعون، صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ، وَصَلَّيْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ، وَصَلَّيْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ) رواه البخاري (1084) ومسلم (695) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"ويكره إتمام الصلاة في السفر، قال أحمد: لا يعجبني، ونقل عن أحمد إذا صلى أربعاً أنه توقف في الإجزاء، ولم يثبت أن أحداً من الصحابة كان يتم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم في السفر، وحديث عائشة في مخالفة ذلك لا تقوم به الحجة" انتهى من "الاختيارات" (ص 32) .
وقال ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد" (1/464) :
"وكان صلى الله عليه وسلم يقصر الرباعية، فيصليها ركعتين من حين يخرج مسافراً إلى أن يرجع إلى المدينة، ولم يثبت عنه أنه أتم الرباعية في سفره البتة.
وأما حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصر في السفر ويتم، ويفطر ويصوم، فلا يصح، وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: هو كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم. انتهى.
وقد رُوي: كان يقصر وتُتم، ويفطر وتصوم.
قال شيخنا ابن تيمية: وهذا باطل، ما كانت أم المؤمنين لتخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم وجميع أصحابه، فتصلي خلاف صلاتهم" انتهى.
بل ذهب بعض الأئمة كالإمام أبي حنيفة وابن حزم رحمهما الله إلى أن قصر الصلاة للمسافر واجب، ولا يجوز له إتمامها.
والراجح هو قول جمهور العلماء، أن القصر سنة مستحبة وليس واجباً، ويدل لذلك أن عثمان وعائشة رضي الله عنهما، قد أتما الصلاة في السفر، ولو كان القصر واجباً لما أتما، وقد تابع الصحابة عثمان رضي الله عنهم على إتمام الصلاة بمنى، ولو كان الإتمام حراماً، لم يتابعوه في ذلك.
قال الإمام الشافعي رحمه الله: "لو كان فرض المسافر ركعتين لما أتم عثمان ولا عائشة ولا ابن مسعود، ولم يجز أن يتمها مسافر مع مقيم" انتهى من "الأم" (1/159) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (4/358- 362) :
"وقال بعض أهل العلم: إن الإتمام مكروه، لأن ذلك خلاف هدي النبي صلى الله عليه وسلم المستمر الدائم، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم ما أتم أبداً في سفر، وقال: (صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي) وهذا القول اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهذا قول قوي، بل لعله أقوى الأقوال.
وقال بعض أهل العلم: أن القصر واجب، وأن من أتم فهو آثم ...
والذي يترجح لي - وليس ترجحاً كبيراً - هو أن الإتمام مكروه، وليس بحرام، وأن من أتم فإنه لا يكون عاصياً، هذا من الناحية النظرية.
وأما من الناحية العملية فهل يليق بالإنسان أن يفعل شيئاً يُخشى أن يكون عاصياً فيه؟
فلا ينبغي من الناحية المسلكية والتربوية، بل افعل ما يكون هو السنة، فإن ذلك أصلح لقلبك، حتى وإن كان يجوز لك خلافة " انتهى باختصار.
وعلى هذا؛ فالأفضل للمسافر أن يقصر الصلاة، ولكن ... ليس له أن يترك صلاة الجماعة من أجل القصر، بل يجب عليه أن يصلي جماعة، فإن كان الإمام مقيماً أتم الصلاة معه، وإن كان مسافراً، قصر معه الصلاة.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (26186) و (40299) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1545)
هل يجوز للمسافر أن يجمع بين الصلاتين أحيانا، ولا يجمع أحياناً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمسافر أن يجمع بين الصلاتين أحيانا، ولا يجمع أحياناً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
دلت السنة النبوية على جواز الجمع بين الصلاتين للمسافر فقد روى مسلم (705) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ، فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ. [وفي رواية: وَلَا سَفَرٍ] قيل لِابْنِ عَبَّاسٍ: لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ؟ قَالَ: كَيْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ) .
فنفي ابن عباس لهذه الأشياء الثلاثة - السفر والخوف والمطر - دليل على أنها أسباب معروفة للجمع بين الصلاتين، ومراد ابن عباس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلاتين لسبب غير هذه الأسباب.
فيجوز للمسافر أن يجمع بين الصلاتين، أو يصلي كل صلاة في وقتها، كما يشاء، غير أن الأفضل للمسافر أن لا يجمع بين الصلاتين إلا إذا كان عليه مشقة من أداء الصلاة في وقتها.
لهذا لم يجمع النبي صلى الله عليه وسلم في كل أسفاره، بل جمع أحياناً، وأحياناً أخرى لم يجمع.
وقد ذهب بعض العلماء إلى أنه لا يجوز الجمع للمسافر إلا إذا كان سائراً على الطريق، أما إذا كان نازلاً في مكان ومستقر فيه، فلا يجوز له الجمع.
والصحيح جواز الجمع للمسافر سواء كان سائراً أم نازلاً، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلاتين في غزوة تبوك وهو نازل. رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (164) .
وقد ذكر الشيخ ابن عثيمين رحمه الله بعض الأحاديث الدالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلاتين في السفر وهو نازل، ثم قال:
"وظاهر هذه الأحاديث أنه كان يجمع بين الصلاتين وهو نازل، فإما يكون ذلك لبيان الجواز، أو أن ثمة حاجة إلى الجمع، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجمع في حجته حين كان نازلاً بمنى.
وعلى هذا فنقول: الأفضل للمسافر النازل أن لا يجمع، وإن جمع فلا بأس، إلا أن يكون في حاجة إلى الجمع، إما لشدة تعبه ليستريح، أو لمشقة طلب الماء عليه لكل وقت، ونحو ذلك، فإن الأفضل له الجمع، واتباع الرخصة " انتهى من رسالة "مواقيت الصلاة".
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله:
"المسافر المقيم (يعني: النازل في مكان) مخير إن شاء جمع جمع تأخير وإن شاء جمع جمع تقديم، والأفضل له أن يصلي كل صلاة في وقتها كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في منى في حجة الوداع، فإنه كان يصلي كل صلاة في وقتها، لأنه مقيم فإن دعت الحاجة إلى الجمع فلا حرج؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في غزوة تبوك وهو مقيم" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (12/281، 282) .
وعلى هذا، فالمسافر مخير بين الجمع بين الصلاتين أو فعل كل صلاة في وقتها، والأفضل له أن لا يجمع إلا إذا كان عليه مشقة في فعل كل صلاة في وقتها.
لكن.. ينبغي التنبيه إلى أن صلاة الجماعة واجبة على المسافر فلا يجوز أن يجمع ويصلي منفرداً.
وانظر جواب السؤال (40299) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1546)
السفر إلى البلاد الأجنبية من أجل النزهة والسياحة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم السفر إلى البلاد الأجنبية الغربية لمدة أسبوعين أو ثلاثة من أجل النزهة والسياحة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
السفر إلى بلاد الكفار لمجرد النزهة لا يجوز عند جمع من أهل العلم؛ لما فيه من التعرض للمنكرات والفتن، مع عدم وجود الضرورة أو الحاجة لذلك.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " السفر إلى بلاد الكفار محرم إلا بثلاثة شروط:
الأول: أن يكون عند الإنسان علمٌ يدفع به الشبهات.
والثاني: أن يكون عنده دين يحميه من الشهوات.
والثالث: أن يكون محتاجاً إلى ذلك ... أن يحتاج إلى ذلك، إما لعلم لا يوجد له نظير في المملكة، أو ذهب لمرضٍ يتداوى، أو لتجارة لا بد منها، وأما إذا لم يكن له حاجة فلا يذهب، وكم من أناسٍ يذهبون إلى الخارج باسم التمشي والنزهة فتفسد أخلاقهم وتنحل عقائدهم -والعياذ بالله- ويرجعون ممسوخين، ولا شك أن هذا لا يحل للمسلم أن يتعرض له لما فيه من الشر والفساد " انتهى من "اللقاء الشهري" رقم 6.
وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: "وأما السفر إلى بلاد الكفر والبلاد الإباحية فلا يجوز لما فيه من الفتن والشرور ومخالطة الكفار ومشاهدة المنكرات وتأثر القلب بذلك، إلا في حدود ضيقة حددها أهل العلم وهي:
1- العلاج الذي يضطر إليه ولا يجده في بلاد المسلمين.
2- التجارة التي تستدعي سفره.
3- تعلم العلوم التي يحتاج إليها المسلمون ولا توجد في بلادهم.
4- القيام بالدعوة إلى الله عز وجل ونشر الإسلام.
ويشترط في كل الأحوال أن يكون قادراً على إظهار دينه، ومعتزاً بعقيدته، مبتعداً عن مواطن الفتن.
وأما السفر لمجرد النزهة، أو الاستجمام فهو محرم شديد التحريم " انتهى.
وقال أيضا: " ومن مظاهر موالاة الكفار: السفر إلى بلادهم لغرض النزهة ومتعة النفس. والسفر إلى بلاد الكفار محرم إلا عند الضرورة، كالعلاج والتجارة والتعليم للتخصصات النافعة التي لا يمكن الحصول عليها إلا بالسفر إليهم، فيجوز بقدر الحاجة، وإذا انتهت الحاجة وجب الرجوع إلى بلاد المسلمين. ويشترط كذلك لجواز هذا السفر أن يكون مظهراً لدينه، معتزاً بإسلامه، مبتعداً عن مواطن الشر؛ حذِراً من دسائس الأعداء ومكائدهم، وكذلك يجوز السفر أو يجب إلى بلادهم إذا كان لأجل الدعوة إلى الله ونشر الإسلام " انتهى من "مجلة البحوث الإسلامية" (25/118) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1547)
يسافر للدراسة ويرجع في نهاية الأسبوع فهل يقصر الصلاة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أسافر من مدينتي إلى مدينة أخرى لحضور برنامج تدريبي كجزء من إكمال دراستي، ويستغرق هذا التدريب 6 أشهر، 5 أيام في الأسبوع، أعود بعدها إلى مدينتي لقضاء الإجازة الأسبوعية، وقد كنت أقصر الصلاة طوال الشهرين الماضيين، فهل أكمل قصر الصلاة باقي المدة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كانت المسافة بين مدينتك والمدينة التي ستسافر إليها تبلغ 80 كيلو فأكثر، فإنك تقصر الصلاة في سفرك إليها، وأثناء عودتك منها.
وإذا وصلت المدينة وفي نيتك أن تقيم فيها أكثر من أربعة أيام فإنك تتم الصلاة من لحظة دخولك عند جمهور العلماء.
قال ابن قدامة رحمه الله: " (وإذا نوى المسافر الإقامة في بلد أكثر من إحدى وعشرين صلاة: أتم) المشهور عن أحمد رحمه الله أن المدة التي تلزم المسافر الإتمام بنية الإقامة فيها، هي ما كان أكثر من إحدى وعشرين صلاة. رواه الأثرم والمروذي وغيرهما، وعنه (يعني الإمام أحمد) : أنه إذا نوى إقامة أربعة أيام أتم، وإن نوى دونها قصر، وهذا قول مالك والشافعي وأبي ثور " انتهى من "المغني" (2/65) .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (8/99) : " السفر الذي يشرع فيه الترخيص برخص السفر هو ما اعتبر سفراً عرفاً، ومقداره على سبيل التقريب مسافة ثمانين كيلو متراً، فمن سافر لقطع هذه المسافة فأكثر فله أن يترخص برخص السفر من المسح على الخفين ثلاثة أيام بلياليهن، والجمع والقصر، والفطر في رمضان. وهذا المسافر إذا نوى الإقامة ببلد أكثر من أربعة أيام فإنه لا يترخص برخص السفر، وإذا نوى الإقامة أربعة أيام فما دونها فإنه يترخص برخص السفر. والمسافر الذي يقيم ببلد ولكنه لا يدري متى تنقضي حاجته ولم يحدد زمناً معيناً للإقامة فإنه يترخص برخص السفر ولو طالت المدة، ولا فرق بين السفر في البر والبحر " انتهى.
وجاء فيها أيضاً (8/109) : " الأصل أن المسافر بالفعل هو الذي يرخص له في قصر الرباعية؛ لقوله تعالى: (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة) الآية، ولقول يعلى بن أمية: قلت لعمر بن الخطاب رضي الله عنهما: (ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) فقال: عجبت مما عجبت منه، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (هي صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته) رواه مسلم.
ويعتبر في حكم المسافر بالفعل من أقام أربعة أيام بلياليها فأقل، لما ثبت من حديث جابر وابن عباس رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم مكة لصبح رابعة من ذي الحجة في حجة الوداع، فأقام صلى الله عليه وسلم اليوم الرابع والخامس والسادس والسابع، وصلى الفجر بالأبطح اليوم الثامن، فكان يقصر الصلاة في هذه الأيام، وقد أجمع النية على إقامتها كما هو معلوم، فكل من كان مسافراً ونوى أن يقيم مدة مثل المدة التي أقامها النبي صلى الله عليه وسلم أو أقل منها قصر الصلاة، ومن نوى الإقامة أكثر من ذلك أتم الصلاة؛ لأنه ليس في حكم المسافر.
أما من أقام في سفره أكثر من أربعة أيام ولم يُجمع النية على الإقامة، بل عزم على أنه متى قضيت حاجته رجع؛ كمن يقيم بمكان الجهاد للعدو، أو حبسه سلطان أو مرض مثلاً، وفي نيته أنه إذا انتهى من جهاده بنصر أو صلح أو تخلص مما حبسه من مرض أو قوة عدو أو سلطان أو وجود آبق أو بيع بضاعة أو نحو ذلك - فإنه يعتبر مسافراً، وله قصر الصلاة الرباعية، ولو طالت المدة؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أقام بمكة عام الفتح تسعة عشر يوماً يقصر الصلاة، وأقام بتبوك عشرين يوماً لجهاد النصارى، وهو يصلي بأصحابه صلاة قصر، لكونه لم يجمع نية الإقامة بل كان على نية السفر إذا قضيت حاجته " انتهى.
وعلى هذا؛ فما دمت تنوي الإقامة أكثر من أربعة أيام فإنك تتم الصلاة إذا وصلت إلى تلك المدينة، أما أثناء سفرك في الطريق ذهاباً وإياباً فإنك تقصر الصلاة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1548)
يعسكرون في الشرائع فترة الحج ويسألون عن الجمع والقصر وصلاة الجمعة
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن من أفرد القوات المسلحة، ونشارك في مهمة الحج سنوياً، ونقيم في منطقة الشرايع مدة المشاركة ما يقارب شهراً، ونكون على شكل مجموعات تتناوب حراسة في مكان بعيد عن المعسكر، والبقية الذين ليس لديهم مناوبة متواجدون في الخيام، ومستعدون لأي طارئ. لذا نأمل منكم إفادتنا عن كيفية أداء الصلاة بالنسبة للمتواجدين في السكن، هل نجمع ونقصر أم لا؟ وكذلك بعض المعسكرات لديهم مساجد ويرغبون في إقامة صلاة الجمعة، هل تجب في حقهم صلاة الجمعة؟ وإذا كان بجانبنا حي تقام فيه صلاة الجمعة هل نصلي نعهم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"ما دام أنكم مجمعون الإقامة في الشرائع أكثر من أربعة أيام فإنكم تصلون الصلاة تامة بدون قصر ولا جمع؛ لأنكم في حكم المقيمين، وإن نويتم إقامة أربعة أيام فأقل، أو لم تنووا إقامة مدة معينة فإنكم في حكم المسافرين، ولكم أن تقصروا الصلاة الرباعية وأن تجمعوا.
أما الجمعة فعليكم أن تصلوها في المساجد القريبة منكم التي تقام فيها الجمعة.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/140- 142) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1549)
أخَّر صلاة الظهر وهو مسافر، ثم جمعها مع العصر بعد رجوعه
[السُّؤَالُ]
ـ[مسافر وصل إلى بلدته بعد صلاة العصر بحوالي ساعة، وأخر صلاة الظهر أثناء سفره ليصليها جمعاً مع العصر إذا وصل لبلده، فكيف يصليها وقد وصل لبلده؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الجمع بين الصلاتين من الرخص التي رخص الشرع فيها للمسافر، لما في السفر من المشقة التي تجلب التيسير، فيجمع بين صلاتي الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، جمع تقديم أو تأخير حسب الأيسر له.
فلا حرج من تأخير صلاة الظهر ليجمعها جمع تأخير مع صلاة العصر إذا رجع إلى بلده.
لأن شرط جواز جمع التأخير أن يستمر العذر (وهو السفر هنا) حتى يدخل وقت الصلاة الثانية، كما وقع في حالتك.
قال ابن قدامة رحمه الله في المغني (3/140) :
"إن جمع بينهما في وقت الثانية اعتبر بقاء العذر إلى حين دخول وقتها , فإن زال في وقت الأولى , كالمريض يبرأ , والمسافر يقدم , والمطر ينقطع , لم يبح الجمع ; لزوال سببه. وإن استمر إلى حين دخول وقت الثانية , جمع , وإن زال العذر ; لأنهما صارتا واجبتين في ذمته , ولا بد له من فعلهما" انتهى.
هذا من حيث الجمع، أما من حيث القصر، فإنه يصلي كلاًّ من الظهر والعصر أربعاً، تماماً بلا قصر، لأن القصر سببه السفر، وقد رجع إلى بلده، ويصلي صلاة مقيم.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: إذا كنتُ على سفر وفي حكم الجمع، وأدركتني صلاة الظهر ثم أخرتها إلى صلاة العصر، ولكنني وصلت محلي قبل العصر، فهل أصلي الظهر قصراً والعصر كاملاً؛ لأنني وصلت محلي قبل دخول وقت العصر أم ماذا أفعل؟
فأجابوا:
"تصلي الظهر أربعاً؛ لأنك وصلت إلى بلدك في وقته قبل أن تصلي صلاة الظهر، فصرت في حكم المقيم ثم تصلي العصر مع الناس" انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (8/151) .
وسئل الشيخ محمد بن عثيمين عن مثل ذلك فقال:
"العبرة بفعل الصلاة، فإن فعلتها في الحضر فأتم، وإن فعلتها في السفر فأقصر، سواء دخل عليك الوقت في هذا المكان أو قبل " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (15/428) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1550)
مسافرون إلى بلد أوربي وعددهم 15 فهل يقيمون الجمعة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن مسافرون إلى بلد أوربي للنزهة والنقاهة لمدة 5 أسابيع محددة سلفاً (مقيمين في فندق والإقامة والترحال غاية في الراحة ولله الحمد) والمدينة التي نقيم بها ليس فيها مسجد، فما حكم الجمع والقصر لصلاة الفريضة؟ وهل علينا صلاة الجمعة؟ علماً بأن العدد يسمح بذلك (أكثر من 15 شخص) وفينا من يستطيع أن يخطب للجمعة حيث إنه مرت جمعتان ولم نصلهما بحجة أنه لا جمعة لمسافر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
سبق في جواب السؤال رقم (111934) بيان حكم السفر إلى البلاد غير الإسلامية من أجل السياحة والنزهة.
ثانياً:
إذا نوى المسافر الإقامة في بلد أكثر من أربعة أيام فإنه يكون في حكم المقيم فيلزمه إتمام الصلاة من لحظة دخوله البلد، كما تلزمه الجمعة حيث ينادى بها.
قال ابن قدامة رحمه الله: "المشهور عن أحمد رحمه الله أن المدة التي تلزم المسافر الإتمام بنية الإقامة فيها، هي ما كان أكثر من إحدى وعشرين صلاة. رواه الأثرم والمروذي وغيرهما، وعنه: أنه إذا نوى إقامة أربعة أيام أتم، وإن نوى دونها قصر، وهذا قول مالك والشافعي وأبي ثور " انتهى من "المغني" (2/65) .
وجاء في فتاوى اللجنة (8/99) : " السفر الذي يشرع فيه الترخيص برخص السفر هو ما اعتبر سفراً عرفاً، ومقداره على سبيل التقريب مسافة ثمانين كيلو متراً، فمن سافر لقطع هذه المسافة فأكثر فله أن يترخص برخص السفر من المسح على الخفين ثلاثة أيام بلياليهن، والجمع والقصر، والفطر في رمضان، وهذا المسافر إذا نوى الإقامة ببلد أكثر من أربعة أيام فإنه لا يترخص برخص السفر، وإذا نوى الإقامة أربعة أيام فما دونها فإنه يترخص برخص السفر، والمسافر الذي يقيم ببلد ولكنه لا يدري متى تنقضي حاجته ولم يحدد زمناً معيناً للإقامة فإنه يترخص برخص السفر ولو طالت المدة، ولا فرق بين السفر في البر والبحر " انتهى.
بهذا يعلم أنه يلزمكم إتمام الصلاة، ولا يجوز لكم القصر.
وأما الجمع فإنه لا يختص بالسفر، بل يشرع لأعذار أخرى، كالمطر، والمرض، والمشقة، وينظر جواب السؤال رقم (39176) .
والأصل أن تصلى الصلوات في أوقاتها، فإن وجد ما يبيح الجمع، جاز الجمع.
ثالثاً:
إذا لم يكن في المدينة التي ستقيمون فيها مستوطنون تجب عليهم الجمعة فلا جمعة عليكم، وينظر تفصيل ذلك في جواب السؤال رقم (11556) .
والمسافر ذا نوى إقامة تمنع القصر وجبت عليه الجمعة تبعاً لغيره لا استقلالاً، فإن وُجد مستوطنون ممن تلزمهم الجمعة، وجب على هذا المسافر أن يصليها معهم.
وينظر: "المغني" (3/218) ، "الإنصاف" (5/169) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1551)
المسافة التي تبيح القصر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن القصر عندما أعرف بأني أتأخر في العودة؟ هل مسافة السفر هي 80 كم (ذهاباً ورجوعاً) أو مسافة ذهاب فقط كي يجوز لي القصر والجمع؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
السفر الذي يشرع فيه الترخص برخص السفر هو ما اعتبر سفراً عرفاً، ومقداره على سبيل التقريب مسافة ثمانين كيلو متراً، فمن سافر – ذهابا - لقطع هذه المسافة فأكثر فله أن يترخص برخص السفر من المسح على الخفين ثلاثة أيام بلياليهن، والجمع والقصر، والفطر في رمضان.
وهذا المسافر إذا وصل إلى البلد التي سافر إليها ونوى الإقامة فيها أكثر من أربعة أيام فإنه لا يترخص برخص السفر، وإذا نوى الإقامة أربعة أيام فما دونها فإنه يترخص برخص السفر.
والمسافر الذي يقيم ببلد ولكنه لا يدري متى تنقضي حاجته ولم يحدد زمناً معيناً للإقامة فإنه يترخص برخص السفر ولو طالت المدة.
والحاصل: أنه يشترط أن لا تقل مسافة الذهاب عن 80 كيلو، حتى يباح لك القصر، وإذا كانت مدة إقامتك أكثر من أربعة أيام فإنك تتمين الصلاة.
أما الجمع بين الصلاتين (الظهر والعصر) و (المغرب والعشاء) فإنه يجوز للمسافر، ويجوز للمقيم أيضاً إذا شق عليه أن يصلي كل صلاة في وقتها، بسبب مرض أو عمل مهم لا يمكن تأخيره، كالطلب في الاختبار، والطبيب في العملية الجراحية ونحو ذلك.
ولمزيد من الفائدة يراجع جواب السؤال رقم (97844) و (97455) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1552)
مسافر صلى جمع تقديم ثم عاد إلى بلده قبل دخول وقت الثانية
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما أكون في السفر أصلى الظهر والعصر أو المغرب والعشاء جمع تقديم وقصراً، ولكن يتصادف أحياناً أن أعود إلى بلدي قبل أذان الوقت الثاني، أو بعده بقليل، فهل أعيد الفرض مرة أخرى أم أنه في الحالتين يسقط بأدائه جمع تقديم وقصراً في السفر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من رخص الصلاة المتعلقة بالسفر الجمع بين صلاتي الظهر والعصر، وبين صلاتي المغرب والعشاء جمع تقديم أو تأخير.
ولم يواظب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الجمع في كل أسفاره، بل كان يجمع أحياناً، وأحياناً أخرى لا يجمع، ويصلي كل صلاة في وقتها.
ولذلك قال العلماء: الأفضل للمسافر أن لا يجمع إلا إذا احتاج إليه بأن شق عليه فعل كل صلاة في وقتها، وإن كانت رخصة الجمع ثابتة لكل مسافر.
انظر: "المغني" (3/131) ، "الشرح الممتع" (4/550-553) .
وإذا ثبت السفر جاز الترخص بالجمع، ولو علم أنه سيعود إلى بلده قبل خروج وقت الصلاة الثانية، أو قبل دخول وقتها، لأن الأدلة إنما دلت على جواز الجمع للمسافر، فما دام الإنسان مسافراً فله الجمع.
وقد ذكر النووي رحمه الله في "المجموع" (4/180) اختلاف العلماء على قولين فيما إذا جمع بين الصلاتين جمع تقديم وهو مسافر ثم أقام، فهل يبطل الجمع ويلزمه إعادة الصلاة الثانية في وقتها أو لا؟
ثم قال النووي رحمه الله: أصح القولين أنه لا يبطل الجمع، كما لو قصر ثم أقام اهـ بتصرف يسير.
وقال الموفق ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (3/140) :
"وَإِنْ أَتَمَّ الصَّلاتَيْنِ فِي وَقْتِ الأُولَى , ثُمَّ زَالَ الْعُذْرُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهُمَا قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الثَّانِيَةِ , أَجْزَأَتْهُ , وَلَمْ تَلْزَمْهُ الثَّانِيَةُ فِي وَقْتِهَا ; لأَنَّ الصَّلَاةَ وَقَعَتْ صَحِيحَةً مُجْزِيَةً عَنْ مَا فِي ذِمَّتِهِ , وَبَرِئَتْ ذِمَّتُهُ مِنْهَا , فَلَمْ تَشْتَغِلْ الذِّمَّةُ بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ.
وَلأَنَّهُ أَدَّى فَرْضَهُ حَالَ الْعُذْرِ , فَلَمْ يَبْطُلْ بِزَوَالِهِ بَعْدَ ذَلِكَ , كَالْمُتَيَمِّمِ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الصَّلاةِ" اهـ.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن مسافر جمع بين صلاتي الظهر والعصر جمع تقديم، وهو يعلم أنه سيصل إلى مكان إقامته قبل صلاة العصر فهل هذا جائز؟
فأجاب:
نعم. هذا جائز، لكن إن كان يعلم أو يغلب على ظنه أنه سيصل قبل صلاة العصر، فالأفضل أن لا يجمع لأنه ليس هناك حاجة للجمع. اهـ. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (15/422) .
وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عن المسألة نفسها، فأجابت:
" ... ولو جمعت في سفرك العشاء مع المغرب وقصرتها فلا بأس، ولو وصلت في وقت العشاء " اهـ. "فتاوى اللجنة الدائمة" (8/152) .
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1553)
الفرق بين الجمع والقصر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين الجمع والقصر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الفروق بين الجمع والقصر كثيرة، منها:
أولا: التعريف.
القصر معناه: أن تصير الصلاة الرباعية ركعتين في السفر.
أما الجمع: فهو أن يجمع المصلي بين صلاتي الظهر والعصر، أو بين المغرب والعشاء، في وقت الأولى منهما ويسمى "جمع تقديم"، أو في وقت الثانية ويسمى "جمع تأخير".
ثانيا: الحكم الشرعي.
اتفق العلماء على أن قصر الصلاة أفضل للمسافر من إكمالها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قصر في جميع أسفاره، ولم يصح عنه أنه أتم في السفر.
قال ابن عمر رضي الله عنهما: (صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَكَانَ لاَ يَزِيدُ فِى السَّفَرِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ، وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ كَذَلِكَ رضى الله عنهم) رواه البخاري (1102) .
بل ذهب الحنفية إلى وجوب قصر الصلاة للمسافر، والصحيح قول الجمهور: أن القصر سنة مؤكدة، وأنه أفضل من إتمام الصلاة.
انظر: "الإجماع" لابن المنذر (27) ، "المغني" (1/382) ، "الموسوعة الفقهية" (27/274)
أما الجمع بين الصلاتين فلم يجمع العلماء على جوازه إلا للحاج في عرفة ومزدلفة، وأنكر بعض العلماء جواز الجمع في غير هذين الموضعين.
والصحيح ما ذهب إليه جمهور العلماء من جواز الجمع إذا وجد العذر، لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في غير عرفة ومزدلفة.
ثالثا: الأسباب المبيحة للجمع والقصر.
الأسباب المبيحة للجمع بين الصلاتين أوسع من أسباب القصر، فالجمع جائز لكل مسافر، وللمقيم إذا كان عليه مشقة في أداء كل صلاة في وقتها، كالمريض، أو إذا كان هناك مطر، أو المشغول بعمل يتعذر تأجيله، كالطالب في امتحانه، والطبيب الذي يجري عملية جراحية ونحو ذلك.
أما القصر فلا يجوز إلا في السفر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – كما في "مجموع الفتاوى" (22/293) :
" والقصر سببه السفر خاصة، لا يجوز في غير السفر، وأما الجمع فسببه الحاجة والعذر، فإذا احتاج إليه جمع في السفر القصير والطويل، وكذلك الجمع للمطر ونحوه، وللمرض ونحوه، ولغير ذلك من الأسباب، فإن المقصود به رفع الحرج عن الأمة " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين في "اللقاء الشهري" (60/11) :
" الجمع أوسع من القصر" انتهى. يعني: أن أسبابه أكثر.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1554)
لا تسافر المرأة إلا مع محرم ولو كان السفر قصيرا
[السُّؤَالُ]
ـ[أعرف أنه لا يجوز سفر المرأة بدون محرم , أود الاستفسار عن ماذا يقصد بكلمة سفر؟ إذا كان يقاس بالمسافة فمن أين تقاس هذه المسافة هل من بداية طريق السفر (منطقة ليس بها عمار) أم من أين؟ أيضا أود أن أعرف إذا كان لأبي مزرعة على طريق مصر الإسماعيلية ويحب أن نذهب له من حين إلى آخر وهى تبعد حوالي ساعة وربع كحد أقصى من البيت فهل هذا يعتبر سفرا أم لا؟ مع العلم أن معظم الطريق مليء بالمدن الجديدة والمدارس والشركات والأراضي الزراعية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
دلت السنة الصحيحة الصريحة على أنه لا يجوز للمرأة أن تسافر إلا مع ذي محرم، وهذا السفر لا يحدد بمسافة معينة، كما هو الحال في قصر الصلاة والفطر في الصوم، بل كل ما سمي سفرا، طويلا كان أو قصيرا، تمنع المرأة منه إلا مع وجود المحرم.
لما روى البخاري (1729) ومسلم (2391) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ) .
وقد اتفق الفقهاء على تحريم سفر المرأة دون محرم؛ إلا في مسائل مستثناة، منها سفرها للحج الواجب، فمنهم من أجاز سفرها له مع الرفقة المأمونة، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " قال البغوي: لم يختلفوا في أنه ليس للمرأة السفر في غير الفرض إلا مع زوج أو محرم إلا كافرة أسلمت في دار الحرب أو أسيرة تخلصت. وزاد غيره: أو امرأة انقطعت من الرفقة فوجدها رجل مأمون فإنه يجوز له أن يصحبها حتى يبلغها الرفقة " انتهى من "فتح الباري" (4/76) .
وقال النووي رحمه الله في "شرح صحيح مسلم" مبينا أن السفر هنا لا يتقيد بمسافة معينة: "فالحاصل: أن كل ما يسمى سفرا تنهى عنه المرأة بغير زوج أو محرم، سواء كان ثلاثة أيام أو يومين أو يوما أو غير ذلك؛ لحديث ابن عباس الذي رواه مسلم: (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم) وهذا يتناول جميع ما يسمى سفرا والله أعلم " انتهى كلام النووي بتصرف.
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (17/339) : " يحرم على المرأة السفر بدون محرم مطلقا، سواء قصرت المسافة أم طالت " انتهى.
وعليه؛ فإذا كان الذهاب من مدينتك إلى هذا المكان يعد سفراً في عرف الناس، لم يجز لك الذهاب إليه بدون محرم، وإن كان لا يعد سفراً في العرف فلا حرج عليك من الذهاب إليه بدون محرم.
وكون الطريق مليئا بالمدن والمدارس والأراضي الزراعية، لا يغير من هذا الحكم.
ثانيا:
أما بالنسبة لقصر الصلاة والفطر في السفر، وتقدير المسح على الخفين بثلاثة أيام بلياليهن، فالجمهور على أن السفر هنا مقدر بالمسافة، وهي نحو 80 كيلو مترا، وتبدأ المسافة من نهاية عمران البلد. وينظر: تحفة المحتاج (2/370) ، الموسوعة الفقهية (27/270) .
وبعض أهل العلم لا يقدر السفر بالمسافة، وإنما يرجعه إلى العرف.
وينظر جواب السؤال رقم (38079) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1555)
المسافر له أن يصلي صلاة السفر إذا فارق عامر البلد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم إذا سافر شخص بعد دخول وقت الظهر وبعد أن سار ما يقرب من عشرة كيلومترات وقف ليصلي، هل يتم أم يقصر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي عليه جمهور أهل العلم أن للمسافر أن يصلي صلاة السفر إذا فارق البلد لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يقصر في أسفاره إلا إذا غادر المدينة، فيصلي ركعتين لأن العبرة بوقت الفعل، فإذا أذن المؤذن للظهر أو للعصر وخرج المسافر وجاوز عامر البلد شرع له أن يقصر الصلاة الرباعية فالعبرة بوقت الفعل لا بوقت الخروج من البلد، لأنه وقت الفعل مسافر.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - ج/12 ص/298.(5/1556)
مسائل في القصر والجمع للمسافر
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أسكن مدينة الجبيل التي تبعد أكثر من 80 كلم عن مدينة الدمام. عندما أحتاج إلي قضاء حاجياتي من السوق أو زيارة الأهل والأصدقاء أسافر إلى الدمام وغالبا ما أرجع إلى الجبيل في نفس اليوم. أسئلتي منصبة في حال وجودي في الدمام وهي كما يلي: هل يجوز الجمع والقصر في صلاتي الظهر والعصر في أي وقت بينهما وهل يجوز تأخير الجمع والقصر إلى فترة ما بعد صلاة العصر وإلى متى؟ هل يجوز الجمع والقصر في صلاتي المغرب والعشاء في أي وقت بينهما وهل يجوز تأخير الجمع والقصر إلى فترة ما بعد صلاة العشاء وإلى متى؟ عندما أجمع وأقصر إحدى الصلاتين في وقت صلاة الأولى وبعدها يتسنى لي الوصول إلي الجبيل قبل دخول أو عند دخول وقت صلاة الثانية ... هل يجب علي تأدية الصلاة التي دخل وقتها مرة أخرى أو أعتبر أني قد صليتها مسبقا؟ في حالة تأخير صلاة القصر والجمع إلى فترة صلاة الثانية ... هل يجوز أن أؤدي الصلاة في منطقة قريبة من منطقة الجبيل (محطة على الطريق قريبة جدا من الجبيل باعتبار أني لازلت على سفر) ؟ عندما أنوي الجمع والقصر في طريق العودة إلى الجبيل....وحدث أني نسيت التوقف والصلاة على الطريق وأني لم أتذكر الصلاة إلا في البيت في الجبيل....هل أصليهما جمعا وقصرا أو أصلي كل صلاة على حده مثل صلاة القضاء؟ عندما أنوي الجمع والقصر وأصلي خلف إمام في أحد المساجد في الدمام ... هل يجوز أن أرتب دخولي في الصلاة إلى ما بعد التشهد ألأول للإمام وأدخل بنيه القصر وأسلم مع الإمام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ذهب جمهور الفقهاء إلى تحديد السفر بالمسافة، وذهب بعض أهل العلم إلى أن المرجع هو العرف، فما عدّه الناس سفرا فهو سفر، وما لم يعدوه في عرفهم سفرا فليس بسفر.
وتقدّر المسافة على قول الجمهور بثمانين كيلو مترا تقريبا.
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (8/99) :
" السفر الذي يشرع فيه الترخيص برخص السفر هو ما اعتبر سفراً عرفاً، ومقداره على سبيل التقريب مسافة ثمانين كيلو متراً، فمن سافر لقطع هذه المسافة فأكثر فله أن يترخص برخص السفر من المسح على الخفين ثلاثة أيام بلياليهن، والجمع والقصر، والفطر في رمضان " انتهى.
وأفتى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في حق الموظف الذي يذهب يوميا نحوا من 150 كيلا أن الأحوط في حقه أن يتم الصلاة.
فقد سئل رحمه الله: نحن جماعة من المدرسين تبعد المدرسة ما يزيد على مائة وخمسين كيلو عن البلدة التي نسكن فيها، ونحن نتردد يومياً إلى المدرسة، وقد اختلفنا في حكم القصر والجمع بالنسبة لصلاة الظهر والعصر، فهل يحق لنا في هذه المسافة القصر والجمع ونحن نتردد يومياً إلى المدرسة أم لا؟
فأجاب: " الاحتياط ألا يقصروا ولا يجمعوا؛ لأن مثل هذا لا يعد عند الناس سفراً، وإن كان سفراً عند بعض العلماء، فالذي أرى لهم: ألا يجمعوا ولا يقصروا. إلا لو فرض أنهم إذا وصلوا إلى أهليهم متعبين ويخشون إن ناموا ألا يقوموا إلا عند الغروب، أو يخشون إن بقوا حتى يؤذن العصر أن يصلوا العصر وهم في شدة النعاس، فهنا نقول: اجمعوا؛ لأن الجمع أوسع من القصر، لا حرج أن يجمعوا، وإذا وصلوا إلى بلدهم ينامون إلى الغروب، أما القصر فأرى أن الاحتياط ألا يقصروا؛ لأن هذا لا يسمى سفراً في عرف الناس الآن " انتهى من "اللقاء الشهري" (60/11) .
ثانيا:
بناء على قول الجمهور في تحديد السفر بالمسافة، فإنه يجوز لك أن تقصر الظهر والعصر والعشاء في الدمام، إذا صليت بمفردك أو مع جماعة مسافرين.
لكن ينبغي أن تعلم أن صلاة الجماعة واجبة على الرجل القادر، حاضرا كان أو مسافرا، فحيث سمعت النداء لزمك حضور الجماعة، وحينئذ تصلي الصلاة تامة إذا كان الإمام مقيما.
ثالثا:
أما الجمع بين الصلاتين في البلد الذي سافرت إليه وهو الدمام، فهو جائز على القول بأنك مسافر، ولكن الأولى أن لا تجمع بين الصلاتين إلا إذا شق عليك فعل كل صلاة في وقتها. ويجوز لك أن تجمع بين الصلاتين جمع تقديم أو تأخير حسب الأيسر لك.
رابعا:
وقت صلاة العصر إلى اصفرار الشمس، ووقت صلاة العشاء إلى منتصف الليل؛ لما روى مسلم (612) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (وَقْتُ الظُّهْرِ مَا لَمْ يَحْضُرْ الْعَصْرُ، وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ، وَوَقْتُ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَسْقُطْ ثَوْرُ الشَّفَقِ، وَوَقْتُ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، وَوَقْتُ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ) .
وقد سبق في جواب السؤال (9940) بيان مواقيت الصلوات الخمس على التفصيل.
وعليه فإذا جمعت الظهر والعصر تأخيرا، وجب أن يكون ذلك قبل اصفرار الشمس.
وإذا جمعت المغرب والعشاء تأخيرا، وجب أن يكون ذلك قبل منتصف الليل.
خامسا:
إذا جمعت بين الصلاتين في وقت الأولى منهما، ثم عدت إلى الجبيل قبل دخول وقت الصلاة الثانية، لم يلزمك إعادة الصلاة الثانية.
ويجوز للمسافر أن يجمع جمع تقديم، مع علمه أنه سيصل بلده قبل دخول وقت الصلاة الثانية.
لكن سق أن الأفضل في حقك عدم الجمع، وخاصة في هذه الحالة التي سترجع فيها قبل دخول وقت الثانية، ما لم توجد مشقة من مرض أو تعب ونحوه.
سادسا:
في حالة جمع التأخير، يجوز أن تؤدي الصلاة في منطقة قريبة من منطقة الجبيل، قبل دخول بنيان المدينة، سواء صليت في محطة أو على الطريق، لأن حكم السفر يمتد إلى دخول عمران المدينة.
سابعا:
إذا أراد المسافر الجمع، لكنه وصل إلى بلده دون أن يصلي، فإن وصل في وقت الأولى، صلى الأولى فقط، تامة ثم صلى الثانية، تامة، بعد دخول وقتها.
وإن وصل في وقت الثانية، صلى الأولى قصرا (على ما رجحه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله) ، وصلى الثانية تامة، اعتبارا بحال فعل الصلاة.
وينظر: "الشرح الممتع" (4/370)
ثامنا:
يلزم المسافر أن يصلي الجماعة حيث ينادى بها، كما سبق، فإذا دخل المسجد شرع في الصلاة خلف الإمام، وليس له أن يتأخر إلى التشهد ألأول؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا سَمِعْتُمْ الإِقَامَةَ فَامْشُوا إِلَى الصَّلاةِ وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ وَلا تُسْرِعُوا فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا) البخاري (636) ومسلم (602) .
والمسافر إذا صلى خلف مقيم يتم الصلاة، وجب عليه أن يتم الصلاة أربعاً، سواء أدرك من صلاة الإمام ركعتين أو أكثر أو أقل.
وانظر جواب السؤال رقم (40299)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1557)
متى يصلي الوتر في حالة جمع العشاء مع المغرب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تأدية الوتر خلال (وقت) العشاء أثناء السفر، وقصر صلوات الفريضة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا السؤال من شقين:
الشق الأول:
قصر الصلاة في السفر:
" السفر سبب مبيح لقصر الصلاة الرباعية إلى ركعتين، بل إنه ـ أي السفر ـ سبب يقتضي قصر الصلاة الرباعية إلى ركعتين إما وجوباً وإما ندباً على خلاف في ذلك.
والصحيح أن القصر مندوب وليس بواجب، وإن كان من النصوص ما ظاهره الوجوب، ولكن هناك نصوص أخرى تدل على أنه ليس بواجب "..أ. هـ.
" والرباعية هي الظهر والعصر والعشاء، ودليل ذلك كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وإجماع الأمة.
أما في القرآن فقال الله تعالى: (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا)
والدليل فعل النبي صلى الله عليه وسلم: (فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر صلى ركعتين، ولم يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلى أربعاً في سفر قط، بل في كل أسفاره الطويلة والقصيرة كان يصلي ركعتين)
وأما إجماع المسلمين: فهذا أمر معلوم بالضرورة، كما قال ابن عمر: (صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبوبكر وعمر وعثمان فكانوا لا يزيدون على ركعتين في السفر) والمسلمون مجمعون على هذا."
الشق الثاني:
صلاة الوتر في حالة جمع العشاء مع المغرب جمع تقديم.
" وللمسافر أن يوتر بعد صلاة العشاء المجموعة مع المغرب جمع تقديم "،
يراجع فتاوى الشيخ ابن عثيمين ج/1 ص/412، والشرح الممتع ج/4 ص/502
وفتاوى اللجنة الدائمة ج/8 ص/144.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1558)
المسافر إذا دخل عليه الظهر قبل دخول بلده هل له القصر والجمع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن مجموعة شباب مدرسين تبعد المدرسة عن مكان إقامتنا أكثر من مائة كيلو ونحن راجعون من المدرسة يدخل وقت صلاة الظهر فنصليها في قرية تبعد عن إقامتنا أكثر من عشرين كيلو فهل يصح لنا الجمع والقصر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ذهب جمهور الفقهاء إلى تحديد السفر بالمسافة، وذهب بعض أهل العلم إلى أن المرجع هو العرف، فما عدّه الناس سفرا فهو سفر، وما لم يعدوه في عرفهم سفرا فليس بسفر.
وتقدر المسافة على قول الجمهور بثمانين كيلو مترا تقريبا.
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (8/99) :
" السفر الذي يشرع فيه الترخيص برخص السفر هو ما اعتبر سفراً عرفاً، ومقداره على سبيل التقريب مسافة ثمانين كيلو متراً، فمن سافر لقطع هذه المسافة فأكثر فله أن يترخص برخص السفر من المسح على الخفين ثلاثة أيام بلياليهن، والجمع والقصر، والفطر في رمضان، وهذا المسافر إذا نوى الإقامة ببلد أكثر من أربعة أيام فإنه لا يترخص برخص السفر، وإذا نوى الإقامة أربعة أيام فما دونها فإنه يترخص برخص السفر، والمسافر الذي يقيم ببلد ولكنه لا يدري متى تنقضي حاجته ولم يحدد زمناً معيناً للإقامة فإنه يترخص برخص السفر ولو طالت المدة، ولا فرق بين السفر في البر والبحر " انتهى
وأفتى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في حق الموظف الذي يذهب يوميا نحوا من 150 كيلا أن الأحوط في حقه أن يتم الصلاة.
فقد سئل رحمه الله: نحن جماعة من المدرسين تبعد المدرسة ما يزيد على مائة وخمسين كيلو عن البلدة التي نسكن فيها، ونحن نتردد يومياً إلى المدرسة، وقد اختلفنا في حكم القصر والجمع بالنسبة لصلاة الظهر والعصر، فهل يحق لنا في هذه المسافة القصر والجمع ونحن نتردد يومياً إلى المدرسة أم لا؟
فأجاب: " الاحتياط ألا يقصروا ولا يجمعوا؛ لأن مثل هذا لا يعد عند الناس سفراً، وإن كان سفراً عند بعض العلماء، فالذي أرى لهم: ألا يجمعوا ولا يقصروا. إلا لو فرض أنهم إذا وصلوا إلى أهليهم متعبين ويخشون إن ناموا ألا يقوموا إلا عند الغروب، أو يخشون إن بقوا حتى يؤذن العصر أن يصلوا العصر وهم في شدة النعاس، فهنا نقول: اجمعوا؛ لأن الجمع أوسع من القصر، لا حرج أن يجمعوا، وإذا وصلوا إلى بلدهم ينامون إلى الغروب، أما القصر فأرى أن الاحتياط ألا يقصروا؛ لأن هذا لا يسمى سفراً في عرف الناس الآن " انتهى من "اللقاء الشهري" (60/11) .
ثانيا:
بناء على قول الجمهور في تحديد السفر بالمسافة، فإنه إذا دخل عليكم وقت صلاة الظهر، قبل وصولكم إلى بلدكم، فلكم أن تصلوها قصرا، وأن تجمعوا بينها وبين صلاة العصر، مع قصر العصر أيضا، ولو مع الجزم أو غلبة الظن بأنكم ستدخلون البلد قبل دخول وقت العصر، وذلك لعموم الأدلة الدالة على مشروعية القصر والجمع في السفر.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: رجل مسافر وحان وقت صلاة المغرب هل يجمع ويقصر علماً أنه سوف يدخل وقت العشاء في البلد الذي أراد أن يسافر إليه، هل يجوز له أن يجمع ويقصر، أم يصلي المغرب في وقتها ويؤخر العشاء ويصلي مع الجماعة؟
فأجاب: " لو أن إنساناً سافر وهو يعرف أنه سيصل إلى البلد قبل وقت العشاء فهل له أن يجمع العشاء مع المغرب في حال السفر، أو نقول: انتظر حتى تصل إلى البلد؟ فالجواب: له أن يجمع العشاء إلى المغرب؛ أولاً: لأنه في سفر وقد دخل وقت المغرب ووقت المغرب، والعشاء واحد في الحالة التي يجوز فيها الجمع.
ثانياً: أن الإنسان قد يقدر أنه سوف يصل قبل وقت العشاء ولا يصل، قد تتعطل السيارة، أو يحصل أي سبب يمنع من الوصول إلى البلد قبل الوقت. لكن نقول: الأولى ما دمت تعرف أنك سوف تصل إلى البلد قبل وقت الثانية، الأولى لك ألا تجمع. ولو أخر المغرب حتى يصل إلى البلد فلا بأس، لكنه إذا وصل إلى البلد ووقت المغرب باق فإنه لا يجوز له أن يؤخره، بل يجب عليه أن يصليها في وقتها؛ لأن سبب الجمع هو السفر وقد انتهى، ثم إنه في هذه الحالة أنت قلت: يجمع ويقصر، وهو لا يقصر أبداً على كل حال؛ لأن القصر سببه السفر، فمتى انتهى السفر انتهى القصر "
انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (100/21) .
والحاصل: أنه على قول من حدَّد السفر بالمسافة لكم أن تقصروا وتجمعوا.
وأما على قول من يجعل الأمر راجعاً إلى العرف، فليس لكم أن تقصروا لأنكم لا تعدّون عند الناس مسافرين.
وأما الجمع بين الصلاتين، فإن كان عليكم مشقة بفعل كل صلاة في وقتها جاز لكم الجمع، ومع عدم المشقة فلا يجوز الجمع
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1559)
مسافر صلى العشاء خلف مقيم يصلي التراويح فهل يقصر أو يتم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل مسافر لم يصل العشاء, دخل المسجد والإمام يصلي التراويح وهو في الركعة الأولى, دخل المسافر في الصلاة مع الإمام بنية العشاء. عندما يسلم الإمام بعد ركعتين, هل يتم المسافر بناء على حكم الإمام لأنه مقيم أو يسلم على أنه مسافر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الصحيح من أقوال العلماء أنه يسلم مع الإمام، لأنه وافق السنة فقصر الصلاة، ولم يخالف إمامه، حيث إن إمامه صلى ركعتين.
وإنما يؤمر المسافر بالإتمام أربعاً إذا كان الإمام سيصلي أربعاً، حتى لا يقع في مخالفته.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: دخلت المسجد الحرام لصلاة العشاء ووجدته يصلي التراويح, فهل أصلي التراويح بنية العشاء، أم أصلي العشاء؟
فأجاب: "إذا دخل الإنسان إلى المسجد والناس يصلون صلاة التراويح وهو لم يصلِ صلاة العشاء فإنه يدخل معهم بنية العشاء, ثم إن كان مسافراً وقد دخل مع الإمام في الركعة الأولى سلم مع الإمام, لأن المسافر يصلي ركعتين، وإن كان مقيماً فإنه إذا سلم الإمام فإنه يأتي بما بقي عليه من الركعات الأربع. وقد يقول قائل: كيف أصلي فريضة خلف نافلة؟ نقول: نعم, صل فريضة خلف نافلة, فإن هذا وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان معاذ بن جبل رضي الله عنه يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء، ثم يذهب إلى قومه فيصلي بهم نفس الصلاة, فتكون له نافلة ولهم فريضة. حتى وإن كان معه أحد الأفضل ألا ينفردوا عن المسلمين , الأفضل أن يصلوا مع المسلمين وينووا الفريضة " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (117/30) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1560)
إذا صلى العشاء جمع تقديم مع المغرب فله أن يوتر بعدها مباشرة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا جمعت بين صلاتي المغرب والعشاء جمع تقديم بسبب السفر، فمتى أصلى صلاة الوتر؟ هل أصليها بعد العشاء مباشرة أم أنتظر حتى يدخل وقت صلاة العشاء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لك أن تصليها بعد صلاة العشاء مباشرة.
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (8/144)
يشرع الجمع بين الصلاتين للمسافر والمريض وللمقيم في الليلة المطيرة، وله أن يوتر بعد صلاة العشاء المجموعة جمع تقديم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1561)
عمله على بعد 40 ميلاً، فهل يقصر الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[أقطع مسافة 40 ميلا تقريبا بالسيارة للذهاب إلى عملي خلال أيام العمل الأسبوعية (من الأثنين إلى الجمعة) ، وأغادر المناطق المحيطة بمدينتي. وأعود إلى بيتي يوميا في المساء. فهل يجوز أن أقصر الصلوات في العمل وإن كنت أسافر كل يوم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا سافر الإنسان عن بلده مسافة 100 كم، أو ما يقاربها، فإنه يعمل بأحكام السفر من القصر، والفطر والجمع بين الصلاتين، والمسح على الخفين ثلاثة أيام، لأنّ هذه المسافة تعتبر مسافة سفرٍ، وهكذا لو سافر 80 كم أو ما يقارب ذلك فإنها تعتبر مسافة قصر عند جمهور أهل العلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - من كتاب فتاوى إسلامية 1/400.(5/1562)
صلاة المسافر خلف المقيم
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل مسافر وصل إلى البلد الذي سافر إليه وأراد أن يُصلي مع إمام مقيم فهل تصح صلاته؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا مانع من كون المسافر يصلي خلف المقيم سواء اختلفت هيئة الصلاة أم لا. واختلاف النية غير مؤثر غير أن المسافر إذا أدرك مع الإمام دون الركعة فإنه يصلي قصراً.
مثال ذلك: مسافر أدرك مع الإمام التشهد الأخير من صلاة الظهر فحينئذٍ يصلي الظهر ركعتين، فهذه صلاته إذا لم يدرك ركعة فأكثر.
وأما إذا أدرك من صلاة المقيم ركعة فأكثر فإنه يُتم وجوباً وهذا مذهب أكثر أهل العلم وهو مروي عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما.
وفي صحيح مسلم (688) عن موسى بن سلمة الهذلي قال سألت ابن عباس كيف أصلي إذا كنت بمكة إذا لم أُصل مع الإمام فقال ركعتين سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم.
وفي صحيح مسلم (694) من طريق نافع قال كان ابن عمر إذا صلى مع الإمام صلى أربعاً وإذا صلاّها وحده صلى ركعتين.
وروى البيهقي في السنن من طريق سليمان التميمي عن أبي مجلز قال قلت لابن عمر: المسافر يدرك ركعتين من صلاة القوم يعني المقيمين أتجزيه الركعتان أو يصلي بصلاتهم؟ قال فضحك وقال يصلي بصلاتهم.
وإذا اختلفت هيئة الصلاة كأن يصلي المسافر صلاة المغرب خلف مقيم يصلي العشاء فإنه حينئذٍ يجلس بعد الثالثة.
وهل يكمل صلاته وينصرف أم ينتظر الإمام حتى يتم صلاته ويتشهد معه ويسلم؟
لكل من هذين القولين احتمال والأقرب في نظري الاحتمال الثاني وهو الانتظار.
وإذا كان العكس كأن يصلي المسافر صلاة العشاء خلف مقيم يصلي المغرب، فالذي يظهر لي في هذه المسألة أنه يصلي ركعتين ويجلس حتى يتم الإمام صلاته ويتشهد ويسلم معه والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ ناصر بن سليمان العلوان(5/1563)
الجمع بين الصلاتين قبل السفر
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أردت السفر بالطائرة وكان وقت الإقلاع قبل دخول وقت صلاة العصر وسوف تهبط الطائرة في مطار آخر ووقت إقلاع الرحلة الثانية بعد الوصول مباشرة.
فهل يجوز أن أجمع وأقصر صلاة العصر مع صلاة الظهر في مدينتي؟ وما الحكم إذا فعلت ذلك؟ وما هو العمل الصحيح؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز للمقيم أن يجمع بين الصلاتين إن كان هناك حرج من أداء الصلاة الثانية في وقتها، والجمع أوسع من القصر، فلا قصر إلا لمسافر، والجمع يجوز للمسافر والمقيم حيث يوجد الحرج من أداء الصلاة الثانية سواء في وقتها أو في جماعة.
وعليه: فيجوز لك أن تقدم العصر فتصليها مع الظهر في مدينتك إن غلب على ظنك أنك لن تقدر على أدائها في وقتها بسبب سفرك.
وإذا كان المطار خارج قريتك أو مدينتك فإنك تقصر الصلاة كذلك، وإن كنت من سكان المطار فتتم من غير قصر.
قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله -:
مسألة:
إذا كان في القصيم إذا خرج الإنسان إلى المطار هل يقصر في المطار؟
الجواب:
نعم يقصر؛ لأنه فارق عامر قريته، فجميع القرى التي حول المطار منفصلة عنه، أما من كان من سكان المطار: فإنه لا يقصر في المطار؛ لأنه لم يفارق عامر قريته.
" الشرح الممتع " (4 / 514) .
عن ابن عباس قال: صلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعا بالمدينة في غير خوف ولا سفر، قال أبو الزبير: فسألت سعيداً – أي: ابن جبير - لم فعل ذلك؟ فقال: سألت ابن عباس كما سألتني فقال: أراد أن لا يحرج أحداً من أمَّته.
رواه مسلم (705) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
والقصر سببه السفر خاصة لا يجوز في غير السفر وأما الجمع فسببه الحاجة والعذر فإذا احتاج إليه جمع في السفر القصير والطويل وكذلك الجمع للمطر ونحوه وللمرض ونحوه ولغير ذلك من الأسباب فإن المقصود به رفع الحرج عن الأمة.
" مجموع الفتاوى " (22 / 293) طبعة مجمع الملك فهد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1564)
يقصر المسافر الصلاة ولو لم يجد مشقة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما المعتبر في القصر وجود المشقة أو وجود السفر نفسه؟؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المعتبر في قصر الصلاة هو السفر سواء وجدت المشقة أم لا.
وقد عَلَّق الله تعالى ورسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحكم (وهو قصر الصلاة) على السفر، قال الله تعالى: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوّاً مُبِيناً) النساء/101.
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (صَلاةُ السَّفَرِ رَكْعَتَانِ) رواه النسائي (1420) وصححه الألباني في صحيح النسائي.
وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَضَعَ عَنْ الْمُسَافِرِ شَطْرَ الصَّلاةِ) . رواه النسائي (2275) . حسنه الألباني في صحيح النسائي.
ويدل على ذلك أيضاً: أنه لا يجوز للمقيم (غير المسافر) أن يقصر الصلاة ولو كان عليه مشقة في إتمامها، مما يدل على أن الحكم إنما علق على السفر لا على المشقة.
سئلت اللجنة الدائمة: إذا سافر الإنسان في الطائرة مسافة بعيدة، ولكنه يقطعها في ظرف ساعتين أو أقل من ذلك فهل هذا المسافر يقصر الصلاة ويفطر في رمضان أم لا؟ وكذلك الإنسان يسافر في السيارة حوالي مائتي ميل أو أكثر في ظرف ساعتين ونصف مثلا، وفي المساء يعود إلى بيته، ويقصر الصلاة، فهل هذا القصر جائز، أم لا يجوز إلا إذا كانت مشقة وتعب في السفر؟
فأجابت:
"قصر الصلاة في مثل ما ذكر من المسافة سنة، والفطر في مثلها مرخص فيه للمسافر، سواء قطعها في زمن كثير أم قليل، ساعة أو أقل أو أكثر، وسواء نالته مشقة أم لا؛ لأن الشأن في السفر المشقة، ولو لم تحصل بالفعل، وذلك من فضل الله ورحمته سبحانه بعباده" اهـ.
فتاوى اللجنة الدائمة (8/127) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1565)
مسافر ونسي وقام إلى ركعة ثالثة
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل مسافر قام إلى ثالثة في الصلاة التي نوى قصرها فهل يلزمه الرجوع في الحال أو له أن يكمل؟ وماذا عليه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأفضل له أن يرجع، لأنه دخل الصلاة على أنه يريد أن يصلي ركعتين، فليصل ركعتين ولا يزيد عليهما، وعليه أن يسجد للسهو بعد السلام، وإن استمر فأتم الصلاة فلا حرج عليه.
[الْمَصْدَرُ]
"مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (14/32) .(5/1566)
يذهبون إلى الجامعة في مدينة أخرى فهل يقصرون الصلاة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن طلاب في الجامعة ولكن ليس في المدينة التي فيها الجامعة (في المدينة الأخرى) هل يجوز لنا أن نقصر صلاتنا؟ كالمسافر. ونذهب إلى مدينتنا كل أسبوع أو أسبوعين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا كنتم في مدينتكم أو رجعتم إليها من الجامعة فإنكم تتمون الصلاة؛ لأن هذا هو وطنكم الأصلي.
ثانيا:
إذا كان بين مدينتكم، وبين المدينة التي فيها الجامعة، مسافة قصر، وهي 80 كيلومتر، تقريباً، فإنكم تقصرون الصلاة أثناء سفركم إليها.
ثالثا:
إذا وصلتم المدينة التي فيها الجامعة، فإن نويتم البقاء فيها أكثر من أربعة أيام، فإنكم تتمون الصلاة من لحظة دخولكم إليها.
وإن نويتم الإقامة فيها أربعة أيام أو أقل، أو ترددتم في المدة، فإنكم حينئذ في حكم المسافر، تقصرون الصلاة الرباعية - الظهر والعصر والعشاء - ركعتين، إلا إن صليتم خلف مقيم فتتمون معه الصلاة، ويلزمكم حضور الصلاة مع جماعة المسجد.
وراجع جواب الأسئلة (38079) ، (21091) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1567)
علموا أن الصلاة ستفوتهم في الطائرة فصلوا قبل الوقت بدقائق
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت في سفر طويل وتوقفنا في مطار أوربي وكان وقت إقلاع الطائرة هو وقت صلاة الظهر كما في مواقيت الصلاة في تلك المدينة وقبل أن ندخل الطائرة - قبل الإقلاع بعشر دقائق - صلينا مع بعض الإخوان الظهر والعصر، انتقدنا أحد الإخوة وأخبرنا أن الأجدر بنا الصلاة في الطائرة بعد التأكد من دخول الوقت، هل صلاتنا صحيحة علما بأن الطائرة لا يوجد بها مكان ملائم للصلاة وسيكون وصولنا لبلدنا ليلا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يجوز للمسافر أن يجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء جمع تقديم أو تأخير حسب الأيسر له، ومعنى جمع التقديم أن يصلي الصلاتين في وقت الأولى منهما، ومعنى جمع التأخير أن يصليهما في وقت الثانية.
ثانياً:
للصلوات الخمس مواقيت محددة ابتداءً وانتهاءً، كما قال تعالى: (إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا) النساء /103، أي لها وقت محدد، فلا يجوز المسلم أن يصلي صلاةً قبل دخول وقتها، فإن فعل ذلك لم تصح بإجماع المسلمين.
وعلى هذا، فيلزمكم أن تعيدوا صلاتي الظهر والعصر؛ لأنكم صليتموها قبل وقتها.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عن حكم الصلاة قبل وقتها؟
فأجاب: " الصلاة قبل وقتها لا تجزيء حتى ولو كانت قبل الوقت بدقيقة واحدة، فلو كبر الإنسان للإحرام قبل الوقت فإنها لا تصح الصلاة، لأن الله تعالى يقول: (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) أي مؤقتة محددة، فلا تصح الصلاة قبل وقتها ويجب إعادة تلك الصلاة التي صليت قبل وقتها والله الموفق" انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (12/216) .
وقال – أيضاً -: " والصلاة لا تصح قبل الوقت بإجماع المسلمين، فإن صلى قبل الوقت، فإن كان متعمدا فصلاته باطلة، ولا يسلم من الإثم. وإن كان غير متعمد لظنه أن الوقت قد دخل، فليس بآثم، وصلاته نفل، ولكن عليه الإعادة؛ لأن من شروط الصلاة دخول الوقت " انتهى من "الشرح الممتع".
ثالثاً:
إذا دخل وقت الصلاة، وعلم المسافر بالطائرة أنه لن يهبط إلا بعد خروج الوقت – كما في حالتكم -، فإنه يصلي في الطائرة لزوما، ولا يحل له أن يؤخر الصلاة عن وقتها.
وصلاته في الطائرة تكون بحسب الاستطاعة، قياما وركوعا وسجودا واستقبالا للقبلة.
والأولى لمن كان في مثل حالكم أن يبدأ بالصلاة في الطائرة فور دخول الوقت قبل تحركها؛ ليكون ذلك أخشع لصلاته وأتم، وقد يتمكن حينئذ من القيام والركوع والسجود واستقبال القبلة.
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (8/120) : " س: إذا كنت مسافراً في طائرة وحان وقت الصلاة أيجوز نصلي في الطائرة أم لا؟
ج: إذا حان وقت الصلاة والطائرة مستمرة في طيرانها ويخشى فوات وقت الصلاة قبل هبوطها في أحد المطارات، فقد أجمع أهل العلم على وجوب أدائها بقدر الاستطاعة ركوعاً وسجوداً واستقبالاً للقبلة لقوله تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم) التغابن/16، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم) رواه مسلم (1337) .
أما إذا علم أنها ستهبط قبل خروج وقت الصلاة بقدر يكفي لأدائها، أو أن الصلاة مما يجمع مع غيره كصلاة الظهر مع العصر، وصلاة المغرب مع العشاء، أو علم أنها ستهبط قبل خروج وقت الثانية بقدر يكفي لأدائهما، فقد ذهب جمهور أهل العلم إلى جواز أدائها في الطائرة، لوجوب الأمر بأدائها بدخول وقتها حسب الاستطاعة، كما تقدم، وهو الصواب " انتهى.
وجاء فيها أيضا (8/126) : " س: هل تجوز الصلاة بالطائرة جالساً، مع القدرة على الوقوف، خجلاً؟
ج: لا يجوز أن يصلي قاعداً في الطائرة ولا غيرها إذا كان يقدر على القيام؛ لعموم قوله تعالى: (وقوموا لله قانتين) ، وحديث عمران بن حصين في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب) . زاد النسائي بإسناد صحيح: (فإن لم تستطع فمستلقياً) " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1568)
كيف يصلي المسافر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسافر إلى الخارج لشهر وأريد معرفة أسهل طريقة لأداء الصلاة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا كنت عازما على البقاء في البلد الذي ستسافر إليه أكثر من أربعة أيام، فإنك تكون في حكم المقيم من لحظة دخولك إليه، فيلزمك ما يلزم المقيم من إتمام الصلاة ولا يجوز لك قصرها.
فتقصر الصلاة أثناء الرحلة، فإذا وصلت البلد أتممت الصلاة لأنك في حكم المقيم.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (8/99) : " السفر الذي يشرع فيه الترخيص برخص السفر هو ما اعتبر سفراً عرفاً، ومقداره على سبيل التقريب مسافة ثمانين كيلو متراً، فمن سافر لقطع هذه المسافة فأكثر فله أن يترخص برخص السفر من المسح على الخفين ثلاثة أيام بلياليهن، والجمع والقصر، والفطر في رمضان. وهذا المسافر إذا نوى الإقامة ببلد أكثر من أربعة أيام فإنه لا يترخص برخص السفر، وإذا نوى الإقامة أربعة أيام فما دونها فإنه يترخص برخص السفر. والمسافر الذي يقيم ببلد ولكنه لا يدري متى تنقضي حاجته ولم يحدد زمناً معيناً للإقامة فإنه يترخص برخص السفر ولو طالت المدة، ولا فرق بين السفر في البر والبحر " انتهى.
ثانيا:
أما جمع الصلاة، فيجوز للمسافر أن يجمع بين صلاتي الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، جمع تقديم أو تأخير حسب الأيسر له، والأفضل أنه لا يفعل ذلك إلا إذا كان عليه مشقة في فعل كل صلاة في وقتها.
وعلى هذا، فلك أن تجمع بين الصلاتين أثناء الرحلة، فإذا وصلت إلى البلد الذي تنوي الإقامة به شهراً فإنك تصلي كل صلاة في وقتها.
وانظر جواب السؤال رقم (49885) .
ثالثا:
اعلم أن صلاة الجماعة واجبة على المسافر كغيره، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال
رقم (40299) ، فاحرص على الصلاة جماعة في المسجد.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1569)
حكم قصر الصلاة في السفر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمرء أن يصلي أحيانا كالمقيم، فيصلي كما لو كان في بيته لا يجمع ولا يقصر وأحيانا يجمع ويقصر الصلاة أم عليه أن يلزم رأيا واحد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أما قصر الصلاة للمسافر فهو سنة مؤكدة، لا ينبغي له تركها، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قصر الصلاة في جميع أسفاره، ولم يثبت عنه أنه أتم في السفر.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (111894) .
لكن.. صلاة الجماعة واجبة على المسافر كما هي واجبة على المقيم، فليس له أن يترك الجماعة من أجل أن يصلي قصراً، بل يصلي مع الجماعة، فإن كان الإمام مقيماً يتم الصلاة أتم خلفه.
ثانياً:
أما الجمع بين الصلاتين للمسافر، فهو جائز، والأفضل أن لا يجمع إلا إذا كان في فعل كل صلاة في وقتها مشقة.
وعلى هذا؛ فليس حكم القصر والجمع للمسافر واحداً، فالقصر سنة مؤكدة لكل مسافر، أما الجمع فهو جائز وليس سنة، ويكون سنة مستحبة إذا كان في تركه مشقة.
ويدل لذلك من السنة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قصر في جميع أسفاره، مما يدل على أن السنة للمسافر القصر، وأما الجمع، فثبت عنه صلى الله عليه وسلم الجمع في السفر، وثبت عنه عدم الجمع أيضاً، مما يدل على أن الجمع ليس سنة مستحبة لكل مسافر.
وخلاصة الجواب:
أن المسافر ليس مخيراً في القصر وعدمه، بل يتأكد له قصر الصلاة، إلا إذا صلى خلف إمام يتم الصلاة فإنه يتم خلفه.
وأما الجمع، فالمسافر مخير فيه، إما أن يجمع، وإما أن لا يجمع، أو يجمع أحياناً ولا يجمع أحياناً، وهو جائزٌ غير مستحب، ويكون الجمع في حق المسافر مستحباً إذا احتاج إليه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1570)
الصلاة في الطائرة مع العجز عن القيام واستقبال القبلة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا من الإمارات ذهبت للعمرة في رمضان بالطائرة وفي أثناء رجوعي إلى بلدي كان وقت الرحلة قبيل الفجر وفي وقت محدد أعلن طاقم الطائرة أنه يجب علينا الإمساك فقد دخل الفجر، فاحترت أين سأصلي فستشرق الشمس قبل الهبوط فليس هناك مكان للصلاة عدا الممرات وهذا قد يكون محرجا لي كامرأة وأيضا كنت بحاجة لدورة المياه (قد أمسكت الريح) ولكن نظراً للزحمة لم أتمكن من دخوله، وفجأة لمحت في الأفق الشفق البرتقالي فسارعت بالتكبير وأنا جالسة على مقعدي وأغلب ظني أن القبلة كانت خلفي لأننا نتجه شرقا والقبلة خلفنا غربا وكنت على وضوء؟ فهل صلاتي صحيحة أم لا وماذا علي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
القيام واستقبال القبلة في الفريضة ركنان من أركانها، لا تصح بدونهما إلا من عذر، ومن الأعذار التي ذكرها أهل العلم في هذا الباب من صلى في الطائرة وعجز عن القيام أو استقبال القبلة، إذا خشي خروج الوقت، وكانت الصلاة مما لا تجمع إلى ما قبلها أو ما بعدها.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن رجل مسافر بالطائرة ولا يعرف اتجاه القبلة علماً بأن الجميع لم يعرفوا الاتجاه فصلى ولم يعلم أهو في اتجاه القبلة في صلاته أم لا؟ فهل الصلاة في مثل هذه الحالة صحيحة؟.
فأجاب: " الراكب في الطائرة إن كان يريد أن يصلي صلاة نفل فإنه يُصلي حيث كان وجهه ولا يلزمه أن يستقبل القبلة لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي على راحلته حيثما اتجهت به إذا كان في سفر، وأما الفريضة فلا بد من استقبال القبلة ولا بد من الركوع والسجود إذا أمكن وعلى هذا فإن من تمكن من هذا في الطائرة فليصل في الطائرة وإن كانت الصلاة التي حضرت وهو في الطائرة مما يُجمع إلى ما بعده كما لو حضرت صلاة الظهر فإنه يؤخرها حتى يجمعها مع العصر أو حضرت صلاة المغرب وهو في الطائرة يؤخرها حتى يجمعها مع العشاء. ويجب عليه أن يسأل المضيفين عن اتجاه القبلة إذا كان في طائرة ليس فيها علامة القبلة فإن لم يفعل فصلاته غير صحيحة " انتهى نقلا عن "مجلة الدعوة" العدد 1757 ص 45.
وسئلت اللجنة الدائمة: إذا كنت مسافراً في طائرة وحان وقت الصلاة أيجوز نصلي في الطائرة أم لا؟
فأجابت: "إذا حان وقت الصلاة والطائرة مستمرة في طيرانها ويخشى فوات وقت الصلاة قبل هبوطها في أحد المطارات، فقد أجمع أهل العلم على وجوب أدائها بقدر الاستطاعة ركوعاً وسجوداً واستقبالاً للقبلة، لقوله تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم) التغابن/16، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم) رواه مسلم (1337) .
أما إذا علم أنها ستهبط قبل خروج وقت الصلاة بقدر يكفي لأدائها، أو أن الصلاة مما يجمع مع غيره كصلاة الظهر مع العصر، وصلاة المغرب مع العشاء، أو علم أنها ستهبط قبل خروج وقت الثانية بقدر يكفي لأدائهما، فقد ذهب جمهور أهل العلم إلى جواز أدائها في الطائرة، لوجوب الأمر بأدائها بدخول وقتها حسب الاستطاعة، كما تقدم، وهو الصواب " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (8/120) .
وسئلت أيضا (8/126) : هل تجوز الصلاة بالطائرة جالساً، مع القدرة على الوقوف، خجلاً؟
فأجابت: "لا يجوز أن يصلي قاعداً في الطائرة ولا غيرها إذا كان يقدر على القيام؛ لعموم قوله تعالى: (وقوموا لله قانتين) ، وحديث عمران بن حصين المخرج في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب) . زاد النسائي بإسناد صحيح: (فإن لم تستطع فمستلقياً) " انتهى.
ثانياً:
الطهارة شرط لصحة الصلاة، وقد صليتِ على وضوء، فصلاتك صحيحة إن شاء الله، غير أنه تكره الصلاة وهو ممسك للبول أو الغائط أو الريح، إذا كان ذلك شديدا، لأنه سيؤثر على خشوعه وحضور قلبه في الصلاة، ولكنها صحيحة إن شاء الله.
وبناء على ما سبق فخلاصة الجواب: إن كان تركك للقيام واستقبال القبلة، لعجزك عنهما، فصلاتك صحيحة، وإن كان يمكنك القيام أو الاستقبال وتركت ذلك فصلاتك غير صحيحة ويلزمك إعادتها الآن.
نسأل الله أن يتقبل عمرتك وأن يجزيك خيرا على حرصك وسؤالك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1571)
صلاة التراويح للمسافر
[السُّؤَالُ]
ـ[لما كان لشعائر شهر رمضان خصوصية لكل مسلم والنشاط في العبادات من السمات الظاهرة عليه , أريد أن أسأل عن أداء صلاة التراويح لمن هو في حكم المسافر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صلاة التراويح في رمضان هي من قيام الليل، الذي مدح الله أهله بقوله: (كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) الذاريات/17، وقد قام النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان وغيره، ولم يترك قيام الليل حضرا ولا سفرا.
قال ابن القيم رحمه الله: "ولم يكن صلى الله عليه وسلم يدع قيام الليل حضرا ولا سفرا، وكان إذا غلبه نوم أو وجع صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة" انتهى من "زاد المعاد" (1/311) .
وقد روى البخاري (945) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي السَّفَرِ عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ يُومِئُ إِيمَاءً، صَلَاةَ اللَّيْلِ، إِلَّا الْفَرَائِضَ، وَيُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ) .
وروى البخاري (1034) عن سَالِم بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يُصَلِّي عَلَى دَابَّتِهِ مِنْ اللَّيْلِ وَهُوَ مُسَافِرٌ، مَا يُبَالِي حَيْثُ مَا كَانَ وَجْهُهُ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: (وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَبِّحُ عَلَى الرَّاحِلَةِ قِبَلَ أَيِّ وَجْهٍ تَوَجَّهَ، وَيُوتِرُ عَلَيْهَا، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي عَلَيْهَا الْمَكْتُوبَةَ) .
والذي يتركه المسافر من النوافل إنما هو: راتبة الظهر القبلية والبعدية وراتبة المغرب وراتبة العشاء فقط، أما ما عدا ذلك من الرواتب وسائر النوافل فهي مشروعة للمسافر والمقيم.
روى مسلم في صحيحه (1112) عن حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: صَحِبْتُ ابْنَ عُمَرَ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ، فَصَلَّى لَنَا الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَقْبَلَ وَأَقْبَلْنَا مَعَهُ حَتَّى جَاءَ رَحْلَهُ، وَجَلَسَ وَجَلَسْنَا مَعَهُ فَحَانَتْ مِنْهُ الْتِفَاتَةٌ نَحْوَ حَيْثُ صَلَّى، فَرَأَى نَاسًا قِيَامًا، فَقَالَ مَا يَصْنَعُ هَؤُلَاءِ؟ قُلْتُ: يُسَبِّحُونَ (أي: يصلون الراتبة) قَالَ: لَوْ كُنْتُ مُسَبِّحًا لَأَتْمَمْتُ صَلَاتِي، يَا ابْنَ أَخِي، إِنِّي صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ، فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، وَصَحِبْتُ أَبَا بَكْرٍ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، وَصَحِبْتُ عُمَرَ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، ثُمَّ صَحِبْتُ عُثْمَانَ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) .
وَقَوْله: (وَلَوْ كُنْت مُسَبِّحًا لَأَتْمَمْت) مَعْنَاهُ: لَوْ اِخْتَرْت التَّنَفُّل لَكَانَ إِتْمَام فَرِيضَتِي أَرْبَعًا أَحَبّ إِلَيَّ , وَلَكِنِّي لَا أَرَى وَاحِدًا مِنْهُمَا , بَلْ السُّنَّة الْقَصْر وَتَرْك السنة الراتبة.
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
ما رأيكم في المسافرين هل الأفضل لهم أن يصلوا التراويح في رمضان أم لا؟ (وهم يقصرون الصلاة) .
فأجابوا: "قيام رمضان سنة، سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا أخذها عنه الصحابة رضوان الله عليهم وعملوا بها، واستمرت إلى يومنا هذا، وقد ثبت في الصحيحين من حديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم صلاها ليالي فصلوها معه، ثم تأخر وصلى في بيته باقي الشهر، وقال: (إني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها) ، وفي البخاري أن عمر جمع الناس على أبي بن كعب فصلى بهم التراويح، وثبت في الصحيحين من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه سأل عائشة رضي الله عنها: كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قالت: (ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة) وكان صلى الله عليه وسلم يسافر في رمضان، ومن ذلك سفره صلى الله عليه وسلم لفتح مكة، فقد خرج صلى الله عليه وسلم لعشر مضين من رمضان في سنة ثمان من الهجرة، قال ابن القيم: (ولم يكن صلى الله عليه وسلم يدع قيام الليل حضراً ولا سفراً، وكان إذا غلبه نوم أو وجع صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة) وبذلك يتبين أنهم إذا صلوها في سفر فقد أصابوا السنة" انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (7/206) .
والحاصل: أن صلاة التراويح تستحب للمسافر كما تستحب للمقيم؛ لمواظبته صلى الله عليه وسلم على قيام الليل في السفر والحضر.
نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياك لطاعته ومرضاته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1572)
هل يقصر ويأكل قبل مغادرته بيته مسافراً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لو كنت سأسافر في رحلة لمكان يبعد 100 ميل أو أكثر، فكم ركعة سنصلي قبل وبعد السفر؟ أعتقد أنها ركعتان قبل وبعد الرحلة (أليس كذلك؟) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لم يأتِ في السنَّة النبوية تحديد لمسافة السفر، وقد اختلف العلماء في تحديدها اختلافاً كبيراً، والصحيح: أن مرجع ذلك إلى عرف كل بلد، فما تعارف الناس على أنه سفر فهو السفر الذي يكون فيه الفطر والقصر، وهذا القول قد اختاره جماعة من المحققين , منهم ابن قدامة المقدسي وشيخ الإسلام ابن تيمية، وانظر في هذا أجوبة الأسئلة: (10993) و (38079) .
ثانياً:
المسافر لا يترخص بأحكام السفر إلا إذا خرج من بلده وجاوزها، ويظل يترخص بتلك الرخص ما دام مسافراً حتى يرجع إلى بلده.
فلا يجوز له أن يقصر الصلاة إلا أن يتجاوز بنيان بلده أو عامر قريته، ولا يحل له القصر وهو في بيته أو بلده.
واختلف العلماء في الفطر، فجوَّز بعضهم له الفطر إذا عزم على السفر عزماً مؤكداً وجهز راحلته، ومنع منه الجمهور فلم يجوزوا الفطر إلا حيث جاز له القصر وهو مجاوزة البنيان، وهذا القول هو الأقوى والأحوط.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" هل يشترط أن يفارق قريته إذا عزم على السفر وارتحل، فهل له أن يفطر؟
الجواب: في هذا أيضاً قولان عن السلف.
ذهب بعض أهل العلم إلى جواز الفطر إذا تأهب للسفر ولم يبق عليه إلا أن يركب، وذكروا ذلك عن أنس رضي الله عنه أنه كان يفعله، وإذا تأملت الآية – أي: قوله تعالى (وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر) - وجدتَ أنه لا يصح هذا؛ لأنه إلى الآن لم يكن على سفر، فهو الآن مقيم وحاضر.
وعليه: فلا يجوز له أن يفطر إلا إذا غادر بيوت القرية. . .
أما قبل الخروج: فلا؛ لأنه لم يتحقق السفر.
فالصحيح: أنه لا يفطر حتى يفارق القرية، ولذلك لا يجوز أن يقصر الصلاة حتى يخرج من البلد، فكذلك لا يجوز أن يفطر حتى يخرج من البلد " انتهى.
" الشرح الممتع " (6 / 346) .
وعليه: فلا يجوز لمن عزم على السفر أن يقصر في بيته؛ لأن القصر من أحكام السفر ورخصه، وهو في بيته ليس مسافراً، وهذا قول جمهور العلماء، وفي المسألة أقوال شاذة مثل قول من قال بجواز القصر وهو في بيته، وقول من قال إنه لا يقصر إذا سافر في النهار إلا أن يدخل الليل، وقول ثالث وهو أنه يجوز له القصر إذا جاوز حيطان داره.
قال النووي رحمه الله:
" مذهبنا أنه إذا فارق بنيان البلد قصر , ولا يقصر قبل مفارقتها وإن فارق منزله وبهذا قال مالك وأبو حنيفة وأحمد وجماهير العلماء , وحكى ابن المنذر عن الحارث بن أبي ربيعة أنه أراد سفرا فصلى بهم ركعتين في منزله , وفيهم الأسود بن يزيد وغير واحد من أصحاب ابن مسعود , قال: وروينا معناه عن عطاء وسليمان بن موسى، قال: وقال مجاهد: لا يقصر المسافر نهارا حتى يدخل الليل , قال ابن المنذر: لا نعلم أحدا وافقه، وحكى القاضي أبو الطيب وغيره عن مجاهد أنه قال: إن خرج بالنهار لم يقصر حتى يدخل الليل , وإن خرج بالليل لم يقصر حتى يدخل النهار , وعن عطاء أنه قال: إذا جاوز حيطان داره فله القصر , فهذان المذهبان فاسدان , فمذهب مجاهد منابذ للأحاديث الصحيحة في قصر النبي صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة حين خرج من المدينة , ومذهب عطاء وموافقيه منابذ لاسم السفر " انتهى.
"المجموع" (4 / 228) .
ويجوز للمسافر الجمع بين الصلاتين قبل السفر إذا كان سيشق عليه أداء الصلاة الثانية وهو في طريق سفره، أما القصر فلا.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" وليس للقصر أو الإقامة مدة معينة على القول الصحيح ما دمتم عازمين على الرجوع إلى أوطانكم , أما إن نويتم الإقامة المطلقة: فقد انقطع حكم السفر في حقكم.
وتبدأ أحكام السفر إذا فارق المسافر وطنه وخرج من عامر قريته أو مدينته، ولا يحل لكم أن تجمعوا بين الصلاتين حتى تغادروا البلد إلا أن تخافوا أن لا يتيسر لكم صلاة الثانية أثناء سفركم " انتهى.
" مجموع فتاوى ابن عثيمين " (15 / 346) .
وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
" وإذا دخل وقت الظهر وأنت لم تبدأ السفر: فإنه يجب عليك أن تصلي صلاة الظهر تمامًا من غير قصر.
وأما صلاة العصر: فإن كان سفرك ينتهي وقت العصر؛ فإنك تصلي العصر تامة في وقتها إذا وصلت، أما إذا كان السفر يستمر من الظهر إلى بعد غروب الشمس بحيث يخرج وقت العصر وأنت في السفر، ولا يمكنك النزول لما ذكرت من أن صاحب السيارة لا يوافق على التوقف: فلا مانع من الجمع في هذه الحالة؛ لأن هذه حالة عذر تبيح الجمع، ولكن مع الإتمام.
إذا صليت العصر مع الظهر جمع تقديم وأنت في بيتك، وتريد السفر بعدها: فإنك تصلي الظهر والعصر تمامًا كل واحدة أربع ركعات، ولا بأس بالجمع؛ لأن الجمع يباح في هذه الحالة، أما القصر: فإنه لم يبدأ وقته؛ لأن القصر إنما يجوز بعد مفارقة البنيان الذي هو موطن إقامتك " انتهى.
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (3 / 62) .
وقال حفظه الله:
" أحكام السفر تبدأ بالخروج من البلد، إذا خرج الإنسان من بلد إقامته؛ بأن فارق عامر البلد؛ أي: فارق البنيان؛ فإنها تبدأ أحكام السفر في حقه؛ من قصر الصلاة والفطر في رمضان وغير ذلك من أحكام السفر، أما من كان داخل البنيان: فإنه لا تبدأ في حقه أحكام السفر،
وإذا وجبت عليه الصلاة وهو في داخل البنيان: فإنه يصليها تمامًا وفي وقتها؛ كالحاضرين؛ لأنه لم يبدأ السفر في حقه، حتى ولو انتقل من حارة إلى حارة في طريقه إلى السفر؛ فإن هذا لا يعتبر مسافراً، حتى يخرج من جميع البنيان ومن عامر البلد " انتهى.
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (3 / 62، 63) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1573)
سافروا عشرين يوما يقصرون الصلاة فهل يلزمهم القضاء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[في عطلة الصيف سافرنا إلى للسياحة لمدة 20 يوماً تقريباً وفي طول هذه المدة كنا نقصر الصلاة لأن الصحابة رضوان الله عليهم في سفرهم للنزهة ولمدة 6 أشهر وهم يقصرون، فهل هذا الكلام صحيح؟ وهل علينا قضاء الأيام الفائتة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ذهب جمهور العلماء إلى أن المسافر له أن يترخص برخص السفر ما لم ينو الإقامة في البلد الذي ذهب إليه أربعة أيام فأكثر، سواء سافر للعمل أو العلاج أو النزهة أو غير ذلك.
وانظر جواب السؤال رقم (21091) .
قال ابن قدامة رحمه الله: " المشهور عن أحمد رحمه الله أن المدة التي يلزم المسافر الإتمام بنية الإقامة فيها، هي ما كان أكثر من إحدى وعشرين صلاة. وعنه: أنه إذا نوى إقامة أربعة أيام أتم، وإن نوى دونها قصر، وهذا قول مالك والشافعي " انتهى من "المغني" (2/65) .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (8/109) : " الأصل أن المسافر بالفعل هو الذي يرخص له في قصر الرباعية؛ لقوله تعالى: (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة) الآية، ولقول يعلى بن أمية: قلت لعمر بن الخطاب رضي الله عنهما: (ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) فقال: عجبت مما عجبت منه، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (هي صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته) رواه مسلم.
ويعتبر في حكم المسافر بالفعل من أقام أربعة أيام بلياليها فأقل، لما ثبت من حديث جابر وابن عباس رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم مكة لصبح رابعة من ذي الحجة في حجة الوداع، فأقام صلى الله عليه وسلم اليوم الرابع والخامس والسادس والسابع، وصلى الفجر بالأبطح اليوم الثامن، فكان يقصر الصلاة في هذه الأيام، وقد أجمع النية على إقامتها كما هو معلوم، فكل من كان مسافراً ونوى أن يقيم مدة مثل المدة التي أقامها النبي صلى الله عليه وسلم أو أقل منها قصر الصلاة، ومن نوى الإقامة أكثر من ذلك أتم الصلاة؛ لأنه ليس في حكم المسافر.
أما من أقام في سفره أكثر من أربعة أيام ولم يُجمع النية على الإقامة، بل عزم على أنه متى قضيت حاجته رجع؛ كمن يقيم بمكان الجهاد للعدو، أو حبسه سلطان أو مرض مثلاً، وفي نيته أنه إذا انتهى من جهاده بنصر أو صلح أو تخلص مما حبسه من مرض أو قوة عدو أو سلطان أو بيع بضاعة أو نحو ذلك - فإنه يعتبر مسافراً، وله قصر الصلاة الرباعية، ولو طالت المدة؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أقام بمكة عام الفتح تسعة عشر يوماً يقصر الصلاة، وأقام بتبوك عشرين يوماً لجهاد النصارى، وهو يصلي بأصحابه صلاة قصر، لكونه لم يجمع نية الإقامة بل كان على نية السفر إذا قضيت حاجته " انتهى.
ثانيا:
الصحابة رضي الله عنهم لم يخرجوا للنزهة ستة أشهر كما ورد في السؤال، ولكن كان سفرهم للجهاد في سبيل الله وطلب العلم وطلب الرزق الحلال، ونحو ذلك من مصالح الدين والدنيا. منهم ابن عمر رضي الله عنه أقام بأذربيجان ستة أشهر، حال الثلج بينه وبين الدخول، فكان يقصر الصلاة.
ثالثا:
لا يلزمكم قضاء الصلوات التي قصرتموها، في تلك المدة؛ لشبهة السفر، وقد سئلت اللجنة الدائمة عن مبتعث من قبل السعودية إلى ألمانيا، له قرابة السنة والنصف، وكان يقصر الصلاة، فأجابت:
" لا قضاء عليك من الصلوات التي قصرتها، أو أخرتها عن وقتها، أو جمعتها مع غيرها؛ لشبهة السفر. أما مستقبلا فالواجب عليك أن تصلي أربعا في الرباعية وتصلي كل صلاة في وقتها؛ لأنه ليس لك حكم السفر، بسبب عزمك على إقامة تمنع ذلك، وهي العزم على إقامة مدة أكثر من أربعة أيام، وعليك أن تصلي مع الجماعة إذا تيسر ذلك، ولا تصل وحدك ". انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (8/155) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1574)
هل يأخذ أحكام المسافر من نوى الإقامة 3 أيام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[سأسافر إلى العمرة وذلك لمدة محددة (3أيام) ، فهل ينطبق عليَّ أحكام المسافر بجواز قصر الصلاة أثناء إقامتي في مكة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اختلف العلماء في المدة التي إذا أقامها المسافر في بلد فله أن يقصر، يقول الشيخ ابن عثيمين:
وهذه المسألة من مسائل الخلاف التي كثرت فيها الأقوال فزادت على عشرين قولاً لأهل العلم، وسبب ذلك أنه ليس فيها دليل فاصل يقطع النزاع، فلهذا اضطربت فيها أقوال أهل العلم، فأقوال المذاهب المتبوعة هي:
أولاً: مذهب الحنابلة رحمهم الله أنه إذا نوى إقامة أكثر من أربعة أيام انقطع حكم السفر في حقه ولزمه الإِتمام.
ثانياً: مذهب الشافعي ومالك: إذا نوى إقامة أربعة أيام فأكثر فإنه يلزمه الإِتمام، لكن لا يحسب منها يوم الدخول، ويوم الخروج وعلى هذا تكون الأيام ستة، يوم الدخول، ويوم الخروج، وأربعة أيام بينها.
ثالثاً: مذهب أبي حنيفة: إذا نوى إقامة أكثر من خمسة عشر يوماً أتم، وإن نوى دونها قصر. اهـ. الشرح الممتع (4/545)
فتبين أن أقوال المذاهب المتبوعة متفقة على جواز قصر الصلاة لمن نوى الإقامة ثلاثة أيام فأقل. وانظر المجموع (3/171) ، بداية المجتهد (1/168)
يقول الحافظ ابن حجر في شرحه لحديث العلاء بن الحضرمي عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (ثلاث للمهاجر بعد الصَّدَر) رواه البخاري (3933) ومسلم (1352)
(بعد الصَّدَر أي بعد الرجوع من منى، وفقه هذا الحديث أن الإقامة بمكة كانت حراما على من هاجر منها قبل الفتح لكن أبيح لمن قصدها منهم بحج أو عمرة أن يقيم بعد قضاء نسكه ثلاثة أيام لا يزيد عليها، ويستنبط من ذلك أن إقامة ثلاثة أيام لا تخرج صاحبها عن حكم المسافر) . اهـ فتح الباري (7/267)
فإذا كانت إقامتك لا تزيد على ثلاثة أيام فلك أن تترخص برخص السفر عند المذاهب الأربعة.
والله أعلم
وانظر سؤال رقم (21091) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1575)
مسافر والجمع بين الصلاتين أسهل له
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل في القاهرة وأقيم في طنطا (المسافة هي 86 كيلوا متر) وفي رمضان أعمل الآتي عندما أصلي الظهر بعدها أنوي صلاة العصر قصرا - وذلك لأني عندما أخرج من الشغل يكون العصر علي وشك الأذان، وأكون مستعجلاً جدا لكي ألحق القطار.
فهل يجوز لي الجمع والقصر كما أفعل؟ أم أنتظر حتى أصلي العصر ثم أعود إلى بلدي وهذا سوف يؤخرني، فأصل مع غروب الشمس، وفيه مشقة شديدة علي لأنني لن أتمكن من الراحة لاسيما وأنا أريد أن أصلي التراويح. وهل يجوز أن أصلي في القطار وأنا جالس؟. `]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يجوز الجمع بين صلاتي الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء للمسافر وقد دل على ذلك أحاديث كثيرة منها:
1-ما رواه البخاري (1108) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: انَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْمَعُ بَيْنَ صَلاةِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي السَّفَرِ.
2- وروى أحمد (3278) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ فِي السَّفَرِ. قال الشيخ أحمد شاكر (3288) : إسناده صحيح اهـ.
3- وفي صحيح مسلم (706) عَنْ مُعَاذٍ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فَكَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا.
والمسافر له حالان:
الأولى أن يكون سائرا، أي: يكون مسافرا على الطريق.
الثاني: أن يكون نازلا، بمعنى أن لا يكون سائراً على الطريق، فإما أن يكون وصل البلد التي سافر إليها، أو نزل أثناء السفر بالطريق ومكث في هذا المكان مدة.
والجمع جائز لكل مسافر سواء كان نازلا أم مسافرا.
لكن هل الأفضل للمسافر الجمع أم الأفضل أن يصلي كل صلاة في وقتها؟
قال الشيخ ابن عثيمين في رسالته في مواقيت الصلاة (ص 26) :
" الأفضل للمسافر النازل أن لا يجمع، وإن جمع فلا بأس إلا أن يكون في حاجة إلى الجمع إما لشدة تعبه ليستريح، أو لمشقة طلب الماء عليه لكل وقت ونحو ذلك، فإن الأفضل له الجمع واتباع الرخصة.
وأما المسافر السائر فالأفضل له الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء ـ حسب الأيسر له ـ إما جمع تقديم، يقدم الثانية في وقت الأولى، وإما جمع تأخير يؤخر الأولى إلى وقت الثانية " اهـ.
وعلى هذا فالأفضل لك الأخذ بالرخصة، فتجمع بين صلاتي الظهر والعصر جمع تقديم لأن هذا هو الأسهل لك، وكان رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يُخَيَّر بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ. رواه البخاري (3560) ومسلم (2327) .
وعليك في هذه الحال أن تحرص على أداء صلاة العصر جماعة، فتنظر من يصلي معك.
ثانياً:
وأما صلاتك العصر في القطار وأنت جالس فهي جائزة عند جمهور العلماء إذا كنت لا تستطيع الصلاة وأنت قائم.
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (8/120) :
" إذا حان وقت الصلاة والطائرة مستمرة في طيرانها ويخشى فوت وقت الصلاة قبل هبوطها في أحد المطارات فقد أجمع أهل العلم على وجوب أدائها بقدر الاستطاعة ركوعاً وسجوداً واستقبالاً للقبلة لقوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/16.
ولقوله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ) متفق عليه.
أما إذا علم أنها ستهبط قبل خروج وقت الصلاة بقدر يكفي لأدائها أو أن الصلاة مما يجمع مع غيره كصلاة الظهر مع العصر وصلاة المغرب مع العشاء، وعلم أنها ستهبط قبل خروج وقت الثانية بقدر يكفي لأدائهما فقد ذهب جمهور أهل العلم إلى جواز أدائها في الطائرة لوجوب الأمر بأدائها بدخول وقتها حسب الاستطاعة كما تقدم وهو الصواب " اهـ.
وجاء فيها أيضاً (8/126) :
" لا يجوز أن يصلي قاعداً في الطائرة ولا غيرها إذا كان يقدر على القيام لعموم قوله تعالى: (وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) البقرة/238. وحديث عمران بن حصين الذي رواه البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ) زاد النسائي بسند صحيح (فإن لم تستطع فمستلقياً) " اهـ.
وذهب بعض أهل العلم إلى أن الصلاة في الطائرة ومثلها القطار والسيارة غير جائزة إذا كان لا يتمكن من أداء الصلاة كما يؤديها على الأرض إلا إذا خشي خروج وقتها.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "فتاوى أركان الإسلام" (ص 380) :
" تجب الصلاة في الطائرة إذا جهل وقتها، لكن إذا كان لا يتمكن من أداء الصلاة في الطائرة كما يؤديها على الأرض فلا يصلي الفريضة في الطائرة إذا كان يمكن هبوط الطائرة قبل خروج وقت الصلاة، أو خروج وقت التي بعدها مما يجمع إليها. فمثلا لو أقلعت الطائرة من جدة قبيل غروب الشمس وغابت الشمس وهو في الجو فإنه لا يصلي المغرب حتى تهبط الطائرة في المطار وينزل منها فإن خاف خروج وقتها نوى جمعها إلى العشاء جمع تأخير وصلاهما إذا نزل فإن استمرت الطائرة حتى خاف أن يخرج وقت العشاء وذلك عند منتصف الليل فإنه يصليهما قبل أن يخرج الوقت في الطائرة " اهـ.
وعلى هذا فالأحوط لك أن لا تصلي العصر في القطار، بل تجمعها مع الظهر جمع تقديم كما سبق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1576)
هل يجمع ويقصر مَن سافر وأقام يوماً واحداً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ذهبت مع والدي إلى سفر وأقمنا يوماً واحداً ثم رجعنا، هل في هذا اليوم نجمع ونقصر أم نقصر من دون الجمع؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
اختلف أهل العلم – رحمهم الله – في المدة التي إن أقام فيها قصر صلاته وإن زاد عليها أتم على أقوال كثيرة، والمذاهب الأربعة على أنه إذا كانت إقامة المسافر لا تزيد على ثلاثة أيام فله أن يترخص برخص السفر.
قال ابن رشد:
وأما اختلافهم في الزمان الذي يجوز للمسافر إذا قام فيه في بلد أن يقصر: فاختلاف كثير، حكى فيه أبو عمر – أي: ابن عبد البر - نحواً من أحد عشر قولاً، إلا أن الأشهر منها هو ما عليه فقهاء الأمصار ولهم في ذلك ثلاثة أقوال:
أحدها: مذهب مالك والشافعي أنه إذا أزمع المسافر على إقامة أربعة أيام أتم.
والثاني: مذهب أبي حنيفة وسفيان الثوري أنه إذا أزمع على إقامة خمسة عشر يوماً أتم.
والثالث: مذهب أحمد وداود أنه إذا أزمع على أكثر من أربعة أيام أتم.
وسبب الخلاف: أنه أمر مسكوت عنه في الشرع والقياس على التحديد ضعيف عند الجميع، ولذلك رام هؤلاء كلهم أن يستدلوا لمذهبهم من الأحوال التي نقلت عنه عليه الصلاة والسلام أنه أقام فيها مقصراً، أو أنه جعل لها حكم المسافر.
" بداية المجتهد " (1 / 122، 123) .
وعلى هذا، فالصورة المسئول عنها وهي إقامة المسافر يوماً واحداً لم يقع فيها خلاف بين الأئمة أنه يقصر الصلاة.
ثانياً:
أما الجمع: فإن كان سائراً على الطريق: فالأفضل له أن يجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء إما جمع تقديم وإما جمع تأخير حسب الأيسر له.
وإن كان نازلاً (كمن وصل إلى البلد الذي سافر إليه، أو نزل بالطريق عدة ساعات ليستريح) : فالأفضل أن لا يجمع، وإن جمع فلا بأس لصحة الأمرين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
وقوله: " في سفر قصر " ظاهر كلامه أنه يجوز الجمع للمسافر سواء كان نازلاً أم سائراً، وهذه المسألة فيها خلاف بين العلماء.
فمنهم من يقول: إنه لا يجوز الجمع للمسافر إلا إذا كان سائراً لا إذا كان نازلاً.
واستدل بحديث ابن عمر: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع بين المغرب والعشاء إذا جَدَّ به السير " يعني: إذا كان سائراً.
وبأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجمع بين الصلاتين في منى في حجة الوداع؛ لأنه كان نازلاً، وإلا فلا شك أنه في سفر؛ لأنه يقصر الصلاة ... .
والقول الثاني: أنه يجوز الجمع للمسافر، سواء كان نازلاً أم سائراً.
واستدلوا لذلك بما يلي:
1. أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في غزوة تبوك وهو نازل.
2. ظاهر حديث أبي جحيفة الثابت في الصحيحين: " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان نازلاً في الأبطح في حجة الوداع، وأنه خرج ذات يوم وعليه حلة حمراء فأمَّ الناس فصلّى الظهر ركعتين والعصر ركعتين " قالوا: فظاهر هذا أنهما كانتا مجموعتين.
3. عموم حديث ابن عباس أن الرسول صلى الله عليه وسلم: " جمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في المدينة من غير خوف ولا مطر ".
4. أنه إذا جاز الجمع للمطر ونحوه: فجوازه للسفر من باب أولى.
5. أن المسافر يشق عليه أن يفرد كل صلاة في وقتها، إما للعناء، أو قلة الماء، أو غير ذلك.
والصحيح: أن الجمع للمسافر جائز، لكنه في حق السائر مستحب، وفي حق النازل جائز غير مستحب، إن جمع فلا بأس، وإن ترك فهو أفضل.
" الشرح الممتع " (4 / 387 – 390) .
وانظر جواب السؤال رقم: (50312) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1577)
المسافر هل يصلي مع الجماعة أربعا أم يصلي وحده ركعتين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت مسافرا ثم وأنا بالرحلة نزلت لأصلي المغرب والعشاء جمعا وقصرا بأحد المساجد وبعد أن صليت المغرب وهممت بصلاة العشاء وجدت صلاة الجماعة للعشاء بالمسجد تقام فهل أصلي مع الجماعة 4ركعات أم أصلي منفردا حسب نيتي ركعتين وأكمل السفر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صلاة الجماعة واجبة على الرجال في الحضر والسفر، فإن وجدتَ جماعة مسافرين فصل معهم العشاء قصرا، وإلا فصل مع الجماعة المقيمين أربعا.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (ولا تسقط صلاة الجماعة عن المسافر؛ لأن الله تعالى أمر بها في حال القتال فقال: (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك) النساء /102.
وعلى هذا فإذا كان المسافر في بلد غير بلده وجب عليه أن يحضر الجماعة في المسجد إذا سمع النداء إلا أن يكون بعيدا أو يخاف فوت رفقته , لعموم الأدلة الدالة على وجوب صلاة الجماعة على من سمع النداء أو الإقامة) انتهى من مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين، المجلد الخامس عشر، سؤال رقم 1085
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1578)
المسافة التي يشرع فيها القصر والجمع
[السُّؤَالُ]
ـ[ي عن صلاة السفر والجمع والقصر.. حيث إنني أعمل في مدينة أخري تبعد عن مدينتي بحوالي 35 كيلومترا. فهل يرخص لي في الجمع أو القصر أو كلاهما لأنني قد غادرت عامر المدينة التي أسكن بها؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ذهب جمهور العلماء إلى تحديد المسافة التي يقصر فيها المسافر، وذهب بعضهم إلى عدم التحديد وجعل مرد ذلك إلى العرف، فما تعارف الناس على أنه سفر، شرعت فيه الرخصة من القصر والفطر.
وتقدر المسافة على قول الجمهور بثمانين كيلو مترا تقريبا.
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (8/99) :
(السفر الذي يشرع فيه الترخيص برخص السفر هو ما اعتبر سفراً عرفاً، ومقداره على سبيل التقريب مسافة ثمانين كيلو متراً، فمن سافر لقطع هذه المسافة فأكثر فله أن يترخص برخص السفر من المسح على الخفين ثلاثة أيام بلياليهن، والجمع والقصر، والفطر في رمضان، وهذا المسافر إذا نوى الإقامة ببلد أكثر من أربعة أيام فإنه لا يترخص برخص السفر، وإذا نوى الإقامة أربعة أيام فما دونها فإنه يترخص برخص السفر، والمسافر الذي يقيم ببلد ولكنه لا يدري متى تنقضي حاجته ولم يحدد زمناً معيناً للإقامة فإنه يترخص برخص السفر ولو طالت المدة، ولا فرق بين السفر في البر والبحر) انتهى.
وبهذا يُعلم أنه ليس لك أن تقصر الصلاة في المسافة المذكورة، لأنها لا تبلغ مسافة السفر.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1579)
هل يصلي المسافر قصرا في بيته أم جماعة في المسجد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أقمت ببلد إقامة مؤقتة أثناء سفري فهل الأفضل أن أقصر الصلاة في بيتي أو أصليها جماعة في المسجد تامة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صلاة الجماعة واجبة لا يجوز لمسلم تركها إلا لعذر، وقد سبق ذكر الأدلة على ذلك من الكتاب والسنة.
راجع السؤال رقم (8918) .
وعلى هذا، فعليك أداء الصلاة جماعة في المسجد، وإذا كان الإمام مقيماً (غير مسافر) فإنك تصلي معه الصلاة تامة غير مقصورة.
سئل الشيخ ابن باز: إذا سافر الإنسان إلى جدة مثلا، فهل يحق له أن يصلي ويقصر أم لا بد أن يصلي مع الجماعة في المسجد؟
فأجاب:
"إذا كان المسافر في الطريق فلا بأس، أما إذا وصل البلد فلا يصلي وحده، بل عليه أن يصلي مع الناس ويتم، أما في الطريق إذا كان وحده وحضرت الصلاة فلا بأس أن يصلي في السفر وحده ويقصر الرباعية اثنتين" اهـ.
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبد العزيز بن باز (12/297)
وسئل الشيخ ابن عثيمين متى وكيف تكون صلاة المسافر؟
فأجاب:
"صلاة المسافر ركعتان من حين أن يخرج من بلده إلى أن يرجع إليه , لقول عائشة رضي الله عنها: (الصلاة أول ما فرضت ركعتين , فأقرت صلاة السفر , وأتمت صلاة الحضر) . رواه البخاري (1090) ومسلم (685) وفي رواية (وزيد في صلاة الحضر) .
وقال أنس بن مالك رضي الله عنه: (خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة فصلى ركعتين، ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة) رواه البخاري (1081) ومسلم (693)
لكن إذا صلى مع إمام يتم صلى أربعاً سواء أدرك الصلاة من أولها, أم فاته شيء منها لعموم قول النبي صلي الله عليه وسلم: (إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة , وعليكم السكينة والوقار, ولا تسرعوا, فما أدركتم فصلوا , وما فاتكم فأتموا) . رواه البخاري (636) مسلم (602) . فعموم قوله: (ما أدركتم فصلوا , وما فاتكم فأتموا) يشمل المسافرين الذين يصلون وراء الإمام الذي يصلي أربعاً وغيرهم.
وسئل ابن عباس رضي الله عنهما ما بال المسافر يصلي ركعتين إذا انفرد , وأربعاً إذا ائتم بمقيم؟! فقال: تلك السنة. رواه مسلم (688) وأحمد (1865)
ولا تسقط صلاة الجماعة عن المسافر؛ لأن الله تعالى أمر بها في حال القتال فقال: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ) النساء/102. وعلى هذا فإذا كان المسافر في بلد غير بلده وجب عليه أن يحضر الجماعة في المسجد إذا سمع النداء إلا أن يكون بعيداً أو يخاف فوت رفقته, لعموم الأدلة الدالة على وجوب صلاة الجماعة على من سمع النداء أو الإقامة " اهـ.
مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين (15/252)
وسئل أيضاً:
إذا كنت في سفر وسمعت النداء للصلاة فهل يجب علي أن أصلي في المسجد , ولو صليت في مكان إقامتي فهل في ذلك شيء؟ إذا كانت مدة السفر أكثر من أربعة أيام متواصلة فهل أقصر الصلاة أم أتمها؟
فأجاب قائلاً: إذا سمعت الأذان وأنت في محل الإقامة وجب عليك أن تحضر إلى المسجد , لأن النبي صلي الله عليه وسلم قال للرجل الذي استأذنه في ترك الجماعة: (أتسمع النداء؟ قال: نعم، قال: فأجب) رواه مسلم (653) . وقال عليه الصلاة والسلام: (من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر) رواه الترمذي (217) . وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وليس هناك دليل يدل على تخصيص المسافر من هذا الحكم إلا إذا كان في ذهابك للمسجد تفويت مصلحة لك في السفر مثل أن تكون محتاجاً إلى الراحة والنوم فتريد أن تصلي في مقر إقامتك من أجل أن تنام , أو كنت تخشى إذا ذهبت إلى المسجد أن يتأخر الإمام في الإقامة وأنت تريد أن تسافر وتخشى من فوات الرحلة عليك , وما أشبه ذلك.
مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين (15/422) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1580)
حد السفر الذي يبيح الفطر والقصر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الحد الأدنى في السفر الذي يجوز معه الإفطار؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ذهب جمهور العلماء إلى أن المسافة التي تقصر فيها الصلاة ويفطر فيها الصائم ثمانية وأربعون ميلاً.
قال ابن قدامة في المغني:
مَذْهَبُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (يعني الإمام أحمد) أَنَّ الْقَصْرَ لا يَجُوزُ فِي أَقَلِّ مِنْ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا , وَالْفَرْسَخُ: ثَلاثَةُ أَمْيَالٍ , فَيَكُونُ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ مِيلا. وَقَدْ قَدَرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ , فَقَالَ: مِنْ عُسْفَانَ إلَى مَكَّةَ، وَمِنْ الطَّائِفِ إلَى مَكَّةَ، وَمِنْ جُدَّةَ إلَى مَكَّةَ.
فَعَلَى هَذَا تَكُونُ مَسَافَةُ الْقَصْرِ يَوْمَيْنِ قَاصِدَيْنِ. وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ , وَاللَّيْثُ , وَالشَّافِعِيُّ اهـ.
وتقدير ذلك بالكيلو متر نحو ثمانين كيلو متر تقريباً.
قال الشيخ ابن باز في "مجموع الفتاوى" (12/267) في تقدير السفر:
" الذي عليه جمهور أهل العلم أن ذلك يقدر بنحو ثمانين كيلو تقريبا بالنسبة لمن يسير في السيارة، وهكذا الطائرات، وفي السفن والبواخر، هذه المسافة أو ما يقاربها تسمى سفرا، وتعتبر سفرا في العرف فإنه المعروف بين المسلمين، فإذا سافر الإنسان على الإبل، أو على قدميه، أو على السيارات، أو على الطائرات، أو المراكب البحرية، هذه المسافة أو أكثر منها فهو مسافر " اهـ.
وسئلت اللجنة الدائمة (8/90) :
عن مسافة القصر، وهل لسائق الأجرة الذي يذهب أكثر من ثلاثمائة كيلو متر أن يصلي الصلاة قصر ا؟
فأجابت:
مقدار المسافة المبيحة للقصر ثمانون كيلو متر تقريبا على رأي جمهور العلماء، ويجوز لسائق سيارة الأجرة أو غيره أن يصليها قصرا؛ إذا كان يريد قطع المسافة التي ذكرناها في أول الجواب أو أكثر منها اهـ.
وذهب بعض العلماء إلى أن السفر لا يحدد بمسافة معينة، بل المرجع في ذلك إلى العرف، فما عده الناس في العرف سفراً فهو السفر الذي تترتب عليه الأحكام الشرعية كالجمع بين الصلاتين والقصر والفطر للمسافر.
قال شيخ الإسلام في الفتاوى (24/106) : وَالْحُجَّةُ مَعَ مَنْ جَعَلَ الْقَصْرَ وَالْفِطْرَ مَشْرُوعًا فِي جِنْسِ السَّفَرِ وَلَمْ يَخُصَّ سَفَرًا مِنْ سَفَرٍ. وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّحِيحُ اهـ.
وسئل الشيخ ابن عثيمين في فتاوى أركان الإسلام (ص381) عن مقدار المسافة التي يقصر فيها المسافر الصلاة وهل يجوز الجمع دون قصر؟
فأجاب:
المسافة التي تقصر فيها الصلاة حددها بعض العلماء بنحو ثلاثة وثمانين كيلو مترا، وحددها بعض العلماء بما جرى به العرف أنه سفر وإن لم يبلغ ثمانين كيلو مترا، وما قال الناس عنه: إنه ليس بسفر، فليس بسفر ولو بلغ مائة كيلو متر.
وهذا الأخير هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وذلك لأن الله تعالى لم يحدد مسافة معينة لجواز القصر وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم لم يحدد مسافة معينة.
وقال أنس بن مالك رضي الله عنه: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَرَجَ مَسِيرَةَ ثَلاثَةِ أَمْيَالٍ أَوْ ثَلاثَةِ فَرَاسِخَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ. رواه مسلم (691) .
وقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى أقرب إلى الصواب.
ولا حرج عند اختلاف العرف فيه أن يأخذ الإنسان بالقول بالتحديد؛ لأنه قال به بعض الأئمة والعلماء المجتهدين، فلا بأس به إن شاء الله تعالى، أما مادام الأمر منضبطا فالرجوع إلى العرف هو الصواب اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1581)
متابعة الإمام في مندوبات الصلاة فعلاً وتركاً
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الذي يجب أن يقوم به المؤتم إذا كان الإمام نفسه لا يقوم ببعض السنن المثبتة في الصلاة، كرفع اليدين قبل الركوع، وبعده، فهل يجب اتباع الإمام أم اتباع السنة؟ أنا في حيرة شديدة، فأرجو أن تطلعوني على الإجابة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ينبغي للمأموم أن يفعل ما يراه سنة، سواء فعله الإمام أم لا، إلا إذا كان فعل المأموم له سيؤدي إلى الإخلال بمتابعة الإمام، فيتأخر عنه أو يسبقه، فعليه في هذه الحالة ترك ما يرى أنه سنة، من أجل متابعة الإمام.
فما سأل عنه السائل (رفع اليدين قبل الركوع وبعده) لا يؤدي إلى الإخلال بالمتابعة، فينبغي للمأموم فعله.
ومثال ما يؤدي إلى الإخلال بالمتابعة، إذا كان المأموم يرى استحباب جلسة الاستراحة والإمام لا يراها، فينبغي للمأموم تركها.
وقد بينا ذلك في جواب السؤال رقم (34458) .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"الشيء الذي لا يقتضي التَّأخُّر عن الإمام ولا التَّقدُّم عليه فهذا يأخذ المأموم بما يراه، مثاله: لو كان الإمام لا يرى رفع اليدين عند التَّكبير للرُّكوع والرَّفع منه والقيام من التَّشهد الأوَّل، والمأموم يرى أن ذلك مستحبٌّ، فإنه يفعل ذلك؛ لأنه لا يستلزم تأخراً عن الإمام ولا تقدُّماً عليه، ولهذا قال الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم: (إذا كَبَّر فكبِّروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا) والفاء تدلُّ على التَّرتيب والتَّعقيب، وكذلك أيضاً: لو كان الإمام يَتورَّكُ في كلِّ تشهُّد يعقبه سَلام حتى في الثُّنائيَّة، والمأموم لا يرى أنه يَتورَّك إلا في تشهُّد ثانٍ فيما يُشرع فيه تشهُّدان، فإنه هنا له ألا يتورَّك مع إمامه في الثُّنائيَّة؛ لأن هذا لا يؤدِّي إلى تخلُّف ولا سبق" انتهى.
"الشرح الممتع" (2/319-320) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1582)
حكم الصلاة على سطح المسجد مع وجود فراغ في صحن المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الصلاة في سطح الحرم إذا كان صحن الحرم غير مزدحم بالمصلين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الصلاة صحيحة، ما دام المأموم داخل المسجد، يرى إمامه أو من وراءه , أو يسمع تكبيراته، ويمكن الاقتداء به.
قال النووي رحمه الله: "للإمام والمأموم في المكان ثلاثة أحوال:
أحدها: أن يكونا في مسجد فيصح الاقتداء , سواء قربت المسافة بينهما أم بعدت لكبر المسجد , وسواء اتحد البناء أم اختلف كصحن المسجد وصُفَّتِه وسرداب فيه , مع سطحه وساحته والمنارة التي هي من المسجد تصح الصلاة في كل هذه الصور وما أشبهها إذا عَلم صلاة الإمام، ولم يتقدم عليه , سواء كان أعلى منه أو أسفل، ولا خلاف في هذا. ونقل أصحابنا فيه إجماع المسلمين ... إلخ" انتهى من "المجموع" (4/195) .
وقال في "الإنصاف" (2/293) : " ... فإن كان المأموم في المسجد. فلا يشترط اتصال الصفوف بلا خلاف , قاله الآمدي , وحكاه المجد إجماعاً" انتهى.
ثانياً:
الأفضل في هذه الحال أن يقرب المأموم من إمامه للأحاديث الواردة في هذا الباب:
منها: حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم: (رَأَى فِي أَصْحَابِهِ تَأَخُّرًا، فَقَالَ لَهُمْ: تَقَدَّمُوا فَأْتَمُّوا بِي، وَلْيَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ، لَا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمْ اللَّهُ) مسلم (438) .
ومنها: حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (..أَلَا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟ قَالَ: يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الْأُوَلَ، وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ) رواه مسلم (430) .
ومنها: عن أنس رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (قَالَ أَتِمُّوا الصَّفَّ الْمُقَدَّمَ ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ، فَمَا كَانَ مِنْ نَقْصٍ فَلْيَكُنْ فِي الصَّفِّ الْمُؤَخَّرِ) رواه أبو داود (671) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
لكن لو أن المأموم يتضرر أو لا يحصل له خشوع في صلاته، إذا صلى في صحن المسجد؛ لحر الشمس أو نزول المطر… فلا حرج عليه أن يصلي في مكان يستره مما يتأذى به، سواء كان في قبو المسجد أو في الدور الثاني، ولو أدى ذلك لعدم اتصال الصفوف.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
ما حكم الصلاة في الدور الثاني في سطح المسجد مع وجود سعة في الدور الأول سواء في المسجد الحرام أو في غيره من المساجد؟
فأجاب:
"الصلاة في الدور الثاني من المسجد جائزة إذا كان معه أحد في مكانه يعني لم ينفرد بالصف وحده، لكن الأفضل أن يكون مع الناس في مكانهم؛ لأنه إذا كان مع الناس في مكانهم كان أقرب للإمام، وما كان أقرب إلى الإمام فهو أفضل" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (13/25) .
وقال أيضاً: "لكن قل لي: أيهما أفضل: أن يصلي في الطبقة التي فيها الإمام -لأن ذلك أقرب للإمام- أو أن يصلي في السطح؟
هنا نقول: إذا كان صلاته في السطح أخشع له وأحضر لقلبه وأبعد عن التشويش فهو أفضل؛ لأن الفضل المتعلق بذات العبادة أولى بمراعاة الفضل المتعلق بمكان العبادة" انتهى من لقاء "الباب المفتوح".
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1583)
معنى: (يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى (الأقرأ لكتاب الله) في الحديث الذي فيه صفات الإمام الذي يصلي بالناس؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
روى مسلم (2373) عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ سِلْمًا وفي رواية فَأَكْبَرُهُمْ سِنًّا، وَلَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ، وَلَا يَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ) .
هذا الحديث هو الأصل الذي بنى عليه العلماء القول فيمن هو الأحق بالإمامة.
وقد ذكر الحديث أن الأسباب المرجِّحة في الإمامة خمسة: (الأقرأ لكتاب الله، ثم الأعلم بالسنة، ثم الأسبق إلى الهجرة، ثم الأسبق إلى الإسلام، ثم الأكبر سنا) .
فالوصف الأول هو: الأقرأ لكتاب الله.
والأقرأ يشمل معنيين:
الأول: الأكثر قرآنا.
ويدل على ذلك ما رواه البخاري (692) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: (لَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الْأَوَّلُونَ الْعُصْبَةَ -مَوْضِعٌ بِقُبَاءٍ - قَبْلَ مَقْدَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، كَانَ يَؤُمُّهُمْ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَكَانَ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا) .
وفي رواية: (وَفِيهِمْ عُمَرُ، وَأَبُو سَلَمَةَ، وَزَيْدٌ، وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ) .
فقوله: (وَكَانَ أَكْثَرهمْ قُرْآنًا) إِشَارَة إِلَى سَبَب تَقْدِيمهمْ لَهُ، مَعَ أن منهم من هو أفضل منه.
وروى البخاري (4302) عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ رضي الله عنه أن أباه أتى من عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال لقومه: جِئْتُكُمْ وَاللَّهِ مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقًّا، فَقَالَ: (صَلُّوا صَلَاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا، وَصَلُّوا صَلَاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا، فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا) .
قال عمرو: فَنَظَرُوا فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَكْثَرَ قُرْآنًا مِنِّي، فَقَدَّمُونِي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، وَأَنَا ابْنُ سِتٍّ أَوْ سَبْعِ سِنِينَ.
فهذا دليل صريح على أن الأكثر حفظاً للقرآن هو المقدم في الإمامة.
المعنى الثاني الذي يشمله (الأقرأ) : الأحسن قراءة، وهو الذي تكون قراءتُه تامَّةً يقيم الحروف ويأتي بها على أكملِ وجهٍ ولا يسقط منها شيئاً.
"شرح بلوغ المرام" للعثيمين (2/267) . الشرح الممتع (4 /82) .
ومن هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم: (أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ، وَأَشَدُّهُمْ فِي أَمْرِ اللَّهِ عُمَرُ ... وَأَقْرَؤُهُمْ أُبَيٌّ) . رواه الترمذي (3790) وصححه الألباني.
(وَأَقْرَؤُهُمْ) أَيْ: أَحسنهم قِرَاءَة.
وروى البخاري (5005) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ عُمَرُ: (أُبَيٌّ أَقْرَؤُنَا) . أي: أحسننا قراءة.
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (8/ 347) : "معنى أقرؤكم: أحسنكم تلاوة، وترتيلا للقرآن، ويراد به أيضا: أكثركم قرآنا" انتهى.
فإن تساويا في قدر ما يحفظ كل واحد منهما وكان أحدهما أحسن قراءة من الآخر، فهو أولى، لأنه أقرأ، فيدخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله) .
المغني (3/14) .
ولو استويا في جودة القراءة قُدِّم أكثرهما قرآنا.
"الإنصاف" (2 / 244) .
وإذا اجتمع شخصان يحسنان قراءة القرآن الكريم، أحدهما أكثر قرآناً، والآخر أجود قراءةً، فمن يقدم؟
ظاهر السنة: أن الأكثر حفظاً للقرآن مقدم، قال ابن رجب: "وأكثر الأحاديث تدل على اعتبار كثرة القرآن" انتهى من "فتح الباري" لابن رجب.
ويدل على ذلك حديث عمرو بن سلمة، وفيه: (وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا) .
وحديث سالم مولى حذيفة، وفيه: (وَكَانَ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا) .
والحكمة من تقديم الأقرأ في الإمامة: أنه "لَا صَلَاة إِلَّا بِقِرَاءَةٍ، إِذَا كَانَتْ الْقِرَاءَة مِنْ ضَرُورَة الصَّلَاة، وَكَانَتْ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانهَا صَارَتْ مُقَدَّمَة فِي التَّرْتِيب عَلَى الْأَشْيَاء الْخَارِجَة عَنْهَا" انتهى من عون المعبود.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1584)
السؤال ببركة فلان ـ أحد الصالحين ـ
[السُّؤَالُ]
ـ[فضيلة الشيخ لنا إمام مسجد يقول: إنه يجوز للإنسان أن يسأل الله ببركة فلان، كأن يقول: اغفر لي يا رب ببركة فلان ـ أي أحد الصالحين مثلاً ـ فهل هذا نوع من الشرك؟ علماً بأنه في نفس الوقت لا يصرح بها شفهياً إلا إذا سألناه، كما أن هذا الإمام يكتب الحجاب والبخورات للناس كطرق علاج فهل نصلي خلفه أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"هذا ليس من الشرك، ولكنه من وسائل الشرك، وهو التوسل ببركة فلان، أو بحق فلان، أو جاه فلان، أو ذات فلان، هذا من وسائل الشرك، وليس من الشرك، بل هو بدعة عند جمهور أهل العلم، لأن التوسل عبادة لابد لها من توقيف، ولابد لها من بيان من الله عز وجل، أو من رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله سبحانه بَيَّن لنا وهكذا الرسول صلى الله عليه وسلم بَيَّن لنا وسائل العبادة، وأن المشروع أن نتوسل إلى الله في دعائنا إياه بأسمائه، كما قال سبحانه: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) الأعراف/180، وهكذا صفاته سبحانه وتعالى، وهكذا التوسل بالتوحيد: اللهم إني أسألك بأنني أشهد أن لا إله إلا أنت، كما جاء في الحديث. وهكذا التوسل بالأعمال الصالحات، فيتوسل المؤمن بإيمانه بالله ورسله، وبمحبته لله ورسوله، وبره بوالديه، وبأدائه الأمانة، وبعفته عن الفواحش، وبمحافظته على الصلوات، إلى غير ذلك.
وفي هذا الباب: قصة أهل الغار، الثابتة في الحديث الذي رواه الشيخان: البخاري ومسلم في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن ثلاثة من الناس فيمن كان قبلنا، آواهم المبيت، وفي رواية: (المطر) ، إلى غار فدخلوا فيه، فانحدرت عليهم صخرة سدت عليهم الغار، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنهم فيما بينهم قالوا: لن ينجيكم من هذا الأمر إلا أن تسألوا الله بصالح أعمالكم، فقام أحدهم فسأل ربه ببره لوالديه، فانفرجت الصخرة بعض الشيء، وقام الثاني وسأل الله بعفته عن الفاحشة عن الزنا، فانفرجت الصخرة بعض الشيء، وقام الثالث وتوسل إلى الله بأدائه الأمانة، فانفرجت الصخرة وخرجوا) . وهذا دليل على أن التوسل بالأعمال الصالحات وسيلة شرعية.
وهكذا التوسل بأسماء الله وصفاته كما تقدم، وهكذا التوسل بتوحيده والإخلاص له، أما التوسل بجاه فلان، أو ببركة فلان، أو بحق فلان، فهذا لا أصل له، ولا يجوز، بل هو من البدع، ولكن ليس من الشرك.
والصلاة خلف الإمام الذي يقول هذا صحيحة. لكن ينبغي أن يعلَّم ويوجه إلى الخير، فإن عرف الحق وامتثل له وتاب إلى الله من ذلك وإلا فالواجب أن يبدل بغيره، والواجب على المسؤولين أن يلتمسوا إماماً أصلح منه للمسجد حتى لا يَغُرَّ الناس.
وهكذا إذا كان يتعاطى كتب (الحجب) وهي التمائم، فهذا أيضاً منكر، والرسول صلى الله عليه وسلم أمر بقطع التمائم وقال: (من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا أودع الله له) وأخبر أنها شرك، فلا يجوز كتابة التمائم لا من العظام، ولا من الخرز، ولا من الطلاسم، ولا من غير ذلك.
واختلف العلماء فيما إذا كانت التمائم من القرآن على قولين: أحدهما: الجواز، والثاني: المنع، والصواب: المنع، فلا يجوز اتخاذ التمائم والحُجُب حتى ولو من القرآن في أصح قولي العلماء، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن التمائم، وأطلق وعَمَّم، فلا يجوز استثناء شيء من ذلك، ولأن تعليق التمائم من القرآن وسيلة إلى تعليق غيرها، فينفتح الباب، ويقع الشرك، وسد الذرائع أمر معلوم من الشريعة، وأصل من أصولها، ولأن تعليقها قد يفضي إلى امتهان الآيات القرآنية، فوجب منع ذلك.
وأما البخور فشيء آخر، فقد تُعالج بعض الأمراض بالخور، ولكن بعض من يدعي الطب قد يتظاهر بأشياء وعنده أشياء أخرى، قد يتظاهر بالتمائم أو بالبخور وهو يتعاطى خدمة الجن، وسؤال الجن، ودعوى علم الغيب بواسطة الجن، ومثل هذا خطره عظيم، فالواجب أن ينكر على هذا، وإن يوجه إلى الخير، وأن يُعلَّم حتى يستفيد، وحتى ينتبه لهذا الخطر، فإن استقام وتاب إلى الله وسار على الطريق السوي وإلا فالواجب إبداله بغيره من أئمة المسلمين الذين عندهم العناية بأمر الله، وعندهم صلاح العقيدة، وسلامة الدين ـ والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (1/298 – 300) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجوب(5/1585)
يرى أنه أقرأ القوم، فهل يطلب منهم أن يؤمهم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أصلي في مسجد لأهل السنة، وهناك من يتناوبون على الإمامة باتفاق بين أهل المسجد، وهم من أهل الفضل وعلى درجة من العلم ولكن قراءتهم ليست جيدة إلى حد ما، فيها لحن ولكن ليس جليا، مع حفظهم للقرآن كاملا، فهل أطلب منهم أن يقدموني للإمامة على أني على درجة كافية من تجويد القرآن ولكني لا أحفظه كله؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
روى مسلم (673) عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ سِنا، وَلَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ، وَلَا يَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ) . 134279
وقد تقدم في جواب السؤال رقم (134279) شرح معنى: "الأقرأ لكتاب الله" وأن المراد بذلك: الأكثر حفظاً، والأحسن تلاوة، والمراد من حسن التلاوة أن يقرأ قراءة صحيحة.
وَبَّينَّا أيضاً أنه إذا اجتمع شخصان أحدهما أكثر حفظاً للقرآن، والثاني أحسن قراءة، فإنه يقدم الأكثر حفظاً.
وعلى هذا، نرى أنه ليس من حقك أن تطلب من هؤلاء أن تؤمهم في الصلاة، وذلك لسببين:
1- أن فيهم من هو أكثر منك حفظاً للقرآن، وكون بعضهم يلحن ما سميته "لحناً خفياً" لا يؤثر على استحقاقه الإمامة، لأن اللحن الخفي لا يعني أن القراءة غير صحيحة، فما دامت القراءة ليس فيها تغيير لحرف بحرف، أو تغيير لتشكيل الكلمات، فهي قراءة صحيحة.
وإنما يتعلق اللحن الخفي بإتقان المدود والغنن ونحوها، كما هو معلوم عند المشتغلين بعلم "التجويد".
2- أن الإمام الراتب أحق بالإمامة من غيره حتى لو كان غيره أقرأ منه.
ففي الحديث السابق يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وَلَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ) .
قال ابن قدامة رحمه الله:
"وإمام المسجد الراتب فيه بمنزلة صاحب البيت، لا يجوز لأحد أن يؤم فيه بغير إذنه لذلك" انتهى.
"الكافي" (1/186) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"الإمام كلما كان أقرأ لكتاب الله وأفقه في دين الله كان أولى من غيره، لقول النبي صلى الله عليه وسلم (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة) إلا إذا كان الإنسان في مسجد له إمام راتب فإن الإمام الراتب أحق من غيره" انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (182 / 6) .
فإذا تعارف أهل المسجد على أنه يصلي بهم فلان، فهو الإمام الراتب، وهو أحق بالإمامة من غيره.
ثم النصيحة لك ـ وأنت في بداية الشباب ـ أن تقبل على تعلم العلم النافع، وتجتهد في العمل به، ويُخشى أن تكون رغبتك في الإمامة من باب حب التصدر، أو فيها شيء من الإعجاب بالنفس.
فعليك الاهتمام بنفسك وتزكيتها بالعلم النافع والعمل الصالح، ودع عنك طلب الإمامة والتطلع لها.
ونسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1586)
استخلاف الإمام من فاتته ركعات ليصلي بالجماعة
[السُّؤَالُ]
ـ[ذهبت إلى المسجد لصلاة العشاء فوجدت الجماعة قد سبقوني بركعتين، وبعد أن كبرت للدخول في الصلاة حصل للإمام عذر جعله يقطع الصلاة ويضعني إماماً مكانه، فماذا أفعل في هذه الحالة وأنا مسبوق بركعتين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"يصلي الركعتين المكملتين لصلاة الجماعة ويجلس للتشهد، فإذا تشهد التشهد الأول له والأفضل أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويشير لهم أن يجلسوا حتى يفرغ ويسلم بهم جميعاً ويشير لهم حتى يجلسوا ولا يتابعوه، فإذا قضى الركعتين اللتين عليه سلم بهم جميعاً؛ لأنه معذور في هذه الحالة، وهم معذورون فهو يقوم حتى يكمل صلاته وهم ينتظرونه لأنه قام لعذر فيسلم بهم جميعاً هذا هو المشروع، ولو أنه استخلف إنساناً لم يفته شيء لكان أولى، لكن ما دام استخلفه فإن الصلاة صحيحة والحمد لله" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (2/962) .
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
فتاوى نور على الدرب(5/1587)
الائتمام بالمسبوق إذا قام يتم صلاته بعد سلام الإمام
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا وجدت الإمام قد سلم ولا يزال بعض المأمومين ممن فاتته بعض الركعات مع الإمام يقضيها فهل يجوز لي أن أصلي خلفه مؤتماً به لجماعة ثانية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الأمر في هذا واسع، إن صليت وحدك فهو أحوط وأولى خروجاً من خلاف العلماء، وإن كان معك جماعة فالأولى والأفضل أن تصلوا جميعاً، ولا تصلوا مع المسبوق، وإن صليت مع المسبوق وجعلته إماماً لك فلا حرج في ذلك على الصحيح، والصلاة صحيحة إن شاء الله، لكن الأفضل والأولى لك أن تصلي وحدك لأن كثيراً من أهل العلم لا يرون إمامة المسبوق الذي قام ليقضي ما عليه، فإن صليت معه فلا حرج كما لو دخلت مع إنسان يصلي وحده وجعلته إماماً لك وصليت معه، فإنه لا حرج في ذلك والجماعة مطلوبة" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (2/964) .
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
فتاوى نور على الدرب(5/1588)
لا حرج في إمامة المتيمم بالمتوضئين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمتيمم أن يصلي إماماً لعدم وجود من يصلي إماماً غيره؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"يجوز أن يصلي المتيمم بالمتوضئين إذا تيمم لعذر شرعي من الحدث الأصغر أو الأكبر جاز أن يؤم الذين تطهروا بالماء، لا حرج في ذلك ولا بأس، ولو وجد من يصلح للإمامة، إذا كان صالحاً للإمامة، وأمَّهم فلا بأس بذلك" انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (2/654)(5/1589)
هل الأفضل أن يؤم الناس للتروايح أو يصلي مأموماً في المسجد الحرام
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب من سكان مكة وأحفظ 10 أجزاء من القرآن فأيهما أفضل أصلي التراويح في المسجد الحرام أم الإمامة بالناس؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
أولاً: إذا كان الإنسان قائماً على مسجد، ومكلفاً بإمامة المصلين فيه من الجهات المسئولة أو القائمين على المسجد، ويتقاضى على ذلك مكافأة شهرية، لزمه القيام بواجب الإمامة كما ينبغي، ولا يجوز له الإخلال بها، ولا التخلّف عنها إلا لعذر غالب.
وليس له ترك المسجد القائم عليه، للصلاة في مسجد آخر، ولو كان المسجد الحرام، اللهم إلا أن يقيم مقامه الكفء الذي يرضى عنه أهل المسجد، وتوافق عليه الجهات المسئولة عن المسجد.
قال الشيخ ابن عثيمين: " إذا كان الإنسان موظفاً، أو كان إماماً في مسجد فإنه لا يدع الوظيفة، أو يدع الإمامة ويذهب إلى الصلاة في المسجد الحرام، لأن الصلاة في المسجد الحرام سنة، وأما القيام بالواجب الوظيفي فإنه واجب، ولا يمكن أن يترك الواجب من أجل فعل السنة.
وقد بلغني أن بعض الأئمة يتركون مساجدهم ويذهبون إلى مكة من أجل الاعتكاف في المسجد الحرام، أو من أجل صلاة التراويح، وهذا خطأ؛ لأن القيام بالواجب واجب، والذهاب إلى مكة لإقامة التراويح أو الاعتكاف ليس بواجب ". انتهى من " مجموع الفتاوى والرسائل" (14/241) .
ثانياً: أما إذا كان الإنسان متطوعاً بالإمامة، ويوجد من يقوم مقامه في هذا الأمر، فالأفضل له أن يصلي في المسجد الحرام لعظم أجر الصلاة فيه.
وليس لمن كان مقيماً في مكة أن يزهد في هذا الفضل، بناء على أن فضل الصلاة في المسجد الحرام يشمل جميع مساجد الحرم.
قال الشيخ ابن باز: " الصلاة في المسجد الحرام الذي قرب الكعبة أفضل من وجوه: لكثرة الجمع، ولقربه من الكعبة ومشاهدتها، وللاحتياط في ذلك، واليقين بأنه تضاعف له الصلاة إذا قبلها الله منه، بخلاف من كان في المساجد الأخرى، فإن في ذلك خلافا بين العلماء ".. انتهى "مجموع الفتاوى" ابن باز (30 /78) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1590)
هل من السنة أن يصلي المؤذن خلف الإمام مباشرة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من السنة أن يقف المؤذن خلف الإمام مباشرة (100%) ؟ أرجو إفادتي حتى نسلم من الأخذ والرد في المسجد.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس في موقف المؤذن خلف الإمام سنة معينة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، والوارد في ذلك فقط هو استحباب قرب أولي الأحلام والنهى من الإمام، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (لِيَلِنِي مِنكُم أُولُو الأَحلَامِ وَالنُّهَى) رواه مسلم (432) .
ولكن لا مانع من ترك مكان خلف الإمام يقف فيه المؤذن حين يفرغ من إقامة الصلاة، ليجد مكاناً مناسباً يصلي فيه دون أن يقطع الصفوف، ولا بأس أن يكون هذا المكان مائلاً قليلاً عن موقع الإمام يميناً أو يساراً.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(5/1591)
يكره للإمام تخصيص نفسه بالدعاء المشترك دون المأمومين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل دعاء الإمام لنفسه في صلاة الجماعة يعتبر خيانة للمأمومين، وهل ذلك جائز، أم إنه يجب أن يدعو للمأمومين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الدعاء الذي يشترك فيه الإمام والمأمومون في صلاة الجماعة؛ يعني: أن الإمام يدعو، ويؤمن المأمومون، هو الذي يكره فيه للإمام أن يخص نفسه بالدعاء دون المأمومين، وذلك لما جاء عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ثَلَاثٌ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَفْعَلَهُنَّ: لَا يَؤُمُّ رَجُلٌ قَوْمًا فَيَخُصُّ نَفْسَهُ بِالدُّعَاءِ دُونَهُمْ، فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ خَانَهُمْ. وَلَا يَنْظُرُ فِي قَعْرِ بَيْتٍ قَبْلَ أَنْ يَسْتَأْذِنَ، فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ دَخَلَ. وَلَا يُصَلِّي وَهُوَ حَقِنٌ حَتَّى يَتَخَفَّفَ) .
رواه أبو داود (رقم/90) والترمذي (357) وقال حديث ثوبان حديث حسن.
وقد ضعف هذا الحديث ابن خزيمة، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، وغيرهم.
انظر: ضعيف أبي داود، للشيخ الألباني (12، 13) .
وعلى تقدير ثبوت الحديث، فالمراد به ما ذكرناه أولا: أن يخص نفسه في دعاء يشاركه المأمومون فيه.
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لرجل يؤمُّ قوما فيخص نفسه بالدعاء دونهم فإن فعل فقد خانهم) هل يستحب للإمام أنه كلما دعا الله عز وجل أن يشرك المأمومين؟ وهل صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يخص نفسه بدعائه في صلاته دونهم؟ فكيف الجمع بين هذين؟
فأجاب:
" ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم:
(أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال: أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب. اللهم نقني من خطاياي كما يُنَقَّى الثوب الأبيض من الدنس. اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد)
فهذا حديث صحيح صريح في أنه دعا لنفسه خاصة وكان إماما، وكذلك حديث علي في الاستفتاح الذي أوله: (وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض - فيه - فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها فإنه لا يصرف عني سيئها إلا أنت)
وكذلك ثبت في الصحيح أنه كان يقول بعد رفع رأسه من الركوع بعد قوله: (لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت)
وجميع هذه الأحاديث المأثورة في دعائه بعد التشهد مِن فعله ومِن أمره لم يُنقَل فيها إلا لفظ الإفراد، كقوله: (اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال) .
وكذا دعاؤه بين السجدتين وهو في السنن من حديث حذيفة، ومن حديث ابن عباس، وكلاهما كان النبي صلى الله عليه وسلم فيه إماما، أحدهما بحذيفة، والآخر بابن عباس.
وحديث حذيفة: (رب اغفر لي، رب اغفر لي) ، وحديث ابن عباس فيه: (اغفر لي، وارحمني، واهدني، وعافني، وارزقني) ونحو هذا.
فهذه الأحاديث التي في الصحاح والسنن تدل على أن الإمام يدعو في هذه الأمكنة بصيغة الإفراد. وكذلك اتفق العلماء على مثل ذلك، حيث يرون أنه يشرع مثل هذه الأدعية.
وإذا عرف ذلك تبين أن الحديث المذكور - إن صح -: فالمراد به الدعاء الذي يؤمِّنُ عليه المأموم: كدعاء القنوت، فإن المأموم إذا أمَّنَ كان داعيا، قال الله تعالى لموسى وهارون: (قد أجيبت دعوتكما) ، وكان أحدهما يدعو والآخر يؤمِّنُ.
وإذا كان المأموم مؤمِّنًا على دعاء الإمام، فيدعو صيغة الجمع كما في دعاء الفاتحة في قوله: (اهدنا الصراط المستقيم) ، فإن المأموم إنما أمَّن لاعتقاده أن الإمام يدعو لهما جميعا، فإن لم يفعل فقد خانَ الإمامُ المأمومَ.
فأما المواضع التي يدعو فيها كل إنسان لنفسه، كالاستفتاح، وما بعد التشهد، ونحو ذلك، فكما أن المأموم يدعو لنفسه، فالإمام يدعو لنفسه " انتهى باختصار.
" مجموع الفتاوى " (23/116-118)
ويقول العراقي رحمه الله:
" من أدب الدعاء أنَّ مَن دعا بمجلس جماعةٍ لا يخص نفسه بالدعاء مِن بينهم، أو لا يخص نفسه وبعضَهم دون جميعهم، ويتأكد استيعاب الحاضرين على إمام الجماعة، فلا يخص نفسه دون المأمومين، لما روى أبو داود، والترمذي من حديث ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤم رجل قوما فيخص نفسه بدعوة دونهم، فإن فعل فقد خانهم) قال الترمذي: حديث حسن.
والظاهر أن هذا محمول على ما لا يشاركه فيه المأمومون، كدعاء القنوت ونحوه، فأما ما يدعو كل أحد به كقوله بين السجدتين: (اللهم اغفر لي، وارحمني، واهدني) فإن كلا من المأمومين يدعو بذلك، فلا حرج حينئذ في الإفراد، إلا أنه يحتمل أن بعض المأمومين يترك ذلك نسيانا أو لعدم العلم باستحبابه، فينبغي حينئذ أن يجمع الضمير لذلك " انتهى باختصار.
" طرح التثريب " (2/136-137)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1592)
إمام يضيع صلاة الفجر ومتهم في قضايا مالية
[السُّؤَالُ]
ـ[إمام مسجدنا يتصرف بشكل سيء وأريد أن أعرف الحكم في هذا الأمر. يقوم هذا الرجل بمعارضة خطة تدريس جديدة التي من شأنها أن ترتقي بالمسجد. ويقال ـ أيضا ـ: إنه يمارس السحر. علاوة على ذلك , فهو يضيّع صلاة الفجر كثيراً كثيرا , ويقوم باستخدام الهاتف خلال الحصص الدراسية. وأيضا هذا الإمام تم طرده من ثلاثة مساجد أخرى لسلوكه السيئ ولقضايا مالية. فما حكمه وحكم الصلاة خلفه؟ وهل يجب طرده؟ وهل تأثم لجنة المسجد إذا أبقته؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ينبغي أن يختار للإمامة من عرف بالصلاح والاستقامة والحرص على نفع الناس؛ لأن الإمامة منصب شريف، والعامل فيها قائم مقام الأنبياء والخلفاء والعلماء، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ سِلْمًا) رواه مسلم (673) .
فاختار صلى الله عليه وسلم للإمامة الأفضل والأكمل.
والإمام إن كان على ما ذكرت من التقصير والتهمة فينبغي أن لا يولى الإمامة ابتداء، وأن يعزل منها بعد توليها إن لم يترتب على عزله مفسدة أكبر.
وقد روى أبو داود (481) أَنَّ رَجُلا أَمَّ قَوْمًا فَبَصَقَ فِي الْقِبْلَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ فَرَغَ: (لا يُصَلِّي لَكُمْ، فَأَرَادَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُصَلِّيَ لَهُمْ فَمَنَعُوهُ، وَأَخْبَرُوهُ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: نَعَمْ، وَحَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّكَ آذَيْتَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) والحديث حسنه الألباني في صحيح أبي داود.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " الأئمة متفقون على كراهة الصلاة خلف الفاسق، لكن اختلفوا في صحتها، فقيل: لا تصح، كقول مالك وأحمد في إحدى الروايتين عنهما، وقيل: بل تصح، كقول أبى حنيفة والشافعي، والرواية الأخرى عنهما، ولم يتنازعوا أنه لا ينبغي توليته " انتهى من "مجموع الفتاوى" (23/358) .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " فإذا أمكن للإنسان أن لا يقدم مظهراً للمنكر في الإمامة وجب عليه ذلك. لكن إذا ولاه غيره، ولم يُمكنه صرفه عن الإمامة، أو كان لا يتمكن من صرفه عن الإمامة إلا بشر أعظم ضرراً من ضرر ما أظهر من المنكر: فلا يجوز دفع الفساد القليل بالفساد الكثير، ولا دفع أخف الضررين بحصول أعظمهما، فإن الشرائع جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها بحسب الإمكان " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (9/377) .
وأما الصلاة خلفه فصحيحة ولو كان فاسقا، على الراجح من قولي العلماء، وينظر جواب السؤال رقم (13465) .
أما إذا ثبت ما يقال عنه: إنه يعمل السحر: فهذا لا يجوز أن يُجعل إماما، ولا أن يُصلَّى خلفه.
والخلاصة: أنه ينبغي بذل النصح لمثل هذا الرجل، أولا، وتذكيره بأنه قدوة لغيره، وأنه يقبح منه ما لا يقبح من غيره، وأن عليه البعد عن مواطن التهم، والاجتهاد في أداء عمله، والقيام بالأمانة التي أنيطت به.
ثم على اللجنة القائمة على أمر المسجد أن تعزله عن الإمامة، ما دام ذلك في إمكانها، وأن تولي من هو أصلح لذلك المنصب منه، وأبعد عن مواطن التهم، وأدعى إلى ائتلاف القلوب.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1593)
حكموا على إمامهم الذي توسل بحق النبي أنه مشرك! وتركوا الصلاة وراءه وأحدثوا لغطاً
[السُّؤَالُ]
ـ[في إحدى ليالي العشر تقدم بنا لصلاة الوتر أحد نواب إمام المسجد، وهو رجل عامي، غير متمكن في العلم الشرعي، لكن فيه خير، نحسبه كذلك، ولا نزكي على الله أحداً، فعندما كان يقنت سأل الله عز وجل بحق محمد، فحصل لغط في تلك الليلة من قبَل بعض الشباب، وصنفوا الرجل بأنه مشرك! ولا يجوز لرواد المسجد أن يصلوا خلفه إذا تقدم بهم هذا الإمام، وبناءً على هذه الفتوى فقد طبقت على أرض الواقع في الليلة التالية لليلة تلك المشكلة، حيث انتظر بعض الشباب - وهم قلة قليلة مقارنة برواد المسجد - دخول ذلكم الإمام لصلاة الوتر إلى مؤخرة المسجد للقيام بجماعة أخرى تؤدى فيها صلاة الوتر، وبعد صلاتهم هذه حصل في المسجد خلاف، وانقسام، فهل هذا الفعل صحيح؟ وهل يصنف الإمام بأنه مشرك بسبب الدعاء بلفظة " بحق محمد "؟ وإذا أخطأ إمام بمثل هذا الأمر هل يشرع للناس أن ينشقوا عنه ويُحدثوا جماعة أخرى تصلي بنفس وقت صلاة الإمام؟ وما هي نصيحتكم لمن شملهم السؤال – الإمام، والمنشقون، بقية المأمومين -؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ما فعله هؤلاء الذين حكموا على الإمام أنه مشرك، لأنه سأل الله تعالى بحق محمد صلى الله عليه وسلم: فعل منكر، وليس يعني هذا أن الإمام أصاب في قوله، بل هو مخطئ، وواقع في بدعة، لكن ما فعله أولئك منكر أيضاً، وهم لم يصفوا فعله بأنه شرك، بل تعدى ذلك إلى الحكم عليه بأنه مشرك، ورتبوا على ذلك عدم الصلاة خلفه، والواجب عليهم التمهل في إطلاق الأحكام، والرجوع لأهل العلم، وعدم الجرأة في تكفير الناس.
والتوسل المشروع أنواع، وقد ذكرناها في جواب السؤال رقم: (979) ، والسؤال بجاه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وحقه، وجاه الصالحين وحقهم: ليس شركاً، وأعلى ما يقال فيه أنه وسيلة إلى الشرك، لا أنه شرك بذاته.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
أما إذا توسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: اللهم إني أسألك بجاه محمد، أو بحق محمد: فهذا بدعة، عند جمهور أهل العلم، نقص في الإيمان، ولا يكون مشركاً، ولا يكون كافراً، بل هو مسلم، ولكن يكون هذا نقصاً في الإيمان، وضعفاً بالإيمان، مثل بقية المعاصي التي لا تخرج عن الدين ; لأن الدعاء، ووسائل الدعاء: توقيفية، ولم يرد في الشرع ما يدل على التوسل بجاه محمد صلى الله عليه وسلم، بل هذا مما أحدثه الناس، فالتوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم، أو بجاه الأنبياء، أو بحق النبي، أو بحق الأنبياء، أو بجاه فلان، أو بجاه علي، أو بجاه أهل البيت: كل هذا من البدع , والواجب ترك ذلك، لكن ليس بشرك، وإنما هو من وسائل الشرك، فلا يكون صاحبه مشركاً، ولكن أتى بدعة تنقص الإيمان، وتضعف الإيمان، عند جمهور أهل العلم.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (7 / 129، 130) .
وقال – رحمه الله -:
فلا يقول الإنسان: اللهم اغفر لي بحق فلان، أو بحق محمد، أو بحق الصالحين، أو بحق الأنبياء، أو بجاه الأنبياء، أو بحرمة الأنبياء، أو ببركة الأنبياء، أو ببركة الصالحين، أو ببركة علي، أو ببركة الصديق، أو ببركة عمر، أو بحق الصحابة، أو حق فلان، كل هذا لا يجوز، هذا خلاف المشروع، وبدعة، وهو ليس بشرك، لكنه بدعة، لم يرد في الأسئلة التي دعا بها النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك أصحابه رضي الله عنهم.
وإنما يتوسل بما شرعه الله من أسماء الله، وصفاته، ومن توحيده، والإخلاص له، ومن الأعمال الصالحات، هذه هي الوسائل ... .
" فتاوى نور على الدرب " (1 / 356) .
وبه يتبين أن ما قام به أولئك الذين حكموا على الإمام بأنه مشرك: أنهم وقعوا في الخطأ، من جهة الشرع، ومن جهة الإمام، فالواجب عليهم التوبة من فعلهم، والندم على حكمهم، وعدم العود لمثل هذا الفعل، مع طلب السماح من الإمام.
ثانياً:
الصلاة خلف أهل البدع – وإمامكم إن استمر على توسله فيكون منهم -: جائزة، إن كانت بدعتهم غير مكفِّرة، ومع جواز الصلاة خلف الإمام المبتدع، فإنه يجوز ترك الصلاة وراءه للصلاة في مسجد آخر زجرا له إن كان سينتهي عن بدعته بمثل ذلك، ولا يجوز ترك الصلاة وراءه وعمل صلاة في وقت الجماعة الأولى، ولا ترك الصلاة وراءه والصلاة في البيت، بل شرط ترك الصلاة وراءه: نفع ذلك الهجر له، وإقامة الصلاة في مسجد سنِّي.
وقد ذكرنا هذه المسألة بتفصيل في جواب السؤالين: (20885) و (40147) .
ثالثاً:
النصيحة للإمام أن يتقي الله تعالى ربَّه في اعتقاده، وعبادته، وأن يدع ما عليه أهل البدع، وأن يلتزم طريق أهل السنَّة والجماعة.
والنصيحة لأولئك المنشقين: أن يتوبوا من جرأتهم على الفتوى، وعلى الحكم على الإمام بأنه مشرك، وأن يعتذروا منه، وأن يرجعوا لمسجدهم ليقيموا الصلاة خلف إمامهم، ولا يحل لهم الصلاة معه في الوقت نفسه في جماعة أخرى، وليتحلوا بالأخلاق الفاضلة، وليتدرجوا في دعوة الناس إلى الحق، فإن الحق ثقيل، وغريب في كثير من ديار المسلمين.
نسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقّاً، ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً، ويرزقنا اجتنابه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1594)
صوته فيه خشوع، وهو يقنت الفجر يوم الجمعة، فهل أصلي خلفه التراويح؟
[السُّؤَالُ]
ـ[عندنا في المنطقة إمام، أكرمه الله بصوت عذب، تقشعر له الأبدان، لكن هذا الإمام لديه عادة أقرب ما تكون إلى الابتداع وهي القنوت في فجر كل جمعة! فما حكم الصلاة خلفه ولو كانت نافلة كقيام ليل رمضان؟ مع العلم بوجود مساجد كثيرة - ولله الحمد - لكن أئمتها صوتهم عادي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
اختلف العلماء في حكم القنوت في صلاة الفجر كل يوم، فذهب بعضهم إلى أنه سنة، وذهب آخرون إلى أنه بدعة مكروهة.
وهذا القول الثاني هو الصحيح، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (20031) .
وبهذا يظهر أن ما يفعله هذا الإمام شيء محدَث لا أصل له.
فينبغي نصحه بأن يعيد النظر فيما يفعله، وأن عليه أن يأخذ بأحد القولين السابقين: إما القنوت في الفجر كل يوم، وإما ترك القنوت، حسب ما يظهر له من الأدلة.
ثانياً:
أما صلاة التراويح خلفه، فلا مانع من ذلك، لأن قنوته في الفجر لا علاقة له بصلاة التراويح، ثم إن الذي يظهر أنه يقنت في فجر الجمعة متأولاً، ظناً منه أن في هذا فضيلة خاصة.
وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
ما حكم تتبع المساجد طلبا لحسن صوت الإمام؛ لما ينتج عن ذلك من الخشوع، وحضور القلب؟ .
فأجاب:
"الأظهر - والله أعلم -: أنه لا حرج في ذلك، إذا كان المقصود أن يستعين بذلك على الخشوع في صلاته، ويرتاح في صلاته، ويطمئن قلبه؛ لأنه ما كل صوت يريح، فإذا كان قصده من الذهاب إلى صوت فلان، أو فلان: الرغبة في الخير، وكمال الخشوع في صلاته: فلا حرج في ذلك، بل قد يُشكر على هذا، ويؤجر على حسب نيته، والإنسان قد يخشع خلف إمام، ولا يخشع خلف إمام؛ بسبب الفرق بين القراءتين، والصلاتين، فإذا كان قَصَدَ بذهابه إلى المسجد البعيد أن يستمع لقراءته لحسن صوته، وليستفيد من ذلك، وليخشع في صلاته، لا لمجرد الهوى، والتجول، بل لقصد الفائدة، والعلم، وقصد الخشوع في الصلاة: فلا حرج في ذلك، وقد ثبت في الحديث الصحيح عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (أعظم الناس أجرا في الصلاة أبعدهم فأبعدهم ممشى) فإذا كان قصده أيضا زيادة الخطوات: فهذا أيضا مقصد صالح" انتهى.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (11 / 328، 329) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1595)
إمامة من يعجز عن بعض أركان الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تجوز إمامة من يعجز عن فعل بعض أركان الصلاة أو شروطها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"المشهور من المذهب [يعني: مذهب الإمام أحمد] أن العاجز عن الشرط, أو الركن لا يكون إماماً للقادر.
ولكن ليس في هذا دليل يطمئن إليه القلب, والراجح عندي: أنه يجوز, وأن من صحت صلاته صحت إمامته. إلا أن يقوم نص, أو إجماع خلاف ذلك, فيؤخذ بما يقتضيه النص, أو الإجماع, وقد ثبت عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال عن الإمام: (إذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعون) والمصلي قاعداً عاجز عن القيام، وهو ركن في الفريضة" انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (15/150) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1596)
إمامة الأعرج الأكثر حفظاً
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا وجد رجل أحسن من غيره للإمامة، ولكنه أعرج لا يستطيع أن يثني رجليه، فهل يقدم على غيره في الإمامة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الرجل الذي تذكر أنه أحسن من غيره للإمامة، وإنما هو أعرج لا يستطيع أن يثني رجليه بالسجود ولا بالقعود، فلا يضر ذلك، بل هو أولى من غيره بالإمامة إذا كان أحسن من غيره وأقرأ، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم، (يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ) .
والنقص الذي فيه لا يخل بإمامته، لأنه لم يترك واجباً عليه في صلاته" انتهى.
فضيلة الشيخ السعدي رحمه الله.
"الفتاوى السعدية" (ص167) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1597)
حكم الفتح على الإمام، ومتى يفتح؟
[السُّؤَالُ]
ـ[متى يفتح على الإمام؟ وهل يرد عليه إن غير في الحركات كأن رفع المنصوب أو نصب المرفوع؟ وماذا يفعل المأموم إذا علم أن الإمام سوف يرتبك إذا رد عليه؟ وهل يرد عليه إذا زاد أو نقص شيئاً قليلاً كزيادة الواو أو ما شابهه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا أخطأ الإمام في القراءة على وجه يخل بالمعنى فالواجب أن يرد عليه سواء في الفاتحة أو غيرها, وإذا كان لا يخل بالمعنى فإن الأفضل أن يرد عليه, ولا يجب" انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (15/180) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1598)
ماذا يفعل المأموم إذا قرأ آية فيها سجدة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا أفعل إذا قرأت سورة فيها سجدة، وأنا أصلي خلف الإمام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" لا تسجد؛ لأن متابعة الإمام واجبة، وسجود التلاوة سنة، وفي حال كون الإنسان مأموماً لا يجوز له أن يسجد، فإن سجد متعمداً مع علمه بأن ذلك لا يجوز بطلت صلاته " انتهى.
الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
"فتاوى إسلامية" (1/290) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1599)
حكم سبق المأموم لإمامه في التأمين
[السُّؤَالُ]
ـ[الفضل الذي ورد في الحديث لمن وافق إمامه في التأمين حتى يوافق تأمين الملائكة، هل مَنْ سبق إمامه يدخل في هذا الفضل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" من سبق إمامه في هذا فإنه لا يدخل في هذا الفضل؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال: (فمن وافق) لكن لو فرض أن الإمام تأخر فحينئذٍ لا حرج على المأموم أن يؤمن " انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
"لقاءات الباب المفتوح" (1/162) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1600)
ماذا يفعل من شق عليه تطويل الإمام في السجود أو غيره؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان يشق عليَّ تطويل الإمام في السجود، فماذا أفعل؟ هل أسجد مع الإمام ثم أرفع قبله؟ أم أتأخر عنه في السجود؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" إذا كان لا يستطيع السجود، من حين يكبر الإمام حتى يرفع، فإنه يسجد مع الإمام، فإن شق عليه السجود، فيرفع قدر ما يقدر قربه من الأرض، ولا يكون هذا مفارقاً إمامه، فإن كان لا يقدر السجود على الأرض، فيسجد قدر ما يستطيع من الأرض" انتهى.
سماحة الشيخ محمد بن ابراهيم رحمه الله.
"الدرر السنية" (4/421) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1601)
هل يؤمن المصلي في السرية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا انتهى الإنسان من الفاتحة في الصلاة السرية هل يؤمن أم لا؟ وهل يجهر بالتأمين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا انتهى من الفاتحة يقول: آمين في الصلاة السرية والجهرية، لكن لا يجهر بها في الصلاة السرية، ويجهر بها في الصلاة الجهرية" انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
"لقاءات الباب المفتوح" (3/488) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1602)
حكم الصلاة خلف الشيعي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل لنا أن نصلي خلف الشيعي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ينبغي أن يُعرف عقيدة الشيعة حتى يُعرف حكم الصلاة خلفه.
ولمعرفة عقيدتهم يراجع للأهمية جواب سؤال رقم (4569) .
أما الصلاة خلف من هذا حاله فقال الشيخ ابن باز رحمه الله:
لا تجوز الصلاة خلف جميع المشركين، ومنهم من يستغيث بغير الله ويطلب منه المدد، لأن الاستغاثة بغير الله من الأموات والأصنام والجن وغير ذلك من الشرك بالله سبحانه..
فتاوى الشيخ ابن باز ج/2 ص/396
وقال: كل إمام عُلم أنه يغلو في آل البيت فإنه لا يُصلى خلفه، ومن لم يُعرف بذلك أو غيرهم من المسلمين فإنه يصلى خلفه.
فتاوى الشيخ ابن باز م/12 ص/107
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1603)
حكم الإمامة للمصلين والرأس مكشوف
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للإمام أن يصلي بالناس ورأسه مكشوف؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم يجوز أن يصلي مكشوف الرأس، إلا أن الأحسن أن يغطيه، لأنه أكمل في المروءة، وأن يستر عاتقيه على مذهب الإمام أحمد لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء) رواه البخاري 1/498 ومسلم رقم 516، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد الله بن حميد ص 77(5/1604)
يمتنع عن الإمامة وتعليم القرآن لأنه يقع في بعض المعاصي
[السُّؤَالُ]
ـ[في قريتنا 5 مساجد والسادس قيد الإنشاء ولا يوجد فيها كلها إمام فبعضها فيه مؤذن والباقي ليس فيها وفي يوم الجمعة يأتينا خطيب قد لا يتقن الفاتحة وهو مخصص من وزارة الأوقاف. وفي غير الجمعة يصلي بنا المؤذن ويقرأ الفاتحة جيدا وباقي السور يغير في بعض الحركات والأحكام والحروف أحيانا.وعندنا شاب يتقن القراءة حتى إنه يعلم القرآن أحيانا ويحاول حفظه ويطلب العلم أحيانا لكنه يرتكب المعاصي كالنظر إلى النساء وغيرها ويترك أحيانا قراءة القرآن ومطالعة كتب العلم والأحاديث ولا يقبل بأن يؤم الناس وأن يعلم القرآن بسبب ارتكابه للمعاصي ولأنه أعزب ولأن أخته تدير البلدية (في بلادنا يقل من يغطي وجهه من النساء ويكثر الاختلاط بين الأقارب) وهو كما يقول يشك في الإخلاص حتى إنه ترك الزواج لأن أقاربه يجلسون ونساءهم مع بعض دون تغطية الوجوه ويخاف أن لا يستطيع منع زوجته من الجلوس معهم.ما الحل جزاكم الله خيرا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ينبغي أن يقدم للإمامة الأقرأ لكتاب الله، العالم بالسنة المطبق لها؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ سِلْمًا) رواه مسلم (673) ، وقوله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا كَانُوا ثَلاثَةً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَحَدُهُمْ وَأَحَقُّهُمْ بِالإِمَامَةِ أَقْرَؤُهُمْ) رواه مسلم (672) .
فإن لم يوجد، فيقدم الأمثل فالأمثل.
ثانيا:
من كان يخطئ في قراءة الفاتحة بإسقاط بعض الحروف، أو تغيير معنى الآيات: فصلاته باطلة؛ لأن الفاتحة ركن من أركان الصلاة، ويجب عليه أن يصحح قراءته، وأن يتعلم قراءة الفاتحة على الصواب؛ إلا أن يعجز عن تعلم ذلك، بعد اجتهاده فيه، فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها. لكنه إن كان إماماً فلا يصلي وراءه إلا من كان مثله أو دونه في إقامة الفاتحة.
وينظر جواب السؤال رقم (70270) .
ثالثا:
ينبغي نصح هذا الشاب المتقن لقراءة القرآن بتقوى الله تعالى، والبعد عن المعاصي، والإقبال على نفع الناس تعليما وإقراء، ولا يضره كون أخته تكشف وجهها أو تعمل عملا مختلطا، فإنه لا تزر وازرة وزر أخرى.
وليعلم أن الوقوع في المعاصي لا يمنع من الإمامة، ومن سائر أبواب الخير الأخرى، وأن الشيطان قد يصرف الإنسان عن الخير بهذه الحجة وهي وقوعه في المعاصي.
فعليه أن يبادر بفعل الخير، وأن يجتنب الشر ما أمكن، وليعقد العزم على ذلك، وليخلص نيته لله تعالى، ولا يلتفت لوسوسة الشيطان، وإن كان قادرا على الزواج فليتزوج، وليختر من النساء: المستقيمةَ الصالحةَ الحريصةَ على الحجاب والعفة، وسيجدها بإذن الله.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1605)
أيهما أفضل الإمامة أم الأذان؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أيها أفضل: الإمامة في الصلاة أم الأذان والإقامة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اختلف أهل العلم في المفاضلة بين الإمامة والأذان، فاختار بعضهم تفضيل الإمامة لأنها مقام النبي صلى الله عليه وسلم، واختار بعضهم تفضيل الأذان لأن الأحاديث الواردة في فضله أعظم.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (32/157-158) :
" اختلف الفقهاء في أنه هل الأذان أفضل أم الإمامة؟
فذهب الحنفية في المعتمد وهو المشهور عند المالكية , وهو قول عند بعض أصحاب الشافعي , ورواية عند أحمد , إلى أن الإمامة أفضل من الأذان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم تولاها بنفسه , وكذلك خلفاؤه الراشدون , ولم يتولوا الأذان , وهم لا يختارون إلا الأفضل , ولأن الإمامة يختار لها من هو أكمل حالا وأفضل.
وذهب الشافعية والحنابلة في الراجح عندهما , وهو قول عند الحنفية والمالكية إلى أن الأذان أفضل من الإمامة , لقوله تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِل صَالِحًا) فصلت/33، قالت عائشة رضي الله عنها: نزلت في المؤذنين.
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا) أخرجه البخاري ومسلم.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة) أخرجه مسلم.
ولقوله صلى الله عليه وسلم: (الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن , اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين) أخرجه الترمذي.
والأمانة أعلى وأحسن من الضمان , والمغفرة أعلى من الإرشاد , قالوا: كون النبي صلى الله عليه وسلم لم يقم بمهمة الأذان ولا خلفاؤه الراشدون يعود السبب فيه لضيق وقتهم عنه , لانشغالهم بمصالح المسلمين التي لا يقوم بها غيرهم , فلم يتفرغوا للأذان , ومراعاة أوقاته , قال الموَّاق: إنما ترك النبي صلى الله عليه وسلم الأذان لأنه لو قال حي على الصلاة , ولم يعجلوا لحقتهم العقوبة , لقوله تعالى: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) النور/63 وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لولا الخلافة لأذَّنتُ.
وفي قول عند الحنفية والشافعية والمالكية أنهما سواء في الفضل.
وفي قول آخر عند كل من المالكية والشافعية أنه إن علم من نفسه القيام بحقوق الإمامة وجميع خصالها فهي أفضل , وإلا فالأذان أفضل " انتهى.
انظر: "حاشية ابن عابدين" (1/260، 370) ، "مواهب الجليل" (1/422) ، "المجموع" للنووي (3/78) ، "كشاف القناع" (1/231) ، "المغني" لابن قدامة (1/403)
وقد رجح بعض مشايخنا المعاصرين القول بتفضيل الأذان على الإمامة.
فقد سئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: أيهما أفضل الأذان أم الإمامة؟
فأجاب:
"هذه المسألة محل خلاف بين أهل العلم، والصحيح أن الأذان أفضل من الإمامة، لورود الأحاديث الدالة على فضله، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا) .
وكقوله صلى الله عليه وسلم: (المؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة) .
فإن قال قائل: الإمامة ربطت بأوصاف شرعية مثل: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله) ، ومعلوم أن الأقرأ أفضل، فقرنها بأقرأ يدل على أفضليتها.
فالجواب: أننا لا نقول لا أفضلية في الإمامة، بل الإمامة ولاية شرعية ذات فضل، ولكننا نقول: إن الأذان أفضل من الإمامة لما فيه من إعلان ذكر الله تعالى، وتنبيه الناس على سبيل العموم، ولأن الأذان أشق من الإمامة، وإنما لم يؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون؛ لأنهم اشتغلوا بأهم من المهم، لأن الإمام يتعلق به جميع الناس فلو تفرغ لمراقبة الوقت لانشغل عن مهمات المسلمين" انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (12/سؤال رقم/78) .
ولكننا ننبه إلى أن الواجب دائما هو إخلاص العمل وإتقانه، فهو الميزان الحقيقي للمفاضلة، فرُبَّ عملٍ مفضول يرتفع به صاحبه عند الله تعالى درجات في الجنة، ورب عمل فاضل يذهب هباء على صاحبه بسبب ريائه وعدم إخلاصه لله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1606)
إذا كان الإمام يقنت في الفجر سرا فهل يقنت أم يسكت
[السُّؤَالُ]
ـ[الإمام الذي يصلى بنا الفجر في الركعة الثانية بعد قراءة الفاتحة وسورة يصمت دقائق، فهل هناك شيء وارد عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا؟ وهل يجوز أن أدعو فيها؟ لأنه يفعل هذا في كل صلاة، أم أبقى صامتاً في هذا الوقت؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما يفعله الإمام قبل الركوع من الركعة الثانية هو القنوت، وإسراره به جار على مذهب المالكية، فقد استحبوا أن يكون القنوت في الصبح سرا، وهو أحد الوجهين عند الشافعية.
وأصل القنوت في الفجر محل خلاف بين العلماء، فمنهم من رأى مشروعيته كالمالكية والشافعية، ومنهم من لم ير ذلك كالحنفية والحنابلة.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/449) : " ولا يسن القنوت في الصبح , ولا غيرها من الصلوات , سوى الوتر. وبهذا قال الثوري , وأبو حنيفة. وروي عن ابن عباس , وابن عمر , وابن مسعود , وأبي الدرداء.
وقال مالك , وابن أبي ليلى , والحسن بن صالح , والشافعي: يسن القنوت في صلاة الصبح , في جميع الزمان ; لأن أنسا قال: {ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا} . رواه الإمام أحمد , في " المسند " , وكان عمر يقنت في الصبح بمحضر من الصحابة وغيرهم.
ولنا ما روي , {أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهرا , يدعو على حي من أحياء العرب , ثم تركه} . رواه مسلم. وروى أبو هريرة , وأبو مسعود , عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك. وعن {أبي مالك قال: قلت لأبي: يا أبت , إنك قد صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر , وعمر , وعثمان , وعلي هاهنا بالكوفة نحوا من خمس سنين , أكانوا يقنتون؟ قال: أي بني محدث} . قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، والعمل عليه عند أكثر أهل العلم. وقال إبراهيم النخعي: أول من قنت في صلاة الغداة علي , وذلك أنه كان رجلا محاربا يدعو على أعدائه. وروى سعيد في " سننه " عن هشيم , عن عروة الهمذاني , عن الشعبي قال: لما قنت علي في صلاة الصبح , أنكر ذلك الناس. فقال علي: إنما استنصرنا على عدونا هذا. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: {إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يقنت في صلاة الفجر , إلا إذا دعا لقوم , أو دعا على قوم} . رواه سعيد , وحديث أنس يحتمل أنه أراد طول القيام , فإنه يسمى قنوتا. وقنوت عمر يحتمل أنه كان في أوقات النوازل ; فإن أكثر الروايات عنه أنه لم يكن يقنت , وروى ذلك عنه جماعة , فدل على أن قنوته كان في وقت نازلة " انتهى.
وينظر: الموسوعة الفقهية (34/58) .
ومع أن الراجح عدم القنوت في الفجر إلا في النوازل؛ لكن لا حرج في الصلاة خلف من يقنت فيه، والتأمين على دعائه.
والشافعية يقولون بجواز الائتمام في صلاة الظهر والعصر بمن يصلي الصبح والمغرب، قالوا:
" ولا تضر متابعة الإمام في القنوت في الصبح، والجلوس الأخير في المغرب، كالمسبوق، وله فراقه..، والمتابعة أفضل من مفارقته، كما في المجموع.
فإن قيل: كيف يجوز للمأموم متابعة الإمام في القنوت، مع أنه ليس مشروعا للمأموم..؟
أجيب بأن ذلك اغتفر لأجل متابعة الإمام ... ) مغني المحتاج، للشربيني (1/254) .
وقال شيخ الإسلام رحمه الله:
" إذا اقتدى المأموم بمن يقنت في الفجر أو الوتر قنت معه، سواء قنت قبل الركوع أو بعده , وإن كان لا يقنت لم يقنت معه.
ولو كان الإمام يرى استحباب شيء والمأمومون لا يستحبونه فتركه لأجل الاتفاق والائتلاف كان قد أحسن " انتهى. مجموع الفتاوى (22/268) .
وينظر: سؤال رقم (20031) و (5459) و (59925) .
ولا فرق فيما ذكرناه من متابعة الإمام بين أن يجهر الإمام بالقنوت أو يسر،؛ فإذا جهر الإمام أمَّن المأموم على دعائه، وإن كان يسر بدعائه، كما ورد في السؤال، فإن المأموم يقنت في نفسه، حتى يفرغ إمامه.
وقد ذكر ابن مفلح في "الفروع" (1/542) رواية عن الإمام أحمد أنه إن لم يسمع الإمام: دعا، وهذا وإن كان في قنوت الوتر، فقد نص على أن المؤتم بمن يقنت في الصبح، فيه روايتان: إحداهما السكوت، والأخرى: متابعته كالوتر، وذكر المرداوي في تصحيحه: أن الصحيح أنه يتابعه: فيؤمن ويدعو اهـ
ولذلك صرح الشيخ ابن قاسم رحمه الله في حاشية الروض بالمتابعة هنا، فإنه علق على قول الروض (ومن ائتم بقانت في فجر: تابع الإمام وأمن..) ، بقوله (2/199) :
" أي: تابع الإمام في دعائه، لحديث " إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه "، ونحوه، وأمن المأموم على دعاء إمامه إن سمع القنوت، وإن لم يسمع دعا " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1607)
هل يجوز أن يكون المؤذن هو الإمام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمؤذن بعد أن يقيم الصلاة أن يكون إماماً للمصلين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"نعم؛ يجوز أن يتولى الأذان والإمامة واحد، فإذا كان المؤذن أقرأ من غيره صلى بمن حضره إماماً، وكذا إذا غاب الإمام الراتب وأنابه، كما يجوز أن يتعين بوظيفة الإمام الراتب" انتهى.
فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين.
"فتاوى إسلامية" (1/252) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1608)
إمامة الصبي للمرأة وإمامة المرأة للصبي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لابني البالغ من العمر 7 سنين أن يكون إماماً لي في الصلاة؟ وهل يجوز أن أؤمه في الصلاة لأني والدته؟ ملاحظة: لقد تعلم الصلاة عن طريق محاكاتي ومتابعتي وأنا أصلي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تصح إمامة الصبي الذي يعقل الصلاة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله) رواه مسلم (المساجد ومواضع الصلاة /1078) ولما ثبت في صحيح البخاري عن عمرو بن سلمة الجرمي قال: قدم أبي من عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إذا حضرت الصلاة فليؤمكم أكثركم قرآنا , قال فنظروا فلم يجدوا أحداً أكثر مني قرآنا فقدموني وأنا ابن ست أو سبع سنين) (المغازي/3963) ، انظر: فتاوى اللجنة الدائمة (7/389-390)
ووجه الدلالة من الحديث: (أن هؤلاء الصحابة قدموا عمرو بن سلمة وكان عمره ست سنين، أو سبع سنين) , فدل على جواز إمامة الصبي المميز إذ لو كان غير جائز لنزل الوحي بإنكار ذلك. (أحكام الإمامة والائتمام في الصلاة لعبد المحسن المنيف) .
فإذا كان ابنك يقوم بشروط الصلاة وأركانها وواجباتها فلا بأس أن يؤمّك.
أما إمامة المرأة للصبي فلا تجوز لأنه في حكم الرجل، وإنما الجائز أن تؤم المرأة النساء لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أمَّ ورقة بنت عبد الله بن نوفل أن تؤُمَّ أهل دارها يعني النساء " رواه أبو داود (الصلاة / إمامة النساء/500) وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود 553.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1609)
حكم الصلاة خلف المنفرد
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا دخل المسلم في الصلاة منفرداً، وجاء شخص آخر، هل يصح أن يدخل هذا الشخص معه في صلاته؟ أم يبعده لأنه صلى منفرداً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا بأس بذلك في أصح قولي العلماء، وإن كان في المسألة خلاف، لكن الصواب جوازه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قام يصلي في الليل منفرداً، فجاء ابن عباس فصلى معه، ففي هذه الحالة صار الرسول صلى الله عليه وسلم إماماً وابن عباس مأموماً، فالرسول صلى الله عليه وسلم انتقل من نية الانفراد إلى نية الإمامة، فدلّ ذلك على جوازه، وهذا الأمر في النفل وفي الفريضة سواء، إلا ما دلَّ الدليل على تخصيصه، وهذا القول أصح من القول الآخر، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وأيضاً فهو رواية عن الإمام أحمد وهو الراجح إن شاء الله.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الإمام عبد الله بن حميد ص 93.(5/1610)
من أين يحسب الصف الأول إذا صلى قوم بجوار الإمام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لدينا مصلى في مدرستنا ولكنه لا يكفي لجميع الطلاب، ويقف بعض الطلاب في صف موازٍ للإمام، فهل الصف الموازي للإمام هو الصف الأول مع أنه يحدث كل يوم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" الصف الأول هو الذي خلف الإمام، فأول صف يلي الإمام هو الصف الأول، والذين يصفون عن يمينه وشماله لا يكون لهم ثواب الصف الأول؛ لأن هذا الموقف – يعني: موقف المأموم عن اليمين وعن الشمال - هو من الأمور الجائزة وليس من الأمور المستحبة، فموقف المأموم وراء الإمام هو السنة بلا شك، فإذا اضطروا إلى أن يقف أحد عن يمينه أو شماله فلهم أن يقفوا، ولكن لا يعد ذلك الصف الأول.
السائل: مع أن هذا يحدث كل يوم طيلة السنة؟
الشيخ: لا يوجد مانع على كل حال، الأمر جائز ولله الحمد، ووقوف هؤلاء عن يمينه وشماله خير من كونهم ينتظرون حتى تفرغ الطائفة الأولى" انتهى.
الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
"لقاءات الباب المفتوح" (1/571) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1611)
بدعية التبليغ خلف الإمام بلا حاجة
[السُّؤَالُ]
ـ[التبليغ خلف الإمام هل هو مستحب أم بدعة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التبليغ خلف الإمام معناه: أن أحد المأمومين يرفع صوته بالتكبير حتى يسمعه المأمومون، وهذا التبليغ إنما يُفعل ويكون مشروعاً إذا كان صوت الإمام لا يصل إلى جميع المأمومين، إما بسبب مرض الإمام، أو بسبب اتساع المسجد، أو غير ذلك من الأسباب.
أما إذا فُعل من غير حاجة إلى ذلك كان بدعة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" التبليغ خلف الإمام لغير حاجة بدعة غير مستحبة باتفاق الأئمة، وإنما يجهر بالتكبير الإمام، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه يفعلون، ولم يكن أحد يبلغ خلف النبي صلى الله عليه وسلم، لكن لما مرض النبي صلى الله عليه وسلم ضعف صوته، فكان أبو بكر رضي الله عنه يسمع بالتكبير، وقد اختلف العلماء: هل تبطل صلاة المبلغ؟ على قولين في مذهب مالك، وأحمد وغيرهما " انتهى.
"مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية" (23/403) .
وقال أيضا (23/402، 403) :
" لا يشرع الجهر بالتكبير خلف الإمام لغير حاجة: باتفاق الأئمة، فإن بلالا لم يكن يبلغ خلف النبي صلى الله عليه وسلم هو ولا غيره، ولم يكن يبلغ خلف الخلفاء الراشدين، لكن لما مرض النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالناس مرة وصوته ضعيف، وكان أبو بكر يصلي إلى جنبه يسمع الناس التكبير، فاستدل العلماء بذلك على أنه يشرع التكبير عند الحاجة: مثل ضعف صوته، فأما بدون ذلك فاتفقوا على أنه مكروه غير مشروع، وتنازعوا في بطلان صلاة من يفعله على قولين، والنزاع في الصحة معروف في مذهب مالك وأحمد وغيرهما. غير أنه مكروه باتفاق المذاهب كلها، والله أعلم " انتهى.
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: " فإذا احتيج إلى التبليغ لسعة المسجد وكثرة الجماعة أو لضعف صوت الإمام لمرض أو غيره، فإنه يقوم بعض الجماعة بالتبليغ، أما إذا كان الصوت واضحا للجميع ولا يخفى على أحد في الأطراف، بل علم أن الجميع يسمعه فليس هناك حاجة للتبليغ ولا يشرع " انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (12/154) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1612)
دخل المسجد بعد انتهاء الصلاة، فهل يأتم بأحد المسبوقين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أدرك مع الإمام بعض الصلاة وقام ليأتي بما فاته، فائتم به آخرون، هل يجوز أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" إذا أدرك مع الإمام بعضاً، وقام يأتي بما فاته، فائتم به آخرون، جاز ذلك في أظهر قولي العلماء " انتهى.
"مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية" (23/382) .
وسئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله عن: رجل فاتته بعض الركعات مع الإمام، فدخل رجل آخر قد فاتته الصلاة وجعل من هذا الذي يقضي إماما له فهل هذا جائز؟
فأجاب: " الصواب أنه لا حرج في ذلك، حرصا على تحصيل الجماعة " انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (12/149) .
وللفائدة ينظر جواب السؤال رقم (21765) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1613)
حكم الجهر بالاستعاذة في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل يؤم الناس وبعد تكبيرة الإحرام يجهر بالتعوذ، ثم يسمي ويقرأ، ويفعل ذلك في كل صلاة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" إذا فعل ذلك أحيانا للتعليم ونحوه فلا بأس بذلك، كما كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يجهر بدعاء الاستفتاح مدة، وكما كان ابن عمر وأبو هريرة يجهران بالاستعاذة أحيانا، وأما المداومة على الجهر بذلك فبدعة مخالفة لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين، فإنهم لم يكونوا يجهرون بذلك دائما، بل لم ينقل أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جهر بالاستعاذة، والله أعلم " انتهى.
"مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية" (22/404) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1614)
هل يصلي خلف من لا يعيد غسل كفيه مع اليدين في الوضوء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الناس يقتصرون في الوضوء على غسل الأيدي من الرسغ إلى المرفق، ولا يغسلونها من الكف، وأحياناً يتقدم بنا رجل ليصلي إماماً وعند شعور قوي أنه لم يغسل يده غسلاً صحيحاً. وأحياناً أكون شاكاً فهل أصلي خلفه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
سبق في جواب السؤال رقم (103694) أن الواجب هو غسل اليد من أطراف الأصابع إلى المرفقين، وأن غسلهما من الرسغ لا يصح به الوضوء، وأن هذا مذهب جمهور العلماء، خلافاً للأحناف فإنهم قالوا بصحة وضوء من فعل ذلك.
ثانياً:
تصح الصلاة خلف الحنفي الذي يقتصر على غسل الكفين أولاً، ولا يعيد غسلهما مع الذراعين، لأنها مسألة خلافية، والعامي معذور في تقليد من قلده من أهل العلم.
وتصح الصلاة خلف من لا تعلم حاله ولا تدري هل يغسل يديه غسلا صحيحا أم لا، ولا ينبغي الشك في عبادة المسلم، بل ينبغي حمله على الأصل وهو السلامة والبراءة.
وينبغي أن تبين هذه المسألة لإخوانك بالحكمة والموعظة الحسنة، فإن أصروا على رأيهم، وتمسكوا بالمذهب الحنفي أو بقول من يفتيهم، فدع الجدال معهم، ولا تتحرج من الصلاة خلفهم، فما زال الأئمة يصلون خلف بعضهم البعض مع اختلافهم في الفروع، ولهذا صححوا الصلاة خلف من لا يرى نقض الوضوء بأكل لحم الإبل، أو مس ذكر، ونحوه مما وقع فيه الخلاف.
قال ابن قدامة في "المغني" (2/11) : " فأما المخالفون في الفروع كأصحاب أبي حنيفة , ومالك , والشافعي , فالصلاة خلفهم صحيحة غير مكروهة. نص عليه أحمد ; لأن الصحابة والتابعين , ومن بعدهم لم يزل بعضهم يأتم ببعض , مع اختلافهم في الفروع , فكان ذلك إجماعا , ولأن المخالف إما أن يكون مصيبا في اجتهاده , فله أجران: أجر لاجتهاده، وأجر لإصابته , أو مخطئا فله أجر على اجتهاده , ولا إثم عليه في الخطأ , لأنه محطوط عنه. فإن علم أنه يترك ركنا أو شرطا يعتقده المأموم دون الإمام , فظاهر كلام أحمد صحة الائتمام به. قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يُسأل عن رجل صلى بقوم , وعليه جلود الثعالب , فقال: إن كان يلبسه وهو يتأول: (أيما إهاب دبغ فقد طهر) . يصلى خلفه. قيل له: أفتراه أنت جائزا؟ قال: لا , نحن لا نراه جائزا، ولكن إذا كان هو يتأول فلا بأس أن يصلى خلفه " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1615)
حكم الصلاة خلف من يكتب التمائم ولا يحب الملتزمين
[السُّؤَالُ]
ـ[عندنا إمام يكتب التمائم ولا يصلي الفجر ولا العشاء بنا أي في جماعة مع العلم أن عمره 83سنة ولكنه بصحة جيدة مع الإضافة أنه يكره مقصري الثوب والمربين للحى فهل تجوز الصلاة وراءه؟ إن كان لا فهل يجوز لي أن أصلي منفردا وهو يصلي جماعة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز أن يولى الفاسق إمامة المسلمين في الصلاة، وقد منع الرسول صلى الله عليه وسلم رجلاً أن يصلي بقومه لأنه بصق في اتجاه القبلة، وقال له: (إنك آذيت الله ورسوله) رواه أبو داود (481) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود.
لكن إذا كان هذا هو الإمام الراتب، وكان حاله ما ذكرت من كتابة التمائم، فالصلاة خلفه محل تفصيل، جاء بيانه في فتاوى اللجنة الدائمة، حيث سئلت:
هل يجوز الصلاة خلف إمام يعقد التمائم للناس؟
فأجابت: " تجوز الصلاة خلف الذي يكتب التمائم من القرآن والأدعية المشروعة، ولا ينبغي له أن يكتبها، لأنه لا يجوز تعليقها، وأما إذا كانت التمائم تشتمل على أمور شركية فلا يصلى خلف الذي يكتبها، ويجب أن يبين له أن هذا شرك" انتهى.
انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (3/65) .
ثانيا:
وأما كونه لا يحضر الجماعة في الفجر والعشاء، أو يحلق لحيته، أو يسبل ثوبه، ويكره من يعفي لحيته ويقصر ثوبه، فهذه ذنوب ومعاصٍ لا تمنع من الصلاة خلفه على الراجح.
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (4/151) : " صَلاةُ ابْنِ عُمَرَ خَلْفَ الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ
ثَابِتَةٌ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ , وَغَيْرُهُ فِي الصَّحِيحِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ تَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الصَّلاةِ وَرَاءَ الْفُسَّاقِ وَالأَئِمَّةِ الْجَائِرِينَ.
قَالَ أَصْحَابُنَا: الصَّلاةُ وَرَاءَ الْفَاسِقِ صَحِيحَةٌ لَيْسَتْ مُحَرَّمَةً، لَكِنَّهَا مَكْرُوهَةٌ، وَكَذَا تُكْرَهُ وَرَاءَ الْمُبْتَدِعِ الَّذِي لا يَكْفُرُ بِبِدْعَتِهِ، وَتَصِحُّ، فَإِنْ كَفَرَ بِبِدْعَتِهِ فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لا تَصِحُّ الصَّلاةُ وَرَاءَهُ كَسَائِرِ الْكُفَّارِ، وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ عَلَى كَرَاهَةِ الصَّلاةِ خَلْفَ الْفَاسِقِ وَالْمُبْتَدِعِ، فَإِنْ فَعَلَهَا صَحَّتْ " انتهى.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (23/375) : "الأَئِمَّة مُتَّفِقُونَ عَلَى كَرَاهَةِ الصَّلاةِ خَلْفَ الْفَاسِقِ لَكِنْ اخْتَلَفُوا فِي صِحَّتِهَا: فَقِيلَ لا تَصِحُّ، كَقَوْلِ مَالِكٍ وَأَحْمَد فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُمَا. وَقِيلَ: بَلْ تَصِحُّ، كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَالرِّوَايَةُ الأُخْرَى عَنْهُمَا، وَلَمْ يَتَنَازَعُوا أَنَّهُ لا يَنْبَغِي تَوْلِيَتُهُ " انتهى.
وانظر: " الشرح الممتع " (4/304-308) ، وجواب السؤال رقم (46557) .
ثالثاً:
لأهل العلم تفصيل فيما يجب فعله مع الإمام الفاسق، جاء في فتاوى اللجنة الدائمة ما يلي:
"وعلى هذا؛ إن كان إماما لمسجد ولم ينتصح وجب عزله إن تيسر ذلك ولم تحدث فتنة، وإلا وجب الصلاة وراء غيره من أهل الصلاح على من تيسر له ذلك، زجرا له وإنكارا عليه، إن لم يترتب على ذلك فتنة.
وإن لم تتيسر الصلاة وراء غيره شرعت الصلاة وراءه، تحقيقا لمصلحة الجماعة.
وإن خيف من الصلاة وراء غيره حدوث فتنة صُلي وراءه درءا للفتنة وارتكابا لأخف الضررين" انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (7/370) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(5/1616)
حكم إمامة من ينطق الضاد ظاء
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أخطأ الإمام بتغيير حرف الظاء بدل الضاد في سورة الفاتحة في الصلاة في قوله تعالى: (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) فهل علي أن أرده أو أن صلاتي تبطل؟ علماً أني أخبرته بفارق المعنى بين الظالين والضالين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ينبغي للمصلي أن يفرق بين الضاد والظاء ويخرج كلا منهما من مخرجه.
لكن. . . إذا أخل به، فصلاته صحيحة على الراجح، للتقارب بين مخرجيهما، ولا يلزمك التصحيح له أثناء الصلاة؛ لأن هذا ليس من باب الخطأ العارض، بل هو راجع إلى اعتياد النطق بذلك.
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (1/143) : " والصحيح من مذاهب العلماء: أنه يغتفر الإخلال بتحرير ما بين الضاد والظاء لقرب مخرجيهما؛ وذلك أن الضاد مخرجها من أول حافة اللسان وما يليها من الأضراس، ومخرج الظاء من طرف اللسان وأطراف الثنايا العليا، ولأن كلا من الحرفين من الحروف المجهورة ومن الحروف الرخوة ومن الحروف المطبقة، فلهذا كله اغتفر استعمال أحدهما مكان الآخر لمن لا يميز ذلك والله أعلم" انتهى.
وقال البهوتي في "كشاف القناع" (1/482) : "وحكم من أبدل منها أي الفاتحة حرفا بحرف , كالألثغ الذي يجعل الراء غينا ونحوه , حكم من لحن فيها لحنا يحيل المعنى، فلا يصح أن يؤم من لا يبدله إلا ضاد المغضوب والضالين إذا أبدلها بظاء فتصح إمامته بمن لا يبدلها ظاء ; لأن كلا منهما أي الضاد والظاء من أطراف اللسان , وبين الأسنان، وكذلك مخرج الصوت واحد، قاله الشيخ في شرح العمدة " انتهى بتصرف.
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (4/24) : "أولا: مخرج الضاد من إحدى حافتي اللسان اليمنى أو اليسرى بعد مخرج الياء وقبل مخرج اللام مما يلي الأضراس، وتخرج اللام من أقرب حافة اللسان إلى مقدم الفم، وصوت الضاد بين صوت الدال المفخمة والظاء المعجمة تقريبا.
ثانيا:
من قدر على أن يجود حرف الضاد حتى يخرجه من مخرجه الصحيح وجب عليه ذلك، ومن عجز عن تقويم لسانه في حرف الضاد أو غيره كان معذورا وصحت صلاته، ولا يصلي إماما إلا بمثله أو من دونه، لكن يغتفر في أمر الضاد والظاء ما لا يغتفر في غيرهما؛ لقرب مخرجهما وصعوبة التمييز بينهما في المنطق، كما نص عليه جمع من أهل العلم، منهم الحافظ ابن كثير في تفسير الفاتحة" انتهى.
عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... عبد الرازق عفيفي ... عبد الله بن غديان ... عبد الله بن قعود.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " قوله: (أو يبدل حرفاً) أي: يُبدل حرفاً بحرفٍ، وهو الألثغ ُ، مثل: أنْ يُبدِلَ الرَّاءَ باللام، أي: يجعلَ الرَّاءَ لاماً فيقول: (الحمدُ لله لَبِّ العالمين) فهذا أُمِّيٌّ؛ لأنه أبدلَ حرفاً مِن الفاتحة بغيرِه.
ويُستثنى مِن هذه المسألةِ: إبدالُ الضَّادِ ظاءً، فإنَّه معفوٌّ عنه على القولِ الرَّاجحِ، وهو المذهبُ، وذلك لخَفَاءِ الفَرْقِ بينهما، ولا سيَّما إذا كان عاميَّاً، فإنَّ العاميَّ لا يكادُ يُفرِّقُ بين الضَّادِ والظَّاءِ، فإذا قال: (غير المغظوب عليهم ولا الظالين) فقد أبدلَ الضَّادَ وجعلها ظاءً، فهذا يُعفى عنه لمشقَّةِ التَّحرُّز منه، وعُسْرِ الفَرْقِ بينهما، لا سيَّما مِن العوامِ" انتهى.
من "الشرح الممتع" (4/246) .
فتبين بهذا العفو عن الإخلال بتحرير ما بين الضاد والظاء، وصحة صلاة وإمامة من يفعل ذلك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1617)
الصلاة خلف من يكتب التمائم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تجوز الصلاة خلف إمام يكتب التمائم التي يعتقد بعض الناس أنها تنجي من السحر والعين؟ إذا كانت لا تجوز فما العمل؟ مع العلم أننا نسكن في قرية لا تحتوي إلا على مسجد واحد، الذي يؤمه هذا الإمام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا يجوز تعليق التمائم ولو كانت من القرآن الكريم؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فَلَا أَتَمَّ اللَّهُ لَهُ وَمَنْ تَعَلَّقَ وَدَعَةً فَلَا وَدَعَ اللَّهُ لَهُ) رواه أحمد (17440) وحسنه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَقَدْ أَشْرَكَ) رواه أحمد والحاكم، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم 6394
والتمائم إذا كانت من القرآن، فهي مما اختلف فيه العلماء، والراجح المنع؛ لعموم الأدلة، وسدا للذريعة، ولما في ذلك من الامتهان غالبا، إذا هذه التميمة ينام بها صاحبها، ويدخل بها الخلاء، ونحو ذلك.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (1/212) : " اتفق العلماء على تحريم لبس التمائم إذا كانت من غير القرآن، واختلفوا إذا كانت من القرآن، فمنهم من أجاز لبسها ومنهم من منعها، والقول بالنهي أرجح لعموم الأحاديث ولسدِّ الذريعة " انتهى.
وينظر: سؤال رقم (10543) ورقم (20349) .
ثانيا:
إذا كانت التمائم التي يكتبها هذا الإمام مشتملة على أمور شركية، كسؤال غير الله تعالى من الجن أو الملائكة أو الصالحين، أو كان هذا الإمام ممن يمارس هذا النوع من الشرك، أو يدعي علم الغيب، فلا تجوز الصلاة خلفه، وأما إن خلت من الشرك، وكان هو من أهل التوحيد، فالصلاة خلفه صحيحة، ويجب نصحه بكل حال؛ لأن التمائم محرمة بجميع أنواعها كما سبق.
سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عن الصلاة خلف من يكتب التمائم للناس فأجابت: " تجوز الصلاة خلف الذي يكتب التمائم من القرآن والأدعية المشروعة، ولا ينبغي له أن يكتبها لأنه لا يجوز تعليقها، وأما إذا كانت التمائم تشتمل على أمور شركية، فلا يصلى خلف الذي يكتبها، ويجب أن يبين له أن هذا شرك، والذي يجب عليه البيان هو الذي يعلمها " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (3/65) .
وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله عن الصلاة خلف من يكتب التمائم، فأجاب: " وأما ما ذكرتم من كتابته التمائم فالتمائم فيها تفصيل: فإن كانت هذه التمائم فيها ألفاظ شركية ودعاء لغير الله عز وجل وأسماء مجهولة فهذه لا تجوز كتابتها ولا استعمالها بإجماع أهل العلم، لأنها شرك، وهذا لا يصلى خلفه، أما إذا كانت هذه التمائم مكتوبة من القرآن الكريم ومن الأدعية المباحة والأدعية الواردة، فهذه محل خلاف بين أهل العلم، منهم من أجازها ومنهم من منعها والمنع أحوط؛ لأنه في فتح الباب لكتابتها وتعليقها وسيلة إلى التمائم المحرمة، ولأنه في كتابة القرآن الكريم على صفة تمائم وحروز في ذلك تعريض لإهانته ودخول المواضع التي لا يجوز دخوله بها، لكن لا بأس بالصلاة خلف من يكتبها.
فالحاصل أن كتابة التمائم إن كانت بألفاظ شركية أو بأسماء مجهولة أو بدعاء لغير الله أو استنجاد بالشياطين والمخلوقين والجن، فهذه ألفاظ شركية وكاتبها والذي يستعملها ويعلم ما فيها يكون مشركًا، أما إذا كانت من القرآن الكريم فالأحوط تجنبها وتركها وعدم استعمالها " انتهى من "المنتقى من فتاوى الفوزان".
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: " هل تجوز الصلاة خلف إمام مشعوذ ودجال، علما بأن منهم من يجيد قراءة القرآن؟ وجهونا جزاكم الله خيرا.
فأجاب: إذا كان الإمام مشعوذا يدعي علم الغيب أو يقوم بخرافات ومنكرات، فلا يجوز أن يتخذ إماما ولا يصلى خلفه؛ لأن من ادعى علم الغيب فهو كافر نسأل الله العافية , يقول جل وعلا: (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) [النمل/65] وهكذا من يتعاطى السحر حكمه حكم الكفار لقول الله تعالى: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ) الآية من سورة البقرة/102. أما إذا كان عنده شيء من المعاصي وليس عنده شيء من أعمال الكفر كالسحر ودعوى علم الغيب ولكن عنده شيء من المعاصي فالصلاة خلفه صحيحة، والأفضل التماس غيره من أهل العدالة والاستقامة احتياطا للدين وخروجا من خلاف العلماء القائلين بعدم جواز الصلاة خلفه.
أما العصاة فلا ينبغي أن يتخذوا أئمة، لكن متى وُجدوا أئمة صحت الصلاة خلفهم لأنهم قد يبتلى بهم الناس وقد تدعو الحاجة للصلاة خلفهم. أما من يدعو غير الله أو يستنجد بالموتى ويستغيث بهم ويطلبهم المدد فهذا لا يصلى خلفه؛ لأنه يكون بهذا الأمر من جملة الكفار لأن هذا هو عمل المشركين الذين قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم في مكة وغيرها. ونسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين وأن يمنحهم الفقه في الدين وأن يولي عليهم خيارهم إنه سميع قريب " انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (9/278) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1618)
هل تصلي خلف زوجها الحليق والمسبل
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الأفضل أن تصلي المرأة وحدها أو وراء زوجها الحليق والمسبل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين فأجاب حفظه الله:
نرى أن الأفضل لها أن تصلي وحدها والأصل منع الفاسق أن يكون إماما وتكره الصلاة خلفه. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الله بن جبرين(5/1619)
قراءة الفاتحة وراء من يسرع في صلاته
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان الإمام يقرأ ويصلى بسرعة، وبعض المأمومين لا يستطيعون قراءة الفاتحة، فهل لهم أن يتأخروا عن الإمام؛ حتى يتسنى لهم قراءة الفاتحة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
قراءة الفاتحة ركن من أركان الصلاة في حق الإمام والمأموم والمنفرد، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (10995) .
والفاتحة لا تسقط عن المأموم، إلا في موضعين:
الأول: إذا أدرك المأموم الإمام راكعا، فإنه يركع معه، وتحسب له الركعة وإن لم يكن قرأ الفاتحة.
الثاني: إذا دخل مع الإمام في الصلاة قبيل الركوع ولم يتمكن من إتمام الفاتحة، فإنه يركع معه ولا يتم الفاتحة، وتحسب له هذه الركعة.
وللفائدة راجع جواب السؤال رقم (74999) .
ثانياً:
لا يجوز للإمام أن يسرع في الصلاة بحيث لا يتمكن المأمومون من الإتيان بأركان الصلاة وواجباتها، والواجب نصح هذا الإمام أن يتمهل في قراءته بحيث يتمكن من خلفه من المصلين من إتمام صلاتهم.
فإن لم يستجب الإمام للنصح واستمر في هذا الإسراع الذي يُخل بالصلاة، وعلم المأموم أنه لن يتمكن من إتمام الأركان، وجب على المأموم مفارقة الإمام ويكمل منفرداً.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"من دخل مع الإمام في أول الصلاة وعرف من الإمام أنه لا يتأنى في صلاته، وأنه لا يمكنه متابعة الإمام، إلا بالإخلال بأركان الصلاة ففي هذه الحال يجب عليه أن يفارق الإمام، وأن يكمل الصلاة وحده؛ لأن المتابعة هنا متعذرة إلا بترك الأركان، وترك الأركان مبطل للصلاة" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثمين" (13/117) .
أما إذا كان تأخر المأموم بسبب إسراع الإمام القراءة في ركعة من الصلاة، أو تأخَّر المأموم في القراءة، فإنه لا يركع حتى يتم الفاتحة ولو رفع الإمام من الركوع، ثم يتابع الإمام فيما بعد ذلك.
فقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما الحكم في رجل صلى مع جماعة صلاة رباعية من أول الصلاة فلما سلم الإمام قام هذا الرجل وأتى بركعة خامسة فلما سأله الإمام قال: إنني في الركعة الثالثة لم أتمكن من قراءة الفاتحة فأتيت بهذه الركعة بدلاً عنها؟
"هذا صحيح، وخير من ذلك أنه لما قام وركع الإمام قبل أن يكمل قراءة الفاتحة أن يكمل الفاتحة ويتابع الإمام ولو رفع الإمام من الركوع" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثمين" (13/134) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1620)
أخطأ الإمام في النية فقطع الصلاة وكبر للإحرام ولا يعلم المأمومون بحاله
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أصلي إماما بالناس صلاة الظهر، ولكني عند تكبيرة الإحرام نويت صلاة العصر سهوا مني، وبعد أن كبرت تكبيرة الإحرام تذكرت أني سأصلي الظهر وليس العصر، ولكن كان من يصلي خلفي كبروا تكبيرة الإحرام وكان عددهم كبيرا، فتحيرت فيما أفعل، فنويت قطع الصلاة في نفسي، ثم كبرت للإحرام مرة أخرى بنية صلاة الظهر إماما بالمصلين، وأكملت الصلاة بالمأمومين، فما حكم صلاتي، وما حكم صلاة المأمومين خلفي؟ وماذا يجب على الإمام إذا حدث له موقف كهذا فالسهو لا يسلم منه أحد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صلاتك صحيحة، وصلاة المأمومين كذلك؛ لعدم علمهم بحال إمامهم، واعتقادهم صحة صلاته، كمن صلى خلف إمام تبين أنه محدث.
ولا يضر كونك قطعت صلاتك ثم عدت إماما لهم، فإنه إذا بطلت صلاة الإمام، جاز للمأمومين أن يتموا صلاتهم فرادى، أو أن يقدموا من يصلي بهم.
كما يجوز للإمام الراتب إذا تأخر عن الصلاة حتى قَدَّم الناس من يصلي بهم أن يتقدم ليؤم الناس ويتأخر الإمام الذي كان بدأ بهم الصلاة ويصير مأموماً، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم حين صلى أبو بكر بالناس، فقد روى البخاري (368) ومسلم (418) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: (أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ فِي مَرَضِهِ فَكَانَ يُصَلِّي بِهِمْ. قَالَ عُرْوَةُ: فَوَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفْسِهِ خِفَّةً، فَخَرَجَ فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ يَؤُمُّ النَّاسَ، فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ اسْتَأْخَرَ فَأَشَارَ إِلَيْهِ أَنْ كَمَا أَنْتَ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِذَاءَ أَبِي بَكْرٍ إِلَى جَنْبِهِ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ) .
وإذا علم الإمام أنه لم ينو الصلاة المفروضة، فإنه يقطع صلاته، ويُعلم المأمومين بذلك، ليستأنف بهم الصلاة من جديد، ولا يتحرج من هذا، فإن النسيان يعتري بني آدم، وقد نسي أفضل الخلق صلى الله عليه وسلم في صلاته، وإذا خشي حدوث تشويش على المصلين فلا حرج عليه في هذه الحال أن يقدم أحداً من المأمومين ليتم الصلاة بالناس، ويرجع هو ويصير مأموماً، ويبتدئ الصلاة من جديد خلف هذا الإمام.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1621)
الصلاة خلف من لا يحسن تكبيرة الإحرام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الصلاة وراء الإمام الذي لا يحسن تكبيرة الإحرام "الله أكبر"؟ وهل صلاتي صحيحة وراءه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تكبيرة الإحرام هي قول الإنسان: "الله أكبر" في أول صلاته، وهي ركن من أركان الصلاة، لا تصح بدونها.
والخطأ الذي يقع في هذا التكبير نوعان: خطأ يغير المعنى، كمن يمد الهمزة، فيقول: آلله أكبر، فيصبح المعنى استفهاما، أو من يمد الباء فيقول: الله أكبار، وأكبار جمع كَبَر وهو الطبل، فلا تصح تكبيرة الإحرام مع هذا الخطأ، وإذا لم تصح تكبيرة الإحرام، لم تصح الصلاة.
والثاني: خطأ لا يغير المعنى، كما لو نصب لفظ الجلالة، فقال: اللهَ أكبر، أو بالغ في مد الألف من لفظ الجلالة. وكذلك لو قال: الله وكبر، فهذا لا يغير المعنى، ولا يفسد به التكبير، فتصح معه الصلاة.
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (3/253) : " ويجب الاحتراز في التكبير عن زيادة تغير المعنى، فإن قال: الله أكبر، بمد همزة الله أو بهمزتين , أو قال: الله أكبار، لم يصح تكبيره" انتهى باختصار.
وقال ابن مفلح في "الفروع" (1/409) : " ولا تنعقد إن مد همزة الله , أو أكبر , أو قال " أكبار " ولا يضر لو خلل الألف بين اللام والهاء , وحذفها أولى , لأنه يكره تمطيطه " انتهى.
وقال الحطاب في "مواهب الجليل" (1/514) : " قال صاحب الطراز: لا يجزئ إشباع فتحة الباء حتى تصير أكبار بالألف وإن الأكبار جمع كبر والكبر الطبل , ولو أسقط حرفا واحدا لم يجزه , انتهى.
وقال ابن جزي في القوانين من قال: الله أكبار بالمد , لم يجزه , وإن قال: الله وكبر , بإبدال الهمزة واوا أجزأه , انتهى.
وقال في الذخيرة: وأما قول العامي: الله وكبر , فله مدخل في الجواز ; لأن الهمزة إذا وليت ضمة جاز أن تقلب واوا " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " الثاني من الأركان: تكبيرة الإحرام، لقول النبي صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته: (إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر) . ولابد أن يقول: "الله أكبر" فلا يجزي أن يقول: الله أجل، أو الله أعظم، وما أشبه ذلك، ولا يصح التكبير بمد همزة "ال" فلا يقول: "آلله أكبر" لأنها تنقلب حينئذ استفهاماً، ولا يصح أن يمد الباء فيقول: "أكبار" لأنه حينئذ تكون جمعاً للكبر، والكبر هو الطبل ... هكذا قال أهل العلم.
وأما ما يقوله بعض الناس "الله وكبر" فيجعل الهمزة واواً، فهذا له مساغ في اللغة العربية، فلا تبطل به الصلاة " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (13/343) .
والواجب نصح من وقع في هذا الخطأ – المفسد للصلاة-، وتعليمه النطق الصحيح، وإعلامه بأنه لو قدر على تصحيح النطق فلم يفعل لم تصح صلاته.
ولا يصح أن يكون هذا إماما بمن ينطق بالتكبير نطقاً صحيحاً.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1622)
هل وقع أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل في صلاةٍ وهو جنب ناسيا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[نريد جوابا شافيا عن هذا الحديث: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى الصلاة، فلما كبر انصرف وأومأ إليهم أن كما كنتم. ثم خرج فاغتسل، ثم جاء ورأسه يقطر فصلى بهم. فلما صلى قال: (إني كنت جنبا فنسيت أن أغتسل) رواه أحمد.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
رُويت هذه الحادثة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في كتب السنة، وحاصلها أن الناس حين أتموا صفوفهم للصلاة وراءه صلى الله عليه وسلم، وقام منهم مقام المصلي بهم، تذكَّر أنه كان جنبا، فأشار إليهم ليبقوا في أماكنهم، وانصرف واغتسل وأتاهم ورأسه يقطر ماء.
ولكن وقع اختلاف في الروايات:
هل كَبَّر النبي صلى الله عليه وسلم ثم تذكَّر أنه جنب، أم تذكر قبل تكبيرة الإحرام؟
ومحصل الروايات فيها على الأوجه الآتية:
1- لفظ صريح في أنه تذكر الجنابة قبل الشروع في الصلاة:
يروي هذا اللفظ عبد الله بن وهب عن يونس عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة رضي الله عنه، كما هو في صحيح مسلم (605) ، وهذا لفظه:
(أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَقُمْنَا فَعَدَّلْنَا الصُّفُوفَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا قَامَ فِي مُصَلَّاهُ قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ، ذَكَرَ فَانْصَرَفَ، وَقَالَ لَنَا: مَكَانَكُمْ، فَلَمْ نَزَلْ قِيَامًا نَنْتَظِرُهُ حَتَّى خَرَجَ إِلَيْنَا وَقَدْ اغْتَسَلَ، يَنْطُفُ رَأْسُهُ مَاءً، فَكَبَّرَ فَصَلَّى بِنَا) .
وصالح بن كيسان عن الزهري – كما عند البخاري (639) – بلفظ: (حَتَّى إِذَا قَامَ فِي مُصَلاَهُ انْتَظَرْنَا أَنْ يُكَبِّرَ، انْصَرَفَ، قَالَ: عَلَى مَكَانِكُمْ، فَمَكَثْنَا عَلَى هَيْئَتِنَا حَتَّى خَرَجَ إِلَيْنَا يَنْطِفُ رَأْسُهُ مَاءً،وَقَدْ اغْتَسَلَ) .
2- لفظ صريح في أنه كبر ودخل في الصلاة ثم تذكر أنه جنب:
وهذا يرويه أسامة بن زيد عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أبي هريرة رضى الله عنه – كما عند ابن ماجه في "السنن" (1220) والدارقطني (1/361) والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/397) – ولفظه:
(خرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الصَّلَاةِ وَكَبَّرَ، ثُمَّ أَشَارَ إِلَيْهِمْ، فَمَكَثُوا، ثُمَّ انْطَلَقَ فَاغْتَسَلَ، وَكَانَ رَأْسُهُ يَقْطُرُ مَاءً، فَصَلَّى بِهِمْ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: إِنِّي خَرَجْتُ إِلَيْكُمْ جُنُبًا، وَإِنِّي نَسِيتُ حَتَّى قُمْتُ فِي الصَّلَاةِ) .
غير أن هذه الطريق فيها ضعف من قبل أسامة بن زيد الليثي، أبو زيد المدني، جاء في ترجمته في "تهذيب التهذيب" (1/209) : " تركه يحيى بن سعيد بآخره، قال أحمد: ليس بشيء. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به. وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال ابن حبان: يخطئ وهو مستقيم الأمر صحيح الكتاب " انتهى بتصرف واختصار. ولم يرد توثيقه إلا عن يحيى بن معين، مع أن في رواية أخرى عنه أنه قال فيه: أنكروا عليه أحاديث.
وجاء هذا اللفظ أيضا من طريق محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه:
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ (كَبَّرَ بِهِمْ فِي صَلاةِ الصُّبْحِ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِمْ، ثُمَّ انْطَلَقَ، فَرَجَعَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ، فَصَلَّى بِهِمْ، فَقَالَ: إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنِّي كُنْتُ جُنُبًا فَنَسِيتُ)
رواه الطبراني في "الأوسط" (5/317) وفي "الصغير" (2/74) وقال: لم يروه عن ابن عون إلا الحسن بن عبد الرحمن تفرد به أبو الربيع الحارثي. ورواه البيهقي أيضا (2/398) ،
ولكنَّ وصلَ هذه الرواية خطأ، والصواب: عن محمد بن سيرين عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك لدليلين اثنين:
الأول: مخالفة الثقات من أصحاب ابن عون رواية الحسن بن عبد الرحمن. فقد قال البيهقي: " ورواه إسماعيل بن علية وغيره عن ابن عون عن محمد عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، وهو المحفوظ " انتهى.
الثاني: متابعة آخرين لابن عون بروايته مرسلا: قال أبو داود (233) : " وَرَوَاهُ أَيُّوبُ وَابْنُ عَوْنٍ وَهِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ مُرْسَلاً عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وسلم " انتهى.
وقال البيهقي في "معرفة السنن والآثار" (1306) : " وكذلك رواه أيوب، وهشام عن محمد، مرسلا، ورواه الحسن بن عبد الرحمن الحارثي عن ابن عون، عن محمد، عن أبي هريرة، مسندا، والأول أصح " انتهى.
وقد جاءت بعض الشواهد في أحاديث أخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم تذكر الجنابة بعد أن كبر ودخل في الصلاة:
1- عَنْ الحسن عن أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ أَنْ مَكَانَكُمْ ثُمَّ جَاءَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ فَصَلَّى بِهِمْ) .
رواه أبو داود (233) وأحمد (5/41) وابن خزيمة (3/62) وابن حبان (6/5) ، والبيهقي في "السنن الكبرى" (3/94) والطحاوي في "بيان مشكل الآثار" (2/86) وفي بعض ألفاظه: (وكبَّر)
قال ابن رجب في "فتح الباري" (3/599) : " وحديث الحسن عن أبي بكرة في معنى المرسل؛ لأن الحسن لم يسمع من أبي بكرة عند الإمام أحمد والأكثرين من المتقدمين " انتهى.
2- عن أنس بن مالك قال: (دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى صَلاَتِهِ، فَكَبَّرَ وَكَبَّرْنَا مَعَهُ، ثُمَّ أَشَارَ إِلَى الْقَوْمِ: كَمَا أَنْتُمْ. فَلَمْ نَزَلْ قِيَامًا حَتَّى أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدِ اغْتَسَلَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ مَاءً) .
رواه الدارقطني (1/362) والطبراني في "الأوسط" (4/92) والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/399) من طريق معاذ العنبري عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس به.
وقد روي هذا الحديث مرسلا عن قتادة عن بكر بن عبد الله المزني.
3- عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ: (صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَانْصَرَفَ، ثُمَّ جَاءَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ مَاءً، فَصَلَّى بِنَا، ثُمَّ قَالَ: إِنِّي صَلَّيْتُ بِكُمْ آنِفًا وَأَنَا جُنُبٌ، فَمَنْ أَصَابَهُ مِثْلُ الَّذِي أَصَابَنِي أَوْ وَجَدَ رِزًّا فِي بَطْنِهِ فَلْيَصْنَعْ مِثْلَ مَا صَنَعْتُ)
رواه أحمد (1/99) والطبراني (6/272) والبزار (890) وفي إسناده ابن لهيعة، وفيه ضعف. قال الطبراني في "الأوسط" (6/272) : لا يروى هذا الحديث عن علي إلا بهذا الإسناد، تفرد به ابن لهيعة.
4- عن عطاء بن يسار: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَبَّرَ فِي صَلاَةٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ، ثُمَّ أَشَارَ إِلَيْهِمْ بِيَدِهِ أَنِ امْكُثُوا، فَذَهَبَ، ثُمَّ رَجَعَ وَعَلَى جِلْدِهِ أَثَرُ الْمَاءِ)
رواه مالك في الموطأ (1/48/رقم 110) بسند صحيح إلى عطاء وهو من التابعين.
قال البيهقي في "السنن الكبرى" (2/398) :
" ورواية أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أصح من رواية ابن ثوبان عنه، إلا أن مع رواية ابن ثوبان عنه رواية أبي بكرة مسندة، ورواية عطاء بن يسار وابن سيرين مرسلة، وروي أيضا عن أنس بن مالك " انتهى.
والخلاصة: أنه لما اجتمعت هذه الطرق الكثيرة على الرواية التي فيها إثبات تكبير النبي صلى الله عليه وسلم ودخوله في الصلاة قبل تذكره الجنابة، وخاصة المراسيل الصحيحة عن ابن سيرين وبكر المزني وعطاء بن يسار، كل ذلك يدل على صحة الحادثة ووقوعها، وأنه لا تعارض بينها وبين رواية أبي هريرة لها بأن ذلك كان قبل التكبير، إذ يمكن تكرار الحادثة، ووقوعها مرة هكذا ومرة هكذا، وبهذا يمكن توجيه اختلاف الروايات.
قال أبو حاتم ابن حبان في "صحيحه" (6/7) :
" هذان فعلان في موضعين متباينين، خرج صلى الله عليه وسلم مرة فكبر ثم ذكر أنه جنب فانصرف فاغتسل ثم جاء فاستأنف بهم الصلاة.
وجاء مرة أخرى فلما وقف ليكبر ذكر أنه جنب قبل أن يكبر، فذهب فاغتسل ثم رجع فأقام بهم الصلاة. من غير أن يكون بين الخبرين تضاد ولا تهاتر " انتهى.
وقال النووي في "شرح مسلم" (5/103) :
" ويحتمل أنهما قضيتان، وهو الأظهر " انتهى.
وليس فيه أي إشكال والحمد لله، فالنبي صلى الله عليه وسلم بشر، ينسى كما ينسى الناس، وقد سهى في صلاته مرات عديدة، ولم ينكر أحد من أهل العلم ذلك، غير أنهم قالوا إنه معصوم عن نسيان شيء من الوحي نسيانا تاما بحيث يترتب عليه ضياعه.
ثانيا:
أما عن فقه الحديث وما يستنبط منه:
ففيه دليل على أنه إذا صلى الإمام بالناس على غير طهارة نسيانا، فإن صلاة المأمومين لا تتأثر، وتبقى على صحتها وإجزائها، وأن الإمام هو الذي يؤمر بالإعادة فقط، دون المأمومين.
وجهُ ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم رجع فاغتسل ثم جاء فكبر لصلاته، والناس وراءه على صفوفهم وفي صلاتهم، لم يأمرهم أن يعيدوا معه التكبير.
قال ابن رجب في "فتح الباري" (3/600-602) :
" وليس في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم بنى على ما مضى من تكبيرة الإحرام وهو ناس لجنابته، فلم يبق إلا أحد وجهين:
أحدهما: أن يكون صلى الله عليه وسلم لما رجع كبر للإحرام، وكبر الناس معه.
والثاني: أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم استأنف تكبيرة الإحرام، وبنى الناس خلفه على تكبيرهم الماضي.
وهذا هو الذي أشار إليه الشافعي، وجعله عمدة على صحة صلاة المتطهر خلف إمام صلى محدثاً ناسياً لحدثه.
قال ابن عبد البر: وقد وافق الشافعي على ذلك بعض أصحاب مالك.
وعن الإمام أحمد في ابتداء المأمومين وإتمامهم الصلاة إذا اقتدوا بمن نسي حدثه، ثم علم به في أثناء صلاته – روايتان.
وروي عن الحسن، أنهم يتمون صلاتهم.
ومذهب الشافعي: لا فرق بين أن يكون الإمام ناسياً لحدثه أو ذاكراً له إذا لم يعلم المأموم، أنه لا إعادة على المأموم.
وهو قول ابن نافع من المالكية، وحكاه ابن عبد البر عن جمهور فقهاء الأمصار وأهل الحديث.
وعن مالك وأحمد: على الماموم الإعادة.
وقال حماد وأبو حنيفة وأصحابه وسفيان الثوري- في أشهر الروايتين عنه -: يعيد المأموم وإن كان الإمام ناسياً ولم يذكر حتى فرغ من صلاته " انتهى باختصار.
وفي موقعنا مجموعة من الإجابات التي تبين صحة صلاة المأموم إذا تبين حدث الإمام، وأن الإعادة إنما هي على الإمام فقط دون المأمومين: (27091) ، (85011) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1623)
يقرأ السورة بعد الفاتحة بصوت منخفض ليقرأ المأموم الفاتحة
[السُّؤَالُ]
ـ[بعد الفاتحة في صلاة الجمعة يقرأ الإمام جزءاً من السورة التى بعد الفاتحة بصوت منخفض ليتمكن من يرى بوجوب الفاتحة من المأمومين من قراءتها، ثم يجهر الإمام ببقية السورة فهل هذه بدعة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، فأجاب حفظه الله:
نعم (هذه) بدعة. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(5/1624)
حكم الصلاة خلف من يدعي قراءة الكف والفنجان
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تجوز الصلاة وراء مشعوذ؟ علما أنني متأكد أنه يدعي قراءة الكف والفنجان. وأنه يؤم الناس عندما يغيب الإمام الراتب. وليس هناك غيره ممن يحفظ القرآن.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا تجوز الصلاة خلف من يدعي علم الغيب عن طريق قراءة الفنجان أو الكف أو غير ذلك، لأن ادعاء علم الغيب كفر.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: هل تجوز الصلاة خلف إمام مشعوذ ودجال علما بأن منهم من يجيد قراءة القرآن؟
فأجاب: " إذا كان الإمام مشعوذا يدعي علم الغيب أو يقوم بخرافات ومنكرات فلا يجوز أن يتخذ إماما ولا يصلى خلفه؛ لأن من ادعى علم الغيب فهو كافر، نسأل الله العافية , يقول جل وعلا: (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) النمل/65، وهكذا من يتعاطى السحر حكمه حكم الكفار، لقول الله تعالى: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ) البقرة/102. أما إذا كان عنده شيء من المعاصي وليس عنده شيء من أعمال الكفر كالسحر ودعوى علم الغيب ولكن عنده شيء من المعاصي فالصلاة خلفه صحيحة، والأفضل التماس غيره من أهل العدالة والاستقامة، احتياطاً للدين، وخروجاً من خلاف العلماء القائلين بعدم جواز الصلاة خلفه.
أما العصاة فلا ينبغي أن يتخذوا أئمة، لكن متى وُجدوا أئمة صحت الصلاة خلفهم لأنهم قد يبتلى بهم الناس وقد تدعو الحاجة للصلاة خلفهم. أما من يدعو غير الله أو يستنجد بالموتى ويستغيث بهم ويطلب منهم المدد فهذا لا يصلى خلفه؛ لأنه يكون بهذا الأمر من جملة الكفار، لأن هذا هو عمل المشركين الذين قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم في مكة وغيرها. ونسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين، وأن يمنحهم الفقه في الدين، وأن يولي عليهم خيارهم، إنه سميع قريب " انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (9/278) .
وهذا المسئول عنه ينبغي نصحه وبيان الحق له، كما ينبغي تنبيه الإمام الراتب إلى حاله، ليمنعه من الإمامة في حال غيابه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1625)
إمامة المسبوق
[السُّؤَالُ]
ـ[دخل رجل المسجد بعد تسليم الإمام والمصلين، ولكنه وجد مسبوقا يتم صلاته، فوقف بجانبه ليجعل المسبوق إماما له لينال ثواب الجماعة، فهل يجوز له ذلك أم لا، وهل الصلاة التي أداها هذا الرجل مع المسبوق صحيحة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -: " إذا دخل المسبوق المسجد وقد صلى الناس ووجد مسبوقاً يصلي، شُرِعَ له أن يصلي معه ويكون عن يمين المسبوق حرصاً على فضل الجماعة، وينوي المسبوق الإمامة ولا حرج في ذلك في أصح قولي العلماء، وهكذا لو وجد إنساناً يصلي وحده بعد ما سلم الإمام شُرِعَ له أن يصلي معه، ويكون عن يمينه تحصيلاً لفضل الجماعة، وإذا سلم المسبوق أو الذي يصلي وحده قام هذا الداخل فكمل ما عليه؛ لعموم الأدلة الدالة على فضل الجماعة، ولما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه لما رأى رجلاً دخل المسجد بعد انتهاء الصلاة قال: " ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه " (رواه أبو داوود 574) .
[الْمَصْدَرُ]
أنظر مجموع الفتاوى (12/148) ط دار القاسم.(5/1626)
إمام يصلي بالمسلمين وهم له كارهون ويعلم ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[إمام يصلي بالمسلمين وهم له كارهون، مع العلم أنه يعلم بذلك كيف يتم التعامل مع هذا الموقف؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" يكره أن يؤم الرجل قوماً أكثرهم يكرهه بحق، بأن تكون كراهتهم لها مبرر من نقص في دينه لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم: العبد الآبق حتى يرجع، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، وإمام قوم وهم له كارهون) رواه الترمذي وحسنه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
إنْ كَانُوا يَكْرَهُونَ هَذَا الإِمَامَ لأَمْرٍ فِي دِينِهِ: مِثْلَ كَذِبِهِ أَوْ ظُلْمِهِ , أَوْ جَهْلِهِ , أَوْ بِدْعَتِهِ , وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَيُحِبُّونَ الآخَرَ لأَنَّهُ أَصْلَحُ فِي دِينِهِ مِنْهُ. مِثْلَ أَنْ يَكُونَ أَصْدَقَ وَأَعْلَمَ وَأَدْيَنَ , فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُوَلَّى عَلَيْهِمْ هَذَا الإِمَامُ الَّذِي يُحِبُّونَهُ , وَلَيْسَ لِذَلِكَ الإِمَامِ الَّذِي يَكْرَهُونَهُ أَنْ يَؤُمَّهُمْ. كَمَا فِي الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: (ثَلاثَةٌ لا تُجَاوِزُ صَلاتُهُمْ آذَانَهُمْ: رَجُلٌ أَمَّ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ , وَرَجُلٌ لا يَأْتِي الصَّلاةَ إلا دِبَارًا , وَرَجُلٌ اعْتَبَدَ مُحَرَّرًا)
وقال أيضاً:
إِذَا كَانَ بَيْنَ الإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ مُعَادَاةٌ مِنْ جِنْسِ مُعَادَاةِ أَهْلِ الأَهْوَاءِ أَوْ الْمَذَاهِبِ لَمْ يَنْبَغِ أَنْ يَؤُمَّهُمْ بِالصَّلاةِ جَمَاعَةً ; لأَنَّهَا لا تَتِمُّ إلا بِالائْتِلافِ , وَلِهَذَا قَالَ صلى الله عليه وسلم: (لا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ) اهـ
أما إذا كان الإمام ذا دين وسنة، وكرهوه لذلك، لم تكره الإمامة في حقه وإنما العتب على من كرهه.
وعلى كل، فينبغي الائتلاف بين الإمام والمأمومين، والتعاون على البر والتقوى، وترك التشاحن والتباغض تبعاً للأهواء والأغراض الشيطانية، فيجب على الإمام أن يراعي حق المأمومين، ولا يشق عليهم، ويحترم شعورهم، ويجب على المأمومين أن يراعوا حق الإمام، ويحترموه، وبالجملة، فينبغي لكل منهما أن يتحمل ما يواجهه من الآخر من بعض الانتقادات التي لا تخل بالدين والمروءة، والإنسان معرض للنقص "
انظر كتاب المخلص الفقهي (1/155-156) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1627)
هل يصلى خلف من يسخر من سنة رفع اليدين عند الركوع
[السُّؤَالُ]
ـ[في بلدتنا يؤمنا إمام وهو الخطيب ليوم الجمعة (ليس إماما راتبا) ويرفض الصلاة معنا في المسجد جماعة بعلّة أنّه يصلي بأهله جماعة مع العلم أنّ المسجد يبعد عن منزله قرابة 350 متر. كما أنّ له عدّة أخطاء في العقيدة والأحاديث, ويتطاول على المصلّين الملتزمين بالسخرية أثناء إلقاء خطبة الجمعة كقوله مثلا إنّ رفع اليدين أثناء الصلاة غير موجودة، ولقد شبّهها بطريقة نشّ الذباب، خاصة أنّنا نعلم أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلّي بالرفع (رواه البخاري 735 ومسلم 390) . نرجو من سماحتكم أن تبينوا لنا ما حكم الدين في هذا الإمام وهل تجوز الصلاة وراءه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
صلاة الجماعة في المسجد واجبة على الرجل القادر إذا سمع النداء، في أصح قولي العلماء، كما هو مبين في جواب السؤال رقم (120) ورقم (8918) .
والخلاف في هذه المسألة بين أهل العلم مشهور معلوم، وقد يكون هذا الخطيب معتمدا على القول الآخر في المسألة، ولهذا ينبغي نصحه وبيان الصواب له، بالحكمة والموعظة الحسنة. وصلاة الرجل بأهله لا يبرر له ترك الجماعة في المسجد التي هي من شعار أهل الإسلام، وفيها من الأجر العظيم والثواب الكبير ما لا يليق بخطيب وداعية أن يتركه.
ثانيا:
رفع اليدين في الصلاة عند الركوع والرفع منه، وبعد القيام من التشهد الأول، كل ذلك ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم عليه وسلم بأصح الأسانيد، وهو مذهب جماعة لا تحصى من أهل العلم، كالشافعي وأحمد وإسحاق وغيرهم، بل هو رواية عن مالك عمل بها كثير من أصحابه.
وانظر أدلة ذلك في جواب السؤال رقم (21439)
فمن سخر من هذه السنة، وشبَّهها بنش الذباب، فهو على خطر عظيم؛ لأنها سخرية من أمر فعله النبي صلى الله عليه وسلم وواظب عليه. والله تعالى يقول: (قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) التوبة/65-66.
وأي فرق بين الرفع عند الركوع، والرفع عند الإحرام بالصلاة؟!
ولهذا قال الإمام الشافعي رحمه الله وقد سئل عن معنى الرفع في هذا الموضع: " معناه: تعظيم لله، واتباع لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ومعنى الرفع في الأولى معنى الرفع الذي خالفتم فيه النبي صلى الله عليه وسلم عند الركوع وعند رفع الرأس من الركوع، ثم خالفتم فيه روايتكم عن النبي صلى الله عليه وسلم وابن عمر معا، ويروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة عشر رجلا أو أربعة عشر رجلا، وروي عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه، ومن تركه فقد ترك السنة " انتهى. نقله ابن القيم في "إعلام الموقعين" (2/288) وهو في "الأم" (7/266) .
وقال ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد" (1/209) : " وروى رفع اليدين عنه في هذه المواطن الثلاثة نحو من ثلاثين نفسا، واتفق على روايتها العشرة، ولم يثبت عنه خلاف ذلك البتة، بل كان ذلك هديه دائما إلى أن فارق الدنيا " انتهى.
ثالثا:
بناء على ما سبق، ينبغي نصح هذا الخطيب، وتحذيره من السخرية بشيء من السنة، فإن استجاب فالحمد لله، وإن أصر على ذلك، تُركت الصلاة خلفه، وصليت الجمعة خلف غيره.
وأما ما أشرت إليه من أخطائه العقدية، فأنت لم تبين هذه الأخطاء ليتم الحكم عليها.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1628)
ردَّ المأموم على الإمام إذا أخطأ في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمأموم الذي يقف خلف الإمام (في صلاة الفريضة) أن يصحح له إذا أخطأ في قراءته أو نسي آية في وسط السورة التي يقرأ منها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه المسألة تسمى مسألة الفتح على الإمام.
والفتح على الإمام قسمان:
فتح واجب وهو الفتح على الإمام فيما يبطل الصلاة تعمده، فلو لحن لحناً يحيل المعنى في الفاتحة لوجب الفتح عليه لأن اللحن المحيل للمعنى في الفاتحة مبطل للصلاة. وكذلك لو أسقط آية في الفاتحة لوجب الفتح عليه لأن الصلاة تبطل بذلك، أما الفتح المستحب فهو فيما يفوّت كمالاً، فلو نسي أن يقرأ الإمام سورة مع الفاتحة فالتنبيه هنا سنة.
والدليل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكِّروني) رواه البخاري (الصلاة/401) فأمر بتذكيره، وحين قرأ ذات مرة فلبست عليه القراءة قال لأبي بن كعب: " ما منعك " أي ما منعك أن تفتح عليَّ، وهذا يدل على أن الفتح على الإمام أمر مطلوب.
انظر الشرح الممتع لابن عثيمين ج/3 ص/346-347
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1629)
الأحق بالإمامة
[السُّؤَالُ]
ـ[لا يوجد في مسجدنا إمام راتب، فمن نقدم من الناس ليصبح إمامنا في الصلاة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
وردت أحاديث صحيحة كثيرة تبين للمسلمين من هو الأولى بإمامتهم في الصلاة ومن هو الأحق بها ومن ذلك ما روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (إِذَا كَانُوا ثَلاثَةً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَحَدُهُمْ وَأَحَقُّهُمْ بِالإِمَامَةِ أَقْرَؤُهُمْ) رواه مسلم برقم 1077
وقال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ وَأَقْدَمُهُمْ قِرَاءةً فَإِنْ كَانَتْ قِرَاءَتُهُمْ سَوَاءً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَكْبَرُهُمْ سِنًّا..". رواه مسلم 1079
وخلاصة ما دلت عليه هذه الأحاديث أن الأحق بالإمامة: هو الأقرأ لكتاب الله العالم بفقه صلاته.
ولقد كان الأقرأ مقدّماً في عصر الصحابة، لأنهم كانوا يتعلمون القراءة الصحيحة للآيات ويتعلمون ما فيها من العلم والعمل، فجمعوا بين العلم والعمل ولم يكتفوا بالحفظ فقط كما هو الحال في زماننا هذا فكم حافظ للقرآن أو لبعضه متقن لتلاوته، حسن الصوت به ولكنه لا يعلم من فقه صلاته شيئاً.
فإن استووا في القراءة فأعلمهم بالسنة، فإن استووا فالأقدم هجرة، فإن استووا أو لم يكن هناك هجرة فالأكبر سناً، كما دلّ عليه حديث مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ قَالَ أَتَيْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفِيقًا فَلَمَّا ظَنَّ أَنَّا قَدْ اشْتَهَيْنَا أَهْلَنَا أَوْ قَدْ اشْتَقْنَا سَأَلَنَا عَمَّنْ تَرَكْنَا بَعْدَنَا فَأَخْبَرْنَاهُ قَالَ ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ فَأَقِيمُوا فِيهِمْ وَعَلِّمُوهُمْ وَمُرُوهُمْ وَذَكَرَ أَشْيَاءَ أَحْفَظُهَا أَوْ لا أَحْفَظُهَا وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ رواه البخاري برقم 6705 فلما تساووا في القراءة والعلم والهجرة أمرهم بتقديم الأكبر سناً، فإن استووا في ذلك فالأتقى لقوله تعالى: (إن أكرمكم عند الله اتقاكم) سورة الحجرات، فإن استووا في الكلّ يُقرع بينهم إن تشاحّوا،
وليس حملة الدكتوراه هم الذين يُقدّمون ولا الأطول إقامة في بلاد الكفّار وإنّما يقدّم الأحفظ للقرآن الأفقه بأحكام الصلاة، ولا يصح للمسلمين أن يتنازعوا على الإمامة بأهوائهم الشخصية وإنما عليهم أن يقدّموا من قدّمه الشّرع، والله المسئول أن يُصلح أحوال المسملين.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1630)
الصلاة خلف الإمام العاجز
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للإمام أن يصلي بالناس وهو جالس على كرسي؟ أقصد انه يصلي على الصورة التالية:
يكبر للإحرام وهو قائم ويستمر في قيامه، ثم يركع ويدعو، ثم يرفع من الركوع، ثم يكبر ويسجد (منحنيا) وهو جالس على الكرسي، ثم يعتدل قاعدا على الكرسي للجلسة، ثم يسجد، وبعد ذلك يكبر للركعة التالية.
وهل تضيع البركة على من يأتم به (وهو يصلي على تلك الحالة) ، مع أنهم يؤدون الصلاة بكامل حركاتها (يصلون على الصورة الطبيعية) ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز للإمام أن يصلي بالناس على الصورة المذكورة في السؤال، كما يجوز له كذلك أن يؤمَّ الناس وهو قاعد. وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد.
وحال المصلين خلفه يختلف باختلاف حاله.
الحالة الأولى: إذا ابتدأ الإمام الصلاة قاعداً صلى من خلفه قعوداً.
والأدلة على الحالة الأولى:
1- عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ وَهُوَ شَاكٍ فَصَلَّى جَالِسًا وَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَامًا فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنْ اجْلِسُوا فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا " رواه البخاري (الأذان/657)
2- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكِبَ فَرَسًا فَصُرِعَ عَنْهُ فَجُحِشَ شِقُّهُ الْأَيْمَنُ فَصَلَّى صَلَاةً مِنْ الصَّلَوَاتِ وَهُوَ قَاعِدٌ فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ قُعُودًا فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ وَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ " رواه البخاري (الأذان/648) .
الحالة الثانية: إذا ابتدأ الإمام الصلاة قائما ثم طرأ عليه ما جعله عاجزاً عن القيام، أكمل من خلفه الصلاة قياماً.
الدليل على هذه الحالة:
عن عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: " ثَقُلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَصَلَّى النَّاسُ قُلْنَا لا هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ قَالَ ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ قَالَتْ فَفَعَلْنَا فَاغْتَسَلَ فَذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَلَّى النَّاسُ قُلْنَا لا هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ قَالَتْ فَقَعَدَ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ أَصَلَّى النَّاسُ قُلْنَا لا هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ فَقَعَدَ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ أَصَلَّى النَّاسُ فَقُلْنَا لا هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالنَّاسُ عُكُوفٌ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُونَ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَام لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ الآخِرَةِ فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ بِأَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ فَأَتَاهُ الرَّسُولُ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُصَلِّيَ بِالنَّاسِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَكَانَ رَجُلًا رَقِيقًا يَا عُمَرُ صَلِّ بِالنَّاسِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ أَنْتَ أَحَقُّ بِذَلِكَ فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ تِلْكَ الْأَيَّامَ ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَ مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً فَخَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا الْعَبَّاسُ لِصَلاةِ الظُّهْرِ وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ ذَهَبَ لِيَتَأَخَّرَ فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ لا يَتَأَخَّرَ قَالَ أَجْلِسَانِي إِلَى جَنْبِهِ فَأَجْلَسَاهُ إِلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ فَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي وَهُوَ يَأْتَمُّ بِصَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ بِصَلاةِ أَبِي بَكْرٍ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاعد " رواه البخاري (الأذان/655)
وجه الدلالة من الحديث: أن أبا بكر ابتدأ بهم الصلاة قائماً ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم فصلى بهم من حيث انتهى أبو بكر فصلى قاعداًَ، والصحابة صلوا خلفه قياماً فدل على أن الإمام إذا ابتدأ الصلاة قائما ثم عجز عن القيام بعد ذلك صلى من خلفه قياماً.
وليس في ذلك نقص للصلاة ولا ضياع لبركتها إن شاء الله. والله أعلم
يراجع كتاب أحكام الإمامة والائتمام في الصلاة للمنيف ص 112-116
وكتاب فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر ج2 ص 174.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1631)
إذا كان الأحفظ للقرآن أشعري العقيدة فهل يقدّم للإمامة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان الأشعري أحفظ فهل يقدم في الإمامة أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان لا يدعوا إلى بدعته ولا يعاند إذا بان له الحق فلا بأس أن يتقدم، وإلا فغيره أولى منه وإن كان دونه في الحفظ. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1632)
حكم الصلاة خلف شارب الدخان والشيشة
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن نعمل ست حصص يومياُ ونصلي بعدها الظهر ويتقدمنا للإمامة في الصلاة أئمة منهم من يشرب الدخان ومن يشرب الشيشة، ومنهم من هو مخنفس (مربي شعره) ، ما الحكم في تقدمهم؟ وهل تجوز الصلاة وراء هؤلاء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم تصح الصلاة لكن الأولى أن يتقدم للصلاة بكم من هو أقرؤكم لكتاب الله، وأفقهكم في الدين، فهذا هو الأولى، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " يقوم القوم أقرؤهم لكتاب الله" (رواه مسلم برقم 673) ، ومعنى أقرأ هو الذي يقرأ القرآن، ويعمل بمعانيه، ولو كان يقرأه ولا يعمل بمعانيه فلا خير فيه، أما إذا أم القوم رجل وبين المأمومين من هو أقرأ منه فلا ينبغي ذلك. وقد ذكر ذلك في الحديث.
وذكر الإمام أحمد في كتابه (رسالة السنية) : " من أم قوما ومنهم من هو خير منه، لم يزالوا في سفال أي هبوط وانحطاط "، فالأولى أن يؤمكم أتقاكم وأفقهكم وأعلمكم بكتاب الله. لكن لو فرضنا أن هذا الشارب للدخان أو الذي حلق لحيته أو الذي شرب الشيشة أو الذي تخنفس تقدم وصلى بكم فنقول: الصلاة صحيحة، ولا يلزم إعادتها لأنه مسلم، ولكنها ناقصة، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد الله بن حميد ص 127(5/1633)
حكم صلاة من يصلي فرضا خلف من يصلي نافلة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم صلاة من يصلي الفرض خلف من يصلي نافلة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ عبد العزيز بن باز: " الحكم في ذلك الصحة؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره أنه صلى بطائفة من أصحابه صلاة الخوف ركعتين، ثم صلى بالطائفة الأخرى ركعتين، فالصلاة الثانية له نافلة، وهكذا ثبت في الصحيحين عن معاذ رضي الله عنه: أنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء فرضه ثم يذهب فيصلي بجماعته فرضهم فهي لهم فريضة وهي له نافلة (أنظر صحيح البخاري 701 وصحيح مسلم 465) ". مجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز ابن باز (12/178) .
وهذا القول هو مذهب الإمام الشافعي، ورواية عن الإمام أحمد اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية، والشيخ محمد ابن ابراهيم، والشيخ محمد ابن عثيمين، رحم الله الجميع. انظر الشرح الممتع (4/358) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1634)
الصلاة خلف موظف في بنك ربوي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لنا أن نصلي خلف رجل يعمل في بنك يتعامل بالربا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سئلت اللجنة الدائمة عن مثل هذا السؤال فأجابت:
إن العمل في البنك الربوي حرام، ومرتكبه عاصٍ لله سبحانه وتعالى، لكن الصلاة خلفه صحيحة، لأنه مسلم، تصح صلاته في نفسه إن استوفى شروطها، وما فرض الله فيها، في أصح قولي العلماء، وإن تيسر أن يصلي وراء غيره من أهل الصلاح والتقوى فهو أولى. والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 7/376.(5/1635)
الإمام حسن الصوت ينشط المصلين
[السُّؤَالُ]
ـ[نشرف على عدد كبير من الطلبة في مقر سكنهم، وقد عملنا لهم برنامجاً خاصاً بالتوعية يتضمن دعوة أحد أئمة المساجد في البلد ممن عرفوا بحسن الصوت ليصلي بهم الفجر، حرصاً على التأثير فيهم بالقرآن، علماً بأن إمام المسجد الراتب موافق على هذا العمل، فما الحكم الشرعي في ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي أرى أنه لا بأس في ذلك ولا حرج فيه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم استمع إلى قراءة أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وأعجبته وقال له: (لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود، قال: أوسمعت ذلك يا رسول الله؟ قال: (نعم) ، قال: لو علمت أنك تسمع لحبرته لك تحبيراً) مسلم مختصر في صلاة المسافرين (793) .
فإذا كان هذا الإمام حسن الصوت مجيداً للقراءة ويحصل به تنشيط لهؤلاء الطلبة فإنه لا بأس بذلك، لاسيما وأن الإمام الراتب قد أذن بذلك، والإمام الراتب يشكر على أذنه مراعاة للمصلحة.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب الدعوة 5 للشيخ ابن عثيمين (2/107) .(5/1636)
إذا لم ينو الإمام أن يؤم ثم جاء قوم فأمهم
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا جاء بعض الناس ونوى الصلاة جماعة خلف شخص يصلي صلاة فريضة منفرداً مؤتمين به، هل يجوز ذلك والإمام لم ينو الجماعة؟ الرجاء إفادتي عن حكم ذلك مع إيراد الدليل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز للمصلي المنفرد أن ينوي الإمامة في الصلاة، فيصلي إماماً بمن دخل معه في الصلاة، والدليل على ذلك ما رواه البخاري (667) ومسلم (763) عن ابن عباس قال بت ليلةً عند خالتي ميمونة بنت الحارث فقلت لها إذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأيقظيني (لقيام الليل) فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقمت إلى جنبه الأيسر فأخذ بيدي فجعلني من شقه الأيمن فجعلت إذا أغفيت يأخذ بشحمة أذني قال فصلى إحدى عشرة ركعة ثم احتبى حتى إني لأسمع نفسه راقدا فلما تبين له الفجر صلى ركعتين خفيفتين. رواه البخاري (667) ومسلم (763) .
فالرسول صلى الله عليه وسلم بدأ صلاته منفرداً ثم لما دخل معه ابن عباس في الصلاة صلى به إماماً.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله هذا السؤال:
إذا دخلتُ المسجد بعد انتهاء الجماعة من الصلاة وأقمتُ الصلاة وكبرتُ تكبيرة الإحرام وجاء من بعدي رجل ودخل معي في صلاتي وأنا لم أنو بذلك، هل تصح صلاته أم لا؟
الجواب:
الصواب أن المشروع لك أن تنوي الإمامة حين دخول واحد أو أكثر في الصلاة، لأن الجماعة مطلوبة وفيها فضل عظيم، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن ذلك إنما يصح في النافلة، والصواب أنه يصح في الفرض والنفل، لأن الأصل أنهما سواء في الأحكام إلا ما خصه الدليل، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي في الليل وحده في بيت ميمونة خالة ابن عباس رضي الله عنهم جميعاً، فقام ابن عباس فتوضأ، وصف عن يسار النبي صلى الله عليه وسلم فأداره النبي صلى الله عن يمينه وصلى به، متفق عليه.
وروى مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي وحده، فجاء جابر وجبار فصفا عن يمينه وشماله فجعلهما خلفه وصلى بهما، وهذان الحديثان يدلان على ما ذكرنا، كما يدلان على أن الواحد يكون على يمين الإمام، والاثنين فأكثر يكونان خلفه.
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ ابن باز 12/151.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1637)
كيف يتصرفون مع إمامهم الذي يعصي الله في المسجد؟ وما حكم صلاتهم خلفه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد علمنا أن إمام مسجدنا يفسد في المسجد بعد كثير من الشكاوى، باستماعه للأغاني ومعاكسة النساء في الطرقات، وإغلاق مسجد النساء عليه وهو بداخله، ولقد توجه إليه شاب ملتزم (المؤذن) وسأله: هل ما يقال عنك صحيح؟ فأجاب الإمام بافتخار: إنها عشيقتي، ومن لم يعجبه حالي: فلا يصلي ورائي، فتوجه بعض الرجال إلى أبيه يشكونه حال ابنه، فكان جواب أبيه أنه قال: إنه لا يسمع لكلامي، وليس باستطاعتي أن أعمل شيئا، وقال: أنا أسأل الله أن يأتي مسجدنا هذا إمام صالح. وأرجو منكم أن تقدموا لنا نصيحة نعمل بها إن شاء الله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إن صحَّ ما نقله المؤذن عن ذلك الإمام الفاجر فهو على خطر عظيم، ويُخشى عليه من الردة، أو سوء الخاتمة، ووجه ذلك:
1. أنه اتخذ بيت الله تعالى مكاناً لفجوره، وقبح أفعاله، وقد أمر الله تعالى بتعظيم بيوته وتطهيرها، وجعلها الله تعالى للصلاة والدعاء والاعتكاف، فأن تتخذ مكاناً للفجور مع النساء فهذا غاية في القبح، ولم يفعله المنافقون في مسجدهم مسجد الضرار!
قال تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ) النور/ 36، والبيوت في الآية هي: المساجد.
قال ابن كثير رحمه الله:
" أمَر الله برفعها، أي: بتطهيرها من الدنَس، واللغو، والأفعال والأقوال التي لا تليق فيها..وقال قتادة: هي هذه المساجد، أمر الله سبحانه ببنائها، ورفعها، وأمر بعمارتها، وتطهيرها ... وقد وردت أحاديث كثيرة في بناء المساجد، واحترامها، وتوقيرها، وتطييبها، وتبخيرها " انتهى " تفسير ابن كثير " (6 / 62) .
2. والأمر الآخر: افتخاره بالمعصية وتبجحه بها، والمعلوم أن فعل المعصية بالخفاء مع الخوف من الله ليس كفعلها مجاهرة، مع التبجح بها والافتخار.
وانظر جواب السؤال رقم (9562) ففيه بيان وعيد الذي يتباهى ويتفاخر بمعصيته.
ثانياً:
الواجب عليكم بذل النصح له، والأخذ على يده، فيذهب إليه بعض أهل العلم وكبار السن فيبذلون له النصح، ويبينون له خطر فعله، وأنه قدوة لا يصلح أن يصدر منه هذا، وأن الناس تتأثر بإمام المسجد فينظرون لأفعاله على أنها تطبيق لما يقرأ من القرآن على أن يكون ذلك باللطف والحكمة.
فعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الدِّينُ النَّصِيحَةُ، قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: لِلَّهِ، وَلِكِتَابِهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَعَامَّتِهِمْ) رواه مسلم (55) .
فإن استجاب لهذا النصح وترك ما هو عليه من الفجور وسماع المنكرات: فنعم الفعل فعله، ولكم الأجر على ذلك، أما إن رد عليكم نصحكم، واستمر في غيه وانحرافه: فتنتقلون للخطوة الثانية:
1. التقدم بشكوى إلى الجهات المسئولة، على أن تكون موقعة من جميع المصلين بالمسجد، ويُرجى أن يتخذ المسئولون الإجراء المناسب له من إنذاره، أو فصله من وظيفته.
2. منعه من الإمامة، إن أمكنكم ذلك ولم يترتب عليه مفسدة، أو منازعات بين المصلين. وقد منع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً أن يصلي إماماً بقومه من أجل أنه أمّ جماعة فبصق في القبلة. وقال له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّكَ آذَيْتَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) رواه أبو داود (481) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود.
والمنكرات التي يفعلها إمامكم أعظم من البصق في القبلة وهو يصلي.
3. فإن لم يمكن ذلك فإنكم تتركون الصلاة خلفه إنكاراً عليه، فإن لم يتيسر لكم مسجد آخر تصلون فيه: فلا حرج عليكم من الصلاة خلفه، وإثمه على نفسه، والصلاة وراء الفاسق الفاجر جائزة، وصحيحة، وهي خير من صلاة المرء وحده، ولا يجوز ترك الجمعة والجماعة بحجة فسق الإمام وفجوره.
قال شيخ الإسلام رحمه الله:
" وأما الصلاة خلف أهل الأهواء والبدع، وخلف أهل الفجور: ففيه نزاع مشهور، وتفصيل لكن أوسط الأقوال في هؤلاء: أن تقديم الواحد من هؤلاء في الإمامة: لا يجوز مع القدرة على غيره، فإن من كان مظهراً للفجور أو البدع: يجب الإنكار عليه، ونهيه عن ذلك، وأقل مراتب الإنكار: هجره؛ لينتهي عن فجوره، وبدعته، ولهذا فرَّق جمهور الأئمة بين الداعية وغير الداعية؛ فإن الداعية أظهر المنكر فاستحق الإنكار عليه، بخلاف الساكت فإنه بمنزلة من أسرَّ بالذنب، فهذا لا ينكر عليه في الظاهر، فإن الخطيئة إذا خفيت: لم تضر إلا صاحبها، ولكن إذا أعلنت فلم تُنكر: ضرَّت العامة " انتهى " مجموع الفتاوى " (23 / 342) .
وقال رحمه الله:
" الأئمة متفقون على كراهة الصلاة خلف الفاسق، لكن اختلفوا في صحتها، فقيل: لا تصح، كقول مالك وأحمد في إحدى الروايتين عنهما، وقيل: بل تصح، كقول أبى حنيفة والشافعي، والرواية الأخرى عنهما، ولم يتنازعوا أنه لا ينبغي توليته " انتهى " مجموع الفتاوى " (23 / 358) .
وانظر جواب السؤال رقم (47884) .
ثالثاً:
وليعلَم هذا الإمام أن إثمه ليس كإثم غيره، فهو على علم ومعرفة بالأحكام الشرعية، وهو يقوم بالإمامة التي هي وظيفة الأنبياء والخلفاء والعلماء. وقد جاء الوعيد للإمام بعدم قبول صلاته إن كان من يصلِّي وراءه يكرهونه لفسقه أو بدعته.
فعن أَبَي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ثَلَاثَةٌ لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ آذَانَهُمْ: الْعَبْدُ الْآبِقُ حَتَّى يَرْجِعَ، وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ، وَإِمَامُ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ) .
رواه الترمذي (360) ، وحسَّنه، وحسَّنه الألباني في " صحيح الترمذي ".
قال الشوكاني رحمه الله:
" وظاهر الأحاديث الواردة في وعيد من أمَّ قوما وهم له كارهون: أن صلاته غير مقبولة " انتهى " السيل الجرار " (1 / 255) .
فليحذر هذا الإمام من مغبة أفعاله ومعاصيه، ونسأل الله تعالى له الهداية.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1638)
إمامة الفاسق
[السُّؤَالُ]
ـ[أحيانا يقوم أخي الأكبر بإمامتي في الصلاة، إذا كنا سويا. وفارق السن بيني وبينه 18 سنة. لكنه يتخلف عن تأدية بعض الصلوات المفروضة بسبب العمل، وهو يستمع للموسيقى. فهل يجوز لي أن أصلي خلفه؟ أم أن لي الحق في أن أطلب أن أتقدم للصلاة، إذا كنا نريد أن نصلي سويا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب في الصلاة المفروضة تأديتها في المسجد جماعة وإذا كان المسجد قريباً فيجيب المؤذِّن إذا قال حيَّ على الصلاة ويعمد إلى بيت الله، وأما الصلاة خلف الفاسق فالراجح أنها تصح خلفه ولو كان ظاهره الفسق والأدلة على ذلك:
1- عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله.. الحديث) صحيح مسلم (المساجد ومواضع الصلاة/673)
2- أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يصلون خلف الحجاج والحجاج معروف بالفسق
3- الدليل النظري: كل من صحت صلاته صحت إمامته ولا دليل على التفريق بين صحة الصلاة وصحة الإمامة ... الشرح الممتع لابن عثيمين 4/307
وهناك قول آخر لبعض الفقهاء أن الصلاة خلف الفاسق لا تصح، ولم يصح دليل لأصحاب هذا القول.
ولا شك أن الأفضل أن تقوم بالصلاة بدلاً من أخيك، خاصة إذا كانت تتوفر فيك شروط أفضلية الإمامة
التي جاءت في الحديث: (يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً ... ) رواه مسلم، وكذلك إذا كنت مستقيما، لأن المستقيم صلاته أتم وأكمل وأتقن وأخشع وأتبع للسنة:
وقد سئلت اللجنة الدائمة عن رجل يحفظ القرآن ولكن حليق وآخر أقل منه حفظا وله لحية فأجابت:
يقدم للإمامة في الصلاة من كان له لحية مع حفظه القليل على من يحلق لحيته مع حفظه للقرآن.
انظر فتاوى اللجنة الدائمة 7/375 فتاوى مشابهة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1639)
لا تجوز الصلاة خلف إمام مشعوذ ودجال
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تجوز الصلاة خلف إمام مشعوذ ودجال علماً بأن منهم من يجيد قراءة القرآن؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الإمام مشعوذاً يدعي علم الغيب أو يقوم بخرافات ومنكرات فلا يجوز أن يتخذ إماماً ولا يصلى خلفه لأن من ادعى علم الغيب فهو كافر نسأل الله العافية، يقول جل وعلا: (قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله) النمل/65، وهكذا من يتعاطى السحر حكمه حكم الكفار لقول الله تعالى: (واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر) البقرة/102، أما إذا كان عنده شيء من المعاصي وليس عنده شيء من أعمال الكفر كالسحر ودعوى علم الغيب ولكن عنده شيء من المعاصي فالصلاة خلفه صحيحة والأفضل التماس غيره من أهل العدالة والاستقامة احتياطاً للدين وخروجاً من خلاف العلماء القائلين بعدم جواز الصلاة خلفه.
أما العصاة فلا ينبغي أن يتخذوا أئمة لكن متى وجدوا أئمة صحت الصلاة خلفهم لأنهم قد يبتلى بهم الناس وقد تدعو الحاجة للصلاة خلفهم، أما من يدعو غير الله أو يستنجد بالموتى ويستغيث بهم ويطلبهم المدد فهذا لا يصلي خلفه، لأنه يكون بهذا الأمر من جملة الكفار لأن هذا هو عمل المشركين الذين قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم في مكة وغيرها. ونسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين وأن يمنحهم الفقه في الدين وأن يولي عليهم خيارهم إنه سميع قريب.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/9 ص/278.(5/1640)
هل يشترط أن يكون الإمام واحدا وأن يكون هو الخطيب
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد عشت في الولايات المتحدة حوالي سبع سنوات وقد قضيت جميع تلك السنوات في لاس فيجاس. وفي كل جمعة كان يقدم الخطبة إمام مختلف. سؤالي هو في حي يبلغ تعداد سكانه 6000 نسمة وربما أكثر، فهل من المناسب أن يكون للمسجد إمام مختلف كل جمعة أم يجب على المسجد أن يوظف إماما ثابتا، خاصة إذا كان المسجد قادرا على توظيف إمام ثابت؟ إذا كان الإمام ثابتا فلن يحتاج المرء للذهاب إلى أماكن بعيدة من أجل الحصول على إجابات على ما يكون لديه من استفسارات. جزاكم الله خيرا على ما تقدمونه من خدمة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1. إذا كان المسجد يُمكن أن يقوم به إمام واحد وليس من المساجد الضخمة التي تحتاج إلى تعاون أكثر من إمام أو كان هناك شخص متفرّغ للإمامة وكانت لديكم القدرة المالية على سدّ حاجته أو وُجد من يتبرّع لأداء المهمة فإنّ تثبيت إمام واحد وخطيب للمسجد فيه فوائد عديدة منها:
أ. الخطيب الثابت أقدر على التعرف على مشكلات الناس، وبالتالي المشاركة في حلها، وأن يكون مرجع أهل المسجد وقائدهم، والناس إذا علموا برجوعه جمعة أخرى حثهم ذلك على طرح ما عندهم من مسائل ومشكلات.
ب. ومن الفوائد كذلك التي تعود على الناس سماعهم لأشياء مفيدة يحتاج الكلام عليها إلى سلسلة من الخطب كتفسير سورة الفاتحة - مثلاً - أو علامات الساعة أو الغزوات أو تعليم الصلاة، وهذه السلسلة لا يقوم بها في الغالب إلا إمام واحد بخلاف الخطباء متجددين.
ت. ومنها: سماع الناس لأشياء جديدة في كل أسبوع، فالخطيب الثابت لا يعيد المواضيع التي سبق وأن خطب عنها قريبا لئلا يملّ الناس، بل يجدّد لهم الموضوعات في كل أسبوع، بخلاف الخطباء المتغيرين، فقد يسمع الناس منهم مواضيع متشابهة متكررة، وهو ما يضيع عليهم وقتاً يمكن الاستفادة منه أكثر.
ث. وكون الخطيب هو الإمام نفسه أحسن لأنّه تجتمع عنده الأمور ومشكلات أهل مسجده وقد يحدث في خلال الأسبوع من الحوادث لأهل الحيّ وجماعة المسجد ما يستدعي أن يعلّق عليه أو يتكلم حوله في خطبة الجمعة.
ج. ومنها: موافقة هدي النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء من بعده حيث كان هو الإمام والخطيب الثابت.
2. وينبغي الانتباه البالغ والاهتمام الشديد بأن يكون الإمام مِن أهل السنة وعلى منهجهم في الاعتقاد، وهو الذي ينفعكم في دينكم، ومن عداه من أهل البدع فهو ضار بكم، ومضلل لكم.
3. ويضاف إلى كونه على عقيدة سليمة أن يكون صاحب علم تسمعون منه شيئاً نافعاً في الدروس والخطب.
4. ولا مانع من تكوين لجنة فيها بعض طلبة العلم لاختيار إمام وخطيب، فالناس إذا كان ميزانهم العاطفة لن يستطيعوا التمييز بين النافع والضار.
5. هذا، ولا يلزم أن يكون الإنسان موفّقا في الإمامة والخطابة معاً، فكم من قارئ مشهور جاهل بأحكام الشرع، وكم من خطيب مفوَّه لا يتقن أحكام سجود السهو، وكم من طالب علم لا يحسن الخطابة ومواجهة الناس.
فإذا دعت الحاجة إلى أن يكون الإمام غير الخطيب فلا بأس بذلك وكذلك إذا كانت أحوال الجالية المسلمة لا تسمح بأن يتفرّغ شخص واحد للقيام بمهمات الإمامة والخطابة لظروف الدراسة والعمل فلا مانع من أن يتناوب مجموعة من المؤهلين فيهم على الإمامة والخطابة وأن يُعمل جدول دقيق لذلك حتى لا تضيع المسئوليات ويحدث فراغ يخلّ برسالة المسجد، نسأل الله أن يوفقنا وإياكم للخير وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1641)
تطويل السجدة الأخيرة عمل غير مشروع
[السُّؤَالُ]
ـ[أحد المصلين يحب أن يطيل في السجدة الأخيرة لدرجة أنه في بعض الأوقات يسلم الإمام قبل أن يقوم هذا الرجل من سجوده. وحجته في ذلك أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قال بأنه علينا أن نتقن الصلاة (أو ربما الدعاء) في السجدة الأخيرة. ما هو الحكم بالنسبة لصلاته؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للمأموم أن يتقدم على الإمام، فتحرم مسابقة الإمام، وكذلك التأخر عنه تأخرا بينا بحيث يفوته الركن الذي يليه، لقوله عليه الصلاة والسلام: " إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا "، فالعطف بالفاء يقتضي المبادرة بالمتابعة، كما هو معروف مما تفيده الفاء من العطف والتعقيب.
الشيخ عبد الكريم الخضير.
وإتقان الصلاة لا ينافي متابعة الإمام ما دام الإمام يطمئن بالصلاة وتخصيص السجدة الأخيرة بالتطويل من دون بقية سجدات الصلاة ليس عليه دليل ولا يجوز الابتداع في الدين والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1642)
الصلاة خلف من يعقد التمائم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الصلاة خلف إمام يعقد التمائم للناس، ثم إذا نزل القحط يأمر الناس بشراء كبش أو بقرة لتذبح ويأكلها الصبيان عند القحط من أجل أن ينزل المطر، وهل تجوز الصلاة خلف إمام يفعل النذر والذبح لغير الله تعالى؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا: تجوز الصلاة خلف الذي يكتب التمائم من القرآن والأدعية المشروعة ولا ينبغي له أن يكتبها لأنه لا يجوز تعليقها، وأما إذا كانت التمائم تشتمل على أمور شركية فلا يصلى خلف الذي يكتبها ويجب أن يبين له أن هذا شرك والذي يجب عليه البيان هو الذي يعلمها.
والنذر لغير الله شرك، والذبح لغير الله شرك، لقول الله سبحانه: " وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه " وقال تعالى: " قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له " الآية، وقوله صلى الله عليه وسلم: " لعن الله من ذبح لغير الله " والنذر داخل في قوله تعالى: " ونسكي ".
ثانيا: لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بشراء كبش أو بقرة لتذبح ويأكلها الصبيان عند القحط من أجل أن ينزل المطر، وإنما المشروع في ذلك صلاة الاستسقاء والدعاء والاستغفار والصدقة على الفقراء بل ذلك بدعة لا أساس لها في الشرع المطهر، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ".
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 3/65(5/1643)
الإقتداء بالإمام من وراء باب المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[طبيعة وضع المصلى الذي نصلي فيه أنه إذا امتلأ نغلق الأبواب، ويصلي بعض الناس خارج المصلى، ويتابعون الإمام عن طريق مكبرات الصوت، فهل تصح صلاتهم وهم خارج المسجد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: (احتجز رسول الله صلى الله عليه وسلم حُجرة مخصفة (أي منسوجة من سعف النخل وهو الحصير) فصلى فيها فتتبع إليه الرجال، وجاءوا يصلون بصلاته) الحديث وفيه: (أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة) متفق عليه.
وهذا الحديث يدل على جواز اقتداء المأموم ولو كان الإمام في حجرة لا يراه المأموم، أو كان أحدهما في السطح والآخر في المكان الأسفل، فالعبرة بإمكان الاقتداء إذا كانا جميعاً بالمسجد، فجواز هذا محل اتفاق بين الأئمة.
وكذلك فإن الحديث دليل على أن الحائل بين الإمام والمأمومين غير مانع من صحة الصلاة والاقتداء، وقال النووي: يشترط لصحة الاقتداء علم المأموم بانتقال الإمام، سواء صليا في المسجد أو في غيره أو أحدهما فيه والآخر في غيره بالإجماع ا. هـ.
وإن كان أحدهما خارج المسجد ورأى الإمام أو المأمومين، ولو لم تتصل الصفوف صحت لانتفاء المفسد ووجود المقتضي للصحة، وهو الرؤية وإمكان الاقتداء.
وفي الإنصاف: المرجع في اتصال الصفوق إلى العرف على الصحيح من المذهب.
قال في المغني: فلا يقدر بشيء وهو مذهب مالك والشافعي، لأنه لا حد في ذلك لأنه لا يمنع الاقتداء، فإن المؤثر في ذلك ما يمنع الرؤية أو سماع الصوت، واشترط النووي أن لا تطول المسافة في غير المسجد، وهو قول جمهور العلماء. والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب توضيح الأحكام من بلوغ المرام لـ عبد الله بن عبد الرحمن البسام ص 251.(5/1644)
يجوز للإمام أن يؤذن ويقيم ويصلي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للإمام أن يؤذن ويقيم الصلاة ويؤم بالمصلين في نفس الوقت، أم يجب أن يؤذن ويقيم شخص آخر بينما يؤم هو؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم لا بأس.
يجوز للإمام أن يُؤذن ويقيم ويؤم المصلين في نفس الوقت، لأن كل هذه الأعمال أعمال طاعة وقربة، فلا شيء في ذلك، بل هذا من أجلّ الطاعات وأعظم القربات، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد الله بن حميد ص 87.(5/1645)
كيف تقف المرأة إذا صلت مع زوجها جماعة
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت منذ فترة قريبة والحمد لله، وأرجو أن تخبرني ما إذا كان يمكن للمسلم أن يصلي مع زوجته جماعة، وكيف يكون ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز للرجل أن يؤُمَّ زوجته في الصلاة، وتصفَُّّ المرأة خلف الرجل، إذ لا يجوز لها أن تصُفَّ معه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى بأنس واليتيم جعل أم سُليْم خلفهما، وهي أمُّ أنس.
ومما يدل على ذلك أيضا ما جاء عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِهِ وَبِأُمِّهِ أَوْ خَالَتِهِ قَالَ فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ وَأَقَامَ الْمَرْأَةَ خَلْفَنَا) رواه مسلم (المساجد ومواضع الصلاة/1056)
قال الكاساني: إذا كان مع الإمام امرأة أقامها خلفه.
وقال ابن رشد الحفيد: ولا خلاف في أن المرأة الواحدة تصلي خلف الإمام وأنها إذا كانت مع الرجل صلى الرجل إلى جانب الإمام والمرأة خلفه.
انظر كتاب أحكام الإمامة والائتمام للمنيف ص/319-320
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1646)
أتُهِم الإمام باللحن بالقراءة فما صحة الصلاوات الماضية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم صحة إمامة شخص أأتم بإمام أكثر من سنتين في السرية والجهرية ثم اتهمه -من كان يصلى خلفه -ببطلان إمامته له وللناس. علما أن هذا الأخير كلف بالإمامة من طرف لجنة فتوى محلية مع العلم أن اللجنة قد صلت خلف الإمام المتهم بفقدان الأهلية والمتمثل في العبد الضعيف. وهده اللجنة مكونة من أئمة دائما مكلفين بالنظر في الفتاوى.
1- ما حكم إمامة الشخص المتهم ببطلان الإمامة بحجة اللحن المزعومة.
2- ما حكم صلاة وإمامة الشخص الذي أأتم به أكثر من سنتين في السرية والجهرية - حيث يعرف اللحن من القارىء - ثم اتهمه بالبطلان.
3- ما حكم إمامة هذا الأخير وكذا إمامة الأئمة الدين أأتموا به ثم فصلوه بحجة اللحن وعدم الأهلية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1- الإمام الذي يلحن في الفاتحة لحناً يُخلّ بالمعنى لا تصح إمامته، وما عداها الصلاة صحيحة ما لم يرتكب محظوراً في قراءته بأن يحرّف في القرآن، أو يزيد أو ينقص منه متعمداً فمثل هذا صلاته باطلة.
2- صلاة من ائتم به صحيحة إن شاء الله مالم يعلم بُطلان صلاته.
3- صلاة الذين اتهموه ثم فصلوه إن كانوا يعتقدون بطلان صلاته فصلاتهم باطلة وإلا فلا.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ: عبد الكريم الخضير.(5/1647)
الإمام يعاني من مشكلة في النطق
[السُّؤَالُ]
ـ[يعاني إمام مسجدنا من مشاكل في نطق العديد من الكلمات العربية عند قراءته للقرآن. وقد أخبرتُ بأنه إذا كان الإمام لا يحسن قراءة القرآن أو النطق بالكلمات العربية مثلك أو أحسن منك، فإنك لا يجوز لك أن تصلي خلفه مخافة أن تبطل صلاتك. وعندما سمعت بهذا، توقفت عن الصلاة خلف هذا الإمام لكني لم أخبره بأي شيء في ذلك الخصوص. أرجو أن توضح لي الحكم في هذا الموضوع.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الإمام لا يستطيع النطق ببعض الكلمات لعجمته مثلا، أو لكنة فإنه تصح إمامته بمثله، فإذا لم يوجد من ينطق الكلمات نطقا سليما فإن إمامته صحيحة، وتجزيء الصلاة خلفه، وإذا وجد من يحسن النطق بجميع الكلمات فإنه حينئذ لا تصح إمامة مثل هذا الإمام المذكور في السؤال.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الكريم الخضير.(5/1648)
انضمام الداخل للمسجد إلى المسبوق الذي قام ليأتي بما عليه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تجوز الصلاة مع الشخص الذي يأتي متأخرا عن الإمام بركعة أو بركعتين ثم إذا قام ليتم صلاته بعد انتهاء الإمام أن يصلي معه شخص آخر يكون متأخرا عن الصلاة بحيث يكون إماما.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم يجوز للمتأخر ومن فاتته الصلاة أن يأتمّ بمن يقضي ما فاته من الصلاة مع الإمام الأول، ولا يلزم نية الإئتمام بالنسبة للإمام.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الكريم الخضير.(5/1649)
الصلاة خلف من يلحن القراءة ويبتدع بعد الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[في مقر عملنا يؤمنا في الصلاة إمام من دولة أخرى، أثناء قراءته يمد كل كلمة تقريباً ويرتل بطريقة تشبه الغناء، يقول بأن أستاذه علَّمه هذا، بعض الأحيان لا نستطيع الصلاة خلفه لأن صوته بالقراءة يرتفع بألحان مختلفة.
هل تجوز القراءة بهذه الطريقة بحيث يكون مرتفعاً جدّاً وبألحان مختلفة؟ ما هو الحكم في تلاوة القرآن في الصلوات الجهرية؟
بعد كل صلاة يضع كفيه على جبينه ويقول يا حي يا قيوم سبع مرات، فسألناه لماذا يفعل هذا فقال بأن العلماء قالوا بأن العقل يستنير بهذا الفعل بعد كل صلاة وأن هذا موجود في صحيح مسلم ولكننا لم نجد هذا.
أرجو أن تجيب على أسئلتنا وتخبرنا بما يجب أن نفعله إن كان ما يفعله غير صحيح وكيف نصححه؟ لا يوافق على أي شيء نقوله ويقول بأنه تعلم هذا حسب تعاليم الإسلام وأن كل ما يفعله صحيح، فلا نستطيع أن نفعل شيء.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
تحسين الصوت بالقراءة أمرٌ جيد وطيب ولا حرج فيه بل هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم.
فعن البراء رضي الله عنه قال: سمعت النَّبي صلى الله عليه وسلم يقرأ {والتين والزيتون} في العشاء، وما سمعتُ أحداً أحسن صوتاً منه - أو قراءة -.
رواه البخاري (735) ومسلم (464) .
وقد أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على قراءة أبي موسى الأشعري وهو صاحب الصوت الندي الشجي، لكن هذا التحسين المرغب به للصوت ينبغي أن لا يُخرج الكلام عن موضعه، وينبغي أن لا يشابه بقراءته ألحان الفسقة من المغنين.
عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي موسى " لو رأيتَني وأنا أستمع لقراءتك البارحة لقد أوتيتَ مزماراً من مزامير آل داود ".
رواه البخاري (4761) ومسلم – واللفظ له - (793) .
قال النووي:
قال القاضي: أجمع العلماء على استحباب تحسين الصوت بالقراءة وترتيلها، قال أبو عبيد: والأحاديث الواردة في ذلك محمولة على التحزين والتشويق، قال: واختلفوا في القراءة بالألحان فكرهها مالك والجمهور لخروجها عما جاء القرآن له من الخشوع والتفهم، وأباحهما أبو حنيفة وجماعة من السلف للأحاديث؛ ولأن ذلك سبب للرقة وإثارة الخشية وإقبال النفوس على استماعه.
قلت: قال الشافعي في موضع: أكره القراءة بالألحان، وقال في موضع: لا أكرهها، قال أصحابنا: ليس له فيها خلاف، وإنما هو اختلاف حالين، فحيث كرهها أراد إذا مطط وأخرج الكلام عن موضعه بزيادة أو نقص أو مد غير ممدود وإدغام ما لا يجوز ونحو ذلك، وحيث أباحها أراد إذا لم يكن فيها تغير لموضوع الكلام، والله أعلم.
" شرح مسلم " (6 / 80) .
ثانياً:
أما فعل إمامكم بعد الصلاة من " وضع كفيه على جبينه ويقول: يا حي يا قيوم سبع مرات ": فهذا ليس له أصل من الشرع وليس هو في " صحيح مسلم " ولا في غيره من كتب السنَّة الصحيحة، وهي بدعة منكرة عليكم مناصحته بتركها وتبيين حكم الشرع في الذِّكر البدعي.
أما الصلاة خلف هذا الإمام: فجائزة، لكن من الأفضل أن تبحثوا لكم عن إمامٍ يقيم السنَّة ويعلمكم إياها؛ لأنه يُخشى أن يغترَّ به بعض المصلِّين فيقلده وينشر بدعته، وقبل هذا لا تتركوا نصيحته وإرشاده للسنَّة الصحيحة في الذِّكر خاصَّة وفي العبادة عامة، فإن أصرَّ على بدعته فلا مانع من العمل على منعه من إمامة الصلاة.
وقد قال علماء اللجنة الدائمة:
وأما الصلاة خلف المبتدعة: فإن كانت بدعتهم شركية كدعائهم غير الله ونذرهم لغير الله واعتقادهم في مشايخهم ما لا يكون إلا لله من كمال العلم أو العلم بالمغيبات أو التأثير في الكونيات: فلا تصح الصلاة خلفهم، وإن كانت بدعتهم غير شركية؛ كالذكر بما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن مع الاجتماع والترنحات: فالصلاة وراءهم صحيحة، إلا أنه ينبغي للمسلم أن يتحرى لصلاته إماماً غير مبتدع؛ ليكون ذلك أعظم لأجره وأبعد عن المنكر.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (7 / 353) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1650)
حكم إمامة المرأة للرجال
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يحق للمرأة في الإسلام أن تكون إمامة في مسجد؟ وما هي الشروط لتصبح المرأة إماماً، مع جزيل الشكر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز أن المرأة تؤم الرجال في الصلاة فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أخروا النساء حيث أخرهن الله) رواه عبد الرزاق في مصنفه (5115) موقوفاً على ابن مسعود بأطول من هذا، وإسناده صحيح ولم يثبت رفعه.
ثم الإمامة في المسجد ولاية، والولاية لا تصح إلا للرجال: (ما أفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة) رواه البخاري (13/45،46) كما قال عليه الصلاة والسلام، لأن المرأة مسألة مستثناة عند الحنابلة وهو قول ضعيف وهو أن المرأة تؤم الرجال في التراويح إذا كانت قارئة مجيدة وغيرها من الرجال أميّ، تكون خلفهم وهم أمامها، لكن هذا لا دليل عليه والحاصل أن المرأة لا يجوز أن تؤم الرجال. نعم تؤم النساء مثلها لا بأس لو أمَّت النساء فهذا لا مانع فيه كما في خبر أم ورقة لبعض محارمها أما الرجال الأجانب أو الولاية العامة مثل إمامتها للمسجد فلا.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد الله بن حميد ص 130(5/1651)
إمامة المرأة للرجل إذا كانت أحفظ منه للقرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كانت الزوجة تحفظ من القرآن أكثر من الزوج فمن يؤم في الصلاة؟ الذي يحفظ أكثر؟ أم الرجل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال ابن حزم رحمه الله في كتابه المحلى بالآثار: 317 - مَسْأَلَةٌ:.. وَلا يَجُوزُ أَنْ تَؤُمَّ الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ وَلا الرِّجَالَ , وَهَذَا مَا لا خِلافَ فِيهِ , وَأَيْضًا فَإِنَّ النَّصَّ قَدْ جَاءَ بِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَقْطَعُ صَلاةَ الرَّجُلِ إذَا فَاتَتْ أَمَامَهُ. عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى , مَعَ قَوْلِهِ عليه السلام {الامَامُ جُنَّةٌ} وَحُكْمُهُ عليه السلام بِأَنْ تَكُونَ وَرَاءَ الرَّجُلِ وَلا بُدَّ فِي الصَّلاةِ , وَأَنَّ الامَامَ يَقِفُ أَمَامَ الْمَأْمُومِينَ لابُدَّ أَوْ مَعَ الْمَأْمُومِ فِي صَفٍّ وَاحِدٍ عَلَى مَا نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَوَاضِعِهِ - وَمِنْ هَذِهِ النُّصُوصِ يَثْبُتُ بُطْلانُ إمَامَةِ الْمَرْأَةِ لِلرَّجُلِ , وَلِلرِّجَالِ يَقِينًا. المحلى ج2 صلاة الجماعة
وقال علي بن سليمان المر داوي الحنبلي رحمه الله: قَوْلُهُ (وَلا تَصِحُّ إمَامَةُ الْمَرْأَةِ لِلرَّجُلِ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا.. كتاب الإنصاف ج2 باب صلاة الجماعة
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1652)
هل يستخلف الإمام أحدا إذا بطلت صلاته
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا حصل عارض للإمام هل يجوز لأحد المأمومين أن يؤم المصلين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا حدث للإمام حدث وانصرف من الصلاة، فله أن يقول لبعض المأمومين: يا فلان تقدم أتم بهم الصلاة، فإن لم يفعل، فللمأمومين أن يقدموا أحدهم يتم بهم، أو أن يكملوا الصلاة فرادى.
[الْمَصْدَرُ]
لقاء الباب المفتوح لابن عثيمين 54/93(5/1653)
مسبوقان هل يكون أحدهما إماماً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لدينا مصلى في شركتنا ونصلي به يومياً ونصلي به الجمعة، وقد لاحظت أنه إذا جاء بعض الأخوة متأخرين عن الجماعة ولحقوا بالإمام ثم سلم الإمام ونهضوا لإكمال ما فاتهم، يحصل أن أحد الأخوة يقرر أن يأتم بالشخص الذي على يساره (متأخر أيضاً) ، ويصبح هذا إماماً له. فهل هذا التصرف صحيح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه هي مسألة " إتمام المسبوق بمسبوق آخر أثناء الصلاة " وفيها خلاف بين العلماء ما بين مجيزٍ ومانع، وقد رجح الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله الجواز، وإليك نص كلامه قال رحمه الله:
" لو دخل اثنان مسبوقان، فقال أحدُهما للآخر: إذا سلَّم الإمامُ فأنا إمامُك؛ فقال: لا بأس، فلما سلَّمَ الإمامُ صار أحد الاثنين إماماً للآخر، فقد انتقل هذا الشَّخص من ائتمام إلى إمامة، وانتقل الثَّاني من إمامة شخص إلى إمامة شخص آخر.
(فقد قال بعض العلماء) : بأن هذا جائز؛ وأنه لا بأس أن يتَّفق اثنان دخلا وهما مسبوقان ببعض الصَّلاة على أن يكون أحدُهما إماماً للآخر، وقالوا: إن الانتقال من إمام إلى إمام آخر قد ثبتت به السُّنَّة كما في قضيَّةِ أبي بكر مع الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلامُ (حيث أمَّ أبو بكر بالناس في قصة مرض النبي صلى الله عليه وسلم ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم أثناء الصلاة فلما رآه أبو بكر تأخر ليتقدم النبي صلى الله عليه وسلم فأتم النبيُّ صلى الله عليه وسلم الصلاة. رواه البخاري 687 ومسلم 418، فحصل في هذه القصة انتقالان:
الأول: انتقال أبي بكر من الإمامة إلى الإتمام.
الثاني: انتقال الصحابة من الإئتمام بأبي بكر إلى الإئتمام بالنبي صلى الله عليه وسلم)
(وقيل) : إن هذا لا يجوز؛ لأن هذا تضمَّن انتقالاً من إمام إلى إمام، وانتقالاً من إئتمام إلى إمامة بلا عُذر، ولا يمكن أن ينتقل من الأدنى إلى الأعلى، فكون الإنسان إماماً أعلى من كونه مأموماً.
قالوا: ولأنَّ هذا لم يكن معروفاً في عهد السَّلف، فلم يكن الصَّحابة إذا فاتهم شيءٌ من الصَّلاة يتَّفقون أن يتقدَّم بهم أحدُهم؛ ليكون إماماً لهم، ولو كان هذا من الخير لسبقونا إليه.
لكن القائلين بجوازه لا يقولون إنه مطلوب من المسبوقين أن يتَّفِقَا على أن يكون أحدهما إماماً، بل يقولون: هذا إذا فُعل فهو جائز، وفرق بين أن يُقال: إنه جائز وبين أن يُقال بأنه مستحبٌّ ومشروع، فلا نقول بمشروعيَّته ولا نندب النَّاس إذا دخلوا وقد فاتهم شيء من الصَّلاة؛ أن يقول أحدُهم: إني إمامُكم، لكن لو فعلوا ذلك فلا نقول: إن صلاتَكم باطلة، وهذا القول أصحُّ، أي: أنه جائز، ولكن لا ينبغي؛ لأن ذلك لم يكن معروفاً عند السَّلف، وما لم يكن معروفاً عند السَّلف فإن الأفضل تركه؛ لأننا نعلم أنهم أسبق منَّا إلى الخير، ولو كان خيراً لسبقونا إليه.
" الشرح الممتع " (2 / 316، 317) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1654)
بر الوالد المنكر للحديث
[السُّؤَالُ]
ـ[أعيش في أسرة غير متدينة تضطهدني وتسخر مني وأنا متمسك بالسنة ولله الحمد ووالدي يعتقد بأن الأحاديث التي تشرح أمورا في القرآن كالصلاة يجب اتّباعها والأحاديث التي تذكر أمورا ليست في القرآن كتحريم مصافحة المرأة الأجنبية لا يجب اتباعها وعنده اعتقادات أخرى وأنا أعلم أن بر الوالدين واجب، هل يجوز لي أن أصلي وراء أبي وإذا كان الجواب بالنفي فهل يجوز أن أتظاهر أني أصلي معه كي لا أغضبه ثم أعيد الصلاة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إنّ الوضع الذي تعيش فيه أيها الأخ السائل هو وضع صعب فعلا، وليس بالهيّن على المؤمن أن يعيش مع أب عنده ضلالات وانحرافات عن المنهج الصحيح منهج أهل السنّة والجماعة ولكن المسلم يحتسب الأجر في الصّبر على مثل هذا الأب والتلطّف في نصحه وتبصيره بالحقّ بالوسائل المناسبة التي لا تُشعر الأب بتعالي ولده عليه ولا بانتقاصه له وإنما يشعر الأب بأنها نصيحة ابن معترف بالأبوة موقّر ومشفق كما حصل لإبراهيم عليه السلام في دعوته لأبيه، قال الله تعالى: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (41) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا (42) يَاأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنْ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43) يَاأَبَتِ لَا تَعْبُدْ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَانِ عَصِيًّا (44) يَاأَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنْ الرَّحْمَانِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45) قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَاإِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46) قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (47) سورة مريم
فقد استعمل إبراهيم عليه السلام نداء الأبوة في أرقّ ألفاظه فقال: يا أبت، ولم يقل له أنا عالم وأنت جاهل بل قال إنّي قد جاءني من العلم ما لم يأتك
وأظهر شفقته على أبيه وحرصه على سلامته بقوله: يا أبت إني أخاف أن يمسّك عذاب من الرحمن
ولما رفض أبوه الحقّ وتهدّده بالرّجم ما زاد إبراهيم على أن قال لأبيه بكلّ أدب سلام عليك ووعده أن يستغفر له
هكذا فلتكن دعوة الأبناء الصالحين لآبائهم الضالين.
واعلم بأنّ مسألة إنكار السنّة أو شيء منها أمر خطير جدا - ولعلّنا نذكر شيئا من التفصيل في الموضوع في موضع آخر - ولكن نقول باختصار هنا إذا كانت بدعة أبيك تخرجه عن الإسلام كإنكار السنّة نهائيا وقد أقيمت الحجّة عليه ورفض الحقّ فلا تصحّ صلاتك خلفه حينئذ لكفره، وأما إذا كانت بدعة أبيك لا تصل إلى الكفر كعدم التزامه - عن تقصير وتفريط - بحكم قد جاءت به السنّة فيجوز لك أن تصلي وراءه حينئذ وصلاتك صحيحة. والله تعالى أعلم.
إضافة: وردنا من الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين في خصوص هذا السؤال ما يلي:
الإنكار قد يكون إنكار تأويل وقد يكون إنكار جحد فإذا كان إنكار جحد بمعنى أنّه يقول: نعم أنا أعلم أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم قال هذا لكن أنا أنكر ذلك ولا أقبله فإن كان هذا فهو كافر مرتدّ عن الإسلام ولا تجوز الصلاة خلفه.
وإن كان إنكاره إنكار تأويل فيُنظر إن كان التأويل محتملا مما تسوّغه اللغة ويعلم مصادر الشريعة ومواردها فهذا لا يكفر ويكون من جملة المبتدعين إذا كان قوله بدعيا فيصلى خلفه إلا إذا كان في ترك الصلاة خلفه مصلحة بحيث يرتدع ويفكّر في الأمر مرة ثانية فلا يُصلّى خلفه.
حال هذا الأب أنه يقر ببعض أقسام السنة وهو ما كان موافقاً للقرآن شارحاً له. في الوقت الذي ينكر القسم الآخر وهو ما كان زائداً على القرآن. ومثل هذا يُعد من البدع العظيمة التي توعد الشارع عليها كما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام: " لا أُلفين أحدكم متكئاً على أريكة … " الحديث.
فهي بدعة كبيرة يخشى على صاحبها. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1655)
أين تقف إمامة النساء في صلاة الجماعة، وأفضلية الصلاة في البيت للمرأة
[السُّؤَالُ]
ـ[بالرغم من أن صلاة المرأة تكون أفضل في بيتها، فهل تحصل على نفس الأجر كالرجل في صلاة الجماعة اذا أدت الصلاة في البيت أو المسجد؟ وهل تحصل ايضا على أجر 27 درجة إذا أدت الصلاة بمفردها في البيت؟
وماهو الدليل على أن المرأة تؤم باقي المصليات في الصلاة، بحيث تقف في نفس الصف وليس أمام المأمومين كالرجال؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا السؤال من شقّين:
الأول: وهو أفضلية صلاة المرأة في بيتها:
قال الشيخ ابن عثيمين: " السنة تدل على أن الأفضل للمرأة أن تصليّ في بيتها في أي مكان كانت سواء في مكّة أو غيرها، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وبيوتهن خير لهن) ، يقول ذلك وهو في المدينة مع أن المسجد النبوي الصلاة فيه زيادة فضل، ولأن صلاة المرأة في بيتها أستر لها وأبعد عن الفتنة وكانت في بيتها أولى وأحسن ".
انظر الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة،ج/1 ص/207، ويراجع سؤال رقم (3457) ، وتضعيف الصلاة في الجماعة خاص بالرجال، وقد قال عليه الصلاة والسلام للمرأة
قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكِ تُحِبِّينَ الصَّلَاةَ مَعِي ... وَصَلَاتُكِ فِي دَارِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلَاتِكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ..) الحديث رواه أحمد (مسند باقي الأنصار/25842) وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم 337
الشق الثاني:
الدليل على أن المرأة إذا أمت النساء تقف وسطهن:
قال ابن قدامة: كذلك سنّ لإمامة النساء القيام وسطهن في كل حال، لأنهن عورات. المغني ج/1ص/347 وقال النووي: السنة أن تقف إمامة النساء وسطهن، لما روي أن عائشة وأم سلمة أمّتا نساءً فقامتا وسطهنّ. المجموع شرح المهذّب ج/4 ص/192
و" إذا صلى النساء جماعة فإن إمامتهن تقف وسطهن، لأن ذلك أستر، والمرأة مطلوب منها الستر بقدر المستطاع، ومن المعلوم أن وقوف المرأة بين النساء أستر من كونها تقف بين أيديهن، والحجة في ذلك ما روي عن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما: (أنهما إذا أمّتا النساء وقفتا في صفِّهن) ، وهذا فعل صحابية، والأصح أنه حجة لما لم يخالفه نصّ، والمرأة مع كونها مع المرأة الواحدة كوقوف الرجل مع الرجل الواحد ". انظر الشرح الممتع لابن عثيمين ج/4 ص/387.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1656)
إمامة من لا يُحسن الركوع
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان هناك أخ تجويده للقرآن أحسن من بقيه الإخوة ولكنه لا يحسن الركوع فهل يجوز أن يكون إماما؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أحق الناس بالإمامة أقرؤهم لكتاب الله، وأعلمهم بفقه صلاته، وأحرصهم على صحة صلاته، ومن ذلك إقامة أركانها وواجباتها على الوجه المطلوب، وأما من لا يُحسن الصلاة أو ركناً من أركانها كالركوع ففيه تفصيل:
- إن كان عجزه عن القيام أو الركوع أو السجود لعذر كمرض ونحوه ففيه خلاف بين العلماء والراجح أن إمامته تصح لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: " يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ". وهو مذهب الشافعي رحمه الله، كما في المجموع (4/264) واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما نقله عنه في الإنصاف (4/374) .
- أما إن كان السبب هو الجهل، أو الإصرار فيبين له خطأه، فإن استجاب وإلا فإنه لا يجوز له أن يؤم المصلين، ولو كان حافظاً للقرآن، لأنَّ صلاته باطلة لتركه القيام بركن من أركان الصلاة. أنظر السؤال (1875) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1657)
إمام له معاصٍ خفية هل يستمر في الإمامة
[السُّؤَالُ]
ـ[شاب إمام لأحد المساجد، وهو - كما يقول - محبوب عند جماعة المسجد، ويعلم في قرارة نفسه أنه مقصّر وعنده بعض المعاصي ولا يستحق الإمامة، ولا يستحق هذه المحبة والتقدير من الناس، يخشى على نفسه إذا بقي إماماً للمسجد من النفاق والرياء، فهل يبقى في المسجد؟ وهل يستمر في إمامة الناس، أو يترك الإمامة خشية الرياء والنفاق؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن هذا الشاب الذي وصفت بأنه محبوب عند قومه، ولكن عنده إسراف فيما بينه وبين ربه، أقول: إن هذا الذي حباه الله به من الإمامة ومحبة قومه له توجب أن ينزع عن الإسراف على نفسه، وأن يحسن العبادة وأن يشكر الله عز وجل، لأن كون الإنسان محبوباً عند قومه وهو إمام لهم نعمة من الله كبيرة، قال تعالى: (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً) إلى أن قال: (واجعلنا للمتقين إماماً) ، والمصلون من المتقين وإمامهم داخل في قوله: (واجعلنا للمتقين إماماً) ، فليحمد الله على هذه النعمة، ولينزع عن الإسراف على نفسه، وليجعل هذا من الأسباب التي تعينه على طاعة الله، وليتق الله في مكانه.
وكونه يقول: أخشى الرياء، فهذه وسوسة يلقيها الشيطان في قلب الإنسان كلما أراد أن يعمل طاعة، يدخل عليه الشيطان ويقول: أنت مراء، فيجب عليه أن يطرح هذا ويعرض عنه ويستعين بالله عز وجل فهو دائماً يردد في الصلاة: (إياك نعبد وإياك نستعين) .
[الْمَصْدَرُ]
لقاء الباب المفتوح لابن عثيمين 53/77(5/1658)
هل تصح إمامة الفاسق؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في بنك في إحدى الدول وعادة نصلي العصر والمغرب في جماعة، يطلب مني المصلين (المصلون) بأن أكون الإمام، أنا شخص عادي يا سيدي وأشعر بأنني لا أستحق أن أكون الإمام لوجود من هم أكبر مني ويصلون خلفي، وبالحقيقة فبمجرد تجمعنا للصلاة يستحي كل شخص منا أن يكون الإمام ودائما تنتهي بأن أكون أنا الإمام.
أعلم بأنه خلال 25 سنة اقترفت من الذنوب ما لا حصر له ولكني أؤمن بشيء واحد وهو أن الله يقول إنه من الأفضل أن نصلي في جماعة من أن نصلى فرادى وهذا هو السبب الوحيد الذي يجعلني أقبل بالإمامة. وأود أن أذكر بأني شخص حليق.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه مسألة الصلاة خلف الفاسق، والفاسق: هو من خرج عن طاعة الله بارتكاب كبيرة من كبائر الذنوب، أو بالإصرار على صغيرة، وبحسب ما جاء في سؤالك فإنك مرتكب لبعض كبائر الذنوب وهي: العمل في بنك وحلق اللحية، وهما من الكبائر في ميزان الشرع.
أما بالنسبة للعمل في البنك:
عن جَابِر قَالَ: " لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ هُمْ سَوَاءٌ " رواه مسلم (1598) .
وعن سمرة بن جندب قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي فَأَخْرَجَانِي إِلَى أَرْضٍ مُقَدَّسَةٍ فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ مِنْ دَمٍ فِيهِ رَجُلٌ قَائِمٌ وَعَلَى وَسَطِ النَّهَرِ رَجُلٌ بَيْنَ يَدَيْهِ حِجَارَةٌ فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ الَّذِي فِي النَّهَرِ فَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَخْرُجَ رَمَى الرَّجُلُ بِحَجَرٍ فِي فِيهِ فَرَدَّهُ حَيْثُ كَانَ فَجَعَلَ كُلَّمَا جَاءَ لِيَخْرُجَ رَمَى فِي فِيهِ بِحَجَرٍ فَيَرْجِعُ كَمَا كَانَ فَقُلْتُ مَا هَذَا فَقَالَ الَّذِي رَأَيْتَهُ فِي النَّهَرِ آكِلُ الرِّبَا " رواه البخاري (2085) .
وانظر السؤال رقم (21113) و (21166) .
وأما بالنسبة لحلق اللحية:
فعن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خالفوا المشركين، احفوا الشوارب وأوفوا اللحى".
رواه البخاري (5892) ومسلم (601) .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى:
واللحية هي ما ثبت على الخدين والذقن كما أوضح ذلك صاحب القاموس، فالواجب ترك الشعر النابت على الخدين والذقن وعدم حلقه أو قصه.
أصلح الله حال المسلمين جميعاً.
فتاوى إسلامية (2/325) .
وقال الشيخ ابن عثيمين حفظه الله تعالى:
وحد اللحية كما ذكره أهل اللغة هي شعر الوجه واللحيين والخدين، بمعنى أن كل ما على الخدين وعلى اللحيين والذقن فهو من اللحية، وأخذ شيء منها داخل في المعصية أيضاً لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "وفروا اللحى" و "أوفوا اللحى"، وهذا يدل على أنه لا يجوز أحذ شيء منها، لكن المعاصي تتفاوت؛ فالحلق أعظم من أخذ شيء منها لأنه أعظم وأبين مخالفة من أخذ شيء منها.
فتاوى هامة (ص 36) .
وانظر السؤال رقم (8196) .
وأما بالنسبة للصلاة خلف من كان مظهراً لفسقه فقد اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: لا تصح الصلاة خلف الفاسق.
وهو مذهب أحمد ومالك في إحدى الروايتين عنهما.
قال الشيخ مصطفى الرحيباني:
(فصل) (ولا تصح إمامة فاسق مطلقا) أي: سواء كان فسقه بالاعتقاد أو الأفعال المحرمة، ولو كان مستوراً لقوله تعالى: {أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون} ...
" مطالب أولي النهى " (1 / 653) .
قال شيخ الإسلام رحمه الله:
الأئمة متفقون على كراهة الصلاة خلف الفاسق لكن اختلفوا في صحتها فقيل: لا تصح، كقول مالك وأحمد في إحدى الروايتين عنهما، وقيل: بل تصح كقول أبي حنيفة والشافعي والرواية الأخرى عنهما، ولم يتنازعوا أنه لا ينبغي توليته.
" مجموع الفتاوى " (23 / 358) .
القول الثاني: تصح الصلاة خلف الفاسق، ولو كان ظاهر الفسق، وهذا القول هو الصحيح وهو اختيار الشيخ محمد ابن عثيمين - رحمه الله - والدليل على هذا القول:
أولاً: عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: " يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله " رواه مسلم (673) .
ثانياً: خصوص قوله صلى الله عليه وسلم في أئمة الجور الذين يصلون الصلاة لغير وقتها: " صلِّ الصلاة لوقتها، فإن أدركتها معهم فصلِّ فإنها لك نافلة " رواه مسلم (648) . وعند البخاري: " يصلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطأوا فلكم وعليهم " رواه البخاري (694) .
ثالثاً: أن الصحابة ومنهم ابن عمر " كانوا يُصلون خلف الحجاج " وابن عمر من أشد الناس تحرياً لاتباع السنة واحتياطاً لها، والحجاج معروف بأنه من أفسق عباد الله.
ويقال أيضاً: كل من صحة صلاته صحة إمامته، ولا دليل على التفريق بين صحة الصلاة وصحة الإمامة، لأنه إذا كان يفعل معصية فمعصيته لنفسه، وهذا دليل نظري. " انظر الشرح الممتع لابن عثيمين (4/304) .
واعلم بأن الإمامة في الصلاة أجرها عظيم، وشرفها جسيم، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن الأقرأ (أي الأحفظ) للقرآن هو الذي يُقدم في الصلاة (انظر السؤال 1875) ، وعليه فإن كان غيرك أقرأ للقرآن منك فإنه يقدم، فإن لم يكن إلا أنت فلا بأس بأن تؤم المصلين حتى لو كنت مذنباً لما تقدم من الأدلة.
وختاماً ننصحك أيها الأخ المسلم بأن تتقي الله، وأن تبتعد عن محاربته بالمعصية، فبادر بالتوبة إلى الله قبل أن ينزل بك الموت فتندم ولا ينفعك الندم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1659)
من أحق الناس بالإمامة في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[من أحق الناس بالإمامة في الصلاة؟ حبذا لو احتوى الجواب على أدلة من القرآن والأحاديث.
السؤال الثاني:
أثناء قول الأذكار، هل يجوز قول "إلا الله"؟ وماذا يعني هذا الذكر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أحق الناس بالإمامة هو العالم بأحكام الصلاة والحافظ لكتاب الله.
عن أبي مسعود الأنصاري قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: " يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنَّة ".
رواه الإمام مسلم (1530) .
وليس المراد بـ " الأقرأ " الأحسن قراءة بل المراد به الحافظ لكتاب الله، ومما يدل عليه حديث عمرو بن سلمة قال: … فكنتُ أحفظ ذلك الكلام – أي: القرآن – وكأنما يقر في صدري، … فلمَّا كانت وقعة أهل الفتح بادر كل قوم بإسلامهم وبدر أبي قومي بإسلامهم فلما قدم قال: جئتكم والله من عند النَّبي صلى الله عليه وسلم حقا فقال صلوا صلاة كذا في حين كذا وصلوا صلاة كذا في حين كذا فإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم وليؤمكم أكثركم قرآنا، فنظروا، فلم يكن أحد أكثر قرآناً منِّي لما كنت أتلقى من الركبان فقدموني بين أيديهم وأنا ابن ست أو سبع سنين.
رواه البخاري (4051) .
وإنما قلنا إنه لا بدَّ أن يكون على علم بأحكام الصلاة؛ لأنه قد يطرأ عليه طارئ مثل نقض الوضوء أو نقص ركعة فلا يحسن التصرف، فيقع في أخطاء ويوقع غيره في نقص صلاتهم أو بطلانها.
والحديث السابق: استدل به بعض العلماء على تقديم الأفقه:
قال النووي:
وقال مالك والشافعي وأصحابهما: الأفقه مقدم على الأقرأ؛ لأن الذي يحتاج إليه من القراءة مضبوط والذي يحتاج إليه من الفقه غير مضبوط، وقد يعرض في الصلاة أمر لا يقدر على مراعاة الصواب فيه إلا كامل الفقه قالوا ولهذا قدم النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه في الصلاة على الباقين مع أنه نص صلى الله عليه وسلم على أن غيره أقرأ منه، وأجابوا عن الحديث بأن الأقرأ من الصحابة كان هو الأفقه، لكن في قوله: " فإن كانوا في القراءة سواء، فأعلمهم بالسنَّة " دليل على تقديم الأقرأ مطلقاً.
شرح مسلم (5/ 177) .
فالنووي وإن خالف إمامه الشافعي في الاستدلال بالحديث، لكن كلامهم له اعتباره على أساس أنه ليس بين الصحابة من يحسن القراءة وهو جاهل بأحكام الشرع كما هو الحال في كثير من أهل زماننا.
وقال ابن قدامة:
وإن كان أحدهما أفقه في أحكام الصلاة والآخر أفقه في غير الصلاة: قُدِّم الأفقه في الصلاة.
" المغني " (2 / 19) .
وقالت اللجنة الدائمة:
... فإذا علم ذلك، فلا تصح إمامة الجاهل إلا بمن هو مثله مع عدم وجود من يصلح للإمامة.
" فتاوى إسلامية " (1/ 264) .
ثانياً:
لم نفهم ما هو المراد من السؤال، ولفظة " إلا الله " ليست ذكراً وحده، ولم يأتِ في الشرع في أي ذِكرٍ من الأذكار وحده، بل جاء مع غيره مثل " لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير " وغيره من الأذكار الكثيرة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1660)
مسابقة الإمام في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[نشاهد بعض الناس لدينا في المسجد يتحركون في الصلاة بناء على توقع حركة الإمام وليس بعد الإمام وأحياناً يسبقون الإمام فما حكم هذا العمل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر كبروا فكبروا، ولا تكبروا حتى يكبر، وإذا ركع فاركعوا ولا تركعوا حتى يركع، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا ولا تسجدوا حتى يسجد، وإذا صلى قائماً فصلوا قياماً، وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعين) رواه أبو داود، وهذا لفظه، وأصله في الصحيحين.
يستفاد من الحديث وجوب متابعة الإمام، وأنه القدوة في تنقلات الصلاة وسائر أعمالها وأقوالها، فلا يجوز الاختلاف عليه، وأن الأفضل أن تكون تنقلات المأموم تأتي بعد تنقلات الإمام، فتكون عقبه فلا تخلف في الانتقال من ركن على ركن، ذلك أنه عطف بين تنقلات الإمام وتنقلات المأموم بالفاء الدالة على الترتيب والتعقيب.
كما يستفاد من الحديث أن مسابقة الإمام محرمة، وإذا وقعت عمداً بطلت صلاته، وأن التخلف عنه كمسابقته لا تجوز.
وقوله: (إنما جُعل الإمام ليؤتم به) الائتمام هو الاقتداء والاتباع، ومن شأن التابع أن لا يسابق متبوعه ولا يوافقه، بل يأتي على أثره. والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب توضيح الأحكام من بلوغ المرام لـ عبد الله بن عبد الرحمن البسام ص 144.(5/1661)
هل يخلو بامرأة ليصلي بها إماماً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الاختلاء بامرأة للصلاة بها إماما؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للرجل أن يخلو بامرأة أجنبية عنه.
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يخلونَّ رجل بامرأةٍ إلا ومعها ذو محرَم) رواه البخاري (5233) ومسلم (1341) .
وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ) رواه أحمد (178) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (1813) .
وهذه الأحاديث عامة، تدل على تحريم خلوة الرجل بالمرأة في أي حال ولو كان ذلك من أجل الصلاة، وقد نص على تحريم ذلك أهل العلم.
قال النووي في "المجموع" (4/174) :
" قال أصحابنا: إذا أمَّ الرجل بامرأته أو محرم له , وخلا بها جاز بلا كراهة ; لأنه يباح له الخلوة بها في غير الصلاة , وإن أمَّ بأجنبية وخلا بها حرم ذلك عليه وعليها , للأحاديث الصحيحة التي سأذكرها إن شاء الله تعالى. . ثم ذكر نحو الأحاديث المتقدمة " انتهى.
وجاء في الموسوعة الفقهية" (19/267) :
"وقد اتفق الفقهاء على أن الخلوة بالأجنبية محرمة. وقالوا: لا يخلون رجل بامرأة ليست منه بمحرم , ولا زوجة , بل أجنبية ; لأن الشيطان يوسوس لهما في الخلوة بفعل ما لا يحل , قال صلى الله عليه وسلم: (لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان) . وقالوا: إن أمَّ بأجنبية وخلا بها , حرم ذلك عليه وعليها " انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1662)
ما يدركه المسبوق مع الإمام هو أول صلاته
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا فاتني ركعة جهرية في صلاة الجماعة.. أقضيها سراً أم جهراً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الصحيح من أقوال أهل العلم أن ما يدركه المسبوق مع الإمام هو أول صلاته، وهو مذهب الشافعي رحمه الله، انظر المجموع للنووي (4/420) ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا سَمِعْتُمْ الإِقَامَةَ فَامْشُوا إِلَى الصَّلاةِ وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ وَلا تُسْرِعُوا فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا) البخاري (636) ومسلم (602) . ومعنى أتموا: أكملوا. كما في فتح الباري (2 /118) ، وهذا معناه أن ما أدركه المسبوق مع الإمام هو أول صلاته.
فعلى هذا لو أدرك المسبوق مع الإمام الركعة الثانية من صلاة المغرب فهذه الركعة تكون هي الثانية للإمام والأولى لهذا المأموم، ثم الثالثة للإمام تكون هي الثانية للمأموم، فإذا سلم الإمام قام هذا المسبوق ليتم صلاته فتكون هذه هي الركعة الثالثة له، فيقرأ فيها بالفاتحة سراً. والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1663)
الصلاة خلف إمام صوفي
[السُّؤَالُ]
ـ[عندنا إمام صوفي، فهل تصح الصلاة خلفه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما يختص به الصوفية من الأعمال أو الأقوال أو الاعتقادات، وليس له أصل في كتاب الله أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، منه ما هو بدع مكفرة، ومنه ما هو بدع غير مكفِّرة، فإن كان الإمام من أصحاب البدع الكفرية: فلا يصلَّى وراءه ولا كرامة، وإن كان من أهل البدع غير المكفرة: فيجوز الصلاة وراءه، وغيره من أهل السنَّة أولى ولا شك.
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
إذا حضرت بقرية وكان إمامها من الصوفية، ولا يقبض يده في الصلاة، ولا يدلي بركبتيه قبل يديه إلى السجود، فهل تجوز صلاتي معه؟ .
فأجاب:
إذا كان معروفاً بالتوحيد ليس مشركاً، وإنما عنده شيء من الجهل أو التصوف، ولكنه موحد مسلم يعبد الله وحده، ولا يعبد المشايخ، ولا غيرهم من المخلوقات كالشيخ عبد القادر وغيره: فمجرد كونه لا يضم يديه في الصلاة: لا يمنع من الصلاة خلفه؛ لأن هذا أمر مسنون، وليس بواجب، وهو جعل كفه اليمنى على كفه اليسرى ورسغه وساعده على صدره حال القيام في الصلاة، فمن أرسلها فلا حرج عليه وصلاته صحيحة، ... .
" فتاوى الشيخ ابن باز " (12 / 120، 121) .
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – أيضاً -:
ما حكم الصلاة خلف من يذهب إلى قبور الصالحين للتبرك بها وتلاوة القرآن في الموالد وغيرها بأجر على ذلك؟ .
فأجاب:
هذا فيه تفصيل: إن كان مجرد الاحتفال بالموالد من دون شرك: فهذا مبتدع، فينبغي أن لا يكون إماماً؛ لما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) - رواه أبو داود (3991) - والاحتفال بالموالد من البدع، أما إذا كان يدعو الأموات ويستغيث بهم، أو بالجن، أو غيرهم من المخلوقات فيقول: " يا رسول الله انصرني "، أو " اشف مريضي "، أو يقول: " يا سيدي الحسين "، أو " يا سيدي البدوي "، أو غيرهم من الأموات، أو الجمادات كالأصنام، المدد المدد: فهذا مشرك شركا أكبر، لا يصلى خلفه، ولا تصح إمامته - نسأل الله العافية -.
أما إذا كان يرتكب بدعة كأن يحضر المولد ولكن لا يأتي بالشرك، أو يقرأ القرآن عند القبور، أو يصلي عندها، ولا يأتي بشرك: فهذا يكون قد ابتدع في الدين، فيعلَّم، ويوجَّه إلى الخير وصلاته صحيحة إذا لم يفعلها عند القبور، أما الصلاة في المقبرة: فلا تصح؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) متفق عليه.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (9 / 373، 374) و (12 / 108، 109) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1664)
إذا زاد ركعة على وتر الإمام ليكمل بعد ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الناس إذا صلى مع الإمام الوتر وسلم الإمام قام وأتى بركعة ليكون وتره آخر الليل فما حكم هذا العمل؟ وهل يعتبر انصراف مع الإمام؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا نعلم في هذا بأساً نص عليه العلماء ولا حرج فيه حتى يكون وتره في آخر الليل. ويصدق عليه أنه قام مع الإمام حتى ينصرف لأنه قام معه حتى انصراف الإمام وزاد ركعة لمصلحة شرعية حتى يكون وتره آخر الليل فلا بأس بهذا ولا يخرج به عن كونه ما قام مع الإمام بل هو قام مع الإمام حتى انصرف لكنه لم ينصرف معه بل تأخر قليلاً.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب الجواب الصحيح من أحكام صلاة الليل والتراويح للشيخ عبد العزيز بن باز ص 41هـ(5/1665)
حكم إمامة شارب الدخان
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للإمام أن يصلي بالناس وهو يشرب الدخان؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
شارب الدخان لا ينبغي أن يُصلى خلفه إذا وجد من هو أفضل منه، فإذا لم يوجد افضل منه أو جئت وصليت خلفه وهو يشرب الدخان فالصلاة صحيحة إن شاء الله، فقد ذكر جمهور أهل العلم أن الصلاة خلف الفاسق صحيحة وان من صلى خلفه لا يؤمر بإعادة، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (صلوا خلف من قال لا إله إلا الله) رواه أبو نعيم (1/320) ، والدارقطني 2/56، والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد الله بن حميد ص 127.(5/1666)
إمامة الرجل غير المختون
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أسلم رجل أو أمرأة بعد أن بلغ عمرهما ثلاثين سنة أو أكثر أو أقل هل يلزمهما الختان، وهل يجوز إمامة الرجل غير المختون؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن الختان من سنن الفطرة في حق الرجال والنساء فإن تركه بعد أن كبرت سنه فلا شيء عليه، وأما إمامة غير المختون فصحيحة.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 5/117(5/1667)
مكانة إمامة المصلين في الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من المناسب أن يكون الإمام مدفوع الراتب مديراً للمسجد في نفس الوقت؟
بمعنى آخر تعارض في الاهتمامات، الرجاء الشرح.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا مانع من كون الإمام مديراً للمسجد في نفس الوقت، ولو كان يتقاضى مرتباً شهريّاً؛ وإمام المسجد هو المسؤول عن المسجد، وليس دوره مقتصراً فقط على الإمامة، لأن الإمام في المسجد كالسلطان في سلطانه، إلا إذا كان لا يُحسن تدبير المسجد أو كان منشغلاً لا يمكن القيام بجميع المهمات فلا مانع من أن يتولى رجلٌ آخر إدارة المسجد بعد موافقة الإمام. أو يوزع بعض المهمات على بعض المصلّين.
مكانة الإمامة في الإسلام:
اعلم وفقك الله أن " الإمامة نظام إلهي يُرشدنا الله سبحانه وتعالى فيه عمليّاً إلى مقاصد سنيَّة، وأهداف ساميَة من حسن الطاعة والاقتداء بالقادة في مواطن الجهاد، ولهذا كانت سنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسائر خلفائه الراشدين، ومن سلك سبيلهم من ولاة الأمور في الدولة الأمويَّة والعباسيَّة أن الأمير يكون إماماً في الصلاة والجهاد، فلقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بعث أميراً على حرب كان هو الذي يتولى إمامة الصلاة، وكذلك إذا استعمل رجلاً نائباً على مدينة، كما استعمل عتاب بن أُسيد رضي الله عنه على مكة وعثمان بن أبي العاص رضي الله عنه على الطائف وعلياً ومعاذاً وأبا موسى رضي الله عنهم على اليمن وعمرو بن حزم رضي الله عنه على نجران، وكان نائبه صلى الله عليه وسلم هو الذي يصلي بهم ويقيم فيهم الحدود وكذلك خلفاؤه بعده ومن بعدهم من الأمويين وبعض العباسيين وذلك لأن أهم أمر الدين الصلاة والجهاد.
وأما دور الإمام في المجتمع فلا شك أنه دور هام، كيف لا وهو يقوم بإمامتهم في الصلاة التي هي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين فالإمام هو القائد والمأمومون تابعون له والإمام يقوم بالتوجيه والإرشاد لجماعته بما يلقي من دروس ومواعظ فلقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون يجعلون من المسجد مؤتمراً يجمعون فيه المسلمين ليحصل التشاور بينهم في أمور دينهم وشئون دنياهم فيعلِّمون النَّاس التوحيد والفقه ومكارم الأخلاق مع أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر ".
انظر كتاب " أحكام الإمامة والائتمام في الصلاة " للمنيف (ص 64) .
والإمام يتفقد الغائبين، ويزور المرضى، ويسعى في حاجات من يصلي معه من المسلمين ويُعلم جاهلهم، وينبه غافلهم، وينصح مسيئهم، ويُصلح ذات بينهم، ويقرب بعضهم من بعض ويسعى في أسباب المودة والمحبة بينهم، ويحاول إصلاح الخلل الإجتماعي فيهم من الشقاق العائلي، ومنازعات الجيران ونحو ذلك، وفي الجملة فإن دور الإمام عظيم عليه أن يقدّره حق قدره، وعلى الجماعة أن يعينوه في تحقيق المصالح الشرعية ودفع المفاسد والأضرار، والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1668)
صلى في مسجد ثم علم أن به قبورا وأضرحة
[السُّؤَالُ]
ـ[صليت في مسجد للصوفية، وكان الإمام صوفيا وبعد الانتهاء من الصلاة فيه علمت أنه يوجد في المسجد قبور وأضرحة، وعليها قبة؛ فهل أعيد الصلاة؟ وهل علي إثم إذا كنت أعلم أن هذا المسجد وإمامه صوفي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا تجوز الصلاة في مسجد بني على قبر، أو وضع فيه قبر؛ للأحاديث الواردة في لعن من اتخذ القبور مساجد. ولا تصح الصلاة في هذا المسجد، على الراجح من كلام أهل العلم، وعليه فيلزمك إعادة الصلاة.
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله ما نصه: " هل تصح الصلاة في المساجد التي يوجد فيها قبور؟
فأجاب: المساجد التي فيها قبور لا يصلى فيها، ويجب أن تنبش القبور وينقل رفاتها إلى المقابر العامة، يجعل رفات كل قبر في حفرة خاصة كسائر القبور، ولا يجوز أن يبقى في المساجد قبور، لا قبر ولي ولا غيره؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى وحذر من ذلك، ولعن اليهود والنصارى على عملهم ذلك، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) قالت عائشة رضي الله عنها: (يُحذّر ما صنعوا) متفق عليه.
وقال عليه الصلاة والسلام لما أخبرته أم سلمة وأم حبيبة بكنيسة في الحبشة فيها تصاوير فقال: (أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله) متفق على صحته، وقال عليه الصلاة والسلام: (ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك) خرجه مسلم في صحيحه، عن جندب بن عبد الله البجلي. فنهى عن اتخاذ القبور مساجد عليه الصلاة والسلام ولعن من فعل ذلك، وأخبر: أنهم شرار الخلق، فالواجب الحذر من ذلك. ومعلوم أن كل من صلى عند قبر فقد اتخذه مسجداً، ومن بنى عليه مسجداً فقد اتخذه مسجداً، فالواجب أن تبعد القبور عن المساجد، وألا يجعل فيها قبور؛ امتثالاً لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم، وحذراً من اللعنة التي صدرت من ربنا عز وجل لمن بنى المساجد على القبور؛ لأنه إذا صلى في مسجد فيه قبور قد يزين له الشيطان دعوة الميت، أو الاستغاثة به، أو الصلاة له، أو السجود له، فيقع الشرك الأكبر، ولأن هذا من عمل اليهود والنصارى، فوجب أن نخالفهم، وأن نبتعد عن طريقهم، وعن عملهم السيئ.
لكن لو كانت القبور هي القديمة ثم بني عليها المسجد فالواجب هدمه وإزالته؛ لأنه هو المحدث، كما نص على ذلك أهل العلم؛ حسماً لأسباب الشرك وسدا لذرائعه.
هنا شبهة يشبه بها عباد القبور، وهي وجود قبر النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده.
والجواب عن ذلك: أن الصحابة رضي الله عنهم لم يدفنوه في مسجده، وإنما دفنوه في بيت عائشة رضي الله عنها، فلما وسع الوليد بن عبد الملك مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في آخر القرن الأول أدخل الحجرة في المسجد، وقد أساء في ذلك، وأنكر عليه بعض أهل العلم، ولكنه اعتقد أن ذلك لا بأس به من أجل التوسعة. فلا يجوز لمسلم أن يحتج بذلك على بناء المساجد على القبور، أو الدفن في المساجد؛ لأن ذلك مخالف للأحاديث الصحيحة؛ ولأن ذلك أيضاً من وسائل الشرك بأصحاب القبور، والله ولي التوفيق " انتهى من "مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" (5/388) .
ومما يدل على عدم صحة الصلاة في المسجد الذي به قبر، ما روى الترمذي (317) وأبو داود (492) وابن ماجه (745) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ إِلَّا الْمَقْبَرَةَ وَالْحَمَّامَ) والحديث صححه ابن خزيمة وابن حبان والألباني، وينظر: صحيح سنن الترمذي.
قال في زاد المستقنع: " ولا تصح الصلاة في مقبرة ".
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه: " قوله: «ولا تصح الصلاة في مقبرة» نفي الصحة يقتضي الفساد؛ لأن كل عبادة إما أن تكون صحيحة، وإما أن تكون فاسدة، ولا واسطة بينهما، فهما نقيضان شرعا، فإذا انتفت الصحة ثبت الفساد.
وقوله: «الصلاة» يعم كل ما يسمى صلاة، سواء كانت فريضة أم نافلة، وسواء كانت الصلاة ذات ركوع وسجود أم لم تكن؛ لأنه قال: «الصلاة» وعليه فيشمل صلاة الجنازة فلا تصح في المقبرة. لكن قد دلت الأدلة على استثناء صلاة الجنازة، كما سنذكره إن شاء الله، وعلى هذا؛ فالمراد بالصلاة ما سوى صلاة الجنازة ...
فإذا قال قائل: ما الدليل على عدم صحة الصلاة في المقبرة؟ .
قلنا: الدليل:
أولا: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام» ، وهذا استثناء، والاستثناء معيار العموم.
ثانيا: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» والمساجد هنا قد تكون أعم من البناء؛ لأنه قد يراد به المكان الذي يبنى، وقد يراد به المكان الذي يتخذ مسجدا وإن لم يبن؛ لأن المساجد جمع مسجد، والمسجد مكان السجود، فيكون هذا أعم من البناء.
ثالثا: تعليل؛ وهو أن الصلاة في المقبرة قد تتخذ ذريعة إلى عبادة القبور، أو إلى التشبه بمن يعبد القبور، ولهذا لما كان الكفار يسجدون للشمس عد طلوعها وغروبها، نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة عند طلوعها وغروبها؛ لئلا يتخذ ذريعة إلى أن تعبد الشمس من دون الله، أو إلى أن يتشبه بالكفار.
وأما من علل ذلك بأن علة النهي عن الصلاة في المقبرة خشية أن تكون المقبرة نجسة، فهذا تعليل عليل، بل ميت لم تحل فيه الروح " انتهى من "الشرح الممتع" (2/237) .
وسئل رحمه الله: " عن حكم الصلاة في مسجد في قبلته قبر؟
فأجاب بقوله: لا يجوز أن يوضع في المسجد قبر، لا في قبلته ولا خلف المصلين، ولا عن أيمانهم، ولا عن شمائلهم، وإذا دفن أحد في المسجد ولو كان هو المؤسس له فإنه يجب أن ينبش هذا القبر وأن يدفن مع الناس، أما إذا كان القبر سابقا على المسجد وبني المسجد عليه، فإنه يجب أن يهدم المسجد وأن يبعد عن القبر، لأن فتنة القبور في المساجد عظيمة جدا فربما يدعو إلى عبادة هذا المقبور ولو بعد زمن بعيد، وربما يدعو إلى الغلو فيه، وإلى التبرك به وهذا خطر عظيم على المسلمين، لكن إن كان القبر سابقا وجب أن يهدم المسجد ويغير مكانه، وإن كان المسجد هو الأول فإنه يجب أن يخرج هذا الميت من قبره ويدفن مع المسلمين، والصلاة إلى القبر محرمة ولا تصح الصلاة إلى القبر لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تصلوا إلى القبور) . والله المستعان " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (12/374) .
ثانيا:
الصلاة خلف الصوفي فيها تفصيل:
فإن كان متلبسا ببدعة شركية كدعاء غير الله، أو اعتقاده أن الأولياء يعلمون الغيب، أو يتصرفون في الكون، فلا تصح الصلاة خلفه.
وإن كانت بدعته غير شركية، صحت الصلاة خلفه.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (7/353) : " وأما الصلاة خلف المبتدعة: فإن كانت بدعتهم شركية كدعائهم غير الله ونذرهم لغير الله واعتقادهم في مشايخهم ما لا يكون إلا لله من كمال العلم، أو العلم بالمغيبات، أو التأثير في الكونيات، فلا تصح الصلاة خلفهم.
وإن كانت بدعتهم غير شركية؛ كالذكر بما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكن مع الاجتماع والترنحات، فالصلاة وراءهم صحيحة، إلا أنه ينبغي للمسلم أن يتحرى لصلاته إماما غير مبتدع؛ ليكون ذلك أعظم لأجره وأبعد عن المنكر " انتهى.
وانظر السؤال رقم (4983) للوقوف على شيء من انحراف المتصوفة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1669)
هل يصلى خلف من يقول إنه لا يجب تغطية شعر المرأة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن في أمريكا ويوجد شخص من جماعة المسجد له مكانته بين المسلمين. هذا الرجل قال في المسجد للمسلمين بأن أمريكا دار إسلام أكثر من بلاد الحرمين، وقال ردا على صحيفة سألته بعدما أسلمت إحدى الأمريكيات والتزمت بالحجاب بأن الله فرض على الرجال والنساء الحشمة, ولكن بعض المسلمين يقول بأن المرأة يجب أن تغطي رأسها. وهو لا يرى بتغطية الرأس.
السؤال: هل ما يقوله هذا الرجل حق أم باطل بالأدلة , حيث إن كثيرا من المسلمات هنا اعتمدن على كلامه بعدم واجبية تغطية الرأس، وإذا أصر على ما يقول هل الصلاة خلفه تجوز؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
قول الرجل المسئول عنه: إن أمريكا دار إسلام أكثر من بلاد الحرمين، قول باطل، وبطلانه لا يحتاج إلى دليل؛ إذ ليس هناك عاقل فضلا عن عالم يقول إن أمريكا دار إسلام، بل وأمريكا نفسها لا تدعي ذلك!
ثانيا:
تغطية رأس المرأة واجب باتفاق أهل العلم؛ للأدلة الكثيرة المستفيضة التي فيها الأمر بالحجاب، ومن أصرحها قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) الأحزاب/59.
وهذا دليل على وجوب ستر الوجه أيضا؛ لأن الجلباب يُدنى من على الرأس حتى يستر الوجه والصدر.
وقد بينا أدلة وجوب ستر الوجه، في جواب السؤال رقم (11774) ، وهي دالة على وجوب تغطية الرأس من باب أولى.
والعلماء مختلفون في تغطية الوجه، لكنهم لا يختلفون في أنه يجب على المرأة أن تغطي رأسها وشعرها عن الرجال الأجانب.
قال الإمام أبو بكر الجصاص في تفسيره "أحكام القرآن" (3/485) مفسرا قوله تعالى: (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) النور/60: " لا خلاف في أن شعر العجوز عورة لا يجوز للأجنبي النظر إليه كشعر الشابة , وأنها إن صلت مكشوفة الرأس كانت كالشابة في فساد صلاتها " انتهى.
ويقال لهذا المتعالم وأمثاله: الحجاب أو الحشمة التي تذهبون إليها: ما مستندها، وما حدودها، وأين ذكرها الله تعالى في كتابه أو رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته؟ فإن ذكر آيات الحجاب، طولب بمعرفة تفسيرها والوقوف عند ذلك. وإن أعرض عن آيات الحجاب، وتعامى عنها، ذُكرت له، ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حَيَّ عن بينة.
ثالثا:
الذي يجب أن يكون عليه المسلمون هو تعظيم الكتاب والسنة، والوقوف عند حدودهما، والسعي في تعلم أحكامهما، وعدم الاستجابة والأخذ عن كل ناعق، لا سيما في هذه الأزمنة التي كثر فيها المجترئون على الشريعة، المتحدثون بغير هدى.
وعلى أخواتنا المسلمات أن يتقين الله تعالى، وأن تكون قدوتهن عائشة وفاطمة وخديجة والجيل الأول من الصحابيات الفضليات، اللاتي سارعن إلى تغطية جميع أبدانهن حين نزلت آيات الحجاب، وخرجن، لا يُعرفن من السواد، ولا يظهر منهم وجه فضلا عن شعر.
رابعا:
ينبغي مناصحة هذا المتكلم، وإيقافه على حكم الحجاب وصفته من الكتاب والسنة وبيان أهل العلم، فإن استجاب فالحمد لله، وهذا ما نرجوه له، وإن أصر على موقفه، فلا يُمكَّن من تعليم المسلمين أو وعظهم، ولا يمكن من الإمامة، ولا يصلى خلفه، بل يهجر ويترك حتى يرجع إلى الحق.
نسأله سبحانه أن يهدي ضال المسلمين، وأن يثبتنا على دينه حتى نلقاه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1670)
حكم إمامة المدين في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لمن عليه الدين أن يؤم بالناس في الصلاة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، يجوز لمن عليه دين أن يؤم الناس في الصلاة، إذا كان صالحا للإمامة؛ لعدم الدليل على منع أو كراهة إمامة المدين، إلا إذا كان مدينا مماطلا، يستطيع سداد الدين، لكنه يؤخره ويتهرب ويراوغ، فإنه محكوم بفسقه، وفي إمامة الفاسق خلاف.
والدليل على تحريم المطل: قوله صلى الله عليه وسلم: (لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ) رواه النسائي (4689) وأبوداود (3628) وابن ماجه (2427) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود.
واللي: هو الامتناع والمماطلة في سداد الدين، والمقصود بحل عرضه: أن يقال: مطلني فلان، أو يا ظالم يا معتدي، وعقوبته: حبسه.
ولقوله صلى الله عليه وسلم: (مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ) رواه البخاري (2287) ومسلم (1564) .
قال الشوكاني رحمه الله: " وقد اختلف هل المطل مع الغنى كبيرة أم لا؟ وقد ذهب الجمهور إلى أنه موجب للفسق واختلفوا هل يفسق بمرة أو يشترط التكرار؟ وهل يعتبر الطلب من المستحق أم لا؟ " انتهى من "نيل الأوطار" (5/282) .
وممن عده من الكبائر: ابن حجر الهيتمي في "الزواجر عن اقتراف الكبائر " (1/414) .
ومن الفقهاء من نص على أن المماطل ترد شهادته، كما في "الشرح الكبير على متن خليل" (4/181)
ثانيا:
سبق في جواب السؤال رقم (13465) بيان اختلاف العلماء في صحة إمامة الفاسق، غير أنهم اتفقوا على كراهة الصلاة خلفه.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: " الأئمة متفقون على كراهة الصلاة خلف الفاسق، لكن اختلفوا في صحتها فقيل: لا تصح، كقول مالك وأحمد في إحدى الروايتين عنهما. وقيل: بل تصح كقول أبي حنيفة والشافعي والرواية الأخرى عنهما، ولم يتنازعوا أنه لا ينبغي توليته " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (2/309) .
والحاصل: أن الرجل إذا كان فقيراً ليس عنده ما يقضي به الدَّين فلا يقدح ذلك في دينه ولا عدالته ولا يصح أن يكون ذلك سبباً لمنعه من الإمامة في الصلاة.
أما إذا كان قادراً على سداد الدَّين ولكنه يؤخر سداده بلا عذر ويماطل فإنه لا ينبغي أن يتولى إمامة المسلمين في الصلاة.
وانظر جواب السؤال رقم (47884)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1671)
إذا صلى بعض المأمومين خارج المسجد وانقطع التيار الكهربائي
[السُّؤَالُ]
ـ[أتيت إلى المسجد متأخرا لصلاة العشاء، ولم يكن داخل المسجد مكان للصلاة فصلينا خارج المسجد، وفي الركعة الأخيرة انقطع التيار الكهربائي وانقطع صوت الميكروفون عنا ولم نسمع الإمام، ماذا نفعل في هذه الحالة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان بعض المأمومين خارج المسجد، وتعذر اقتداؤهم بالإمام لانقطاع التيار الكهربائي، فإن المشروع في هذه الحال أن يقوم أحد المأمومين القريبين من باب المسجد بالجهر بالتكبير حتى يسمع من بخَارج المسجد، ويمكنهم متابعة الإمام في الصلاة، فإن لم يفعل فإنهم يخيرون بين أحد أمرين: إما أن يتموا صلاتهم فرادى، وإما أن يقدموا أحدهم يتم بهم الصلاة جماعة، وهذا هو الأولى، حتى لا يقع المصلون في الاضطراب والارتباك الحاصل بسبب انقطاع صوت الإمام.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: صلى جماعة في قبو مسجد (الطابق الأرضي) صلاة الجمعة، وأثناء الصلاة انقطع التيار الكهربائي، وأصبح المأمومون لا يسمعون الإمام، فتقدم أحد المأمومين وأكمل بهم الصلاة. فما حكم صلاة هؤلاء علما أنه أكمل بهم الصلاة على أنها جمعة؟ وما الحكم فيما لو لم يتقدم أحد، هل يكمل كل فرد منهم صلاته وحده؟ وإذا كان يجوز ذلك هل يكملها على أنها ظهر أو على أنها جمعة، حيث إنه استمع إلى الخطيب وافتتح الصلاة مع الإمام وصلى معه ركعة؟
فأجاب: إذا كان الواقع هو ما ذكره السائل، فصلاة الجميع صحيحة؛ لأن من أدرك ركعة من الجمعة فقد أدرك الجمعة كما جاء بذلك الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولو لم يتقدم لهم أحد فصلى كل واحد بنفسه الركعة الأخيرة أجزأه ذلك، كالمسبوق بركعة يصلي مع الإمام ما أدرك ثم يقضي الركعة الثانية لنفسه؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) " انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (12/331) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1672)
إذا أحدث الإمام أو تذكر الحدث في الصلاة جاز له الاستخلاف
[السُّؤَالُ]
ـ[إمام صلى بالناس وأثناء الصلاة تذكر أنه لم يكن متوضئاً أصلاً، فقطع الصلاة واستخلف أحد المصلين، وكان قد صلى بهم ركعة فجاء هذا الخليفة وبنى على صلاة الإمام، ثم ذهب الإمام وتوضأ وأعاد الصلاة، فهل تصرف هذا الإمام صحيح علماً بأنه مقلد للمذهب الشافعي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما قام به الإمام من الخروج من الصلاة واستخلاف أحد المأمومين، وبناء الخليفة على صلاة الإمام، كل ذلك عمل صحيح.
والقول بجواز الاستخلاف في هذه الحالة هو قول جمهور العلماء من الحنفية والمالكية والشافعية، ورواية عن الإمام أحمد.
قال النووي رحمه الله: " قال أصحابنا: إذا خرج الإمام عن الصلاة بحدثٍ تعمّده أو سبَقه أو نسيه أو بسبب آخر , أو بلا سبب ففي جواز الاستخلاف قولان مشهوران: الصحيح الجديد: جوازه للحديث الصحيح، وقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " ذهب ليصلح بين بني عمرو بن عوف وصلى أبو بكر بالناس فحضر النبي صلى الله عليه وسلم وهو في أثناء الصلاة فاستأخر أبو بكر واستخلف النبي صلى الله عليه وسلم " انتهى باختصار من المجموع" (4/138) .
وقال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع (4/243) : " إذا ذكر الإمام في أثناء الصلاة أنه محدث وجب عليه الانصراف ويستخلف من يكمل بهم الصلاة، لأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما طعنه أبو لؤلؤة المجوسي بعد أن شرع في صلاة الصبح تناول عمر يد عبد الرحمن بن عوف فقدمه، فصلى بهم صلاة خفيفة (رواه البخاري) .
وهذا بحضرة الصحابة رضي الله عنهم، فإن لم يفعل وانصرف – أي: لم يستخلف – فللمأمومين الخيار بين أن يقدموا واحداً منهم يكمل بهم الصلاة، أو يتموها فرادى " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1673)
متى تكون تكبيرات الانتقال في الصلاة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما يصلي الإمام , فمتى يكبر مثلا للركوع هل يكبر قبل أن يركع أم أثناء الركوع أم بعد الركوع؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المشروع لكل مصلٍّ (الإمام والمأموم والمنفرد) أن يكون تكبيره للركوع مقارنا لحركته، فيبدأ التكبير حال انحنائه، ويختمه قبل أن يصل إلى حد الركوع؛ فيقع تكبيره بين الركنين، القيام والركوع.
وقد دلت السنة على أن التكبير يقارن الحركة المقصودة من ركوع، وسجود، وقيام منه، كما في الصحيحين عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاةِ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ، ثُمَّ يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ، ثُمَّ يَقُولُ وَهُوَ قَائِمٌ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْد، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَهْوِي، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَسْجُدُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، ثُمَّ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الصَّلاةِ كُلِّهَا حَتَّى يَقْضِيَهَا، وَيُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ مِنْ الثِّنْتَيْنِ بَعْدَ الْجُلُوسِ) رواه البخاري (789) ومسلم (392) .
فهذا الحديث ظاهرٌ في أن التكبير للركوع يكون أثناء انحنائه إلى الركوع، وتكبير السجود أثناء نزوله إلى السجود، وتكبير الرفع من السجود أثناء رفعه...... وهكذا، ذكره النووي في "شرح مسلم"، وذكر أنه مذهب جمهور العلماء.
ومن الفقهاء من شدد في ذلك، ورأى أنه لو بدأ المصلي التكبير وهو قائم قبل أن ينحني، أو أكمله بعد وصوله إلى الركوع أن ذلك لا يجزئه، ويكون تاركا للتكبير؛ لأنه أتى به في غير موضعه، وعلى القول بوجوب التكبير: تبطل صلاته إن تعمد ذلك، وإن فعله سهوا لزمه السجود للسهو، والصحيح أنه يعفى عن ذلك دفعاً للمشقة.
قال المرداوي في "الإنصاف" (2/59) : " قال المجد وغيره: ينبغي أن يكون تكبير الخفض والرفع والنهوض ابتداؤه مع ابتداء الانتقال , وانتهاؤه مع انتهائه. فإن كمّله في جزء منه أجزأه [أي إذا أوقعه بين الركنين دون أن يبسطه ويمده] ; لأنه لا يخرج به عن محله بلا نزاع.
وإن شرع فيه قبله , أو كمّله بعده , فوقع بعضه خارجا عنه , فهو كتركه ; لأنه لم يكمله في محله، فأشبه من تمم قراءته راكعا , أو أخذ في التشهد قبل قعوده.
ويحتمل أن يعفى عن ذلك ; لأن التحرز منه يعسر , والسهو به يكثر , ففي الإبطال به أو السجود له مشقة. " انتهى باختصار.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " قال الفقهاء رحمهم الله: لو بدأ بالتكبير قبل أن يهوي، أو أتمه بعد أن يصل إلى الركوع؛ فإنه لا يجزئه. لأنهم يقولون: إن هذا تكبير في الانتقال فمحله ما بين الركنين، فإن أدخله في الركن الأول لم يصح، وإن أدخله في الركن الثاني لم يصح؛ لأنه مكان لا يشرع فيه هذا الذكر، فالقيام لا يشرع فيه التكبير، والركوع لا يشرع فيه التكبير، إنما التكبير بين القيام والركوع.
ولا شك أن هذا القول له وجهة من النظر؛ لأن التكبير علامة على الانتقال؛ فينبغي أن يكون في حال الانتقال.
ولكن القول بأنه إن كمله بعد وصول الركوع، أو بدأ به قبل الانحناء يبطل الصلاة فيه مشقة على الناس، لأنك لو تأملت أحوال الناس اليوم لوجدت كثيرا من الناس لا يعملون بهذا، فمنهم من يكبر قبل أن يتحرك بالهوي، ومنهم من يصل إلى الركوع قبل أن يكمل.
والغريب أن بعض الأئمة الجهال اجتهد اجتهادا خاطئا وقال: لا أكبر حتى أصل إلى الركوع، قال: لأنني لو كبرت قبل أن أصل إلى الركوع لسابقني المأمومون، فيهوون قبل أن أصل إلى الركوع، وربما وصلوا إلى الركوع قبل أن أصل إليه، وهذا من غرائب الاجتهاد؛ أن تفسد عبادتك على قول بعض العلماء؛ لتصحيح عبادة غيرك؛ الذي ليس مأمورا بأن يسابقك، بل أمر بمتابعتك.
ولهذا نقول: هذا اجتهاد في غير محله، ونسمي المجتهد هذا الاجتهاد: "جاهلا جهلا مركبا"؛ لأنه جهل، وجهل أنه جاهل.
إذا؛ نقول: كبر من حين أن تهوي، واحرص على أن ينتهي قبل أن تصل إلى الركوع، ولكن لو وصلت إلى الركوع قبل أن تنتهي فلا حرج عليك.
فالصواب: أنه إذا ابتدأ التكبير قبل الهوي إلى الركوع، وأتمه بعده فلا حرج، ولو ابتدأه حين الهوي، وأتمه بعد وصوله إلى الركوع فلا حرج، لكن الأفضل أن يكون فيما بين الركنين بحسب الإمكان. وهكذا يقال في: "سمع الله لمن حمده " وجميع تكبيرات الانتقال. أما لو لم يبتدئ إلا بعد الوصول إلى الركن الذي يليه، فإنه لا يعتد به " انتهى من "الشرح الممتع".
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1674)
مسبوق نسي وسلَّم مع الإمام، فهل يسجد للسهو بعد أن يأتي بما عليه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[فاتتني الركعة الأولى من العصر، وعندما سلم الإمام سلمت معه بالغلط، فهل يجب سجود السهو بعد أن آتي بهذه الركعة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، عليك أن تسجد للسهو بعد أن تتم صلاتك، وذلك لأن المأموم إذا سها لا سجود عليه إلا إذا كان مسبوقاً.
قال النووي رحمه الله تعالى في "المجموع" (4/63) :
" إذا سها خلف الإمام تحمل الإمام سهوه، ولا يسجد واحد منهما بلا خلاف، قال الشيخ أبو حامد: وبهذا قال جميع العلماء إلا مكحولا، فإنه قال: يسجد المأموم لسهو نفسه " انتهى.
والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما جُعِل الإمام ليؤتمّ به، فلا تختلفوا عليه) رواه البخاري (722) ومسلم (414)
وسجود المأموم للسهو فيه مخالفة للإمام.
أما إذا كان مسبوقاً فإنه يسجد للسهو إذا أتمّ صلاته، لأنه سيتمها منفرداً، فلا يكون في سجوده مخالفة للإمام.
ثانيا:
قال النووي رحمه الله "المجموع" (4/64) :
" ولو كان مسبوقا فسها بعد سلام الإمام، لم يتحمل عنه الإمام؛ لانقطاع القدوة " انتهى.
وجاء في الموسوعة الفقهية (8/206) :
" إذا سلم المسبوق بعد سلام الإمام سهوا، بنى على صلاته ويسجد للسهو " انتهى.
وقال الشيخ السعدي رحمه الله ":
" إذا كان مسبوقا وسها بما يقضيه فإن عليه السجود للسهو " انتهى.
" فتاوى السعدي" (157)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (14/رقم698) :
" إذا سها المأموم في صلاته وكان مسبوقا وجب عليه أن يسجد للسهو إذا كان سهوه مما يوجب السجود " انتهى.
ومن ذلك ما إذا سلم المسبوق بعد سلام إمامه سهوا، فإن الواجب عليه أن يقوم فيأتي بما عليه، ثم يسجد للسهو.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1675)
استخلاف الإمام غيره أثناء الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز استبدال الإمام بإمام آخر أثناء الصلاة، ابتداء من الركعة الثانية، حيث إن الإمام الأول لم يستطع إكمال الصلاة، أو قراءة القرآن من شدة البكاء، وخاف الإطالة على المأمومين، وقد كانوا على سفر وعلى عجلة من أمرهم جميعا، فَوَلَّى مِن المأمومين مَن ينوب عنه في الإمامة أثناء الصلاة، واستبدل كلٌّ منهم مكانه بمكان الآخر، وأكملوا الصلاة على ذلك، فإن لم يكن تصرفهم هذا جائزا فماذا على الإمام؟ وماذا على المأمومين؟ وماذا على الإمام المستبدل؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا طرأ على الإمام عذر يمنعه من إتمام صلاته أو من البقاء في الإمامة، فإن له أن يستخلف أحد المأمومين ليتم الصلاة بالجماعة خلفه، هذا هو مذهب جماهير أهل العلم.
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (4/142) :
" حكاه ابن المنذر عن عمر بن الخطاب وعلي وعلقمة وعطاء والحسن البصري والنخعي والثوري ومالك وأصحاب الرأي وأحمد، ولم يصرح بحكاية منع الاستخلاف عن أحد " انتهى.
واستدلوا بأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما طعن وهو في الصلاة أخذ بيد عبد الرحمن بن عوف، فقدمه، فأَتَمَّ بالناس الصلاة. رواه البخاري (3700) .
وكان ذلك بمحضر من الصحابة وغيرهم، ولم ينكر، فكان إجماعا.
انظر: "الموسوعة الفقهية" (3/252) .
ثانياً:
عَجْزُ الإمام عن إتمام الصلاة بالناس أو القيام بأحد أركان الصلاة يعتبر من الأعذار التي تجيز له أن يستخلف غيره فيتم صلاة الجماعة.
قال أبو الوليد الباجي في "المنتقى شرح الموطأ" (1/290) :
" وأما تأخر الإمام لعذر فلا خلاف في جواز ذلك، والأعذار على وجهين:
منها: ما يوجب للإمام كونه مأموما، وذلك إذا عجز عن شيء من فروض الصلاة، فإنه يتأخر ويقدم رجلا من القوم يتم بهم الصلاة ويأتم هو به " انتهى.
ومن ذلك لو غلب البكاء على الإمام فما يعود يقدر أن يتم ركن القراءة بالفاتحة، فيستخلف أحد المأمومين حينئذ.
قال ابن قدامة في "المغني" (1/944) :
" إن عجز عن إتمام الفاتحة فله أن يستخلف من يصلي بهم؛ لأنه عذر، فجاز أن يستخلف لأجله، كما لو سبقه حدث، وكذلك لو عجز في أثناء الصلاة عن ركن فإنه يستخلف من يتم بهم الصلاة " انتهى.
أما إذا كان الإمام قد أتم قراءة الفاتحة، ثم غلبه البكاء أثناء القراءة بعد الفاتحة، فإنه حينئذ يقطع قراءته ويركع ولا شيء عليه.
فعن عبد الله بن السائب رضي الله عنه قال: (صَلَّى لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى الّلهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ الصُّبحَ بِمَكَّةَ، فَاستَفتَحَ سُورَةَ المُؤمِنِينَ، حَتَّى جَاءَ ذِكرُ مُوسَى وَهَارُونَ، أَخَذَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ سَعلَةٌ فَرَكَعَ) رواه مسلم (455) .
قال النووي "شرح مسلم" (4/177) :
" وفي هذا الحديث جواز قطع القراءة ولا كراهة فيه إن كان القطع لعذر " انتهى.
ولا يجوز له أن يستخلف حينئذ؛ إذ يمكنه إتمام الصلاة بالناس مقتصرا على أركانها، ولا داعي لمعاناة القراءة أثناء البكاء، فإن قراءة ما زاد على الفاتحة ليس بواجب.
وقد نقل في "مواهب الجليل" (2/136) عن المازري أنه قال:
" لا يستخلف لِحَصرِ قراءة بعض السورة " انتهى. (أي: إذا امتنعت عليه القراءة) .
ويوصَى في مثل هذه الأحوال أن يحاول ضبط نفسه قدر الإمكان، حتى لا يشق على المصلين، فإن البكاء يسترسل ويطول، ولذلك بعض المفاسد.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (11/342) : ما رأي سماحتكم في ظاهرة ارتفاع الأصوات بالبكاء؟
فأجاب:
" لقد نصحت كثيرا ممن اتصل بي بالحذر من هذا الشيء، وأنه لا ينبغي؛ لأن هذا يؤذي الناس ويشق عليهم ويشوش على المصلين وعلى القارئ، فالذي ينبغي للمؤمن أن يحرص على أن لا يسمع صوته بالبكاء، وليحذر من الرياء، فإن الشيطان قد يجره إلى الرياء، فينبغي له أن لا يؤذي أحدا بصوته، ولا يشوِّش عليهم، ومعلوم أن بعض الناس ليس ذلك باختياره، بل يغلب عليه من غير قصد، وهذا معفو عنه إذا كان بغير اختياره، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه إذا قرأ يكون لصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء) ، وجاء في قصة أبي بكر رضي الله عنه أنه (كان إذا قرأ لا يُسمِع الناس من البكاء) ، وجاء عن عمر رضي الله عنه (أنه كان يُسمَعُ نشيجُه من وراء الصفوف) ، ولكن هذا ليس معناه أنه يتعمد رفع صوته بالبكاء، وإنما شيء يغلب عليه من خشية الله عز وجل، فإذا غلبه البكاء من غير قصد فلا حرج عليه في ذلك " انتهى.
ثالثاً:
تبين مما سبق أنه إن كان إمامكم قد أتم قراءة الفاتحة، فقد أخطأ حيث استخلف غيره، فلا يَعُد إلى مثل ذلك، أما حكم صلاتكم وصلاته فهي صحيحة إن شاء الله، ولا يؤمر أحد بالإعادة، لعدم العلم بالحكم الشرعي.
وأما إن كان الإمام غلبه البكاء عن قراءة الفاتحة، فما فعله من استخلاف غيره صواب مشروع.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1676)
متى يَشرَعُ المأموم بالتسليم عن اليمين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[عند التسليم من الصلاة، هل يسلم المأموم بعد الأولى من الإمام، ثم الثانية بعد الثانية، أم ينتظر ولا يسلم حتى ينتهي الإمام من التسليمة الثانية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأفضل للمأموم أن لا يسلم من الصلاة حتى يفرغ الإمام من التسليمة الثانية.
قال النووي رحمه الله "المجموع" (3/463) :
" قال البغوي: يستحب ألا يبتدئ السلام حتى يفرغ الإمام من التسليمتين، وهو ظاهر نص الشافعي في البويطي كما نقله البغوي، فإنه قال: (ومن كان خلف إمام، فإذا فرغ الإمام من سلامه سلم عن يمينه وشماله) " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (4/267) :
"قال العلماء: يكره أن تسلم مع إمامك التسليمة الأولى والثانية، وأما إذا سلمت التسليمة الأولى بعد التسليمة الأولى، والتسليمة الثانية بعد التسليمة الثانية فإن هذا لا بأس به، لكن الأفضل أن لا تسلم إلا بعد التسليمتين " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1677)
المراد من حديث: من زار قوما فلا يؤمهم
[السُّؤَالُ]
ـ[نهى النبي صلى الله عليه وسلم الضيف من إمامة المقيمين في الصلاة، بل يؤمهم أحدهم (المرجع حديث رواه مالك بن الحويرث في الترمذي وأبي داود. هذا الحديث (هو "نص" حسبما يظهر لي) لا يعمل به في مساجدنا عندما يحضر أحد ضيوف الخطباء. فالخطيب يطلب من الضيف أن يؤم الناس في الصلاة، ويفعل الضيف ذلك. وتأييدا لهذا العمل، يستشهد الخطباء بالحديث الذي فيه أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أم الصلوات في مكة يوم الفتح مع أنه كان زائرا. أرجو أن تبين لي الحكم للفائدة العليمة وكي ترشد الآخرين حيال الموضوع.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
حديث مالك بن الحويرث المشار إليه، رواه الترمذي (356) وأبو داود (596) عَنْ أَبِي عَطِيَّةَ قَالَ: كَانَ مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ يَأْتِينَا فِي مُصَلانَا يَتَحَدَّثُ فَحَضَرَتْ الصَّلاةُ يَوْمًا فَقُلْنَا لَهُ: تَقَدَّمْ. فَقَالَ: لِيَتَقَدَّمْ بَعْضُكُمْ حَتَّى أُحَدِّثَكُمْ لِمَ لا أَتَقَدَّمُ , سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ زَارَ قَوْمًا فَلا يَؤُمَّهُمْ , وَلْيَؤُمَّهُمْ رَجُلٌ مِنْهُمْ) .
قَالَ أَبُو عِيسَى الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ، قَالُوا: صَاحِبُ الْمَنْزِلِ أَحَقُّ بِالإِمَامَةِ مِنْ الزَّائِرِ.
وقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِذَا أَذِنَ لَهُ فَلا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ.
وقَالَ إِسْحَقُ بِحَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ وَشَدَّدَ فِي أَنْ لا يُصَلِّيَ أَحَدٌ بِصَاحِبِ الْمَنْزِلِ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ صَاحِبُ الْمَنْزِلِ، قَالَ وَكَذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ لا يُصَلِّي بِهِمْ فِي الْمَسْجِدِ إِذَا زَارَهُمْ، يَقُولُ: لِيُصَلِّ بِهِمْ رَجُلٌ مِنْهُمْ) انتهى من سنن الترمذي.
والحديث قال عنه الألباني رحمه الله: صحيح دون قصة مالك. "صحيح سنن الترمذي".
وقد ثبت في السنة ما يدل على جواز أن يؤم الزائرُ صاحبَ البيت، إذا كان ذلك بإذنه، وهو ما رواه مسلم (673) عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَلا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ , وَلا يَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلا بِإِذْنِهِ) .
قال النووي رحمه الله في شرحه: " قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَلا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانه) مَعْنَاهُ: مَا ذَكَرَهُ أَصْحَابنَا وَغَيْرهمْ: أَنَّ صَاحِب الْبَيْت وَالْمَجْلِس وَإِمَام الْمَسْجِد أَحَقّ مِنْ غَيْره، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْغَيْر أَفْقَه وَأَقْرَأ وَأَوْرَع وَأَفْضَل مِنْهُ. وَصَاحِب الْمَكَان أَحَقّ فَإِنْ شَاءَ تَقَدَّمَ، وَإِنْ شَاءَ قَدَّمَ مَنْ يُرِيدهُ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الَّذِي يُقَدِّمهُ مَفْضُولا بِالنِّسْبَةِ إِلَى بَاقِي الْحَاضِرِينَ؛ لأَنَّهُ سُلْطَانه فَيَتَصَرَّف فِيهِ كَيْف شَاءَ.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَلا يَقْعُد فِي بَيْته عَلَى تَكْرِمَته إِلا بِإِذْنِهِ) قَالَ الْعُلَمَاء: التَّكْرِمَة الْفِرَاش وَنَحْوه مِمَّا يُبْسَط لِصَاحِبِ الْمَنْزِل وَيُخَصّ بِهِ " انتهى باختصار.
وقال الشوكاني رحمه الله في شرح حديث مالك بن الحويرث: " وأكثر أهل العلم أنه لا بأس بإمامة الزائر بإذن رب المكان؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي مسعود رضي الله عنه: (إلا بإذنه) " انتهى من "نيل الأوطار" (3/170) .
ويدل أيضا على جواز إمامة الزائر لصاحب المنزل: ما رواه البخاري (424) ومسلم (33) عَنْ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ فِي مَنْزِلِهِ فَقَالَ: (أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ لَكَ مِنْ بَيْتِكَ؟ قَالَ: فَأَشَرْتُ لَهُ إِلَى مَكَانٍ , فَكَبَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفَفْنَا خَلْفَهُ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ) .
ويدل على جواز إمامة المسافر للمقيمين: ما رواه الترمذي (545) عَنْ أَبِي نَضْرَةَ قَالَ: سُئِلَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ عَنْ صَلاةِ الْمُسَافِرِ , فَقَالَ: حَجَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ , وَحَجَجْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ , وَمَعَ عُمَرَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ , وَمَعَ عُثْمَانَ سِتَّ سِنِينَ مِنْ خِلافَتِهِ أَوْ ثَمَانِيَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ) والحديث قال عنه الألباني رحمه الله: صحيح لغيره.
وروى مالك في الموطأ (349) أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه كَانَ إِذَا قَدِمَ مَكَّةَ صَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ , ثُمَّ يَقُولُ: (يَا أَهْلَ مَكَّةَ , أَتِمُّو صَلاتَكُمْ , فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ) . وقد رواه أبو داود (1229) مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم , لكن بسند ضعيف , ضعفه الألباني في ضعيف أبي داود. لكن يغني عنه حديث عمران بن الحصين المتقدم , فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في سفره للحج ركعتين , وكان أهل مكة يصلون خلفه بمكة ويتمون صلاتهم أربعا بلا شك.
قال الشوكاني رحمه الله: " وأثر عمر رجال إسناده أئمة ثقات " انتهى من "نيل الأوطار" (3/177) .
والحاصل من مجموع الأحاديث: أن صاحب البيت وإمام المسجد أحق بالإمامة من غيره، وأنه إن أذن للمسافر أو للضيف بالصلاة، فله ذلك.
وسئل الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: ما الجمع بين حديث: (لا يؤمنّ الرجل الرجل في سلطانه إلا بإذنه، ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه) وبين حديث: (من زار قوماً فلا يؤمهم) ؟
فأجاب:
" يحمل على إمامتهم بغير إذنهم. أو يُجمع بأن الأولى له أن يدع وإن أذن له. وكلمة " بإذنه" دالة على الجواز " انتهى.
"فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم" (2/285) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1678)
هل يصلي خلف من يجهل عقيدته وفي الولاية متصوفة وشيعة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا لا أصلي الجمعة مع الجماعة حيث إنني مبتعث لدولة أجنبية المسلمون في هذه الولاية قلة وفيهم الشيعة والمتصوفون , وأنا لا أعلم عن حال الإمام إن كان مسلما سنيا أو لا , فما حكم تركي للصلاة معهم؟ مع العلم بأن المسجد بعيد ولا أسمع الأذان.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
صلاة الجماعة واجبة على من سمع الأذان، فإذا كان بيتك بعيداً عن المسجد بحيث لا تسمع الأذان إذا رفع المؤذن صوته من غير مكبر للصوت، مع سكون الرياح والضوضاء ونحو ذلك مما يؤثر على السماع فلا يجب عليك حضور صلاة الجماعة في المسجد.
وقد سبق بيان هذا في السؤال رقم (21969) ، والسؤال رقم (20655) .
وأما صلاة الجمعة فقد أجمع العلماء على أنها واجبة على كل من كان في المدينة من الرجال، سواء سمع النداء أو لا، ومهما تباعدت أطراف المدينة.
وانظر بيان هذا في جواب السؤال: (39054) .
ثانياً:
ما دام الإمام مسلما في الظاهر، فلا يجوز ترك الجمعة والجماعة خلفه لاحتمال كونه شيعيا أو صوفيا، إلا أن تمكن إقامة الجمعة والجماعة – من غير فتنة - خلف غيره ممن هو معروف بالاستقامة وصحة المنهج، فالصلاة خلف هذا أولى وأفضل.
والأصل إحسان الظن بالمسلم، وعدم القدح في دينه ومنهجه بغير قادح معلوم، كما أن القول الراجح صحة الصلاة خلف كل من حكمنا بإسلامه، ما لم يقع في أمور مكفرة، كاعتقاد تحريف القرآن الكريم، أو تكفير أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أو دعاء الأموات والاستغاثة بهم، فهذا لا يصلى خلفه.
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن الصلاة خلف المرازقة وعن بدعتهم؟
فأجاب: " يجوز للرجل أن يصلى الصلوات الخمس والجمعة وغير ذلك خلف من لم يعلم منه بدعة ولا فسقا باتفاق الأئمة الأربعة وغيرهم من أئمة المسلمين، وليس من شرط الائتمام أن يعلم المأموم اعتقاد إمامه، ولا أن يمتحنه فيقول: ماذا تعتقد؟ بل يصلى خلف مستور الحال، ولو صلى خلف من يعلم أنه فاسق أو مبتدع ففي صحة صلاته قولان مشهوران في مذهب أحمد ومالك، ومذهبُ الشافعي وأبى حنيفة الصحة.
... ولو علم المأموم أن الإمام مبتدع يدعو إلى بدعته، أو فاسق ظاهر الفسق، وهو الإمام الراتب الذي لا تمكن الصلاة إلا خلفه كإمام الجمعة والعيدين، والإمام في صلاة الحج بعرفة ونحو ذلك، فان المأموم يصلي خلفه عند عامة السلف والخلف، وهو مذهب أحمد والشافعي وأبى حنيفة وغيرهم.
ولهذا قالوا في العقائد: إنه يصلى الجمعة والعيد خلف كل إمام برا كان أو فاجرا، وكذلك إذا لم يكن في القرية إلا إمام واحد فإنها تصلى خلفه الجماعات، فإن الصلاة في جماعة خير من صلاة الرجل وحده وإن كان الإمام فاسقا، هذا مذهب جماهير العلماء، أحمد بن حنبل والشافعى وغيرهما، بل الجماعة واجبة على الأعيان في ظاهر مذهب أحمد. ومن ترك الجمعة والجماعة خلف الإمام الفاجر فهو مبتدع عند الإمام أحمد وغيره من أئمة السنة ...
والصحيح أنه يصليها ولا يعيدها، فإن الصحابة كانوا يصلون الجمعة والجماعة خلف الأئمة الفجار، ولا يعيدون، كما كان ابن عمر يصلى خلف الحجاج، وابن مسعود وغيره يصلون خلف الوليد بن عقبة، وكان يشرب الخمر ... والفاسق والمبتدع صلاته في نفسه صحيحة فإذا صلى المأموم خلفه لم تبطل صلاته، لكن إنما كَرِهَ مَنْ كَرِهَ الصلاة خلفه لأن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر واجب، ومن ذلك أن من أظهر بدعة أو فجورا لا يُرتّب إماما للمسلمين، فإنه يستحق التعزير حتى يتوب، فإذا أمكن هجره حتى يتوب كان حسنا، وإذا كان بعض الناس إذا ترك الصلاة خلفه، وصلى خلف غيره أثّر ذلك حتى يتوب أو يعزل أو ينتهي الناس عن مثل ذنبه، فمثل هذا إذا ترك الصلاة خلفه كان فيه مصلحة، ولم يفت المأموم جمعة ولا جماعة، وأما إذا كان ترك الصلاة يفوّت المأموم الجمعة والجماعة فهنا لا يَترك الصلاة خلفهم إلا مبتدع مخالف للصحابة رضي الله عنهم " انتهى من "مجموع الفتاوى" (23/351- 356) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة: ما حكم أكل اللحوم عندما يكون الذابح مجهول العقيدة والصلاة وراءه؟
فأجابوا: " إذا كان المسلم ظاهرا، مجهول الحال بالنسبة لعقيدته، ولم يعلم عنه انحراف في عقيدته صحت الصلاة وراءه وأكلت ذبيحته " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (7/365) .
وجاء فيها أيضا (7/353) : " وأما الصلاة خلف المبتدعة: فإن كانت بدعتهم شركية كدعائهم غير الله ونذرهم لغير الله واعتقادهم في مشايخهم ما لا يكون إلا لله من كمال العلم، أو العلم بالمغيبات، أو التأثير في الكونيات، فلا تصح الصلاة خلفهم.
وإن كانت بدعتهم غير شركية؛ كالذكر بما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكن مع الاجتماع والترنحات، فالصلاة وراءهم صحيحة، إلا أنه ينبغي للمسلم أن يتحرى لصلاته إماما غير مبتدع؛ ليكون ذلك أعظم لأجره وأبعد عن المنكر " انتهى.
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: ما حكم المقيم في بلد أهله متمسكون بالبدعة، هل يصح له أن يصلي معهم صلاة الجمعة والجماعة، أو يصلي وحده، أو تسقط عنه الجمعة؟ وإذا كان أهل السنة ببلد أقل من اثني عشر فهل تصح لهم الجمعة أم لا؟
فأجاب: " إنّ إقامة صلاة الجمعة واجبة خلف كل إمام بر أو فاجر، فإذا كان الإمام في الجمعة لا تخرجه بدعته عن الإسلام فإنه يصلى خلفه، قال الإمام أبو جعفر الطحاوي رحمه الله في عقيدته المشهورة: " ونرى الصلاة خلف كل بر وفاجر من أهل القبلة وعلى من مات منهم " انتهى ... " ثم نقل كلام شيخ الإسلام السابق، إلى أن قال: " وأما السؤال الثاني: فجوابه أن يقال: هذه المسألة فيها خلاف مشهور بين أهل العلم، والصواب في ذلك: جواز إقامة الجمعة بثلاثة فأكثر إذا كانوا مستوطنين في قرية لا تقام فيها الجمعة، أما اشتراط أربعين أو اثني عشر أو أقل أو أكثر لإقامة الجمعة فليس عليه دليل يعتمد عليه فيما نعلم، وإنما الواجب أن تقام في جماعة وأقلها ثلاثة وهو قول جماعة من أهل العلم، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو الصواب كما تقدم " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (4/303) .
هذا وينبغي أن تتعاون مع الجالية الموجودة في هذه البلاد، لدعوتهم إلى الله تعالى، وتصحيح عقائدهم، وإرشاد ضالهم، بالحكمة بالموعظة الحسنة، والسعي لأن تكون إمامة الصلاة في أفضلهم وأتقاهم.
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1679)
كان يُصَلِّي نافلةً، فصلّى خلفَه آخرون، فقلبَ نِيَّتَه إلى فريضةٍ
[السُّؤَالُ]
ـ[صلى أحد زملائي تحية المسجد بعد أن انتهت الصلاة المفروضة، وهو لم يصلها لكي ينتظر زملاءه أن يفرغوا من الوضوء ويصلوا جماعةً، وأتى أشخاصٌ آخرون صلوا وراءه ظنًّا منهم أنه يصلي المفروضة، فنوى أن يصلي المفروضة وهو في الركعة الأولى.
فهل صلاته صحيحةٌ؟ وصلاة الأشخاص الآخرين؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يصح تغيير النية من نفل إلى فرض؛ لأن الواجب في صلاة الفريضة أن تكون النية مقارنة لتكبيرة الإحرام , أو قبلها بزمن يسير.
قال النوويُّ رحمه الله "المجموع" (4/183-184) :
" قال الماوَرْدِيُّ: نقلُ الصلاةِ إلى صلاةٍ أقسامٌ:
أحدُها: نقلُ فرضٍ إلى فرض: فلا يحصلُ واحدٌ منهما.
الثاني: نقلُ نفلٍ راتبٍ إلى نفلٍ راتبٍ: كَوِتْرٍ إلى سنةِ الفجر، فلا يحصلُ واحدٌ منهما.
الثالث: نقلُ نفلٍ إلى فرضٍ: فلا يحصل واحدٌ منهما. . . إلخ " انتهى.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن رجلٍ دخل في صلاة ثم تذكر أنه لم يصلِّ العشاء , فقلب النية إلى صلاة العشاء، فهل يصح ذلك؟
فأجاب:
" لا يصح. . لأن العبادة المعينة لابد أن ينويها من أولها قبل أن يدخل فيها , لأنه لو نوى من أثنائها لزم أن يكون الجزء السابق على النية الجديدة خاليان من نية الصلاة التي انتقل إليها وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات , وإنما لكل امرئ ما نوى) . . . وعلى السائل أن يعيد صلاة العشاء " انتهى باختصار.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (12/443) .
وانظر جواب السؤال رقم (39689) .
ثانياً:
وأما حكم صلاة المأمومين , فهي صحيحة إن شاء الله تعالى , لأن صلاة الإمام وإن كانت لا تصح فريضة , إلا أنها تكون نافلة , لأنه قلب نيته جهلاً، وظناً منه أن ذلك جائز , فيكون شبيهاً ممن دخل في الفريضة قبل وقتها وهو يظن دخول الوقت؟ فإنها تكون نفلاً , وقد سبق في جواب السؤال (21764) أن صلاة المفترض خلف المتنقل صحيحة.
وعلى فرض أن صلاة الإمام تبطل بذلك , فلا يلزم من بطلان صلاة الإمام بطلان صلاة المأمومين.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل تبطل صلاة المأموم ببطلان صلاة الإمام؟
فأجاب: " لا تبطل صلاة المأموم ببطلان صلاة الإمام، لأن صلاة المأموم صحيحه، والأصل بقاء الصحة، ولا يمكن أن تبطل إلا بدليل صحيح، فالإمام بطلت صلاته بمقتضى الدليل الصحيح، ولكن المأموم دخل بأمر الله فلا يمكن أن تفسد صلاته إلا بأمر الله، والقاعدة: (أن من دخل في عبادة حسب ما أُمر به، فإننا لا نبطلها إلا بدليل) .
ويستثنى من ذلك ما يقوم به مقام المأموم مثل السترة، فالسترة للإمام ستره لمن خلفه، فإذا مرت امرأة بين الإمام وسترته بطلت صلاة الإمام وبطلت صلاة المأموم، لأن هذه السترة مشتركة، ولهذا لا نأمر المأموم أن يتخذ سترة، بل لو اتخذ سترة لعد متنطعاً مبتدعاً " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (12/450) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1680)
انقطعت الكهرباء أثناء صلاة الجمعة ولم يتمكنوا من متابعة الإمام
[السُّؤَالُ]
ـ[كنا في صلاة الجمعة، والمسجد عندنا مكون من عدة طوابق، وفي الركعة الأولى انقطعت الكهرباء فلم يتمكن المأمومون الذين يصلون في الطابق الثاني والثالث من متابعة الإمام، فصلوها ظهرا، فهل ما فعلوه صحيح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان ذلك قد وقع قبل الركوع في الركعة الأولى، فما فعلوه صحيح، وإذا وقع ذلك بعد الركوع مع الإمام فكان الواجب عليهم أن يتموها جمعة، ركعتين.
وقد سئل الشيخ عبد العزيز آل الشيخ عن مثل هذه الواقعة فقال: "من أدرك ركعة من الجمعة ثم عرض عارض كانقطاع الكهرباء ونحوه، فإنه يتمها جمعة منفرداً بمعنى أنه يصلي الركعة الثانية ثم يسلم؛ لما في الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاةَ) . والركعة إنما تدرك بالركوع، ومن لم يدرك الركوع مع الإمام فإنه غير مدرك للركعة، وعلى هذا فإذا كان من ذكروا في السؤال لم يدركوا مع الإمام إلا تكبيرة الإحرام فقط فإنهم يصلونها ظهرا ً" اهـ.
"مجلة البحوث الإسلامية" (61/83) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1681)
هل تصح الصلاة خلف من يلحن في القرآن؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إمام المسجد الذي أصلي فيه يخطئ في قراءة الفاتحة، فينصب المرفوع، ويكسر المرفوع، مما يغير معنى الآية، فهل تصح الصلاة وراءه؟
يوجد عندنا في المسجد بدع منكرة بعد الصلاة مثل ترديد " يا لطيف " 100 مرة، بصفة جماعية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من كان إماماً أو مأموماً يخطئ في قراءة الفاتحة بما يغيِّر معنى الآيات: فصلاته باطلة؛ لأن الفاتحة ركن من أركان الصلاة، ويجب عليه أن يصحح قراءته، وأن يتعلم قراءة الفاتحة على الصواب؛ إلا أن يعجز عن تعلم ذلك، بعد اجتهاده فيه، فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها. لكنه إن كان إماماً فلا يصلي وراءه إلا من كان مثله أو دونه في إقامة الفاتحة.
قال النووي رحمه الله: " وتكره إمامة من يلحن في القراءة؛ ثم ينظر: إن كان لحنا لا يغير المعنى، كرفع الهاء من الحمد لله، صحت صلاته وصلاة من اقتدى به، وإن كان يغير، كضم تاء أنعمت عليهم أو كسرها، تبطله، كقوله الصراط المستقين؛ فإن كان يطاوعه لسانه ويمكنه التعلم لزمه ذلك، فإن قصر وضاق الوقت صلى وقضى، ولا يجوز الاقتداء به.
وإن لم يطاوعه لسانه، أو لم يمض ما يمكن التعلم فيه، فإن كان في الفاتحة فصلاة مثله خلفه صحيحة، وصلاة صحيح اللسان خلفه صلاة قارئ خلف أمي [يعني أنها لا تصح] ، وإن كان في غير الفاتحة صحت صلاته وصلاة من خلفه " انتهى من روضة الطالبين (1/350)
وقال ابن قدامة رحمه الله: " (وإن) (أم أمي أميا وقارئا) (أعاد القارئ وحده) . الأمي من لا يحسن الفاتحة أو بعضها , أو يخل بحرف منها , وإن كان يحسن غيرها , فلا يجوز لمن يحسنها أن يأتم به , ويصح لمثله أن يأتم به.. "
ثم قال: " ومن ترك حرفا من حروف الفاتحة ; لعجزه عنه , أو أبدله بغيره , كالألثغ الذي يجعل الراء غينا , والأرت الذي يدغم حرفا في حرف , أو يلحن لحنا يحيل المعنى , كالذي يكسر الكاف من إياك , أو يضم التاء من أنعمت , ولا يقدر على إصلاحه , فهو كالأمي , لا يصح أن يأتم به قارئ. ويجوز لكل واحد منهم أن يؤم مثله ; لأنهما أميان , فجاز لأحدهما الائتمام بالآخر , كاللذين لا يحسنان شيئا. وإن كان يقدر على إصلاح شيء من ذلك فلم يفعل , لم تصح صلاته , ولا صلاة من يأتم به. "
وقال أيضا: " تكره إمامة اللحان , الذي لا يحيل المعنى , نص عليه أحمد. وتصح صلاته بمن لا يلحن ; لأنه أتى بفرض القراءة , فإن أحال المعنى في غير الفاتحة , لم يمنع صحة الصلاة , ولا الائتمام به , إلا أن يتعمده , فتبطل صلاتهما ...
وأما إن كان لا يغيِّر بخطئه معنى الآيات: فيجوز الصلاة وراءه مع وجوب تعلمه للقراءة، وأما إن كان خطؤه في غير الفاتحة: فهو منقص من الصلاة وليس مبطلا لها، والصلاة خلف المتقن للقراءة أولى منه ولا شك، ولا يجوز لولاة الأمر تولية مثل هؤلاء الجهلة الصلاة بالناس، وإلا كانوا شركاء معهم بالإثم." انظر: المغني (3/29-32 ط هجر) .
وقال علماء اللجنة الدائمة:
... أما إذا كان يخطئ: فإن كان خطؤه لحناً لا يغيِّر المعنى: فالصلاة وراء من لا يلحن أولى إذا تيسر، وإن كان لحنه في الفاتحة يغيِّر المعنى: فالصلاة وراءه باطلة، وذلك من أجل لحنه لا لعماه؛ كقراءة (إيَّاكَ نَعْبُدُ) بكسر الكاف، أو (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِم) بضم التاء أو كسرها، وإن كان يخطئ لضعف حفظه: كان غيره ممن هو أحفظ أولى بالإمامة منه.
" فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " (2 / 527) .
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
إمام يلحن في القرآن، وأحياناً يزيد وينقص في أحرف الآيات القرآنية، ما حكم الصلاة خلفه؟ .
فأجاب:
إذا كان لحنه لا يحيل المعنى: فلا حرج في الصلاة خلفه مثل نصب (رَبِّ) أو رفعها في (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) الفاتحة/2، وهكذا نصب (الرَّحمنِ) أو رفعه، ونحو ذلك، أما إذا كان يحيل المعنى: فلا يصلى خلفه إذا لم ينتفع بالتعليم والفتح عليه، مثل أن يقرأ (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) بكسر الكاف، ومثل أن يقرأ (أَنْعَمْتَ) بكسر التاء أو ضمها، فإن قبِل التعليم وأصلح قراءته بالفتح عليه: صحت صلاته وقراءته، والمشروع في جميع الأحوال للمسلم أن يعلم أخاه في الصلاة وخارجها؛ لأن المسلم أخو المسلم يرشده إذا غلط ويعلمه إذا جهل ويفتح عليه إذا ارتج عليه القرآن.
" مجموع فتاوى ابن باز " (12 / 98، 99) .
ثانيا:
أما بخصوص ترديد " يا لطيف " مائة مرة: فلا يشك أنها بدعة لو قالها المسلم وحده؛ لأنها جملة غير مفيدة، فهو نداء لله تعالى لكن ماذا بعدُ؟ هل هو يطلب من ربه شيئاً؟ هل يريد الثناء عليه بعدها؟ لا شيء من ذلك، وإذا ذُكرت جماعة كانت بدعة أخرى.
وانظر كلام العلماء في هذا في جوابي السؤالين: (22457) و (26867) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1682)
حكم الصلاة خلف من يشرب الدخان
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تصح الصلاة خلف إمام يشرب الدخان، علماً بأنه توجد مساجد أخرى لكن تجتمع الأئمة على الاشتراك في التدخين -؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
شرب الدخان حرام، ولا شك في ذلك عند العلماء، وهو ضار ولا شك في ذلك عند الأطباء والعقلاء، وارتكاب هذا الفعل من إمام مسجد: يعد من المجاهرة بالمعصية، وبعض أهل العلم يمنع من الصلاة خلفه، إلا أن الصواب جواز ذلك، مع التنبيه أن غيره من أهل العدالة أولى.
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
ما حكم شرب الدخان، وحكم إمامة من يجاهر بذلك؟ .
فأجاب:
قد دلت الأدلة الشرعية على أن شرب الدخان من الأمور المحرمة شرعاً؛ وذلك لما اشتمل عليه من الخبث والأضرار الكثيرة، والله سبحانه لم يبح لعباده من المطاعم والمشارب إلا ما كان طيباً نافعاً، أما ما كان ضارّاً لهم في دينهم أو دنياهم أو مغيراً لعقولهم: فإن الله سبحانه قد حرمه عليهم، وهو عز وجل أرحم بهم من أنفسهم، وهو الحكيم العليم في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره، فلا يحرم شيئاً عبثاً، ولا يخلق شيئاً باطلاً، ولا يأمر بشيءٍ ليس للعباد فيه فائدة؛ لأنه سبحانه أحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين، وهو العالم بما يصلح العباد وينفعهم في العاجل والآجل، كما قال سبحانه: (إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) الأنعام/83، وقال عز وجل: (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا) الإنسان/30.والآيات في هذا المعنى كثيرة. ومن الدلائل القرآنية على تحريم شرب الدخان قوله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم في سورة المائدة: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ) المائدة/4، وقال في سورة الأعراف في وصف نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: (يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) الأعراف/157 الآية.
فأوضح سبحانه في هاتين الآيتين الكريمتين أنه سبحانه لم يحل لعباده إلا الطيبات؛ وهي الأطعمة والأشربة النافعة، أما الأطعمة والأشربة الضارة كالمسكرات والمخدرات وسائر الأطعمة والأشربة الضارة في الدين أو البدن أو العقل: فهي من الخبائث المحرمة، وقد أجمع الأطباء وغيرهم من العارفين بالدخان وأضراره أن الدخان من المشارب الضارة ضررا كبيرا، وذكروا أنه سبب لكثير من الأمراض كالسرطان وموت السكتة وغير ذلك، فما كان بهذه المثابة فلا شك في تحريمه ووجوب الحذر منه، فلا ينبغي للعاقل أن يغتر بكثرة من يشربه، فقد قال الله تعالى في كتابه المبين: (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ) الأنعام/116، وقال عز وجل: (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلا) الفرقان/44.
أما إمامة شارب الدخان وغيره من العصاة في الصلاة: فلا ينبغي أن يتخذ مثله إماماً، بل المشروع أن يختار للإمامة الأخيار من المسلمين المعروفين بالدين والاستقامة؛ لأن الإمامة شأنها عظيم؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلما) الحديث، رواه مسلم في صحيحه، وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لمالك بن الحويرث وأصحابه: (إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم) .
لكن اختلف العلماء رحمهم الله هل تصح إمامة العاصي والصلاة خلفه، فقال بعضهم: لا تصح الصلاة خلفه؛ لضعف دينه ونقص إيمانه، وقال آخرون من أهل العلم: تصح إمامته والصلاة خلفه؛ لأنه مسلم قد صحت صلاته في نفسه فتصح صلاة من خلفه؛ ولأن كثيراً من الصحابة صلوا خلف بعض الأمراء المعروفين بالظلم والفسق، ومنهم ابن عمر رضي الله عنهما قد صلى خلف الحجاج وهو من أظلم الناس، وهذا هو القول الراجح، وهو صحة إمامته والصلاة خلفه، لكن لا ينبغي أن يتخذ إماما مع القدرة على إمامة غيره من أهل الخير والصلاح.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (12 / 123 – 127) .
وسئل الشيخ – رحمه الله – أيضاً -:
ما حكم الصلاة خلف العاصي كحالق اللحية وشارب الدخان؟ .
فأجاب:
اختلف العلماء في هذه المسألة: فذهب بعضهم إلى عدم صحة الصلاة خلف العاصي؛ لضعف إيمانه وأمانته، وذهب جمع كبير من أهل العلم إلى صحتها، ولكن لا ينبغي لولاة الأمر أن يجعلوا العصاة أئمة للناس مع وجود غيرهم، وهذا هو الصواب؛ لأنه مسلم يعلم أن الصلاة واجبة عليه ويؤديها على هذا الأساس فصحت صلاة من خلفه، والحجة في ذلك ما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الصلاة خلف الأمراء الفسقة: (يصلون لكم فإن أحسنوا فلكم ولهم وإن أساءوا فلكم وعليهم) – رواه البخاري الأذان (662) -، وجاء عنه عليه الصلاة والسلام أحاديث أخرى ترشد إلى هذا المعنى، وصلى بعض الصحابة خلف الحجاج وهو من أفسق الناس؛ ولأن الجماعة مطلوبة في الصلاة، فينبغي للمؤمن أن يحرص عليها، وأن يحافظ عليها ولو كان الإمام فاسقاً، لكن إذا أمكنه أن يصلي خلف إمام عدل: فهو أولى، وأفضل، وأحوط للدين.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (6 / 400) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
الصلاة تصح خلف المدخن , وصلاة المدخن صحيحة , ومن صحت صلاته: صحت إمامته؛ لأن المقصود أن يكون إماما لك، وهذا يكون بصحة الصلاة , ولهذا لو وجدت شخصاً يشرب الدخان , أو حالق اللحية , أو يتعامل بالربا , أو ما شابه ذلك: فلا حرج عليك أن تصلي معه، وصلاتك صحيحة.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (15 / السؤال رقم 1003) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1683)
هل يصلون خلف من يقنت في الفجر
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن دولة إسلامية في جنوب آسيا. الحكومة تأمر الأئمة أن يقلدوا الشافعية في صلواتهم هل نصلي وراء هؤلاء المقلدين، علما أنهم يقنتون في الفجر باعتقاد أن القنوت في الفجر من السنة لذا يسجدون سجدة السهو إذا نسوا القنوت في الفجر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ليس من السنة المداومة على القنوت في صلاة الفجر، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (20031) ورقم (5459) .
ثانياً:
صلاتكم خلف من يقنت في الفجر صحيحة، وإن وُجد من لا يقنت على الدوام فالصلاة خلفه أولى، محافظةً على السنة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن بعض المسائل الاجتهادية التي يختلف فيها العلماء، كالقنوت في الفجر والوتر ونحو ذلك، قال:
" اتفق العلماء على أنه إذا فعل كلاًّ من الأمرين كانت عبادته صحيحة، ولا إثم عليه، لكن يتنازعون في الأفضل وفيما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله، ومسألة القنوت في الفجر والوتر والجهر بالبسملة وصفة الاستعاذة ونحوها من هذا الباب، فإنهم متفقون على أن من جهر بالبسملة صحت صلاته، ومن خَافَتَ (أي: أسَرَّ بها) صحت صلاته، وعلى أن من قنت في الفجر صحت صلاته، ومن لم يقنت فيها صحت صلاته، وكذلك القنوت في الوتر " اهـ.
وقال أيضا (23/115) :
" وقد تبين بما ذكرناه أن القنوت يكون عند النوازل. . . ومن قال إنه من أبعاض (أجزاء) الصلاة التي يجبر بسجود السهو، فإنه بنى ذلك على أنه سنة يسن المداومة عليه، بمنزلة التشهد الأول ونحوه، وقد تبين أن الأمر ليس كذلك، فليس بسنة راتبة، ولا يسجد له، لكن من اعتقد ذلك متأولاً في ذلك، له تأويله، كسائر موارد الاجتهاد، ولهذا ينبغي للمأموم أن يتبع إمامه فيما يسوغ فيه الاجتهاد، فإذا قنت قنت معه، وإن ترك القنوت لم يقنت، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما جعل الإمام ليؤتم به) . وقال: (لا تختلفوا على أئمتكم) ، وثبت عنه في الصحيح أنه قال: (يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطأوا فلكم وعليهم) اهـ.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عندنا إمام يقنت في صلاة الفجر بصفة دائمة فهل نتابعه؟ وهل نؤمن على دعائه؟
فأجاب:
" من صلى خلف إمام يقنت في صلاة الفجر فليتابع الإمام في القنوت في صلاة الفجر، ويؤمن على دعائه بالخير، وقد نص على ذلك الإمام أحمد رحمه الله تعالى " اهـ.
مجموع فتاوى ابن عثيمين (14/177) .
وسئلت اللجنة الدائمة ما نصه: هل تجوز الصلاة خلف إمام يسدل في صلاته ويقنت دائما في الركعة الأخيرة من صلاة الصبح؟
فأجابت: وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة سنة، والسدل خلاف السنة، والقنوت دائما في الركعة الأخيرة من صلاة الصبح كما يفعل بعض المالكية والشافعية خلاف السنة؛ لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، وإنما كان يقنت في النوازل، وكان يقنت في صلاة الوتر.
فإذا كان الإمام يسدل في صلاته ويديم القنوت في صلاة الصبح على ما ذكر في السؤال نصحه أهل العلم وأرشدوه إلى العمل بالسنة، فإن استجاب فالحمد لله، وإن أبى وسهلت صلاة الجماعة وراء غيره صُلِّيَ خلف غيره محافظةً على السنة، وإن لم يسهل ذلك صُلِّيَ وراءه حرصاً على الجماعة، والصلاةُ صحيحةٌ على كل حال. اهـ
فتاوى اللجنة الدائمة 7/366
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1684)
حكم إمامة الألثغ
[السُّؤَالُ]
ـ[إمامنا ينطق الطاء ضاداً. فما حكم إمامته؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي يبدل حرفا بحرف، يسمى (الألثغ) .
وله أحوال:
الأولى:
أن تكون لثغته يسيرة، بحيث ينطق بأصل الحرف، ولكنه يخل بكماله، فهذه اللثغة لا تضر، وله أن يصلي إماما.
قال في "تحفة المنهاج" (2/285) :
" لا تَضُرُّ لُثْغَةٌ يَسِيرَةٌ بِأَنْ لَمْ تَمْنَعْ أَصْلَ مَخْرَجِهِ , وَإِنْ كَانَ غَيْرَ صَافٍ " انتهى.
ونقل المرداوي في "الإنصاف" (2/271) عن الْآمِدِيّ قوله: " يَسِيرُ ذَلِكَ – يعني اللُثْغَةٌ - لا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ , وَيَمْنَعُ كَثِيرُهُ " انتهى.
الثانية:
أن تكون لثغته شديدة، بحيث يبدل حرفاً بحرف، ويستطيع تصحيح نطقه ولكنه لم يفعل، فهذا لا تصح صلاته ولا إمامته، إن كان هذا الحرف في الفاتحة.
قال النووي في المجموع (4/359) :
" تَجِبُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلاةِ بِجَمِيعِ حُرُوفِهَا وَتَشْدِيدَاتِهَا. . . فَلَوْ أَسْقَطَ حَرْفًا مِنْهَا أَوْ خَفَّفَ مُشَدَّدًا أَوْ أَبْدَلَ حَرْفًا بِحَرْفٍ مَعَ صِحَّةِ لِسَانِهِ لَمْ تَصِحَّ قِرَاءَتُهُ " انتهى.
وقال أيضاً (4/166) :
" وَالأَلْثَغُ إنْ كَانَ تَمَكَّنَ مِنْ التَّعَلُّمِ فَصَلَاتُهُ فِي نَفْسِهِ بَاطِلَةٌ , فَلا يَجُوزُ الاقْتِدَاءُ بِهِ بِلا خِلافٍ " اهـ.
قال ابن قدامة في "المغني" (2/15) :
" وَمَنْ تَرَكَ حَرْفًا مِنْ حُرُوفِ الْفَاتِحَةِ ; لِعَجْزِهِ عَنْهُ , أَوْ أَبْدَلَهُ بِغَيْرِهِ , كَالأَلْثَغِ الَّذِي يَجْعَلُ الرَّاءَ غَيْنًا. . . إِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى إصْلَاحِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَلَمْ يَفْعَلْ , لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ , وَلا صَلاةُ مَنْ يَأْتَمُّ بِهِ " انتهى باختصار.
الثالثة:
أن تكون لثغته شديدة، بحيث يبدل حرفاً بحرف، ولكنه لا يستطيع تصحيح نطقه، فهذا تصح صلاته باتفاق العلماء.
قال النووي في المجموع (4/166) :
" وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ الأَلْثَغُ مِنْ التَّعَلُّمِ بِأَنْ كَانَ لِسَانُهُ لا يُطَاوِعُهُ أَوْ كَانَ الْوَقْتُ ضَيِّقًا , وَلَمْ يَتَمَكَّنْ قَبْلَ ذَلِكَ ; فَصَلاتُهُ فِي نَفْسِهِ صَحِيحَةٌ " انتهى بتصرف يسير.
واختلف العلماء هل تصح إمامته أو لا؟
فذهب كثير من العلماء أو أكثرهم إلى أنها لا تصح، وذهب آخرون إلى أنها تصح.
ونقل النووي في "المجموع" (4/166) أنه اختار الصحة الْمُزَنِيّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ , وَهُوَ مَذْهَبُ عَطَاءٍ وَقَتَادَةَ.
ونقل في "حاشية ابن عابدين" (1/582) عن بعض علماء المذهب الحنفي اختيارهم صحة إمامة الألثغ.
واحتج هؤلاء بأدلة، منها:
1- قوله تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا) البقرة/286. فإذا كان عاجزا عن النطق الصحيح فإنه لا يكلف إلا بما يستطيعه.
2- القياس على العجز عن القيام، فكما أن القيام ركن لا تصح صلاة الفريضة إلا به، ويسقط بالعجز عنه، وتصح إمامة العاجز عنه، فكذلك إمامة الألثغ لأنه عاجز عن النطق الصحيح.
انظر: "المجموع" (4/166) .
قال ابن حزم في المحلى (3/134) :
" وَأَمَّا الأَلْثَغُ , وَالأَلْكَنُ (هو الَّذِي لا تَتَبَيَّنُ قِرَاءَتُهُ) , وَالأَعْجَمِيُّ اللِّسَانِ (هو الَّذِي لا يُفَرِّقُ بَيْنَ الضَّادِ وَالظَّاءِ وَالسِّينِ وَالصَّادِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ) وَاللَّحَّانُ (هو كثير الخطأ في الإعراب) فَصَلاةُ مَنْ ائْتَمَّ بِهِمْ جَائِزَةٌ. لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا وُسْعَهَا) فَلَمْ يُكَلَّفُوا إلا مَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ , لا مَا لا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ , فَقَدْ أَدَّوْا صَلاتَهُمْ كَمَا أُمِرُوا , وَمَنْ أَدَّى صَلاتَهُ كَمَا أُمِرَ فَهُوَ مُحْسِنٌ. قَالَ تَعَالَى: (مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) " انتهى.
سئل الشيخ ابن عثيمين:
لقد سمعت أحدهم يقول بأن المرء الألثغ لا تصح له الإمامة بالناس أي لا تصح الصلاة خلفه لأن به عيباً، فهل هذا صحيح أم لا وفقكم الله؟
فأجاب: " هذا صحيح عند بعض أهل العلم، يرون أن الألثغ إذا كانت لثغته بإبدال الحروف بعضها ببعض، مثل أن يبدل الراء فيجعلها غيناً أو يجعلها لاماً أو ما أشبه ذلك فإن بعض أهل العلم يرون أنها لا تصح إمامته، لأنه بمنزلة الأمي الذي لا تصح إمامته إلا بمثله، ويرى آخرون أنها تصح إمامته لأن من صحت صلاته صحت إمامته، ولأنه قد أتى بما يجب عليه وهو تقوى الله تعالى ما استطاع، وقد قال الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وإذا كان العاجز عن القيام يُصلي بالمأمومين القادرين عليه، فإن هذا مثله، لأن كلاً منهم عاجزٌ عن إتمام الركن، هذا عن القيام، وهذا عن القراءة، وهذا القول هو الصحيح، أن إمامة الألثغ تصح، وإن كان يبدل حرفاً بحرف، ما دامت هذه قدرته، ولكن مع هذا ينبغي أن يُختار من يُصلي من الجماعة إنسانٌ ليس فيه عيب، احتياطً، وخروجاً من الخلاف ". "فتاوى نور على الدرب"
وانظر: "الشرح الممتع" (4/248، 249) .
ثانياً: بالنسبة لما ذَكره السائل من إبدال الطاء ضادا، فإن كان يبدلها ضادا حقيقة، فقد سبق بيان حكمه. وإن كان هذا الإبدال قد يبدو بعيداً، فيحتمل أن هذا الإمام ينطق بالطاء ولكنه يقترب بها شيئا ما من الضاد، فتكون اللثغة يسيرة، فلا تضر.
ويحتمل أن يكون ذلك تشددا من السائل في غير موضعه.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1685)
حكم الصلاة خلف الفاسق
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الصلاة وراء إمام مارسوا عليه اللواط في طفولته وفي شبابه وبرضاه , علما بأنه حسن الصوت ويحفظ القرآن الكريم كاملا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إن كان هذا الإمام قد تاب إلى الله تعالى، وصلح حاله، فلا حرج في جعله إماما للمصلين، والصلاة خلفه، وليس لأحد أن يعيره أو يعاقبه على ذنب تاب منه، قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا) الزمر/53. يعني لمن تاب.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) رواه ابن ماجة (4250) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجة.
وإن كان لا يزال على هذا المنكر العظيم، وجب نصحه ووعظه وتخويفه بالله، فإن لم يتب وجب السعي في منعه من الإمامة واستبداله بإمام عدل مستقيم في دينه، حريص على خصال التقوى، وقد منع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً بصق في اتجاه القبلة وهو يصلي، منعه أن يصلي إماماً بقومه وقال له: (إنك آذيت الله ورسوله) رواه أبو داود (481) ، وحسنه الشيخ الألباني في صحيح سنن أبو داود، فكيف بمن يأتي هذا المنكر العظيم، فإنه أجدر وأحق أن يمنع من الإمامة!!
ولأن تقديمه للإمامة تعظيم له، والفاسق ليس أهلاً لهذا التعظيم.
والإمام يقتدي به الناس في الغالب ويتعلمون منه، ويقبلون توجيهاته وإرشاداته، فكلما كان عدلاً مستقيماً كان أقرب إلى انتفاع الناس به وقبولهم لكلامه.
وإذا كان فاسقاً لم يقبل الناس منه، بل ربما يكون سبباً لفتنة بعضهم، والعياذ بالله.
ثانياً:
وأما صحة الصلاة خلف الفاسق، فقد اختلف الأئمة في ذلك، والذي ذهب إليه جمهور العلماء: صحة الصلاة خلفه مع كراهيتها.
قال النووي في "المجموع" (4/151) :
" صَلاةُ ابْنِ عُمَرَ خَلْفَ الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ ثَابِتَةٌ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ , وَغَيْرُهُ فِي الصَّحِيحِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ تَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الصَّلاةِ وَرَاءَ الْفُسَّاقِ وَالأَئِمَّةِ الْجَائِرِينَ.
قَالَ أَصْحَابُنَا: الصَّلاةُ وَرَاءَ الْفَاسِقِ صَحِيحَةٌ لَيْسَتْ مُحَرَّمَةً , لَكِنَّهَا مَكْرُوهَةٌ , وَكَذَا تُكْرَهُ وَرَاءَ الْمُبْتَدِعِ الَّذِي لا يَكْفُرُ بِبِدْعَتِهِ , وَتَصِحُّ , فَإِنْ كَفَرَ بِبِدْعَتِهِ فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لا تَصِحُّ الصَّلاةُ وَرَاءَهُ كَسَائِرِ الْكُفَّارِ , وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ عَلَى كَرَاهَةِ الصَّلاةِ خَلْفَ الْفَاسِقِ وَالْمُبْتَدِعِ , فَإِنْ فَعَلَهَا صَحَّتْ " اهـ.
وقال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (23/341) :
"فَإِذَا كَانَ الرَّجُلانِ مِنْ أَهْلِ الدِّيَانَةِ فَأَيُّهُمَا كَانَ أَعْلَمَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَجَبَ تَقْدِيمُهُ عَلَى الآخَرِ مُتَعَيِّنًا، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا فَاجِرًا، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا بِالْكَذِبِ وَالْخِيَانَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ الْفُسُوقِ، وَالآخَرُ مُؤْمِنًا مِنْ أَهْلِ التَّقْوَى، فَهَذَا الثَّانِي أَوْلَى بِالإِمَامَةِ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِهَا، وَإِنْ كَانَ الأَوَّلُ أَقْرَأَ وَأَعْلَمَ فَإِنَّ الصَّلاةَ خَلْفَ الْفَاسِقِ مَنْهِيٌّ عَنْهَا نَهْيَ تَحْرِيمٍ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ وَنَهْيَ تَنْزِيهٍ عِنْدَ بَعْضِهِمْ. . . . وَلا يَجُوزُ تَوْلِيَةُ الْفَاسِقِ مَعَ إمْكَانِ تَوْلِيَةِ الْبَرِّ " اهـ.
وقال أيضاً (23/375) :
" لا يَجُوزُ أَنْ يُوَلَّى فِي الإِمَامَةِ بِالنَّاسِ مَنْ يَأْكُلُ الْحَشِيشَةَ أَوْ يَفْعَلُ مِنْ الْمُنْكَرَاتِ الْمُحَرَّمَةِ مَعَ إمْكَانِ تَوْلِيَةِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ. . . .
(و) الأَئِمَّة مُتَّفِقُونَ عَلَى كَرَاهَةِ الصَّلاةِ خَلْفَ الْفَاسِقِ لَكِنْ اخْتَلَفُوا فِي صِحَّتِهَا: فَقِيلَ لا تَصِحُّ. كَقَوْلِ مَالِكٍ وَأَحْمَد فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُمَا. وَقِيلَ: بَلْ تَصِحُّ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَالرِّوَايَةُ الأُخْرَى عَنْهُمَا وَلَمْ يَتَنَازَعُوا أَنَّهُ لا يَنْبَغِي تَوْلِيَتُهُ " اهـ.
وانظر: " الشرح الممتع " (4/304-308) .
ثالثاً:
ولأهل العلم تفصيل فيما يجب فعله مع الإمام الفاسق، جاء في فتاوى اللجنة الدائمة ما يلي:
(وعلى هذا إن كان إماما لمسجد ولم ينتصح وجب عزله إن تيسر ذلك ولم تحدث فتنة، وإلا وجب الصلاة وراء غيره من أهل الصلاح على من تيسر له ذلك، زجرا له وإنكارا عليه، إن لم يترتب على ذلك فتنة.
وإن لم تتيسر الصلاة وراء غيره شرعت الصلاة وراءه، تحقيقا لمصلحة الجماعة.
وإن خيف من الصلاة وراء غيره حدوث فتنة صُلي وراءه درءا للفتنة وارتكابا لأخف الضررين) انتهى من فتاوى اللجنة الدائمة 7/370.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1686)
إمامة من يرتكب بعض المعاصي
[السُّؤَالُ]
ـ[إمام مسجدنا يحلق جزءًا من لحيته تاركًا شريطًا رفيعًا على وجهه فقط وهو من حفاظ القرآن. لكن كثير ممن يصلون وراءه يبدون أفضل منه في اتباعهم للدين، إلا أنهم ليسوا من حفظة القرآن.
أولاً: هل بدعة هذا الإمام ـ بحلقه معظم لحيته ـ تبطل صلاته وبالتالي صلاة من يصلون خلفه؟
ثانيًا: لو كانت صلاته صحيحة، هل ينبغي لنا الاجتهاد في استبداله بإمام حتى لو كان الإمام الجديد من غير الحافظين؟
لدينا العديد من المشاكل في مسجدنا بسبب هذه المسألة، فبعضنا يقول يجب ألا نصلي وراء مثل هذا الإمام بينما يؤكد آخرون أنه يجب أن نصلي وراءه.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
حلق اللحية أو بعضها معصية من المعاصي، ولا يجوز ارتكابها، وصلاة من يفعل شيئاً من المعاصي كحلق اللحية ونحو ذلك صحيحة إذا أدّاها كما شرع الله بإجماع أهل العلم، وهكذا صلاة من خلفه إذا كان إماماً في أصحّ قولي العلماء. "تحفة الإخوان" (ص 114) للشيخ عبد العزيز بن باز.
ويدل لصحة إمامته صلاة الصحابة رضي الله عنهم خلف أئمة الجور والظلم، فقد صلى عبد الله بن عمر وأنس بن مالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم خلف الحَجَّاج الثقفي، قال الشافعي: وكفى به – يعني الحجاج - فاسقاً.
وإذا ثبت هذا فلا عبرة بقول من يقول: يجب ألا نصلي وراء هذا الإمام. بل تجب الصلاة خلفه فيما إذا ترتب على عدم الصلاة خلفه مفسدة أو فرقة أو نزاع، والخلاف شر.
قال الشيخ ابن باز – رحمه الله -: " وأما إذا كان ترك الصلاة خلفه يفوت المأموم الجمعة والجماعات فهذا لا يترك الصلاة خلفه إلا مبتدع مخالف للصحابة رضي الله عنهم، وكذلك إذا كان الإمام قد رتّبه ولاة الأمور وليس في ترك الصلاة خلفه مصلحة شرعية فهذا لا يترك الصلاة خلفه، بل الصلاة خلفه أفضل ". مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (9/377)
وقال النووي رحمه الله -في إمامة من أمّ قوماً وهم له كارهون-: " قال أصحابنا: وإنما تُكره إمامته إذا كرهوه لمعنى مذموم شرعاً كوالٍ ظالم، وكمن تغلّب على إمامة الصلاة ولا يستحقها، أو لا يتصون من النجاسات ... فإن لم يكن شيء من ذلك فلا كراهة ... " ثم قال: " وحيث قلنا بالكراهة، فهي مختصة بالإمام، أما المأمومون الذين يكرهونه فلا يكره لهم الصلاة وراءه " اهـ. المجموع (4/172-173) .
ثانياً:
وأما استبداله، فإن تمكنتم من استبداله بغيره ممن هو أعظم ديناً وتمسكاً به ولم يترتب على ذلك مفسدة أكبر فهذا هو الأولى، وإلا كان بقاؤه أولى.
والدليل على منع الإمام المعلن بالمعصية من الإمامة ما رواه أبو داود (481) أَنَّ رَجُلا أَمَّ قَوْمًا فَبَصَقَ فِي الْقِبْلَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ فَرَغَ: لا يُصَلِّي لَكُمْ، فَأَرَادَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُصَلِّيَ لَهُمْ فَمَنَعُوهُ، وَأَخْبَرُوهُ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: نَعَمْ، وَحَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّكَ آذَيْتَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. حسنه الألباني في صحيح أبي داود.
وهذا ما لم يترتب على منعه مفسدة أعظم، فإن كان كذلك، فإنكم تصلون خلفه، ولا يجوز ترك صلاة الجماعة من أجل فسق الإمام، كما سبق.
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " فإذا أمكن للإنسان أن لا يقدم مظهراً للمنكر في الإمامة وجب عليه ذلك. لكن إذا ولاه غيره ولم يُمكنه صرفه عن الإمامة أو كان لا يتمكن من صرفه عن الإمامة إلا بشر أعظم ضرراً من ضرر ما أظهر من المنكر فلا يجوز دفع الفساد القليل بالفساد الكثير، ولا دفع أخف الضررين بحصول أعظمهما، فإن الشرائع جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها بحسب الإمكان ".
مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (9/377)
راجع السؤال (13465)
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1687)
حكم قول الإمام للمأمومين " صلوا صلاة مودع "
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم قول الإمام قبل تكبيرة الإحرام " وجهوا قلوبكم إلى الله "، وأيضاً " صلوا صلاة مودَع "؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
من السنَّة أن يسوِّي الإمام الصفوف بنفسه، وأن يأمر المأمومين بتسوية الصفوف، وقد تنوعت العبارات الواردة في السنَّة، وكلها تأمر المأمومين بتسوية الصفوف، وتحذرهم من مخالفة ذلك، ومما ورد: " أقيموا صفوفكم وتراصوا "، " سووا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة "، " سووا صفوفكم فإن تسوية الصف من تمام الصلاة "، " أقيموا الصف في الصلاة فإن إقامة الصف من حسن الصلاة "، " استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم "، " أقيموا الصفوف وحاذوا بين المناكب وسدوا الخَلل "، وغير ذلك من الألفاظ.
ولا حاجة لشيء من هذه الألفاظ وغيرها إذا كان الإمام قد رأى الصفَّ مستوياً.
قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله -:
لكن لو التفت – يعني الإمام – ووجد الصف مستقيماً متراصاً، والناس متساوون في أماكنهم، فالظاهر أنه لا يقول لهم استووا، لأنه أمر قد حصل إلا أن يريد اثبتوا على ذلك؛ لأن هذه الكلمات لها معناها، ليست كلمات تقال هكذا بلا فائدة ...
" أسئلة الباب المفتوح " (رقم 62) .
ولا نعلم في السنة الصحيحة شيئاً يأمر الإمام به المصلين فيما يتعلق بصلاتهم من حيث الخشوع وتوجيه القلوب إلى الله والصلاة كأنها صلاة مودِّع وما أشبه هذا، فمداومة الإمام على ذلك يُخشى أن يدخل في باب البدعة، ولا بأس أن يقول مثل هذا التذكير لكن أحياناً دون الاستمرار عليه والالتزام به في كل صلاة.
ولفظة " وجهوا قلوبكم إلى الله " لم نجد لها أصلاً، وأما لفظة " صلِّ صلاة مودِّع " فقد صحَّت عن النبي صلى الله عليه وسلم لكنها وصية عامة، ولا تعلق لها بما يقوله الإمام قبل تكبيرة الإحرام.
عن أبي أيوب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا قمت في صلاتك فصلِّ صلاة مودع، ولا تكلم بكلام تعتذر منه واجمع الإياس مما في أيدي الناس ".
رواه ابن ماجه (4171) . وصححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (401) .
وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " صل صلاة مودع كأنك تراه فإن كنت لا تراه فإنه يراك وأيس مما في أيدي الناس تعش غنيا وإياك وما يعتذر منه ".
رواه البيهقي في " الزهد الكبير " (2 / 210) . وهو صحيح بشواهده كما قاله الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (1914) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1688)
إمامهم ألثغ، وبعض المأمومين يخفي أنه أقرأ
[السُّؤَالُ]
ـ[إمامنا يبدل بعض الحروف ببعض، وفينا من يحسن القراءة ويحفظ جزءاً كبيراً من القرآن.
فما حكم إمامة الموصوف؟ وما حكم المأموم الأحسن حفظا وقراءة عند عدم الإفصاح عن إجادته وحفظه للقرآن؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
سبق في جواب السؤال (50536) أن العلماء اختلفوا في حكم إمامة الألثغ (وهو من يبدل بعض الحروف ببعض) ، وأن الصحيح صحة إمامته، لكن الأولى أن يقدم من يقرأ قراءة صحيحة.
قال الشيخ محمد الصالح العثيمين:
إذا صَلَّى أُمِّيٌّ لا يَعرفُ الفاتحةَ بأُمِّيٍّ مثله (والمراد بالأمي هنا من لا يحسن قراءة الفاتحة) : فصلاتُه صحيحةٌ لمساواتِه له في النَّقْصِ، ولو صَلَّى أُمِّيٌّ بقارئ (والمراد بالقارئ من يحسن قراءة الفاتحة) : فإنَّه لا يَصحُّ، وهذا هو المذهبُ.
وتعليل ذلك: أنَّ المأمومَ أعلى حالاً مِن الإِمامِ، فكيف يأتمُّ الأعلى بالأدنى.
والقول الثاني - وهو رواية عن أحمد -: أنه يَصحُّ أن يكون الأُمِّيُّ إماماً للقارئ، لكن ينبغي أنْ نتجنَّبَها؛ لأنَّ فيها شيئاً مِن المخالفةِ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (يَؤمُّ القومَ أقرؤهم لكتابِ اللهِ) ومراعاةً للخِلافِ.
" وإن قدر على إصلاحه لم تصح صلاته "
أي: إنْ قَدِرَ الأُمِّيُّ على إصلاح اللَّحنِ الذي يُحيلُ المعنى ولم يُصلِحْهُ: فإنَّ صلاتَه لا تَصِحُّ، وإن لم يَقْدِرْ: فصلاتُه صحيحةٌ دون إمامتِه إلا بمثلِه.
ولكن الصحيحُ: أنَّها تصحُّ إمامتُه في هذه الحالِ؛ لأنَّه معذورٌ لعجزِه عن إقامةِ الفاتحةِ، وقد قال الله تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم) وقال: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) ، ويوجد في بعضِ الباديةِ مَن لا يستطيعُ أنْ ينطِقَ بالفاتحة على وَجْهٍ صحيحٍ، فرُبَّما تسمعُه يقرأ " أَهدنا " ولا يمكن أنْ يقرأَ إلا ما كان قد اعتادَه، والعاجزُ عن إصلاح اللَّحنِ: صلاتُه صحيحةٌ، وأما مَن كان قادراً: فصلاتُه غيرُ صحيحةٍ، إذا كان يُحيلُ المعنى.
" الشرح الممتع " (4 / 248، 249) .
ولا ينبغي تقديم من لا يحسن القراءة ولو كان حافظاً، بل الذي يقدَّم في الإمامة هو من يحسن القراءة وذلك بإخراج الحروف من مخارجها، ويكون مع ذلك على علم بفقه أحكام الصلاة.
قال الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله:
قوله: " الأولى بالإِمامة الأقرأ العالم فقه صلاته " هل المرادُ بالأقرأ الأجودُ قِراءة ً، وهو الذي تكون قراءتُه تامَّةً، يُخرِجُ الحروفَ مِن مخارِجِها، ويأتي بها على أكملِ وجهٍ، أو المرادُ بالأقرأ الأكثرُ قراءةً؟
الجواب: المراد: الأجودُ قِراءةً، أي: الذي يقرؤه قراءةً مجوَّدةً، وليس المراد التجويد الذي يُعرف الآن بما فيه مِن الغنَّةِ والمدَّاتِ ونحوها، فليس بشرطٍ أن يتغنَّى بالقرآن، وأن يحسِّنَ به صوتَه، وإن كان الأحسنُ صوتاً أَولى، لكنه ليس بشرط.
وقوله: " العالم فقه صلاته " أي: الذي يعلم فِقْهَ الصَّلاةِ، بحيث لو طرأَ عليه عارضٌ في صلاتِهِ مِن سهوٍ أو غيرِه تمكَّنَ مِن تطبيقِهِ على الأحكامِ الشرعيَّةِ. . .
وهذا في ابتداء الإمامة، أي: لو حَضَرَ جماعةٌ، وأرادوا أن يقدِّموا أحدَهم، أما إذا كان للمسجدِ إمامٌ راتبٌ فهو أَولى بكلِّ حالٍ ما دام لا يوجدُ فيه مانعٌ يمنعُ إمامتَه.
" الشرح الممتع " (4 / 205، 206) باختصار.
ثانيا:
لا ينبغي لمن يحسن القراءة أن يخفي نفسه، ويقدم من لا يحسن القراءة، فإن في ذلك مخالفة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ. . . الحديث) رواه مسلم (673) .
قَوْلُهُ: (يَؤُمُّ الْقَوْمَ) قَالَ الطِّيبِيُّ: بِمَعْنَى الأَمْرِ، أَيْ: لِيَؤُمَّهُمْ.
وقال الحافظ في " الفتح":
وَلا يَخْفَى أَنَّ مَحَلَّ تَقْدِيم الأَقْرَأ إِنَّمَا هُوَ حَيْثُ يَكُون عَارِفًا بِمَا يَتَعَيَّن مَعْرِفَتُهُ مِنْ أَحْوَال الصَّلاة , فَأَمَّا إِذَا كَانَ جَاهِلا بِذَلِكَ فَلا يُقَدَّمُ اِتِّفَاقًا. انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1689)
هل يقول المأموم (سمع الله لمن حمده) عند رفعه من الركوع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في إحدى الملصقات أن على الإمام والمأموم عند الانتهاء من الركوع أن يقولوا: (سمع الله لمن حمده) ثم بعد ذلك يقول المأمومون: (اللهم ربنا لك الحمد) ، وهذا بخلاف ما نشأنا عليه، أن الإمام فقط هو الذي يقول: (سمع الله لمن حمده) فيرد المأمومون عند الرفع من الركوع: (اللهم ربنا لك الحمد) . فأفتونا مأجورين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
التسميع (وهو قول " سمع الله لمن حمده ") عند الرفع من الركوع والتحميد عند الاستواء قائما (وهو قول " ربنا لك الحمد ") سنة مستحبة عند جمهور أهل العلم، وذهب الحنابلة إلى وجوبها، والصحيح القول بالوجوب.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (3/433) :
والدليل على ذلك (يعني: الوجوب) ما يلي:
أولا: أن الرسول صلى الله عليه وسلم واظب على ذلك، فلم يدع قول (سمع الله لمن حمده) في حال من الأحوال.
ثانيا: أنه شعار الانتقال من الركوع إلى القيام.
ثالثا: قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا قال سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد) " انتهى.
وقد سبق ذكر التسميع والتحميد في واجبات الصلاة في سؤال رقم (65847) .
ثانيا:
اتفق الفقهاء على أن المنفرد يجمع بين التسميع والتحميد، فيقول: (سمع الله لمن حمده) حين يرفع من الركوع، فإذا استوى قائما قال: (ربنا ولك الحمد) .
وقد نقل الاتفاق: الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/240) ، وابن عبد البر في "الاستذكار" (2/178) .
وإن كان في "المغني" (1/548) ما يفيد أن هناك خلافاً في المسألة.
ولكنهم اختلفوا في الإمام والمأموم ما الذي يشرع لكل منهما:
أما الإمام:
فذهب الحنفية والمالكية إلى أنه يُسَمِّعُ فقط، ولا يسن له أن يقول: ربنا لك الحمد.
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أن الإمام يُسَمِّعُ ويَحمّد.
والراجح هو القول الثاني؛ لما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَالَ سَمِعَ اللهًُ لِمَنْ حَمِدَه قَالَ: الَّلهُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الحَمدُ) .
رواه البخاري (795) ومسلم (392) .
وقد بيَّن الحافظ ابن حجر أن استحباب تحميد الإمام مستفاد من هذا الحديث ومن غيره.
انظر: "فتح الباري" (2/367) .
وأما المأموم:
فقد قال جمهور العلماء من الحنفية والمالكية والحنابلة بأن المأموم يقتصر على التحميد فقط، ولا يقول (سمع الله لمن حمده) .
وخالفهم الشافعية والظاهرية، فقالوا باستحباب التسميع والتحميد في حق المأموم، وهو اختيار الألباني في "صفة الصلاة" (135) وللتوسع في أدلتهم انظر رسالة السيوطي في "الحاوي للفتاوي" (1/35) .
والراجح – والله أعلم - هو قول الجمهور.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله "لقاء الباب المفتوح" (1/320) :
" المؤتم إذا قال إمامه سمع الله لمن حمده لا يقول سمع الله لمن حمده؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما جُعل الإمام لِيُؤتَمَّ به، فإذا كبَّر فكبِّروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد) .
فقال (إذا كبر فكبروا) (وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد) ، ففرَّقَ النبي صلى الله عليه وسلم بين التكبير وبين التسميع، التكبير نقول كما يقول، والتسميع لا نقول كما يقول، لأن قوله (إذا قال: سمع الله لمن حمده قولوا ربنا ولك الحمد) بمنزلة قوله: إذا قال سمع الله لمن حمده فلا تقولوا سمع الله لمن حمده ولكن قولوا ربنا ولك الحمد، بدليل السياق، سياق الحديث الذي قال: (إذا كبر فكبروا) ، ومن قال مِن أهل العلم إنه يقول (سمع الله لمن حمده) ويقول (ربنا ولك الحمد) فقوله ضعيف، وليس أحدٌ يقبل قولُه على الإطلاق، ولا يُرَدُّ قولُه على الإطلاق، حتى يُعرض على الكتاب والسنة، ونحن إذا عرضناه على السنة وجدنا الأمر كما سمعت " انتهى.
وانظر: "المغني" (1/548) ، "الأم" (1/136) ، "المحلى" (1/35) ، "الموسوعة الفقهية" (27/93-94)
ويتبين بذلك أن المسألة فيها خلاف بين أهل العلم، فلا غرابة أن تكون بعض الملصقات قد قررت ما ذهب إليه بعض أهل العلم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1690)
الصلاة خلف الإباضية وأهل البدع
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو رأيكم في فرقة الإباضية وهل صحيح أن ابن باز (رحمه الله) قد كفر هذه الفرقة فنحن هنا في مسجد في أمريكا ويوجد به فرق مختلفة منهم الزيدية والشيعة أيضا فهل نسمح لأحد منهم بالإمامة والصلاة خلفه أم تكون لأهل السنة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الإباضية إحدى الفرق الضالة، كما جاء في فتوى اللجنة الدائمة رقم 6935، ونصها:
السؤال: هل تعتبر فرقة الإباضية من الفرق الضالة من فرق الخوارج وهل يجوز الصلاة خلفهم؟
فكان جواب اللجنة كما يلي:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه.. وبعد:
فرقة الإباضية من الفرق الضالة لما فيهم من البغي والعدوان والخروج على عثمان بن عفان وعلي رضي الله عنهما، ولا تجوز الصلاة خلفهم.
وبالله التوفيق.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
للمزيد عن الإباضية راجع سؤال رقم (11529)
ولم نقف على تكفير الشيخ ابن باز رحمه الله لهذه الفرقة.
وانظر حكم الصلاة خلف الشيعة، في جواب السؤال رقم 20093
ولا يجوز تمكين أهل البدع المكفِّرة من إمامة الصلاة، لعدم صحة الصلاة خلفهم عند جمع من أهل العلم، ولكونهم أهلا للهجر والزجر لا للإمامة والتقديم، ولما يترتب على تقديمهم للصلاة من اغترار الجاهل بهم.
والبدع المكفرة: كبدعة القول بخلق القرآن، ونفي رؤية المؤمنين لربهم في الجنة، والقول بتكفير مرتكب الكبيرة أو تخليده في النار، وتكفير أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، أو القول بتحريف القرآن، أو ادعاء أن الأئمة يعلمون الغيب، أو الاستغاثة بالأموات، وغير ذلك من صور الكفر والشرك.
وهذا بخلاف صاحب البدعة غير المكفرة، فإن الصلاة خلفه صحيحة.
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (7/364) السؤال التالي:
هل تجوز الصلاة خلف الإمام المبتدع؟
جواب اللجنة:
من وجد إماما غير مبتدع فليصل وراءه دون المبتدع، ومن لم يجد سوى المبتدع نصحه عسى أن يتخلى عن بدعته، فإن لم يقبل وكانت بدعته شركية كمن يستغيث بالأموات أو يدعوهم من دون الله أو يذبح لهم فلا يصلى وراءه لأنه كافر وصلاته باطلة ولا يصح أن يجعل إماما وإن كانت بدعته غير مكفرة كالتلفظ بالنية صحت صلاته وصلاة من خلفه.
وبالله التوفيق.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1691)
حكم إمامة المرأة للرجال
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم إمامة المرأة للرجال في صلاة الجمعة وغيرها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
قد خص الله تعالى الرجال ببعض الفضائل والأحكام، وكذلك خص النساء ببعض الفضائل والأحكام، فلا يجوز لأحد من الرجال أن يتمنى ما خصت به النساء، ولا يجوز لأحد من النساء أن يتمنى ما فضل به الرجال، فإن هذا التمني اعتراض على الله تعالى في تشريعه وحكمه.
قال الله تعالى: (وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) النساء/32.
قال السعدي رحمه الله:
" ينهى تعالى المؤمنين عن أن يتمنى بعضهم ما فضل الله به غيره , من الأمور الممكنة وغير الممكنة. فلا تتمنى النساء خصائص الرجال التي بها فضلهم على النساء , ولا صاحب الفقر والنقص حالة الغني والكامل تمنيا مجردا , لأن هذا هو الحسد بعينه. . . ولأنه يقتضي السخط على قدر الله " انتهى.
فمما خص الله تعالى به الرجال، أن العبادات التي تحتاج إلى قوة كالجهاد، أو ولاية كالإمامة. . . إلخ تختص بالرجال، ولا مدخل للنساء بها.
وقد دل على ذلك أدلة كثيرة، منها:
1- قال الله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) النساء/34.
قَالَ الشَّافِعِيُّ في الأم (1/191) :
" وَإِذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ بِرِجَالٍ وَنِسَاءٍ وَصِبْيَانٍ ذُكُورٍ فَصَلاةُ النِّسَاءِ مُجْزِئَةٌ وَصَلاةُ الرِّجَالِ وَالصِّبْيَانِ الذُّكُورِ غَيْرُ مُجْزِئَةٍ ; لأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ الرِّجَالَ قَوَّامِينَ عَلَى النِّسَاءِ وَقَصَرَهُنَّ عَنْ أَنْ يَكُنَّ أَوْلِيَاءَ، وَلا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ امْرَأَةٌ إمَامَ رَجُلٍ فِي صَلاةٍ بِحَالٍ أَبَدًا " انتهى.
وقال السعدي رحمه الله:
" فتفضيل الرجال على النساء , من وجوه متعددة: من كون الولايات مختصة بالرجال , والنبوة والرسالة , واختصاصهم بكثير من العبادات , كالجهاد , والأعياد , والجمع. وبما خصهم الله به , من العقل والرزانة والصبر والجلد الذي ليس للنساء مثله " انتهى.
2- وقال تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) البقرة/228.
قال السعدي رحمه الله:
" وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ " أي: رفعة ورياسة , وزيادة حق عليها , كما قال تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) . ومنصب النبوة والقضاء , والإمامة الصغرى والكبرى , وسائر الولايات مختص بالرجال " انتهى.
3- روى البخاري (4425) عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً) .
فهذا الحديث دليل على أن الولايات العامة لا يجوز للمرأة أن تتولاها، والإمامة من الولايات العامة.
4- روى أبو داود (576) وأحمد (5445) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمْ الْمَسَاجِدَ وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ) صححه الألباني في سنن أبي داود.
قال في عون المعبود:
" (وَبُيُوتهنَّ خَيْر لَهُنَّ) : أَيْ صَلاتهنَّ فِي بُيُوتهنَّ خَيْر لَهُنَّ مِنْ صَلاتهنَّ فِي الْمَسَاجِد لَوْ عَلِمْنَ ذَلِكَ , لَكِنَّهُنَّ لَمْ يَعْلَمْنَ فَيَسْأَلْنَ الْخُرُوج إِلَى الْمَسَاجِد وَيَعْتَقِدْنَ أَنَّ أَجْرهنَّ فِي الْمَسَاجِد أَكْثَر. وَوَجْه كَوْن صَلاتهنَّ فِي الْبُيُوت أَفْضَل الأَمْن مِنْ الْفِتْنَة , وَيَتَأَكَّد ذَلِكَ بَعْد وُجُود مَا أَحْدَثَ النِّسَاء مِنْ التَّبَرُّج وَالزِّينَة " انتهى.
5- روى مسلم (440) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا، وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا، وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا) .
قال النووي:
" أَمَّا صُفُوف الرِّجَال فَهِيَ عَلَى عُمُومهَا فَخَيْرهَا أَوَّلهَا أَبَدًا وَشَرّهَا آخِرهَا أَبَدًا أَمَّا صُفُوف النِّسَاء فَالْمُرَاد بِالْحَدِيثِ صُفُوف النِّسَاء اللَّوَاتِي يُصَلِّينَ مَعَ الرِّجَال , وَأَمَّا إِذَا صَلَّيْنَ مُتَمَيِّزَات لا مَعَ الرِّجَال فَهُنَّ كَالرِّجَالِ خَيْر صُفُوفهنَّ أَوَّلهَا وَشَرّهَا آخِرهَا , وَالْمُرَاد بِشَرِّ الصُّفُوف فِي الرِّجَال النِّسَاء أَقَلّهَا ثَوَابًا وَفَضْلا وَأَبْعَدهَا مِنْ مَطْلُوب الشَّرْع , وَخَيْرهَا بِعَكْسِهِ , وَإِنَّمَا فَضَّلَ آخِر صُفُوف النِّسَاء الْحَاضِرَات مَعَ الِّجَال لِبُعْدِهِنَّ مِنْ مُخَالَطَة الرِّجَال وَرُؤْيَتهمْ وَتَعَلُّق الْقَلْب بِهِمْ عِنْد رُؤْيَة حَرَكَاتهمْ وَسَمَاع كَلامهمْ وَنَحْو ذَلِكَ , وَذَمَّ أَوَّلَ صُفُوفهنَّ لِعَكْسِ ذَلِكَ. وَاَللَّه أَعْلَم " انتهى.
فإذا كانت المرأة مأمورة بالصلاة في بيتها، والبعد عن الرجال، وشر صفوف النساء أولها، لأنها تكون أقرب إلى الرجال، فكيف يليق بحكمة الشرع أن يبيح للمرأة أن تصلي إماما بالرجال، وهو يأمرها أن تبتعد عن الرجال؟!!
6- روى البخاري (684) ومسلم (421) عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (مَنْ رَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ، فَإِنَّهُ إِذَا سَبَّحَ الْتُفِتَ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ) .
قال الحافظ:
" وَكَأَنَّ مَنْعَ اَلنِّسَاءِ مِنْ اَلتَّسْبِيحِ لأَنَّهَا مَأْمُورَة بِخَفْضِ صَوْتِهَا فِي اَلصَّلاةِ مُطْلَقًا لِمَا يُخْشَى مِنْ اَلافْتِتَانِ " انتهى.
فإذا كانت المرأة منهية عن تنبيه الإمام بالقول إن أخطأ، وإنما تصفق، حتى لا ترفع صوتها بحضرة الرجال، فكيف تصلي بهم وتخطب بهم؟!
7- روى مسلم (658) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّه صلى خلف الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه جدته ويتيم، فقال: (فَصَفَفْتُ أَنَا وَالْيَتِيمُ وَرَاءَهُ، وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا) .
قال الحافظ:
" فِيهِ أَنَّ الْمَرْأَةَ لا تَصُفُّ مَعَ الرِّجَالِ , وَأَصْلُهُ مَا يُخْشَى مِنْ الافْتِتَانِ بِهَا " انتهى.
فإذا كانت المرأة تقف منفردةً خلف الصف، ولا تقف مع الرجال في صفهم، فكيف تتقدمهم وتصلي بهم إماما؟!
قال في عون المعبود:
"وَفِيهِ دَلِيل أَنَّ إِمَامَة الْمَرْأَة لِلرِّجَالِ غَيْر جَائِزَة، لأَنَّهَا لَمَّا مُنعت عَنْ مُسَاوَاتهمْ مِنْ مَقَام الصَّفّ كَانَتْ مِنْ أَنْ تَتَقَدَّمهُمْ أَبْعَد " انتهى. بتصرف يسير.
8- عمل المسلمين على مدار أربعة عشر قرنا من الزمان، على أن المرأة لا تتولى الصلاة بالرجال.
بدائع الصنائع (2/289) .
فمن خالف هذا فقد اتبع غير سبيل المؤمنين، والله تعالى يقول: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً) النساء/115.
وهذه طائفة من أقوال العلماء:
جاء في "الموسوعة القفقهية" (6/205) :
" يُشْتَرَطُ لإِمَامَةِ الرِّجَالِ أَنْ يَكُونَ الإِمَامُ ذَكَرًا , فَلا تَصِحُّ إمَامَةُ الْمَرْأَةِ لِلرِّجَالِ , وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ " انتهى.
قال ابن حزم في "مراتب الإجماع" (ص 27) :
" واتفقوا على أن المرأة لا تؤم الرجال وهم يعلمون أنها امرأة، فإن فعلوا فصلاتهم باطلة بإجماع " انتهى.
وقال في "المحلى" (2/167) :
" وَلا يَجُوزُ أَنْ تَؤُمَّ الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ وَلا الرِّجَالَ , وَهَذَا مَا لا خِلَافَ فِيهِ , وَأَيْضًا فَإِنَّ النَّصَّ قَدْ جَاءَ بِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَقْطَعُ صَلاةَ الرَّجُلِ إذَا فَاتَتْ أَمَامَهُ. . . وَحُكْمُهُ عليه السلام بِأَنْ تَكُونَ وَرَاءَ الرَّجُلِ وَلا بُدَّ فِي الصَّلاةِ , وَأَنَّ الإِمَامَ يَقِفُ أَمَامَ الْمَأْمُومِينَ لا بُدَّ أَوْ مَعَ الْمَأْمُومِ فِي صَفٍّ وَاحِدٍ. . . وَمِنْ هَذِهِ النُّصُوصِ يَثْبُتُ بُطْلانُ إمَامَةِ الْمَرْأَةِ لِلرَّجُلِ وَلِلرِّجَالِ يَقِينًا " انتهى.
وقال النووي في المجموع (4/152) :
" وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ لا تَجُوزُ صَلاةُ رَجُلٍ بَالِغٍ وَلا صَبِيٍّ خَلْفَ امْرَأَةٍ. . . وَسَوَاءٌ فِي مَنْعِ إمَامَةِ الْمَرْأَةِ لِلرِّجَالِ صَلاةُ الْفَرْضِ وَالتَّرَاوِيحِ , وَسَائِرُ النَّوَافِلِ , هَذَا مَذْهَبُنَا , وَمَذْهَبُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ - رحمهم الله , وَحَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ التَّابِعِينَ , وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَسُفْيَانَ وَأَحْمَدَ وَدَاوُد.....
ثُمَّ إذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ بِالرَّجُلِ أَوْ الرِّجَالِ فَإِنَّمَا تَبْطُلُ صَلاةُ الرِّجَالِ , وَأَمَّا صَلاتُهَا وَصَلاةُ مَنْ وَرَاءَهَا مِنْ النِّسَاءِ فَصَحِيحَةٌ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ إلا إذَا صَلَّتْ بِهِمْ الْجُمُعَةَ فَإِنَّ فِيهَا وَجْهَيْنِ: (أَصَحُّهُمَا) لا تَنْعَقِدُ صَلاتُهَا (وَالثَّانِي) : تَنْعَقِدُ ظُهْرًا وَتُجْزِئُهَا , وَهُوَ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ , وَلَيْسَ بِشَيْءٍ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وفي "الإنصاف" (2/265) :
" قَوْلُهُ (وَلا تَصِحُّ إمَامَةُ الْمَرْأَةِ لِلرَّجُلِ)
هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا – يعني مذهب الإمام أحمد - قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ " انتهى.
ومذهب المالكية في هذا أشد المذاهب، فإنهم يمنعون إمامة المرأة حتى للنساء، ويجعلون الذكورة شرطاً في الإمامة مطلقاً. ففي "الفواكه الدواني" (1/204) :
"وَاعْلَمْ أَنَّ لإِمَامَةَ لَهَا شُرُوطُ صِحَّةٍ وَشُرُوطُ كَمَالٍ , فَشُرُوطُ صِحَّتِهَا ثَلاثَةَ عَشَرَ أَوَّلُهَا الذُّكُورَةُ الْمُحَقَّقَةُ فَلا تَصِحُّ إمَامَةُ الْمَرْأَةِ وَلا الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ , وَتَبْطُلُ صَلاةُ الْمَأْمُومِ دُونَ الأُنْثَى الَّتِي صَلَّتْ إمَامًا" انتهى.
وسئل الشيخ ابن باز عن رجل صلى صلاة العصر مأموماً خلف امرأته , فأجاب:
" لا يجوز أن تؤم المرأة الرجل ولا تصح صلاته خلفها لأدلة كثيرة وعلى المذكور أن يعيد صلاته " "مجموع فتاوى ابن باز" (12/130) .
ثانياً:
أما تعويل من زعم ذلك على ما روي من أن أم ورقة قد أذن لها النبي صلى الله عليه وسلم في إمامة أهل بيتها. رواه أبو داود (591) .
فقالوا: إنها كانت تؤم أهل دارها بما فيهم الرجال والصبيان، فقد أجاب العلماء عن هذا بعدة أجوبة:
1- أن الحديث ضعيف.
قال الحافظ في "التلخيص" (ص 121) : " وفي إسناده عبد الرحمن بن خلاد وفيه جهالة " انتهى.
وقال في "المنتقى شرح الموطأ":
" هذا الحديث مما لا يجب أن يعول عليه " انتهى.
2- إن صح الحديث فالمراد: أنها كانت تؤم نساء أهل دارها.
3- أن ذلك خاص بأم ورقة، لا يشرع ذلك لأحد غيرها.
4- أن بعض العلماء استدل به على جواز إمامة المرأة للرجل، ولكن عند الضرورة، ومعنى الضرورة ألا يوجد رجل يحسن قراءة الفاتحة. "حاشية ابن قاسم" (2/313) .
وانظر: "المغني" (3 /33) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1692)
متى يركع المأموم؟ عند تكبير الإمام أم بعد التكبير مباشرة أم ماذا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن المأمومون متى نبدأ بالركوع؟ هل نركع عندما نسمع الإمام يقول الله أكبر أم خلالها أم بعد أن يسكت منها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المشروع في حق المأموم أن يتابع إمامه، فلا يسبقه ولا يوافقه ولا يتأخر عنه، بل يفعل الأمر عقب فعل إمامه مباشرة.
وقد دل على ذلك ما رواه البخاري (378) ومسلم (417) من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وأبي هريرة رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا "وَلا تَرْكَعُوا حَتَّى يَرْكَعَ "، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا "وَلا تَسْجُدُوا حَتَّى يَسْجُدَ "، وَإِنْ صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا) وما بين القوسين من زيادات أبي داود (603) .
فقوله صلى الله عليه وسلم: (َإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَلا تَرْكَعُوا حَتَّى يَرْكَعَ) ومثله في السجود، يدل على أن المأموم لا يبدأ في الانتقال إلى الركن إلا بعد وصول الإمام إليه، فلا يركع حتى يركع الإمام، ولا يسجد حتى يسجد الإمام، وقد جاء ذلك صريحاً في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قال: " سمع الله لمن حمده " لم يحن أحد منا ظهره حتى يقع النبي صلى الله عليه وسلم ساجدا، ثم نقع سجودا بعده. رواه البخاري (811) ومسلم (474) .
قال النووي في " شرح مسلم ": " وفي هذا الحديث هذا الأدب من آداب الصلاة، وهو أن السنة ألا ينحني المأموم للسجود حتى يضع الإمام جبهته على الأرض " انتهى.
وعلى هذا، فالمشروع للمأموم أن يتابع إمامه بعد انتقاله إلى الركن مباشرة، فالعبرة بفعل الإمام لا بتكبيره، وهذا فيمن يرى الإمام، أما من لا يراه من المأمومين، فإنه يقتدي بقوله، فيبدأ في الانتقال إلى الركن بعد انتهاء الإمام من التكبير، وانظر جواب السؤال (33790) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1693)
إذا كان الإمام لا يجلس للاستراحة فهل يجلسها المأموم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إننا نصلي وراء أئمة لا يفعلون جلسة الاستراحة في الصلاة وحتى إذا أتيت لهم بكتب تحث عليها فلن يفعلوها، هل عندما أصلي وراءهم أفعلها رغم عدم فعلهم أم أنني أتبع الإمام في عدم فعلها؟ علما أن هذا سيجعلني لن أفعلها كما قلت لأنهم لن يفعلوها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: جلسة الاستراحة سنة من سنن الصلاة، وقد سبق في إجابة السؤال رقم (21985) بيان ذلك.
ثانياً: أمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المأموم بمتابعة الإمام، روى البخاري (688) ومسلم (412) عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ وَهُوَ شَاكٍ (أي مريض) فَصَلَّى جَالِسًا، وَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَامًا، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنْ اجْلِسُوا، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا.
ومعنى المتابعة: أن يشرع المأموم في أفعال الصلاة فور فراغ الإمام مما كان فيه. انظر سؤال رقم (33790)
انظر: "حاشية ابن قاسم" (2/285) ، "الشرح الممتع" (4/269) .
ثالثاً: إذا كان الإمام لا يجلس للاستراحة، فقد اختلف العلماء هل الأفضل للمأموم أن يجلس للاستراحة أم لا؟ وسبب الخلاف في المسألة هو: هل جلوس المأموم في هذه الحال وتأخره عن الإمام ينافي المتابعة التي أمر بها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أم لا؟
فذهب بعض العلماء إلى أن المأموم يجلس للاستراحة ولو لم يجلسها الإمام، وتأخر المأموم في هذه الحال يسير لا يضر.
قال النووي في "المجموع" (4/240) :
وَإِنْ تَرَكَ الإِمَامُ جلْسَةَ الاسْتِرَاحَةِ أَتَى بِهَا الْمَأْمُومُ , قَالَ أَصْحَابُنَا (يعني الشافعية) : لأَنَّ الْمُخَالَفَةَ فِيهَا يَسِيرَةٌ اهـ.
وذهب آخرون إلى أن المأموم لا يجلسها.
سئل شيخ الإسلام كما في "الفتاوى الكبرى" (1/135) عن رجل يصلي مأموما ويجلس بين الركعات جلسة الاستراحة ولم يفعل ذلك الإمام فهل يجوز ذلك له؟
فأجاب: جلسة الاستراحة قد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم جلسها لكن تردد العلماء هل فعل ذلك من كبر السن للحاجة أو فعل ذلك لأنه من سنة الصلاة؟ فمن قال بالثاني استحبها، كقول الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين، ومن قال بالأول لم يستحبها إلا عند الحاجة كقول أبي حنيفة ومالك وأحمد في الرواية الأخرى. ومن فعلها لم ينكر عليه وإن كان مأموما، لكون التأخر بمقدارها ليس هو من التخلف المنهى عنه عند من يقول باستحبابها. وهل هذا إلا فعل في محل اجتهاد؟ فإنه قد تعارض فعل هذه السنة عنده والمبادرة إلى موافقة الإمام، فإن ذلك أولى من التخلف لكنه يسير، فصار مثلما إذا قام من التشهد الأول قبل أن يكمله المأموم، والمأموم يرى أنه مستحب، أو مثل أن يسلم وقد بقي عليه يسير من الدعاء هل يسلم أو يتمه؟ ومثل هذه المسائل هي من مسائل الاجتهاد والأقوى أن متابعة الإمام أولى من التخلف لفعل مستحب والله أعلم اهـ.
وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (3/192) :
مسألة: إذا كان الإنسان مأموماً فهل يُسن له أن يجلس إذا كان يرى هذا الجلوس سنة أو متابعة الإمام أفضل؟
الجواب: أن متابعة الإمام أفضل، ولهذا يترك الواجب وهو التشهد الأول، ويفعل الزائد كما لو أدرك الإمام في الركعة الثانية فإنه سوف يتشهد في أول ركعة فيأتي بتشهد زائد من أجل متابعة الإمام، بل يترك الإنسان الركن من أجل متابعة الإمام، فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً) فيترك ركن القيام وركن الركوع، فيجلس في موضع القيام، ويومئ في موضع الركوع، كل هذا من أجل متابعة الإمام.
فإن قال قائل: هذه الجلسة يسيرة لا يحصل بها تخلف عن الإمام.
فالجواب: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا ركع فاركعوا وإذا سجد فاسجدوا وإذا كبّر فكبروا) فأتى بالفاء الدالة على الترتيب والتعقيب بدون مهلة، وهذا يدل على أن الأفضل في حق المأموم ألا يتأخر عن الإمام ولو يسيراً، بل يبادر بالمتابعة، فلا يوافق، ولا يسابق، ولا يتأخر، وهذا هو حقيقة الائتمام اهـ.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1694)
قراءة غير الفاتحة خلف الإمام في الصلاة الجهرية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تجوز القراءة خلف إمامي؟ وما حكمها إذا قرأت خلفه بغير الفاتحة، هل تبطل الصلاة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للمأموم أن يقرأ خلف إمامه في الصلاة الجهرية غير الفاتحة، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم (66742) .
ومن فعل ذلك جاهلا فلا شيء عليه، والواجب ألا يعود إليه مستقبلا؛ لمخالفته قوله تعالى: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) الأعراف/204، وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تَفْعَلُوا إِلا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، فَإِنَّهُ لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا) رواه أبو داود (823) وصححه الألباني في "صحيح الترمذي.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1695)
لا تحفظ كثيراً من القرآن، فكيف تصلي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لا تحفظ كثيراً من القرآن، فكيف تصلي؟ السؤال: إنني امرأة لا أحفظ كثيراً من القرآن لأقرأ به في الصلاة، فما حكم الشرع في صلاتي؟ حيث إنني لم أتعلم فكيف أؤدي صلاتي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"يكفيك أيتها الأخت في الله أن تقرئي الفاتحة: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) إلى آخرها وإن تيسر معها زيادة بعض السور القصيرة مثل: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) ، و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) ، و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) أو غير هذه السور أو بعض من الآيات فهذا خير إلى خير في الركعة الأولى والثانية من الظهر والعصر والمغرب والعشاء وفي الفجر أيضاً.
أما الثالثة من المغرب والثالثة والرابعة من الظهر والعصر والعشاء فيكفيك فيه الفاتحة ولا يلزمك شيء أكثر من هذا، فالفاتحة هي الركن اللازم وما زاد فهو مستحب، والحمد لله" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (2/786) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1696)
نسي قراءة سورة بعد الفاتحة في الركعة الثانية
[السُّؤَالُ]
ـ[صليت الظهر بمفردي وفي الركعة الثانية لم أقرأ سوى الفاتحة ناسياً، ولم أقرأ بعدها سورة من القرآن الكريم، وتذكرت قبل السلام فسجدت سجدتين للسهو، فهل علي حرج في هذا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" ليس عليك حرج، ولا يجب عليك سجود السهو، لأن قراءة السور ليست واجبة، وإنما المهم قراءة الفاتحة، أما قراءة السور بعدها أو آيات بعدها فهو مستحب فقط، فإذا تركه الإنسان لم يجب عليه سجود السهو، وإن سجد فلا بأس والحمد لله، فصلاتك صحيحة ولا حرج عليك " انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (2/786) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1697)
لا تحفظ إلا الفاتحة وسورة الإخلاص تقرأهما كل صلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[مشكلتي أنني أمية ولا أعرف القراءة ولا الكتابة، وأني أصلي الصلاة في أوقاتها ولكني لا أعرف غير سورة الحمد و (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) وأعيد هاتين السورتين في كل صلاة، فهل ذلك مجزئ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"نعم، هذا مجزئ، ونسأل الله لك المزيد من التوفيق والثبات على الحق، والفاتحة تكفي وحدها لأنها أم القرآن، ولأنها ركن الصلاة، فلما يسر الله لك معها سورة (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) وهي سورة عظيمة سورة الإخلاص، وهي تعدل ثلث القرآن، فهذه نعمة من الله عظيمة، فيكفيك ذلك، ولو كررتها في الصلوات وفي غير ذلك فهذه نعمة عظيمة، فأكثري من قراءتها خارج الصلاة ولك بكل حرف حسنة، الحسنة بعشر أمثالها، وهذا خير عظيم.
وإن تيسر لك من يقرئك بعض السور القصيرة من أخواتك أو جاراتك أو زوجك أو بعض محارمك فهذا خير عظيم، مثل: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) ، (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) ، (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ) ، (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) ، (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) ، (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ) ، وغيرها من قصار المفصل فهذا خير" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (2/784) .
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
فتاوى نور على الدرب(5/1698)
ماذا يفعل المأموم إذا أطال الإمام السكوت بعد الفاتحة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا فرغ المأموم من قراءة الفاتحة في الصلاة الجهرية، ولم يشرع الإمام في القراءة بعد الفاتحة، فماذا يصنع المأموم في مثل هذه الحال؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" الجواب على ذلك أننا نقول للإمام أولاً: لا ينبغي لك أن تسكت هذا السكوت الطويل بين قراءة الفاتحة وقراءة ما بعدها , والمشروع للإمام أن يسكت سكتة لطيفة بين الفاتحة والسورة التي بعدها ليتميز بذلك القراءة المفروضة والقراءة المستحبة , والمأموم يشرع في هذه السكتة اللطيفة بقراءة الفاتحة ويتم قراءة الفاتحة ولو كان الإمام يقرأ , وأما السكوت الطويل من الإمام فإن ذلك خلاف السنة , ثم على فرض أن الإمام كان يفعل ذلك ويسكت هذا السكوت الطويل فإن المأموم إذا قرأ الفاتحة وأتمها يقرأ بعدها سورة حتى يشرع الإمام في قراءة السورة التي بعد الفاتحة وحينئذ يسكت؛ لأنه لا يجوز للمأموم أن يقرأ والإمام يقرأ إلا قراءة الفاتحة فقط " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (15/109) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1699)
حكم تقسيم سورة السجدة على ركعتي الفجر يوم الجمعة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الإمام الذي يقسم سورة السجدة على الركعتين في صلاة الفجر يوم الجمعة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"حكمه أنه خالف السنة، فليرشد إلى فعل السنة والصلاة صحيحة، والحمد لله، لكن لو قرأ في بعض الأحيان غير السورتين ليعلم الجماعة أن قراءتهما ليست واجبة في كل جمعة فلا حرج في ذلك. والله ولي التوفيق" انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (12/399) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1700)
حكم المداومة على قراءة السجدة والإنسان فجر الجمعة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تجوز المداومة على قراءة سورتي السجدة والإنسان في صلاة الصبح من كل يوم جمعة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" تشرع قراءة سورة السجدة وسورة الدهر في صلاة فجر يوم الجمعة، ولا بأس بالمداومة على ذلك، لكنْ إنْ خشي أن يظن بعض الناس وجوب المداومة عليهما شرع له ترك قراءتها في بعض الأحيان " انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
"فتاوى إسلامية" (1/417) .
وللفائدة ينظر جواب السؤال رقم (20436) ، ورقم (118895) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1701)
حكم مخالفة ترتيب السور في القراءة في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[صلى رجل إماما بجماعة فقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة سورة (تبت) ، ثم قرأ في الركعة الثانية سورة (الفيل) وذلك في صلاة العشاء، فما رأيكم جزاكم الله خير الجزاء، حيث إنني سمعت أنه لا يجوز قراءة سورة بعد سورة أقدم منها في القرآن؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" إذا كان الأمر كما ذُكر فليس في ذلك شيء، ولكن الأولى أن تكون السورة التي في الركعة الثانية بعد السورة التي في الركعة الأولى حسب ترتيب المصحف.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (4/16) .
وللفائدة ينظر جواب السؤال رقم (7198) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1702)
المقصود في صلاة فجر الجمعة قراءة سورة السجدة وليست سجدة التلاوة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل المطلوب في صلاة فجر الجمعة أن يقرأ المصلى سورة السجدة، أو المطلوب أن يسجد للتلاوة، بحيث يقرأ سورة أخرى فيها سجدة للتلاوة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" بل المقصود قراءة السورتين: (الم. تنزيل) و: (هل أتى على الإنسان) ؛ لما فيهما من ذكر خلق آدم، وقيام الساعة، وما يتبع ذلك، فإنه كان يوم الجمعة، وليس المقصود السجدة، فلو قصد الرجل قراءة سورة سجدة أخرى كره ذلك.
والنبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ السورتين كلتيهما، فالسنة قراءتهما بكمالهما، ولا ينبغي المداومة على ذلك لئلا يظن الجاهل أن ذلك واجب، بل يقرأ أحيانا غيرهما من القرآن " انتهى.
"مجموع فتاوى شيخ الإسلام بن تيمية" (24/206) .
وقال ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد" (1/375) :
" وكان صلى الله عليه وسلم يقرأ في فجره بسورتي (آلم تنزيل) و (هل أتى على الإنسان) ويظن كثير ممن لا علم عنده أن المراد تخصيص هذه الصلاة بسجدة زائدة ويسمونها سجدة الجمعة، وإذا لم يقرأ أحدهم هذه السورة استحب قراءة سورة أخرى فيها سجدة، ولهذا كره من كره من الأئمة المداومة على قراءة هذه السورة في فجر الجمعة، دفعاً لتوهم الجاهلين، وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: إنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ هاتين السورتين في فجر الجمعة لأنهما تضمنتا ما كان ويكون في يومها، فإنهما اشتملتا على خلق آدم، وعلى ذكر المعاد، وحشر العباد، وذلك يكون يوم الجمعة، فكان في قراءتهما في هذا اليوم تذكير للأمة بما كان فيه ويكون، والسجدة جاءت تبعا ليست مقصودة حتى يقصد المصلي قراءتها حيث اتفقت " انتهى.
وللفائدة ينظر جواب السؤال رقم (20436) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1703)
هل يؤمن المصلي في السرية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا انتهى الإنسان من الفاتحة في الصلاة السرية هل يؤمن أم لا؟ وهل يجهر بالتأمين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا انتهى من الفاتحة يقول: آمين في الصلاة السرية والجهرية، لكن لا يجهر بها في الصلاة السرية، ويجهر بها في الصلاة الجهرية" انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
"لقاءات الباب المفتوح" (3/488) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1704)
حديث من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل حديث: (من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ورد هذا الحديث عن ثمانية من الصحابة:
أشهرها وأكثرها طرقا حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
وورد أيضا عن عبد الله بن عمر، وأبي سعيد الخدري، وأبي هريرة، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن مسعود، وأنس، وعلي بن أبي طالب، رضي الله عنهم جميعا.
وورد عن الشعبي مرسلاً.
وعامة أهل العلم على تضعيف هذا الحديث من جميع طرقه التي أوردها الحافظ الدارقطني في "السنن" (كتاب الصلاة/باب ذكر قوله صلى الله عليه وسلم من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة واختلاف الروايات) (1/323) ، وضعفها كلها هناك.
وكذلك فعل الإمام البيهقي في جزء خاص سماه: "القراءة خلف الإمام"، وفي "السنن الكبرى" (2/159) (كتاب الصلاة/ باب من قال لا يقرأ خلف الإمام على الإطلاق)
قال الإمام البخاري رحمه الله:
" هذا خبر لم يثبت عند أهل العلم من أهل الحجاز، وأهل العراق، وغيرهم؛ لإرساله وانقطاعه " انتهى.
"خير الكلام في القراءة خلف الإمام" (ص/9) مكتبة الإيمان – الطبعة الثانية – 1405هـ.
وقال المجد ابن تيمية رحمه الله:
" وقد روي مسندا من طرق كلها ضعاف، والصحيح أنه مرسل " انتهى.
"منتقى الأخبار" (رقم/700)
وقال ابن الجوزي رحمه الله:
" لهذا الحديث طرق: عن جابر، وعن علي، وابن عمر، وابن عباس، وعمران بن حصين: ليس فيها ما يثبت " انتهى.
"العلل المتناهية" (1/428)
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله:
" روي هذا الحديث من طرق، ولا يصح شيء منها عن النبي صلى الله عليه وسلم " انتهى.
"تفسير القرآن العظيم" (1/109)
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" لكنه حديث ضعيف عند الحفاظ، وقد استوعب طرقه وعلله الدارقطني وغيره " انتهى.
"فتح الباري" (2/242)
وقال أيضا رحمه الله:
" حديث: (من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة) مشهورٌ من حديث جابر رضي الله عنه، وله طرق عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، وكلها معلولة " انتهى.
"تلخيص الحبير" (1/232)
وقال النووي رحمه الله:
" ضعيف " انتهى.
"الخلاصة" (1/377)
وقد نص على ضعفه أيضا كثير من أصحاب الرأي أتباع أبي حنيفة، وإن قالوا بمضمونه بسقوط القراءة عن المأموم مطلقا.
جاء في "معرفة السنن والآثار" (رقم/953) للبيهقي قال:
" أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت سلمة بن محمد الفقيه، يقول:
سألت أبا موسى الرازي الحافظ عن الحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان له إمام، فقراءة الإمام له قراءة) ؟
فقال: لم يصح فيه عندنا عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء، إنما اعتمد مشايخنا فيه الروايات عن علي، وعبد الله بن مسعود، والصحابة.
قال أبو عبد الله – هو الحاكم صاحب المستدرك -:
أعجبني هذا لمَّا سمعته، فإن أبا موسى أحفظ من رأينا من أصحاب الرأي على أديم الأرض " انتهى.
وللتوسع في تخريج الحديث ينظر: "نصب الراية" للزيلعي (2/6) ، "إرواء الغليل" للشيخ الألباني (2/268)
وأما حكم قراءة المأموم خلف الإمام، فهي من مسائل الخلاف بين أهل العلم؛ وقد سبق في موقعنا بيان أن الصحيح وجوب قراءة صلاة الفاتحة على الجميع: الإمام والمأموم والمنفرد، وفي جميع الصلوات أيضا: السرية والجهرية.
فيرجى مراجعة ذلك في جواب السؤال رقم: (10995) ، (74999)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1705)
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند ذكره في الفريضة والنافلة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا مر الإنسان في الصلاة بآية فيها ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فهل يصلي عليه بمناسبة ذكره، أم أن الصلاة عليه ليست من أعمال الصلاة، إلا في موضعها من التشهد، فلا تفعل إلا فيه وأما في غيره فلا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" أما في الفريضة فلا يفعل ذلك؛ لعدم نقله عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأما في النافلة فلا بأس؛ لأنه كان صلى الله عليه وسلم في تهجده بالليل يقف عند كل آية فيها تسبيح فيسبح، وعند كل آية فيها تعوذ فيتعوذ، وعند كل آية فيها سؤال فيسأل، والصلاة عليه صلى الله عليه وسلم من هذا الباب.
والله ولي التوفيق " انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (11/201) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1706)
دخل الصلاة قبيل الركوع ولم يكمل الفاتحة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أدرك المصلي الجماعة وكان الإمام يقرأ القرآن بعد الفاتحة في صلاة جهرية كالمغرب مثلا فهل يقرأ هو الفاتحة أم لا يقرأ؛ لقوله تعالى: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا) المائدة/204 , وإذا أدرك الإمام واقفاً فقرأ الحمد لله رب العالمين فقط ثم كبر الإمام فهل يركع هو الآخر أم يتم القراءة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"قراءة الفاتحة في الصلاة واجبة على الإمام والمنفرد والمأموم , في سرية أو جهرية؛ لعموم أدلة قراءة الفاتحة في الصلاة، ومن جاء إلى الجماعة وكبر مع الإمام لزمه قراءتها , فإن ركع الإمام قبل إكماله لها وجبت عليه متابعته , وأجزأته تلك الركعة، كما أن من أدرك الإمام في الركوع إدراكا كاملاً أجزأته تلك الركعة التي أدرك الإمام في ركوعها , وذلك على الصحيح من قولي العلماء , وسقطت عنه الفاتحة , لعدم تمكنه من قراءتها، لحديث أبي بكرة المشهور المخرج في صحيح البخاري.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى.
"اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (6/387) .
ولمزيد الفائدة راجع جواب السؤال (74999) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1707)
يقرأ السورة بعد الفاتحة بصوت منخفض ليقرأ المأموم الفاتحة
[السُّؤَالُ]
ـ[بعد الفاتحة في صلاة الجمعة يقرأ الإمام جزءاً من السورة التى بعد الفاتحة بصوت منخفض ليتمكن من يرى بوجوب الفاتحة من المأمومين من قراءتها، ثم يجهر الإمام ببقية السورة فهل هذه بدعة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، فأجاب حفظه الله:
نعم (هذه) بدعة. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(5/1708)
حكم قراءة سورة قبل الفاتحة في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تجوز صلاة المرء إذا تلى سورة ما قبل الفاتحة؟ أرجو التوضيح]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تصح صلاة من قرأ سورة قبل الفاتحة إذا قرأ الفاتحة بعدها ولكن هذا الفعل غير مشروع وفاعله مسيء والواجب أن يقرأ الفاتحة أولاً ثم يأتي بما تيسر من القرآن بعدها لقوله صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي) وهو لما صلّى صلى الله عليه وسلم قرأ في صلاته الفاتحة أولاً لم يخالف ذلك الترتيب ولا في أي صلاة من الصلوات الكثيرة التي صلاها في حياتها فالواجب اتباع السنة. والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1709)
السنة في قراءة سورتي السجدة والإنسان كاملتين في فجر يوم الجمعة
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد بعض أئمة المساجد يقرؤون في صلاة فجر يوم الجمعة بسورة الإنسان في الركعة الأولى والثانية، وبعضهم يقرأ سورة السجدة في الركعة الأولى والثانية، وبعضهم يقرأ نصف سورة السجدة في الركعة الأولى، ونصف سورة الإنسان في الركعة الثانية، فهل عملهم هذا صحيح؟ وهل نقول لهم بأن عملهم هذا بدعة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا نقول إن عملهم بدعة، لكننا نقول إن عملهم تلاعب بالسنة، إذا كانوا صادقين في اتباع الرسول عليه الصلاة والسلام فليفعلوا ما فعل، ولهذا وصف ابن القيم ـ رحمه الله ـ أمثال هؤلاء بالأئمة الجهال فنحن نقول: إذا كان لديك قوة على أن تقرأ (الم. تنزيل) السجدة في الركعة الأولى و (هل أتى) في الركعة الثانية فافعل، وإن لم يكن لديك قوة فاقرأ سورة أخرى لئلا تشطر السنة وتلعب بها، فالسنة محفوظة كان الرسول عليه الصلاة والسلام في فجر يوم الجمعة يقرأ في الركعة الأولى: (ألم. تنزيل) السجدة، وفي الركعة الثانية: (هل أتى على الإنسان) ، فإما أن تفعل ما فعله الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وإما أن تقرأ سوراً أخرى، أما أن تشطر ما فعله الرسول وتقسم ما فعله الرسول فهذا خلاف السنة ولا شك أنه تلاعب بالسنة، فافعل هدي نبيك محمد عليه الصلاة والسلام، وكن شجاعاً؛ لأن بعض الأئمة يقول: إذا قرأت: (ألم. تنزيل) السجدة في الركعة الأولى و (هل أتى على الإنسان) في الركعة الثانية قالوا: لماذا تطول علينا؟ والرسول صلى الله عليه وسلم غضب على معاذ ـ رضي الله عنه ـ وعاتبه.
لكن نقول: كل ما فعله الرسول فهو تخفيف، حتى لو قرأ: (ألم. تنزيل) . و (هل أتى على الإنسان) . ولهذا قال أنس بن مالك رضي الله عنه: «ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة ولا أتم صلاة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم» .
[الْمَصْدَرُ]
مجموع فتاوى ابن عثيمين (16/173) .(5/1710)
قراءة سورة قبل الفاتحة مخالفة للهدي النبوي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تجوز قراءة سورة من القرآن قبل الفاتحة في الصلاة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا تجوز قراءة سورة قبل الفاتحة في الصلاة وإنما يقرأ قبل الفاتحة الاستفتاح والتعوذ والبسملة. ومن قرأ سورة قبل الفاتحة يكون قد خالف هدي النبي صلى الله عليه وسلم القائل: (صلوا كما رأيتموني أصلي) ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يقرأ قبل الفاتحة سورة من القرآن وإنما يقرأ دعاء الاستفتاح مثل قوله صلى الله عليه وسلم: " وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين اللهم أنت الملك..الخ
وأنظر صفة صلاة النبي 59-97
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1711)
يقتصر على قراءة الآيات التي تعلمها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أثناء التلاوة أن نتلو ما تيسر لنا من إحدى السور؟ فعلى سبيل المثال أنت لا تعرف إلا ثلاث آيات من إحدى السور، لأنك مازلت في مرحلة تعلمها؛ فهل يجوز قراءة الثلاث آيات التى تعرفها لاغير، حتى تتم تعلم السورة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
قراءة القرآن من أعظم الأعمال والقربات، التي يؤجر عليها المسلم، وقد جاء في فضل ذلك نصوص كثيرة، منها قوله صلى الله عليه وسلم: (اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه) رواه مسلم (804) ، والبخاري معلَّقاً.
وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول {الم} حرف، ولكن ألِف حرف، ولام حرف، وميم حرف) رواه الترمذي (2910) وقال: حسن صحيح. وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
ثانياً:
يجوز للإنسان أن يقرأ ما تيسر له من القرآن مما تعلمه – على حسب طاقته -.
عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " مثل الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له مع السفرة الكرام البررة، ومثل الذي يقرأ وهو يتعاهده وهو عليه شديد، فله أجران ". ما رواه البخاري (4937) .
دل الحديث على أن من يشق عليه قراءة القرآن، فهو مأجور على قراءته، وهذا كله حث على قراءة القرآن، وعدم هجر القرآن.
فلا حرج أن يقرأ الإنسان الآيات التي تعلمها، سواء كن ثلاث آيات أو أكثر أو أقل.
وإذا كان يستطيع القراءة، لكنه لم يحفظ إلا آيات قليلة، فهذا يُنصح بأن يجعل له قراءتين: قراءة للحفظ، وقراءة من المصحف ينال بها ثواب التلاوة، فيجمع بين الأمرين: الحفظ والتلاوة.
نسأل الله أن يمنّ علينا وعليك بحفظ كتابه، وقراءته آناء الليل وأطراف النهار؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1712)
من لا يعرف يقرأ ولا يكتب كيف يصلي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة لا تعرف القراءة ولا الكتابة وتريد الصلاة فكيف تفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اعلم وفقك الله أن هذا الدين دين يسر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة) أخرجه البخاري في صحيحه برقم (39) .
والإنسان إذا لم يكن يقرأ ولا يكتب، فالواجب أن يتعلم ما يقوله في صلاته وكيفية الصلاة، وكونه لا يقرأ ولا يكتب لا يمنع من ذلك؛ لأن هذا أمر سهل والحمد لله، فهؤلاء الصحابة رضوان الله عليهم أكثرهم لم يكن يقرأ ولا يكتب، ومع ذلك كانوا يحسنون كيف يصلون.
ولكن إذا قال قائل: ربما يكون الإنسان أسلم حديثا، فإنه إذا أراد أن يتعلم ما يقوله في صلاته فإنه يحتاج إلى وقت وكذلك لو عجز عن حفظ الفاتحة، فكيف يصلي؟
فالجواب:
أنه يصلي، فإذا وصل إلى موضع القراءة فإنه يسبح الله، ويحمده، ويكبره، ويهلله، أي يقول: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر ولا إله إلا الله.
والدليل على ذلك الحديث الصحيح عن رفاعة بن رافع - في حديث المسيء في صلاته - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: (فإن كان معك قرآن فاقرأ وإلا فاحمد الله وكبره وهلله) أخرجه الترمذي في جامعه برقم (302) وحسنه، وأخرجه أبو داود في سننه برقم (858) ، وصححه الألباني انظر صحيح أبي داود برقم (767) .
والله أعلم.
انظر: سبل السلام 1/255-256.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1713)
تقليد الأصوات في صلاة التراويح
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض أئمة المساجد في صلاة التراويح يقلدون قراءة غيرهم وذلك لتحسين أصواتهم بالقرآن، فهل هذا عمل مشروع وجائز.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تحسين الصوت بالقرآن أمر مشروع أمر به النبي صلى الله عليه وسلم واستمع النبي صلى الله عليه وسلم إلى قراءة أبي موسى الأشعري وأعجبته قراءته حتى قال له: (لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود) مسلم في صلاة المسافرين (793) .
وعلى هذا فإذا قلد إمام المسجد شخصاً حسن الصوت والقراءة من أجل أن يحسن صوته وقراءته لكتاب الله عز وجل فإن هذا أمر مشروع لذاته ومشروع لغيره أيضاً لأن فيه تنشيطاً للمصلين خلفه، وسبباً لحضور قلوبهم واستماعهم وإنصاتهم للقراءة وفضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب الدعوة 5 ابن عثيمين 2/201(5/1714)
حكم القراءة من المصحف في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تجوز القراءة من المصحف في صلاة التراويح وصلاة الكسوف أو لا؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في القراءة من المصحف في قيام رمضان، لما في ذلك من إسماع المأمومين جميع القرآن، ولأن الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة قد دلت على شرعية قراءة القرآن في الصلاة، وهي تعم قراءته من المصحف وعن ظهر قلب، وقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها أمرت مولاها ذكوان أن يؤمها في قيام رمضان، وكان يقرأ من المصحف، ذكره البخاري رحمه الله في صحيحه معلقاً مجزوماً به.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى إسلامية م2 - الشيخ ابن باز رحمه الله(5/1715)
الدعاء في الصلاة بغير العربية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا لا أتحدث العربية وأريد أن أدعو حين الصلاة، مثلا في صلاة التهجد حينما يكون السجود طويلا هل يجوز لي أن أدعو بلغتي حتى أتعلم العربية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم يجوز أن يدعي بغير العربية لمن لا يستطيع أن يتكلم بها لكن على المسلم أن يتعلم من العربية ما يصحح عبادته. والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الكريم الخضير(5/1716)
فوجئوا أنّ إمامهم يقرأ الفاتحة باللغة الإنجليزية
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نتصرف إذا تقدم أحد الموجودين لإمامة الصلاة, وبدأ في قراءة سورة الفاتحة باللغة الإنجليزية؟ هل يقطع المأمومون الصلاة, أم يستمرون في الصلاة خلفه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
تسبحون له فإن انتبه وإلا انفردتم أنتم وصليتم ولا يجوز لكم الاستمرار في الصلاة خلفه، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1717)
قراءة الفاتحة في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[ي يتعلق بالطريقة الصحيحة لتأدية صلاة الفريضة خلف الإمام، وبالتحديد قراءة سورة الفاتحة.
1- هل يجب علينا أن نقرأ سورة الفاتحة بصوت منخفض والإمام يقرأ بها جهرا خلال الركعتين الأوليتين من صلوات الفريضة؟
2- هل يجب علينا أن نقرأ سورة الفاتحة في نفس الحالة لكن في الركعة الثالثة أو الركعة الرابعة، أي في الركعات التي يُسرّ فيها الإمام بالقراءة؟
لقد أثير هذا السؤال نتيجة لأن جماعة الحي السكني ترغب في تصحيح طريقة صلاتنا. وأهل الحي على رأيين، أحدهما هو: إذا كان الإمام يصلي فإن علينا أن نستمع فقط سواء أكان يقرأ جهرا (الركعتين الأولى والثانية) أو سرا (في الثالثة والرابعة) ؛ أما أصحاب الرأي الآخر فقالوا بأن الصلاة لا تقبل بدون قراءة سورة الفاتحة، سواء أقرأ بها الإمام جهرا أم سرا.
أرجو أن تبين لنا الصواب وتزودنا بأكبر عدد ممكن من الدلائل..]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قراءة الفاتحة ركن من أركان الصلاة في كل ركعة في حق الإمام والمنفرد، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا صَلاة لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ) رواه البخاري (الأذان/714) ، أما قراءة الفاتحة للمأموم خلف الإمام في الصلاة الجهرية فللعلماء فيها قولان:
القول الأول: أنها واجبة، والدليل عليها عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) ولمّا علّم النبي صلى الله عليه وسلم المُسِيء صلاته، أمره بقراءة الفاتحة.
وصحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرؤها في كل ركعة، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: " وَقَدْ ثَبَتَ الإِذْنُ بِقِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ الْفَاتِحَةَ فِي الْجَهْرِيَّةِ بِغَيْرِ قَيْد , وَذَلِكَ فِيمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ فِي " جُزْء الْقِرَاءَة " وَاَلتِّرْمِذِيّ وَابْن حِبَّانَ وَغَيْرُهُمَا مِنْ رِوَايَة مَكْحُول عَنْ مَحْمُود بْن الرَّبِيع عَنْ عُبَادَة " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَقُلَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ فِي الْفَجْرِ , فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: لَعَلَّكُمْ تَقْرَءُونَ خَلْفَ إِمَامِكُمْ؟ قُلْنَا: نَعَمْ. قَالَ: فَلَا تَفْعَلُوا إِلا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ , فَإِنَّهُ لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا " ا. هـ.
القول الثاني: أن قراءة الإمام قراءة للمأموم، والدليل على ذلك قول الله تعالى: (وإذا قُرِئ القرآن فاستمعوا له وانصتوا لعلكم ترحمون) الأعراف /204، قال ابن حجر: " وَاسْتَدَلَّ مَنْ أَسْقَطَهَا عَنْهُ فِي الْجَهْرِيَّةِ كَالْمَالِكِيَّةِ بِحَدِيث (وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا) وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِم مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِي.
والذين يقولون بوجوبها، فإنهم يقولون إنها تُقرأ بعد أن يفرغ الإمام من قراءة الفاتحة، وقبل أن يَشْرَع في قراءة السورة الأخرى، أو أنها تُقرأ في سَكَتَاتِ الإمام قال ابن حجر: " يُنْصِتُ إِذَا قَرَأَ الإِمَام وَيَقْرَأُ إِذَا سَكَتَ " إ. هـ. قال الشيخ ابن باز: المقصود بسكتات الإمام أي سكتة تحصل من الإمام في الفاتحة أو بعدها، أو في السورة التي بعدها، فإن لم يسكت الإمام فالواجب على المأموم أن يقرأ الفاتحة ولو في حال قراءة الإمام في أصح قولي العلماء. انظر فتاوى الشيخ ابن باز ج/11 ص/221
وقد سئلت اللجنة الدائمة عن مثل هذا السؤال فأجابت:
الصحيح من أقوال أهل العلم وجوب قراءة الفاتحة في الصلاة على المنفرد والإمام والمأموم في الصلاة الجهرية والسرية لصحة الأدلة الدالة على ذلك وخصوصها، وأما قول الله تعالى: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون) فعام، وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (وإذا قرأ فأنصتوا)
عام في الفاتحة وغيرها. فيخصصان بحديث: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) جمعا بين الأدلة الثابتة، وأما حديث: (من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة) فضعيف، ولا يصح ما يقال من أن تأمين المأمومين على قراءة الإمام الفاتحة يقوم مقام قراءتهم الفاتحة، ولا ينبغي أن تجعلوا خلاف العلماء في هذه القضية وسيلة إلى البغضاء والتفرق والتدابر، وإنما عليكم بمزيد من الدراسة والاطّلاع والتباحث العلمي. وإذا كان بعضكم يقلّد عالماً يقول بوجوب قراءة الفاتحة على المأموم في الصلاة الجهرية وآخرون يقلدون عالماً يقول بوجوب الإنصات للإمام في الجهرية والاكتفاء بقراءة الإمام للفاتحة فلا بأس بذلك، ولا داعي أن يشنِّع هؤلاء على هؤلاء ولا أن يتباغضوا لأجل هذ.
وعليهم أن تتسع صدورهم للخلاف بين أهل العلم، وتتسع أذهانهم لأسباب الخلاف بين العلماء، واسألوا الله الهداية لما اختلف فيه من الحق إنه سميع مجيب، وصلى الله على نبينا محمد
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1718)
تصحيح قراءة الإمام في غير الفاتحة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجب على المأمومين تصحيح الإمام إن أخطأ في القراءة بعد قراءة الفاتحة ولم يتغير معنى الآيات؟ كأن يقول المؤمنين بدلاً من المتقين في الآية الثانية من سورة البقرة؟ ماذا نفعل إذا رفض الإمام تصحيح الخطأ مع أنه يعلم أنه أخطأ ويحسب أنه ليس من الضروري تصحيح الخطأ؟ هل تكون صلاتنا باطلة إن تغير المعنى ولم نصحح خطأ الإمام؟ وهل يمكن تصحيح أخطاء التلاوة في خطبة الجمعة؟ ماذا عن الخطأ في شرح الآيات كأن يقول الكافر في الجنة والمؤمن في النار؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا أخطأ الإمام في القراءة – في غير الفاتحة – خطأً لا يتغير به المعنى فلا يجب عليكم تصحيح خطئه، وهذه أمور لا يسلم منها إمام، ولكن يستحسن تنبيهه عقب الصلاة، لأن ذلك يفيده في حفظه.
وإذا رفض الإمام تصحيح الخطأ مع علمه بأنه أخطأ فهنا حالتان:
- إن كان خطأً يختل به المعنى، وعلم أنه خطأ ولم يصحح خطأه بعد تنبيهه، فيجب عليكم إعادة الصلاة، ولكن ما الذي يدريكم أنه علم، وأصرّ على خطئه؟
إما إذا كان خطأً لا يختل به المعنى فلا تجب عليكم الإعادة، وعليكم نصح الإمام بالرفق واللين، وبيان أنه ليس عيباً أن ينسى الإمام شيئا من الآيات، فأفضل خلق الله محمد صلى الله عليه وسلم قد نسي، وذكّره من كان وراءه من الصحابة كما في الحديث.
الشيخ سعد الحميد.
أما التصحيح في خطبة الجمعة فهو من حالات الحاجة التي يجوز الكلام فيها مثل أن يخطيء الخطيب في آية خطأً يحيل المعنى مثل أن يسقط جملة من الآية أو ما أشبه ذلك، وعليه فلا يُعتبر هذا المصحح داخلاً في النهي عن الحديث في أثناء الخطبة.
راجع الشرح الممتع 5/140.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1719)
استحباب قراءة سورة كاملة بعد الفاتحة في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[بعد قراءة سورة الفاتحة في كل ركعة، هل يجوز أن نقرأ جزءاً من سورة كبيرة بدلاً من أن نقرأ سورة كاملة؟ وبهذا نتم قراءة بعض السور الطويلة خلال الصلاة كلها بدلاً من قراءة العديد من السور القصيرة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، يجوز أن تقرأ في الصلاة جزءاً من سورة كبيرة، بدلاً من أن تقرأ سورة قصيرة كاملة. ولكن الأفضل أن تقرأ سورة كاملة في كل ركعة سورة. وهذا هو فعل النبي صلى الله عليه وسلم في الغالب، فقد روى البخاري (762) ومسلم (451) عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ سُورَةٍ – يعني: يقرأ سورة في كل ركعة-) . فهذا الحديث يدل على (أن قراءة سورة قصيرة بكمالها أفضل من قراءة قدرها من طويلة) اهـ شرح مسلم للنووي (4/174) . لأن قول أبي قتادة: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ) يدل على مداومة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، أو أن ذلك كان أغلب فعله. فتح الباري (2/244) .
وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قراءة بعض السورة في الركعة، فقد روى مسلم (727) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا ... ) البقرة/136. وَالَّتِي فِي آلِ عِمْرَانَ (تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ) آل عمران/64. فهذا الحديث يدل على جواز قراءة بعض سورة في الركعة. نيل الأوطار 2/255.
وقال ابن القيم رحمه الله: وكان من هديه صلى الله عليه وسلم قراءة السورة كاملة، وربما قرأها في الركعتين، وربما قرأ أول السورة، وأما قراءة أواخر السور وأوساطها فلم يحفظ عنه. وأما قراءة السورتين في ركعة فكان يفعله في النافلة، وأما في الفرض فلم يحفظ عنه. وأما حديث ابن مسعود رضي الله عنه: (إني لأعرف النظائر التي كان رسول الله يقرن بينهن السورتين في الركعة الرحمن والنجم في ركعة، واقتربت والحاقة في ركعة، والطور والذاريات في ركعة، وإذا وقعت ون في ركعة. . الحديث فهذا حكاية فعل لم يعين محله هل كان في الفرض أو في النفل؟ وهو محتمِلٌ. وأما قراءة سورة واحدة في ركعتين معا فقلما كان يفعله. وقد ذكر أبو داود عن رجل من جهنية أنه سمع رسول الله يقرأ في الصبح (إذا زلزلت) في الركعتين كلتيهما، قال: فلا أدري أنسي رسول الله أم قرأ ذلك عمدا؟ اهـ زاد المعاد (1/214-215) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: لا بأس أن يقرأ الإنسان آيةً من سورةٍ في الفريضة وفي النافلة. وربما يُستدل له أيضاً بعموم قوله تعالى: (فاقرأوا ما تيسر منه) المزمل/20. لكن السنة والأفضل أن يقرأ سورة، والأكمل أن تكون في كل ركعة، فإن شق فلا حرج أن يقسم السورة بين الركعتين اهـ الشرح الممتع (3/104) .
وفقنا الله تعالى جميعاً إلى العلم النافع والعمل الصالح.
والله تعالى أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1720)
ماذا يفعل غير العربي بأذكار الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[دخلت في الإسلام ولله الحمد ولكني لا أعرف اللغة العربية فماذا أفعل بالنسبة لأذكار الصلاة وقراءة القرآن فيها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ الأَعْجَمِيَّ إنْ كَانَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ فَإِنَّهُ لا يُجْزِئُهُ التَّكْبِيرُ بِغَيْرِهَا مِنْ اللُّغَاتِ، وَالدَّلِيلُ أَنَّ النُّصُوصَ أَمَرَتْ بِذَلِكَ اللَّفْظِ، وَهُوَ عَرَبِيٌّ، وَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَعْدِلْ عَنْهَا.
أَمَّا إنْ كَانَ الأَعْجَمِيُّ لا يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ، وَلَمْ يَكُنْ قَادِرًا عَلَى النُّطْقِ بِهَا، فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ التَّكْبِيرُ بِلُغَتِهِ بَعْدَ تَرْجَمَةِ مَعَانِيهَا بِالْعَرَبِيَّةِ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، أَيًّا كَانَتْ تِلْكَ اللُّغَةُ، لأَنَّ التَّكْبِيرَ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى، وَذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى يَحْصُلُ بِكُلِّ لِسَانٍ، فَاللُّغَةُ غَيْرُ الْعَرَبِيَّةِ بَدِيلٌ لِذَلِكَ. وَيَلْزَمُهُ تَعَلُّمُ ذَلِكَ.. وَعَلَى هَذَا الْخِلافِ جَمِيعُ أَذْكَارِ الصَّلاةِ مِنْ التَّشَهُّدِ وَالْقُنُوتِ وَالدُّعَاءِ وَتَسْبِيحَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ.
أَمَّا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ، فَالْجُمْهُورُ عَلَى عَدَمِ جَوَازِهَا بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ.. وَدَلِيلُ عَدَمِ الْجَوَازِ قوله تعالى: {إنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} ، وَلأَنَّ الْقُرْآنَ مُعْجِزٌ لَفْظُهُ وَمَعْنَاهُ، فَإِذَا غُيِّرَ خَرَجَ عَنْ نَظْمِهِ، فَلَمْ يَكُنْ قُرْآنًا وَإِنَّمَا يَكُونُ تَفْسِيرًا لَهُ. الموسوعة الفقهية ج5: أعجمي
قال ابن قدامة رحمه الله: فَصْلٌ: وَلا تُجْزِئُهُ الْقِرَاءةُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ، وَلا إبْدَالُ لَفْظِهَا بِلَفْظٍ عَرَبِيٍّ، سَوَاءٌ أَحْسَنَ قِرَاءَتَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ أَوْ لَمْ يُحْسِنْ. (لـ) قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {قُرْآنًا عَرَبِيًّا} . وقوله تعالى: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} . وَلأَنَّ الْقُرْآنَ مُعْجِزَةٌ ; لَفْظَهُ، وَمَعْنَاهُ، فَإِذَا غُيِّرَ خَرَجَ عَنْ نَظْمِهِ، فَلَمْ يَكُنْ قُرْآنًا وَلا مِثْلَهُ، وَإِنَّمَا يَكُونُ تَفْسِيرًا لَهُ، وَلَوْ كَانَ تَفْسِيرُهُ مِثْلَهُ لَمَا عَجَزُوا عَنْهُ لَمَّا تَحَدَّاهُمْ بِالإِتْيَانِ بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ.
فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ الْقِرَاءةَ بِالْعَرَبِيَّةِ، لَزِمَهُ التَّعَلُّمُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، لَمْ تَصِحَّ صَلاتُهُ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ أَوْ خَشِيَ فَوَاتَ الْوَقْتِ، وَعَرَفَ مِنْ الْفَاتِحَةِ آيَةً , كَرَّرَهَا سَبْعًا. .. وَكَذَلِكَ إنْ أَحْسَنَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، كَرَّرَهُ بِقَدْرِهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَأْتِيَ بِبَقِيَّةِ الآيِ مِنْ غَيْرِهَا.. فَأَمَّا إنْ عَرَفَ بَعْضَ آيَةٍ، لَمْ يَلْزَمْهُ تَكْرَارُهَا، وَعَدَلَ إلَى غَيْرِهَا ; لأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ الَّذِي لا يُحْسِنُ الْقُرْآنَ أَنْ يَقُولَ: (الْحَمْدُ لِلَّهِ) وَغَيْرَهَا. وَهِيَ بَعْضُ آيَةٍ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِتَكْرَارِهَا. وَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ شَيْئًا مِنْهَا، وَكَانَ يَحْفَظُ غَيْرَهَا مِنْ الْقُرْآنِ، قَرَأَ مِنْهُ بِقَدْرِهَا إنْ قَدَرَ , لا يُجْزِئُهُ غَيْرُهُ ; لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد، عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: {إذَا قُمْت إلَى الصَّلاةِ، فَإِنْ كَانَ مَعَك قُرْآنٌ فَاقْرَأْ بِهِ , وَإِلا فَاحْمَدْ اللَّهَ، وَهَلِّلْهُ، وَكَبِّرْهُ} وَلأَنَّهُ مِنْ جِنْسِهَا، فَكَانَ أَوْلَى. وَيَجِبُ أَنْ يَقْرَأَ بِعَدَدِ آيَاتِهَا. .. فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ، وَلا أَمْكَنَهُ التَّعَلُّمُ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ، لَزِمَهُ أَنْ يَقُولَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلا إلَهَ إلا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلا بِاَللَّهِ ; لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد، قَالَ {جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إنِّي لا أَسْتَطِيعُ أَنْ آخُذَ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ، فَعَلِّمْنِي مَا يُجْزِئُنِي مِنْهُ. فَقَالَ: قُلْ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلا إلَهَ إلا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلا بِاَللَّهِ..) والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1721)
يستحب قراءة سورتي الكافرون والإخلاص في سنتي الفجر والمغرب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل قراءة سورتي الكافرون والإخلاص في أول النهار وآخره، أي: في ركعتي السنة في الفجر والمغرب مستحبة وسنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نعم، يستحب قراءة سورتي "الكافرون" و "الإخلاص" في سنة الفجر وفي سنة المغرب، وقد ثبت ذلك في السنة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (قَرَأَ فِي رَكعَتَي الفَجرِ "قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ " و " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ") رواه مسلم (726) .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (رَمَقتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عِشرِينَ مَرَّةً يَقرَأُ فَي الرَّكعَتَينِ بَعدَ المَغرِبِ، وَفِي الرَّكعَتَينِ قَبلَ الفَجرِ: " قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ " و " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ") رواه النسائي (992) وقال النووي في "المجموع" (3/385) : إسناده جيد. وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (3328) والشيخ أحمد شاكر في تحقيق المسند (8/89) .
قال المباركفوري في "تحفة الأحوذي" (2/418) :
" أي: يقرأ في الركعة الأولى منهما " قل يا أيها الكافرون"، وفي الثانية " قل هو الله أحد " انتهى.
وقد نص العلماء على استحباب قراءة هاتين السورتين في سنتي الفجر والمغرب، عملاً بهذه الأحاديث.
انظر: "المغني" (1/435) ، "مغني المحتاج" (1/464) ، "الفتاوى الفقهية الكبرى" (1/192) ، الموسوعة الفقهية (27/159) .
ثانيا:
وأما الحكمة من قراءة هاتين السورتين، فلأنهما قد اشتملتا على أنواع التوحيد الثلاثة، فسورة "قل هو الله أحد" اشتملت على توحيد الربوبية والأسماء والصفات، فأثبتت أن الله تعالى إله واحد، ونفت عنه الولد والوالد والنظير، وهو مع هذا "الصمد" الذي اجتمعت له صفات الكمال كلها.
وسورة "قل يا أيها الكافرون" تضمنت توحيد العبادة، وأن العبد لا يعبد إلا الله، ولا يشرك به في عبادته أحداً، فلذلك " كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفتتح بهما النهار في سنة الفجر، ويختم بهما في سنة المغرب، وفي السنن أنه كان يوتر بهما، فيكونان خاتمة عمل الليل كما كانا خاتمة عمل النهار " انتهى.
قاله ابن القيم في "بدائع الفوائد" (1/145-146) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1722)
تسقط الفاتحة عن المأموم في موضعين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا دخلت المسجد والإمام راكع وركعت معه، فهل تحسب لي الركعة؟ مع أني لم أقرأ الفاتحة.
وإذا دخلت معه قبل الركوع ثم كبر ولم أتمكن من قراءة الفاتحة، فماذا أفعل؟ هل أركع معه ولا أكمل الفاتحة، أو أكمل الفاتحة ثم أركع؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سبق في جواب السؤال (10995) أن قراءة الفاتحة ركن في الصلاة في حق كل مصلٍّ: الإمام والمأموم والمنفرد، في الصلاة الجهرية والسرية.
والدليل على ذلك ما رواه البخاري (756) عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ) .
انظر: "المجموع" (3/283- 285) .
ولا تسقط الفاتحة عن المأموم إلا في موضعين:
الأول: إذا أدرك الإمام راكعا، فإنه يركع معه، وتحسب له الركعة وإن كان لم يقرأ الفاتحة.
ويدل على ذلك: حديث أبي بكرة رضي الله عنه أَنَّهُ انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ رَاكِعٌ فَرَكَعَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى الصَّفِّ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلا تَعُدْ) رواه البخاري (783) .
ووجه الدلالة: أنه لو لم يكن إدراك الركوع مجزئاً لإدراك الركعة مع الإمام لأمره النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء تلك الركعة التي لم يدرك القراءة فيها , ولم ينقل عنه ذلك , فدل على أن من أدرك الركوع فقد أدرك الركعة.
انظر: "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (230) .
الموضع الثاني الذي تسقط فيه الفاتحة عن المأموم:
إذا دخل مع الإمام في الصلاة قبيل الركوع ولم يتمكن من إتمام الفاتحة، فإنه يركع معه ولا يتم الفاتحة، وتحسب له هذه الركعة.
قال الشيرازي رحمه الله في "المهذب": " وإن أدركه في القيام وخشي أن تفوته القراءة ترك دعاء الاستفتاح واشتغل بالقراءة ; لأنها فرض فلا يشتغل عنه بالنفل , فإن قرأ بعض الفاتحة فركع الإمام ففيه وجهان: أحدهما: يركع ويترك القراءة ; لأن متابعة الإمام آكد ; ولهذا لو أدركه راكعا سقط عنه فرض القراءة. الثاني: يلزمه أن يتم الفاتحة ; لأنه لزمه بعض القراءة فلزمه إتمامها " انتهى.
"المجموع" (4/109) .
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله إذا دخلت في الصلاة قبيل الركوع بقليل، فهل أشرع في قراءة الفاتحة أو أقرأ دعاء الاستفتاح؟ وإذا ركع الإمام قبل إتمام الفاتحة فماذا أفعل؟
فأجاب:
" قراءة الاستفتاح سنة وقراءة الفاتحة فرض على المأموم على الصحيح من أقوال أهل العلم، فإذا خشيت أن تفوت الفاتحة فابدأ بها ومتى ركع الإمام قبل أن تكملها فاركع معه ويسقط عنك باقيها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا) متفق عليه " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (11/243-244) .
وسئلت اللجنة الدائمة: إذا أدرك المصلي الجماعة وكان الإمام يقرأ القرآن بعد الفاتحة في صلاة جهرية كالمغرب مثلا فهل يقرأ هو الفاتحة أم لا يقرأ؛ وإذا أدرك الإمام واقفاً فقرأ الحمد لله رب العالمين فقط ثم كبر الإمام فهل يركع هو الآخر أم يتم القراءة؟
فأجابت:
" قراءة الفاتحة في الصلاة واجبة على الإمام والمنفرد والمأموم , في سرية أو جهرية؛ لعموم أدلة قراءة الفاتحة في الصلاة، ومن جاء إلى الجماعة وكبر مع الإمام لزمه قراءتها , فإن ركع الإمام قبل إكماله لها وجبت عليه متابعته , وأجزأته تلك الركعة، كما أن من أدرك الإمام في الركوع إدراكا كاملاً أجزأته تلك الركعة التي أدرك الإمام في ركوعها , وذلك على الصحيح من قولي العلماء , وسقطت عنه الفاتحة , لعدم تمكنه من قراءتها، لحديث أبي بكرة المشهور المخرج في صحيح البخاري " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة " (6/387) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن مأموم دخل الصلاة بعد انتهاء تكبير الإمام للإحرام وقراءته للفاتحة , ثم شرع في القراءة ولكن ركع الإمام فهل يركع المأموم أو يكمل قراءة الفاتحة؟
فأجاب:
" إذا دخل المأموم والإمام يريد أن يركع , ولم يتمكن المأموم من قراءة الفاتحة , إن كان لم يبق عليه إلا آية أو نحوها بحيث يمكنه أن يكملها ويلحق الإمام في الركوع فهذا حسن , وإن كان بقي عليه كثير بحيث إذا قرأ لم يدرك الإمام في الركوع فإنه يركع مع الإمام وإن لم يكمل الفاتحة " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (15/106) .
وانظر: "الشرح الممتع" (3/242- 248) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1723)
هل يشترط في قراءة القرآن والأذكار تحريك اللسان؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل عندما نريد أن نقول واحداً من الأذكار يجب أن نحرك الفم؟ مثلا: عندما نريد دخول الحمام ونذكر الأذكار، هل نحرك الفم أم نكتفي بالقول في العقل؟ وكذلك عند النوم وأذكار الصباح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ذِكر الله تعالى من أشرف أعمال المسلم، ولا يقتصر الذِّكر على اللسان، بل يكون الذِّكر بالقلب واللسان والجوارح.
قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله:
وإذا أطلق ذكر الله: شمل كل ما يقرِّب العبدَ إلى الله من عقيدة، أو فكر، أو عمل قلبي، أو عمل بدني، أو ثناء على الله، أو تعلم علم نافع وتعليمه، ونحو ذلك، فكله ذكر لله تعالى.
" الرياض النضرة " (ص 245) .
وقال الشيخ ابن عثيمين:
وذكر الله يكون بالقلب، وباللسان، وبالجوارح، فالأصل: ذِكر القلب كما قال صلى الله عليه وسلم: (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله؛ وإذا فسدت فسد الجسد كله؛ ألا وهي القلب) رواه البخاري ومسلم، فالمدار على ذكر القلب؛ لقوله تعالى: (ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه) الكهف/ 28؛ وذكر الله باللسان أو بالجوارح بدون ذكر القلب قاصر جدّاً، كجسد بلا روح.
وصفة الذِّكر بالقلب: التفكر في آيات الله، ومحبته، وتعظيمه، والإنابة إليه، والخوف منه، والتوكل عليه، وما إلى ذلك من أعمال القلوب.
وأما ذكر الله باللسان: فهو النطق بكل قول يقرب إلى الله؛ وأعلاه قول: " لا إله إلا الله ".
وأما ذكر الله بالجوارح: فبكل فعل يقرب إلى الله كالقيام في الصلاة، والركوع، والسجود، والجهاد، والزكاة، كلها ذكر لله؛ لأنك عندما تفعلها تكون طائعاً لله؛ وحينئذٍ تكون ذاكراً لله بهذا الفعل؛ ولهذا قال الله تعالى: (وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر) العنكبوت/45؛ قال بعض العلماء: أي: لما تضمنته من ذكر الله أكبر؛ وهذا أحد القولين في هذه الآية.
" تفسير سورة البقرة " (2 / 167، 168) .
ثانياً:
والأذكار التي تقال باللسان كقراءة القرآن والتسبيح والتحميد والتهليل، وأذكار الصباح والمساء والنوم ودخول الخلاء. . . وغيرها لا بد فيها من تحريك اللسان، ولا يعد الإنسان قد قالها إلا إذا حرك بها لسانه.
نقل ابن رشد في "البيان والتحصيل" (1/490) عن الإمام مالك رحمه الله أنه سئل عن الذي يقرأ في الصلاة، لا يُسْمِعُ أحداً ولا نفسَه، ولا يحرك به لساناً. فقال:
" ليست هذه قراءة، وإنما القراءة ما حرك له اللسان " انتهى.
وقال الكاساني في "بدائع الصنائع" (4/118) :
" القراءة لا تكون إلا بتحريك اللسان بالحروف، ألا ترى أن المصلي القادر على القراءة إذا لم يحرك لسانه بالحروف لا تجوز صلاته. وكذا لو حلف لا يقرأ سورة من القرآن فنظر فيها وفهمها ولم يحرك لسانه لم يحنث " انتهى.
يعني لأنه لم يقرأ، وإنما نظر فقط.
ويدل على ذلك أيضاً: أن العلماء منعوا الجنب من قراءة القرآن باللسان، وأجازوا له أن ينظر في المصحف، ويقرأ القرآن بالقلب دون حركة اللسان. مما يدل على الفرق بين الأمرين، وأن عدم تحريك اللسان لا يعد قراءة.
انظر المجموع (2/187- 189) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يجب تحريك اللسان بالقرآن في الصلاة؟ أو يكفي بالقلب؟
فأجاب:
" القراءة لابد أن تكون باللسان، فإذا قرأ الإنسان بقلبه في الصلاة فإن ذلك لا يجزئه، وكذلك أيضاً سائر الأذكار، لا تجزئ بالقلب، بل لابد أن يحرك الإنسان بها لسانه وشفتيه؛ لأنها أقوال، ولا تتحقق إلا بتحريك اللسان والشفتين " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (13/156) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1724)
هل تصح الصلاة خلف من يلحن في القرآن؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إمام المسجد الذي أصلي فيه يخطئ في قراءة الفاتحة، فينصب المرفوع، ويكسر المرفوع، مما يغير معنى الآية، فهل تصح الصلاة وراءه؟
يوجد عندنا في المسجد بدع منكرة بعد الصلاة مثل ترديد " يا لطيف " 100 مرة، بصفة جماعية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من كان إماماً أو مأموماً يخطئ في قراءة الفاتحة بما يغيِّر معنى الآيات: فصلاته باطلة؛ لأن الفاتحة ركن من أركان الصلاة، ويجب عليه أن يصحح قراءته، وأن يتعلم قراءة الفاتحة على الصواب؛ إلا أن يعجز عن تعلم ذلك، بعد اجتهاده فيه، فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها. لكنه إن كان إماماً فلا يصلي وراءه إلا من كان مثله أو دونه في إقامة الفاتحة.
قال النووي رحمه الله: " وتكره إمامة من يلحن في القراءة؛ ثم ينظر: إن كان لحنا لا يغير المعنى، كرفع الهاء من الحمد لله، صحت صلاته وصلاة من اقتدى به، وإن كان يغير، كضم تاء أنعمت عليهم أو كسرها، تبطله، كقوله الصراط المستقين؛ فإن كان يطاوعه لسانه ويمكنه التعلم لزمه ذلك، فإن قصر وضاق الوقت صلى وقضى، ولا يجوز الاقتداء به.
وإن لم يطاوعه لسانه، أو لم يمض ما يمكن التعلم فيه، فإن كان في الفاتحة فصلاة مثله خلفه صحيحة، وصلاة صحيح اللسان خلفه صلاة قارئ خلف أمي [يعني أنها لا تصح] ، وإن كان في غير الفاتحة صحت صلاته وصلاة من خلفه " انتهى من روضة الطالبين (1/350)
وقال ابن قدامة رحمه الله: " (وإن) (أم أمي أميا وقارئا) (أعاد القارئ وحده) . الأمي من لا يحسن الفاتحة أو بعضها , أو يخل بحرف منها , وإن كان يحسن غيرها , فلا يجوز لمن يحسنها أن يأتم به , ويصح لمثله أن يأتم به.. "
ثم قال: " ومن ترك حرفا من حروف الفاتحة ; لعجزه عنه , أو أبدله بغيره , كالألثغ الذي يجعل الراء غينا , والأرت الذي يدغم حرفا في حرف , أو يلحن لحنا يحيل المعنى , كالذي يكسر الكاف من إياك , أو يضم التاء من أنعمت , ولا يقدر على إصلاحه , فهو كالأمي , لا يصح أن يأتم به قارئ. ويجوز لكل واحد منهم أن يؤم مثله ; لأنهما أميان , فجاز لأحدهما الائتمام بالآخر , كاللذين لا يحسنان شيئا. وإن كان يقدر على إصلاح شيء من ذلك فلم يفعل , لم تصح صلاته , ولا صلاة من يأتم به. "
وقال أيضا: " تكره إمامة اللحان , الذي لا يحيل المعنى , نص عليه أحمد. وتصح صلاته بمن لا يلحن ; لأنه أتى بفرض القراءة , فإن أحال المعنى في غير الفاتحة , لم يمنع صحة الصلاة , ولا الائتمام به , إلا أن يتعمده , فتبطل صلاتهما ...
وأما إن كان لا يغيِّر بخطئه معنى الآيات: فيجوز الصلاة وراءه مع وجوب تعلمه للقراءة، وأما إن كان خطؤه في غير الفاتحة: فهو منقص من الصلاة وليس مبطلا لها، والصلاة خلف المتقن للقراءة أولى منه ولا شك، ولا يجوز لولاة الأمر تولية مثل هؤلاء الجهلة الصلاة بالناس، وإلا كانوا شركاء معهم بالإثم." انظر: المغني (3/29-32 ط هجر) .
وقال علماء اللجنة الدائمة:
... أما إذا كان يخطئ: فإن كان خطؤه لحناً لا يغيِّر المعنى: فالصلاة وراء من لا يلحن أولى إذا تيسر، وإن كان لحنه في الفاتحة يغيِّر المعنى: فالصلاة وراءه باطلة، وذلك من أجل لحنه لا لعماه؛ كقراءة (إيَّاكَ نَعْبُدُ) بكسر الكاف، أو (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِم) بضم التاء أو كسرها، وإن كان يخطئ لضعف حفظه: كان غيره ممن هو أحفظ أولى بالإمامة منه.
" فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " (2 / 527) .
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
إمام يلحن في القرآن، وأحياناً يزيد وينقص في أحرف الآيات القرآنية، ما حكم الصلاة خلفه؟ .
فأجاب:
إذا كان لحنه لا يحيل المعنى: فلا حرج في الصلاة خلفه مثل نصب (رَبِّ) أو رفعها في (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) الفاتحة/2، وهكذا نصب (الرَّحمنِ) أو رفعه، ونحو ذلك، أما إذا كان يحيل المعنى: فلا يصلى خلفه إذا لم ينتفع بالتعليم والفتح عليه، مثل أن يقرأ (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) بكسر الكاف، ومثل أن يقرأ (أَنْعَمْتَ) بكسر التاء أو ضمها، فإن قبِل التعليم وأصلح قراءته بالفتح عليه: صحت صلاته وقراءته، والمشروع في جميع الأحوال للمسلم أن يعلم أخاه في الصلاة وخارجها؛ لأن المسلم أخو المسلم يرشده إذا غلط ويعلمه إذا جهل ويفتح عليه إذا ارتج عليه القرآن.
" مجموع فتاوى ابن باز " (12 / 98، 99) .
ثانيا:
أما بخصوص ترديد " يا لطيف " مائة مرة: فلا يشك أنها بدعة لو قالها المسلم وحده؛ لأنها جملة غير مفيدة، فهو نداء لله تعالى لكن ماذا بعدُ؟ هل هو يطلب من ربه شيئاً؟ هل يريد الثناء عليه بعدها؟ لا شيء من ذلك، وإذا ذُكرت جماعة كانت بدعة أخرى.
وانظر كلام العلماء في هذا في جوابي السؤالين: (22457) و (26867) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1725)
إذا أطال الإمام القراءة في الصلاة السرية فماذا يفعل المأموم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما تكون الصلاة سرية هل يسكت المأموم عندما ينتهي من قراءة الفاتحة وسورة في الركعتين الأولى والثانية وعندما ينتهي من الفاتحة في الركعتين الثالثة والرابعة إن لم يسكت فماذا يقرأ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
المشروع للمصلي في الصلاة السرية أن يقرأ الفاتحة وما تيسر من القرآن، في الركعتين الأوليين، سواء كان إماما أو مأموما؛ لما روى ابن ماجه (843) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ: (كُنَّا نَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ خَلْفَ الإِمَامِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ , وَفِي الأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ) والحديث صححه الألباني في صحيح ابن ماجه.
وللمصلي –إماما أو مأموما- أن يقرأ في الركعتين الأوليين أكثر من سورة بعد الفاتحة؛ لما روى البخاري (775) ومسلم (822) عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (لَقَدْ عَرَفْتُ النَّظَائِرَ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرُنُ بَيْنَهُنَّ , فَذَكَرَ عِشْرِينَ سُورَةً مِنْ الْمُفَصَّلِ سُورَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ) .
ومن ذلك: جمعه صلى الله عليه وسلم بين الرحمن والنجم في ركعة. والقمر والحاقة. والطور والذاريات. والواقعة والقلم.
"صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم" للألباني (ص 104) .
ويدل على جواز قراءة سورتين بعد الفاتحة أيضاً ما رواه البخاري في بَاب الْجَمْعِ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ فِي الرَّكْعَةِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: كَانَ رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ يَؤُمُّهُمْ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ وَكَانَ كُلَّمَا افْتَتَحَ سُورَةً يَقْرَأُ بِهَا لَهُمْ فِي الصَّلاةِ مِمَّا يَقْرَأُ بِهِ افْتَتَحَ بِـ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا ثُمَّ يَقْرَأُ سُورَةً أُخْرَى مَعَهَا وَكَانَ يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فَكَلَّمَهُ أَصْحَابُهُ فَقَالُوا: إِنَّكَ تَفْتَتِحُ بِهَذِهِ السُّورَةِ ثُمَّ لا تَرَى أَنَّهَا تُجْزِئُكَ حَتَّى تَقْرَأَ بِأُخْرَى , فَإِمَّا تَقْرَأُ بِهَا , وَإِمَّا أَنْ تَدَعَهَا وَتَقْرَأَ بِأُخْرَى , فَقَالَ: مَا أَنَا بِتَارِكِهَا , إِنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ أَؤُمَّكُمْ بِذَلِكَ فَعَلْتُ , وَإِنْ كَرِهْتُمْ تَرَكْتُكُمْ , وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ مِنْ أَفْضَلِهِمْ , وَكَرِهُوا أَنْ يَؤُمَّهُمْ غَيْرُهُ , فَلَمَّا أَتَاهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ فَقَالَ: (يَا فُلانُ , مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَفْعَلَ مَا يَأْمُرُكَ بِهِ أَصْحَابُكَ؟ وَمَا يَحْمِلُكَ عَلَى لُزُومِ هَذِهِ السُّورَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ؟ فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّهَا. فَقَالَ: حُبُّكَ إِيَّاهَا أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ) .
وينظر: "فتاوى اللجنة الدائمة" (6/403) .
ثانيا:
أما الركعتان الأخيرتان، فالأصل أن يُقتصر فيهما على الفاتحة، لما روى مسلم (451) عن أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ , وَيُسْمِعُنَا الآيَةَ أَحْيَانًا , وَيَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ) .
هذا هو الأصل، ويجوز أن يقرأ المصلي سورة بعد الفاتحة في الركعتين الأخيرتين أحيانا؛ لما روى مسلم (452) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ ثَلاثِينَ آيَةً , وَفِي الأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً , أَوْ قَالَ نِصْفَ ذَلِكَ , وَفِي الْعَصْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ قِرَاءَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً , وَفِي الأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ نِصْفِ ذَلِكَ) .
قال الشيخ الألباني رحمه الله: " وفي الحديث دليل على أن الزيادة على الفاتحة في الركعتين الأخيرتين سنة، وعليه جمع من الصحابة، منهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وهو قول الإمام الشافعي سواء كان ذلك في الظهر أو غيرها، وأخذ به من علمائنا المتأخرين أبو الحسنات اللكنوي ... " انتهى من "صفة الصلاة" (ص 113) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين:
إذا فرغ المصلي في الصلاة السرية من قراءة الفاتحة وسورة والإمام لم يركع فهل يسكت؟
فأجاب:
" لا يسكت المأموم إذا فرغ من قراءة الفاتحة وسورة قبل أن يركع الإمام , بل يقرأ حتى يركع الإمام، حتى لو كان في الركعتين اللتين بعد التشهد الأول وانتهى من الفاتحة ولم يركع الإمام فإنه يقرأ سورة أخرى حتى يركع الإمام؛ لأنه ليس في الصلاة سكوت إلا في حال استماع المأموم لقراءة إمامه " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (15/108) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1726)
هل يجوز قراءة سورتين في كل ركعة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمصلي قراءة سورتين في كل ركعة في صلاة الجماعة أو المفردة؟ علما بأنني أحب أن أقرأ السورة الثانية في كل ركعة سورة الصمد.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا حرج على المصلي أن يقرأ بعد الفاتحة سورتين أو ثلاثاً، سواء كان إماماً أم مأموماً، إلا أن الإمام يفعل ذلك أحياناً لبيان الجواز، ودون أن يطيل على المصلين، كما يجوز هذا الفعل في الفريضة والنافلة.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قراءة سورتين بعد الفاتحة في كثير من الصلوات، وسميت هذه السور بـ " النظائر " وقد جاء في الأحاديث الصحيحة ذِكرها وبيانها.
عن عمرو بن مرة قال: سمعت أبا وائل قال: جاء رجل إلى ابن مسعود فقال: قرأتُ المفصَّل الليلة في ركعة، فقال: هَذًّا كهذِّ الشعر؟ لقد عرفت النظائر التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرن بينهن، فذكر عشرين سورة من المفصَّل سورتين في كل ركعة. رواه البخاري (742) ومسلم (822) .
وبوَّب عليه البخاري بقوله: باب الجمع بين السورتين في الركعة.
والمفصَّل: من سورة " ق " إلى " الناس ".
والهذّ: سرعة القراءة.
وعن علقمة والأسود قالا: أتى ابنَ مسعود رجلٌ فقال: إني أقرأ المفصل في ركعة، فقال: أهذّاً كهذ الشعر ونثرا كنثر الدقل؟ لكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ النظائر السورتين في ركعة: النجم والرحمن في ركعة، واقتربت والحاقة في ركعة، والطور والذاريات في ركعة، وإذا وقعت ونون في ركعة، وسأل سائل والنازعات في ركعة، وويل للمطففين وعبس في ركعة، والمدثر والمزمل في ركعة، وهل أتى ولا أقسم بيوم القيامة في ركعة، وعم يتساءلون والمرسلات في ركعة، والدخان وإذا الشمس كورت في ركعة. رواه أبو داود (1396) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".
والدقل: رديء التمر.
وقد قرأ النبي صلى الله عليه وسلم في ركعة واحدة في قيام الليل " البقرة والنساء وآل عمران " كما نقله عنه حذيفة رضي الله، وقد رواه عنه مسلم (772) .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
ويجوز للإنسان أن يقرأ بعد الفاتحة سورتين، أو ثلاثاً، وله أن يقتصر على سورة واحدة، أو يقسم السورة إلى نصفين، وكل ذلك جائز لعموم قوله تعالى: (فاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) المزمل/20، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن) .
"مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (13/السؤال رقم 500) .
وقال الشيخ الألباني رحمه الله:
وكان صلى الله عليه وسلم - أحياناً - يجمع في الركعة الواحدة بين السورتين أو أكثر.
"صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم" (ص 103– 105) وذكر الشيخ رحمه الله الأحاديث التي ورد فيها ذلك وخرّجها، فلتنظر في الموضع المحال إليه.
ثانياً:
وأما قراءة سورة " الإخلاص " بعد كل قراءة في كل ركعة فقد ثبت ذلك عن أحد الصحابة وأقره عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وهو من أدلة أصل السؤال وهو قراءة سورتين في كل ركعة.
عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلا على سريَّة وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بـ (قل هو الله أحد) فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: سلوه لأي شيء يصنع ذلك، فسألوه فقال: لأنها صفة الرحمن، وأنا أحب أن أقرأ بها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أخبروه أن الله يحبه. رواه البخاري (6940) ومسلم (813) .
وهذا الحديث: يدل على جواز هذا الفعل، وأما الاستحباب فلا يستحب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله، ولم يداوم عليه، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1727)
هل يكرر السورة نفسها في الصلاة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لا أحفظ الكثير من سور القرآن لأني لا أزال أتعلم، فهل يجوز أن أعيد قراءة نفس السور في صلاة التراويح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في إعادة قراءة نفس السورة في صلاة التراويح، أو غيرها من الصلوات، فيقرأ سورة في الركعة الأولى، ثم يعيد السورة نفسها في الركعة الثانية. ودليل ذلك عموم قول الله تعالى: (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) المزمل/20.
وروى أبو داود (816) عَنْ مُعَاذِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجُهَنِيِّ أَنَّ رَجُلا مِنْ جُهَيْنَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ: (إِذَا زُلْزِلَتْ الأَرْضُ) فِي الرَّكْعَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا. فَلا أَدْرِي أَنَسِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْ قَرَأَ ذَلِكَ عَمْدًا؟ حسنه الألباني في صحيح أبي داود.
قال عبد العظيم آبادي:
تردد الصحابي في أن إعادة النبي صلى الله عليه وسلم للسورة هل كان نسيانا لكون المعتاد من قراءته أن يقرأ في الركعة الثانية غير ما قرأ به في الأولى فلا يكون مشروعا لأمته أو فعله عمد البيان الجواز؟ فتكون الإعادة مترددة بين المشروعية وعدمها وإذا دار الأمر بين أن يكون مشروعا أو غير مشروع فحمل فعله صلى الله عليه وسلم على المشروعية أولى لأن الأصل في أفعاله التشريع والنسيان على خلاف الأصل. " عون المعبود " (3 / 23) .
بل لا حرج أن يكرر السورة نفسها أو الآية نفسها في الركعة الواحدة.
روى النسائي (1010) وابن ماجه (1350) عن أَبي ذَرٍّ رضي الله عنه قال: قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِآيَةٍ حَتَّى أَصْبَحَ يُرَدِّدُهَا، وَالآيَةُ: (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) حسنه الألباني في صحيح النسائي.
وروى البخاري (5014) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَجُلا سَمِعَ رَجُلا يَقْرَأُ: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) يُرَدِّدُهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، وَكَأَنَّ الرَّجُلَ يَتَقَالُّهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ) .
وفي رواية: (أَنَّ رَجُلا قَامَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ مِنْ السَّحَرِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ لا يَزِيدُ عَلَيْهَا) .
فأقره الرسول صلى الله عليه وسلم على تكرار السورة نفسها.
قال الحافظ:
" الْقَارِئ هُوَ قَتَادَةُ بْن النُّعْمَان , أَخْرَجَ أَحْمَد مِنْ طَرِيق أَبِي الْهَيْثَم عَنْ أَبِي سَعِيد قَالَ: (بَاتَ قَتَادَةُ بْن النُّعْمَان يَقْرَأ مِنْ اللَّيْل كُلّه قُلْ هُوَ اللَّه أَحَد لا يَزِيد عَلَيْهَا) الْحَدِيث. . . وَقَدْ أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيق إِسْحَاق بْن الطَّبَّاع عَنْ مَالِك فِي هَذَا الْحَدِيث بِلَفْظِ: (إِنَّ لِي جَارًا يَقُوم بِاللَّيْلِ فَمَا يَقْرَأ إِلا بـ قُلْ هُوَ اللَّه أَحَد) " انتهى.
ونسأل الله أن يوفقك لحفظ كتابه، والعمل بما فيه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1728)
قراءة البسملة في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجب أن يقول بسم الله الرحمن الرحيم بعد الانتهاء من الفاتحة مباشرة قبل تلاوة السورة؟
وماذا لو بدأ من منتصف السورة ماذا يقول؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قراءة البسملة مستحبة وليست واجبة، وهي مستحبة إذا كان سيقرأ سورة من أولها. فيأتي بها المصلي قبل الفاتحة، وأما القراءة بعد الفاتحة فإن قرأ من بداية سورة أتى بها إلا سورة التوبة فإنه لا يقرأ البسملة في أولها، وإن قرأ من وسط السورة، فلا يستحب له قراءة البسملة.
قالت اللجنة الدائمة:
دلَّت السنَّة الثابتة أنه صلى الله عليه وسلم يقرأ البسملة في الصلاة قبل الفاتحة وقبل غيرها من السوَر، ما عدا سورة التوبة، لكنه كان لا يجهر بها في الصلاة الجهرية صلى الله عليه وسلم.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (6 / 378) .
وقالت أيضاً:
التسمية مشروعة في كل ركعة من الصلاة قبل الفاتحة، وقبل كل سورة سوى سورة براءة.
" المرجع نفسه ".
وقالت أيضاً:
إذا كان سيقرأ سورة بعد الفاتحة: فيقرأ قبلها البسملة سرّاً، وإذا كان سيقرأ ما تيسر من وسط السورة أو آخرها: فلا تشرع له قراءتها.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (6 / 380) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1729)
اقتدى بإمامه في التراويح ليصلي العشاء ثم اقتدى به ثانية في الركعتين الأخريين
[السُّؤَالُ]
ـ[فاتتني صلاة العشاء، والإمام بدأ يصلي التراويح، فدخلت مع الإمام بنية العشاء، وصلَّى الإمام ركعتين، ثم سلم، وأنا بقيت جالساً، ولم أسلم، وعندما قام للصلاة قمتُ معه، وأكملت صلاة العشاء معه، هل طريقة صلاتي هذه صحيحة؟ وإذا كانت غير صحيحة ماذا عليَّ فعله؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اختلف العلماء في حكم صلاة المفترض خلف إمام متنفل، وقد ذكرنا شيئاً من أقوال العلماء في هذه المسألة في جواب السؤال رقم (79136) .
وذهب إلى جواز ذلك الإمام الشافعي وابن المنذر – وهو رواية عن أحمد - رحمهم الله، واختاره علماء اللجنة الدائمة، والشيخ ابن باز، ونقلنا عنهم جواز المسألة الواردة في السؤال، وهو صلاة العشاء خلف من يصلي التراويح، وأن على المأموم أن يُكمل صلاته وحده بعد سلام الإمام.
أما ما فعله السائل من كونه جلس بعد سلام الإمام، حتى ائتم به في ركعتين أخريين من التراويح: ففيه القولان فيمن ابتدأ صلاته منفرداً هل له الاقتداء بإمام جماعة؟ فمِن العلماء مَن قال بالمنع منه، ومنهم من قال بالصحة.
وقد توقف الشيخ العثيمين في حكم هذا الفعل، فقال – بعد أن بيَّن جواز صلاة المفترض خلف المتنفل، ومنه: جواز صلاة العشاء خلف من يصلي التراويح – قال:
"إنما الذي أتوقف فيه: هو انتظارهم الإمام حتى يدخل في التسليمة الثانية [يعني الركعتين الأخريين] ، ويتمون الصلاة معه: فإن هذا أتوقف فيه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (فما أدركتم فصلُّوا وما فاتكم فأتموا) فإن ظاهره: أن الإنسان يتم ما فاته مع إمامه وحده، يعني: ما ينتظر حتى يشرع الإمام في التسليمة الثانية، وإنما نقول: إذا سلَّم الإمام في الصلاة التي أدركتَه فيها: فأتِمَّ، ولا تنتظر حتى يدخل في صلاةٍ أخرى" انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (شريط رقم 15، وجه ب) .
وقد رجح النووي رحمه الله جواز ذلك حيث قال:
ولو صلَّى العشاء خلف التراويح: جاز، فإذا سلَّم الإمام: قام إلى ركعتيه الباقيتين، والأولى أن يتمها منفرداً، فلو قام الإمام إلى أخريين من التراويح، فنوى الاقتداء به ثانياً في ركعتيه: ففي جوازه القولان فيمن أحرم منفرداً ثم نوى الاقتداء، والأصح: الصحة" انتهى.
"المجموع شرح المهذب" (4/270) .
فعلى هذا، فالصلاة صحيحة وليس عليك إعادتها، غير أن الأفضل ـ فيما بعد ـ أن تكمل صلاتك وحدك، ولا تعيد الدخول مع الإمام مرة أخرى.
فليس على الأخ السائل إعادة الصلاة، ولا إعادة ركعتين، وما فعله من صلاة العشاء خلف إمام التراويح صحيح، لكننا نرى أن الأولى أنه يتم ما بقي عليه من صلاته وحده، ولو اقتدى بالركعتين الأخريين مع الإمام مرة أخرى: جاز.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1730)
هل يجوز له إتمام الشراء وهو يسمع النداء بالصلاة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أحيانا عندما أكون في السوق وأكون في محل وقد اخترت البضاعة وأكون قد وصلت المحاسبة وقد أذن فهل يجوز لي إتمام البيع أو يحرم ذلك؟ كذلك أحيانا نكون في السيارة ويكون المؤذن قد أذن فنقف عند بقالة ويطلب أخي من البقالة شيئا فهل هذا يدخل تحت التحريم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان ذلك في أذان صلاة الجمعة الذي يكون بعد صعود الخطيب المنبر، فيحرم البيع والشراء حينئذ، لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) الجمعة/9.
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
"قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) معناه: ترك الاشتغال بالتجارة والتوجه لسماع الخطبة وأداء صلاة الجمعة في المسجد مع الإمام، وهذا يعني: تحريم البيع والشراء بعد الأذان الثاني الذي هو عند جلوس الخطيب على المنبر حتى تنتهي الصلاة، إلا لضرورة تدعو إلى الشراء؛ كماء للطهارة أو ثوب يستر به عورته للصلاة" انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (13 / 101-102)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"إن البيع بعد نداء الجمعة الثاني حرام وباطل أيضا، وعليه فلا يترتب عليه آثار البيع، فلا يجوز للمشتري التصرف في المبيع؛ لأنه لم يملكه، ولا للبائع أن يتصرف في الثمن المعين؛ لأنه لم يملكه، وهذه مسألة خطيرة؛ لأن بعض الناس ربما يتبايعون بعد نداء الجمعة الثاني ثم يأخذونه على أنه ملك لهم " انتهى.
"الشرح الممتع" (8/52) .
فلا يجوز البيع والشراء بعد الأذان الثاني للجمعة، لأن الواجب السعي إلى المسجد لسماع الخطبة والصلاة، والبيع يشغل عن ذلك.
أما إذا كان ذلك في سائر الصلوات (الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء) فلا حرج من ذلك، بشرط ألا يشغل عن صلاة الجماعة، ويكون سبباً في تضييعها.
وقد قال الله تعالى: (رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) النور/37.
"فهؤلاء الرجال، وإن اتجروا، وباعوا، واشتروا، فإن ذلك لا محذور فيه. لكنه لا تلهيهم تلك، بأن يقدموها ويؤثروها على ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، بل جعلوا طاعة الله وعبادته غاية مرادهم، ونهاية مقصدهم، فما حال بينهم وبينها رفضوه" انتهى من "تفسير السعدي" (ص/ 569) .
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: هل يحرم البيع أثناء الأذان وبعده، وكيف الحال في يوم الجمعة؟
فأجاب:
"قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) فلا يجوز البيع والشراء ولا الإجارة ولا المساقاة ولا غير ذلك، بل يجب أن يتفرغ العباد لصلاة الجمعة، ويبادر لصلاة الجمعة، ولا يتشاغل بشيء آخر.
أما الأوقات الأخرى فقد تلحق بالجمعة وقد لا تلحق، فالأحوط له أن لا يفعل شيئاً بعد الأذان، بعد أذان بعد الظهر أو العصر أو المغرب؛ لأنه قد يشغله عن الجماعة، فالأحوط له أن يحذر ذلك إلا أن يكون شيئاً يسيراً ما يشغل فلعله لا حرج فيه؛ لأن الله - جل وعلا - إنما جاء عنه النص في مسألة الجمعة؛ لأن أمرها عظيم، ويجب حضورها، وتفوت بفواتها، فأمرها أعظم، وهي فرض الأسبوع.
فالمقصود: أن الجمعة لا يقاس عليها غيرها، لكن إذا هجر هذا الشيء وابتعد عنه لئلا يشغله عن الجماعة كان هذا أولى.
وبكل حال ... إذا كان بيعه قد يشغله عن أداء الصلاة في الجماعة حُرم، لكن في بعض الأحيان تكون الصلاة متأخرة، إذا تأخر الإمام، ويمكن للإنسان في طريقه أن يشتري سلعة ويبيعها، قد لا يضر حضوره الصلاة. وكونه يبتعد عن هذا الشيء، ويستأنس بما جاء في الجمعة يكون هذا أحوط حتى يتشبه بالجمعة في الحذر" انتهى.
(من فتاوى نور على الدرب)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1731)
حكم استعمال مكبرات الصوت في إقامة الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعيش في إحدى الدول العربية وقد أصدرت وزارة الشؤون الدينية والأوقاف قرارا يقضي بإقامة الصلاة داخل المسجد دون أن يسمعها الناس الذين هم خارج المسجد وهم يقولون بأن الصحابة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم أقروا بهذا الشيء.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
استعمال مكبرات الصوت في الصلوات الخمس وكذا صلاة التراويح ليس مشروعا، إلا بالقدر الذي يسمع أهل المسجد، دون أن يرتفع الصوت خارجا فيشوش على بقية المساجد، وعلى من في البيوت من أصحاب الأعذار كالمرضى وغيرهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ليس لأحد أن يجهر بالقراءة بحيث يؤذي غيره كالمصلين" انتهى.
"مجموع الفتاوى" (23/61) .
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (38521) .
ثانياً:
أما إقامة الصلاة، فقد دلت السنة الصحيحة، أنها كانت تسمع من خارج المسجد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقد سبق بيان الأدلة على ذلك في جواب السؤال رقم (128726) ، وذكرنا فيه كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن إقامة الصلاة تكون للحاضرين في المسجد، وللغائبين أيضاً كالأذان.
فعلى هذا، إذا كان المقصود من منع "إقامة الصلاة" في مكبرات الصوت "الصلاة نفسها"، فهو قرار صحيح، على أننا نهيب بالمسؤولين ألا يكون هذا المنع خاصاًّ بأهل القرآن والصلاة فقط، ثم يسمح لأهل المجون والفسق والخلاعة بإعلان فسقهم ومجونهم على مسامع الناس من غير رادع يردعهم، أو مانع يمنعهم.
وإذا كان المقصود هو منع الإقامة المعروفة؛ فظاهر السنة تدل على خلاف هذا، كما في جواب السؤال المحال عليه سابقا.
وقولهم: "إن الصحابة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم أقروا بهذا الشيء": لا يظهر لنا صحته بكل حال، لأنه إذا كان المقصود بذلك فعل الصلاة نفسها، فلم تكن المسألة موجودة في زمانهم لعدم وجود مكبرات الصوت، فلم يكن هناك إعلان بالصلاة، أو تشويش بها على أهل البيوت والأعذار والمساجد الأخرى، وإن كان المقصود الإقامة نفسها، ففعل الصحابة يدل على أن الإقامة كانت تعلن خارج المسجد ويسمعها من هو خارج المسجد كالأذان.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1732)
حكم صلاة الذين يصفون آخر المسجد، تاركين الصف مع الجماعة خلف الإمام.
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك مسجد بجوار عملي أصلي فيه مع الجماعة، وهو مسجد كبير ويتسع لحوالي ألف مصلى، ولكني لاحظت أن هناك مجموعة من الرجال يصفون صفا في نهاية المسجد ويتركون مسافة كبيرة جدا بينهم وبين الصفوف المتراصة خلف الإمام، وهذه المسافة قد تكفي لعشرة صفوف في بعض الصلوات، وبعد ذلك صرت أصلي في مسجد آخر خوفا من أن تبطل صلاتي، ونريد من فضيلتكم توضيح الحكم في فعل هؤلاء المصلين، وحكم صلاة الجماعة في ذلك المسجد، والنصح لي بكيفية تغيير هذا الوضع إن كان مخالفا؟ مع العلم أني كلمت الإمام المسؤول عن المسجد وقال لي: (لا فائدة من نصحهم فقد نصحناهم عدة مرات) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
السنة للمصلين أن يتراصوا ويقاربوا الصفوف.
روى أبو داود (667) والنسائي (815) عن أنس رضي الله عنه أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (رَاصُّوا صُفُوفَكُمْ، وَقَارِبُوا بَيْنَهَا، وَحَاذُوا بِالْأَعْنَاقِ) صححه الألباني في "صحيح أبي داود".
قال السندي رحمه الله:
" قَوْله (رَاصُّوا صُفُوفكُمْ) بِانْضِمَامِ بَعْضكُمْ إِلَى بَعْض عَلَى السَّوَاء (وَقَارِبُوا بَيْنَهَا) أَيْ: اِجْعَلُوا مَا بَيْن صَفَّيْنِ مِنْ الْفَصْل قَلِيلًا، بِحَيْثُ يَقْرَب بَعْض الصُّفُوف إِلَى بَعْض" انتهى.
وقال المناوي رحمه الله:
" (وقاربوا بينها) بحيث لا يسع بين كل صفين صف آخر حتى لا يقدر الشيطان أن يمر بين أيديكم" انتهى.
"فيض القدير" (4 / 7) .
والأفضل للمسلمين عموماً ـ في الصلاة وغيرها ـ أنهم إذا اجتمعوا أن يتقاربوا بأبدانهم، حتى يكون ذلك سبباً لحصول الألفة والمحبة بينهم وتقويتها.
فعن أبي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيّ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّاسُ إِذَا نَزَلُوا مَنْزِلًا تَفَرَّقُوا فِي الشِّعَابِ وَالْأَوْدِيَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ تَفَرُّقَكُمْ فِي هَذِهِ الشِّعَابِ وَالْأَوْدِيَةِ إِنَّمَا ذَلِكُمْ مِنْ الشَّيْطَانِ) فَلَمْ يَنْزِلْ بَعْدَ ذَلِكَ مَنْزِلًا إِلَّا انْضَمَّ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، حَتَّى يُقَالَ لَوْ بُسِطَ عَلَيْهِمْ ثَوْبٌ لَعَمَّهُمْ. رواه أبو داود (2628) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".
فما يفعله هؤلاء من تركهم الصفوف الأولى، وصلاتهم في آخر المسجد: مخالف للسنة، وسبب من أسباب حصول النزاع والتفرق بين أهل المسجد.
وأما صحة الصلاة فصلاتهم صحيحة، ما داموا يصلون داخل المسجد، ويقفون صفاً، ولا يقف أحدهم منفرداً خلف الصفوف.
فقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
ما حكم الصلاة التي نصليها في فناء المسجد؟ علما بأن الفناء في المسجد تابع له؟
فأجاب:
"الصلاة في فناء المسجد إن كان جميع المصلين صلوا فيه فلا إشكال في جوازها، وأما إذا كان المصلون يصلون في داخل المسقوف وهؤلاء صاروا في خارج فيقال: خالفتم السنة؛ لأن السنة أن تتقارب الصفوف بعضها من بعض، وأن لا يصلوا في مكان والإمام يصلي في مكان آخر، لكن صلاتهم على كل تقدير صحيحة" انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (192/10) .
وصلاة الجماعة في هذا المسجد صحيحة، وينبغي لكم ولإمام المسجد أن تستمروا في نصح هؤلاء وحثهم على اتباع السنة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1733)
حكم تخصيص مكان في البيت للصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تخصيص مكان في البيت للعبادة والصلاة فيه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج من تخصيص مكان في البيت للعبادة والصلاة فيه، وقد جاء في السنة ما يدل على جواز ذلك.
فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ قَالَ: سَمِعْتُ خَالَتِي مَيْمُونَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تقول:
(أَنَّهَا كَانَتْ تَكُونُ حَائِضًا لَا تُصَلِّي، وَهِيَ مُفْتَرِشَةٌ بِحِذَاءِ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يُصَلِّي عَلَى خُمْرَتِهِ، إِذَا سَجَدَ أَصَابَنِي بَعْضُ ثَوْبِهِ) رواه البخاري (333) .
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله:
"والظاهر: أن مراد ميمونة في هذا الحديث مسجد بيت النَّبيّ صلى الله عليه وسلم الذي كانَ يصلي فيهِ من بيته؛ لأن ميمونة لا تفترش إلا بحذاء هذا المسجد، ولم تُرِد - والله أعلم - مسجد المدينة" انتهى.
"فتح الباري" (1/550) .
وعَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ الْأَنْصَارِيِّ: (أَنَّ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ كَانَ يَؤُمُّ قَوْمَهُ وَهُوَ أَعْمَى، وَأَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّهَا تَكُونُ الظُّلْمَةُ وَالسَّيْلُ، وَأَنَا رَجُلٌ ضَرِيرُ الْبَصَرِ، فَصَلِّ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي بَيْتِي مَكَانًا أَتَّخِذُهُ مُصَلَّى، فَجَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ؟ فَأَشَارَ إِلَى مَكَانٍ مِنْ الْبَيْتِ، فَصَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رواه البخاري (667) ، ومسلم (33) .
قال النووي رحمه الله:
"وفيه: أنه لا بأس بملازمة الصلاة في موضع معين من البيت، وإنما جاء في الحديث النهي عن إيطان موضع من المسجد للخوف من الرياء ونحوه" انتهى.
"شرح مسلم" (5/161) .
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله:
" مساجد البيوت هي أماكن الصلاة منها، وقد كان من عادة السلف أن يتخذوا في بيوتهم أماكن معدة للصلاة فيها. وهذه المساجد لا يثبت لها شيء من أحكام المساجد المسبلة – أي المتخذة وقفاً -، فلا يجب صيانتها عن نجاسة، ولا جنابة، ولا حيض. هذا مذهب أصحابنا وأكثر الفقهاء.
وأما إقامة الجماعة للصلوات في مساجد البيوت فلا يحصل بها فضيلة الصلاة في المساجد، وإنما حكم ذلك حكم من صلى في بيته جماعة وترك المسجد.
وبكل حال؛ فينبغي أن تحترم هذه البقاع المعدة للصلاة من البيوت، وتنظف وتطهر.
قال الثوري في المساجد التي تبنى في البيوت: ترفع ولا تشرف، وتفرغ للصلاة، ولا تجعل فيها شيئا " انتهى باختصار.
"فتح الباري" لابن رجب (2/377-380) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1734)
متابعة الإمام في مندوبات الصلاة فعلاً وتركاً
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الذي يجب أن يقوم به المؤتم إذا كان الإمام نفسه لا يقوم ببعض السنن المثبتة في الصلاة، كرفع اليدين قبل الركوع، وبعده، فهل يجب اتباع الإمام أم اتباع السنة؟ أنا في حيرة شديدة، فأرجو أن تطلعوني على الإجابة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ينبغي للمأموم أن يفعل ما يراه سنة، سواء فعله الإمام أم لا، إلا إذا كان فعل المأموم له سيؤدي إلى الإخلال بمتابعة الإمام، فيتأخر عنه أو يسبقه، فعليه في هذه الحالة ترك ما يرى أنه سنة، من أجل متابعة الإمام.
فما سأل عنه السائل (رفع اليدين قبل الركوع وبعده) لا يؤدي إلى الإخلال بالمتابعة، فينبغي للمأموم فعله.
ومثال ما يؤدي إلى الإخلال بالمتابعة، إذا كان المأموم يرى استحباب جلسة الاستراحة والإمام لا يراها، فينبغي للمأموم تركها.
وقد بينا ذلك في جواب السؤال رقم (34458) .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"الشيء الذي لا يقتضي التَّأخُّر عن الإمام ولا التَّقدُّم عليه فهذا يأخذ المأموم بما يراه، مثاله: لو كان الإمام لا يرى رفع اليدين عند التَّكبير للرُّكوع والرَّفع منه والقيام من التَّشهد الأوَّل، والمأموم يرى أن ذلك مستحبٌّ، فإنه يفعل ذلك؛ لأنه لا يستلزم تأخراً عن الإمام ولا تقدُّماً عليه، ولهذا قال الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم: (إذا كَبَّر فكبِّروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا) والفاء تدلُّ على التَّرتيب والتَّعقيب، وكذلك أيضاً: لو كان الإمام يَتورَّكُ في كلِّ تشهُّد يعقبه سَلام حتى في الثُّنائيَّة، والمأموم لا يرى أنه يَتورَّك إلا في تشهُّد ثانٍ فيما يُشرع فيه تشهُّدان، فإنه هنا له ألا يتورَّك مع إمامه في الثُّنائيَّة؛ لأن هذا لا يؤدِّي إلى تخلُّف ولا سبق" انتهى.
"الشرح الممتع" (2/319-320) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1735)
هل يصلي في الصفوف الخلفية وراء الإمام، أم في الصفوف الأمامية من الطابق العلوي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أحيانا أتأخر عن صلاة الجمعة، فلا أجد مكاناً في المسجد إلا في الصفوف الخلفية، فأصعد إلى الطابق العلوي لأجد مكاناً في صفوف متقدمة بدون أذية للمصلين، فهل الأولى الصلاة في الطابق السفلي حيث الإمام ولو في صفوف متأخرة أم الصعود إلى الطابق العلوي في صفوف متقدمة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الصلاة في الصفوف المتأخرة من الطابق السفلي الذي فيه الإمام أفضل من الصلاة في الصفوف المتقدمة من الطابق العلوي؛ لأن الصلاة خلف الإمام هي الأصل، ولا يلجأ الناس إلى الصلاة بالطابق العلوي إلا عند ضيق المسجد وعدم كفايته للمصلين.
وأيضا: فإن القرب من الإمام أفضل، والصلاة بالطابق السفلي أقرب إلى الإمام منها بالطابق العلوي.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: سمعنا أن الصلاة في الطابق السفلي من المسجد الحرام أفضل من الصلاة في الطابق العلوي، فهل هذا صحيح من حيث العلو على الإمام؟
فأجاب بقوله: " الطابق السفلي قد يكون أفضل من حيث قربه من الإمام؛ لأنه بلا شك أقرب إلى الإمام، والصف الأول أفضل لأنه أقرب من الإمام.
وأما من حيث علو المأموم على الإمام فهذه المسألة فيها خلاف، مع أن كثيراً من أهل العلم يقيد هذه المسألة بما إذا صلى الإمام وحده بالأسفل وصلى بقية الجماعة كلهم فوقه فهذه هي التي تكره، وأما إذا كان مع الإمام أحد فإنه لا كراهة في علو المأموم على الإمام، والآن معروف في الحرم أن غالب المصلين يصلون في الأسفل، فعلى هذا فالذين يصلون فوق ليس في صلاتهم كراهة بل ذلك جائز، ولكن كما قلت الأسفل أقرب إلى الإمام فيكون أولى " انتهى.
"مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (13/19-20)
وقد تكون الصلاة في الطابق العلوي أفضل إذا كانت أقرب إلى الخشوع، لما قد يتأذى به المصلى في الصفوف الخلفية خلف الإمام من الزحام أو شدة الحر.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: أيهما أفضل الصلاة في الدور العلوي أم في الدور الأرضي من المسجد؟
فأجاب: " الصلاة في الأسفل أفضل من الصلاة في الأعلى؛ لأنها أقرب إلى الإمام، والدنو من الإمام أفضل من البعد عنه، لكن إذا اقترن بالصلاة في الأعلى نشاط الإنسان فنشط، ويرى أنه يخشع أكثر فإن هذا أفضل، وذلك لأن المحافظة على الفضيلة المتعلقة بالعبادة أولى من المحافظة على الفضيلة المتعلقة بمكانها، هكذا قال العلماء، وضربوا لذلك مثلاً بالرَّمَل في طواف القدوم أو الدنو من الكعبة، لو قال قائل: أنا إن دنوت من الكعبة لم يحصل لي الرَّمَل، وإن أبعدت عن الكعبة حصل لي الرَّمَل فأيهما أفضل، أن أدنو من الكعبة، أو أن أبتعد وأرمل، فأيهما أفضل؟
يقول العلماء: الأفضل أن تبتعد وترمل؛ لأن الفضيلة المتعلقة بذات العبادة أولى بالمحافظة من الفضيلة المتعلقة بمكانها " انتهى.
"مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (13/ 14) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1736)
قراءة غير الفاتحة خلف الإمام في الصلاة الجهرية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تجوز القراءة خلف إمامي؟ وما حكمها إذا قرأت خلفه بغير الفاتحة، هل تبطل الصلاة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للمأموم أن يقرأ خلف إمامه في الصلاة الجهرية غير الفاتحة، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم (66742) .
ومن فعل ذلك جاهلا فلا شيء عليه، والواجب ألا يعود إليه مستقبلا؛ لمخالفته قوله تعالى: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) الأعراف/204، وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تَفْعَلُوا إِلا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، فَإِنَّهُ لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا) رواه أبو داود (823) وصححه الألباني في "صحيح الترمذي.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1737)
حكم الصف بين سواري المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[في الصفوف التي تتواجد بينها الأعمدة في المسجد أثناء صلاة الجماعة، هل يجوز بعد العمود أن أقف لوحدي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ورد النهي عن الصف بين سواري المسجد (وهي الأعمدة) ؛ لأنها تقطع الصفوف.
فقد روى ابن ماجة (1002) عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: (كُنَّا نُنْهَى أَنْ نَصُفَّ بَيْنَ السَّوَارِي عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنُطْرَدُ عَنْهَا طَرْدًا) صححه الألباني في "صحيح ابن ماجة".
وروى الترمذي (229) عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ مَحْمُودٍ قَالَ: صَلَّيْنَا خَلْفَ أَمِيرٍ مِنْ الْأُمَرَاءِ، فَاضْطَرَّنَا النَّاسُ فَصَلَّيْنَا بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ، فَلَمَّا صَلَّيْنَا قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: (كُنَّا نَتَّقِي هَذَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وصححه الألباني في "صحيح الترمذي".
قال ابن مفلح رحمه الله:
" وَيُكْرَهُ لِلْمَأْمُومِ الْوُقُوفُ بَيْنَ السَّوَارِي , قَالَ أَحْمَدُ: لِأَنَّهَا تَقْطَعُ الصَّفّ " انتهى.
"الفروع" (2/39) .
إلا إذا كانت هناك حاجة للصف بين السواري، لكثرة المصلين، وضيق المسجد، فلا كراهة حينئذ.
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
"يكره الوقوف بين السواري إذا قطعن الصفوف، إلا في حالة ضيق المسجد وكثرة المصلين" انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (5/295) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"الصف بين السواري جائز إذا ضاق المسجد، حكاه بعض العلماء إجماعاً، وأما عند السعة ففيه خلاف، والصحيح: أنه منهي عنه؛ لأنه يؤدي إلى انقطاع الصف، لا سيما مع عرض السارية" انتهى.
فمتى ضاق المسجد بأهله، وكثر عدد المصلين، فلا مانع من الصف بين السواري.
وعليه: فإذا جئت إلى المسجد، وقد وقف الناس في الصف، ولم تجد مكاناً في الصف إلا بعد العمود فلا حرج في ذلك، وليس هذا من الصلاة خلف الصف منفردا، لأنك لم تقف خلف الصف، وإنما وقفت في الصف مع المصلين ولكن قُطع الصف بالعمود للحاجة إلى ذلك.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1738)
يمتنعون من صلاة الجماعة بحجة أن الإمام يتقاضى على الإمامة أجرا!
[السُّؤَالُ]
ـ[لا يقوم أصدقائي بأداء صلاة الجماعة، لأن الإمام يتقاضى أجرا، ويقولون: إن كل غرضه تحصيل المال. فهل ما يفعلونه صحيح؟ وهل يجب على كل إمام يصلي بالناس أن يتقاضى راتبه من الحكومة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
صلاة الجماعة فرض واجب على الرجال القادرين، ولا يتخلف عنها لغير عذر إلا آثم منحرف عن طريق الهدى.
فروى مسلم (654) عن ابن مسعود رضي الله عنه قَالَ: " مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ، فَإِنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَنَ الْهُدَى وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى، وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ ثُمَّ يَعْمِدُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ ".
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ أَعْمَى فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إِلَى الْمَسْجِدِ فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ، فَرَخَّصَ لَهُ، فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ، فَقَالَ: هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلاةِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَجِبْ. رواه مسلم (653) وأبو داود (552) ولفظه:
(لا أَجِدُ لَكَ رُخْصَةً)
قال ابن المنذر:
" فإذا كان الأعمى لا رخصة له: فالبصير أولى أن لا تكون له رخصة " انتهى.
" الأوسط " (4 / 134) . وينظر: "المغني" (2 / 3) .
وينظر لأدلة وجوب صلاة الجماعة إجابة السؤال رقم: (8918) .
ثانيا:
إذا كان الإمام يأخذ راتبا من الحكومة، سواء كان رزقا من بيت المال، أو وقفا هو من أهله، أو غير ذلك: فلا شيء عليه فيه.
وقال البهوتي في "الكشاف" (1/475) :
" (فَإِنْ دُفِعَ إلَيْهِ) أَيْ الْإِمَامِ (شَيْءٌ بِغَيْرِ شَرْطٍ , فَلَا بَأْسَ نَصًّا) وَكَذَا لَوْ كَانَ يُعْطَى مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ مِنْ وَقْفٍ " انتهى.
وسئل الشيخ الفوزان: أنا موظف بمديرية الأوقاف بوظيفة مقيم شعائر دينية؛ بمعنى: أنني أقوم بالإمامة وآخذ على ذلك مرتبًا فهل هذا يجوز؟ مع العلم أنه ليس لي مصدر رزق آخر فأجاب الشيخ حفظه الله:
" لا بأس أن تقوم بالإمامة وأن تأخذ ما خصص للإمام من بيت المال من الإعانة؛ لأن هذا يعينك على طاعة الله.
هذا إذا لم يكن قصدك طمع الدنيا، وإنما قصدك ما عند الله سبحانه وتعالى، وتقوم بهذه الإمامة رغبة في الخير، وتأخذ هذه الإعانة لأجل سد حاجتك للتفرغ للإمامة؛ فهذا لا حرج فيه، بل هو من الإعانة على طاعة لله عز وجلَّ، والعبرة بالمقاصد.
أما إذا كان قصد الإنسان طمع الدنيا، واتخاذ العبادة وأعمال الطاعة وسيلة لتحصيل الدنيا؛ فهذا لا يجوز، وهو عمل باطل " انتهى.
"المنتقى من فتاوى الفوزان" (49 / 49-50)
وأما إذا كان ما يأخذه الإمام هو من أعطيات الناس، فلا بأس عليه في ذلك أيضا، إذا لم يشارطهم عليه، بل ما أعطوه أخذه، قل أو كثر.
قال أَبُو دَاوُد: سَمِعْت أَحْمَدَ , رحمه الله , سُئِلَ عَنْ إمَامٍ , قَالَ: أُصَلِّي بِكُمْ رَمَضَانَ بِكَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا. قَالَ: أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ , مَنْ يُصَلِّي خَلْفَ هَذَا؟
وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: " لَا تُصَلُّوا خَلْفَ مَنْ لَا يُؤَدِّي الزَّكَاةَ , وَقَالَ: لَا تُصَلِّ خَلْفَ مَنْ يُشَارِطُ , وَلَا بَأْسَ أَنْ يَدْفَعُوا إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ " انتهى. "المغني" (2/9)
وقال ابن نجيم رحمه الله:
" قالوا: فإن لم يشارطهم على شيء، لكن عرفوا حاجته فجمعوا له في كل وقت شيئا: كان حسنا، ويطيب له " انتهى. "البحر الرائق" (1/268) .
ثالثا:
يتبين مما سبق أن مجرد أخذ راتب من الحكومة، أو قبول الأعطيات والرزق على القيام بالإمامة ليس هو مما يجرح به الإمام ويعاب به؛ لأنه ربما كان يأخذه على وجه مشروع لا كراهة فيه؛ بل إن بعض أهل العلم قد ذهب إلى جواز أخذ الراتب مطلقا، ولو لم يكن الإمام فقيرا، ولو شارطهم على ذلك، وهو قول معتبر بعض الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة.
ينظر: أخذ المال على أعمال القرب، عادل شاهين (1/206-220) .
وإذا كان ذلك كذلك فمثل هذه المسائل الاجتهادية لا يعنف فيها على المخالف، ولا ينكر عليه، إذا كان هذا هو ما يعتقده ويترجح عنده؛ فمن باب أولى: أنه لا يعاب بذلك ولا يذم به.
رابعا:
الاطلاع على مقصد الإمام من إمامته، وأنه ليس له غرض إلا الحصول على المال، ليس في مقدور الناس عادة، بل يوكل أمره في ذلك إلى الله، ويعامل بظاهر حاله.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(إِنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ وَلَا أَشُقَّ بُطُونَهُمْ) . متفق عليه.
وإذا قدر أننا اطلعنا على ذلك، وأنه عاص بهذا الفعل، فليست مجرد المعصية التي يلابسها الإمام عذرا في ترك صلاة الجماعة، بل متى أمكنه أن يصلي الجماعة خلف إمام هو أمثل منه، وأصلح في دينه: فعل ذلك، وإن لم يمكنه: لم يجز له أن يترك صلاة الجماعة بمجرد ذلك، وهذا من أصول السنة، ألا يدعوا صلاة الجمعة والجماعة لمجرد معصية الإمام، إذا لم يمكنهم أن يقيموها خلف غيره.
قال الطحاوي رحمه الله في عقيدته (45) :
" ونرى الصلاة خلف كل بر وفاجر من أهل القبلة ونصلي على من مات منهم ".
وقال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى:
" إِذَا لَمْ يُمْكِنْ مَنْعُ الْمُظْهِرِ لِلْبِدْعَةِ وَالْفُجُورِ إلَّا بِضَرَرِ زَائِدٍ عَلَى ضَرَرِ إمَامَتِهِ: لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ، بَلْ يُصَلِّي خَلْفَهُ مَا لَا يُمْكِنُهُ فِعْلُهَا إلَّا خَلْفَهُ، كَالْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ وَالْجَمَاعَةِ، إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ إمَامٌ غَيْرُهُ. وَلِهَذَا كَانَ الصَّحَابَةُ يُصَلُّونَ خَلْفَ الْحَجَّاجِ وَالْمُخْتَارِ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ الثَّقَفِيِّ وَغَيْرِهِمَا الْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَةَ؛ فَإِنَّ تَفْوِيتَ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ أَعْظَمُ فَسَادًا مِنْ الِاقْتِدَاءِ فِيهِمَا بِإِمَامِ فَاجِرٍ، لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ التَّخَلُّفُ عَنْهُمَا لَا يَدْفَعُ فُجُورَهُ، فَيَبْقَى تَرْكُ الْمَصْلَحَةِ الشَّرْعِيَّةِ بِدُونِ دَفْعِ تِلْكَ الْمَفْسَدَةِ. وَلِهَذَا كَانَ التَّارِكُونَ لِلْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَاتِ خَلْفَ أَئِمَّةِ الْجَوْرِ مُطْلَقًا مَعْدُودِينَ عِنْدَ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ. وَأَمَّا إذَا أَمْكَنَ فِعْلُ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ خَلْفَ الْبَرِّ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ فِعْلِهَا خَلْفَ الْفَاجِرِ " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (23 / 343) .
والواجب: نصح هؤلاء بوجوب إقامة الصلاة في بيوت الله التي أذن أن ترفع ويذكر فيها اسمه، ووجوب السعي إليها مع المسلمين، وحضور الجماعات، والسعي في الألفة بين المسلمين، ومنع الشقاق وظن السوء وفساد ذات البين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1739)
اصطحاب الأولاد إلى المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[نسمع دائماً عند صلاة المغرب والعشاء صريخاً وضجيجاً من الأطفال في بيت الله الحرام، فهل هذا يجوز في هذا المكان، أو في أي مسجد من المساجد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا حرج في ذلك، لأن من طبيعة الطفل أنه يحدث منه هذا الشيء، وكان الأطفال في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يسمعهم النبي صلى الله عليه وسلم ويسمع صراخهم، ولم يمنع أمهاتهم من الحضور، بل ذلك جائز، ومن طبيعة الطفل أنه يحصل منه بعض الصراخ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أنه يسمع ذلك، ولم يمنع، بل كان صلى الله عليه وسلم يقوم في الصلاة وينشط لها فيسمع بكاء الصبي فيخفف لئلا تفتتن أمه، فهذا يدل على أنه أقرهن على ذلك وراعاهن في الصلاة أيضاً، عليه الصلاة والسلام.
ولأن منع الأطفال معناه منع الأمهات من الحضور، وقد يكون حضورهن فيه فائدة للتأسي بالإمام في الصلاة، والطمأنينة فبها، ومعرفتها كما ينبغي، أو لتسمع فائدة من الإمام من العلم.
فالحاصل أن حضورها إلى المسجد مع التستر والتحجب وعدم الطيب فيه فوائد، فإن كانت لا تأتي إلا بتبرج وإظهار محاسنها أو بالطيب فلا يجوز لها ذلك، فصلاتها في بيتها أولى، وبكل حال فصلاتها في بيتها أولى وأفضل إلا إذا كان خروجها تستفيد منه فائدة واضحة، كنشاط في قيام رمضان، وكسماع العلم والفائدة، أو التأسي بالإمام في صلاته والطمأنينة فيها إذا كانت تجهل كيفية الصلاة كما ينبغي، فتستفيد صفة الصلاة والطمأنينة فيها، وتستفيد سماع المواعظ والذكر، وهذا قد يجعل خروجها أولى لأجل المصلحة، وإلا فالأصل أن الصلاة في بيتها خير.
أما خروجها متبرجة بالملابس الحسنة الفاتنة، أو إبراز بعض محاسنها، وإظهار الطيب الذي قد يسبب الفتن لمن تمر عليهم فكل هذا لا يجوز، ويجب عليها أن تبقى في بيتها ولا تخرج بهذه الأحوال التي تفتن الناس وتضر الناس.
أما الطفل فلا بأس بوجوده معها ولكن تتحفظ منه وتجعله في محل محفوظ حتى لا يقذر المسجد ويؤذي المصلين، وإذا دعت الحاجة إلى حمله عند الحاجة ليسكت فلا بأس، فقد حمل النبي صلى الله عليه وسلم أمامة بنت زينب، حملها وهو يصلي بالناس، عليه الصلاة والسلام.
فالحاصل: أن وجود الأطفال في المسجد وحملهن حتى في الصلاة لا حرج فيه عند الحاجة، لكن ينبغي أن يراعى في ذلك سلامة الطفل من النجاسات حتى لا ينجس أمه" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (2/714، 715) .
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
موقع الإسلام سؤال وجواب(5/1740)
هل ترك صلاة الجماعة ينزع البركة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أن عدم ذهاب الرجل للصلاة مع الجماعة سبب نزع البركة من حاله وماله؟ وما الدليل على ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا ريب أن الصلاة هي عمود الإسلام وهي أعظم الواجبات والفرائض بعد الشهادتين، وقد دل على ذلك آيات كثيرات وأحاديث صحيحة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فمن ذلك قوله عز وجل: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) البقرة/238، وقوله سبحانه: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) البقرة/43، وقوله سبحانه: (وَأَقِمْ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) العنكبوت/45، وقوله سبحانه: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) المؤمنون/1، 2، إلى أن قال: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِكَ هُمْ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) المؤمنون/9 – 11.
وقال تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ) البينة/5، فجعلها قرينة التوحيد: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ) ، وهذا هو التوحيد، وهذا هو معنى لا إله إلا الله، ثم قال بعده: (وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ) ، وقال سبحانه: (فَإِنْ تَابُوا) التوبة /5، يعني من الشرك: (وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ) التوبة/5، فدل على عظمتها وأنها قرينة التوحيد، قال سبحانه: (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) التوبة/11، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (قَالَ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ) .
ومن أهم واجباتها وأعظم واجباتها أداؤها في الجماعة في حق الرجل حتى أوجبها الله الرب سبحانه وتعالى في حال الخوف، قال جل وعلا: (وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمْ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ) النساء/2، فأوجب صلاة الجماعة في حال الخوف وفي حال مصافة المسلمين لعدوهم الكافر، فأمرهم أن يصلوا جماعة وأن يحملوا السلاح لئلا يحمل عليهم العدو.
وقال عليه الصلاة والسلام: (مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يَأْتِهِ فَلَا صَلَاةَ لَهُ إِلَّا مِنْ عُذْرٍ) ، وأتاه صلى الله عليه وسلم رجل أعمى فقال: يا رسول الله، إنه ليس لي قائد يلائمني إلى المسجد، فهل لي من رخصة أن أصلي في بيتي؟ فقال المصطفى عليه الصلاة والسلام: (هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ؟) قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: (فَأَجِبْ) خرجه مسلم في صحيحه، فهذا رجل أعمى لم يأذن له النبي صلى الله عليه وسلم في التخلف عن الجماعة، وفي اللفظ الآخر قال: (لَا أَجِدُ لَكَ رُخْصَةً) فصرح أنه ليس له رخصة وهو أعمى، ليس له قائد يلائمه يعني يحافظ على الذهاب معه، فإذا كان الرجل الأعمى الذي ليس له قائد يعتني به ويحافظ عليه ليس له رخصة بل عليه أن يذهب ويتحرى ويجتهد حتى يصل إلى المسجد، فكيف بحال القوي المعافى؟! فالأمر في حقه أعظم وأكبر.
ثم التخلف عن صلاة الجماعة من أعظم الوسائل في التهاون بها وتركها بعد ذلك، فإنه اليوم يتخلف وغداً يترك ويضيع الوقت؛ لأن قلة اهتمامه بها جعلته يتخلف عن أدائها في الجماعة وفي المساجد التي هي بيوت الله التي قال فيها سبحانه: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) النور/36، وهي المساجد، وهذا أمر مجرب، فإن الذين يتخلفون عن الجماعة يسهل عليهم ترك الصلاة بأدنى عذر وبأقل سبب، ثم بعد ذلك يتركونها بالكلية لقلة وقعها في صدورهم، ولقلة عظمتها في قلوبهم فيتركونها بعد ذلك.
فترك الصلاة في الجماعة وسيلة قريبة وذريعة معلومة لتركها بالكلية، وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلَاةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ) خرجه الإمام أحمد في المسند وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه بإسناد صحيح عن بريدة بن الحصين رضي الله تعالى عنه، وخرج مسلم في صحيحه عن جَبِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الأنصاري رضي الله تعالى عنهما عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: (بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ) وهذا يدل على أنه كفر أكبر، قال: (الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ) .
وإن كان بعض أهل العلم رأى أنه كفر دون كفر إذا كان غير جاحد لوجوبها بل يعلم أنها واجبة ولكنه تساهل، وقد ذهب جمع كبير من أهل العلم وحكاه بعضهم قول الأكثرين أنه كفر دون كفر، وأنه لا يكفر به الكفر الأكبر، لكن الصحيح الذي قامت عليه الأدلة أنه كفر أكبر، وهو ظاهر إجماع الصحابة قبل من خالفهم بعد ذلك، فقد حكى عبد الله بن شقيق العقيلي التابعي الجليل الثقة أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا لا يرون شيئاً تركه كفر إلا الصلاة.
فعندهم الصلاة تركها كفر، ومراده كفر أكبر لأن هناك أشياء عملها كفر لكن ليس بالكفر الأكبر، مثل الطعن في الأنساب والنياحة على الأموات سماها النبي صلى الله عليه وسلم كفراً، والصحابة يسمونها كفراً، ولكنها كفر أصغر، فلما أخبر عنهم أنهم لا يرون شيئاً تركه كفر إلا الصلاة علم أنه أراد بذلك الكفر الأكبر كما جاء به الحديث.
وأما كون هذه المعصية تسبب محق البركة وتسبب أيضاً شراً كثيراً عليه في بدنه وفي تصرفاته فهذا لا يُستغرب؛ فإن المعاصي لها شؤم كثير ولها عواقب وخيمة في نفس الإنسان وفي قلبه وفي تصرفاته وفي رزقه فلا يستغرب هذا فقد دلت الأدلة على أن المعاصي لها عواقب وخيمة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (إِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ) ، ومعلوم أن المعاصي تسبب الجدب في الأرض ومنع المطر وحصول الشدة وهذا كله بأسباب المعاصي كما قال عز وجل: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) الشورى/30، قال سبحانه: (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنْ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) النساء/79، هذا أمر معلوم بالنصوص وبالواقع.
فجدير بالمؤمن أن يحذر مغبة المعاصي وشرها وأن يتباعد عنها وأن يحرص على أداء ما أوجب الله عليه وعلى المسارعة إلى الطاعات في الدنيا والآخرة، فالطاعات كلها خير في الدنيا والآخرة، والمعاصي شر في الدنيا والآخرة، رزق الله الجميع العافية والسلامة" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (2/977 – 980) .
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
فتاوى نور على الدرب(5/1741)
يخرج منه عرق ورائحة ويشق عليه الاغتسال لكل صلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[شخص يعاني من التعرق الشديد ويحتاج لأن يستحم لكل صلاة (لكي لا يؤذي غيره من المصلين) فهل يعذر بترك الصلاة في المسجد في بعض الفروض أم لا؟ لا سيما أن هناك صعوبة أحياناً في الاستحمام بشكل دائم ومن ذلك البرودة في صلاة الفجر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا ابتلي الشخص بوجود رائحة كريهة تخرج من بدنه، ولم يمكن إخفاؤها باستعمال الطيب ونحوه، فهو معذور في تركه الجماعة، ويرجى له الأجر من الله تعالى، وإذا كان اغتساله يزيل هذه الرائحة فليفعل ذلك قدر استطاعته، وقد يسر الله تعالى الأسباب المعينة على تسخين الماء، واتقاء البرد، بلبس الألبسة الواقية، وغير ذلك.
وقد نص الفقهاء على أن وجود الرائحة الكريهة عذر في ترك الجماعة، بل يمنع صاحب الرائحة من دخول المسجد وإيذاء المصلين.
والأصل في ذلك: ما رواه مسلم (564) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ الْمَلائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ) .
قال في "مطالب أولي النهى " (1/699) : "وكره حضور مسجد وجماعته لآكل نحو بصل أو فجل أو كراث , وكل ما له رائحة كريهة , حتى يذهب ريحه، وكذا نحو من به بخر وصُنان , وجزار له رائحة منتنة , ويستحب إخراجهم دفعاً للأذى " انتهى بتصرف.
و"البَخَر" هو الرائحة الكريهة التي تخرج من بعض الناس، و "الصُّنان" هو رائحة الإبط الكريهة.
وقال في "أسنى المطالب" (1/215) : " ويؤخذ مما ذكر أنه يُعذر بالبَخَر والصُّنَان المستحكم بطريق الأولى " انتهى.
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: إن والدي كبير ولا يذهب لصلاة الجمعة، ويقول: إنه مريض بمرضٍ هو عبارة عن بخر في الفم ورائحة كريهة، وقال: إنه لا يريد أن يؤذي الناس بهذه الرائحة، فهل يجوز فعله هذا؟ .
فأجاب: " نعم، هذا عذر شرعي، إذا كان فيه بخر شديد الرائحة الكريهة ولم يتيسر له ما يزيله فهو عذر، كما أن البصل والكراث عذر، أما إن وجد دواءً وحيلة تزيله فعليه أن يفعل ذلك حتى لا يتأخر عن صلاة الجمعة والجماعة، ولكن متى عجز عن ذلك ولم يتيسر فهو معذور أشد من عذر صاحب البصل، والبخر لا شك أنه مؤذٍ لمن حوله، إذا كان رائحته ظاهرة " انتهى من " نور على الدرب " (شرط رقم 219، الدقيقة 11) .
ونسأل الله تعالى لك الشفاء والعافية.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1742)
أقرب مسجد لعملهم تابع لطريقة صوفية فهل يصلون فيه
[السُّؤَالُ]
ـ[أقرب مسجد لنا في العمل تابع للصوفية على الطريقة العزمية، ويصلي بنا أحيانا أحد الأشخاص البسطاء الذي لا نعرف إذا كان ينتمي للطريقة أم لا. وأحيانا أخري (الصلوات الجهرية) يصلي أحد الأئمة التابعين للطريقة العزمية، ويوجد مساجد أخرى أبعد عن مكان العمل. هل نصلي في المسجد القريب حفاظا على وقت العمل، أم نصلي في مسجد آخر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
"الصوفية" اليوم عَلَم على مجموعة من الفرق والشيع، ينتشر فيها البدع والانحرافات العقدية التي يصل بعضها إلى الشرك والكفر كدعاء الأموات والاستغاثة بهم، واعتقاد وحدة الوجود، ولهذا يجب الحذر منهم، والبعد عن مجالسهم، وعدم تكثير سوادهم. وإذا عُلم أن المسجد تابع لهم، وأنه مكان وجودهم واجتماعهم اجتُنبت الصلاة فيه ولو كان الإمام غير منتمٍ لهم؛ وذلك بعدا عن مخالطة الصوفية، وسدا لذريعة إحسان الظن بهم، واغترار العامة بصلاة أهل الاستقامة معهم.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (2/301) : " في الحي الذي أسكن فيه يوجد مسجد وتوجد زاوية تابعة لطريقة صوفية، هل تجوز الصلاة في هذه الزاوية؟
الجواب: لا تصل مع هؤلاء الصوفية في زاويتهم، واحذر صحبتهم والاختلاط بهم، لئلا يصيبك ما أصابهم، وتَحَرَّ الصلاة في مسجد جماعة يتحرون السنة ويحرصون عليها.
وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود " انتهى.
وجاء فيها أيضا (1/45) : " أفتونا مأجورين بتفصيل عن حكم جماعة في مصر تسمى: (جماعة أبي العزايم) ، والتي تدعو إلى اتباع من يسمونه الإمام المجدد (محمد ماضي أبي العزايم) فيما يأتي:
1- دعاء أصحاب القبور والاستغاثة بهم، ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم، ودعاء أبي العزايم وقت غيابه.
2- حفظ وترتيل أشعار خاصة بهم تحتوي على استغاثات ونداءات وإطراء لآل البيت.
أفيدونا هدانا الله وإياكم. هل هؤلاء القوم مسلمون، فنصلي ورائهم، وننكح نساءهم، ونأكل ذبيحتهم، أم كفار فلا نفعل ذلك معهم؟
الجواب: من يدعو الله ويستغيث بالأموات من الأنبياء وغيرهم من الأولياء والصالحين فإنه مشرك الشرك الأكبر الذي يخرج من الملة، قال تعالى: (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) ، فسماه كافرا، وقال تعالى: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) ، وقال تعالى: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) ، وقال تعالى: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ) ، حكم عليهم سبحانه بالكذب، والكفر بدعائهم غير الله، وإن زعموا أنهم اتخذوهم وسائط بينهم وبين الله.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
بكر أبو زيد ... عبد العزيز آل الشيخ ... صالح الفوزان ... عبد الله بن غديان ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز " انتهى.
وينظر للفائدة: سؤال رقم (4983) .
كما ينظر لمعرفة الطريقة العزمية وانحرافاتها:
http://www.islamweb.net.qa/ver2/archive/readart.php?id=12227
والحاصل أنه لا يصلى في المساجد التابعة للطرق الصوفية، خاصة وأن بإمكانكم إقامة الصلاة في مسجد آخر، وهو وإن كان أبعد من هذا المسجد، إلا أن الحفاظ على شعيرة الصلاة أولى من الحفاظ على هذا الوقت الزائد من أوقات العمل، فصلوا فيه مع الحرص على الرجوع إلى العمل بعد أداء صلاة الفريضة دون تأخر، وبإمكانكم تأخير النافلة إلى المنزل، تقصيرا لوقت الغياب عن العمل، وإذا احتاج العمل إلى تعويض هذا الوقت الزائد، ففعلتم: كان هذا برا وإحسانا منكم.
ثانيا:
الصلاة خلف الصوفي فيها تفصيل:
فإن كان متلبسا ببدعة شركية كدعاء غير الله، أو اعتقاده أن الأولياء يعلمون الغيب، أو يتصرفون في الكون، فلا تصح الصلاة خلفه.
وإن كانت بدعته غير شركية، صحت الصلاة خلفه.
وينظر: سؤال رقم (89961) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1743)
هل البرد الشديد من الأعذار الشرعية لترك الجماعة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يعيش في بلدة باردة جداً ويخشى على نفسه المرض إذا خرج لصلاة الفجر فصلى في البيت، هل صلاته صحيحة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صلاة الجماعة واجبة في المسجد على الرجال القادرين؛ للأدلة الكثيرة الدالة على ذلك، وقد ذكرنا بعضها في جواب السؤال: رقم (120) ، ورقم (8918) .
وقد دلت السنة على أنه لا حرج على من صلى في بيته وترك الجماعة في المسجد إذا كان ذلك بعذر.
روى ابن ماجة (793) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يَأْتِهِ فَلَا صَلَاةَ لَهُ إِلَّا مِنْ عُذْرٍ) وصححه الألباني في "الإرواء" (2/337) .
والبرد إذا كان لا يمكن اتقاؤه بكثرة الملابس أو المدافئ أو الذهاب إلى المسجد في السيارة.. ونحو ذلك وخشي الرجل إن خرج إلى الصلاة أن يصاب بمرض، فهو عذر لترك الجماعة في المسجد، أما إذا كان يمكن اتقاؤه ولا يخشى حصول مرض، فليس بعذر.
وقد روى البخاري (632) ومسلم (697) عن نَافِع قَالَ: (أَذَّنَ ابْنُ عُمَرَ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ بِضَجْنَانَ - جبل بين مكة والمدينة - ثُمَّ قَالَ: صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ. فَأَخْبَرَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ مُؤَذِّنًا يُؤَذِّنُ ثُمَّ يَقُولُ عَلَى إِثْرِهِ: أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ فِي اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ أَوْ الْمَطِيرَةِ فِي السَّفَرِ) .
قال الحافظ رحمه الله:
" وَفِي صَحِيح أَبِي عَوَانَةَ: (لَيْلَةٌ بَارِدَةٌ أَوْ ذَاتُ مَطَرٍ أَوْ ذَاتُ رِيحٍ) وَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنْ الثَّلَاثَة عُذْرٌ فِي التَّأَخُّر عَنْ الْجَمَاعَة , وَنَقَلَ اِبْن بَطَّالٍ فِيهِ الْإِجْمَاع , لَكِنَّ الْمَعْرُوفَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّة أَنَّ الرِّيح عُذْرٌ فِي اللَّيْل فَقَطْ , وَظَاهِر الْحَدِيث اِخْتِصَاص الثَّلَاثَة بِاللَّيْلِ , لَكِنْ فِي السُّنَن مِنْ طَرِيق اِبْن إِسْحَاقَ عَنْ نَافِع فِي هَذَا الْحَدِيث: (فِي اللَّيْلَة الْمَطِيرَة وَالْغَدَاة الْقَرَّة [الباردة] ) , وَفِيهَا بِإِسْنَادٍ صَحِيح مِنْ حَدِيث أَبِي الْمَلِيحِ عَنْ أَبِيهِ: (أَنَّهُمْ مُطِرُوا يَوْمًا فَرَخَّصَ لَهُمْ) وَلَمْ أَرَ فِي شَيْء مِنْ الْأَحَادِيث التَّرَخُّص بِعُذْرِ الرِّيح فِي النَّهَار صَرِيحًا , لَكِنَّ الْقِيَاس يَقْتَضِي إِلْحَاقَهُ.
قَوْله: (فِي السَّفَر) ظَاهِره اِخْتِصَاص ذَلِكَ بِالسَّفَرِ , وَرِوَايَة مَالِك عَنْ نَافِع الْآتِيَة فِي أَبْوَاب صَلَاة الْجَمَاعَة مُطْلَقَةٌ , وَبِهَا أَخَذَ الْجُمْهُور , لَكِنَّ قَاعِدَةَ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ تَقْتَضِي أَنْ يَخْتَصَّ ذَلِكَ بِالْمُسَافِرِ مُطْلَقًا , وَيُلْحَق بِهِ مَنْ تَلْحَقُهُ بِذَلِكَ مَشَقَّة فِي الْحَضَر دُونَ مَنْ لَا تَلْحَقهُ، وَاَللَّه أَعْلَم " انتهى.
وقال أبو إسحاق الشيرازي في "المهذب" (1/176) :
" وتسقط الجماعة بالعذر وهو أشياء ... ومنها: أن يخاف ضررا في نفسه أو ماله أو مرضا يشق معه القصد " انتهى.
وقال النووي في "المجموع" (4/99) وهو يتكلم عن الأعذار المبيحة لترك الجماعة:
" الْبَرْدُ الشَّدِيدُ عُذْرٌ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ , وَشِدَّةُ الْحَرِّ عُذْرٌ فِي الظُّهْرِ , وَالثَّلْجُ عُذْرٌ إنْ بَلَّ الثَّوْبَ "
انتهى.
وجاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (27/186) :
" والْبَرْدُ الشَّدِيدُ لَيْلاً أَوْ نَهَارًا، وَكَذَلِكَ الْحَرُّ الشَّدِيدُ، من الأَْعْذَار العامة الَّتِي تُبِيحُ التَّخَلُّفَ عَنْ صَلاَةِ الْجَمَاعَةِ. وَالْمُرَادُ: الْبَرْدُ أَوِ لْحَرُّ الَّذِي يَخْرُجُ عَمَّا أَلِفَهُ النَّاسُ، أَوْ أَلِفَهُ أَصْحَابُ الْمَنَاطِقِ الْحَارَّةِ أَوِ الْبَارِدَةِ " انتهى.
وجاء فيها أيضاً (8/57-58) :
" وَفِي صَلاَةِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ: أَجَازَ الْفُقَهَاءُ فِي الْبَرْدِ الشَّدِيدِ التَّخَلُّفَ عَنْ صَلاَةِ الْجُمُعَةِ، وَعَنْ صَلاَةِ الْجَمَاعَةِ نَهَارًا أَوْ لَيْلاً " انتهى.
للاستزادة: راجع جواب السؤال: (70507) ، (98739) ، (109209) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1744)
صلاة الجماعة لا تجب على المرأة، وصلاتها في بيتها ولو منفردة أفضل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم صلاة الجماعة بالنسبة للمرأة؟ مع العلم أنها تجد الخشوع أكثر في الصلاة منفردة، وهل إذا وجدت جماعة في بيتها مع أبيها وإخوتها أن تصلي معهم ثانية وتعتبر هذه الصلاة نافلة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صلاة الجماعة لا تجب على المرأة، وصلاتها في بيتها منفردة أفضل من صلاتها جماعة في المسجد.
روى أبو داود (567) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمْ الْمَسَاجِدَ، وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (515) .
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
" لا يجب على النساء أداء أي صلاة من الفرائض الخمس في جماعة، وصلاتهن في بيوتهن خير لهن من صلاتهن في المساجد، سواء كانت فريضة أم نافلة، لكنها لو أرادت الصلاة في المسجد لا تمنع من ذلك على أن تتأدب بآداب الإسلام، في خروجها وفي صلاتها؛ بأن تخرج متسترة غير متطيبة وتصلي خلف الرجال " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (8/213) .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله:
" وأما النساء فصلاتهن في بيوتهن خير لهن سواء كن فرادى أو جماعات " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (12/ 78)
وإذا أقيمت صلاة الجماعة في البيت فالأفضل للمرأة أن تصلي معهم ولا تصلي منفردة، سواء كانت الجماعة نساءً أو رجالاً من محارمها.
روى ابن أبي شيبة في "المصنف" (4989) عَنْ أُمِّ الْحَسَنِ: أَنَّهَا رَأَتْ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَؤُمُّ النِّسَاءَ، تَقُومُ مَعَهُنَّ فِي صَفِّهِنَّ، وصححه الألباني في "تمام المنة" (ص154) .
وروى البيهقي (5138) : أن عائشة رضي الله عنها أمت نسوة في المكتوبة، فأمتهن بينهن وسطا وصححه النووي في "الخلاصة" كما في "نصب الراية" للزيلعي (2/39) .
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
" وإن صلين جماعة في البيت فهو أفضل، وتكون إمامتهن في وسطهن في الصف الأول، ويؤمهنّ أقرؤهن، وأعلمهن بأحكام الدين " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (8/213) .
وأما كون المرأة تجد الخشوع أكثر في الصلاة منفردة، فالأفضل أنها إذا أقيمت جماعة في البيت أن تصلي معهم، حتى تنال فضل ثواب الجماعة – وهو فضل عظيم – وحتى لا يكون تركها الصلاة مع هذه الجماعة سبباً لإساءة الظن بها، ككراهتها للإمام أو الجماعة.
ويخشى أن يكون شعورها بالخشوع أكثر في صلاتها منفردة مجرد وهم، يريد الشيطان بذلك أن يمنعها من هذا فضل صلاة الجماعة.
فالمطلوب منها: أن تصلي مع جماعة البيت، وتجتهد في الخشوع في الصلاة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1745)
إذا فاتته الجماعة الأولى في المسجد فهل يصلي بأهله أم يأتي المسجد للجماعة الثانية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تعتبر صلاة الرجل في بيته مع أبنائه جماعة؟ وهل ينبغي لمن فاتته صلاة الجماعة الأولى في المسجد أن يبادر إلى المسجد ليدرك الجماعات اللاحقة أم أنه يجزئه أن يصلي في بيته مع أولاده مثلا؟ وهل صلاة الرجل مع زوجته فقط تعتبر جماعة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صلاة الجماعة في المسجد واجبة على الرجال القادرين إذا سمعوا النداء، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم (120) ورقم (8918) .
ومن أتى المسجد وقد فاتته الجماعة شرع له أن يصلي جماعة مع غيره ممن فاتته، أو مع من يتصدق عليه من المصلين؛ لما روى أبو داود (574) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْصَرَ رَجُلًا يُصَلِّي وَحْدَهُ، فَقَالَ: (أَلَا رَجُلٌ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا فَيُصَلِّيَ مَعَهُ؟) والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود.
وإن علم انقضاء جماعة المسجد وهو في بيته، فله أن يصليها مع أهله، أو يأتي المسجد فيصليها مع الجماعة الثانية.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم تعدد الجماعة في مسجد له إمام راتب، ومؤذن راتب؟
فأجاب: "تعدد الجماعة على قسمين: القسم الأول: أن يكون ذلك راتباً بحيث تتعمد الجماعة الثانية التأخر، حتى تقيم جماعة أخرى، فهذه بدعة؛ لأن المسجد لا يقام فيه إلا جماعة واحدة.
والقسم الثاني: ألا يكون ذلك راتباً معتاداً؛ لكن بعد أن تنتهي الجماعة الأولى يأتي أناس يدخلون المسجد فيصلون جماعة فهذا مشروع وسنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان مع أصحابه ذات يوم، فدخل رجل قد فاتته الصلاة، فقال: (من يتصدق على هذا فيصلي معه) فقام أحد الصحابة فصلى معه.
ولأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كان أكثر فهو أحب إلى الله) .
وأما تَوَهُّمُ مَن تَوَهَّم من الناس أن إقامة الجماعة الثانية بدعة، فهذا صحيح فيما إذا كان على وجه الراتب المعتاد، أما ما كان طارئاً فإن إقامة الجماعة الثانية سنة؛ لأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
السائل: ولو أقامها في البيت بعد انقضاء الجماعة الأولى؟
الشيخ: لا، في المسجد أحسن؛ لأن إقامتها في المسجد ربما تكثر الجماعة، يدخل معه أناس يأتون فيما بعد، فيكون أفضل، ثم إن الغالب أن الإنسان يخرج من بيته إلى المسجد من أجل أن يصلي مع الجماعة، فتفوته، فيأتي وهم قد صلوا، فإذا أقامها في المسجد كان هذا أنفع له ولغيره؛ لأنه ربما لو رجع هو وصاحبه إلى البيت، وصليا جماعة، يأتي إنسان آخر مثلاً فدخل بعد انتهاء الجماعة الأولى ولا يجد جماعة، فتفوته الجماعة، فالأفضل أن تكون في المسجد.
نعم، لو فُرِض أنه عَلِم في بيته أن الجماعة قد انتهت، فهنا نقول: لا فرق، صلِّ في بيتك؛ لأنه لو خرج إلى المسجد قد يخجل أن يقابله الناس وهم قد خرجوا من الصلاة، فيصلي في بيته.
أما إذا كان قد جاء ودخل المسجد ووجدهم قد صلوا فلا ينصرف، بل يصلي مع الجماعة في المسجد " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (41/12) .
والجماعة تتحقق باثنين: إمام ومأموم، فلو كان الرجل معذورا في ترك الجماعة أو فاتته الجماعة فصلى بزوجته، فهي جماعة، وتقف الزوجة خلفه.
وينظر جواب السؤال رقم (98739) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1746)
حكموا على إمامهم الذي توسل بحق النبي أنه مشرك! وتركوا الصلاة وراءه وأحدثوا لغطاً
[السُّؤَالُ]
ـ[في إحدى ليالي العشر تقدم بنا لصلاة الوتر أحد نواب إمام المسجد، وهو رجل عامي، غير متمكن في العلم الشرعي، لكن فيه خير، نحسبه كذلك، ولا نزكي على الله أحداً، فعندما كان يقنت سأل الله عز وجل بحق محمد، فحصل لغط في تلك الليلة من قبَل بعض الشباب، وصنفوا الرجل بأنه مشرك! ولا يجوز لرواد المسجد أن يصلوا خلفه إذا تقدم بهم هذا الإمام، وبناءً على هذه الفتوى فقد طبقت على أرض الواقع في الليلة التالية لليلة تلك المشكلة، حيث انتظر بعض الشباب - وهم قلة قليلة مقارنة برواد المسجد - دخول ذلكم الإمام لصلاة الوتر إلى مؤخرة المسجد للقيام بجماعة أخرى تؤدى فيها صلاة الوتر، وبعد صلاتهم هذه حصل في المسجد خلاف، وانقسام، فهل هذا الفعل صحيح؟ وهل يصنف الإمام بأنه مشرك بسبب الدعاء بلفظة " بحق محمد "؟ وإذا أخطأ إمام بمثل هذا الأمر هل يشرع للناس أن ينشقوا عنه ويُحدثوا جماعة أخرى تصلي بنفس وقت صلاة الإمام؟ وما هي نصيحتكم لمن شملهم السؤال – الإمام، والمنشقون، بقية المأمومين -؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ما فعله هؤلاء الذين حكموا على الإمام أنه مشرك، لأنه سأل الله تعالى بحق محمد صلى الله عليه وسلم: فعل منكر، وليس يعني هذا أن الإمام أصاب في قوله، بل هو مخطئ، وواقع في بدعة، لكن ما فعله أولئك منكر أيضاً، وهم لم يصفوا فعله بأنه شرك، بل تعدى ذلك إلى الحكم عليه بأنه مشرك، ورتبوا على ذلك عدم الصلاة خلفه، والواجب عليهم التمهل في إطلاق الأحكام، والرجوع لأهل العلم، وعدم الجرأة في تكفير الناس.
والتوسل المشروع أنواع، وقد ذكرناها في جواب السؤال رقم: (979) ، والسؤال بجاه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وحقه، وجاه الصالحين وحقهم: ليس شركاً، وأعلى ما يقال فيه أنه وسيلة إلى الشرك، لا أنه شرك بذاته.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
أما إذا توسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: اللهم إني أسألك بجاه محمد، أو بحق محمد: فهذا بدعة، عند جمهور أهل العلم، نقص في الإيمان، ولا يكون مشركاً، ولا يكون كافراً، بل هو مسلم، ولكن يكون هذا نقصاً في الإيمان، وضعفاً بالإيمان، مثل بقية المعاصي التي لا تخرج عن الدين ; لأن الدعاء، ووسائل الدعاء: توقيفية، ولم يرد في الشرع ما يدل على التوسل بجاه محمد صلى الله عليه وسلم، بل هذا مما أحدثه الناس، فالتوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم، أو بجاه الأنبياء، أو بحق النبي، أو بحق الأنبياء، أو بجاه فلان، أو بجاه علي، أو بجاه أهل البيت: كل هذا من البدع , والواجب ترك ذلك، لكن ليس بشرك، وإنما هو من وسائل الشرك، فلا يكون صاحبه مشركاً، ولكن أتى بدعة تنقص الإيمان، وتضعف الإيمان، عند جمهور أهل العلم.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (7 / 129، 130) .
وقال – رحمه الله -:
فلا يقول الإنسان: اللهم اغفر لي بحق فلان، أو بحق محمد، أو بحق الصالحين، أو بحق الأنبياء، أو بجاه الأنبياء، أو بحرمة الأنبياء، أو ببركة الأنبياء، أو ببركة الصالحين، أو ببركة علي، أو ببركة الصديق، أو ببركة عمر، أو بحق الصحابة، أو حق فلان، كل هذا لا يجوز، هذا خلاف المشروع، وبدعة، وهو ليس بشرك، لكنه بدعة، لم يرد في الأسئلة التي دعا بها النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك أصحابه رضي الله عنهم.
وإنما يتوسل بما شرعه الله من أسماء الله، وصفاته، ومن توحيده، والإخلاص له، ومن الأعمال الصالحات، هذه هي الوسائل ... .
" فتاوى نور على الدرب " (1 / 356) .
وبه يتبين أن ما قام به أولئك الذين حكموا على الإمام بأنه مشرك: أنهم وقعوا في الخطأ، من جهة الشرع، ومن جهة الإمام، فالواجب عليهم التوبة من فعلهم، والندم على حكمهم، وعدم العود لمثل هذا الفعل، مع طلب السماح من الإمام.
ثانياً:
الصلاة خلف أهل البدع – وإمامكم إن استمر على توسله فيكون منهم -: جائزة، إن كانت بدعتهم غير مكفِّرة، ومع جواز الصلاة خلف الإمام المبتدع، فإنه يجوز ترك الصلاة وراءه للصلاة في مسجد آخر زجرا له إن كان سينتهي عن بدعته بمثل ذلك، ولا يجوز ترك الصلاة وراءه وعمل صلاة في وقت الجماعة الأولى، ولا ترك الصلاة وراءه والصلاة في البيت، بل شرط ترك الصلاة وراءه: نفع ذلك الهجر له، وإقامة الصلاة في مسجد سنِّي.
وقد ذكرنا هذه المسألة بتفصيل في جواب السؤالين: (20885) و (40147) .
ثالثاً:
النصيحة للإمام أن يتقي الله تعالى ربَّه في اعتقاده، وعبادته، وأن يدع ما عليه أهل البدع، وأن يلتزم طريق أهل السنَّة والجماعة.
والنصيحة لأولئك المنشقين: أن يتوبوا من جرأتهم على الفتوى، وعلى الحكم على الإمام بأنه مشرك، وأن يعتذروا منه، وأن يرجعوا لمسجدهم ليقيموا الصلاة خلف إمامهم، ولا يحل لهم الصلاة معه في الوقت نفسه في جماعة أخرى، وليتحلوا بالأخلاق الفاضلة، وليتدرجوا في دعوة الناس إلى الحق، فإن الحق ثقيل، وغريب في كثير من ديار المسلمين.
نسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقّاً، ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً، ويرزقنا اجتنابه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1747)
صلاة المقيم خلف إمام مسافر
[السُّؤَالُ]
ـ[في حالة أن يكون الإمام مسافرا , وكان المصلون من خلفه مقيمين , فهل يجب على المقيم أن يتابع الإمام حتى لو قصر الصلاة؟ لو فرضنا في صلاة العشاء , فان الإمام سوف يسلّم بعد الركعة الثانية , ففي هذه الحالة ماذا يجب على المصلي المقيم من خلفه , أيتم أم يقصر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
دلت السنة النبوية على جواز صلاة المقيم خلف المسافر، وعلى أن المقيم يتم صلاته ولا يقصرها إذا قصر إمامه المسافر، ورد ذلك في حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيه ضعف ولكنه متفق على فقهه عند المذاهب الأربعة وغيرهم.
عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال:
(غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَهِدْتُ مَعَهُ الْفَتْحَ، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ ثَمَانِي عَشْرَةَ لَيْلَةً لَا يُصَلِّي إِلَّا رَكْعَتَيْنِ، وَيَقُولُ: يَا أَهْلَ الْبَلَدِ صَلُّوا أَرْبَعًا فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ)
رواه أبو داود (رقم/1229) وضعفه الألباني في " ضعيف أبي داود "
وروى مالك في " الموطأ " (2/206) عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ: (كَانَ إِذَا قَدِمَ مَكَّةَ صَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَقُولُ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ! أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ)
قال ابن قدامة رحمه الله:
" أجمع أهل العلم على أن المقيم إذا ائتم بالمسافر , وسلم المسافر من ركعتين , أن على المقيم إتمام الصلاة، وقد روي عن عمران بن حصين قال: (شهدت الفتح مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقام بمكة ثماني عشرة ليلة لا يصلي إلا ركعتين , ثم يقول لأهل البلد: صلوا أربعا , فإنا سفر) رواه أبو داود.
ولأن الصلاة واجبة عليه أربعا , فلم يكن له ترك شيء من ركعاتها كما لو لم يأتم بمسافر " انتهى.
" المغني " (2/64) .
وقال الكاساني الحنفي رحمه الله:
" اقتداء المقيم بالمسافر يصح ... ثم إذا سلم الإمام على رأس الركعتين لا يسلم المقيم ; لأنه قد بقي عليه شرط الصلاة، فلو سلم لفسدت صلاته , ولكنه يقوم ويتمها أربعا لقوله صلى الله عليه وسلم: (أتموا يا أهل مكة فإنا قوم سفر)
وينبغي للإمام المسافر إذا سلم أن يقول للمقيمين خلفه: (أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر) اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم " انتهى.
" بدائع الصنائع " (1/101)
ويقول الشيخ ابن باز رحمه الله:
" إذا صلى المقيم خلف المسافر صلاة الفريضة كالظهر والعصر والعشاء فإنه يصلي أربعا، وبذلك يلزمه أن يكمل صلاته بعد أن يسلم المسافر من الركعتين " انتهى.
" مجموع فتاوى ابن باز " (12/259)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" يجوز للمسافر أن يكون إماماً للمقيمين , وإذا سلم يقوم المقيمون فيتمون الصلاة بعده , ولكن ينبغي للمسافر الذي أمَّ المقيمين أن يخبرهم قبل أن يصلي فيقول لهم إنا مسافرون فإذا سلمنا فأتموا صلاتكم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بمكة عام الفتح وقال (أتموا يأهل مكة فإنا قوم سفر) فكان يصلي بهم ركعتين وهم يتمون بعده " انتهى.
" مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين " (15/153)
وانظر " نيل الأوطار " (3/199) ، " الموسوعة الفقهية " (6/33)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1748)
مطلوب للأمن بسبب ديون عليه فهل يعذر بترك جماعة المسجد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ابتليت بديون أثقلت كاهلي بشدة (إلى الله المشتكى) ، وأحد الذين يطلبوني رهنت بيتي عنده، وأنا متخلف عن السداد لأني خسرت تجارتي، وهو الآن اشتكاني، وكتب على بيتي " للبيع "، وهددني عن طريق الحقوق، وصار اسمي الآن من المطلوبين جنائيّاً (عسى الله أن يفرجها) ، وهو - الرجل - يقف أمام منزلي، ومعه أمر بإلقاء القبض عليَّ. وأنا الآن انحرمت من الصلاة في الجماعة بسبب خوفي من السجن (والله إني أخرج لصلاة الجمعة وكأني لص، أخرج باكراً، ولا أعود إلا متأخراً خوفاً من أن يقبض عليّ........) ، والله إني أخاف على والدتي أن تصاب بجلطة لو قبض عليَّ، فهل عليَّ إثم بعدم صلاتي في الجماعة لهذا السبب؟ علما بأني أصلي بزوجتي، أو أحد أخواتي، أو والدتي - أحياناً -، فهل تغني عن الجماعة؟ . أرجوك الدعاء لي، ونصحي بما ورد من الدعاء لفك الكرب عسى الله أن يفرجها وييسر لي أموري، فأنا بأشد الحاجة لفرَج رب العزة والجلال.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله أن يفرج كربك، وأن ييسر أمرك، وأن يسدَّ عنك ديْنك، ونوصيك بمزيد من الدعاء والتضرع لرب العالمين، فهو القادر سبحانه وتعالى على تفريج الكربات. ومما نوصيك به من أدعية:
1. عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ مُكَاتَبًا جَاءَهُ فَقَالَ: إِنِّي قَدْ عَجَزْتُ عَنْ كِتَابَتِي فَأَعِنِّي، قَالَ: أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ عَلَّمَنِيهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِثْلُ جَبَلِ صِيرٍ [اسم جبل] دَيْنًا أَدَّاهُ اللَّهُ عَنْكَ، قَالَ: قُلْ: (اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِحَلَالِكَ عَنْ حَرَامِكَ وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ) رواه الترمذي (3563) وحسَّنه الألباني في " صحيح الترمذي ".
2. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو عِنْدَ الْكَرْبِ، يَقُولُ: (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) رواه البخاري (5985) ومسلم (2730) .
3. عَنْ سَعْد بن أبي وقَّاص رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنْ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ) رواه الترمذي (3505) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
4. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَرَبَهُ أَمْرٌ قَالَ: (يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ) رواه الترمذي (3524) وحسَّنه الألباني في " صحيح الترمذي ".
5. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُود رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ نَاصِيَتِي بِيَدِكَ مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي وَنُورَ صَدْرِي وَجِلَاءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا) قَالَ: فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَتَعَلَّمُهَا؟ فَقَالَ: (بَلَى يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا) رواه أحمد (3704) وصححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (199) .
ثانياً:
بخصوص عدم صلاتك في المسجد جماعةً بسبب خوفك من أن يُقبض عليك: فاعلم أن هذا من الأعذار المبيحة لترك صلاة الجماعة في المسجد.
قال النووي رحمه الله في بيان أعذار التخلف عن الجماعة:
"أو يخاف من غريمٍ له يحبسه، أو يلازمه، وهو معسر، فيُعذر بذلك، ولا عبرة بالخوف ممن يطالبه بحق هو ظالم في منعه، بل عليه توفية الحق، والحضور" انتهى.
" المجموع شرح المهذب " (4 / 205) .
وقال ابن قدامة رحمه الله:
"والخوف ثلاثة أنواع: خوف على النفس، وخوف على المال، وخوف على الأهل، فالأول: أن يخاف على نفسه سلطاناً يأخذه، أو عدواً، أو لصّاً، أو سبُعاً، أو دابَّةً، أو سيلاً، أو نحو ذلك بما يؤذيه في نفسه، وفي معنى ذلك: أن يخاف غريماً له يلازمه ولا شيء معه يوفيه؛ فإنَّ حبْسه بديْنٍ هو معسر به ظلمٌ له، فإن كان قادراً على أداء الدَّيْن: لم يكن عذراً له" انتهى.
" المغني " (1 / 692) .
وإذا كان الأمر كذلك: فيجو لك أن تصلي جماعة في البيت مع أهلك.
وقد ذكرت أن لك بيتاً موهونا عند أحد الدائنين، فعليك المبادرة ببيع هذا البيت وسداد ما عليك من الديون، ولا يجوز لك المماطلة أو تأخير بيعه من غير سبب، وإلى أن يتم ذلك فلك أن تصلي في بيتك.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1749)
يؤخر الصلاة لرجوعه من العمل مرهقا، ولأنه لن يخشع في صلاته
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم تأخير الصلاة بعد الرجوع من الدوام، أو بعد التعب الشديد بالرغم أنه لو صليت لا يكون هناك خشوع نهائياً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله يجب على الرجل البالغ القادر أن يصلي الصلوات الخمس جماعة في المسجد؛ لأدلة كثيرة سبق بيانها في جواب السؤال رقم (8918) ، ورقم (21498) . وما دمت مستيقظا، وقد حضرت الصلاة، فعليك أن تخرج لأدائها، ولا تلتفت إلى ما يوسوس به الشيطان والنفس الأمارة بالسوء من عدم وجود الخشوع حينئذ، فإنك إذا اعتدت الخروج للمسجد سهل عليك الأمر، ووجدت الخشوع والاطمئنان، ثم اجعل وقت راحتك بعد ذلك. وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: غالبا ما تفوتني صلاة العصر، وأصليها في المنزل، وذلك بسبب عملي الذي لا ينتهي إلا بأذان العصر، وأخرج من العمل وأنا مرهق، وليس لدي وقت للراحة والأكل، ولا أقدر على الصلاة في وقتها، فهل يصح لي الصلاة في البيت وتأخير الصلاة عن وقتها؟ فأجاب: " ليس ما ذكرته عذرا يسوغ لك تأخير الصلاة مع الجماعة، بل الواجب عليك أن تبادر إليها مع إخوانك المسلمين في بيوت الله عز وجل، ثم تكون الراحة وتناول الطعام بعد ذلك؛ لأن الله سبحانه أوجب عليك أداء الصلاة في وقتها مع إخوانك المسلمين في الجماعة، وليس ما ذكرته عذرا شرعيا في تأخيرها، ولكن ذلك من خداع الشيطان والنفس الأمارة بالسوء، ومن ضعف الإيمان، وقلة الخوف من الله عز وجل، فاحذر هواك وشيطانك ونفسك الأمارة بالسوء تحمد العاقبة، وتفوز بالنجاة والسعادة في الدنيا والآخرة، وقاك الله شر نفسك، وأعاذك من نزغات الشيطان " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (10/379) . والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1750)
قول الإمام "إن الله لا ينظر إلى الصف الأعوج"
[السُّؤَالُ]
ـ[كثيراً ما نسمع من أئمة المساجد عند تسوية الصفوف قول: (إن الله لا ينظر إلى الصف الأعوج) ، هل هو حديث أو قول؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" لا شك أن الصف الأعوج صف ناقص، وأن المصلين يأثمون إذا لم يسووا الصف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم توعد مَن لم يسوِّ الصف، فقال: (عباد الله، لتسوُّن صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم) ، وأما الحديث الذي ذكرت: (إن الله لا ينظر إلى الصف الأعوج) ، فهذا ليس بصحيح " انتهى.
الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
"لقاءات الباب المفتوح" (1/21) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1751)
هل يؤمن المصلي في السرية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا انتهى الإنسان من الفاتحة في الصلاة السرية هل يؤمن أم لا؟ وهل يجهر بالتأمين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا انتهى من الفاتحة يقول: آمين في الصلاة السرية والجهرية، لكن لا يجهر بها في الصلاة السرية، ويجهر بها في الصلاة الجهرية" انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
"لقاءات الباب المفتوح" (3/488) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1752)
هل يجعل السترة تلقاء وجهه مباشرة أم ينحرف عنها قليلاً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى في زاد المعاد أن من السنة في اتخاذ السترة للمصلي أنها لا تكون أمامه مباشرة، بل تكون عن يمينه، أو عن يساره، فنريد توضح ذلك وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"يريد ابن القيم رحمه الله أنك إذا اتخذت سترة في الصلاة فلا تقابلها مقابلة تامة، اجعلها عن يمينك شيئاً ما، أو عن يسارك شيئاً ما، لورود حديث بذلك عن النبي عليه الصلاة والسلام، لكن الحديث الذي ورد في هذا لين، فيه شيء من الضعف، وظاهر الأدلة أن السترة تكون بين يدي المصلي تماماً، وأنه يستقبلها بدون أن تكون عن يمينه أو عن شماله، والأمر في هذا واسع؛ إن صمد إليها صمداً فلا بأس، والإنسان بعيد عن أن يجعلها كالصنم، وإن جعلها عن يمينه أو عن يساره شيئاً ما فلا بأس" انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
"لقاءات الباب المفتوح" (3/516) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1753)
جواز طرد المؤذي للمصلين في صلاتهم بأقواله وأفعاله من المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[يأتي إلينا رجل يصلي وهو مواظب على جميع الصلوات ودائما يذكر الله، ولكن بعد فترة من الزمن قد أصابه نوع من النسيان، أو مرض آخر لا نعرفه، بدأ برفع صوته أثناء الصلوات، وهذا منذ ما يقارب السنَة، فينزعج منه المصلون، والكثيرون أصبحوا يوبخونه، وفي الحقيقة لم يعد هناك تركيز، ولا خشوع في الصلاة، إلى أن طرده أحد المصلين من المسجد، وأنذره على أن لا يعود مرة أخرى، وهو يبلغ من العمر ما يقارب الستين، وهو غير مؤذي، ولا يتكلم مع أحد إلا للسلام، وقد آلمني طرده من المسجد. لا أدري هل الأفضل له أن يصلي في بيته كي لا يفقد المصلون خشوعهم ويأتي عليه بإثم، مع أنه لا يعي بما يفعله؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يجب على المسلمين أن يراعوا رفعة بيوت الله تعالى، وتطهيرها من الأقوال والأفعال غير اللائقة بتلك البيوت، قال الله تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ. رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) النور/36، 37.
قال ابن كثير رحمه الله:
" (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ) أي: أمر الله تعالى برفعها، أي: بتطهيرها من الدنس، واللغو، والأفعال والأقوال التي لا تليق فيها، كما قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في هذه الآية الكريمة: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ) قال: نهى الله سبحانه عن اللغو فيها " انتهى.
"تفسير ابن كثير" (6/62) .
ثانياً:
لا يحل لأحدٍ أن يجهر بالقرآن أو الذِّكر فيشوش على غيره من المصلين.
فعَنْ أَبِى سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْجِدِ فَسَمِعَهُمْ يَجْهَرُونَ بِالْقِرَاءَةِ فَكَشَفَ السِّتْرَ وَقَالَ: (أَلاَ إِنَّ كُلَّكُمْ مُنَاجٍ رَبَّهُ، فَلاَ يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَلاَ يَرْفَعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِى الْقِرَاءَةِ) ، أَوْ قَالَ: (فِي الصَّلاَةِ) رواه أبو داود (1332) ، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".
فمن يشوش على الناس صلاتهم برفع صوته: فهي أذية لهم، وعلى الناس تنبيهه وزجره، فإن لم يرتدع: جاز طرده من المسجد، وإن كان مريضاً أو مجنوناً: فيُخاطب وليُّه بمنعه من دخول المسجد، فإن لم يستجب الولي، أو ذلك المؤذي: جاز طرده من المسجد؛ صيانةً لبيوت الله من العبث فيها؛ وحفاظاً على صلاة الناس وعبادتهم، وطرد هذا أولى من طرد المؤذي للناس برائحة البصل والثوم.
فعن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قال: (إِنَّكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ تَأْكُلُونَ شَجَرَتَيْنِ لاَ أَرَاهُمَا إِلاَّ خَبِيثَتَيْنِ، هَذَا الْبَصَلَ وَالثُّومَ، لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا وَجَدَ رِيحَهُمَا مِنَ الرَّجُلِ فِي الْمَسْجِدِ أَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ إِلَى الْبَقِيعِ، فَمَنْ أَكَلَهُمَا فَلْيُمِتْهُمَا طَبْخًا) رواه مسلم (567) .
قال القرطبي رحمه الله:
" قال العلماء: وإذا كانت العلة في إخراجه من المسجد أنه يُتأذى به: ففي القياس: أنَّ كلَّ من تأذى به جيرانه في المسجد بأن يكون ذرب اللسان [سليط اللسان] ، سفيهاً عليهم، أو كان ذا رائحة قبيحة، أو عاهة مؤذية كالجذام، وشبهه، وكل ما يتأذى به الناس: كان لهم إخراجه، ما كانت العلة موجودة حتى تزول.
قال أبو عمر بن عبد البر: وقد شاهدتُ شيخنا أبا عمر أحمد بن عبد الملك بن هشام رحمه الله أفتى في رجل شكاه جيرانه، واتفقوا عليه أنه يؤذيهم في المسجد بلسانه، ويده، فشُوور فيه، فأفتى بإخراجه من المسجد، وإبعاده عنه، وألا يشاهِد معهم الصلاة، إذ لا سبيل مع جنونه واستطالته إلى السلامة منه، فذاكرتُه يوماً أمره، وطالبته بالدليل فيما أفتى به من ذلك، وراجعته فيه القول، فاستدل بحديث " الثُوْم "، وقال: هو عندي أكثر أذى من أكل الثوم، وصاحبه يُمنع من شهود الجماعة في المسجد " انتهى من "تفسير القرطبي" (12/267، 268) باختصار.
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: يوجد في قريتنا شاب مختل العقل، ويقلد الناس في كل شيء، ويحضر للجامع عند كل صلاة ويصف مع الناس للصلاة، ولكنه يركع قبل الإمام، ويسجد أيضاً كما يشاء، وكل أفعاله تخالف أفعال المصلين لدرجة أننا تضايقنا منه، هل يجوز لنا أن نمنعه من الحضور للمسجد؟ .
فأجاب:
" هذا الرجل المختل العقل: لا شك أن حضوره إلى المسجد على هذا الوجه الذي ذكره السائل موجب لانشغال المصلين به، ولهذا أوجه النصيحة إلى وليِّه أن يمنعه من الحضور إلى المسجد؛ لما في ذلك من أذية المصلين، وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قال للرجل الذي رآه يتخطى رقاب الناس وهو يخطب الناس يوم الجمعة، فقطع النبي صلى الله عليه وسلم خطبته وقال له: (اجلس فقد آذيت) : فإنَّ ما ذكره السائل عن هذا الرجل أشد إيذاءً من تخطي الرقاب؛ لأن متخطي الرقاب غاية ما يكون منه أن يشغل الناس عن استماع الخطبة، أما هذا فإنه يشغل الناس عن الخشوع في الصلاة، وحضور القلب فيها، فأكرر النصيحة لوليه أن يمنعه من حضور المسجد تفادياً لإيذائه، وإذا كان وليه لا يسمع ما أقول: فإني أقول لكم أنتم أهل المسجد: اتصلوا بوليِّه، واطلبوا منه منعه، فإن وافق على ذلك: فهو المطلوب، وإن لم يوافق: فاتصلوا بالجهات المسؤولة عن المساجد لمنعه، فإن لم يكن هناك مسؤول عن المساجد: فلكم أن تمنعوه، وليكن هذا بواسطة الإمام، أو المؤذن؛ لأنهما أقرب مسؤول عن المسجد؛ ولئلا تحصل الفوضى والنزاع بينكم وبين وليه؛ لأنه إذا كان الأمر قد أتى من إمام المسجد أو مؤذنه: كان أهون على الناس" انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (شريط 209، وجه: ب) .
فعلى هذا؛ يجوز لكم منع ذلك المؤذي من دخول المسجد، إن لم يكف عن إيذاء المصلين برفع صوته والتشويش عليهم.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1754)
إذا دخل المسجد وقد رفع الإمام من الركوع فماذا يقول؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أتيت للمسجد والإمام قد رفع من الركوع فما أقول في هذا الوضع؟ ، أأقول " ربنا ولك الحمد" أم ماذا]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا دخلت المسجد وقد رفع الإمام من الركوع، فإنك تقول الذكر المشروع في هذا المحل وهو: " ربنا ولك الحمد " ولا تقول دعاء الاستفتاح، لأن محله أول الصلاة، ولا الاستعاذة، لأن محلها قبل القراءة.
وقد روى البخاري (689) ومسلم (411) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا، فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ) .
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (33592) و (43574) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا دخلت مع الإمام وهو راكع فهل إذا قمت إلى الركعة الثانية أقرأ دعاء الاستفتاح أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: "إذا دخل المسبوق مع الإمام وهو راكع فإنه أولاً يكبر تكبيرة الإحرام قائماً قبل أن يهوي ثم يهوي إلى الركوع وفي هذه الحال إن كبر للركوع فهو أفضل وإن لم يكبر فلا بأس عليه هكذا قال العلماء رحمهم الله، ثم إذا قام إلى الركعة الثانية فإنه لا يستفتح لأن الاستفتاح إنما يكون في أول الصلاة وأول الصلاة قد مضى، فهو سنة فات محلها فلا تقضى في غير مكانها، ولكنه يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم من أجل القراءة " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
والحاصل: أن من أدرك الإمام في موضع، أتى بالذكر المشروع في ذلك الموضع، كما لو أدركه في الجلوس بين السجدتين، فإنه يقول: رب اغفر لي، وكما لو أدركه في التشهد فإنه يأتي به، وهكذا.
وينظر جواب السؤال رقم (69821) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1755)
استحباب تأخير العشاء ووجوب أدائها مع جماعة المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[في أسرتي عادة ما يؤخر إخواني صلاة العشاء للثلث الثاني من الليل، فهل يجب عليّ صلاتها في أول وقتها بمفردي أم أنتظرهم لكي نصلى جماعة؟ كما أرجو أن تخبروني بأهمية وفضل أداء الصلاة في أول وقتها، وما هو الفرق الذي سيكون يوم القيامة بين منزلة شخصين أحدهما كان يصلي في أول الوقت، والآخر يؤخر الصلاة لآخر وقتها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
جاء في فضل الصلاة أول وقتها، ما رواه البخاري (527) ومسلم (85) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: (سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِهَا. قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ. قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) .
وروى أبو داود (426) عَنْ أُمِّ فَرْوَةَ رضي الله عنه قَالَتْ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: (الصَّلَاةُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا) ، والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود.
ويستثنى من ذلك أمران:
الأول: الإبراد بالظهر - أي تأخيرها عند شدة الحر حتى يبرد الجو -؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم) رواه البخاري (537) ومسلم (615) .
الثاني: تأخير العشاء إلى ثلث الليل لمن يصليها وحده، أو للجماعة إذا لم يشق عليهم ذلك؛ لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:
(لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل، أو نصفه) رواه الترمذي (167) ، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: أعتم النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة - أي: أخر صلاة العشاء حتى اشتدت ظلمة الليل - حتى ذهب عامة الليل حتى نام أهل المسجد، ثم خرج فصلى فقال: (إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي) أخرجه مسلم (638) .
ثانياً:
وقت العشاء يمتد إلى منتصف الليل، فلا يجوز تأخيرها عن ذلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وَوَقْتُ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ الأَوْسَطِ) رواه مسلم (612) .
ويحسب منتصف الليل بمعرفة الزمن بين الغروب وطلوع الفجر، وقسمته على اثنين، ويعرف الثلث الأول بقسمته على ثلاثة.
ثالثاً:
صلاة الجماعة واجبة في المساجد على الرجال القادرين، في أصح قولي العلماء؛ لأدلة كثيرة منها: ما رواه أبو داود (551) وابن ماجه (793) - واللفظ له - وابن حبان في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر) .
والحديث رواه الحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يتعقبه الذهبي، وقال الألباني في الإرواء (551) : وهو كما قالا. وصحح الحافظ في التلخيص إسناد ابن ماجه والحاكم.
وينظر جواب السؤال رقم (8918) ، ورقم (21498) .
وعليه؛ فلا يجوز لك أو لإخوانك التخلف عن صلاة الجماعة في المسجد بلا عذر، وحضور العشاء مع جماعة المسجد مقدم على مصلحة تأخيرها إذا فعلت في البيت؛ لأن ذلك واجب، وهذا مستحب.
وإذا كان المسجد بعيداً عنكم بحيث لا تسمعون صوت المؤذن، فلا حرج من صلاتكم في البيت حينئذ، ويستحب تأخير العشاء إلى ما بعد ثلث الليل الأول، إلا إذا كان في هذا التأخير مشقة، أو يخشى أن يكون سبباً لتضييع الصلاة أو التكاسل عنها، فإنها تصلى في أول الوقت.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1756)
متعب من العمل ولا يريد الصلاة مع الجماعة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم شخص يأتي من الدوام تعبان ويقوم ويتغدى ثم ينتظر أذان العصر فيصلي في البيت منفرداً ولا يذهب لتأديتها مع الجماعة ثم ينام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله عن مثل هذا السؤال فأجاب:
ليس ما ذكرته عذراً يسوغ لك تأخير الصلاة مع الجماعة، بل الواجب عليك أن تبادر إليها مع إخوانك المسلمين في بيوت الله عز وجل، ثم تكون الراحة وتناول الطعام بعد ذلك، لأن الله سبحانه أوجب عليك أداء الصلاة في وقتها مع إخوانك المسلمين في الجماعة، وليس ما ذكرته عذراً شرعياً في تأخيرها، ولكن ذلك خداع من الشيطان والنفس الأمارة بالسوء، ومن ضعف الإيمان وقلة الخوف من الله عز وجل، فاحذر هواك وشيطانك ونفسك الأمارة بالسوء تحمد العاقبة وتفوز بالنجاة والسعادة في الدنيا والآخرة. وقاك الله شر نفسك وأعاذك من نزغات الشيطان.
[الْمَصْدَرُ]
مجموع فتاوى الشيخ ابن باز ج/12 ص/29.(5/1757)
هل يتحرك المسبوق قليلا لتحصيل السترة أو تيسير خروج المصلين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تأخر المسبوق عن الصف الذي يقف فيه بعد سلام الإمام إلى الصف الذي خلفه والذي لا يوجد به مصلون ليترك فرجة في الصف الذي كان يقف فيه كي يتيح للمصلين الذين أنهوا صلاتهم المرور وعدم قطع صلاة المسبوقين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا قام المسبوق ليتم صلاته، فإنه لا يلزمه الانتقال من مكانه، لأجل تحصيل سترة، ولا لأجل ما ذكرت من مرور المصلين؛ لعدم ورود ما يدل على ذلك.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: أحياناً المأموم تفوته ركعة أو ركعتان، فعندما يسلم الإمام يجد السترة بعيدة عنه بمقدار خطوتين أو ثلاثاً فهل يجوز له أن يتقدم إلى السترة؟
فأجاب: "الذي يظهر لي من صنيع الصحابة رضي الله عنهم، أن المسبوق لا يتخذ سترة، وأنه يقضي بلا سترة " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (232/30) .
ولا شك أن تحصيل السترة المتعلقة بصلاة الإنسان نفسه، أولى من تيسير المرور على المصلين.
والمسبوق إذا قام يتم صلاته فإنه يكون في حكم المفرد، فيمنع المار بين يديه، ولا يجوز لأحد أن يمر بين يديه، وعلى مريد الخروج أن يصبر قليلا، أو أن يبحث عن مكان يخرج منه من غير أن يؤذي المصلين ولا أن يمر بين أيديهم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1758)
هل يمنع صاحب الزكام والسعال من حضور الجماعة للأذى وخوف العدوى؟
[السُّؤَالُ]
ـ[نعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم منع من أكل بصلا أو ثوما من حضور الجماعة، فما بال المصاب بالانفلونزا إذا كان حضوره الجماعة سيتسبب في عدوى غيره بسبب الرزاز المنتشر نتيجة عطسه ورشحه المستمر؟ وما بال المصاب بكحة لا تنقطع إذا حضر خطبة الجمعة وشوشرته على من حوله فلا يستطيعون سماع الخطبة منه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
روى البخاري (855) ومسلم (564) عن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا فَلْيَعْتَزِلْنَا، أَوْ قَالَ: فَلْيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا، وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ) .
وروى مسلم (567) أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه خَطَبَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فكان مما قال: (ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ تَأْكُلُونَ شَجَرَتَيْنِ لَا أَرَاهُمَا إِلَّا خَبِيثَتَيْنِ: هَذَا الْبَصَلَ وَالثُّومَ، لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا وَجَدَ رِيحَهُمَا مِنْ الرَّجُلِ فِي الْمَسْجِدِ أَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ إِلَى الْبَقِيعِ، فَمَنْ أَكَلَهُمَا فَلْيُمِتْهُمَا طَبْخًا) .
وقد نص الفقهاء على كراهة حضور من أكل الثوم والبصل إلى المسجد، وأنه يستحب إخراجه منه - وذهب بعضهم إلى حرمة حضوره ووجوب إخراجه - وألحقوا بذلك من له رائحة كريهة كصنان وبخر، ومن يعمل في الجزارة ونحوها إذا كانت له رائحة تؤذي المصلين.
قال ابن عبد البر رحمه الله في "التمهيد" (6/422) : " وفي الحديث المذكور أيضا من الفقه: أن آكل الثوم يبعد من المسجد ويخرج عنه، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقرب مسجدنا أو مساجدنا لأنه يؤذينا بريح الثوم) وإذا كانت العلة في إخراجه من المسجد أنه يُتأذى به، ففي القياس: أن كل ما يتأذى به جيرانه في المسجد بأن يكون ذرب (سليط) اللسان، سفيهاً عليهم في المسجد، مستطيلاً، أو كان ذا ريحة قبيحة لسوء صناعته، أو عاهة مؤذية كالجذام وشبهه وكل ما يتأذى به الناس إذا وجد في أحد جيران المسجد وأرادوا إخراجه عن المسجد وإبعاده عنه كان ذلك لهم، ما كانت العلة موجودة فيه حتى تزول، فإذا زالت كان له مراجعة المسجد " انتهى.
وعلم بذلك أنه يلزم دفع الأذى عن المصلين، فإن كانوا يتأذون من صاحب الزكام والسعال، ولم يمكنه علاج ذلك بأنواع الأدوية التي تخففه وتقلل من أذاه – وهي كثيرة الآن -، فإنه لا يحضر المسجد حتى يزول عنه ما يحصل به الأذى للمصلين، وإن أمكن أن يصلي في طرف المسجد أو رحبته فعل ذلك.
ففي حاشية "أسنى المطالب" (1/262) : " لو كان به ريح كريه وأمكنه الوقوف خارج المسجد بحيث لا يؤذي فينبغي أن يلزمه حضور الجمعة " انتهى.
ثانياً:
إذا كان الرجل مصابا بمرض من الأمراض التي جعل الله تعالى مخالطة أهلها سببا في الإصابة بها، وهي ما تسمى بالأمراض المعدية، فإنه يعذر بترك الجمعة والجماعة؛ لئلا يؤذي المصلين، بل ويمنع من دخول المسجد حتى تزول علته؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم أن يورد الممرض على المصح، كما روى البخاري (5771) ومسلم (2221) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ) .
وينظر في مسألة العدوى جواب السؤال رقم (45694) .
وقد سئل الدكتور سليمان بن وائل التويجري عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى عن رجل مصاب بمرض معدي (مثل العنقز أو الحصبة) هل تجب عليه الصلاة في المسجد مع الجماعة؟
فأجاب: "من الأعذار المسقطة للجماعة والجمعة: المرض إذا كان هذا المرض يتأخر برؤه أو كان يزداد. ومن ذلك أيضاً إذا كان من المعدي الذي يتعدى ضرره إلى الآخرين، فهذا الإنسان معذور بهذا العذر فلا تجب عليه صلاة الجماعة باعتبار المرض وباعتبار العدوى، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى من أكل ثوماً أو بصلاً أن يأتي للمسجد؛ لئلا يؤذي الناس برائحته، وهذا -فيما يظهر- أشد ضرراً ممن يأكل شيئاً له رائحة كريهة، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه" انتهى من "موقع الإسلام اليوم".
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1759)
حضور الصبي غير المميز إلى المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت أنه لا حرج على الصبي فوق السابعة أن يصطف كباقي المصلين في الجماعة..فما حكم من دون السابعة..هل يبطل الصلاة؟ كذا إن مر أمام المصلين في غير الجماعة هل يبطل الصلاة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا حرج على الصبي المميز أن يصف مع الجماعة، بل ينبغي تعويده ذلك وتشجيعه عليه، وتمكينه من الصف الأول وغيره إذا سَبق إليه.
والتمييز لا يختص بسن السابعة، فقد يكون الطفل ذكيا نابها وهو في السادسة أو الخامسة، فيعقل الصلاة، ويلتزم بآداب المسجد.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " التمييز يكون غالباً في سبع سنين، ولكن قد يميز الصبي وعمره خمس سنين، قال محمود بن الربيع رضي الله عنه: عقلت مَجَّة مجّها الرسول صلى الله عليه وسلم في وجهي وأنا ابن خمس سنين. فبعض الصغار يكون ذكياً يميز وهو صغير، وبعضهم يبلغ ثماني سنين وما يميز " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (13/37) .
وقد سئل الإمام مالك رحمه الله عن الصبيان يؤتى بهم إلى المساجد؟ فقال: "إن كان لا يعبث لصغره، ويُكَفُ إذا نُهي فلا أرى بهذا بأسا، وإن كان يعبث لصغره فلا أرى أن يؤتى به إلى المسجد " انتهى من المدونة (1/195) .
فمن كان دون التمييز فلا ينبغي إحضاره، إلا عند الاضطرار أو الحاجة، كأن تتغيب أمه عن البيت ولا يمكن للأب تركه في البيت بمفرده، ونحو ذلك.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم إحضار الصبيان الذين هم دون التمييز ممن يُلَبَّسُّون الحفائظ التي ربما يكون أو غالب ما يكون فيها النجاسة؟ وإذا حضروا هل يُطْرَدون أم لا؟
فأجاب: "إحضار الصبيان للمساجد لا بأس به ما لم يكن منهم أذية، فإن كان منهم أذية فإنهم يُمنعون؛ ولكن كيفية منعهم أن نتصل بأولياء أمورهم، ونقول: أطفالكم يشوِّشون علينا، يؤذوننا وما أشبه ذلك، ولقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يدخل في صلاته يريد أن يطيل فيها، فيسمع بكاء الصبي فيتجوَّز في صلاته مخافة أن تفتتن الأم، وهذا يدل على أن الصبيان موجودون في المساجد؛ لكن كما قلنا: إذا حصل منهم أذية فإنهم يُمنعون عن طريق أولياء أمورهم؛ لئلا يحصل فتنة؛ لأنك لو طردت صبياً له سبع سنوات يؤذي في المسجد، وضربته سيقوم عليك أبوه؛ لأن الناس الآن غالبهم ليس عندهم عدل ولا إنصاف، ويتكلم معك وربما يحصل عداوة وبغضاء. فعلاج المسألة هو: أن نمنعهم عن طريق آبائهم حتى لا يحصل في ذلك فتنة.
أما مسألة إحضاره فليس الأفضل إحضاره؛ لكن قد تُضْطَر الأم إلى إحضاره؛ لأنه ليس في البيت أحد وهي تحب أن تحضر الدرس، وتحب أن تحضر قيام رمضان وما أشبه ذلك. على كل حال: إذا كان في إحضاره أذية أو كان أبوه -مثلاً- يتشوش في صلاته بناء على محافظته على الولد فلا يأتي به، ثم إذا كان صغيراً عليه الحفائظ فلن يستفيد من الحضور، أما من كان عمره سبع سنوات فأكثر ممن أُمِرْنا أن نأمرهم بالصلاة، فهم يستفيدون من حضور المساجد؛ لكن لا تستطيع أن تحكم على كل أحد، قد تكون أم الولد ليست موجودة، ميتة، أو ذهبت إلى شغل لابد منه، وليس في البيت أحد فهو الآن بين أمرين: إما أن يترك صلاة الجماعة ويقعد مع صبيه، وإما أن يأتي به، فيُرَجِّح، يَنْظُر الأرجح " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (125/8) .
ثانيا:
قد يحتاج الأب أن يجعل ابنه الصغير غير المميز بجانبه في الصف، حتى لا يخرج من المسجد، أو يعبث بشيء في المسجد فيتلفه أو يضر نفسه، أو يشغل المصلين.
وقد سئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله:
ما حكم مصافة الطفل غير المميز في الصف وعمره أقل من خمس سنوات؟
وإذا كان لا يجوز فهل يعتبر قاطعا للصف؟ وإذا كان قاطعا للصف هل على الإمام أن يؤخره إلى مؤخرة المسجد؟ أفيدونا حفظكم الله حيث إن ذلك يكثر عندنا في المساجد؟
فأجاب:
"تضمن هذا السؤال مسألتين:
المسألة الأولى: مصافة هذا الصبي الذي لا يميز وجوابها أن مصافته لا تصح؛ لأن صلاته لا تصح ومن لا تصح صلاته لا تصح مصافته، وعلى هذا فلو كان رجلان تقدم أحدهما ليكون إماما وتأخر الثاني مع هذا الطفل الذي لم يميز فإنه يعتبر مصليا منفردا لا تصح صلاته ويجب عليه أن يصف مع الإمام.
أما المسألة الثانية: فهو قطع الصف، فلا يعتبر وقوف هذا الطفل قاطعا للصف؛ لأن مسافته قصيرة فلا يكون قاطعا للصف، لكن ينبغي لأولياء الأمور ألا يأتوا بمثل هذا الطفل الصغير لأنه يشغل المصلين، فإما أن يعبث حال وجوده في الصف فيشغل من حوله، وإما ألا يعبث ولكن يشغل ولي أمره.
نعم، إن دعت الضرورة إلى ذلك مثل ألا يكون في البيت أحد مع هذا الطفل الصغير أو ليس معه إلا أطفال لا يعتمد الإنسان على حفظهم له ويخشى وليه أن يعبث هذا الطفل بنار أو غيرها، فهذه ضرورة لا بأس أن يحضره ولكن عليه أن يكف أذاه عن المصلين " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
ثالثا:
مرور الصبي غير المميز بين يدي المصلي في المسجد أو غيره لا يقطع الصلاة، وإنما يقطع الصلاة مرور المرأة والكلب والحمار؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (يَقْطَعُ الصَّلاةَ الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ) رواه مسلم (511) . وفي رواية: (والكلب الأسود) قال الراوي: قُلْتُ: يَا أَبَا ذَرٍّ، مَا بَالُ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْكَلْبِ الْأَحْمَرِ مِنْ الْكَلْبِ الْأَصْفَرِ؟ قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا سَأَلْتَنِي فَقَالَ: (الْكَلْبُ الأَسْوَدُ شَيْطَانٌ) .
وينظر جواب السؤال رقم (25803) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1760)
يجوز للمنفرد أن يقطع صلاته ليصلي مع الجماعة
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل كان يصلي الفرض وحده وفي أثناء ذلك دخل جماعة المسجد وكبّروا للصلاة جماعة، فهل يقطع صلاته أو ينويها نفلاً كي يصلي معهم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الأفضل أن يقلبها نفلا ثم يصلي مع الداخلين صلاة الجماعة، لأجل تحصيل فضل الجماعة، وإن قطعها وصلى معهم فلا بأس، لأنه قطعها لمصلحة شرعية تعود على نفس الصلاة.
والله ولي التوفيق" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله.
"فتاوى إسلامية" (1/383) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1761)
يمين الصف أفضل من يساره
[السُّؤَالُ]
ـ[أيهما أفضل الصلاة عن يمين الإمام أم عن يساره؟ وأيهما أفضل يمين الصف أو يساره؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا كان لا يصلي مع الإمام إلا رجل واحد فإن المأموم يقف عن يمينه، ولا يقف عن يساره، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه بات عند خالته ميمونة رضي الله عنها فقام النبي صلى الله عليه وسلم بالليل، فقام ابن عباس عن يساره فأخذه ورائه وأقامه عن يمينه، فهذا دليل على أن المأموم إذا كان واحداً فإنه يكون عن اليمين ولا يكون عن اليسار.
أما إذا كان المأموم أكثر من واحد فإنه يكون خلفه ويمين الصف أفضل من يساره وهذا إذا كانا متقاربين، فإذا بعد اليمين بعداً بيناً فإن اليسار والقرب من الإمام أفضل.
وعلى هذا؛ فلا ينبغي للمأمومين أن يكونوا عن يمين الإمام حتى لا يبقى في اليسار إلا رجل أو رجلان، وذلك لأنه لما كان المشروع في حق الثلاثة أن يكون إمامهم بينهم كان أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره، ولم يكونوا كلهم عن اليمين، فدل هذا على أن يكون الإمام متوسطاً في الصف أو مقارباً.
والخلاصة: أن اليمين أفضل إذا كانا متساويين أو متقاربين، وأما مع بعد اليمين فاليسار أفضل، لأنه أقرب إلى الإمام" انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (12/184) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
(5/1762)
هل يترك الصلاة في المسجد خوفاً على نفسه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يعذر الإنسان في ترك صلاة الجمعة والجماعات، إذا كان في بلده فتن، ويخشى على نفسه إذا ذهب إلى المسجد أن يقتل أو يسجن أو يضرب، فهل تلك الأسباب تكون أعذاراً له في ترك الجمع والجماعة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين، ويجنبنا وإياهم مواطن الفتن والمحن، وأن يجمع كلمتهم على الحق، وينصرهم على أعدائهم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
صلاة الجماعة واجبة في المسجد على الرجال القادرين؛ لأدلة كثيرة، سبق بيانها في جواب السؤال رقم (120) ورقم (8918) .
ووجوب صلاة الجماعة والجمعة مشروط بما إذا لم يكن على الإنسان ضرر في نفسه أو ماله أو أهله؛ لقوله تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) الحج/78، وقال تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) البقرة/185.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/366) : " وَيُعْذَرُ فِي ترك الجماعة والجمعة الْخَائِفُ ; لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: (الْعُذْرُ: خَوْفٌ أَوْ مَرَضٌ) .
وَالْخَوْفُ , ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: خَوْفٌ عَلَى النَّفْسِ , وَخَوْفٌ عَلَى الْمَالِ , وَخَوْفٌ عَلَى الْأَهْلِ " انتهى.
فإذا خاف الإنسان على نفسه من القتل، أو أن يؤخذ ويُسجن ظلماً، فهذا يعتبر معذوراً في تركه لصلاة الجماعة والجمعة، ويصليها في بيته؛ حفاظاً على نفسه.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1763)
من أين يحسب الصف الأول إذا صلى قوم بجوار الإمام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لدينا مصلى في مدرستنا ولكنه لا يكفي لجميع الطلاب، ويقف بعض الطلاب في صف موازٍ للإمام، فهل الصف الموازي للإمام هو الصف الأول مع أنه يحدث كل يوم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" الصف الأول هو الذي خلف الإمام، فأول صف يلي الإمام هو الصف الأول، والذين يصفون عن يمينه وشماله لا يكون لهم ثواب الصف الأول؛ لأن هذا الموقف – يعني: موقف المأموم عن اليمين وعن الشمال - هو من الأمور الجائزة وليس من الأمور المستحبة، فموقف المأموم وراء الإمام هو السنة بلا شك، فإذا اضطروا إلى أن يقف أحد عن يمينه أو شماله فلهم أن يقفوا، ولكن لا يعد ذلك الصف الأول.
السائل: مع أن هذا يحدث كل يوم طيلة السنة؟
الشيخ: لا يوجد مانع على كل حال، الأمر جائز ولله الحمد، ووقوف هؤلاء عن يمينه وشماله خير من كونهم ينتظرون حتى تفرغ الطائفة الأولى" انتهى.
الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
"لقاءات الباب المفتوح" (1/571) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1764)
ائتمام من يصلي الظهر بمن يصلي العصر
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا صلى شخص صلاة الظهر خلف إمام يصلي العصر فهل صلاته صحيحة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا صلى شخص صلاة الظهر خلف إمام يصلي العصر فلا حرج في ذلك، وصلاته صحيحة على القول الراجح، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) . ولم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدل على وجوب اتحاد نيتي الإمام والمأموم، فيكون لكل واحد منهما نيته كما يدل عليه الحديث: (وإنما لكل امرئ ما نوى) " انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (15/172) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1765)
المشروع للمأموم الواحد أن يقف عن يمين الإمام مساويا له
[السُّؤَالُ]
ـ[من المعروف أن موقف المأموم إذا كان واحدا عن يمين الإمام، فهل يشرع أن يتأخر عنه شيئا كما يلاحظ عند البعض؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" المشروع للمأموم إذا كان واحدا أن يقف عن يمين الإمام مساويا له، وليس في الأدلة الشرعية ما يدل على خلاف ذلك، والله ولي التوفيق " انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز رحمه الله" (12/198) .
وللفائدة ينظر جواب السؤال رقم (13678) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1766)
بدعية التبليغ خلف الإمام بلا حاجة
[السُّؤَالُ]
ـ[التبليغ خلف الإمام هل هو مستحب أم بدعة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التبليغ خلف الإمام معناه: أن أحد المأمومين يرفع صوته بالتكبير حتى يسمعه المأمومون، وهذا التبليغ إنما يُفعل ويكون مشروعاً إذا كان صوت الإمام لا يصل إلى جميع المأمومين، إما بسبب مرض الإمام، أو بسبب اتساع المسجد، أو غير ذلك من الأسباب.
أما إذا فُعل من غير حاجة إلى ذلك كان بدعة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" التبليغ خلف الإمام لغير حاجة بدعة غير مستحبة باتفاق الأئمة، وإنما يجهر بالتكبير الإمام، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه يفعلون، ولم يكن أحد يبلغ خلف النبي صلى الله عليه وسلم، لكن لما مرض النبي صلى الله عليه وسلم ضعف صوته، فكان أبو بكر رضي الله عنه يسمع بالتكبير، وقد اختلف العلماء: هل تبطل صلاة المبلغ؟ على قولين في مذهب مالك، وأحمد وغيرهما " انتهى.
"مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية" (23/403) .
وقال أيضا (23/402، 403) :
" لا يشرع الجهر بالتكبير خلف الإمام لغير حاجة: باتفاق الأئمة، فإن بلالا لم يكن يبلغ خلف النبي صلى الله عليه وسلم هو ولا غيره، ولم يكن يبلغ خلف الخلفاء الراشدين، لكن لما مرض النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالناس مرة وصوته ضعيف، وكان أبو بكر يصلي إلى جنبه يسمع الناس التكبير، فاستدل العلماء بذلك على أنه يشرع التكبير عند الحاجة: مثل ضعف صوته، فأما بدون ذلك فاتفقوا على أنه مكروه غير مشروع، وتنازعوا في بطلان صلاة من يفعله على قولين، والنزاع في الصحة معروف في مذهب مالك وأحمد وغيرهما. غير أنه مكروه باتفاق المذاهب كلها، والله أعلم " انتهى.
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: " فإذا احتيج إلى التبليغ لسعة المسجد وكثرة الجماعة أو لضعف صوت الإمام لمرض أو غيره، فإنه يقوم بعض الجماعة بالتبليغ، أما إذا كان الصوت واضحا للجميع ولا يخفى على أحد في الأطراف، بل علم أن الجميع يسمعه فليس هناك حاجة للتبليغ ولا يشرع " انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (12/154) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1767)
دخل المسجد بعد انتهاء الصلاة، فهل يأتم بأحد المسبوقين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أدرك مع الإمام بعض الصلاة وقام ليأتي بما فاته، فائتم به آخرون، هل يجوز أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" إذا أدرك مع الإمام بعضاً، وقام يأتي بما فاته، فائتم به آخرون، جاز ذلك في أظهر قولي العلماء " انتهى.
"مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية" (23/382) .
وسئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله عن: رجل فاتته بعض الركعات مع الإمام، فدخل رجل آخر قد فاتته الصلاة وجعل من هذا الذي يقضي إماما له فهل هذا جائز؟
فأجاب: " الصواب أنه لا حرج في ذلك، حرصا على تحصيل الجماعة " انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (12/149) .
وللفائدة ينظر جواب السؤال رقم (21765) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1768)
ترك صلاة الجماعة في الشركة تجنبا لأذى الموظفين
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل موظفا في شركة، وصل أذى عمالها لي إلى حد اتهامي بالكبائر والنفاق، وأصبح سبي وسب أهلي شيئا محببا لهم، فما حكم ترك صلاة الجماعة معهم، وما حكم ترك العمل لهذا السبب، مع العلم أنه يصعب إيجاد عمل آخر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يكفيك شرار الخلق، وأن يكف عنك الظلم والأذى.
ثم نوصيك أخانا السائل بالحكمة في الحل، والحكمة لا تكون إلا مع التأني والتروي، وليس بالعجلة والتسرع، وذلك لتأخذ فرصتك في تقليب الأمر ومشورة أهل الفضل والرأي مِن حولك.
والذي نراه لك أمران:
أولا: فيما يتعلق بالصلاة: فليس ما ذكرته عذرا لترك صلاة الجماعة معهم؛ فإن من أصول أهل السنة: حضور صلاة الجماعة خلف كل بر وفاجر، إلا إن كانت تتيسر لك جماعة أخرى أمثل منهم، فلا بأس أن تصلي مع الجماعة الفاضلة، وأما أن تترك صلاة الجماعة لتصلي وحدك، فهذا لا يجوز لك، ثم إن لن يحل من مشكلتك شيئا، لأنك سوف تبقى تلتقي بهم في عملك، وذهابك ومجيئك.
اللهم إلا أن تكون صلاتك معهم لها مدخل في حصول هذا الأذى، أو أنهم يتعمدون إظهاره في مكان الصلاة، فالذي يظهر ـ حينئذ ـ أنه لا بأس بألا تصلي معهم، دفعا لأذاهم عن نفسك.
قال السيوطي ـ رحمه الله ـ في "الأشباه والنظائر" (ص/684) :
" الأعذار المرخصة في ترك الجماعة نحو أربعين ... - فعدها وذكر منها -: أو في طريقه من يؤذيه بلا حق، ولو بشتم، ولم يمكن دفعه نقله الأذرعي " انتهى.
ثانيا: أما أذاهم لك، فاستعن ـ أولا ـ بمولاك: أن يكف عنك شرهم وكيدهم وأذاهم، وأن يسلمك منهم.
ثم إن كان لك رئيس، أو كان عندك ذو سلطان تستعين به في كف شرهم عنك، فافعل.
فإن لم يكن عندك من يدفع عنك الأذى، وكان لعملك مقر آخر، فاطلب نقلك إليه، فما ينبغي للمسلم أن يبقى في مكان تنتهك فيه حرمته، ويتعرض فيه للأذى، وهو لا يستطيع الدفع عن نفسه.
عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ قَالُوا وَكَيْفَ يُذِلُّ نَفْسَهُ قَالَ يَتَعَرَّضُ مِنْ الْبَلَاءِ لِمَا لَا يُطِيقُ) .
رواه الترمذي (2254) ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
على أنه ينبغي لك أن تدبر لك عملا آخر، تنفق منه على نفسك وعيالك قبل أن تترك عملك هذا فعلا.
واعلم أن الله سبحانه وتعالى ناصر المظلومين، ومجير المستضعفين، فالجأ إليه سبحانه، واسأله دائما العصمة من الأذى والحفظ من الضرر، وأن يظهر الحق ويذب عن عرضك، ولتعز نفسك بمن قبلك من المؤمنين الذين اتهموا بالباطل في دينهم وعرضهم، وأولهم الأنبياء، ثم الصحابة والصالحون، حتى تجرأ بعضهم على اتهام أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فأنزل الله براءتها من عنده في آيات تتلى إلى يوم القيامة.
وليحذر أولئك الذين يقعون في أعراض المسلمين ويأكلون لحومهم سخطَ الله ومقته وعقابه، فهو سبحانه يمهل ولا يهمل، يقول الله عز وجل: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) الأحزاب/58
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: صَعِدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرَ فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ، فَقَالَ:
(يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ، لاَ تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلاَ تُعَيِّرُوهُمْ، وَلاَ تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ.
قَالَ: وَنَظَرَ ابْنُ عُمَرَ يَوْمًا إِلَى البَيْتِ أَوْ إِلَى الكَعْبَةِ فَقَالَ: مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ، وَالمُؤْمِنُ أَعْظَمُ حُرْمَةً عِنْدَ اللهِ مِنْكِ)
رواه الترمذي (2032) وقال حسن غريب. وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب"
والحاصل أنه ينبغي لك المحافظة على صلاة الجماعة، مع اعتزال من يتهمونك بالباطل، فإن لم تستطع الجمع بينهما، وبلغ بك من الأذى الشيء الكثير، جاز لك ترك صلاة الجماعة معهم، إن كان ينفعك ذلك في دفع الأذى عن نفسك، أو تقليله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1769)
هل يُعذر في ترك الجماعة عند نزول المطر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم ترك الجماعة عند نزول المطر؟ هل هناك فرق في شدة المطر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صلاة الجماعة في المسجد واجبة على الرجال القادرين، على الصحيح من قولي العلماء؛ لأدلة كثيرة، سبق بيانها في جواب السؤال رقم (120) ورقم (8918) .
وصلاة الجماعة مع وجوبها، فإنها تسقط في أحوال ذكرها أهل العلم، ومن تلك الأحوال: نزول المطر الذي يبل الثياب، لقول الله تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) الحج/78، وقوله تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) البقرة/185.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/366) : " وَيُعْذَرُ فِي تَرْكِ الجمعة والجماعة بِالْمَطَرِ الَّذِي يَبُلُّ الثِّيَابَ , وَالْوَحْلِ الَّذِي يَتَأَذَّى بِهِ فِي نَفْسِهِ وَثِيَابِهِ ; قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ لِمُؤَذِّنِهِ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ: إذَا قُلْت: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَلَا تَقُلْ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، وَقُلْ: صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ. قَالَ: فَكَأَنَّ النَّاسَ اسْتَنْكَرُوا ذَلِكَ , فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَتَعْجَبُونَ مِنْ ذَلِكَ؟ لَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي (يعني الرسول صلى الله عليه وسلم) , إنَّ الْجُمُعَةَ عَزْمَةٌ , وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُخْرِجَكُمْ فَتَمْشُوا فِي الطِّينِ وَالدَّحَضِ " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (4/317) : " قوله: (أو أذى بمطر أو وحل) وهذا نوعٌ عاشرٌ مِن أعذارِ تَرْكِ الجُمُعةِ والجماعةِ، فإذا خافَ الأذى بمطرٍ أو وَحْلٍ، أي: إذا كانت السَّماءُ تمطرُ، وإذا خَرَجَ للجُمُعةِ أو الجماعةِ تأذَّى بالمطرِ فهو معذورٌ.
والأذيَّة بالمطرِ أن يتأذَّى في بَلِّ ثيابه أو ببرودة الجَوِّ، أو ما أشبه ذلك، وكذلك لو خاف التأذِّي بوَحْلٍ، وكان النَّاسُ في الأول يعانون مِن الوحلِ؛ لأن الأسواقَ طين فإذا نزل عليها المطر حصل فيها الوَحْلُ والزَّلَقُ، فيتعبُ الإِنسانُ في الحضور إلى المسجدِ، فإذا حصلَ هذا فهو معذورٌ، وأما في وقتنا الحاضرِ فإن الوَحْلَ لا يحصُل به تأذٍّ؛ لأنَّ الأسواقَ مزفَّتة، وليس فيها طين، وغاية ما هنالك أن تجدَ في بعض المواضع المنخفضة مطراً متجمِّعاً، وهذا لا يتأذَّى به الإِنسانُ لا بثيابه ولا بقدميه، فالعُذرُ في مثل هذه الحال إنما يكون بنزولِ المطرِ فإذا توقَّفَ المطرُ فلا عُذر، لكن في بعض القُرى التي لم تُزفَّت يكون العُذرُ موجوداً، ولهذا كان منادي الرَّسولِ صلّى الله عليه وسلّم ينادي في الليلةِ الباردةِ أو المطيرة: (ألا صَلُّوا في الرِّحالِ) .
وفُهِمَ مِن قوله: (أو أذًى بمطرٍ) أنه إذا لم يتأذَّ به بأن كان مطراً خفيفاً، فإنَّه لا عُذر له، بل يجب عليه الحضورُ، وما أصابه مِن المشقَّةِ اليسيرةِ، فإنه يُثابُ عليها " انتهى بتصرف يسير.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
(5/1770)
يعمل محاسبا ويترك صلاة الجماعة لذلك أحيانا
[السُّؤَالُ]
ـ[طبيعة عملي محاسب ويحين وقت الصلاة فلا أستطيع أن أصلي جماعة في بعض الأحيان حتى يأتي زميلي ويبدلني، علما أني في خارج العمل أحافظ على الصلوات الخمس في المسجد.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صلاة الجماعة واجبة على الرجال القادرين، في أصح قولي العلماء، لأدلة كثيرة سبق بيانها في جواب السؤال رقم (8918) .
ويستثنى من ذلك من كان في عمل لا يمكنه تركه لترتب الضرر الواضح بذهابه، كالعامل في حراسة الأماكن الهامة، والطبيب أثناء إجراء العملية ونحوهم، فهؤلاء لهم التخلف عن الجماعة.
وأما العمل في المحاسبة فلا يظهر وجه ترك الجماعة لأجله؛ إذ بالإمكان إغلاق دفاتر المحاسبة وأجهزتها والغرفة الخاصة بموظفيها، إلى أن تؤدى الصلاة، وليس لصاحب العمل أن يمنع الموظفين من صلاة الجماعة، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (72895) .
فنوصيك بالحرص على صلاة الجماعة، وبذل الأسباب المعينة على ذلك، ومناصحة القائمين على العمل بخصوصها، فإن الصلاة آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهي سبب الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1771)
هل يتركون مكاناً في الصف الأول للمتأخرين عن الصلاة؟ وشيء من أحكام الصفوف
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن مجموعة من الطلبة المغتربين بدولة غير إسلامية، ونحن نجتمع يوم الجمعة لأداء صلاة الجمعة، وأحياناً قليلة بعض الصلوات الأخرى، المكان الذي نصلي فيه هو عبارة عن شقة مؤجرة كمشروع للأطعمة الحلال، ومكان لصلاة الجمعة أساساً، وقد قمت بنصح الإخوة بإتمام الصف الأول، وتسوية الصفوف في الصلاة، ولكن بعد فترة بسيطة طلب أحد الأشخاص أن نترك فرجة في الصف الأول نظراً لأن الباب في المقدمة، وإذا حضر أحدٌ متأخراً فسيجد صعوبة في المرور للخلف مع تعليقه بأننا يجب ألا نركز على تلك الأمور الصغيرة - حسب تعبيره - ونهتم أساسا بالخشوع في الصلاة، كما يسأل لما لا نجعل الإسلام بسيطا؟ وضرب أمثلة لذلك مثل أن بعض العلماء يحرِّم ارتداء النساء للبنطلونات، والتي في رأيه الشخصي ليس بها شيء! كما علق أحد الإخوة قائلا: إن الإسلام ليس بهذا الضيق، المهم هو: أنه لا يحدث هذا الزحام البسيط إلا في صلاة الجمعة؛ نظرا لحضور الأغلبية فيها، فهل يجب ألا نكمل الصف الأول، وأن نترك فرجة دائمة في الصفوف لاحتمال وصول أحد الإخوة متأخراً؟ كما أرجو منكم التعليق على كل ما ورد في السؤال.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يجب أن يُعلم أن الأحكام الشرعية لا تؤخذ بمجرد الرأي والهوى والاستحسان، وإنما تؤخذ من الأدلة الشرعية: الكتاب والسنة وإجماع العلماء، والقياس الصحيح، وأقوال الصحابة رضي الله عنهم، ويسترشد في ذلك ويستعان بأقوال الأئمة وعلماء الأمة، كالأئمة الأربعة وغيرهم.
وقول صاحبك: "إن لبس النساء للبنطلون في رأيه الشخصي ليس فيه شيء".
فرأيه الشخصي ليس دليلا من أدلة الأحكام الشرعية، ولا يجوز لأحد أن يتكلم في دين الله إلا بعلم، فلا يتكلم في الأحكام الشرعية إلا من عنده علم بها، ويكون هذا العلم مبنيا على الأدلة الشرعية الصحيحة.
وقد سبق في جواب السؤال (60131) بيان حكم لبس النساء للبنطلون.
ثانياً:
لا يجوز وصف شيء شرعه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم بأنه – صغير- فإن هذا يعد استهانة بالسنة والشرع، وذلك أمر خطير على الإيمان. فكل ما شرعه الله فهو عظيم، قال الله تعالى: (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) الحج/32، وقال تعالى: (وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ) الحج/30.
ثالثاً:
الأصل أن تكون صفوف الصلاة تامة، ومتراصة، ومتقاربة، فلا يُبدأ بالصف الثاني مع وجود نقص في الصف الأول، وهكذا في الثاني بالنسبة للثالث، ويجب التراص في الصفوف، وهكذا هي صفوف الملائكة عند ربها.
فعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (أَلَا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا. فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟ قَالَ: يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الْأُوَلَ، وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ) . رواه مسلم (430) .
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَتِمُّوا الصَّفَّ الْمُقَدَّمَ، ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ، فَمَا كَانَ مِنْ نَقْصٍ فَلْيَكُنْ فِي الصَّفِّ الْمُؤَخَّرِ) . رواه أبو داود (671) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
قال الشيخ عبد العظيم آبادي رحمه الله:
"دل الحديث على جعل النقصان في الصف الأخير" انتهى.
"عون المعبود" (2 / 260) .
قال النووي رحمه الله:
وفيه الأمر بإتمام الصفوف الأول، والتراص في الصفوف، ومعنى إتمام الصفوف الأول: أن يتم الأول، ولا يشرع في الثاني حتى يتم الأول، ولا في الثالث حتى يتم الثاني، ولا في الرابع حتى يتم الثالث، وهكذا إلى آخرها.
" شرح مسلم " (4 / 115) .
وقال الصنعاني رحمه الله بعد أن ذكر الأحاديث الدالة على وجوب تسوية الصفوف:
وهذه الأحاديث والوعيد الذي فيها دالة على وجوب ذلك، وهو مما تساهل فيه الناس، كما تساهلوا فيما يفيده حديث أنس عنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم (أتموا الصف المقدم، ثم الذي يليه، فما كان من نقص فليكن في الصف المؤخر) أخرجه أبو داود، فإنك ترى الناس في المسجد يقومون للجماعة وهم لا يملؤون الصف الأول لو قاموا فيه , فإذا أُقيمت الصلاة: يتفرقون صفوفًا على اثنين، وعلى ثلاثة، ونحوه.
" سبل السلام " (2 / 29) .
رابعاً:
سبق في جواب السؤال (11199) أن من صلَّى خلف الصف وحده مع وجود فرجة في الصف الذي أمامه: فإن صلاته باطلة، لذا فليكن هذا في البال عند من يريد ترك فرجة في الصف المتقدم عنه.
خامساً:
بعض الناس قد يجعل فرجة في الصفوف الأولى ليمكِّن المتأخرين من الصلاة فيها ظانين أنه لا يجوز لأولئك المتأخرين المشي بين الصفوف، والمرور أمامهم، ومن المعلوم أن سترة الإمام سترة لمن خلفه، فلا يؤثر على المصلين المؤتمين مرور أحد أمامهم في الجماعة، حتى لو كان مما تبطل الصلاة بمروره.
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
هل المرور بين صفوف المصلين يقطع الصلاة أو ينقص من أجر المصلي؟ .
فأجاب:
لا يضر، إذا مر بين يدي الصفوف؛ لأن سترة الإمام سترة لهم، وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم عبدَ الله بن عباس رضي الله عنهما حين مرَّ بين يدي بعض الصف، وهم يصلون في مِنى.
"مجموع فتاوى الشيخ العثيمين" (13 / جواب السؤال رقم 421) .
وإذا كان مرور المتأخر سيؤدي إلى التشويش على المصلين وإشغالهم وتحريكهم، فالذي يظهر لنا أنه لا بأس بجعل طريق خاص ضيق بجانب الصفوف يمتد إلى آخر المسجد، يمر فيه من يأتي متأخراً حتى يقف في الصف الأخير، فهو أفضل من ترك فرجة في الصف نفسه، فيُجمع بذلك بين تسوية الصفوف، وإتمامها، وحتى لا يحدث المتأخر تشويشاً على المصلين وإشغالاً لهم إذا حاول المرور من بينهم.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1772)
هل يعذر بترك الجماعة في أوقات الامتحانات؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل على الطالب في فترة الامتحانات ترك صلاة الجماعة؟ وما توجيهاتكم ونصائحكم لمن يقوم بذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صلاة الجماعة في المسجد واجبة على الرجال القادرين، على الصحيح من قولي العلماء؛ لأدلة كثيرة، سبق بيانها في جواب السؤال رقم (120) ورقم (8918) .
ولا فرق بين أن يكون الطالب في فترة الامتحانات أو غيرها، فإذا كان يسمع النداء للصلاة وجبت عليه الجماعة حيث ينادى بها.
لكن إن أقيمت الصلاة وهو في غرفة الامتحان، لم ينته بعد، فهو معذور بترك الجماعة، وهذا من جنس ما ذكره الفقهاء من الأعذار المبيحة لترك الجماعة؛ إذ يترتب على الخروج من الامتحان رسوبه أو نقص درجته، وفي هذا حرج ظاهر.
قال في "كشاف القناع" (1/496) : " ويعذر في ترك الجمعة والجماعة من يدافع الأخبثين البول والغائط ... أو خائف من ضرر في ماله، أو في معيشة يحتاجها , أو أطلق الماء على زرعه أو بستانه , يخاف إن تركه فسد، أو كان مستحفَظا على شيء يخاف عليه الضياع إن ذهب وتركه , كناطور بستان (الحارس) ونحوه ; لأن المشقة اللاحقة بذلك أكثر من بل الثياب بالمطر الذي هو عذر بالاتفاق " انتهى بتصرف.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: أنا طالب في المدرسة في سن العشرين أدرس في خارج بلدي التي نشأت فيها والدراسة تنتهي بعد صلاة الظهر بنصف ساعة، هل يجوز لي أن أتأخر عن الصلاة أو عن صلاة الجماعة وأنا في المدرسة؟
فأجاب: " صلاة الجماعة واجبة على الإنسان إلا إذا تضرر في معيشةٍ يحتاجها أو نحو ذلك، فإذا كان يلحقه ضرر في مفارقة الفصل لصلاة الجماعة فلا حرج عليه أن يبقى في الفصل، وإذا كان لا يلحقه ضرر وجب عليه أن يصلي مع الجماعة، ثم إذا كان يمكن أن يصلي هو وزملاؤه بعد انتهاء الدرس جماعةً فهذا أسهل وأهون؛ لأن كثيراً من أهل العلم يقولون: إن الجماعة لا يجب فعلها في المساجد، مع أن القول الراجح أن الجماعة يجب أن تصلى في المساجد المعدة لها، كما هي عادة السلف الصالح من الصحابة والتابعين " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
وينبغي للقائمين على الامتحانات أن يراعوا أوقات الصلوات عند اختيار وقت الامتحان.
والمؤسف أن منهم من لا يبالي بذلك، فيجعل وقت الامتحان مستغرقا لوقت الصلاة، وأقبح منه من يجعل وقت الامتحان أثناء صلاة الجمعة، نسأل الله العافية.
وأما ترك صلاة الجماعة في وقت الاستعداد للامتحانات، بحجة التفرغ، فمنكر ظاهر، وقد يكون سببا من أسباب عدم التوفيق، فإن العبد يحرم الرزق بالذنب يصيبه.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: ما هي الأعذار الشرعية لترك صلاة الجماعة، وهل يجوز لطالب دراسي اقترب موعد امتحانه وخاف لضيق وقته ولكي لا يتشتت ذهنه، ويربط المواضيع الدراسية أن لا يلتزم بالجماعة في الصلوات الخمس المفروضة؟
فأجابوا: "من الأعذار التي تبيح للرجل التخلف عن صلاة الجماعة بالمسجد: المرض الشديد الذي يشق معه الذهاب إلى المسجد، وخوفه إذا صلى بالمسجد أن يقتله من يترصد له في طريقه إلى المسجد أو في المسجد أو يقبض عليه ويسجنه ظلما وعدوانا، وتمريضه لشخص لو تركه ليصلي جماعة هلك أو أصابه حرح، وأمثال ذلك، وليس من الأعذار ضيق وقت الطالب بصلاة الجماعة وخوفه من تشتت فكره وعدم تمكنه من المذاكرة وربط المعلومات الدراسية بعضها ببعض، فالوقت واسع وزمن الدراسة شهور، وزمن أداء الصلوات الخمس في جماعة بالمسجد قصير بالنسبة لتلك الشهور، وضيق الوقت إنما هو من تفريطه في أداء الواجب في وقته وتأخيره لقرب الاختبار، لا من أداء واجب الصلاة في جماعة، وأداء الصلاة في جماعة بالمسجد من أعظم وأعلى أنواع تقوى الله، وقد قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (8/39) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1773)
هل وقع أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل في صلاةٍ وهو جنب ناسيا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[نريد جوابا شافيا عن هذا الحديث: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى الصلاة، فلما كبر انصرف وأومأ إليهم أن كما كنتم. ثم خرج فاغتسل، ثم جاء ورأسه يقطر فصلى بهم. فلما صلى قال: (إني كنت جنبا فنسيت أن أغتسل) رواه أحمد.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
رُويت هذه الحادثة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في كتب السنة، وحاصلها أن الناس حين أتموا صفوفهم للصلاة وراءه صلى الله عليه وسلم، وقام منهم مقام المصلي بهم، تذكَّر أنه كان جنبا، فأشار إليهم ليبقوا في أماكنهم، وانصرف واغتسل وأتاهم ورأسه يقطر ماء.
ولكن وقع اختلاف في الروايات:
هل كَبَّر النبي صلى الله عليه وسلم ثم تذكَّر أنه جنب، أم تذكر قبل تكبيرة الإحرام؟
ومحصل الروايات فيها على الأوجه الآتية:
1- لفظ صريح في أنه تذكر الجنابة قبل الشروع في الصلاة:
يروي هذا اللفظ عبد الله بن وهب عن يونس عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة رضي الله عنه، كما هو في صحيح مسلم (605) ، وهذا لفظه:
(أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَقُمْنَا فَعَدَّلْنَا الصُّفُوفَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا قَامَ فِي مُصَلَّاهُ قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ، ذَكَرَ فَانْصَرَفَ، وَقَالَ لَنَا: مَكَانَكُمْ، فَلَمْ نَزَلْ قِيَامًا نَنْتَظِرُهُ حَتَّى خَرَجَ إِلَيْنَا وَقَدْ اغْتَسَلَ، يَنْطُفُ رَأْسُهُ مَاءً، فَكَبَّرَ فَصَلَّى بِنَا) .
وصالح بن كيسان عن الزهري – كما عند البخاري (639) – بلفظ: (حَتَّى إِذَا قَامَ فِي مُصَلاَهُ انْتَظَرْنَا أَنْ يُكَبِّرَ، انْصَرَفَ، قَالَ: عَلَى مَكَانِكُمْ، فَمَكَثْنَا عَلَى هَيْئَتِنَا حَتَّى خَرَجَ إِلَيْنَا يَنْطِفُ رَأْسُهُ مَاءً،وَقَدْ اغْتَسَلَ) .
2- لفظ صريح في أنه كبر ودخل في الصلاة ثم تذكر أنه جنب:
وهذا يرويه أسامة بن زيد عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أبي هريرة رضى الله عنه – كما عند ابن ماجه في "السنن" (1220) والدارقطني (1/361) والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/397) – ولفظه:
(خرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الصَّلَاةِ وَكَبَّرَ، ثُمَّ أَشَارَ إِلَيْهِمْ، فَمَكَثُوا، ثُمَّ انْطَلَقَ فَاغْتَسَلَ، وَكَانَ رَأْسُهُ يَقْطُرُ مَاءً، فَصَلَّى بِهِمْ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: إِنِّي خَرَجْتُ إِلَيْكُمْ جُنُبًا، وَإِنِّي نَسِيتُ حَتَّى قُمْتُ فِي الصَّلَاةِ) .
غير أن هذه الطريق فيها ضعف من قبل أسامة بن زيد الليثي، أبو زيد المدني، جاء في ترجمته في "تهذيب التهذيب" (1/209) : " تركه يحيى بن سعيد بآخره، قال أحمد: ليس بشيء. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به. وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال ابن حبان: يخطئ وهو مستقيم الأمر صحيح الكتاب " انتهى بتصرف واختصار. ولم يرد توثيقه إلا عن يحيى بن معين، مع أن في رواية أخرى عنه أنه قال فيه: أنكروا عليه أحاديث.
وجاء هذا اللفظ أيضا من طريق محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه:
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ (كَبَّرَ بِهِمْ فِي صَلاةِ الصُّبْحِ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِمْ، ثُمَّ انْطَلَقَ، فَرَجَعَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ، فَصَلَّى بِهِمْ، فَقَالَ: إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنِّي كُنْتُ جُنُبًا فَنَسِيتُ)
رواه الطبراني في "الأوسط" (5/317) وفي "الصغير" (2/74) وقال: لم يروه عن ابن عون إلا الحسن بن عبد الرحمن تفرد به أبو الربيع الحارثي. ورواه البيهقي أيضا (2/398) ،
ولكنَّ وصلَ هذه الرواية خطأ، والصواب: عن محمد بن سيرين عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك لدليلين اثنين:
الأول: مخالفة الثقات من أصحاب ابن عون رواية الحسن بن عبد الرحمن. فقد قال البيهقي: " ورواه إسماعيل بن علية وغيره عن ابن عون عن محمد عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، وهو المحفوظ " انتهى.
الثاني: متابعة آخرين لابن عون بروايته مرسلا: قال أبو داود (233) : " وَرَوَاهُ أَيُّوبُ وَابْنُ عَوْنٍ وَهِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ مُرْسَلاً عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وسلم " انتهى.
وقال البيهقي في "معرفة السنن والآثار" (1306) : " وكذلك رواه أيوب، وهشام عن محمد، مرسلا، ورواه الحسن بن عبد الرحمن الحارثي عن ابن عون، عن محمد، عن أبي هريرة، مسندا، والأول أصح " انتهى.
وقد جاءت بعض الشواهد في أحاديث أخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم تذكر الجنابة بعد أن كبر ودخل في الصلاة:
1- عَنْ الحسن عن أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ أَنْ مَكَانَكُمْ ثُمَّ جَاءَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ فَصَلَّى بِهِمْ) .
رواه أبو داود (233) وأحمد (5/41) وابن خزيمة (3/62) وابن حبان (6/5) ، والبيهقي في "السنن الكبرى" (3/94) والطحاوي في "بيان مشكل الآثار" (2/86) وفي بعض ألفاظه: (وكبَّر)
قال ابن رجب في "فتح الباري" (3/599) : " وحديث الحسن عن أبي بكرة في معنى المرسل؛ لأن الحسن لم يسمع من أبي بكرة عند الإمام أحمد والأكثرين من المتقدمين " انتهى.
2- عن أنس بن مالك قال: (دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى صَلاَتِهِ، فَكَبَّرَ وَكَبَّرْنَا مَعَهُ، ثُمَّ أَشَارَ إِلَى الْقَوْمِ: كَمَا أَنْتُمْ. فَلَمْ نَزَلْ قِيَامًا حَتَّى أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدِ اغْتَسَلَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ مَاءً) .
رواه الدارقطني (1/362) والطبراني في "الأوسط" (4/92) والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/399) من طريق معاذ العنبري عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس به.
وقد روي هذا الحديث مرسلا عن قتادة عن بكر بن عبد الله المزني.
3- عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ: (صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَانْصَرَفَ، ثُمَّ جَاءَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ مَاءً، فَصَلَّى بِنَا، ثُمَّ قَالَ: إِنِّي صَلَّيْتُ بِكُمْ آنِفًا وَأَنَا جُنُبٌ، فَمَنْ أَصَابَهُ مِثْلُ الَّذِي أَصَابَنِي أَوْ وَجَدَ رِزًّا فِي بَطْنِهِ فَلْيَصْنَعْ مِثْلَ مَا صَنَعْتُ)
رواه أحمد (1/99) والطبراني (6/272) والبزار (890) وفي إسناده ابن لهيعة، وفيه ضعف. قال الطبراني في "الأوسط" (6/272) : لا يروى هذا الحديث عن علي إلا بهذا الإسناد، تفرد به ابن لهيعة.
4- عن عطاء بن يسار: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَبَّرَ فِي صَلاَةٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ، ثُمَّ أَشَارَ إِلَيْهِمْ بِيَدِهِ أَنِ امْكُثُوا، فَذَهَبَ، ثُمَّ رَجَعَ وَعَلَى جِلْدِهِ أَثَرُ الْمَاءِ)
رواه مالك في الموطأ (1/48/رقم 110) بسند صحيح إلى عطاء وهو من التابعين.
قال البيهقي في "السنن الكبرى" (2/398) :
" ورواية أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أصح من رواية ابن ثوبان عنه، إلا أن مع رواية ابن ثوبان عنه رواية أبي بكرة مسندة، ورواية عطاء بن يسار وابن سيرين مرسلة، وروي أيضا عن أنس بن مالك " انتهى.
والخلاصة: أنه لما اجتمعت هذه الطرق الكثيرة على الرواية التي فيها إثبات تكبير النبي صلى الله عليه وسلم ودخوله في الصلاة قبل تذكره الجنابة، وخاصة المراسيل الصحيحة عن ابن سيرين وبكر المزني وعطاء بن يسار، كل ذلك يدل على صحة الحادثة ووقوعها، وأنه لا تعارض بينها وبين رواية أبي هريرة لها بأن ذلك كان قبل التكبير، إذ يمكن تكرار الحادثة، ووقوعها مرة هكذا ومرة هكذا، وبهذا يمكن توجيه اختلاف الروايات.
قال أبو حاتم ابن حبان في "صحيحه" (6/7) :
" هذان فعلان في موضعين متباينين، خرج صلى الله عليه وسلم مرة فكبر ثم ذكر أنه جنب فانصرف فاغتسل ثم جاء فاستأنف بهم الصلاة.
وجاء مرة أخرى فلما وقف ليكبر ذكر أنه جنب قبل أن يكبر، فذهب فاغتسل ثم رجع فأقام بهم الصلاة. من غير أن يكون بين الخبرين تضاد ولا تهاتر " انتهى.
وقال النووي في "شرح مسلم" (5/103) :
" ويحتمل أنهما قضيتان، وهو الأظهر " انتهى.
وليس فيه أي إشكال والحمد لله، فالنبي صلى الله عليه وسلم بشر، ينسى كما ينسى الناس، وقد سهى في صلاته مرات عديدة، ولم ينكر أحد من أهل العلم ذلك، غير أنهم قالوا إنه معصوم عن نسيان شيء من الوحي نسيانا تاما بحيث يترتب عليه ضياعه.
ثانيا:
أما عن فقه الحديث وما يستنبط منه:
ففيه دليل على أنه إذا صلى الإمام بالناس على غير طهارة نسيانا، فإن صلاة المأمومين لا تتأثر، وتبقى على صحتها وإجزائها، وأن الإمام هو الذي يؤمر بالإعادة فقط، دون المأمومين.
وجهُ ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم رجع فاغتسل ثم جاء فكبر لصلاته، والناس وراءه على صفوفهم وفي صلاتهم، لم يأمرهم أن يعيدوا معه التكبير.
قال ابن رجب في "فتح الباري" (3/600-602) :
" وليس في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم بنى على ما مضى من تكبيرة الإحرام وهو ناس لجنابته، فلم يبق إلا أحد وجهين:
أحدهما: أن يكون صلى الله عليه وسلم لما رجع كبر للإحرام، وكبر الناس معه.
والثاني: أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم استأنف تكبيرة الإحرام، وبنى الناس خلفه على تكبيرهم الماضي.
وهذا هو الذي أشار إليه الشافعي، وجعله عمدة على صحة صلاة المتطهر خلف إمام صلى محدثاً ناسياً لحدثه.
قال ابن عبد البر: وقد وافق الشافعي على ذلك بعض أصحاب مالك.
وعن الإمام أحمد في ابتداء المأمومين وإتمامهم الصلاة إذا اقتدوا بمن نسي حدثه، ثم علم به في أثناء صلاته – روايتان.
وروي عن الحسن، أنهم يتمون صلاتهم.
ومذهب الشافعي: لا فرق بين أن يكون الإمام ناسياً لحدثه أو ذاكراً له إذا لم يعلم المأموم، أنه لا إعادة على المأموم.
وهو قول ابن نافع من المالكية، وحكاه ابن عبد البر عن جمهور فقهاء الأمصار وأهل الحديث.
وعن مالك وأحمد: على الماموم الإعادة.
وقال حماد وأبو حنيفة وأصحابه وسفيان الثوري- في أشهر الروايتين عنه -: يعيد المأموم وإن كان الإمام ناسياً ولم يذكر حتى فرغ من صلاته " انتهى باختصار.
وفي موقعنا مجموعة من الإجابات التي تبين صحة صلاة المأموم إذا تبين حدث الإمام، وأن الإعادة إنما هي على الإمام فقط دون المأمومين: (27091) ، (85011) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1774)
ما هي المسافة التي تُوجب الصلاة في المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[سأسافر بمشيئة الله إلى بريطانيا وسأمكث هناك أسبوعا. وأقرب مسجد يبعد مسافة كيلو ونصف الكيلو عن مكان إقامتي. وبالطبع فلن أسمع الأذان لأن الأذان لا يرفع في أغلب الأماكن في بريطانيا. وسيشق علي إلى حد ما أن أمشي كل هذه المسافة الطويلة خمس مرات يوميا ذهابا وإيابا كي أصلي في جماعة (وأنا أتمتع بصحة جيدة، لكن قطع هذه المسافة خمس مرات يوميا يتطلب جهدا) . أعلم أن بمقدوري أن أستقل حافلة، لكن تكرار ذلك خمس مرات يوميا يتطلب الكثير من الجهد. فهل يجوز لي أن أصلي منفردا في مقر إقامتي طوال هذه المدة (الأسبوع) ؟ لقد قرأت المسافة التي لا يمكن سماع الأذان بعدها وأنها تقارب الخمس كيلومترات، لكني أظن أن هذه المسافة طويلة جدا كي يطلب من المسلم أن يمشيها ليصل إلى المسجد، بالإضافة إلى ذلك، فأنا لا أستطيع تخيل أن يسمع الأذان على بعد كل هذه المسافة الطويلة جدا، حتى وإن كان ذلك في هدوء شديد. أظن أن هناك خطأ في الحساب. أرجو أن توضح لي رأيك حول حكم الصلاة في المكان الذي أقيم فيه، هل يجوز ذلك أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" الواجب على من سمع النداء بالصوت المعتاد من غير مكبّر أن يجيب إلى الصلاة في الجماعة في المسجد الذي ينادى بها فيه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر) أخرجه ابن ماجة والدارقطني وابن حبان والحاكم بإسناد صحيح.
وقد سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن العذر؟ فقال: خوف أو مرض، وأخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً أعمي قال: يا رسول الله، ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فهل لي من رخصة أن أصلي في بيتي؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (هل تسمع النداء للصلاة. قال: نعم. قال: أجب. وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (من سرّه أن يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن، فإن الله شرع لنبيّكم سنن الهدى وإنهن من سنن الهدى ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلّف في بيته لتركتم سنّة نبيّكم، ولو تركتم سنّة نبيّكم لضللتم، وقد رأيتنا وما يتخلّف عنها إلا منافق معلوم النفاق أو مريض، ولقد كان الرجل يؤتى به إلى الصلاة يهادى بين الرجلين حتى يُقام في الصف) ، وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلاً فيؤم الناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرّق عليهم بيوتهم بالنار) والأحاديث في تعظيم شأن الصلاة والحث على أدائها في المساجد كثيرة فالواجب على المسلمين المحافظة عليها في المساجد والتواصي بذلك والتعاون على ذلك........أما من كان بعيداً عن المسجد لا يسمع النداء إلا بالمكبّر فإنه لا يلزمه الحضور إلى المسجد وله أن يصلي ومن معه في جماعة مستقلة لظاهر الأحاديث المذكورة. فإن تجشموا المشقة وحضروا مع الجماعة في المساجد التي لا يسمعون منها النداء إلا بالمكبر بسبب بعدهم عنها كان ذلك أعظم لأجرهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم (أعظم الناس أجراً في الصلاة أبعدهم فأبعدهم ممشى) ....والأحاديث في فضل الذهاب إلى المساجد والحث على ذلك كثيرة جداً، والله ولي التوفيق. "
مجموع فتاوى الشيخ ابن باز رحمه الله ج/12 ص58-61
وقد قال العلماء في ضابط سماع النداء (الأذان)
قال الشافعي رحمه الله: إذا كان المنادي صيّتاً، وكان هو مستمعاً (أي ليس بأصمّ) ، والأصوات هادئة، الريح ساكنة، فأما إذا كان المنادي غير صيّت والرجل غافل والأصوات ظاهرة فقلّ من يسمع النداء. الأم ج/1 ص/221
وقال النووي: الاعتبار في سماع النداء: أن يقف المؤذن في طرف البلد والأصوات هادئة والريح ساكنة، وهو مستمع فإذا سمع لزمه، وإن لم يسمع لم يلزمه) المجموع شرح المهذب ج/4 ص/353
وقال ابن قدامة: والموضع الذي يُسمع منه النداء في الغالب ـ إذا كان المنادي صيّتاً، في موضع عال، الريح ساكنة، والأصوات هادئة، والمستمع غير ساه ولا لاه.. المغني ج/2 ص/107
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1775)
إذا جاء للمسجد فوجد الصفّ ممتلئا
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا يفعل الشخص إذا جاء للصلاة ولم يجد فراغاً في الصف؟ هل يصلي في صف لوحده بسبب ضعف الحديث الذي يذكر أن رجلاً سحب آخر من الصف الأمامي ليصلي معه؟
ماذا إذا قام الشخص في الصف الأمامي الممتلئ بالتوسيع لمن يصلي منفرداً في الصف الخلفي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ورد السؤال التالي على اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء:
مصلٍ أتى فوجد الصفوف مكتملة، وكان الإنسان الذي في آخر الصف صبيا، فهل يجذبه ليصلي معه، أم ماذا؟
وإذا أتى فوجد المصلين في الركوع فهل يصح أن يجذب المصلي وهو راكع، أم ماذا؟
وإذا تمت الصفوف فلم يجد أحدا يصلي معه إلا صبيانا صغارا بعضهم مميز والآخر غير مميز، فهل يصح أن يصلي معهم في ذلك الصف؟
فأجابت اللجنة:
إذا وجد المصلي الصف مكتملا فإنه ينتظر حتى يأتي من يصافه، ولا يجذب أحدا من الصف، وإن استطاع أن يدخل في الصف أو يصلي عن يمين الإمام فعل، وأما مصافة الصبيان فإن كانوا مميزين فمصافتهم صحيحة؛ لما في الصحيحين وغيرهما عن أنس رضي الله عنه أنه قال: ".. وصففت أنا واليتيم وراءه، والعجوز من ورائنا.. " يعني بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لما زارهم في بيتهم ضحى، وإن كانوا غير مميِّزين فحكمهم حكم المنفرد المصلي خلف الصف، وصلاة المنفرد خلف الصف غير صحيحة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا صلاة لمنفرد خلف الصف ".
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء فتاوى اللجنة الدائمة 8 / 6-7
فإذا خشي أن تفوته الصلاة ولم يجد مكانا في الصفّ ولم يأت أحد صلى وراءهم مقتديا بالإمام وصلاته صحيحة لقوله تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم) كما أفتى بذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1776)
هل محاذاة الصف تكون بالأقدام أم بالمناكب
[السُّؤَالُ]
ـ[أثناء وقوفنا في الصف لتأدية صلاة الجماعة، هل تكون المحاذاة بالأقدام أم بالمناكب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الصحيح: أن المحاذاة في الصفوف تكون بالمناكب والأقدام.
فقد روى البخاري رحمه الله (683) من حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم " أقيموا صفوفكم، فإني أراكم من وراء ظهري ".
قال أنس: وكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه، وقَدَمه بقدمه.أ. هـ
وقد بوَّب عليه البخاري رحمه الله بقوله: باب إلزاق المنكب بالمنكب والقَدَم بالقدم.
وقال: قال النعمان بن بشير: رأيتُ الرجل منا يلزق كعبه بكعب صاحبه. أ. هـ
قال الشيخ عبد العظيم آبادي: قال في " التعليق المغني ": فهذه الأحاديث فيها دلالة واضحة على اهتمام تسوية الصفوف، وأنها من إتمام الصلاة، وعلى أنه لا يتأخر بعضه على بعض، ولا يتقدم بعضه على بعض، وعلى أنه يلزق منكبه بمنكب صاحبه، وقدمه بقدمه، وركبته بركبته، لكن اليوم تُركت هذه السنَّة! ولو فعلت اليوم لنفر الناس كالحُمُر الوحشية!!. فإنا لله وإنا إليه راجعون. أ. هـ "عون المعبود " (2 / 256) .
المنكب: مجتمع العضد والكتف.
الكعب: العظم الناتئ في جانبي الرِّجل.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1777)
رؤية المرأة للإمام في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[أعلم انه في الصلاة يجب أن يكون المصلي خلف الإمام أو خلف رجل يرى الإمام. وسؤالي هو، هل هذا ينطبق على المرأة أيضا؟ سمعت أنه يجب أن يرى الإمام ولو امرأة واحدة.
وكما تعلم فإن اكثر الأماكن المعدة لصلاة النساء تكون خلف حاجز ولا يمكن رؤية الإمام وإنما يتابعون الإمام من خلال مكبر الصوت الذي يتعطل بعض الأحيان فلا نستطيع الصلاة.
وحصل مرة أنني كنت مسافرة مع زوجي وتوقفنا للصلاة وذهبت لمصلى النساء ولم يكن هناك أحد مطلقا وسمعت الإمام يكبر ولكن لا أدري لأي وضع هذا التكبير وانتهى بي الأمر أنني لم أتابع الإمام بنفس الترتيب.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يشترط للمرأة التي تصلي خلف الإمام أن تراه أو ترى بعض المأمومين ولكن يشترط أن تكون الصفوف متصلة وأن يكون مصلى النساء داخل حدود المسجد وأن يصل إليها صوت الإمام لتتمكّن من متابعته، وإن عجزت المرأة عن متابعة الإمام لسبب من الأسباب تصلي منفردة أو تصلي مع النساء جماعة أخرى إذا تعذر سماع صوت الإمام أو لم يمكنهن متابعته، وإذا دخلت المرأة المسجد وسمعت تكبير الإمام فلا تكبر معه حتى تعلم هل هو في سجود أو ركوع أو غير ذلك والمخرج من هذا - إذا لم تكن ترى الإمام أو من يقتدي به من المأمومين - أن تنتظر حتى يقول الإمام سمع الله لمن حمده ثم تصلي معه قال ابن عبد البر في الكافي: وكل من رأى إمامه أو سمعه وعرف خفضه ورفعه وكان خلفه جاز أن يأتم به، وهو قول المالكية (الكافي 1/ 212) وقال ابن قدامة: إن كان بين الإمام والمأموم حائل يمنع رؤية الإمام أو من وراءه ففيه روايتان عن أحمد أحدهما: لا يصح الإئتمام به.. والثانية: يصح لأنه يمكنه الاقتداء بالإمام من غير مشاهدة كالأعمى. واشترط لصحة الإتمام أن يسمع صوت الإمام (المغني 2/208) .
والخلاصة أنك إذا كنت داخل المسجد وتسمعين صوت الإمام وتعلمين في أي وضع هو فاقتدي به وإلا صلّي وحدك أو مع جماعة من النساء بعد انتهاء الإمام من الصلاة.
وأما حكم صلاتك فقد سألنا فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب بأنه من الأحوط لها إعادة الصلاة. والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1778)
متى يتحرك المأموم خلف الإمام في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى متابعة الإمام ومسابقته؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المتابعة أن تنتظر الإمام حتى يتم انتقاله وينقطع صوته بالتكبير ثم تتبعه، فإذا كبر للركوع تبقى قائماً حتى يفرغ من التكبير ويتم ركوعه ثم تنحني راكعاً، فإذا رفع بقيت حتى يستتم قائماً ويفرغ من التسميع، ثم ترفع بعده، وهكذا بقية الأركان، أما المسابقة فهي أن تركع قبل الإمام أو تسجد قبله، أو تبدأ بالحركة قبل حركته، وهي تبطل الصلاة أو تنقصها.
[الْمَصْدَرُ]
اللؤلؤ المكين للشيخ ابن جبرين ص 13(5/1779)
السلام قبل الإمام عند اشتداد الحاجة
[السُّؤَالُ]
ـ[مأموم حضره البول أو الرّيح بشدّة وهو في التشهد الأخير، فهل تصح صلاته إذا سلّم قبل الإمام بعد أداء الركن والواجب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله:
نعم تصح؛ لأنه معذور. والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(5/1780)
كيف يقف المأموم الواحد مع الإمام
[السُّؤَالُ]
ـ[حينما يؤدي رجلان صلاة الفرض جماعة فإن الإمام يقف على اليسار أما المأموم فإنه يقف عن يمينه، لكن السؤال هل يتأخر عنه قليلاً أم يكون بمحاذاته في الصف؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تجب تسوية الصف، والذي يدل على ذلك حديث النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ قال: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ) رواه البخاري (الأذان/676) وإذا وقف إمام ومأموم فإنه يكون محاذياً للمأموم، ولا يتقدم عليه، فإن ابن عباس رضي الله عنهما (أخذ النبي صلى الله عليه وسلم رأسه من ورائه وجعله عن يمينه، ولم ينقل أنه أخّره قليلاً) ، ثم إن الإمام والمأموم يعتبران صفاً، فإذا اعتبرناهما صفاً كان المشروع تسوية الصف، وتسوية الصف تكون بالتساوي بحيث لا يتقدم أحد على أحد.
انظر الشرح الممتع لابن عثيمين ج/3 ص/10-12
وروى الإمام أحمد في مسنده عن ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَصَلَّيْتُ خَلْفَهُ، فَأَخَذَ بِيَدِي فَجَرَّنِي فَجَعَلَنِي حِذَاءَهُ، فَلَمَّا أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى صَلاتِهِ خَنَسْتُ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ لِي: (مَا شَأْنِي أَجْعَلُكَ حِذَائِي فَتَخْنِسُ؟) فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَوَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ حِذَاءَكَ وَأَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ الَّذِي أَعْطَاكَ اللَّهُ؟ ... (2902) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (2590) ، قال الألباني رحمه الله: وفيه فائدة فقهية هامة ... وهي: أن السنة أن يقتدي المصلِّي مع الإمام عن يمينه وحذاءه غير متقدِّم عليه ولا متأخِّر عنه، خلافاً لما في بعض المذاهب أه ينبغي أن يَأَخَّر عن الإمام قليلاً، بحيث يجعل أصابع رجليه حذاء عقبي الإمام أو نحوه، وهذا كما ترى خلاف هذا الحديث الصحيح..أهـ
انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة م/6 ص/174. والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1781)
يغلبه النوم فتفوته صلاة الجماعة
[السُّؤَالُ]
ـ[تأخرت عن صلاة العصر جماعةً لأيام متتالية، وأنا أحاول جاهداً ألا أنام، ولكن قبل الصلاة بساعة أو أقل يغلبني النوم، تبت إلى الله من هذا، ونذرت ألا أنام قبل العصر لكي لا تفوتني الصلاة جماعة، ولا أعلم لأني بعد هذا النذر أيضاً نمت قبل العصر. ما الحكم؟ هل يلزمني الوفاء بهذا النذر؟ وما الحكم في الأيام التي نمت فيها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يأجرك على حرصك على الصلاة جماعة، واجتهادك في المحافظة عليها، ونسأله سبحانه أن يوفقك لكل خير.
ولتعلم أخي الكريم أنك تعامل ربا كريما رؤوفا رحيما، أرحم بعباده منهم بأنفسهم، وهو سبحانه مُطَّلِعٌ على قلبك، وخبيرٌ بما في صدرك، فإن رأى منك صدق النية كتب لك الأجر تاما، وعفا عن كل زلل وتقصير.
وقد جاءت الشريعة بعذر النائم، إذا فاتته صلاة الجماعة، أو فاته وقت الصلاة بالكلية، ما دام قد أخذ بالأسباب واجتهد في إدراك الصلاة جماعة، فإذا غلبه النومُ بعد ذلك بشيءٍ خارجٍ عن قدرته، من غير تقصير ولا إهمال، كان العفو من الله تعالى، فهو سبحانه لا يكلف نفسا إلا وسعها.
وقد روى البخاري (570) ومسلم (681) عن أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان مع بعض أصحابه في سفر، فنزل في آخر الليل (فَوَضَعَ رَأْسَهُ ثُمَّ قَالَ: احْفَظُوا عَلَيْنَا صَلَاتَنَا.
فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالشَّمْسُ فِي ظَهْرِهِ، قَالَ أبو قتادة: فَقُمْنَا فَزِعِينَ. ثُمَّ قَالَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ارْكَبُوا. فَرَكِبْنَا فَسِرْنَا حَتَّى إِذَا ارْتَفَعَتْ الشَّمْسُ نَزَلَ، ثُمَّ دَعَا بِمِيضَأَةٍ كَانَتْ مَعِي فِيهَا شَيْءٌ مَنْ مَاءٍ، قَالَ: فَتَوَضَّأَ مِنْهَا وُضُوءًا دُونَ وُضُوءٍ، ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ بِالصَّلَاةِ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى الْغَدَاةَ، فَصَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ كُلَّ يَوْمٍ. قَالَ: وَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَكِبْنَا مَعَهُ، قَالَ: فَجَعَلَ بَعْضُنَا يَهْمِسُ إِلَى بَعْضٍ مَا كَفَّارَةُ مَا صَنَعْنَا بِتَفْرِيطِنَا فِي صَلَاتِنَا؟
فقَالَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَا لَكُمْ فِيَّ أُسْوَةٌ؟! ثُمَّ قَالَ: أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ، إِنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاةَ حَتَّى يَجِيءَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الْأُخْرَى، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلْيُصَلِّهَا حِينَ يَنْتَبِهُ لَهَا، فَإِذَا كَانَ الْغَدُ فَلْيُصَلِّهَا عِنْدَ وَقْتِهَا..إلى آخر الحديث)
فتأمل في قول النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (احفظوا علينا صلاتنا) لتعلم فيه الدليل على وجوب اتخاذ الأسباب لأداء الصلاة في وقتها، والقيام بالجماعة، غير أن التعب والإرهاق الذي أصابهم بسبب السفر حال دون أن يستيقظوا في وقت الفجر، فما راعهم إلا والشمس قد طلعت، فكان لهم العذر حينئذ.
قال النووي في "شرح مسلم" (5/186) :
" فيه دليل لما أجمع عليه العلماء أن النائم ليس بمكلف " انتهى.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (7/187) :
" يفهم من هذا الحديث أنّه إذا غلب على ظنّه أنّه لو نام تفوته الصّلاة يُكلِّف أحداً بإيقاظه " انتهى.
والخلاصة: أن النوم قبل الصلاة إن كان لحاجة مع حرص على الاستيقاظ وتكليف من يقوم بذلك من الأهل أو ضبط الأجهزة المنبهة لا حرج فيه، ولا يأثم المسلم إن فاتته صلاة الجماعة أو فاته وقت الصلاة.
ثانياً:
وأما النذر الذي نذرته فقد كان الواجب عليك الوفاء به، وحيث إنك لم تفعل، فعليك كفارة يمين، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ) رواه مسلم (1645) وليس عليك إلا كفارة واحدة، ولو تعددت الأيام التي نمت فيها قبل العصر، لأن النذر (اليمين) قد انحل بحصول المخالفة ولم يِبْق منعقداً.
وكفارة اليمين هي: تحرير رقبة أو إطعام عشرة مساكين من أوسط طعامك، أو كسوتهم، فإذا لم تستطع القيام بواحدة، من هذه الخصال الثلاثة فعليك صيام ثلاثة أيام.
وانظر جواب السؤال رقم (45676) .
.والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1782)
التصدّق على شخص بالصلاة معه بعد الفجر
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل صلى الفجر في جماعة، ثم أتى رجل آخر تأخر عن صلاة الجماعة وطلب من الأول أن يصلي معه كنافلة ويكسب الآخر أجر الجماعة فما الحكم في ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا بأس إذا دخل رجل بعد صلاة الفجر أو بعد صلاة العصر وقد فاتته الصلاة أن يقوم معه
آخر فيصلي معه ويتصدق عليه، فالقاعدة أن كل صلاة نافلة لها سبب (فلا بأس بفعلها في وقت النهي) ، كتحية المسجد، وسجود التلاوة، وصلاة الاستخارة في أمر يفوت قبل زوال وقت النهي، والصدقة على إنسان دخل بعد صلاة العصر أو بعد صلاة الفجر وما أشبه ذلك.
[الْمَصْدَرُ]
لقاء الباب المفتوح لابن عثيمين /169(5/1783)
على المأموم أن يتابع إمامه في المسائل الاجتهادية
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا صليت الوتر خلف إمام يصليه مثل المغرب تماماً، فهل أتابعه أم ماذا أفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه نهى عن تشبيه صلاة الوتر بصلاة المغرب. راجع السؤال (38230) .
ثانياً:
اختلف العلماء إذا فعل الإمام في الصلاة ما يعتقد المأموم عدم جوازه، أو ترك الإمام ما يعتقد المأموم وجوبه، هل يتابعه أم لا؟
وقد ذكر اختلافهم، في ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، واختار أنه يتابعه في ذلك ما دامت المسألة من مسائل الاجتهاد.
قال رحمه الله في "الفتاوى الكبرى" (2/117) :
" وَتَنَازَعُوا فِيمَا إذَا تَرَكَ الإِمَامُ مَا يَعْتَقِدُ الْمَأْمُومُ وُجُوبَهُ , مِثْلَ أَنْ يَتْرُكَ قِرَاءَةَ الْبَسْمَلَةِ وَالْمَأْمُومُ يَعْتَقِدُ وُجُوبَهَا , أَوْ يَمَسَّ ذَكَرَهُ وَلا يَتَوَضَّأَ , وَالْمَأْمُومُ يَرَى وُجُوبَ الْوُضُوءِ مِنْ ذَلِكَ , أَوْ يُصَلِّي فِي جُلُودِ الْمَيْتَةِ الْمَدْبُوغَةِ , وَالْمَأْمُومُ يَرَى أَنَّ الدِّبَاغَ لا يُطَهِّرُ , أَوْ يَحْتَجِمَ وَلا يَتَوَضَّأُ وَالْمَأْمُومُ يَرَى الْوُضُوءَ مِنْ الْحِجَامَةِ. وَالصَّحِيحُ الْمَقْطُوعُ بِهِ أَنَّ صَلاةَ الْمَأْمُومِ صَحِيحَةٌ خَلْفَ إمَامِهِ , وَإِنْ كَانَ إمَامُهُ مُخْطِئًا فِي نَفْسِ الأَمْرِ: لِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: (يُصَلُّونَ لَكُمْ فَإِنْ أَصَابُوا فَلَكُمْ وَلَهُمْ , وَإِنْ أَخْطَئُوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ) . وَكَذَلِكَ إذَا اقْتَدَى الْمَأْمُومُ بِمَنْ يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ , أَوْ الْوِتْرِ , قَنَتَ مَعَهُ. سَوَاءٌ قَنَتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ , أَوْ بَعْدَهُ , وَإِنْ كَانَ لا يَقْنُتُ , لَمْ يَقْنُتْ مَعَهُ. وَلَوْ كَانَ الإِمَامُ يَرَى اسْتِحْبَابَ شَيْءٍ , وَالْمَأْمُومُونَ لا يَسْتَحِبُّونَهُ , فَتَرَكَهُ لأَجْلِ الاتِّفَاقِ وَالائْتِلافِ: كَانَ قَدْ أَحْسَنَ. مِثَالُ ذَلِكَ الْوِتْرُ فَإِنَّ لِلْعُلَمَاءِ فِيهِ ثَلاثَةَ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ لا يَكُونُ إلا بِثَلَاثٍ مُتَّصِلَةٍ. كَالْمَغْرِبِ: كَقَوْلِ مَنْ قَالَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ لا يَكُونُ إلا رَكْعَةً مَفْصُولَةً عَمَّا قَبْلَهَا , كَقَوْلِ مَنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّ الأَمْرَيْنِ جَائِزَانِ , كَمَا هُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا , وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَإِنْ كَانَ هَؤُلاءِ يَخْتَارُونَ فَصْلَهُ عَمَّا قَبْلَهُ , فَلَوْ كَانَ الإِمَامُ يَرَى الْفَصْلَ , فَاخْتَارَ الْمَأْمُومُونَ أَنْ يُصَلِّيَ الْوِتْرَ كَالْمَغْرِبِ فَوَافَقَهُمْ عَلَى ذَلِكَ تَأْلِيفًا لِقُلُوبِهِمْ كَانَ قَدْ أَحْسَنَ , كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِعَائِشَةَ: (لَوْلا أَنَّ قَوْمَك حَدِيثُو عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ لَنَقَضْت الْكَعْبَةَ , وَلأَلْصَقْتهَا بِالأَرْضِ ; وَلَجَعَلْت لَهَا بَابَيْنِ , بَابًا يَدْخُلُ النَّاسُ مِنْهُ , وَبَابًا يَخْرُجُونَ مِنْهُ) . فَتَرَكَ الأَفْضَلَ عِنْدَهُ ; لِئَلا يَنْفِرَ النَّاسُ " اهـ.
وقال أيضاً في "الفتاوى الكبرى" (2/320) :
" إذَا تَرَكَ الإِمَامُ مَا يَعْتَقِدُ الْمَأْمُومُ وُجُوبَهُ. . . فَهَذَا فِيهِ قَوْلانِ: أَصَحُّهُمَا صِحَّةُ صَلاةِ الْمَأْمُومِ , وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ , وَأَصْرَحُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ، وهُوَ الْمَنْصُوصُ عن الشَّافِعِيِّ، فَإِنَّهُ كَانَ يُصَلِّي خَلْفَ الْمَالِكِيَّةِ الَّذِينَ لا يَقْرَءُونَ الْبَسْمَلَةَ , وَمَذْهَبُهُ وُجُوبُ قِرَاءَتِهَا. وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: (يُصَلُّونَ لَكُمْ فَإِنْ أَصَابُوا فَلَكُمْ وَلَهُمْ , وَإِنْ أَخْطَئُوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ) فَجَعَلَ خَطَأَ الإِمَامِ عَلَيْهِ دُونَ الْمَأْمُومِ. وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ إنْ كَانَ مَذْهَبُ الإِمَامِ فِيهَا هُوَ الصَّوَابَ فَلا نِزَاعَ , وَإِنْ كَانَ مُخْطِئًا فَخَطَؤُهُ مُخْتَصٌّ بِهِ , وَالْمُنَازِعُ (يعني الذي يرى أن المأموم لا يتابعه) يَقُولُ: الْمَأْمُومُ يَعْتَقِدُ بُطْلانَ صَلاةِ إمَامِهِ. (قال شيخ الإسلام) : وَلَيْسَ كَذَلِكَ , بَلْ يَعْتَقِدُ أَنَّ الإِمَامَ يُصَلِّي بِاجْتِهَادٍ أَوْ تَقْلِيدٍ , إنْ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ , وَإِنْ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ " اهـ.
وقال أيضاً في "الاختيارات الفقهية" (70) :
" لَوْ فَعَلَ الإِمَامُ مَا هُوَ مُحَرَّمٌ عِنْدَ الْمَأْمُومِ دُونَهُ مِمَّا يَسُوغُ فِيهِ الاجْتِهَادُ صَحَّتْ صَلاتُهُ خَلْفَهُ , وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ , وَقَالَ: إنَّ الرِّوَايَاتِ الْمَنْقُولَةَ عَنْ أَحْمَدَ لا تُوجِبُ اخْتِلافًا وَإِنَّمَا ظَوَاهِرُهَا أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ يُقْطَعُ فِيهِ بِخَطَإِ الْمُخَالِفِ تَجِبُ الإِعَادَةُ , وَمَا لا يُقْطَعُ فِيهِ بِخَطَإِ الْمُخَالِفِ , لا تَجِبُ الإِعَادَةُ وَهُوَ الَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ السُّنَّةُ , وَالآثَارُ , وَقِيَاسُ الأُصُولِ , وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلافٌ مَشْهُورٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ " اهـ.
فعليك متابعة الإمام، لأن هذا من المسائل الاجتهادية التي اختلف فيها الأئمة.
وإذا أمكن مناصحة الإمام وبيان السنة له بأدلتها فإن هذا هو المتعين.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1784)
الصلاة جماعة في البيت حكمها وأجرها بالنسبة لجماعة المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ثواب صلاة الجماعة الثانية، أو الثالثة بالمسجد يعادل ثواب 25 أو 27 صلاة مع الإمام فى صلاة الجماعة الأولى؟ وهل يعادل ثواب الصلاة مع 5 إلى 10 أشخاص بالعمل أو المدرسة ثواب من يصلي بالمسجد؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
وجوب صلاة الجماعة
وهذا ما تدل عليه الأدلة الشرعية من القرآن والسنَّة، وإذا كان الله تعالى قد أوجب الصلاة جماعة في أرض القتال: فأولى أن تكون واجبة في حال الإقامة والأمن. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (120) و (8918) .
ثانياً:
وجوب صلاة الجماعة في المساجد لا في أماكن العمل والدراسة
وهذا في حال أن يكون المسلم من المكلفين، الرجال، القادرين، والذين يمكنهم سماع الأذان من غير مكبرات للصوت..
ويدل على ذلك: أن النبيُّ صلى الله عليه وسلم هَمَّ بتحريق البيوت على من يصلي في بيته – وقد يكونون يصلون جماعة -.
فعَن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( ... وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلاةِ فَتُقَامَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إِلَى قَوْمٍ لا يَشْهَدُونَ الصَّلاةَ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ) . رواه البخاري (657) ومسلم (651) - واللفظ له -.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (72398) .
ولذا فإنه لا مقارنة بين جماعة البيت وجماعة المسجد، والأجور والفضائل إنما هي لجماعة المسجد، فمن ترك جماعة المسجد واختار جماعة البيت أو العمل: لم يحصِّل أجر جماعة المسجد، وهذا إن سلِم من الإثم أصلاً.
ثالثاً:
الذي له عذر يمنعه من حضور صلاة الجماعة في المسجد له أجر الجماعة وإن صلاها في بيته
وقد يُعذر المسلم فيرخّص له في ترك صلاة الجماعة في المسجد كأن يكون بعيداً لا يصل له صوت الأذان في وضعه الطبيعي، أو يكون مريضاً، أو خائفاً، وإذا كان الأمر كذلك: فعليه أن يصلي جماعة مع أهل بيته ممن لا تجب عليهم الجماعة، أو مع من هم مثله من المعذورين، وهنا يصح التفاضل بين جماعة المسجد وبين جماعة هؤلاء من حيث العدد فمن كانت جماعته أكثر كان أحب إلى الله – وسيأتي نص الحديث في " رابعاً " -، لكن ليس هناك مجال للمقارنة بين الأجور الأخرى، مثل الخطوات التي يخطوها المصلي للمسجد، والتبكير لحضور الصلاة، وإعداد الله له نزلا في الجنة كلما غدا أو راح، وغير ذلك، فمثل هذه الأجور يحرمها من يصلي في بيته، إلا أن يكون من المحافظين على الصلاة في المسجد فأقعده المرض أو العذر، فهذا يكتب له من الأجر مثل ما كان يعمل، كما صحَّ ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
المعذورَ يُكتبُ له أجرُ الجماعةِ كاملاً إذا كان مِن عادتِه أن يصلِّي مع الجماعةِ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مَرِضَ العبدُ أو سافرَ كُتِبَ له مثلُ ما كان يعملُ صحيحاً مقيماً) . "الشرح الممتع" (4 / 323) .
ومن لم يتيسر له أحد يصلي معه: فليصل وحده، والصلاة كلما كثر عدد أفرادها: كان ذلك أحب إلى الله.
رابعاً:
إن تعمد التأخر عن الجماعة الأولى أَثم، وصلاته جماعة خير من صلاته منفرداً، لكن ليس له ثواب الجماعة الأولى فمن تأخر بغير عذرٍ وقصد أن يصلي جماعة ثانية أو ثالثة – كما يحصل في مساجد الأسواق -: فهؤلاء يأثمون على تعمد تفويتهم الجماعة الأولى، ويحرمون من أجورها ولو صلوا جماعة بعدد أكبر من الجماعة الأولى.
قالَ الشيخ ابن العثيمين رحمه الله:
" وأما قول القائل: إنهم إذا صلوا في المسجد ولو بعد الجماعة الأولى: فإن لهم أجر سبعٍِ وعشرين درجة: فهذا ليس بصحيح؛ فأجر سبعٍ وعشرين درجة لا يكون إلا في الجماعة الأولى فقط، أما الثانية: فلا شك أن الصلاة في جماعة أفضل من الصلاة على وجه الانفراد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في رجل دخل وقد فاتته الصلاة: (مَنْ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا فَيُصَلِّيَ مَعَهُ؟) فقام أحد القوم فصلى معه؛ ولأنه عليه الصلاة والسلام قال: (صََلَاةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ مَعَ الرَّجُلِ، وَمَا كَانُوا أَكْثَرَ فَهُوَ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) ، لكن كون الجماعة الثانية تنال أجر الجماعة الأولى: فهذا ليس بصحيح، وإلا لكان كل الناس يذهبون إلى المسجد متى شاءوا، ويصلون جماعة ويقولون: أخذنا أجر سبع وعشرين درجة، فهذا لا أعلم أحداً قال به، أي: أن الصلاة الثانية كصلاة الأولى في الحصول على أجر سبع وعشرين درجة، فلا أعلم أحداً قال بهذا " " لقاء الباب المفتوح " (44 / السؤال رقم 10) .
وأما من تأخر عن الصلاة بعذر ووصل المسجد وقد انتهت الصلاة: فيكتب له أجر الجماعة ولو صلى وحده.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَلَ: (مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ خَرَجَ عَامِدًا إِلَى الْمَسْجِدِ فَوَجَدَ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ مِثْلَ أَجْرِ مَنْ صَلاَّهَا وَحَضَرَهَا وَلَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا) .
رواه أبو داود (564) – واللفظ له - والنسائي (855) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
وفي " عون المعبود " (2 / 192) :
" وهذا إذا لم يكن التأخير ناشئاً عن التقصير " انتهى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1785)
والده لا يصلي إلا إذا صلى معه فهل يصلي في البيت لأجله
[السُّؤَالُ]
ـ[والدى لا يصلى بانتظام فهو يصلى عادة عندما أقول له بأن يأتي ليصلي معي. وسؤالي: أولا: هل يجوز لي عندما أصلى فى المسجد على سبيل المثال أو أصلى منفردا ثم أرى والدى أن أصلى معه ثانية (كأن أصلى العشاء مرتين) ؟ وأيضا هل من الأفضل لي أن أصلي مع والدي أم في المسجد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
صلاة الجماعة واجبة في المسجد على الرجال القادرين، في أصح قولي العلماء، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم (120) و (8918) .
وعليه فلا يجوز أن تتخلف عن الصلاة في المسجد، لتصلي مع والدك.
لكن إذا صليت في المسجد، ورجعت إلى منزلك، جاز لك أن تصلي الصلاة مع أبيك، وتكون نافلة لك؛ لوجود السبب المبيح لإعادة الجماعة، وقد ثبت في الصحيحين عن معاذ رضي الله عنه " أنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء ثم يذهب فيصلي بقومه " رواه البخاري (701) ، ومسلم برقم (465) .
ثانياً:
ينبغي أن تكثر من النصيحة لأبيك، وأن ترغبه في الصلاة، وفي أدائها جماعة، وأن تبين له ما ورد في عقوبة تارك الصلاة، فإن الصلاة عمود الدين، والمتهاون فيها متوعَّد بالعقاب الشديد، كما قال تعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) مريم/59، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ) رواه مسلم (82) . وقوله: (مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) رواه البخاري (553) .
وقوله: (لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئًا وَإِنْ قُطِّعْتَ وَحُرِّقْتَ وَلَا تَتْرُكْ صَلَاةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّدًا فَمَنْ تَرَكَهَا مُتَعَمِّدًا فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ وَلَا تَشْرَبْ الْخَمْرَ فَإِنَّهَا مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ) رواه ابن ماجه (4034) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه.
وقد روى عن جماعة من الصحابة أن من ترك صلاة واحدة متعمدا حتى خرج وقتها أنه كافر، عياذا بالله من ذلك.
نسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1786)
يؤخرون صلاة الظهر فهل يصلي معهم أو يصلي منفرداً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[في قريتي تصلى صلاة الظهر قبل نصف ساعة من دخول وقت صلاة العصر ما هو الأفضل أن أصلي مع الجماعة أو أن أصلي في أول وقت الظهر?]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أحب الأعمال إلى الله الصلاة على وقتها، كما صح بذلك الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مسارعا إلى أداء الصلاة في أول وقتها، وهكذا كان صحابته الكرام رضي الله عنهم، امتثالا لأمر الله تعالى: (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ) البقرة/48، وقوله تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) آل عمران/133.
فعليك بمناصحة أهل قريتك حتى يصلوا الصلاة في أول وقتها، كما هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم.
وتأخير الصلاة إلى هذا الحد قد يؤدي إلى تضييعها.
إلا إذا كان هناك عذر لهذا التأخير كشغل أو شدة حر، فلا بأس بذلك، فقد جاءت السنة بتأخير صلاة الظهر عند شدة الحر، وهو ما يسمى بـ " الإبراد " وانظر لمعرفة حكمه جواب السؤال رقم (39818) .
ثانياً:
أما عن المفاضلة بين الصلاة في أول وقتها منفرداً، والصلاة في آخر وقتها جماعة، فقد اختلف العلماء في ذلك.
فذهب بعضهم إلى تقديم فضيلة الوقت على فضيلة الجماعة.
وذهب بعضهم إلى أن تأخير الصلاة لتحصيل فضيلة الجماعة أفضل من الإتيان بها منفرداً في أول وقتها.
وذهب بعضهم إلى استحباب صلاتها مرتين، لتحصيل الفضيلتين.
قال الحطاب في "مواهب الجليل" (1/404) : " الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ فَذًّا (أي: منفرداً) أَفْضَلُ مِنْهَا فِي آخِرِ الْوَقْتِ فِي جَمَاعَةٍ " ثم نقل ذلك عن الإمام مالك رحمه الله.
وقال النووي في المجموع (2/303) : " الَّذِي نَخْتَارُهُ أَنَّهُ يَفْعَلُ مَا أَمَرَهُ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَيُصَلِّي مَرَّتَيْنِ: مَرَّةً فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ مُنْفَرِدًا لِتَحْصِيلِ فَضِيلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ , وَمَرَّةً فِي آخِرِهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ لِتَحْصِيلِ فَضِيلَتِهَا , فَإِنْ أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَى صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ - فَإِنْ تَيَقَّنَ حُصُولَ الْجَمَاعَةِ آخِرَ الْوَقْتِ - فَالتَّأْخِيرُ أَفْضَلُ لِتَحْصِيلِ شِعَارِهَا الظَّاهِرِ ; وَلِأَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ فِي مَذْهَبِنَا وَفَرْضُ عَيْنٍ عَلَى وَجْهٍ لَنَا , وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ أَصْحَابِنَا , وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَطَائِفَةٍ , فَفِي تَحْصِيلِهَا خُرُوجٌ مِنْ الْخِلَافِ , وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ يَأْثَمُ بِتَأْخِيرِهَا , وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إنْ فَحُشَ التَّأْخِيرُ فَالتَّقْدِيمُ أَفْضَلُ , وَإِنْ خَفَّ فَالِانْتِظَارُ أَفْضَلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ " انتهى.
وقال البهوتي في "كشاف القناع" (1/457) : " وَتُقَدَّمُ الْجَمَاعَةُ مُطْلَقًا عَلَى أَوَّلِ الْوَقْتِ ; لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ , وَأَوَّلُ الْوَقْتِ سُنَّةٌ، وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ وَاجِبٍ وَمَسْنُونٍ " انتهى.
والذي يظهر من هذا –والله أعلم-: أن الالتزام بجماعة المسلمين أولى من الصلاة منفرداً لما هو معلوم من فضل الصلاة في جماعة، وحرصا على إقامة هذه الشعيرة، ولأن الصحيح من أقوال أهل العلم أن صلاة الجماعة واجبة.
إلا إذا شق عليك الانتظار إلى هذا الوقت، فلا حرج عليك من الصلاة في أول الوقت منفرداً، إذا لم تجد أحدا تصلي معه في جماعة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1787)
هل يقف المأموم عن يمين الإمام عند اكتمال الصف
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم صلاة المأموم الذي لم يجد مكاناً في الصف، ووقف عن يمين الإمام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
السنة أن الإمام يتقدم على المأمومين إذا كانوا اثنين فأكثر، ولا ينبغي أن يقف أحد بجانب الإمام إلا للضرورة القصوى، كما لو امتلأ المسجد ولم يجد مكاناً إلا جنب الإمام فلا بأس، وإذا كانوا اثنين واحتاجا إلى أن يكونا إلى جنب الإمام فليكن أحدهما عن اليمين والآخر عن الشمال، ولا يكونا جميعاً عن يمينه كما كان هذا المشروع أولاً إذا كانوا ثلاثة أن يكون الإمام بين الاثنين، ثم نسخ ذلك حتى كان المشروع أن يكون الاثنان خلفه.
وأما ما يظنه العامة الآن من أن الرجلين إذا احتاجا أن يكونا مع الإمام، كانا عن يمينه فقط فهذا ليس له أصل، نعم إذا كان واحداً فلا يقف إلا عن يمينه.
[الْمَصْدَرُ]
لقاء الباب المفتوح لابن عثيمين 54/93(5/1788)
رجال متأخرون يصلون خلف النساء في صلاة الجماعة
[السُّؤَالُ]
ـ[في الكلية أعطونا حجرة صغيرة للصلاة ويصلي المسلمون والمسلمات في نفس الصف (لا أتكلم عن الجماعة) ثم يأتي آخرون ويصلون خلف المسلمات. فهل هذا يجوز؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ينبغي الحرص على جعل النساء مفصولات عن الرجال، حتى وإن كان المصلى صغيرا، فينبغي أن يعرف الجميع - رجالا ونساءا - أن آخر المصلى خاص بالنساء، ويمكن أن يُجعل فاصل يحدد مكان النساء، ولو بخط في الأرض، او علامة توضع، ونحو ذلك. بحيث يبقى فراغ كاف يقوم فيه الرجال المتأخرون ويصفون فيه خلف إخوانهم الذين سبقوهم وأمام النساء المصليات. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ سعد الحميد.(5/1789)
هل تقام جماعة مستقلة للنساء مع جماعة الرجال؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن إقامة أكثر من صلاة جماعة في مسجد واحد في نفس الوقت؟ ففي مسجد الجامعة لا يتم استخدام ميكروفون والنساء لا يسمعن الإمام فهل يمكنهن إقامة جماعة أخرى بإمام منهن؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل أنه لا يشرع إقامة جماعتين في مسجد في وقت واحد، لما في ذلك من تفريق المسلمين، وتشويش بعضهم على بعض، لكن إذا وجد عذر، كعدم سماع النساء صوت الإمام فلا حرج من إقامة جماعة خاصة بالنساء تصلي بهن إحداهن، مع وجود جماعة الرجال، ولكن يشترط لذلك ألا يحصل تشويش من الجماعتين بعضهما على بعض.
وقد ثبت عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما أنهما فعلا ذلك في صلاة التراويح في المسجد، حيث جعلا إماماً للرجال، وآخر للنساء.
قال الألباني رحمه الله في رسالة "قيام رمضان":
" ويشرع للنساء حضورها – يعني صلاة التراويح -. . . بل يجوز أن يُجْعَلَ لهن إمام خاص بهن، غير إمام الرجال، فقد ثبت أن عمر رضي الله عنه لما جمع الناس على القيام، جعل على الرجال أُبَيَّ بن كعب، وعلى النساء سليمان بن أبي حثمة.
وعن عرفجة الثقفي قال: (كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يأمر الناس بقيام شهر رمضان ويجعل للرجال إماماً وللنساء إماماً، قال: فكنت أنا إمام النساء) .
قلت (الألباني) : وهذا محله عندي إذا كان المسجد واسعاً، لئلا يشوش أحدهما على الآخر " انتهى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1790)
القائمون على المسجد مقصرون دينياً فهل يترك الصلاة فيه
[السُّؤَالُ]
ـ[لجنة المسجد تتولى اتخاذ أغلب القرارات الخاصة بجاليتنا. لكن القليل جداً من أعضائها يتمسكون بالسنة أو بالشريعة. وأنا أعلم شخصياً أن بعضهم يقع في المعاصي، كما أن النساء اللآتي يحضرن لا يرتدين الحجاب الصحيح. وأنا لا أراهم يحضرون إلى المسجد إلا إذا كان عندهم اجتماع أو يوم الجمعة.
فهل أستمر في الذهاب إلى ذلك المسجد، أم أقيم مصلى جديداً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عليك الاستمرار في الذهاب للمسجد، وإياك وتفريق جماعة المسجد، واحرص على الإصلاح من الداخل بالوعظ والنصيحة وقم بتحسين العلاقات دون الوقوع بالمحرمات ولعل تقديم اقتراحات مكتوبة من جهتك مع الرفق واللين قد يساهم في تحسين الأحوال، وتفائل بتحسن الأمور في المستقبل فقد يتغير هذا المجلس أو بعض أعضاءه فيكونون أكثر تديناً واصلح وقد تكون أنت واحداً منهم نسأل الله لنا ولك التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1791)
صلاة النساء في مكان أخفض من مكان الإمام
[السُّؤَالُ]
ـ[لدينا في القرية مسجد قديم تم البناء فوقه، وفي رمضان تصلي فيه النساء حيث يصل الصوت إليهن عبر مكبر الصوت. هل يجوز صلاة النساء حيث إنهن في مكان أخفض من المكان الذي يوجد فيه الإمام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان المأموم في المسجد، فيصح اقتداؤه بالإمام بمجرد سماع التكبير، ولا يشترط أن يرى الإمام أو المأمومين.
وأما من كان يصلي خارج المسجد فيشترط أن يرى الإمام أو المأمومين، كما يشترط اتصال صفه بمن في المسجد. وراجع جواب السؤال رقم (93369) .
وعليه؛ فإذا كانت النساء يصلين في المسجد، ويسمعن التكبير، صح اقتداؤهن بالإمام، ولا يضر كونهن في مكان أخفض من محل الإمام.
والحديث الوارد في النهي عن علو الإمام على المأموم مختلف في صحته، وحمله بعض أهل العلم على ما إذا صلى الإمام وحده في المكان المرتفع، أما إذا صلى معه بعض المأمومين وكان بعضهم في المكان المنخفض، فلا حرج في ذلك.
فلا يدخل في الكراهة صلاة من في الطابق الأسفل بإمام في الطابق الأعلى، معه غيره من المأمومين.
قال في "زاد المستقنع": " وتصح خلف إمام عالٍ عنهم، ويكره إذا كان العلو ذراعا فأكثر".
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه: " قوله: (وتصح خلف إمام عال عنهم) أي: عن المأمومين.
مثل: أن يكون هو في الطابق الأعلى وهم في الطابق الأسفل، وهذا يقع كثيراً، فتصح الصلاة ولا حرج فيها.
ودليل صحة الصلاة خلف الإمام إذا كان عاليا: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صنع له المنبر صلى عليه، يصعد ويقرأ ويركع، وإذا أراد أن يسجد نزل من المنبر فسجد على الأرض، وقال: (يا أيها الناس، إني صنعت هذا لتأتموا بي، ولتعلموا صلاتي) .
قوله: (ويكره إذا كان العلو ذراعا فأكثر) أي: يكره إذا كان الإمام عاليا على المأموم ذراعا فأكثر.
ودليله: الحديث: (إذا أم الرجل القوم؛ فلا يقم في مكان أرفع من مقامهم) ، ولكن هذا الحديث لا تقوم به الحجة.
والجمع -عند من احتج به- بينه وبين الحديث الثابت في الصحيحين بأن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى بهم على المنبر: أن المنبر لا يتجاوز الذراع غالبا، فيحمل هذا الحديث على ما إذا كان العلو كثيرا، ولكن يبقى النظر في تقديره بالذراع.
والجواب: أن درجات المنبر غالبا لا تزيد على الذراع.
والخلاصة: أن المؤلف يرى أنه لا بأس أن يكون الإمام أعلى من المأموم، إلا أنه يكره إذا كان العلو ذراعا فأكثر.
القول الثاني: أنه لا يكره علو الإمام مطلقا؛ لأن الحديث الذي استدل به الأصحاب رحمهم الله: ضعيف، والضعيف لا تقوم به الحجة.
وقيّد بعض العلماء هذه المسألة بما إذا كان الإمام غير منفرد بمكانه، فإذا كان معه أحد فإنه لا يكره؛ ولو زاد على الذراع؛ لأن الإمام لم ينفرد بمكانه، وهذا لا شك أنه قول وجيه؛ لأنه إن انفرد الإمام بمكان؛ والمأموم بمكان آخر؛ فأين صلاة الجماعة والاجتماع؟
مسألة: لو كان المأموم في مكان أعلى فلا يكره، فإذا كان الإمام هو الذي في الأسفل، وهناك أناس يصلون فوقه فلا حرج ولا كراهة " انتهى من "الشرح الممتع" (4/300) .
والحديث المذكور: (إذا أم الرجل القوم فلا يقم في مكان أرفع من مقامهم) رواه أبو داود (598) .
قال الألباني رحمه الله في صحيح أبي داود: حسن لغيره.
وعلى القول بصحة الحديث وصلاحيته للاحتجاج به، فإن المكروه إذا دعت إليه الحاجة زالت الكراهة، ومعلوم أن صلاة الإمام في طابق أعلى وصلاة بعض المأمومين في طابق أسفل، إنما يفعله الناس للحاجة، لضيق المكان الذي فيه الإمام، فلا يسع جميع المصلين، فلا حرج في ذلك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1792)
لا يجوز للمأموم قراءة غير الفاتحة خلف الإمام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمأموم أن يقرأ القرآن مع الإمام وذلك إذا كان الإمام يطيل في القراءة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للمأموم في الصلاة الجهرية أن يقرأ زيادة على الفاتحة، بل الواجب عليه بعد ذلك الإنصات لقراءة الإمام (أي بعد قراءة الفاتحة) لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لعلكم تقرؤون خلف إمامكم، قلنا: نعم. قال: لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها) . ولقول الله سبحانه: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون) . وقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا قرأ الإمام فأنصتوا) . وإنما يستثنى من ذلك قراءة الفاتحة فقط للحديث السابق ولعموم قوله صلى الله عليه وسلم (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) . متفق على صحته.
[الْمَصْدَرُ]
فتوى الشيخ ابن باز من كتاب فتاوى إسلامية ج / 1 ص / 291.(5/1793)
اقتداء النساء في بيت مجاور للمسجد بإمام المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت الفتوي رقم (45611) فما قولك يا شيخ وأن معظم مساجدنا تجعل مصلى النساء أعلى المسجد، فهل هذا عدم اتصال للصفوف؟
أما السؤال فهو: عندنا مسجد بالحي به مصلي للنساء بأعلاه، وفي صلاة التراويح يكتظ المسجد بشكل هائل عند النساء، وفي يوم نقل إلينا إمام المسجد فتوى بأن صلاة نساء الحي في بيوتهن خلف إمام المسجد جائزة بشرط سماع الإمام بحيث يُعلم من صلاته حركاتها وسهوها.. إلخ وعلي إثر ذلك قام أحد أصحاب البيوت المجاورة للمسجد بتوفير مكان واسع للنساء في منزله لصلاة التراويح خلف الإمام، والآن سألت إحدى النساء بعد فتوى الشيخ: هل يصح لي أن أصلي في حجرتي وراء الشيخ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا كان مصلى النساء أعلى المسجد، أو أسفله، فصلاتهن صحيحة، لأن من كان داخل المسجد لا يشترط له اتصال الصفوف، بغير خلاف بين العلماء، وإنما اشتراط الصفوف لمن صلى خارج المسجد. ينظر: الإنصاف (2/293) .
وقد سئل الشيخ لابن عثيمين رحمه الله: ما حكم صلاة النساء في المساجد التي لا يرين فيها الإمام ولا المأمومين وإنما يسمعن الصوت فقط؟
فأجاب: "يجوز للمرأة وللرجل أيضا أن يصلي مع الجماعة في المسجد وإن لم ير الإمام ولا المأمومين إذا أمكن الاقتداء، فإذا كان الصوت يبلغ النساء في مكانهن من المسجد ويمكنهن أن يقتدين بالإمام فإنه يصح أن يصلين الجماعة مع الإمام؛ لأن المكان واحد، والاقتداء ممكن سوء كان عن طريق مكبر الصوت، أو عن طريق مباشر بصوت الإمام نفسه، أو بصوت المبلغ عنه، ولا يضر إذا كن لا يرين الإمام ولا المأمومين، وإنما اشترط بعض العلماء رؤية الإمام أو المأمومين فيما إذا كان الذي يصلي خارج المسجد، فإن الفقهاء يقولون يصح اقتداء المأموم الذي خارج المسجد أن رأى الإمام أو المأمومين، على أن القول الراجح عندي أنه لا يصح للمأموم أن يقتدي بالإمام في غير المسجد وإن رأى الإمام المأموم إذا كان في المسجد مكان يمكنه أن يصلي فيه، وذلك لأن المقصود بالجماعة الاتفاق في المكان وفي الأفعال , أما لو امتلأ المسجد وصار من كان خارج المسجد يصلي مع الإمام ويمكنه المتابعة فإن الراجح جواز متابعته للإمام وائتمامه به سواء رأى الإمام أم لم يره إذا كانت الصفوف متصلة. وزيادة في بيان المسألة أقول:
أولا: إذا كان المأموم في المسجد فائتمامه بالإمام صحيح بكل حال , سواء رأى الإمام أم لم يره , رأى المأمومين أم لم يرهم؛ لأن المكان واحد.
ومثاله: أن يكون المأموم في الطابق الأعلى , أو في الطابق الأسفل , والإمام فوق , أو يكون بينهم حاجز من جدار أو سترة.
ثانيا: إذا كان المأموم خارج المسجد فإن كان في المسجد سعة فائتمامه بالإمام لا يصح سواء رأى الإمام, أو المأموم, أو لم يرهما؛ لأن الواجب أن يكون مكان الجماعة واحدا.
ثالثا: إذا لم يجد مكانا في المسجد وكان خارج المسجد فإن كانت الصفوف متصلة صح أن يأتم بالإمام وإن لم يره، لأن الصفوف المتصلة كأنهم في المسجد " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (15/213) .
ثانيا:
صلاة النساء في دار مجاورة للمسجد، بحيث لا يرين الإمام ولا المأمومين، ولا تتصل الصفوف، وإنما يسمعن الصوت فقط، مختلف فيها بين أهل العلم، فمنهم من منعها، ومنهم من صححها.
وكلام الشيخ ابن عثيمين السابق يؤخذ منه أنها تصح إذا اتصلت الصفوف بالبيت الذي تصلي فيه المرأة، فلا حرج عليها حينئذ من الصلاة في بيتها، أما إذا لم تتصل الصفوف ببيتها فلا تصح صلاتها في البيت مع إمام المسجد.
وقال النووي رحمه الله: " لو صلى في دار أو نحوها بصلاة الإمام في المسجد، وحال بينهما حائل لم يصح عندنا، وبه قال أحمد.
وقال مالك: تصح إلا في الجمعة. وقال أبو حنيفة: تصح مطلقا" انتهى من "المجموع" (4/200) .
وقال ابن قدامة: " فإن كان بين الإمام والمأموم حائل يمنع رؤية الإمام، أو من وراءه، فقال ابن حامد: فيه روايتان:
إحداهما: لا يصح الائتمام به. .......
والثانية: يصح ...
واختار القاضي أنه يصح إذا كانا في المسجد، ولا يصح في غيره " انتهى من "المغني" (3/45) .
والمعتمد في مذهب الحنابلة هو عدم صحة الاقتداء. انظر: الإنصاف (2/296) ، كشاف القناع (1/491) .
فتحصل من هذا أن أهل العلم مختلفون في صحة هذا الاقتداء، ولهذا فالأحوط لهؤلاء النسوة أن يصلين في مسجد آخر يتسع لهن، أو يقدمن من تؤمهن في الصلاة، ولو من المصحف، فهذا خير لهن من أداء عبادة مختلف في صحتها.
وقد أفتت اللجنة الدائمة بعدم صحة الاقتداء في مثل هذه الصورة إلا إذا كانت الصفوف متصلة، فقد سئلت: ما حكم من صلى جماعة في منزله مكتفيا بسماع مكبرات الصوت من المسجد، ولم يتصل بين الإمام والمأموم ولو بواسطة وذلك واقع مكة والمدينة في الموسم؟
فأجابت:
" لا تصح الصلاة، وهذا مذهب الشافعية وبه قال الإمام أحمد، إلا إذا اتصلت الصفوف ببيته، وأمكنه الاقتداء بالإمام بالرؤية وسماع الصوت، فإنها تصح، كما تصح صلاة الصفوف التي اتصلت بمنزله، أما بدون الشرط المذكور فلا تصح؛ لأن الواجب على السلم أن يؤدي الصلاة في الجماعة في بيوت الله عز وجل مع إخوانه المسلمين، لقوله صلى الله عليه وسلم: (من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر) أخرجه ابن ماجه والدارقطني والحاكم، وقال الحافظ: إسناده على شرط مسلم، ولقوله صلى الله عليه وسلم للأعمى الذي سأله أن يصلي في بيته: (هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم، قال: فأجب) أخرجه مسلم في صحيحه" انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (8/31) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإٍسلام سؤال وجواب(5/1794)
هل يجعل أرجل الكرسي الخلفية بموازاة الصف
[السُّؤَالُ]
ـ[الذي يصلي على الكرسي في المسجد هل يجعل أرجل الكرسي الخلفية بمحاذاة أرجل المصلين، أم يجعل أرجله الأمامية بمحاذاة أرجل المصلين؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين، فأجاب حفظه الله:
يجعل أرجل الكرسي الخلفية بمحاذاة أرجل المصلين،
سؤال:
لكن هذا لو قام سيكون متقدما على الصف؟
جواب:
هو ليس بقائم (فيجعل) عجيزته موازية لأرجل المصلين. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(5/1795)
هل تقتدي المرأة بالإمام من خيمة خارج المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[في بعض المساجد توضع إضافة لمكان للنساء خارج المسجد لأن بعض النساء يأتين بأطفال يزعجون المصلين بأصواتهم العالية فيوُضع لهن خيمة في مواقف سيارات المسجد يكون بينها وبين المسجد درج وزقاق صغير وتمدد مكبرات صوت للخيمة فما حكم الصلاة في الخيمة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا السؤال التالي على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله بأنه لا تجوز الصلاة خارج المسجد إلا للضرورة، وهذه ليست بضرورة ويقال للنساء اللاتي معهن أطفال (مزعجين) ألا يأتين أصلاً، فإنهن يؤذين الناس أو يجب أن يصلين خارج المسجد بدون ضرورة، فلا يوضع لهؤلاء خيمة خارج المسجد. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(5/1796)
صلَّى وحده وبالناس وهو على جنابة فماذا يترتب عليه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[صليت وأنا على جنابة، في البداية لم أكن أعلم ثم علمت، ولكنني كنت مسلماً غير مبالٍ، صليت عدة صلوات وأنا على جنابة، وفي مرة كنت في البيت وصليت إماماً واستحييت أن أقول بأنني على جنابة، وأريد التوبة، هل أعيد الصلوات أم أصلي العديد من النوافل؟ إهمالي هو السبب وأريد أن أتوب، فماذا أفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ما صليتَه وأنت لم تعلم بحكم هذا الفعل: لا إثم عليك فيه، ولا قضاء لما صليتَه وأنت جنب، فالشرع عذر الجاهل سواء في تركه للواجبات أو في فعله للمحرمات إذا كان غير مقصِّر في السؤال والعلم، فإن كان مقصِّراً في طلب العلم والسؤال: فهو آثم على تقصيره هذا.
قال علماء اللجنة الدائمة:
لا تصح الصلاة بدون طهارة لمن كان عليه حدث أصغر أو أكبر إجماعا ً، لقول الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق ... الآية) المائدة/6 ولقوله صلى الله عليه وسلم " لا تقبل صلاة بغير طهور ". رواه مسلم (224)
" فتاوى اللجنة الدائمة (6 / 259) .
ثانياً:
فإن كنتَ تعلم حكم الشرع في صلاة الجنب، وأنه لا يحل للجنب أن يصلي حتى يغتسل: فإنك آثم على فعلك هذا، ويجب عليك التوبة والاستغفار والندم والعزم على عدم العود لهذا الفعل، كما يجب قضاء تلك الصلوات التي صُلِّيت على تلك الحال.
سئل علماء اللجنة الدائمة:
أنا امرأة تزوجت منذ سبعة عشر عاما، وكنت في بداية زواجى أجهل بعض بل كل أحكام الغسل من الجنابة؛ لجهلي بالأمور المسببة للجنابة وكذلك زوجي، وهذا الجهل ينحصر منا في أن الجنابة لاتكون إلا على الزوج فقط، وكان زواجي في قبل رمضان بشهر تقريبا، وفي أواخر شهر رمضان من نفس العام علمت بالحكم، فماذا عليَّ أن أعمل بالنسبة للصلوات التي صليتها أثناء هذه الفترة، علماً بأنني أغتسل بنية النظافة وليس لرفع الحدث، واغتسالي هذا ليس دائماً أي بعد كل جماع مع العلم بأنني محافظة على الوضوء عند كل صلاة، وكل هذا يحصل بالجهل مني بالطبع كما أشرت، وكذلك ماذا علي بالنسبة لصيامي شهر رمضان المبارك؟
فأجابوا:
يجب عليك قضاء الصلوات التي صليتيها بدون غسل عن الجنابة لتفريطك وعدم تفقهك في الدين، وعليك مع القضاء التوبة إلى الله من ذلك، وأما الصيام فصحيح إذا لم يكن الجماع وقع في النهار.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (6 / 269) .
ثالثاً:
ليس على من صلى خلفك من المأمومين إعادة الصلاة، لأن صلاتهم صحيحة، ولا علاقة لصلاتهم ببطلان صلاة إمامهم الذي صلى جنباً وهم لا يعلمون.
سئل علماء اللجنة الدائمة:
في الأيام القليلة السابقة عندما أردت الوضوء لصلاة المغرب، لاحظت وجود مني في إزاري، فاغتسلت وصليت المغرب ولكني لا أعلم متى حصل الاحتلام: هل قبل صلاة الفجر أم في القيلولة، والمهم أني أسأل في الأمر، فأظن أني صليت الفروض الثلاث: الفجر والظهر والعصر، وأنا على جنابة دون أن أعلم، وبالصدفة فإني صليت هذه الصلوات الثلاث إماماً بمجموعة من المصلين يصل عددهم إلى ثلاثمائة نفر، فكيف أفعل هل أقضي هذه الصلوات الثلاث، وما حكم صلاة من صلى خلفي، وهل تترتب على فعلي هذا جناية؟ أفيدونا أفادكم الله.
فأجابوا:
يجب عليك إعادة صلاتي الظهر والعصر بعد أن تغتسل غسل الجنابة، ويجب أن تعجل بذلك، أما من صلى وراءك هذه الصلوات فلا يجب عليهم إعادتها، فإن عمر رضي الله عنه صلى بالناس صلاة الفجر وهو جنب وقد كان ناسيا فأعاد الفجر ولم يأمر من صلى وراءه تلك الصلاة أن يعيدها، ولأنهم معذورون لكونهم لايعلمون حدثك، أما الفجر فليس عليك إعادة؛ لأن المني قد يكون من نوم الظهيرة، والأصل براءة الذمة من وجوب الإعادة إلا بيقين الحدث.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (6 / 266) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1797)
ما مقدار المسافة التي توجب الصلاة في المسجد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعلم أنه يجب على الرجال أن يؤدوا الصلوات الخمس في المسجد، ولكن إذا كان شخص يعيش بعيداً عن المسجد، ما هي المسافة التي يجوز له عندها عدم الذهاب للمسجد عند كل صلاة؟
مثال: إذا كان الذهاب يستغرق 20 دقيقة تقريباً، وهذا هو المسجد الوحيد في المدينة، فهل يجوز لي أن أصلي في البيت؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يجب على الرجال حضور صلاة الجماعة في المسجد، والتخلف عن صلاة الجماعة من علامات النفاق. انظر السؤال رقم (120) .
وكلما كان البيت أبعد زاد الأجر وعظمت المثوبة.
فعن أبي موسى قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أعظم الناس أجرا في الصلاة أبعدهم فأبعدهم ممشى) . رواه البخاري (623) ومسلم (622) .
ثانياً:
تجب صلاة الجماعة على القريب من المسجد دون البعيد.
وقد وردت السنة بتحديد القريب من المسجد بـ (من يسمع النداء) .
والمراد: من يسمع الأذان المرفوع من المسجد بصوت المؤذن من غير مكبر للصوت، مع رفع المؤذن صوته، وسكون الرياح والضوضاء ونحو ذلك مما يؤثر على السماع.
روى مسلم (653) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ أَعْمَى، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّه ِ، إِنَّهُ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إِلَى الْمَسْجِدِ، فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ، فَرَخَّصَ لَهُ، فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ، فَقَالَ: هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلاةِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَجِبْ.
وروى ابن ماجه (793) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يَأْتِهِ فَلَا صَلاةَ لَهُ إِلا مِنْ عُذْرٍ) . صححه الألباني في صحيح الجامع (637) .
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (4/353) :
الاعتبار في سماع النداء: أن يقف المؤذن في طرف البلد والأصوات هادئة والريح ساكنة، وهو مستمع فإذا سمع لزمه، وإن لم يسمع لم يلزمه اهـ.
وقد سئلت اللجنة الدائمة: إذا سمعت المؤذن من مسافة تقدَّر بثمانمائة متر فهل أصلي في مكاني أو أذهب إلى هذا المسجد الذي أذن فيه؟
فأجابت:
عليك أن تحضر إلى هذا المسجد تصلي فيه مع الجماعة، أو أي مسجد آخر أيسر لك منه، مادمت قادراً على ذلك. . . ثم استدلت اللجنة بالحديثين السابق ذكرهما.
وسئلت اللجنة أيضا عن رجل يسكن بالدور الثامن ويبعد عنه المسجد حوالي 500 متر، هل يجوز له إقامة الصلوات جماعة بأفراد أسرته بالمنزل؟
فأجابت:
صلاة الجماعة في المسجد واجبة، فعليك أن تغشى المساجد لتصلي الفريضة فيها مع المسلمين، وليس لك أن تترخص بصلاتها مع أهلك في البيت من أجل هذه المسافة اهـ.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (8/59) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين: هل يوجد تحديد للمسافة من بيته إلى المسجد؟
فأجاب:
المسافة ليس فيها تحديد شرعي، وإنما يحدد ذلك العرف أو سماع النداء على تقدير أنه بغير (الميكرفون) .
"أسئلة الباب المفتوح" (سؤال رقم 700) .
وقال الشيخ ابن باز:
الواجب على من سمع النداء بالصوت المعتاد من غير مكبّر أن يجيب إلى الصلاة في الجماعة في المسجد الذي ينادى بها فيه. . .
أما من كان بعيداً عن المسجد لا يسمع النداء إلا بالمكبّر فإنه لا يلزمه الحضور إلى المسجد وله أن يصلي ومن معه في جماعة مستقلة. . . فإن تجشموا المشقة وحضروا مع الجماعة في المساجد التي لا يسمعون منها النداء إلا بالمكبر بسبب بعدهم عنها كان ذلك أعظم لأجرهم اهـ.
مجموع فتاوى الشيخ ابن باز رحمه الله (12/58) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1798)
الصلاة خلف أصحاب البدع الكفرية وغير الكفرية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تجوز الصلاة خلف إمام يفعل البدع ولديه أفكار ومفاهيم شركية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
البدعة إما أن تكون مكفرة كبدعة الجهمية والرافضة والحلول والاتحاد، فهؤلاء لا تصح صلاتهم، ولا يحل لأحدٍ أن يصليَ وراءهم.
وإما أن تكون البدعة غير مكفرة كالتلفظ بالنية والاجتماع على الذكر على نحو ما تفعله الصوفية فهؤلاء تصح صلاتهم، والصلاة خلفهم، ويجب على المسلم أن ينصحهم بترك تلك البدع فإن امتثلوا فهذا هو المطلوب، وإلا فقد أدى ما عليه، والأفضل في هذه الحال أن يبحث عن إمام حريص على إتباع السنة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
والبدعة التي يُعدُّ بها الرجل من أهل الأهواء ما اشتهر عند أهل العلم بالسنَّة مخالفتها للكتاب والسنَّة كبدعة الخوارج، والروافض، والقدرية، والمرجئة، فإن عبد الله بن المبارك ويوسف بن أسباط وغيرهما قالوا: " أصول اثنتين وسبعين فرقة هي أربع: الخوارج، والروافض، والقدرية، والمرجئة "، قيل لابن المبارك: فالجهمية؟ قال: ليست الجهميَّة من أمَّة محمَّد صلى الله عليه وسلم.
و" الجهمية " نفاة الصفات، الذين يقولون: القرآن مخلوق، وأن الله لا يُرى في الآخرة، وأن محمَّداً لم يعرج به إلى الله، وأن الله لا علم له، ولا قدرة، ولا حياة، ونحو ذلك، كما يقوله المعتزلة، والمتفلسفة، ومن اتبعهم، وقد قال عبد الرحمن بن مهدي: هما صنفان فاحذروهما: الجهمية، والرافضة.
فهذان الصنفان شرار أهل البدع، ومنهم دخلت القرامطة الباطنية كالنصيرية، والإسماعيلية، ومنهم اتصلت الاتحادية، فإنهم من جنس الطائفة الفرعونية ".
و" الرافضة " في هذه الأزمان [هم] مع الرفض جهمية قدرية، فإنهم ضموا إلى الرفض مذهب المعتزلة، ثم قد يخرجون إلى مذهب الإسماعيلية، ونحوهم من أهل الزندقة، والاتحاد، والله ورسوله أعلم.
" مجموع الفتاوى " (35 / 414 – 415) .
وقال علماء اللجنة الدائمة:
وأما الصلاة خلف المبتدعة: فإن كانت بدعتهم شركية كدعائهم غير الله ونذرهم لغير الله واعتقادهم في مشايخهم ما لا يكون إلا لله من كمال العلم أو العلم بالمغيبات أو التأثير في الكونيات: فلا تصح الصلاة خلفهم، وإن كانت بدعتهم غير شركية؛ كالذكر بما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن مع الاجتماع والترنحات: فالصلاة وراءهم صحيحة، إلا أنه ينبغي للمسلم أن يتحرى لصلاته إماماً غير مبتدع؛ ليكون ذلك أعظم لأجره وأبعد عن المنكر.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (7 / 353) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1799)
الصلاة في المصلى مع وجود مسجد قريب
[السُّؤَالُ]
ـ[تقام في المستشفى عدة جماعات للصلاة، والمساجد قريبة، فهل يلزم من بقربها الذهاب للمسجد أم نكتفي بهذه الجماعات داخل المستشفى؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا فيه تفصيل:
فالذي لابد من وجوده في المستشفى كالحارس ونحوه أو المريض الذي لا يستطيع الوصول إلى المسجد فإنه لا يجب عليه الخروج إلى المسجد، بل يصلي في محله مع الجماعة التي يستطيع الصلاة معها.
أما من يستطيع الوصول إلى المسجد فإنه يجب عليه ذلك عملاً بالأدلة الشرعية، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: (من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر) قيل لابن عباس رضي الله عنهما: ما هو العذر؟ قال: (خوف أو مرض) . رواه ابن ماجه والدارقطني وصححه ابن حبان والحاكم وإسناده صحيح.
[الْمَصْدَرُ]
مجموع فتاوى ومقالات للشيخ ابن باز 6 / 23(5/1800)
الدعاء عقب الفرائض بدعة
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض المصلين يدعون بعد الانتهاء (التسليم) من صلاة الفريضة مباشرة، ويقول غيرهم بأن [المسموح به] هو التسبيح الفاطمي فقط. وهناك من يتشدد في أن الدعاء بعد الصلاة مباشرة بدعة. وقد أحدث هذا الموضوع شيئا من التوتر في جاليتنا خاصة من يتبعون الإمام أبو حنيفة أو الشافعي.
فهل يجوز لنا الدعاء بعد الصلاة؟
وهل يجوز لنا الدعاء سويا مع الإمام بعد الانتهاء من الصلاة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: (ليس الدعاء بعد الفرائض بسنة إذا كان برفع الأيدي، سواء كان من الإمام وحده أو المأموم وحده، أو منهما جميعا، بل ذلك بدعة؛ لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه رضي الله عنهم، أما الدعاء بدون ذلك فلا بأس به، لورود بعض الأحاديث في ذلك) .
فتاوى اللجنة الدائمة 7/103
وسئلت اللجنة عن: رفع اليدين بالدعاء بعد الصلوات الخمس هل ثبت رفعها عن النبي صلى الله عليه وسلم أم لا، وإذا لم يثبت هل يجوز رفعهما بعد الصلوات الخمس أم لا؟
فأجابت: (لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما نعلم أنه رفع يديه بعد السلام من الفريضة في الدعاء، ورفعهما بعد السلام من صلاة الفريضة مخالف للسنة)
فتاوى اللجنة 7/104
وأفادت اللجنة أيضا بأن: (الدعاء جهرا عقب الصلوات الخمس والسنن والرواتب أو الدعاء بعدها على الهيئة الاجتماعية على سبيل الدوام بدعة منكرة؛ لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء من ذلك ولا عن أصحابه رضي الله عنهم، ومن دعا عقب الفرائض أو سننها الراتبة على الهيئة الاجتماعية فهو مخالف في ذلك لأهل السنة والجماعة، ورميه من خالفه ولم يفعل كما فعل بأنه كافر أو ليس من أهل السنة والجماعة جهل منه وضلال وقلب للحقائق)
فتاوى إسلامية 1/319
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1801)
حكم الصلاة جماعة مع الرافضي
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن اثنان من أهل السنة ولنا أخ أخر (شيعي) نعمل سوياً، وقد سمعت بأن الشيعي ليس مسلما، ونحن نريد أن نقيم صلاة الجماعة معاً، فهل نجتمع لأداء الصلاة معاً أم نصلي لوحدنا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن كان هذا الشيعي يعتقد بعقائد الشيعة؛ من تكفير الصحابة رضي الله عنهم، وبغض أبي بكر وعمر رضي الله عنهم، ونحو ذلك من العقائد الفاسدة عندهم، فإنه يبين له الحق فإن رجع، فهذا يصلي معكم، وإذا لم يرجع بعد أن يتبين له الحق؛ فلا يصح أن يصلي معكم وصليا أنتما أيها السنيان، أما إذا كان يعتقد أنه شيعي (ولا يعتقد عقائدهم الكفرية) ويحب أبا بكر وعمر؛ ويترضى عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم، فهذا يصلي معكم ولا يحكم بكفره.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح(5/1802)
الأفضل للموظف أن يبادر إلى الصلاة بمجرد سماع الأذان
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الأفضل في حق الموظف المبادرة إلى الصلاة عند سماع الأذان , أو الانتظار لإنجاز بعض المعاملات؟ وما حكم التنفل بعد الصلاة بغير السنن الرواتب؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" الأفضل في حق جميع المسلمين المبادرة إلى الصلاة عند سماع الأذان؛ لأن المؤذن يقول: "حي على الصلاة " (أي: أقبل على الصلاة) ، والتثاقل عنها يؤدي إلى فواتها.
أما تنفل الموظف بعد الصلاة بغير السنن الرواتب فلا يجوز؛ لأن وقته مستحق لغيره بمقتضى عقد الإجارة أو الوظيفة , وأما السنة الراتبة فلا بأس بها لأنها ممن جرت العادة بالتسامح فيه من المسؤولين.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
"مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (15/32) .(5/1803)
هل أتابع المؤذن أم أصلي تحية المسجد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا دخلت المسجد والمؤذن يؤذن فهل أصلي تحية المسجد أو أتابع المؤذن وأنا واقف ثم أصلي تحية المسجد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأفضل أن تتابع المؤذن ثم تصلي تحية المسجد، حتى تكون قد أتيت بالعبادتين جميعاً وهما متابعة المؤذن، وصلاة تحية المسجد.
لكن إذا كان ذلك في يوم الجمعة فالأحسن أن تبادر بصلاة تحية المسجد حتى تقبل على استماع الخطبة، لأن استماع الخطبة أولى من متابعة المؤذن.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
إذا دخلت المسجد والمؤذن يؤذن فهل الأولى أن أصلي تحية المسجد أو أتابع المؤذن؟
فأجاب:
هذا فيه تفصيل، إذا دخلت والمؤذن يؤذن لصلاة الجمعة، الأذان الذي بين يدي الخطيب، فهاهنا نقول: بادر بتحية المسجد، ولا تنتظر انتهاء المؤذن؛ لأن تفرغك لسماع الخطبة أولى من متابعتك للمؤذن؛ حيث إن استماع الخطبة واجب، وإجابة المؤذن غير واجبة.
وأما إذا كان الأذان لغير ذلك (يعني: لغير صلاة الجمعة) فالأفضل أن تبقى قائماً حتى تجيب المؤذن، وتدعو بالدعاء المعروف بعد الأذان: " اللهم صل على محمد، اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه المقام المحمود الذي وعدته، إنك لا تخلف الميعاد "، ثم بعد ذلك تأتي بتحية المسجد اهـ.
فتاوى ابن عثيمين (14/295) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1804)
كيف يتم صلاته من أدرك مع الجماعة ركعة من المغرب؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا التحقت بالجماعة وهم في صلاة المغرب في الركعة الثانية أثناء التشهد، فكيف أكمل صلاتي؟ ما أفعله أنني أنهض وأكمل الركعة الثالثة مع الإمام ثم التشهد ثم أنهض للركعة الثالثة بالنسبة لي ثم التشهد.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا التحقت بالجماعة في التشهد الأوسط من صلاة المغرب، فإنك تتابع الإمام في الركعة الثالثة، وتتشهد، ثم تنهض بعد سلامه لإكمال صلاتك، وقد بقي عليك ركعتان، فتصلي الأولى منهما بفاتحة الكتاب وسورة، ثم تتشهد، وهو التشهد الأوسط بالنسبة لك، ثم تنهض للركعة الثالثة، فتقرأ فيها بالفاتحة فقط، وتتشهد التشهد الأخير وتسلم.
وما سبق ذكره مبني على أن ما يدركه المسبوق مع الإمام هو أول صلاته، وما يأتي به منفردا هو آخر صلاته، وهو مذهب الشافعي رحمه الله.
قال النووي رحمه الله في المجموع: (4/117) : (ولو أدرك ركعة من المغرب قام بعد سلام الإمام ويصلي ركعة ثم يتشهد , ثم ثالثة ويتشهد)
ثم قال: (قد ذكرنا أن مذهبنا أن ما أدركه المسبوق أول صلاته , وما يتداركه آخرها , وبه قال سعيد بن المسيب والحسن البصري وعطاء وعمر بن عبد العزيز ومكحول والزهري والأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز وإسحاق , حكاه عنهم ابن المنذر قال: وبه أقول , قال: وروي عن عمر وعلي وأبي الدرداء ولا يثبت عنهم , وهو رواية عن مالك وبه قال داود.
وقال أبو حنيفة ومالك والثوري وأحمد: ما أدركه آخر صلاته وما يتداركه أول صلاته. وحكاه ابن المنذر عن ابن عمر ومجاهد وابن سيرين , واحتج لهم بقوله صلى الله عليه وسلم " ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا " رواه البخاري ومسلم واحتج أصحابنا بقوله صلى الله عليه وسلم " ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا " رواه البخاري ومسلم من طرق كثيرة.
قال البيهقي: الذين رووا "فأتموا" أكثر وأحفظ وألزم لأبي هريرة الذي هو راوي الحديث , فهم أولى.
قال الشيخ أبو حامد والماوردي: وإتمام الشيء لا يكون إلا بعد تقدم أوله وبقية آخره , وروى البيهقي مثل مذهبنا عن عمر بن الخطاب وعلي وأبي الدرداء وابن المسيب وحسن وعطاء وابن سيرين وأبي قلابة رضي الله عنهم.
فأما رواية فاقضوا فجوابها من وجهين:
أحدهما: أن رواة فأتموا أكثر وأحفظ.
والثاني: أن القضاء محمول على الفعل لا القضاء المعروف في الاصطلاح ; لأن هذا اصطلاح متأخري الفقهاء , والعرب تطلق القضاء بمعنى الفعل , قال الله - تعالى – (فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ)
(فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ)
قال الشيخ أبو حامد: والمراد: وما فاتكم من صلاتكم أنتم لا من صلاة الإمام والذي فات المأموم من صلاة نفسه إنما هو آخرها , والله أعلم) اهـ.
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (7/322) :
السؤال: أستفسر عن صلاة المسبوق:
1- إذا سبقه الإمام في ركعة أو ركعتين من صلاة المغرب.
2- إذا سبقه الإمام في ركعة أو ركعتين من الصلاة الرباعية.
ماذا يقرأ؟ هل يقرأ الفاتحة فقط أم يقرأ معها سورة؟
الجواب:
ما أدركه المسبوق من صلاة إمامه يعتبر أول صلاة المأموم، فمن أدرك ركعة من المغرب معه اعتبرت أول صلاته فإذا قام بعد سلام إمامه ليقضي ما فاته قرأ في أول ركعة يقضيها بالفاتحة وسورة أو آيات لأنها ثانية بالنسبة له وجلس للتشهد الوسط، ثم إذا قام لقضاء الركعة الباقية له من المغرب قرأ فيها بالفاتحة فقط لأنها ثالثة بالنسبة له ثم يجلس للتشهد الأخير وإذا كان ما فاته من المغرب ركعة واحدة وأدرك مع الإمام ركعتين قرأ بالركعة التي يقضيها بعد سلام إمامه بالفاتحة فقط، لأنها ثالثة بالنسبة له.
أما إذا كانت الصلاة رباعية وأدرك مع الإمام ثلاث ركعات أو ركعتين فعليه قراءة الفاتحة فقط فيما يقضيه من ركعة أو ركعتين لأن ذلك بالنسبة له آخر صلاته، فليس عليه فيه قراءة سور مع الفاتحة هذا هو الصحيح من قولي الفقهاء. وبالله التوفيق. أ. هـ
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1805)
يسمع النداء ولا يجيب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يسمع الأذان بل والإقامة والصلاة ولا يأتي للصلاة؟ وحكم من يصلي صلاة الجمعة فقط؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي يسمع النداء ولا يجيب لا صلاة له إلا إذا كان معذورا والمقصود أن صلاته ناقصة وأنه آثم بتخلفه عن صلاة الجماعة وقد قال ابن مسعود رضي الله عنه (وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق) رواه مسلم (654) ، وعدم إجابة المؤذن ضعف في الإيمان ونقص في الدين وتفريط في الأجر وهجر لبيوت الله.
وأما حكم من يصلي الجمعة فقط فقد ذهب بعض العلماء إلى كفر من لا يصلي إلا الجمعة فقط لأنه في حكم تارك الصلاة بالكلية لأنه لا يصلي إلا صلاة واحدة من خمس وثلاثين صلاة في الأسبوع فهو كالتارك بالكلية وممن قال بهذا الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ ابن عثيمين رحمهما الله، وقال بعض العلماء بعدم كفره لكنه يكون مرتكباً لجريمة عظيمة أشد من الربا والزنا والسرقة وشرب الخمر وغيرها.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1806)
فيما إذا أدرك المسبوق الإمام راكعاً
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أدرك المأموم الإمام راكعاً متى تحسب له الركعة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا أدرك المسبوق الإمام راكعاً قال أصحابنا: إن كبر المأموم قائماً ثم ركع واطمأن قبل أن يرفع الإمام حسبت له الركعة، فإن لم يطمئن حتى رفع الإمام لم تحسب له هذه الركعة، ولو شك في ذلك فهل تحسب له؟ فيه وجهان:
أصحهما: لا تحسب، لأن الأصل عدم الإدراك، فعلى هذا يسجد للسهو في آخر ركعة التي يأتي بها بعد سلام الإمام، لأنه أتى بركعة في حال انفراده وهو شاك في زيادتها، فهو كمن شك هل صلى ثلاثاً أو أربعاً؟ فإنه يأتي بركعة ويسجد للسهو، وممن صرح بمسألتنا الغزالي في الفتاوى، وهي مسألة نفيسة تعم البلوى بها، ويغفل أكثر الناس عنها، فينبغي إشاعتها، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب فتاوى الإمام النووي ص 50(5/1807)
صلوا في جماعتين منفصلتين في وقت واحد
[السُّؤَالُ]
ـ[وجدنا بعد انقضاء الصلاة جماعتين تصليان في نفس الوقت، فهل نأمر إحداهما بقطع الصلاة والانضمام إلى الأخرى أم نسكت عن ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، فأجاب حفظه الله:
يُسكت عن ذلك، وإذا سلموا يُبلّغون. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(5/1808)
صلاة الجماعة للنساء
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كانت هناك مجموعة من النساء ولم يكن معهن رجال فهل يصلين جماعة أم تصلي كل واحدة منهن على حدة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز للنساء صلاة الجماعة وتقوم إمامتهن وسط الصفّ لما جاء عن عائشة رضي الله عنها أنّها كانت تؤمّ النساء تقوم معهن في الصفّ والحديث رواه عبد الرزاق في المصنّف 3/141 والدارقطني 1/404 وغيرهما وهو صحيح بشواهده
وكذلك روت أم الحسن أنها رأت أمّ سلمة رضي الله عنها تؤمّ النساء تقوم معهنّ في صفهنّ رواه ابن أبي شيبة في المصنّف 2/88 وغيره وهو صحيح لغيره
ونقل ابن قدامة رحمه الله الخلاف في استحباب جماعة النساء ثمّ قال عن إمامة النساء: " إذا صلّت بهنّ قامت في وسطهنّ ولا نعلم فيه خلافا بين من رأى أنها تؤمهنّ، ولأنّ المرأة يستحبّ لها التستّر.. وكونها في وسط الصفّ أستر لها لأنّها تستتر بهنّ من جانبيها.. " المغني 2/202
وقال صاحب المهذّب: " السنّة أن تقف إمامة النساء وسطهنّ لما روي أنّ عائشة وأمّ سلمة أمّتا نساء فقامتا وسطهنّ " 4/295
ولمزيد من البحث يراجع جامع أحكام النساء للعدوي 1/351.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1809)
قرأ الإمام آية سجدة ولم يسجد فسجد المأموم وفاته الركوع
[السُّؤَالُ]
ـ[في صلاة العشاء بالأمس، دخلت المسجد والإمام يقرأ في الركعة الثانية (سورة العلق) فدخلت معه في الصلاة، ثم عند نهاية السورة تكون هناك (سجدة) فكبر الإمام بعد هذه الآية، بعض المصلين ركعوا ومعظمهم سجد فسجدت معهم لأني لا أرى الإمام، بعدها رفع الإمام (بقوله سمع الله لمن حمده) فأدركنا خطأنا وأكملنا الصلاة مع الإمام، حتى سلم، بعدها قضيت الباقي ركعتين بدلا من ركعة وسجدت سجود السهو، هل فعلي جائز؟ أم أعيد صلاتي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الأمر كما ذكرت، فصلاتك صحيحة، والحمد لله.
وبيان ذلك أن من فاته الركوع مع الإمام، لمثل ما ذكرت من اللبس، فعليه أن يأتي به ثم يتابع إمامه، ويغتفر حينئذ تأخره عن الإمام، فإذا لم يأت به، لغت الركعة، ولزمه أن يأتي بها بعد سلام الإمام، وقد فعلتَ ذلك.
قال في "كشاف القناع" (1/466) : " وإن تخلف المأموم عن إمامه بركن لعذر من نوم أو غفلة أو عجلة إمام ونحوه، يفعله ويلحقه وجوبا ; لأنه أمكنه استدراكه من غير محذور فلزمه، وتصح الركعة، فيعتد بها، وإن لم يفعل ما فاته مع إمامه ويلحقه لعدم تمكنه من فعل ذلك فلا تصح الركعة بل تلغى لفوات ركنها " انتهى بتصرف.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1810)
حكم الصلاة جماعات متوالية في مصلى العمل
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في حقل بترول في السعودية ولدينا مصلى صغير نصلي فيه، المشكلة هي أننا لا نصلي جماعة واحدة بل جماعات متفرقة تأتي للمصلى في أوقات مختلفة ويصلون (صلاتي الظهر والعصر فقط) . ليس لدينا إمام معين وليس لدينا وقت معين لإقامة صلاة الجماعة. حاولنا عدة مرات أن نصلي جماعة واحدة ولكننا فشلنا وعدنا نصلي جماعات متفرقة. هل تجوز الصلاة بهذه الطريقة؟ يجب ملاحظة أن عملنا يمكن أن يتوقف أثناء وقت الصلاة لأننا جميعاً نعمل في المكاتب.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
على المسلم أن يهتم بما أوجب الله عليه، وصلاة الجماعة واجبة وإذا لم يتيسر إقامة جماعة واحدة لضرورة العمل فلا بأس أن تصلى جماعات في الوقت، وعليكم الحرص على إمامة إمام راتب، وتصلى الصلوات في أوقاتها المحدّدة شرعا، وإذا لم يحصل ذلك فعلى المسلم أن يتقي الله سبحانه حسب استطاعته وقدرته، وبعد ذلك لا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الكريم الخضير(5/1811)
هل الأفضل للنساء إذا اجتمعن صلاة الجماعة أم فرادى
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الأفضل للنساء في مصليات الكليات النسائية أن يصلين جماعة أم فرادى وما هو الأكثر أجراً؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا السؤال التالي على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله بقوله:
الأفضل أن يصلين جماعة إن تيسر ولكن أجر السبع وعشرين درجة خاص بالرجال وهم المطالبون وجوبا بصلاة الجماعة. انتهى
" والراجح أن صلاة النساء جماعة وإمامة المرأة لهن من الأمور الجائزة شرعاً بل المستحبة لهن، والدليل على ذلك حديث أم ورقة الذي ذكرناه، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أذِن لها أن تؤم أهل دارها في الصلاة، ... ويؤيد ذلك وقوع صلاة المرأة بالنساء من أمهات المؤمنين، فقد روي عن ليطة الحنفية (أي من بني حنيفة) ، أن عائشة أم المؤمنين أمّتهُن في صلاة الفريضة. وعن تميمة بنت سليمة عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها أمت النساء في صلاة المغرب فقامت وسطهن وجهرت بالقراءة، وروي أيضاً أن أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها كانت تؤم النساء في رمضان وتقف معهن في الصف، وعن ابن عمر أنه كان يأمر جارية له أن تؤم نساءه في رمضان. المحلى 4/119-200 "
[الْمَصْدَرُ]
المفصل في أحكام المرأة ص 254(5/1812)
حكم صلاة الجماعة في المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم صلاة الجماعة في المسجد وما هو الدليل على ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صلاة الجماعة في المسجد واجبة على الرجال القادرين، على الصحيح من قولي العلماء؛ لأدلة كثيرة منها:
الدليل الأول:
قال الله تعالى: (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم…) سورة النساء أية 102
وجه الاستدلال:
أحدها: أمره سبحانه وتعالى لهم بالصلاة في الجماعة، ثم أعاد هذا الأمر سبحانه مرة ثانية في حق الطائفة الثانية بقوله: (ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك …)
وفي هذا دليل على أن الجماعة فرض على الأعيان، إذا لم يسقطها سبحانه عن الطائفة الثانية بفعل الأولى، ولو كانت الجماعة سنة، لكان أولى الأعذار بسقوطها عذر الخوف، ولو كانت فرض كفاية لسقطت بفعل الطائفة الأولى.
ففي الآية دليل على وجوبها على الأعيان.
فهذه ثلاثة أوجه
· أمره بها أولاً.
· ثم أمره بها ثانياً.
· وأنه لم يرخص لهم في تركها حال الخوف.
الدليل الرابع:
1- ما ثبت في الصحيحين وهذا لفظ البخاري: عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " والذي نفسي بيده، لقد هممت أن آمر بحطب فيحتطب، ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها، ثم آمر رجلاً فيؤم الناس، ثم أخالف إلى رجالاً فأحرق عليهم بيوتهم، والذي نفسي بيده لو يعلم أنه يجد عَرْقاً سميناً أو مِرْماتَيْن حسنتين لشهد العشاء "
2- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً يصلي بالناس، ثم انطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة، فأحرق عليهم بيوتهم " متفق عليه.
3- وللإمام أحمد عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لولا ما في البيوت من النساء والذرية، أقمت صلاة العشاء، وأمرت فتياني يُحرقون ما في البيوت بالنار "
4- ولم يفعل النبي صلى الله عليه وسلم ما هم به للمانع الذي أخبر أنه منعه منه، وهو اشتمال البيوت على ما لا تجب عليه الجماعة من النساء والذرية، فلو أحرقها عليهم لتعدت العقوبة إلى من لا يجب عليه.
الدليل الخامس:
· روى مسلم في صحيحه أن رجلاً أعمى قال: يا رسول الله عليه وسلم: ليس قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أنْ يُرَخِص له، فرخص له، فلما ولى دعاه، فقال: " هل تسمع النداء؟ قال: نعم قال: " فأجب ". وهذا الرجل هو ابن أم مكتوم · وفي مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود عن عمرو ابن أم مكتوم قال: قلت: يا رسول الله (أنا ضرير شاسع الدار ولي قائد لا يلائمني، فهل تجد لي رخصة أن أصلي في بيتي؟ قال " تسمع النداء " قال: نعم. قال:" لا أجد لك رخصة ".
· الأمر المطلق للوجوب، فكيف إذا صرَّح صاحب الشرع بأنه لا رخصة للعبد في التخلف عنه الضرير شاسع الدار لا يلائمه قائده، فلو كان العبد مخيراً بين أن يصلي وحده أو جماعة، لكان أولى الناس بهذا التخيير مثل هذا الأعمى.
الدليل السادس:
روى أبو داود وأبو حاتم ابن حبان في صحيحه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من سمع النداء فلم يمنعه من اتباعه عذر " قالوا: وما العذر؟ قال: " خوف أو مرض، لم تقبل منه الصلاة التي صلاها ".
الدليل السابع:
ما رواه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن مسعود قال: من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن فإن الله شرع لنبيكم صلى الله عليه وسلم سنن الهدى وإنهن من سنن الهدى ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة ويرفعه بها درجة ويحط عنه بها سيئة ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف " وفي لفظ " وقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم علمنا سنن الهدى، وإن من سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه.
وجه الدلالة:
أنه جعل التخلف عن الجماعة من علامات المنافقين المعلوم النفاق.
نسأل الله أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1813)
كيف تكون الحركة إذا جاء ثالث إلى إثنين يصليان جماعة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أراد مسلم الانضمام إلى جماعة للصلاة مكونة من رجلين فهل يجب على المأموم أن يتراجع للوراء ليصلي بجانب الرجل الذي جاء متأخراً أم يستمر في القراءة بجانب الإمام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا جاء ثالث إلى اثنين يصليان فإنهما يتأخران عن الإمام لما رواه مسلم في صحيحه رقم (3010) عن جابر قال قام رسول الله صلى الله علية وسلم يصلي، فجئت حتى قمت عن يساره فأخذ بيدي فأدارني حتى أقامني عن يمينه ثم جاء جبّار بن صخر، فقام عن يسار رسول الله صلى الله علية وسلم، فأخذ بأيدينا جميعاً، فدفعنا حتى أقامنا خلفه.
وذكر أهل العلم أنه إذا كان قدام الأمام سعة وليس وراء المأمومين سعة تقدم الإمام وإن كان وراءهما سعة وليس قدامه تأخرا، وأما إذا كان قدام الأمام سعة وخلف المأمومين سعة فإن المأمومين يتأخرون ولا يتقدم الإمام لأنه متبوع فلا ينتقل ولأن الإمام من المفترض أن يصلي وأمامه سترة من جدار أو عمود ونحوه.
قال الإمام النووي رحمه الله في المجموع 4/292:
إذا حضر إمام ومأمومان تقدم الإمام واصطفا خلفه سواء كانا رجلين أو صبيين أو رجلا وصبيا.. ثم إن كان قدام الإمام سعة وليس وراء المأمومين سعة تقدم أو تأخرا وأيهما أفضل فيه وجهان الصحيح الذي قطع به الشيخ أبو حامد والأكثرون تأخرهما لأن الإمام متبوع فلا ينتقل.. هذا إذا جاء المأموم الثاني في القيام فإن جاء في التشهد والسجود فلا تقدم ولا تأخر حتى يقوموا ولا خلاف أن التقدم والتأخر لا يكون إلا بعد إحرام المأموم الثاني كما ذكرناه. والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1814)
مشكلة رنين الجوال في المساجد
[السُّؤَالُ]
ـ[الهواتف الخلوية " الجوال " شيء جيد، ولكن عندما يأتي بها الناس إلى المساجد، ولا يغلقونها، وتبدأ بالصفير والرنين أثناء الصلاة، تكون مصدراً للإزعاج وتشتيت تركيز المصلين. ما هو حكم الإسلام في هذا الموضوع (الظاهرة) ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
حرص الإسلام على أن تكون صلاة المسلم كاملة الخشوع والخضوع بعيدة عما يلهي عن الصلاة والانشغال بغيرها عنها ومن الأمور التي راعاها الإسلام في ذلك:
1 ـ عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: " كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم في شدة الحر فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن وجهه من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه ".
رواه البخاري (1150) ومسلم (620) .
قال الحافظ ابن حجر:
لأن الظاهر إن صنيعهم ذلك لإزالة التشويش العارض من حرارة الأرض.
" فتح الباري " (1 / 493) .
2 ـ عن عائشة: " أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في خميصة لها أعلام فنظر إلى أعلامها نظرة فلما انصرف قال اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم وأتوني بأنبجانية أبي جهم فإنها ألهتني آنفا عن صلاتي. وقال هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قال النبي صلى الله عليه وسلم: " كنت أنظر إلى علَمها وأنا في الصلاة فأخاف أن تفتنني ".
رواه البخاري (366) ومسلم (556) .
3 ـ عن عائشة: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أقيمت الصلاة وحضر العَشَاء فابدءوا بالعَشَاء ".
رواه البخاري (5148) ومسلم (558) .
قال الحافظ:
وقال الفاكهانى: ينبغي حمله على العموم نظراً إلى العلة وهي التشويش المفضي إلى ترك الخشوع.
" فتح الباري " (2 /160) .
4 ـ عن أبي صالح السمان قال: رأيت أبا سعيد الخدري في يوم جمعة يصلي إلى شيء يستره من الناس فأراد شاب من بني أبي معيط أن يجتاز بين يديه فدفع أبو سعيد في صدره فنظر الشاب فلم يجد مساغا إلا بين يديه فعاد ليجتاز فدفعه أبو سعيد أشد من الأولى فنال من أبي سعيد ثم دخل على مروان فشكا إليه ما لقي من أبي سعيد ودخل أبو سعيد خلفه على مروان فقال مالك ولابن أخيك يا أبا سعيد قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان ".
رواه البخاري (487) ومسلم (505) .
قال الزرقاني:
" فإنما هو شيطان " أي: فِعله فعل الشيطان؛ لأنه أبى إلا التشويش على المصلي.
" شرح الزرقاني " (1 / 442) .
5 ـ عن أبي سعيد قال: " اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف الستر وقال: ألا إن كلكم مناج ربه فلا يؤذين بعضكم بعضا ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة - أو قال في الصلاة - ".
رواه أبو داود (1332) .
نلاحظ في هذا الحديث الأخير أن الرسول صلى الله عليه وسلم ينهى الناس أن يشغل بعضهم بعضاً عن الصلاة بالصلاة أو بقراءة القرآن فلم يرض صلى الله عليه وسلم أن تكون صلاة أحد أو قراءته مشغلة لصلاة أحد.
الخلاصة:
أن الإسلام حث على الخشوع في الصلاة والاستقامة فيها، وما نرى هذه الهواتف المتنقلة في الحالة التي ذكرت إلا سبباً لضياع الخشوع من الصلاة لأن فيه تشويشاً مضراً بروح الصلاة والطمأنينة فيها.
فننصح الأخوة الذين يملكون مثل هذه الأجهزة ألا يتركوها قابلة للاستقبال في وقت الصلاة أو أن يجعلوها في وضع الاستقبال الصامت لدفع الضرر الذي قد يقع على المصلين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1815)
الأدلة على وجوب صلاة الجماعة في المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلم جديد وأريد أن أعرف هل الأفضل للمسلم أن يصلي صلاة الفريضة في المسجد وما الدليل على ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نحمد الله سبحانه وتعالى الذي كتب لك الهداية للدخول في دين الإسلام فهذه نعمة عظيمة تستوجب حمد الله وشكره.
ثانياً:
لا بد أن يعلم المسلم أن الصلاة أعظم أركان الإسلام العملية، وهي الفاصل بين المسلم والكافر كما جاء في حديث جابر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة ".
رواه مسلم (82) .
ثالثاً:
اختلف الفقهاء رحمهم الله في حكم صلاة الجماعة على أقوال عدة:
أصحها: أن صلاة الجماعة في المسجد واجبة، وعليه تدل الأدلة الشرعية.
وهو قول عطاء بن أبي رباح والحسن البصري والأوزاعي وأبي ثور، والإمام أحمد في ظاهر مذهبه، ونص عليه الشافعي في " مختصر المزني " فقال: " وأما الجماعة فلا أرخص في تركها إلا من عذر "، واختاره الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين رحمهما الله.
وأما الأدلة على الوجوب فكما يلي:
1. قال الله تعالى: {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك} النساء / 102.
قال ابن المنذر:
ففي أمر الله بإقامة الجماعة في حال الخوف: دليل على أن ذلك في حال الأمن أوجب.
" الأوسط " (4 / 135) .
وقال ابن القيم:
ووجه الاستدلال بالآية من وجوه:
أحدها: أمره سبحانه لهم بالصلاة في الجماعة ثم أعاد هذا الأمر سبحانه مرة ثانية في حق الطائفة الثانية بقوله: {ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك} ، وفي هذا دليل على أن الجماعة فرض على الأعيان إذ لم يسقطها سبحانه عن الطائفة الثانية بفعل الأولى، ولو كانت الجماعة سنَّة لكان أولى الأعذار بسقوطها عذر الخوف، ولو كانت فرض كفاية: لسقطت بفعل الطائفة الأولى، ففي الآية دليل على وجوبها على الأعيان، فهذه ثلاثة أوجه: أمره بها أولاً، ثم أمره بها ثانياً، وأنه لم يرخص لهم في تركها حال الخوف.
" الصلاة وحكم تاركها " (ص 137، 138) .
2. قوله تعالى: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين} البقرة / 43، ووجه الاستدلال بالآية أنه سبحانه أمرهم بالركوع وهو الصلاة، وعبر عنها بالركوع لأنه من أركانها، والصلاة يعبر عنها بأركانها وواجباتها كما سماها الله سجوداً وقرآناً وتسبيحاً، فلا بد لقوله {مع الراكعين} من فائدة أخرى وليست إلا فعلها مع جماعة المصلين والمعية تفيد ذلك، إذا ثبت هذا فالأمر المقيد بصفة أو حال لا يكون المأمور مُمتثلا إلا بالإتيان به على تلك الصفة والحال؛ فإن قيل فهذا ينتقض بقوله تعالى: {يا مريم اقتني لربك واسجدي واركعي مع الركعين} آل عمران / 43، والمرأة لا يجب عليها حضور الجماعة، قيل: الآية لم تدل على تناول الأمر بذلك لكل امرأة بل مريم بخصوصها أمرت بذلك بخلاف قوله: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين} ، ومريم كانت لها خاصية لم تكن لغيرها من النساء؛ فإن أمها نذرتها أن تكون محررة لله ولعبادته ولزوم المسجد وكانت لا تفارقه، فأمرت أن تركع مع أهله ولمَّا اصطفاها الله وطهَّرها على نساء العالمين أمرها من طاعته بأمر اختصها به على سائر النساء قال تعالى: {وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين} آل عمران / 42 و 43.
فإن قيل: كونهم مأمورين أن يركعوا مع الراكعين لا يدل على وجوب الركوع معهم حال ركوعهم بل يدل على الإتيان بمثل ما فعلوا كقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} التوبة / 119 فالمعية تقتضي المشاركة في الفعل ولا تستلزم المقارنة فيه، قيل: حقيقة المعية مصاحبة ما بعدها لما قبلها، وهذه المصاحبة تفيد أمراً زائداً على المشاركة ولا سيما في الصلاة، فإنه إذا قيل: صلِّ مع الجماعة أو صليتُ مع الجماعة، لا يفهم منه إلا اجتماعهم على الصلاة.
" الصلاة وحكم تاركها " (139 – 141) .
3. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: " والذي نفسي بيده لقد هممتُ أن آمر بحطبٍ فيحتطب ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها ثم آمر رجلاً فيؤم الناس، ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم، والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عَرْقاً سميناً، أو مِرْمَاتين حسنتين لشهد العشاء ".
رواه البخاري (618) ، ومسلم (651) .
عرْق: العظم.
مرماتين: ما بين ظلفي الشاة من اللحم.
والظّلف: الظفر
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن اثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلاً يصي بالناس ثم انطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار ".
رواه البخاري (626) ، ومسلم (651) .
قال ابن المنذر:
وفي اهتمامه بأن يحرق على قوم تخلفوا عن الصلاة بيوتهم: أبين البيان على وجوب فرض الجماعة، إذ غير جائز أن يحرِّق الرسول صلى الله عليه وسلم مَن تخلف عن ندب، وعما ليس بفرض.
" الأوسط " (4 / 134) .
وقال الصنعاني:
والحديث دليل على وجوب الجماعة عيناً لا كفايةً، إذ قد قام بها غيرهم فلا يستحقون العقوبة، ولا عقوبة إلا على ترك واجب أو فعل محرم.
" سبل السلام " (2 / 18، 19) .
4. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ أَعْمَى [وهو ابن أم مكتوم] فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إِلَى الْمَسْجِدِ فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ، فَرَخَّصَ لَهُ، فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ، فَقَالَ: هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلاةِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَجِبْ. ولفظ أبي داود (552) وابن ماجه (792) : (لا أَجِدُ لَكَ رُخْصَةً)
والحديث: قال عنه النووي: إسناده صحيح أو حسن.
" المجموع " (4 / 164) .
قال ابن المنذر:
فإذا كان الأعمى لا رخصة له: فالبصير أولى أن لا تكون له رخصة.
" الأوسط " (4 / 134) .
وقال ابن قدامة:
وإذا لم يرخص للأعمى الذي لم يجد قائدا فغيره أولى.
" المغني " (2 / 3) .
5. عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: من سرَّه أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث يُنادى بهن فإنهن من سنن الهدى وإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى وإنكم لو صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو أنكم تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة ويرفعه بها درجة ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق ولقد كان الرجل يؤتى يهادي بين الرجلين حتى يقام في الصف.
وفي لفظ، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم علَّمَنا سنن الهدى، وإن من سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه.
رواه مسلم (654) .
قال ابن القيم:
فوجه الدلالة: أنه جعل التخلف عن الجماعة من علامات المنافقين المعلوم نفاقهم؛ وعلامات النفاق لا تكون بترك مستحب ولا بفعل مكروه، ومن استقرأ علامات النفاق في السنَّة: وجدها إما ترك فريضة، أو فعل محرم، وقد أكد هذا المعنى بقوله: " من سرَه أن يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن " وسمَّى تاركَها المصلي في بيته متخلفاً تاركاً للسنَّة التي هي طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي كان عليها وشريعته التي شرعها لأمته، وليس المراد بها السنَّة التي مَن شاء فعلها ومَن شاء تركها؛ فإن تركها لا يكون ضلالاً، ولا من علامات النفاق كترك الضحى وقيام الليل وصوم الإثنين والخميس.
" الصلاة وحكم تاركها " (ص 146، 147) .
6. إجماع الصحابة:
قال ابن القيم:
إجماع الصحابة رضي الله عنهم ونحن نذكر نصوصهم:
قد تقدم قول ابن مسعود رضي الله عنه: ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: من سمع المنادي فلم يجب من غير عذر فلا صلاة له.
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: من سمع المنادي فلم يجب بغير عذر فلا صلاة له.
وعن علي رضي الله عنه قال: لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد، قيل: ومَن جار المسجد؟ قال: مَن سمع المنادي ".
وعن الحسن بن علي رضي الله عنه قال: من سمع النداء فلم يأته لم تجاوز صلاته رأسه إلا من عذر.
وعن علي رضي الله عنه قال: من سمع النداء من جيران المسجد وهو صحيح من غير عذر فلا صلاة له.
" الصلاة وحكم تاركها " (ص 153) .
والأدلة كثيرة اكتفينا بما سبق، ويمكن الرجوع إلى كتاب ابن القيم " الصلاة وحكم تاركها " ففيها زوائد وفوائد. وللشيخ ابن باز رسالة مفيدة بعنوان وجوب أداء الصلاة في جماعة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1816)
كيف تنقذ جدها المتوفى من عاقبة أكله مال الآخرين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا حفيدة لجد مات، وأنا أحبه ولن أنساه بالدعاء: توفي جدي والد أبي، وبعد أن مات أصبحنا نراه في أحلامنا بأحوال غريبة ومفزعة، فمرة نراه محروقا، ومرة نراه يتقلب في دورة المياه، وهكذا، وبعد البحث تبين لنا أنه قد أخذ قطعة أرض ليتيم وبنى عليها منزله، وأن هذا اليتيم لا يعلم، ولكنه قبل أن يموت استسمح منه وأعطاه ثلاثة آلاف ريال دون أن يخبره، وقد سامحه وهو لا يعلم إلى الآن، كما أن جدي هذا وأخاً له - وقد مات أيضا - لم يعطوا أخواتهم وعمتهم ورثهم، كما هو متعارف بأن المرأة لا ترث، أما أخواتهم فقد ماتوا ولهم بنات، أما عمتهم فقد ماتت ولها ابن واحد، لكن المسألة لا تقف عند هذا الحد، فقد رفض الأبناء الاعتراف بحقوق الآخرين، بحجة أنهم لن يوزعوا أراضيهم على الناس، مع أنهم لا يذهبون إلى القرية، ويسكنون في المدن، والبيوت أصبحت مهجورة، والأراضي لم تعد تزرع، ونحن الأحفاد في حيرة من أمرنا، فهذا جدنا، ونحن الذين دائما نحلم به، فأرجو إعطائي الحل والنصيحة؛ فجدي في عذاب.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
من أخطر ما يمكن أن يلقى العبدُ ربَّه به يوم القيامة أكل أموال الناس بالباطل، فهي كبيرة من الكبائر التي تهلك العبد وتثقل وزره يوم القيامة، وتفضي به إلى النار، نسأل الله السلامة والعافية.
ومن أعظم الظلم والتعدي: أكل أموال المستضعفين من اليتامى والنساء، فقد خصهم الله تعالى بمزيد عناية، ومزيد تحذير من أكل أموالهم، لأن أيدي الظلمة تجد أموالهم سهلة المنال بسبب ضعفهم وعجزهم.
فلما ذكر الله سبحانه وتعالى في سورة النساء نصيب أصحاب الفروض من الوارثين، حذر من تجاوز هذه القسمة الشرعية، فقال سبحانه: (وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ) النساء/14.
كما عد الله تعالى أكل أموال اليتامى من الكبائر.
يقول الله تعالى: (وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً) النساء/2.
ويقول عز وجل: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) النساء/10.
وغصب الأرض من كبائر الذنوب، وعقابه شديد، ويزداد العقاب شدة إذا كانت الأرض ليتيم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ ظُلْمًا فَإِنَّهُ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ) رواه البخاري (3198) ومسلم (1610) .
فالعجب - والله - ممن تجده يحرص على أداء الصلوات ونوافل العبادات، ثم تجده قد شغل ذمته بحقوق الناس، وحمل على ظهره أوزارا تنوء بها الجبال يوم القيامة، فلم تردعه صلاته ولا صيامه ولا قراءته القرآن عن طمع نفسه وشحها، ولم يرحم ضعف امرأة أو صغير أو يتيم فاعتدى على حقوقهم التي كتبها الله لهم.
وبعد ذلك كله نرجو النجاة لهم عند الله؟!
أختنا:
نسأل الله أن يجزيك خير الجزاء على حرصك الشديد لإنقاذ جدك المتوفى مما تظنينه واقعاً فيه من العذاب، ولكننا لا نملك إلا أن نذكر لك الحقيقة التي قررها الله في كتابه، وقررها نبينا صلى الله عليه وسلم، أن غصب الأرض، وأكل أموال اليتامى ظلما، والتعدي في قسمة المواريث، كل ذل من كبائر الذنوب، فإذا لم يتب الرجل منها قبل موته (ومن توبته: رد الحقوق إلى أهلها) فإذا لم يتب كان معرضا لعقاب الله تعالى، ثم إذا كان يوم القيامة أخذ أصحاب الحقوق من حسناته بقدر حقوقهم، فإن فنيت حسناته أخذ من سيئاتهم وطرحت عليه، ثم طرح في النار، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه عن المفلس. رواه مسلم (2581) .
وتوبة جدك من غصب أرض اليتيم بالصورة التي ذكرت لا تكفي، بل كان الواجب عليه أن يخبره بحقيقة الأمر، ويعطيه حقه كاملا.
قال الغزالي رحمه الله - في شروط التوبة من مظالم الناس -:
"وعليه أن يعرفه قدر جنايته وتعرضه له، فالاستحلال المبهم لا يكفي، وربما لو عرف ذلك وكثرة تعديه عليه لم تطب نفسه بالإحلال، وادخر ذلك في القيامة ذخيرة يأخذها من حسناته أو يحمله من سيئاته " انتهى. " إحياء علوم الدين " (4 / 47) .
وجدك قد انتقل من دار العمل إلى دار الجزاء، فلا تملكون له إلا أمرين:
الأول: الدعاء له بأن يتجاوز الله عنه.
الثاني: رد الحقوق إلى أصحابها وسؤالهم أن يعفوا عن جدك ويسامحوه، فإنَّ ردَّ الحقوقِ إليهم ـ وإن كان لا يبرئ ذمة جدك تماماـ إلا أنه ولا شك يخفف كثيرا من المظالم التي تحملها، وحيث إنك تقولين إن بعض أصحاب الحقوق قد ماتوا، فالواجب دفع حقهم إلى ورثتهم.
ثانيا:
وأما أعمامك فالنصيحة لهم أن يبادروا إلى رد الحقوق إلى أصحابها، فإن لم يفعلوا كانوا مغتصبين لهذه الحقوق، وسيلقون الله تعالى بهذه الكبائر إن لم يتوبوا منها، وقولهم: " إنهم لن يعطوا أراضيهم للناس " قول عجيب منهم، وهم يعلمون أنها ليست أرضهم ولا أرض أبيهم، والقول الحق الموافق للواقع هو أن يقولوا: (إننا سنستمر غاصبين لأراضي الناس) . والظن بهم وبجميع المسلمين أنهم لا يقحمون أنفسهم فيما يستوجبون به عذاب الله، فإن عذاب الله شديد، ونعيم الدنيا بأجمعها لا يساوي لحظة في نار جهنم، نسأل الله العافية.
ونسأل الله أن يوفق أعمامك للتوبة النصوح.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1817)
يقيم في أوربا والمسجد بعيد عنه فهل يصلي في بيته؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت جوابكم على سؤال رقم (72895) وفيه وجوب صلاة الجماعة. وسؤالي نحن المسلمين المقيمين في أوروبا لا تتوفر لنا المساجد كما هو الأمر في البلاد الإسلامية ففي المدينة المترامية الأطراف لا تجد في أغلب الأحيان أكثر من مسجد واحد والوصول إليه يحتاج إلى وقت طويل ورفع الأذان بطبيعة الحال ممنوع أي أنه لا يسمع النداء على كل الأحوال مهما كانت المسافة بعيدة أو قريبة فما هو حكمنا إذا تركنا الصلاة في الجماعة بالمسجد؟ وما هو دليل وجوبها بحقنا لانتفاء شرط سماع النداء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
صلاة الجماعة واجبة على كل رجل بالغ مستطيع يسمع النداء.
والمقصود بسماع النداء: أن يسمع الإنسان الأذان بالصوت المعتاد من غير مكبرٍ للصوت، مع رفع المؤذن صوته، وسكون الرياح والضوضاء ونحو ذلك مما يؤثر على السماع. وانظر السؤال رقم (20655) .
وعلى هذا، لا يجب عليكم حضور الجماعة في المسجد إذا كان بعيداً عنكم.
هذا بالنسبة للصلوات الخمس مع الجماعة، وأما الجمعة فلها شأن آخر، فإنها تجب على كل من كان في المدينة أو القرية التي تقام فيها الجمعة، سواء سمع النداء أم لم يسمع، مهما ترامت أطراف البلد، وهذا بإجماع العلماء.
قال النووي رحمه الله: " قال الشافعي والأصحاب: إذا كان في البلد أربعون فصاعدا من أهل الكمال، وجب الجمعة على كل من فيه وإن اتسعت خطة البلد فراسخ، وسواء سمع النداء أم لا. وهذا مجمع عليه " انتهى من المجموع" (4/353) .
ثانيا:
من لم تجب عليه الجماعة، لبعده عن المسجد، فإن الأمر يبقى مستحبا في حقه، وينبغي أن يحرص على التردد على المسجد المرة بعد الأخرى، لا سيما إذا كان يعيش بعيدا عن المسلمين، ففي لقائه بالمسلمين، تجديد لإيمانه، ورفع لدرجاته، وتعميق لأواصر الأخوة والمودة، وتعويد لأبنائه على حب المسجد وتعظيمه، هذا مع السعي لبناء المساجد وتكثيرها، والتعاون على ذلك، ومن الملاحظ أن البلاد الأوربية تتفاوت في هذه المسألة تفاوتا ظاهرا، وهذا يرجع إلى عوامل كثيرة، يدخل فيها أحيانا ضعف همة البعض، وتخاذلهم وانشغالهم عن هذه القضية الكبيرة وعن السعي لإيجاد السبل والحلول لها.
ولا يخفى عليك ما في السعي إلى المساجد - مهما بعدت المسافة - من الأجر العظيم، والثواب الكبير، وقد روى مسلم (654) عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن، فإن الله شرع لنبيكم صلى الله عليه وسلم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتي به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف) .
كما ينبغي الحرص على إقامة الجماعة في البيت، أو مع الجيران، في حال عدم الذهاب إلى المسجد، ومن وسائل ذلك الحرص على اجتماع العوائل المسلمة في منازل متقاربة، وحينئذ يحرص الجميع على أداء الصلاة جماعة في وقتها، وتبقى لهذه الشعيرة العظيمة مكانتها في القلوب.
نسأل الله أن يزيدكم إيمانا وهدى وتقى، وأن يعينكم على حمل رسالة الإسلام ونشرها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1818)
يعاني من مرض في أنفه، فهل يترك الجماعة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعاني من مرض في أنفي، بحيث تخرج منه رائحة كريهة، عرضت نفسي على الأطباء قالوا بأن هذا المرض ليس له علاج، فماذا أفعل؟ هل أواصل البحث عن سبب الشفاء من الأطباء، أو أتركه وأنتظر الاستجابة من الله؟ وهل أترك الصلاة مع الجماعة وحضور مجالس العلم لأني أؤذي من حولي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
بداية نسأل الله أن يَمُنَّ عليك بعافيته، ويرزقك الشفاء بِمَنِّهِ وكرمه، ونوصيك باحتساب الأجر عند الله سبحانه، فهو يجزي الصابرين بغير حساب، وابتلاؤه لعباده خيرٌ لهم في عاقبتهم، حيث يكفر به عنهم من سيئاتهم، ويرفع به من درجاتهم.
فعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَوَدُّ أَهْلُ الْعَافِيَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يُعْطَى أَهْلُ الْبَلاءِ الثَّوَابَ لَوْ أَنَّ جُلُودَهُمْ كَانَتْ قُرِضَتْ فِي الدُّنْيَا بِالْمَقَارِيضِ) . رواه الترمذي (2402) ، وحسنه الألباني في " صحيح الترمذي ".
كما نوصيك بالاجتهاد في البحث عن الدواء، ولا تتوقف عند قول بعض الأطباء، فكم من مرض يئس منه طبيب ثم جعل الله شفاءه على يد طبيب آخر، والبدائل العلاجية أصبحت متوفرة بكثرة في زماننا هذا والحمد لله، ويمكنك الاستعانة بالمتخصصين في الطب العربي أو الشعبي، فلعلك تجد عندهم ما يجعل الله فيه شفاءك، وقبل كل ذلك وبعده، لا تغفل عن سؤال الله العافية، والدعاء لا يأتي إلا بالخير، وإذا صدق فيه العبد يوشك أن يستجيب الله له.
وعَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَتْ الأَعْرَابُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَلا نَتَدَاوَى؟ قَالَ: (نَعَمْ، يَا عِبَادَ اللَّهِ تَدَاوَوْا، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً أَوْ قَالَ دَوَاءً، إِلا دَاءً وَاحِدًا. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَمَا هُوَ؟ قَالَ: الْهَرَمُ) .
رواه الترمذي (2038) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
ثانياً:
أما عن حكم حضورك الجماعة في المساجد: فإن كنت تخشى من إيذاء مَن بجوارك، ولا تستطيع أن تتفادى ذلك بأي وسيلة، كوضع طِيبٍ قوي الرائحة، أو تغطية الأنف عند الصلاة: فالواجب عليك حينئذ ترك الجماعة، فأنت صاحب عذر عند الله وعند الناس، وسيكون لك إن شاء الله تعالى أجر الجماعة وأنت في بيتك.
فعن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا) . رواه البخاري (2834) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"قال العلماء: إن ما كان من الله، ولا صنع للآدمي فيه إذا كان يؤذي المصلين فإنه يَخرج (يعني من المسجد) ، كالبخر في الفم، أو الأنف، أو من يخرج من إبطيه رائحة كريهة، فإذا كان فيك رائحة تؤذي فلا تقرب المسجد.
فإن قال: هذا من الله؟ فيقال: إذا ابتلاك الله به فلا تؤذ العباد، ولا تؤذ الملائكة، وأنت مأجور على الصبر على هذا الشيء واحتساب الأجر من الله، ولست آثماً إذا لم تصل مع الناس؛ لأنك إنما تركت ذلك بأمر الله.
فإذا قال: هذا ينقص إيماني؛ لأن صلاة الجماعة أفضل؟
قلنا: إنك لا تلام على هذا النقص؛ كما أن الحائض لا تصلي، وينقص إيمانها بذلك، ولا تلام على النقص؛ لأن النقص الذي ليس بسبب الإنسان لا يلام عليه " انتهى.
" الشرح الممتع " (5 / 113، 114) .
وسئل رحمه الله: أعاني من وجود رائحة كريهة من الأنف والفم , وأتحرج من الاختلاط بالناس، وأثناء تأدية الصلاة في المسجد؛ لأنني سمعت حديثاً أن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه ابن آدم، فهل لي الصلاة في المنزل؟ علماً أنني أصلي معظم الأوقات في المنزل إلا يوم الجمعة، فإنني أصليه في المسجد؟ أفيدوني وفقكم الله لما فيه الخير.
فأجاب:
"نسأل الله أن يمنَّ عليك بالشفاء , وأنت لا حرج عليك إذا صليت في البيت الجمعة وغير الجمعة؛ لأنك معذور , وإذا علم الله من نيتك أنه لولا هذا الذي فيك لصليت في الجماعة: فإنه يكتب لك أجر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم وهو في غزوة تبوك: (إِنَّ أَقْوَامًا بِالْمَدِينَةِ خَلْفَنَا مَا سَلَكْنَا شِعْبًا وَلا وَادِيًا إِلا وَهُمْ مَعَنَا فِيهِ حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ) رواه البخاري (2839) . ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يشفيك.
ولكن أرجو أن تنظر هل إذا تطيبت بطيب زكي قوي الرائحة هل رائحته تغطي على ما عندك من الرائحة؟ إن كان الأمر كذلك فاحرص على هذا وتطيب به , أما إذا لم يفد فيه ذلك فأنت معذور , وإذا تطيبت بالطيب القوي الزكي الرائحة الذي تضمحل معه الرائحة الكريهة , فإنك تصلي في المسجد الصلوات الخمس وصلاة الجمعة " انتهى.
" مجموع الفتاوى " (15 / السؤال رقم 1070) .
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله:
إن والدي كبير ولا يذهب لصلاة الجمعة، ويقول: إنه مريض بمرضٍ هو عبارة عن بخر في الفم ورائحة كريهة، وقال: إنه لا يريد أن يؤذي الناس بهذه الرائحة، فهل يجوز فعله هذا؟ .
فأجاب:
" نعم هذا عذر شرعي، إذا كان فيه بخر شديد الرائحة الكريهة ولم يتيسر له ما يزيله فهو عذر، كما أن البصل والكراث عذر، أما إن وجد دواءً وحيلة تزيله فعليه أن يفعل ذلك حتى لا يتأخر عن صلاة الجمعة والجماعة، ولكن متى عجز عن ذلك ولم يتيسر فهو معذور أشد من عذر صاحب البصل، والبخر لا شك أنه مؤذٍ لمن حوله، إذا كان رائحته ظاهرة " انتهى.
" نور على الدرب " (شرط رقم 219، الدقيقة 11) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1819)
متى تُدرك الجماعة وماذا إذا أسرع الإمام في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي مشكلة في صلاة الجماعة وأرجو أن تفيدوني فيها وهي كما يلي:
1 - عندما ألحق بصلاة الجماعة في التشهد الأخير، هل أعتبر مدركا للجماعة أم لا؟
2 - لو لم أستطع أن أقرأ الفاتحة ولا مرة في صلاة الجماعة بسبب سرعة الإمام أو عدم وجود سكتات كافية فهل علي شيء؟
3 - عندما أصل إلى المسجد وقد أقيمت الصلاة فهل ألتحق بالجماعة عند إقامة الصلاة أم عند ركوع الإمام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1 - صلاة الجماعة لا تدرك - على الصحيح - إلا بإدراك ركعة مع الإمام، أما مجرد إدراك التشهد أو ما قبل التشهد دون الركعة فلا يعدُّ ذلك إدراكاً لصلاة الجماعة، فأحسن الله عزاءك في الصلاة إذا لم تدرك منها إلا التشهد، ودليل هذا حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) رواه البخاري في المواقيت، باب من أدرك من الصلاة ركعة (580) ومسلم في كتاب المساجد (607) .
وهذا القول هو قول المحققين من أهل العلم وهو قول شيخ الإسلام رحمه الله، واختاره الشيخ ابن عثيمين حفظه الله، وهو الذي يسنده الدليل ويعضده.
2 - وأما بالنسبة لقراءة الفاتحة في الصلاة فهي ركن عظيم من أهم أركان الصلاة، ولا تصح الصلاة بدونها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) ، لكن إذا كان المصلي يصلي مع الإمام وأدركه في الركوع مثلاً فركع دون أن يقرأ الفاتحة صحت منه، وتكون قراءة الإمام قراءة له لحديث أبي بكرة رضي الله عنه المشهور بـ (زادك الله حرصاً ولا تعد) .
وأما إذا كان الإمام يسرع - كما تقول - إسراعاً واضحاً يخلُّ بركن الطمأنينة في الصلاة فإن الصلاة لا تصح خلفه، لعدم أهليته، ولافتقاده ركناً من أركان الصلاة وهو الطمأنينة في جميع الأركان ويدل عليه حديث المسيء في صلاته المشهور، أما إذا كانت سرعة الإمام نسبية بأن كان يحافظ على الواجب من الطمأنينة فقط فمثل هذا يمكن قراءة الفاتحة خلفه عادة، ولو عجّلتَ في القراءة وحَدَرْت فيها فلا بأس بذلك.
وأما إذا كان عدم قراءتك للفاتحة لأمر آخر كنسيان أو سهو أو لأجل كونك مسبوقاً فلا حرج وصلاتك صحيحة، وقراءة الإمام قراءة لك.
3 - يجب على المسلم أن يبادر للصلاة فور النداء لها وهي من صفات المؤمنين الذين تعلقت قلوبهم بالمساجد، أما التأخر عنها حتى تقام الصلاة فهذا مما يدل على ضعف الإيمان وقلة رغبة العبد في الخير والطاعة، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكون في حاجة أهله فإذا آذنه بلال بالصلاة فزع وهبَّ إليها، وكان يقول صلى الله عليه وسلم (أرحنا بها يا بلال) وكان يقول (جُعلت قرة عيني في الصلاة) وكان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، أما من يتكاسل عنها ولا يحضر للمسجد إلا عند الإقامة أو في أثناء ها أو عند التشهد فليراجع نفسه وليستعتب أمره، فإن المؤمن يقول له عمله الصالح في قبره: (فوالله ما علمتك إلا سريعاً في طاعة الله بطيئاً في معصيته) وأما المنافق أو الفاسق فيقول له عمله (فوالله ما علمتك إلا بطيئاً في طاعة الله، سريعاً في معصيته) رواه الإمام أحمد وهو حديث صحيح، وصححه الألباني في أحكام الجنائز وذكر طرقه
وقد وصف الله تعالى المنافقين بقوله (وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى) فليحذر العبد من خطورة هذا الأمر، وكذلك فلتحذر المسلمة من تأخير الصلاة إلى أضيق وقتها والانشغال بالدنيا عن الزاد الأخروي.... ومن تعوّد على المحافظة على الصلاة والتعلق بها في وقتها مع الجماعة في المسجد وقت النداء لها صار ديدناً له لا ينفك عنه إن شاء الله، ومن جرَّب ذلك عرف اللذة العظيمة والسكينة والطمأنينة وراحة القلب والبال فيها، وأمكنه استحضار الخشوع حين الوقوف بين يدي الله، ومن فضل الله تعالى على المرء أن تمرَّ عليه السنة وهو لم يفته فرضٌ واحد مع الجماعة إلا لعذر شرعي، وإن المؤمن الصادق ليعتريه همٌ وغم وكرب عظيم إذا نام يوماً عن الصلاة أو تأخر عنها لأمر دنيوي، وكل أمور الدنيا تافهة حقيرة، وهذا من توفيق الله تعالى للعبد للثبات على طاعته والاستقامة عليها.
وإذا أقيمت الصلاة فإن الواجب على المصلي أن يباشر في الدخول مع الجماعة حتى في صلاة الفجر حتى ولو أطال الإمام القراءة، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة) رواه مسلم في كتاب صلاة المسافرين باب (710) ونفي الصلاة هنا للصحة، أي فلا صلاة صحيحة إذا أقيمت الصلاة، ومثله من دخل في نافلة ثم أقيمت الصلاة فإنه يجب عليه أن يقطعها ثم يقضيها - إن أراد - بعد الصلاة لعموم الحديث، ولو أكمل الصلاة لم تصح منه وكانت باطلة.
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أنه لو كان في آخر النافلة فله أن يكملها إذا علم أنه سيدرك تكبيرة الإحرام لأنه مقصود الشارع هو المسارعة في الدخول مع الإمام في الصلاة.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1820)
لا يجوز منع السائقين من أداء صلاة الجماعة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الشرع في نظركم فيمن يمنعون السائقين الذين يشتغلون عندهم في البيوت عن الصلاة في المساجد، ويأمرونهم بالصلاة في البيوت ولا يسمح لهم بالخروج إلا إذا كانوا يريدون أن يخرجوا هم أي أهل البيت؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي ينبغي لهؤلاء القوم الذين عندهم عمال يعملون عندهم أن يمكنوهم من صلاة الجماعة، لما في ذلك من الأجر والخير الكثير، لأن هذا من باب التعاون على البر والتقوى، وقد قال الله عز وجل: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب) سورة المائدة/2
ولا يحل لهم أن يمنعوهم من صلاة الجماعة، لأن صلاة الجماعة واجب شرعي، والواجب الشرعي مستثنى من زمن العمل عند المسلمين لأن طاعة الله ورسوله مقدمة على طاعة البشر، ولكن إذا مُنِع هذا العامل من الصلاة جماعة ولم يكن له مندوحة عن هذا العمل فإنه يُعذر في هذه الحال، لأنه ممنوع منها بغير اختياره ولو ترك العمل لتضرر بذلك.
[الْمَصْدَرُ]
نور على الدرب الحلقة الثانية الشيخ ابن عثيمين(5/1821)
مرّت امرأة بين صفوفنا ونحن نصلي الجماعة
[السُّؤَالُ]
ـ[قامت أحد الأخوات بالمشي أمام صف من النساء يصلين خلف الإمام وكان عدد النساء في الصف قليلاً وهي أسرعت من أمامنا حتى لم نستطع أن نوقفها حتى أخذت مكانها في الصف. إنني أعلم أنه يقطع صلاة الإنسان أن يمر بين يديه امرأة أو كلب أو حمار فكيف يمكن أن نبدأ صلاتنا مرة أخرى ونتواصل مع الإمام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أما أنه يقطع صلاة المرء مرور المرأة والحمار والكلب بين يديه: فصحيح.
عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا قام أحدكم يصلي فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود قلت يا أبا ذر ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر قال يا ابن أخي سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني فقال الكلب الأسود شيطان ". رواه مسلم (510) .
ومؤخرة الرحل: ذراع أو ثلثا ذراع.
ولكن هذا الحكم خاص بمرور هؤلاء أمام الإمام أو المنفرد، وليس إذا كان مرورهم بين صفوف المأمومين وهم وراء الإمام أثناء صلاة الجماعة كما ظنت الأخت السائلة.
والدليل على ما تقدم ما جاء عن عبد الله بن عباس أنه قال: أقبلتُ راكباً على حمارٍ أتان وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس بمنى إلى غير جدار فمررت بين يدي بعض الصف فنزلت وأرسلت الأتان ترتع ودخلت في الصف فلم يُنكر ذلك عليَّ أحدٌ. رواه البخاري (471) ومسلم (504) .
والحديث: بوَّب عليه الإمام البخاري " سترة الإمام سترة مَن خلفه "، ودلالته واضحة على المقصود وهو أنه لا يجب على المأموم اتخاذ سترة، فلا يهم ما يمر أمامه، وخاصة أن ابن عباس مرَّ بحمارة له وهي مما يقطع الصلاة لو كان المرور أمام الإمام أو المنفرد.
قال ابن عبد البر:
في هذا الحديث - أي: قوله صلى الله عليه وسلم في البخاري (487) ومسلم (505) من حديث أبي سعيد الخدري " إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحدا يمر بين يديه وليدرأه ما استطاع فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان " - كراهية المرور بين يدي المصلي إذا كان وحده وصلى إلى غير سترة. وكذلك حكم الإمام إذا صلى إلى غير سترة، وأما المأموم: فلا يضره مَن مر بين يديه كما أن الإمام والمنفرد لا يضر أحداً منهما ما مرَّ من وراء سترة الإمام، وسترة الإمام سترة لمن خلفه.
وإنما قلنا إن هذا في الإمام وفي المنفرد لقوله صلى الله عليه وسلم " إذا كان أحدكم يصلي " ومعناه عند أهل العلم: يصلي وحده، بدليل حديث ابن عباس وبذلك قلنا إن المأموم ليس عليه أن يدفع من يمر بين يديه لأن ابن عباس قال: " أقبلت راكبا على أتان وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس بمنى فمررت بين يدي بعض الصف فنزلت وأرسلت الأتان ترتع ودخلت في الصف فلم ينكر ذلك عليَّ أحدٌ ". " التمهيد " (4 / 187)
وعليه: فليس على الأخت السائلة ولا غيرها أن تدفع من مرَّ مِن أمامها إن كانت مأمومة، وليس على من مرَّ من حرج إذا مرّ لحاجة، وإنما الدفع والمنع يكون من الإمام والمنفرد لمن أراد أن يمر بينهما وبين سترتهما، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1822)
صلاة المرأة في بيتها أفضل من المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تأدية النساء للصلاة في مكان عام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المرأة فتنة يجب صونها وحجبها عن الرجال ما استطاع ولي أمرها ذلك، والرسول صلى الله عليه وسلم فضَّل أن تصلي المرأة في بيتها وجعل أجر صلاتها تلك أفضل من صلاتها في المسجد.
عن عبد الله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها ". رواه أبو داود (570) والترمذي (1173) .
والحديث: صححه الشيخ الألباني في " صحيح الترغيب والترهيب " (1 / 136) .
(في بيتها) هو الحجرة التي تكون فيها المرأة.
(حجرتها) المراد بها صحن الدار التي تكون أبواب الغرف إليها، ويشبه ما يسميها الناس الآن بـ (الصالة) .
(مخدعها) هو كالحجرة الصغيرة داخل الحجرة الكبيرة، تحفظ فيه الأمتعة النفيسة.
(الشرح من كتاب عون المعبود)
عن أم حميد امرأة أبي حميد الساعدي: " أنها جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إني أحب الصلاة معك قال: قد علمت أنك تحبين الصلاة معي وصلاتك في بيتك خير لك من صلاتك في حجرتك وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك وصلاتك في دارك خير لك من صلاتك في مسجد قومك وصلاتك في مسجد قومك خير لك من صلاتك في مسجدي، قال: فأمرت فبني لها مسجد في أقصى شيء من بيتها وأظلمه فكانت تصلي فيه حتى لقيت الله عز وجل ". رواه أحمد (26550) .
والحديث: صححه ابن خزيمة في " صحيحه " (3 / 95) وابن حبان (5 / 595) ، والألباني في " صحيح الترغيب والترهيب " (1 / 135) .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: " لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن كما منعت نساء بني إسرائيل قلت لعمرة أو منعن قالت نعم. " البخاري (831) ومسلم (445) .
قال عبد العظيم آبادي:
ووجه كون صلاتهن في البيوت أفضل الأمن من الفتنة ويتأكد ذلك بعد وجود ما أحدث النساء من التبرج والزينة ومن ثم قالت عائشة ما قالت. " عون المعبود " (2 / 193) .
لذا على المرأة أن تحتاط في صلاتها في الأماكن العامة، وأن تبتعد عن أن يراها الرجال ولا تفعل ذلك إلا إذا دخل وقت الصلاة وليس عندها مكان تصلي فيه إلا هذا المكان.
قال الشيخ عبد الله الجبرين:
فأما المرأة فبيتها خير لها، فإن احتاجت للصلاة في السوق، وكان هناك سترٌ وسترة: فلا مانع من ذلك إن شاء الله. " فتاوى المرأة المسلمة " (1 / 333) .
وأما ما يقوله بعض العامة أن صلاة المرأة تبطل بمجرد رؤية الرجال لها: فلا أصل لهذا الكلام في الشرع البتة، وقد كانت النساء يصلين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في مسجد واحد ولم يحكم صلى الله عليه وسلم ببطلان صلاة النساء.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1823)
يخشع وحده ولا يخشع في المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي مشكلة حين أصلي مع الجماعة سواء كنت الإمام أو المأموم وهي قلة الخشوع، هذا لا يحصل لي عندما أصلي لوحدي حيث يكون خشوعي أكثر، هل يجوز لي أن أصلي لوحدي حتى لو كان هناك جماعة يصلون أو جماعة ستبدأ في الصلاة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما ذكرته أخي السائل من خشوعك في الصلاة وحدك دون صلاتك في الجماعة هو من استدراج الشيطان الذي نهينا عنه بقوله جلّ وعلا {ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين} البقرة: آية 168. والصلاة في الجماعة واجبة والشيطان يريد أن يصرفك عن هذا الواجب بشبهة عدم الخشوع، ويزيّن لك أن تصلي وحدك حتى تخشع، والحقيقة أنه يريد إبعادك عن بيت الله وعن جماعة المسلمين من إخوانك المصلين في المساجد لتنفرد، والنبي صلى الله عليه وسلم بيّن أن الشيطان يستحوذ على تاركي صلاة الجماعة فقال في الحديث الحسن الذي رواه أبو داود رحمه الله عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَا مِنْ ثَلاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ وَلا بَدْوٍ لا تُقَامُ فِيهِمْ الصَّلاةُ إِلا قَدْ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَانُ فَعَلَيْكَ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ الْقَاصِيَةَ. سنن أبي داوود 547 وهو في صحيح الجامع قَالَ زَائِدَةُ قَالَ السَّائِبُ يَعْنِي بِالْجَمَاعَةِ الصَّلاةَ فِي الْجَمَاعَةِ
وعن حكم صلاة الجماعة يقول الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: " ولقد عظّم الله سبحانه وتعالى شأن الصلاة في الجماعة في كتابه العزيز وعظّمها أيضاً رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم فأمر سبحانه وتعالى بالمحافظة عليها وعلى أدائها في الجماعة قال سبحانه وتعالى:"حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين " البقرة: آية 238.
ومما يدل على وجوب أدائها في الجماعة قوله تعالى:"وأقيموا الصلاة وءاتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين " البقرة: آية 43. وأمر في أول الآية بإقامتها ثم أمر بالمشاركة للمصلين في صلاتهم بقوله " واركعوا مع الراكعين " وقد أوجب سبحانه وتعالى أداء الصلاة في الجماعة حتى في الحرب فكيف بالسلم؟ قال تعالى: " وإذا كنت فيهم فأقمت الصلاة لهم فلتقلم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم " النساء: آيه 102. فلو كان أحد يُسامح في ترك الصلاة مع الجماعة كان المحاربون أولى بأن يسمح لهم " وقد ورد في الصحيحين عن أبي هريرة الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لقد هممت أن أمر بالصلاة فتقام ثم أمر رجلاً يصلي بالناس ثم أنطلق برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرّق عليهم بيوتهم " صحيح البخاري (2/852) برقم (2288) ومسلم (1/451) رقم 651. وفي صحيح مسلم (1/453) رقم (654) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال من سره أن يلقي الله غداً مسلماً فليحافظ على هذه الصلوات الخمس حيث يُنادى بهن فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى وإنهن من سنن الهدى ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة ويرفعه بها درجة ويخط عنه سيئة ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف …
وفي صحيح مسلم (1/452) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً أعمى قال يا رسول الله إنه ليس لي قائد يلائمني إلى مسجد فهل لي رخصة أن أصلي في بيتي فقال له النبي صلى الله عليه وسلم هل تسمع النداء بالصلاة فقال نعم قال: فأجب. وفي إقامة الصلاة في الجماعة فوائد كثيرة منها التعارف والتعاون على البر والتقوى والتواصي بالحق والصبر عليه وتعليم الجاهل وإظهار شعائر الله وإغاظة أهل النفاق والبعد عن سبيلهم ومعرفة المتخلف ونصحه وإرشاده إن كان ذلك تكاسلاً منه وبدون عذر أو عيادته إن كان مريضاً إلى غير ذلك من الفوائد وقد يؤدي التخلف عند أدائهما في الجماعة والعياذ بالله إلى تركها بالكلية ومن المعلوم أن ترك الصلاة كفر وضلال وخروج عن دائرة الإسلام لقوله صلى الله عليه وسلم: بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة " أخرجه مسلم في صحيحة (1/88) رقم (82) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
وقال صلى الله عليه وسلم: " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر " رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، صحيح ابن حبان (4/305) رقم (1454) . أهـ
واعلم يا أخي أنّ الله لا يُمكن أن يوجب على عبده حكما ثم يكون الخير في غيره وقد أوجب الله صلاة الجماعة فلا بدّ من أدائها والخشوع فيها، ولكن قد يحصل للإنسان أحيانا في خلوته من الخشوع ما لا يحدث له في المسجد كما يشعر كثير من المصلين في قيام الليل فيبكي في بيته هو يؤدّيها ما لا يبكي في المسجد وهذا لا يُنافي أداءها في المسجد، فالمطلوب أن نحرص على الأخذ بأسباب الخشوع في صلاة الجماعة وغيرها ونؤدّي كلاّ كما أمر الله، وللتعرّف على أسباب الخشوع في الصلاة راجع رسالة 33 سببا للخشوع في الصلاة في قسم الكتب من هذا الموقع، والله تعالى أعلم وهو الهادي إلى خير سبيل وصلى الله على سيدنا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1824)
إذا أخطأ الإمام في القراءة وليس معه إلا امرأة فماذا تفعل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كانت المسلمة تصلي خلف رجل (مثل محرمها) ، فكيف لها أن تفتح عليه إذا أخطأ في القراءة (ولم يوجد من يفتح عليه غيرها) ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز للمرأة أن تفتح على محرمها في الصلاة إذا أخطأ بشرط أن لا يكون هناك رجال أجانب يسمعونها ونهيّ المرأة عن التسبيح وأمرها بالتصفيق في الحديث الآتي إنما هو في مثل الحال التي ورد فيها الحديث، وهي وجود النساء مع الرجال الأجانب.
فمع وجود الرجال الأجانب فإنه لا ينبغي للنساء رفع أصواتهن بالتأمين في الصلاة ولا التسبيح لرد الإمام عند خطئه.
عن سهل بن سعد الساعدي: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم فحانت الصلاة فجاء المؤذن إلى أبي بكر فقال أتصلي للناس فأقيم قال نعم فصلى أبو بكر فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس في الصلاة فتخلص حتى وقف في الصف فصفق الناس وكان أبو بكر لا يلتفت في صلاته فلما أكثر الناس التصفيق التفت فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن امكث مكانك فرفع أبو بكر رضي الله عنه يديه فحمد الله على ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك ثم استأخر أبو بكر حتى استوى في الصف وتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى فلما انصرف قال يا أبا بكر ما منعك أن تثبت إذ أمرتك فقال أبو بكر ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لي رأيتكم أكثرتم التصفيق، من رابه شيء في صلاته فليسبح فإنه إذا سبح التفت إليه وإنما التصفيق للنساء ".
رواه البخاري (652) ومسلم (421) .
قال ابن حجر:
وكان منع النساء من التسبيح لأنها مأمورة بخفض صوتها في الصلاة مطلقا لما يخشى من الافتتان ومنع الرجال من التصفيق لأنه من شأن النساء.
" فتح الباري " (3 / 77) .
وقال ابن عبد البر:
قال بعض أهل العلم: إنما كره التسبيح للنساء وأبيح لهن التصفيق من أجل أن صوت المرأة رخيم في أكثر النساء وربما شغلت بصوتها الرجال المصلين معها.
" التمهيد " (21 / 108) .
وقال ولي الدين العراقي:
ولو خالفت المرأة المشروع في حقها وسبحت في صلاتها لأمر ينوبها لم تبطل صلاتها أيضا، لكن إن أسرت به بحيث لم يسمعها أحد فليس هذا تنبيها يحصل به المقصود، وإن جهرت به بحيث أسمعت من تريد إفهامه فالذي ينبغي أن يقال: إن كان امرأة أو محرماً فلا كراهة، وإن كان رجلاً أجنبياً كره ذلك بل يحرم إذا قلنا إن صوتها عورة. . .
ولسنا نريد بذلك أنها في هذه الحالة يكون المشروع لها التسبيح وإنما نقول إنها لو نبهت بالتسبيح لم يكره وإن كان المشروع في حقها والأفضل لها التصفيق. . . لأن ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم: (والتصفيق للنساء) مشروعيتة في كل حالة، والله أعلم.
" طرح التثريب " (2 / 248، 249) .
وقال الزركشي: وقد أطلقوا التصفيق للمرأة، ولا شك أن موضعه إذا كانت بحضرة رجال أجانب، فلو كانت بحضرة النساء أو الرجال المحارم فإنها تسبح كالجهر بالقراءة بحضرتهم.
" مغني المحتاج " (1 / 418) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1825)
هل تجهر المرأة بالتأمين إذا صلت مع زوجها في المنزل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تقول النساء آمين بصوت منخفض في الصلاة في المنزل مع أزواجهن؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: التأمين سنة لكل مصلٍّ بعد فراغه من قراءة الفاتحة.
قال النووي رحمه الله في المجموع (3/371) :
التَّأْمِينُ سُنَّةٌ لِكُلِّ مُصَلٍّ فَرَغَ مِنْ الْفَاتِحَةِ سَوَاءٌ الإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ , وَالْمُنْفَرِدُ , وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَالصَّبِيُّ , وَالْقَائِمُ وَالْقَاعِدُ وَالْمُضْطَجِعُ (أي لعذرٍ) وَالْمُفْتَرِضُ وَالْمُتَنَفِّلُ فِي الصَّلاةِ السِّرِّيَّةِ وَالْجَهْرِيَّةِ وَلا خِلافَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا عِنْدَ أَصْحَابِنَا اهـ.
ثانيا: تنهى المرأة عن رفع صوتها في حال وجودها مع رجال أجانب عنها، ولذلك منع النبي صلى الله عليه وسلم النساء من التسبيح في الصلاة إذا أردن تنبيه الإمام، وإنما ينبهنه بالتصفيق.
فعن سهل بن سعد الساعدي: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم فحانت الصلاة فجاء المؤذن إلى أبي بكر فقال أتصلي للناس فأقيم قال نعم فصلى أبو بكر فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس في الصلاة فتخلص حتى وقف في الصف فصفق الناس وكان أبو بكر لا يلتفت في صلاته فلما أكثر الناس التصفيق التفت فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن امكث مكانك فرفع أبو بكر رضي الله عنه يديه فحمد الله على ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك ثم استأخر أبو بكر حتى استوى في الصف وتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى فلما انصرف قال يا أبا بكر ما منعك أن تثبت إذ أمرتك فقال أبو بكر ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لي رأيتكم أكثرتم التصفيق من رابه شيء في صلاته فليسبح فإنه إذا سبح التفت إليه وإنما التصفيق للنساء ".
رواه البخاري (652) ومسلم (421) .
قال ابن حجر:
وكان منع النساء من التسبيح لأنها مأمورة بخفض صوتها في الصلاة مطلقا لما يخشى من الافتتان ومنع الرجال من التصفيق لأنه من شأن النساء اهـ فتح الباري (3 / 77) .
وهذا المنع إذا وجد رجال أجانب عنها، أما مع جماعة النساء أو مع وجود رجال من محارمها فلا بأس أن تجهر بالقراءة والتأمين.
قال ابن قدامة رحمه الله في المغني (3/38) :
وتجهر –يعني المرأة- في صلاة الجهر، وإن كان ثَمَّ رجال لا تجهر، إلا أن يكونوا من محارمها فلا بأس اهـ.
قال النووي في المجموع (3/390) :
وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَقَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا: إنْ كَانَتْ تُصَلِّي خَالِيَةً أَوْ بِحَضْرَةِ نِسَاءٍ أَوْ رِجَالٍ مَحَارِمَ جَهَرَتْ بِالْقِرَاءَةِ , سَوَاءٌ أَصَلَّتْ بِنِسْوَةٍ أَمْ مُنْفَرِدَةً , وَإِنْ صَلَّتْ بِحَضْرَةِ أَجْنَبِيٍّ أَسَرَّتْ. . . وَهُوَ الْمَذْهَبُ. . . قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: وَحُكْمُ التَّكْبِيرِ فِي الْجَهْرِ وَالإِسْرَارِ حُكْمُ الْقِرَاءَةِ اهـ.
وحكم التأمين من حيث الجهر والإسرار حكم القراءة
قال ابن قدامة رحمه الله في المغني (2/162) :
ويسن أن يجهر به –يعني التأمين- الإمام والمأموم فيما يُجهر فيه بالقراءة، وإخفاؤه فيما يُخفى فيه اهـ
وقال النووي في المجموع (3/371) :
إنْ كَانَتْ الصَّلاةُ سِرِّيَّةً أَسَرَّ الإِمَامُ وَغَيْرُهُ بِالتَّأْمِينِ تَبَعًا لِلْقِرَاءَةِ وَإِنْ كَانَتْ جَهْرِيَّةً وَجَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ اُسْتُحِبَّ لِلْمَأْمُومِ الْجَهْرُ بِالتَّأْمِينِ بِلا خِلافٍ اهـ.
والخلاصة:
أنه يجوز للمرأة أن تجهر بالقراءة والتأمين في الصلاة، إلا إذا صلت بحضرة رجل أجنبي عنها فإنها تسر.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1826)
هل يصلى خلف من يقول إنه لا يجب تغطية شعر المرأة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن في أمريكا ويوجد شخص من جماعة المسجد له مكانته بين المسلمين. هذا الرجل قال في المسجد للمسلمين بأن أمريكا دار إسلام أكثر من بلاد الحرمين، وقال ردا على صحيفة سألته بعدما أسلمت إحدى الأمريكيات والتزمت بالحجاب بأن الله فرض على الرجال والنساء الحشمة, ولكن بعض المسلمين يقول بأن المرأة يجب أن تغطي رأسها. وهو لا يرى بتغطية الرأس.
السؤال: هل ما يقوله هذا الرجل حق أم باطل بالأدلة , حيث إن كثيرا من المسلمات هنا اعتمدن على كلامه بعدم واجبية تغطية الرأس، وإذا أصر على ما يقول هل الصلاة خلفه تجوز؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
قول الرجل المسئول عنه: إن أمريكا دار إسلام أكثر من بلاد الحرمين، قول باطل، وبطلانه لا يحتاج إلى دليل؛ إذ ليس هناك عاقل فضلا عن عالم يقول إن أمريكا دار إسلام، بل وأمريكا نفسها لا تدعي ذلك!
ثانيا:
تغطية رأس المرأة واجب باتفاق أهل العلم؛ للأدلة الكثيرة المستفيضة التي فيها الأمر بالحجاب، ومن أصرحها قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) الأحزاب/59.
وهذا دليل على وجوب ستر الوجه أيضا؛ لأن الجلباب يُدنى من على الرأس حتى يستر الوجه والصدر.
وقد بينا أدلة وجوب ستر الوجه، في جواب السؤال رقم (11774) ، وهي دالة على وجوب تغطية الرأس من باب أولى.
والعلماء مختلفون في تغطية الوجه، لكنهم لا يختلفون في أنه يجب على المرأة أن تغطي رأسها وشعرها عن الرجال الأجانب.
قال الإمام أبو بكر الجصاص في تفسيره "أحكام القرآن" (3/485) مفسرا قوله تعالى: (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) النور/60: " لا خلاف في أن شعر العجوز عورة لا يجوز للأجنبي النظر إليه كشعر الشابة , وأنها إن صلت مكشوفة الرأس كانت كالشابة في فساد صلاتها " انتهى.
ويقال لهذا المتعالم وأمثاله: الحجاب أو الحشمة التي تذهبون إليها: ما مستندها، وما حدودها، وأين ذكرها الله تعالى في كتابه أو رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته؟ فإن ذكر آيات الحجاب، طولب بمعرفة تفسيرها والوقوف عند ذلك. وإن أعرض عن آيات الحجاب، وتعامى عنها، ذُكرت له، ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حَيَّ عن بينة.
ثالثا:
الذي يجب أن يكون عليه المسلمون هو تعظيم الكتاب والسنة، والوقوف عند حدودهما، والسعي في تعلم أحكامهما، وعدم الاستجابة والأخذ عن كل ناعق، لا سيما في هذه الأزمنة التي كثر فيها المجترئون على الشريعة، المتحدثون بغير هدى.
وعلى أخواتنا المسلمات أن يتقين الله تعالى، وأن تكون قدوتهن عائشة وفاطمة وخديجة والجيل الأول من الصحابيات الفضليات، اللاتي سارعن إلى تغطية جميع أبدانهن حين نزلت آيات الحجاب، وخرجن، لا يُعرفن من السواد، ولا يظهر منهم وجه فضلا عن شعر.
رابعا:
ينبغي مناصحة هذا المتكلم، وإيقافه على حكم الحجاب وصفته من الكتاب والسنة وبيان أهل العلم، فإن استجاب فالحمد لله، وهذا ما نرجوه له، وإن أصر على موقفه، فلا يُمكَّن من تعليم المسلمين أو وعظهم، ولا يمكن من الإمامة، ولا يصلى خلفه، بل يهجر ويترك حتى يرجع إلى الحق.
نسأله سبحانه أن يهدي ضال المسلمين، وأن يثبتنا على دينه حتى نلقاه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1827)
حكم إقامة الجماعة الثانية في المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[أثيرت فتنة داخل المسجد وانتشرت بين الإخوة وهي إقامة الجماعة الثانية بعد الجماعة الأولى في المسجد الذي له إمام راتب، لدرجة قيام الإخوة بالمنع منه، أرجو الإفادة للضرورة]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إقامة الجماعة الثانية في المسجد له عدة صور، بعضها ممنوع وبعضها جائز.
والصورة التي ينبغي أن نتفق على منعها هي: إذا كانت هذه الجماعة تقام باتفاق مسبق من هؤلاء، كما لو اتفق جماعة على الحضور إلى المسجد بعد انتهاء الإمام من الصلاة ثم يصلون جماعةً، ومثلها أيضا في المنع: إذا كانت الجماعة الثانية شيئا راتبا في المسجد ونظاماً معمولاً به، كما لو قيل مثلاً: إن الجماعة الأولى تقام الساعة كذا، والجماعة الثانية تقام الساعة كذا، ويكون هذا شيئا راتباً.
فهاتان الصورتان لا إشكال في النهي عنهما، لما فيهما من تفريق جماعة المسلمين، وتثبيط الناس عن الحضور إلى الجماعة الأولى.
أما إذا أقيمت الجماعة الثانية في المسجد من غير اتفاق، كما لو دخل جماعة إلى المسجد بعد انتهاء الإمام من الصلاة فصلوا جماعة، فهذه الصورة فيها خلاف بين العلماء، والصحيح جوازها بل استحبابها، لما فيها من تحصيل ثواب الجماعة.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله وهو يذكر صور إقامة الجماعة الثانية في المسجد: " فأما الصورة الأولى، بأن يكون في المسجد جماعتان دائما، الجماعة الأولى والجماعة الثانية، فهذا لا شك أنه مكروه إن لم نقل: إنه محرم؛ لأنه بدعة؛ لم يكن معروفا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
ومن ذلك ما كان معروفا في المسجد الحرام سابقا قبل أن تتولى الحكومة السعودية عليه، كان فيه أربع جماعات، كل جماعة لها إمام: إمام الحنابلة يصلي بالحنابلة، وإمام الشافعية يصلي بالشافعية، وإمام المالكية يصلي بالمالكية، وإمام الأحناف يصلي بالأحناف.
ويسمونه: هذا مقام الشافعي، وهذا مقام المالكي، وهذا مقام الحنفي، وهذا مقام الحنبلي، لكن الملك عبد العزيز جزاه الله خيرا لما دخل مكة، قال: هذا تفريق للأمة، أي: أن الأمة الإسلامية متفرقة في مسجد واحد، وهذا لا يجوز، فجمعهم على إمام واحد، وهذه من مناقبه وفضائله رحمه الله تعالى.
فهذا الذي أشار إليه أحد المحاذير، وهو تفريق الأمة.
وأيضا: أنه دعوة للكسل؛ لأن الناس يقولون: ما دام فيه جماعة ثانية ننتظر حتى تأتي الجماعة الثانية، فيتوانى الناس عن حضور الجماعة مع الإمام الراتب الأول ".
ثم ذكر الصورة الثانية فقال:
" وأما الصورة الثانية، أن يكون عارضا، أي أن الإمام الراتب هو الذي يصلي بجماعة المسجد، لكن أحيانا يتخلف رجلان أو ثلاثة أو أكثر لعذر، فهذا هو محل الخلاف.
فمن العلماء من قال: لا تعاد الجماعة، بل يصلون فرادى.
ومنهم من قال: بل تعاد، وهذا القول هو الصحيح، وهو مذهب الحنابلة، ودليل ذلك:
أولا: حديث أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كان أكثر فهو أحب إلى الله) رواه أبو داود (554) والنسائي (843) وهذا نص صريح بأن صلاة الرجل مع الرجل أفضل من صلاته وحده، ولو قلنا: لا تقام الجماعة لزم أن نجعل المفضول فاضلا، وهذا خلاف النص.
ثانيا: أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان جالسا ذات يوم مع أصحابه، فدخل رجل بعد أن انتهت الصلاة، فقال: (من يتصدق على هذا فيصلي معه؟) فقام أحد القوم فصلى مع الرجل. رواه الترمذي (220) وهذا نص صريح في إعادة الجماعة بعد الجماعة الراتبة، حيث ندب النبي عليه الصلاة والسلام من يصلي مع هذا الرجل، وقول من قال: إن هذه صدقة، وإذا صلى اثنان في المسجد وقد فاتتهما الصلاة فصلاة كل واحد منهما واجبة. فيقال: إذا كان يؤمر بالصدقة، ويؤمر من كان صلى أن يصلي مع هذا الرجل، فكيف لا يؤمر من لم يصل أن يصلي مع هذا الرجل؟!
الصورة الثالثة: أن يكون المسجد مسجد سوق، أو مسجد طريق سيارات، أو ما أشبه ذلك، فإذا كان مسجد سوق يتردد أهل السوق إليه فيأتي الرجلان والثلاثة والعشرة يصلون ثم يخرجون، كما يوجد في المساجد التي في بعض الأسواق، فلا تكره إعادة الجماعة فيه، قال بعض العلماء: قولا واحدا، ولا خلاف في ذلك؛ لأن هذا المسجد من أصله معد لجماعات متفرقة؛ ليس له إمام راتب يجتمع الناس عليه " انتهى من "الشرح الممتع" (4/227- 231) .
والذي نوصي به إخواننا هو التناصح والسعي لجمع الكلمة ونبذ الاختلاف والفرقة، وترك حظ النفس، والمحافظة على هذه الشعيرة التي هي من أسباب الاتحاد والائتلاف، فكيف تجعل وسيلة للخلاف والفرقة.
ولنا قدوة في عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، فقد أنكر على عثمان رضي الله عنه إتمامه الصلاة بمنى، ومع ذلك أتم الصلاة، فلما سئل عن ذلك قال: (الْخِلافُ شَرٌّ) رواه أبو داود (1960) .
ومما يدل على أهمية السعي في تأليف القلوب، أن جماعة من أهل العلم نصوا على جواز ترك الإمام بعض السنن لمصلحة تأليف الجماعة، كما قال شيخ الإسلام رحمه الله: " ولو كان الإما يرى استحباب شيء , والمأمومون لا يستحبونه , فترَكه لأجل الاتفاق والائتلاف، كان قد أحسن. مثال ذلك الوتر فإن للعلماء فيه ثلاثة أقوال: أحدها: أنه لا يكون إلا بثلاث متصلة. كالمغرب: كقول من قاله من أهل العراق. والثاني: أنه لا يكون إلا ركعة مفصولة عما قبلها , كقول من قال ذلك من أهل الحجاز. والثالث: أن الأمرين جائزان , كما هو ظاهر مذهب الشافعي وأحمد وغيرهما , وهو الصحيح. وإن كان هؤلاء يختارون فصله عما قبله , فلو كان الإمام يرى الفصل , فاختار المأمومون أن يصلي الوتر كالمغرب، فوافقهم على ذلك تأليفا لقلوبهم كان قد أحسن , كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة: (لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لنقضت الكعبة , ولألصقتها بالأرض ; ولجعلت لها بابين , بابا يدخل الناس منه , وبابا يخرجون منه) فترك الأفضل عنده ; لئلا ينفر الناس.
وكذلك لو كان رجل يرى الجهر بالبسملة فأمّ بقوم لا يستحبونه أو بالعكس ووافقهم كان قد أحسن " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (2/118) .
نسأل الله أن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1828)
مصاب بشلل الأطفال ويترك الجماعة في بعض الصلوات
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شخص مصاب بشلل الأطفال والحمد لله إنني أصلي في المسجد غالبا وأحيانا أصليها في البيت بسبب تأخري في النوم كما أنني أصلي الظهر في البيت أحيانا كثيرة فهل على إثم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
صلاة الجماعة واجبة على الرجال القادرين، حضرا وسفرا؛ في أصح قولي العلماء، لأدلة كثيرة، سبق ذكرها في الجواب رقم (8918) ورقم (120) .
فإذا كنت قادرا على الذهاب إلى المسجد فالجماعة واجبة عليك، وقد ذكرتَ أنك تصلي غالبا في المسجد والحمد لله، وهذا من فضل الله ونعمته عليك، فاحرص على شكرها، فإن الشكر يزيد النعم، كما قال سبحانه: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ) إبراهيم/7.
ثانيا:
النوم عذر في التخلف عن الجماعة، إذا لم يكن عن تفريط، كالسهر بلا حاجة، وعدم أخذ الأسباب المعينة على الاستيقاظ. وقد روى الترمذي (177) والنسائي (615) وأبو داود (437) وابن ماجه (698) عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه قَالَ: ذَكَرُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَوْمَهُمْ عَنْ الصَّلاةِ فَقَالَ: (إِنَّهُ لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ، إِنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي الْيَقَظَةِ، فَإِذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ صَلاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا) وصححه الألباني في صحيح الترمذي وأصل الحديث في الصحيحين بلفظ مقارب لهذا اللفظ.
قال المباركفوري في شرح الترمذي: " (لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ) أَيْ: لا ينسب تقصير إلى النائم في تأخيره الصلاة.
(إِنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي الْيَقِظَةِ) أَيْ: إنما التفريط والتقصير يكون في المستيقظ الذي يترك الصلاة أو يؤخرها من غير عذر " انتهى بتصرف.
وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: رجل يصلي صلاة الصبح بعد طلوع الشمس واتخذ ذلك عادة له في كل يوم لمدة سنتين حيث يدعي أن النوم يغلب عليه بأنه يسهر في المقاهي وعلى الملاهي إلى بعد نصف الليل هل تصح صلاته؟
فأجابت: " يحرم تأخير الصلاة عن وقتها، ويجب على المسلم المكلف أن يحتاط للصلاة في وقتها - صلاة الصبح وغيرها - بإيصاء من ينبهه لها أو بوضع منبه له، ويحرم عليه أن يسهر على الملاهي وغيرها مما حرم الله سهراً يفوت عليه صلاة الصبح في وقتها أو مع الجماعة؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن السهر بعد العشاء بغير مصلحة شرعية، ولأن كل عمل يسبب تأخير الصلاة عن وقتها يحرم عليه فعله إلا ما استثناه الشرع المطهر " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (6/15) .
ثالثا:
تخلفك عن الجماعة في صلاة الظهر، إن كان لعذر، كمشقة الذهاب إلى المسجد، فلا حرج عليك، وإن كان لغير عذر، فالواجب عليك التوبة إلى الله تعالى، وأداؤها مع الجماعة مستقبلا.
نسأل الله أن يعينك ويوفقك إلى ما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1829)
صلى بالناس وهو محدث ناسيا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم صلاة المأمومين إذا أخبرهم الإمام بعد فراغه من الصلاة أنه كان على غير وضوء عن طريق السهو؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من أمّ قوما ثم تبين أنه كان على غير طهارة، فصلاة المأمومين صحيحة، على الراجح من قولي العلماء، وصلاة الإمام باطلة، فيلزمه إعادتها.
قال ابن قدامة رحمه الله: " إذا صلى الإمام بالجماعة محدثا , أو جنبا , غير عالم بحدثه , فلم يعلم هو ولا المأمومون , حتى فرغوا من الصلاة , فصلاتهم صحيحة , وصلاة الإمام باطلة. روي ذلك عن عمر وعثمان وعلي وابن عمر رضي الله عنهم , وبه قال مالك والشافعي.
روي أن عمر رضي الله عنه صلى بالناس الصبح , ثم وجد في ثوبه احتلاما , فأعاد ولم يعيدوا.
وصلى عثمان رضي الله عنه بالناس صلاة الفجر , فلما أصبح وارتفع النهار فإذا هو بأثر الجنابة, فأعاد الصلاة , ولم يأمرهم أن يعيدوا.
وعن علي رضي الله عنه أنه قال: إذا صلى الجنب بالقوم فأتم بهم الصلاة آمره أن يغتسل ويعيد , ولا آمرهم أن يعيدوا.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه صلى بهم الغداة , ثم ذكر أنه صلى بغير وضوء , فأعاد ولم يعيدوا. رواه كله الأثرم " انتهى من "المغني" (1/419) بتصرف.
وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عن رجل صلى إماما صلاتي الظهر والعصر وهو جنب، وكان لا يعلم بجنابته.
فأجابت: " يجب عليك إعادة صلاتي الظهر والعصر بعد أن تغتسل غسل الجنابة، ويجب أن تعجل بذلك، أما من صلى وراءك هذه الصلوات فلا يجب عليهم إعادتها، فإن عمر رضي الله عنه صلى بالناس صلاة الفجر وهو جنب وقد كان ناسيا فأعاد الفجر ولم يأمر من صلى وراءه تلك الصلاة أن يعيدها، ولأنهم معذورون لكونهم لا يعلمون حدثك " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (6 / 266) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1830)
هل يقوم المصلون عند سماع الإقامة أو في وسطها أو عند فراغها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما يقيم المؤذن الصلاة، ينهض البعض ويستعدون ويتراصون ويتساوون في الصف، لكن البعض الآخر يبقون في أماكنهم إلى أن يقول المؤذن "قد قامت الصلاة"، فما هو الفعل الصحيح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأمر في ذلك واسع، فللإنسان أن يقوم في أول الإقامة أو في وسطها أو بعد انتهائها، وجمهور العلماء على أنه إذا كان الإمام في المسجد، لم يقوموا حتى تفرغ الإقامة.
قال الإمام مالك رحمه الله في "الموطأ": " وَأَمَّا قِيَامُ النَّاسِ حِينَ تُقَامُ الصَّلاةُ فَإِنِّي لَمْ أَسْمَعْ فِي ذَلِكَ بِحَدٍّ يُقَامُ لَهُ، إِلا أَنِّي أَرَى ذَلِكَ عَلَى قَدْرِ طَاقَةِ النَّاسِ، فَإِنَّ مِنْهُمْ الثَّقِيلَ وَالْخَفِيفَ وَلا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَكُونُوا كَرَجُلٍ وَاحِدٍ " انتهى.
وقال الحافظ في "الفتح": " وَذَهَبَ الأَكْثَرُونَ إِلَى أَنَّهُمْ إِذَا كَانَ الإِمَام مَعَهُمْ فِي الْمَسْجِد لَمْ يَقُومُوا حَتَّى تَفْرُغَ الإِقَامَةُ. وَعَنْ أَنَس أَنَّهُ كَانَ يَقُوم إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّن: " قَدْ قَامَتْ الصَّلاة " رَوَاهُ اِبْن الْمُنْذِرِ وَغَيْره , وَكَذَا رَوَاهُ سَعِيد بْن مَنْصُور مِنْ طَرِيق أَبِي إِسْحَاق عَنْ أَصْحَاب عَبْد اللَّه (يعني ابن مسعود رضي الله عنه) . وَعَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب قَالَ: " إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّن اللَّه أَكْبَر وَجَبَ الْقِيَام , وَإِذَا قَالَ حَيَّ عَلَى الصَّلاة عُدِّلَتْ الصُّفُوفُ , وَإِذَا قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ كَبَّرَ الإِمَام ".
وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ الإِمَام فِي الْمَسْجِد فَذَهَبَ الْجُمْهُور إِلَى أَنَّهُمْ لا يَقُومُونَ حَتَّى يَرَوْهُ " انتهى باختصار.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل ورد في السنة وقت محدد للقيام للصلاة عند الإقامة؟
فأجاب: لم ترد السنة محدِّدة لموضع القيام؛ إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوموا حتى تروني) متفق عليه، فمتى قام الإنسان في أول الإقامة، أو في أثنائها، أو عند انتهائها فكل ذلك جائز " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (13/16) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1831)
إذا أحدث الإمام أو تذكر الحدث في الصلاة جاز له الاستخلاف
[السُّؤَالُ]
ـ[إمام صلى بالناس وأثناء الصلاة تذكر أنه لم يكن متوضئاً أصلاً، فقطع الصلاة واستخلف أحد المصلين، وكان قد صلى بهم ركعة فجاء هذا الخليفة وبنى على صلاة الإمام، ثم ذهب الإمام وتوضأ وأعاد الصلاة، فهل تصرف هذا الإمام صحيح علماً بأنه مقلد للمذهب الشافعي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما قام به الإمام من الخروج من الصلاة واستخلاف أحد المأمومين، وبناء الخليفة على صلاة الإمام، كل ذلك عمل صحيح.
والقول بجواز الاستخلاف في هذه الحالة هو قول جمهور العلماء من الحنفية والمالكية والشافعية، ورواية عن الإمام أحمد.
قال النووي رحمه الله: " قال أصحابنا: إذا خرج الإمام عن الصلاة بحدثٍ تعمّده أو سبَقه أو نسيه أو بسبب آخر , أو بلا سبب ففي جواز الاستخلاف قولان مشهوران: الصحيح الجديد: جوازه للحديث الصحيح، وقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " ذهب ليصلح بين بني عمرو بن عوف وصلى أبو بكر بالناس فحضر النبي صلى الله عليه وسلم وهو في أثناء الصلاة فاستأخر أبو بكر واستخلف النبي صلى الله عليه وسلم " انتهى باختصار من المجموع" (4/138) .
وقال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع (4/243) : " إذا ذكر الإمام في أثناء الصلاة أنه محدث وجب عليه الانصراف ويستخلف من يكمل بهم الصلاة، لأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما طعنه أبو لؤلؤة المجوسي بعد أن شرع في صلاة الصبح تناول عمر يد عبد الرحمن بن عوف فقدمه، فصلى بهم صلاة خفيفة (رواه البخاري) .
وهذا بحضرة الصحابة رضي الله عنهم، فإن لم يفعل وانصرف – أي: لم يستخلف – فللمأمومين الخيار بين أن يقدموا واحداً منهم يكمل بهم الصلاة، أو يتموها فرادى " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1832)
يترك صلاة الجماعة خشية تأخر شفاء قدمه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب والحمد لله أحافظ على صلاة الجماعة، لكن أحيانا عندما أصاب في قدمي وأضع على قدمي ضمادا، لا أذهب إلى الصلاة؛ خوفا من تفاقم الإصابة من خلال السير على الأقدام ذهابا ًوعودة، فأصلي في المنزل؛ لأنه إذا تفاقمت ستزيد فترة الراحة وعدم الذهاب للمسجد.. فما حكم ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نبارك لك حرصك على صلاة الجماعة، ونسأل الله تعالى أن يثبتنا وإياك على طاعته، وأن يتقبل منا ومنك.
نعم، المرض من أعذار التخلف عن صلاة الجماعة.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (27/187) :
" وهو المرض الذي يشق معه الإتيان إلى المسجد لصلاة الجماعة.
قال ابن المنذر: لا أعلم خلافا بين أهل العلم أن للمريض أن يتخلف عن الجماعات من أجل المرض، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لمّا مرض تخلف عن المسجد، وقال: مُرُوا أبا بكر فليصل بالناس " انتهى.
وقد نص الفقهاء رحمهم الله على أن المريض إذا خشي أن يتأخر شفاؤه فإنه يُعذر ويُخَفَّفُ عليه في العبادة، سواء كانت صلاة أو صياما أو طهارة ونحو ذلك.
انظر: "الإنصاف" (2/305) و "الموسوعة الفقهية" (14/258) .
والمعتبر في ذلك كلام الطبيب الثقة، أو معرفة ذلك بالتجربة والخبرة.
فإذا كان كثرة المشي يؤخر الشفاء فلا حرج عليك في ترك صلاة الجماعة في المسجد، وبما أنك محافظ عليها فسيكون لك ثواب الجماعة إن شاء الله تعالى، لحديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل صحيحاً مقيماً) رواه البخاري (2834) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1833)
هل يمنع الأطفال من القدوم إلى المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل نمنع الأطفال من المجيء للمسجد في التراويح مع الأمهات لكثرة الإفساد والإزعاج؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سألت الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله هذا السؤال فأجاب:
يُتركون كما جاء في الأحاديث، (ويسع الآخرين ما وسع الأولين) . والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد العزيز بن باز يرحمه الله(5/1834)
حمل المصحف للمأموم مخالفة للسنة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم حمل المصحف من قبل المأمومين في صلاة التراويح في رمضان بحجة متابعة الإمام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
حمل المصحف لهذا الغرض فيه مخالفة للسنة وذلك من وجوه:
الوجه الأول: أنه يفوت الإنسان وضع اليد اليمنى على اليد اليسرى في حال القيام.
والثاني: أنه يؤدي إلى حركة كثيرة لا حاجة لها وهي فتح المصحف وإغلاقه ووضعه تحت الإبط.
والثالث: أنه يشغل المصلي في الحقيقة بحركاته هذه.
والرابع: أنه يفوت المصلي النظر إلى موضع السجود وأكثر العلماء يرون أن النظر إلى موضع السجود هو السنة والأفضل.
والخامس: أن فاعل ذلك ربما ينسى أنه في صلاة إذا لم يكن يستحضر قلبه أنه في صلاة، بخلاف ما إذا كان خاشعاً واضعاً يده اليمنى على اليسرى مطأطئاً رأسه نحو سجوده فإنه يكون أقرب إلى استحضار أنه يصلي وأنه خلف الإمام.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين لمجلة الدعوة العدد 1771 ص 45(5/1835)
هل صلاة النساء بجوار الرجال مع الفاصل صحيحة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد في بلدنا مسجد يصلي فيه النساء بجوار الرجال لكن يفصل بينهما جدار فهل هذا العمل صحيح أو لابد أن يصلي النساء خلف الرجال؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا صلت المرأة بمحاذاة الرجل وكان بينهما حائل من جدار أو فرجة يمكن أن يقوم فيها مصلٍ، فالصلاة صحيحة عند عامة أهل العلم من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة. وإنما وقع الخلاف بينهم فيما إذا صلت إلى جنبه بلا حائل، فذهب الحنفية إلى أنها تُبطل صلاة ثلاثة من الرجال، واحد عن يمينها، وآخر عن يسارها، وثالث خلفها، بشروط ذكروها، وحاصلها: أن تكون المرأة مشتهاة، وهي من بلغت سبع سنين، أو كانت تصلح للجماع، على خلاف في المذهب، وأن تدخل مع الرجل في صلاة مطلقة أي لها ركوع وسجود، ويشتركان في التحريمة والأداء، وأن يكون الإمام قد نوى إمامتها أو إمامة النساء بصفة عامة، في تفاصيل أخر، تعرف بالرجوع إلى كتبهم. ينظر: "المبسوط" (1/183) ، "بدائع الصنائع" (1/239) ، "تبيين الحقائق" (1/136- 139) .
قال النووي رحمه الله تعالى مبينا الخلاف في المسألة وملخصا مذهب الحنفية: " إذا صلى الرجل وبجنبه امرأة لم تبطل صلاته ولا صلاتها سواء كان إماما أو مأموما، هذا مذهبنا وبه قال مالك والأكثرون , وقال أبو حنيفة: إن لم تكن المرأة في صلاة أو كانت في صلاة غير مشاركة له في صلاته صحت صلاته وصلاتها , فإن كانت في صلاة يشاركها فيها - ولا تكون مشاركة له عند أبي حنيفة إلا إذا نوى الإمام إمامة النساء - فإذا شاركته فإن وقفت بجنب رجل بطلت صلاة من إلى جنبيْها , ولا تبطل صلاتها ولا صلاة من يلي الذي يليها ; لأن بينه وبينها حاجزا , وإن كانت في صف بين يديه (يعني: أمامه) بطلت صلاة من يحاذيها من ورائها , ولم تبطل صلاة من يحاذي محاذيها ; لأن دونه حاجزا، فإن صف نساء خلف الإمام وخلفهن صف رجال بطلت صلاة الصف الذي يليهن , قال: وكان القياس أن لا تبطل صلاة من وراء هذا الصف من الصفوف بسبب الحاجز , ولكن نقول تبطل صفوف الرجال وراءه , ولو كانت مائة صف استحسانا , فإن وقفت بجنب الإمام بطلت صلاة الإمام ; لأنها إلى جنبه ومذهبه أنها إذا بطلت صلاة الإمام بطلت صلاة المأمومين أيضا , وتبطل [صلاتها] أيضا ; لأنها من جملة المأمومين.
وهذا المذهب ضعيف الحجة، ظاهر التحكم والتمسك بتفصيل لا أصل له , وعمدتنا أن الأصل أن الصلاة صحيحة حتى يرد دليل صحيح شرعي في البطلان , وليس لهم ذلك ... وقاس أصحابنا على وقوفها في صلاة الجنازة فإنها لا تبطل عندهم , والله أعلم بالصواب وله الحمد والنعمة والمنة , وبه التوفيق والهداية والعصمة" انتهى من المجموع (3/331) باختصار يسير.
أما مع وجود الحائل فقد اتفق الأحناف مع الجمهور على أنه لا تبطل صلاة واحد منهما، كما في "تبيين الحقائق" (1/138)
ثانيا:
لا شك أن السنة أن تكون صفوف النساء خلف الرجال، كما كان الحال على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقد روى البخاري (380) ومسلم (658) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ لَهُ فَأَكَلَ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ قُومُوا فَلِأُصَلِّ لَكُمْ قَالَ أَنَسٌ: فَقُمْتُ إِلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدْ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصَفَفْتُ وَالْيَتِيمَ وَرَاءَهُ، وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا، فَصَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ) .
قال الحافظ في الفتح: " وَفِي هَذَا الْحَدِيث مِنْ الْفَوَائِد: ... َتَأْخِير النِّسَاء عَنْ صُفُوف الرِّجَال , وَقِيَام الْمَرْأَة صَفًّا وَحْدهَا إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا اِمْرَأَة غَيْرهَا " انتهى.
لكن إذا حصل ما ذكرتَ من كونهن يحاذين الرجال، فالصلاة صحيحة والحمد لله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1836)
صلاة العشاء خلف من يصلي التراويح أو الوتر
[السُّؤَالُ]
ـ[فاتتني صلاة العشاء، وأدركت الإمام في ركعة الوتر.. فصليت معه ودعا، فلما سلم قمت فصليت ثلاث ركعات.. فهل فعلي صحيح؟ وهل الركعة التي صليتها تكون بمثابة صلاة الوتر؟ أم أنها جزء من العشاء؟ أم ماذا؟ وما الصحيح في مثل هذه الحالة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
صلاتك العشاء خلف من يصلي التراويح أو الوتر، صحيحة على الراجح من قولي العلماء، والمسألة معروفة عند الفقهاء بصلاة المفترض خلف المتنفّل، قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/30) : " وفي صلاة المفترض خلف المتنفل روايتان: إحداهما: لا تصح، واختارها أكثر أصحابنا، وهذا قول الزهري , ومالك , وأصحاب الرأي ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الإمام ليؤتم به , فلا تختلفوا عليه) متفق عليه.
والثانية: يجوز. وهذا قول الشافعي , وابن المنذر , وهي أصح ; لما روى جابر بن عبد الله أن معاذا كان يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يرجع فيصلي بقومه تلك الصلاة. متفق عليه. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى بطائفة من أصحابه في الخوف ركعتين , ثم سلم , ثم صلى بالطائفة الأخرى ركعتين , ثم سلم. رواه أبو داود , والثانية منهما تقع نافلة , وقد أَمَّ بها مفترضين.
فأما حديثهم فالمراد به: لا تختلفوا عليه في الأفعال , بدليل قوله: (فإذا ركع فاركعوا , وإذا رفع فارفعوا , وإذا سجد فاسجدوا , وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون) " انتهى باختصار.
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: ما هو العمل عندما يأتي الفرد بعد صلاة العشاء وقد انتهت، وقام الإمام يصلي التراويح، فهل يأتم بالإمام وينوي العشاء؟ أم يقيم ويصلي منفردا أو مع جماعة إن وجدت؟
فأجابوا: "يجوز أن يصلي العشاء جماعة مع من يصلي التروايح، فإذا سلم الإمام من ركعتين قام من يصلي العشاء وراءه وصلى ركعتين، إتماما لصلاة العشاء" انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (7/402) .
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: إذا جاء المسلم إلى المسجد ووجد الجماعة يصلون التراويح وهو لم يصل العشاء فهل يصلي معهم بنية العشاء؟
فأجاب: "لا حرج أن يصلي معهم بنية العشاء في أصح قولي العلماء، وإذا سلم الإمام قام فأكمل صلاته" انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (12/181) .
ثانيا:
الركعة التي صليتها مع الإمام لا تكون بمثابة الوتر؛ لأمرين:
الأول: أنك دخلت بنية العشاء، فتكون ركعة معتدًّا بها من صلاة العشاء، وعليك أن تكمل بقية الصلاة بعد سلام الإمام.
الثاني: أن الوتر لا يصح إلا بعد الفراغ من صلاة العشاء؛ لما روى الإمام أحمد (23339) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ اللَّهَ زَادَكُمْ صَلَاةً، وَهِيَ الْوِتْرُ، فَصَلُّوهَا فِيمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى صَلَاةِ الْفَجْر) صححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (108) .
والحاصل: أن ما فعلته صحيح، ونسأل الله تعالى أن يتقبل منك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1837)
أصر على أن تخرج زوجته لصلاة العشاء والتراويح ويجلس هو بابنته
[السُّؤَالُ]
ـ[أصر زوجي علي لأصلي صلاة التراويح وأن يبقى هو مع طفلتنا وبعد إلحاح منه ذهبت للصلاة وبقي هو معها، ما حكم صلاتي وبقائه معها؟ مع العلم أنه لم يصل العشاء جماعة لبقائه مع الطفلة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
صلاة الجماعة في المسجد واجبة على الرجال في أصح أقوال أهل العلم، لأدلة كثيرة سبق ذكرها في جواب السؤال رقم (120) .
وصلاة التراويح سنة مؤكدة، وينبغي على الرجال فعلها جماعة في المسجد، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (45781) .
ثانيا:
صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمْ الْمَسَاجِدَ وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ) رواه أبو داود (567) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (صَلاةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِهَا فِي حُجْرَتِهَا، وَصَلاتُهَا فِي مَخْدَعِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِهَا فِي بَيْتِهَا) رواه أبو داود (570) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وهذا عام يشمل صلاة التراويح وغيرها، وراجعي السؤال رقم (3457) .
وعلى هذا، فما قام به زوجك عمل مستغرب لأنه ترك الواجب عليه وهو صلاة العشاء جماعة في المسجد، ثم ترك سنة لا ينبغي التفريط فيها، وهي صلاة التراويح جماعة في المسجد أيضاً، كل ذلك من أجل أن تقومي أنتِ بشيء غاية الأمر أنه جائز وليس واجباً ولا مستحباً.
ولكن لعله لم يكن يعلم بوجوب الصلاة في الجماعة وفعل ذلك إكراماً لكِ، فجزاه الله خيراً على إحسانه إليك، لكن عليه ألا يعود إلى ذلك في المستقبل، وليكن إحسانه إليكِ: أن يمكنكِ من فعل الصلاة في البيت ويصرف عنك الشواغل من الأولاد وغيرها.
ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1838)
المسبوق يتابع إمامه في قراءة التشهد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل أقرأ التشهد كاملا مع الإمام في الركعة الأخيرة إذا كنت لم أدخل معه من أول الصلاة، أي: ليست الأخيرة بالنسبة لي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا خلاف بين أهل العلم أن المسبوق (وهو من دخل مع الإمام وقد فاته ركعة فأكثر) يجلس مع الإمام جلسة التشهد، متابعةً له، سواء وافقت موضع الجلوس بالنسبة للمسبوق، كمن أدرك الركعتين الأخيرتين من الرباعية، أو لم توافق موضع جلوسه، كمن أدرك ركعة من صلاة المغرب مثلا.
وذلك لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤتَمَّ بِهِ) رواه البخاري (361) ومسلم (411) .
وروى ابن أبي شيبة في مصنفه بسنده (1/260) : عن أبي سعيد وابن عمر وابن الزبير رضي الله عنهم، في الرجل يدخل مع الإمام وقد فاته بعض الصلاة؟
قالوا: (يصنع كما يصنع الإمام، فإذا قضى الإمام صلاته قام فقضى صلاته) .
وقال السرخسي في "المبسوط" (1/35) :
" لا خلاف أن المسبوق يتابع الإمام في التشهد، ولا يقوم للقضاء حتى يسلِّمَ الإمام " انتهى.
فإذا جلس المأموم المسبوق مع الإمام فإنه يأتي بالتشهد كاملا، ثم يدعو بعده بما تيسر له، فإن ذلك خير من السكوت.
قال الحافظ العراقي في "طرح التثريب" (2/363) :
" الصحيح عندهم (يعني الشافعية) أنه يأتي بها (يعني قراءة التشهد) مع الإمام للاقتداء، وهذا المنقول عن السلف، روى البيهقي في سننه عن سعيد بن المسيب أنه قال: إن السنة إذا أدرك الرجل ركعة من صلاة المغرب مع الإمام أن يجلسَ مع الإمام " انتهى بتصرف يسير.
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (4/54) :
" لو أدرك المسبوق الإمام في غير القيام، إما في الركوع وإما في السجود وإما في التشهد، فإنه يُحرِمُ معه، ويأتي بالذكر الذي يأتي به الإمام " انتهى.
وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء (7/429) :عندما أحضر لأصلي الصلاة في المسجد وهي رباعية أو ثلاثية، فبعض الأحيان أحضر وقد فاتني ركعة، فعندما أصلي الركعة الأولى بالنسبة لي، يجلس الإمام للتشهد الأول، فماذا أفعل أو أقرأ في هذه الحالة؟
فأجابت:
" المسبوق يتابع إمامه في جميع أفعال الصلاة، فإذا جلس في الركعة الثانية للتشهد الأول فاجلس معه، واقرأ التشهد، ولو كان بالنسبة لك الركعة الأولى، لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤتَمَّ بِهِ، فَلَا تَختَلِفُوا عَلَيَّ) متفق على صحته " انتهى.
وقال السرخسي في "المبسوط" (1/35) :
" وتكلموا أنه بعد الفراغ من التشهد ماذا يصنع؟ والأصح أنه يأتي بالدعاء متابعةً للإمام " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1839)
هل يرخص لحديث الزواج بترك صلاة الجماعة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أن السنة ترخص للمتزوج حديثا أن يصلي في بيته خلال الأسبوع الأول من زواجه ولا يشارك الجماعة وما هو الدليل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فقد دلت الأدلة الكثيرة على وجوب صلاة الجماعة على الرجال كما تجده مفصلا في السؤال رقم (120) ، ولا نعلم دليلاً يدل على أن حديث العهد بالزواج يحق له ترك صلاة الجماعة، إلا أن بعض الفقهاء قد نص على أنه: " يعذر بترك الجماعة من ينتظر زف المرأة إليه " وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن رأيه في هذه العبارة فقال: " رأينا: أن أقوال العلماء يكون فيها الخطأ ويكون فيها الصواب، والواجب الرجوع إلي الكتاب والسنة.
ثانيا: أن الذين قالوا هذا من العلماء إنما يتحدثون عن أمر كانوا عليه، وهو أن الرجل هو الذي يستقبل الزوجة وليست الزوجة هي التي تستقبل الرجل، فيكون الرجل في بيته وتزف إليه امرأته، وهذا يعذر بترك الجماعة، لأنه لو ذهب وصلى الجماعة لكان قلبه مشغولا، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا صلاة بحضرة طعام) وكان ابن عمر رضي الله عنهما يسمع الإمام يقرأ وهو يتعشى لا يقوم للصلاة حتى يكمل، فإذا كان الرجل يعذر بترك الجماعة في هذه الحال فالذي ينتظر زف الزوجة إليه أشد شغلا والعذر واضح، لكن عادة الناس اليوم على خلاف ذلك عندنا، فالزوج يأتي إلي الزوجة في مكانها، والأمر بيده فلا يعذر بترك الجماعة" انتهى من أسئلة اللقاء الشهري (29)
وأما كون الزفاف عذرا لترك صلاة الجماعة مطلقاً فهذا وإن ذكره بعض الفقهاء، لكن لم يدل عليه دليل صحيح، وقد سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عمن يترك صلاة الفجر في صبيحة زواجه؟ فكان من جوابه: " الواجب أن يصلي الزوج صلاة الفجر مع الجماعة لا أن يدع صلاة الجماعة بدون عذر شرعي " انتهى من أسئلة اللقاء الشهري (29)
ثالثاً:
ما سأل عنه السائل من ترك المتزوج صلاة الجماعة أسبوعاً يظنه بعض الناس من السنة، ولعلهم فهموا ذلك من قول أنس رضي الله عنه: (من السنة أن يُقيم عند البِكْر سبعاً) متفق عليه واللفظ لمسلم (1461)
ولكن ليس معناه كما يفهم هؤلاء أنه يقيم عندها أسبوعاً ولا يخرج من البيت، ولا يصلي جماعة في المسجد!!
وإنما معناه: إذا تزوج بكراً وكان عنده زوجة غيرها، فإنه يقسم للبكر سبع ليال، خالصة لها ثم بعد ذلك يقسم لكل واحدة من زوجاته ليلة ليلة.
وقد جاء بيان ذلك عن أنس رضي الله عنه في حديثه المتقدم عند البخاري (5214) ومسلم (1461) بلفظ: (مِنْ السُّنَّةِ إِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْبِكْرَ عَلَى الثَّيِّبِ أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا وَقَسَمَ وَإِذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ عَلَى الْبِكْرِ أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ قَسَمَ) ، فواضح من هذا اللفظ: أن قصد أنس بأنه يقيم عند البكر سبعاً، أنه يقسم لها سبع ليال بمفردها، ثم يقسم لسائر زوجاته.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1840)
شهود الجماعة في مسجد تتكشف فيه النساء في الوضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[في بلدنا المسلم وبمعظم المساجد عندنا، عندما أخرج للصلاة بالمسجد أرى بعض النساء بالمسجد يدخلن معي ويقمن بخلع أحذيتهن أمام الرجال وكذلك عند الوضوء يقمن بتشمير أرجلهن وأيديهن ويقفن بجوار الرجال للوضوء، ماذا أفعل؟ أأصلي بالبيت أم أترك المسجد؟ وخاصة أننا نحن الشباب نعاني من الشهوة بشدة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
شهود الجماعة مع المسلمين واجب، كما بينا في إجابات عديدة؛ فانظر رقم (8918، و 120) ، فلتحرص ـ أخي الكريم ـ على الجماعة في المسجد الذي يؤذن لها فيه.
ولتحرص على الوضوء في منزلك أو مكان عملك، وإن اضطررت للوضوء في المسجد فعليك بغض بصرك وتحري البعد عن أماكن تواجد النساء، فإن الله تعالى يقول: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ) النور/30. كما نوصي المرأة المؤمنة أن تتقي الله في قدومها للمسجد، وأن تعلم أنها أتت لبقعة هي من أشرف بقاع الأرض لتؤدي عبادة من أعظم العبادات؛ فلا يليق بها أن تعصي ربها بكشف ما أمرها بتغطيته، كما لا يصلح لها مزاحمة الرجال في أماكن وضوئهم، وإذا لم تجد مكانا تتوضأ فيه فلتصل في منزلها فهو خير لها وأعظم لأجرها، كما في سنن أبي داود (570) وغيره، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(صَلَاةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي حُجْرَتِهَا وَصَلَاتُهَا فِي مَخْدَعِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي بَيْتِهَا) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
قال في عون المعبود: (صَلَاة الْمَرْأَة فِي بَيْتهَا) : أَيْ الدَّاخِلَانِيّ لِكَمَالِ سِتْرهَا (أَفْضَل مِنْ صَلَاتهَا فِي حُجْرَتهَا) : أَيْ صَحْن الدَّار. قَالَ اِبْن الْمَلَك: أَرَادَ بِالْحُجْرَةِ مَا تَكُون أَبْوَاب الْبُيُوت إِلَيْهَا وَهِيَ أَدْنَى حَالًا مِنْ الْبَيْت (وَصَلَاتهَا فِي مَخْدَعهَا) : هُوَ الْبَيْت الصَّغِير الَّذِي يَكُون دَاخِل الْبَيْت الْكَبِير يُحْفَظ فِيهِ الْأَمْتِعَة النَّفِيسَة , مِنْ الْخَدْع وَهُوَ إِخْفَاء الشَّيْء أَيْ فِي خِزَانَتهَا (أَفْضَل مِنْ صَلَاتهَا فِي بَيْتهَا) لِأَنَّ مَبْنَى أَمْرهَا عَلَى التَّسَتُّر.
وفي سنن الترمذي (1173) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ فَإِذَا خَرَجَتْ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ) .
زاد ابن خزيمة (1686) والطبراني (9481) : (وإنها لا تكون إلى وجه الله أقرب منها في قعر بيتها) ، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2688)
ولا يجوز للمرأة المسلمة أن تؤذي المسلمين بكشف ما أوجب الله عليها ستره من اليدين والرجلين، والله تعالى يقول: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الأحزاب/59
وليس لها أن تزاحم الرجال في أماكنهم، ولا أن تؤذيهم بمخالطتهم على وجه لا يجوز، أو يوقعهم في الحرج.
روى أبو داود (5272) عَنْ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ الْمَسْجِدِ، فَاخْتَلَطَ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ فِي الطَّرِيقِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنِّسَاءِ:
(اسْتَأْخِرْنَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ [يعني: أن يمشين في وسطه] ؛ عَلَيْكُنَّ بِحَافَّاتِ الطَّرِيقِ.
فَكَانَتْ الْمَرْأَةُ تَلْتَصِقُ بِالْجِدَارِ حَتَّى إِنَّ ثَوْبَهَا لَيَتَعَلَّقُ بِالْجِدَارِ مِنْ لُصُوقِهَا بِهِ) حسنه الألباني في صحيح أبي داود.
وإذا كان هذا في حال المشي في الطريق، الذي تكون المرأة فيه كاملة الحجاب، شادَّة عليها ثيابها، فكيف بحال الوضوء، والتشمير عن السوق والأذرع؟!!
والخلاصة: أنه ينبغي عليك أن تتجنب مواطن الفتنة والاختلاط، ما استطعت إلى ذلك سبيلا، واختر لنفسك أبعد المساجد عن أن تطرقها النساء، أو تكشف فيها عن شيء من عوراتهن، واجتهد في أن تتوضأ في بيتك، بعداً عن أماكن الفتنة.
والله تعالى أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1841)
هل تخرج من صلاة الجماعة بسبب بكاء ولدها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت في صلاة جماعة في المسجد وبكت ابنتي وأحضروها لي من خارج المسجد وهي تبكي بصوت عالٍ فاضطررت أن أقطع الصلاة.
فما حكم فعلي هذا؟ وهل أثمت؟ علماً أن مصلى النساء خلف الرجال مباشرة فلا يفصل بيننا سوى حاجز، فإن استمررت في الصلاة قد يزعج بكاؤها المصلين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
اتفق العلماء على أن قطع الصلاة المفروضة عمداً من غير عذرٍ شرعي بعد الشروع فيها محرم.
والأعذار الشرعية التي تبيح قطع الصلاة منها ما جاءت به السنَّة النبويَّة، ويقاس عليها ما هو مثلها أو أولى.
ومن تلك الأعذار المبيحة لقطع الصلاة - فريضة كانت أو نافلة -: قتل الحية، وخوف ضياع ماله، أو إغاثة ملهوف، أو إنقاذ غريق، أو إطفاء حريق، أو تحذير غافل مما قد يضره.
وقد سبق ذكر هذه الأعذار في جواب السؤال (65682) و (3878) .
ثانياً:
فإن بكى الطفل وتعذَّر إسكاته من قبَل أبيه أو أمه في صلاة الجماعة: فيجوز أن يقطعا الصلاة لإسكاته خشيةً أن يكون بكاؤه من ضرر أصابه؛ وخشيةً من تضييع الصلاة على أهلها بالتشويش عليهم.
فإن أمكن إسكاته بحركة يسيرة مع عدم الانحراف عن جهة القبلة فتفعل المرأة ذلك وترجع لصلاتها، فيمكنها – مثلا – الرجوع للخلف لحملِه مع عدم قطعها للصلاة، فإن لم تتمكن من إسكاته إلا بقطع الصلاة بالكلية فعلت ذلك ولا حرج عليها إن شاء الله تعالى.
جاء في "مطالب أولي النهى" (1/641) :
" ويسن للإمام تخفيف الصلاة إذا عرض لبعض مأمومين في أثناء الصلاة ما يقتضي خروجه منها كسماع بكاء صبي , لقوله صلى الله عليه وسلم: (إني لأقوم في الصلاة وأنا أريد أن أطول فيها , فأسمع بكاء الصبي , فأتجوز فيها مخافة أن أشق على أمه) رواه أبو داود " انتهى.
وسئل علماء اللجنة الدائمة:
هل يجوز قطع الصلاة عندما يرى المصلي دابة مقبلة عليه مثل العقرب وخلافها من الدواب السامة؟ وكذلك عند الصلاة في الحرم هل يجوز قطع الصلاة حتى يتم اللحاق بولده أو ابنته التي كادت تضيع منه؟
فأجابوا:
" إن تيسر له التخلص من العقرب ونحوها بغير قطع الصلاة فلا يقطعها، وإلا قطعها، وكذلك الحال في ولده إن تيسر له المحافظة على ولده دون قطع الصلاة فعل، وإلا قطعها " انتهى.
" فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " (8 / 36، 37)
ولينظر جواب السؤال رقم (26230) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1842)
إذا أدرك الإمام راكعاً فماذا يفعل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا دخلت المسجد وكان الإمام راكعاً، فهل إذا ركعت معه تحسب لي هذه الركعة؟ مع العلم أني لم أقرأ الفاتحة، وهل أكبر تكبيرة واحدة أو تكبيرتين؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إذا دخل المسجد والإمام راكع ركع معه , ويكون مدركاً للركعة إذا اجتمع مع الإمام في الركوع , ولو لم يطمئن إلا بعد رفع الإمام. قال أبو داود: " سمعت أحمد سئل عمن أدرك الإمام راكعاً , فكبر ثم ركع فرفع الإمام؟ قال: إذا أمكن يديه من ركبتيه قبل أن يرفع الإمام فقد أدرك " انتهى.
انظر: "مسائل الإمام أحمد لأبي داود" (ص 35) , "حاشية الروض" لابن قاسم (2/275) , "المجموع" (4/215) .
ثم يطمئن في الركوع ويرفع منه ويتابع إمامه.
قال الشيخ ابن باز: " إذا أدرك المأموم الإمام راكعا أجزأته الركعة ولو لم يسبح المأموم إلا بعد رفع الإمام " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (11/245-246) .
ثانياً:
وإذا أدركه حال الركوع أجزأته تكبيرة واحدة , وهي تكبيرة الإحرام عن تكبيرة الركوع , روي ذلك عن زيد بن ثابت وابن عمر وسعيد وعطاء والحسن وإبراهيم النخعي , وبه قال الأئمة الأربعة (أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد) . قال أبو داود: " قلت لأحمد: أُدرك الإمام راكعاً؟ قال: يجزيك تكبيرة " انتهى.
"مسائل الإمام أحمد" (ص 35) .
وذلك لأن حال الركوع يضيق عن الجمع بين تكبيرتين في الغالب , ولأنه اجتمع عبادتان من جنس واحد في محل واحد , ونية الركوع لا تنافي نية افتتاح الصلاة , فأجزأ الركن وهي تكبيرة الإحرام عن الواجب وهي تكبيرة الركوع , كطواف الإفاضة يغني عن طواف الوداع إذا جعله آخر شيء.
انظر: "المغني" (2/183) , "القواعد" لابن رجب " القاعدة الثامنة عشرة ".
فإن أمكن أن يأتي بتكبيرتين: الأولى للإحرام , والثانية للركوع فهذا أولى , قال أبو داود: " قلت لأحمد: يكبر مرتين أحب إليك؟ قال: فإن كبر مرتين فليس فيه اختلاف " انتهى.
"مسائل الإمام أحمد" (ص 35) .
وسئل الشيخ ابن باز: إذا حضر المأموم إلى الصلاة والإمام راكع هل يكبر تكبيرة الافتتاح والركوع أو يكبر ويركع؟
فأجاب:
" الأولى والأحوط أن يكبر التكبيرتين: إحداهما: تكبيرة الإحرام وهي ركن ولا بد أن يأتي بها وهو قائم، والثانية: تكبيرة الركوع يأتي بها حين هويه إلى الركوع، فإن خاف فوت الركعة أجزأته تكبيرة الإحرام في أصح قولي العلماء، لأنهما عبادتان اجتمعتا في وقت واحد فأجزأت الكبرى عن الصغرى، وتجزئ هذه الركعة عند أكثر العلماء " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (11/244-245) .
وعلى الداخل أن يكبر للإحرام قائماً , فإن أتى به على حال انحنائه للركوع لم يصح.
قال النووي في "المجموع" (4/111) :
" إذا أدرك الإمام راكعا كبر للإحرام قائما ثم يكبر للركوع ويهوي إليه , فإن وقع بعض تكبيرة الإحرام في غير القيام لم تنعقد صلاته فرضا بلا خلاف , ولا تنعقد نفلا أيضا على الصحيح " انتهى.
وانظر: "المغني" (2/130) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (4/123) :
" ولكن هنا أمْرٌ يجبُ أن يُتفَطَّنُ له، وهو أنَّه لا بُدَّ أنْ يكبِّرَ للإحرامِ قائماً منتصباً قبل أنْ يهويَ؛ لأنَّه لو هَوى في حالِ التكبيرِ لكان قد أتى بتكبيرةِ الإحرامِ غير قائمٍ، وتكبيرةُ الإحرامِ لا بُدَّ أن يكونَ فيها قائماً " انتهى.
ثالثاً:
وإذا ركع مع الإمام أجزأته الركعة ولو لم يقرأ الفاتحة , وهو قول الجمهور , وهو الراجح ـ إن شاء الله ـ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكرة رضي الله عنه لما انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ رَاكِعٌ فَرَكَعَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى الصَّفِّ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلا تَعُدْ) رواه البخاري (783) .
ووجه الدلالة: أنه لو لم يكن إدراك الركوع مجزئاً لإدراك الركعة مع الإمام لأمره النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء تلك الركعة التي لم يدرك القراءة فيها , ولم ينقل عنه ذلك , فدل على أن من أدرك الركوع فقد أدرك الركعة.
انظر: "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (230) .
قال الشوكاني: " وكذلك فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر الداخل بأن يصنع كما يصنع الإمام , ومعلوم أنه لا يحصل الامتثال إلا إذا ركع مع إمامه , فإذا أخذ يقرأ الفاتحة فقد أدرك الإمام على حالة ولم يصنع كما صنع إمامه , فخالف الأمر الذي وجب عليه امتثاله " انتهى من رسالة نقلها له صاحب "عون المعبود" (3/157) .
وأما أدلة وجوب قراءة الفاتحة في الصلاة فهي عامة تشمل المسبوق وغير المسبوق , وهذا حديث خاص يدل على سقوط الفاتحة عمن أدرك إمامه راكعاً، فيكون هذا الحديث مخصصاً لعموم تلك الأحاديث.
انظر: "مجموع الفتاوى" (23/290) .
وقد سبق في جواب السؤال (74999) أن قراءة الفاتحة تسقط عن المأموم في موضعين:
1- إذا أدرك الإمام راكعاً.
2- إذا أدركه قبيل الركوع، ولم يتمكن من إتمام قراءة الفاتحة.
انظر: "أحكام حضور المساجد" (ص141-143) للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1843)
صاحب العمل يمنعهم من صلاة الجماعة في المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن مجموعة من الأطباء نعمل في مجمع عيادات خاص منذ ستة أشهر، كنا خلالها ولله الحمد مواظبين على أداء صلاة الجماعة بالمسجد، حيث إن عملنا وسكن معظمنا بمبنى واحد يقابله مسجد قريب يسهل على المرء صلاة الجماعة فيه، علماً بأننا نتوضأ بالمجمع وننزل للصلاة قبيل الإقامة ثم نصعد إلى المجمع مسرعين بعد ختم الصلاة لنصلي السنة بالمجمع حرصاً منا على عدم إضاعة وقت العمل.
ولم تحدث ـ ولله الحمد ـ أي مشاكل خلال الأشهر الستة بسبب صلاتنا في المسجد، ولكن بدأت إدارة المجمع تحاول إرغام العاملين به على أداء الصلوات المفروضة بالمجمع، مع أنه لا يوجد فيه مكان مخصص للصلاة، بل نفترش السجاجيد في صالة الدخول في وقت الصلاة فقط، ثم تقام الصلاة بدون أذان، مع العلم بأن المسافة بين المسجد ومجمع العيادات أقل من أربعة عشر مترا.
وقد رفضنا الصلاة بالمجمع إلا بناء على فتوى شرعية من عالم على تقوى، وقد اطلعنا على فتوى للشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في هذا الخصوص، وهذه الفتوى منشورة بموقعكم برقم: 21345. وقد أطْلعنا مدير المجمع على هذه الفتوى ولكنه أصر على موقفه متعللا بأن وظائفنا تقتضي وجودنا بالمجمع طوال وقت الدوام استعداداً لاستقبال الحالات الطارئة، علماً بأنه لا يوفر هذه الوظائف على مدار 24 ساعة يومياً، ولكن يتم استدعاء الأطباء في حالة وجود حالات طارئة خارج أوقات الدوام، مما قد يؤخر الطبيب عن هذه الحالات من خمس عشر إلى عشرين دقيقة على الأقل، هذا إذا كان متواجداً في سكنه وقت استدعائه
فهل من حق صاحب العمل، أو مديره أن يلزمنا بالصلاة في المجمع وترك الصلاة مع الجماعة في المسجد؟
وإذا توقف استمرارنا بالعمل على الانقياد لأمر الإدارة، وترك الصلاة في المسجد، فهل نترك هذا العمل، مع أن بعضنا في حاجة شديدة إلى المال؟ أم إننا معذورون في ترك الجماعة في تلك الحال؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ما قمتم به من الصلاة مع جماعة المسجد هو الصواب، وهو الواجب عليكم وعلى جميع من في المجمع إلا من كان له عذر شرعي من مرض ونحوه. وقد دلت الأدلة الصحيحة على وجوب صلاة الجماعة في المساجد حيث ينادى بها، وانظر هذه الأدلة في جواب السؤال رقم (8918) ، وليس للقائم على العمل أن يلزم الموظفين بالتخلف عن جماعة المسجد، لأن ذلك إلزام بترك الواجب الشرعي، بل ينبغي أن يعينهم ويشجعهم ويرغبهم في الذهاب إلى المسجد، امتثالا لأمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، وفيه من الخير والبركة أضعاف ما قد يتصور من ضعف العمل أو نقص مدته، وفيه تذكير للمراجعين وغيرهم بأهمية الصلاة، وأنها لعظم شأنها تستحق أن توقف لأجلها الأعمال، ويتفرغ لها الموظفون، وإنها والله كذلك، وقد هَمَّ النبي صلى الله عليه وسلم بتحريق بيوت المتخلفين عن جماعة المسجد، مع احتمال أنهم يصلونها في بيوتهم جماعة أو فرادى، وألزم الأعمى بالحضور إلى المسجد، ولم يرخص له أن يصلي في بيته، فدل هذا على أنها واجبة في المسجد، وقد جاء التصريح بذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يَأْتِهِ فَلا صَلاةَ لَهُ إِلا مِنْ عُذْرٍ) رواه ابن ماجه (793) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه.
فتأمل هذا الحديث العظيم وما فيه من الوعيد الشديد لمن تخلف عن الجماعة، ولم يأت المسجد وهو يسمع النداء، وأنه لا صلاة له إلا أن يكون معذورا، فهل يرضى مسلم أن يكون في عداد من لا صلاة لهم، سواء كان المعنى عدم قبولها بالمرة أو نقصان ثوابها وأجرها؟! لا يرضى بذلك عاقل حريص على مرضاة ربه جل وعلا.
ونسأل الله تعالى أن يوفق صاحب العمل وإدارته، وأن يشرح صدورهم لامتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يوقنوا بما في امتثاله من الخير والبركة والرزق الحسن؛ فإن الله تعالى يقول: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) النحل/97، وإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله، فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته) رواه أبو نعيم في الحلية من حديث أبي أمامة، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (2085) .
ثانيا:
وأما فتاوى أهل العلم في هذه المسألة، فكثيرة مشهورة، ونحن نضع بين أيديكم شيئا منها للفائدة:
1- جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (7/298) س: رجل يعمل في شركة، حول مبنى الشركة من المساجد أكثر من الثلاثة، يخرج إلى الصلاة في المسجد دائما، زملاؤه يصلون على باب الشركة، ويريدونه أن يصلي معهم في الشركة ولا يذهب إلى المسجد، وقد أفتاه بعض إخوانه بالصلاة معهم وإلقاء المواعظ والدروس عليهم بعد الصلاة بحكم أنه أعلمهم بالسنة والصلاة بهم، مع وجود من هو أقرأ منه وأحفظ، فهل يسمع لمفتيه أم يستمر في صلاته في المسجد، غير عابئ بما قال له؟
ج: يجب على عمال الشركة أن يصلوا مع جماعة أحد المساجد القريبة من مبنى الشركة، كما يفعل زميلهم، فهو المصيب بصلاته في المسجد، وهم المخطئون في صلاتهم على باب الشركة، لما دلت عليه الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوب أداء الصلاة مع الجماعة في المسجد، ولا يجوز التأخر عنها إلا بعذر شرعي " انتهى.
2- وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: " نحن مجموعة من الموظفين نعمل في دائرة حكومية، ويوجد مسجد مجاور لنا يفصلنا عنه شارع عرضه ثلاثون مترا فقط، ونسمع النداء بوضوح جلي، ونحن نصلي في مصلى عملناه في المكتب. وقد اطلعنا على فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، بأنه لا تجوز الصلاة في إدارة حكومية بجوارها مسجد، وأنه يجب على الموظفين الصلاة في المسجد. والسؤال: هل تجوز لنا الصلاة في مكتبنا جماعة أم يجب علينا الصلاة في المسجد؟ وهل يجوز لمدير مكتبنا أن يلزمنا بالصلاة في المكتب مع عدم العذر الشرعي؟
فأجاب " الواجب عليكم وعلى المدير الصلاة في المسجد ولا يجوز منكم التخلف عنها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر) وقد سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن العذر فقال: (خوف أو مرض) . وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه سأله رجل أعمى فقال: يا رسول الله ليس لي قائد يقودني إلى المسجد فهل لي من رخصة أن أصلي في بيتي؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم. قال: فأجب) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه.
وقال ابن مسعود رضي الله عنه وهو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق أو مريض) .
فالواجب عليكم جميعا العناية بالصلاة في المسجد مع الجماعة، وعدم التشبه بأعداء الله المنافقين. وفقكم الله ويسر أمركم ". انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (12/64) .
ثالثا:
كثير من الموظفين – للأسف – يخرج إلى الصلاة في المسجد، ولكن يضيع وقتاً طويلاً من وقت العمل بتأخره بعد الصلاة، وحديثه مع إخوانه الذين التقى بهم في المسجد، بل بعضهم يذهب لقضاء بعد الحاجات بعد الصلاة ويتأخر بذلك عن العمل، وبعضهم لا يذهب إلى الصلاة أصلاً، وإنما يذهب إلى بيته أو غيره ثم يعود إلى العمل وكأنه كان في الصلاة، فإذا خشي صاحب العمل حصول ذلك، فله الحق حينئذٍ من منعهم من الصلاة في المسجد، ويلزمهم بالصلاة في مكان العمل حفاظاً على مصلحة العمل، ومنعاً من تفريط بعض الموظفين.
وأيضاً قد يحتاج العمل إلى بقاء بعض الموظفين إما لمتابعة بعض المرضى الذين يحتاجون إلى متابعة مستمرة، أو بعض الأطباء الذين يستقبلون الحالات الطارئة، فمثل هؤلاء لا حرج عليهم في ترك صلاة الجماعة في المسجد، ويصلونها جماعة في مكان العمل إن تيسر لهم ذلك، لكن لا يفعل ذلك إلا من يحتاج إليه فقط لا جميع الأطباء والموظفين، وقد سبق في جواب السؤال رقم (22185) أن من كان عمله يتطلب وجوده في المستشفى وقت صلاة الجمعة لاستقبال الحالات الطارئة فلا حرج عليه في ترك صلاة الجمعة ويصليها ظهراً في مكان العمل.
رابعاً:
إذا أصرت الإدارة على موقفها، وكان استمراركم في الذهاب إلى المسجد يعني توقفكم عن العمل، فالذي يظهر أن من احتاج إلى هذا العمل، فإنه يكون معذورا في تخلفه عن جماعة المسجد، ويسعه أن يصلي جماعة في مقر عمله، وقد ذكر الفقهاء من الأعذار المبيحة لترك الجماعة: الخوف على معيشة يحتاج إليها، كما في "كشاف القناع" (1/496) .
نسأل الله لكم التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1844)
معنى حديث (مَن صَلَّى الصُّبحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ)
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن صَلَّى الصُّبحَ فِي جَمَاعَةٍ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ ... ) ؛ وكيف أكون في ذمة الله؟ وهل صلاة الرجل مع زوجته في البيت جماعة له نفس معنى الجماعة المراد في الحديث؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
روى مسلم (657) عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن صَلَّى الصُّبحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ، فَلا يَطلُبَنَّكُمُ اللَّهُ مِن ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ فَيُدرِكَهُ فَيَكُبَّهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ) .
قال النووي في "شرح مسلم" (5/158) :" الذِّمَّة هنا: الضمان، وقيل الأمان " انتهى.
قال الطيبي رحمه الله: " وإنما خص صلاة الصبح بالذكر؛ لما فيها من الكلفة والمشقة، وأداؤها مظنة خلوص الرجل، ومنه إيمانه؛ ومن كان مؤمنا خالصا فهو في ذمة الله تعالى وعهده. " شرح مشكاة المصابيح، للطيبي (2/184) .
وفي المراد بالحديث قولان للعلماء:
الأول: أن يكون في الحديث نهي عن التعرض بالأذى لكل مسلم صلى صلاة الصبح، فإن من صلى صلاة الصبح فهو في أمان الله وضمانه، ولا يجوز لأحد أن يتعرض لِمَن أمَّنَه الله، ومن تعرض له، فقد أخفر ذمة الله وأمانه، أي أبطلها وأزالها، فيستحق عقاب الله له على إخفار ذمته، والعدوان على من في جواره. انظر: فيض القدير للمناوي (6/164) .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله "شرح رياض الصالحين" (1/591) :
" في هذا دليل على أنه يجب احترام المسلمين الذي صدَّقوا إسلامهم بصلاة الفجر؛ لأن صلاة الفجر لا يصليها إلا مؤمن، وأنه لا يجوز لأحد أن يعتدي عليهم " انتهى.
ويدل لهذا المعنى ما رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" (4/5) بسنده، وقال الألباني عنه في "صحيح الترغيب" (1/110) : صحيح لغيره:
عن الأعمش قال: كان سالم بن عبد الله بن عمر قاعدا عند الحجاج، فقال له الحجاج: قم فاضرب عنق هذا، فأخذ سالم السيف، وأخذ الرجل، وتوجه باب القصر، فنظر إليه أبوه وهو يتوجه بالرجل، فقال: أتراه فاعلا؟! فردَّه مرتين أو ثلاثا، فلما خرج به قال له سالم: صليت الغداة؟ قال: نعم. قال: فخذ أي الطريق شئت، ثم جاء فطرح السيف، فقال له الحجاج: أضربت عنقه؟ قال: لا، قال: ولِمَ ذاك؟ قال: إني سمعت أبي هذا يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن صَلَّى الغَدَاةَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ حَتَّى يُمسِيَ) !!
والقول الثاني: أن يكون المقصود من الحديث التحذير من ترك صلاة الصبح والتهاون بها، فإن في تركها نقضا للعهد الذي بين العبد وربه، وهذا العهد هو الصلاة والمحافظة عليها.
قال البيضاوي: " ويحتمل أن المراد بالذمة الصلاة المقتضية للأمان، فالمعنى: لا تتركوا صلاة الصبح ولا تتهاونوا في شأنها، فينتقض العهد الذي بينكم وبين ربكم، فيطلبكم الله به، ومن طلبه الله للمؤاخذة بما فرط في حقه أدركه، ومن أدركه كبه على وجهه في النار، وذلك لأن صلاة الصبح فيها كلفة وتثاقل، فأداؤها مظنة إخلاص المصلي، والمخلص في أمان الله " انتهى. نقلا عن "فيض القدير" (6/164)
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن فضيلة الدخول في ذمة الله تعالى وجواره، المذكورة في هذا الحديث، إنما تثبت لمن صلى الصبح في جماعة؛ ولذلك بوب عليه النووي رحمه الله ـ في تبويبه لصحيح مسلم: باب فضل صلاة العشاء والصبح في جماعة، وسبقه إلى ذلك المنذري رحمه الله، فذكر الحديث في كتابه: الترغيب والترهيب، باب: (الترغيب في صلاة الصبح والعشاء خاصة، في جماعة، والترهيب من التأخر عنهما) .
بل إن هذا هو ظاهر صنيع الإمام مسلم؛ حيث روى قبل الحديث نحوا من عشرين حديثا، وبعده بضعة عشر حديثا، كلها تتحدث عن صلاة الجماعة، وما يتعلق بها.
ولذلك أورده الحافظ عبد الحق الأشبيلي في الجمع بين الصحيحين له، في باب: صلاة الجماعة (923) .
واعتمده المباركفوري في شرح الترمذي. قال: " (من صلى الصبح) في جماعة ". انتهى.
وقال ابن علان في دليل الفالحين (3/550) : " أي: جماعة، كما في رواية أخرى ".
ويشهد لهذا التقييد ـ من حيث الرواية ـ حديث أبي بكرة رضي الله عنه: (من صلى الصبح في جماعة فهو في ذمة الله ... ) قال الهيثمي رحمه الله (2/29) : رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح، وقال المنذري في الترغيب: "ورجال إسناده رجال الصحيح "، وقال الألباني: صحيح لغيره. انظر: صحيح الترغيب، رقم (461) .
تنبيه: هذه الزيادة اعتمدها المناوي أيضا، ونسبها إلى مسلم. وهو وهم منه، فزيادة (جماعة ليست في مسلم، بل ولا في شيء من الكتب الستة.
وقيل: إن هذه الفضيلة تحصل لكل من صلى صلاة الصبح في وقتها، حتى ولو لم يدرك الجماعة، لعدم التقييد بذلك في رواية مسلم وغيره من أصحاب الكتب الستة.
وهذا هو الظاهر من تبويب ابن ماجة رحمه الله على هذا الحديث في سننه: باب: المسلمون في ذمة الله، من كتاب الفتن.
وعلى ذلك ـ أيضا ـ ابن حبان في صحيحه (5/36) : " باب ذكر إثبات ذمة الله جل وعلا للمصلي صلاة الغداة "، هكذا بإطلاق المصلي.
ثالثا:الجماعة الشرعية التي جاء الأمر بها وترتيب الأجور عليها هي جماعة المسجد، وليست أي جماعة أخرى، وقد سبق تفصيل ذلك في الأسئلة (8918) (49947) (72398)
وفي خصوص فضل صلاة الصبح في جماعة جاءت بعض الأدلة:
فقد جاء في تفسير الطبري (3/270) في تفسير قوله تعالى (وَالمُستَغفِرِينَ بِالأَسحَارِ) عن زيد بن أسلم أنه قال: هم الذين يشهدون الصبح في جماعة.
وفي تفسير قوله تعالى (تَتَجَافَى جُنُوبُهُم عَنِ المَضَاجِعِ يَدعُونَ رَبَّهُم خَوفًا وَطَمَعًا) السجدة/16 قال أبو الدرداء والضحاك: صلاة العشاء والصبح في جماعة.
انظر "زاد المسير" (6/339)
وفي صحيح مسلم (656) من حديث عثمان رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَن صَلَّى العِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصفَ الَّليلِ، وَمَن صَلَّى الصُّبحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى الَّليلَ كُلَّهُ) .
وروى البخاري (615) ومسلم (437) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وَلَو يَعلَمُونَ مَا فِي العَتمَةِ وَالصُّبحِ لَأَتَوهُمَا وَلَو حَبوًا)
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لأن أشهد صلاة الصبح في جماعة أحب إلي من أن أقوم ليلة. "الاستذكار" (2/147)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1845)
دخل شخصان المسجد وليس في الصف الأول إلا مكان لشخص واحد فقط
[السُّؤَالُ]
ـ[دخل شخصان المسجد، ولم يجدا في الصف الأول مكاناً يسعهما، بل يكفي لشخص واحد فقط، فهل الأفضل أن يقف أحدهما في الصف الأول ويقف الثاني في الصف الثاني منفردا؟ أو يقفان معاً في الصف الثاني؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" إذا دخل اثنان فوجدا الصف الأول أو الثاني ليس فيه إلا مكان رجل واحد فإنهما يصفان جميعاً , فإنه لو دخل أحدهما لبقي الآخر منفرداً , ففي هذه الحالة الأفضل أن يصلياً معاً خلف الصف , أما إذا وجدا في الصف مكان رجلين فإنهما يتقدمان إليه , ولا يبقيان خلف الصف وحدهما , لأن هذا خلاف السنة , فإن النبي صلى الله عليه وسلم حث على تكميل الصف الأول فالأول , ولكن لو قدر أنهما فعلا ذلك فإن صلاتهما صحيحة لأن واحداً لم ينفرد عن الآخر " انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (15/207) .(5/1846)
يصلون الجماعة في البيت
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تجوز صلاة الجماعة في البيت، ولا يذهب إلى المسجد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" ننصح هؤلاء بأن يتقوا الله سبحانه وتعالى، ويصلوا الجماعة مع المسلمين في المساجد، فإن الراجح من أقوال أهل العلم في هذه المسألة أن صلاة الجماعة واجبة في المساجد، وأنه لا يجوز للرجل أن يتخلف عن صلاة الجماعة في المساجد إلا إذا كان لعذر , لأن النبي صلي الله عليه وسلم يقول: (لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام , ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس , ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الجماعة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار) .
هؤلاء القوم قد يكونون يصلون , لكن الرسول عليه الصلاة والسلام أراد أن يصلوا مع الجماعة الذين نصبهم الشرع , والجماعة الذين نصبهم الشرع هم الجماعة الذين يصلون في المساجد , المساجد التي يدعى إلى الحضور إليها عند الصلاة , ولهذا قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (من سره أن يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن) .
فقال: (حيث ينادى بهن) , و (حيث) ظرف مكان , أي: فليحافظ عليها في المكان الذي ينادى لها فيه. هذا في الصلوات الخمس.
أما الجمعة فواجبة في المساجد قطعاً.
وأما النافلة فيقول النبي صلي الله عليه وسلم: (أفضل صلاة في بيته إلا المكتوبة) .
وعلى هذا فالأفضل للإنسان أن يصلي صلاة التطوع في بيته ماعدا التطوع الذي شرع في المساجد كصلاة الكسوف مثلاً على القول بأنها غير واجبة , والله الموفق " انتهى.
فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (15/19) .
وقال الشيخ ابن عثيمين أيضاً:
" لا يجوز لأحد , أو لجماعة أن يصلوا في البيت والمسجد قريب منهم , أما إذا كان المسجد بعيداً ولا يسمعون النداء فلا حرج عليهم أن يصلوا جماعة في البيت , وتهاون بعض الناس في هذه المسألة مبني على قولٍ لبعض العلماء رحمهم الله من أن المقصود في صلاة الجماعة أن يجتمع الناس على الصلاة ولو في غير المسجد , فإذا صلى الناس جماعة ولو في بيوتهم فإنهم قد قاموا بالواجب.
ولكن الصحيح أنه لا بد أن تكون الجماعة في المساجد، لقول النبي صلي الله عليه وسلم: (لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام. . . ثم ذكر الحديث السابق) " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (15/20) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1847)
ولدٌ يجادلُ والدتَه في أمورِ طعامِهِ وصلاتِهِ
[السُّؤَالُ]
ـ[أخي سمين جدًا، ويأكل كثيرًا، وكلما نَصَحَتْه والدتي في التقليل من الأكل، وتهدده بأنها سوف لن ترضى عنه إذا لم يسمع كلامها، فيقول: إن الأكل ليس محرمًا، وليس للوالدة أن تمنعه من أمر حلال؟
وأيضًا، هو لا يصلي في المسجد، وكلما قالت له الوالدة: لماذا لا تذهب؟ يقول: إن صلاة الجماعة سنة مؤكدة كما قال الإمام أبو حنيفة.
وأيضًا يؤخر الصلاة بعد الأذان بفترة طويلة، وكلما قلنا له: لماذا لا تصلي في الوقت؟
فيقول: أنا لم أتجاوز الوقت المحدد، فالصلاة لها أوقاتٌ معروفةٌ ليست مقترنةً بالأذان والإقامة. فكيف نجيب عليه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إنّ مِن أعظمِ ما امتنّ الله سبحانه وتعالى به على عبادِهِ أنْ سخَّر لهم ما في الأرضِ جميعا منه، وأنزل عليهم النعم، وأباح لهم الطيباتِ من المأكلِ والمشربِ والملبس وغيرها.
ولكنه سبحانه وتعالى أيضًا ذم كلَّ من يسرفُ في استعمالِ هذه المباحات، أو يترخصُ فيها ترخصًا يؤذيه، أو يشغله عن ما هو أنفعُ له في دينِه ودنياه.
قال سبحانه وتعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأعراف/31.
ثانياً:
من أخطرِ المهلكاتِ لابنِ آدمَ شهوةُ البطن، والبطنُ ينبوع الشهواتِ ومَنِبتُ الأدواء والآفات.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَا مَلأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنِهِ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلاتٍ يُقِمْنِ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لاْ مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعامِهِ، وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ، وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ) رواه الترمذي (2380) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
أي: يكفي ابن آدم من الطعام ما يقيم صلبه فقط , ولا يزيد على ذلك , فإن أبى وأصَرَّ على الزيادة , فيأكل ما يملأ ثلث بطنه , ويكون ثلث آخر للشراب , ويبقى الثلث للتنفس , ولا يزيد على هذا القدر.
انظر: "تحفة الأحوذي".
وقد كان العقلاءُ في الجاهليةِ والإسلامِ يتمدحونَ بقلةِ الأكل.
قال حاتمُ الطائيُّ:
فإنَّكَ إِنْ أَعْطَيْتَ بَطْنَكَ سُؤْلَهُ وَفَرْجَكَ نالا مُنْتَهى الذَّمِّ أَجْمَعَا
"فتح الباري" (9/669) .
وإذا أكثر الإنسان من الطعام حتى ضره ذلك، كان هذا حراما.
سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: هل كثرةُ الأكلِ حرام؟
فأجابوا:
" نعم، يَحرُمُ على المسلمِ أن يُكثرَ من الأكلِ على وجهٍ يضرُّه؛ لأنّ ذلك من الإسراف، والإسرافُ حرام، لقول الله سبحانه وتعالى: (يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِين) الأعراف/31 " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (22/329) .
وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم الترهيب من الإكثار من الشبع , وأن ذلك سبب للتألم بالجوع يوم القيامة، فعن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: تَجَشَّأَ رَجُلٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: (كُفَّ عَنَّا جُشَاءَكَ، فَإِنَّ أَكْثَرَهُمْ شِبَعًا فِي الدُّنْيَا، أَطْوَلُهُمْ جُوعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ) . رواه الترمذي (2015) . وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
والْجُشَاء هُوَ صَوْتٌ مَعَ رِيحٍ يَخْرُجُ مِنْ الإنسان عِنْدَ الشِّبَعِ.
وَرَوَاهُ اِبْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ وَالْبَيْهَقِيُّ , عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ وَزَادُوا: فَمَا أَكَلَ أَبُو جُحَيْفَةَ مِلْءَ بَطْنِهِ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا , كَانَ إِذَا تَغَدَّى لا يَتَعَشَّى وَإِذَا تَعَشَّى لا يَتَغَدَّى , وَفِي رِوَايَةٍ لابْنِ أَبِي الدُّنْيَا: قَالَ أَبُو جُحَيْفَةَ: فَمَا مَلأَتْ بَطْنِي مُنْذُ ثَلاثِينَ سَنَةً.
انظر: "تحفة الأحوذي".
وسبيلُ ترك الأكلِ الكثير إنما هو بالتدريج، فمن اعتادَ الأكلَ الكثيرَ وانتقلَ دفعةً واحدةً إلى القليل ضعفَ وعظُمت مشقته، فينبغي أن يتدرجَ إليه قليلًا قليلًا، وذلك بأن ينقص قليلا قليلا من طعامِه المعتاد، حتى يصلَ إلى الحدّ المعتدلِ من الطعام.
ثالثاً:
إن كانت صلاةُ الجماعة سنةً مؤكدة، أو كانت الصلاة في أول الوقت فضيلة، فذلك يعني أن نَعَضَّ عليها بالنواجذ ونحرصَ عليها، لا أن نُهمِلَها ونتهاونَ بأدائِها، ولْنحمدِ اللهَ تعالى أن شرعَ لنا سُننَ الهدى ومناسكَ العبادةِ والخير، ولْنأخذِ العبرةَ من حالِ سلفنا من الجيل الأول.
يقول ابن مسعود رضي الله عنه: (من سرّه أن يلقَى اللهَ غدًا مسلمًا فليحافِظ على هؤلاء الصلواتِ حيثُ ينادَى بهن، فإنّ اللهَ شرعَ لنبيكم سننَ الهُدى، وإنّهنَّ مِن سننِ الهُدى، ولو أنّكم صلّيتُم في بيوتِكم كما يُصَلّي هذا المتخلِّفُ في بيتِهِ لتركتُم سنةَ نبيِّكم، ولو تركتم سنةَ نبيِّكم لضلَلَتم، وما مِن رجلٍ يتطهرُ فيُحسِنُ الطهور، ثم يَعمِد إلى مسجدٍ مِن هذه المساجد، إلا كتبَ اللهُ له بكلِّ خطوةٍ يخطوها حسنة، ويرفعُه بها درجة، ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتُنا وما يتخلَّف عنها إلا منافقٌ معلومُ النفاق، ولقد كان الرجلُ يؤتى به يهادَى بين الرجلين حتى يقام في الصف) رواه مسلم (654) .
وهذا على فرضِ كونِ صلاةِ الجماعة سنةً مؤكدةً , وقد سبق بيان وجوبها بالأدلة الدالة على ذلك , في أجوبة كثير من الأسئلة , وانظر السؤال رقم: (120) (8918) (10292) (21498) (40113) .
نسألُ اللهَ تعالى أن يوفقَنا وإياك لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1848)
كان يُصَلِّي نافلةً، فصلّى خلفَه آخرون، فقلبَ نِيَّتَه إلى فريضةٍ
[السُّؤَالُ]
ـ[صلى أحد زملائي تحية المسجد بعد أن انتهت الصلاة المفروضة، وهو لم يصلها لكي ينتظر زملاءه أن يفرغوا من الوضوء ويصلوا جماعةً، وأتى أشخاصٌ آخرون صلوا وراءه ظنًّا منهم أنه يصلي المفروضة، فنوى أن يصلي المفروضة وهو في الركعة الأولى.
فهل صلاته صحيحةٌ؟ وصلاة الأشخاص الآخرين؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يصح تغيير النية من نفل إلى فرض؛ لأن الواجب في صلاة الفريضة أن تكون النية مقارنة لتكبيرة الإحرام , أو قبلها بزمن يسير.
قال النوويُّ رحمه الله "المجموع" (4/183-184) :
" قال الماوَرْدِيُّ: نقلُ الصلاةِ إلى صلاةٍ أقسامٌ:
أحدُها: نقلُ فرضٍ إلى فرض: فلا يحصلُ واحدٌ منهما.
الثاني: نقلُ نفلٍ راتبٍ إلى نفلٍ راتبٍ: كَوِتْرٍ إلى سنةِ الفجر، فلا يحصلُ واحدٌ منهما.
الثالث: نقلُ نفلٍ إلى فرضٍ: فلا يحصل واحدٌ منهما. . . إلخ " انتهى.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن رجلٍ دخل في صلاة ثم تذكر أنه لم يصلِّ العشاء , فقلب النية إلى صلاة العشاء، فهل يصح ذلك؟
فأجاب:
" لا يصح. . لأن العبادة المعينة لابد أن ينويها من أولها قبل أن يدخل فيها , لأنه لو نوى من أثنائها لزم أن يكون الجزء السابق على النية الجديدة خاليان من نية الصلاة التي انتقل إليها وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات , وإنما لكل امرئ ما نوى) . . . وعلى السائل أن يعيد صلاة العشاء " انتهى باختصار.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (12/443) .
وانظر جواب السؤال رقم (39689) .
ثانياً:
وأما حكم صلاة المأمومين , فهي صحيحة إن شاء الله تعالى , لأن صلاة الإمام وإن كانت لا تصح فريضة , إلا أنها تكون نافلة , لأنه قلب نيته جهلاً، وظناً منه أن ذلك جائز , فيكون شبيهاً ممن دخل في الفريضة قبل وقتها وهو يظن دخول الوقت؟ فإنها تكون نفلاً , وقد سبق في جواب السؤال (21764) أن صلاة المفترض خلف المتنقل صحيحة.
وعلى فرض أن صلاة الإمام تبطل بذلك , فلا يلزم من بطلان صلاة الإمام بطلان صلاة المأمومين.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل تبطل صلاة المأموم ببطلان صلاة الإمام؟
فأجاب: " لا تبطل صلاة المأموم ببطلان صلاة الإمام، لأن صلاة المأموم صحيحه، والأصل بقاء الصحة، ولا يمكن أن تبطل إلا بدليل صحيح، فالإمام بطلت صلاته بمقتضى الدليل الصحيح، ولكن المأموم دخل بأمر الله فلا يمكن أن تفسد صلاته إلا بأمر الله، والقاعدة: (أن من دخل في عبادة حسب ما أُمر به، فإننا لا نبطلها إلا بدليل) .
ويستثنى من ذلك ما يقوم به مقام المأموم مثل السترة، فالسترة للإمام ستره لمن خلفه، فإذا مرت امرأة بين الإمام وسترته بطلت صلاة الإمام وبطلت صلاة المأموم، لأن هذه السترة مشتركة، ولهذا لا نأمر المأموم أن يتخذ سترة، بل لو اتخذ سترة لعد متنطعاً مبتدعاً " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (12/450) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1849)
ما الحكمة من الصلاة الجهرية والسرية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك حكمة معينة في صلاة الظهر والعصر سرّاً وباقي الفروض جهراً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الجهر فيما جهر به النبي صلى الله عليه وسلم، والإسرار فيما أسرَّ به من الصلوات هو من سنن الصلاة وليس من واجباتها، والأفضل للمصلي عدم مجاوزة سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم وهديَه.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" الجهر بالقراءة في الصلاة الجهرية ليس على سبيل الوجوب بل هو على سبيل الأفضلية، فلو أن الإنسان قرأ سراً فيما يشرع فيه الجهر لم تكن صلاته باطلة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا صلاة لمن لم يقرأ بأمِّ القرآن) ولم يقيِّد هذه القراءة بكونها جهراً أو سرّاً، فإذا قرأ الإنسان ما يجب قراءته سرّاً أو جهراً: فقد أتى بالواجب، لكن الأفضل الجهر فيما يسن فيه الجهر مما هو معروف كصلاة الفجر والجمعة.
ولو تعمد الإنسان وهو إمام ألا يجهر فصلاته صحيحة لكنها ناقصة.
أما المنفرد إذا صلى الصلاة الجهرية: فإنه يخيَّر بين الجهر والإسرار، وينظر ما هو أنشط له وأقرب إلى الخشوع فيقوم به " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (13/73) .
ثانياً:
الأصل في المسلم التزام شرع الله تعالى دون تعليق فعله على معرفة العلة أو الحكمة، ولا مانع من تلمس الحكمة والسعي في طلبها بعد تنفيذه للأمر والتزامه بالهدي.
انظر السؤال (20785) ، (26862) .
ثالثاً:
سئل علماء اللجنة الدائمة:
لماذا نصلي الظهر والعصر سرّاً والمغرب والعشاء جهراً؟
فأجابوا:
" نفعل ذلك اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم، فنسرُّ فيما أسرَّ فيه، ونجهر فيما جهر فيه؛ لقول الله عز وجل: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) الأحزاب/21. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي) رواه البخاري في صحيحه.
"فتاوى اللجنة الدائمة " (6/394، 395) .
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز:
لماذا شرع الجهر بالتلاوة في صلاة المغرب والعشاء والفجر دون بقية الفرائض، وما الدليل على ذلك؟
فأجاب:
" الله سبحانه أعلم بحكمة شرعية الجهر في هذه المواضع، والأقرب - والله أعلم -: أن الحكمة في ذلك: أن الناس في الليل وفي صلاة الفجر أقرب إلى الاستفادة من الجهر وأقل شواغل من حالهم في صلاة الظهر والعصر " انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (11/122) .
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
ما الحكمة من الجهر بالقراءة في صلاة الجمعة؟
فأجاب:
" الحكمة في الجهر بقراءتها: أولاً: من الحِكَم - والله أعلم -: تحقيق الوحدة والاجتماع على إمام واحد، فإن اجتماع الناس على إمام واحد منصتين له أبلغ في الاتحاد من كون كل واحد منهم يقرأ سرًّا بينه وبين نفسه، ولتتميم هذه الحكمة وجب اجتماع الناس كلهم في مكان واحد إلا لضرورة.
والحكمة الثانية: أن تكون قراءة الإمام في الصلاة جهراً بمنزلة تكميل للخطبتين، ومن ثَمَّ كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الجمعة بما يناسب إما بـ " الجمعة والمنافقين "؛ لما في الأولى من ذكر الجمعة والحث عليها، وفي الثانية ذكر النفاق وذم أهله، وإما بـ " سبِّح " و " الغاشية "؛ لما في الأولى من ذكر ابتداء الخلق وصفة المخلوقات وذكر ابتداء الشرائع، وأما في الثانية ذكر القيامة والجزاء.
والحكمة الثالثة: الفرق بين الظهر والجمعة.
والحكمة الرابعة: لتشبه صلاة العيد؛ لأن الجمعة عيد الأسبوع " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (16/112) .
وانظر جواب السؤال: (65877) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1850)
هل يأخذ أجر الصف الأول ولو لم يكن في المسجد إلا صف واحد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الأفضل أن أذهب إلى مسجد به عدد كبير من المصلين حتى إن كان بعيداً؟ وهل آخذ ثواب "الصف الأول" إذا كان المسجد الذي أصلي فيه به صف واحد فقط؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
قد دلت الأدلة على أن أجر صلاة الجماعة يزداد بكثرة عدد المصلين، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (38194) .
وخطواتك إلى المسجد – مهما بعُد – مكتوب لك أجرها عند الله، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (وَكُلُّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا إِلَى الصَّلاةِ صَدَقَةٌ) رواه البخاري (2989) ومسلم (1009) .
وروى مسلم (665) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ: خَلَتْ الْبِقَاعُ حَوْلَ الْمَسْجِدِ فَأَرَادَ بَنُو سَلِمَةَ أَنْ يَنْتَقِلُوا إِلَى قُرْبِ الْمَسْجِدِ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُمْ: (إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَنْتَقِلُوا قُرْبَ الْمَسْجِدِ) قَالُوا نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَرَدْنَا ذَلِكَ. فَقَالَ: (يَا بَنِي سَلِمَةَ دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ) .
قال النووي رحمه الله: " معناه الزموا دياركم فإنكم إذا لزمتموها كتبت آثارُكم وخطاكم الكثيرة إلى المسجد. وبنو سلِمة، قبيلة معروفة من الأنصار رضي الله عنهم " انتهى من "شرح مسلم" (5/169) .
وينبغي أن يُعلم أن المفاضلة بين الصلاة في مسجد ومسجد، تدخل فيها أمور أخرى غير كثرة العدد وكثرة الخطى، كالتزام الإمام والمأمومين بالسنة، وحرصهم على إقامة الصلاة كما أمر الله تعالى، من الخشوع والطمأنينة وتسوية الصفوف وغير ذلك مما يتمم الصلاة ويكملها. وقد يكون في بعض المساجد حلقات للتعليم أو تحفيظ كتاب الله تعالى، فينبغي أن يكون للإنسان حظ من ذلك، وألا يفرط فيه ولو كان المسجد أقل عددا.
والفقه أن يوازن الإنسان بين مراتب الأعمال، وأن يعرف الفاضل من المفضول، وأن يجتهد في تحصيل الأجر والثواب ما أمكنه.
ثانيا:
جاء في فضل الصف الأول أحاديث، منها ما رواه البخاري (615) ومسلم (437) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاسْتَهَمُوا) .
ومعنى (استهموا) : أي اقترعوا، ويدل عليه رواية مسلم (439) : (لَوْ تَعْلَمُونَ أَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ لَكَانَتْ قُرْعَةً) .
وروى أبو داود (664) والنسائي (811) عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَلَّلُ الصُّفُوفَ مِنْ نَاحِيَةٍ إِلَى نَاحِيَةٍ، يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا وَصُدُورَنَا، وَيَقُولُ: (لا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ) وَكَانَ يَقُولُ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الصُّفُوفِ الْمُتَقَدِّمَةِ) . صححه الألباني في صحيح النسائي.
ورواه ابن ماجه (997) بلفظ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الصَّفِّ الأَوَّلِ) .
والصف الأول: المراد به ما يلي الإمام مطلقا، سواء تخلله شيء كمقصورة أو لا. وقيل: هو أول صف تام يلي الإمام، وقيل: المراد به من سبق إلى الصلاة ولو صلى آخر الصفوف.
قال النووي رحمه الله: " القول الأول هو الصحيح المختار، وبه صرح المحققون، والقولان الآخران غلط صريح " انتهى نقلا عن "فتح الباري" (2/244) .
ولا فرق بين أن يكون في المسجد صف واحد أو صفوف، فما يلي الإمام هو الصف الأول، الموعود أهله بذلك الفضل، إن شاء الله، لعموم الأحاديث.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1851)
حكم حجز المكان في الصف الأول والابتعاد عنه فترة طويلة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الاعتكاف في المسجد النبوي في الصف الأول وحجز المكان عند الذهاب للنوم في مؤخرة المسجد ثم العودة للمكان في الصف الأول؟ وهل يجوز النوم في الصف الأول حين لا يكون وقت صلاة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز لمن كان بالمسجد أن يضع سجادة ونحوها مكانه، وينام في آخر المسجد، ثم يعود إلى مكانه، ولو كان ذلك في الصف الأول، ما لم تُقَم الصلاة، فإن أقيمت الصلاة ولم يحضر فلا حق له في المكان، وترفع سجادته.
وكذلك لو خرج من المسجد لعذر، كذهابه للوضوء، ثم عاد فهو أحق بمكانه. وإذا انتهى عذره ثم تهاون في الرجوع وتأخر، فلا حق له.
ودليل هذه المسألة ما رواه مسلم (2179) عن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ) .
قال ابن قدامة في "المغني" (2/101) :
" إٍذا جلس في مكان , ثم بدت له حاجة , أو احتاج إلى الوضوء , فله الخروج. . . . فإذا قام من مجلسه , ثم رجع إليه فهو أحق به , لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ) " انتهى باختصار.
وقال في "مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى " (1/786) :
" والعائد قريبا من قيامه لعارضٍ لَحِقَه كتطهرٍ أحق بمكانه الذي كان سبق إليه من كل أحد. فلو جلس فيه أحد , فله إقامته. . . وقيده في "الوجيز" بما إذا عاد ولم يتشاغل بغيره " انتهى باختصار.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع (5/135) : وهو يقرر تحريم حجز المكان في المسجد والخروج منه ـ قال:
" والصحيح في هذه المسألة أن الحجز والخروج من المسجد لا يجوز، وأن للإنسان أن يرفع المصلَّى المفروش؛ لأن القاعدة: (ما كان وضعه بغير حق فرفعه حق) ، لكن لو خيفت المفسدة برفعه من عداوة أو بغضاء، أو ما أشبه ذلك، فلا يُرفع، لأن درأ المفاسد أولى من جلب المصالح، وإذا علم الله من نيتك أنه لولا هذا المصلى المفروش لكنت في مكانه، فإن الله قد يثيبك ثواب المتقدمين؛ لأنك إنما تركت هذا المكان المتقدم من أجل العذر.
وقوله: "ما لم تحضر الصلاة" أي: فإن حضرت الصلاة بإقامتها فلنا رفعه؛ لأنه في هذه الحال لا حرمة له، ولأننا لو أبقيناه لكان في الصف فرجة، وهذا خلاف السنة.
ويستثنى من القول الراجح من تحريم وضع المصلَّى؛ ما إذا كان الإنسان في المسجد، فله أن يضع مصلَّى بالصف الأول، أو أي شيء يدل على الحجز، ثم يذهب في أطراف المسجد لينام، أو لأجل أن يقرأ قرآناً، أو يراجع كتاباً، فهنا له الحق؛ لأنه ما زال في المسجد، لكن إذا اتصلت الصفوف لزمه الرجوع إلى مكانه؛ لئلا يتخطى رقاب الناس.
وكذلك يستثنى أيضاً ما ذكره المؤلف:
بقوله: "ومن قام من موضعه لعارِضٍ لَحِقَه، ثم عاد إليه قريباً فهو أحق به"، فإذا حجز الإنسان المكان، وخرج من المسجد لعارض لحقه، ثم عاد إليه فهو أحق به، والعارض الذي يلحقه مثل أن يحتاج للوضوء، أو أصيب بأي شيء اضطره إلى الخروج، فإنه يخرج، وإذا عاد فهو أحق به.
ولكن المؤلف اشترط فقال: "ثم عاد إليه قريباً" فظاهر كلام المؤلف أنه لو تأخر طويلاً فليس أحق به، فلغيره أن يجلس فيه.
وقال بعض العلماء: بل هو أحق، ولو عاد بعد مدة طويلة إذا كان العذر باقياً، وهذا القول أصح؛ لأن استمرار العذر كابتدائه، فإنه إذا جاز أن يخرج من المسجد، ويُبقي المصلَّى إذا حصل له عذر، فكذلك إذا استمر به العذر، لكن من المعلوم أنه لو أقيمت الصلاة، ولم يزل غائباً فإنه يرفع.
قال في "الروض": (ولم يقيده الأكثر بالعود قريباً) أي: أكثر أصحاب الإمام أحمد لم يقيدوه بالعود قريباً، كما هو ظاهر الحديث.
ولكن الذي ذكرناه قول وسط، وهو: أنه إذا عاد بعد مدة طويلة بناء على استمرار العذر فهو أحق به، أما إن انتهى العذر، ولكنه تهاون وتأخر، فلا يكون أحق به ". انتهى باختصار
انتهى من "الشرح الممتع" (5/135) .
ولا حرج على المعتكف وغيره لو نام في الصف الأول، فيما بين الصلوات، ما لم يكن في ذلك أذى أو تضييق على غيره، فالأولى حينئذ أن يتنحى عن الصفوف الأولى.
والأحسن أن يتجنب النوم في الصفوف الأولى مرعاةً للناس، فإنهم يستهجنون هذا الفعل، ويستقبحونه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1852)
المصاب بالسلس هل يصلي مع الجماعة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل من أهلي مصاب بمرض السلس، فهل تجب عليه الصلوات جماعةً مع الإمام أم يصلي منفردا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المصاب بسلس البول له حالان:
الأولى: أن يكون الخارج مستمرا، بحيث لا ينقطع وقتا يتسع لوضوئه وصلاته، فهذا يلزمه أن يتطهر ويتحفظ بشيء يمنع انتشار البول، ويتوضأ بعد دخول وقت الصلاة، ثم يصلي مع الجماعة كسائر الناس، إلا إذا خاف تلويث المسجد فإنه لا يحل له دخوله، ويصلي في بيته جماعةً إن تيسر له، أو منفرداً.
قال ابن قدامة في "المغني" (1/201) :
" فأما المستحاضة , ومن به سلس البول , فلهم اللبث في المسجد والعبور إذا أمنوا تلويث المسجد ; لما روي عن عائشة أن امرأة من أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتكفت معه وهي مستحاضة , فكانت ترى الحمرة والصفرة , وربما وضعت الطست تحتها وهي تصلي. رواه البخاري. . . . فإن خاف تلويث المسجد فليس له العبور ; فإن المسجد يصان عن هذا , كما يصان عن البول فيه. ولو خشيت الحائض تلويث المسجد بالعبور فيه , لم يكن لها ذلك " انتهى باختصار.
وقال النووي في "المجموع" (2/177) :
" يحرم إدخال النجاسة إلى المسجد. فأما من على بدنه نجاسة أو به جرح فإن خاف تلويث المسجد حرم عليه دخوله , وإن أمن لم يحرم , ودليل هذه المسائل حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَلا الْقَذَرِ، إنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ) أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم " انتهى.
الثانية: أن يكون الخارج ينقطع عنه زمنا يتسع لوضوئه وصلاته، كمن علم أنه بعد قضاء حاجته بنحو ساعة – مثلاً - يتوقف عنه خروج البول، فهذا يلزمه أن يؤخر الصلاة إلى وقت انقطاع البول، ولو أدى ذلك إلى تركه الصلاة مع الجماعة. وينبغي حينئذ أن يصلي مع أهله إن تيسر له ذلك ليدرك فضل الجماعة.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة: رجل مصاب بسلس في البول، يطهر بعد التبول لفترة. لو انتظر انتهاء السلس لانتهت الجماعة ماذا يكون الحكم؟
فأجابوا: " إذا عرف أن السلس ينتهي فلا يجوز له أن يصلي وهو معه طلباً لفضل الجماعة، وإنما عليه أن ينتظر حتى ينتهي ويستنجي بعده ويتوضأ ويصلي صلاته ولو فاتته الجماعة.
وعليه أن يبادر بالاستنجاء والوضوء بعد دخول الوقت، رجاء أن يتمكن من صلاة الجماعة " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (5/408) .
وانظر السؤال (50075) ، (39494) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1853)
السُّنَّة أن يكون الإمامُ مقابلَ وسط الصف
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف تتراص الصفوف خلف الإمام من الوسط أو من اليمين؟ الصف الأول والصفوف الأخرى.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
السنة أن يقف الإمام مقابل وسط الصف، فيبدأ الصف من وراء الإمام مباشرة، ثم يتم الصف يميناً ويساراً، ولا بأس أن يكون اليمين أكثر من اليسار قليلاً.
روى أبو داود (681) عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَسِّطُوا الإِمَامَ، وَسُدُّوا الْخَلَلَ) .
قال المناوي في فيض القدير:
" أي: اجعلوه وسط الصف لينال كل أحد عن يمينه وشماله حظه من نحو سماع وقرب" انتهى.
غير أن هذا الحديث ضعيف، ضعفه الألباني في ضعيف أبي داود.
وقد وردت أحاديث أخرى صحيحة ظاهرها يدل على ما دل عليه هذا الحديث الضعيف من أن الإمام يقف مقابل وسط الصف.
روى البخاري (424) ومسلم (33) عَنْ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ فِي مَنْزِلِهِ فَقَالَ: أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ لَكَ مِنْ بَيْتِكَ؟ قَالَ: فَأَشَرْتُ لَهُ إِلَى مَكَانٍ، فَكَبَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفَفْنَا خَلْفَهُ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ.
وروى البخاري (380) ومسلم (658) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ لَهُ، فَأَكَلَ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: قُومُوا فَلأُصَلِّ لَكُمْ. قَالَ أَنَسٌ: فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفَفْتُ وَالْيَتِيمَ وَرَاءَهُ، وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا، فَصَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ.
وروى مسلم (3014) عن جابر أنه قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم فقُمْتُ عَنْ يَسَارِه، فَأَخَذَ بِيَدِي فَأَدَارَنِي حَتَّى أَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ، ثُمَّ جَاءَ جَبَّارُ بْنُ صَخْرٍ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ جَاءَ فَقَامَ عَنْ يَسَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدَيْنَا جَمِيعًا فَدَفَعَنَا حَتَّى أَقَامَنَا خَلْفَهُ.
فظاهر قوله: (وَصَفَفْنَا خَلْفَهُ) وقوله: (وَصَفَفْتُ وَالْيَتِيمَ وَرَاءَهُ) وقوله: (حَتَّى أَقَامَنَا خَلْفَهُ) أنهم كانوا خلف النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة، أي كان النبي صلى الله عليه وسلم مقابل وسط الصف.
قال الشوكاني في السيل الجرار (1/261) :
" والاثنان فصاعداً خلفه في سَمْته.
وأما اعتبار أن يكونا في سَمْته فهو معنى كونهما خلفه، وأنهما لو وقفا في جانبٍ خارجٍ عن سَمْته لم يكونا خلفه " انتهى.
وقال ابن قدامة في المغني" (2/27) :
" وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ الإِمَامُ فِي مُقَابَلَةِ وَسَطِ الصَّفِّ ; لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: (وَسِّطُوا الإِمَامَ , وَسُدُّوا الْخَلَلَ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد " انتهى.
وقال النووي في "المجموع" (4/192) :
" وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ عَلَى اسْتِحْبَابِ الصَّفِّ الأَوَّلِ وَالْحَثِّ عَلَيْهِ ; وَجَاءَتْ فِيهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي الصَّحِيحِ , وَعَلَى اسْتِحْبَابِ يَمِينِ الإِمَامِ، وَسَدِّ الْفُرَجِ فِي الصُّفُوفِ، وَإِتْمَامِ الصَّفِّ الأَوَّلِ ثُمَّ الَّذِي يَلِيه ثُمَّ الَّذِي يَلِيه إلَى آخِرِهَا , وَلا يشْرَعُ فِي صَفٍّ حَتَّى يَتِمَّ مَا قَبْلَهُ , وَعَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الاعْتِدَالُ فِي الصُّفُوفِ. فَإِذَا وَقَفُوا فِي الصَّفِّ لا يَتَقَدَّمُ بَعْضُهُمْ بِصَدْرِهِ أَوْ غَيْرِهِ وَلا يَتَأَخَّرُ عَنْ الْبَاقِينَ , وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُوَسِّطُوا الإِمَامَ ويكتنفوه مِنْ جَانِبَيْهِ " انتهى.
وجاء في " الموسوعة الفقهية" (27/37) :
" وَمِنْ أَدَبِ الصَّفِّ أَنْ تُسَدَّ الْفُرَجُ وَالْخَلَلُ , وَأَنْ لا يشْرَعَ فِي صَفٍّ حَتَّى يَتِمَّ الأَوَّلُ , وَأَنْ يُفْسَحَ لِمَنْ يُرِيدُ دُخُولَ الصَّفِّ إذَا كَانَتْ هُنَاكَ سِعَةٌ , وَيَقِفُ الإِمَامُ وَسَطَ الصَّفِّ وَالْمُصَلُّونَ خَلْفَهُ " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثمين في "الشرح الممتع" (3/10) :
" ومِن تسوية الصُّفوف: تفضيل يمين الصفِّ على شماله، يعني: أنَّ أيمن الصَّفِّ أفضل مِن أيسره، ولكن ليس على سبيل الإِطلاق؛ كما في الصَّفِّ الأول؛ لأنه لو كان على سبيل الإِطلاق، كما في الصف الأول؛ لقال الرَّسولُ عليه الصَّلاةُ والسَّلام: (أتمُّوا الأيمن فالأيمن) كما قال: (أتمُّوا الصَّفَّ الأول، ثم الذي يليه) . وإذا كان ليس مِن المشروع أن تبدأ بالجانب الأيمن حتى يكمُلَ، فإننا ننظرُ في أصول الشَّريعة، كيف يكون هذا بالنسبةِ لليسار؟ نجد أن هذا بالنسبة لليسار إذا تحاذى اليمينُ واليسار وتساويا أو تقاربا فالأفضل اليمين، كما لو كان اليسار خمسة واليمين خمسة؛ وجاء الحادي عشر؛ نقول: اذهبْ إلى اليمين؛ لأنَّ اليمين أفضلُ مع التَّساوي، أو التقارب أيضاً؛ بحيث لا يظهر التفاوتُ بين يمين الصَّفِّ ويسارِه، أما مع التَّباعد فلا شكَّ أنَّ اليسار القريبَ أفضل من اليمين البعيد. ويدلُّ لذلك: أنَّ المشروع في أول الأمر للجماعة إذا كانوا ثلاثة أن يقف الإِمام بينهما، أي: بين الاثنين. وهذا يدلُّ على أن اليمينَ ليس أفضلَ مطلقاً؛ لأنه لو كان أفضلَ مطلقاً؛ لكان الأفضل أن يكون المأمومان عن يمينِ الإِمامِ، ولكن كان المشروعُ أن يكون واحداً عن اليمين وواحداً عن اليسار حتى يتوسَّط الإِمام، ولا يحصُل حَيْفٌ وجَنَفٌ في أحد الطرفين " انتهى.
وسئل الشيخ ابن باز: هل يبدأ الصف من اليمين أو من خلف الإمام؟ وهل يشرع التوازن بين اليمين واليسار، بحيث يقال: اعدلوا الصف، كما يفعله كثير من الأئمة؟
فأجاب:
" الصف يبدأ من الوسط مما يلي الإمام، ويمين كل صف أفضل من يساره، والواجب ألا يبدأ في صف حتى يكمل الذي قبله، ولا بأس أن يكون الناس في يمين الصف أكثر ولا حاجة إلى التعديل، بل الأمر بذلك خلاف السنة، ولكن لا يصف في الثاني حتى يكمل الأول، ولا في الثالث حتى يكمل الثاني، وهكذا بقية الصفوف، لأنه قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمر بذلك " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (12/205) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1854)
يترك صلاة الجماعة بسبب العمل
[السُّؤَالُ]
ـ[والدي أحياناً لا يذهب إلى صلاة الفجر والتراويح بسبب الضغط الشديد في عمله، فهل هذا يجوز أم لا؟ مع العلم أن والدي - في العادة - في رمضان لا يترك صلاة التراويح إلا إذا كان مريضاً، وهو متدين أيضاً - والحمد لله - ولكن الآن من ضغط عمله فلا يذهب أحياناً إلى الصلاة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الصلاة في الجماعة واجبة في جميع الأوقات لقول الله تعالى: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ) النساء/102. فأوجب سبحانه تعالى الصلاة في الجماعة في حال الحرب، فكيف بحال السلم؟
وروى البخاري (608) ومسلم (1040) أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لقد هممت أن آمر بحطب فيحتطب ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها ثم آمر رجلاً فيؤمَّ ثم أخالف إلى رجال لا يشهدون الصلاة فأُحرق عليهم بيوتهم) ، وفي صحيح مسلم (1044) (أن رجلاً أعمى جاء إلى النبي فقال: يا رسول الله ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله أن يرخص له في بيته، فرخَّص له فلما ولَّى دعاه فقال: هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم. قال: فأجب) ، فينبغي للمسلم أن يحافظ على الصلاة في الجماعة في جميع الأوقات وأن لا يشغله عنها شاغل من شواغل الدنيا.
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) المنافقون/9، فعليك أن تنصحي والدك وتذكريه بهذه الأدلة الصحيحة بالحكمة والموعظة الحسنة.
وهذا الحكم هو لصلاة الجماعة في الصلوات الخمس، أما التراويح فأمرها أيسر من ذلك، فيجوز للمسلم أن يصليها في بيته، وإن كان الأفضل أن يصليها جماعة في المسجد.
ولا يجوز للمسلم أن يرهق نفسه في أعمال الدنيا على حساب عبادته وصلاته، وقد وصف الله تعالى المؤمنين أنهم لا تلهيهم تجارتهم ولا بيعهم عن ذِكر الله وإقام الصلاة فقال تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآَصَالِ. رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ. لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) النور/36–38.
وفي ختم الآيات بقوله تعالى (وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) إشارة إلى أمر ينبغي التفطن له لمن بذل وقته في التجارة والعمل على حساب طاعته لربه، وهو أن الرزق بيد الله يرزقه من يشاء بغير حساب، وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فقال: (أيها الناس، اتقوا الله وأجملوا في الطلب، فإن نفسا لن تموت حتى تستوفي رزقها، وإن أبطأ عنها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب خذوا ما حل ودعوا ما حرم) رواه ابن ماجه (2144) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وصححه الشيخ الألباني في " صحيح الترغيب " (1698) .
فلا مانع من بذل الأسباب في الرزق لكن ينبغي على المسلم أن لا يبالغ في العمل فيبذل له وقته كله على حساب طاعته وصحته وتربية أبنائه، وعليه أن يسدد ويقارب.
فنرجو أن يقف والدك على ما قلناه ويتأمله حق التأمل، ونسأل الله تعالى أن يهديه لأحسن الأقوال والأفعال والأخلاق، وأن يرزقه رزقا حسناً طيبا مباركاً فيه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1855)
صلاة التراويح قبل العشاء
[السُّؤَالُ]
ـ[صليت صلاة القيام في المسجد وبعدها نوى لصلاة الوتر ثلاث ركعات دون الشفع، وأنا كنت أتيت متأخرة ففاتني صلاة العشاء.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صلاة القيام والوتر لا تصلَّيان إلا بعد صلاة العشاء، فكان ينبغي أن تصلِّي العشاء أولاً ثم تصلي القيام والوتر بعد ذلك.
قال النووي في "المجموع" (3/526) :
" يدخل وقت التراويح بالفراغ من صلاة العشاء، ذكره البغوي وغيره، ويبقى إلى طلوع الفجر " انتهى.
وقال في "الإنصاف" (4/166) :
" وأول وقتها – يعني التراويح – بعد صلاة العشاء وسنتها على الصحيح من المذهب، وعليه الجمهور، وعليه العمل " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين:
" وقتها – يعني التراويح – من بعد صلاة العشاء، إلى طلوع الفجر " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (14/210) .
وعلى هذا، فماذا يفعل من أتى المسجد متأخراً وقد انصرف الإمام من صلاة العشاء وشرع في صلاة التراويح؟
الصحيح أنه يدخل مع الإمام بنية العشاء، ويقوم ليتم صلاته (أربع ركعات) بعد سلام الإمام، ثم يدخل معه فيما بقي من صلاة التراويح.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" لا بأس أن يصلي العشاء خلف من يصلي التراويح، وقد نص الإمام أحمد رحمه الله على أن الرجل إذا دخل المسجد في رمضان وهم يصلون التراويح فإنه يصلي خلف الإمام بنية العشاء، فإذا سلم الإمام من الصلاة أتى بما بقي عليه من صلاة العشاء " انتهى بتصرف من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (12/443، 445) .
وانظر جواب السؤال رقم (37829) ففيه المزيد حول صلاة التراويح قبل العشاء.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1856)
يشق عليه القيام للصلوات نظراً لظروف عمله وثقَل نومه
[السُّؤَالُ]
ـ[مواعيد عملي تحتم عليَّ أن أعمل طوال الليل وأن أنام بالنهار ويصعب عليَّ أن أقوم بالصلوات الأربعة الأخرى، نظراً للتعب في العمل فإني لا أستطيع القيام أثناء النوم والقيام بالصلاة ثم أنام مرة أخرى ولسبب آخر وهو أن " نومي ثقيل " وعندما أنام لا يستطيع أحد أن يوقظني من النوم، حتى لو أني نويت القيام للصلاة أثناء النوم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
كان بعض الصحابة رضي الله عنهم يعملون الأعمال الشاقة كالزراعة والرعي وجمع الحطب ونحو ذلك ولم يكونوا من المفرطين في صلاتهم، بل كانوا محافظين عليها ليس في وقتها وحسب بل وفي جماعة، وحافظوا على العبادة وطلب العلم، ولم تأت الرخصة لهم في ترك الصلاة من أجل العمل.
ولذلك فالواجب على أهل الأعمال وغيرهم أداء الصلوات في أوقاتها. وقد أثنى الله تعالى على المؤمنين بأنهم لا تشغلهم أعمالهم عن طاعة الله تعالى، فقال: (رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) النور/37-38.
ثانياً:
والنائم معذور وقت نومه، فإذا استيقظ وجب عليه أداء الصلاة بعد استيقاظه.
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: (مَن نسي صلاة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها) رواه البخاري (572) ومسلم (684) .
قال الشوكاني رحمه الله:
" الحديث يدل على أن النائم ليس بمكلف حال نومه وهو إجماع ...
وظاهر الحديث أنه لا تفريط في النوم سواء كان قبل دخول وقت الصلاة أو بعده قبل تضيقه وقيل: إنه إذا تعمد النوم قبل تضيق الوقت واتخذ ذلك ذريعة إلى ترك الصلاة لغلبة ظنه أنه لا يستيقظ إلا وقد خرج الوقت كان آثما , والظاهر أنه لا إثم عليه بالنظر إلى النوم ; لأنه فعله في وقت يباح فعله فيه فيشمله الحديث , وأما إذا نظر إلى التسبب به للترك فلا إشكال في العصيان بذلك " انتهى.
" نيل الأوطار " (2 / 33، 34) .
ثالثاً:
والواجب على النائم قبل نومه أن يحرص على الاستيقاظ في وقت الصلاة، وأن يأخذ بالأسباب التي تعينه على أداء الصلاة في وقتها، فإن فعل ولم يستيقظ فهو معذور لأنه أدى الذي عليه و (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) ، وقد حصل هذا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره.
فعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: سرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فقال بعض القوم: لو عَرَّست بنا يا رسول الله (أي: نزلت بنا آخر الليل حتى نستريح) ، قال: أخاف أن تناموا عن الصلاة، قال بلال: أنا أوقظكم، فاضطجعوا وأسند بلال ظهره إلى راحلته فغلبته عيناه فنام، فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم وقد طلع حاجب الشمس، فقال: يا بلال أين ما قلت؟ قال: ما ألقيت علي نومة مثلها قط، قال: إن الله قبض أرواحكم حين شاء وردها عليكم حين شاء، يا بلال قم فأذن بالناس بالصلاة، فتوضأ فلما ارتفعت الشمس وابياضت قام فصلى. رواه البخاري (570) ومسلم (681) وعنده: (احفظوا علينا صلاتنا) .
فالنبي صلى الله عليه وسلم قد أخذ بأسباب الاستيقاظ بجعله بلالاً لينبههم لصلاتهم، إلا أنه غلبته عيناه، فنام ونام القوم معه حتى طلعت الشمس ولم يكونوا مفرطين، ولذلك قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه ليس في القوم تفريط) .
وأما من سهر في عمل أو غيره ولم يأخذ بأسباب الاستيقاظ فصلَّى بعد الوقت: فيعتبر تاركاً للصلاة متعمداً، وهو غير معذور بنومه.
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
عمن يسهر ولا يستطيع أن يصلي الفجر إلا بعد خروج الوقت فهل تقبل منه؟ وحكم بقية الصلوات التي يصليها في الوقت؟
فأجاب:
" أما صلاة الفجر التي يؤخرها عن وقتها وهو قادر على أن يصليها في الوقت لأن بإمكانه أن ينام مبكراً فإن صلاته هذه لا تقبل منه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) رواه مسلم، والذي يؤخر الصلاة عن وقتها عمداً بلا عذر: قد عمل عملاً ليس عليه أمر الله ورسوله فيكون مردوداً عليه.
لكن قد يقول: إنني أنام، وقد قال النبي صلي الله عليه وسلم: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك) .
فنقول: إذا كان بإمكانه أن ينام مبكراً ليستيقظ مبكراً، أو يجعل عنده ساعة تنبهه، أو يوصي من ينبهه: فإن تأخيره الصلاة، وعدم قيامه يعتبر تعمداً لتأخير الصلاة عن وقتها، فلا تقبل منه " انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (12 / السؤال رقم 14) .
رابعاً:
وقد يكون الرجل ثقيل النوم، فهذا على حالين:
الحال الأولى: أن يكون ثقل نومه بسبب سهره في العمل أو في طلب العلم أو قيام الليل: فمثل هذا لا يجوز له أن يتسبب في تضييع الصلاة عن وقتها من أجل ما سبق، ويجب عليه أن يبحث عن عمل آخر لا يسبب له تضييع الصلوات، ما لا يجوز له الاشتغال بالنوافل أو حتى طلب العلم – وهو واجب في أصله – على حساب تضييع الصلوات، وترك الصلاة هنا يعتبر تعمداً؛ لأنه يستطيع تغيير العمل، ويستطيع ترك السهر.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
" الواجب على الإخوة الذين يخرجون إلى الرحلات أن يشكروا الله تعالى على هذه النعمة حيث جعلهم في رخاء ويسر من العيش، وفي أمن وأمان من الخوف، ويقوموا بما أوجب الله عليهم من الصلاة في أوقاتها، سواء صلاة الفجر أم غيرها، ولا يحل لهم أن يؤخروا صلاة الفجر عن وقتها بحجة أنهم نائمون، لأن هذا النوم لا يعذرون فيه غالباً لكونهم يستطيعون أن يكون لهم منبهات تنبههم للصلاة في وقتها، ويستطيعون أن يناموا مبكرين حتى يقوموا نشيطين " انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (12 / السؤال رقم 14) .
وأما الحال الثانية: أن يكون ثقل النوم طبعاً في الرجل، وليس له تعلق بسهر أو عمل، وقد عرف هذا عن بعض الأقوام والأشخاص، فإن كان كذلك: فهو معذور إن كان قد أخذ بالأسباب ولم يستيقظ.
فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ونحن عنده فقالت: يا رسول الله إن زوجي صفوان بن المعطل لا يصلي صلاة الفجر حتى تطلع الشمس، قال: وصفوان عنده، قال: فسأله عما قالت، فقال: يا رسول الله إنا أهل بيت قد عرف لنا ذاك لا نكاد نستيقظ حتى تطلع الشمس قال: (فإذا استيقظت فصلِّ) .
رواه أبو داود (2459) وصححه الشيخ الألباني في " إرواء الغليل " (7 / 65) .
والخلاصة:
أن الذي يظهر من حالك أن ثقل نومك له تعلق بالسهر، والسهر كان بسبب العمل وعليه: فلا يجوز لك البقاء في عملك هذا؛ لأنه يؤدي بك إلى ترك أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، فابحث عن عمل غيره يعوضك الله خيراً منه. وسترى التغير الطيب في دينك وجسمك ونفسيتك، أما الدين: فإن أداء الصلوات في أوقاتها من أعظم الواجبات، وتركه من أعظم المحرمات، وأما جسمك: فإن علماء الطب قد ذكروا مضار كثيرة لمن يعمل بالليل، وأن نوم النهار لا يعطي الجسم الراحة التي تحصل له من نوم الليل، وكل ما سبق يؤثر على نفسيتك تأثيراً سلبيّاً.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1857)
الصلاة خلف الصف منفرداً
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا دخل المصلي إلى المسجد، فوجد الجماعة يصلون، وليس له مكان في الصف، فهل يصلي وحده خلفهم، أو يجذب معه أحد المصلين من الصف الذي أمامه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سبق أن بينا في السؤال رقم (41025) أنه لا تصح صلاة المنفرد خلف الصف، كما هو المشهور من مذهب الإمام أحمد، واختيار غير واحد من المحققين.
وقد سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى عن هذه المسألة، فأجاب عنها جوابا مفصلا، قال فيه:
(: الكلام على هذه المسألة في مقامين:
المقام الأول: هل تصح صلاة المنفرد خلف الصف أو لا؟
والمقام الثاني: إذا قلنا لا تصح، فوجد الصف تاما، فماذا يصنع؟
فأما المقام الأول: فقد اختلف العلماء – رحمهم الله – فيه:
فقال بعضهم: تصح صلاة المنفرد خلف الصف، لعذر ولغير عذر , لكن صرح بعضهم بكراهة ذلك لغير عذر , وهذا هو مذهب الأئمة الثلاثة: مالك والشافعي وأبي حنيفة.
واستدلوا بصحة صلاة المرأة خلف الصف؛ حيث قالوا: إن الرجال والنساء سواء في الأحكام الشرعية.
وبأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر أبا بكرة حين ركع قبل أن يدخل الصف أن يعيد الصلاة [حديث أبي بكرة: رواه البخاري 783] .
وبأن النبي صلى الله عليه وسلم أدار ابن عباس من ورائه في أثناء الصلاة [رواه البخاري 117 ومسلم 763] ؛ فإذا جاز أن يكون الانفراد في جزء من الصلاة، جاز أن يكون في جميعها؛ إذ لو كان مبطلاً للصلاة لم يكن بين قليله وكثيره فرق، كالوقوف قدام الإمام.
وأجابوا عن الأحاديث النافية لصلاة المنفرد خلف الصف بأن المراد بها نفي الكمال؛ فهي كقوله صلي الله عليه وسلم: (لا صلاة بحضرة طعام) [مسلم 560] ونحوه.
وقال بعض العلماء: إن صلاة المنفرد خلف الصف لا تصح، وهذا مذهب الإمام أحمد المشهور عند أصحابه، وهو من مفرداته. وعنه رواية ثانية تصح وفاقاً للأئمة الثلاثة.
واستدل أصحاب هذا القول بالأثر والنظر:
أما الأثر: فما رواه الإمام أحمد (15862) عن علي بن شيبان – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي خلف الصف، فلما انصرف قال له النبي صلي الله عليه وسلم: (استقبل صلاتك, فإنه لا صلاة لمنفرد خلف الصف) ، وهو حديث حسن، له شواهد تقتضي صحته.
وأما النظر: فإن الجماعة هي الاجتماع , ويكون بالمكان والأفعال؛ فالأفعال اجتماع المأمومين على متابعة إمامهم , والمكان اجتماعهم في صفوفهم؛ وإذا قلنا بجواز انفراد بعضهم عن بعض، فمتى تكون الهيئة الاجتماعية ...
وأجاب هؤلاء عن أدلة المجيزين بأن جواز انفراد المرأة خلف الصفوف من الرجال، قد دلت السنة على أنه من خصائصها؛ كما في حديث أنس قال: (فقمت أنا اليتيم وراءه – يعني وراء النبي صلى الله عليه وسلم - والعجوز من ورائنا) [رواه البخاري 234 ومسلم 658] , ولأنها ليست أهلاً لأن تكون إلى جانب الرجال.
وأما حديث أبي بكرة فإنه لم ينفرد إلا جزءاً يسيراً وقد قال له النبي صلي الله عليه وسلم: (لا تعد) .
وأما حديث ابن عباس فإنه لم يقف خلف الصف، بل كان ماراً غير مستقر.
وأما قولهم: إن المراد بنفي الصلاة نفي الكمال , فدعوى مردودة؛ لأن الأصل في النفي نفي الوجود , فإن لم يمكن فنفي الصحة , فإن لم يمكن فنفي الكمال؛ وحديث: (لا صلاة لمنفرد) يمكن أن يعود النفي فيه إلى نفي الصحة , فيجب أن يحمل عليه.
وأما تنظيرهم بحديث: (لا صلاة بحضرة طعام) فلا يصح لوجهين:
أحدهما: أن العلة في هذا هو انشغال القلب بحضور الطعام , وانشغال القلب لا يوجب بطلان الصلاة، كما في حديث الوسوسة أن الشيطان يأتي إلى المصلي: اذكر كذا، اذكر كذا، لما لم يكن يذكر؛ فيظل لا يدري كم صلى [رواه البخاري 608 ومسلم 389] .
الوجه الثاني: أن حديث: (لا صلاة لمنفرد خلف الصف) قد صرح أن المراد به نفي الصحة؛ حيث أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يستقبل صلاته، وعلل ذلك بأنه لا صلاة لمنفرد خلف الصف.
وفي حديث وابصة أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي خلف الصف وحده، فأمره أن يعيد صلاته [رواه أبو داود 682 والترمذي 230] .
وبهذا تبين أن القول الراجح وجوب المصافة , وأن من صلى وحده خلف الصف فصلاته باطلة , وعليه أن يعيدها لتركه واجب المصافة.
ولكن هذا الواجب كغيره من الواجبات؛ يسقط بفوات محله , أو بالعجز عنه عجزاً شرعياً , أو عجزا حسياً لقوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم) التغابن/16.
وقول النبي صلي الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) [رواه البخاري 7288 ومسلم 1337] ، فيجب أن يكون في الصف حيث وجد مكاناً فيه , فإن لم يجد مكاناً سقط عنه هذا الواجب , وكذلك إن لم يكن له مكان شرعاً فإنه يسقط عنه الواجب.
مثال الأول: إذا وجد الصف تاماً، فله أن يصلي وحده؛ لأنه لا واجب مع العجز.
ومثال الثاني: إذا كانت امرأة مع رجال فإنها تصلي وحدها خلف الصف، كما ثبتت به السنة. وهذا الذي جاءت به السنة يمكن أن يكون أصلاً يقاس عليه صلاة الرجل وحده خلف الصف إذا لم يجد مكاناً فيه؛ لأن التعذر الحسي كالتعذر الشرعي.
ويوضح ذلك: أن الرجل إذا جاء ووجد الصف تاماً فإما أن يتقدم ويقف بجنب الإمام , أو يجذب واحداً من الصف ليقف معه , أو يصلي وحده منفرداً عن الجماعة، أو يصلي مع الجماعة خلف الصف.
فأما تقدمه إلى جنب الإمام ففيه:
1- مخالفة السنة بإفراد الإمام وحده ليتميز عن المأمومين بتقدمه عليهم مكاناً وأفعالاً. ولا يرد على هذا وقوف النبي صلي الله عليه وسلم إلى جانب أبي بكر [رواه مسلم 413] ؛ لأن الذي جاء ووقف هو الإمام، وقف إلى جانب نائبه.وأيضاً فإن أبا بكر لا يمكنه الرجوع إلى الصف. وأيضاً فإن من مصلحة الجماعة أن يكون إلى جنب النبي ليبلغهم تكبيره..
2- وفي تقدم المأموم الذي وجد الصف تاماً إلى جنب الإمام، إيذاء للجماعة الذين سيتخطاهم ليصل إلى الإمام.
3- وفيه تفويت للمصافة لمن جاء بعده؛ فإنه لو قام وحده وجاء آخر صار صفاً.
وأما جذبه واحداً من المأمومين ليقف معه ففيه ثلاثة محاذير:
أحدها: فتح فرجة في الصف , والنبي صلى الله عليه وسلم قد أمر بالمراصة ونهى أن ندع فرجات للشيطان [أحمد 5691 وأبو داود 666، وصححه الألباني في الصحيحة] .
الثاني: أنه ظلم للمجذوب بنقله من المكان الفاضل إلى المكان المفضول.
الثالث: أنه يشوش عليه صلاته , وربما ينازعه ويشاتمه إذا فرغ منها.
ولا يرد على هذا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لمن رآه يصلي وحده خلف الصف:
(ألا دخلت معهم أو اجتررت أحداً) فإنه حديث ضعيف لا تقوم به حجة [رواه الطبراني في الأوسط 8/374 وقال الهيثمي: ضعيف جدا) .
وأما تركه الجماعة وصلاته منفرداً، فهو ترك لواجب الجماعة مع القدرة عليه، فيكون وقوعاً في المعصية.
وأما صلاته مع الجماعة خلف الصف فهو قيام بالواجب عليه بقدر المستطاع؛ فإن المصلي مع الجماعة يلزمه أمران:
أحدهما: الصلاة في الجماعة.
والثاني: القيام في الصف معهم , فإذا تعذر أحدهما وجب الآخر.
فإن قيل: إن قوله صلي الله عليه وسلم (لا صلاة لمنفرد خلف الصف) عام ليس فيه تفصيل بين تمام , وعدم تمامه.
فالجواب: أن هذا دال على بطلان الصلاة للمنفرد لتركه واجب المصافة ,فإذا لم يقدر عليه سقط عنه , والنبي صلي الله عليه وسلم لا يمكن أن يبطل صلاته لتركه ما لا قدرة له عليه.
ونظير هذا الحديث قوله صلي الله عليه وسلم: (لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن) [رواه البخاري 756 ومسلم 394] , وقوله صلي الله عليه وسلم: (لا صلاة لمن لا وضوء له) [رواه الإمام أحمد 9137 وأبو داود 101 وابن ماجة 399] إن صح هذا , فإن من لم يقدر على الفاتحة أو على الوضوء صلى بدونهما وأجزأته صلاته، لكنه يقرأ من القرآن بقدر الفاتحة , أو يذكر الله إن لم يقدر على شيء من القرآن، ويتيمم إن عجز عن الوضوء.
وخلاصة الجواب: أن المصافة واجبة , وأن من جاء وقد كمل الصف فإنه يصلي مع الجماعة خلف الصف , ولا يتقدم إلى الإمام ليصلي إلى جنبه , ولا بجذب أحداً من الصف ليقف معه , ولا يترك صلاة الجماعة.
وجواز صلاته الجماعة منفرداً عن الصف للعذر هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيميه , وشيخنا عبد الرحمن سعدي، وبعض قول من يرى الجواز مطلقا ً.
والحمد لله رب العالمين.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1858)
يصلي في المسجد مع الجماعة ولكنه يكون منفرداً خلف الصف دائماً
[السُّؤَالُ]
ـ[شخص يصلي مع الجماعة في المسجد، ولكنة يصلى بمفرده بالرغم من أنه توجد أماكن فارغة في الصفوف يستطيع أن يصلى فيها، فما حكم هذه الصلاة، علما بأنة دائما يفعل ذلك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صلاة الجماعة من الشعائر الظاهرة العظيمة في ديننا، وقد سبق بيان أن القول بوجوبها هو الراجح الذي تقتضيه الأدلة [راجع السؤال رقم 120] .
وأما صلاة المنفرد خلف الصف، إذا كان في الصف مكان يسعه، فقد اختف أهل العلم في صحتها. قال الإمام الترمذي رحمه الله: (كَرِهَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ، وَقَالُوا يُعِيدُ إِذَا صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ، وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ وَإِسْحَقُ)
ثم حكاه أيضا عن حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَوَكِيعٌ.
قال: (وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: يُجْزِئُهُ إِذَا صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيِّ) .
والراجح في ذلك ما ذهب إليه الإمام أحمد وغيره من أهل العلم، من أنه لا يجوز للمنفرد أن يصلي خلف الصف، إذا أمكنه الدخول فيه، وأنه إذا فعل ذلك بطلت صلاته، ووجب عليه الإعادة.
وقد دل على ذلك ما رواه أبو داود (682) والترمذي (230) وغيرهما، أَنَّ رَجُلا صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعِيدَ الصَّلاةَ. [صححه الألباني في الإرواء] .
قال المباركفوري رحمه الله: فِيهِ دَلالَةٌ عَلَى أَنَّ الصَّلاةَ خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ لا تَصِحُّ، وَأَنَّ مَنْ صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الصَّلاةَ. انتهى.
ودل على ذلك أيضا ما رواه أحمد (15862) وابن ماجة (1003) أن علي بن شيبان خَرَجَ وَافِدًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَصَلَّيْنَا خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَحَ بِمُؤْخِرِ عَيْنَيْهِ إِلَى رَجُلٍ لا يُقِيمُ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، إِنَّهُ لا صَلاةَ لِمَنْ لا يُقِيمُ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ)
قَالَ: وَرَأَى رَجُلا يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ، فَوَقَفَ حَتَّى انْصَرَفَ الرَّجُلُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم:َ
(اسْتَقْبِلْ صَلاتَكَ؛ فَلا صَلاةَ لِرَجُلٍ فَرْدٍ خَلْفَ الصَّفِّ) . صححه الألباني في صحيح ابن ماجة.
قال السندي رحمه الله في حاشيته على ابن ماجة: ظَاهِر الْحَدِيث بُطْلان صَلاة مَنْ يَفْعَل كَذَلِكَ.
وقال الصنعاني رحمه الله:
فيه دلالة على بطلان صلاة من صلى خلف الصف وحده، فإن النفي ظاهر في نفي الصحة.
وقد قال ببطلانها النخعي وأحمد، وكان الشافعي يضعف هذا الحديث ويقول: لو ثبت هذا الحديث لقلت به. قال البيهقي: الاختيار أن يُتَوَقَّى ذلك لثبوت الخبر المذكور. انتهى.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى ما حكم الصلاة خلف الصف منفرداً؟
فقال رحمه الله: (الصلاة خلف الصف المنفرد لا تجوز ولا تصح على القول الراجح، وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله، وإن كان عنه رواية أخرى أنها تصح، وهو [أي: القول بصحة صلاة المنفرد خلف الصف] مذهب الأئمة الثلاثة: مالك وأبي حنيفة والشافعي.
ولكن الراجح أنها لا تصح خلف الصف منفردا، إلا إذا تعذر الوقوف في الصف؛ بحيث يكون الصف تاماً , فإنه يصلي خلف الصف منفرداً تبعاً للإمام؛ لأنه معذور , ولا واجب مع العجز كما قاله أهل العلم – رحمهم الله.) [فتاوى الشيخ 15/193] .
ولكي تعلم خطوة ما يفعله هذا الذي تسأل عنه، ينبغي أن تعلم أن بعض أهل العلم قد ذهب إلى بطلان صلاة المنفرد خلف الصف مطلقا؛ يعني ولو لم يجد له مكانا في الصف. جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: (إذا دخل رجل المسجد، وقد أقيمت الصلاة وامتلأ الصف، اجتهد أن يدخل في الصف، فإن لم يتيسر ذلك فإنه يدخل مع الإمام ويكون عن يمينه، فإن لم يتمكن انتظر حتى يحضر من يصطف معه، فإن لم يتيسر أحد صلى وحده بعد انتهاء صلاة الجماعة.)
وورد نفس التفصيل السابق في جواب آخر للجنة، وفيه أنه لا يكفي في ذلك مصافة الصبيان إذا كانوا غير مميزين. قالت: ( ... وأما مصافة الصبيان، فإن كانوا مميزين فمصافتهم صحيحة ... ، وإن كانوا غير مميزين، فحكمه حكم المنفرد خلف الصف، وصلاة المنفرد خلف الصف غير صحيحة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا صلاة لمنفرد خلف الصف ")
[انطر: فتاوى اللجنة 8/6-7] .
ولا شك أن الصورة التي سألت عنها تتنافى كل التنافي مع حكمة الشرع من صلاة الجماعة، ويأباها من كان له أدنى نظر في حكم الشرع ومقاصده. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، بعد ما ذكر الحديثين اللذين استُدِلَّ بهما على عدم صحة صلاة المنفرد خلف الصف:
(.. وَقَدْ صَحَّحَ الْحَدِيثَيْنِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ، وَأَسَانِيدُهُمَا مِمَّا تَقُومُ بِهِمَا الْحُجَّةُ ; بَلْ الْمُخَالِفُونَ لَهُمَا يَعْتَمِدُونَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَسَائِلِ عَلَى مَا هُوَ أَضْعَفُ إسْنَادًا مِنْهُمَا، وَلَيْسَ فِيهِمَا مَا يُخَالِفُ الأُصُولَ، بَلْ مَا فِيهِمَا هُوَ مُقْتَضَى النُّصُوصِ الْمَشْهُورَةِ وَالأُصُولِ الْمُقَرَّرَةِ؛ فَإِنَّ صَلاةَ الْجَمَاعَةِ سُمِّيَتْ جَمَاعَةً لاجْتِمَاعِ الْمُصَلِّينَ فِي الْفِعْلِ مَكَانًا وَزَمَانًا، فَإِذَا أَخَلُّوا بِالاجْتِمَاعِ الْمَكَانِيِّ أَوْ الزَّمَانِيِّ، مِثْلَ أَنْ يَتَقَدَّمُوا أَوْ بَعْضُهُمْ عَلَى الإِمَامِ أَوْ يَتَخَلَّفُوا عَنْهُ تَخَلُّفًا كَثِيرًا لِغَيْرِ عُذْرٍ، كَانَ ذَلِكَ مَنْهِيًّا عَنْهُ بِاتِّفَاقِ الأَئِمَّةِ؛ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانُوا مُفْتَرِقِينَ غَيْرَ مُنْتَظِمِينَ، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ هَذَا خَلْفَ هَذَا وَهَذَا خَلْفَ هَذَا، كَانَ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ الأُمُورِ الْمُنْكَرَةِ، بَلْ قَدْ أُمِرُوا بِالاصْطِفَافِ، بَلْ أَمَرَهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِتَقْوِيمِ الصُّفُوفِ وَتَعْدِيلِهَا وَتَرَاصِّ الصُّفُوفِ وَسَدِّ الْخَلَلِ وَسَدِّ الأَوَّلَ فَالأَوَّلَ؛ كُلُّ ذَلِكَ مُبَالَغَةً فِي تَحْقِيقِ اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى أَحْسَنِ وَجْهٍ بِحَسَبِ الإِمْكَانِ.
وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الاصْطِفَافُ وَاجِبًا لَجَازَ أَنْ يَقِفَ وَاحِدٌ خَلْفَ وَاحِدٍ وَهَلُمَّ جَرَّا؛ وَهَذَا مِمَّا يَعْلَمُ كُلُّ أَحَدٍ عِلْمًا عَامًّا أَنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ صَلاةَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ كَانَ هَذَا مِمَّا يَجُوزُ لَفَعَلَهُ الْمُسْلِمُونَ وَلَوْ مَرَّةً، بَلْ وَكَذَلِكَ إذَا جَعَلُوا الصَّفَّ غَيْرَ مُنْتَظِمٍ: مِثْلَ أَنْ يَتَقَدَّمَ هَذَا عَلَى هَذَا، وَيَتَأَخَّرَ هَذَا عَنْ هَذَا، لَكَانَ ذَلِكَ شَيْئًا قَدْ عُلِمَ نَهْيُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْهُ، وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ.
بَلْ إذَا صَلَّوْا قُدَّامَ الإِمَامِ كَانَ أَحْسَنَ مِنْ مِثْلِ هَذَا. فَإِذَا كَانَ الْجُمْهُورُ لا يُصَحِّحُونَ الصَّلاةَ قُدَّامَ الإِمَامِ إمَّا مُطْلَقًا وَإِمَّا لِغَيْرِ عُذْرٍ فَكَيْفَ تَصِحُّ الصَّلاةُ بِدُونِ الاصْطِفَافِ.
فَقِيَاسُ الأُصُولِ يَقْتَضِي وُجُوبَ الاصْطِفَافِ، وَأَنَّ صَلاةَ الْمُنْفَرِدِ لا تَصِحُّ كَمَا جَاءَ بِهِ هَذَانِ الْحَدِيثَانِ، وَمَنْ خَالَفَ ذَلِكَ مِنْ الْعُلَمَاءِ فَلا رَيْبَ أَنَّهُ لَمْ تَبْلُغْهُ هَذِهِ السُّنَّةُ مِنْ وَجْهٍ يَثِقُ بِهِ، بَلْ قَدْ يَكُونُ لَمْ يَسْمَعْهَا، وَقَدْ يَكُونُ ظَنَّ أَنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ، كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ..) [مجموع فتاوى شيخ الإسلام 23/393-395] .
فاجتهد أيها الأخ الكريم في نصح أخيك الذي يفعل ذلك، وأعلمه بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ونهيه عن مثل ذلك، لكن بشرط أن يكون نصحك له بالرفق واللين، وتخير الحال التي يُرْجَى فيها قبول نصحك له، والله يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1859)
والده يمنعه من صلاة الفجر في المسجد فهل يطيعه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا عمري 16 سنة والمسجد قريب جدّاً من بيتنا، ولكن أبي لا يسمح لي أن أصلي الفجر فيه، ويسمح بباقي الصلوات قائلاً إنه يخاف عليَّ أن يحدث لي شيء، لأن بيننا وبين المسجد تقاطعاً، أي: شارعين متداخلين، مع أني كلمته كثيراً وحاولت إقناعه بالآيات والأحاديث، ولكن لا فائدة، فهل أذهب للصلاة من دون علمه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
في البداية - أخي السائل - نود أن نحيي فيك هذه الهمة الطيبة والحرص على الفرائض وصلاة الجماعة، ونسأل الله لك الثبات على الدين والاستقامة، وألا تكون مثل هذه التصرفات من والدك مثبطة لك عن الاستقامة وعمل الخير والهداية، وقبل الجواب على سؤالك فينبغي أن تتذكر أمراً هاماً جداً، وهو:
أن بر الوالدين وطاعتهما فريضة قد وصى الله بها في مواضع كثيرة من كتابه العزيز ومن ذلك قوله تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) النساء/36، وقوله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا. وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) الإسراء/23، 24.
واعلم أن طاعة الوالدين ملزمة لك إلا أن يأمرا بمعصية الله تعالى، فحينها لا طاعة لهما؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف) رواه البخاري (6830) ومسلم (1840) .
أما عن صلاة الجماعة فهي واجبة، لا يجوز للأب أن يمنع ولده المكلف منها، بل الواجب على الآباء أن يأمروا أبناءهم بها ويرغبوهم فيها ويحثوهم عليها، وإذا أحس الوالد من ولده تقصيراً في هذا الواجب فعليه أن يستشعر المسئولية التي حُمِّلَها، والرعية التي سوف يُسأل عنها أمام الله تعالى يوم الحساب، فيأمر وينهى ويذكر رعيته بما يجب عليهم تجاه ربهم من الواجبات وخطر التهاون فيها.
فإن قصر الوالد في حق أولاده بأن تركهم دون أمر ونهي وترغيب في الخير وترهيب من الشر، فهذا لا يعفيهم من الإثم إن قصروا في الواجبات أو فعلوا المحرمات.
فإن تعدى الأمر عند الوالد بأن ينهى أبناءه عن الواجب الذي أمرهم الله به فعندئذ لا طاعة له في معصية الله أو في ترك ما أوجب الله، فإذا أمر الأب ولده بترك صلاة الجماعة كل أوقاتها أو بعضها فقد أمر بمعصية، فحينئذ لا طاعة له، مع صحبته بالمعروف والإحسان إليه.
أما عن سؤالك هل تخرج سرّاً لصلاة الفجر: فهذا طيب بالنسبة لك، لكنه يسيء إلى والدك من حيث لا تشعر، فوالدك متلبس بمعصية ما دام يمنعك من صلاة الجماعة، حتى لو خرجت سرّاً فالإثم لا يرتفع عنه، لأنه ما يزال آمراً بالمنكر، ناهياً عن المعروف، حتى لو خرجت للصلاة دون علمه، فعليك أن تحاول إقناعه أولاً بالحكم الشرعي ولو عن طريق غيرك إن كان لا يسمع منك أو يعتبرك صغيراً، فإن لم يستجب، فلا حرج عليك أن تخرج بلا إذن منه وبغير علمه، مع أخذ الحيطة والحذر في طريقك للمسجد.
ثانياً:
ونقول لوالدك – هداه الله – إن الله تعالى حمَّلك مسئولية عظيمة، وهي تعليم ونصح أهلك من زوجة وأولاد، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: (كلكم راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته) .
وقد أمرك الله تعالى أن تقي نفسك وأهلك ناره عز وجل فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) التحريم/6، وقول تعالى – ناصّاً على الأمر بالصلاة -: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) طه/132.
قال ابن القيم رحمه الله:
" فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه، وتركه سدى: فقد أساء غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبَل الآباء، وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسنُنه، فأضاعوهم صغاراً، فلم ينتفعوا بأنفسهم، ولم ينفعوا آباءهم كباراً " انتهى.
" تحفة الودود " (ص 229) .
ونحن نسألك سؤالاً مهمّاً: أين أنت عن صلاة الفجر؟! أليس من الواجب عليك أداؤها جماعة؟! أليس من الواجب عليك أن تكون قدوة لأهلك وأولادك فتصلي في بيت الله تعالى جماعة؟! إنك إن فعلت هذا أدَّيت ما أوجبه الله عليك، وأعنتَ ولدك على صلاته في المسجد، واطمأننتَ عليه إن كنتَ خائفاً من ذهابه وحده.
واعلم أيها الوالد الكريم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبرنا أن من صلى الفجر فهو في ذمة الله تعالى، فكيف تخاف على من كان في ذمته عز وجل؟!
فعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ صَلَّى صَلاةَ الصُّبْحِ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ، فَلا يَطْلُبَنَّكُمْ اللَّهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ، فَإِنَّهُ مَنْ يَطْلُبْهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ يُدْرِكْهُ ثُمَّ يَكُبَّهُ عَلَى وَجْهِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ) رواه مسلم (657) .
والذمة هنا الضمان، وقيل: الأمان، كما قال النووي رحمه الله.
نسأل الله تعالى أن يوفقك لأداء الأمانة، وأن تكون قدوة صالحة لأهلك، وأن تعين ولدك على أداء الصلوات في بيت الله عز وجل.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1860)
هل تصح إمامة المصاب بسلس البول؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يصح لصاحب السلس أن يصلي إماما؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز أن يصلي صاحب السلس إماما بمصاب مثله، أما صلاته بصحيح فاختلف العلماء في جواز إمامته.
فذهب بعضهم إلى عدم جوازها وبطلان الصلاة، وذهب آخرون إلى صحتها.
جاء في الموسوعة الفقهية (25/187) :
" اتفق الفقهاء على أنه إذا كان الإمام مريضا بالسلس والمأموم كذلك فالصلاة جائزة , وأما إذا كان الإمام مريضا بالسلس والمأموم سليماً فقد اختلف الفقهاء في جواز إمامة المريض لصلاة غيره من الأصحاء على قولين:
القول الأول: وهو قول الحنفية والحنابلة: عدم الجواز، لأن أصحاب الأعذار يصلون مع الحدث حقيقة , لكن جعل الحدث الموجود في حقهم كالمعدوم , للحاجة إلى الأداء فلا يتعداهم ; لأن الضرورة تقدر بقدرها، ولأن الصحيح أقوى حالا من المعذور ولا يجوز بناء القوي على الضعيف.
والقول الثاني: وهو قول المالكية والشافعية: الجواز، لصحة صلاتهم من غير إعادة، ولأنه إذا عفي عن الأعذار في حق صاحبها عفي عنها في حق غيره، إلا أن المالكية صرحوا بكراهة إمامة أصحاب الأعذار للأصحاء " انتهى باختصار.
وانظر: "المجموع" (4/160) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: ما حكم إمامة من به سلس بول؟
فأجابوا:
" من به سلس بول أو نحوه صلاته في نفسه صحيحة لقوله تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم) ، وقوله: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) وفي صحة صلاة من ائتم به من الأصحاء خلاف، والراجح: الصحة، لكن الأولى أن يؤم الناس غيره من الأصحاء خروجاً من الخلاف " انتهى.
عبد العزيز بن باز، عبد الرزاق عفيفي، عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (7/397) .
وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (4/172، 173) :
" وصلاتُه – يعني المصاب بالسلس - مأموماً بإمامٍ سليمٍ مِن هذا المرضِ صحيحةٌ، وصلاتُه إماماً بمصابٍ بهذا المرضِ صحيحةٌ، هاتان صورتان.
الصورةُ الثالثةُ: صلاتُه إماماً بمَن هو سليمٌ مِن هذا المرضِ فقال بعض العلماء: إنَّها لا تصحُّ، فإذا صَلَّى مَنْ به سلسُ البولِ إماماً بمَن هو سالمٌ مِن هذا المرضِ، فصلاةُ المأمومِ باطلةٌ وصلاةُ هذا أيضاً باطلةٌ؛ لأنَّه نَوى الإِمامةَ بمَن لا يصحُّ ائتمامُه به إلا أنْ يكون جاهلاً بحاله.
والعلَّةُ في عدمِ صحَّةِ إمامتِه: أنَّ حالَ مَن به سَلسُ البولِ دون حالِ مَن سَلِمَ منه، ولا يمكن أن يكون المأمومُ أعلى حالاً مِن الإِمامِ.
والقول الصحيحُ في هذا: أن إمامةَ مَن به سَلَسُ البولِ صحيحةٌ بمثْلِهِ وبصحيحٍ سليمٍ.
ودليلُ ذلك: عمومُ قولِه صلى الله عليه وسلم: (يؤمُّ القومَ أقرؤهم لكتابِ اللهِ) وهذا الرَّجلُ صلاتُه صحيحةٌ؛ لأنَّه فَعَلَ ما يجب عليه، وإذا كانت صلاتُه صحيحةٌ لزمَ مِن ذلك صحَّةُ إمامتِه.
وقولهم: إنَّ المأمومَ لا يكون أعلى حالاً مِن الإِمام مُنتقضٌ بصحَّةِ صلاةِ المتوضئِ خلفَ المُتَيمِّمِ، وهم يقولون بذلك مع أنَّ المتوضئَ أعلى حالاً، لكن قالوا: إنَّ المتيمِّمَ طهارتُه صحيحةٌ. ونقول: ومَن به سَلَسُ البولِ طهارتُه أيضاً صحيحةٌ " انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1861)
صلاة الجماعة تنعقد باثنين إمام ومأموم
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان هناك رجلان في البيت فهل يكفي هذا العدد لأداء الصلاة جماعةً؛ بحيث يكون أحدهما الإمام والآخر مأمومًا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، يكفي لإقامة صلاة الجماعة اثنان؛ إمام ومأموم، سواء كان ذلك في البيت أو غيره؛ قال الإمام البخاري رحمه الله: " باب اثنان فما فوقهما جماعة " ثم روى فيه حديث مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا حَضَرَتْ الصَّلاةُ فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا) البخاري 658
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " قَوْله: (بَاب اِثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَة) هَذِهِ التَّرْجَمَة لَفْظ حَدِيث وَرَدَ مِنْ طُرُق ضَعِيفَة , ... " أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلا يُصَلِّي وَحْدَهُ فَقَالَ: أَلَا رَجُل يَتَصَدَّق عَلَى هَذَا فَيُصَلِّيَ مَعَهُ؟ فَقَامَ رَجُل فَصَلَّى مَعَهُ , فَقَالَ: هَذَانِ جَمَاعَة ".
وَالْقِصَّة الْمَذْكُورَة دُونَ قَوْله " هَذَانِ جَمَاعَة " أَخْرَجَهَا أَبُو دَاوُدَ والترمذي مِنْ وَجْه آخَرَ صَحِيح.
وقال أيضاً:
وَاسْتُدِلَّ بِهِ (يعني حديث مالك بن الحوريث رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) عَلَى أَنَّ أَقَلَّ الْجَمَاعَة إِمَام وَمَأْمُوم، [وهو] أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُون الْمَأْمُوم رَجُلًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ اِمْرَأَةً. انتهى كلام الحافظ.
والحديث الذي أشار إليه الحافظ عند أبي داود (554) وصححه، لفظه: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْصَرَ رَجُلا يُصَلِّي وَحْدَهُ فَقَالَ: (أَلا رَجُلٌ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا، فَيُصَلِّيَ مَعَهُ) . صححه الألباني في صحيح الجامع (2652) .
قال في "عون المعبود": ليحصل له ثواب الجماعة، فيكون كأنه أعطاه صدقة اهـ.
وعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ... َصَلاةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ أَزْكَى مِنْ صَلاتِهِ وَحْدَهُ، وَصَلاةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلاتِهِ مَعَ الرَّجُلِ، وَمَا كَانُوا أَكْثَرَ فَهُوَ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) النسائي 843 وأبو داود 554 وصححه الألباني في صحيح الجامع 2242.لكن ينبغي أن يعلم أن الواجب على الرجل أن يؤدي الصلاة جماعةً في المسجد، ولا يجوز له أن يصلي الفريضة في البيت جماعةً أو منفرداً إلا من عذر
سئلت اللجنة الدائمة: هل صلاة الاثنين جماعة أو لا؟
فأجابت: "صلاة الاثنين فما فوقهما جماعة، لكن كلما زاد العدد زاد الفضل، ومع ذلك يجب أداء الصلاة جماعة في المسجد" اهـ. "فتاوى اللجنة الدائمة" (7/289) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى عن قوم يصلون الجماعة في البيت، فقال:
" ننصح هؤلاء بأن يتقوا الله سبحانه ويصلوا الجماعة مع المسلمين في المساجد؛ فإن الراجح من أقوال أهل العلم في هذه المسألة أن صلاة الجماعة واجبة في المساجد، إلا إذا كان لعذر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم أمر رجلا فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب، إلى قوم لا يشهدون الجماعة، فأحرق عليهم بيوتهم بالنار) انظر: البخاري 644 ومسلم 651.
هؤلاء القوم قد يكونون يصلون جماعة في أماكنهم، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام أراد أن يصلوا مع الجماعة الذين نصبهم الشرع، والجماعة الذين نصبهم الشرع هم الذين يصلون في المساجد، المساجد التي يدعى إلى الحضور إليها عند الصلاة، ولهذا قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن) ؛ فقال: (حيث ينادى بهن) ، و " حيث " ظرف مكان، أي فليحافظ عليها في المكان الذي ينادى لها فيه " اهـ. "فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (15/19) .
ولمزيد من الفوائد والأدلة حول هذه المسألة راجع السؤالين رقم (8918) ، (40113) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1862)
استشكل قضاء ركعتين لمسبوق بتشهدين
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا ممن منَّ الله عليهم بالهداية في هذا الشهر الفضيل، وقد أقلعت عن العديد من العادات والطباع السيئة وبدأت الالتزام بديني الحنيف إلا أنني أواجه بعض الأمور التي أجهلها وهي من صميم الدين، فسؤالي يتعلق بالصلاة، فحسب علمي أن المصلي يقضي ما فاته من الركعات بعد تسليم الإمام، إلا أني ألاحظ أن بعض المصلين ممن فاتهم نفس عدد الركعات يقضونها بشكل مختلف كأنَّ الركعتين بتشهدين، بينما أقضيها بتشهد واحد حسب علمي، أرجو التوضيح.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نحمد الله تعالى أن هداك ووفقك لما خير دنياك وآخرتك، ونسأله تعالى أن يثيبك ويثبتك، ونعمة الهداية أعظم النعم، ولا بدَّ لك من شكرها، ومن شكرها أن تبقى على ما أنت عليه من توفيق وهداية وخير، وأن تبقى مبتعداً عن كل سوء وشر.
واعلم أن العلم نور، ويمكنك أن تنظر في موقعنا هذا في بعض الأجوبة المتعلقة بالعلم لترى ما فيها من وصايا ونصائح ودلالة على كتب يمكنك الاستفادة منها.
ثانياً:
وما رأيتَه من بعض إخوانك المصلين من أنهم يقضون ركعتين فائتتين بتشهدين أمرٌ غير مستغرب في بعض الصور. وبيان ذلك: أن المسبوق (وهو الذي فاته بعض الصلاة مع الإمام) إذا سلم الإمام من صلاته قام المسبوق ليتم صلاته، فيكون ما أدركه مع الإمام أول صلاته، ويتم عليه الصلاة، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا أَتَيْتُمْ الصَّلاةَ فَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا) رواه البخاري (635) ومسلم (603) .
فمثلاً:
من فاته الركعة الأولى مع الإمام من صلاة المغرب، ودخل معه في الركعة الثانية، فإن هذه الركعة الثانية للإمام هي الأولى لهذا المسبوق، فإذا أتم الإمام الصلاة وانصرف منها، قام هذا المسبوق وأتى بالركعة الباقية من صلاته بالفاتحة فقط، وجلس للتشهد وسلم.
ومن دخل مع الإمام في الركعة الثالثة من المغرب فإنها تكون الأولى له، فإذا سلم الإمام قام ليأتي بما بقي من صلاته، فيأتي بركعة بالفاتحة وسورة وتكون هذه هي الثانية من صلاته فيجلس بعدها للتشهد الأول، ثم يقوم ليأتي بالركعة الثالثة بالفاتحة فقط ثم يجلس للتشهد الأخير ويسلم. . . وهكذا.
وانظر السؤال: (49037) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1863)
لا تصح الصلاة في البيت وهو يتابع الإمام من خلال المذياع أو التليفزيون
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمرأة أن تصلي جماعة مع إمام المسجد الحرام من خلال التلفزيون؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سئل الشيخ ابن عثيمين في "مجموع الفتاوى" (15/213) : هل للمسلم أن يصلي مع الصلاة التي تنقل في التلفزيون أو الإذاعة من دون أن يرى الإمام خصوصاً للنساء؟
فأجاب:
" لا يجوز للإنسان أن يقتدي بالإمام بواسطة الراديو أو بواسطة التلفزيون؛ لأن صلاة الجماعة يقصد بها الاجتماع , فلا بد أن تكون في موضع واحد , أو تتصل الصفوف بعضها ببعض , ولا تجوز الصلاة بواسطتهما (الراديو والتليفزيون) وذلك لعدم حصول المقصود بهذا , ولو أننا أجزنا ذلك لأمكن كل واحد أن يصلي في بيته الصلوات الخمس , بل الجمعة أيضاً , وهذا مناف لمشروعية الجمعة والجماعة , وعلى هذا فلا يحل للنساء ولا لغيرهن أن يصلي أحد منهم خلف المذياع أو خلف التلفاز. والله الموفق" اهـ.
وسئلت اللجنة الدائمة (9/218) :
هل يجوز للنساء أن يصلين صلاة الجمعة في بيوتهن، وكذلك جميع الصلوات على صوت الميكروفون في القرية؟ وكذلك المريض الذي لا يستطيع الصلاة في المسجد هل يجوز له متابعة الإمام من بيته بواسطة الميكرفون؟
فأجابت:
" لا يجوز للرجال ولا للنساء ضعفاء أو أقوياء أن يصلوا في بيوتهم واحداً أو أكثر جماعة بصلاة الإمام في المسجد، رابطين صلاتهم معه بصوت المكبر فقط، سواء كانت الصلاة فريضة أم نافلة، جمعة أم غيرها، وسواء كانت بيوتهم وراء الإمام أم أمامه؛ لوجوب أداء الفرائض جماعة في المساجد على الرجال الأقوياء، وسقوط ذلك على النساء والضعفاء" اهـ.
وسئلت اللجنة الدائمة أيضاً: عن صلاة المرأة في بيتها على الراديو أو على التلفزيون، إذا كانت تسمع القراءة وتسمع التكبير، إذا كانت فرضاً أو نفلاً؟
فأجابت: " لا تجوز، سواء كانت فرضاً أم نفلاً، ولو سمعت قراءة الإمام وتكبيره" اهـ.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" رقم (6744) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1864)
حكم صلاة الجماعة للمريض ولمن لا يتحكم بالنجاسة
[السُّؤَالُ]
ـ[لي زميل عمل عملية استئصال فتحة الشرج - تغيير مجرى فتحة الشرج وفتح فتحة من الجنب - لوجود ورم، سؤالي هو: الفتحة الجديدة لا يتحكم في الإخراج أو الريح هل يجوز له الصلاة في المسجد أو في البيت؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يعافيه وأن يشفيه، كما نسأله تعالى أن يلهمه الصبر ويؤجره على ما ابتلاه به.
وهذه الحالة المرضية لا يستطيع المريض فيها أن يتحكم بإخراج الغائط، بل يخرج الغائط عبر فتحة الشرج المصطنعة على هيئة سلس مستمر، وحكمه حكم من به سلس دائم.
وعليه: فيجوز لمن ابتلي بهذا أن يجمع بين الصلاتين إن شقَّ عليه أداء كل صلاة في وقتها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
والصواب أن الجمع لا يختص بالسفر الطويل بل يجمع للمطر ويجمع للمرض كما جاءت بذلك السنة في جمع المستحاضة فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بالجمع في حديثين. " الفتاوى الكبرى " (1 / 49) .
وقال علماء اللجنة الدائمة في حكم امرأة لا تتحكم بالبول من مرض أصابها:
إذا كان الأمر كما ذكر: فإنها تصلِّي على حسب حالها، ولا مانع من جمعها الظهر والعصر في وقت أحدهما، وهكذا المغرب والعشاء؛ لعموم أدلة يسر الشريعة على أن يكون وضوؤها للظهر والعصر بعد دخول الوقت، وهكذا المغرب والعشاء يكون وضوؤها لهما بعد دخول الوقت.
" فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " (8 / 85) .
ثانياً:
ولا تسقط الجماعة في المسجد عن مثل هذا المريض إلا أن يكون في ذهابه تلويث للمسجد أو ظهور ريح كريهة من الفتحة الجديدة؛ لما في ذلك من أذية المصلين.
- أما الرائحة الكريهة: فخروجها من الإنسان عذر له في سقوط وجوب صلاة الجماعة، بل لا يحل له المجيء إلى المسجد وإيذاء الملائكة والمصلين بهذه الرائحة.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين:
إذا كان فيه بَخَرٌ: أي: رائحةٌ منتنةٌ في الفَمِ، أو في الأنفِ أو غيرهما تؤذي المصلِّين، فإنَّه لا يحضرُ دفعاً لأذيَّتِه. " الشرح الممتع " (4 / 323) .
وقد نُهي آكل البصل والثوم عن حضور جماعة المسجد لما لهما من رائحة كريهة، ويلحق بذلك أيضاً: رائحة الدخان والسجائر الخبيثة المحرمة
روى مسلم (564) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا فَإِنَّ الْمَلائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ) .
وإذا كان من عادة هذا المريض أن يصلي في المسجد جماعة: فإنه يكتب له أجرها ولو صلى في بيته.
قال الشيخ ابن عثيمين:
المعذورَ يُكتبُ له أجرُ الجماعةِ كاملاً إذا كان مِن عادتِه أن يصلِّي مع الجماعةِ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا مَرِضَ العبدُ أو سافرَ كُتِبَ له مثلُ ما كان يعملُ صحيحاً مقيماً ". " الشرح الممتع " (4 / 323) .
وأما تلويث المسجد بالنجاسات فهو محرَّم، وقد أمرنا بتنظيف المساجد وتطييبها.
روى البخاري (221) ومسلم (284) عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي طَائِفَةِ الْمَسْجِدِ فَزَجَرَهُ النَّاسُ فَنَهَاهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا قَضَى بَوْلَهُ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ فَأُهْرِيقَ عَلَيْهِ) وفي رواية لمسلم (285) : (ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَلا الْقَذَرِ، إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالصَّلاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ) .
قال النووي في شرح صحيح مسلم:
"يَحْرُم إِدْخَال النَّجَاسَة إِلَى الْمَسْجِد , وَأَمَّا مَنْ عَلَى بَدَنه نَجَاسَة فَإِنْ خَافَ تَنْجِيس الْمَسْجِد لَمْ يَجُزْ لَهُ الدُّخُول , فَإِنْ أَمِنَ ذَلِكَ جَازَ" اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1865)
بيته بعيد عن المسجد فهل يصلي العشاء والتراويح مع أهله في البيت؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مبتعث للدراسة في دولة غربية وبرفقي زوجتي، والمسجد بعيد عن المنزل كثيراً ولا يوجد حولي مسلمون، فهل يجوز أن أصلي الفريضة والتراويح جماعة أنا وزوجتي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا: صلاة الجماعة واجبة في المسجد على المقيم والمسافر على حد سواء. راجع سؤال رقم (45815)
ثانيا: لا تجب صلاة الجماعة في المسجد إلا على من كان قريبا من المسجد، بحيث يسمع الأذان من المسجد بدون مكبرات الصوت، لما رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ أَعْمَى فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إِلَى الْمَسْجِدِ فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ فَرَخَّصَ لَهُ فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ فَقَالَ هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلاةِ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَأَجِبْ) رواه مسلم (653)
فمن كان بعيدا من المسجد بحيث لا يسمع النداء بلا مكبرات الصوت فلا تجب عليه صلاة الجماعة في المسجد. راجع سؤال رقم (20655) فإذا كان بيتك بعيدا عن المسجد بهذا الحد فلا حرج عليك من أداء الفريضة والتراويح في بيتك جماعة مع أهلك، بل هو أفضل عند الله من صلاتك وحدك.
والأجر يكثر في النوافل والفرائض بحسب كثرة المصلين في جماعة فيهما.
عن أبيِّ بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ... صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كثر فهو أحب إلى الله تعالى ". رواه النسائي (843) – وأبو داود (554) . انظر: " السلسلة الصحيحة " (1912) .
قال الشيخ ابن عثيمين:
فقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الرجل مع الرجل بأنها أزكى من صلاته وحده، وهذا يقتضي أنها أكثر أجراً.
" أسئلة الباب المفتوح " (السؤال رقم 1464) .
وللمزيد حول الجماعة في صلاة التراويح ينظر جواب السؤال: (21740) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1866)
نسي إمامهم سجدة وسلَّم فأعاد ركعة وبعضهم لم يُعد
[السُّؤَالُ]
ـ[في صلاة العشاء صلى بنا الإمام، ولم يكن الإمام الرسمي، وفي آخر ركعة لم يسجد السجدة الأخيرة، وسلَّم دون أن ينتبه أو يذكره أحد المصلين، وبعد دقائق جاءه أحد المصلين وذكَّره بذلك فنهض مباشرة، وقال: نعيد الركعة الأخيرة لأجل يأتي بالسجدة التي نسيها، فهل هذا صحيح؟ وإذا كان غير ذلك: فما هو الصحيح؟ وما حكم من لم يأت معهم بالسجدة الأخيرة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إذا سها الإمام في صلاته فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم المأمومين أن يذكِّروه فقال: (إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي) رواه البخاري (401) ، فكان على جماعة المسجد أن يُسَبِّحوا للإمام حتى يتنبه ويأتي بالسجدة التي نسيها.
ثانياً:
السجدة الأولى والثانية كلتاهما ركن من أركان الصلاة، لا تصح الصلاة إلا بهما، ومن تعمد تركهما أو ترك واحدة منهما أثم، وبطلت صلاته، ومن نسيهما أو نسي واحدة منهما: فيجب عليه إذا تذكر الإتيان بما نسيه إماماً أو مأموماً أو منفرداً، ومن لم يفعل: لم تصحَّ صلاته.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
الأركان واجبة وأوكد من الواجبات، لكن تختلف عنها في أن الأركان لا تسقط بالسَّهْوِ، والواجبات تسقط بالسَّهْوِ، ويجبرها سُجودُ السَّهْوِ، بخلاف الأركان؛ ولهذا من نسيَ رُكناً لم تصحَّ صلاته إلا به. " الشرح الممتع " (3 / 315) .
وقال:
والدليل على أن الأركان لا تنجبر بسجود السَّهو: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لما سَلَّم مِن ركعتين مِن صلاة الظُّهر أو العصر أتمَّها وأتى بما تَرَكَ وسَجَدَ للسَّهو، فدلَّ هذا على أنَّ الأركان لا تسقط بالسَّهو، ولا بُدَّ مِن الإِتيان بها. " الشرح الممتع " (3 / 323) .
وأما ما فعله إمامكم من إعادة الركعة الأخيرة كاملة بعد تذكيره: فهو أحد القولين في المسألة وهو أن من ترك ركناً من الركعة الأخيرة ولم يعلم إلا بعد التسليم فإنه يأتي بركعة كاملة. وهو مذهب الإمام أحمد رحمه الله، وانظر المغني (1/658) .
وقد اختار هذا القول الشيخ ابن باز رحمه الله، فإنه سئل عن إمام نسي السجدة الأخيرة من صلاة العصر، فقام وصلى ركعة كاملة وتشهد وسلم ثم سجد للسهو , فقال: (هذا هو المشروع، إذا نسي الإمام سجدة وسلم ثم ذكر أو نبه، يقوم ويأتي بركعة ثم يكمل ثم يسلم ثم يسجد سجود السهو بعد السلام وهو أفضل، وهكذا المنفرد حكمه حكمه. وإن سجد للسهو قبل السلام فلا بأس ولكن بعده أفضل) مجموع فتاوى ابن باز (11/277) .
والقول الثاني في المسألة أنه لا يلزمه الإتيان بركعة كاملة وإنما يأتي بالركن الذي نسيه وبما بعده. وهو مذهب الإمام الشافعي رحمه الله. انظر المجموع (4/33) وقد اختاره الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. وانظر شرح الممتع (3/374) .
والحاصل أن صلاة الإمام، وصلاة من أكملوا معه الصلاة صحيحة.
وأما من لم يتم صلاته ولم يأت بالسجدة التي تركها فصلاته غير صحيحة، والواجب عليهم إعادتها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1867)
الدخول مع الإمام على أي حال
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا دخل المصلي المسجد والإمام ساجد، فهل يدخل معه في السجود أو ينتظره حتى يرفع؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا دخل المصلي المسجد والإمام في الصلاة دخل معه على أي حال كان؛ في القيام أو الركوع أو السجود أو بين السجدتين؛ وذلك لما ورد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا جِئْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ وَنَحْنُ سُجُودٌ فَاسْجُدُوا وَلا تَعُدُّوهَا شَيْئًا , وَمَنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاةَ) رواه أبو داود (893) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود.
وعن أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه قَالَ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا أَتَيْتُمْ الصَّلاةَ فَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ , فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا , وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا) رواه البخاري (635) .
قال الحافظ ابن حجر رضي الله عنه في "فتح الباري" (2/118) : " استُدِل به على استحباب الدخول مع الإمام في أي حال وجد عليها " انتهى.
وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه قال: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الصَّلاةَ وَالإِمَامُ عَلَى حَالٍ فَلْيَصْنَعْ كَمَا يَصْنَعُ الإِمَامُ) رواه الترمذي (591) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
هذه هي السنة في حق من دخل المسجد والإمام في الصلاة؛ بدلالة ما ذكر من النصوص.
وقد نقل ابن حزم رحمه الله الإجماع على ذلك , قال في "مراتب الإجماع" (ص 25) : " واتفقوا أن من جاء والإمام قد مضى من صلاته شيء قل أو كثر ولم يبق إلا السلام فإنه مأمور بالدخول معه وموافقته على تلك الحال التي يجده عليها ما لم يجزم بإدراك الجماعة في مسجد آخر " انتهى.
وقال ابن قدامة في "المغني" (2/184) :
" ويستحب لمن أدرك الإمام في حال متابعته فيه , وإن لم يعتد له به. . . وذكر بعض الأحاديث المتقدمة ثم قال: والعمل على هذا عند أهل العلم , قالوا: إذا جاء الرجل والإمام ساجد فليسجد , ولا تجزئه تلك الركعة. وقال بعضهم: لعله أن لا يرفع رأسه من السجدة حتى يغفر له " انتهى.
ومن الناس من إذا دخل والإمام ساجد أو بين السجدتين لم يدخل معه حتى يقوم إلى الركعة الثانية , أو يعلم أنه في التشهد فيجلس معه , وهذا قد حرم نفسه فضل السجود , مع أنه مخالف لما تضمنته الأدلة المتقدمة.
قال في تحفة الأحوذي (2/199) : " قوله: " فليصنع كما يصنع الإمام " أي: فليوافق الإمام فيما هو فيه من القيام أو الركوع أو غير ذلك , أي: فلا ينتظر الإمام إلى القيام , كما يفعله العوام " انتهى.
انظر " أحكام حضور المساجد" (ص138-139) للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان.
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء عن رجل دخل المسجد والإمام في الركعة الأخيرة، فهل يلحق بهم أو ينتظر حتى يفرغوا؟
فأجابوا:
" المشروع في مثل حالتك أن تلحق بهم، فما أدركت معهم فصل وما فاتك فاقض، وإذا كان لحوقك بهم بعد الرفع من ركوع آخر ركعة فالحق بهم واقض صلاتك كلها بعد تسليم الإمام. . . ثم استدلوا بما سبق من الأحاديث " انتهى.
وسئل علماء اللجنة الدائمة أيضاً: ما هو الأفضل إذا دخل المسجد والإمام في التشهد الأخير هل يدخل معه في التشهد أو الأفضل ينتظر أشخاصا قادمين ليصلوا معا؟
فأجابوا:
" الأفضل له أن يدخل مع الإمام؛ لعموم حديث: (ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فاقضوا) " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (7/312-323) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1868)
هل يجوز أن يصلي الرجل بامرأة واحدة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا من فرنسا وقد أسلمت مؤخراً، سؤالي في الصلاة: في حالة إذا ما وجد رجل إمام لا يصلي وراءه إلا امرأة واحدة فقط مع العلم أنهما غير متزوجين، فأنا في حيرة هل تعد هذه صلاة جماعة لها ثواب الجماعة المضاعف أم على العكس، تعد مثل هذه الصلاة غير مشروعة؟ أو حرام مطلقًا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كانت هذه المرأة من محارمه فلا حرج من صلاته بها، وتعتبر صلاة جماعة، أما إذا كانت أجنبيّة عنه، وكانت صلاته بها تستلزم خلوته بها فإن صلاته بها في هذه الحال حرام.
قال النووي:
قال في المهذّب: (ويكره أن يصلي الرجل بامرأة أجنبية ; لما روي أن النبي قال: " لا يخلون رجل بامرأة فإن ثالثهما الشيطان) .
قال النووي في شرحه:
المراد بالكراهة كراهة تحريم , هذا إذا خلا بها.
قال أصحابنا: إذا أمَّ الرجل بامرأته أو محرم له , وخلا بها: جاز بلا كراهة ; لأنه يباح له الخلوة بها في غير الصلاة , وإن أمَّ بأجنبية وخلا بها: حرم ذلك عليه وعليها , للأحاديث الصحيحة التي سأذكرها إن شاء الله تعالى.
وإن أمَّ بأجنبيات وخلا بهن: فقطع الجمهور بالجواز , ونقله الرافعي في كتاب العدد عن أصحابنا.
ودليله: الحديث الذي سأذكره إن شاء الله تعالى؛ ولأن النساء المجتمعات لا يتمكن في الغالب الرجل من مفسدة ببعضهن في حضرتهن ...
وأما الأحاديث الواردة في المسألة: فمنها: ما روى عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إياكم والدخول على النساء , فقال رجل من الأنصار , أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت " رواه البخاري ومسلم , الحمو: قرابة الزوج , والمراد هنا: قريب تحل له كأخي الزوج وعمه وابنهما وخاله وغيرهم، وأما أبوه وابنه وجده فهم محارم تجوز لهم الخلوة , وإن كانوا من الأحماء.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يخلون أحدكم بامرأة إلا مع ذي محرم " رواه البخاري ومسلم.
وعن ابن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال على المنبر: " لا يدخلن رجل بعد يومي هذا سرا على مغيبة إلا ومعه رجل أو اثنان " رواه مسلم , المغيبة - بكسر الغين -: التي زوجها غائب , والمراد هنا غائب عن بيتها , وإن كان في البلدة. " المجموع " (4 / 173، 174) .
قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله -:
قوله: (وأن يؤم أجنبية فأكثر لا رجل معهن) أي: يُكرَه أنْ يؤمَّ أجنبيةً فأكثر، والأجنبيةُ: مَن ليست مِن مَحارِمِهِ.
وكلامُ المؤلِّف يحتاجُ إلى تفصيل:
فإذا كانت أجنبيةٌ وحدَها: فإن الاقتصار على الكراهة فيه نَظَرٌ ظاهرٌ؛ إذا استلزم الخَلوةَ، ولهذا استدلَّ في " الرَّوض " بأن النبي صلى الله عليه وسلم نَهى أنْ يخلوَ الرَّجُلُ بالأجنبيةِ، ولكننا نقول: إذا خَلا بها فإنَّه يحرُمُ عليه أن يَؤمَّها؛ لأنَّ ما أفضى إلى المُحَرَّمِ فهو محرَّمٌ.
أما قوله: (فأكثر) أي: أن يَؤمَّ امرأتين، فهذا أيضاً فيه نَظَرٌ مِن جهة الكراهة؛ وذلك لأنَّه إذا كان مع المرأة مثلُها انتفت الخَلوة، فإذا كان الإِنسانُ أميناً فلا حَرَجَ أن يؤمَّهُمَا، وهذا يقع أحياناً في بعضِ المساجدِ التي تكون فيها الجماعةُ قليلةٌ، ولا سيَّما في قيامِ الليلِ في رمضان، فيأتي الإِنسانُ إلى المسجدِ ولا يجدُ فيه رِجالاً؛ لكن يجدُ فيه امرأتين أو ثلاثاً أو أربعاً في خَلْفِ المسجدِ، فعلى كلام المؤلِّفِ: يُكره أنْ يبتدئَ الصَّلاةَ بهاتين المرأتين أو الثلاث أو الأربع.
والصحيح: أن ذلك لا يُكره، وأنَّه إذا أمَّ امرأتين فأكثر: فالخَلوةُ قد زالت ولا يُكره ذلك، إلا إذا خَافَ الفِتنةَ، فإنْ خَافَ الفِتنةَ فإنَّه حرامٌ؛ لأنَّ ما كان ذريعةً للحرامِ فهو حرامٌ.
وعُلِمَ مِن قوله: (لا رجل معهنَّ) أنَّه لو كان معهنَّ رَجُلٌ فلا كراهةَ وهو ظاهرٌ.
" الشرح الممتع " (4 / 250 – 252) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1869)
الجمع بين أحاديث تفضيل الجماعة على صلاة المنفرد
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد في صحيح البخاري حديثان برقمي (645 , 646) - بترقيم فتح الباري - في الحديث رقم (645) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة "، وفي الحديث رقم (646) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة ". أرجو الشرح والتوضيح.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحديث الأول جاء من حديث عبد الله بن عمر، وقد رواه البخاري (619) ومسلم (650) ، ولفظه: "صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة ".
والثاني: جاء من حديث أبي سعيد الخدري، وقد رواه البخاري (619) ، ولفظه: " صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة ".
وقد جمع العلماء بين الحديثين، فقال النووي – رحمه الله -:
والجمع بينهما من ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه لا منافاة فذكر القليل لا ينفي الكثير , ومفهوم العدد باطل عند الأصوليين.
والثاني: أن يكون أخبر أولاً بالقليل ثم أعلمه الله - تعالى - بزيادة الفضل فأخبر بها.
الثالث: أنه يختلف باختلاف أحوال المصلين والصلاة , وتكون لبعضهم خمس وعشرون , ولبعضهم سبع وعشرون بحسب كمال الصلاة ومحافظته على هيئاتها وخشوعها وكثرة جماعتها وفضلهم وشرف البقعة ونحو ذلك , والله أعلم.
" المجموع " (4 / 84) .
وهناك وجوه أخر في الجمع غير هذا، وبعضه متفرع عما سبق، وقد رجَّح الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " (2 / 132) وجهاً في الجمع غير ما ذكره النووي وهو أن " السبع والعشرين " للصلاة الجهرية، و " الخمس والعشرين " للصلاة السريَّة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1870)
حكم الصلاة مع هؤلاء
[السُّؤَالُ]
ـ[أسكن في قرية فيها مشاكل كثيرة؛ فأهلها يقتتلون فيما بينهم، والإمام يجور على الأراضي، فهل تجوز الصلاة معهم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوال قريتكم هذه، وسائر بلاد المسلمين، وأن يهدي أهلها للتي هي أقوم، وينزع الفتن وكيد الشيطان من بينهم، وأن ييسر لكم الإمام الصالح الذي يقيم بكم الصلاة على ما أمر الله تعالى، ويرشدكم إلى طريق ربكم بقوله وعمله.
ومثل هذا الإمام لا ينبغي توليته تلك الولاية الدينية العظيمة، إمامة الناس في الصلاة، بل ينبغي نهيه عن منكره، وزجره، وهجره إن كان ينتهي عن ظلمه ومنكره بالهجر، وأما ترك الصلاة خلفه، فلا يجوز إلا إذا وجد إمام غيره، أمثل منه في دينه وأبعد عن الظلم والهوى.
وهكذا القول في هؤلاء المصلين من أهل قريتك يجب عليك أن تصلي معهم، ولو كانوا في أنفسهم فُسَّاقا وظلمة.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
وَلَوْ عَلِمَ الْمَأْمُومُ أَنَّ الإِمَامَ مُبْتَدِعٌ يَدْعُو إلَى بِدْعَتِهِ، أَوْ فَاسِقٌ ظَاهِرُ الْفِسْقِ، وَهُوَ الإِمَامُ الرَّاتِبُ الَّذِي لا تُمْكِنُ الصَّلاةُ إلا خَلْفَهُ، كَإِمَامِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ، وَالإِمَامِ فِي صَلاةِ الْحَجِّ بِعَرَفَةَ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْمَأْمُومَ يُصَلِّي خَلْفَهُ عِنْدَ عَامَّةِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَد وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمْ.
وَلِهَذَا قَالُوا فِي الْعَقَائِدِ: إنَّهُ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ وَالْعِيدَ خَلْفَ كُلِّ إمَامٍ بَرًّا كَانَ أَوْ فَاجِرًا.
وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْقَرْيَةِ إلا إمَامٌ وَاحِدٌ، فَإِنَّهَا تُصَلَّى خَلْفَهُ الْجَمَاعَاتُ؛ فَإِنَّ الصَّلاةَ فِي جَمَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ صَلاةِ الرَّجُلِ وَحْدَهُ، وَإِنْ كَانَ الإِمَامُ فَاسِقًا. هَذَا مَذْهَبُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ: أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا، بَلْ الْجَمَاعَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى الأَعْيَانِ فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِ أَحْمَد.
وَمَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَةَ خَلْفَ الإِمَامِ الْفَاجِرِ فَهُوَ مُبْتَدِعٌ عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ مِنْ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ..
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُصَلِّيهَا وَلا يُعِيدُهَا؛ فَإِنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يُصَلُّونَ الْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَةَ خَلْفَ الأَئِمَّةِ الْفُجَّارِ وَلا يُعِيدُونَ، كَمَا كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُصَلِّي خَلْفَ الْحَجَّاجِ، وَابْنُ مَسْعُودٍ وَغَيْرُهُ يُصَلُّونَ خَلْفَ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ وَكَانَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ؛ حَتَّى إنَّهُ صَلَّى بِهِمْ مَرَّةً الصُّبْحَ أَرْبَعًا، ثُمَّ قَالَ: أَزِيدُكُمْ؟ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَا زِلْنَا مَعَك مُنْذُ الْيَوْمَ فِي زِيَادَةٍ!! وَلِهَذَا رَفَعُوهُ إلَى عُثْمَان ...
وَالْفَاسِقُ وَالْمُبْتَدِعُ صَلاتُهُ فِي نَفْسِهِ صَحِيحَةٌ؛ فَإِذَا صَلَّى الْمَأْمُومُ خَلْفَهُ لَمْ تَبْطُلْ صَلاتُهُ، لَكِنْ إنَّمَا كَرِهَ مَنْ كَرِهَ الصَّلاةَ خَلْفَهُ لأَنَّ الأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَاجِبٌ، وَمِنْ ذَلِكَ [يعني: ومن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر] أَنَّ مَنْ أَظْهَرَ بِدْعَةً أَوْ فُجُورًا لا يُرَتَّبُ إمَامًا لِلْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ التَّعْزِيرَ حَتَّى يَتُوبَ فَإِذَا أَمْكَنَ هَجْرُهُ حَتَّى يَتُوبَ كَانَ حَسَنًا وَإِذَا كَانَ بَعْضُ النَّاسِ إذَا تَرَكَ الصَّلاةَ خَلْفَهُ وَصَلَّى خَلْفَ غَيْرِهِ أُثِرَ ذَلِكَ حَتَّى يَتُوبَ أَوْ يُعْزَلَ أَوْ يَنْتَهِيَ النَّاسُ عَنْ مِثْلِ ذَنْبِهِ. فَمِثْلُ هَذَا إذَا تَرَكَ الصَّلاةَ خَلْفَهُ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ وَلَمْ يَفُتْ الْمَأْمُومَ جُمُعَةٌ وَلا جَمَاعَةٌ. وَأَمَّا إذَا كَانَ تَرَكَ الصَّلاةَ يَفُوتُ الْمَأْمُومَ الْجُمُعَةُ وَالْجَمَاعَةُ فَهُنَا لا يَتْرُكُ الصَّلاةَ خَلْفَهُمْ إلا مُبْتَدِعٌ مُخَالِفٌ لِلصَّحَابَةِ رضي الله عنهم.
وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الإِمَامُ قَدْ رَتَّبَهُ وُلاةُ الأُمُورِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي تَرْكِ الصَّلاةِ خَلْفَهُ مَصْلَحَةٌ، فَهُنَا لَيْسَ عَلَيْهِ تَرْكُ الصَّلاةِ خَلْفَهُ، بَلْ الصَّلَاةُ خَلْفَ الإِمَامِ الأَفْضَلِ أَفْضَلُ. [انظر: مجموع الفتاوى: 23/352] .
وقد قال الإمام الطحاوي رحمه الله في عقيدته التي ذكر فيها جملة من أصول أهل السنة:
(ونرى الصلاة خلف كل بر وفاجر من أهل القبلة، ونصلي على من مات منهم.)
وفي هذا المعنى روى أبو داود (594) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الصَّلاةُ الْمَكْتُوبَةُ وَاجِبَةٌ خَلْفَ كُلِّ مُسْلِمٍ بَرًّا كَانَ أَوْ فَاجِرًا وَإِنْ عَمِلَ الْكَبَائِرَ) [ضعفه لألباني في ضعيف أبي داود]
ومع أن هذا الحديث ليس له إسناد يثبت، كما نقله في عون المعبود عن العقيلي والحافظ ابن حجر، فقد قال الشوكاني رحمه الله: ولكنه قد ثبت إجماع أهل العصر الأول من بقية الصحابة ومن معهم من التابعين، إجماعاً فعلياً ولا يبعد أن يكون قولياً، على الصلاة خلف الجائرين؛ لأن الأمراء في تلك الأعصار كانوا أئمة الصلوات الخمس، فكان الناس لا يؤمهم إلا أمراؤهم في كل بلدة فيها أمير..
وترجم الإمام البخاري في صحيحه: باب إمامة المفتون والمبتدع، ثم روى فيه (695) عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ خِيَارٍ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ مَحْصُورٌ فَقَالَ: (إِنَّكَ إِمَامُ عَامَّةٍ [أي: أنت إمام الناس] ، وَنَزَلَ بِكَ مَا نَرَى، وَيُصَلِّي لَنَا إِمَامُ فِتْنَةٍ وَنَتَحَرَّجُ؟! [يعني: نخشى من الحرج، وهو الإثم، في الصلاة معه]
فَقَالَ: الصَّلاةُ أَحْسَنُ مَا يَعْمَلُ النَّاسُ، فَإِذَا أَحْسَنَ النَّاسُ فَأَحْسِنْ مَعَهُمْ، وَإِذَا أَسَاءُوا فَاجْتَنِبْ إِسَاءَتَهُمْ)
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ظَاهِره أَنَّهُ رَخَّصَ لَهُ فِي الصَّلاة مَعَهُمْ، كَأَنَّهُ يَقُول: لا يَضُرُّك كَوْنُهُ مَفْتُونًا , بَلْ إِذَا أَحْسَنَ فَوَافِقْهُ عَلَى إِحْسَانه وَاتْرُكْ ما افْتُتِن به , وَهُوَ الْمُطَابِق لِسِيَاقِ الْبَاب.
ثم ذكر رواية سيف فِي الْفُتُوح عَنْ سَهْل بْن يُوسُفَ الأَنْصَارِيّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَرِهَ النَّاس الصَّلاة خَلْفَ الَّذِينَ حَصَرُوا عُثْمَان إِلا عُثْمَان فَإِنَّهُ قَالَ: مَنْ دَعَا إِلَى الصَّلاة فَأَجِيبُوهُ. اِنْتَهَى. قال: فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ مَقْصُوده بِقَوْلِهِ " الصَّلاة أَحْسَن " الإِشَارَة إِلَى الإِذْن بِالصَّلاةِ خَلْفَهُ , وَفِيهِ تَأْيِيد لِمَا فَهِمَهُ الْمُصَنِّف مِنْ قَوْله إِمَام فِتْنَة.
قال الحافظ: وَفِي هَذَا الأَثَر: الْحَضّ عَلَى شُهُود الْجَمَاعَة، وَلا سِيَّمَا فِي زَمَن الْفِتْنَة، لِئَلا يَزْدَادَ تَفَرُّقُ الْكَلِمَة.
وَفِيهِ: أَنَّ الصَّلاة خَلْفَ مَنْ تُكْرَهُ الصَّلاة خَلْفَهُ أَوْلَى مِنْ تَعْطِيل الْجَمَاعَة.
فالحاصل: أنه لا يجوز لك ترك الصلاة مع أهل قريتك، والصلاة منفردا، في بيتك أو في غيره، بل الواجب عليك أن تصلي الجماعة مع الناس، فإن وجدت إماما عدلا صالحا، فلتكن صلاتك معه، وإلا فصل مع الإمام المذكور، ولك صلاته وعليه ظلمه وفجوره.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1871)
تحريم تخطي رقاب الجالسين يوم الجمعة
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو بيان حكم تخطي الرقاب يوم الجمعة، هل هو حرام أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
روى أبو داود (1118) وابن ماجه (1115) عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ رضي الله عنه قال: جَاءَ رَجُلٌ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اجْلِسْ، فَقَدْ آذَيْتَ) . صححه الألباني في صحيح أبي داود.
ففي هذا الحديث: النهي عن تخطي رقاب الجالسين لصلاة الجمعة.
وقد اختلف العلماء في حكم ذلك على قولين:
الأول: الكراهة، ونقله ابن المنذر عن الجمهور. وقال ابن حجر: والأكثر على أنها كراهة تنزيه، وهو المشهور عند الشافعية، ومذهب الحنابلة.
انظر: "فتح الباري" (2/392) ، "كشاف القناع" (2/44) ، "المجموع" (4/466) .
وقَيَّد مالك والأوزاعي الكراهة بما إذا كان الخطيب على المنبر، جاء في "المدونة" (1/159) : " وقال مالك: إنما يكره التخطي إذا خرج الإمام، وقعد على المنبر، فمن تخطى حينئذ فهو الذي جاء فيه الحديث، فأما قبل ذلك فلا بأس به إذا كانت بين يديه فُرَجٌ، وليترفق في ذلك " انتهى.
القول الثاني: أن التخطي حرام مطلقاً في يوم الجمعة وغيره، لحديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ رضي الله عنه قال: جَاءَ رَجُلٌ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اجْلِسْ، فَقَدْ آذَيْتَ) . رواه أبو داود (1118) ، وابن ماجه (1115) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
قال الترمذي: " والعمل عليه عند أهل العلم، كرهوا أن يتخطى الرجل يوم الجمعة رقاب الناس، وشددوا في ذلك " انتهى.
وهذا ما رجحه جمع من المحققين، كابن المنذر وابن عبد البر والنووي وشيخ الإسلام ابن تيمية، كما في "الاختيارات الفقهية" (ص 81) وغيرهم. ومن المعاصرين الشيخ ابن عثيمين.
قال ابن المنذر معللاً القول بالتحريم: لأن الأذى يحرم قليله وكثيره، وهذا أذى، كما جاء في الحديث الصحيح قال النبي صلى الله عليه وسلم لمن يراه يتخطى: (اجلس فقد آذيت) "المجموع" (4/467) .
وقال ابن عبد البر في "التمهيد" (1/316) : وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم للمتخطي يوم الجمعة: (آذيت) بيان أن التخطي أذى، ولا يحل أذى مسلم بحال، في الجمعة وغير الجمعة.
وقال النووي في "روضة الطالبين" (11/224) : المختار أن تخطي الرقاب حرام، للأحاديث فيه.
وقال الشيخ ابن عثيمين: " تخطي الرقاب حرام حال الخطبة وغيرها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لرجل رآه يتخطى رقاب الناس: (اجلس فقد آذيت) ويتأكد ذلك إذا كان في أثناء الخطبة؛ لأن فيه أذيةً للناس، وإشغالاً لهم عن استماع الخطبة، حتى وإن كان التخطي إلى فرجة؛ لأن العلة وهي الأذية موجودة " انتهى.
"فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين" (16/147) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1872)
صلاة المغرب خلف من يصلي العشاء
[السُّؤَالُ]
ـ[رجعت من السفر ولم أكن صليت المغرب، ودخلت المسجد فوجدتهم يصلون العشاء، فهل أصلي العشاء معهم أم أصلي المغرب منفردا ثم أصلي العشاء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
بل تدخل مع الإمام في الصلاة بنية صلاة المغرب، ثم تجلس في الركعة الثالثة وتتشهد، وتسلم، ثم تدخل مع الإمام فيما بقي من صلاة العشاء، أو تنتظر في التشهد حتى يتم الإمام صلاته وتسلم معه، ثم تصلي العشاء.
وهذا مذهب الإمام الشافعي رحمه الله، وأحد القولين عن الإمام أحمد، وذكر المرداوي في "الإنصاف" (4/413) أنه اختارها جماعة من أصحاب الإمام أحمد منهم شيخ الإسلام ابن تيمية، وجده المجد ابن تيمية.
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (4/143) :
" ولو نوى الصبح خلف مصلي الظهر وتمت صلاة المأموم، فإن شاء انتظر في التشهد حتى يفرغ الإمام , ويسلم معه , وهذا أفضل , وإن شاء نوى مفارقته وسلم , و (لا) تبطل صلاته هنا بالمفارقة بلا خلاف، لتعذر المتابعة , وكذا فيما أشبهها من الصور " انتهى.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
تأخر المصلون عن صلاة المغرب، فوجدوا أن الإمام قام إلى صلاة العشاء، فهل يصلون المغرب جماعة أم يدخلون مع الإمام؟ وكيف يكون حالهم في الصلاة؟
فأجاب:
" الصحيح أن الإنسان إذا جاء والإمام في صلاة العشاء، سواء كان معه جماعة أم لم يكن، فإنه يدخل مع الإمام بنية المغرب، ولا يضر أن تختلف نية الإمام والمأموم لعموم قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) . فإن دخلوا معه في الركعة الثانية سلموا معه، لأنهم يكونون صلوا ثلاثاً، ولا يضر أن يكون جلسوا في الركعة الأولى، وإن دخلوا معه في أول ركعة، فإذا قام إلى الرابعة جلسوا وتشهدوا وسلموا، ثم دخلوا معه فيما بقي من صلاة العشاء.
القول الثاني في المسألة: أن يدخلوا معه بنية العشاء، ويصلوا بعده المغرب ويسقط الترتيب هنا مراعاةً للجماعة.
القول الثالث:
أن يصلوا وحدهم صلاة المغرب، ثم يدخلوا معه فيما بقي من صلاة العشاء، والقولان الأخيران فيهما محذور، أما الأول فمحذوره فوات الترتيب حيث قدم صلاة العشاء على صلاة المغرب، وأما الثاني فمحذوره إقامة جماعتين في مسجد واحد وفي آن واحد، وهذا تفريق للأمة.
أما القول الأول الذي ذكرنا أنه الصحيح، فربما قال قائل إن فيه محذوراً وهو تسليم هؤلاء قبل أن يسلم إمامهم، وهذا في الحقيقة ليس فيه محذور، فقد ورد انفراد المأموم عن الإمام في مواضع من السُّنَّة، منها: صلاة الخوف، فإن الإمام يصلي بهم ركعة ثم يتمون لأنفسهم وينصرفون.
ومنها: قصة الرجل الذي دخل مع معاذ بن جبل رضي الله عنه، فلما بدأ بسورة البقرة أو سورة نحوها انفصل عنه ولم يكمل معه.
ومنها: أن العلماء قالوا: لو أن الإنسان أثناء الصلاة وهو مأموم ثارت عليه الريح (الغازات) أو احتاج إلى نقض الوضوء ببول أو غائط، فإنه لا بأس أن ينوي الانفراد ويكمل صلاته وينصرف، فهذا يدل على أن الانفراد لحاجة لا يعتبر محذوراً " انتهى.
"لقاءات الباب المفتوح" (3/425) .
وسئل الشيخ ابن باز: دخلت المسجد وصلاة العشاء قائمة، وقبل الدخول في الصلاة تذكرت أنني لم أصل المغرب، فهل أصلي المغرب ثم أدرك ما أدرك من العشاء مع الجماعة، أم أصلي مع الجماعة ثم أصلي المغرب بعد ذلك؟
فأجاب: " إذا دخلت المسجد وصلاة العشاء مقامة، ثم تذكرت أنك لم تصل المغرب، فادخل مع الجماعة بنية صلاة المغرب، وإذا قام الإمام إلى الركعة الرابعة فاجلس أنت في الثالثة واقرأ التشهد الأخير - أعني التحيات والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم - والدعاء بعدها وانتظر الإمام حتى يسلم ثم تسلم معه، ولا يضر اختلاف النية بين الإمام والمأموم على الصحيح من أقوال أهل العلم، وإن صليت المغرب وحدك ثم دخلت مع الجماعة فيما أدركت من صلاة العشاء فلا بأس " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (12/189) .
وسئلت اللجنة الدائمة: ما هو العمل عندما ينسى الرجل صلاة الفجر مثلاً، ولا يتذكر إلا عندما أقيمت صلاة الظهر، أو نسي صلاة الظهر ولم يتذكر إلا عندما دخل وقت صلاة العصر، هل يدخل مع الإمام بنية الفرض الفائت أم بنية الوقت الحاضر، ويقضي بعد ذلك الوقت الفائت؟
فأجابت: " يصلي الصلاة التي نسيها وراء الإمام، ولا يضره اختلاف نيته عن نية الإمام على الصحيح من قولي العلماء " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (7/407) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1873)
هل يصلي المسافر قصرا في بيته أم جماعة في المسجد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أقمت ببلد إقامة مؤقتة أثناء سفري فهل الأفضل أن أقصر الصلاة في بيتي أو أصليها جماعة في المسجد تامة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صلاة الجماعة واجبة لا يجوز لمسلم تركها إلا لعذر، وقد سبق ذكر الأدلة على ذلك من الكتاب والسنة.
راجع السؤال رقم (8918) .
وعلى هذا، فعليك أداء الصلاة جماعة في المسجد، وإذا كان الإمام مقيماً (غير مسافر) فإنك تصلي معه الصلاة تامة غير مقصورة.
سئل الشيخ ابن باز: إذا سافر الإنسان إلى جدة مثلا، فهل يحق له أن يصلي ويقصر أم لا بد أن يصلي مع الجماعة في المسجد؟
فأجاب:
"إذا كان المسافر في الطريق فلا بأس، أما إذا وصل البلد فلا يصلي وحده، بل عليه أن يصلي مع الناس ويتم، أما في الطريق إذا كان وحده وحضرت الصلاة فلا بأس أن يصلي في السفر وحده ويقصر الرباعية اثنتين" اهـ.
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبد العزيز بن باز (12/297)
وسئل الشيخ ابن عثيمين متى وكيف تكون صلاة المسافر؟
فأجاب:
"صلاة المسافر ركعتان من حين أن يخرج من بلده إلى أن يرجع إليه , لقول عائشة رضي الله عنها: (الصلاة أول ما فرضت ركعتين , فأقرت صلاة السفر , وأتمت صلاة الحضر) . رواه البخاري (1090) ومسلم (685) وفي رواية (وزيد في صلاة الحضر) .
وقال أنس بن مالك رضي الله عنه: (خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة فصلى ركعتين، ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة) رواه البخاري (1081) ومسلم (693)
لكن إذا صلى مع إمام يتم صلى أربعاً سواء أدرك الصلاة من أولها, أم فاته شيء منها لعموم قول النبي صلي الله عليه وسلم: (إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة , وعليكم السكينة والوقار, ولا تسرعوا, فما أدركتم فصلوا , وما فاتكم فأتموا) . رواه البخاري (636) مسلم (602) . فعموم قوله: (ما أدركتم فصلوا , وما فاتكم فأتموا) يشمل المسافرين الذين يصلون وراء الإمام الذي يصلي أربعاً وغيرهم.
وسئل ابن عباس رضي الله عنهما ما بال المسافر يصلي ركعتين إذا انفرد , وأربعاً إذا ائتم بمقيم؟! فقال: تلك السنة. رواه مسلم (688) وأحمد (1865)
ولا تسقط صلاة الجماعة عن المسافر؛ لأن الله تعالى أمر بها في حال القتال فقال: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ) النساء/102. وعلى هذا فإذا كان المسافر في بلد غير بلده وجب عليه أن يحضر الجماعة في المسجد إذا سمع النداء إلا أن يكون بعيداً أو يخاف فوت رفقته, لعموم الأدلة الدالة على وجوب صلاة الجماعة على من سمع النداء أو الإقامة " اهـ.
مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين (15/252)
وسئل أيضاً:
إذا كنت في سفر وسمعت النداء للصلاة فهل يجب علي أن أصلي في المسجد , ولو صليت في مكان إقامتي فهل في ذلك شيء؟ إذا كانت مدة السفر أكثر من أربعة أيام متواصلة فهل أقصر الصلاة أم أتمها؟
فأجاب قائلاً: إذا سمعت الأذان وأنت في محل الإقامة وجب عليك أن تحضر إلى المسجد , لأن النبي صلي الله عليه وسلم قال للرجل الذي استأذنه في ترك الجماعة: (أتسمع النداء؟ قال: نعم، قال: فأجب) رواه مسلم (653) . وقال عليه الصلاة والسلام: (من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر) رواه الترمذي (217) . وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وليس هناك دليل يدل على تخصيص المسافر من هذا الحكم إلا إذا كان في ذهابك للمسجد تفويت مصلحة لك في السفر مثل أن تكون محتاجاً إلى الراحة والنوم فتريد أن تصلي في مقر إقامتك من أجل أن تنام , أو كنت تخشى إذا ذهبت إلى المسجد أن يتأخر الإمام في الإقامة وأنت تريد أن تسافر وتخشى من فوات الرحلة عليك , وما أشبه ذلك.
مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين (15/422) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1874)
حكم صلاة الجماعة على الرجال
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الصلاة في المنزل والمسجد قريب؟ مع العلم أن المصلين اثنان فقط.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صلاة الجماعة واجبة على الرجال الأصحاء، في المسجد، على الصحيح من أقوال العلماء.
وذلك لأدلة كثيرة منها:
1- قوله تعالى (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك) النساء / 102
(ووجه الاستدلال بالآية من وجوه:
أحدها: أمره سبحانه لهم بالصلاة في الجماعة، ثم أعاد هذا الأمر سبحانه مرة ثانية في حق الطائفة الثانية بقوله "ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك " وفي هذا دليل على أن الجماعة فرض على الأعيان إذ لم يسقطها سبحانه عن الطائفة الثانية بفعل الأولى، ولو كانت الجماعة سنة لكان أولى الأعذار بسقوطها عذر الخوف، ولو كانت فرض كفاية لسقطت بفعل الطائفة الأولى ففي الآية دليل على وجوبها على الأعيان، فهذه على ثلاثة أوجه: أمره بها أولا، ثم أمره بها ثانيا، وأنه لم يرخص لهم في تركها حال الخوف) انتهى كلام ابن القيم من كتاب الصلاة.
2- وفي الصحيحين - وهذا لفظ البخاري- عن أبي هريرة أن رسول الله قال: " والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحتطب ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها ثم آمر رجلا فيؤم الناس ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عَرْقا سمينا أو مِرْمَاتَين حسنتين لشهد العشاء ". البخاري (7224) ومسلم (651) .
والعرق: هو العظم على بقايا اللحم، وقيل هو اللحم.
والمرماة: هي ما بين ظلفي الشاة من اللحم، والظلف للغنم والبقر كالحافر للفرس.
قال ابن المنذر رحمه الله: (وفي اهتمامه بأن يحرق على قوم تخلفوا عن الصلاة بيوتهم أبين البيان على وجوب فرض الجماعة؛ إذ غير جائز أن يحرق الرسول الله صلى الله عليه وسلم من تخلف عن ندب وعما ليس بفرض) الأوسط 4/134.
ولمعرفة المزيد من الأدلة راجع السؤال رقم (8918)
وإذا ثبت وجوب صلاة الجماعة فالواجب فعلها في المسجد، ولا يجوز للرجل القادر على حضور الجماعة في المسجد أن يصلي في البيت ولو كان يصليها جماعة مع أهله.
قال الشيخ ابن باز:
وأما ترك الصلاة في الجماعة فمنكر لا يجوز، ومن صفات المنافقين.
والواجب على المسلم أن يصلي في المسجد في الجماعة، كما ثبت في حديث ابن أم مكتوم- وهو رجل أعمى- أنه قال: يا رسول الله، ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له فيصلي في بيته، فرخص له، فلما ولى دعاه، فقال: هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم، قال: فأجب " أخرجه مسلم في صحيحه (635) .
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر " أخرجه ابن ماجة، والدارقطني، وابن حبان، والحاكم بإسناد صحيح، قيل لابن عباس: ما هو العذر؟ قال: (خوف أو مرض) .
وفي صحيح مسلم (654) عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (لقد رأيتنا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يتخلف عن الصلاة في الجماعة إلا منافق أو مريض) .
والمقصود: أنه يجب على المؤمن أن يصلي في المسجد، ولا يجوز له التساهل والصلاة في البيت مع قرب المسجد. " انتهى
وكون المسجد لا يصلي فيه إلا رجلان يؤكد عليك حضور الجماعة، لتسلم من مغبة الإثم والتقصير وتشجيعاً لهما على حضور الجماعة من المسجد حتى لا يتسرب إليهما الكسل.
والاثنان فما فوقهما جماعة.
قال ابن هبيرة رحمه الله: (وأجمعوا على أن أقل الجمع الذي تنعقد به صلاة الجماعة في الفرض غير الجمعة اثنان: إمام ومأموم قائم عن يمينه) الإفصاح 1/155
وقال ابن قدامة رحمه الله: (تنعقد الجماعة باثنين فصاعدا، لا نعلم فيه خلافا) انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1875)
يصلي جميع الفروض في المسجد إلا الفجر فما الحكم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أصلي جميع الفروض في المسجد، والحمد لله، ما عدا الفجر أصليها في البيت، فهل هذا يجوز؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اعلم أيها الأخ المكرم أن من نعم الله تعالى عليك أن وفقك لأداء الصلوات في المسجد مع الجماعة، والوقوف بين يدي الله تعالى في بيته لإقامة هذه الشعيرة العظيمة، وأداء ما افترضه الله عليك، وليس هناك شيء أحب إلى الله تعالى من أداء فرائضه. وقد سبق بيان الأدلة على وجوب صلاة الجماعة [راجع السؤال رقم 8918] .
وأما ما ذكرته من أنك تصلي الفجر في بيتك، فهذا خطأ يجب عليك التوبة إلى الله تعالى منه، وبلية نسأل الله تعالى أن يعافينا وإياك منها؛ وذلك لأن الأدلة على وجوب صلاة الجماعة ليست خاصة بصلاة دون صلاة، بل هي عامة لجميع الصلوات، وأولها صلاة الفجر التي تسأل عنها.
وكيف تطيب نفسك يا عبد الله بترك صلاة الفجر مع الجماعة، وحرمانها من النور التام يوم القيامة. روى أبو داود (561) والترمذي (223) وابن ماجة (781) عَنْ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (بَشِّرْ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) صححه الألباني في صحيح الترغيب.
وكيف تطيب نفسك يا عبد الله بترك جماعة الفجر وحرمانها من اجتماع الملائكة، وشهادتها لك عند رب العالمين. روى البخاري (555) ومسلم (632) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلائِكَةٌ بِالنَّهَارِ وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاةِ الْفَجْرِ وَصَلاةِ الْعَصْرِ ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي فَيَقُولُونَ تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ) .
وكيف تطيب نفسك يا عبد الله بترك جماعة الفجر، وحرمانها من أجر قيام نصف ليلة. روى مسلم في صحيحه (656) عن عثمان رضي الله عنه قال: (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ) .
وفي رواية أبي داود (555) والترمذي (221) : (مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ كَانَ كَقِيَامِ نِصْفِ لَيْلَةٍ وَمَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ فِي جَمَاعَةٍ كَانَ كَقِيَامِ لَيْلَةٍ) .
وكيف تطيب نفسك يا عبد الله بترك جماعة الفجر وحرمانها من ذمة الله تعالى وجواره. عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى الصبح في جماعة فهو في ذمة الله، فمن أخفر ذمة الله كبه الله في النار لوجهه) قال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه الطبراني في الكبير في أثناء حديث، وهذا لفظه، ورجاله رجال الصحيح. وصححه الألباني في صحيح الترغيب.
وأصل الحديث في صحيح مسلم، باب: فضل صلاة العشاء والصبح في جماعة، (657)
وقوله: فمن أخفر الله: يعني: نقض عهد الله، ولم يف به، بأن آذى المؤمن الذي أدى الفجر في جماعة.
وكيف تطيب نفسك يا عبد الله بترك جماعة الفجر، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن التثاقل عن جماعة الفجر إنما هو شأن المنافقين. روى البخاري (657) ومسلم (651) واللفظ له، من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ أَثْقَلَ صَلاةٍ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلاةُ الْعِشَاءِ وَصَلاةُ الْفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا، وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلاةِ فَتُقَامَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إِلَى قَوْمٍ لا يَشْهَدُونَ الصَّلاةَ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ)
قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (كنا إذا فقدنا الرجل في الفجر والعشاء أسأنا به الظن) رواه الحاكم في المستدرك (764) وغيره، وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي والألباني.
إن المسلم الحريص على الصلاة في جماعة، كما وصفت من حالك، لا تطيب نفسه، إن شاء الله بترك حضور الجماعة في الفجر، بعد ما سمع من كلام النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك.
وفقنا الله وإياك لما يحبه ويرضاه.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1876)
هل تجب الجماعة في المسجد البعيد عن البيت
[السُّؤَالُ]
ـ[لي زوج ملتزم وهو يعلم أن أداء الصلاة واجبة في المسجد حال سماع الأذان، وفي منطقتنا مسجد يبعد 10 دقائق تقريبا مشيا، ولكن صوت الأذان لا يسمع أبدا حيث أن بيتنا يقع على شارع رئيسي، كما أن في هذه البلد يخاف المسلمون من إظهار صوت الأذان عاليا خوفا من تضييق النصارى. وزوجي لا يذهب إلى الصلاة في المسجد إلا حال خروجه لعمل ما لأجل تلك الحجة - كما أن الإمام يصلي بطريقة مختلفة قليلا وهذا لا يعجبه -، وهذا يضايقني جدا. لذا أرجوكم أن تعلموني بحكم عمله هذا لأني خائفة من إثمه.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صلاة الجماعة في المساجد، من أظهر شعائر الإسلام، وهي واجبة على كل رجل بالغ قادر يسمع النداء؛ لأدلة كثيرة منها قول النبي صلى الله عليه وسلم: " من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر " رواه ابن ماجه (793) والدارقطني والحاكم وصححه، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه.
وروى مسلم (653) عن أبي هريرة قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل أعمى فقال يا رسول الله إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له فيصلي في بيته فرخص له فلما ولى دعاه فقال هل تسمع النداء بالصلاة؟ فقال نعم قال: فأجب". إلى غير ذلك من الأدلة.
والمقصود بسماع النداء: سماعه بالصوت المعتاد بدون مكبرٍ عند هدوء الأصوات وعدم وجود ما يمنع السمع. مع مراعاة أن المؤذنين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يؤذنون على مكان مرتفع، كسطح المسجد ونحوه، وكانت أبنية المنازل قابلة لنفاذ الصوت وانتشاره، مما يمكن وصول صوت المؤذن إلى مسافة ليست بالقصيرة.
وعلى هذا فإن بُعد 10 دقائق مشياً يمكن في العادة أن يصله الصوت بالأوصاف المذكورة آنفاً، بل إنه يصل إلى ما هو أبعد من ذلك.
وعليه فيجب على زوجك أداء هذه الشعيرة في المسجد ما دام خالياً من الموانع الشرعية راجع السؤال رقم (20655)
وكون الإنسان لا تجب عليه الجماعة لبعد ونحوه، لا يعني أن تضعف همته فلا يطلب عاليَ الدرجات بحرصه ومثابرته على الجماعة، فكم في جماعة المسجد من خير يناله قاصدها، كقوله صلى الله عليه وسلم: " صلاة الجميع تزيد على صلاته في بيته وصلاته في سوقه خمسا وعشرين درجة فإن أحدكم إذا توضأ فأحسن وأتى المسجد لا يريد إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا رفعه الله بها درجة وحط عنه خطيئة حتى يدخل المسجد وإذا دخل المسجد كان في صلاة ما كانت تحبسه وتصلي عليه الملائكة ما دام في مجلسه الذي يصلي فيه اللهم اغفر له اللهم ارحمه ما لم يحدث فيه " رواه البخاري (465) ومسلم (649) .
فمن منا لا يريد أن ترفع درجاته وأن تحط خطاياه وأن تستغفر له ملائكة الرحمن؟!
فينبغي لزوجك أن يحرص على جماعة المسجد وأن يسعى في تكثير سواد المسلمين، وأن يدرك أن ثبات المسلمين على دينهم وإحياءهم لشعائرهم من أهم عوامل بقائهم وصمودهم وانتصارهم على أعدائهم، بل هذا الثبات لون من ألوان الدعوة المؤثرة في جذب قلوب الآخرين.
كما أن الأب ينبغي أن يكون قدوة صالحة أمام أهله وأولاده، فكيف يعتاد أبناؤه عمارة المساجد وهم يرونه لا يخرج إليها إلا عند وجود حاجة دنيوية؟ وقد أثنى الله على عمار المساجد بقوله: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) التوبة / 18
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن فضل صلاة الجماعة إنما هو لمن خرج إليها لم يخرج لغيرها، وذلك قوله: " لا يريد إلا الصلاة " كما سبق في الحديث.
وينبغي أن ندرك أمرا مهما وهو أن جماعة من الفقهاء لا يرون وجوب صلاة الجماعة، كما هو المذهب المشهور عند فقهاء الحنفية، لكن ذلك لم يمنع آلاف المسلمين بل ملايين المسلمين المنتمين إلى هذا المذهب من شهود الجماعة والمحافظة عليها في أصعب الظروف وأحلكها، في بلاد البلقان وتركيا وشرق أوربا وغيرها، فليست القضية قضية وجوب وعدمه، وإنما هو الإيمان القوي، يدفع الإنسان إلى التشبه بنبيه صلى الله عليه وسلم، وبأصحابه الكرام، ولا يرضى لصاحبه بغير الدرجات العليا في الجنة.
لقد كان الصحابي يؤتى به يتكئ على الرجلين من شدة مرضه، حتى يقف في الصف، وهو معذور لو تخلف عن الجماعة، فما الذي حركه وقاده وساقه؟ إنه الإيمان.
فصاحب الهمة لا يسأل عن الوجوب، وإنما يبحث عن الشعيرة، والهدي، والسنة، والمنهاج.
قال ابن مسعود رضي الله عنه: (من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن فإن الله شرع لنبيكم صلى الله عليه وسلم سنن الهدى وإنهن من سنن الهدى ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة ويرفعه بها درجة ويحط عنه بها سيئة ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق ولقد كان الرجل يؤتي به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف) رواه مسلم (654) .
وما ذكرناه في مسألة سماع النداء هو ما أفتى به سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، حيث سئل عن رجل يسكن في بيت بعيد عن المسجد ويضطر لاستخدام السيارة للذهاب إلى الصلاة، وإذا مشى على قدميه أحيانا تفوته الصلاة، وأنه يسمع الأذان عبر مكبرات الصوت، فهل عليه حرج إذا صلى في البيت أو مع ثلاثة أو أربعة من الجيران في منزل أحدهم.
فأجاب الشيخ رحمه الله:
(الواجب عليك أن تصلي مع إخوانك المسلمين في المسجد إذا كنت تسمع النداء في محلك بالصوت المعتاد بدون مكبر عند هدوء الأصوات وعدم وجود ما يمنع السماع.
فإن كنت بعيدا لا تسمع صوت النداء بغير مكبر جاز لك أن تصلي في بيتك أو مع بعض جيرانك؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للأعمى لما استأذنه أن يصلي في بيته: "هل تسمع النداء بالصلاة؟ " قال: نعم. قال: "فأجب". رواه الإمام مسلم في صحيحه.
ولقوله صلى الله عليه وسلم: "من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر" خرجه ابن ماجه والدارقطني وابن حبان والحاكم بإسناد صحيح، ومتى أجبت المؤذن ولو كنت بعيدا وتجشمت المشقة على قدميك أو في السيارة فهو خير لك وأفضل، والله يكتب لك آثارك ذاهبا إلى المسجد وراجعا منه مع الإخلاص والنية؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لرجل كان بعيدا عن المسجد النبوي وكانت لا تفوته صلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم، فقيل له: لو اشتريت حمارا تركبه في الرمضاء وفي الليلة الظلماء؟ فقال رضي الله عنه: ما أحب أن يكون بيتي بقرب المسجد إني أحب أن يكتب لي ممشاي إلى المسجد ورجوعي إلى أهلي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله قد جمع لك ذلك كله " خرجه الإمام مسلم في الصحيحه) انتهى من مجموع فتاوى الشيخ ابن باز 12/36
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1877)
هل يجوز تخطي الرقاب ليرجع إلى موضعه الذي قام منه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[في صلاة التراويح يأتي بعض الإخوة من بعد المغرب بقليل ليجلسوا في الصف الأمامي، ثم يريد أن يعود للخلف، ربما للوضوء أو غيره، فهل يرجع إلى مكانه ثانية؟ وهل يعتبر هذا تخطٍ للرقاب؟ نرجو التفصيل في موضوع تخطي الرقاب.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: من جلس في مكان من المسجد فقام منه لحاجة، كوضوء أو غيره ثم عاد إليه فهو أحق به، لقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ) رواه مسلم (2179) .
وقوله صلى الله عليه وسلم: (الرَّجُلُ أَحَقُّ بِمَجْلِسِهِ، وَإِنْ خَرَجَ لِحَاجَتِهِ، ثُمَّ عَادَ فَهُوَ أَحَقُّ بِمَجْلِسِهِ) رواه الترمذي (2751) وصححه الألباني في صحيح الجامع (3544) .
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (66279) .
ويجب على من جلس فيه أن يقوم منه إذا رجع إليه الأول.
قال النووي رحمه الله: " هذا هو الصحيح عند أصحابنا، وأنه يجب على من قعد فيه مفارقته إذا رجع الأول، وقال بعض العلماء: هذا مستحب ولا يجب، وهو مذهب مالك، والصواب الأول " انتهى من "شرح النووي على صحيح مسلم" (14/162) .
وهذا إذا ترك المكان لعذر، ثم عاد إليه، فأما إن تركه لغير عذر فيبطل حقه فيه بلا خلاف.
ذكره النووي في "المجموع" (4/420) .
ثانياً: إذا كان يترتب على رجوعه إلى مكانه الذي يجلس فيه تخطي الرقاب، فينبني الحكم فيه على حكم مسألتين: تخطي الرقاب، وتخطي الرقاب إلى فرجة في الصف المقدم.
أما تخطي الرقاب فقد اختلف العلماء في ذلك على قولين، فذهب جمع من العلماء إلى كراهة ذلك، وذهب آخرون إلى تحريمه.
وسبق في جواب السؤال (41731) بيان ذلك، وأن الصحيح هو القول بالتحريم.
هذه المسألة الأولى، وأما المسألة الثانية وهي حكم تخطي الرقاب إلى فرجة في الصف المقدم.
قال ابن قدامة في "المغني" (2/101) :
" إذا جلس في مكان ثم بدت له حاجة , أو احتاج إلى الوضوء , فله الخروج [يعني ولو أدى ذلك إلى تخطي الرقاب] قال عقبة: صَلَّيْتُ وَرَاءَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ الْعَصْرَ , فَسَلَّمَ , ثُمَّ قَامَ مُسْرِعًا , فَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ إلَى حُجَرِ بَعْضِ نِسَائِهِ فَقَالَ: (ذَكَرْتُ شَيْئًا مِنْ تِبْرٍ عِنْدَنَا فَكَرِهْتُ أَنْ يَحْبِسَنِي , فَأَمَرْتُ بِقِسْمَتِهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.. . فإذا قام من مجلسه , ثم رجع إليه فهو أحق به. . وحكمه في التخطي إلى موضعه حكم من رأى بين يديه فرجة " انتهى باختصار.
وقال أيضاً:
" " فإن رأى فرجة لا يصل إليها إلا بالتخطي , ففيه روايتان:
إحداهما: له التخطي. قال أحمد: يدخل الرجل ما استطاع , ولا يدع بين يديه موضعا فارغا , فإن جهل فترك بين يديه خاليا فليتخط الذي يأتي بعده , ويتجاوزه إلى الموضع الخالي , فإنه لا حرمة لمن ترك بين يديه خاليا , وقعد في غيره. وقال الأوزاعي: يتخطاهم إلى السعة. وقال قتادة: يتخطاهم إلى مصلاه. وقال الحسن: تخطوا رقاب الذين يجلسون على أبواب المساجد , فإنه لا حرمة لهم , وعن أحمد , رواية أخرى: إن كان يتخطى الواحد والاثنين فلا بأس , لأنه يسير , فعفي عنه , وإن كثر كرهناه , وكذلك قال الشافعي , إلا أن لا يجد السبيل إلى مصلاه إلا بأن يتخطى , فيسعه التخطي , إن شاء الله تعالى , ولعل قول أحمد , ومن وافقه في الرواية الأولى , فيما إذا تركوا مكانا واسعا , مثل الذين يصفون في آخر المسجد , ويتركون بين أيديهم صفوفا خالية , فهؤلاء لا حرمة لهم كما قال الحسن ; لأنهم خالفوا أمر النبي صلى الله عليه وسلم ورغبوا عن الفضيلة وخير الصفوف , وجلسوا في شرها , ولأن تخطيهم مما لا بد منه , وقوله الثاني في حق من لم يفرطوا , وإنما جلسوا في مكانهم ; لامتلاء ما بين أيديهم , لكن فيه سعة يمكن الجلوس فيه لازدحامهم , ومتى كان لم يمكن الصلاة إلا بالدخول وتخطيهم , جاز ; لأنه موضع حاجة " انتهى.
وقال النووي في "المجموع" (4/420) :
" وإن رأى فرجة قدامهم , لا يصلها إلا بالتخطي، قال الأصحاب: لم يكره التخطي ; لأن الجالسين وراءها مفرطون بتركها , وسواء وجد غيرها أم لا، وسواء كانت قريبة أم بعيدة، لكن يستحب إن كان له موضع غيرها أن لا يتخطى , وإن لم يكن موضع , وكانت قريبة بحيث لا يتخطى أكثر من رجلين ونحوهما دخلها , وإن كانت بعيدة ورجا أنهم يتقدمون إليها إذا أقيمت الصلاة يستحب أن يقعد موضعه ولا يتخطى , وإلا فليتخط. . . ثم ذكر عن قتادة أنه قال: يتخطاهم إلى مجلسه، وعن أبي نصر جواز ذلك بإذنهم , قال ابن المنذر: لا يجوز شيء من ذلك عندي. لأن الأذى يحرم قليله وكثيره " انتهى باختصار.
ونقل الحافظ في "فتح الباري" (2/433) عن الإمام الشافعي رحمه الله أنه قال:
أَكْرَه التَّخَطِّيَ إِلا لِمَنْ لا يَجِد السَّبِيل إِلَى الْمُصَلَّى إِلا بِذَلِكَ اهـ.
ثم قال الحافظ: " وَهَذَا يَدْخُل فِيهِ الإِمَام، وَمَنْ يُرِيد وَصْل الصَّفّ الْمُنْقَطِع إِنْ أَبَى السَّابِقُ مِنْ ذَلِكَ، وَمَنْ يُرِيد الرُّجُوع إِلَى مَوْضِعه الَّذِي قَامَ مِنْهُ لِضَرُورَةٍ " انتهى
وقال الشيخ ابن عثيمين في " الشرح الممتع" (5/70) :
" فإن قال قائل: الحديث عام (اجلس فقد آذيت) ؛ لأن ظاهر الحال أن هناك فرجة؛ لأنه ليس من العادة أن يتخطى الإنسان الرقاب إلا إلى فرجة.
ولكن الفقهاء رحمهم الله استثنوا هذه المسألة، فقالوا: لأنه إذا كان ثمة فرجة فإنهم هم الذين جنوا على أنفسهم؛ لأنهم مأمورون أن يكملوا الأول فالأول، فإذا كان ثمة فرجة فقد خالفوا الأمر، وحينئذٍ يكون التفريط منهم، وليس من المتخطي.
ولكن الذي أرى: أنه لا يتخطى حتى ولو إلى فرجة؛ لأن العلة وهي الأذية موجودة، وكونهم لا يتقدمون إليها قد يكون هناك سبب من الأسباب، مثل: أن تكون الفرجة في أول الأمر ليست واسعة، ثم مع التزحزح اتسعت، فحينئذٍ لا يكون منهم تفريط، فالأولى الأخذ بالعموم وهو ألا يتخطى إلى الفرجة، لكن لو تخطى برفق واستأذن ممن يتخطاه إلى هذه الفرجة فأرجو أن لا يكون في ذلك بأس " انتهى.
والحاصل أن تخطي رقاب الناس لا يخلو من حالين:
الأولى:
أن يكون لغير عذر، فهذا يحرم لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً) الأحزاب/58.
ولقوله عليه الصلاة والسلام للرجل الذي تَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ: (اجْلِسْ، فَقَدْ آذَيْتَ) .
الثانية:
أن يكون ذلك لعذر، فلا حرج فيه إن شاء الله، ويدخل في ذلك عدة صور:
فمنها: الإمام إذا كان لا يجد طريقاً إلى موضعه إلا بالتخطي.
ومنها: أن يريد الخروج من مكانه لحاجة، لحديث عقبة المتقدم.
ومنها: إذا كان جالسا في موضع متقدم ثم قام منه لعارض ثم عاد إليه جاز له التخطي.
وخلاصة الجواب:
أنه لا حرج إن شاء الله تعالى على من تخطى الرقاب ليعود إلى مجلسه الذي قام منه، على أن يكون ذلك برفق ويستأذن من الناس، وقد جرت عادة الناس بالتسامح مع من يتخطى إلى موضعه الذي قام منه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1878)
صلاة النافلة جماعة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن أصلي صلاة النافلة جماعة، مثل: قيام الليل أو صلاة الضحى؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في صلاة النافلة جماعةً، لكن لا يفعل ذلك باستمرار، وإنما يفعله أحياناً.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" صلاة التطوع في جماعة نوعان: أحدهما: ما تسن له الجماعة الراتبة كالكسوف والاستسقاء وقيام رمضان , فهذا يفعل في الجماعة دائما كما مضت به السنة. الثاني: ما لا تسن له الجماعة الراتبة كقيام الليل , والسنن الرواتب , وصلاة الضحى , وتحية المسجد ونحو ذلك. فهذا إذا فعل جماعة أحيانا جاز. وأما الجماعة الراتبة في ذلك فغير مشروعة بل بدعة مكروهة , فإن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين لم يكونوا يعتادون الاجتماع للرواتب على ما دون هذا. والنبي صلى الله عليه وسلم إنما تطوع في ذلك في جماعة قليلة أحيانا فإنه كان يقوم الليل وحده ; لكن لما بات ابن عباس عنده صلى معه , وليلة أخرى صلى معه حذيفة , وليلة أخرى صلى معه ابن مسعود , وكذلك صلى عند عتبان بن مالك الأنصاري في مكان يتخذه مصلى صلى معه , وكذلك صلى بأنس وأمه واليتيم. وعامة تطوعاته إنما كان يصليها منفردا " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (23/414) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم صلاة النافلة جماعة، مثل صلاة الضحى؟
فأجاب:
" صلاة النافلة جماعة أحياناً لا بأس بها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى جماعة في أصحابه في بعض الليالي، فصلى معه ذات مرة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وصلى معه مرة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وصلى معه مرة حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، أما حذيفة فأخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بالبقرة والنساء وآل عمران، لا يمر بآية وعيد إلا تعوذ، ولا بآية رحمة إلا سأل، وأما عبد الله بن مسعود فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فأطال النبي صلى الله عليه وسلم القيام، قال عبد الله بن مسعود: حتى هممت بأمر سوء. قيل: وما أمر السوء الذي هممت به؟ قال: أن أجلس وأدعه، وذلك من طول قيامه عليه الصلاة والسلام. وأما عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فإنه قام يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الليل عن يساره، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم برأسه فجعله عن يمينه.
والحاصل: أنه لا بأس أن يصلي الجماعة بعض النوافل جماعة، ولكن لا تكون هذه سنة راتبة كلما صلوا السنة صلوها جماعة؛ لأن هذا غير مشروع " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (14/334) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1879)
لا ينبغي استعمال مكبرات الصوت خارج المسجد في الصلاة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الأفضل أن نصلي التراويح والتهجد بالميكروفونات الداخلية للمسجد أم بالمايكروفونات الخارجية لكي يسمع الناس في الشوارع والبيوت المجاورة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا ينبغي استعمال مكبرات الصوت الخارجية في الصلاة، وسواء في ذلك صلاة التراويح والتهجد أم غيرها من الصلوات كالفجر والمغرب والعشاء. وذلك لما يترتب على هذا من مفاسد كثيرة وأذية لجيران المسجد.
سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمنين:
كثر في الآونة الأخيرة استعمال أئمة المساجد لمكبرات الصوت الخارجية والتي غالباً ما تكون في المئذنة وبصوت مرتفع جداً وفي هذا العمل تشويش بعض المساجد على بعض في الصلاة الجهرية لاستعمالهم المكبرات في القراءة. فما حكم استعمال مكبرات الصوت في الصلاة الجهرية إذا كان مكبر الصوت في المئذنة ويشوش على المساجد الأخرى؟
فأجاب:
"ما ذكرتم من استعمال مكبر الصوت في الصلاة الجهرية على المنارة فإنه منهي عنه؛ لأنه يحصل به كثير من التشويش على أهل البيوت والمساجد القريبة، وقد روى الإمام مالك رحمه الله في الموطأ (178) من شرح الزرقاني في (باب العمل في القراءة) عن البياضي فروة بن عمرو – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على الناس وهم يصلون وقد علت أصواتهم بالقراءة فقال: "إن المصلي يناجي ربه فلينظر بما يناجيه به ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن". وروى أبو داود (1332) تحت عنوان: (رفع الصوت بالقراءة في صلاة الليل) عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال: اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف الستر وقال: " ألا إن كلكم مناج ربه فلا يؤذين بعضكم بعضاً، ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة، أو قال في الصلاة ". قال ابن عبد البر: حديث البياضي وأبي سعيد ثابتان صحيحان.
ففي هذين الحديثين النهي عن الجهر بالقراءة في الصلاة حيث يكون فيه التشويش على الآخرين وأن في هذا أذية ينهى عنها. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (23/61) من مجموع الفتاوى: ليس لأحد أن يجهر بالقراءة بحيث يؤذي غيره كالمصلين.
وفي جواب له (1/350) من الفتاوى الكبرى: ومن فعل ما يشوش به على أهل المسجد، أو فعل ما يفضي إلى ذلك منع منه اهـ.
وأما ما يدعيه من يرفع الصوت من المبررات فجوابه من وجهين:
الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يجهر بعض الناس على بعض في القرآن وبين أن ذلك أذية، ومن المعلوم أنه لا اختيار للمؤمن ولا خيار له في العدول عما قضى به النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) .
ومن المعلوم أيضاً أن المؤمن لا يرضى لنفسه أن تقع منه أذية لإخوانه.
الوجه الثاني: أن ما يدعيه من المبررات – إن صح وجودها – فهي معارضة بما يحصل برفع الصوت من المحذورات فمن ذلك:
1- الوقوع فيما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم من جهر المصلين بعضهم على بعض.
2- أذية من يسمعه من المصلين وغيرهم ممن يدرس علماً أو يتحفظه بالتشويش عليهم.
3- شغل المأمومين في المساجد المجاورة عن الاستماع لقراءة إمامهم التي أمروا بالاستماع إليها.
4- أن بعض المأمومين في المساجد المجاورة قد يتابعون في الركوع والسجود الإمام الرافع صوته، لاسيما إذا كانوا في مسجد كبير كثير الجماعة حيث يلتبس عليهم الصوت الوافد بصوت إمامهم، وقد بلغنا أن ذلك يقع كثيراً.
5- أنه يفضي إلى تهاون بعض الناس في المبادرة إلى الحضور إلى المسجد؛ لأنه يسمع صلاة الإمام ركعة ركعة، وجزءاً جزءاً فيتباطأ اعتماداً على أن الإمام في أول الصلاة فيمضي به الوقت حتى يفوته أكثر الصلاة أو كلها.
6- أنه يفضي إلى إسراع المقبلين إلى المسجد إذا سمعوا الإمام في آخر قراءته كما هو مشاهد، فيقعون فيما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم من الإسراع بسبب سماعهم هذا الصوت المرفوع.
7- أنه قد يكون في البيوت من يسمع هذه القراءة وهم في سهو ولغو كأنما يتحدون القارئ وهذا على عكس ما ذكره رافع الصوت من أن كثيراً من النساء في البيوت يسمعن القراءة ويستفدن منها وهذه الفائدة تحصل بسماع الأشرطة التي سجل عليها قراءة القراء المجيدين للقراءة.
وأما قول رافع الصوت إنه قد يؤثر على بعض الناس فيحضر ويصلي لاسيما إذا كان صوت القارئ جميلاً، فهذا قد يكون حقاً، ولكنه فائدة فردية منغمرة في المحاذير السابقة.
والقاعدة العامة المتفق عليها: أنه إذا تعارضت المصالح والمفاسد، وجب مراعاة الأكثر منها والأعظم، فحكم بما تقتضيه فإن تساوت فدرء المفاسد أولى من جلب المصالح.
فنصيحتي لإخواني المسلمين أن يسلكوا طريق السلامة، وأن يرحموا إخوانهم المسلمين الذين تتشوش عليهم عباداتهم بما يسمعون من هذه الأصوات العالية حتى لا يدري المصلي ماذا قال ولا ماذا يقول في الصلاة من دعاء وذكر وقرآ.
ولقد علمت أن رجلاً كان إماماً وكان في التشهد وحوله مسجد يسمع قراءة إمامه فجعل السامع يكرر التشهد لأنه عجز أن يضبط ما يقول فأطال على نفسه وعلى من خلفه.
ثم إنهم إذا سلكوا هذه الطريق وتركوا رفع الصوت من على المنارات حصل لهم مع الرحمة بإخوانهم امتثال قول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يجهر بعضكم على بعض في القرآن ". وقوله: " فلا يؤذين بعضهم بعضاً، ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة ". ولا يخفى ما يحصل للقلب من اللذة الإيمانية في امتثال أمر الله ورسوله وانشراح الصدر لذلك وسرور النفس به اهـ.
وقال أيضاً:
" ولا مانع أن يستثنى من ذلك المسجدان المكي والنبوي، وكذلك الجوامع في صلاة الجمعة؛ لأنه ربما يكون بعض المصلين خارج المسجد فيحتاجون إلى سماع صوت الإمام بشرط أن لا تكون الجوامع متقاربة يشوش بعضها على بعض، فإن كانت كذلك فإنه توضع سماعات على جدار المسجد تسمع منها الخطبة والصلاة وتلغى حينئذ سماعات المنارة لتحصل الفائدة بدون أذية للآخرين" اهـ.
انظر: "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (13/74-96) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1880)
هل هناك زيادة أجر إذا كانت الجماعة أكثر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك أجر أكبر لمن صلى التراويح مع جماعة أكبر بالمقارنة مع الجماعة الأصغر؟ ما هي فوائد الصلاة مع جماعة كبيرة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، يزداد الأجر في النوافل والفرائض بحسب كثرة عدد المصلين.
عن أبيِّ بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صَلاةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ أَزْكَى مِنْ صَلاتِهِ وَحْدَهُ، وَصَلاةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلاتِهِ مَعَ الرَّجُلِ، وَمَا كَانُوا أَكْثَرَ فَهُوَ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) . رواه أبو داود (554) ، والنسائي (843) . حسنه الألباني في صحيح بي داود.
وروى البزار والطبراني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة رجلين يؤم أحدهما صاحبه أزكى عند الله من صلاة ثمانية تترى، وصلاة أربعة يؤمهم أحدهم أزكى عند الله من صلاة مائة تترى) . حسنه الألباني في صحيح الترغيب (412) .
" تترى ": أي: متفرقين.
قال السندي:
" أزكى " أي: أكثر أجراً.
" وما كانوا أكثر " أي: قدر ما كانوا أكثر فذلك القدر أحب مما دونه. " شرح النسائي " (2 / 105) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (31/221) :
" اجْتِمَاع النَّاسِ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ أَفْضَلُ مِنْ تَفْرِيقِهِمْ فِي مَسْجِدَيْنِ ; لأَنَّ الْجَمْعَ كُلَّمَا كَثُرَ كَانَ أَفْضَلَ. . . ثم استدل بهذا الحديث " اهـ.
وقال الشيخ ابن عثيمين:
لو قُدِّر أن هناك مسجدين، أحدهما أكثرُ جماعة مِن الآخر: فالأفضلُ أن يذهبَ إلى الأكثرِ جماعة؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: " صَلاةُ الرَّجُلِ مع الرَّجُلِ أزكى مِن صلاتِهِ وحدَهُ، وصلاتُهُ مع الرَّجُلَين أزكى مِن صلاتِهِ مع الرَّجُلِ، وما كانوا أكثرَ فهو أحبُّ إلى اللهِ "، وهذا عامٌّ، فإذا وُجِدَ مسجدان: أحدُهما أكثرُ جماعة مِن الآخرِ: فالأفضلُ أن تُصلِّيَ في الذي هو أكثر جماعة.
" الشرح الممتع " (4 / 150، 151) .
وذهب بعض العلماء إلى أن الجماعات لا تتفاوت في الفضل والأجر، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة) . متفق عليه. فجعل الجماعات كلها بسبع وعشرين وخمس وعشرين ولم يفرق بين جماعة وجماعة.
وقد رُدَّ عليهم في هذا الاستدلال.
قال ولي الدين العراقي:
" وليس في الحديث حجة لمن تعلق به في تساوي الجماعات ; لأنا نقول: أقل ما تحصل به الجماعة محصِّل للتضعيف، ولا مانع من تضعيف آخر بسبب آخر من كثرة الجماعة أو شرف المسجد أو بعد طريق المسجد أو غير ذلك " اهـ.
" طرح التثريب " (2 / 301، 302) .
يعني أنه متى انعقدت الجماعة ولو باثنين فقط حصل التضعيف المذكور في الحديث (سبعة وعشرون درجة) ولا مانع من أن يكثر الثواب بأسباب أخرى، ومنها كثرة الجماعة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1881)
حكم الإئتمام بالإمام من البيت
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الصلاة في البيت وراء الإمام والمسجد مأذنته مجاورة لسطح المنزل؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الصلاة في البيت خلف إمام المسجد، فلا تصح.
ولا تصح الصلاة مع الإمام في المسجد إلا إذا كان المأموم داخل المسجد، أو كان خارج المسجد واتصلت الصفوف، كما لو كان امتلأ المسجد بالمصلين، وصلى بعضهم خارج المسجد فصلاتهم صحيحة.
أما الصلاة خارج المسجد وفي المسجد مكان يمكن الصلاة فيه فإنها لا تصح.
وقد سئلت اللجنة الدائمة عمن صلى جماعة في منزله مكتفياً بسماع مكبرات الصوت من المسجد، ولم يتصل بين الإمام والمأموم ولو بواسطة وذلك واقع مكة والمدينة في الموسم؟
فأجابت:
" لا تصح الصلاة، وهذا مذهب الشافعية وبه قال الإمام أحمد، إلا إذا اتصلت الصفوف ببيته، وأمكنه الاقتداء بالإمام بالرؤية وسماع الصوت فإنها تصح، كما تصح صلاة الصفوف التي اتصلت بمنزله، أما بدون الشرط المذكور فلا تصح؛ لأن الواجب على المسلم أن يؤدي الصلاة في الجماعة في بيوت الله عز وجل مع إخوانه المسلمين، لقوله صلى الله عليه وسلم: " من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر " أخرجه ابن ماجه والحاكم، وقال الحافظ إسناده على شرط مسلم، ولقوله صلى الله عليه وسلم للأعمى الذي سأله أن يُصلي في بيته: " هل تسمع النداء بالصلاة؟ " قال نعم، قال: " فأجب " أخرجه مسلم في صحيحه. وبالله التوفيق."
فتاوى اللجنة الدائمة (8/32) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1882)
كراهة تشبيك الأصابع إذا خرج إلى الصلاة حتى يصلي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تشبيك الأصابع إذا كان في المسجد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا من آداب الخروج إلى المسجد التي جاءت بها السنة: أنه لا يشبك يديه.
عن أَبي ثُمَامَةَ الْحَنَّاط أَنَّ كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ أَدْرَكَهُ وَهُوَ يُرِيدُ الْمَسْجِدَ أَدْرَكَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ قَالَ: فَوَجَدَنِي وَأَنَا مُشَبِّكٌ بِيَدَيَّ فَنَهَانِي عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ ثُمَّ خَرَجَ عَامِدًا إِلَى الْمَسْجِدِ فَلا يُشَبِّكَنَّ يَدَيْهِ، فَإِنَّهُ فِي صَلاةٍ) رواه أبو داود (562) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
فهذا الحديث دليل على النهي عن تشبيك الأصابع حال المشي إلى المسجد للصلاة؛ لأن هذا العامد إلى المسجد في حكم المصلي.
قال الخطابي رحمه الله: " تشبيك اليد هو إدخال الأصابع بعضها في بعض , والاشتباك بهما , وقد يفعله بعض الناس عبثاً , وبعضهم ليفرقع أصابعه عندما يجده من التمدد فيها , وربما قعد الإنسان فشبك بين أصابعه واحتبى بيديه , يريد به الاستراحة , وربما استجلب به النوم , فيكون ذلك سبباً لانتقاض طهره , فقيل لمن تطهر وخرج متوجهاً إلى الصلاة: لا تشبك بين أصابعك؛ لأن جميع ما ذكرناه من هذه الوجوه على اختلافها لا يلائم شيءٌ منها الصلاة ولا يشاكل حال المصلي " انتهى من "معالم السنن" (1/295) .
وقد ورد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه في قصة ذي اليدين في موضوع سجود السهو بلفظ: (فَقَامَ إِلَى خَشَبَةٍ مَعْرُوضَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَاتَّكَأَ عَلَيْهَا كَأَنَّه غَضْبَانُ , وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى , وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ....) رواه البخاري (482) ومسلم (573) .
ولا منافاة بين هذا وما قبله؛ لأن هذا التشبيك وقع بعد انقضاء الصلاة في ظنه صلى الله عليه وسلم , فهو في حكم المنصرف عن الصلاة , ويكون النهي خاصاً بالمصلى؛ وبمن قصد المسجد، لأن ذلك من العبث وعدم الخشوع.
قال الإمام البخاري رحمه الله: " بَاب تَشْبِيك الأَصَابِعِ فِي الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ " وأورد أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه شبك بين أصابعه في المسجد وغيره، منها حديث ذي اليدين المتقدم.
قال الحافظ ابن حجر عن الجمع بين هذه الأحاديث وأحاديث النهي:
" وَجَمَعَ الإِسْمَاعِيلِيّ بِأَنَّ النَّهْيَ مُقَيَّد بِمَا إِذَا كَانَ فِي الصَّلاةِ أَوْ قَاصِدًا لَهَا، إِذْ مُنْتَظِر الصَّلاةِ فِي حُكْمِ الْمُصَلِّي. . ثم قال الحافظ: وَالرِّوَايَةُ الَّتِي فِيهَا النَّهْي عَنْ ذَلِكَ مَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ ضَعِيفَة كَمَا قَدَّمْنَا " انتهى.
"فتح الباري" (1/565) .
ومما يحسن التنبيه عليه أن من المصلين من يعبث بأصابعه يفرقعهما , وهذا عبث لا يليق بالمصلي , وهو دليل على عدم الخشوع , إذ لو خشع القلب لخشعت الجوارح وسكنت.
وعن شعبة مولى ابن عباس قال: صليت إلى جنب ابن عباس ففقَّعت أصابعي , فلما قضيت الصلاة قال: لا أمَّ لك! تفقع أصابعك وأنت في الصلاة! رواه ابن أبي شيبة (2/344) وقال الألباني في "إرواء الغليل" (2/99) : سنده حسن.
والخلاصة: أن تشبيك الأصابع مكروه لمن خرج إلى الصلاة , حتى يفرغ من الصلاة، وأن الجالس في المسجد لا حرج عليه في تشبيك أصابعه إلا إ ذا كان ينتظر الصلاة، فيكره له تشبيكها.
والله أعلم.
انظر: "أحكام حضور المساجد" للشيخ عبد الله بن صالح الفوزان (ص 67-68) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1883)
حكم صلاة النساء في المسجد وهن لا يرين الإمام ولا المأمومين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم صلاة النساء في المساجد التي لا يرين فيها الإمام ولا المأمومين وإنما يسمعن الصوت فقط؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز للمرأة وللرجل أيضا أن يصلي مع الجماعة في المسجد وإن لم ير الإمام ولا المأمومين إذا أمكن الاقتداء , فإذا كان الصوت يبلغ النساء في مكانهن من المسجد ويمكنهن أن يقتدين بالإمام فإنه يصح أن يصلين الجماعة مع الإمام؛ لأن المكان واحد , والاقتداء ممكن سواء كان عن طريق مكبر الصوت , أو عن طريق مباشر بصوت الإمام نفسه , أو بصوت المبلغ عنه , ولا يضر إذا كن لا يرين الإمام ولا المأمومين , وإنما اشترط بعض العلماء رؤية الإمام أو المأمومين فيما إذا كان الذي يصلي خارج المسجد , فإن الفقهاء يقولون يصح اقتداء المأموم الذي خارج المسجد إن رأى الإمام أو المأمومين , على أن القول الراجح عندي أنه لا يصح للمأموم أن يقتدي بالإمام في غير المسجد وإن رأى الإمام أو المأمومين إذا كان في المسجد مكان يمكنه أن يصلي فيه , وذلك لأن المقصود بالجماعة الاتفاق في المكان وفي الأفعال , أما لو امتلأ المسجد وصار من كان خارج المسجد يصلي مع الإمام ويمكنه المتابعة فإن الراجح جواز متابعته للإمام وائتمامه به سواء رأى الإمام أم لم يره إذا كانت الصفوف متصلة " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (15/213)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1884)
وجوب تسوية الصفوف في الصلاة ومعناها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تسوية الصفوف في صلاة الجماعة واجبة، بمعنى أن المصلين يأثمون إذا لم يسووا الصفوف؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لقد أولى الإسلام صفوف المصلين عناية كبيرة , حيث أمر بتسوية الصفوف , وأظهر فضيلة تسويتها , والاهتمام بها.
فعنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (سَوُّوا صُفُوفَكُمْ , فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصَّفِّ مِنْ تَمَامِ الصَّلاةِ) رواه البخاري (690) ومسلم (433) , وفي رواية للبخاري (723) : (سَوُّوا صُفُوفَكُمْ , فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنْ إِقَامَةِ الصَّلاةِ) .
وعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا فِي الصَّلاةِ وَيَقُولُ: (اسْتَوُوا , وَلا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ) رواه مسلم (432) .
وعن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رضي الله عنهما قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَوِّي صُفُوفَنَا حَتَّى كَأَنَّمَا يُسَوِّي بِهَا الْقِدَاحَ، حَتَّى رَأَى أَنَّا قَدْ عَقَلْنَا عَنْهُ ثُمَّ خَرَجَ يَوْمًا فَقَامَ حَتَّى كَادَ يُكَبِّرُ، فَرَأَى رَجُلا بَادِيًا صَدْرُهُ مِنْ الصَّفِّ، فَقَالَ: (عِبَادَ اللَّهِ، لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ) . رواه البخاري (717) ومسلم (436) .
قال النووي في "شرح مسلم":
" قَوْله: (يُسَوِّي صُفُوفنَا حَتَّى كَأَنَّمَا يُسَوِّي بِهَا الْقِدَاح) الْقِدَاح هِيَ خَشَب السِّهَام حِين تُنْحَت وَتُبْرَى , مَعْنَاهُ: يُبَالِغ فِي تَسْوِيَتهَا حَتَّى تَصِير كَأَنَّمَا يُقَوِّم بِهَا السِّهَام، لِشِدَّةِ اِسْتِوَائِهَا وَاعْتِدَالهَا " انتهى.
فهذه النصوص واضحة في وجوب تسوية الصفوف , قال البخاري رحمه الله في صحيحه: (باب إثم من لا يتم الصفوف) , وأورد فيه بسنده عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَقِيلَ لَهُ: مَا أَنْكَرْتَ مِنَّا مُنْذُ يَوْمِ عَهِدْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: (مَا أَنْكَرْتُ شَيْئًا إِلا أَنَّكُمْ لا تُقِيمُونَ الصُّفُوفَ) رواه البخاري (724) .
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": " يحتمل أن يكون البخاري أخذ الوجوب من صيغة الأمر في قوله صلى الله عليه وسلم: (سوّوا صفوفكم) ومن عموم قوله صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي) , ومن ورود الوعيد على تركه , فترجح عنده بهذا القرائن أن إنكار أنس إنما وقع على ترك الواجب , وإن كان الإنكار قد يقع على ترك السنن , ومع القول بأن التسوية واجبة فصلاة من خالف ولم يسوِّ صحيحة , لاختلاف الجهتين , ويؤيد ذلك أن أنساً مع إنكاره عليهم لم يأمرهم بإعادة الصلاة " انتهى.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" وقوله: (أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ) أي: بين وجهات نظركم حتى تختلف القلوب، وهذا بلا شكٍّ وعيدٌ على مَن تَرَكَ التسويةَ، ولذا ذهب بعضُ أهل العِلم إلى وجوب تسوية الصَّفِّ. واستدلُّوا لذلك: بأمْرِ النبي صلى الله عليه وسلم به، وتوعُّدِه على مخالفته، وشيء يأتي الأمرُ به، ويُتوعَّد على مخالفته لا يمكن أن يُقال: إنه سُنَّة فقط.
ولهذا كان القولُ الرَّاجحُ في هذه المسألة: وجوب تسوية الصَّفِّ، وأنَّ الجماعة إذا لم يسوُّوا الصَّفَّ فهم آثمون، وهذا هو ظاهر كلام شيخ الإِسلام ابن تيمية " انتهى.
"الشرح الممتع" (3/6) .
وتسوية الصف الواجبة هي ألا يتقدم أحد على أحد، لا بصدره، ولا بكعبه.
قال في عون المعبود":
" وَالْمُرَاد بِتَسْوِيَةِ الصُّفُوف: اِعْتِدَال الْقَائِمِينَ بِهَا عَلَى سَمْت وَاحِد " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" وتسوية الصَّفِّ تكون بالتساوي، بحيث لا يتقدَّم أحدٌ على أحد، وهل المعتبر مُقدَّم الرِّجْلِ؟
الجواب: المعتبر المناكب في أعلى البَدَن، والأكعُب في أسفل البَدَن. . .
وإنما اعتُبرت الأكعب؛ لأنها في العمود الذي يَعتمد عليه البدنُ، فإن الكعب في أسفل السَّاق، والسَّاقُ هو عمودُ البَدَن، فكان هذا هو المُعتبر. وأما أطراف الأرجُل فليست بمعتبرة؛ وذلك لأن أطراف الأرجُلِ تختلف، فبعض الناس تكون رِجْلُه طويلة، وبعضهم قصيرة، فلهذا كان المعتبر الكعب.
وهناك تسوية أخرى بمعنى الكمال؛ يعني: الاستواء بمعنى الكمال، كما قال الله تعالى: (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى) القصص/14، أي: كَمُلَ، فإذا قلنا: استواءُ الصَّفِّ بمعنى كماله؛ لم يكن ذلك مقتصراً على تسوية المحاذاة، بل يشمَل عِدَّة أشياء:
1 - تسويةَ المحاذاة، وهذه على القول الرَّاجح واجبة، وقد سبقت.
2 - التَّراصَّ في الصَّفِّ، فإنَّ هذا مِن كماله، وكان النبي صلى اله عليه وسلم يأمر بذلك، ونَدَبَ أمَّتَهُ أن يصفُّوا كما تصفُّ الملائكةُ عند ربِّها، يتراصُّون ويكملون الأول فالأول، ولكن المراد بالتَّراصِّ أن لا يَدَعُوا فُرَجاً للشياطين، وليس المراد بالتَّراص التَّزاحم؛ لأن هناك فَرْقاً بين التَّراصِّ والتَّزاحم؛ ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أقيموا الصفوف، وحاذوا بين المناكب ... ولا تذروا فُرُجَات للشيطان) أي: لا يكون بينكم فُرَج تدخل منها الشياطين؛ لأن الشياطِين يدخلون بين الصُّفوفِ كأولاد الضأن الصِّغارِ؛ من أجل أن يُشوِّشوا على المصلين صلاتَهم.
3 - إكمالَ الأول فالأول، فإنَّ هذا مِن استواءِ الصُّفوف، فلا يُشرع في الصَّفِّ الثاني حتى يَكمُلَ الصَّفُّ الأول، ولا يُشرع في الثالث حتى يَكمُلَ الثاني وهكذا، وقد نَدَبَ النبي صلى الله عليه وسلم إلى تكميل الصفِّ الأول فقال: (لو يعلم الناسُ ما في النِّداءِ والصَّفِّ الأولِ؛ ثم لم يجدوا إلا أن يَسْتَهِمُوا عليه لاسْتَهَمُوا) . يعني: يقترعون عليه؛ فإذا جاء اثنان للصفِّ الأول، فقال أحدهم: أنا أحقُّ به منك، وقال الآخر: أنا أحقُّ، قال: إذاً نقترعُ، أيُّنا يكون في هذا المكان الخالي.
ومِنْ لَعِبِ الشيطان بكثير من الناس اليوم: أنهم يرون الصفَّ الأول ليس فيه إلا نصفُه، ومع ذلك يشرعون في الصفِّ الثاني، ثم إذا أُقيمت الصلاة، وقيل لهم: أتمُّوا الصفَّ الأول، جعلوا يتلفَّتون مندهشين!!
4 - ومِن تسوية الصُّفوف: التقاربُ فيما بينها، وفيما بينها وبين الإِمام؛ لأنهم جماعةٌ، والجماعةُ مأخوذةٌ مِن الاجتماع: ولا اجتماع كامل مع التباعد، فكلما قَرُبَت الصُّفوفُ بعضها إلى بعض، وقَرُبَت إلى الإِمام كان أفضل وأجمل، ونحن نرى في بعض المساجد أنَّ بين الإِمام وبين الصَّفِّ الأول ما يتَّسع لصفٍّ أو صفَّين، أي: أنَّ الإِمام يتقدَّم كثيراً، وهذا فيما أظنُّ صادر عن الجهل، فالسُّنَّةُ للإمام أن يكون قريباً مِن المأمومين، وللمأمومين أن يكونوا قريبين مِن الإِمام، وأن يكون كلُّ صفٍّ قريباً مِن الصَّفِّ الآخر.
وحَدُّ القُرب: أن يكون بينهما مقدار ما يَسَعُ للسُّجودِ وزيادة يسيرة.
5 - ومِن تسوية الصُّفوفِ وكمالها: أن يدنوَ الإِنسانُ مِن الإِمامِ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لِيَلِنِي منكم أولُو الأحْلامِ والنُّهَى) وكلَّما كان أقربَ كان أَولى، ولهذا جاء الحثُّ على الدُّنوِّ مِن الإِمام في صلاة الجُمعة، لأن الدُّنوَّ مِن الإِمام في صلاة الجُمعة يحصُل به الدُّنُو إليه في الصَّلاةِ، وفي الخطبة، فالدُّنُو مِن الإِمام أمرٌ مطلوب، وبعضُ الناس يتهاون بهذا؛ ولا يحرِصُ عليه.
6 - ومِن تسوية الصُّفوف: تفضيل يمين الصفِّ على شماله، يعني: أنَّ أيمن الصَّفِّ أفضل مِن أيسره، ولكن ليس على سبيل الإِطلاق؛ كما في الصَّفِّ الأول؛ لأنه لو كان على سبيل الإِطلاق، كما في الصف الأول؛ لقال الرَّسولُ عليه الصَّلاةُ والسَّلام: (أتمُّوا الأيمن فالأيمن) كما قال: (أتمُّوا الصَّفَّ الأول، ثم الذي يليه) . وإنما يكون يمين الصف أفضل من يساره إذا تساوى اليمينُ واليسار أو تقاربا، كما لو كان اليسار خمسة واليمين خمسة؛ وجاء الحادي عشر؛ نقول: اذهبْ إلى اليمين؛ لأنَّ اليمين أفضلُ مع التَّساوي، أو التقارب أيضاً؛ بحيث لا يظهر التفاوتُ بين يمين الصَّفِّ ويسارِه، أما مع التَّباعد فلا شكَّ أنَّ اليسار القريبَ أفضل من اليمين البعيد. ويدلُّ لذلك: أنَّ المشروع في أول الأمر للجماعة إذا كانوا ثلاثة أن يقف الإِمام بينهما، أي: بين الاثنين. وهذا يدلُّ على أن اليمينَ ليس أفضلَ مطلقاً؛ لأنه لو كان أفضلَ مطلقاً؛ لكان الأفضل أن يكون المأمومان عن يمينِ الإِمامِ، ولكن كان المشروعُ أن يكون واحداً عن اليمين وواحداً عن اليسار حتى يتوسَّط الإِمام، ولا يحصُل حَيْفٌ وجَنَفٌ في أحد الطرفين.
7 - ومِن تسوية الصُّفوفِ: أن تُفرد النِّساءُ وحدَهن؛ بمعنى: أن يكون النِّساءُ خلف الرِّجال، لا يختلط النِّساء بالرِّجال، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (خيرُ صُفوفِ الرِّجَالِ أوَّلُهَا، وشرُّها آخِرُها، وخيرُ صُفوفِ النِّساءِ آخرُها، وشرُّها أوَّلُها) فبيَّن عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أنه كلما تأخَّرت النِّساءُ عن الرِّجالِ كان أفضلَ.
إذاً؛ الأفضلُ أن تُؤخَّر النِّساءُ عن صفوفِ الرِّجَالِ، لما في قُربهنَّ إلى الرِّجَال مِن الفتنة. وأشدُّ مِن ذلك اختلاطُهنَّ بالرِّجال، بأن تكون المرأةُ إلى جانب الرَّجُلِ، أو يكون صَفٌّ مِن النِّساءِ بين صُفوفِ الرِّجَال، وهذا لا ينبغي، وهو إلى التَّحريمِ مع خوف الفتنة أقربُ.
ومع انتفاء الفتنة خِلافُ الأَولى، يعني: إذا كان النِّساءُ مِن محارمه فهو خِلافُ الأَولى، وخلاف الأفضل ".
"الشرح الممتع" (3/7-13) باختصار.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1885)
شرح حديث: (لا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمْ اللَّهُ) .
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف شرح هذا الحديث: (لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث رواه مسلم (438) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى فِي أَصْحَابِهِ تَأَخُّرًا، فَقَالَ لَهُمْ: (تَقَدَّمُوا فَأْتَمُّوا بِي وَلْيَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ، لا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمْ اللَّهُ) .
ومعنى الحديث:
أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجد بعض أصحابه متأخرين عن الصف الأول، فأمرهم بالتقدم إلى الصف الأول ليقتدوا به صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وليقتدي بهم من بعدهم، ممن يصلي في الصفوف المتأخرة الذين لا يرون النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ويحتمل أن المعني: يقتدي بهم من بعدهم من الأمة، لأنهم ينقلون إليهم صفة صلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التي رأوها. قاله السندي رحمه الله.
ثم قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ولا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمْ اللَّهُ) .
أي: لا يزال قوم يعتادون التأخر عن الصف الأول، أو عن الصفوف الأولى حتى يعاقبهم الله تعالى فيؤخرهم.
قيل معناه: يؤخرهم عن رحمته أو جنته، أو عظيم فضله، أو عن رفع المنزلة، أو عن العلم.
ولا مانع من حمل الحديث على جميع هذه المعاني.
قال الشيخ ابن عثيمين في معنى الحديث:
رأى النبي صلى الله عليه وسلم قوماً يتأخرون في المسجد يعني: لا يتقدمون إلى الصفوف الأولى فقال: (لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله) . وعلى هذا فيخشى على الإنسان إذا عود نفسه التأخر في العبادة أن يبتلى بأن يؤخره الله عز وجل في جميع مواطن الخير اهـ.
باختصار من فتاوى ابن عثيمين (13/54) .
وذهب بعض العلماء إلى أن المقصود بهذا جماعة من المنافقين، والصحيح أن الحديث عام وليس خاصا بالمنافقين.
قال الشوكاني في "نيل الأوطار":
قيل: إن هذا في المنافقين. والظاهر أنه عام لهم ولغيرهم. وفيه الحث على الكون في الصف الأول، والتنفير عن التأخر عنه اهـ.
والحاصل أن الحديث فيه الترغيب في صلاة الرجل في الصف الأول أو الصفوف الأولى، وذم اعتياده الصلاة في الصفوف المتأخرة.
نسأل الله تعالى أن يوفقنا للمسارعة إلى الخيرات والمسابقة إليها.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1886)
هل نشهد للرجل بالإيمان إذا كان يعتاد الصلاة في المسجد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يُشهد للرجل بالإيمان بمجرد اعتياده المساجد كما جاء في الحديث؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"نعم، لا شك أن الذي يحضر الصلوات في المساجد، حضوره لذلك، دليل على إيمانه، لأنه ما حمله على أن يخرج من بيته ويتكلف المشي إلى المسجد إلا الإيمان بالله عز وجل.
وأما قول السائل: "كما جاء في الحديث" فهو يشير إلى ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان". ولكن هذا الحديث ضعيف لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم" اهـ
[الْمَصْدَرُ]
من "فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (1/55) .(5/1887)
ما صحة حديث من داوم على أربعين تكبيرة إحرام من صلاة الفجر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك حديث فيمن داوم على أربعين تكبيرة إحرام من صلاة الفجر بريء من الكفر والنفاق على أن هناك حديث يبين ذلك لمن حافظ على تكبيرة الإحرام أربعين يوما.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جاء في شعب الإيمان للبيهقي من حديث أنس بن مالك مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم: (من صلى الغداة والعشاء الآخرة في جماعة لا تفوته ركعة كتب له براءتان براءة من النار وبراءة من النفاق) شعب الإيمان 3/62
قال في العلل المتناهية:" هذا حديث لا يصح ولا يعلم رواه غير بكر بن أحمد عن يعقوب بن تحية وكلاهما مجهول الحال " 1/432
لكن جاء في سنن الترمذي بلفظ: (من صلى لله أربعين يوما في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كتبت له براءتان براءة من النار وبراءة من النفاق) الترمذي برقم 241 وضعفه الترمذي، وحسنه الألباني
وهذا الحديث ضعفه أيضا جماعة من العلماء المتقدمين وأعلوه بالإرسال، وحسنه بعض المتأخرين. انظر تلخيص الحبير 2/27
وليس في الحديث الاقتصار على ذكر صلاة الفجر بل الأجر في الحديث مرتب على المحافظة على تكبيرة الإحرام في كل الصلوات الخمس.
ولاشك أن الحرص على إدراك تكبيرة الإحرام كل هذه المدة دليل على قوة في دين الشخص.
وما دام الحديث محتمل الصحة فيرجى لمن حرص على فعل ما فيه أن يكتب له هذا الفضل العظيم، وأقل ما يحصِّله الإنسان من هذا الحرص تربية نفسه على المحافظة على هذه الشعيرة العظيمة.
نسأل الله أن يكتب لنا ولكم البراءة من النفاق والنار إنه سميع مجيب.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1888)
إذا كان الإمام لا يجلس للاستراحة فهل يجلسها المأموم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إننا نصلي وراء أئمة لا يفعلون جلسة الاستراحة في الصلاة وحتى إذا أتيت لهم بكتب تحث عليها فلن يفعلوها، هل عندما أصلي وراءهم أفعلها رغم عدم فعلهم أم أنني أتبع الإمام في عدم فعلها؟ علما أن هذا سيجعلني لن أفعلها كما قلت لأنهم لن يفعلوها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: جلسة الاستراحة سنة من سنن الصلاة، وقد سبق في إجابة السؤال رقم (21985) بيان ذلك.
ثانياً: أمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المأموم بمتابعة الإمام، روى البخاري (688) ومسلم (412) عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ وَهُوَ شَاكٍ (أي مريض) فَصَلَّى جَالِسًا، وَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَامًا، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنْ اجْلِسُوا، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا.
ومعنى المتابعة: أن يشرع المأموم في أفعال الصلاة فور فراغ الإمام مما كان فيه. انظر سؤال رقم (33790)
انظر: "حاشية ابن قاسم" (2/285) ، "الشرح الممتع" (4/269) .
ثالثاً: إذا كان الإمام لا يجلس للاستراحة، فقد اختلف العلماء هل الأفضل للمأموم أن يجلس للاستراحة أم لا؟ وسبب الخلاف في المسألة هو: هل جلوس المأموم في هذه الحال وتأخره عن الإمام ينافي المتابعة التي أمر بها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أم لا؟
فذهب بعض العلماء إلى أن المأموم يجلس للاستراحة ولو لم يجلسها الإمام، وتأخر المأموم في هذه الحال يسير لا يضر.
قال النووي في "المجموع" (4/240) :
وَإِنْ تَرَكَ الإِمَامُ جلْسَةَ الاسْتِرَاحَةِ أَتَى بِهَا الْمَأْمُومُ , قَالَ أَصْحَابُنَا (يعني الشافعية) : لأَنَّ الْمُخَالَفَةَ فِيهَا يَسِيرَةٌ اهـ.
وذهب آخرون إلى أن المأموم لا يجلسها.
سئل شيخ الإسلام كما في "الفتاوى الكبرى" (1/135) عن رجل يصلي مأموما ويجلس بين الركعات جلسة الاستراحة ولم يفعل ذلك الإمام فهل يجوز ذلك له؟
فأجاب: جلسة الاستراحة قد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم جلسها لكن تردد العلماء هل فعل ذلك من كبر السن للحاجة أو فعل ذلك لأنه من سنة الصلاة؟ فمن قال بالثاني استحبها، كقول الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين، ومن قال بالأول لم يستحبها إلا عند الحاجة كقول أبي حنيفة ومالك وأحمد في الرواية الأخرى. ومن فعلها لم ينكر عليه وإن كان مأموما، لكون التأخر بمقدارها ليس هو من التخلف المنهى عنه عند من يقول باستحبابها. وهل هذا إلا فعل في محل اجتهاد؟ فإنه قد تعارض فعل هذه السنة عنده والمبادرة إلى موافقة الإمام، فإن ذلك أولى من التخلف لكنه يسير، فصار مثلما إذا قام من التشهد الأول قبل أن يكمله المأموم، والمأموم يرى أنه مستحب، أو مثل أن يسلم وقد بقي عليه يسير من الدعاء هل يسلم أو يتمه؟ ومثل هذه المسائل هي من مسائل الاجتهاد والأقوى أن متابعة الإمام أولى من التخلف لفعل مستحب والله أعلم اهـ.
وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (3/192) :
مسألة: إذا كان الإنسان مأموماً فهل يُسن له أن يجلس إذا كان يرى هذا الجلوس سنة أو متابعة الإمام أفضل؟
الجواب: أن متابعة الإمام أفضل، ولهذا يترك الواجب وهو التشهد الأول، ويفعل الزائد كما لو أدرك الإمام في الركعة الثانية فإنه سوف يتشهد في أول ركعة فيأتي بتشهد زائد من أجل متابعة الإمام، بل يترك الإنسان الركن من أجل متابعة الإمام، فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً) فيترك ركن القيام وركن الركوع، فيجلس في موضع القيام، ويومئ في موضع الركوع، كل هذا من أجل متابعة الإمام.
فإن قال قائل: هذه الجلسة يسيرة لا يحصل بها تخلف عن الإمام.
فالجواب: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا ركع فاركعوا وإذا سجد فاسجدوا وإذا كبّر فكبروا) فأتى بالفاء الدالة على الترتيب والتعقيب بدون مهلة، وهذا يدل على أن الأفضل في حق المأموم ألا يتأخر عن الإمام ولو يسيراً، بل يبادر بالمتابعة، فلا يوافق، ولا يسابق، ولا يتأخر، وهذا هو حقيقة الائتمام اهـ.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1889)
يقارب بين المصلين ليدخل معهم في الصف
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما أحضر إلى المسجد للصلاة والإمام قد كبر، أجد بعض الفراغات بين المصلين في الصف الذي أمام الصف الذي أريد أن أصلي فيه فهل يجوز أن أقارب بينهم وأدخل معهم في الصف لسد الفراغات؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتسوية الصفوف، وسد الخلل فيها، وإتمام الصف الأول فالأول، وذلك في أحاديث مشهورة، منها ما رواه البخاري (690) ومسلم (433) عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سووا صفوفكم فإن تسوية الصف من تمام الصلاة) . ولفظ البخاري: (من إقامة الصلاة) .
وروى أحمد (12374) وأبو داود (671) والنسائي (818) عن أنس أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أتموا الصف الأول ثم الذي يليه، فإن كان نقص فليكن في الصف المؤخر) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وروى أحمد (5724) وأبو داود (666) عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أقيموا الصفوف؛ فإنما تصفون كصفوف الملائكة، حاذوا بين المناكب، وسدوا الخلل، ولا تذروا فرجات للشيطان، ومن وصل صفا وصله الله، ومن قطع صفا قطعه الله) . والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود.
وعليه فمقاربتك بين المصلين، وسدك للفراغ في الصف المتقدم عمل مشروع محمود، ما لم يؤد ذلك إلى التضييق على المصلين وإيذائهم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1890)
أحوال المأموم مع إمامه في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[نرى بعض الناس يتأخر عن متابعة الإمام في الصلاة، والبعض الآخر يسبقه في السجود مثلاً أو الركوع أحياناً. فنرجو منكم التكرم ببيان حكم مسابقة الإمام أو التخلف عنه لعل الله أن ينفعنا بها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع:
" المأمومُ مع إمامِهِ له أحوالٌ أربعٌ:
1 _ سَبْقٌ.
2 _ تَخَلُّفٌ.
3 _ موافقةٌ.
4 _ متابعةٌ.
الأول: السَّبْقُ
بأن يسبق المأموم إمامه في ركن من أركان الصلاة كأن يسجد قبل الإمام أو يرفع قبله أو يسبقه بالركوع أو بالرفع من الركوع، وهو محرم ودليلُ هذا: قولُ النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تركَعُوا حتى يركعَ، ولا تسجدُوا حتى يسجدَ» والأصلُ في النَّهي التحريمُ، بل لو قال قائلٌ: إنَّه مِن كبائرِ الذُّنوبِ لم يُبْعِدْ؛ لقولِ النَّبيِّ: «أما يخشى الذي يرفعُ رأسَه قبلَ الإِمامِ أن يُحَوِّلَ اللهُ رأسَه رأسَ حِمارٍ، أو يجعلَ صورتَه صورةَ حِمارٍ» وهذا وعيدٌ، والوعيدُ مِن علاماتِ كون الذَّنْبِ مِن كبائرِ الذُّنوبِ.
حكم صلاة من سبق إمامه:
متى سَبَقَ المأمومُ إمامَه عالماً ذاكراً فصلاتُه باطلةٌ، وإنْ كان جاهلاً أو ناسياً فصلاتُه صحيحةٌ، إلا أنْ يزولَ عذره قبل أنْ يُدرِكَهُ الإمامُ فإنه يلزمُه الرجوعُ ليأتيَ بما سَبَقَ فيه بعدَ إمامِه، فإن لم يفعلْ عالماً ذاكراً بطلتْ صلاتُه، وإلا فلا.
الثاني: التَّخلُّفُ
والتَّخلُّفُ عن الإِمامِ نوعان:
1 _ تخلُّفٌ لعذرٍ.
2 _ وتخلُّفٌ لغير عذرٍ.
فالنوع الأول: أن يكون لعذرٍ، فإنَّه يأتي بما تخلَّفَ به، ويتابعُ الإمامَ ولا حَرَجَ عليه، حتى وإنْ كان رُكناً كاملاً أو رُكنين، فلو أن شخصاً سَها وغَفَلَ، أو لم يسمعْ إمامَه حتى سبقَه الإمامُ برُكنٍ أو رُكنين، فإنه يأتي بما تخلَّفَ به، ويتابعُ إمامَه، إلا أن يصلَ الإمامُ إلى المكان الذي هو فيه؛ فإنَّه لا يأتي به ويبقى مع الإِمامِ، وتصحُّ له ركعةٌ واحدةٌ ملفَّقةٌ مِن ركعتي إمامهِ الرَّكعةِ التي تخلَّفَ فيها والرَّكعةِ التي وصلَ إليها الإِمامُ. وهو في مكانِهِ. مثال ذلك:
رَجُلٌ يصلِّي مع الإِمامِ، والإِمامُ رَكَعَ، ورَفَعَ، وسَجَدَ، وجَلَسَ، وسَجَدَ الثانيةَ، ورَفَعَ حتى وَقَفَ، والمأمومُ لم يسمعْ «المُكبِّرَ» إلا في الرَّكعةِ الثانيةِ؛ لانقطاعِ الكهرباء مثلاً، ولنفرضْ أنه في الجمعة، فكان يسمعُ الإِمامَ يقرأُ الفاتحةَ، ثم انقطعَ الكهرباءُ فأتمَّ الإِمامُ الركعةَ الأُولى، وقامَ وهو يظنُّ أنَّ الإِمامَ لم يركعْ في الأُولى فسمعَه يقرأ (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ) الغاشية / 1
فنقول: تبقى مع الإِمامِ وتكونُ ركعةُ الإِمامِ الثانيةِ لك بقية الركعة الأولى فإذا سلَّمَ الإِمامُ فاقضِ الركعةَ الثانيةَ، قال أهلُ العِلمِ: وبذلك يكون للمأمومِ ركعةٌ ملفَّقةٌ مِن ركعتي إمامِهِ؛ لأَنه ائتَمَّ بإمامه في الأُولى وفي الثانية.
فإن عَلِمَ بتخلُّفِهِ قبلَ أن يصلَ الإِمامُ إلى مكانِهِ فإنَّه يقضيه ويتابعُ إمامَه، مثاله:
رَجُلٌ قائمٌ مع الإِمامِ فرَكَعَ الإِمامُ وهو لم يسمعْ الرُّكوعَ، فلما قال الإِمامُ: «سَمِعَ اللهُ لمَن حمِدَه» سَمِعَ التسميعَ، فنقول له: اركعْ وارفعْ، وتابعْ إمامَك، وتكون مدركاً للركعةِ؛ لأن التخلُّفَ هنا لعُذرٍ.
النوع الثاني: التخلُّف لغيرِ عُذرٍ.
إما أن يكون تخلُّفاً في الرُّكنِ، أو تخلُّفاً برُكنٍ.
فالتخلُّفُ في الرُّكنِ معناه: أن تتأخَّر عن المتابعةِ، لكن تدركُ الإِمامُ في الرُّكنِ الذي انتقل إليه، مثل: أن يركعَ الإِمامُ وقد بقيَ عليك آيةٌ أو آيتان مِن السُّورةِ، وبقيتَ قائماً تكملُ ما بقي عليك، لكنك ركعتَ وأدركتَ الإِمامَ في الرُّكوعِ، فالرَّكعةُ هنا صحيحةٌ، لكن الفعلَ مخالفٌ للسُّنَّةِ؛ لأنَّ المشروعَ أن تَشْرَعَ في الرُّكوعِ من حين أن يصلَ إمامك إلى الرُّكوعِ، ولا تتخلَّف؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا رَكَعَ فاركعوا» .
والتخلُّفُ بالرُّكنِ معناه: أنَّ الإِمامَ يسبقك برُكنٍ، أي: أن يركَعَ ويرفعَ قبل أن تركعَ. فالفقهاءُ رحمهم الله يقولون: إذا تخلَّفتَ بالرُّكوعِ فصلاتُك باطلةٌ كما لو سبقته به، وإنْ تخلَّفتَ بالسُّجودِ فصلاتُك على ما قال الفقهاءُ صحيحةٌ؛ لأنه تَخلُّفٌ برُكنٍ غيرِ الرُّكوعِ.
ولكن القولَ الراجحَ أنَّه إذا تخلَّفَ عنه برُكنٍ لغيرِ عُذرٍ فصلاتُه باطلةٌ، سواءٌ كان الرُّكنُ ركوعاً أم غير ركوع. وعلى هذا؛ لو أنَّ الإِمامَ رَفَعَ مِن السجدةِ الأولى، وكان هذا المأمومُ يدعو اللهَ في السُّجودِ فبقيَ يدعو اللهَ حتى سجدَ الإِمامُ السجدةَ الثانيةَ فصلاتُه باطلةٌ؛ لأنه تخلُّفٌ بركنٍ، وإذا سبقه الإِمامُ بركنٍ فأين المتابعة؟
الثالث: الموافقة:
والموافقةُ: إما في الأقوالِ، وإما في الأفعال، فهي قسمان:
القسم الأول: الموافقةُ في الأقوالِ فلا تضرُّ إلا في تكبيرةِ اإِحرامِ والسلامِ.
أما في تكبيرةِ الإِحرامِ؛ فإنك لو كَبَّرتَ قبلَ أن يُتمَّ الإِمامُ تكبيرةَ الإِحرام لم تنعقدْ صلاتُك أصلاً؛ لأنه لا بُدَّ أن تأتيَ بتكبيرةِ الإِحرامِ بعد انتهاءِ الإِمامِ منها نهائياً.
وأما الموافقةُ بالسَّلام، فقال العلماءُ: إنه يُكره أن تسلِّمَ مع إمامِك التسليمةَ الأُولى والثانية، وأما إذا سلَّمت التسليمةَ الأولى بعدَ التسليمة الأولى، والتسليمةَ الثانية بعد التسليمةِ الثانية، فإنَّ هذا لا بأس به، لكن الأفضل أن لا تسلِّمَ إلا بعد التسليمتين.
وأما بقيةُ الأقوالِ: فلا يؤثِّرُ أن توافق الإِمامَ، أو تتقدَّم عليه، أو تتأخَّرَ عنه، فلو فُرِضَ أنك تسمعُ الإِمامَ يتشهَّدُ، وسبقتَه أنت بالتشهُّدِ، فهذا لا يضرُّ لأن السَّبْقَ بالأقوالِ ما عدا التَّحريمةِ والتسَّليمِ ليس بمؤثرٍ ولا يضرُّ، وكذلك أيضاً لو سبقتَه بالفاتحة فقرأت: {ولا الضالين} [الفاتحة] وهو يقرأ: {إياك نعبد وإياك نستعين} [الفاتحة] في صلاةِ الظُّهرِ مثلاً، لأنه يُشرعُ للإِمامِ في صلاةِ الظُّهر والعصرِ أن يُسمِعَ النَّاسَ الآيةَ أحياناً كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفعلُ.
القسم الثاني الموافقةُ في الأفعالِ وهي مكروهةٌ.
مثال الموافقة: لما قالَ الإِمام: «الله أكبر» للرُّكوعِ، وشَرَعَ في الهوي هويتَ أنت والإِمامُ سواء، فهذا مكروهٌ؛ لأنَّ الرسولَ عليه الصلاة والسلام قال: «إذا رَكع فاركعوا، ولا تركعوا حتى يركعَ» وفي السُّجودِ لما كبَّرَ للسجودِ سجدتَ، ووصلتَ إلى الأرضِ أنت وهو سواء، فهذا مكروهٌ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عنه، فقال: «لا تسجدوا حتى يسجدَ» .
الرابع: المتابعة
المتابعة هي السُّنَّةُ، ومعناها: أن يَشْرَعَ الإنسانُ في أفعالِ الصَّلاةِ فَوْرَ شروعِ إمامِهِ، لكن بدون موافقةٍ.
فمثلاً: إذا رَكَعَ تركع؛ وإنْ لم تكملْ القراءةَ المستحبَّةَ، ولو بقيَ عليك آيةٌ، لكونها توجب التخلُّفَ فلا تكملها، وفي السُّجودِ إذا رفعَ مِن السجودِ تابعْ الإِمامَ، فكونك تتابعُه أفضلُ من كونك تبقى ساجداً تدعو الله؛ لأنَّ صلاتَك ارتبطت بالإِمامِ، وأنت الآن مأمورٌ بمتابعةِ إمامِكِ". انتهى بتصرف يسير، انظر الشرح الممتع 4/275
وينبغي ألا يشرع المأموم في الانتقال إلى الركن حتى يصل إليه الإمام، فلا يبدأ في الآنحناء للسجود حتى يضع الإمام جبهته على الأرض
قال البراءُ بن عَازب: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قال: «سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَه» لم يَحْنِ أحدٌ منَّا ظهرَهُ حتى يقعَ النبي صلى الله عليه وسلم سَاجداً، ثم نَقَعُ سجوداً بعدَه. رواه البخاري (690) ومسلم (474) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1891)
إذا أقيمت الصلاة وهو يصلي النافلة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كنت أصلي السنة وأقيمت الصلاة، فهل أسلم وألحق بالجماعة أم أكمل السنة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
روى مسلم (710) عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة) .
فهذا الحديث يدل على أنه إذا أقيمت الصلاة لم يكن لأحد أن يشرع في النافلة.
قال ابن قدامة رحمه الله: (وإذا أقيمت الصلاة , لم يشتغل عنها بنافلة , سواء خشي فوات الركعة الأولى أم لم يخش. وبهذا قال أبو هريرة , وابن عمر , وعروة , وابن سيرين , وسعيد بن جبير , والشافعي , وإسحاق , وأبو ثور) اهـ. "المغني" (1/272) .
واستدل بعض العلماء بهذا الحديث أيضاً على أن من كان في النافلة وأقيمت الصلاة أنه يقطعها.
قال الحافظ العراقي: (إن قوله: "فلا صلاة " يحتمل أن يراد: فلا يشرع حينئذ في صلاة عند إقامة الصلاة , ويحتمل أن يراد: فلا يشتغل بصلاة وإن كان قد شرع فيها قبل الإقامة بل يقطعها المصلي لإدراك فضيلة التحريم , أو أنها تبطل بنفسها وإن لم يقطعها المصلي , يحتمل كلا من الأمرين) .
ونقل عن الشيخ أبي حامد من الشافعية أن الأفضل خروجه من النافلة إذا أداه إتمامها إلى فوات فضيلة التحريم. [كلام العراقي نقله الشوكاني في نيل الأوطار 3/91] .
وبهذا أفتت اللجنة الدائمة، حيث سئلت:
هل يجوز أن أقطع النافلة وألحق تكبيرة الإحرام مع الإمام أو أتم النافلة؟
فأجابت:
نعم إذا أقيمت الصلاة المفروضة فاقطع النافلة التي أنت فيها لتدرك تكبيرة الإحرام مع الإمام، لما ثبت من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة)
فتاوى اللجنة الدائمة (7/312) .
ورجح الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أنه إذا أقيمت الصلاة وهو في الركعة الأولى من النافلة فإنه يقطعها، وإذا أقيمت وهو في الركعة الثانية فإنه يتمها خفيفة ولا يقطعها.
قال رحمه الله:
والذي نرى في هذه المسألة: أنك إن كنت في الركعة الثانية فأتمها خفيفة، وإن كنت في الركعة الأولى فاقطعها. ومستندنا في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) رواه البخاري (580) ومسلم (607) . وهذا الذي صلى ركعة قبل أن تقام الصلاة يكون أدرك ركعة من الصلاة سالمة من المعارض الذي هو إقامة الصلاة، فيكون قد أدرك الصلاة بإدراكه الركعة قبل النهي فليتمها خفيفة. . . ثم قال: وهذا هو الذي تجتمع به الأدلة اهـ. "الشرح الممتع" (4/238) .
وإذا قطع النافلة فإنه يقطعها من غير تسليم
سئلت اللجنة الدائمة (7/312) إذا أقيمت الصلاة وكان هناك شخص يؤدى ركعتي السنة أو تحية المسجد فهل يقطع صلاته ليصلي الفرض مع الجماعة.؟ وإذا كانت الإجابة بالإيجاب: فهل يسلم التسليمتين عند قطعه للصلاة أم يقطها بدون تسليم؟
فأجابت:
الصحيح من قولي العلماء أنه يقطع تلك الصلاة، ولا يحتاج الأمر في الخروج منها إلى تسليم وينضم إلى الإمام اهـ.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1892)
حكم بيع التحف الفخارية وحكم الصلاة في المحل
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب أعمل في محل مستقل أبيع تحف فخارية بنُزل لسياحة الأجانب، فهل يجوز لي شرعاً أن أصلى الفريضة في هذا المحل , مع العلم أنه من المستحيل أن يدخله السوَّاح وفي أيديهم الخمر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
بيع التحف الفخارية جائز للمسلمين والكفار، ولكن إذا كانت هذه التحف على هيئة تماثيل وصور لذوات الأرواح فإنه لا يحل بيعها ولا التجارة فيها إلا بعد إزالة الرأس.
قال علماء اللجنة الدائمة:
لا يجوز للمسلم أن يبيع التماثيل أو يتجر فيها لما ثبت في الأحاديث الصحيحة من تحريم تصوير ذوات الأرواح وإقامة التماثيل لها مطلقاً والإبقاء عليها، ولا شك أن في الاتجار فيها ترويجاً لها وإعانة على تصويرها وإقامتها بالبيوت والنوادي ونحوها.
وإذا كان ذلك محرَّماً: فالكسب من إنشائها وبيعها حرام، لا يجوز للمسلم أن يعيش منه بأكل أو كسوة أو نحو ذلك، وعليه إن وقع في ذلك أن يتخلص منه ويتوب إلى الله تعالى، عسى أن يتوب عليه، قال تعالى: {وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى} .
وقد صدرت فتوى منا في تحريم ذوات الأرواح مطلقاً سواء المجسمة وغير المجسمة، بنحت أو نسخ أو صبغ، أو بآلة التصوير الحديث.
" فتاوى إسلامية " (4 / 521) .
وفي جواب السؤال (7222) تفصيل في صناعة التماثيل وحرمة هذا الفعل.
ثانياً:
وأما بالنسبة للصلاة، فصلاة الجماعة واجبة في المسجد، وانظر السؤال رقم (120) فإن كان المسجد قريباً منك بحيث يمكنك سماع الأذان دون مكبرات فيجب عليك حضور صلاة الجماعة في المسجد.
وإن كان المسجد بعيداً بحيث لا يمكنك سماع الأذان إلا بالمكبرات: فلك أن تصلي في المحل، والأفضل أن تجعلوا لكم مكاناً تصلون فيه جماعة.
سئل الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله -:
هل يوجد تحديد للمسافة من بيته إلى المسجد؟
فأجاب:
المسافة ليس فيها تحديد شرعي، وإنما يحدد ذلك العرف أو سماع النداء على تقدير أنه بغير (المكرفون) .
" أسئلة الباب المفتوح " (سؤال رقم 700) .
وانظر السؤال رقم (20655) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1893)
جمع الصلاة بسبب المطر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز جمع صلاة الظهر مع العصر والمغرب مع العشاء في المطر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" يرخص في الجمع بين المغرب والعشاء جمع تقديم بأذان واحد وإقامة لكل منهما، من أجل المطر الذي يبل الثياب، ويحصل معه مشقة، من تكرار الذهاب إلى المسجد لصلاة العشاء، على الصحيح من قولي العلماء.
وكذا يجوز الجمع بينهما جمع تقديم للوحل الشديد، على الصحيح من أقوال العلماء، دفعاً للحرج والمشقة، قال الله تعالى: {وما جعل عليكم في الدين من حرج} الحج / 87، وقال: {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} البقرة / 286.
وقد جمع أبان بن عثمان رضي الله عنهما بين المغرب والعشاء في الليلة المطيرة، ومعه جماعة من كبار علماء التابعين، ولم يعرف لهم مخالف، فكان إجماعاً.
ذكر ذلك ابن قدامة في المغني. ويرخص للمريض مرضاً شديداً أن يجمع بين الظهر والعصر في وقت إحداهما، حسب ما يتيسر له، وكذلك يجمع بين المغرب والعشاء؛ دفعاً للحرج عنه "
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء (8/135)
فإن قيل: هل نجمع الصلاة – من أجل المطر – في المسجد أم في البيت؟
فالجواب:
" المشروع أن يجمع أهل المسجد إذا وجد مسوغ للجمع كالمطر؛ كسباً لثواب الجماعة، ورفقاً بالناس، وبهذا جاءت الأحاديث الصحيحة.
أما جمع جماعة في بيت واحد من أجل العذر المذكور فلا يجوز؛ لعدم وروده في الشرع المطهر، وعدم وجود العذر المسبب للجمع "
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء (8/134) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1894)
هل يدخل مع الإمام بعد الرفع من الركوع في الركعة الأخيرة أم ينتظر الجماعة الثانية
[السُّؤَالُ]
ـ[ذا دخلت مع الإمام بعد رفعه من ركوع الركعة الأخيرة فمعنى هذا أن الركعة فاتتني ولكن سمعت صوت جماعة أخرى فما الأفضل هل أكمل مع الإمام فرضي أم اعتبرها سنة وأصلي مع الجماعة الأخرى.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأفضل أن تدخل مع الإمام ثم تقضي ما فاتك لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) رواه البخاري (635) ومسلم (602)
وجه للجنة الدائمة للإفتاء سؤالان شبيهان بسؤالك هذا , وإليك نص السؤالان وجوابهما:
(ذهبت مرة للجامع لصلاة العصر حيث وجدت المصلين قد أدوا ثلاث ركعات والباقي واحدة شرعوا فيها بالفعل وسجدوا، هل علي أن ألحق بهم أو أنتظر حتى يفرغوا؟
الجواب:
المشروع في مثل حالتك أن تلحق بهم، فما أدركت معهم فصل وما فاتك فاقض، وإذا كان لحوقك بهم بعد الرفع من ركوع آخر ركعة فالحق بهم واقض صلاتك كلها بعد تسليم الإمام، لما رواه أبو داود رحمه الله (893) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئاً ومن أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة) . ولعموم ما رواه الشيخان البخاري ومسلم رحمهما الله عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون وعليكم بالسكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
السؤال: من أدرك التشهد الأخير وقبل تسليم الإمام هل يعتبر أدرك فضل صلاة الجماعة أم أجر المنفرد , وما هو الأفضل إذا دخل المسجد والإمام في التشهد الأخير هل يكمل التشهد أو الأفضل ينتظر أشخاصا قادمين ليصلوا معه؟
الجواب: لا يعتبر من أدرك مع الإمام التشهد الأخير من الصلاة مدركا للجماعة , لكن له ثواب بقدر ما أدرك مع الإمام من الصلاة , وإنما يعتبر مدركا للجماعة من أدرك مع الإمام ركعة على الأقل , لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ". والأفضل له أن يدخل مع الإمام لعموم حديث: " ما أدركتم فصلوا , وما فاتكم فاقضوا " رواه البخاري (635) ومسلم (602) . وبالله التوفيق ,) ا. هـ من "فتاوى اللجنة" (7/ 319-320) .
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1895)
شك المأموم بتقدمه على الإمام فما الحكم
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا شك المأموم هل هو متقدم في موقفه على الإمام أم لا؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صلاته صحيحة نص عليه الشافعي سواء جاء قدّام الإمام أو من ورائه. من فتاوى الإمام النووي ص 58.
ولكن لا يجوز أن يتعمّد التقدّم على الإمام، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1896)
هل الجندي ليس عليه صلاة الجمعة والجماعة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الجندي أثناء عمله ليس عليه جمعة ولا جماعة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"هذا فيه تفصيل، الجندي إذا كان حارساً على شيء للدولة كأن يكون حارساً على سجن، أو حارساً على مال يُخشى عليه، أو على محل من المحلات يخشى أن تنتهك، فهذا ليس عليه جمعة ولا جماعة، بل يصلي فرداً.
أما الجندي إذا لم يكن حارساً على شيء ولا مريضاً فإنه عليه مثل ما على الناس، فعليه أن يصلي الجمعة والجماعة، فهذا الإطلاق ليس له وجه، الجندي مثل غيره، إلا إذا كان هناك عذر شرعي من مرض أو خوف إذا خرج إلى الجمعة والجماعة أو كان حارساً على شيء يُخشى عليه، كأن يكون حارساً على باب السجن، أو على أموال يحرسها يخشى عليها، أو ما أشبه ذلك من عذر" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (2/988) .
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
فتاوى نور على الدرب(5/1897)
خطيب الجمعة يأمرهم بما يخالف الشرع فهل هذا مسوِّغ لترك الجمعة بالكلية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[في الفترة الأخيرة صار حضور صلاة الجمعة في مسجدي - وفي مساجد أخرى من منطقتي - بالأمر الصعب على نفسي، فقد صرت لا أود أن أشهد صلاة الجمعة فيها؛ فلقد طلب منا الأئمة الابتهال، والدعاء، والصلاة، من أجل " الولايات المتحدة الأمريكية "، وإبداء الرفض للمجاهدين، حتى إنه طُلب منَّا احترام أعياد الكافرين! وأعرف أن صلاة الجمعة فرض، ولكن ما جدواها إن لم يقع منها النفع؟ وليرض عنك ربك، والسلام عليكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صلاة الجمعة من الواجبات العينية والفروض المؤكدة على الرجال، وهي من شعائر الإسلام الظاهرة، وهي عيد المسلمين الأسبوعي المتكرر، وقد أمرنا الله بالسعي إلى المساجد يوم الجمعة حين يُنادى لها؛ لشهود الخطبة، والصلاة، وحرم البيع بعد سماع النداء حتى تؤدى الصلاة، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) الجمعة/ 9، 10.
وقد جاء الوعيد الشديد في ترك صلاة الجمعة مع غير عذر، وقد ذكرنا ذلك في جوابي السؤالين: (7699) و (39054) .
وخطأ الإمام أو بدعته وفسقه ليس مسوِّغاً لترك الجمعة.
والمشروع للمسلم أن يبحث عن خطيب حسن على منهج أهل السنة والجماعة، فيصلي خلفه، فإن لم يجد فإنه يصلي خلف الخطيب الموجود، ولو كان فاسقاً، أو مبتدعاً.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"ولو علم المأموم أن الإمام مبتدع يدعو إلى بدعته أو فاسق ظاهر الفسق، وهو الإمام الراتب الذي لا تمكن الصلاة إلا خلفه كإمام الجمعة والعيدين والإمام في صلاة الحج بعرفة ونحو ذلك، فإن المأموم يصلي خلفه عند عامة السلف والخلف، وهو مذهب أحمد والشافعي وأبي حنيفة وغيرهم.
ولهذا قالوا في العقائد: "إنه يصلي الجمعة والعيد خلف كل إمام براً كان أو فاجراً".
وكذلك إذا لم يكن في القرية إلا إمام واحد فإنها تصلى خلفه الجماعات، فإن الصلاة في جماعة خير من صلاة الرجل وحده وإن كان الإمام فاسقاً، هذا مذهب جماهير العلماء: أحمد بن حنبل والشافعي وغيرهما، بل الجماعة واجبة على الأعيان في ظاهر مذهب أحمد.
ومن ترك الجمعة والجماعة خلف الإمام الفاجر فهو مبتدع عند الإمام أحمد وغيره من أئمة السنة.
والصحيح: أنه يصليها ولا يعيدها، فإن الصحابة كانوا يصلون الجمعة والجماعة خلف الأئمة الفجار ولا يعيدون، كما كان ابن عمر يصلي خلف الحجاج ...
والفاسق والمبتدع صلاته في نفسه صحيحة، فإذا صلى المأموم خلفه لم تبطل صلاته، لكن إنما كره من كره الصلاة خلفه لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب، ومن ذلك: أن من أظهر بدعة أو فجوراً لا يرتب إماماً للمسلمين، فإنه يستحق التعزير حتى يتوب، فإذا أمكن هجره حتى يتوب كان حسناً، وإذا كان بعض الناس إذا ترك الصلاة خلفه وصلى خلف غيره أَثَّر ذلك حتى يتوب أو يعزل أو ينتهي الناس عن مثل ذنبه فمثل هذا إذا ترك الصلاة خلفه كان فيه مصلحة ولم يفت المأموم جمعة ولا جماعة، وأما إذا كان ترك الصلاة يفوت المأموم الجمعة والجماعة فهنا لا يترك الصلاة خلفهم إلا مبتدع مخالف للصحابة رضي الله عنهم.
وكذلك إذا كان الإمام قد رتبه ولاة الأمور ولم يكن في ترك الصلاة خلفه مصلحة فهنا ليس عليه ترك الصلاة خلفه، بل الصلاة خلف الإمام الأفضل أفضل، وهذا كله يكون فيمن ظهر منه فسق أو بدعة تظهر مخالفتها للكتاب والسنة" انتهى باختصار.
"مجموع الفتاوى" (23/352 – 355) .
فعلى هذا، عليك أن تصلي الجمعة والجماعة مع هذا الإمام إن لم يوجد غيره، وعليك أيضاً أن تقوم بنصيحته برفق ولين، وتبين له الصواب، لعله يرجع عن خطئه ويهديه الله.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1898)
يتأخر عن الجماعة خشية أن يؤم المصلين
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب ملتزم وأحب الصلاة، لكني في بعض الأحيان أذهب إلى المسجد متأخرا؛ لأني أخاف أن أؤم المصلين، إذا جئت أصلي بهم يكون عندي بعض الخوف، وخاصة في الصلوات الجهرية، فهل علي إثم إذا لم أصلِّ بهم، وإذا تأخرت عن الصلاة، وهل هناك طرق علاجية لإزالة الخوف مني لكي أتمكن من الصلاة بهم، برغم أني إذا صليت وحدي لا أخاف؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المبادرة إلى الجماعة، والتبكير في الذهاب إلى المساجد من فضائل الأعمال التي يغفل عنها ويقصر فيها كثير من الناس، والمؤمن حين يذوق طعم الإيمان، ويستشعر لذة العبادة، لا يكاد يصبر حتى يسمع النداء ليذهب إلى المسجد، بل تجده مسارعا مسابقا، لا يدخل وقت الصلاة إلا وقد اشتاق إليها، ويصدق عليه وصف النبي صلى الله عليه وسلم لأحد السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وهو الرجل المعلق قلبه في المساجد.
ولا شك أن التبكير إلى صلاة الجماعة والحرصَ على إدراكِ تكبيرتها الأولى دليلٌ على تعظيم هذه الشعيرة، وحبها، والرغبة فيها، وهو دليل أيضا على صلاح العبد ودينه وتقواه.
قال سفيان الثوري: " مجيئك إلى الصلاة قبل الإقامة توقير للصلاة " انتهى.
"فتح الباري" لابن رجب (3/533)
وقال إبراهيم التيمي: " إذا رأيت الرجل يتهاون في التكبيرة الأولى فاغسل يدك منه " انتهى. "سير أعلام النبلاء" (5/84)
وكان وكيع بن الجراح يقول: " من لم يدرك التكبيرة الأولى فلا ترجُ خيره " انتهى.
رواه البيهقي في "شعب الإيمان" (3/74) .
بل كان بعض السلف يعدون الذهاب إلى المسجد بعد الأذان تقصيرا، وأن الفضل هو في الذهاب قبل النداء.
قال سفيان بن عيينة:
" لا تكن مثل عبد السوء، لا يأتي حتى يُدعَى، ايت الصلاة قبل النداء " انتهى.
التبصرة لابن الجوزي (131)
ونحن نذكر أنفسنا وإياك هنا ببعض فضائل التبكير إلى صلاة الجماعة والمبادرة إليها:
أولا:
روى ابن المنذر – كما في "الدر المنثور" (2/314) - عن أنس بن مالك رضي الله عنه في تفسير قول الله سبحانه وتعالى: (سَابِقُوا إلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) الحديد/21، أنها التكبيرة الأولى. وذكره بعض المفسرين عن مكحول وسعيد بن جبير من التابعين.
ثانيا:
روى عبد الرزاق في "المصنف" (1/528) من طريقٍ صحيحٍ عن أنس رضي الله عنه قال:
(من لم تفته الركعة الأولى من الصلاة أربعين يوما كتبت له براءتان: براءة من النار، وبراءة من النفاق) .
وجاء عن مِيثم، رجلٍ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(بلغني أن الملَك يغدو برايته مع أول من يغدو إلى المسجد، فلا يزال بها معه حتى يرجع يدخل بها منزله) .
رواه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (5/183) وصححه ابن حجر في "الإصابة" (6/148) والألباني في "صحيح الترغيب" (1/242) .
ثالثا:
وفي التبكير إلى صلاة الجماعة تحصيل أجر انتظار الصلاة، والمكث في المسجد، ودعاء الملائكة، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ كَانَ فِي صَلاَةٍ مَا كَانَتْ تَحْبِسُهُ، وَتُصَلِّي - يَعْنِي عَلَيْهِ الْمَلاَئِكَةُ - مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ) رواه البخاري (477) ومسلم (649)
كما فيه تحصيل فضيلة الصلاة في الصف الأول، وفضيلة إدراك التأمين مع الإمام، فقد جاء في الحديث الصحيح: (إِذَا أَمَّنَ الإِمَامُ فَأَمِّنُوا، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلاَئِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) رواه البخاري (780) ومسلم (410) .
ومن بكَّر في حضور الجماعة أمكنه الاستفادة من الوقت بين الأذان والإقامة بصلاة السنة الراتبة أو تحية المسجد، وشغل الوقت بالدعاء بخيري الدنيا والآخرة، فإن ما بين الأذان والإقامة من مواطن إجابة الدعاء.
رابعا:
وفي هدي السلف الصالح من النماذج التي تبعث الهمة في القلب، وتبث العزيمة في النفس، وتدعو كل مقصِّرٍ ومفرِّطٍ إلى الحياء من رب العالمين، حيث يتسابق إليه العباد والزهاد، وهو في غفلته ساه عن الأجر والمغنم.
يروي ابن شاهين في كتابه "الترغيب في فضائل الأعمال وثواب ذلك" (رقم/107) عن الحسن عن أنس رضي الله عنه قال:
(اجتمع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيهم حذيفة، قال رجل منهم: ما يسرني أني فاتتني التكبيرة الأولى مع الإمام وأن لي خمسين من الغنم. وقال الآخر: ما يسرني أنها فاتتني مع الإمام وأن لي مائة من الغنم. وقال الآخر: ما يسرني أنها فاتتني مع الإمام وأن لي ما طلعت عليه الشمس. وقال الآخر: ما يسرني أنها فاتتني مع الإمام وأني صليت من العشاء الآخرة إلى الفجر) .
وعن أبي حرملة عن ابن المسيب قال: " ما فاتتني التكبيرة الأولى منذ خمسين، وما نظرت في قفا رجل في الصلاة منذ خمسين سنة " انتهى. السير (4/30) . يعني أنه كان يصلي في الصف الأول.
خامسا:
ويخشى على من يعتاد التأخر عن صلاة الجماعة، وإهمال فضل التكبيرة الأولى أن يؤخره اله عن الأجر والفضل والخير، حيث يرضى لنفسه التأخر، فيكون جزاؤه من جنس عمله.
وقد قال بعض العلماء في تفسير قوله صلى الله عليه وسلم: (تَقَدَّمُوا فَأْتَمُّوا بِي وَلْيَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ، لا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمْ اللَّه) رواه مسلم (438) أن المقصود هو من يتأخر عن الصف الأول والتكبيرة الأولى.
وانظر جواب السؤال رقم (34852)
سادسا:
وأظنك أخي السائل قد أدركت – بعد كل ما سبق – خطأ ما ترتكبه من تعمد التأخر عن الجماعة، وأن الخوف الذي يدفعك لذلك هو من وحي الشيطان، يريد حرمانك من الأجر والفضل.
ونحن ندرك أن موقف الإمامة موقف فيه من الهيبة والرهبة الشيء العظيم، إلا أن ذلك لا ينبغي أن يدفعك إلى التقصير فيه، فإذا دخلت المسجد، وكنت أحق من يؤم الموجودين، فتقدم ولا تتأخر، فإن الإثم يلحقك إذا تقدَّمَ الناسَ من لا يُتقن قراءة الفاتحة ولا يحسن إقامة أركان الصلاة.
ونطمئنك بأن الخوف الذي تشعر به عند الإمامة هو شعور عارض، سرعان ما يذهب عنك مع اعتياد الإمامة، فعليك أن تتحمل المشقة في بداية الطريق، ثم سيفتح الله لك باب الخير جزاء صبرك وتحملك.
ويمكنك الاستعانة ببعض ما يهون شعور الخوف الذي يصيبك، فاحرص على الأمور الآتية:
1- التحضير الجيد في مراجعة الآيات التي تريد قراءتها في الصلاة، فإن ذلك يكسبك من الثقة والقوة ما يدفع عنك الخوف والرهبة.
2- اعتياد الصلاة في البيت بصوت مرتفع، في قيام الليل وصلاة النافلة الليلية، ففي ذلك تعويد للنفس على موقف الإمامة والقراءة.
3- إمامة الناس في الصلوات السرية، فإن اعتياد الوقوف في مكان الإمام يخفف من رهبة تقدم الناس في الجهرية.
4- اسْعَ في إقناع النفس بسهولة الأمر، وكيف أن بعض صبيان الصحابة كان يتقدم الناس في مسجد قومه، وأن الأمر لا يعدو قراءة يسيرة سهلة مع خشوع واطمئنان وخضوع لله رب العالمين.
5- ولا تنس سؤال الله تعالى التوفيق إلى الخير، وتسهيل البر والعمل الصالح.
ونسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق والفوز بالنعيم المقيم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1899)
ترك صلاة الجماعة بسبب المرض
[السُّؤَالُ]
ـ[أصيب قريب لي بمرض أقعده على الفراش.. فهل يجوز له أن يصلي في البيت؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله أن يمن على مرضى المسلمين بالأجر والعافية.. ولاشك أن من أصيب بمرض فصبر كفر الله عنه خطاياه ورفع بها درجاته؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " مَا مِنْ شَيْءٍ يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ حَتَّى الشَّوْكَةِ تُصِيبُهُ إِلا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهَا حَسَنَةً أَوْ حُطَّتْ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ " رواه مسلم 2572
ثانياً:
يُعذر المريض بترك صلاة الجمعة والجماعة، والمراد به: المَرض الذي يَلحق المريضَ منه مشقَّة لو ذَهَبَ يصلِّي في المسجد؛ ولذلك للأدلة التالية:
1 - قول الله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} التغابن / 16.
2 – وقوله: {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} البقرة / 286.
3 - وقوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} الفتح / 17.
4 - وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أمرتُكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم» متفق عليه.
5 - وأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم: «لما مَرِضَ تخلَّف عن الجماعةِ» مع أن بيته كان إلى جَنْبِ المسجد.
6 - وقولُ ابن مسعود: «لقد رَأيتُنا وما يتخلَّفُ عن الصَّلاةِ إلا منافقٌ قد عُلِمَ نفاقُهُ أو مريضٌ ... » رواه مسلم (654) .
فكلُّ هذه الأدلَّةِ تدلُّ على أنَّ المريضَ يسقطُ عنه وجوبُ الجُمعةِ والجَماعةِ. انظر الشرح الممتع (4 / 438)
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
" الواجب على المسلمين من الرجال أن يصلوا في المساجد وأن يكثروا سواد المسلمين، وأن يخرجوا إلى المسجد وألا يتشبهوا بالمنافقين، يقول ابن مسعود رضي الله عنه: " ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها - يعني الصلاة - إلا منافق معلوم النفاق ".
وقد هم النبي صلى الله عليه وسلم أن يحرق على من تخلف عن الصلاة بيته بالنار.
فالواجب عليك وعلى كل مسلم قادر أن يصلي في المسجد وليس له أن يصلي في بيته إلا من عذر شرعي كالمرض والخوف. وفق الله الجميع لهدايته." انتهى مجموع فتاوى ج 12.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1900)
صلاة المرأة في بيتها خير من صلاتها في المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب متزوج وامرأتي حاليا متواجدة بدولة غير التي أنا فيها لزيارة أهلها وقد سمعت هي حلقة عن فضل صلاة الجماعة وخاصة صلاة الفجر وهى تريد أن تأخذ أجر جماعة الفجر ولا يصح أن تذهب إلى هناك بسبب الوقت المتأخر وبعد المسافة التي تصل إلى حوالي ساعتين فهل إن صلت في البيت لها نفس أجر الجماعة؟ وهل علي وزر إن صليت لها الفجر بعد أن أصليه لنفسي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد، فعن أم حميد امرأة أبي حميد الساعدي رضي الله عنهما: (أنها جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إني أحب الصلاة معك قال: قد علمت أنك تحبين الصلاة معي، وصلاتك في بيتك خير لك من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خير لك من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير لك من صلاتك في مسجدي، قال: فأمرت فبني لها مسجد في أقصى شيء من بيتها وأظلمه فكانت تصلي فيه حتى لقيت الله عز وجل) . رواه أحمد (26550) . وصححه ابن خزيمة في " صحيحه " (3 / 95) وابن حبان (5 / 595) ، والألباني في " صحيح الترغيب والترهيب " (1 / 135) .
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها، وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها) رواه أبو داود (570) والترمذي (1173) . وصححه الشيخ الألباني في " صحيح الترغيب والترهيب " (1 / 136) .
(في بيتها) هو الحجرة التي تكون فيها المرأة.
(حجرتها) المراد بها صحن الدار التي تكون أبواب الغرف إليها، ويشبه ما يسميها الناس الآن بـ (الصالة) .
(مخدعها) هو كالحجرة الصغيرة داخل الحجرة الكبيرة، تحفظ فيه الأمتعة النفيسة.
وانظر: "عون المعبود".
وعليه فأخبر أهلك بهذا الفضل والخير، وأنها تنال بصلاتها في البيت أجرا فوق صلاتها في المسجد، ولله الحمد والمنة.
ثانيا:
صلاتك عن زوجتك لا تصح، ولا تجزئ عن صلاتها؛ إذ لا يصلي أحد عن أحد، لا حيا ولا ميتا، عند جماهير العلماء، وحكاه بعضهم إجماعا. انظر: "فتح الباري" (11/584) .
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (2/334) : " أما العبادات البدنية المحضة كالصلاة والصوم فلا تجوز فيها النيابة حال الحياة باتفاق " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1901)
صلاة الجماعة واجبة على المقيم والمسافر
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن جماعة نعمل في مكان بعيد عن منازلنا وأهلينا، وفي مكان خالٍ من السكان والمرافق والمساجد , والمدة التي نقضيها في العمل تساوي المدة التي نقضيها في بيوتنا , أي أننا نعمل 28 يوماً مقابل 28 يوماً كعطلة، ويتم هذا طوال السنة، كما أننا نعمل 12 ساعة يوميّاً.
ماذا عن إقامة صلاة الجماعة في هذا المكان وعن وجوبها أم عدم وجوبها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صلاة الجماعة واجبة على المسافر والمقيم.
وسبق في إجابة السؤال رقم (120 و 8918) ذكر الأدلة على وجوبها.
فيجب عليكم إقامتها، فيؤذن لكم أحدكم ثم تصلونها جماعة.
روى البخاري (628) عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ رضي الله عنه قال: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِي، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَكَانَ رَحِيمًا رَفِيقًا، فَلَمَّا رَأَى شَوْقَنَا إِلَى أَهَالِينَا، قَالَ: (ارْجِعُوا فَكُونُوا فِيهِمْ وَعَلِّمُوهُمْ وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي، فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ) .
وروى أبو داود (547) عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَا مِنْ ثَلاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ وَلا بَدْوٍ لا تُقَامُ فِيهِمْ الصَّلَاةُ إِلا قَدْ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَانُ، فَعَلَيْكَ بِالْجَمَاعَةِ، فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ الْقَاصِيَةَ) . قَالَ السَّائِبُ (أحد رواة الحديث) : يَعْنِي بِالْجَمَاعَةِ الصَّلَاةَ فِي الْجَمَاعَةِ. حسنه الألباني في صحيح أبي داود.
قال في "عون المعبود":
(إِلا قَدْ اِسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ) : أَيْ غَلَبَهُمْ.
(يَأْكُل الذِّئْب الْقَاصِيَة) : أَيْ الشَّاة الْبَعِيدَة عَنْ الْأَغْنَام لِبُعْدِهَا عَنْ رَاعِيهَا.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن مجموعة مسافرة للمشاركة في مؤتمر هل تلزمهم الصلاة في المساجد أم لا؟ فأجاب:
" الأصل أن الجماعة تلزمكم في المساجد مع الناس إذا كنتم في مكان تسمعون فيه النداء بدون مكبر لقربكم من المسجد , فإن كنتم في مكان بعيد لا تسمعون فيه النداء لولا مكبر الصوت فصلوا جماعة في أماكنكم , وكذلك إذا كان في ذهابكم إلى المسجد إخلال بمهمتكم التي قدمتم من أجلها فصلوا جماعة في أماكنكم" اهـ.
فتاوى الشيخ ابن عثيمين: (15/381) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1902)
إمامهم يترك صلاة المغرب في المسجد ليفطر في بيته!
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن في منطقه لا يصلي فيها الإمام صلاه المغرب؛ وذلك لأنه يذهب للإفطار، فما الحكم هل نأثم؟ أم نصليها في البيت وتحسب جماعة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يجب على المسلم أن يتقي الله تعالى ويؤدي الصلوات الخمس جماعة في المسجد، إلا إذا كان معذوراً بنوم أو مرض أو نحو ذلك.
انظر السؤال رقم (8918) .
وبخاصة صلاة المغرب في رمضان حيث يكثر التفريط فيها من عامة المصلين، ويجب على الإمام أن يكون على رأس المصلين في هذه الصلاة لسبب آخر غير وجوب الجماعة عليه، وهو أداء الأمانة التي أوكلت له، أو الوظيفة التي ائتمن عليها.
وإذا كان هذا الإمام مفرطا في صلاة المغرب جماعة في المسجد، فإن هذا لا يعني أنكم تأثمون أو يجوز لكم أن تصلوا في البيت، بل يجب عليكم أداءها جماعة في المسجد، ولو لم يحضر الإمام، فإن كل إنسان يحاسب على عمله، فإن أساء هو فعليكم أن تحسنوا أنتم وتتجنبوا إساءته، محافظة على هذه الشعيرة التي هي من أركان الإسلام.
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ، فَإِنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَنَ الْهُدَى، وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى، وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ ثُمَّ يَعْمِدُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ إِلا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً، وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً، وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ. رواه مسلم (654) .
وقال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى:
فلا أرخّص لمن قدر على صلاة الجماعة في ترك إتيانها إلا من عذر.
" الأم " (1/277)
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى:
ومن تأمل السنَّة حق التأمل تبين له أن فعلها في المساجد فرض على الأعيان إلا لعارض يجوز معه ترك الجمعة والجماعة فترك حضور المسجد لغير عذر كترك أصل الجماعة لغير عذر , وبهذا تتفق جميع الأحاديث والآثار.
ثم قال ابن القيم:
فالذي ندين الله به أنه لا يجوز لأحد التخلف عن الجماعة في المسجد إلا من عذر.
" كتاب الصلاة " (ص 166) .
ثانياً:
وقد كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل هدي؛ حيث كان يفطر على رطب، فإن لم يجد فعلى تمر، فإن لم يجد شرب الماء ثم قام ليصلي المغرب.
فعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفْطِرُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى رُطَبَاتٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُطَبَاتٌ فَتُمَيْرَاتٌ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تُمَيْرَاتٌ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ) رواه الترمذي (632) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
فما يفعله هذا الإمام مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، فعليكم بمناصحته لعله يرجع إلى الصواب.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1903)
كيف تنصح مقصراً في الصلاة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف لي أن أدعو أحداً إلى الصلاة، مع أنه يعرف أنها واجبة، ولكنه يتركها أحياناً؟ وأريد أن تعطيني بعض الجمل البسيطة والمتعلقة في هذا السؤال، وبعض الجمل التي فيها ترهيب وترغيب.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يمكنك تذكير هذا الشخص ونصحه من خلال بيان حكم ترك الصلاة، وحكم ترك الصلاة جماعة في المسجد، وبيان حال السلف مع الصلاة.
أما حكم ترك الصلاة: فقد سبق في عدة أجوبة أن تاركها كافرٌ خارج من الإسلام، وأنه لا يُقبل منه عمل يوم القيامة، وأنه يجب فسخ عقد نكاحه مع زوجته إن كانت مصلية، كما أنه يجب أن يعلم هذا التارك أنه لا تؤكل ذبيحته، ولا يغسَّل ولا يصلَّى عليه ولا يُدفن في مقابر المسلمين.
عن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رؤياه التي رآها فقال: " إنه أتاني الليلة آتيان وإنهما قالا لي انطلق وإني انطلقت معهما، وإنا أتينا على رجل مضطجع وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه فيتهدهد الحجر هاهنا فيتبع الحجر ويأخذه فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان ثم يعود عليه يفعل به مثل ما فعل المرة الأولى، قال: قلت لهما: سبحان الله! ما هذا؟ قال: قالا لي: انطلق، قال: فانطلقنا ... وفي آخر الحديث قال صلى الله عليه وسلم: " قالا لي: أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة ".
رواه البخاري (6640) .
قال محمد بن نصر المروزي:
سمعت إسحاق – أي: ابن راهويه - يقول: صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أن تارك الصلاة كافر، وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي صلى الله عليه وسلم أن تارك الصلاة عمداً من غير عذرٍ حتى يذهب وقتها كافر، وذهاب الوقت أن يؤخر الظهر إلى غروب الشمس والمغرب إلى طلوع الفجر.
" تعظيم قدر الصلاة " (2 / 929) .
وانظر في حكم تارك الصلاة: أجوبة الأسئلة: (7864) و (5208) و (2182) .
وأما صلاة الجماعة في المسجد: فكما أن الصلاة فرقٌ بين المسلم والكافر فإن الصلاة في جماعة علامة بين المؤمن والمنافق، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يعدُّون المتخلف عن صلاة الجماعة منافقاً معلوم النفاق.
سئل الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله -:
أنا شاب غير متزوج أؤدي الصلاة لكن بصفة غير مستمرة أي ليس كل وقت بوقته، وأحيانًا تفوتني صلاة يوم كامل وأؤديها كلها سويًّا، فما هو حكم الشرع في ذلك؟ .
فأجاب:
يجب على المسلم المحافظة على أداء الصلاة في أوقاتها مع جماعة المسلمين، ولا يجوز إخراج الصلاة عن وقتها، قال تعالى: {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} [النساء / 103] أي: مفروضة في أوقات معينة تؤدى فيها، وفي الأثر: " إن لله عملاً بالليل لا يقبله بالنهار، وعملاً بالنهار لا يقبله بالليل "، وإخراج الصلاة عن وقتها إضاعة لها، قال تعالى: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا. إِلا مَن تَابَ} [مريم / 59، 60] والجمع بين الصلاتين لا يجوز، إلا لعذر شرعي في وقت إحداهما، كالظهر مع العصر والمغرب مع العشاء، أما جمع الصلوات ليوم كامل فهذا لا يجوز ولا تصح الصلاة بهذه الكيفية.
" المنتقى من فتاوى الفوازن " (5 / 56، 57) .
وتجد أدلة وجوب صلاة الجماعة في أجوبة الأسئلة: (120) و (8918) .
وأما حال السلف مع صلاة الجماعة في المسجد: فحال عظيم يدل على مدى اهتمامهم بها، وحرصهم على أدائهم حتى مع كونهم معذورين في أدائها.
قال وكيع بن الجراح عن الأعمش سليمان بن مهران: كان الأعمش قريباً من سبعين سنة لم تفته التكبيرة الأولى.
وقال محمد بن المبارك الصوري: كان سعيد بن عبد العزيز التنوخي إذا فاتته صلاة الجماعة بكى.
وروي عن محمد بن خفيف أنه كان به وجع الخاصرة فكان إذا أصابه أقعده عن الحركة فكان إذا نودي بالصلاة يُحمل على ظهر رجل، فقيل له: لو خففت على نفسك؟ قال: إذا سمعتم " حي على الصلاة " ولم تروني في الصف فاطلبوني في المقبرة.
وسمع عامر بن عبد الله بن الزبير المؤذن وهو يجود بنفسه فقال: خذوا بيدي، فقيل: إنك عليل، قال: أسمع داعي الله فلا أجيبه؟ فأخذوا بيده فدخل مع الإمام في المغرب فركع ركعة ثم مات.
وانظر لمزيد فائدة: جواب السؤال رقم: (47123) فهو مهم.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1904)
الصلاة في حجر إسماعيل
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تجوز الصلاة في حجر إسماعيل وما فضلها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
تقدم بيان خطأ تسمية الحجر بحجر إسماعيل، لأن هذا الحجر إنما صار حجرا بعد إسماعيل عليه السلام بزمن بعيد، وأن الصواب أن يقال: الحجر فقط، دون أن ينسب لأحد، وينظر: سؤال رقم (22004) .
ثانيا:
الحِجر جزء من الكعبة، فمن صلى فيه فقد صلى في الكعبة، والصلاة في الكعبة تجوز في النفل فقط، كما فعل صلى الله عليه وسلم، فقد روى البخاري (505) ومسلم (1329) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْكَعْبَةَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَبِلَالٌ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ الْحَجَبِيُّ فَأَغْلَقَهَا عَلَيْهِ وَمَكَثَ فِيهَا فَسَأَلْتُ بِلَالًا حِينَ خَرَجَ مَا صَنَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ جَعَلَ عَمُودًا عَنْ يَسَارِهِ وَعَمُودًا عَنْ يَمِينِهِ وَثَلَاثَةَ أَعْمِدَةٍ وَرَاءَهُ وَكَانَ الْبَيْتُ يَوْمَئِذٍ عَلَى سِتَّةِ أَعْمِدَةٍ ثُمَّ صَلَّى.
وروى أبو داود (2028) والترمذي (876) والنسائي (2912) عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ أَدْخُلَ الْبَيْتَ فَأُصَلِّيَ فِيهِ فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي فَأَدْخَلَنِي فِي الْحِجْرِ فَقَالَ: (صَلِّي فِي الْحِجْرِ إِذَا أَرَدْتِ دُخُولَ الْبَيْتِ فَإِنَّمَا هُوَ قَطْعَةٌ مِنْ الْبَيْتِ فَإِنَّ قَوْمَكِ اقْتَصَرُوا حِينَ بَنَوْا الْكَعْبَةَ فَأَخْرَجُوهُ مِنْ الْبَيْتِ) .
قال ابن قدامة رحمه الله: ": ولا تصح الفريضة في الكعبة , ولا على ظهرها. وجوزه الشافعي وأبو حنيفة ; لأنه مسجد , ولأنه محل لصلاة النفل , فكان محلا للفرض , كخارجها. ولنا: قول الله تعالى (وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) والمصلي فيها أو على ظهرها غير مستقبل لجهتها , والنافلة مبناها على التخفيف والمسامحة , بدليل صلاتها قاعدا , وإلى غير القبلة , في السفر على الراحلة ".
ثم قال: " وتصح النافلة في الكعبة وعلى ظهرها. لا نعلم فيه خلافا ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في البيت ركعتين " انتهى من "المغني" (1/ 406) .
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: " نشاهد بعض الناس يتزاحمون من أجل الصلاة في حجر إسماعيل، فما حكم الصلاة فيه، وهل له مزية؟
فأجاب: الصلاة في حجر إسماعيل مستحبة ; لأنه من البيت، وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أنه دخل الكعبة عام الفتح وصلى فيها ركعتين» متفق على صحته من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - عن بلال - رضي الله عنه -.
وقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه «قال لعائشة - رضي الله عنها - لما أرادت دخول الكعبة: صلي في الحجر فإنه من البيت» .
أما الفريضة فالأحوط عدم أدائها في الكعبة أو في الحجر، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يفعل ذلك، ولأن بعض أهل العلم قالوا: إنها لا تصح في الكعبة ولا في الحجر؛ لأنه من البيت.
وبذلك يعلم: أن المشروع أداء الفريضة خارج الكعبة، وخارج الحجر، تأسيا بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، وخروجا من خلاف العلماء القائلين بعدم صحتها في الكعبة ولا في الحجر، والله ولي التوفيق " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (11/ 389) .
والحاصل أن الصلاة في الحجر مستحبة، ويقتصر فيها على النافلة.
والله أعلم.
التصنيفات:
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1905)
هل يستحب قلب الشماغ بعد دعاء الاستسقاء كما يستحب قلب الرداء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم قلب " الشماغ " لمن لم يكن يلبس رداء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
تحويل الرداء في الاستسقاء سنة من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، عقد لها الإمام البخاري في صحيحه بابا قال فيه: باب تحويل الرداء في الاستسقاء، وأورد تحته حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَى الْمُصَلَّى فَاسْتَسْقَى، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَقَلَبَ رِدَاءَهُ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ. (رقم/1012)
وأخذ بهذه السنة جمهور الفقهاء والعلماء، خلافا لأبي حنيفة رحمه الله.
قال ابن قدامة رحمه الله:
" يستحب تحويل الرداء للإمام والمأموم , في قول أكثر أهل العلم.
وقال أبو حنيفة: لا يسن ; لأنه دعاء , فلا يستحب تحويل الرداء فيه، كسائر الأدعية.
وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع.
وحكي عن سعيد بن المسيب , وعروة , والثوري , أن تحويل الرداء مختص بالإمام دون المأموم. وهو قول الليث , وأبي يوسف , ومحمد بن الحسن , لأنه نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم دون أصحابه.
ولنا أن ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم ثبت في حق غيره , ما لم يقم على اختصاصه به دليل , كيف وقد عُقِل المعنى في ذلك , وهو التفاؤل بقلب الرداء , ليقلب الله ما بهم من الجدب إلى الخصب , وقد جاء ذلك في بعض الحديث." انتهى.
" المغني " (2/151)
ثانيا:
اختلف العلماء المعاصرون فيمن يرتدي ملحفة، أو غطاء يضعه على رأسه، كالشماغ أو الغترة المعروفة اليوم، هل يشمله استحباب قلبه وتحويله عند الاستسقاء، على قولين:
القول الأول:
يستحب قلب " الشماغ " كما يستحب قلب الرداء.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله:
" والسنة أن يحول الرداء في أثناء الخطبة عندما يستقبل القبلة، يحول رداءه، فيجعل الأيمن على الأيسر إذا كان رداءً أو " بشتًا " – أي عباءة -، إن كان بشتًا يقلبه، وإن كان ما عليه شيء سوى غترة يقلبها، قال العلماء: تفاؤلا بأن الله يحول القحط إلى الخصب، يحول الشدة إلى الرخاء؛ لأنه جاء في حديث مرسل عن محمد بن علي الباقر، أن النبي صلى الله عليه وسلم حول رداءه ليتحول القحط - يعني تفاؤلا -، وثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم حول رداءه لما صلَّى بهم صلاة الاستسقاء، فالسنة للمسلمين كذلك" انتهى.
نقلا من موقعه رحمه الله على هذا الرابط:
http://www.binbaz.org.sa/mat/16512
وسئل الشيخ ابن جبرين حفظه الله السؤال الآتي:
عند الفراغ من صلاة الاستسقاء هل يقلب المأمومون أرديتهم أم الإمام فقط، وإذا كان ليس عليّ رداء فهل أقلب الشماغ؟
فأجاب:
نعم كلٌّ يقلب الإمام والمأمومون، والذي ليس عليه رداء وليس عليه عباءة: يقلب عمامته الشماغ، يقلبها، والقلب يقولون إنه إشارة إلى تحول الحال؛ إلى تحول حالهم من العسر إلى اليسر؛ يعني تفاؤلا بذلك " انتهى.
نقلا ن موقعه على الرابط الآتي:
http://ibn-jebreen.com/book.php?cat=8&book=224&page=7718
القول الثاني:
لا يشمله الحكم، ولا يستحب قلبه، لاختلاف الشماغ عن الرداء الذي حوَّله النبي صلى الله عليه وسلم، فالأقرب أن الشماغ له حكم العمامة، وليس حكم الرداء، ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قلب عمامته، وإنما رداءه فقط.
وهذا قياس ما نص عليه فقهاء المالكية في كتبهم:
يقول الخرشي المالكي رحمه الله:
" ولا تحول البرانس ولا الغفائر، أي: ما لم تلبس كالرداء " انتهى.
" شرح مختصر خليل " (2/112) ، وفي حاشية العدوي عليه: الغفائر: هي شيء يجعل من الجوخ على شكل البرنس.
ويقول النفراوي المالكي رحمه الله:
" قولنا بأرديتهم: للاحتراز عن البرانس فلا تحول " انتهى.
" الفواكه الدواني " (1/281) ، وانظر من كتب المالكية: " بلغة السالك " (1/539) ، " حاشية الدسوقي " (1/406) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله السؤال الآتي:
ما هو الضابط في قلب الرداء بعد صلاة الاستسقاء، هل يكون الشماغ بديلاً للرداء؟
فأجاب بقوله:
لا ليس بديلاً له، وربما الفروة أو المشلح نعم؛ لأن الشماغ أقرب ما يكون للعمامة، فلا يدخل في الحديث.
" مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين " (16/صلاة الاستسقاء/)
وجاء في " فتاوى نور على الدرب " (فتاوى الصلاة/صلاة الاستسقاء) :
" يقلب الرداء في أثناء الخطبة، يتحول الإمام إلى جهة القبلة، ثم يقلب رداءه، يجعل الأيمن الأيسر، والأيسر الأيمن، وأما الشماغ فالظاهر أنه لا يقلب؛ لأن الشماغ بمنزلة العمامة، والذي ورد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم هو قلب الرداء " انتهى.
ويقول أيضا رحمه الله:
" الشماغ ليس بديلاً للرداء، والفروة مثل الرداء؛ لأنها على البدن، والمشلح أيضاً، لكن الغترة لا، الغترة أشبه في عهد الرسول بالعمامة فلا تدخل في الحديث " انتهى.
" لقاءات الباب المفتوح " (لقاء رقم/193، سؤال رقم/9) .
وظاهر ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، يرجح القول الثاني: وهو أن القلب مختص بالرداء ونحوه، مما يلبس على هيئته؛ وأما الشماغ ونحوه، مما يوضع على الرأس: فالأظهر أنه لا يقلب.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1906)
حكم خطبة صلاة الكسوف وصفتها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل لا بد من خطبة الخسوف، وهل تكون طويلة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب بعد صلاة الكسوف، فقد روى البخاري (1044) ومسلم (901) عن عَائِشَةَ رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم انْصَرَفَ وَقَدْ انْجَلَتْ الشَّمْسُ، فَخَطَبَ النَّاسَ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: (إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَادْعُوا اللَّهَ، وَكَبِّرُوا، وَصَلُّوا، وَتَصَدَّقُوا، ثُمَّ قَالَ: يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاللَّهِ مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ، يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا، وَلبَكَيْتُمْ كَثِيرًا) .
ولهذا ذهب جمهور السلف إلى استحباب الخطبة بعد صلاة الكسوف، وهو مذهب الإمام الشافعي وأحد القولين للإمام أحمد.
قال النووي رحمه الله في " المجموع " (5/59) عن القول باستحباب الخطبة بعد الصلاة: "وبه قال جمهور السلف، ونقله ابن المنذر عن الجمهور" انتهى.
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله:
" تسن الخطبة بعد صلاة الكسوف ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك , وقد قال الله عز وجل: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من رغب عن سنتي فليس مني) ، ولما في ذلك من المصلحة العامة للمسلمين , وتفقيههم في الدين, وتحذيرهم من أسباب غضب الله وعقابه، ويكفي أن يفعل ذلك وهو في المصلى بعد الفراغ من الصلاة " انتهى.
" مجموع فتاوى ابن باز " (13/44) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن استحباب الخطبة بعد صلاة الكسوف:
"وهو الصحيح، وذلك لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما انتهى من صلاة الكسوف قام فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، ثم وعظ الناس.
وهذه الصفات صفات الخطبة. وقولهم: إن هذه موعظة؛ لأنها عارضة. نقول: نعم، لو وقع الكسوف في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم مرة أخرى ولم يخطب لقلنا: إنها ليست بسنة، لكنه لم يقع إلا مرة واحدة، وجاء بعدها هذه الخطبة العظيمة التي خطبها وهو قائم، وحمد الله وأثنى عليه، وقال: أما بعد، ثم إن هذه المناسبة للخطبة مناسبة قوية من أجل تذكير الناس وترقيق قلوبهم، وتنبيههم على هذا الحدث الجلل العظيم " انتهى.
" الشرح الممتع " (5/188) ، وانظر: "الإنصاف" (2/448) للمرداوي الحنبلي.
وقد ذهب بعض العلماء إلى أن المستحب أن يخطب خطبتين يجلس بينهما جلسة يسيرة، كما يفعل في خطبة الجمعة، وهذا مذهب الإمام الشافعي رحمه الله.
وانظر: "الأم" (1/280) .
وظاهر الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب خطبة واحدة، وهو ما اختاره بعض الحنابلة، ورجحه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
انظر: "الإنصاف" (2/448) ، "الشرح الممتع" (5/188) .
وقد ذهب الإمامان أبو حنيفة وأحمد في المشهور عنه أنه لا يستحب الخطبة بعدها.
وأجابوا عن فعل النبي صلى الله عليه وسلم، بأنه صلى الله عليه وسلم خطب بعد الصلاة ليبين للصحابة بعض الأحكام المتعلقة بصلاة الكسوف.
وانظر: "المغني" (2/144) .
ومذهب المالكية: أنه يستحب الوعظ بعدها ولكن لا يكون على صفة الخطبة.
وانظر: "بلغة السالك لأقرب المسالك" (1/350) .
وقد أجاب ابن دقيق العيد رحمه الله على المذهبين فقال في شرح حديث عائشة السابق:
" ظاهر في الدلالة على أن لصلاة الكسوف خطبة، ولم ير ذلك مالك ولا أبو حنيفة.
قال بعض أتباع مالك: ولا خطبة , ولكن يستقبلهم ويذكرهم.
وهذا خلاف الظاهر من الحديث , لا سيما بعد أن ثبت أنه ابتدأ بما تبتدأ به الخطبة من حمد الله والثناء عليه.
والذي ذُكر من العذر عن مخالفة هذا الظاهر: ضعيف , مثل قولهم: إن المقصود إنما كان الإخبار " أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله , لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته " للرد على من قال ذلك في موت إبراهيم. والإخبار بما رآه من الجنة والنار , وذلك يخصه.
وإنما استضعفناه لأن الخطبة لا تنحصر مقاصدها في شيء معين بعد الإتيان بما هو المطلوب منها من الحمد والثناء والموعظة.
وقد يكون بعض هذه الأمور داخلا في مقاصدها , مثل ذكر الجنة والنار , وكونهما من آيات الله، بل هو كذلك جزما " انتهى.
" إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام " (2/352) .
ثانيا:
أما طول الخطبة، فالمستحب بوجه عام هو تقصير الخطبة، بحيث تفي بالمقصود من وعظ الناس وتذكيرهم، ولا تملهم أو ترهقهم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ طُولَ صَلَاةِ الرَّجُلِ وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ – أي علامة - مِنْ فِقْهِهِ، فَأَطِيلُوا الصَّلَاةَ، وَاقْصُرُوا الْخُطْبَةَ) رواه مسلم (869) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1907)
حكم من فاتته صلاة الاستسقاء مع الإمام وجاء في الخطبة
[السُّؤَالُ]
ـ[بالنسبة لصلاة الاستسقاء إذا دخل جماعة والإمام يخطب وقد صليت الركعتان، هل يصلونها أم يجلسون في الخطبة؟ وهل تقضى؟ أم يصلون جماعة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا لم يدركوا صلاة الاستسقاء فقد فاتت، ولكنهم إذا جاءوا والإمام يخطب يصلون ركعتين تحية المسجد ثم يجلسون لاستماع الخطبة والتأمين على دعاء الإمام.
السائل: أم يصلون جماعة؟
الشيخ: لا يصلونها جماعة؛ لأنها فاتت" انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
"لقاءات الباب المفتوح" (1/468) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1908)
حكم من أدرك التشهد مع الإمام في صلاة العيد أو الاستسقاء
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال: ما حكم من أدرك التشهد مع المصلين في صلاة العيدين، وصلاة الاستسقاء، هل يصلي ركعتين ويفعل كما فعل الإمام أم ماذا يعمل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" من أدرك التشهد فقط مع الإمام من صلاة العيدين، أو صلاة الاستسقاء، صلى بعد سلام الإمام ركعتين يفعل فيهما كما فعل الإمام من تكبير وقراءة وركوع وسجود.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (8/307) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1909)
وقت صلاة الاستسقاء
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أسأل عن صلاة الاستسقاء، هل يجوز القيام بها في غير وقت شروق الشمس كصلاة العيد، كأن تصلى مثلاً بعد الظهر أو المغرب أو العشاء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الاستسقاء إن كان بالدعاء فقط، جاز في كل وقت، وإن كان مع الصلاة، فيجوز في جميع الأوقات غير وقت الكراهة، في قول جمهور الفقهاء.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (3/337) : "وليس لصلاة الاستسقاء وقت معين , إلا أنها لا تفعل في وقت النهي بغير خلاف ; لأن وقتها متسع , فلا حاجة إلى فعلها في وقت النهي , والأولى فعلها في وقت العيد ; لما روت عائشة , أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج حين بدا حاجب الشمس. رواه أبو داود. ولأنها تشبهها في الموضع والصفة , فكذلك في الوقت , إلا أن وقتها لا يفوت بزوال الشمس , لأنها ليس لها يوم معين , فلا يكون لها وقت معين" انتهى.
وقال النووي رحمه الله في "المجموع" (5/77) : " في وقت صلاة الاستسقاء ثلاثة أوجه: أحدها: وقتها وقت صلاة العيد ...
الوجه الثاني: أول وقت صلاة العيد ويمتد إلى أن يصلي العصر ...
والثالث: وهو الصحيح، بل الصواب: أنها لا تختص بوقت، بل تجوز وتصح في كل وقت من ليل ونهار , إلا أوقات الكراهة على أحد الوجهين. وهذا هو المنصوص للشافعي , وبه قطع الجمهور وصححه المحققون " انتهى باختصار.
وفي "الموسوعة الفقهية" (3/308) : " إذا كان الاستسقاء بالدعاء فلا خلاف في أنه يكون في أي وقت , وإذا كان بالصلاة والدعاء , فالكل مجمع على منع أدائها في أوقات الكراهة , وذهب الجمهور إلى أنها تجوز في أي وقت عدا أوقات الكراهة. والخلاف بينهم إنما هو في الوقت الأفضل , ما عدا المالكية فقالوا: وقتها من وقت الضحى إلى الزوال , فلا تصلى قبله ولا بعده " انتهى.
وبهذا يعلم أنه يجوز أن يصلى للاستسقاء بعد الظهر أو المغرب أو العشاء.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1910)
فاتته صلاة الاستسقاء مع الإمام فهل يصليها منفردا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[حضرت إلى صلاة الاستسقاء في أثناء الخطبة فهل أقضي الصلاة أم أجلس إذا كانت في المصلى؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا بأس أن يصلي الإنسان ويدعو إذا فاتته صلاة الاستسقاء.
فقد قال الشيخ محمد العثيمين رحمه الله: "إذا فاتت الإنسان صلاة الاستسقاء فأنا لا أعلم في هذا سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن لو صلى ودعا فلا بأس".
"لقاء الباب المفتوح" (46/7) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1911)
قلب الرداء يكون أثناء خطبة الاستسقاء عندما يحول الإمام رداءه
[السُّؤَالُ]
ـ[شاهدت في أحد الجوامع قبل صلاة الاستسقاء أحد طلبة العلم لابساً عباءته مقلوبة، وبعد الصلاة سألته عن سبب ذلك، لأن الذي أعرفه أن العباءة تقلب بعد انتهاء الصلاة والخطبة فقال: لا شيء في ذلك وقد قلبتها قبل الصلاة حتى إذا حولتها مرى أخرى تكون على الاتجاه الحسن. فما رأي سماحتكم في هذا؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الظاهر من الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الاستسقاء أن الرداء يكون على حالته المعتادة، وإنما يقلب في أثناء الخطبة عندما يحول الإمام رداءه.
أما أن يحول الرداء أو العباءة عن حالها قبل ذلك، فالأظهر أن ذلك غير مشروع ومخالف للسنة. وفق الله الجميع.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز – رحمه الله – م/13 ص/83.(5/1912)
حكم إقامة صلاة الاستسقاء إذا لم يأمر الوالي
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أمات حاكم دولة سُنَّة صلاة الاستسقاء ولم يدع الناس لها عند انقطاع المطر أو غور الآبار، فهل يجوز لإمام أحد مساجد هذه الدولة أن يدعو أهل بلده إلى صلاة الاستسقاء ويخرجون وحدهم لأدائها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان أهل بلد لا يأمرهم واليها بإقامة صلاة العيد أو صلاة الاستسقاء، فإنه يشرع لهم أن يصلوا صلاة العيد وصلاة الاستسقاء في الصحراء إذا تيسر ذلك، وإلا ففي المساجد، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم شرع ذلك لأمته، وصلاة العيد فرض كفاية لا يجوز للمسلمين في أي بلد تركها. وقال بعض أهل العلم: إنها فرض عين كالجمعة، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلها وأمر بها.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - م/13 ص/85.(5/1913)
صلاة الحاجة
[السُّؤَالُ]
ـ[ي عن صلاة الحاجة: كم مرة يصليها المرء؟ ومتى يمكن صلاتها؟ هل الأفضل صلاتها في الوقت الذي يتوقع فيه إجابة الدعاء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المشروع في حق المسلم أن يتعبد الله بما شرعه في كتابه، وبما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولأن الأصل في العبادات التوقيف، فلا يقال أن هذه عبادة مشروعة إلا بدليل صحيح.
وما يسمى بصلاة الحاجة: قد ورد في أحاديث ضعيفة ومنكرة - فيما نعلم - لا تقوم بها حُجّةٌ ولا تَصْلُحُ لبناء العمل عليها.
فتاوى اللجنة الدائمة 8/162.
والحديث الوارد في صلاة الحاجة هو: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى الأَسْلَمِيِّ قَالَ: " خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ إِلَى اللَّهِ أَوْ إِلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ فَلْيَتَوَضَّأْ وَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ لِيَقُلْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ وَالْغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ وَالسَّلامَةَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ أَسْأَلُكَ أَلا تَدَعَ لِي ذَنْبًا إِلا غَفَرْتَهُ وَلا هَمًّا إِلا فَرَّجْتَهُ وَلا حَاجَةً هِيَ لَكَ رِضًا إِلا قَضَيْتَهَا لِي ثُمَّ يَسْأَلُ اللَّهَ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ مَا شَاءَ فَإِنَّهُ يُقَدَّرُ " رواه ابن ماجة (إقامة الصلاة والسنة/1374)
قال الترمذي هذا حديث غريب وفي إسناده مقال: فائد بن عبد الرحمن يُضعَّف في الحديث. وقال الألباني: بل هو ضعيف جداً. قال الحاكم: روى عن أبي أوفى أحاديث موضوعة.
مشكاة المصابيح ج1 ص 417.
قال صاحب السنن والمبتدعات: بعد أن ذكر كلام الترمذي في فائد بن عبد الرحمن
وقال أحمد متروك ... وضعفه ابن العربي.
وقال:
وأنت قد علمت ما في هذا الحديث من المقال، فالأفضل لك والأخلص والأسلم أن تدعو الله تعالى في جوف الليل وبين الأذان والإقامة وفي أدبار الصلوات قبل التسليم، وفي أيام الجمعات، فإن فيها ساعة إجابة، وعند الفطر من الصوم، وقد قال ربكم (أدعوني أستجب لكم) وقال: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان) وقال: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) . كتاب السنن والمبتدعات للشقيري ص 124.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1914)
تحديد وقت لصلاة الاستسقاء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم تحديد يوم للخروج إلى صلاة الاستسقاء.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جاء في سنن أبي داود بسند لا بأس به من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم وعد الناس يوماً يخرجون فيه قالت عائشة فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بدا حاجب الشمس.. الحديث ودلالته ظاهرة على تحديد يوم للخروج إلى صلاة الاستسقاء ... غير أنه لم يثبت تسمية هذا اليوم، وقد استحب غير واحد من أهل العلم تحديد يوميّ الإثنين والخميس لأن الأعمال تعرض فيهما على الله تعالى ولأنهما وقت فضيلة للصيام فيجمع المسلمون بين الصيام والاستسقاء فيكون الدعاء حينئذٍ أقرب للإجابة.
ويُحتمل عدم مشروعية تَقصُّد هذين اليومين دون بقية الأيام لأن ذلك لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة وهذا هو الصواب فلا يشرع تقصد يوم دون آخر بدون نص فالمشروع هو تحديد يوم يخرجون فيه فقد يوافق يوم الإثنين وقد يوافق يوماً آخر مراعاة لمصالح الناس وحاجاتهم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ سليمان بن ناصر العلوان(5/1915)
حكم الانتحار والصلاة على المنتحر والدعاء له
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي ابنة خالة توفيت ومعظم الاحتمالات تبين أنها انتحرت، فما حكم من ينتحر؟ وما حالته عند ربه؟ وماذا يفعل والداها ليخففا عنها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الانتحار من كبائر الذنوب، وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن المنتحر يعاقب بمثل ما قتل نفسه به.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَن تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالداً مخلداً فيها أبداً، ومَن تحسَّى سمّاً فقتل نفسه فسمُّه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومَن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً) رواه البخاري (5442) ومسلم (109) .
وعن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَن قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة) رواه البخاري (5700) ومسلم (110) .
وعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح فجزع فأخذ سكيناً فحز بها يده فما رقأ الدم حتى مات. قال الله تعالى: بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة) رواه البخاري (3276) ومسلم (113)
وقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة على المنتحر، عقوبةً له، وزجراً لغيره أن يفعل فعله، وأذن للناس أن يصلوا عليه، فيسن لأهل العلم والفضل ترك الصلاة على المنتحر تأسيّاً بالنبي صلى الله عليه وسلم.
فعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: (أُتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قتل نفسه بمَشاقص فلم يصل عليه) رواه مسلم (978) .
قال النووي:
" المَشاقص: سهام عراض.
وفي هذا الحديث دليل لمن يقول: لا يصلى على قاتل نفسه لعصيانه , وهذا مذهب عمر بن عبد العزيز والأوزاعي , وقال الحسن والنخعي وقتادة ومالك وأبو حنيفة والشافعي وجماهير العلماء: يصلى عليه , وأجابوا عن هذا الحديث بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل عليه بنفسه زجرا للناس عن مثل فعله , وصلت عليه الصحابة " انتهى.
" شرح مسلم " (7 / 47) .
ولا يعني هذا – إن ثبت انتحارها – أن تتركوا الدعاء لها بالرحمة والمغفرة، بل هو متحتم عليكم لحاجتها له، والانتحار ليس كفراً مخرجاً من الملة كما يظن بعض الناس، بل هو من كبائر الذنوب التي تكون في مشيئة الله يوم القيامة إن شاء غفرها وإن شاء عذَّب بها، فلا تتهاونوا بالدعاء لها، وأخلصوا فيه، فلعله يكون سببا لمغفرة الله لها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1916)
هل يصوم يوم النصف من شعبان حتى لو كان الحديث ضعيفاً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز بعد العلم بضعف حديث أن نأخذ به؛ وذلك من باب فضائل الأعمال " إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها " علماً أن الصوم نفلاً في تعبد لله وكذلك قيام الليل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ما ورد في فضل الصلاة والصيام والعبادة في النصف من شعبان ليس من قسم الضعيف، بل هو من قسم الموضوع والباطل، وهذا لا يحل الأخذ به ولا العمل بمقتضاه لا في فضائل الأعمال ولا في غيرها.
وقد حكم ببطلان الروايات الواردة في ذلك جمعٌ من أهل العلم، منهم ابن الجوزي في كتابه " الموضوعات " (2 / 440 - 445) ، وابن قيم الجوزية في " المنار المنيف " رقم 174 – 177) ، وأبو شامة الشافعي في " الباعث على إنكار البدع والحوادث " (124- 137) ، والعراقي في " تخريج إحياء علوم الدين " (رقم 582) ، وقد نقل شيخُ الإسلام الاتفاق على بطلانها في " مجموع الفتاوى " (28 / 138)
وقال الشيخ ابن باز – رحمه الله -: في " حكم الاحتفال بليلة النصف من شعبان "
إن الاحتفال بليلة النصف من شعبان بالصلاة أو غيرها وتخصيص يومها بالصيام: بدعة منكرة عند أكثر أهل العلم، وليس له أصل في الشرع المطهر.
وقال – رحمه الله -:
ليلة النصف من شعبان ليس فيها حديث صحيح، كل الأحاديث الواردة فيها موضوعة وضعيفة لا أصل لها، وهي ليلة ليس لها خصوصية لا قراءة ولا صلاة خاصة ولا جماعة، وما قاله بعض العلماء أن لها خصوصية: فهو قول ضعيف، فلا يجوز أن تُخصَّ بشيءٍ، هذا هو الصواب، وبالله التوفيق.
" فتاوى إسلامية " (4 / 511) .
انظر السؤال رقم (8907)
ثانياً:
وإن سلَّمنا أنها ضعيفة وليست موضوعة: فإن الصحيح من أقوال أهل العلم هو عدم الأخذ بالحديث الضعيف مطلقاً وإن كان في فضائل الأعمال والترغيب والترهيب، وفي الصحيح ما يغني المسلم عن الأخذ بالضعيف، ولا يُعرف تخصيص هذه الليلة ونهارها بشيء في الشرع لا عند النبي صلى الله عليه وسلم ولا عند أصحابه.
وقال العلاَّمة أحمد شاكر: لا فرقَ بين الأحكام وبين فضائل الأعمال ونحوها في عدم الأخذ بالرواية الضعيفة، بل لا حجةَ لأحدٍ إلا بما صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث صحيحٍ أو حسنٍ.
" الباعث الحثيث " (1 / 278) .
وانظر لزيادة البيان " القول المنيف في حكم العمل بالحديث الضعيف ".
وانظر جواب السؤال رقم: (44877) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1917)
هل ينزل الله إلى السماء الدنيا في ليلة النصف من شعبان؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ينزل الله إلى سماء الدنيا في نصف شعبان ويغفر لجميع الناس ما عدا اثنين وهما الكافر، والآخر المشاحن؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا في بعض الأحاديث، لكن في صحة الحديث كلام لأهل العلم، ولا يصح في فضل ليلة النصف من شعبان أي حديث.
عن أبي موسى الأشعري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن ". رواه ابن ماجه (1390) .
والمشاحن هو الذي بينه وبين أخيه عداوة.
وفي " الزوائد ": إسناده ضعيف؛ لضعف عبد الله بن لهيعة، وتدليس الوليد بن مسلم.
وفي الحديث اضطراب بينه الدارقطني في " العلل " (6 / 50، 51) وقال عنه: " والحديث غير ثابت ".
وروي من حديث معاذ بن جبل وعائشة وأبي هريرة وأبي ثعلبة الخشني وغيرهم، ولا تخلو طريق من ضعف، وبعضها شديد الضعف.
قال ابن رجب الحنبلي:
" وفي فضل ليلة نصف شعبان أحاديث متعددة، وقد اختُلف فيها، فضعّفها الأكثرون، وصحّح ابن حبان بعضها ". " لطائف المعارف " (261) .
ونزول الله تعالى إلى السماء الدنيا ليس خاصاً بليلة النصف من شعبان، بل ثبت في الصحيحين وغيرهما نزوله تعالى إلى السماء الدنيا في كل ليلة في الثلث الآخر من الليل، وليلة النصف من شعبان داخلة في هذا العموم.
ولهذا لما سئل عبد الله بن المبارك عن نزول الله تعالى ليلة النصف من شعبان قال للسائل: " يا ضعيف! ليلة النصف!؟ ينزل في كل ليلة ".
رواه أبو عثمان الصابوني في " اعتقاد أهل السنة " (رقم 92) .
وقال العقيلي – رحمه الله -:
وفي النزول في ليلة النصف من شعبان أحاديث فيها لين، والرواية في النزول كل ليلة أحاديث ثابتة صحيحة، فليلة النصف من شعبان داخلة فيها إن شاء الله.
" الضعفاء " (3 / 29) .
وانظر جواب السؤال رقم: (8907) .
ويوجد في الموقع مقالة للشيخ ابن باز رحمه الله في حكم الاحتفال بليلة النصف من شعبان وهي موجودة في: قسم " مواضيع خاصة بالمناسبات " في الموقع.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1918)
خطأ في الاتجاه إلى القبلة
[السُّؤَالُ]
ـ[أخبرني بعض الجيران أن القبلة التي أصلي باتجاهها خطأ وغير موازية للقبلة في المسجد المجاور، وبناء على هذا غيرت اتجاهي لمدة شهور، منها رمضان الماضي، ثم اكتشفت مرة أخرى أن القبلة الأولى هي الصحيحة. فما حكم الصلوات المؤداة في اتجاه القبلة الخاطئ؟ أرجو الإجابة لأني حائرة، ولكم جزيل الشكر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
استقبال القبلة شرط من شروط صحة الصلاة، والواجب على كل مصل أن يتحرى جهة القبلة في صلاته، وأن يجتهد في ضبطها لصلاته، إما عن طريق العلامات أو الآلات الدالة عليها، إن كان يمكنه ذلك، أو عن طريق خبر الثقات من أهل المكان، الذين لهم معرفة بجهة القبلة.
والغالب على الحال التي ذكرتيها أن يكون الانحراف عن جهة القبلة يسيرا، وهذا الانحراف اليسير هو الذي يمكن أن يحدث فيه ذلك التردد والاضطراب من أهل المكان عادةً؛ بحيث لا ينتبه الإنسان إلى ذلك الفرق بين الجهتين؛ فإن كان الأمر كذلك، يعني أن الانحراف عن القبلة كان يسيرا، فإن هذا لا يضر ولا تبطل به الصلاة؛ لأن الواجب على من كان بعيدا عن الكعبة أن يتجه إلى جهتها، ولا يشترط في حقه أن يكون اتجاهه إلى عين الكعبة، لما رواه الترمذي (342) وابن ماجة (1011) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ) [صححه الألباني في الإرواء] .
قال الصنعاني رحمه الله في سبل السلام [1/260] : (والحديث دليل على أن الواجب استقبال الجهة، لا العين في حق من تعذرت عليه العين) .
ومن الأدلة على ذلك أيضا، ما رواه البخاري (144) ومسلم (264) من حديث أبي أيوب رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا أَتَيْتُمْ الْغَائِطَ فَلا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ وَلا تَسْتَدْبِرُوهَا بِبَوْلٍ وَلا غَائِطٍ، وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا) .
قال شيخ الإسلام رحمه الله في شرح العمدة: (هذا بيان لأن ما سوى التشريق والتغريب استقبال للقبلة أو استدبار لها، وهذا خطاب لأهل المدينة ومن كان على سمتهم ... لأن ذلك اجماع الصحابة رضي الله عنهم؛ قال عمر: ما بين المشرق والمغرب قبلة كله إلا عند البيت ... وعن عثمان رضي الله عنه أنه قال: كيف يخطئ الرجل الصلاة وما بين المشرق والمغرب قبلة، ما لم يتحر المشرق عمدا)
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (وبهذا نعرف أن الأمر واسع، فلو رأينا شخصا يصلي منحرفا يسيرا عن مسامتة [أي: محاذاة] القبلة، فإن ذلك لا يضر، لأنه متجه إلى الجهة، وهذا فرضه) [الشرح الممتع 2/273] .
وأما إن كان الانحراف عن جهة الكعبة كثيرا؛ بحيث تكون صلاتك إلى غير الجهة التي فيها القبلة، إما شرقا، والقبلة غرب أو شمال، مثلا، فما دام الإنسان قد بنى عمله على قول من يعلم اهتمامهم بأمر الصلاة، وتعظيمهم لقدرها، وكان في ظنه أنهم أدرى منه باتجاه القبلة، فلا شيء عليه، وصلاته التي صلاها صحيحة، حتى ولو كان مخطئا في اتجاهه الذي صلى إليه؛ لأن الإنسان إذا اجتهد وتحرى، فقد فعل ما يجب عليه، لقول الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن /16.
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة [6/314] : (إذا اجتهد المصلي في تحري القبلة وصلى، ثم تبين أن تحريه كان خطأ، فصلاته صحيحة) .
وفي فتاوى الشيخ ابن باز رحمه الله [10/421] : (إذا اجتهد المؤمن في تحري القبلة، حال كونه في الصحراء، أو في البلاد التي تشتبه فيها القبلة، ثم صلى باجتهاده، وبعد ذلك ظهر أنه صلى إلى غير القبلة، فإنه يعمل باجتهاده الأخير، إذا ظهر له أنه أصح من اجتهاده الأول، وصلاته الأولى صحيحة؛ لأنه أداها عن اجتهاد وتحرٍ للحق) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1919)
هل يشرع اغتسال الجمعة للنساء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل غسل الجمعة واجب على النساء أيضًا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
غسل الجمعة مستحب غير واجب في قول جمهور الفقهاء، وذهب بعضهم إلى وجوبه.
ثانيا:
هذا الاغتسال مشروع في حق من يأتي الجمعة من رجل أو امرأة، وإن كان الرجال هم المخاطبين بحضورها في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) الجمعة/9
لكن إن حضرت المرأة الجمعة شرع لها الاغتسال لأجلها والتأدب بآدابها.
وقد بوب ابن حبان في صحيحه بقوله: " ذكر الاستحباب للنساء أن يغتسلن للجمعة إذا أردن شهودها " ثم ساق حديث عثمان بن واقد العمري عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أتى الجمعة من الرجال والنساء فليغتسل) .
والحديث متفق عليه دون زيادة " من الرجال والنساء "، وهذه الزيادة رواها ابن خزيمة وابن حبان والبيهقي في السنن، وقد اختلف في صحتها:
فصححها النووي رحمه الله في المجموع (4/ 405) ، وابن الملقن في البدر المنير. (4/ 649) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح (2/ 358) : " فَفِي رِوَايَة عُثْمَان بْن وَاقِد عَنْ نَافِع عِنْد أَبِي عَوَانَة وَابْن خُزَيْمَةَ وَابْن حِبَّان فِي صِحَاحهمْ بِلَفْظِ " مَنْ أَتَى الْجُمُعَة مِنْ الرِّجَال وَالنِّسَاء فَلْيَغْتَسِلْ , وَمَنْ لَمْ يَأْتِهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ غُسْل " وَرِجَاله ثِقَات , لَكِنْ قَالَ الْبَزَّار: أَخْشَى أَنْ يَكُون عُثْمَان بْن وَاقِد وَهِمَ فِيهِ ".
وما خشيه البزار من وهم عثمان فيه، جزم به أبو داود، صاحب السنن، رحمه الله.
قال أبو عبيد الآجري: " سألت أبا داود عنه فقال: ضعيف. قلت لأبي داود: إن عباس بن محمد يحكي عن يحيى بن معين أنه ثقة؟ فقال: هو ضعيف؛ حدث هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أتى الجمعة من الرجال والنساء فليغتسل) ، ولا نعلم أن أحدا قال هذا غيره ". انتهى. "تهذيب الكمال" (19/505) .
وجزم الألباني رحمه الله بشذوذ هذه الزيادة وضعفها، كما في "السلسلة الضعيفة" (8/ 430) .
ومما يؤيد القول باغتسال النساء للجمعة: ما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه عن عبيدة ابنة نائل قالت: سمعت ابن عمر وابنة سعد بن أبي وقاص يقولان: من جاء منكن الجمعة فلتغتسل. وروى عن طاوس بمثله، وعن شقيق أنه كان يأمر أهله الرجال والنساء بالغسل يوم الجمعة. انظر المصنف (2/ 9) .
والاغتسال للجمعة معقول المعنى، وهو النظافة وقطع الروائح الكريهة المؤذية للحاضرين، ولهذا تدعى المرأة إليه إن أرادت الحضور.
قال الحافظ في الفتح: " قَالَ الزَّيْن ابْن الْمُنير: وَنُقِلَ عَنْ مَالِك أَنَّ مَنْ يَحْضُر الْجُمُعَة مِنْ غَيْر الرِّجَال: إِنْ حَضَرَهَا لِابْتِغَاءِ الْفَضْل شُرِعَ لَهُ الْغُسْل وَسَائِر آدَاب الْجُمُعَة , وَإِنْ حَضَرَهَا لِأَمْرٍ اِتِّفَاقِيّ فَلَا " انتهى من "فتح الباري".
وقال النووي رحمه الله ي "المجموع" (4/ 405) : " وغسل الجمعة سنة , وليس بواجب وجوبا يعصى بتركه بلا خلاف عندنا، وفيمن يسن له أربعة أوجه: الصحيح المنصوص، وبه قطع المصنف والجمهور: يسن لكل من أراد حضور الجمعة , سواء الرجل والمرأة والصبي والمسافر والعبد وغيرهم؛ لظاهر حديث ابن عمر , ولأن المراد النظافة , وهم في هذا سواء. ولا يسن لمن لم يرد الحضور , وإن كان من أهل الجمعة، لمفهوم الحديث، ولانتفاء المقصود، ولحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أتى الجمعة من الرجال والنساء فليغتسل , ومن لم يأتها فليس عليه غسل من الرجال والنساء) رواه البيهقي بهذا اللفظ بإسناد صحيح " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1920)
لماذا لم يذكر المسافر في حديث: (الجمعة حق واجب على كل مسلم إلا أربعة) ؟
[السُّؤَالُ]
ـ[جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (أن الجمعة حق واجب على كل مسلم إلا أربع) لماذا لم يتضمنوا المسافر ضمن الذين تسقط عنهم صلاة الجمعة في هذا الحديث؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
الحديث المشار إليه في السؤال هو: عن طارق بن شهاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسلِمٍ فِي جَمَاعَةٍ إِلاَّ أَربَعَة: عَبدٌ مَملُوكٌ، أَو امرَأَةٌ، أَو صَبِيٌّ، أَو مَرِيضٌ) رواه أبو داود (1067) وقال النووي في "المجموع" (4/483) : إسناده صحيح على شرط الشيخين، وقال ابن رجب في "فتح الباري" (5/327) : إسناده صحيح، وقال ابن كثير في "إرشاد الفقيه" (1/190) : إسناده جيد، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3111) .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس على مسافر جمعة) قال الحافظ في بلوغ المرام: إسناده ضعيف.
وقد جاء استثناء المسافر أيضاً في عدة أحاديث منها:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خَمْسَةٌ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ: الْمَرْأَةُ , وَالْمُسَافِرُ , وَالْعَبْدُ، وَالصَّبِيُّ , وَأَهْلُ الْبَادِيَةِ) . قال في "مجمع الزوائد": رواه الطبراني في الأوسط وفيه " إبراهيم بن حماد " ضعفه الدارقطني، وقال الشيخ الألباني رحمه الله: "ضعيف جداً "
ولا يخفى أن الأحكام الشرعية تستنبط من مجموع الأحاديث الواردة في هذه المسألة بعينها،ولا تستنبط من حديث واحد مع إهمال سائر الأحاديث.
وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم عدداً، كما في الحديث المسؤول عنه، ولا يكون الحصر في هذا العدد مقصوداً، فقد يكون المقصود تسهيل حفظ هذا الحديث وضبطه عند من سمعه، ومثل هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ ا, ... الحديث) ، وبجمع الأحاديث الواردة في هذا الفضل العظيم (يظلهم الله في ظله) يتبين أنهم أكثر من عشرين خصلة، وليست سبعة فقط.
قال الصنعاني في سبل السلام:
" قد اجتمع من الأحاديث أنها لا تجب الجمعة على ستة أنفس: الصبي , وهو متفق على أنه لا جمعة عليه , والمملوك , وهو متفق عليه إلا عند داود، والمرأة , وهو مجمع على عدم وجوبها عليها، والمريض، والمسافر لا يجب عليه حضورها.. السادس: أهل البادية.." انتهى
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1921)
هل يجوز له إتمام الشراء وهو يسمع النداء بالصلاة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أحيانا عندما أكون في السوق وأكون في محل وقد اخترت البضاعة وأكون قد وصلت المحاسبة وقد أذن فهل يجوز لي إتمام البيع أو يحرم ذلك؟ كذلك أحيانا نكون في السيارة ويكون المؤذن قد أذن فنقف عند بقالة ويطلب أخي من البقالة شيئا فهل هذا يدخل تحت التحريم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان ذلك في أذان صلاة الجمعة الذي يكون بعد صعود الخطيب المنبر، فيحرم البيع والشراء حينئذ، لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) الجمعة/9.
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
"قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) معناه: ترك الاشتغال بالتجارة والتوجه لسماع الخطبة وأداء صلاة الجمعة في المسجد مع الإمام، وهذا يعني: تحريم البيع والشراء بعد الأذان الثاني الذي هو عند جلوس الخطيب على المنبر حتى تنتهي الصلاة، إلا لضرورة تدعو إلى الشراء؛ كماء للطهارة أو ثوب يستر به عورته للصلاة" انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (13 / 101-102)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"إن البيع بعد نداء الجمعة الثاني حرام وباطل أيضا، وعليه فلا يترتب عليه آثار البيع، فلا يجوز للمشتري التصرف في المبيع؛ لأنه لم يملكه، ولا للبائع أن يتصرف في الثمن المعين؛ لأنه لم يملكه، وهذه مسألة خطيرة؛ لأن بعض الناس ربما يتبايعون بعد نداء الجمعة الثاني ثم يأخذونه على أنه ملك لهم " انتهى.
"الشرح الممتع" (8/52) .
فلا يجوز البيع والشراء بعد الأذان الثاني للجمعة، لأن الواجب السعي إلى المسجد لسماع الخطبة والصلاة، والبيع يشغل عن ذلك.
أما إذا كان ذلك في سائر الصلوات (الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء) فلا حرج من ذلك، بشرط ألا يشغل عن صلاة الجماعة، ويكون سبباً في تضييعها.
وقد قال الله تعالى: (رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) النور/37.
"فهؤلاء الرجال، وإن اتجروا، وباعوا، واشتروا، فإن ذلك لا محذور فيه. لكنه لا تلهيهم تلك، بأن يقدموها ويؤثروها على ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، بل جعلوا طاعة الله وعبادته غاية مرادهم، ونهاية مقصدهم، فما حال بينهم وبينها رفضوه" انتهى من "تفسير السعدي" (ص/ 569) .
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: هل يحرم البيع أثناء الأذان وبعده، وكيف الحال في يوم الجمعة؟
فأجاب:
"قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) فلا يجوز البيع والشراء ولا الإجارة ولا المساقاة ولا غير ذلك، بل يجب أن يتفرغ العباد لصلاة الجمعة، ويبادر لصلاة الجمعة، ولا يتشاغل بشيء آخر.
أما الأوقات الأخرى فقد تلحق بالجمعة وقد لا تلحق، فالأحوط له أن لا يفعل شيئاً بعد الأذان، بعد أذان بعد الظهر أو العصر أو المغرب؛ لأنه قد يشغله عن الجماعة، فالأحوط له أن يحذر ذلك إلا أن يكون شيئاً يسيراً ما يشغل فلعله لا حرج فيه؛ لأن الله - جل وعلا - إنما جاء عنه النص في مسألة الجمعة؛ لأن أمرها عظيم، ويجب حضورها، وتفوت بفواتها، فأمرها أعظم، وهي فرض الأسبوع.
فالمقصود: أن الجمعة لا يقاس عليها غيرها، لكن إذا هجر هذا الشيء وابتعد عنه لئلا يشغله عن الجماعة كان هذا أولى.
وبكل حال ... إذا كان بيعه قد يشغله عن أداء الصلاة في الجماعة حُرم، لكن في بعض الأحيان تكون الصلاة متأخرة، إذا تأخر الإمام، ويمكن للإنسان في طريقه أن يشتري سلعة ويبيعها، قد لا يضر حضوره الصلاة. وكونه يبتعد عن هذا الشيء، ويستأنس بما جاء في الجمعة يكون هذا أحوط حتى يتشبه بالجمعة في الحذر" انتهى.
(من فتاوى نور على الدرب)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1922)
هل يجوز الاستماع إلى خطبة الجمعة في المنزل، ثم الذهاب إلى المسجد للصلاة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم في سماعي لخطبة الجمعة من منزلي في غرفتي الخاصة، مع العلم أن المنزل مقابل المسجد، ثم أتوجه إلى المسجد للصلاة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يقول الله عز وجل:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) الجمعة/9
قال الشيخ السعدي رحمه الله:
" يأمر تعالى عباده المؤمنين بالحضور لصلاة الجمعة والمبادرة إليها، من حين ينادى لها " انتهى.
"تفسير السعدي" (ص 863)
وروى أبو داود (345) والترمذي (496) وحسنه، عن أوس بْنُ أَوْسٍ الثَّقَفِيُّ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ ثُمَّ بَكَّرَ وَابْتَكَرَ وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ وَدَنَا مِنْ الْإِمَامِ فَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" وغيره.
فأوجب الله السعي إليها، حين ينادى بها، وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم التبكير إليها.
فيجب على كل من سمع النداء للجمعة – وهو النداء الثاني - ممن تجب عليه - أن يسعى إلى الصلاة، ولا يجوز له التخلف عن حضور الخطبة إلا لعذر، ومن كان منزله بعيداً وجب عليه أن يسعى لها قبل النداء ليدرك الخطبة والصلاة؛ لأن إدراكهما واجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
قال ابن قدامة رحمه الله:
" الْخُطْبَة شَرْطٌ فِي الْجُمُعَةِ , لَا تَصِحُّ بِدُونِهَا , وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا , إلَّا الْحَسَنَ " انتهى.
"المغني" (2/74)
وقال الكاساني رحمه الله:
" قال تَعَالَى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ) قِيلَ ذِكْرُ اللَّهِ هُوَ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ , وَقِيلَ هُوَ الْخُطْبَةُ، وَكُلُّ ذَلِكَ حُجَّةٌ ; لِأَنَّ السَّعْيَ إلَى الْخُطْبَةِ إنَّمَا يَجِبُ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ سَقَطَتْ عَنْهُ الصَّلَاةُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ السَّعْيُ إلَى الْخُطْبَةِ، فَكَانَ فَرْضُ السَّعْيِ إلَى الْخُطْبَةِ فَرْضًا لِلصَّلَاةِ , وَلِأَنَّ ذِكْرَ اللَّهِ يَتَنَاوَلُ الصَّلَاةَ وَيَتَنَاوَلُ الْخُطْبَةَ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى " انتهى.
"بدائع الصنائع" (1/257) ، وانظر: (1/262) .
وقال الشوكاني رحمه الله:
" قد أمر الله سبحانه في كتابه العزيز بالسعي إلي ذكر الله، والخطبة من ذكر الله إذا لم تكن هي المرادة بالذكر، فالخطبة فريضة " انتهى.
"السيل الجرار" (ص182)
وقال علماء اللجنة الدائمة:
" جمهور العلماء على أن الخطبة شرط في صحة صلاة الجمعة؛ لقوله تعالى (فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) قالوا: والمراد بالذكر هنا الخطبة، فكانت واجبة للأمر بالسعي لها، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم داوم عليها مقترنة بصلاة الجمعة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي) فوجب قرنها بالجمعة، كما قرنها بها صلى الله عليه وسلم "
انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (3 / 324) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" يجب على الإنسان إذا سمع أذان الجمعة، وهو الأذان الذي يكون عند حضور الإمام، أن يسعى إليها ليدرك الاستماع للخطبة والصلاة كاملة، أما قبل أن يؤذن الأذان الثاني فإنه لا يجب الحضور. قال أهل العلم: إلا من كان منزله بعيدا بحيث لا يصل إلى المسجد إلا بعد الأذان الثاني: فيجب أن يسعى إلى الجمعة بحيث يصل إلى المسجد عند الأذان الثاني " انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (188 / 15) ، وينظر: فتاوى الشيخ رحمه الله (13 / 847) .
والخلاصة: أنه لا يجوز لك أن تستمع للخطبة في منزلك، وتذهب إلى الصلاة بعد انتهائها، لأن الخطبة شرط في صلاة الجمعة، ثم إن هذا يفوت عليك أجر التبكير إلى صلاة الجمعة، ويضيع عليك ساعات الأجر التي جعلها الله لمن يبكر لصلاة الجمعة.
راجع إجابة السؤال رقم: (60318) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1923)
هل يجوز أن يخطب خطبتي الجمعة خطيبان كل منهما يخطب بلغة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد في المدينة الأمريكية التي نسكن بها جالية بوسنية كبيرة ورغبة من إدارة المسجد في جعل خطبة الجمعة باللغة البوسنية ليسهل إيصال الموعظة للبوسنيين وأيضاً جعلها باللغة الإنجليزية لتعم الفائدة لجميع الحاضرين من جنسيات أخرى تم اقتراح أن يلقي خطيب الخطبة الأولى باللغة الإنجليزية ثم يلقي خطيب آخر الخطبة الثانية باللغة البوسنية. أرجو منكم بيان حكم هذا وجود خطيبين في جمعة واحدة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الحاضرون في المسجد لا يعرفون اللغة العربية، فلا حرج أن يخطب الخطيب بلغتهم حتى تحصل الفائدة من الخطبة.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (112041) .
أما قيام خطيبين بإلقاء خطبة الجمعة، فقد اختار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله جواز ذلك، فقال رحمه الله:
"هل يشترط أن يتولاهما واحد – يعني: خطبتي الجمعة - أو يجوز أن يخطب الخطبة الأولى واحد والثانية آخر؟
الجواب: يجوز، أي: لا يشترط أن يتولاهما واحد، فلو خطب رجل، وخطب الثانية رجل آخر صح " انتهى.
"الشرح الممتع" (5/ 27) .
إلا أننا في حالتكم هذه لا ننصحكم بذلك، لأن هذا سيكون أمراً راتباً في كل خطبة، وسيؤدي إلى تطويل الخطبة، وكلاهما خلاف السنة بلا شك.
فالذي ننصحكم به: أن يُراعى أكثر أهل المسجد، ويخطب خطيب واحد بلغتهم، ثم بعد الصلاة يقوم مترجم ويترجم الخطبة باللغة الأخرى.
قال الشيخ ابن عثيمين:
"إذا كثر من لا يعرفون اللغة العربية في هذه الحال تكون ترجمة الخطبة بعد الصلاة بحيث يوعز إلى هؤلاء القوم الذين لا يعرفون اللغة العربية ويكونون في جهة معينة من المسجد ويأتي من يترجم لهم هذه الخطبة" انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (6/ 378) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1924)
حكم القيام برحلة صيد يوم الجمعة
[السُّؤَالُ]
ـ[عندنا في العمل بعض الزملاء غير الملتزمين يريدون أن يذهبوا في رحلة صيد أسماك لمدة يوم وأريد أن أذهب معهم ولكن هذا اليوم الذي وقع عليه الاختيار هو يوم الجمعة فأولاً: هل أذهب معهم؟ وثانيا: إذا ذهبت هل يكون علينا صلاة جمعة؟ وكيف نصلى الصلوات ونحن في عرض البحر؟ وهل نجمع الظهر والعصر والمغرب والعشاء ونقصر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ذكرت أن زملاءك الذين يريدون أن تذهب معهم في رحلة الصيد غير ملتزمين:
فإن كانت مصاحبتهم ستعود عليك وعليهم بالنفع والفائدة والمصلحة، كأن تأمرهم بالصلاة وتحثهم على صنائع المعروف، وتنهاهم عن المنكر فلا بأس بمصاحبتهم، وإن كنت تخشى من مصاحبتهم ما يُخشى من مصاحبة غير المستقيمين من الانحراف وعدم تقوى الله فنرى لك عدم مصاحبتهم؛ لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا، وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ) رواه الترمذي (2395) حسنه الألباني في "صحيح الترمذي".
وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ) رواه أبو داود (4833) وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" وغيره.
قال في عون المعبود:
"أَيْ: يَتَأَمَّل وَيَتَدَبَّر مَنْ يُخَالِلْ: فَمَنْ رَضِيَ دِينه وَخُلُقه خَالَلَهُ، وَمَنْ لَا تَجَنَّبَهُ فَإِنَّ الطِّبَاع سَرَّاقَة" انتهى.
ثانيا:
إذا كانت المسافة التي تقطعونها – برا أو بحرا – هي مسافة القصر، فأنتم مسافرون، تسقط عنكم الجمعة، ويستحب لكم أن تقصروا الصلاة، ولكم أن تجمعوا بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، تقديما أو تأخيرا، بحسب الأيسر لكم.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله:
"إذا سافر المسلم مسافة 80 كيلو مترا تقريبا أو أكثر، للنزهة أو للصيد أو لغير ذلك من الأسباب المباحة شرع له القصر، فيصلي الأربع اثنتين، ويجوز له الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء جمع تقديم أو جمع تأخير، على حسب ما يراه أرفق به.
وإذا كان نازلا مستريحا فترك الجمع أفضل، فيصلي كل صلاة في وقتها قصرا" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (30/182) .
وإن كنتم في أقل من مسافة القصر، وكنتم تسمعون النداء للصلاة، فصلاة الجمعة والجماعة مع جماعة المسلمين واجبة عليكم.
والاعتبار في سماع النداء: أن يكون بصوت المؤذن بدون مكبر للصوت، والأصوات هادئة، والريح ساكنة.
وقد قدَّر العلماء هذه المسافة بنحو 5 كيلو متر تقريباً.
راجع: "المجموع" (4/353) ، "المغني" (2/106) .
وانظر جواب السؤال رقم (20655) ، (39054) .
وإن كنتم لا تسمعون النداء للصلاة، فقد سقطت عنكم صلاة الجمعة والجماعة في المسجد مع المسلمين، وتجب عليكم الصلاة حيث كنتم، جماعة.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله:
بعض المسلمين يخرجون أيام العطل خارج مدينة الرياض للنزهة غير ناوين السفر , ويأخذون معهم القليل من الماء وعند الصلاة يتيممون بدلا من الماء بحجة قلة الماء؟
فأجاب: " إذا خرجوا للنزهة وحضرت الصلاة وليس عندهم إلا ماء قليل بقدر حاجتهم والماء بعيد عنهم , صلوا بالتيمم , لكن إذا حملوه معهم يكون أفضل إذا تيسر ذلك ...
أما صلاة الجمعة فلا تجب عليهم إذا كانوا بعيدين عن البلد لا يسمعون الأذان , فرسخا أو أكثر " انتهى ملخصا.
"مجموع فتاوى ابن باز" (10/202) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
شباب خرجوا في رحلة إلى منطقة بعيدة ونزلوا في مكان بعيد من البلد لكنهم ما زالوا يسمعون الأذان بسبب وجود المكبرات، فهل تلزمهم الجمعة والجماعة مع أهل ذلك البلد؟
فأجاب:
"لا تلزمهم، يعني: إذا بعدوا عن البلد بحيث لا يسمعون صوت المؤذنين ولولا وجود مكبر الصوت فلا تلزمهم، وأما إذا كانوا قريبين من البلد بحيث لو كان المؤذنون يؤذنون بغير مكبر لسمعوه فإنه يلزمهم" انتهى.
"لقاء الباب المفتوح" (149/27) .
والذي ننصحكم به: عدم الخروج للتنزه أو الصيد يوم الجعة، إن كانت تفوتكم صلاة الجمعة، أما إن كانت لا تفوتكم: فلا بأس بخروجكم.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"السفر يوم الجمعة إن كان بعد أذان الجمعة الثاني فإنه لا يجوز؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) الجمعة/9.
فلا يجوز للإنسان أن يسافر في هذا الوقت؛ لأن الله قال: (فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) الجمعة/9.
وإذا كان السفر قبل ذلك: فإن كان سيصلي الجمعة في طريقه مثل أن يسافر من بلده وهو يعلم أنه سيمر على بلد آخر في طريقه ويعرج عليه ويصلي الجمعة فيه، فهذا لا بأس به، وإن كان لا يأتي بها في طريقه، فمن العلماء من كرهه، ومن العلماء من حرمه، ومن العلماء من أباحه، وقال: إن الله تعالى لم يوجب علينا الحضور إلا بعد الأذان.
والأحسن ألا يسافر إلا إذا كان يخشى من فوات رفقته أو مثل أن يكون موعد الطائرة في وقتٍ لا يسمح له بالحضور أو ما أشبه ذلك، وإلا فالأفضل أن يبقى" انتهى.
"لقاءات الباب المفتوح" (3/104) .
وقد اختار علماء اللجنة الدائمة للإفتاء تحريم السفر يوم الجمعة إذا كان يترتب عليه تضييع صلاة الجمعة، فقد سئلوا: ما حكم خروج بعض الناس إلى البر أو البحر يوم الجمعة، بدعوى أنهم لا يتوافر لهم وقت للرحلة إلا يوم الجمعة؟
فأجابوا:
"إذا تيسر لهم صلاة الجمعة في رحلتهم وحضروا صلاة الجمعة وأدوها فلا حرج عليهم، وإذا ترتب على رحلتهم فوات صلاة الجمعة بالنسبة لهم فلا تجوز الرحلة لما يلزمها من تضييع الفريضة" انتهى.
"فتاوى إسلامية" (1/673) .
ثالثا:
أما كيفية الصلاة وأنتم في عرض البحر: فتصلون في البحر كما تصلون في البر إلا إذا خشيتم الغرق، فتصلون بحسب حالكم، كيف تيسر لكم.
وقد روى الحاكم (1019) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في السفينة؟ فقال: كيف أصلي في السفينة؟ فقال: (صل فيها قائما إلا أن تخاف الغرق) صححه الألباني في "صحيح الجامع" (3777) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1925)
لا يجوز إقامة جمعتين في مسجد واحد
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا الآن أدرس في كندا , هناك أعمال توسعية جارية في المسجد , ولذلك لا يتسع للجميع في صلاة الجمعة , ولهذا السبب تقام جمعتان لكي يتاح للجميع الصلاة , لكن المشكلة هي أن الصلاة الأولى تكون في الساعة الثانية عشرة والنصف. أي قبل دخول الوقت بحوالي ساعة كاملة.. هل هذا جائز في قول أيٍ من العلماء.. وما هو حكم الصلوات التي سبق وصليتها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ذهب جمهور أهل العلم من الحنفية والمالكية والشافعية إلى أن الجمعة لا تصلى إلا بعد زوال الشمس، وذهب الحنابلة إلى جواز صلاتها قبل الزوال.
راجع: "الأم" (1/223) – "المجموع" (4/377-381) – "الإنصاف" (2/375-376) -
"الموسوعة الفقهية" (27/197-198)
والأوْلى أن تصلى بعد الزوال، فإن اضطرت الجماعة أن تصليها قبل الزوال بنحو ساعة فلا حرج عليهم.
فقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
هل تجوز صلاة الجمعة قبل الزوال بساعة - لضرورة دخول العمل في فرنسا - مع العلم أننا إذا لم نصلها قبل الدخول إلى العمل وذلك قبل الزوال بساعة لم نصل الجمعة، فهل للضرورة إباحة؟
فأجابوا:
"في تحديد أول وقت صلاة الجمعة خلاف بين العلماء، فذهب أكثر الفقهاء إلى أن أول وقتها هو أول وقت الظهر وهو زوال الشمس، فلا تجوز صلاتها قبل الزوال بكثير ولا قليل، ولا تجزئ؛ لقول سلمة بن الأكوع رضي الله عنه: (كنا نجمع مع النبي صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس، ثم نرجع نتبع الفيء) رواه البخاري ومسلم. ولقول أنس رضي الله عنه:
(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة حين تميل الشمس) رواه البخاري. وقال جماعة: لا يجوز قبل السادسة أو الخامسة.
وذهب الإمام أحمد بن حنبل وجماعة إلى أن أول وقتها هو أول وقت صلاة العيد، أما الزوال فهو أول وقت وجوب السعي إليها، واستدلوا لجواز صلاتها قبل الزوال بقول جابر رضي الله عنه: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي - يعني الجمعة - ثم نذهب إلى جمالنا فنريحها حين تزول الشمس) رواه مسلم. ولقول سلمة بن الأكوع رضي الله عنه: (كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة ثم ننصرف وليس للحيطان فيء) رواه أبو داود.
ويجمع بين الأحاديث: بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصليها بعد الزوال أكثر الأحيان، ويصليها قبل الزوال قريبا منه أحيانا.
وعلى هذا، فالأولى أن تصلى بعد الزوال رعاية للأكثر من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وخروجا من الخلاف، وهذا مما يدل على أن المسألة اجتهادية، وأن فيها سعة، فمن صلى قبل الزوال قريبا منه فصلاته صحيحة إن شاء الله، ولا سيما مع العذر، كالعذر الذي ذكره السائل " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (8 / 216-217) .
وسئل الشيخ ابن جبرين:
نحن طلاب الملحقية السعودية في الولايات المتحدة نقدم صلاة الجمعة قبل دخول الوقت بساعة حيث إن الوقت يدخل في الساعة (الواحدة والربع) ونحن نصلي الساعة (الثانية عشر والربع) وذلك بسبب أن نسبة من الطلاب عندهم محاضرات في نفس الوقت ولا يتمكنون من أداء الصلاة إلا في هذا الوقت المبكر، إن كان هذا جائزا لهؤلاء فإن بعض الطلاب ممن ليس عندهم محاضرات يصلون في الوقت المبكر معهم وذلك لوجود مسجد واحد فقط، هل تجوز صلاتهم؟
فأجاب الشيخ حفظه الله:
" ذهب كثير من العلماء إلى أن وقت صلاة الجمعة يبدأ من أول وقت صلاة العيد أي بعد خروج وقت النهي ويستمر إلى دخول وقت العصر، ولكن يستحبون أن يصلوها بعد الزوال أي بعد دخول وقت الظهر؛ لأنها بدل على الظهر وهو الوقت المعتاد من عهد النبوة وعهد الخلفاء الراشدين، لكن قد ورد ما يدل على أن بعض الصحابة كانوا يقدمونها قبل الزوال، وحيث إن هناك عذر انشغال في الوقت المحدد لها، فنقول: لا بأس في أدائها قل الزوال ولو بساعة أو نحوها؛ لأن ذلك جائز عند كثير من العلماء ولوجود المسوغ لهذا التقديم. فعلى هذا لا مانع من صلاتهم جميعا في الوقت المذكور ولو كان العذر لبعضهم دون بعض. والله أعلم" انتهى.
انتهى من موقع الشيخ (الرابط)
وسئل الشيخ ابن عثيمين:
هناك بعض الخطباء يدخلون إلى المسجد يوم الجمعة ويشرعون في الخطبة قبل الوقت وربما أقيمت الصلاة ولم يحن وقت الزوال فما صحة ذلك؟
فأجاب:
"هذه المسألة – أي: الشروع في الخطبة والصلاة يوم الجمعة قبل الزوال - فيها خلاف بين العلماء، فمنهم من قال: إنها لا تجوز حتى تزول الشمس، ومنهم من قال: إنها تجوز، والصحيح أنها تجوز قبل الزوال بساعة أو نصف ساعة أو ما قارب ذلك" انتهى.
"لقاء الباب المفتوح" (16 / 19) .
يتبين مما سبق أن صلاة الجمعة إذا أديت قبل الزوال بنحو ساعة فهي صحيحة.
أما إقامة جمعتين في مسجد واحد، الواحدة بعد الأخرى: فهذا لا يجوز.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
عدد المساجد التي تقام فيها صلاة الجمعة في باريس وفي المدن الأخرى قليل بالإضافة إلى ضيقها بالمصلين لكثرة عددهم.
وحلا لهذه الأزمة التي تحرم كثيرا من المصلين من أداء فريضة الجمعة في فرنسا، فقد اقترح أحدهم أن تتم صلاة الجمعة في المسجد الواحد على دفعتين، كل دفعة بإمام وخطيب مستقل، (أي تقام صلاة الجمعة في الدفعة الأولى في وقتها ثم بعد انتهاء الخطبة والصلاة، يأتي إمام جديد ويخطب ويصلي الجمعة بالمصلين الذين قبلوا الانتظار والصلاة مع الدفعة الثانية. فما حكم الشرع في ذلك.
فأجابوا:
"إنشاء جمعتين في مسجد واحد غير جائزة شرعا، ولا نعلم له أصلا في دين الله، والأصل أن تقام جمعة واحدة في البلد الواحد، ولا تتعدد الجمع إلا لعذر شرعي؛ كبعد مسافة على بعض من تجب عليهم، أو يضيق المسجد الأول الذي تقام فيه عن استيعاب جميع المصلين، أو نحو ذلك مما يصلح مسوغا لإقامة جمعة ثانية، فعند ذلك يقام جمعة أخرى في مكان يتحقق بإقامتها فيه الغرض من تعددها.
فعلى الإخوة السائلين أن يلتمسوا مكانا آخر وسط من يأتون للمسجد المطلوب وإعادة صلاة الجمعة فيه ويقيموا فيه جمعة أخرى، حتى ولو لم يكن مسجدا كالمساكن الخاصة وكالحدائق والميادين العامة التي تسمح الجهات المسؤولة عنها بإقامة الجمعة فيها" انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (8 / 262) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1926)
هل الجندي ليس عليه صلاة الجمعة والجماعة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الجندي أثناء عمله ليس عليه جمعة ولا جماعة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"هذا فيه تفصيل، الجندي إذا كان حارساً على شيء للدولة كأن يكون حارساً على سجن، أو حارساً على مال يُخشى عليه، أو على محل من المحلات يخشى أن تنتهك، فهذا ليس عليه جمعة ولا جماعة، بل يصلي فرداً.
أما الجندي إذا لم يكن حارساً على شيء ولا مريضاً فإنه عليه مثل ما على الناس، فعليه أن يصلي الجمعة والجماعة، فهذا الإطلاق ليس له وجه، الجندي مثل غيره، إلا إذا كان هناك عذر شرعي من مرض أو خوف إذا خرج إلى الجمعة والجماعة أو كان حارساً على شيء يُخشى عليه، كأن يكون حارساً على باب السجن، أو على أموال يحرسها يخشى عليها، أو ما أشبه ذلك من عذر" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (2/988) .
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
فتاوى نور على الدرب(5/1927)
يحرم البيع يوم الجمعة بعد الأذان الثاني
[السُّؤَالُ]
ـ[حيث قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون) ، متى يبدأ وقت النهي عن البيع؟ هل هو وقت أذان الظهر؟ أو وقت صعود الخطيب المنبر؟ أو ساعة الأذان، قبل ساعة تقريباً من أذان الظهر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نهى الله تعالى عن البيع إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) الجمعة/9.
ثانياً:
اختلف أهل العلم عند أي النداءين يحرم البيع، على قولين:
مذهب الحنفية: يحرم البيع عند الأذان الأول.
مذهب الجمهور: أن التحريم متعلق بالأذان الثاني – الذي يكون عقب جلوس الإمام على المنبر.
يُنظر "الموسوعة الفقهية الكويتية" (9/224) .
والقول الراجح: هو قول الجمهور؛ لأنه لم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أذان واحد للجمعة – بعد أن يجلس الإمام على المنبر –، فيتعين أن يكون هذا الأذان هو المراد في الآية (فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) حين نزلت، ولأن البيع عند هذا الأذان يشغل عن الصلاة، ويكون ذريعة إلى فواتها، أو فوات بعضها.
قال ابن قدامة في "المغني" (2/145) : " والنداء الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو النداء عَقِيْب جلوس الإمام على المنبر، فتعلق الحكم به دون غيره. ولا فرق بين أن يكون ذلك قبل الزوال أو بعده " انتهى.
والدليل على أن النداء الأول إنما زيد في عهد عثمان رضي الله عنه، حديث السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ رضي الله عنه قَالَ (كَانَ النِّدَاءُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوَّلُهُ إِذَا جَلَسَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَثُرَ النَّاسُ زَادَ النِّدَاءَ الثَّالِثَ عَلَى الزَّوْرَاءِ " قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ الزَّوْرَاءُ مَوْضِعٌ بِالسُّوقِ بِالْمَدِينَةِ) رواه البخاري (912) .
وقوله " زاد النداء الثالث " معناه أن للجمعة ثلاثة نداءات: الأذان الأول الذي زاده عثمان رضي الله عنه، والأذان الثاني الذي يكون عند الخطبة، والأذان الثالث وهو الإقامة؛ لأن الإقامة تسمى أذاناً، كما في حديث عبد الله بن مغفل المزني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ) رواه البخاري (624) ومسلم (838) .
قال الشيخ ابن عثيمين في "مجموع الفتاوى" (12/180) : " الإقامة يطلق عليها اسم الأذان إطلاقاً تغليبياً كما في قوله صلى الله عليه وسلم: " بين كل أذانين صلاة " أي بين كل أذان وإقامة. أو إطلاقاً مجازياً أو حقيقياً باعتبار معنى الأذان العام لغة كما في صحيح البخاري عن السائب بن يزيد - رضي الله عنه - قال: " إن الذي زاد التأذين الثالث يوم الجمعة عثمان بن عفان - رضي الله عنه - حين كثر أهل المدينة ". الحديث. وليس في الجمعة سوى أذانين وإقامة، فسمى الإقامة أذاناً إما تسمية مجازية أو حقيقية باعتبار معنى الأذان العام " انتهى.
والخلاصة: أن تحريم البيع يوم الجمعة إنما يكون بعد الأذان الثاني، والذي يكون عقب جلوس الإمام على المنبر.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1928)
يقيمون جمعتين متتاليتين في مبنيين متجاورين بسبب انشغالهم بالمحاضرات
[السُّؤَالُ]
ـ[تصلى الجمعة عندنا مرتين في منطقة واحدة. فالطلاب في الجامعة يأخذون فرصتهم لتناول الغداء في أوقات مختلفة، وهو الوقت الذي يستغلونه لتأدية صلاة الجمعة. المجموعة الأولى تصلي من 12:00 حتى 1:00 بعد الظهر، أما المجموعة الأخرى فتصلي من 1:00 حتى 2:00. وعليه فنحن نقيم جماعتين، لكنهما تقامان في مبنيين مختلفين – رغم أن المبنيين متجاوران. وإن نحن أقمنا جماعة واحدة، فإننا نلاحظ أن الكثيرين من المسلمين الذين قد يكون إيمانهم ضعيفا سيقدمون المحاضرات والدروس، ولذلك فإنهم لا يخرجون لتأدية صلاة الجمعة خلال أوقات إلقاء المحاضرات. فهل يصح عملنا (تأدية صلاة الجمعة مرتين) ؟ وإن لم يكن ذلك جائزا، فما هو البديل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا بأس بتفريق الجماعة إلى قسمين، قسم يصلون صلاة الجمعة في أول الوقت، وقسم يصلونها في وسط الوقت إذا لم يمكن اجتماعهم في وقت واحد، بسبب المحاضرات والدروس التي يتلقاها بعضهم في وقت صلاة الجمعة الذي هو وسط النهار، وذلك لأن وقت صلاة الجمعة يمتدّ إلى دخول وقت العصر، والأصل أن الجمعة لا يجوز تعددها في البلاد المتقاربة، لأن من الحكمة في شرعيتها اجتماع أهل البلد وأداؤهم الصلاة في وقت واحد، ومسجد واحد يحصل بسببه تقابلهم والتقاء بعضهم ببعض وتبادلهم التحية، وتفقد بعضهم أحوال بعض لعل ذلك يكون سبباً في ثبات الأخوّة بينهم، وحيث إن أهل هذه المنطقة كلهم من الطلاب في جامعة واحدة، فإن اجتماعهم في الفصول وفي الجامعة يؤدي الغرض، فعلى هذا لا مانع من تفرقهم في أداء الجمعة إذا ترتب على الاجتماع تخلف بعضهم وتقديم المحاضرات على صلاة الجمعة، فإن تمكن الجميع من تأخير الجمعة إلى الساعة الواحدة وأدّوها جماعة واحدة فهو أفضل، فإذا لم يتمكنوا وتسبب ذلك في تخلف بعضهم فإن هذا عذرٌ مسوّغ لإقامة الجمعة مرتين.
والله أعلم
فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله.
[الْمَصْدَرُ]
سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله(5/1929)
يسافر خارج البلاد وقد لا يتمكن من صلاة الجمعة
[السُّؤَالُ]
ـ[علي أن أسافر لخارج البلاد بصورة متكررة، بسبب العمل، مما أجبرني على ترك صلاة الجمعة مؤخرا. وفي شهر يونيه (6) مثلا فقد فاتتني جمعتين. وأسأل عن: 1-هل يجوز لي أن أستمر على ترك الجمع بهذه الصورة؟ 2-وهل توجد أية قيود على فعل هذا (حيث إني أشعر في قرارة نفسي بأني أذنب في حق الله سبحانه وتعالى) ؟ وسأقدر لك إرشاداتك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا مرّت بك الجمعة وأنت مسافر لا تتمكن أن تقف وتصلي فلا حرج عليك.
ولكن إذا كانت قريبة منك ولا مشقة عليك، وكانت بينك وبين الجامع مسيرة ساعة أو نصف ساعة بالسيارة فلا يحق لك أن تترك الجمعة وأنت قادر، ولو كنت مسافرا ولكنك مقيم بهذه البلد التي بها جامع يصلى به، أو تتنقل من بلد إلى بلد أو في تنقلك تمرّ بعدّة مساجد تقام بها الجمعة فلا بأس أن تصلي أو لا ضرر عليك أن تصلي معهم وأنت قادر على إتيانها.
ولا شك أنك إذا تركت الجمعة وأنت قادر على إتيانها ولا ضر عليك في أداء الجمعة فإنك تعتبر تاركا لشيء من الواجبات فعليك التوبة في المستقبل والمواظبة على صلاة الجمعة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله(5/1930)
حكم جلسة الاحتباء أو القرفصاء
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد طالعت حديثا في كتاب " رياض الصالحين " يدور حول حرمة جلوس القرفصاء والخطيب يخطب على المنبر يوم الجمعة. آمل لو ساعدتني بإلقاء مزيد من الضوء على هذا الموضوع.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الحديث الوارد في ذلك رواه الإمام أحمد (24/393) والترمذي (514) عن معاذ بن أنس رضي الله عنه: (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الحبْوَة يَوْمَ الجُمُعَةِ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ) وقال الترمذي: هذا حديث حسن.
والاحتباء هو أن يجلس على أليتيه، ويضم فخذيه وساقيه إلى بطنه بذراعيه ليستند. وهذه الجلسة تسمى أيضا " القرفصاء ".
وانظر "المعجم الوسيط" (1/154) ، (2/729) .
وقد اختلف أهل العلم في هذا الحديث، فمنهم من حَسَّنه كالشيخ الألباني رحمه الله في "صحيح الترمذي"، وكذا محققو مسند الإمام أحمد.
ومنهم من ضعفه كالنووي في "المجموع" (4/592) وابن العربي في "عارضة الأحوزي" (1/469) وابن مفلح في "الفروع" (2/127) .
قال النووي في "المجموع" بعد أن ذكر أن الترمذي قد حَسَّن هذا الحديث، قال: "لكن في إسناده ضعيفان، فلا نسلم حسنه" انتهى.
والضعيفان اللذان أشار إليهما النووي هما: سهل بن معاذ، وعبد الرحيم بن ميمون.
أما سهل بن معاذ، فقد قال فيه ابن معين: ضعيف. وقال ابن حبان: منكر الحديث جداً. وعبد الرحيم بن ميمون ضعفه أيضاً ابن معين. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به.
انظر: " تهذيب التهذيب " (4/258) (6/308) .
وقد ورد الاحتباء يوم الجمعة والإمام يخطب عن بعض الصحابة كابن عمر وأنس رضي الله عنهم، ولهذا ذهب أكثر العلماء (ومنهم الأئمة الأربعة) إلى أنه لا يكره.
قال ابن قدامة في "المغني" (2/88) :
"ولا بأس بالاحتباء والإمام يخطب , روي ذلك عن ابن عمر , وجماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإليه ذهب سعيد بن المسيب , والحسن , وابن سيرين , ومالك , والشافعي , وأصحاب الرأي. قال أبو داود: لم يبلغني أن أحدا كرهه إلا عبادة بن نسي , لأن سهل بن معاذ روى , (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب) رواه أبو داود.
ولنا: ما روى يعلى بن شداد بن أوس , قال: (شهدت مع معاوية بيت المقدس , فجمع بنا , فنظرت , فإذا جُلُّ من في المسجد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيتهم محتبين والإمام يخطب) وفعله ابن عمر , وأنس ولم نعرف لهم مخالفاً , فصار إجماعاً، والحديث في إسناده مقال. قاله ابن المنذر. والأولى تركه لأجل الخبر , وإن كان ضعيفا , ولأنه يكون متهيئا للنوم والوقوع وانتقاض الوضوء , فيكون تركه أولى , والله أعلم" انتهى باختصار.
وقال النووي في "المجموع" (4/457) :
"الاحتباء يوم الجمعة لمن حضر الخطبة , والإمام يخطب.
نقل ابن المنذر عن الشافعي: أنه لا يكره , ونقله ابن المنذر عن ابن عمر وابن المسيب والحسن البصري وعطاء وابن سيرين وأبي الزبير وسالم بن عبد الله وشريح القاضي وعكرمة بن خالد ونافع ومالك والثوري والأوزاعي وأصحاب الرأي وأحمد وإسحاق وأبي ثور. قال: وكره ذلك بعض أهل الحديث لحديث روي عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه: في إسناده مقال" انتهى.
وقد ذكر بعض العلماء أسباب كراهة هذه الجلسة والإمام يخطب.
قال البيهقي رحمه الله:
"والذي روي في حديث معاذ بن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الحبوة يوم الجمعة: فهو إن ثبت لِما فيه من اجتلاب النوم، وتعريض الطهارة للانتقاض، فإذا لم يخش ذلك فلا بأس بالاحتباء" انتهى.
"معرفة السنن والآثار" (1814) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها – أي الحبوة - والإمام يخطب يوم الجمعة لسببين: الأول: أنه ربما تكون هذه الحبوة سبباً لجلب النوم إليه، فينام عن سماع الخطبة.
والثاني: أنه ربما لو تحرك لبدت عورته؛ لأن غالب لباس الناس فيما سبق الأزر والأردية، ولو تحرك أو انقلب لبدت عورته.
وأما إذا أمن ذلك فإنه لا بأس بها؛ لأن النهي إذا كان لعلة معقولة فزالت العلة فإنه يزول النهي" انتهى.
" شرح رياض الصالحين "
فالخلاصة: أن الأولى ترك الاحتباء والإمام يخطب يوم الجمعة، فإن احتبى الرجل ولم يكن في ذلك كشف عورته، أو جلب للنوم، فلا حرج حينئذٍ.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1931)