بعض أحكام الردة والمرتدين
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسرور لأني وصلت إلى موقعك هذا، وقد ولدت مسلماً وتلقيت الكثير من التعليم الإسلامي بعد بلوغي، وأحاول استيعاب وفهم أمور ديني.
وقد قرأت في بعض إجابتك المتعلقة بموضوع الردة أن عقوبة المرتد القتل، لكني قرأت في أحد المواقع في الانترنت أن المرتد الذي يقتل هو الذي يتخذ موقفاً محارباً للدين. وأنا أميل إلى الرأي الثاني أكثر.
والسبب في ذلك أن لي اصدقاء ولدوا من عائلات إسلامية ويتسمون بأسماء إسلامية لكن بعضهم لا يعرف كيف يتوضأ وكيف يصلي ولكنهم يعرفون الشهادتين.
فهل يمكن أن نعتبر هؤلاء مرتدين ونقتلهم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
على المسلم أن لا يميل إلى قول دون قول لمجرد موافقة القول لهواه أو لعقله، بل لا بد أن يأخذ الحكم بدليله من الكتاب والسنة، ولا بد أن يقدِّم نصوص الشريعة وأحكامها على كل شيء مما عداها.
ثانيا:
الردة والخروج من الإسلام قد تكون بالقلب أو اللسان أو العمل.
فقد تكون الردة بالقلب كتكذيب الله تعالى، أو اعتقاد وجود خالق مع الله عز وجل، أو بغض الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم.
وقد تكون الردة قولاً باللسان كسبِّ الله تعالى أو رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقد تقع الردة بعمل ظاهر من أعمال الجوارح كالسجود للصنم، أو إهانة المصحف، أو ترك الصلاة.
والمرتد شرٌّ من الكافر الأصلي.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – في الرد على الاتحادية الباطنية -:
"ومعلوم أن التتار الكفار خير من هؤلاء فإن هؤلاء مرتدون عن الإسلام من أقبح أهل الردة، والمرتد شرٌّ من الكافر الأصلي من وجوه كثيرة" اهـ.
مجموع الفتاوى " (2 / 193) .
ثالثاً:
ليس كل مسلم وقع في الكفر يكون كافرا مرتداً، فهناك أعذار قد يعذر بها المسلم ولا يحكم بكفره، منها:
الجهل، والتأويل، والإكراه، الخطأ.
أما الأول: فهو أن يكون الرجل جاهلاً لحكم الله تعالى، بسبب بعده عن ديار الإسلام كالذي ينشأ في البادية أو في ديار الكفر أو أن يكون حديث عهد بجاهلية، وقد يدخل في هؤلاء كثير من المسلمين الذين يعيشون في مجتمعات يغلب فيها الجهل، ويقل العلم، وهم الذي استشكل السائل الحكم بتكفيرهم وقتلهم.
والثاني: هو أن يفسر الرجل حكم الله تعالى على غير مراد الشرع، كمن قلد أهل البدع فيما تأولوه كالمرجئة والمعتزلة والخوارج ونحوهم.
والثالث: كما لو تسلط ظالم بعذابه على رجل من المسلمين فلا يخلي سبيله حتى يصرح بالكفر بلسانه ليدفع عنه العذاب، ويكون قلبه مطمئناً بالإيمان.
والرابع: ما يسبق على اللسان من لفظ الكفر دون قصد له.
وليس كل واحدٍ ممن جهل الوضوء والصلاة يمكن أن يكون معذوراً وهو يرى المسلمين يقومون بالصلاة ويؤدونها، ثم هو يقرأ ويسمع آيات الصلاة، فما الذي يمنعه من أدائها أو السؤال عن كيفيتها وشروطها؟ .
رابعاً:
المرتد لا يقتل مباشرة بعد وقوعه في الردة، لا سيما إذا كانت ردته بسبب شبهة حصلت له، بل يستتاب ويعرض عليه الرجوع إلى الإسلام وتزال شبهته إن كان عنده شبهة فإن أصر على الكفر بعد ذلك قتل.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (9/18) :
المرتد لا يُقْتَلُ حَتَّى يُسْتَتَابَ ثَلاثًا. هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ ; مِنْهُمْ عُمَرُ , وَعَلِيٌّ , وَعَطَاءٌ , وَالنَّخَعِيُّ , وَمَالِكٌ , وَالثَّوْرِيُّ , وَالأَوْزَاعِيُّ , وَإِسْحَاقُ , وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. . . . لأَنَّ الرِّدَّةَ إنَّمَا تَكُونُ لِشُبْهَةٍ , وَلا تَزُولُ فِي الْحَالِ , فَوَجَبَ أَنْ يُنْتَظَرَ مُدَّةً يَرْتَئِي فِيهَا , وَأَوْلَى ذَلِكَ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ اهـ.
وقد دلت السنة الصحيحة على وجوب قتل المرتد.
روى البخاري (6922) عن ابْن عَبَّاسٍ قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ) .
وروى البخاري (6484) ومسلم (1676) عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة) .
وعموم هذه الأحاديث يدل على وجب قتل المرتد سواء كان محاربا أو غير محارب.
والقول بأن المرتد الذي يقتل هو المحارب للدين فقط مخالف لهذه الأحاديث، وقد جعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السبب في قتله هو ردته لا محاربته للدين.
ولا شك أن بعض أنواع الردة أقبح من بعض، وأن ردة المحارب أقبح من ردة غيره، ولذلك فرّق بعض العلماء بينهما، فلم يوجب استتابة المحارب ولا قبول توبته، بل يقتل ولو تاب، وأما غير المحارب فتقبل توبته ولا يقتل. وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
قال رحمه الله:
الردة على قسمين: ردة مجردة، وردة مغلظة شرع القتل على خصوصها، وكلتاهما قد قام الدليل على وجوب قتل صاحبها؛ والأدلة الدالة على سقوط القتل بالتوبة لا تعمّ القسمين، بل إنما تدل على القسم الأول أي: الردة المجردة -، كما يظهر ذلك لمن تأمل الأدلة على قبول توبة المرتد، فيبقى القسم الثاني – أي: الردة المغلظة - وقد قام الدليل على وجوب قتل صاحبه، ولم يأت نص ولا إجماع بسقوط القتل عنه، والقياس متعذر مع وجود الفرق الجلي، فانقطع الإلحاق، والذي يحقق هذه الطريقة أنه لم يأت في كتاب ولا سنة ولا إجماع أن كل من ارتد بأي قول أو أي فعل كان فإنه يسقط عنه القتل إذا تاب بعد القدرة عليه، بل الكتاب والسنة والإجماع قد فرّق بين أنواع المرتدين....
" الصارم المسلول " (3 / 696) .
والحلاّج من أشهر الزنادقة الذين تمّ قتلهم دون استتابة، قال القاضي عياض:
وأجمع فقهاء بغداد أيام المقتدر من المالكية على قتل الحلاج وصلبه لدعواه الإلهية والقول بالحلول، وقوله: " أنا الحق " مع تمسكه في الظاهر بالشريعة، ولم يقبلوا توبته.
" الشفا بتعريف حقوق المصطفى " (2 / 1091) .
وعليه: فيتبين خطأ ما قاله الأخ السائل من كون المرتد لا يقتل إلا إن كان محارباً للدين، والتفريق الذي ذكرناه عن شيخ الإسلام ابن تيمية لعله أن يزيل الإشكال ويوضح المراد.
والمحاربة للدين ليست قاصرة على محاربة السلاح فقط، بل المحاربة تكون باللسان كسب الإسلام أو النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أوالطعن في القرآن ونحو ذلك. بل قد تكون المحاربة باللسان أشد من المحاربة بالسلاح في بعض الصور.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
المحاربة نوعان: محاربة باليد، ومحاربة باللسان، والمحاربة باللسان في باب الدين قد تكون أنكى من المحاربة باليد - كما تقدم تقريره في المسألة الاولى -، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يَقتل من كان يحاربه باللسان مع استبقائه بعض من حاربه باليد، خصوصاً محاربة الرسول صلى الله عليه وسلم بعد موته؛ فإنها إنما تمكن باللسان، وكذلك الإفساد قد يكون باليد، وقد يكون باللسان، وما يفسده اللسان من الأديان أضعاف ما تفسده اليد، كما أن ما يصلحه اللسان من الأديان أضعاف ما تصلحه اليد، فثبت أن محاربة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم باللسان أشد، والسعي في الأرض لفساد الدين باللسان أوكد.
" الصارم المسلول " (3 / 735) .
خامساً:
وأما ترك الصلاة: فالصحيح أن تاركها كافر مرتد. راجع السؤال (5208) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1118)
لا يتذكر عدد الصلوات ولا أيام الصيام الواجبة في ذمته فماذا يفعل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان المسلم لا يتذكر أعداد الصلوات وأيام الصيام التي فاتته، فكيف يباشر قضاءها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الصلوات الفائتة لا تخلو من ثلاث حالات:
الأولى: أن يكون ترك الصلاة لعذر كالنوم أو النسيان، ففي هذه الحالة يجب قضاؤها , لقوله صلى الله عليه وسلم: (من نسي صلاة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها) رواه البخاري (572) ومسلم (684) – واللفظ له -.
ويصليها مرتبة كما وجبت عليه، الأولى فالأولى؛ لحديث جابر بن عبد الله أن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم جاء يوم الخندق بعد ما غربت الشمس فجعل يسب كفار قريش قال: يا رسول الله ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس تغرب، قال النبي صلى الله عليه وسلم: والله ما صليتها، فقمنا إلى بطحان فتوضأ للصلاة وتوضأنا لها فصلَّى العصر بعد ما غربت الشمس , ثم صلى بعدها المغرب. رواه البخاري (571) ومسلم (631) .
الحالة الثانية: أن يكون ترك الصلاة لعذر لا يكون معه إدراك , كالغيبوبة، ففي هذه الحالة تسقط الصلاة عنه، ولا يجب عليه قضاؤها.
سئل علماء اللجنة الدائمة:
وقع عليّ حادث سيارة ورقدت في المستشفى ثلاثة شهور ولم أع نفسي ولم أصل كل هذه المدة، هل تسقط عني أم أعيد كل الصلاة الماضية؟
فأجابوا:
" تسقط عنك الصلاة في المدة المذكورة ما دمت لا تعقل في تلك المدة " انتهى.
وسئلوا – أيضاً -:
إذا أغمي على إنسان لمدة شهر ولم يصل طوال هذه الفترة، وأفاق بعده فكيف يعيد الصلوات الفائتة؟
فأجابوا:
" لا يقض ما تركه من الصلوات في هذه المدة، لأنه في حكم المجنون والحال ما ذكر , والمجنون مرفوع عنه القلم " انتهى.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (6/21) .
الحالة الثالثة: أن يكون ترك الصلاة عمداً من غير عذر، فهذا لا يخلو من حالين:
إما أن يكون جاحداً لها غير معترف بوجوبها، فهذا لا خلاف في كفره , وأنه ليس من الإسلام في شيء، فعليه أن يدخل في الإسلام ثم يعمل بأركانه وواجباته , ولا يجب عليه قضاء ما ترك من الصلاة حال كفره.
والثانية: أن يكون تركه للصلاة تهاونا وكسلا فهذا لا يصح منه قضاؤها , لأنه لم يكن له عذر حين تركها، وقد أوجبها الله عليه في زمن معلوم وبتوقيت محدود، قال سبحانه: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) النساء/103، أي: لها وقت محدد، ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (مَنْ عَمِلَ عَمَلا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) رواه البخاري (2697) ومسلم (1718) .
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
لم أصلِّ إلا بعد ما بلغت الرابعة والعشرين من عمري، وصرت الآن أصلي مع كل فرض فرضاً آخر، فهل يجوز لي ذلك؟ وهل أداوم على هذا، أم إن عليَّ حقوقاً أخرى؟
فأجاب:
" الذي يترك الصلاة عمداً ليس عليه قضاء على الصحيح، وإنما عليه التوبة إلى الله عز وجل؛ لأن الصلاة عمود الإسلام، وتركها أعظم الجرائم، بل تركها عمداً كفر أكبر في أصح قولي العلماء؛ لما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) أخرجه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح عن بريدة رضي الله عنه؛ ولقوله عليه الصلاة والسلام: (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وفي الباب أحاديث أخرى تدل على ذلك.
فالواجب عليك يا أخي التوبة إلى الله التوبة الصادقة، وذلك بالندم على ما مضى منك، والإقلاع من ترك الصلاة، والعزم الصادق على أن لا تعود إلى ذلك، وليس عليك أن تقضي لا مع كل صلاة ولا في غير ذلك، بل عليك التوبة فقط، والحمد لله، من تاب تاب الله عليه، يقول الله سبحانه: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) .
فعليك أن تصدُق في التوبة، وأن تحاسب نفسك، وأن تجتهد بالمحافظة على الصلاة في أوقاتها في الجماعة، وأن تستغفر الله عما جرى منك، وتكثر من العمل الصالح، وأبشر بالخير، يقول الله سبحانه: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) ، ولما ذكر الشرك والقتل والزنا في سورة الفرقان قال جل وعلا بعد ذلك: (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا. إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) .
نسأل الله لنا ولك التوفيق، وصحة التوبة، والاستقامة على الخير " انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (10 / 329، 330) .
ثانياً:
وأما قضاء الصيام؛ فإن كان تركك للصيام في الوقت الذي كنت فيه تاركاً للصلاة , فلا يجب عليك قضاء تلك الأيام التي أفطرتها , لأن تارك الصلاة كافر كفراً أكبر مخرج من الملة – كما سبق - والكافر إذا أسلم لا يلزمه أن يقضي ما تركه من العبادات حال كفره.
أما إن كان تركك للصيام في وقت كنت تصلي فيه , فلا يخلو الأمر من احتمالين:
الأول: أنك لم تنو الصيام من الليل , بل عزمت على الفطر , فهذا لا يصح منك قضاؤه , لأنك تركت فعل العبادة في الوقت المحدد لها شرعا من غير عذر.
الثاني: أن تكون بدأت في صيام اليوم ثم أفطرت فيه , فهذا يجب عليك قضاؤه , لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر المجامع في نهار رمضان بالكفارة قال له: (صم يوماً مكانه) رواه أبو داود (2393) , وابن ماجه (1671) , وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (940) .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى عن حكم الفطر في نهار رمضان بدون عذر؟
فأجاب:
" الفطر في نهار رمضان بدون عذر من أكبر الكبائر، ويكون به الإنسان فاسقاً، ويجب عليه أن يتوب إلى الله، وأن يقضي ذلك اليوم الذي أفطره، يعني لو أنه صام وفي أثناء اليوم أفطر بدون عذر فعليه الإثم، وأن يقضي ذلك اليوم الذي أفطره؛ لأنه لما شرع فيه التزم به ودخل فيه على أنه فرض فيلزمه قضاؤه كالنذر، أما لو ترك الصوم من الأصل متعمداً بلا عذر: فالراجح: أنه لا يلزمه القضاء؛ لأنه لا يستفيد به شيئاً، إذ إنه لن يقبل منه، فإن القاعدة أن كل عبادة مؤقتة بوقت معين فإنها إذا أخرت عن ذلك الوقت المعين بلا عذر لم تقبل من صاحبها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) ولأنه مِن تعدي حدود الله عز وجل، وتعدي حدود الله تعالى ظلم، والظالم لا يقبل منه، قال الله تعالى: (وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ?للَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ ?لظَّلِمُونَ) ؛ ولأنه لو قدم هذه العبادة على وقتها - أي: فعلها قبل دخول الوقت - لم تقبل منه، فكذلك إذا فعلها بعده لم تقبل منه إلا أن يكون معذوراً " انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (19 / السؤال رقم 45) .
والواجب عليه أن يتوب توبة صادقة من كل الذنوب، وأن يحافظ على الواجبات، ويترك المنكرات، ويكثر من النوافل والقربات.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1119)
الفرق بين الزوجة الكتابية والزوجة تاركة الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت فتوى لكم لرجل مسلم امرأته مسلمة لا تصلي، قلتم له إنه يجب أن يطلقها. وأعلم أن المسلم يجوز له الزواج من كتابية، والكتابية لا تصلي. أليس هناك خلل ... ؟ !.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس في الفتوى المشار إليها خلل، وإنما جاء الخلل من إرادة السائل أن يسوي بين المرأة التي تنتسب إلى الإسلام وتترك الصلاة، والمرأة اليهودية أو النصرانية، بحجة أن كلتاهما لا تصلي!
وهذه التسوية غير صحيحة لأن بينهما فرقاً، وهو أن ترك الصلاة كفر أكبر، وردة وخروج من دين الإسلام، وقد سبق بيان ذلك في كثير من الأجوبة بالموقع، منها جواب السؤال رقم (9400) ، (5208) .
وبناء على هذا القول فإن المرأة التي لا تصلي تكون كافرة ومرتدة عن الإسلام.
والمرتد عن الإسلام حكمه أشد من حكم اليهود أو النصارى.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
" والمرتد شرٌّ من الكافر الأصلي من وجوه كثيرة " انتهى.
" مجموع الفتاوى " (2 / 193) .
ولذلك لا تؤكل ذبيحة المرتد، وإن كانت تؤكل ذبيحة اليهودي والنصراني، ولا يجوز للمسلم أن يتزوج مرتدة، بل إذا ارتدت زوجته انفسخ النكاح، وإن كان يجوز للمسلم أن يتزوج يهودية أو نصرانية.
فأصل المسألة هو الحكم بكفر تارك الصلاة، فمن ذهب إلى ذلك منع من الزواج ممن لا تصلي، وأوجب فراقها إن تركت الصلاة، وهذا مذهب الإمام أحمد رحمه الله وأفتى به جماعة من أهل العلم، كالشيخ ابن باز رحمه الله، والشيخ ابن عثيمين رحمه الله، والشيخ صالح الفوزان حفظه الله، وهو ما سرنا عليه في الفتاوى ذات الصلة.
وهكذا إذا ارتكبت المرأة أمرا مكفرا، كَسَبِّ الله تعالى أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم، وأصرت على كفرها ولم تتب، فإنه لا يحل أن تبقى زوجةً لمسلم، وكذلك الحال بالنسبة للزوج لو حُكم بردته فإنه يجب التفريق بينه وبين زوجته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1120)
هل تؤكل ذبيحة تارك الصلاة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أسال كيف نفعل لو كان أخي لا يصلى وهو في الشرع يعتبر كافراً، فهل نأكل مما يذبح أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب عليكم نصح أخيكم بالمحافظة على الصلاة، وأعلموه بحكم الله تعالى في تاركها، وامنعوه من مباشرة الذبح لكم، وليعلم سبب هذا المنع، وهو أن تارك الصلاة يعتبر كافراً، فلا تحل ذبيحته، فلعل معرفته الحكم تؤثر فيه، ويرجع إلى دينه ويقيم الصلاة، وهذا خير له في دينه ودنياه، وعاجله وآجله.
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
هل يجوز الأكل من ذبائح تارك الصلاة عمداً - علما أنه إذا أخبر بذلك احتج بأنه كان ينطق بالشهادة، كيف العمل إذا لم يوجد أي جزار يصلي؟
فأجاب:
" الذي لا يصلي لا تؤكل ذبيحته، هذا هو الصواب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (بين الرجل والشرك والكفر ترك الصلاة) أخرجه مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما، وقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) أخرجه الإمام أحمد وأهل السنن الأربع بإسناد صحيح من حديث بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه، وقوله صلى الله عليه وسلم: (رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة) أخرجه الإمام أحمد والترمذي بإسناد صحيح عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، فكل شيء سقط عموده لا يستقيم ولا يبقى، ومتى سقط العمود سقط ما عليه.
وبذلك يعلم أن الذي لا يصلي لا دين له، ولا تؤكل ذبيحته، وإذا كنت في بلد ليس فيها جزار مسلم فاذبح لنفسك، واستعمل يدك فيما ينفعك، أو التمس جزارا مسلما ولو في بيته حتى يذبح لك، وهذا بحمد الله ميسر فليس لك أن تتساهل في الأمر.
وعليك أن تنصح هذا الرجل بأن يتقي الله وأن يصلي، وقوله: " إنه يكتفي بالشهادتين " غلط عظيم، فالشهادتان لا بد معهما من حقهما؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله) متفق على صحته.
فذكر الصلاة والزكاة مع الشهادتين، وفي اللفظ الآخر: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله الله، فإذا قالوا لا إله إلا الله عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله) والصلاة من حقها، والزكاة من حقها.
فالواجب على المؤمن أن يتقي الله، والواجب على كل من ينتسب إلى الإسلام أن يتقي الله ويصلي الصلوات الخمس ويحافظ عليها، وهي عمود الإسلام، وهي الركن الأعظم من أركان الإسلام بعد الشهادتين، من ضيعها ضيع دينه، ومن تركها خرج عن دينه، نسأل الله العافية.
هذا هو الحق والصواب، وقال بعض أهل العلم: إنه لا يكون كافرا كفرا أكبر، بل يكون كفره كفرا أصغر، ويكون عاصيا معصية عظيمة، أعظم من الزنا، وأعظم من السرقة، وأعظم من شرب الخمر، ولا يكون كافرا كفرا أكبر إلا إذا جحد وجوبها، هكذا قال جمع من أهل العلم، ولكن الصواب ما دل عليه قول الرسول صلى الله عليه وسلم، أن مثل هذا يكون كافرا كفرا أكبر كما تقدم من الأحاديث في ذلك؛ لأنه ضيع عمود الإسلام وهو الصلاة.
فلا ينبغي التساهل بهذا الأمر، وقال عبد الله بن شقيق العقيلي التابعي الجليل رحمه الله: لم يكن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يرون شيئا تركه كفر إلا الصلاة.
فذكر إجماع الصحابة على أن تارك الصلاة عندهم كافر، نسأل الله العافية.
فالواجب الحذر، والواجب المحافظة على هذه الفريضة العظيمة، وعدم التساهل مع من تركها، فلا تؤكل ذبيحته، ولا يدعى لوليمة، ولا تجاب دعوته؛ بل يهجر حتى يتوب إلى الله وحتى يصلي، نسأل الله الهداية للجميع " انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (10/274– 276) .
وانظر جواب السؤال رقم (1553) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1121)
هل يصلون الجنازة على تارك الصلاة خشية الفتنة من تركها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قرية معظم سكانها لا يصلون، متمسكون ببعض التقاليد الإسلامية، وقد يكون من بينهم من هو كافر، ونحن جماعة ملتزمة وندعوهم إلى الله، ولنا أمل في هدايتهم، ونحن لا نصلي صلاة الجنازة إلا على المصلين، وهذا يحدث فتنة إن لم نصل على غير المصلين.
هل يجوز الصلاة على الجميع في سبيل الدعوة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
حكم الصلاة على تارك الصلاة مبني على اختلاف العلماء في حكمه هل هو مسلم عاصٍ أم كافر؟
والذي تدل عليه ظواهر النصوص وإجماع الصحابة رضي الله عنهم: أن تارك الصلاة كافر كفراً أكبر، وقد سبق بيان هذا في جواب السؤال رقم (10061) ، وفي جواب السؤال رقم (70278) : أن الذي لا يصلي لا تؤكل ذبيحته، وفي جواب السؤالين (37820) و (49698) : أن تارك الصلاة لا يقبل منه عمل، لا زكاة، ولا صيام، ولا حج ولا شيء، وفي جواب السؤال رقم (7864) : أن الواجب أن يخصص للمسلمين مقابر، ولا يدفن فيها غيرهم، والذي لا يصلي ويموت وهو تارك للصلاة لا يدفن في مقابر المسلمين.
وفي الوقت نفسه لا نستطيع إنكار وجود قول آخر في المسألة، ولا حرج على من تبناه معتقداً صحته.
فإذا كنتم ترون كفر تارك الصلاة فلا تصلوا على أحدٍ ممن مات وهو تارك لها، ولتصبروا على ما تلقونه من أذى من السفهاء.
وإن كنتم لا ترون كفر تارك الصلاة: فلا بأس من صلاتكم على من مات وهو تارك للصلاة، مع أن الأفضل هو عدم الصلاة عليه عقوبة له، وزجراً لغيره عن هذه المعصية الكبيرة. ولعل ترككم الصلاة على هذا وأمثاله يكون دافعا للناس لإقامة الصلاة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1122)
هل يجوز لزوجة تارك الصلاة إخراج زكاة الفطر عنها وعن أولادها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تقبل زكاة الفطر من تارك الصلاة؟ وهل يجوز لزوجته إخراجها من غير علمه لها ولأولادها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تارك الصلاة إن كان جاحدا لها فهو كافر باتفاق العلماء. وإن كان مقرا لها، لكنه يتركها كسلا وتهاونا، فهو كافر أيضا على الصحيح من قولي العلماء، لأدلة معلومة مشهورة، سبق ذكر شيء منها في جواب السؤال رقم (2182) .
وعلى هذا القول، فلا يصح من تارك الصلاة زكاة ولا صوم ولا حج، ولا يجوز للمرأة المسلمة أن تمكنه من نفسها حتى يتوب ويصلي.
وعلى الزوجة أن تخرج زكاة الفطر عن نفسها. وإن أخرجت عن أولادها فحسن.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "زكاة الفطر واجبة وفريضة، وهي كغيرها من الواجبات، يخاطب كل إنسان بنفسه، فأنت أيها الإنسان مخاطب تخرج الزكاة عن نفسك، ولو كان لك أب أو أخ، وكذلك الزوجة مخاطبة أن تخرج الزكاة عن نفسها، ولو كان لها زوج" انتهى.
"فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (18/261) .
وعلى هذا، فإنك تخرجين زكاة الفطر عن نفسك، أما الأولاد، فإذا كانوا صغاراً؛ فإنك تخرجين عنهم الزكاة، ولا حرج أن يكون ذلك بدون علم الأب.
وإن كانوا كباراً بالغين فإنهم يخرجونها عن أنفسهم إن كان لديهم أموال.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1123)
يشق عليه القيام للصلوات نظراً لظروف عمله وثقَل نومه
[السُّؤَالُ]
ـ[مواعيد عملي تحتم عليَّ أن أعمل طوال الليل وأن أنام بالنهار ويصعب عليَّ أن أقوم بالصلوات الأربعة الأخرى، نظراً للتعب في العمل فإني لا أستطيع القيام أثناء النوم والقيام بالصلاة ثم أنام مرة أخرى ولسبب آخر وهو أن " نومي ثقيل " وعندما أنام لا يستطيع أحد أن يوقظني من النوم، حتى لو أني نويت القيام للصلاة أثناء النوم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
كان بعض الصحابة رضي الله عنهم يعملون الأعمال الشاقة كالزراعة والرعي وجمع الحطب ونحو ذلك ولم يكونوا من المفرطين في صلاتهم، بل كانوا محافظين عليها ليس في وقتها وحسب بل وفي جماعة، وحافظوا على العبادة وطلب العلم، ولم تأت الرخصة لهم في ترك الصلاة من أجل العمل.
ولذلك فالواجب على أهل الأعمال وغيرهم أداء الصلوات في أوقاتها. وقد أثنى الله تعالى على المؤمنين بأنهم لا تشغلهم أعمالهم عن طاعة الله تعالى، فقال: (رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) النور/37-38.
ثانياً:
والنائم معذور وقت نومه، فإذا استيقظ وجب عليه أداء الصلاة بعد استيقاظه.
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: (مَن نسي صلاة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها) رواه البخاري (572) ومسلم (684) .
قال الشوكاني رحمه الله:
" الحديث يدل على أن النائم ليس بمكلف حال نومه وهو إجماع ...
وظاهر الحديث أنه لا تفريط في النوم سواء كان قبل دخول وقت الصلاة أو بعده قبل تضيقه وقيل: إنه إذا تعمد النوم قبل تضيق الوقت واتخذ ذلك ذريعة إلى ترك الصلاة لغلبة ظنه أنه لا يستيقظ إلا وقد خرج الوقت كان آثما , والظاهر أنه لا إثم عليه بالنظر إلى النوم ; لأنه فعله في وقت يباح فعله فيه فيشمله الحديث , وأما إذا نظر إلى التسبب به للترك فلا إشكال في العصيان بذلك " انتهى.
" نيل الأوطار " (2 / 33، 34) .
ثالثاً:
والواجب على النائم قبل نومه أن يحرص على الاستيقاظ في وقت الصلاة، وأن يأخذ بالأسباب التي تعينه على أداء الصلاة في وقتها، فإن فعل ولم يستيقظ فهو معذور لأنه أدى الذي عليه و (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) ، وقد حصل هذا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره.
فعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: سرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فقال بعض القوم: لو عَرَّست بنا يا رسول الله (أي: نزلت بنا آخر الليل حتى نستريح) ، قال: أخاف أن تناموا عن الصلاة، قال بلال: أنا أوقظكم، فاضطجعوا وأسند بلال ظهره إلى راحلته فغلبته عيناه فنام، فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم وقد طلع حاجب الشمس، فقال: يا بلال أين ما قلت؟ قال: ما ألقيت علي نومة مثلها قط، قال: إن الله قبض أرواحكم حين شاء وردها عليكم حين شاء، يا بلال قم فأذن بالناس بالصلاة، فتوضأ فلما ارتفعت الشمس وابياضت قام فصلى. رواه البخاري (570) ومسلم (681) وعنده: (احفظوا علينا صلاتنا) .
فالنبي صلى الله عليه وسلم قد أخذ بأسباب الاستيقاظ بجعله بلالاً لينبههم لصلاتهم، إلا أنه غلبته عيناه، فنام ونام القوم معه حتى طلعت الشمس ولم يكونوا مفرطين، ولذلك قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه ليس في القوم تفريط) .
وأما من سهر في عمل أو غيره ولم يأخذ بأسباب الاستيقاظ فصلَّى بعد الوقت: فيعتبر تاركاً للصلاة متعمداً، وهو غير معذور بنومه.
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
عمن يسهر ولا يستطيع أن يصلي الفجر إلا بعد خروج الوقت فهل تقبل منه؟ وحكم بقية الصلوات التي يصليها في الوقت؟
فأجاب:
" أما صلاة الفجر التي يؤخرها عن وقتها وهو قادر على أن يصليها في الوقت لأن بإمكانه أن ينام مبكراً فإن صلاته هذه لا تقبل منه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) رواه مسلم، والذي يؤخر الصلاة عن وقتها عمداً بلا عذر: قد عمل عملاً ليس عليه أمر الله ورسوله فيكون مردوداً عليه.
لكن قد يقول: إنني أنام، وقد قال النبي صلي الله عليه وسلم: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك) .
فنقول: إذا كان بإمكانه أن ينام مبكراً ليستيقظ مبكراً، أو يجعل عنده ساعة تنبهه، أو يوصي من ينبهه: فإن تأخيره الصلاة، وعدم قيامه يعتبر تعمداً لتأخير الصلاة عن وقتها، فلا تقبل منه " انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (12 / السؤال رقم 14) .
رابعاً:
وقد يكون الرجل ثقيل النوم، فهذا على حالين:
الحال الأولى: أن يكون ثقل نومه بسبب سهره في العمل أو في طلب العلم أو قيام الليل: فمثل هذا لا يجوز له أن يتسبب في تضييع الصلاة عن وقتها من أجل ما سبق، ويجب عليه أن يبحث عن عمل آخر لا يسبب له تضييع الصلوات، ما لا يجوز له الاشتغال بالنوافل أو حتى طلب العلم – وهو واجب في أصله – على حساب تضييع الصلوات، وترك الصلاة هنا يعتبر تعمداً؛ لأنه يستطيع تغيير العمل، ويستطيع ترك السهر.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
" الواجب على الإخوة الذين يخرجون إلى الرحلات أن يشكروا الله تعالى على هذه النعمة حيث جعلهم في رخاء ويسر من العيش، وفي أمن وأمان من الخوف، ويقوموا بما أوجب الله عليهم من الصلاة في أوقاتها، سواء صلاة الفجر أم غيرها، ولا يحل لهم أن يؤخروا صلاة الفجر عن وقتها بحجة أنهم نائمون، لأن هذا النوم لا يعذرون فيه غالباً لكونهم يستطيعون أن يكون لهم منبهات تنبههم للصلاة في وقتها، ويستطيعون أن يناموا مبكرين حتى يقوموا نشيطين " انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (12 / السؤال رقم 14) .
وأما الحال الثانية: أن يكون ثقل النوم طبعاً في الرجل، وليس له تعلق بسهر أو عمل، وقد عرف هذا عن بعض الأقوام والأشخاص، فإن كان كذلك: فهو معذور إن كان قد أخذ بالأسباب ولم يستيقظ.
فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ونحن عنده فقالت: يا رسول الله إن زوجي صفوان بن المعطل لا يصلي صلاة الفجر حتى تطلع الشمس، قال: وصفوان عنده، قال: فسأله عما قالت، فقال: يا رسول الله إنا أهل بيت قد عرف لنا ذاك لا نكاد نستيقظ حتى تطلع الشمس قال: (فإذا استيقظت فصلِّ) .
رواه أبو داود (2459) وصححه الشيخ الألباني في " إرواء الغليل " (7 / 65) .
والخلاصة:
أن الذي يظهر من حالك أن ثقل نومك له تعلق بالسهر، والسهر كان بسبب العمل وعليه: فلا يجوز لك البقاء في عملك هذا؛ لأنه يؤدي بك إلى ترك أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، فابحث عن عمل غيره يعوضك الله خيراً منه. وسترى التغير الطيب في دينك وجسمك ونفسيتك، أما الدين: فإن أداء الصلوات في أوقاتها من أعظم الواجبات، وتركه من أعظم المحرمات، وأما جسمك: فإن علماء الطب قد ذكروا مضار كثيرة لمن يعمل بالليل، وأن نوم النهار لا يعطي الجسم الراحة التي تحصل له من نوم الليل، وكل ما سبق يؤثر على نفسيتك تأثيراً سلبيّاً.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1124)
زنى بامرأة وتزوجت بغيره ويريد الزاني الزواج منها
[السُّؤَالُ]
ـ[اتصل بي أحد الاخوة من نفس مدينتي المسلمة وهو على علاقة بإحدى قريباتي (لقد أخبرني الآن ولم يكن لدي علم من قبل) ويدعي أنهما ارتكبا الزنا وأنها ربما تكون في انتظار ابنه قريبا. كان يفترض أن يتزوج بها في أقرب وقت. مؤخرا تزوجت شخصا آخر وهي الآن هنا. الأخ الذي اتصل بي ذهل عندما عاد من رحلة عمل وعلم بالأمر. يريدني أن أسمح له بالاتصال بها وأود أن أنصحه بأن ينساها وأن يتوب إلى الله حيث أنها كانت تعبث معه خلال السنتين الماضيتين. لقد عبثت معي أيضا ولكن الله هداني. لا أظن أن أحدا ممن ذكرتهم يطبق الشريعة أو يصلي أيضا. ما هي المسؤولية الواجبة علي من ناحية إسلامية؟ وهل علي أن أستشير أحدا آخر؟ أرجوك أيها الشيخ انصحني فأنا لا أعلم ما يجب علي فعله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سؤالك أيها المسلم يحتوي على معضلات وليس معضلة واحدة فحسب، وإليك بيانها:
1- ترك الصلاة من قبل صديقك وقريبتك اللذان ينتسبان إلى الإسلام، وهذا العمل كفر أنظر للضرورة السؤال (5208) و (2182) ، بل إنك تقول بأنهم لا يُطبقون الشريعة الإسلامية وهذه رزية فوق رزية، وكفر على كفر نعوذ بالله من ذلك.
2- الوقوع في الزنا والمعلوم تحريمه بالضرورة من دين الإسلام، بل هو محرم حتى في الأديان السماوية الأخرى.
3- زواج المرأة الزانية وهي حامل من الزنا.
4- طلب الزاني الزواج من الزانية بعد زواجها من غيره.
فبأي رزية نبدأ، وعلى أي سؤالٍ نجيب فلا حول ولا قوة إلا بالله.
فلنبدأ بالأهم فالأهم:
1- الكفر بترك الصلاة وسائر شعائر الدين..
مما لا شك فيه أن الكفر موجب لدخول النار قال تعالى عن المشركين في جوابهم عن سبب دخولهم النار {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (47) } المدثر.
قال ابن كثير في تفسير هذا المقطع:
" {لم نك من المصلين} أي ما عبدنا ربنا.
{ولم نك نطعم المسكين} أي: ولا أحسنا إلى خلقه من جنسنا.
{وكنا نخوض مع الخائضين} أي نتكلم فيما لا نعلم وقال قتادة: كلما غوى غاوٍ غوينا معه.
{وكنا نكذب بيوم الدين} قال ابن جرير: قالوا: وكنا نكذب بيوم المجازاة والثواب والعذاب, ولا نصدق بثواب ولا عقاب ولا حساب.
{حتى أتانا اليقين} يعني الموت كقوله تعالى " واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ".
أما بالنسبة لك أيها السائل فالواجب عليك نصحهم وإقامة الحجة عليهم وأن تبين لهم أنَّ ماهم عليه هدم لعمود الدين والركن الركين من أركان الإسلام، فعليهم المبادرة بالتوبة من ترك الصلاة وسائر شعائر الإسلام، ولا يجوز لك التهاون مع تارك الصلاة بأي حال وتبدأ بنصحه وتوجيهه ثم بهجره والإعراض عنه وترك السلام عليه، وعدم مؤاكلته والجلوس معه إذا كان ذلك يفيده، وإشعاره بعظم ذنبه لعله يرجع إلى ربه ويتوب.
2- الوقوع في الزنا ذنبٌ عظيم قال الله تعالى: (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً) الإسراء/32، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ولا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ) رواه البخاري رقم (2475) .
وهو من كبائر الذنوب، ومرتكبه متوعد بعقاب أليم فقد جاء في الحديث العظيم - حديث المعراج - والذي فيه: ( ... فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى مِثْلِ التَّنُّورِ قَالَ فَأَحْسِبُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأَصْوَاتٌ قَالَ فَاطَّلَعْنَا فِيهِ فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا قَالَ قُلْتُ لَهُمَا مَا هَؤُلاءِ ... قَالَ قَالا لِي أَمَا إِنَّا سَنُخْبِرُكَ ... َأَمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ الْعُرَاةُ الَّذِينَ فِي مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ فَإِنَّهُمْ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي) رواه البخاري في باب إثم الزناة رقم (7047) راجع للأهمية سؤال (11195) .
3- وأما المسألة الثالثة وهي زواج الزانية وهي حامل فاعلم أنه " لا يجوز الزواج من الزانية حتى تتوب ... وإذا أراد رجلٌ أن يتزوجها وجب عليه أن يستبرأها بحيضة قبل أن يعقد عليها النكاح وإن تبين حملها لم يجز له العقد عليها إلا بعد أن تضع حملها ... " انتهى من فتوى للشيخ محمد بن ابراهيم –رحمه الله - انظر الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة 2/ 584
وبناءً عليه فإن زواج هذه المرأة وهي حامل من الزنى زواجٌ باطل، ويجب على من تزوجها أن يُفارقها حالاً، وإلا فهو زانٍ يُقام عليه حد الزنى.
ثم إذا فارقها ووضعت حملها وصار رحمها بريئاً، وتابت توبةً صادقة فيجوز له أن يتزوجها بعد توبته هو أيضاً.
4- وأما الرجل الأول – الزاني – فيجب عليه أن يتوب إلى الله تعالى ولا يجوز له أن يتزوجها مطلقاً لأمرين:
أولاً: لأنهما زانيان، ونكاح الزناة محرم على المؤمنين.أنظر سؤال (11195) .
ثانياً: لارتباطها برجل آخر غيره.
فعليه أن يصرف النظر عنها البتة، وأن يتوب إلى الله من عظيم جرمه ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
اللهم اهد ضال المسلمين، وردنا إليك رداً جميلاً يا أرحم الراحمين والحمد لله رب العالمين.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1125)
هل من يصلي الجمعة فقط ليس بكافر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح من يصلي الجمعة ليس بكافر حيث كنت قرأت للشيخ ابن عثيمين رحمه الله فقال: من يصلي الجمعة ليس كافرا، لأنه لم يتركها مطلقا، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (الصلاة) وليست (صلاة) فهل ورد عن ابن عثيمين وابن تيمية ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اختلف القائلون بكفر تارك الصلاة، في الحد الذي يوجب تركه الكفر، فذهب أكثرهم إلى أنه يكفر بترك فريضة واحدة، أو فريضتين.
وذهب بعضهم إلى أن تارك الصلاة لا يكفر إلا إذا تركها مطلقا.
والقول الأول حكاه إسحاق بن راهويه رحمه الله عن الصحابة والتابعين. قال الإمام محمد بن نصر المروزي رحمه الله: "سمعت إسحاق يقول: قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تارك الصلاة كافر، وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، أن تارك الصلاة عمدا من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر.
وذهاب الوقت أن يؤخر الظهر إلى غروب الشمس، والمغرب إلى طلوع الفجر.
وإنما جعل آخر أوقات الصلوات ما وصفنا لأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلاتين بعرفة والمزدلفة وفي السفر، فصلى إحداهما في وقت الأخرى، فلما جعل النبي صلى الله عليه وسلم الأولى منهما وقتا للأخرى في حال، والأخرى وقتا للأولى في حال، صار وقتاهما وقتا واحدا في حال العذر، كما أُمرت الحائض إذا طهرت قبل غروب الشمس أن تصلى الظهر والعصر، وإذا طهرت آخر الليل أن تصلى المغرب والعشاء" انتهى من "تعظيم قدر الصلاة" (2/929) .
ونقل محمد بن نصر رحمه الله عن الإمام أحمد أنه قال: "لا يكفر أحد بذنب إلا تارك الصلاة عمدا. فإن ترك صلاة إلى أن يدخل وقت صلاة أخرى يستتاب ثلاثا" انتهى.
ونقل عن ابن المبارك أنه قال: "من ترك الصلاة متعمدا من غير علة، حتى أدخل وقتا في وقت فهو كافر" انتهى. "تعظيم قدر الصلاة" (2/927) .
وقال ابن حزم رحمه الله: "روينا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومعاذ بن جبل، وابن مسعود، وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم، وعن ابن المبارك، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه رحمة الله عليهم، وعن تمام سبعة عشر رجلا من الصحابة، رضي الله عنهم، أن من ترك صلاة فرضٍ عامدا ذاكرا حتى يخرج وقتها، فإنه كافر ومرتد، وبهذا يقول عبد الله بن الماجشون صاحب مالك، وبه يقول عبد الملك بن حبيب الأندلسي وغيره". انتهى من "الفصل في الملل والأهواء والنحل" (3/128) .
وقال رحمه الله: "وقد جاء عن عمر، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاذ بن جبل، وأبي هريرة، وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم أن من ترك صلاة فرض واحدة متعمدا حتى يخرج وقتها فهو كافر مرتد" انتهى من "المحلى" (2/15) .
وبهذا القول أفتى علماء اللجنة الدائمة للإفتاء، وعلى رأسهم الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (6/40،50) .
وقد استدل بعض أهل العلم لهذا المذهب بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله) رواه البخاري (528) لأن حبوط العمل لا يكون إلا بالكفر، ولما سبق نقله عن الصحابة الذين رووا هذه الأحاديث.
وأما القول الثاني: وهو عدم تكفير تارك الصلاة إلا إذا تركها مطلقا، فهذا ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، مع حكمه بالكفر على من ترك بعض الصلاة ودعاه الحاكم إلى الصلاة فلم يصل. ويرى كذلك رحمه الله أن هذا الذي يصلي ويترك، إذا عزم في قلبه على الترك بالكلية، كفر باطنا، أي فيما بينه وبين الله تعالى.
ينظر: "مجموع الفتاوى" (22/49) ، (7/615) و"شرح العمدة" (2/94) .
وإلى هذا القول ذهب الشيخ ابن عثيمين رحمه الله حيث قال: "والذي يظهر من الأدلة: أنه لا يكفر إلا بترك الصلاة دائما؛ بمعنى أنه وطن نفسه على ترك الصلاة؛ فلا يصلي ظهرا، ولا عصرا، ولا مغربا، ولا عشاء، ولا فجرا، فهذا هو الذي يكفر. فإن كان يصلي فرضا أو فرضين فإنه لا يكفر؛ لأن هذا لا يصدق عليه أنه ترك الصلاة؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) ، ولم يقل: (ترك صلاة) " انتهى من "الشرح الممتع" (2/26) .
ولم نقف على كلام مكتوب له رحمه الله فيمن يصلي الجمعة فقط، لكن كنا سألناه عن ذلك مشافهة، فأجاب بأن الظاهر أنه يكفر، لأن صلاة الجمعة صلاة واحدة من خمس وثلاثين صلاة في الأسبوع، فلا يمتنع إطلاق تارك الصلاة على من يصلي الجمعة فقط، فيكون كافراً.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1126)
كيف تنصح مقصراً في الصلاة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف لي أن أدعو أحداً إلى الصلاة، مع أنه يعرف أنها واجبة، ولكنه يتركها أحياناً؟ وأريد أن تعطيني بعض الجمل البسيطة والمتعلقة في هذا السؤال، وبعض الجمل التي فيها ترهيب وترغيب.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يمكنك تذكير هذا الشخص ونصحه من خلال بيان حكم ترك الصلاة، وحكم ترك الصلاة جماعة في المسجد، وبيان حال السلف مع الصلاة.
أما حكم ترك الصلاة: فقد سبق في عدة أجوبة أن تاركها كافرٌ خارج من الإسلام، وأنه لا يُقبل منه عمل يوم القيامة، وأنه يجب فسخ عقد نكاحه مع زوجته إن كانت مصلية، كما أنه يجب أن يعلم هذا التارك أنه لا تؤكل ذبيحته، ولا يغسَّل ولا يصلَّى عليه ولا يُدفن في مقابر المسلمين.
عن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رؤياه التي رآها فقال: " إنه أتاني الليلة آتيان وإنهما قالا لي انطلق وإني انطلقت معهما، وإنا أتينا على رجل مضطجع وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه فيتهدهد الحجر هاهنا فيتبع الحجر ويأخذه فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان ثم يعود عليه يفعل به مثل ما فعل المرة الأولى، قال: قلت لهما: سبحان الله! ما هذا؟ قال: قالا لي: انطلق، قال: فانطلقنا ... وفي آخر الحديث قال صلى الله عليه وسلم: " قالا لي: أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة ".
رواه البخاري (6640) .
قال محمد بن نصر المروزي:
سمعت إسحاق – أي: ابن راهويه - يقول: صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أن تارك الصلاة كافر، وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي صلى الله عليه وسلم أن تارك الصلاة عمداً من غير عذرٍ حتى يذهب وقتها كافر، وذهاب الوقت أن يؤخر الظهر إلى غروب الشمس والمغرب إلى طلوع الفجر.
" تعظيم قدر الصلاة " (2 / 929) .
وانظر في حكم تارك الصلاة: أجوبة الأسئلة: (7864) و (5208) و (2182) .
وأما صلاة الجماعة في المسجد: فكما أن الصلاة فرقٌ بين المسلم والكافر فإن الصلاة في جماعة علامة بين المؤمن والمنافق، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يعدُّون المتخلف عن صلاة الجماعة منافقاً معلوم النفاق.
سئل الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله -:
أنا شاب غير متزوج أؤدي الصلاة لكن بصفة غير مستمرة أي ليس كل وقت بوقته، وأحيانًا تفوتني صلاة يوم كامل وأؤديها كلها سويًّا، فما هو حكم الشرع في ذلك؟ .
فأجاب:
يجب على المسلم المحافظة على أداء الصلاة في أوقاتها مع جماعة المسلمين، ولا يجوز إخراج الصلاة عن وقتها، قال تعالى: {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} [النساء / 103] أي: مفروضة في أوقات معينة تؤدى فيها، وفي الأثر: " إن لله عملاً بالليل لا يقبله بالنهار، وعملاً بالنهار لا يقبله بالليل "، وإخراج الصلاة عن وقتها إضاعة لها، قال تعالى: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا. إِلا مَن تَابَ} [مريم / 59، 60] والجمع بين الصلاتين لا يجوز، إلا لعذر شرعي في وقت إحداهما، كالظهر مع العصر والمغرب مع العشاء، أما جمع الصلوات ليوم كامل فهذا لا يجوز ولا تصح الصلاة بهذه الكيفية.
" المنتقى من فتاوى الفوازن " (5 / 56، 57) .
وتجد أدلة وجوب صلاة الجماعة في أجوبة الأسئلة: (120) و (8918) .
وأما حال السلف مع صلاة الجماعة في المسجد: فحال عظيم يدل على مدى اهتمامهم بها، وحرصهم على أدائهم حتى مع كونهم معذورين في أدائها.
قال وكيع بن الجراح عن الأعمش سليمان بن مهران: كان الأعمش قريباً من سبعين سنة لم تفته التكبيرة الأولى.
وقال محمد بن المبارك الصوري: كان سعيد بن عبد العزيز التنوخي إذا فاتته صلاة الجماعة بكى.
وروي عن محمد بن خفيف أنه كان به وجع الخاصرة فكان إذا أصابه أقعده عن الحركة فكان إذا نودي بالصلاة يُحمل على ظهر رجل، فقيل له: لو خففت على نفسك؟ قال: إذا سمعتم " حي على الصلاة " ولم تروني في الصف فاطلبوني في المقبرة.
وسمع عامر بن عبد الله بن الزبير المؤذن وهو يجود بنفسه فقال: خذوا بيدي، فقيل: إنك عليل، قال: أسمع داعي الله فلا أجيبه؟ فأخذوا بيده فدخل مع الإمام في المغرب فركع ركعة ثم مات.
وانظر لمزيد فائدة: جواب السؤال رقم: (47123) فهو مهم.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1127)
لا يصلي ويقيم مع عشيقته ويريد أن يتوب ويتزوجها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[شخص مسلم فرنسي ولكنه لا يصلي ولا يصوم ويقيم مع عشيقته المسيحية يرغب في التوبة والصيام، ولكنه يتحجج بوجود هذه المرأة معه، هل يجوز له أن يتزوجها الآن مع العلم بأن غداً هو أول أيام رمضان؟ وإذا جاز ذلك فكيف هو السبيل والإجراء الشرعي المتبع؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ليعلم هذا الشخص وغيره أن ترك الصلاة كفر مخرج من الملَّة، والإسلام لا يرضى لأحدٍ من أتباعه أن لا يصلي ولا يصوم ويقيم مع عشيقته.
فالواجب عليكم أن تنصحوه وتبينوا له حقيقة الإسلام، وأنه استسلام لأحكام الشرع، والمسلم ينبغي أن يكون قدوة للآخرين لاسيما في تلك البلاد، وهو لا يمثل نفسه بل يمثل الإسلام الذي دخله والتزمه، فالواجب عليه ترك ما هو فيه من معاصٍ، والالتزام بأحكام الشرع وبخاصة الصلاة، التي هي الفاصل بين الإسلام والكفر.
ثانياً:
وقد سَرَّنا كثيراً أنه يريد التوبة فما الذي يحول بينه وبين التوبة؟ والله تعالى يفرح بتوبة عبده المؤمن، وإذا أقبل العبد على الله أقبل الله عليه، وغفر ذنبه , فعليه المبادرة بالتوبة، وعدم تسويفها، أو تعليقها بحصول أشياء خشية أن يموت ولم يتب، فيلقى ربه بذنوبه ومعاصيه، وقد يلقاه بالكفر.
وبيِّنوا له أن الله تعالى يبدِّل السيئات حسنات لمن تاب، قال الله تعالى: (إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الفرقان/70.
فعليه المبادرة بترك كل ما هو عليه مما يغضب الله تعالى من ترك الصلاة والإقامة مع عشيقته.
وانظر أجوبة الأسئلة: (624) و (13990) و (34905) و (22912) .
ثالثاً:
إذا تاب وأناب إلى الله: فليعلم أنه لا يجوز له الزواج من تلك العشيقة، لا لأنها نصرانية، بل لأنها " زانية " – على حسب وصفه وكلامه -، ومن شروط نكاح الكتابية – اليهودية أو النصرانية – أن تكون محصنة، أي: عفيفة غير زانية ولا لها عشيق، قال الله تعالى: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ) النساء/5. فاشترط الله تعالى لنكاحها أن تكون عفيفة، ولا يجوز لمسلم أن ينكح كتابية وهي ليست كذلك، بل لو كانت مسلمة لكنها زانية ما جاز لمسلم عفيف أن يتزوجها، قال تعالى: (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) النور/3.
وانظر تفصيل هذه المسألة في جواب السؤال رقم (11195) و (2527) .
فإذا أراد أن يتزوجها فلا بد أن يكون ذلك بعد توبته ورجوعه للإسلام بأداء الصلاة، وبعد توبتهما معاً من الزنى.
هذا إذا أراد أن يتزوجها.
وواجب النصيحة يحتم علينا أن ندله على خير ما نعلم مما يصلح دينه ودنياه، وهو أن يتوب إلى الله تعالى توبة صادقة، ويبادر إلى ترك هذه المرأة دون تردد ولا تسويف، وأن يبحث عن غيرها من المسلمات المحصنات المؤمنات، فهو إن تاب إلى الله عز وجل أحوج ما يكون إلى من تفهم دينها وتقف بجانبه وتحثه على طاعة الرحمن بعد ذلك الضياع، وأما تلك المرأة فإنها لو تابت من الزنى فلن تكون عوناً له على طاعة الله عز وجل، ولن تكون أمينة على بيته وماله وعرضه، ولن تصلح لتربية أبنائه وبناته، فلا نريد له بهذه النصيحة إلا الخير، وليستعمل عقله، ويبتعد عن العاطفة ليعلم أن هذا هو الصواب.
ولو قَلَّب نظره يميناً وشمالاً لرأى كثيراً من إخوانه المسلمين الذين تزوجوا من غير المسلمات قد ساءت أحوالهم، وندموا على ذلك، وتمنوا أنهم لم يتزوجوا من غير مسلمة.
وانظر جواب السؤال رقم (20227) و (45645) فهما مهمان.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1128)
لا يقبل الصيام مع تضييع الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الصيام بدون صلاة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تارك الصلاة لا يقبل منه عمل، لا زكاة ولا صيام ولا حج ولا شيء.
روى البخاري (520) عن بُرَيْدَة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تَرَكَ صَلاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) .
ومعنى "حبط عمله" أي: بَطَلَ ولم ينتفع به. فهذا الحديث يدل على أن تارك الصلاة لا يقبل اللهُ منه عملاً، فلا ينتفعُ تاركُ الصلاةِ من عمله بشيء، ولا يَصْعَدُ له إلى الله عملٌ.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى في معنى هذا الحديث في كتابه الصلاة (ص/65) :
" والذي يظهر في الحديث؛ أن الترك نوعان: تركٌ كليٌّ لا يصليها أبداً، فهذا يحبط العملُ جميعُه، وتركٌ معينٌ في يومٍ معينٍ، فهذا يحبط عملُ ذلك اليومِ، فالحبوطُ العامُّ في مقابلةِ التركِ العامِّ، والحبوطُ المعينُ في مقابلةِ التركِ المعينِ " اهـ.
وسئل الشيخ ابن عثيمين في فتاوى الصيام (ص87) عن حكم صيام تارك الصلاة؟
فأجاب:
تارك الصلاة صومه ليس بصحيح ولا مقبول منه؛ لأن تارك الصلاة كافر مرتد، لقوله تعالى: (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) التوبة/11. ولقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلاةِ) رواه مسلم (82) . ولقوله صلى الله عليه وسلم: (الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلاةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ) رواه الترمذي (2621) . صححه الألباني في صحيح الترمذي.
ولأن هذا قول عامة الصحابة إن لم يكن إجماعا منهم، قال عبد الله بن شقيق رحمه الله وهو من التابعين المشهورين: كان أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة، وعلى هذا فإذا صام الإنسان وهو لا يصلي فصومه مردود غير مقبول، ولا نافع له عند الله يوم القيامة، ونحن نقول له: صل ثم صم، أما أن تصوم ولا تصلي فصومك مردود عليك لأن الكافر لا تقبل منه العبادة اهـ.
وسئلت اللجنة الدائمة (10/140) إذا كان الإنسان حريصا على صيام رمضان والصلاة في رمضان فقط، ولكن يتخلى عن الصلاة بمجرد انتهاء رمضان فهل له صيام؟
فأجابت:
الصلاة ركن من أركان الإسلام، وهي أهم الأركان بعد الشهادتين وهي من فروض الأعيان، ومن تركها جاحدا لوجوبها أو تركها تهاونا وكسلا فقد كفر، وأما الذين يصومون رمضان ويصلون في رمضان فقط فهذا مخادعة لله، فبئس القوم الذين لا يعرفون الله إلا في رمضان، فلا يصح لهم صيام مع تركهم الصلاة في غير رمضان، بل هم كفار بذلك كفرا أكبر وإن لم يجحدوا وجوب الصلاة في أصح قولي العلماء اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1129)
حكم عقد نكاح من كان لا يصلي ثم هداه الله
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجي لايصلي منذ أن تزوجنا حيث مضى على زواجنا ثلاث سنوات. وبعد الزواج بوقت قصير أقنعته بذلك واقتنع. فهل هذا الزواج باطل … لأنه في وقت النكاح لم يكن يصلي…..... ماذا أفعل الآن؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله عن حكم عقد نكاح من لم يكن يصلي ثم هداه الله فقال:
إذا كانت الزوجة لا تصلي مثل الزوج حين العقد فالعقد صحيح، أما إن كانت تصلي فالواجب تجديد النكاح، لأنه لا يجوز للمسلمة أن تُنكح لكافر لقول الله عز وجل: (ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا) والمعنى لا تزوجوهم المسلمات حتى يسلموا، ولقوله سبحانه في سورة الممتحنة: (فإن علمتوهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لاهن حل لهم ولا هم يحلون لهن) ....
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى إسلامية 3/242-243(5/1130)
الطريقة المثلى لدعوة تارك الصلاة والتعامل مع المبتدع
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الطريقة المثلى لدعوة تارك الصلاة؟ ماذا عن المبتدع؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ينبغي النظر في حال المدعو لأداء الصلاة أو غيرها من العبادات، ومراعاة ما يلائمها من أساليب الترغيب، أو الترهيب، وإن كان الأصل العام في الشرع أن يجمع بينهما، ثم إنه من الأهمية بمكان مراعاة أحوال المدعو في إقباله أو إدباره، وتأثره بالموعظة أو انصرافه عنها.
ثانيا:
الطريقة المثلى لدعوة تارك الصلاة تتلخص فيما يلي:
1- تذكيره بفرضية الصلاة وأنها أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين
2- إعلامه ببعض فضائل الصلاة؛ فهي خير ما فرضه الله على عباده، وخير ما يتقرب به العبد إلى ربه، وهي أول ما يحاسب عليه العبد من أمر دينه، والصلوات الخمس كفارة لما بينهن، ما لم تغش الكبائر، وسجدة واحدة يرفع العبد بها درجة، ويحط عنه بها خطيئة..، إلى آخر ما ورد في فضائل الصلاة؛ فإن هذا من شأنه أن تسمح بها نفسه، إن شاء الله، ولعلها تصير قرة عينه، كما كانت قرة عين النبي، صلى الله عليه وسلم.
3- إعلامه بما ورد في شأن تاركها من الوعيد الشديد، واختلاف العلماء في كفره وردته، وأن الإسلام لا يتيح لتارك الصلاة فرصة في العيش طليقا بين الناس، إذ الواجب في شأنه أن يدعى للصلاة، فإن أصر على الترك، قتل مرتدا في مذهب أحمد ومن وافقه من السلف، أو قتل حدا في مذهب مالك والشافعي، أو حبس وسجن في مذهب أبي حنيفة، أما أن يترك حرا طليقا، فلا قائل بذلك من أهل العلم، فيقال لتارك الصلاة: هل ترضى أن يختلف العلماء في شأنك، بين الكفر والقتل والحبس؟!
4- تذكيره بلقاء الله تعالى والموت والقبر، وما يحدث لتارك الصلاة من سوء الخاتمة وعذاب القبر.
5- بيان أن تأخير الصلاة عن وقتها كبيرة من الكبائر؛ (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً) مريم/59، قال ابن مسعود عن الغي: واد في جهنم، بعيد القعر، خبيث الطعم، وقال تعالى: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ) الماعون/4، 5) .
6- بيان ما يترتب على القول بكفره من أمور عظيمة، كبطلان نكاحه، وحرمة بقائه ومعاشرته لزوجته، وكونه لا يغسّل ولا يصلى عليه بعد وفاته. ومن النصوص الدالة على كفر تارك الصلاة قوله صلى الله عليه وسلم: " إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة " رواه مسلم (82) ، وقوله: " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر" رواه الترمذي (2621) والنسائي (463) وابن ماجه (1079) .
7- إهداؤه بعض الكتيبات والأشرطة التي تتناول موضوع الصلاة وعقوبة تاركها والمتهاون فيها.
8- هجره وزجره في حال إصراره على ترك الصلاة.
وأما المبتدع، فيختلف التعامل معه حسب نوع بدعته ودرجتها، والواجب نصحه ودعوته إلى الله، وإقامة الحجة عليه، وإزالة شبهته، فإن أصر على بدعته هُجر وزجر إذا غلب على الظن أن ذلك ينفعه، وينبغي التثبت أولا في الحكم على شخصٍ ما بأنه مبتدع، والرجوع في ذلك إلى أهل العلم، والتفريق بين البدعة وصاحبها، فربما كان معذورا بجهل أو تأويل.
وانظر تفصيل ذلك في (حقيقة البدعة وأحكامها لسعيد بن ناصر الغامدي) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1131)
يتكاسل أحيانا عن الصلاة فما العلاج؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب مسلم بمؤمن بالله ورسله وكتبه والحمد لله ولكن بعض الوقت أكون متكاسلا عن الصلاة. أريد حلا أو طريقة لا تجعلني أتكاسل مع العلم أنني أريد ذلك ولكن مكر الشيطان شديد..]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من آمن بالله ورسله وكتبه حقا، وآمن بفرض الصلاة وأنها أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، لم يُتصور منه ترك الصلاة أو التهاون في أدائها، بل لن يجد حياته ولا أنسه ولا راحته إلا في أداء هذه الشعيرة العظيمة والمحافظة عليها.
وكلما زاد إيمان العبد زاد اهتمامه بما فرض الله عليه، وذلك من إيمانه أيضا، ولهذا فإن الطريقة التي تجعلك من المحافظين على الصلاة تتلخص فيما يلي:
أولا:
أن تؤمن إيمانا راسخا بفرضيتها وأنها أعظم أركان الإسلام، وأن تعلم أن تاركها متوعد بالوعيد الشديد، كافر خارج عن الإسلام، في أصح قولي العلماء؛ لأدلة كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم: " إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة " رواه مسلم (82) .
وقوله: " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر" رواه الترمذي (2621) والنسائي (463) وابن ماجه (1079) . وصححه الألباني في صحيح الترمذي
ثانيا:
أن تعلم أن تأخيرها عن وقتها كبيرة من كبائر الذنوب؛ لقوله تعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً) مريم/59
قال ابن مسعود عن الغي: واد في جهنم، بعيد القعر، خبيث الطعم.
وقوله تعالى (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ) الماعون/4، 5.
ثالثا:
أن تحرص على أداء الصلوات في جماعة المسجد، لا تفرط في واحدة منها، مدركا أن الصلاة في الجامعة واجبة في أصح قولي العلماء، لأدلة كثيرة، منها قوله صلى الله عليه وسلم: " من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر " رواه ابن ماجه (793) والدارقطني والحاكم وصححه، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه.
وروى مسلم (653) عن أبي هريرة قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل أعمى فقال يا رسول الله إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له فيصلي في بيته فرخص له فلما ولى دعاه فقال هل تسمع النداء بالصلاة؟ فقال نعم قال: فأجب ". إلى غير ذلك من الأدلة، وانظر السؤال رقم (40113)
رابعا:
أن ترجو بالمحافظة عليها دخولك في السبعة الذين يظلهم الله في ظله، فإن منهم " وشاب نشأ في عبادة ربه " ومنهم " رجل قلبه معلق في المساجد " البخاري (660) ومسلم (1031)
خامسا:
أن تحتسب الأجر الكبير المترتب على أدائها لاسيما مع الجماعة، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " صلاة الرجل في الجماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمسا وعشرين ضعفا، وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا رفعت له بها درجة وحط عنه بها خطيئة، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه اللهم صل عليه اللهم ارحمه ولا يزال أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة " البخاري (647) ومسلم (649) .
وروى مسلم (232) عن عثمان بن عفان قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من توضأ للصلاة فأسبغ الوضوء، ثم مشى إلى الصلاة المكتوبة فصلاها مع الناس أو مع الجماعة أو في المسجد غفر الله له ذنوبه ".
سادسا:
أن تقرأ عن فضل الصلاة، وإثم تضييعها والتكاسل في أدائها، وننصحك في هذا الخصوص بقراءة كتاب " الصلاة لماذا؟ " للشيخ محمد بن إسماعيل المقدم، وسماع محاضرة: " لماذا لا تصلي؟ " للشيخ محمد حسين يعقوب، ففي ذلك نفع كبير لك إن شاء الله.
سابعاً:
تخيّر الأصدقاء الصالحين الذين يهتمون بالصلوات ويرعونها حقها، والابتعاد عن ضدهم، فإن القرين بالمقارن يقتدي.
ثامناً:
البعد عن الذنوب والمعاصي في جميع جوانب حياتك والتقيّد بالأحكام الشرعية فيما يتعلق بعلاقتك بغيرك لاسيما علاقتك بالنساء، إذ المعاصي من أكثر ما يزهد العبد عن الطاعات ويقوي سطوة الشيطان عليه.
نسأل الله أن يجعلنا وإياك من عباده الصالحين، وأصفيائه المقربين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1132)
أخر الصلاة عن وقتها بلا عذر، فهل يلزمه الاغتسال؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يتطلب تأخير الصلاة بدون عذر الغسل وذلك لأنه كما ورد في الموقع يخرج من الملة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إن الصلاة عماد الدين.. وعنوان الفالحين.. وسعادة الصالحين.. كتبها الله على المؤمنين: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) النساء/103
(قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ* فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ*وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) المؤمنون/1-8
وهي أول ما يُحاسب عليها العبد يوم الدين. قال عليه الصلاة والسلام: (إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ، فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ) رواه الترمذي (413) وأبو داود (864) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
والصلاة يمحو الله بها الخطايا والسيئات، ويرفع الدرجات، وهي آخر ما يضيع من الدين، فإن ضاعت ضاع الدين كله. انظر السؤال (33694)
أخي المسلم
حافظ على صلاتك قبل مماتك ... وصل قبل أن يُصلى عليك..
فإن كنت محافظاً عليها فاستمر.. وإن كنت متهاوناً فيها فتب واستغفر قبل فوات الأوان.. فمن تاب تاب الله عليه.. ومن أقبل على الله أقبل الله إليه.
يقول الله في الحديث القدسي: (وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً) رواه البخاري (7405) ومسلم (2675)
فتب إلى الله توبة نصوحاً.. عسى الله أن يتوب عليك..
ثانياً:
التهاون بالصلاة، وتأخيرها عن وقتها من غير عذر من الكبائر. راجع السؤال (47123) .
بل ذهب بعض العلماء إلى تكفير من ترك صلاة واحدة من غير عذر حتى خرج وقتها. راجع السؤال (39818) . وعلى هذا القول تنبني إجابة سؤالك، وهو أمر من ترك صلاة بغير عذر حتى خرج وقتها بالاغتسال.
فإن اغتسال الكافر إذا أسلم مشروع، ومثله المرتد إذا رجع إلى الإسلام.
قال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع (1/202) :
"إذا أسلم الكافر وجب عليه الغُسْل سواء كان أصليًّا، أو مرتدًّا.
فالأصليُّ: من كان من أول حياته على غَيْر دِينِ الإسلام كاليهوديِّ والنَّصرانيِّ، والبوذيِّ، وما أشبه ذلك.
والمرتَدُّ: من كان على دين الإسلام ثم ارتدَّ عنه ـ نسأل الله السَّلامة ـ كَمَنْ ترك الصَّلاة، أو اعتقد أنَّ وشريكاً، أو دعا النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أن يُغِيثَه من الشِّدَّةِ، أو دعا غيره أن يُغِيثهَ في أمرٍ لا يمكن فيه الغَوْثُ.
والدَّليل على وجوب الغُسْل بذلك:
1ـ حديث قَيس بن عاصم أنَّه لمَّا أسلم أَمَره النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أنَّ يغتسل بماء ٍوسِدْر. رواه الترمذي (605) ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي. والأَصْلُ في الأمر الوُجوب.
2ـ أنه طَهَّر باطنه من نَجَسِ الشِّرْك، فَمِنَ الحِكْمة أن يُطَهِّرَ ظاهره بالغُسْل.
وقال بعض العلماء: لا يَجِب الغُسْل بذلك، واستدلَّ على ذلك بأنه لم يَرِدْ عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أمر عامٌّ مثل: مَنْ أسلم فَلْيَغْتَسِل، كما قال: "من جاء مِنْكُم الجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِل" وما أكثر الصَّحابة الذين أسلموا، ولمْ يُنْقَل أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أمرهم بالغُسْلِ أو قال من أسلم فليغتسل، ولو كان واجباً لكان مشهوراً لحاجة النَّاس إليه.
وقد نقول: إنَّ القول الأوَّل أقوى وهو وُجوب الغُسْل، لأنَّ أمْرَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ واحداً مِنَ الأمَّة بحُكمٍ ليس هناك معنى معقول لتخصيصه به أمْرٌ للأمة جميعاً، إذ لا معنى لتخصيصه به. وأمْرُه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لواحد لا يعني عدم أمْرِ غيره به.
وأما عدم النَّقل عن كلِّ واحد من الصَّحابة أنه اغتسل بعد إسلامه، فنقول: عدم النَّقل، ليس نقلاً للعدم؛ لأنَّ الأصلَ العملُ بما أمر به النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، ولا يلزم أن يُنقلَ العمل به من كلِّ واحد" اهـ.
وقال ابن قدامة في المغني:
إذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ , سَوَاءٌ كَانَ أَصْلِيًّا , أَوْ مُرْتَدًّا. . . وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي ثَوْرٍ وَابْنِ الْمُنْذِرِ" اهـ.
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (31/206) :
"ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إلَى أَنَّ إسْلامَ الْكَافِرِ مُوجِبٌ لِلْغُسْلِ , فَإِذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَغْتَسِلَ. . . وَلَمْ يُفَرِّقُوا فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْكَافِرِ الأَصْلِيِّ وَالْمُرْتَدِّ , فَيَجِبُ الْغُسْلُ عَلَى الْمُرْتَدِّ أَيْضًا إذَا أَسْلَمَ" اهـ.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1133)
إذا أخطأت المرأة في تحديد موعد الطهر فهل تأثم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كانت المرأة لا تنزل عليها القصة البيضاء، وإنما تنتظر انقطاع الدم، فبذلك تكون الأيام تختلف من شهر إلى آخر، هل تأثم إذا أخطأت في تحديد موعد طهارتها كأن تظن الطهر وبعد الاغتسال والصلاة وجدت أثره، أو العكس انتظرت وفاتتها صلاة ظنّاً منها أنها لم تطهر، حيث يشق عليها التحديد بدون القصة البيضاء.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تختلف العادة عند النساء من امرأة إلى أخرى، وتختلف العادة عند المرأة نفسها أيّاً كانت علامة انتهاء دورتها.
فعلامة الطهر عند غالب النساء خروج القصَّة البيضاء – وهي سائل أبيض، ومنهن من تكون علامتها انقطاع الدم.
وأيّاً كانت العلامة عند المرأة فلا يجوز لها أن تعجل على نفسها حتى تظهر العلامة؛ لأنه لا يحل لها الصلاة والصيام وهي حائض حتى تطهر.
وقد كانت النساء يبعثن إلى عائشة بالدّرجة فيها الكرسف فيه الصفرة فتقول: لا تعجلنَ حتى ترينَ القَصَّة البيضاء.
رواه البخاري معلقاً - كتاب الحيض، باب إقبال المحيض وإدباره - ومالك (130) .
ومعنى الدّرجة: الوعاء التي تضع المرأة طيبها ومتاعها.
الكرسف: القطن.
وإذا أخطأت المرأة في تحديد وقت الطهر بناء على ظنها واجتهادها، فإنها لا تأثم، لقول الله تعالى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) الأحزاب/5، ولقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) رواه ابن ماجة (2053) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة.
غير أنها إذا ظنت أنها طهرت وصلت وصامت ثم تبيّن لها أنها لا تزال حائضاً فعلها الامتناع عن الصلاة والصيام حتى تطهر وتقضي الصيام الواجب الذي صامته في تلك الأيام لأنه تبين لها أنه لم يكن صحيحاً لأن صوم الحائض لا يصح.
وإذا تركت الصلاة ظنَّاً منها أنها لم تطهر ثم تبيّن لها أنها كانت طاهراً، فعليها قضاء تلك الصلاة.
سئل الشيخ ابن عثيمين (11/280) عن امرأة رأت الكدرة قبل حيضها المعتاد، فتركت الصلاة، ثم نزل الدم على عادته، فما الحكم؟
فأجاب بقوله:
تقول أم عطية ـ رضي الله عنها ـ: (كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئاً) . وعلى هذا فهذه الكدرة التي سبقت الحيض لا يظهر لي أنها حيض، لاسيما إذا كانت أتت قبل العادة، ولم يكن علامات للحيض من المغص ووجع الظهر ونحو ذلك، فالأولى لها أن تعيد الصلاة التي تركتها في هذه المدة. اهـ.
وسئل أيضاً: (11/275) عن امرأة أصابها الدم لمدة تسعة أيام فتركت الصلاة معتقدة أنها العادة، وبعد أيام قليلة جاءتها العادة الحقيقية فماذا تصنع هل تصلي الأيام التي تركتها أم ماذا؟
فأجاب بقوله:
الأفضل أن تصلي ما تركته في الأيام الأولى، وإن لم تفعل فلا حرج وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر المرأة المستحاضة التي قالت إنها تستحاض حيضة شديدة وتدع فيها الصلاة فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم، أن تتحيض ستة أيام أو سبعة وأن تصلي بقية الشهر ولم يأمرها بإعادة ما تركته من الصلاة، وإن أعادت ما تركته من الصلاة فهو حسن لأنه قد يكون منها تفريط في عدم السؤال وإن لم تعد فليس عليها شيء. اهـ
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1134)
نسيت أن تغتسل من الجنابة حتى غربت الشمس
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الإسلام في امرأة نسيت أن تتطهر من الجنابة في يوم من أيام شهر رمضان؟ مع ملاحظه أن الجماع قد حدث قبل أذان الفجر لكنها نسيت أن تتطهر قبل المغرب.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا أصبح الصائم جنبا من احتلام أو جماع فلا شيء عليه، طالما أن الجماع قد حصل قبل أذان الفجر، ويدل لذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (كان يدركه الفجر في رمضان وهو جنب من غير حلم - أي احتلام - فيغتسل ويصوم) رواه البخاري (1926) ، ومسلم (1109) من حديث عائشة - رضي الله عنها -] .
وعلى هذا فصيامك ذلك اليوم صحيح، لكن كان الواجب عليك المبادرة إلى الاغتسال، لأن عليك صلوات لا بد أن تُصَلِّى في وقتها ولا يجوز تأخيرها.
والصلاة في الإسلام شأنها عظيم، فهي أعظم وآكد من الصيام والزكاة والحجّ وسائر العبادات، فينبغي أن يكون اهتمام المسلم بها على قدر منزلتها.
ولذلك فإن المتكاسل عن أداء الصلاة على خطر عظيم، حتى ذهب بعض أهل العلم إلى تكفير من ترك صلاة واحدة من غير عذر حتى خرج وقتها.
وورد في الترهيب من ترك الصلاة قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ تَرَكَ صَلاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) رواه البخاري (553)
وانظري لمعرفة شرحه السؤال رقم: (49698)
فعلى السائلة أن تتوب إلى الله من تركها الصلاة وتكاسلها عن أدائها في وقتها، والله تعالى يتوب على من تاب، ويغفر لمن رجع إليه وأناب.
والله تعالى أعلم.
وانظري للمزيد من الفائدة السؤال رقم (21806) ، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1135)
عمل الصالحات مع التهاون بالصلوات
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت في سنوات ماضية غير منتظمة في أداء الصلاة فأصلي لأيام ثم أنقطع لأيام وأعود ثانية وكنت أكثر من الصدقات ابتغاء مرضاة الله وأصل رحمي ولا أبتغي غير وجه الله فهل ما قمت به مردود علي لعدم إتمام صلاتي أم قد يتقبله الله إن شاء سبحانه وتعالى.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التهاون في فعل الصلاة جرم عظيم، وتفريط بالغ في هذه الشعيرة التي هي آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين، وقد توعد الله المتهاونين في أمر الصلاة المضيعين لها عن أوقاتها، بقوله:) فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً) مريم /59، 60
وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى تكفير من ترك صلاة واحدة حتى خرج وقتها بلا عذر، فالواجب عليك هو التوبة إلى الله تعالى من هذا الذنب العظيم، والمحافظة على أداء الصلوات في أوقاتها، مع الإكثار من النوافل رجاء أن يعفو الله عنك وأن يتقبل منك.
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة 6/50
السؤال: قبل أربع سنوات كنا في رحلة ترفيهية وأثناء هذه الرحلة تركت صلاة (إما صلاة الظهر أو العصر) لا أتذكر الآن، علماً بأنني تركتها تهاوناً وتكاسلاً مني، وأنا الآن نادم على ما ارتكبته من ذنب فأستغفر الله من كل ذنب وخطيئة، فماذا يجب علي وهل علي كفارة؟
فأجابت اللجنة الدائمة:
عليك أن تتوب إلى الله توبة صادقة ولا قضاء عليك، لأن ترك الصلاة المفروضة عمداً كفر أكبر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر» وقوله صلى الله عليه وسلم: " بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة " أخرجه مسلم في صحيحه ولا كفارة في ذلك سوى التوبة النصوح. انتهى
ثانياً:
الكافر لا ينفعه عند الله ما عمله من أعمال صالحة، إلا إذا أسلم فإنه ينتفع بعمله الصالح ويكتب له ثوابه كما هو ظاهر ما في الصحيحين عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ أَشْيَاءَ كُنْتُ أَتَحَنَّثُ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ عَتَاقَةٍ وَصِلَةِ رَحِمٍ فَهَلْ فِيهَا مِنْ أَجْرٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَسْلَمْتَ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ خَيْرٍ" رواه البخاري 1436 ومسلم 123.
أتحنث: أي أتعبد
قال النووي رحمه الله:
ذَهَبَ اِبْن بَطَّالٍ وَغَيْره مِنْ الْمُحَقِّقِينَ إِلَى أَنَّ الْحَدِيث عَلَى ظَاهِره , وَأَنَّهُ إِذَا أَسْلَمَ الْكَافِر وَمَاتَ عَلَى الإِسْلَام يُثَاب عَلَى مَا فَعَلَهُ مِنْ الْخَيْر فِي حَال الْكُفْر , وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ. قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا أَسْلَمَ الْكَافِر فَحَسُنَ إِسْلامُهُ كَتَبَ اللَّه تَعَالَى لَهُ كُلّ حَسَنَة زَلَفهَا , وَمَحَا عَنْهُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْف , وَالسَّيِّئَة بِمِثْلِهَا إِلا أَنْ يَتَجَاوَز اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى) ذَكَرَهُ الدَّارَ قُطْنِيُّ فِي غَرِيب حَدِيث مَالِك , وَرَوَاهُ عَنْهُ مِنْ تِسْع طُرُق , وَثَبَتَ فِيهَا كُلّهَا أَنَّ الْكَافِر إِذَا حَسُنَ إِسْلامه يُكْتَب لَهُ فِي الإِسْلام كُلّ حَسَنَة عَمِلَهَا فِي الشِّرْك.
قَالَ اِبْن بَطَّال رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى بَعْد ذِكْره الْحَدِيث: وَلِلَّهِ تَعَالَى أَنْ يَتَفَضَّل عَلَى عِبَاده بِمَا شَاءَ لا اِعْتِرَاض لِأَحَدٍ عَلَيْهِ قَالَ: وَهُوَ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَكِيمِ بْن حِزَام رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: " أَسْلَمْت عَلَى مَا أَسْلَفْت مِنْ خَيْر ". وَاَللَّه أَعْلَم.
وَأَمَّا قَوْل الْفُقَهَاء: (لا يَصِحّ مِنْ الْكَافِر عِبَادَة , وَلَوْ أَسْلَمَ لَمْ يُعْتَدّ بِهَا) : فَمُرَادهمْ أَنَّهُ لا يُعْتَدّ لَهُ بِهَا فِي أَحْكَام الدُّنْيَا , وَلَيْسَ فِيهِ تَعَرُّض لِثَوَابِ الآخِرَة. فَإِنْ أَقْدَمَ قَائِل عَلَى التَّصْرِيح بِأَنَّهُ إِذَا أَسْلَمَ لا يُثَاب عَلَيْهَا فِي الآخِرَة رُدَّ قَوْله بِهَذِهِ السُّنَّة الصَّحِيحَة اهـ.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1136)
لا تصلي الصلوات في وقتها بسبب العمل فهل تترك الصوم
[السُّؤَالُ]
ـ[مسلمة تعيش في بلد غير مسلم، ولا تستطيع أن تصلي كل صلاة في وقتها بسبب العمل، فهل تصوم أم تفطر؟ لأن الصلاة أهم من الصوم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يجوز لمسلمٍ الإقامة في بلاد الكفر والسفر إليها من غير ضرورة تحوجه إلى ذلك، ويتحتم هذا المنع في حال عدم قدرته على القيام بشعائر الدين فيه، ومن أعظم شعائر الدين: الصلاة، فإذا كان الإنسان من أهل تلك البلاد، أو وفد إليها ثم عجز عن إظهار شعائر دينه فالواجب عليه أن يخرج من ديار الكفر إلى ديار المسلمين، ليتمكن من إظهار شعائر دينه، وليعلم أنه غير معذور ببقائه في تلك الديار إلا إن كان مستضعفاً لا يستطيع الهجرة بدينه من تلك البلاد إلى حيث يستطيع إظهار دينه.
قال ابن قدامة المقدسي:
... فالناس في الهجرة على ثلاثة أضرب:
أحدها: من تجب عليه , وهو من يقدر عليها , ولا يمكنه إظهار دينه , ولا تمكنه إقامة واجبات دينه مع المقام بين الكفار , فهذا تجب عليه الهجرة ; لقول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً) النساء/97، وهذا وعيد شديد يدل على الوجوب؛ ولأن القيام بواجب دينه واجب على من قدر عليه , والهجرة من ضرورة الواجب وتتمته , وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
الثاني: من لا هجرة عليه، وهو من يعجز عنها , إما لمرض , أو إكراه على الإقامة , أو ضعف ; من النساء والولدان وشبههم , فهذا لا هجرة عليه ; لقول الله تعالى: (إِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً * فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً) النساء/98-99، ولا توصف باستحباب ; لأنها غير مقدور عليها.
والثالث: من تستحب له , ولا تجب عليه، وهو من يقدر عليها , لكنه يتمكن من إظهار دينه , وإقامته في دار الكفر , فتستحب له , ليتمكن من جهادهم , وتكثير المسلمين , ومعونتهم , ويتخلص من تكثير الكفار , ومخالطتهم , ورؤية المنكر بينهم، ولا تجب عليه ; لإمكان إقامة واجب دينه بدون الهجرة.
" المغني " (9 / 237، 238) .
ولما كان أكثر الناس إنما تحمله على الإقامة في بلاد الكفر حرصه على الدنيا، وشحّه بما فيها من كثرة في المال أو عز وجاه، أو أهل وإخوان، قال تعالى بعد ما أخبر عن حال الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم، قال: (وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً) النساء/100
قال الشيخ السعدي رحمه الله:
" هذا في بيان الحث على الهجرة والترغيب وبيان ما فيها من المصالح، فوعد الصادق في وعده، أن من هاجر في سبيله ابتغاء مرضاته أنه يجد مراغما في الأرض وسعة.
فالمراغم مشتمل على مصالح الدين والسعة على مصالح الدنيا، وذلك أن كثيرا من الناس يتوهم أن في الهجرة شتاتا بعد الألفة، وفقرا بعد الغنى، وذلا بعد العز، وشدة بعد الرخاء، والأمر ليس كذلك. فإن المؤمن ما دام بين أظهر المشركين فدينه في غاية النقص، لا في العبادات القاصرة عليه، كالصلاة ونحوها، ولا في العبادات المتعدية، كالجهاد بالقول والفعل وتوابع ذلك، لعدم تمكنه من ذلك، وهو بصدد أن يفتن عن دينه، خصوصا إن كان مستضعفاً، فإذا هاجر في سبيل الله تمكن من إقامة دين الله وجهاد أعداء الله، ومراغمتهم، فإن المراغمة: اسم جامع لكل ما يحصل به إغاظة لأعداء الله من قول وفعل وكذلك ما يحصل له سعة في رزقه، وقد وقع كما أخبر الله تعالى، واعتبر ذلك بالصحابة رضي الله عنهم فإنهم لما هاجروا في سبيل الله وتركوا ديارهم وأولادهم وأموالهم لله كمل بذلك إيمانهم وحصل لهم من الإيمان التام والجهاد العظيم والنصر لدين الله ما كانوا به أئمة لمن بعدهم وكذلك حصل لهم ما يترتب على ذلك من الفتوحات والغنائم ما كانوا به أغنى الناس وهكذا كل من فعل فعلهم يحصل له ما حصل لهم إلى يوم القيامة " اهـ.
ثانياً:
لا يحل لمسلمٍ أن يؤخر الصلاة عن وقتها إلا من عذر، ومن الأعذار الشرعية التي تبيح التأخير: النوم والنسيان، ولم يكن القيام بأعمال الدنيا من الأعذار المبيحة لترك الصلاة أو تأخيرها عن وقتها، بل من صفات المؤمنين الصادقين أنهم لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذِكر الله وإقام الصلاة.
قال الله تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآَصَالِ. رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ. لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) النور/36–38.
وحذر الله تعالى عباده من الانشغال بأموالهم وأولادهم عن طاعته وذكره، وذكر لهم أن من فعل ذلك فهم الخاسرون حقاً، لا كما يظن من يفرط في دينه من أجل عمله ودنياه وشحّه بالربح العاجل.
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) المنافقون/9
وهل للخاسرين على الحقيقة مصير، إلا مصير أئمة الكفر، الذين أضاعوا الدين شُحَّاً بدنياهم.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ ذَكَرَ الصَّلاةَ يَوْمًا فَقَالَ: (مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا وَبُرْهَانًا وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نُورٌ، وَلا بُرْهَانٌ، وَلا نَجَاةٌ، وَكَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ) رواه أحمد (6540) وصححه الألباني في مشكاة المصابيح
قال ابن القيم رحمه الله:
" وإنما خص هؤلاء الأربعة بالذكر لأنهم من رؤوس الكفرة، وفيه نكتة بديعة، وهو: أن تارك المحافظة على الصلاة؛ إما أن يشغله ماله، أو ملكه، أو رياسته، أو تجارته، فمن شغله عنها ماله فهو مع قارون، ومن شغله عنها ملكه فهو مع فرعون، ومن شغله عنها رياسة ووزارة فهو مع هامان، ومن شغله عنها تجارته فهو مع أبي بن خلف " اهـ. الصلاة وحكم تاركها (1/63)
وأما داهية الدواهي فهي التفكير في الفطر وترك الصيام، تبعاً لترك الصلاة.
وصدق الله العظيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) النور/21، فانظري يا أمة الله كيف جرَّك الشيطان إلى هدم عمود الدين، وركنه الثاني بعد الشهادتين، وهو الصلاة، ثم يجرك اللّعين بغروره إلى هدم ركن آخر، فثالث، فرابع، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أيها الأخت السائلة، إن سؤالك، بل إن مسئوليتك الواجبة عليه هي أن تبحثي عن الطريق لبناء ما هدمتيه من دينك بترك صلاتك، لا أن تسألي عن هدم ما هو قائم عندك من الأركان، فأي شرع، بل أي عقل يقول ذلك. قال الله تعالى: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُون * وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) النحل/91-92
قال الشيخ السعدي رحمه الله:
وهذا يشمل جميع ما عاهد العبد عليه ربه من العبادات، والنذور، والأيمان التي عقدها، إذا كان الوفاء بها برا ... " ثم قال بعد كلام له: (ولا تكونوا: في نقضكم للعهود بأسوأ الأمثال وأقبحها وأدلها على صفة متعاطيها، وذلك كالتي تغزل غزلاً قوياً، فإذا استحكم وتم ما أريد منه، نقضت غزلها من بعد قوة، فجعلته أنكاثا، فتعبت على الغزل، ثم على النقض، ولم تستفد سوى الخيبة والعناء وسفاهة العقل ونقص الرأي، فكذلك من نقض ما عاهد عليه فهو ظالم جاهل سفيه ناقص الدين والمروءة " اهـ.
ونعم، الصلاة كما قلت أهم من الصوم، وهي خير ما فرضه الله على عباده من الأعمال، ولأجل ذلك نقول لك: صلِّي، يا أمة الله، واثبتي على صومك، وليس غير.
قد يضيق بك عملك، قد تخسرين عمله من أصله، قد ... ، وقد ...
لكن ليس إلا دينك، دينك دينك، لحمك ودمك.
والله يوفقنا وإياك إلى ما يحبه ويرضاه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1137)
صاحب العمل يمنعه من الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[صاحب العمل يمنعني من الصلاة في العمل أربع فرائض من الظهر إلى العشاء وهو وقت العمل. فما الحكم في هذه الحالة؟ هل أصلي بعد العمل جميع الصلوات.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تأخير الصلاة عن وقتها من غير عذر يبيح ذلك من كبائر الذنوب، قال الله تعالى: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ) الماعون/4-5.
سئل سعد بن أبي وقاص عن السهو عن الصلاة أهو تركها؟ فقال: لا، ولكن تأخيرها عن وقتها.
وقال ابن عباس: (الذين هم عن صلاتهم ساهون) هم الذين يؤخرونها عن وقتها. انظر تفسير الطبري (12/706) .
وليس العمل عذراً في ترك الصلاة حتى يخرج وقتها، قال الله تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (36) رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ) النور/36-37.
قال السعدي:
فهؤلاء الرجال وإن اتجروا وباعوا واشتروا فإنهم لا يلهيهم ذلك عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، بل جعلوا طاعة الله وعبادته غاية مرادهم، ونهاية مقصدهم، فما حال بينهم وبينها رفضوه اهـ بتصرف.
وعلى هذا إما أن تطلب من صاحب العمل أن يجعل لك من الوقت ما تصلي فيه الصلاة في وقتها، وإما أن تترك هذا العمل الذي يحول بينك وبين الصلاة، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه.
أنظر السؤال 34617
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1138)
هل يجوز الصلاة عن تارك الصلاة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان هناك شخص في العائلة لا يصلي ونصحته بالصلاة ولكنه لم يفعل، فهل يمكن أن أصلي عنه؟ لأنني أعلم بأنه لن يصلي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الصلاة من أركان الإسلام، ولا يصح أداؤها إلا من المكلَّف بها، وتركها كفرٌ مخرج من الملَّة يراجع السؤال رقم (2182) ، ولا يجوز لكم أن تؤدها عن غيركم ممن لا يصلي، وهذا الحكم مجمعٌ عليه لا خلاف بين العلماء فيه.
قال ابن قدامة: " العبادات البدنية المحضة كالصلاة والصيام والطهارة من الحدث لا يجوز التوكيل فيها لأنها تتعلق ببدن من هي عليه فلا يقوم غيرُه مقامه فيها إلا أن الصيام المنذور يُفعل عن الميت وليس ذلك بتوكيل؛ لأنه لم يوكل في ذلك ولا وكل فيه غيره.. " انتهى من المغني (5/207)
وعليكم مدوامة النصيحة لهذا التارك وترغيبه وترهيبه فلعل الله أن يشرح صدره بكلمة نافعة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1139)
نطق الشهادة ولم يقم الفروض
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم في رجل قال: أشهد ألا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ولم يصل، ولم يقم بشيء من الفرائض، وأنه لم يضره،، ويدخل الجنة، وأنه قد حرم جسمه على النار؟ وآخر يقول: أطلب حاجتي من الله ومنك: فهل هذا باطل أم لا؟ وهل يجوز هذا القول أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن من لم يعتقد وجوب الصلوات الخمس، والزكاة المفروضة، وصيام شهر رمضان، وحج البيت العتيق، ولا يحرم ما حرم الله ورسوله من الفواحش، والظلم، والشرك والإفك، فهو كافر مرتد، يستتاب، فإن تاب وإلا قُتل باتفاق أئمة المسلمين، ولا يغني عنه التكلم بالشهادتين.
وإن قال: أنا أقر بوجوب ذلك عليّ، وأعلم أنه فرض، وأن من تركه كان مستحقاً لذم الله وعقابه،، لكني لا أفعل ذلك، فهذا - أيضا - مستحق للعقوبة في الدنيا والآخرة باتفاق المسلمين، ويجب أن يصلي الصلوات الخمس باتفاق العلماء. وأكثر العلماء يقولون يؤمر بالصلاة، فإن لم يصل وإلا قتل. فإذا أصر على الجحود حتى قُتل كان كافراً باتفاق الأئمة، لا يغسل؛ ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين.
ومن قال: إن كل من تكلم بالشهادتين، ولم يؤد الفرائض، ولم يجتنب المحارم، يدخل الجنة، ولا يعذب أحد منهم بالنار، فهو كافر مرتد. يجب أن يستتاب فإن تاب وإلا قُتل؛ بل الذين يتكلمون بالشهادة أصناف؛ منهم منافقون في الدرك الأسفل من النار، كما قال تعالى: " إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيراً، إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين " النساء: 145-146، وقال تعالى: " إن المنافيق يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى " النساء: 142، وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " تلك صلاة المنافق؛ يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان قام فنقر أربعاً لا يذكر الله فيها إلا قليلاً " مسلم (622/195) ، فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الذي يؤخر الصلاة وينقرها منافق، فكيف بمن لا يصلي؟!! وقد قال تعالى: " فويل للمصلين، الذين هم عن صلاتهم ساهون، الذين هم يراءون " الماعون: 4-6 قال العلماء: الساهون عنها: الذين يؤخرونها عن وقتها، والذين يفرطون في واجباتها. فإذا كان هؤلاء المصلون الويل لهم فكيف بمن لا يصلي؟!
وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم " أنه يعرف أمته بأنهم غرٌّ محجَّلون من آثار الوضوء " مسلم في الطهارة (249/39) ، وإنما تكون الغرة والتحجيل لمن توضأ وصلى، فابيض وجهه بالوضوء، وابيضت يداه ورجلاه بالوضوء، فصلى أغر محجلا. فمن لم يتوضأ ولم يصل لم يكن أغرا محجلا، فلا يكون عليه سيما المسلمين التي هي الرنك - هو شعار للملوك والأمراء الأتراك والمماليك بمصر - للنبي صلى الله عليه وسلم، مثل الرنك الذي يعرف به المقدم أصحابه، ولا يكن هذا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم. وثبت في الصحيح: أن النار تأكل من ابن آدم كل شيء إلا آثار السجود (البخاري رقم 806) . فمن لم يكن من أهل السجود للواحد المعبود، الغفور الودود، ذو العرش المجيد أكلته النار. وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ليس بين العبد وبين الشرك إلا ترك الصلاة " مسلم (82/134) ، وقال: " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر " الترمذي (2621) ، وقال: " أول ما يحاسب عليه العبد من عمله الصلاة " (أبو داود برقم 864 - والترمذي 413) .
ولا ينبغي للعبد أن يقول: ما شاء الله وشاء فلان، وما لي إلا الله وفلان، وأطلب حاجتي من الله ومن فلان، كما في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا تقولوا: ما شاء الله وشاء محمد، ولكن قولوا: ما شاء الله ثم شاء محمد " ابن ماجه (2118) ، وقال له رجل: ما شاء الله وشئت، فقال: " أجعلتني ندا لله؟ بل ما شاء الله وحده " أحمد 1/214. والله أعلم، وصلى الله على محمد.
[الْمَصْدَرُ]
مجموع فتاوى ابن تيمية 18/67(5/1140)
غاب عقلها بسبب المسكر فتركت بعض الصلوات، فما الحكم
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو أن تفتيني في أمري. فقد شربت حتى فقدت وعيي، فأخرت المغرب والعشاء والفجر، لكني صليتها قضاءً قبل ظهر اليوم التالي. وقد قرأت أن ذلك يجعلني أكفر، وأنا أدعو الله أن يغفر لي، وأني لن أتوقف عن الإيمان به، وسأستمر في سؤاله أن يغفر لي شربي للمسكر.
وسؤالي: إن كنت قد كفرت بفعلي، فهل يعني ذلك بطلان زواجي وأن علي إعادته، أم أنه كالطلاق ثلاثا، وأنه لا يمكننا أن نرجع إلى بعضنا مرة أخرى.
أسأل الله أن يسامحني، فأنا أشعر بالأسف الشديد لما قمت به.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله أن يتقبل توبتك وأن يجعلها توبة نصوحا صادقة (والله يحب التوابين) .
وأما تركك لهذه الصلوات ـ على الحال التي ذكرتها ـ فإنك لا تكفرين بذلك ـ إن شاء الله ـ، حيث لم يحدث هذا بتعمد منك، وإن كنت قد تسببت فيه بشربك المسكر وهذا ذنب عظيم، لعل الله يكفره عنك بالتوبة النصوح.
وبناء على ذلك؛ فأنت ولله الحمد ما زلت مسلمة، ولم يطرأ شيء على زواجك تحتاجين معه إلى إعادته أو غير ذلك.
وعليك بعد التوبة النصوح بالمحافظة على الصلوات في وقتها، والحذر من تضييعها بتركها أو بتأخيرها عن وقتها، واحرصي على القيام بحق زوجك وأولادك، والعودة الصادقة إلى الله تعالى بالانخلاع من صغير الذنوب وكبيرها.
نسأل الله أن يمن علينا وعلى إخواننا المسلمين بالهداية والسداد، إنه سميع مجيب..
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1141)
ترك الصلاة كسلاً
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا لم أصلي بسبب الكسل فقط فهل أعتبر كافرا أم مسلماً عاصي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الإمام أحمد بتكفير تارك الصلاة كسلاً وهو القول الراجح والأدلة تدل عليه من كتاب الله وسنة رسوله وأقوال السلف والنظر الصحيح الشرح الممتع على زاد المستنقع 2/26
والمتأمل لنصوص الكتاب والسنة يجد أنها دلت على كفر تارك الصلاة الكفر الأكبر المخرج من الملة، فمن أدلة القرآن:
قول الله تعالى: " فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين " التوبة / 11
ووجه الدلالة في هذه الآية أن الله تعالى اشترط لثبوت بيننا وبين المشركين ثلاثة شروط: أن يتوبوا من الشرك وان يقيموا الصلاة وأن يؤتوا الزكاة فإن تابوا من الشرك ولم يقيموا الصلاة ولم يؤتوا الزكاة فليسوا باخوة لنا، وإن أقاموا الصلاة ولم يؤتوا الزكاة فليسوا باخوة لنا، والأخوة في الدين لا تنتفي إلا حين يخرج المرء من الدين بالكلية فلا تنتفي بالفسوق والكفر دون الكفر.
وقال تعالى أيضا: " فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا " ووجه الدلالة: أن الله قال في المضيعين للصلاة المتبعين للشهوات: (إلا من تاب وآمن) فدل على أنهم حين إضاعتهم للصلاة واتباع الشهوات غير مؤمنين.
وأما دلالة السنة على كفر تارك الصلاة فقوله صلى الله عليه وسلم: " إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة " رواه مسلم في كتاب الإيمان عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وعن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر " رواه احمد وابو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. والمراد بالكفر هنا الكفر المخرج عن الملة لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الصلاة فصلا بين المؤمنين والكافرين ومن المعلوم أن ملة الكفر غير ملة الإسلام فمن لم يأت بهذا العهد فهو من الكافرين.
وفيه من حديث عوف بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ويصلون عليكم وتصلون عليهم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم ". قيل يا رسول الله أفلا ننابذهم بالسيف قال: " لا ما أقاموا فيكم الصلاة "
ففي هذا الحديث دليل على منابذة الولاة وقتالهم بالسيف إذا لم يقيموا الصلاة ولا تجوز منازعة الولاة وقتالهم إلا إذا أتوا كفرا صريحا عندنا فيه برهان من الله تعالى، لقول عبادة بن الصامت رضي الله عنه: " دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعناه فكان فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله قال: إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان " متفق عليه، وعلى هذا فيكون تركهم للصلاة الذي علق عليه النبي صلى الله عليه وسلم منابذتهم وقتالهم بالسيف كفرا بواحا عندنا فيه من الله برهان.
فإن قال قائل: ألا يجوز أن تحمل النصوص الدالة على كفر تارك الصلاة على من تركها جاحدا لوجوبها؟
قلنا: لا يجوز ذلك لأن فيه محذورين:
الأول: إلغاء الوصف الذي اعتبره الشارع وعلق الحكم به فإن الشارع علق الحكم بالكفر على الترك دون الجحود ورتب الأخوة في الدين على إقام الصلاة دون الإقرار بوجوبها لم يقل الله تعالى: فإن تابوا وأقروا بوجوب الصلاة، ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم بين الرجل وبين الشرك والكفر جحد وجوب الصلاة. أو العهد الذي بيننا وبينهم الإقرار بوجوب الصلاة فمن جحد وجوبها فقد كفر. ولو كان هذا مراد الله تعالى ورسوله لكان العدول عنه خلاف البيان الذي جاء به القرآن، قال الله تعالى: " ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء " النحل / 89، وقال تعالى مخاطبا نبيه: وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم " النحل / 44.
المحذور الثاني: اعتبار وصف لم يجعله الشارع مناطا للحكم فإن جحود وجوب الصلوات الخمس موجب لكفر من لا يعذر بجهله فيه سواء صلى أم ترك، فلو صلى شخص الصلوات الخمس وأتى بكل ما يعتبر لها من شروط وأركان وواجبات ومستحبات لكنه جاحد لوجوبها بدون عذر له فيه لكان كافرا مع أنه لم يتركها. فتبين بذلك أن حمل النصوص على من ترك الصلاة جاحدا لوجوبها غير صحيح، والصحيح أن تارك الصلاة كافر كفرا مخرجا من الملة كما جاء ذلك صريحا فيما رواه ابن أبي حاتم في سننه عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تشركوا بالله شيئا ولا تتركوا الصلاة عمدا فمن تركها عمدا متعمدا فقد خرج من الملة ". وأيضا فإننا لو حملناه على ترك الجحود لم يكن لتخصيص الصلاة في النصوص فائدة فإن هذا الحكم عام في الزكاة والصيام والحج فمن ترك منها واحدا جحدا لوجوه كفر إن كان غير معذور بجهل.
وكما أن كفر تارك الصلاة مقتضى الدليل السمعي الأثري فهو مقتضى الدليل العقلي النظري فكيف يكون عند الشخص إيمان مع تركه للصلاة التي هي عمود الدين وجاء في الترغيب في فعلها ما يقتضي لكل عاقل مؤمن أن يقوم بها ويبادر إلى فعلها وجاء من الوعيد على تركها ما يقتضي لكل عاقل مؤمن أن يحذر من تركها وإضاعتها؟ فتركها مع قيام هذا المقتضى لا يبقى إيمانا مع الترك.
فإن قال قائل: ألا يحتمل أن يراد بالكفر في تارك الصلاة كفر النعمة لا كفر الملة أو أن المراد به كفر دون الكفر الأكبر فيكون كقوله صلى الله عليه وسلم: " اثنتان بالناس هما بهما كفر، الطعن في النسب والنياحة على الميت "، وقوله: " سباب المسلم فسوق وقتاله كفر ". ونحو ذلك؟
قلنا هذا الاحتمال والتنظير له لا يصح لوجوه:
الأول أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الصلاة حدا فاصلا بين الكفر والإيمان وبين المؤمنين والكفار يميز المحدود ويخرجه من غيره. فالمحدودان متغايران لا يدخل أحدهما في الآخر.
الثاني: أن الصلاة ركن من أركان الإسلام فوصف تاركها بالكفر يقتضي أنه الكفر المخرج من الإسلام لأنه هدم ركنا من أركان الإسلام بخلاف إطلاق الكفر على من فعل فعلا من أفعال الكفر.
الثالث: أن هناك نصوصا أخرى دلت على كفر تارك الصلاة كفرا مخرجا من الملة فيجب حمل الكفر على ما دلت عليه لتتلاءم النصوص وتتفق.
الرابع: أن التعبير بالكفر مختلف ففي ترك الصلاة قال: " بين الرجل وبين الشرك والكفر " فعبر بأل الدالة على أن المراد بالكفر حقيقة الكفر بخلاف كلمة: كفر - منكّرا - أو كلمة: كَفَرَ بلفظ الفعل فإنه دال على أن هذا من الكفر أو أنه كفر في هذه الفعلة وليس هو الكفر المطلق المخرج عن الإسلام.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب (اقتضاء الصراط المستقيم) ص70 طبعة السنة المحمدية على قول الرسول صلى الله عليه وسلم: اثنتان في الناس هما بهما كفر ". قال: فقوله هما بهما كفر أي هاتان الخصلتان هما كفر قائم بالناس فنفس الخصلتين كفر حيث كانتا من أعمال الكفر وهما قائمتان بالناس لكن ليس كل من قام به شعبة من شعب الكفر يصير بها كافرا الكفر المطلق حتى تقوم به حقيقة الكفر، كما أنه ليس كل من قام به شعبة من شعب الإيمان يصير بها مؤمنا حتى يقوم به أصل الإيمان وحقيقته. وفرق بين الكفر المعرف باللام كما في قوله صلى الله عليه وسلم: " ليس بين العبد وبين الكفر أو الشرك إلا ترك الصلاة " وبين كفر منكر في الإثبات. انتهى كلامه رحمه الله.
فإذا تبين أن تارك الصلاة بلا عذر كافر كفرا مخرجا من الملة بمقتضى هذه الأدلة كان الصواب فيما ذهب إليه الإمام أحمد وهو أحد قولي الشافعي كما ذكره ابن كثير في تفسير قوله تعالى: " فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلوات واتبعوا الشهوات " مريم الآية 59 وذكر ابن القيم في كتاب الصلاة أنه أحد الوجهين في مذهب الشافعي وأن الطحاوي نقله عن الشافعي نفسه.
وعلى هذا قول جمهور الصحابة بل حكى غير واحد إجماعهم عليه، قال عبد الله بن شقيق كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة. رواه الترمذي والحاكم وصححه على شرطهما. وقال اسحاق بن راهويه الإمام المعروف صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن تارك الصلاة كافر وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا أن تارك الصلاة عمدا من غير عذر حتى يخرج وقتها كافر، وذكر ابن حزم أنه جاء عن عمر وعبد الرحمن بن عوف ومعاذ بن جبل وأبي هريرة وغيرهم من الصحابة وقال لا نعلم لهؤلاء مخالفا من الصحابة. نقله عنه المنذري في الترغيب والترهيب وزاد من الصحابة: عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وجابر بن عبد الله وأبي الدرداء رضي الله عنهم. قال: ومن غير الصحابة أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وعبد الله بن المبارك والنخعي والحكم بن عتيبة وأيوب السختياني وأبو داود الطيالسي وأبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وغيرهم أهـ. والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
المرجع: رسالة في حكم تارك الصلاة للشيخ محمد بن صالح العثيمين(5/1142)
لم يُصَلِّ العصر ودخل المسجد والإمام يصلي المغرب
[السُّؤَالُ]
ـ[دخلت المسجد وكانت صلاة المغرب قائمة وأنا لم أصل العصر بعد، فهل أصلي العصر بعد صلاة المغرب، أم أصلي المغرب أولاً، أم أصلي العصر ثم أصلي المغرب، أم أدخل مع الإمام وهو يصلي المغرب فأكمل رابعة وتكفيني عن العصر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"من كان عليه العصر وحضر وقت صلاة المغرب فإنه يصلي معهم المغرب، ويكملها برابعة بنية العصر، ثم يصلي المغرب بعد ذلك وهو معذور على الصحيح، وإنما زاد رابعة لأن العصر أربع، فإذا سلم الإمام قام وكمل كالمسبوق وتجزئه، وليس له أن يقدم المغرب عليها، لأن الترتيب واجب فيصلي العصر ثم المغرب ثم العشاء، هذا هو اللازم، كما فرضها الله سبحانه وتعالى.
ولما فاتت النبي صلى الله عليه وسلم الصلوات يوم الأحزاب حتى غابت الشمس بدأ بالعصر فصلاه ثم صلى المغرب، وفي رواية أنه فاتته الظهر والعصر والمغرب، فصلى الظهر، ثم العصر، ثم صلى المغرب، عليه الصلاة والسلام بعد ما غابت الشمس.
والمقصود أنه يرتب، فيصلي معهم المغرب بنية العصر، فإذا سلم الإمام قام وصلى الرابعة وأجزأته، ثم يصلي المغرب في وقتها، أما إن أمكنه أن يصلي العصر قبل ذلك يعني جاء قبل أن تقام الصلاة، فإنه يبدأ بالعصر فيصليها ثم يصلي معهم المغرب" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (2/721) .
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
موقع الإسلام سؤال وجواب(5/1143)
صلى صلوات بغير طهارة صحيحة فكيف يقضيها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت مصاباً بمرض احتقان البروستاتا، وكان يسبب لي نزول قطرات من البول بعد التبول حتى بعد التطهر، فكنت أتوضأ وبعد الوضوء لا يزال البول يخرج وينجس ملابسي وأذهب أصلي مع الجماعة، الآن أنا شفيت من هذا المرض لكن قرأت في الفتاوى أن لا يصلي حتى يتأكد من طهارة الثوب وإن فاتته الجماعة، وأيضا: الوضوء لكل صلاة لمن لديه السلس ... وأنا الآن أصلي مع كل فرض صلاة إعادة حتى أتم إن شاء الله ما كنت أصليه على نجاسة، فهل عملي صحيح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نزول قطرات البول يكون على حالتين:
الأولى: أن يكون ذلك مستمرا، بحيث لا ينقطع وقتا يتسع للوضوء والصلاة، فهذا يسمى سلس البول، ويلزم صاحبه أن يتطهر ويتحفظ بشيء يمنع انتشار البول، ويتوضأ بعد دخول وقت الصلاة، ثم يصلي مع الجماعة كسائر الناس، إلا إذا خاف تلويث المسجد، فإنه لا يحل له دخوله، ويصلي في بيته جماعةً إن تيسر له، أو منفرداً.
الثانية: أن يكون الخارج ينقطع عنه زمنا يتسع لوضوئه وصلاته، كمن علم أنه بعد قضاء حاجته بنحو ساعة – مثلاً - يتوقف عنه خروج البول، فهذا يلزمه أن يؤخر الصلاة إلى وقت انقطاع البول، ولو أدى ذلك إلى تركه الصلاة مع الجماعة. وينبغي حينئذ أن يصلي مع أهله إن تيسر له ذلك ليدرك فضل الجماعة.
ثانيا:
إذا كنت قد صليت صلوات بغير الطهارة المعتبرة، على النحو المذكور في الحالتين السابقتين، وكان ذلك جهلا منك بالواجب حينئذ، فيرى بعض أهل العلم أنه لا يلزمك القضاء.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وعلى هذا لو ترك الطهارة الواجبة لعدم بلوغ النص، مثل: أن يأكل لحم الإبل ولا يتوضأ ثم يبلغه النص ويتبين له وجوب الوضوء، أو يصلي في أعطان الإبل ثم يبلغه ويتبين له النص: فهل عليه إعادة ما مضى؟ فيه قولان هما روايتان عن أحمد.
ونظيره: أن يمس ذَكَره ويصلى، ثم يتبين له وجوب الوضوء من مس الذكر.
والصحيح في جميع هذه المسائل: عدم وجوب الإعادة؛ لأن الله عفا عن الخطأ والنسيان، ولأنه قال: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) ، فمن لم يبلغه أمر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شيءٍ معيَّنٍ: لم يثبت حكم وجوبه عليه، ولهذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر وعمَّاراً لما أجْنبا فلم يُصَلِّ عمر وصلَّى عمار بالتمرغ أن يعيد واحد منهما، وكذلك لم يأمر أبا ذر بالإعادة لما كان يجنب ويمكث أياماً لا يصلي، وكذلك لم يأمر مَن أكل من الصحابة حتى يتبين له الحبل الأبيض من الحبل الأسود بالقضاء، كما لم يأمر مَن صلى إلى بيت المقدس قبل بلوغ النسخ لهم بالقضاء.
ومن هذا الباب: المستحاضة إذا مكثت مدة لا تصلي لاعتقادها عدم وجوب الصلاة عليها، ففي وجوب القضاء عليها قولان، أحدهما: لا إعادة عليها - كما نقل عن مالك وغيره –؛ لأن المستحاضة التي قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: (إني حضت حيضةً شديدةً كبيرةً منكرةً منعتني الصلاة والصيام) أمرها بما يجب في المستقبل، ولم يأمرها بقضاء صلاة الماضي " انتهى من "مجموع الفتاوى" (21/101) .
وبناء على هذا القول فلا يلزمك القضاء، وعليك أن تكثر من صلاة النافلة فإنها تكمل النقص الحاصل في الفريضة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1144)
لم يكن يغتسل من الجنابة جهلا فهل يقضي الصلوات
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما كنت في الصف الأول متوسط حدثني أحد أقاربي عن المذي وقال لي إنه هو الذي يخرج عند الشهوة وعندما وصلت إلي الصف الثالث متوسط أخذت درسا عن المذي وكيفية التطهر منه وبعدها كلما أكون جنبا أغسل ذكري وأتوضأ للصلاة جهلا مني أنه المني ولما علمت حكمه تقريبا بعد ثلاث سنوات حزنت على الصلوات التي كنت أصليها فهل يجب علي الإعادة بسبب أني فهمت خطأ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الفرق بين المذي والمني معروف، وينظر بيانه في جواب السؤال رقم (2458) والواجب على المسلم أن يتعلم ما يلزم لصحة عقيدته وعبادته ومعاملته.
ومن صلى صلوات كثيرة بغير طهارة صحيحة، جهلا منه بوجوب الطهارة، لم تلزمه الإعادة على الراجح.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وعلى هذا لو ترك الطهارة الواجبة لعدم بلوغ النص، مثل: أن يأكل لحم الإبل ولا يتوضأ ثم يبلغه النص ويتبين له وجوب الوضوء، أو يصلي في أعطان الإبل ثم يبلغه ويتبين له النص: فهل عليه إعادة ما مضى؟ فيه قولان هما روايتان عن أحمد.
ونظيره: أن يمس ذَكَره ويصلى، ثم يتبين له وجوب الوضوء من مس الذكر.
والصحيح في جميع هذه المسائل: عدم وجوب الإعادة؛ لأن الله عفا عن الخطأ والنسيان؛ ولأنه قال: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) ، فمن لم يبلغه أمر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شيءٍ معيَّنٍ: لم يثبت حكم وجوبه عليه، ولهذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر وعمَّاراً لما أجْنبا فلم يصلِّ عمر وصلَّى عمار بالتمرغ أن يعيد واحد منهما، وكذلك لم يأمر أبا ذر بالإعادة لما كان يجنب ويمكث أياماً لا يصلي، وكذلك لم يأمر مَن أكل من الصحابة حتى يتبين له الحبل الأبيض من الحبل الأسود بالقضاء، كما لم يأمر مَن صلى إلى بيت المقدس قبل بلوغ النسخ لهم بالقضاء.
ومن هذا الباب: المستحاضة إذا مكثت مدة لا تصلي لاعتقادها عدم وجوب الصلاة عليها، ففي وجوب القضاء عليها قولان، أحدهما: لا إعادة عليها – كما نقل عن مالك وغيره -؛ لأن المستحاضة التي قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: (إني حضت حيضةً شديدةً كبيرةً منكرةً منعتني الصلاة والصيام) أمرها بما يجب في المستقبل، ولم يأمرها بقضاء صلاة الماضي " انتهى من "مجموع الفتاوى" (21 / 101) .
وينظر جواب السؤال رقم (45648) .
وينبغي أن تكثر من النوافل، فإن النوافل تكمل الناقص الحاصل في الفريضة، وأقبل على تعلم العلم النافع، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ) رواه البخاري (71) ومسلم (1037) .
وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1145)
قضاء سنة الظهر القبلية
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا جاء الشخص إلى المسجد لصلاة الظهر، ولم يستطع صلاة سنة الظهر القبلية أربع ركعات، فهل يمكنه صلاتها بعد تأدية الفرض، ثم يصلي سنة الظهر البعدية ركعتين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يستحب قضاء السنن الراتبة إذا فاتت على الصحيح من أقوال أهل العلم، وهو مذهب الشافعية والمشهور عند الحنابلة، خلافا للحنفية والمالكية، لحديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي ركعتين بعد العصر، فسئل عنها فقال: (يَا بِنْتَ أَبِى أُمَيَّةَ، سَأَلْتِ عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَإِنَّهُ أَتَانِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ فَشَغَلُونِي عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ، فَهُمَا هَاتَانِ) رواه البخاري (1233) ومسلم (834)
يقول الإمام النووي رحمه الله:
" الصحيح عندنا استحباب قضاء النوافل الراتبة، وبه قال محمد، والمزني، وأحمد في رواية عنه، وقال أبو حنيفة ومالك وأبو يوسف في أشهر الرواية عنهما لا يقضي، دليلنا هذه الأحاديث الصحيحة " انتهى.
"المجموع" (4/43)
ويقول المرداوي الحنبلي رحمه الله:
" قوله: (ومن فاته شيء من هذه السنن سن له قضاؤها) : هذا المذهب والمشهور عند الأصحاب.
ونصره المجد في شرحه، واختاره الشيخ تقي الدين – يعني ابن تيمية – " انتهى باختصار.
"الإنصاف" (2/187)
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" قضاء السنة الراتبة سنة إذا فاتت، والدليل على هذا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما نام عن صلاة الفجر ولم يستيقظ إلا بعد طلوع الشمس صلى سنة الفجر أولاً، ثم صلى بعدها الفجر " انتهى.
"لقاءات الباب المفتوح" (لقاء رقم/74، سؤال رقم/18) ، وانظر: "الموسوعة الفقهية" (25/284)
ثانيا:
إذا أراد أن يقضي سنة الظهر القبلية بعد أن أدى فريضة الظهر، هل يصلي السنة القبلية أولا ثم السنة البعدية، أم العكس؟
الأظهر أن الأمر واسع، سواء صلى القبلية أم البعدية، إذ المهم هو الإتيان بها، تقدمت أو تأخرت.
قال الشيخ ابن عثيمين:
" قال أهل العلم: إذا فاتتك الركعتان قبل الظهر فصلهما بعد الصلاة، لأن فعلهما قبل الصلاة تعذر، وهذا يقع دائما بأن يأتي الإنسان إلى المسجد فيجدهم قد أقاموا الصلاة، ففي هذه الحال يقضيها بعد صلاة الظهر.
لكن يصلي الراتبة التي بعد الظهر قبل الراتبة التي قبلها.
إنسان جاء والناس يصلون فلم يتمكن من سنة الظهر إذا صلى الظهر يصلي ركعتين بنية الراتبة البعدية ثم بعد ذلك يقضي الراتبة القبلية، هكذا روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث رواه ابن ماجه".
فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (2/225)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1146)
كيفية ترتيب الصلوات المقضية
[السُّؤَالُ]
ـ[كيفية ترتيب الصلوات المقضية]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب الترتيب في قضاء الفوائت، في مذهب جمهور أهل العلم.
قال ابن قدامة رحمه الله (المغني 1/352) : (وجملة ذلك أن الترتيب واجب في قضاء الفوائت.
نص عليه أحمد في مواضع ... ونحوه عن النخعي , والزهري , وربيعة , ويحيى الأنصاري , ومالك , والليث , وأبي حنيفة , وإسحاق.
وقال الشافعي: لا يجب ; لأن قضاء الفريضة فائتة , فلا يجب الترتيب فيه , كالصيام ... إذا ثبت هذا , فإنه يجب الترتيب فيها وإن كثرت , وقد نص عليه أحمد.
وقال مالك , وأبو حنيفة: لا يجب الترتيب في أكثر من صلاة يوم وليلة ; ولأن اعتباره فيما زاد على ذلك يشق , ويفضي إلى الدخول في التكرار , فسقط , كالترتيب في قضاء صيام رمضان) اهـ.
فتحصل من ذلك أن الترتيب واجب عند الجمهور من الحنفية والمالكية والحنابلة، إلا أن الحنفية والمالكية لا يوجبونه إذا زادت الفوائت على صلوات يوم وليلة.
وصفة الترتيب أن يأتي بما فاته على نسق الصلاة المعروف، فمن فاتته الظهر والعصر مثلا، صلى الظهر أولا، ثم صلى العصر.
لكن يسقط الترتيب بالنسيان وبالجهل وبخشية خروج وقت اختيار الصلاة الحاضرة، وبخشية بخوف فوت صلاة الجماعة، على الراجح.
فمن كان عليه صلاتان، ظهر وعصر مثلا، فبدأ بقضاء العصر قبل الظهر ناسيا، أو جاهلا وجوب الترتيب، صحت صلاته.
وإن خشي لو بدأ بالقضاء أن يخرج الوقت الاختياري لصلاة العصر، صلى العصر أولا، ثم صلى ما عليه.
وكذلك لو دخل المسجد، فهل يصلي مع الجماعة الصلاة الحاضرة، أم يقضي ما عليه أولا؟
ذهب أحمد في رواية اختارها شيخ الإسلام إلى أن الترتيب يسقط بخوف فوت الجماعة.
لكن للإنسان في هذه الحالة أن يدخل مع الجماعة بنية الصلاة الفائتة، كمن عليه الظهر، وجاء المسجد وهم يصلون العصر، فله أن يصلي مع الجماعة بنية الظهر، ولا يضر اختلاف نيته عن نية إمامه، ثم يصلي العصر بعد ذلك.
انظر الشرح الممتع 2/138- 144
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1147)
كيف يقضي ما فاته من الصلاة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يقضي الإنسان ما فاته من صلاة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
جعل الله تعالى للعبادات وقتاً تختص به لحكمة أرادها قد نعلم بعضها، ويخفى علينا بعضها، وبكل حال فنحن مأمورون بها ولا يجوز تعديها إلا لعذر يسمح به الشرع.
والذي فاتته الصلاة لا يخلو من حالين:
الأولى: أن تكون فاتته لعذر، كالنوم والنسيان، فهذا لا إثم عليه، ويجب عليه قضاؤها متى استيقظ أو تذكر.
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك) رواه البخاري (572) ومسلم (684) وفيه زيادة: (أو نام عنها) .
ولمسلم (684) : (إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها، فإن الله عز وجل يقول: (أقم الصلاة لذكري) طه/14) .
الحال الثانية:
أن تفوته الصلاة بلا عذر، بل يتركها حتى يخرج وقتها كسلاً وتهاوناً، فهذا آثم باتفاق المسلمين، مرتكب كبيرة من الكبائر.
ولا يصح منه قضاؤها في أصح قولي العلماء، وإنما عليه التوبة والندم والعزم على عدم فعل ذلك مرة أخرى، وليكثر من الأعمال الصالحة وصلاة التطوع.
قال ابن حزم:
"وأما من تعمد ترك الصلاة حتى خرج وقتها فهذا لا يقدر على قضائها أبداً، فليكثر من فعل الخير وصلاة التطوع، ليثقل ميزانه يوم القيامة، وليتب وليستغفر الله عز وجل" انتهى.
" المحلى " (2 / 235) .
وهو قول عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وسعد بن أبي وقاص وسلمان وابن مسعود والقاسم بن محمد بن أبي بكر وبديل العقيلي ومحمد بن سيرين ومطرف بن عبد الله وعمر بن عبد العزيز، وقال به داود الظاهري وابن حزم، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية والشوكاني، ورجحه من المعاصرين: الألباني وابن باز وابن عثيمين وغيرهم.
واستدلوا بما يأتي:
1 - قوله تعالى: (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً) لنساء/103.
فقالوا: الصلاة وقتت بوقت لا يجوز الخروج عنه إلا بدليل.
2 – قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك) .
فقوله: (فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك) ، أي: إذا تباطأ عن أدائها بعد ذكرها فإنها ليس لها كفارة، فكيف بمن تركها عمداً دون نسيان ولا نوم، فهذا من باب أولى ليس له كفارة، ولا ينفعه قضاؤها.
3- لأن الله تعالى جعل لكل صلاة فرض وقتاً محدود الطرفين، فكما أنه لا تصح قبل الوقت، فكذلك لا تصح بعده.
" المحلى " (2 / 235) .
4- قال ابن حزم:
"وأيضاً: فإن القضاء إيجاب شرع، والشرع لا يجوز لغير الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، فنسأل من أوجب على العامد قضاء ما تعمد تركه من الصلاة أخبرنا عن هذه الصلاة التي تأمره بفعلها أهي التي أمره الله تعالى بها أم هي غيرها، فإن قالوا: هي هي، قلنا لهم: فالعامد لتركها ليس عاصيا؛ لأنه قد فعل ما أمره الله تعالى ولا إثم على قولكم ولا ملامة على من تعمد ترك الصلاة حتى يخرج وقتها وهذا لا يقوله مسلم، وإن قالوا: ليست هي التي أمره الله تعالى بها، قلنا: صدقتم، وفي هذا كفاية، إذ أقروا بأنهم أمروه بما لم يأمره به الله تعالى" انتهى.
" المحلى " (2 / 236) .
واستدل من أوجب عليه القضاء بالقياس على الناسي والنائم، فقالوا، إذا كان الناسي يجب عليه القضاء فالعامد من باب أولى.
وأجيب بأن هذا قياس مع الفارق، فإن العامد آثم، وليس كذلك الناسي، فكيف يقاس العاصي على غير العاصي؟
قال الشوكاني رحمه الله:
"وقال ابن تيمية: والمنازعون لهم- يعني: القائلين بالقضاء - ليس لهم حجة قط يرد إليها عند التنازع، وأكثرهم يقولون: لا يجب القضاء إلا بأمر جديد وليس معهم هنا أمر، ونحن لا ننازع في وجوب القضاء فقط، بل ننازع في قبول القضاء منه وصحة الصلاة في غير وقتها، وأطال البحث في ذلك، واختار ما ذكره داود ومن معه، والأمر كما ذكره أني لم أقف مع البحث الشديد للموجبين القضاء على العامد على دليل ينفق (أي: يقبل) في سوق المناظرة، ويصلح للتعويل عليه في هذا الأصل العظيم" انتهى.
" نيل الأوطار " (2 / 26) .
فالراجح ـ والله أعلم ـ أن العامد لا يقضي الصلاة، وإنما يجب عليه الاستغفار والتوبة.
وقد أطال ابن القيم رحمه الله البحث في هذه المسألة ومناقشة أدلة الفريقين في كتابه القيم "الصلاة" (ص 67- 109) فليراجع.
فائدة:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
"والذين أمروه بالقضاء من العلماء لا يقولون إنه بمجرد القضاء يسقط عنه الإثم، بل يقولون بالقضاء يخف عنه الإثم، وأما إثم التفويت وتأخير الصلاة عن وقتها فهو كسائر الذنوب التي تحتاج إما إلى توبة وإما إلى حسنات ماحية، وإما غير ذلك مما يسقط به العقاب" انتهى.
" منهاج السنة " (5 / 233) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1148)
فقد الوعي بسبب حادث سيارة فهل يقضي ما فاته من رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد رجل صار عليه حادث اصطدام سيارة ووقع في درك الموت وأخذ مدة طويلة منها شهر رمضان المبارك وهو في غيبوبة الخطر لا يعرف شيئاً وبعد مدة منحه الخالق الكريم العظيم الشفاء، واكتملت صحته فماذا عليه من قضاء الصوم والصلاة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الواقع كما ذكرت من أن الرجل غاب عقله مدة طويلة لا يعي شيئا فيها من تأثر الصدمة - ومن هذه المدة شهر رمضان - فليس عليه قضاء ما مضى من الصوم والصلاة أيام غيبوبة عقله في أصح قولي العلماء لكونه غير مكلف بهما تلك المدة.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (6/18)(5/1149)
فقد الوعي ثلاثة أيام فهل يقضي
[السُّؤَالُ]
ـ[وضعوا له منوما في المستشفى لئلا يشعر بالألم، فبقي فاقد الوعي ثلاثة أيام، إذا أفاق هل يقضي الصلاة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سألت هذا السؤال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله فأجاب:
إذا كان ثلاثة أيام فأقل يقضي قياسا على النائم، وأكثر لا يقضي قياسا على المجنون. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد العزيز بن باز يرحمه الله(5/1150)
صلاة المغمى عليه والمريض الذي ترك الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[والدي صدمته في رجله سيارة ودخل المستشفى، ومكث سبعة عشر يوماً وهو ما صلى فلما أفاق يسأل ويريد أن يقضيها أفيدونا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان عقله معه في مدة الترك فإنه يقضيها على حسب استطاعته قائماً أو جالساً أو على جنب أو مستلقياً يرتبها بالنية والعمل فيصلي صلوات اليوم الأول منها على حسب ترتيبها يبدأ من أول فرض تركه فالذي بعده وهكذا ثم اليوم الثاني ثم الثالث حتى تنتهي، أما إذا كان قد اختل عقله حينذاك فلا قضاء عليه.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (6/17)(5/1151)
قضاء الصلاة في أوقات النهي
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الناس قال لي: إنه لا يمكن أن نصلي القضاء بعد صلاة العصر مباشرة، أرجو أن تساعدني بأن تذكر لي جواباً مفصلاً بخصوص هذه المقولة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: هناك بعض الأوقات نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فيها، وهي:
1- من بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس وترتفع بمقدار رمح. أي: 15 دقيقة تقريباً. الشرح الممتع (4/162) .
2- وقت استواء الشمس في وسط السماء، وهو وقت قصير قبل دخول وقت صلاة الظهر، يقارب ربع ساعة أو ثلث ساعة. فتاوى الشيخ ابن باز (11/286) . وذهب بعض العلماء إلى أنه أقصر من هذا، قال ابن قاسم رحمه الله: إنه وقت لطيف لا يتسع لصلاةٍ، ولكن يمكن إيقاع تكبيرة الإحرام فيه اهـ حاشية ابن قاسم على الروض المربع (2/245) .
3- بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس.
فهذه الأوقات وردت أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم تنهى عن الصلاة فيها، من هذه الأحاديث:
1- روى البخاري (586) ، ومسلم (728) عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا صَلَاةَ بَعْدَ صَلاةِ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، وَلا صَلاةَ بَعْدَ صَلاةِ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ) .
2- وروى مسلم (832) عَنْ عَمْرو بْنِ عَبَسَةَ السُّلَمِيُّ رضي الله عنه قال: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي عَمَّا عَلَّمَكَ اللَّهُ وَأَجْهَلُهُ، أَخْبِرْنِي عَنْ الصَّلاةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (صَلِّ صَلاةَ الصُّبْحِ ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَتَّى تَرْتَفِعَ. . . ثُمَّ صَلِّ فَإِنَّ الصَّلاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى يَسْتَقِلَّ الظِّلُّ بِالرُّمْحِ – وهو وقت كون الشمس في وسط السماء- ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلاةِ فَإِنَّها حِينَئِذٍ تُسْجَرُ جَهَنَّمُ فَإِذَا أَقْبَلَ الْفَيْءُ – وهو أول وقت صلاة الظهر - فَصَلِّ فَإِنَّ الصَّلاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى تُصَلِّيَ الْعَصْرَ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلاةِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ. . .) .
ثانياً: المراد بقضاء الصلاة هو فعل الصلاة بعد خروج وقتها. والصلاة المقضية إما أن تكون فريضة وإما أن تكون نافلة.
أما الفريضة: فالواجب على المسلم أن يحافظ على الصلاة في وقتها الذي حدده الله تعالى لها. قال الله تعالى: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) النساء /103. أي: لها وقت محدد.
وتأخير الصلاة حتى يخرج وقتها بدون عذر حرام، وهو من كبائر الذنوب.
فإن حصل للمسلم عذر كالنوم والنسيان ولم يتمكن من فعل الصلاة في وقتها، فإنه يجب عليه إذا زال العذر أن يقضي الصلاة، ولو كان ذلك في وقت من أوقات النهي. وهو قول جمهور العلماء. انظر: المغني (2/515) .
ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَامَ عَنْ صَلاةً أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا) رواه البخاري (597) ومسلم (684) .
وأما النافلة: فاختلف العلماء في قضائها وقت النهي، والصحيح أنها تُقضى، وهو مذهب الشافعي رحمه الله، وانظر المجموع (4/170) . واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في الفتاوى (23/127) . ودل على ذلك عدة أحاديث:
منها: ما رواه البخاري (1233) ومسلم (834) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ فَسَأَلَتْهُ عَنْهُمَا فَقَالَ: (إِنَّهُ أَتَانِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ فَشَغَلُونِي عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ فَهُمَا هَاتَانِ) .
ومنها: ما رواه ابن ماجه (1154) عَنْ قَيْسِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يُصَلِّي بَعْدَ صَلاةِ الصُّبْحِ رَكْعَتَيْنِ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَصَلاةَ الصُّبْحِ مَرَّتَيْنِ؟ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: إِنِّي لَمْ أَكُنْ صَلَّيْتُ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا، فَصَلَّيْتُهُمَا. قَالَ: فَسَكَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. صححه الألباني في صحيح ابن ماجه (948) . قال ابن قدامة رحمه الله: وسكوت النبي صلى الله عليه وسلم يدل على الجواز اهـ المغني (2/532) .
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1152)
هل يصلي الصلاة الحاضرة أو الفائتة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا فاتت الصلاة لعذر مثل النوم فهل نصلي الصلاة الفائتة أو لا أم الصلاة الحالية إذا كانت الحالية قد مضى عليها مدة أي بعد صلاة الجماعة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ينبغي على المسلم المحافظة على أداء الصلاة في وقتها، وقد امتدح الله عز وجل المؤمنين فقال: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) المعارج/34
فإذا حصل للإنسان عذر وفاتته صلاة فإن عليه أن يقضيها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَسِيَ صَلاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إِذَا ذَكَرَهَا) رواه مسلم (المساجد ومواضع الصلاة / 1103)
فإذا فاتتك صلاة فإنك " تصلِّيها أولاً ثم تُصلي الصلاة الحاضرة ولا يجوز التأخير. وقد شاع عند الناس أن الإنسان إذا فاته فرض فإنه يقضيه مع الفرض الموافق له من اليوم الثاني، فمثلاً لو أنه لم يصل الفجر يوماً فإنه لا يصليه إلا مع الفجر في اليوم الثاني، وهذا غلط وهو مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم القولي والفعلي:
أما القولي:
فقد ثبت عنه أنه قال: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) ولم يَقل فليصلها من اليوم الثاني إذا جاء وقتها، بل قال: (فليصلها إذا ذكرها) وأما الفعلي: فحين فاتته الصلوات في يوم من أيام الخندق صلاها قبل الصلاة الحاضرة فدل هذا على أن الإنسان يصلي الفائتة ثم يصلي الحاضرة، لكن لو نسي فقدَّم الحاضرة على الفائتة أو كان جاهلاً لا يعلم فإنَّ صلاته صحيحة لأن هذا عذر له ".
انظر فتاوى الشيخ ابن عثيمين ج/12 ص/222
وحديث الصلاة يوم الخندق فقد روى النسائي عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ شَغَلَنَا الْمُشْرِكُونَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ عَنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ..َ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلالًا فَأَقَامَ لِصَلاةِ الظُّهْرِ فَصَلاهَا ثُمَّ أَقَامَ لِلْعَصْرِ فَصَلاهَا ثُمَّ أَذَّنَ لِلْمَغْرِبِ فَصَلاهَا كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا..) (الأذان/655) وصححه الألباني في صحيح النسائي برقم (638)
ويدل فعله صلى الله عليه وسلم على وجوب ترتيب الصلوات الفائتة. فأما إذا لم يتبقَّ من وقت الصلاة الحالية إلا ما يكفي لأدائها فقط فيبدأ بالصلاة الحالية ثم التي قبلها.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1153)
كفارة ترك الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الكفارة؟ وما هو الثمن الذي يجب دفعه للركعة أو لأوقات الصلاة ككفارة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من ترك صلاة أو أكثر من الصلوات المفروضة دون عذر فعليه أن يتوب إلى الله توبة صادقة ولا قضاء عليه ولا كفارة لأن ترك الصلاة المفروضة عمدا كفر أكبر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) أخرجه أحمد (22428) ، والترمذي (2621) ، والنسائي (462)
وقوله: (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) رواه مسلم (242) ، ولا كفارة في ذلك سوى التوبة النصوح. (انظر فتاوى اللجنة الدائمة 6/50)
كما أن الصلاة عبادة مؤقتة بوقت محدد ومن ترك عبادة مؤقتة حتى خرج وقتها دون عذر كالصلاة والصيام ثم تاب فإنه لا يقضي ما ترك لأن العبادة المؤقتة محدودة من قبل الشارع بحد أول الوقت وآخره. (فتاوى الشيخ ابن عثيمين 1/322)
أما إن كان ترك الصلاة لعذر كالنوم والنسيان فكفارته أن يصليها متى ذكرها ولا كفارة لها سوى ذلك، كما قال عليه الصلاة والسلام: (من نسي صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك) البخاري (572) ومسلم (1564) .
والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1154)
قضاء المسلم الجديد للفروض الإسلامية
[السُّؤَالُ]
ـ[دخل رجل الإسلام وعمره أربعون سنة هل يقضي ما فاته من الصلاة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يقضي من أسلم ما فاته من الصلاة والصيام والزكاة أيام كفره، لقوله تعالى: (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) سورة الأنفال/38. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الإسلام يجب ما قبله) رواه مسلم في صحيحه/121، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر أحداً ممن أسلم بقضاء ما فاته من شعائر الإسلام أيام كفره ولإجماع أهل العلم بذلك.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 6/400.(5/1155)
حكم قضاء الصلاة الفائتة
[السُّؤَالُ]
ـ[أسلمت حديثا، وعندي مجموعة أسئلة أرغب في الحصول على أجوبتها، وأظن أنك ستجد في بعضها شيئاً من الغباء الشديد.
ماذا أقول عندما أصلي؟
والداي على البوذية، ووالدي هو الوحيد في العائلة الذي يعلم بأمر إسلامي، وأفراد العائلة أحيانا يدعونني لتناول الطعام معهم، لكني لا آكل لحم الخنزير، أو أي طعام يحتوي على أمور محرمة أعرفها، لكني أسأل عن الدجاج وأنواع اللحوم الأخرى كالسمك مثلا، والتي لم يذبحها مسلم، أهي محرمة؟ وهل أكون قد وقعت في معصية (لأكلي من تلك الأطعمة) ؟
كيف أتوب إلى الله سبحانه وتعالى من المعاصي التي وقعت فيها؟ وكيف أحصل على غفرانه عن المعاصي اليومية التي وقعت فيها؟
إذا فاتتني صلاة الصبح، أو الظهر، أو أي فرض من الفروض الخمسة، فهل أكون قد وقعت في معصية، وكيف يُغفر لي؟
كيف أتعلم القراءة والذكر أثناء الصلاة، وأتعلم أيضا قراءة القرآن بالعربية؟ على الأقل الكلمات الأساسية التي يجب أن تقال خلال الصلاة. جميع الأطعمة البحرية، أحلال هي أم حرام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نشكر لك ثقتك بموقعنا، ونسأل الله أن نكون عند حسن الظن، وأن يمنَّ عليك بالتوفيق والرشاد، كما نشكر لك مبادرتك في تعلم ما جهلته، وهذا هو الواجب على كل مسلم، والمرء لا يولد عالماً، وكما قال صلى الله عليه وسلم: (إنما العلم بالتعلم) حسنه ابن حجر في فتح الباري، ولا تظن بأن السؤال عما تجهله يُعتبر غباءً، بل هو أمر مطلوب يُحمد عليه الإنسان.
ثانياً:
بالنسبة للأسئلة المتعلقة بالصلاة فتجد في السؤال رقم (13340) إجابة مفصلة عن صفة الصلاة وما يقال فيها من أذكار.
ثالثاً:
وأما ما يتعلق بالقراءة في الصلاة باللغة العربية أو غيرها فتجد في السؤال رقم (3471) إجابة وافية بإذن الله عن هذا الأمر. ونوصيك بالحرص الشديد على تعلم اللغة العربية على الأقل فيما يتعلق بسورة الفاتحة وأركان وواجبات الصلاة وذلك متيسر، إما بالأخذ عن مسلم يحفظها ويحسن قراءتها، أو دخول مواقع في الشبكة تحتوي على تسجيل صوتي للقرآن الكريم، والاستماع إليها، وحفظها من هناك.
رابعاً:
بالنسبة لتفويت الصلاة فإنه لا يخلو من حالين:
الأولى: أن تفوت الصلاة من غير قصد منك بل لعذر شرعي كنسيان أو نوم مع حرصك الشديد في الأصل على أدائها في وقتها، ففي هذه الحال تكون معذورا ويجب عليك قضاؤها بمجرد ذكرك لها والدليل على ذلك ما ورد في صحيح مسلم (681) في قصة نوم الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن صلاة الفجر فَجَعَلَ الصحابة بَعْضُهم يَهْمِسُ إِلَى بَعْض:"ٍ مَا كَفَّارَةُ مَا صَنَعْنَا بِتَفْرِيطِنَا فِي صَلاتِنَا " فقَالَ رسول الله: " أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ إِنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلاةَ حَتَّى يَجِيءَ وَقْتُ الصَّلاةِ الأُخْرَى فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلْيُصَلِّهَا حِينَ يَنْتَبِهُ لَهَا ".
وليس معنى ذلك أن الإنسان ينام متعمداً عن الصلاة حتى تفوته ثم يعتذر بالنوم أو يفرط في السبل التي تعينه على القيام لها ثم يعتذر بذلك، بل عليه أن يبذل كل ما يستطيعه من أسباب كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الحادثة فإنه أوكل شخصا بالبقاء مستيقظا ليوقظهم للصلاة لكنه غلبه النعاس فلم يوقظهم، فهذه الحال هي التي يُعذر فيها الإنسان.
الثانية: أن تفوته الصلاة عامداً متعمدا فهذه معصية عظيمة وجُرم خطير حتى أن بعض العلماء يفتي بكفر فاعل ذلك، (كما في مجموع فتاوى ومقالات سماحة الشيخ ابن باز (10/ 374) . فهذا يجب عليه التوبة الصادقة النصوح، بإجماع أهل العلم، وأما قضاؤها فقد اختلف أهل العلم هل تقبل منه لو قضاها بعد ذلك أو لا تقبل؟ فأكثر العلماء على أنه يقضيها وتصح منه مع الإثم {يعني إذا لم يتب – والله أعلم -} كما نقله عنهم الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع (2 / 89) والذي رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – أنها لا تصحّ، بل ولا يشرع له قضاؤها. قال رحمه الله في الاختيارات (34) : " وتارك الصلاة عمدا لا يشرع له قضاؤها، ولا تصح منه، بل يكثر من التطوع، وهو قول طائفة من السلف." وممن رجح هذا القول من المعاصرين الشيخ ابن عثمين رحمه الله في الموضع السابق واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) متفق عليه.
فيجب عليك أن تحذر من هذا الأمر أشد الحذر وأن تحرص على أداء الصلاة في أوقاتها كما قال تعالى: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) النساء / 103.
أما بالنسبة للتوبة فتجد إجابة مفصلة في السؤال رقم (14289) من هذا الموقع.
وأما ما يتعلق بالذبائح التي يذبحها غير المسلمين فتجد إجابة ذلك في السؤال رقم (10339) .
وما سألت عنه من أطعمة بحرية فهي حلال في الأصل كلها لقوله تعالى: (أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعاً لكم) المائدة / 96.
نسأل الله أن يوفقك لتعلم العربية والتفقه في الدين، والتزوّد من الصالحات، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1156)
لم تكن تعلم أن المذي ينقض الوضوء فهل تعيد الصلوات؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تأثم المرأة في تفكيرها الجنسي قبل الزواج؟ وهل تأثم بإنزال المذي؟ لأنها تتأثر من أدنى شيء أرجو سرعة الرد فأنا قلقة، لم أكن أعلم أن هناك شيئاً اسمه مذي، ولم أكن أجدد وضوئي عند الإنزال.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا تأثم المرأة بمجرد التفكير الجنسي، ما لم يصحبه عمل أو نظر، أو يتحول إلى عزم وإرادة جازمة، وذلك لما جاء من العفو عن حديث النفس، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لأُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنفُسَهَا مَا لَمْ يَتَكَلَّمُوا أَوْ يَعمَلُوا بِهِ) رواه البخاري (2528) ومسلم (127) .
قال النووي رحمه الله في شرح هذا الحديث: " وحديث النفس إذا لم يستقر ويستمر عليه صاحبه: فمعفو عنه باتفاق العلماء؛ لأنه لا اختيار له في وقوعه، ولا طريق له إلى الانفكاك عنه " انتهى من "الأذكار" (ص 345) .
وقال: " وسبب العفو ما ذكرناه من تعذر اجتنابه، وإنما الممكن اجتناب الاستمرار عليه، فلهذا كان الاستمرار وعقد القلب حراما ".
ولاشك أن الاسترسال في هذه الخواطر والأفكار، قد يفضي إلى الحرام، طلبا لتفريغ الشهوة، قيقع الإنسان في الاستمناء، أو تتبع الصور المحرمة، أو غير ذلك.
ولهذا ينبغي أن تدعي التفكير في هذه الأمور، وأن تصرفي ذهنك عنها، وأن تشغلي نفسك بطاعة الله تعالى، وما ينفعك في أمور دينك ودنياك.
وانظر جواب السؤال رقم (20161)
ثانيا:
المذي يخرج عادة عند ثوران الشهوة، وهو نجس ناقض للوضوء، لكن نجاسته مخففة فيكفي في تطهيره غسل الفرج ورشّ الثوب بالماء.
وينظر جواب السؤال رقم (2458) و (99507) .
وإذا خرج المذي لمجرد التفكير العابر، لم يأثم صاحبه.
ثالثا:
إذا كنت تجهلين أمر المذي، وكونه ناقضا للوضوء، وكنت تصلين بعض الصلوات مع وجوده، فإن صلاتك صحيحة على القول الراجح، لكونك معذورة بالجهل.
وهكذا من جهل بعض نواقض الوضوء، كمن جهل أن لحم الإبل ينقض الوضوء، ثم صلى، فإن صلاته صحيحة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وعلى هذا لو ترك الطهارة الواجبة لعدم بلوغ النص، مثل: أن يأكل لحم الإبل ولا يتوضأ ثم يبلغه النص ويتبين له وجوب الوضوء، أو يصلي في أعطان الإبل ثم يبلغه ويتبين له النص: فهل عليه إعادة ما مضى؟ فيه قولان هما روايتان عن أحمد.
ونظيره: أن يمس ذَكَره ويصلى، ثم يتبين له وجوب الوضوء من مس الذكر.
والصحيح في جميع هذه المسائل: عدم وجوب الإعادة؛ لأن الله عفا عن الخطأ والنسيان؛ ولأنه قال: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) ، فمن لم يبلغه أمر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شيءٍ معيَّنٍ: لم يثبت حكم وجوبه عليه، ولهذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر وعمَّاراً لما أجْنبا فلم يصلِّ عمر وصلَّى عمار بالتمرغ أن يعيد واحد منهما، وكذلك لم يأمر أبا ذر بالإعادة لما كان يجنب ويمكث أياماً لا يصلي، وكذلك لم يأمر مَن أكل من الصحابة حتى يتبين له الحبل الأبيض من الحبل الأسود بالقضاء، كما لم يأمر مَن صلى إلى بيت المقدس قبل بلوغ النسخ لهم بالقضاء.
ومن هذا الباب: المستحاضة إذا مكثت مدة لا تصلي لاعتقادها عدم وجوب الصلاة عليها، ففي وجوب القضاء عليها قولان، أحدهما: لا إعادة عليها – كما نقل عن مالك وغيره -؛ لأن المستحاضة التي قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: (إني حضت حيضةً شديدةً كبيرةً منكرةً منعتني الصلاة والصيام) أمرها بما يجب في المستقبل، ولم يأمرها بقضاء صلاة الماضي " انتهى من "مجموع الفتاوى" (21 / 101) .
نسأل الله لك التوفيق والسداد، والعفة والإحصان.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1157)
فاتتها صلوات في الماضي ماذا تفعل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[خالتي (عمتي) طلبت مني أن أسألك هذا السؤال:
في الماضي فاتها صلوات فرض والآن تريد أن تعرف ماذا تقول الشريعة عن صلاتها التي فاتتها في الماضي سأقدر لكم إجابتكم عن السؤال بارك الله فيك وجزاك خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يبدو واضحا في السؤال ما إذا كانت عمتك / أو خالتك قد فاتتها الصلاة بعذر كنوم أو نسيان أو فقد للوعي ونحوه من الأعذار أو كان فوات الصلوات قد حصل عمدا بلا عذر، وعلى أية حال إن كان فواتها لعذر وجب عليها قضاء تلك الفوائت مع التوبة من التأخير.
أما إن كان تركها للصلاة دون عذر، إما جحدا لوجوب الصلاة أو تهاونا بشأنها وتكاسلا للقيام إليها، فإن الراجح من أقوال أهل العلم أن تارك الصلاة جحدا لوجوبها أو تكاسلا وتهاونا، لا سبيل له إلى قضائها، فإنّ لله عملا بالليل لا يقبله بالنهار وعملا بالنهار لا يقبله بالليل (يُنظر كتاب: أريد أن اتوب ولكن) ويكون تارك الصلاة عمدا كافرا إذا تركها بالكلية فإذا تاب وصلى رجع إلى الإسلام ولا يُؤمر بقضاء ما تركه ولكنه يُنصح بالاستكثار من النوافل والإسلام يجب ما قبله.
وقد سئل فضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله السؤال التالي:
(إنني امرأة مسلمة والحمد لله وقد كنت قبل وقت لا أصلي ولا أعرف أي شيء عن أمور الدين. وأما الآن والحمد لله فقد هداني الله وبدات بالصلاة والصوم وقراءة القرآن الكريم والتسبيح، وقد ختمت القرآن الكريم للمرة العاشرة، فهل يغفر الله لي ما قدمت وأخرت وأسررت وأعلنت في حياتي. وما أفعل أكثر من هذا حتى يغفر الله لي؟
الجواب: التوبة تجب ما قبلها، فما دمت أنك والحمد لله قد تبت توبة صحيحة وأديت ما أوجب الله عليك وتجنبت ما حرم الله عليك فالتوبة يغفر الله بها ما سبق، قال الله سبحانه وتعالى: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا) .
حتى الشرك من (وقع فيه فتاب) منه تاب الله عليه، كما قال تعالى: (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (الإسلام يجب ما قبله والتوبة تجب ما قبلها) رواه احمد 4/204. فإذا كنت تبت توبة صحيحة وأديت ما أوجب الله عليك وتجنبت ما حرم الله عليك فإن ذلك يكفي إن شاء الله لمغفرة ما سبق، ولكن عليك بإحسان العمل في المستقبل وملازمة التوبة والقيام بما أوجب الله عليك من أمور الإسلام) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1158)
قضاء النفل
[السُّؤَالُ]
ـ[متى يقال عن النفل لا يقضى هل لأنه سنة فات محلها إذا علمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقضي بعض النوافل بعد فوات وقتها كالوتر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
النفل المقّيد بسبب لا يقضى إذا فات سببه مثال ذلك لو أن الشمس كسفت وكان الإنسان نائماً وعلم بعد النوم أنها كسفت فلا يصلي لأنها سنة فات محلها، وكذلك لو دخل المسجد وأقام فيه طويلاً بناءً على أنه ليس على وضوء ثم ذكر أنه على وضوء فقام ليصلي تحية المسجد فلا يصليها لأنها سنة فات محلها، والضابط في هذا أن كل نفل قيد بسبب فإنه لا يقضى كالوتر لكن الوتر كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يقضيه وتراً، بل يصلي من الضحى اثنتي عشرة ركعة لأن أكثر وتره إحدى عشرة ركعة فيقضي أكثر الوتر عليه الصلاة والسلام لكنه يشفعه لأن الإيثار فات محله.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين لمجلة الدعوة العدد 1756 ص 37(5/1159)
كان يصلي ثلاث سنوات دون غسل الجنابة
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما بلغت واحتلمت لم أكن أعرف بأن الغسل لا بد منه فبقيت على ذلك مدة تصل إلى ثلاث سنوات وبعدها علمت بوجوب الغسل فسؤالي هو ماذا علي أن أفعل من أجل الصلوات التي كنت أصليها في هذه الفترة هل علي قضاؤها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
متى وجدت في ثوبك المني يجب عليك أن تغتسل حتى ولو لم تذكر احتلاماً، فالمسلم إذا استيقظ من نومه ووجد في ثوبه أو فخذه أو في مكان نومه بللاً يعني أثر مني فيجب عليه أن يغتسل ولو لم يذكر احتلاماً في نومه فهذا لا بد منه لأنه موجب الغسل وهو خروج المني ذكر احتلاماً في منامه أم لم يذكر، أما لو ذكر احتلاماً في منامه ولكنه لم يخرج منه شيء كما لو قلت أنا احتلمت في النوم كأن واقعت امرأة ولكن بعد أن استيقظت لم تجد أثر مني لا في ثوبك ولا في ملابسك ولا في بدنك ولا في منامك فهل يجب الغسل؟ فهذا ليس فيه غسل ما دام أنه لم يوجد مني حتى ولو احتلمت إنما الغسل يترتب على وجود المني.
أما أنك تقول إنك لمدة ثلاث سنوات تصلي بدون غسل من الجنابة فالواجب عليك وعلى أمثالك أن تسأل، قال تعالى: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) النحل/43 ومالك عذر عند الله، فإن الله سبحانه وتعالى أعطاك الصحة والعافية وأعطاك العقل وأمرك أن تسأل، ولا يجوز لك أن تعبد الله على جهل وضلال فإن عبادة الله على الجهل والضلال هي طريقة النصارى، ألم تقرأ سورة الفاتحة كل يوم في صلاتك (اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) الفاتحة /6-7، فالمغضوب عليهم هم اليهود معهم علم ولم يعملوا به، والضالين هم النصارى يعبدون الله على جهل وضلال، فكذلك المسلم إذا عبد الله على جهل وضلال فإنه من الضالين، قال بعض العلماء: من فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود ومن فسد من عبادنا ففيه شبه من النصارى، وأنت عليك بتقوى الله ومراقبته والإكثار من النوافل، وبعض العلماء يوجب عليك أن تقضي هذه الثلاث سنين لكن ما دام أنه صدر عن جهل وعددها كثير فأرجو ألا حرج عليك إن شاء الله وتكثر من النوافل وإن أمكن قضاؤها فهو المتعين بكل حال وإن شئت تكثر من النوافل كما ذكره جمع من أهل العلم والمسألة خلافية بينهم، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد الله بن حميد ص 64(5/1160)
عاشوا تحت الحكم الشيوعي ولم يدروا ما صلاة ولا صيام فهل عليهم قضاء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلمة من بلغاريا، وكنَّا تحت الحكم الشيوعي، ولم نكن نعرف أي شيء عن الإسلام، بل إن كثيراً من العبادات كانت ممنوعة، وأنا لم أعرف أي شيء عن الإسلام حتى بلغت 20 سنة، وبعد ذلك التزمت بشرع الله. سؤالي لكم: هل عليَّ قضاء ما فاتني من صلاة وصيام؟ وجزاكم الله خيراً]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا ً:
نحمد الله تعالى أن خلصكم من الحكم الشيوعي الظالم الفاجر , بعد أن استمر في قمعه للمسلمين أكثر من أربعين سنة , عمل خلالها على هدم المساجد وتحويل بعضها إلى متاحف , واستولى على المدارس الإسلامية، وعمل على تغيير أسماء المسلمين , وطمس الهوية الإسلامية.
لكن.. يأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.
فها هو الحكم الشيوعي بجبروته وطغيانه قد زال عام 1989م , وفرح بذلك المسلمون فرحاً شديداً , وعادوا إلى مساجدهم القديمة يرممونها ويصلحون من شأنها , ورجعوا إلى تعليم أطفالهم القرآن، وعاد حجاب النساء المسلمات إلى الظهور في الشوارع والطرقات.
ونسأل الله تعالى أن يرد المسلمين إلى دينهم رداً جميلاً , وأن ينصرهم ويعزهم ويكبت عدوهم.
ثانياً:
لقد نشأ جيل من المسلمين في بلغاريا تحت وطأة الحكم الشيوعي لا يعلمون شيئاً عن الإسلام , غير أنهم مسلمون , إذ حال الحكم الشيوعي بينهم وبين تعلم الإسلام , بل كان يمنع حتى دخول القرآن الكريم , والكتب الإسلامية إلى بلغاريا.
وهؤلاء الذين لا يعرفون شيئاً عن أحكام الإسلام وعبادته وفروضه لا يلزمهم قضاء شيء من تلك العبادات، فإن المسلم إذا لم يتمكن من العلم الشرعي , ولم تبلغه الأحكام الشرعية فإنه لا يلزمه شيء , لقول الله تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) البقرة/286.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"لا خلاف بين المسلمين أن من كان في دار الكفر وقد آمن وهو عاجز عن الهجرة لا يجب عليه من الشرائع ما يعجز عنها , بل الوجوب بحسب الإمكان , وكذلك ما لم يعلم حكمه , فلو لم يعلم أن الصلاة واجبة عليه , وبقي مدة لم يصلِّ , لم يجب عليه القضاء في أظهر قولي العلماء , وهذا مذهب أبي حنيفة وأهل الظاهر وهو أحد الوجهين في مذهب أحمد.
وكذلك سائر الواجبات من صوم شهر رمضان , وأداء الزكاة , وغير ذلك.
ولو لم يعلم تحريم الخمر فشربها لم يحد باتفاق المسلمين , وإنما اختلفوا في قضاء الصلوات ...
وأصل هذا كله: أن الشرائع هل تلزم من لم يعلمها أم لا تلزم أحدا إلا بعد العلم؟
والصواب في هذا: أن الحكم لا يثبت إلا مع التمكن من العلم , وأنه لا يُقضَى ما لم يعلم وجوبه , فقد ثبت في الصحيح أن من الصحابة من أكل بعد طلوع الفجر في رمضان حتى تبين له الخيط الأبيض من الخيط الأسود , ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء , ومنهم من كان يمكث جنبا مدة لا يصلي , ولم يكن يعلم جواز الصلاة بالتيمم كأبي ذر وعمر بن الخطاب وعمار لما أجنب , ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أحدا منهم بالقضاء.
ولا شك أن خلقا من المسلمين بمكة والبوادي صاروا يصلون إلى بيت المقدس حتى بلغهم النسخ ولم يؤمروا بالإعادة. ومثل هذا كثير. وهذا يطابق الأصل الذي عليه السلف والجمهور: أن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها , فالوجوب مشروط بالقدرة، والعقوبة لا تكون إلا على ترك مأمور , أو فعل محظور , بعد قيام الحجة" انتهى باختصار.
"مجموع الفتاوى" (19/225) .
وعلى هذا، لا يلزمكم قضاء شيء من العبادات التي لم تعلموا بوجوبها.
والنصيحة لكم أن تُقبلوا على تعلّم الأحكام الشرعية، والتفقه في الدين، والحرص كل الحرص على تعلم الإسلام والعمل به، وتربية جيل مسلم، حتى تكونوا على قدر التحدِّيات التي تواجه المسلمين عموماً، وفي بلادكم خاصة.
ونسأل الله تعالى أن يعزّ الإسلام والمسلمين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1161)
استحباب الجماعة في قضاء الفوائت
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تقضى الصلاة الفائتة جماعة أم منفردة؟ علما أننا خرجنا إلى البر في يوم من الأيام ولم نستيقظ لصلاة الفجر وقمنا بعد شروق الشمس فقضينا الصلاة منفردين لخروج وقتها هل هذا العمل صحيح.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تشرع الجماعة في قضاء الفوائت، لما روى البخاري (595) ومسلم (681) والنسائي (846) واللفظ له عن أَبِي قَتَادَةَ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ قَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ لَوْ عَرَّسْتَ بِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إِنِّي أَخَافُ أَنْ تَنَامُوا عَنْ الصَّلَاةِ قَالَ بِلَالٌ أَنَا أَحْفَظُكُمْ فَاضْطَجَعُوا فَنَامُوا وَأَسْنَدَ بِلَالٌ ظَهْرَهُ إِلَى رَاحِلَتِهِ فَاسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ طَلَعَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَقَالَ يَا بِلَالُ أَيْنَ مَا قُلْتَ قَالَ مَا أُلْقِيَتْ عَلَيَّ نَوْمَةٌ مِثْلُهَا قَطُّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَبَضَ أَرْوَاحَكُمْ حِينَ شَاءَ فَرَدَّهَا حِينَ شَاءَ قُمْ يَا بِلَالُ فَآذِنْ النَّاسَ بِالصَّلَاةِ فَقَامَ بِلَالٌ فَأَذَّنَ فَتَوَضَّئُوا يَعْنِي حِينَ ارْتَفَعَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى بِهِمْ.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/356) : " ويستحب قضاء الفوائت في جماعة ; فإن النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق فاتته أربع صلوات فقضاهن في جماعة , وحديث أبي قتادة وغيره , حين قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق عن صلاة الفجر هو وأصحابه , فصلى بهم جماعة " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ويُستفاد من حديث أبي قتادة أيضاً: أنه تُشرع فيها - أي: في المقضيَّة - الجماعةُ إذا كانوا جَمْعاً، لأن القضاء يحكي الأداء، فكما أنهم لو صلَّوها في الوقت صلَّوها جماعة، فإذا قَضَوها فإنهم يصلُّونها جماعة، وهذا أيضاً جاءت به السُّنَّة في حديث أبي هريرة، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بلالاً فأذَّن ثم صلَّى ركعتي الفجر، ثم صَلَّى بهم الفجرَ جماعة " انتهى من "الشرح الممتع" (2/140) .
وعليه فكان الأولى لكم أن تؤذنوا للصلاة، وأن تصلوا السنة فرادى، ثم تقيموا للصلاة وتصلوها جماعة.، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1162)
من انتظم في الصلاة بعد الأربعين ماذا يفعل فيما مضى
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم قضاء صلوات بالنسبة للمفرط، نحن العجم فينا كثير ممن يصلي مرة، ومرة لا يصلي، وحتى يبلغ عمر الواحد ثلاثين سنة أو دون ذلك لكن بعد الثلاثين أو الأربعين يبدأون بالانتظام في أداء الصلوات، فهل الذين فرطوا في أدائها يجب عليهم قضاؤها وكذلك صوم رمضان؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الشخص الذي هذه حالته يكون كافراً كفراً أكبر في أصح قولي العلماء إذا لم يجحد وجوبها، أما إن جحد وجوبها فإنه يكفر بإجماع العلماء، فإذا تاب وصلى الصلوات المفروضة وصام رمضان واستمر على ذلك حكم بإسلامه، وما مضى قبل ذلك من ترك الصلاة والصيام عمداً لا يقضيه، لقوله صلى الله عليه وسلم: " الإسلام يهدم ما كان قبله والتوبة تهدم ما كان قبلها "، ولأن الصحابة رضي الله عنهم لما قاتلوا أهل الردة في زمن الصديق رضي الله عنه لم يأمروا من رجع إلى الإسلام منهم بقضاء الصوم ولا الصلاة، وهم أعلم الناس بشرع الله بعد الرسل عليهم الصلاة والسلام.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى اللجنة الدائمة 6/47.(5/1163)
إذا ذكر صلاة فائتة أثناء الحاضرة أو بعد الفراغ منها
[السُّؤَالُ]
ـ[بالنسبة لقضاء الصلوات الفائتة، على سبيل المثال لو كنت أنهيت صلاة المغرب لهذا اليوم وتذكرت أني صليت صلاة الفجر باطلة في أحد أيام الأسبوع الماضي، أعني أني ربما أحدثت في صلاة الفجر تلك، لكني ظننت أنه مجرد وسواس لكني تبينت بعد ذلك أني أحدثت فعلاً، أو أن وضوئي كان ناقصاً، كوني تذكرت وجود مادة لها جرم كانت على قدمي أثناء وضوئي لتلك الصلاة ولم أزلها! فهل يجوز أن أعيدها مباشرة بعد أدائي لمغرب هذا اليوم ثم أعيد صلاة المغرب مرة ثانية لأن صلاة الفجر تأتي قبل المغرب؟ أم إنه يكفي أن أعيد الصلاة الفائتة دون إعادة الصلاة الحاضرة لأن صلاة الفجر تلك لم تكن في نفس اليوم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا صليت الصلاة الحاضرة، ثم تذكرت فائتة من نفس اليوم أو من يوم مضى، فإنك تصليها، ولا تعيد الحاضرة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلْيُصَلِّ إِذَا ذَكَرَهَا لَا كَفَّارَةَ لَهَا إِلَّا ذَلِكَ (وَأَقِمْ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي)) رواه البخاري (597) ومسلم (684) .
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: " قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ نَسِيَ صَلَاة فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا لَا كَفَّارَة لَهَا إِلَّا ذَلِكَ) مَعْنَاهُ: لَا يُجْزِئهُ إِلَّا الصَّلَاة مِثْلهَا وَلَا يَلْزَمهُ مَعَ ذَلِكَ شَيْء آخَر " انتهى.
وعليه ففي الصورة المسئول عنها، يلزمك أن تصلي الفجر فور تذكرها، ولا تعيد المغرب.
لكن من ذكر الفائتة أثناء صلاته الحاضرة، فهل يتمها أم يقطعها؟ فيه خلاف بين الفقهاء، فذهب أبو حنيفة ومالك إلى أن الحاضرة تبطل، فيصلي الفائتة أولا ثم يصلي الحاضرة.
وذهب الشافعية إلى أنه يتم الحاضرة، ثم يقضي الفائتة، ويستحب له إعادة الحاضرة.
وذهب أحمد إلى أنه يتم الحاضرة، ثم يقضي الفائتة، ثم يعيد الحاضرة وجوبا.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (30788) ، وبينَّا هناك أن إعادة الصلاة الحاضرة أولى وأحوط.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1164)
لم يستطع الصلاة قبل موته فهل يصلى عنه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم من مات في مرض ولم يستطع الصلاة لمدة شهر ونصف وفارق بعدها الحياة ولم يستطع الصلاة فيها نظراً لظروف مرضه الشديدة التي حالت دون الصلاة فهل يصح الصلاة عنه من خلال أهله أم لا وإن لم يصح هل هناك كفارة أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الصلاة أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، ولا تسقط عن أحد ما دام عقله معه، فمن استطاع أن يصلي قائما لزمه ذلك، وإلا صلى قاعدا، أو على جنب، أو يومئ إيماء، حسب استطاعته، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين: (صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ) رواه البخاري (1117) .
ومن صلى جالسا فإنه يومئ بالركوع والسجود، ويجعل السجود أخفض من الركوع.
فإن عجز عن تحريك رأسه، فهل يومئ بعينه، أم تسقط عنه الصلاة، أم تسقط عنه الأفعال فقط دون الأقوال؟ الراجح: الثالث.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " والراجح من هذه الأقوال الثلاثة: أنه تسقط عنه الأفعال فقط، لأنها هي التي كان عاجزا عنها، وأما الأقوال فإنها لا تسقط عنه؛ لأنه قادر عليها، وقد قال الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/16، فنقول: كَبِّرْ واقرأ، وانو الركوع فكبر وسبح تسبيح الركوع، ثم انو القيام وقل: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، إلى آخره، ثم انو السجود فكبر وسبح تسبيح السجود، لأن هذا مقتضى القواعد الشرعية (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) فإن عجز عن القول والفعل بحيث يكون الرجل مشلولا ولا يتكلم فماذا يصنع؟ الجواب: تسقط عنه الأقوال والأفعال، وتبقى النية، فينوي أنه في صلاة، وينوي القراءة، وينوي الركوع والسجود والقيام والقعود، هذا هو الراجح؛ لأن الصلاة أقوال وأفعال بنية، فإذا سقطت أقوالها وأفعالها بالعجز عنها بقيت النية، ولأن قولنا لهذا المريض: لا صلاة عليك قد يكون سببا لنسيانه الله، لأنه إذا مر عليه يوم وليلة وهو لم يصل فربما ينسى الله عز وجل، فكوننا نشعره بأن عليه صلاة لابد أن يقوم بها ولو بنية، خير من أن نقول: إنه لا صلاة عليه ". انتهى من "الشرح الممتع" (4/469) .
وبناء على ذلك، فالمسئول عنه إن وصل إلى مرحلة لا يمكنه فيها أداء الصلاة بوجه من الوجوه السابقة، فهو معذور، ولا شيء عليه.
وسواء كان معذورا أو غير معذور، فإن من ترك شيئاً من الصلوات المكتوبة لا يصلي عنه أحد، وبهذا قال الأئمة الأربعة (أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد) رحمهم الله تعالى.
انظر: "الموسوعة الفقهية" (2/334)
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: توفيت والدتي بعد أن عانت من المرض رحمها الله كل معاناة، ومكثت عشرة أيام بدون صلاة، أوقات تنتابها غيبوبة، وأوقات تفيق، ولم تصل هذه الأيام. فهل أصلي عنها، أم ماذا أفعل لها؟ وهل تجوز الصلاة على روح الميت؟
فأجابوا: " لا يجوز أن تقضى الصلاة عن الميت؛ سواء تركتها بعذر أو بغير عذر، ولا أن يصلى بنية أن يكون ثواب الصلاة للميت؛ لأن الشرع لم يرد بذلك، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) أخرجه مسلم في صحيحه " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (9/65)
وجاء فيها أيضا (25/257) : " إذا كان والدك حين مرضه يغيب وعيه ولا يعقل شيئا فإن الصلاة تسقط عنه، وهو ليس مكلفا في هذه الحالة؛ لأن مناط التكليف بالصلاة العقل، وقد زال عنه، أما إن كان لا يزول عنه وعيه ولا عقله، ولكن ترك الصلاة جهلا منه أنها تجب على مثله قدر استطاعته، فلعل الله أن يعفو عنه ويعذره بجهله ذلك، وعدم من يبين له الحكم الشرعي حتى مات - رحمه الله وعفا عنه، وفي كلتا الحالتين لا يجوز لك أن تصلي عن والدك شيئا من الصلوات؛ لأنه لا يصلي أحد عن أحد، والأصل أن الصلاة لا تدخلها النيابة، أما حجك وعمرتك عن والدك فذلك من البر به والإحسان إليه، وأن تتصدق عنه بين الحين والآخر، وأن تدعو له وتستغفر له وتصل رحمه وأصدقاءه وتحسن إليهم، فإن ذلك من البر بوالدك بعد موته، ولك الأجر والثواب الجزيل إن شاء الله على ما تبذله في سبيل ذلك " انتهى.
والحاصل أن هذا الميت لا يصلى عنه، وليس هناك كفارة لما تركه من الصلوات، وينبغي الدعاء له، والصدقة عنه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1165)
أدركت من وقت الصلاة قدر التحريم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة جاءني الحيض بعد أن غربت الشمس بدقائق، فهل ألزم بقضاء صلاة المغرب، إذا طهرت من الحيض؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اختلف العلماء رحمهم الله، فيمن جاءه المانع – أي: الذي يمنع من الصلاة -، كالجنون والحيض بعد دخول وقت الصلاة، هل يلزمه قضاء تلك الصلاة بعد زوال المانع؟ على أقوال:
القول الأول: أن من أدرك من وقت الصلاة قدر تكبيرة الإحرام، ثم جاءه المانع، فإنه يلزمه قضاء تلك الصلاة إذا زال المانع.
قال البهوتي رحمه الله في "كشاف القناع" (1/260) : " وَمَنْ أَدْرَكَ مِنْ أَوَّلِ وَقْتِ مَكْتُوبَةٍ قَدْرَ تَكْبِيرَةٍ ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ مَانِعٌ مِنْ جُنُونٍ أَوْ حَيْضٍ وَنَحْوِهِ كَنِفَاسٍ، ثُمَّ زَالَ الْمَانِعُ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهَا ; لَزِمَهُ قَضَاءُ الصَّلَاةِ الَّتِي أَدْرَكَ التَّكْبِيرَةَ مِنْ وَقْتِهَا فَقَطْ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ تَجِبُ بِدُخُولِ أَوَّلِ الْوَقْتِ عَلَى المكلف " انتهى.
القول الثاني: أنه إذا مضى زمن يمكن فيه فعل الفريضة، ثم حصل المانع من جنون أو حيض، فإنه يلزمه قضاء تلك الصلاة إذا زال المانع، وإذا كان الوقت الذي أدركه أقل مما يمكن فيه فعل الفريضة فلا يجب قضاؤها.
وانظر "المجموع" (3/50،72-73)
القول الثالث: أنه لا يلزم قضاء الصَّلاة، إلا إذا أدرك من وقتها ما يكفي لصلاة ركعة كاملة؛ لما روى البخاري (580) ومسلم (954) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ) .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "فتاوى نور على الدرب" عن: امرأة دخل عليها وقت صلاة الظهر فانشغلت ببعض أمورها، وقبل خروج الوقت همت بالصلاة إلا أنها حاضت فهل تصلي إذا طهرت؟
فأجاب: " الصحيح أن المرأة إذا طهرت وقد أدركت من الوقت مقدار ركعة وجب عليها أن تقضي الصلاة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) ، وهذه أدركت من وقتها ركعة فيجب عليها أن تقضي الصلاة " انتهى.
فيجب على من أدركت من الصلاة قدر ركعة، ثم جاءها الحيض أن تقضي تلك الصلاة إذا طهرت من الحيض.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1166)
قضاء الصلاة بعد العصر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الحكم في صلاة القضاء بعد صلاة العصر مباشرة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من فاتته صلاة مفروضة لنوم أو نسيان فإنه يجب عليه قضاؤها متى ذكرها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نسي صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك) البخاري (572) ومسلم (1564) .
وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى سنة الظهر بعد صلاة العصر. رواه البخاري (4370) ومسلم (834)
قال النووي: وهذا صريح في قضاء السنة الفائتة، فالفريضة المقضية أولى.
فإذا نام المسلم عن صلاة أو نسيها ولم يتذكرها إلا بعد صلاة العصر وجب عليه أن يصليها في ذلك الوقت.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1167)
كيف يقضي الصلوات الفائتة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كم ركعة يجب أن نصلي إذا خرج وقت الصلاة (للقضاء) ؟
البعض يقول بأننا يجب أن نصلي نفس عدد ركعات الفرض الفائت، وهذا ما أفعله في الوقت الحالي إذا لم يكن لدي وقت أصلي فيه وخرج وقت الصلاة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يجوز للمسلم أن يؤخر الصلاة حتى يخرج وقتها من غير عذر. قال الله تعالى: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) النساء /103. أي ذات وقت محدد.
والعذر الذي يبيح تأخير الصلاة عن وقتها كالنوم والنسيان، فعن أنس بن مالك قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: (مَن نسي صلاةً أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها) . رواه مسلم (684) .
وأما العمل والدراسة ونحو ذلك فليس عذراً يبيح تأخير الصلاة عن وقتها، وقد مدح الله تعالى أقواماً بقوله: (رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ) النور /37.
ثانياً:
من ترك الصلاة حتى خرج وقتها بدون عذر، فقد أتى معصية وهي من كبائر الذنوب والواجب عليه التوبة إلى الله تعالى والعزم على المحافظة على أداء الصلاة في وقتها. ولا ينفعه قضاؤها بعد الوقت وقد ضيعها بدون عذر، وليكثر من النوافل، لعلها تجبر النقص الحاصل في الفرائض.
وأما من أخَّر الصلاة حتى خرج وقتها بعذر كالنوم أو النسيان فعليه أداء الصلاة متى زال العذر، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ نَسِيَ صَلاةً فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا لا كَفَّارَةَ لَهَا إِلا ذَلِكَ) رواه مسلم.
ويصليها كما كان يصليها في وقتها من غير زيادة ولا نقص أو تغيير في صفتها وهيئتها.
ففي حديث أبي قتادة في صحيح مسلم (681) في قصة نوم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه عن صلاة الفجر في السفر حتى طلعت الشمس، قال أبو قتادة: (ثُمَّ أَذَّنَ بِلالٌ بِالصَّلاةِ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى الْغَدَاةَ فَصَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ كُلَّ يَوْمٍ) .
قال النووي:
قَوْله: (كَمَا كَانَ يَصْنَع كُلّ يَوْم) فِيهِ: إِشَارَة إِلَى أَنَّ صِفَة قَضَاء الْفَائِتَة كَصِفَةِ أَدَائِهَا اهـ.
والقاعدة عند العلماء: "أن القضاء يحكي الأداء" أي أن قضاء العبادة كأدائها.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1168)
أجريت لها عملية وصلت صلوات بغير طهارة وبدون استقبال للقبلة
[السُّؤَالُ]
ـ[أجريت لي عملية بعد صلاة المغرب وبقي تأثير البنج إلي فجر اليوم التالي بمعنى أني لم أصلي العشاء والفجر وعندما استيقظت من البنج صليتها من غير طهارة ولا حتى استقبال للقبلة ولم ألبس الخمار وذلك بسبب الحالة الصحية حيث إنني لم أستطع حتى الحركة إلى الجانب الآخر وعلى هذه الحال إلى العشاء صليتها جميعها بنفس الطريقة فأرغب من فضيلتكم إفتائي في هذا الأمر هل أعيد الصلاة أم لا؟ وإذا كانت الإجابة بإعادتها فما هي كيفية إعادتها بمعنى هل أصلي فجر اليوم ثم أصلي صلاة الفجر مرة أخرى بنية الفجر التي لم أصلها وهكذا بقية الصلوات أم كيف؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا أفاق المريض من البنج وجب عليه قضاء الصلوات التي تركها بسبب ذلك.
ثانيا:
المريض إذا لم يستطع أن يتوضأ، ولم يجد من يوضئه، فإنه يتيمم، ولو على الجدار أو الفراش إن كان عليها تراب، أو يحمل معه ترابا يتيمم به، فإن لم يمكنه التيمم صلى على حاله.
وكذلك الحال بالنسبة لاستقبال القبلة وستر العورة (لبس الخمار) ، فإن استطاع شيئا من ذلك وجب عليه الإتيان به، وما يعجز عنه ولا يستطيعه فإنه يسقط عنه ولا يكلف به، لقول الله تعالى: (لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا) سورة البقرة/286.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: المريض الذي لا يجد التراب هل يتيمم على الجدار وكذلك الفراش أم لا؟
فأجاب: " الجدار من الصعيد الطيب. فإذا كان الجدار مبنيا من الصعيد سواء كان حجرا أو كان مدرا – لَبِنًا من الطين -، فإنه يجوز التيمم عليه، أما إذا كان الجدار مكسوا بالأخشاب أو (بالبوية) فهذا إن كان عليه تراب – غبار – فإنه يتيمم به ولا حرج، ويكون كالذي يتمم على الأرض؛ لأن التراب من مادة الأرض، أما إذا لم يكن عليه تراب، فإنه ليس من الصعيد في شيء، فلا يتيمم عليه.
وبالنسبة للفرش نقول: إن كان فيها غبار فليتيمم عليها، وإلا فلا يتيمم عليها لأنها ليست من الصعيد " انتهى من "فتاوى الطهارة" (ص 240) .
وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: إني طريح الفراش ولا أقوى على الحركة فكيف أقوم بعملية الطهارة لأداء الصلاة وكيف أصلي؟
فأجابت: " أولا: بالنسبة للطهارة يجب على المسلم أن يتطهر بالماء فإن عجز عن استعماله لمرض أو غيره تيمم بتراب طاهر، فإن عجز عن ذلك سقطت الطهارة وصلى حسب حاله، قال تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ، وقال جل ذكره: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) ، أما ما يتعلق بالخارج من البول والغائط فيكفي فيه الاستجمار بحجر أو مناديل طاهرة يمسح بها محل الخارج ثلاث مرات أو أكثر حتى ينقي المحل.
ثانيا:
بالنسبة للصلاة فإن الواجب على المريض الصلاة قائما، فإن لم يستطع صلى قاعدا، فإن لم يستطع فعلى جنب، لما ثبت عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب) . وقوله جل وعلا: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) " انتهى من "الفتاوى المتعلقة بالطب وأحكام المرضى" ص 78.
ثالثا:
إذا كنتِ قد صليت كما ذكرت، من غير وضوء ولا تيمم، وبدون استقبال القبلة، وبدون لبس الخمار لعجزك عن ذلك، وعدم وجود من يوضؤك، أو ييممك، ومن يوجهك للقبلة، فصلاتك صحيحة ولا يلزمك إعادتها.
وإن كان يمكنك التيمم، أو الوضوء بمساعدة غيرك، لكنك فرطت في طلب المساعدة، فقد قصرت في تحصيل الطهارة التي هي شرط لصحة الصلاة، وعليك إعادة ما صليته من غير طهارة أو استقبال للقبلة.
رابعا:
الإعادة تلزم على الفور، حسب الاستطاعة، فحيث علمت بوجوب الإعادة، فإنك تشريعين في صلاة ما فاتك، وترتبين الأوقات بالنية، فتصلين العشاء، عن اليوم الأول، ثم الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء عن اليوم الثاني.
والمقصود أنك تقومين بذلك في مجلس واحد إن استطعت، سواء كان ذلك في الصباح أو الظهر أو أي وقت من اليوم علمت فيه حكم الإعادة. ولا يجوز تأخير الصلوات، وقضاؤها مفرقة مع الأوقات، كما يظن بعض الناس.
وإذا كان قضاؤها في مجلس واحد فيه مشقة عليك فإنك تصلين ما تستطيعيه، ثم ترتاحين، ثم تكملين قضاء ما فاتك من الصلاة.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عن مريض أجرى عملية جراحية ففاتته عدة فروض من الصلوات، فهل يصليها مجتمعة بعد شفائه؟ أم يصليها كل وقت مع وقته كالظهر مع الظهر وهكذا؟
فأجاب: " عليه أن يصليها جميعا في آن واحد، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما فاتته صلاة العصر في غزوة الخندق صلاها قبل المغرب، وعلى الإنسان إذا فاتته بعض فروض الصلاة أن يصليها جميعا ولا يؤخرها " انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (12/222)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1169)
قضت ما فاتها من الصلوات في صغرها وتريد أن تستمر في القضاء
[السُّؤَالُ]
ـ[أمي لم تصل بعض السنين في الصغر، وعندما سمعت من أحد المشايخ أنه يجب قضاء الصلاة الفائتة، ندمت وتابت وعاهدت الله أن تقضي الصلوات الفائتة ما دامت على قيد الحياة. وفعلا أوفت بعهدها وقضت كل السنوات التي لم تصل فيها وأنهتها لكنها تقول لنا يجب أن أبقى أصلي لأنني قلت حين عاهدت ربي (ما دمت على قيد الحياة) وأنا ما زلت على قيد الحياة حيث إنها تصلى الفرائض وليس النوافل مع أنها تعلم أنها أدت جميع ما فاتها. فهل فعلها هذا صحيح؟ وهل هذا يعتبر نذرا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ذهب جمهور الفقهاء إلى أن من ترك الصلاة زمنا بعد البلوغ، لزمه قضاء ما ترك، فإن لم يعلم عدد الصلوات فإنه يصلي ما يغلب على ظنه أنه القدر الذي تركه.
وينبغي أن يُعلم أن ما تركته من الصلوات في حال صغرها قبل البلوغ لا يلزمها قضاؤه، لأنها لم تكن مكلَّفة في ذلك الوقت.
وذهب بعض أهل العلم إلى أن من ترك الصلاة عامدا، فلا يلزمه قضاؤها، وإنما تلزمه التوبة وإحسان العمل في المستقبل.
وانظر جواب السؤال رقم (7969) و (72216)
وعلى كل فإن والدتك يشرع في حقها أن تكثر من الاستغفار والتوبة وأداء النوافل، رجاء أن يتقبل الله منها توبتها، وقد قال الله تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82.
وأما قولها: إنها عاهدت الله أن تقضي الصلوات الفائتة ما دامت على قيد الحياة، فهذا نذر أن تقضي ما فاتها من الصلاة، وقد قامت بذلك، ووفَّت بذلك النذر، فلا يلزمها أن تستمر في قضاء صلوات قد قضتها بالفعل، لأن الصلاة إنما تقضى مرة واحدة فقط.
وأما قولها: ما دمت على قيد الحياة، فالذي يظهر أن معنى هذه العبارة أنها ستفي بنذرها ما دامت حيّة، ولن تترك قضاء الصلاة بسبب مرض أو شغل أو غير ذلك من الأسباب التي قد تشغلها عن الصلاة.
وإذا أرادات أن تستمر في الصلاة، فهو عمل طيب رغَّب فيه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: (الصلاة خير موضوع، فمن استطاع أن يستكثر فليسكثر) رواه الطبراني في صحيح الجامع (3870) ، على أن يكون ذلك بنيّة النافلة لا نية القضاء.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1170)
ظنت أنها نفساء فتركت الصوم والصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[مرت أربعون يوما تقريبا على نزول جنين من بطني ولم يتعدَّ الشهرين والنصف ووافق ذلك شهر رمضان ثم تركت الصلاة والصوم ولم يكن لي علم بالأمور الشرعية، وعلمت بعدها أنني لا أعتبر نفساء، فهل أقضي ما فاتني من الصلاة والصوم؟ وأنا الآن حائرة ولا أدري ما أفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا أسقطت المرأة فلا يعتبر الدم النازل منها دم نفاس إلا إذا أسقطت ما تبين فيه خلق الإنسان، من رأس أو يد أو رجل أو غير ذلك.
والتخليق لا يبدأ في الحمل قبل ثمانين يوماً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ وَيُقَالُ لَهُ: اكْتُبْ عَمَلَهُ وَرِزْقَهُ وَأَجَلَهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوح) رواه البخاري (3208) .
فدل هذا الحديث على أن الإنسان يمر بعدة مراحل في الحمل:
أربعين يوماً نطفة، ثم أربعين أخرى علقة، ثم أربعين ثالثة مضغة. ثم ينفخ فيه الروح بعد تمام مائة وعشرين يوماً.
والتخليق يكون في مرحلة المضغة، ولا يكون قبل ذلك، لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنْ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ) الحج/5. فعُلم من هذه الآية: أن المضغة قد تكون مخلقة وقد تكون غير مخلقة.
قال ابن قدامة رحمه الله: "إذا رأت المرأة الدم بعد وضع شيء يتبين فيه خلق الإنسان , فهو نفاس. نص عليه [أي: الإمام أحمد] وإن رأته بعد إلقاء نطفة أو علقة , فليس بنفاس" انتهى من "المغني" (1/211) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: "إذا أسقطت المرأة ما تبين فيه خلق الإنسان من رأس أو يد أو رجل أو غير ذلك فهي نفساء، لها أحكام النفاس، فلا تصلي ولا تصوم ولا يحل لزوجها جماعها حتى تطهر أو تكمل أربعين يوما. . .
أما إذا كان الخارج من المرأة لم يتبين فيه خلق الإنسان بأن كان لحمة ولا تخطيط فيه أو كان دما: فإنها بذلك تكون لها حكم المستحاضة لا حكم النفاس، لا حكم الحائض , وعليها أن تصلي وتصوم في رمضان وتحل لزوجها ... لأنها في حكم المستحاضة عند أهل العلم" انتهى من "فتاوى إسلامية " (1 / 243) .
وقال الشيخ ابن عثيمين:
"قال أهل العلم: إن خرج وقد تبيَّن فيه خلق إنسان: فإن دمها بعد خروجه يُعدُّ نفاساً، تترك فيه الصلاة والصوم ويتجنبها زوجها حتى تطهر، وإن خرج وهو غير مخلَّق: فإنه لا يعتبر دم نفاس بل هو دم فساد لا يمنعها من الصلاة ولا من الصيام ولا من غيرهما.
قال أهل العلم: وأقل زمن يتبين فيه التخطيط واحد وثمانون يوما".
"فتاوى المرأة المسلمة" (1/304، 305) .
وعلى هذا؛ فالدم الذي نزل عليك ليس دم نفاس؛ لأن الجنين نزل قبل تمام ثمانين يوما، وكان عليك أن تصلي وتصومي في تلك الفترة؛ إلا إن جاءك الحيض.
ثانيا:
يجب عليك قضاء الصيام، وهذا لا إشكال فيه، سواء قلنا إنك كنت طاهرة، أو كنت نفساء، لأن من ترك الصيام لعذر (كمرض أو حيض أو سفر) فالواجب عليه القضاء، وأنت تركتيه لعذر، وهو ظنك أنك نفساء.
أما قضاء الصلاة، فالظاهر أنه لا يلزمك القضاء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر المستحاضة التي تركت الصلاة أثناء نزول الدم بالقضاء، وإنما أرشدها إلى ما تصنع في المستقبل.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "المستحاضة إذا مكثت مدة لا تصلي لاعتقادها عدم وجوب الصلاة عليها، ففي وجوب القضاء عليها قولان، أحدهما: لا إعادة عليها - كما نقل عن مالك وغيره –؛ لأن المستحاضة التي قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: (إني حضت حيضةً شديدةً كبيرةً منكرةً منعتني الصلاة والصيام) أمرها بما يجب في المستقبل، ولم يأمرها بقضاء صلاة الماضي " انتهى من "مجموع الفتاوى" (22/102) وينظر جواب السؤال رقم (45648) .
والحاصل: أنه يلزمك قضاء الصوم، وأما الصلاة فإن سهل عليك قضاؤها فافعلي، وإلا فنرجو أن يعفو الله عنك، ونوصيك بالحرص على طلب العلم والتفقه الدين.
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1171)
كان يصلي من غير طهارة
[السُّؤَالُ]
ـ[عند بلوغي كنت أصلي دون غسل مع علمي بالحكم إلا أني كنت صغير السن وأتكاسل عن الغسل، واستمريت على هذه الحال مدة 4 سنوات، ثم بعد أن كبرت تنبهت إلى ذلك.. أنا الآن في حيرة من أمري وأحس دائما بالذنب، فهل علي قضاء صلاة 4 سنوات أم تكفي التوبة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الصلاة من غير طهارة من كبائر الذنوب، ومن الأسباب التي يعذب عليها العاصي في قبره.
روى الطحاوي في "مشكل الآثار" عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أُمر بعبد من عباد الله أن يضرب في قبره مائة جلدة، فلم يزل يسأل الله ويدعوه حتى صارت واحدة، فامتلأ قبره عليه ناراً، فلما ارتفع عنه أفاق فقال: علام جلدتموني؟ قالوا: إنك صليت صلاة بغير طهور، ومررت على مظلوم فلم تنصره. حسنه الألباني في صحيح الترغيب (2234) .
وإحساسك بالذنب وندمك على ذلك: توبة، لكن هل من توبتك قضاء تلك الصلوات أم لا؟
هذا مما اختلف فيه أهل العلم، والذي يظهر أنه لا يجب عليه قضاؤها، لأن الصلاة عبادة مؤقتة، فإذا ترك العبد فعلها في وقتها المحدد لها شرعا لم تصح لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ عَمِلَ عَمَلا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) رواه البخاري (2697) ومسلم (1718) ، وصلاتك بغير طهارة بمنزلة تركك للصلاة، لأن الصلاة بغير طهارة لا تصح، فوجودها كعدمها.
وقد سبق بيان اختلاف العلماء في حكم من ترك الصلاة حتى وقت خروجها بلا عذر هل يلزمه قضاؤها أم لا؟ في جواب السؤال رقم (13664) .
وعلى هذا، فالواجب عليك:
التوبة من هذا الذنب العظيم، والعزم على عدم العودة إليه، وعليك بالإكثار من النوافل فـ (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "الاختيارات" (ص 34) : " وتارك الصلاة عمدا لا يشرع له قضاؤها، ولا تصح منه، بل يكثر من التطوع، وهو قول طائفة من السلف " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1172)
هل تقضى صلاة الضحى إذا خرج وقتها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل إذا فاتتني صلاة الضحى بعد الساعة الثانية عشرة ظهرا أقضيها حتى ولو بعد صلاة الظهر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
وقت الصلاة الضحى من ارتفاع الشمس قدر رمح، وذلك بمضي ربع ساعة أو ثلث ساعة بعد طلوعها، إلى قبيل الزوال (والزوال هو دخول وقت صلاة الظهر) ، وقبيل الزوال ما بين عشر دقائق إلى خمس دقائق فقط، أي قبل دخول وقت النهي " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله" (14/306) .
قال ابن مفلح رحمه الله: " ووقتها من خروج وقت النهي إلى الزوال , والمراد والله أعلم قبيل الزوال؛ للنهي " انتهى من "الفروع" (1/567) .
ثانيا:
اختلف أهل العلم في قضاء صلاة الضحى إذا فات وقتها، فذهب بعضهم إلى أنها تقضى، وهو الصحيح عند الشافعية، وقال به بعض الحنابلة، وذهب آخرون إلى عدم قضائها، وهو قول الشافعي القديم، ومذهب الحنفية والمالكية.
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (3/532) : " قال أصحابنا: النوافل قسمان (أحدهما) غير مؤقت وإنما يفعل لعارض كالكسوف والاستسقاء وتحية المسجد , فهذا إذا فات لا يقضى (الثاني) مؤقت كالعيد والضحى والرواتب مع الفرائض كسنة الظهر وغيرها، فهذه فيها ثلاثة أقوال: الصحيح منها أنها يستحب قضاؤها , قال القاضي أبو الطيب وغيره: هذا القول هو المنصوص في الجديد.
والثاني: لا تقضى وهو نصه في القديم، وبه قال أبو حنيفة.
والثالث: ما استقلّ كالعيد والضحى قُضي، وما لا يستقل كالرواتب مع الفرائض فلا يقضى , وإذا [كانت] تقضى فالصحيح أنها تقضى أبدا. وحكى بعض أصحابنا قولاً ضعيفا أنه يقضي فائت النهار ما لم تغرب شمسه , وفائت الليل ما لم يطلع فجره , وعلى هذا تقضى سنة الفجر ما دام النهار باقيا ... وهذا الخلاف كله ضعيف والصحيح استحباب قضاء الجميع أبدا , ودليله قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) وحديث أبي قتادة رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم فاته الصبح في السفر حتى طلعت الشمس فتوضأ ثم صلى سجدتين ثم أقيمت الصلاة فصلى الغداة) رواه مسلم، والمراد بالسجدتين صلاة السنة الراتبة التي قبل الفجر. وحديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين بعد العصر فسألته عن ذلك فقال: (إنه أتاني ناس من عبد القيس بالإسلام من قومهم فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر فهما هاتان الركعتان بعد العصر) رواه البخاري ومسلم، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من لم يصل ركعتي الفجر حتى تطلع الشمس فليصلهما) رواه البيهقي بإسناد جيد , وعن أبى سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من نام عن وتره أو نسيه فليصل إذا ذكره) رواه أبو داود بإسناد حسن ... وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان إذا فاتته الصلاة من الليل من وجع أو غيره صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة) رواه مسلم ... وفي المسألة أحاديث كثيرة غير ما ذكرتها وفي هذا أبلغ كفاية , وبالله التوفيق " انتهى باختصار وتصرف يسير.
وقال المرداوي في "الإنصاف" (2/191) : " وقال الشيخ عبد القادر: له فعلها بعد الزوال , وإن أخرها حتى صلى الظهر قضاها ندبا – يعني استحباباً - " انتهى.
وصرح الحنفية بأن السنن إذا فاتت لا يقضى منها إلا سنة الفجر إذا فاتت مع الفرض، فإنها تقضى إلى الزوال. "الفتاوى الهندية" (1/112) .
وإلى هذا ذهبت المالكية أيضا، فلا يقضى عندهم نفل سوى ركعتي الفجر، تقضى إلى الزوال، سواء كان معها الصبح أم لا. "بلغة السالك" (1/408) .
وينظر: "الموسوعة الفقهية الكويتة" (34/37) .
واختار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله القول بأن صلاة الضحى لا تقضى إذا فات وقتها، فقد سئل رحمه الله: إذا فاتت سنة الضحى هل تقضى أم لا؟
فأجاب: " الضحى إذا فات محلها فاتت؛ لأن سنة الضحى مقيدة بهذا، لكن الرواتب لما كانت تابعة للمكتوبات صارت تقضى وكذلك الوتر لما ثبت في السنة (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، إذا غلبه النوم، أو المرض في الليل صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة) . فالوتر يقضى أيضا " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (14/305) .
والأمر في ذلك واسع، والحمد لله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1173)
لا يتذكر عدد الصلوات ولا أيام الصيام الواجبة في ذمته فماذا يفعل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان المسلم لا يتذكر أعداد الصلوات وأيام الصيام التي فاتته، فكيف يباشر قضاءها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الصلوات الفائتة لا تخلو من ثلاث حالات:
الأولى: أن يكون ترك الصلاة لعذر كالنوم أو النسيان، ففي هذه الحالة يجب قضاؤها , لقوله صلى الله عليه وسلم: (من نسي صلاة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها) رواه البخاري (572) ومسلم (684) – واللفظ له -.
ويصليها مرتبة كما وجبت عليه، الأولى فالأولى؛ لحديث جابر بن عبد الله أن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم جاء يوم الخندق بعد ما غربت الشمس فجعل يسب كفار قريش قال: يا رسول الله ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس تغرب، قال النبي صلى الله عليه وسلم: والله ما صليتها، فقمنا إلى بطحان فتوضأ للصلاة وتوضأنا لها فصلَّى العصر بعد ما غربت الشمس , ثم صلى بعدها المغرب. رواه البخاري (571) ومسلم (631) .
الحالة الثانية: أن يكون ترك الصلاة لعذر لا يكون معه إدراك , كالغيبوبة، ففي هذه الحالة تسقط الصلاة عنه، ولا يجب عليه قضاؤها.
سئل علماء اللجنة الدائمة:
وقع عليّ حادث سيارة ورقدت في المستشفى ثلاثة شهور ولم أع نفسي ولم أصل كل هذه المدة، هل تسقط عني أم أعيد كل الصلاة الماضية؟
فأجابوا:
" تسقط عنك الصلاة في المدة المذكورة ما دمت لا تعقل في تلك المدة " انتهى.
وسئلوا – أيضاً -:
إذا أغمي على إنسان لمدة شهر ولم يصل طوال هذه الفترة، وأفاق بعده فكيف يعيد الصلوات الفائتة؟
فأجابوا:
" لا يقض ما تركه من الصلوات في هذه المدة، لأنه في حكم المجنون والحال ما ذكر , والمجنون مرفوع عنه القلم " انتهى.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (6/21) .
الحالة الثالثة: أن يكون ترك الصلاة عمداً من غير عذر، فهذا لا يخلو من حالين:
إما أن يكون جاحداً لها غير معترف بوجوبها، فهذا لا خلاف في كفره , وأنه ليس من الإسلام في شيء، فعليه أن يدخل في الإسلام ثم يعمل بأركانه وواجباته , ولا يجب عليه قضاء ما ترك من الصلاة حال كفره.
والثانية: أن يكون تركه للصلاة تهاونا وكسلا فهذا لا يصح منه قضاؤها , لأنه لم يكن له عذر حين تركها، وقد أوجبها الله عليه في زمن معلوم وبتوقيت محدود، قال سبحانه: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) النساء/103، أي: لها وقت محدد، ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (مَنْ عَمِلَ عَمَلا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) رواه البخاري (2697) ومسلم (1718) .
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
لم أصلِّ إلا بعد ما بلغت الرابعة والعشرين من عمري، وصرت الآن أصلي مع كل فرض فرضاً آخر، فهل يجوز لي ذلك؟ وهل أداوم على هذا، أم إن عليَّ حقوقاً أخرى؟
فأجاب:
" الذي يترك الصلاة عمداً ليس عليه قضاء على الصحيح، وإنما عليه التوبة إلى الله عز وجل؛ لأن الصلاة عمود الإسلام، وتركها أعظم الجرائم، بل تركها عمداً كفر أكبر في أصح قولي العلماء؛ لما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) أخرجه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح عن بريدة رضي الله عنه؛ ولقوله عليه الصلاة والسلام: (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وفي الباب أحاديث أخرى تدل على ذلك.
فالواجب عليك يا أخي التوبة إلى الله التوبة الصادقة، وذلك بالندم على ما مضى منك، والإقلاع من ترك الصلاة، والعزم الصادق على أن لا تعود إلى ذلك، وليس عليك أن تقضي لا مع كل صلاة ولا في غير ذلك، بل عليك التوبة فقط، والحمد لله، من تاب تاب الله عليه، يقول الله سبحانه: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) .
فعليك أن تصدُق في التوبة، وأن تحاسب نفسك، وأن تجتهد بالمحافظة على الصلاة في أوقاتها في الجماعة، وأن تستغفر الله عما جرى منك، وتكثر من العمل الصالح، وأبشر بالخير، يقول الله سبحانه: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) ، ولما ذكر الشرك والقتل والزنا في سورة الفرقان قال جل وعلا بعد ذلك: (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا. إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) .
نسأل الله لنا ولك التوفيق، وصحة التوبة، والاستقامة على الخير " انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (10 / 329، 330) .
ثانياً:
وأما قضاء الصيام؛ فإن كان تركك للصيام في الوقت الذي كنت فيه تاركاً للصلاة , فلا يجب عليك قضاء تلك الأيام التي أفطرتها , لأن تارك الصلاة كافر كفراً أكبر مخرج من الملة – كما سبق - والكافر إذا أسلم لا يلزمه أن يقضي ما تركه من العبادات حال كفره.
أما إن كان تركك للصيام في وقت كنت تصلي فيه , فلا يخلو الأمر من احتمالين:
الأول: أنك لم تنو الصيام من الليل , بل عزمت على الفطر , فهذا لا يصح منك قضاؤه , لأنك تركت فعل العبادة في الوقت المحدد لها شرعا من غير عذر.
الثاني: أن تكون بدأت في صيام اليوم ثم أفطرت فيه , فهذا يجب عليك قضاؤه , لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر المجامع في نهار رمضان بالكفارة قال له: (صم يوماً مكانه) رواه أبو داود (2393) , وابن ماجه (1671) , وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (940) .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى عن حكم الفطر في نهار رمضان بدون عذر؟
فأجاب:
" الفطر في نهار رمضان بدون عذر من أكبر الكبائر، ويكون به الإنسان فاسقاً، ويجب عليه أن يتوب إلى الله، وأن يقضي ذلك اليوم الذي أفطره، يعني لو أنه صام وفي أثناء اليوم أفطر بدون عذر فعليه الإثم، وأن يقضي ذلك اليوم الذي أفطره؛ لأنه لما شرع فيه التزم به ودخل فيه على أنه فرض فيلزمه قضاؤه كالنذر، أما لو ترك الصوم من الأصل متعمداً بلا عذر: فالراجح: أنه لا يلزمه القضاء؛ لأنه لا يستفيد به شيئاً، إذ إنه لن يقبل منه، فإن القاعدة أن كل عبادة مؤقتة بوقت معين فإنها إذا أخرت عن ذلك الوقت المعين بلا عذر لم تقبل من صاحبها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) ولأنه مِن تعدي حدود الله عز وجل، وتعدي حدود الله تعالى ظلم، والظالم لا يقبل منه، قال الله تعالى: (وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ?للَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ ?لظَّلِمُونَ) ؛ ولأنه لو قدم هذه العبادة على وقتها - أي: فعلها قبل دخول الوقت - لم تقبل منه، فكذلك إذا فعلها بعده لم تقبل منه إلا أن يكون معذوراً " انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (19 / السؤال رقم 45) .
والواجب عليه أن يتوب توبة صادقة من كل الذنوب، وأن يحافظ على الواجبات، ويترك المنكرات، ويكثر من النوافل والقربات.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1174)
تفوته أوقات الصلوات في رمضان بسبب النوم فماذا عليه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[في موسم الصيام أشعر بتعب بحيث إنني إذا نمت يفوتني فرضان أو أكثر وأشعر بالذنب , وسؤالي هو: إذا نمت عن صلاة الظهر والعصر حتى أتى وقت المغرب وأخاف خروج وقت المغرب فماذا أفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تضييع الصلوات عن وقتها أمر عظيم، وقد توعدَّ الله تعالى على ذلك بوعيد شديد فقال: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) مريم/59.
ومعنى (غَيّاً) :
قال ابن عباس رضي الله عنهما: خسرانا، وقال قتادة: شرّاً، وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: واد في جهنم بعيد القعر خبيث الطعم.
انظر " تفسير ابن كثير " (3 / 172) .
وقيل لابن مسعود رضي الله عنه: إن الله تعالى يكثر من ذكر الصلاة في القرآن: (الذين هم على صلاتهم دائمون) ، و (الذين هم على صلاتهم يحافظون) ، و (ويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون) ؛ قال: ذلك – أي: ذلك الوعيد - على مواقيتها؛ قالوا: ما كنا نرى يا أبا عبد الرحمن إلا على تركها؟ قال: تركها كفر.
" تعظيم قدر الصلاة " للمروزي (2 / 5) وقال محققه سنده حسن.
وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم النوم عن الصلاة المكتوبة ضمن الأسباب التي يعذب بها الإنسان في قبره، وانظر جواب السؤال رقم (46068) لتقف على هول هذا العذاب وشدته، نسأل الله تعالى العافية.
وإليك هذه الموعظة من هذا الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، يتكلم في كلمات معدودات عن حكم صلاة الجماعة، وحال تاركها، وأجر الذاهب إليها، وحال من علت همته وهو معذور ليذهب للجماعة وليقام في الصف.
قَالَ: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ، فَإِنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَنَ الْهُدَى، وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى، وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ] هذا يقوله فيمن صلى الصلاة في وقتها، غير أنه ترك الجماعة في المسجد، وصلاها في بيته، فكيف يكون حال من تركها حتى خرج وقتها بالكلية! [، ثم قال: وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ ثُمَّ يَعْمِدُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ إِلا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً، وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً، وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ) رواه مسلم (654) .
ولا يليق بالمسلم أن لا يعرف الصيام إلا في شهر رمضان، فإن في العام أياماً فاضلة استحب فيها الصيام كيوم عرفة، وعاشوراء، وفي كل أسبوع يستحب صيام الاثنين والخميس، وفي كل شهر يستحب صيام ثلاثة أيام منه، فلو أنك عوَّدت نفسك على الصيام طيلة العام لم تره حملاً ثقيلاً يجعلك تنام النهار كلَّه وتضيع الصلوات.
ويجب عليك أن تأخذ بالأسباب التي توقظك للصلاة، ولا يجوز لك تعمد ترك الصلاة بعذر النوم وأنت تستطيع الاستيقاظ في أوقات الصلوات.
وينبغي أن تنظر في سبب تعبك في الصيام، فإن كان تعبك بسبب العمل: فعليك أن توازن بين العمل والصيام، وإذا لم تكن مضطرا للعمل، ولم تستطع القيام بالصيام والصلاة وسائر العبادات مع العمل، فإنك تأخذ إجازة من العمل خلال شهر الصيام. وانظر جواب السؤال رقم (65803) , (43772) ، وإن كان بسبب السهر: فيحرم عليك هذا السهر الذي يسبب لك ترك الصلوات حتى يخرج وقتها.
ويجب عليك أن توصي من حولك من أهلك وزوجتك وأولادك بأن يوقظوك للصلاة، ويجب عليهم أن يعينوك على طاعة الله تعالى وأداء الصلوات في أوقاتها.
وإن كنتَ أخذت بالأسباب ولم تستيقظ لتعب شديد أو مرض فخرج وقتان للصلاة فإنك تقضي ما فاتك من الصلاة بترتيبها المعهود فتصلي الظهر ثم العصر..... وهكذا إلا أن تخشى خروج وقت الثانية فإنك تبدأ بها، فلو استيقظت قبل غروب الشمس ولم تكن صليت الظهر والعصر، وضاق وقت العصر حتى كادت الشمس تغيب فابدأ بالعصر، ثم صلِّ الظهر بعدها، فالمغرب.
ونسأل الله تعالى أن يعينك على طاعته وحسن عبادته، وأن يعلي همتك في الخير.
ونرجو منك النظر في جواب السؤالين (38158) و (47123) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1175)
صلاة الوتر بعد أذان الفجر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم فيما إذا نوى المرء أن يصلي صلاة الوتر لكنه نام عنها أو لم ينتبه للوقت وهو يتناول طعام السحور؟ هل له أن يصلي الوتر حتى بعد أذان الفجر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ينتهي وقت صلاة الوتر بطلوع الفجر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صَلاة اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ الصُّبْحَ صَلَّى وَاحِدَةً فَأَوْتَرَتْ لَهُ مَا صَلَّى) رواه البخاري (472) .
وروى مسلم (754) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَوْتِرُوا قَبْلَ أَنْ تُصْبِحُوا) .
" فإذا أذن الفجر ولم يوتر الإنسان أَخَّره إلى الضحى بعد أن ترتفع الشمس فيصلي ما تيسر، يصلي ثنتين أو أربع أو أكثر، ثنتين ثنتين، فإذا كانت عادته ثلاثا ولم يصلها في الليل، صلاها الضحى أربعا بتسليمتين، فإذا كانت عادته خمسا ولم يتيسر له فعلها في الليل لمرض أو نوم أو غير ذلك صلاها الضحى ستا بثلاث تسليمات، وهكذا، لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يفعل ذلك، كان يوتر بإحدى عشرة، فإذا شغله مرض أو نوم صلاها من النهار ثنتي عشرة ركعة. هكذا قالت عائشة رضي الله عنها فيما رواه الشيخان البخاري ومسلم عنها، وهذا هو المشروع للأمة اقتداء به عليه الصلاة والسلام.
"مجموع فتاوى ابن باز" (11/300) .
وسئل الشيخ ابن باز أيضاً:
صلاة الوتر نهايتها هل هي عند ابتداء الأذان، أذان الفجر أم نهاية الأذان وإذا نام عنها هل تقضى وكيف؟
فأجاب:
" المشروع لكل مؤمن ومؤمنة الإيتار في كل ليلة ووقته ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر لما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى) وروى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي أنه قال: (أوتروا قبل أن تصبحوا) وخرج الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وصححه الحاكم عن خارجة بن حذافة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله أمدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم. قلنا: يا رسول الله ما هي؟ قال: الوتر، ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر) والأحاديث في هذا الباب كثيرة، وهي دالة على أن الوتر ينتهي بطلوع الفجر، وإذا لم يعلم المصلي طلوع الفجر اعتمد على المؤذن المعروف بتحري الوقت، فإذا أذن المؤذن الذي يتحرى وقت الفجر فاته الوتر، أما من أذن قبل الفجر فإنه لا يفوت بأذانه الوتر ولا يحرم به على الصائم الأكل والشرب، ولا يدخل به وقت صلاة الفجر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم) متفق على صحته. وكان ابن أم مكتوم رجلا أعمى لا ينادي حتى يقال له أصبحت أصبحت. وبما ذكرنا يتضح أن وقت الوتر ينتهي بأول الأذان إذا كان المؤذن يتحرى الصبح في أذانه، لكن إذا أذن المؤذن والمسلم في الركعة الأخيرة أكملها لعدم اليقين بطلوع الفجر بمجرد الأذان، ولا حرج في ذلك إن شاء الله.
ومن فاته الوتر شرع له أن يصلي عادته من النهار لكن يشفعها بركعة، فإذا كانت عادته ثلاثا صلى أربعا، وإذا كانت عادته خمسا صلى ستا، وهكذا يسلم من كل اثنتين، لما ثبت في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فاته وتره من الليل لمرض أو نوم صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة) وكانت عادته صلى الله عليه وسلم الغالبة الإيتار بإحدى عشرة ركعة، فإذا شغل عنها بمرض أو نوم صلى ثنتي عشرة ركعة، كما قالت عائشة رضي الله عنها، يسلم من كل اثنتين لما ثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله كم يصلي من الليل عشر ركعات يسلم من كل اثنتين ويوتر بواحدة) متفق على صحته؛ ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل والنهار مثنى مثنى) رواه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وأصله في الصحيحين بلفظ: (صلاة الليل مثنى مثنى) كما تقدم في أول هذا الجواب، والله ولي التوفيق " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (11/305-308) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: أحرص على الوتر في وقته الفاضل قبل طلوع الفجر؛ ولكن أحياناً لا أستطيع فعله قبل طلوع الفجر، فهل يجوز لي الوتر بعد طلوع الفجر؟
فأجاب:
" إذا طلع الفجر وأنت لم توتر فلا توتر، ولكن صل في النهار أربع ركعات إن كنت توتر بثلاث، وست ركعات إن كنت توتر بخمس وهكذا.
لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فاتته صلاة الليل صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (14/114) .
وقد جاء عن جماعة من الصحابة أنه لا حرج في صلاة الوتر بعد أذان الفجر إلى إقامة الصلاة، منهم: ابن مسعود، رواه النسائي (1667) وصححه الألباني في صحيح النسائي، وابن عباس، رواه مالك في "الموطأ" (255) ، وعبادة بن الصامت، رواه مالك في "الموطأ" أيضاً (257) رضي الله عنهم أجمعين.
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عمن نام عن صلاة الوتر؟
فأاب: " يصلي ما بين طلوع الفجر وصلاة الصبح، كما فعل ذلك عبد الله بن عمر وعائشة وغيرهما. وقد روى أبو داود في سننه عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من نام عن وتره أو نسيه فليصله إذا أصبح أو ذكر) . واختلفت الرواية عن أحمد هل يقضي شفعه معه؟ والصحيح أنه يقضي شفعه معه. وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، فإن ذلك وقتها) . وهذا يعم الفرض وقيام الليل والوتر والسنن الراتبة " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (2/240) .
فإذا فعل المسلم أي واحد من الأمرين فلا حرج عليه إن شاء الله تعالى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1176)
لم يكن يعلم بوجوب غسل الجنابة فهل يعيد الصلوات؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لم أكن أعلم بوجوب الغسل من الجنابة للصلاة، فهل عليَّ إعادة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب على كل مسلم ومسلمة تعلم الأحكام الشرعية وخاصة المتعلقة بما قد كلفه الله به ويستطيع القيام به، فمن ملك المال وجب عليه تعلم أحكام الزكاة، ومن عمل في التجارة وجب عليه تعلم أحكام البيع والشراء، وعلى الجميع تعلم الاعتقاد الصحيح وما يلزم كل مكلف القيام به، وأحكام الطهارة والصلاة، وقد يسَّر الله تعالى طرق طلب العلم، فلم يعد للكثيرين حجة في عدم العلم إلا التقصير.
وبخصوص المسألة المعيّنة: وهي عدم العلم بوجوب الغسل من الجنابة، وأنك قد صلَّيت صلوات كثيرة وأنت على هذه الحال: فقد ذهب أهل العلم إلى أن ذلك يعتبر عذراً، فلا يجب عليك قضاؤها ولكن عليك الاغتسال وإعادة الصلاة التي بلغك الحكم وأنت في وقتها. واستدلوا على ذلك بعدة أدلة:
1. عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فدخل رجل فصلى فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فرد وقال: ارجع فصل فإنك لم تصل فرجع يصلي كما صلى ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ارجع فصل فإنك لم تصل ثلاثا فقال: والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره فعلمني، فقال: إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى تعتدل قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تطمئن جالسا وافعل ذلك في صلاتك كلها. رواه البخاري (724) ومسلم (367) . فلم يأمره النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقضاء ما مضى من الصلوات وإنما أمره بقضاء الصلاة الحاضرة فقط.
2. عن عبد الرحمن بن أبزى قال: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال: إني أجنبت فلم أصب الماء، فقال عمار بن ياسر لعمر بن الخطاب: أما تذكر أنا كنا في سفر أنا وأنت فأما أنت فلم تصل وأما أنا فتمعكت (أي: تمرغت في التراب) فصليت فذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما كان يكفيك هكذا فضرب النبي صلى الله عليه وسلم بكفيه الأرض ونفخ فيهما ثم مسح بهما وجهه وكفيه. رواه البخاري (331) ومسلم (368) .
فقد ترك عمر بن الخطاب رضي الله عنه الصلاة لعدم علمه بوجوب التيمم لمن فقد الماء، وخالف عمار بن ياسر رضي الله عنه طريقة التيمم لعدم علمه بصفة التيمم الصحيحة، ولم يأمرهما النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء ما تركاه من الصلوات.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
... وعلى هذا لو ترك الطهارة الواجبة لعدم بلوغ النص، مثل: أن يأكل لحم الإبل ولا يتوضأ ثم يبلغه النص ويتبين له وجوب الوضوء، أو يصلي في أعطان الإبل ثم يبلغه ويتبين له النص: فهل عليه إعادة ما مضى؟ فيه قولان هما روايتان عن أحمد.
ونظيره: أن يمس ذَكَره ويصلى، ثم يتبين له وجوب الوضوء من مس الذكر.
والصحيح في جميع هذه المسائل: عدم وجوب الإعادة؛ لأن الله عفا عن الخطأ والنسيان؛ ولأنه قال {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} ، فمن لم يبلغه أمر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شيءٍ معيَّنٍ: لم يثبت حكم وجوبه عليه، ولهذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر وعمَّاراً لما أجْنبا فلم يصلِّ عمر وصلَّى عمار بالتمرغ أن يعيد واحد منهما، وكذلك لم يأمر أبا ذر بالإعادة لما كان يجنب ويمكث أياماً لا يصلي، وكذلك لم يأمر مَن أكل من الصحابة حتى يتبين له الحبل الأبيض من الحبل الأسود بالقضاء، كما لم يأمر مَن صلى إلى بيت المقدس قبل بلوغ النسخ لهم بالقضاء.
ومن هذا الباب: المستحاضة إذا مكثت مدة لا تصلي لاعتقادها عدم وجوب الصلاة عليها، ففي وجوب القضاء عليها قولان، أحدهما: لا إعادة عليها - كما نقل عن مالك وغيره –؛ لأن المستحاضة التي قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: " إني حضت حيضةً شديدةً كبيرةً منكرةً منعتني الصلاة والصيام " أمرها بما يجب في المستقبل، ولم يأمرها بقضاء صلاة الماضي.
وقد ثبت عندي بالنقل المتواتر أن في النساء والرجال بالبوادي وغير البوادي مَن يبلغ ولا يعلم أن الصلاة عليه واجبة، بل إذا قيل للمرأة: صلِّي، تقول: حتى أكبر وأصير عجوزة! ظانَّة أنه لا يخاطَب بالصلاة إلا المرأة الكبيرة كالعجوز ونحوها، وفي أتباع الشيوخ (أي من الصوفية) طوائف كثيرون لا يعلمون أن الصلاة واجبة عليهم، فهؤلاء لا يجب عليهم في الصحيح قضاء الصلوات سواء قيل: كانوا كفَّاراً أو كانوا معذورين بالجهل ... " مجموع الفتاوى " (21 / 101، 102) .
وانظر جواب السؤال رقم (21806) .
ويمكن أن يُقال هنا إن السائل إذا كان في مكان تتوافر فيه أسباب التعلم وفرّط ولم يتعلم فإن عليه قضاء الصلوات التي صلاها بغير غُسل من الجنابة ما لم يكن كبيراً جداً، فيسقط قضاؤها حينئذ للحرج لقوله تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) الحج/78
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1177)
صلاة المغرب خلف من يصلي العشاء
[السُّؤَالُ]
ـ[رجعت من السفر ولم أكن صليت المغرب، ودخلت المسجد فوجدتهم يصلون العشاء، فهل أصلي العشاء معهم أم أصلي المغرب منفردا ثم أصلي العشاء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
بل تدخل مع الإمام في الصلاة بنية صلاة المغرب، ثم تجلس في الركعة الثالثة وتتشهد، وتسلم، ثم تدخل مع الإمام فيما بقي من صلاة العشاء، أو تنتظر في التشهد حتى يتم الإمام صلاته وتسلم معه، ثم تصلي العشاء.
وهذا مذهب الإمام الشافعي رحمه الله، وأحد القولين عن الإمام أحمد، وذكر المرداوي في "الإنصاف" (4/413) أنه اختارها جماعة من أصحاب الإمام أحمد منهم شيخ الإسلام ابن تيمية، وجده المجد ابن تيمية.
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (4/143) :
" ولو نوى الصبح خلف مصلي الظهر وتمت صلاة المأموم، فإن شاء انتظر في التشهد حتى يفرغ الإمام , ويسلم معه , وهذا أفضل , وإن شاء نوى مفارقته وسلم , و (لا) تبطل صلاته هنا بالمفارقة بلا خلاف، لتعذر المتابعة , وكذا فيما أشبهها من الصور " انتهى.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
تأخر المصلون عن صلاة المغرب، فوجدوا أن الإمام قام إلى صلاة العشاء، فهل يصلون المغرب جماعة أم يدخلون مع الإمام؟ وكيف يكون حالهم في الصلاة؟
فأجاب:
" الصحيح أن الإنسان إذا جاء والإمام في صلاة العشاء، سواء كان معه جماعة أم لم يكن، فإنه يدخل مع الإمام بنية المغرب، ولا يضر أن تختلف نية الإمام والمأموم لعموم قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) . فإن دخلوا معه في الركعة الثانية سلموا معه، لأنهم يكونون صلوا ثلاثاً، ولا يضر أن يكون جلسوا في الركعة الأولى، وإن دخلوا معه في أول ركعة، فإذا قام إلى الرابعة جلسوا وتشهدوا وسلموا، ثم دخلوا معه فيما بقي من صلاة العشاء.
القول الثاني في المسألة: أن يدخلوا معه بنية العشاء، ويصلوا بعده المغرب ويسقط الترتيب هنا مراعاةً للجماعة.
القول الثالث:
أن يصلوا وحدهم صلاة المغرب، ثم يدخلوا معه فيما بقي من صلاة العشاء، والقولان الأخيران فيهما محذور، أما الأول فمحذوره فوات الترتيب حيث قدم صلاة العشاء على صلاة المغرب، وأما الثاني فمحذوره إقامة جماعتين في مسجد واحد وفي آن واحد، وهذا تفريق للأمة.
أما القول الأول الذي ذكرنا أنه الصحيح، فربما قال قائل إن فيه محذوراً وهو تسليم هؤلاء قبل أن يسلم إمامهم، وهذا في الحقيقة ليس فيه محذور، فقد ورد انفراد المأموم عن الإمام في مواضع من السُّنَّة، منها: صلاة الخوف، فإن الإمام يصلي بهم ركعة ثم يتمون لأنفسهم وينصرفون.
ومنها: قصة الرجل الذي دخل مع معاذ بن جبل رضي الله عنه، فلما بدأ بسورة البقرة أو سورة نحوها انفصل عنه ولم يكمل معه.
ومنها: أن العلماء قالوا: لو أن الإنسان أثناء الصلاة وهو مأموم ثارت عليه الريح (الغازات) أو احتاج إلى نقض الوضوء ببول أو غائط، فإنه لا بأس أن ينوي الانفراد ويكمل صلاته وينصرف، فهذا يدل على أن الانفراد لحاجة لا يعتبر محذوراً " انتهى.
"لقاءات الباب المفتوح" (3/425) .
وسئل الشيخ ابن باز: دخلت المسجد وصلاة العشاء قائمة، وقبل الدخول في الصلاة تذكرت أنني لم أصل المغرب، فهل أصلي المغرب ثم أدرك ما أدرك من العشاء مع الجماعة، أم أصلي مع الجماعة ثم أصلي المغرب بعد ذلك؟
فأجاب: " إذا دخلت المسجد وصلاة العشاء مقامة، ثم تذكرت أنك لم تصل المغرب، فادخل مع الجماعة بنية صلاة المغرب، وإذا قام الإمام إلى الركعة الرابعة فاجلس أنت في الثالثة واقرأ التشهد الأخير - أعني التحيات والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم - والدعاء بعدها وانتظر الإمام حتى يسلم ثم تسلم معه، ولا يضر اختلاف النية بين الإمام والمأموم على الصحيح من أقوال أهل العلم، وإن صليت المغرب وحدك ثم دخلت مع الجماعة فيما أدركت من صلاة العشاء فلا بأس " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (12/189) .
وسئلت اللجنة الدائمة: ما هو العمل عندما ينسى الرجل صلاة الفجر مثلاً، ولا يتذكر إلا عندما أقيمت صلاة الظهر، أو نسي صلاة الظهر ولم يتذكر إلا عندما دخل وقت صلاة العصر، هل يدخل مع الإمام بنية الفرض الفائت أم بنية الوقت الحاضر، ويقضي بعد ذلك الوقت الفائت؟
فأجابت: " يصلي الصلاة التي نسيها وراء الإمام، ولا يضره اختلاف نيته عن نية الإمام على الصحيح من قولي العلماء " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (7/407) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1178)
هل العمل من الأعذار المبيحة لتأخير الصلاة عن وقتها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني أعمل، وفي وقت لا يسمح لي بأداء صلاة الفجر وصلاة الظهر، هل يجوز لي أن أصليهما في وقت بعد العمل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يحل لمسلمٍ أن يؤخر الصلاة عن وقتها إلا من عذر، ومن الأعذار الشرعية التي تبيح قضاء الصلاة بعد خروج وقتها: النوم والنسيان، وليس القيام بأعمال الدنيا من الأعذار المبيحة لترك الصلاة أو تأخيرها عن وقتها، بل من صفات المؤمنين الصادقين أنهم لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذِكر الله وإقام الصلاة.
قال الله تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآَصَالِ. رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ. لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) النور / 36 – 38.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي:
فهؤلاء الرجال وإن اتجروا , وباعوا , واشتروا: فإن ذلك لا محذور فيه، لكنه لا تلهيم تلك بأن يقدموها ويؤثروها على (ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ) بل جعلوا طاعة الله وعبادته غاية مرادهم , ونهاية مقصدهم، فما حال بينهم وبينها رفضوه.
ولما كان ترك الدنيا شديداً على أكثر النفوس , وحب المكاسب بأنواع التجارات محبوباً لها , ويشق عليها تركه في الغالب , وتتكلف من تقديم حق الله على ذلك: ذكر ما يدعوها إلى ذلك , - ترغيباً وترهيباً – فقال: (يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ) من شدة هوله، وإزعاجه القلوب، والأبدان , فلذلك خافوا ذلك اليوم , فسهل عليهم العمل (يعني: العمل للآخرة) , وترك ما يشغل عنه.
" تفسير السعدي ".
وفي فرضية الصلاة وحكم وقتها قال الله تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} النساء / 103.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي:
أي: مفروضا في وقته، فدل ذلك على فرضيتها , وأن لها وقتاً لا تصح إلا به , وهو هذه الأوقات , التي قد تقررت عند المسلمين , صغيرهم , وكبيرهم , عالمهم وجاهلهم , وأخذوا ذلك عن نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم بقوله: " صلوا كما رأيتموني أصلي "، ودلَّ قوله {عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} على أن الصلاة ميزان الإيمان , وعلى حسب إيمان العبد تكون صلاته , وتتم وتكمل.
" تفسير السعدي ".
وقال تعالى – متوعداً من أخَّر الصلاة عن وقتها لغير عذر -: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا. إِلا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا) مريم / 59، 60.
والغي: الخسران أو وادٍ في جهنم.
وقال تعالى: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ. الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ) الماعون / 4، 5.
قال ابن كثير:
عن ابن مسعود أنه قيل له إن الله يكثر ذكر الصلاة في القرآن (الذين هم عن صلاتهم ساهون) و (على صلاتهم دائمون) و (على صلاتهم يحافظون) فقال ابن مسعود: على مواقيتها، قالوا: كنا نرى ذلك إلا على الترك، قال: ذلك الكفر …
وقال الأوزاعي عن إبراهيم بن يزيد أن عمر بن عبد العزيز قرأ (فخلف مِن بعدهم خلْف أضاعوا الصلاة واتَّبعوا الشهوات فسوف يلْقَوْن غيّاً) ثم قال: لم تكن إضاعتهم تركها ولكن أضاعوا الوقت.
" تفسير ابن كثير " (3 / 128، 129) .
فلا يحل لك تأخير الصلاة عن وقتها بعذر العمل، فإن لم يمكنك أن تصلي الصلاة في وقتها بسبب العمل فعليك ترك هذا العمل، والبحث عن عمل غيره لا يكون سبباً في تضييع الصلاة، ولا ينبغي للمسلم العاقل أن يعرِّض نفسه لوعيد ربه تبارك وتعالى، ولا أن يبيع دينه بعرَضٍ من الدنيا زائل.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1179)
تذكر أنه لم يصل الصبح وهو في صلاة الظهر
[السُّؤَالُ]
ـ[صليت الظهر وكانت قد فاتتني ثلاث ركعات وبعد أن أتممت ركعتين تذكرت أني لم أصل الفجر-كنت مريضًا-، ثم قطعت الصلاة بعد الركعة الثانية ونويتها فجرًا وبعد ذلك صليت الظهر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سيكون الجواب على هذا السؤال من خلال ثلاث نقاط:
أولاً: حكم الترتيب بين الصلوات الفائتة
ذهب الأئمة الثلاثة أبو حنيفة ومالك وأحمد إلى أنه يجب الترتيب بين الصلوات الفائتة عند قضائها، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فاتته بعض الصلوات يوم الخندق قضاها مرتبة.
روى البخاري (641) ومسلم (631) عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الْعَصْرَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ بَعْدَ مَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ. وروى البخاري (631) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي) . المغني (2/336) .
ثانياً: إذا نسي الترتيب فهل يسقط؟
فالجواب: نعم، يسقط وجوب الترتيب بالنسيان، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) رواه ابن ماجه (2043) . وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (1662) . وهو مذهب الإمامين أبي حنيفة وأحمد رحمه الله. انظر فتح القدير (1/424) والمغني (2/340) ، والشرح الممتع (2/139) .
ومن نسي الصلاة حتى دخل وقت الصلاة الثانية، ثم ذكرها فله ثلاثة أحوال:
1- أن يتذكر الصلاة الفائتة قبل أن يبدأ في الصلاة الحاضرة، فيجب عليه حينئذٍ أن يبدأ بالصلاة الفائتة، ثم يُصلي الصلاة الحاضرة.
2- أن يصلي الصلاة الحاضرة ويتمها ثم يتذكر أن عليه صلاة فائتة لم يصلها، فإن الصلاة الحاضرة صحيحة ويصلي الصلاة الفائتة فقط. وهو معذور في عدم الترتيب بالنسيان.
3- أن يتذكر أثناء الصلاة الحاضرة أنه لم يصلِّ الصلاة السابقة (الفائتة) فإنه يتم الحاضرة وتكون نفلاً، ثم يصلي الفائتة، ثم يعيد بعدها الحاضرة محافظة على الترتيب. وهذا مذهب الإمام أحمد رحمه الله. وانظر المغني (2/336-340) . وهو قول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. روى مالك في الموطأ (408) عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: مَنْ نَسِيَ صَلاةً فَلَمْ يَذْكُرْهَا إِلا وَهُوَ مَعَ الإِمَامِ، فَإِذَا سَلَّمَ الإِمَامُ فَلْيُصَلِّ الصَّلاةَ الَّتِي نَسِيَ ثُمَّ لِيُصَلِّ بَعْدَهَا الأُخْرَى. وقال شيخ الإسلام رحمه الله: (ومتى ذكر الفائتة في أثناء الصلاة كان كما لو ذكر قبل الشروع فيها، ولو لم يذكر الفائتة حتى فرغت الحاضرة فإن الحاضرة تجزئة عند جمهور العلماء كأبي حنيفة والشافعي وأحمد. . .) اهـ الفتاوى الكبرى (1/112) .
وكونه يتم الصلاة التي هو فيها على سبيل الاستحباب لا الوجوب، فإذا قطعها ثم صلى الصلاة الفائتة ثم الحاضرة بعدها كان ذلك جائزاً. قَالَ مُهَنَّا: قُلْت لِأَحْمَدَ: إنِّي كُنْتُ فِي صَلاةِ الْعَتَمَةِ [أي العشاء] , فَذَكَرْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ صَلَّيْتُ الْمَغْرِبَ , فَصَلَّيْتُ الْعَتَمَةَ , ثُمَّ أَعَدْتُ الْمَغْرِبَ وَالْعَتَمَةَ؟ قَالَ: أَصَبْتَ. فَقُلْتُ: أَلَيْسَ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ أَخْرُجَ حِينَ ذَكَرْتُهَا؟ قَالَ: بَلَى. قُلْتُ: فَكَيْفَ أَصَبْتُ؟ قَالَ: كُلٌّ جَائِزٌ. المغني 2/339.
وذهب بعض العلماء إلى أنه يتم الصلاة (الحاضرة) التي هو فيها ثم يصلي الفائتة، ولا يلزمه إعادة الحاضرة مرة أخرى، وهو مذهب الشافعي كما في المجموع (3/70) واختاره الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. مجموع فتاوى ابن عثيمين 12/221. والقول الأول أحوط.
ثالثاً: قول السائل إنه لم يصل الصبح لأنه كان مريضاً
هذا العمل غير صحيح؛ لأن المرض ليس عذرا لترك الصلاة حتى يخرج وقتها، بل الواجب على المسلم أن يصلي الصلاة في وقتها، ثم إذا كان مريضا فإنه يصلي على حسب استطاعته إذ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها. فإذا عجز عن القيام صلى قاعدا، فإن عجز عن القعود صلى على جنب، وإن عجز عن الوضوء تيمم، وإذا كان على بدنه نجاسة وعجز عن إزلتها صلى على حالته التي هو عليها وهكذا، ولا يجوز له تأخير الصلاة عن وقتها بسبب عجزه عن الطهارة أو إزالة النجاسة، بل يصلي على حسب استطاعته ويفعل من واجبات الصلاة ما يستطيعه ويسقط عنه ما لا يستطيعه. وانظر رسالة (أحكام صلاة المريض وطهارته) للشيخ ابن باز.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1180)
يختلفون في مواقيت الصلاة، فمن يتبع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مقيم في هولندا ويوجد مسجدان في القرية التي أنا فيها وكل مسجد يعطي أوقات للأذان تختلف عن الآخر، بالإضافة إلى التواقيت التي نجدها في الإنترنت فأي واحدة نتبع؟ علما أن الفرق بينهم دقائق كثيرة، ونحن مقبلون على شهر رمضان إن شاء الله، وأن وقت صلاة الفجر والمغرب مختلف بينهم، فما رأيكم ماذا نفعل؟ أي واحد منهم نتبع؟ علماً أن المساجد أحدهما يديره أتراك والآخر يديره مغاربة، أو أتبع أوقات الإنترنت؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
مواقيت الصلاة قد بينتها النصوص الشرعية بياناً واضحاً، فهي منوطة بأمور تعتمد على المشاهدة، ويدركها كل إنسان بشيء من النظر والتأمل.
فوقت الفجر يدخل بطلوع الفجر الصادق الذي ينتشر ضوءه قي الأفق عرضاً، يميناً ويساراً.
ووقت الظهر يكون بميل الشمس عن وسط السماء.
ووقت العصر يبدأ بمصير ظل كل شيء مثله (أي طوله) بعد الظل الذي زالت عليه الشمس.
ووقت المغرب يدخل بغياب كامل قرص الشمس عن وجه الأرض.
قال النووي: " والاعتبار سقوط قرصها بكماله،. . . ولا نظر بعد تكامل الغروب إلى بقاء شعاعها، بل يدخل وقتها مع بقائه ". انتهى " المجموع " (3/33) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وحينئذ يفطر الصائم ويزول وقت النهي، ولا أثر لما يبقى في الأفق من الحمرة الشديدة في شيء من الأحكام".. "شرح العمدة" (4/169) .
ووقت العشاء يكون بغياب الشفق الأحمر من الأفق.
وللاستزادة في معرفة مواقيت الصلاة ينظر جواب السؤال (9940) .
فعليك بالاجتهاد والنظر في هذه العلامات والسير وفقها، وإن شق عليك هذا الأمر فلا حرج عليك من تقليد أحد المساجد ممن تثق بدين وأمانة القائمين عليه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1181)
وقت صلاة العشاء في المناطق التي لا يغيب فيها الشفق إلا متأخراً
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن طلاب سعوديون، مبتعثون للدراسة في بريطانيا، وبالتحديد: في مدينة " Birmingham " , وتواجهنا في مثل هذه الأيام - ومع بداية فصل الصيف - مشكلة " طول الفترة بين دخول المغرب، ودخول العشاء ". وفي كل عام تثار ضجة بين المسلمين فيما يفعلون، فبعض المساجد تصلي العشاء بعد 90 دقيقة من دخول المغرب، والبعض ينتظر غياب حمرة الشفق لمدة تصل إلى 3 ساعات أحياناً!! مما يوقع الناس في حرج، خصوصاً مع قصر الليل. نحن المسلمون في سكن الكلية في مثل هذه الأيام نصلي العشاء في جماعتين، الأولى: تصلي بعد 90 دقيقة , وتعتمد على ما يلي: أ. أن الشيخ ابن عثيمين رحمه الله قد ذكر في إحدى خطبه أن أقصى مدة بين دخول المغرب والعشاء هي ساعة واثنين وثلاثين دقيقة. ب. بناء على فتوى من أحد المشايخ المشهورين في المملكة. ج. أن الشفق لا يغيب طوال الليل في بعض الأجزاء، وبعض الفصول من السنَة. د. أن بعض المساجد، والمراكز الإسلامية تعتمد نظام الـ 90 دقيقة. هـ. أن الحرمين الشريفين تعتمد هذا النظام. أما الجماعة الأخرى: فتصلي متأخرة، بناء على ما يلي: أ. فتوى اللجنة الدائمة، بأن تصلى كل صلاة بتوقيتها الشرعي، حسب علامتها الشرعية (إذا تميز الليل من النهار) . ب. فتوى من شيخ آخر مشهور، في السعودية، أكد فيها أن نظام الـ 90 دقيقة اجتهاد خاطئ. ج. أن بعض المساجد، والمراكز الإسلامية، تفعل هذا. د. التقويم المعتمد من " رابطة العالم الإسلامي ". وفي حقيقة الأمر - يا فضيلة الشيخ - أن تقويم " الرابطة " يوقعنا في حرج، ومشقة، في بعض فصول السنَة. نحن نعتمد في تقاويم الصلاة على الموقع التالي: www.islamicfinder.org والذي يوفر جميع التقاويم، وطرق الحساب المعروفة، بالإضافة إلى إمكانية التعديل الشخصي. ونظراً لأننا لم نجد في الإنترنت، ولا غيره، بحثاً مؤصَّلاً في هذه المسألة، ولا فتوى واضحة: فإننا - يا فضيلة الشيخ - ننتظر منكم البحث الكافي، والجواب الشافي، الذي نسأل الله أن يوحد به القلوب، ويجمعها على الحق، في هذه المسألة. وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
من شروط صحة الصلاة المتفق عليها بين أهل العلم: دخول وقت الصلاة، قال تعالى: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) النساء/ 103.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله:
أي: مفروضاً في وقته، فدلَّ ذلك على فرضيتها، وأن لها وقتاً لا تصح إلا به، وهو هذه الأوقات التي قد تقررت عند المسلمين، صغيرهم، وكبيرهم، عالمهم، وجاهلهم.
" تفسير السعدي " (ص 198) .
ثانياً:
أول وقت صلاة المغرب: مغيب قرص الشمس في الأفق , وآخره – وبه يدخل وقت العشاء -: مغيب الشفق الأحمر.
فعنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (وَقْتُ صَلاَةِ الْمَغْرِبِ إِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ مَا لَمْ يَسْقُطِ الشَّفَقُ، وَوَقْتُ صَلاَةِ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ) رواه مسلم (612) .
وهذه المواقيت المحددة في الشرع إنما تكون في البلاد التي فيها الليل والنهار في أربع وعشرين ساعة، ولا عبرة بطول النهار وقصَر الليل في هذه الحال، إلا أن يكون وقت العشاء لا يتسع لأداء الصلاة، فإن لم يتسع: فكأنه لا وقت لها، ويقدَّر بأقرب البلاد إليه مما فيه ليل ونهار يتسعان لأداء الصلوات الخمس.
ومسألتكم هذه مما عُني بها العلماء، وتداولوها بينهم بالبحث، والفتوى، وقد ألَّف بعضهم رسالة مستقلة فيها بعنوان " وقت صلاة العشاء ووقت الإمساك في المناطق التي لا يغيب فيها الشفق إلا متأخرًا ويطلع الفجر مبكراً " وهي لرئيس مركز البحوث الإسلامية في إستانبول، الدكتور " طيار آلتي قولاج "، وقد اختلف العلماء في هذه المسألة إلى ثلاثة أقوال:
القول الأول: الأخذ برخصة الجمع بين المغرب والعشاء؛ لوجود المشقة التي لا تقل عن المطر، وغيره من أعذار الجمع.
والقول الثاني: تقدير وقت صلاة العشاء، ودعا بعضهم إلى جعل الاعتبار في هذا: مكة المكرمة، وممن قال بهذا القول صاحب الرسالة آنفة الذِّكر.
والقول الثالث: الالتزام بالأوقات الشرعية للعشاء، وهي مغيب الشفق، ما دام الوقت يتسع لأداء الصلاة.
وهذا القول الأخير هو الذي نراه راجحاً، وهو الذي تدل عليه النصوص النبوية، وبه يفتي هيئة كبار العلماء، واللجنة الدائمة للإفتاء، والشيخان: العثيمين، وابن باز، وغيرهم من أهل العلم.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
وهذه المواقيت المحددة: إنما تكون في مكان يتخلله الليل والنهار في أربع وعشرين ساعة، سواء تساوى الليل والنهار، أم زاد أحدهما على الآخر زيادة قليلة أو كثيرة.
أما المكان الذي لا يتخلله الليل والنهار في أربع وعشرين ساعة: فلا يخلو: إما أن يكون ذلك مطرداً في سائر العام، أو في أيام قليلة منه.
فإن كان في أيام قليلة منه، مثل أن يكون المكان يتخلله الليل والنهار في أربع عشرين ساعة طيلة فصول السنة، لكن في بعض الفصول يكون فيه أربعاً وعشرين ساعة أو أكثر والنهار كذلك: ففي هذه الحالة إما أن يكون في الأفق ظاهرة حية يمكن بها تحديد الوقت، كابتداء زيادة النور مثلاً، أو انطماسه بالكلية، فيعلَّق الحكم بتلك الظاهرة، وإما أن لا يكون فيه ذلك فتقدر أوقات الصلاة بقدرها في آخر يوم قبل استمرار الليل في الأربع والعشرين ساعة أو النهار ... .
إما إذا كان المكان لا يتخلله الليل والنهار في أربع وعشرين ساعة طيلة العام في الفصول كلها: فإنه يحدد لأوقات الصلاة بقدرها؛ لما رواه مسلم من حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم ذكر الدجال الذي يكون في آخر الزمان فسألوه عن لبثه في الأرض فقال: (أربعون يوماً، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم) ، قالوا: يا رسول الله فذلك اليوم كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: (لا، اقدروا له قدره) .
... فإذا ثبت أن المكان الذي لا يتخلله الليل والنهار يقدر له قدره فماذا نقدره؟
... يرى بعض العلماء: أنه يقدر بالزمن المعتدل، فيقدر الليل باثنتي عشرة ساعة، وكذلك النهار؛ لأنه لما تعذر اعتبار هذا المكان بنفسه اعتبر بالمكان المتوسط، كالمستحاضة التي ليس لها عادة ولا تمييز.
ويرى آخرون: أنه يقدَّر بأقرب البلاد إلى هذا المكان، مما يحدث فيه ليل ونهار في أثناء العام؛ لأنه لما تعذر اعتباره بنفسه: اعتُبر بأقرب الأماكن شبهاً به، وهو أقرب البلاد إليه التي يتخللها الليل والنهار في أربع وعشرين ساعة.
وهذا القول أرجح؛ لأنه أقوى تعليلاً، وأقرب إلي الواقع.
"مجموع فتاوى الشيخ العثيمين" (12/197، 198) .
وهو قول هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية، وأيدته اللجنة الدائمة للإفتاء، وقد نقلنا فتواهم في جواب السؤال رقم: (5842) وفيها قولهم:
" ... إلى غير ذلك من الأحاديث التي وردت في تحديد أوقات الصلوات الخمس، قولاً، وفعلاً، ولم تفرِّق بين طول النهار، وقصره، وطول الليل وقصره، ما دامت أوقات الصلوات متمايزة بالعلامات التي بيَّنها رسول الله صلى الله عليه وسلم" انتهى.
وبالنظر في حال البلاد التي تدرسون فيها: نجد أن فيها ليلاً ونهاراً في أربع وعشرين ساعة، وقصَر وقت العشاء ليس بالقدر الذي لا يتسع لأداء الصلاة فيه، وعليه: فالمتعين في حقكم: أداء الصلوات في أوقاتها الشرعية.
ثالثاً:
إذا كان وقت العشاء يتأخر كثيراً بحيث يكون في أداء الصلاة في وقتها مشقة، فلا حرج حينئذ من الجمع بين صلاتي المغرب والعشاء جمع تقديم.
وفي جواب السؤال رقم: (5709) نقلنا عن الشيخ العثيمين رحمه الله قوله:
"وإن كان الشفق يغيب قبل الفجر بوقت طويل يتسع لصلاة العشاء: فإنه يلزمهم الانتظار حتى يغيب، إلا أن يشق عليهم الانتظار، فحينئذ يجوز لهم جمع العشاء إلى المغرب جمع تقديم؛ دفعاً للحرج، والمشقة ... " انتهى.
وقد جاء في قرار "المجمع الفقهي الإسلامي" التابع لرابطة العالم الإسلامي:
"تداول أعضاء المجلس في موضوع مواقيت الصلاة، والصيام في البلاد ذات خطوط العرض العالية، واستمعوا إلى الدراسات الشرعية، والفلكية، المقدمة من بعض الأعضاء، والعروض التوضيحية للجوانب الفنية ذات الصلة التي تمت التوصية بها في الدورة الحادية عشرة للمجلس، وقرر ما يلي:
" ...
ثالثاً: تقسم المناطق ذات الدرجات العالية إلى ثلاثة أقسام:
المنطقة الأولى: وهي التي تقع ما بين خطي العرض (45ْ) درجة و (48ْ) درجة، شمالاً وجنوباً، وتتميز فيه العلامات الظاهرة للأوقات في أربع وعشرين ساعة، طالت الأوقات، أو قصرت.
المنطقة الثانية: وتقع ما بين خطي عرض (48ْ) درجة و (66ْ) درجة شمالاً وجنوباً، وتنعدم فيها بعض العلامات الفلكية للأوقات في عدد من أيام السنة، كأن لا يغيب الشفق الذي به يبتدئ العشاء، وتمتد نهاية وقت المغرب حتى يتداخل مع الفجر.
المنطقة الثالثة: وتقع فوق خط عرض (66ْ) درجة شمالاً وجنوباً إلى القطبين، وتنعدم فيها العلامات الظاهرة للأوقات في فترة طويلة من السنة نهاراً، أو ليلاً.
رابعاً: والحكم في المنطقة الأولى: أن يلتزم أهلها في الصلاة بأوقاتها الشرعية، وفي الصوم بوقته الشرعي من تبيّن الفجر الصادق إلى غروب الشمس؛ عملاً بالنصوص الشرعية في أوقات الصلاة، والصوم، ومن عجز عن صيام يوم، أو إتمامه لطول الوقت: أفطر، وقضى في الأيام المناسبة ... " انتهى.
وهذه الحالة هي التي وقع السؤال عنها كما هو بَيَّن.
وفي قرار لاحق للمجمع الفقهي الإسلامي أكَّد على القرار السابق، ورخَّص لمن يجد مشقة في أداء صلاة العشاء أن يجمعها مع المغرب، وقد نصَّ على عدم جعل هذا ديدناً عامّاً، بل يكون فقط لأصحاب الأعذار، فقد جاء في ذلك القرار:
"أما إذا كانت تظهر علامات أوقات الصلاة، لكن يتأخر غياب الشفق الذي يدخل به وقت صلاة العشاء كثيراً: فيرى " المجمع " وجوب أداء صلاة العشاء في وقتها المحدد شرعاً، لكن مَن كان يشق عليه الانتظار وأداؤها في وقتها - كالطلاب، والموظفين، والعمَّال أيام أعمالهم -: فله الجمع؛ عملاً بالنصوص الواردة في رفع الحرج عن هذه الأمة، ومن ذلك ما جاء في صحيح مسلم وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء بالمدينة، من غير خوف ولا مطر) ، فسئل ابن عباس عن ذلك فقال: (أراد ألا يُحرج أمته) .
على ألا يكون الجمع أصلاً لجميع الناس في تلك البلاد، طيلة هذه الفترة؛ لأن ذلك من شأنه تحويل رخصة الجمع إلى عزيمة ...
وأما الضابط لهذه المشقة: فمرده إلى العُرف، وهو مما يختلف باختلاف الأشخاص، والأماكن والأحوال" انتهى من " الدورة التاسعة عشر " المنعقدة بمقر رابطة العالم الإسلامي، بمكة المكرمة، في الفترة من 22 - 27 شوال 1428هـ، الموافق 3 - 8 نوفمبر2007 م، القرار الثاني.
رابعاً:
أما تقدير الوقت بين المغرب والعشاء بساعة واثنتين وثلاثين دقيقة: فلم نجده عن الشيخ العثيمين، ولا غيره، وقد ذكرنا فيما سبق كلام الشيخ رحمه الله ولم يذكر هذا القول ولا رجحه.
ولعله حصل خطأ من الناقل عن الشيخ، وأن الشيخ رحمه الله أراد الوقت بين المغرب والعشاء عادة وغالبا في البلاد المتوسطة، أو في السعودية تحديداً، وهو الأقرب.
أ. ومن كلامه رحمه الله:
"وقت العشاء لا يختص بالأذان في الحقيقة؛ لأن وقت العشاء أحياناً في بعض السنة، وفي بعض الفصول: يكون بين غروب الشمس ودخول وقت العشاء ساعة وربع ساعة، وأحياناً ساعة وثلث الساعة، وأحياناً ساعة وخمساً وعشرين دقيقة، وأحياناً ساعة وثلاثين دقيقة، يختلف، لا يمكن أن يُضبط في جميع الفصول".
" جلسات رمضانية ".
ب. وقال – رحمه الله – أيضاً -:
وقت المغرب من غروب الشمس إلى مغيب الشفق الأحمر، فتارة يكون ساعة ونصف، بين المغرب والعشاء، وتارة ساعة وثلث وتارة ساعة، وسبع عشرة دقيقة، يختلف.
"مجموع فتاوى الشيخ العثيمين" (7/338) .
والخلاصة:
1- في البلاد التي يوجد بها ليل ونهار في أربع وعشرين ساعة: يجب الالتزام بالصلوات في أوقاتها الشرعية، ولو طال الليل، أو قصر.
2- في البلاد التي لا يكون فيها ليل ونهار في أربع وعشرين ساعة: يُلتزم في صلواتها بأقرب مكان إليهم يوجد فيه ليل ونهار.
3- في البلاد التي يتصل بها الشفق إلى الفجر، أو يغيب ولا يتسع الوقت لصلاة العشاء: يُلتزم بأقرب مكان إليهم يوجد فيه متسع من الوقت لصلاتها.
4- يجوز لأهل الأعذار الجمع بين صلاتي المغرب والعشاء إن تعذر عليهم انتظار وقت العشاء.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1182)
تأخير صلاة الظهر والعصر إلى آخر وقتها بسبب العمل
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني ملتزمة بدوام رسمي في دائرتين من الساعة السابعة والنصف صباحاً حتى حدود الخامسة عصراً، ولذلك أصلي صلاة الظهر في حدود الواحدة والنصف ظهراً أو الثانية أو الثانية والنصف، فهل تصح هذه الصلاة؟ مع العلم أن هذه الصلاة تكون ضمن الدوام الثاني في الدائرة الثانية، وليس لدي وقت ولا مكان أصليها في وقتها في الدائرة الأولى، أما صلاة العصر فأصليها عندما أعود إلى المنزل، فهل هذه الصلاة صحيحة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" لا حرج في ذلك، والصلاة صحيحة، ولكن الواجب عليها أن تحذر التساهل حتى يخرج وقت الظهر؛ فإن الصلاة في الثانية والنصف تكون قرب خروج الوقت، فينبغي أن تقدمي صلاة الظهر قبل هذا حتى تحتاطي لدينك ولصلاتك، فإذا حضرت الصلاة صليت في الدائرة الأولى واجتهدت في المكان المناسب حتى تصلي صلاة الظهر في أول وقتها، هذا هو الأفضل.
فإن لم يتيسر فلا حرج أن تصليها في الدائرة الثانية أو في البيت قبل خروج الوقت، ولو في آخر الوقت، لكن لا يجوز أبداً أن تؤخر إلى خروج الوقت، بل يجب أن تقدم قبل العصر.
وقت العصر كذلك تراعي في صلاتها قبل أن تصفرّ الشمس، يجب أن يُراعي المؤمن أداء صلاة العصر قبل أن تصفرّ الشمس في أيّ مكان كان، ولا يجوز تأخير العصر إلى أن تصفرّ الشمس، بل لابد أن تفعل والشمس حية واضحة بيضاء ليس فيها اصفرار في أي دائرة كان، وفي الحضر أو في سفر، لأن حق الله يجب أن يقدم على حق المخلوقين، والصلاة مستثناة من هذه الأعمال، لابد من فعلها في أوقاتها، وإن كان الإنسان في هذه الأعمال فإنه يجب أن يتحرى الوقت المناسب حتى يصلي الصلاة في وقتها مؤدياً حق الله محافظاً عليه، ومبتعداً عن كل ما يسبب إضاعة حق الله " انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (2/729) .
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
موقع الإسلام سؤال وجواب(5/1183)
أسئلة حول مواقيت الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو وقت صلاة العشاء، متى يبدأ ومتى ينتهي؟ وهل لصلاة العشاء وقت اضطرار؟ وما معنى وقت الاضطرار؛ هل هو وقت الصلاة الخاص لمن كان له عذر مثل المرض؟ فقد سمعت عن وقت الاضطرار من إحدى الأخوات لكن لم أفهمه. وقد حذرتنا من تأخير صلاة العشاء إلى ذلك الوقت، وذكرت أن كثيراً من الأخوات تؤخر صلاة العشاء حتى يخرج وقتها، أو تصليها في وقت الاضطرار وهي لا تعلم. وأخيراً: كيف أبدأ بحساب ساعات الليل، هل من غروب الشمس، أم من أذان العشاء؟ وهل هناك فرق بين (جوف الليل) و (ثلث الليل) أم هما واحد؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
الجواب:
أولاً:
يبدأ وقت العشاء من خروج وقت المغرب، وهو مغيب الشفق الأحمر عند جمهور العلماء.
قال ابن المنذر: " وأجمع أهل العلم إلا من شذ عنهم على أن أول وقت العشاء الآخرة إذا غاب الشفق ". انتهى " الأوسط " (3 / 262) .
والشفق هو حُمْرة تظهر في الأفق حين تغرب الشمس، وتستمر من الغروب إلى قُبَيْلِ العشاء.
وأما آخر وقت العشاء الاختياري: فينتهي عند منتصف الليل.
لما رواه الإمام مسلم في صحيحه (612) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (فَإِذَا صَلَّيْتُمْ الْعِشَاءَ فَإِنَّهُ وَقْتٌ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ) .
وفي لفظ: (وَوَقْتُ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ الْأَوْسَطِ) .
قال النووي: " مَعْنَاهُ: وَقْت لِأَدَائِهَا اِخْتِيَارًا ". انتهى "شرح صحيح مسلم " (5/111) .
وما بعد نصف الليل إلى طلوع الفجر هو وقت العشاء الاضطراري.
واختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية، والشيخ ابن باز رحمه الله، واللجنة الدائمة للإفتاء.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " وأما وقت الإدراك والضرورة فيمتد إلى طلوع الفجر الثاني؛ لما روى يحيى بن آدم عن ابن عباس قال: (لا يفوت وقت الظهر حتى يدخل وقت العصر، ولا يفوت وقت العصر حتى يدخل وقت المغرب، ولا يفوت وقت المغرب إلى العشاء، ولا يفوت وقت العشاء إلى الفجر) ...
ولم ينقل عن صحابي خلافه، بل وافقهم التابعون على إن العشاء تجب بالطهر قبل الفجر، مع قوله في حديث أبي قتادة لما ناموا: (أما أنه لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ إِنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاةَ حَتَّى يَجِيءَ وَقْتُ الْأُخْرَى) ... فانه يقتضي امتداد كل صلاة إلى وقت التي تليها وإنما استثنى منه الفجر لظهور وقتها…
وتأخير الصلاة إلى هذا الوقت لغير عذر لا يجوز ". انتهى " شرح العمدة" (4/179) .
وفي فتاوى اللجنة الدائمة (6 /113) : " ووقت العشاء من غيبوبة الشفق الأحمر إلى نصف الليل، وهذا وقت الاختيار لها، ووقت الاضطرار من نصف الليل إلى طلوع الفجر ".
وقال الشيخ ابن باز: " فإذا غاب الشفق - وهو: الحمرة في جهة المغرب - انتهى وقت المغرب، ودخل وقت العشاء إلى نصف الليل، وما بعد نصف الليل وقت ضرورة لوقت العشاء، فلا يجوز التأخير لما بعد نصف الليل.
ولكن ما بين غروب الشفق إلى نصف الليل كله وقت اختياري للعشاء، فلو صلاها بعد نصف الليل أداها في الوقت، لكن يأثم؛ لأنه أخرها إلى وقت الضرورة ". انتهى "فتاوى ابن باز" (10/384) .
ومن أهل العلم من رأى أن وقت صلاة العشاء نتهي بنصف الليل , وأنها بعد ذلك تكون قضاء، وهو قول قوي، فيه احتياط لأمر العبادة، لا سيما مع قوة أدلته. وقد ذهب إليه بعض الشافعية، واختاره الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. ينظر: الشرح الممتع (2/ 53) ، وهو أحوط للعبادة.
ثانياً: تحديد نصف الليل يكون بحساب الوقت من مغيب الشمس إلى طلوع الفجر، فنصف ما بينهما هو آخر وقت العشاء الاختياري، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (67911) .
ثالثاً: الفرق بين وقت الاختيار ووقت الضرورة:
أن وقت الاختيار: هو الوقت الذي يجوز للإنسان أن يؤخر الصلاة إليه من غير كراهة.
وأما وقت الاضطرار: فهو الوقت الذي لا يجوز تأخير الصلاة إليه إلا لأصحاب الأعذار فقط، كالمجنون، والمغمى عليه، والحائض، والنائم، والناسي، والصبي الذي بلغ، والكافر إذا أسلم.
قال الحافظ ابن رجب: " فإن قول من قال: آخر وقتها ثلث الليل أو نصفه، إنما أراد وقت الاختيار.
وقالوا: يبقى وقت الضرورة ممتداً إلى طلوع الفجر، فلو استيقظ نائم، أو أفاق مغمى عليه، أو طهرت حائض، أو بلغ صبي، أو أسلم كافر بعد نصف الليل، لزمهم صلاة العشاء ". انتهى " فتح الباري " (3/208) .
والله أعلم.
رابعاً: جوف الليل مغاير لثلث الليل، لأن المقصود بجوف الليل: وسطه.
وأما " جوف الليل الآخر" فهو الثلث الأخير منه.
قال الحافظ ابن رجب: " جوف الليل إذا أُطلق فالمراد به: وسطه، وإن قيل: جوف الليل الآخر، فالمراد به وسط النصف الثاني، وهو السدس الخامس من أسداس الليل، وهو الوقت الذي ورد فيه النزول الإلهي " انتهى "جامع العلوم والحكم" صـ 273.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1184)
ما هي الصلاة الوسطى؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي بداية اليوم هل الفجر أم المغرب؟ وما هي الصلاة الوسطى؟ إذا كانت صلاة العصر فالفجر هو بداية اليوم. أرجو التفصيل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تحديد الصلاة الوسطى الواردة في قوله تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) البقرة/238، من المسائل الخلافية المشهورة بين العلماء، والتي تنوعت فيها الأقوال إلى نحو عشرين قولا – كما عدها الحافظ ابن حجر رحمه الله في " فتح الباري " (8/197) -، وألف فيها الحافظ عبد المؤمن الدمياطي رحمه الله كتابا بعنوان " كشف المُغَطَّى في تبيين الصلاة الوسطى " وأقوى هذه الأقوال قولان:
القول الأول: أنها صلاة الصبح.
"وهو قول أبي أمامة، وأنس، وجابر، وأبي العالية، وعبيد بن عمير، وعطاء، وعكرمة، ومجاهد، وغيرهم، وهو أحد قولي ابن عمر وابن عباس.
وهو قول مالك والشافعي فيما نص عليه في "الأم" " انتهى من " فتح الباري " (8/196) باختصار.
القول الثاني: أنها صلاة العصر.
وهذا قول أكثر أهل العلم، وهو القول الصحيح المعتمد، لدلالة السنة الصحيحة عليه.
"وهو قول علي بن أبي طالب، فقد روى الترمذي والنسائي من طريق زر بن حبيش قال:
قلنا لعبيدة: سل عليا عن الصلاة الوسطى. فسأله فقال: كنا نرى أنها الصبح، حتى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم الأحزاب: (شَغَلُونَا عَنْ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى، صَلَاةِ الْعَصْرِ) .
وهذه الرواية نص في أن كونها العصر من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وأن شبهة من قال إنها الصبح قوية، لكن كونها العصر هو المعتمد.
وبه قال ابن مسعود وأبو هريرة، وهو الصحيح من مذهب أبي حنيفة، وقول أحمد، والذي صار إليه معظم الشافعية لصحة الحديث فيه.
قال الترمذي: هو قول أكثر علماء الصحابة.
وقال الماوردي: هو قول جمهور التابعين.
وقال ابن عبد البر: هو قول أكثر أهل الأثر.
وبه قال من المالكية ابن حبيب وابن العربي وابن عطية" انتهى من " فتح الباري " (8/196) .
وقال النووي رحمه الله:
"الذي تقتضيه الأحاديث الصحيحة أنها العصر، وهو المختار" انتهى.
" المجموع " (3/61) .
وقد ذكر الحافظ الدمياطي بعض الخصائص والفضائل التي اختصت بها صلاة العصر:
"فمنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غلظ المصيبة في فوتها بذهاب الأهل والمال في قوله صلى الله عليه وسلم: (من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهل وماله) .
ومنها: حبوط عمل تاركها.
ومنها: أنها كانت أحب إليهم من أنفسهم وآبائهم وأبنائهم وأهليهم وأموالهم.
ومنها: أنها أول صلاة شرعت فيها صلاة الخوف.
ومنها: أنها أول صلاة توجه فيها النبي صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة.
ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم: (ورجل أقام سلعة بعد العصر فحلف بالله.. الحديث) . وقد عظم الله الأيمان التي يحلف بها العباد بعد صلاة العصر.
ومنها: أن سليمان عليه الصلاة والسلام أتلف مالاً عظيماً من الخيل لما شغله عرضها عن صلاة العصر إلى أن غابت الشمس.
ومنها: ما جاء في قوله تعالى: (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ) .
ومنها: أنها وسطى في الوجوب، لأن أول الصلوات وجوبا كانت الفجر، وآخرها العشاء، فكانت العصر هي الوسطى في الوجوب" انتهى.
" كشف المغطى " (ص/126-132) .
أما السؤال عن بداية اليوم، هل هو الليل أم النهار؟
فالجواب: أن الليل يسبق النهار، فإذا غربت الشمس فقد دخلت ليلة اليوم التالي، ولهذا إذا رؤي هلال رمضان صلى الناس التراويح لأن هذه الليلة من رمضان، وإذا رأوا هلال العيد لم يصلوا التراويح لأنها من شوال.
غير أن ذلك لا يستلزم ترجيح القول بأن صلاة الفجر هي الصلاة الوسطى، لأن المراد بـ "الوسطى" الفضلى، مؤنث "أفضل" وليس المراد: المتوسطة بين شيئين.
انظر: "التحرير والتنوير" (15/253) ، "تفسير سورة البقرة" لابن عثيمين (2/178) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1185)
الفرق بين تأخير الصلاة وإخراجها عن وقتها
[السُّؤَالُ]
ـ[في صحيح مسلم، طلب الصحابة رضوان الله عليهم الإذن بقتال الأئمة الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها، فقال صلى الله عليه وسلم "لا ما داموا يقيمون الصلاة "
فكيف نفهم معنى تأخير الصلاة عن وقتها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
وبعد: فجزاك الله على حرصك على فهم ما يتعلق بأمور دينك خاصة الصلاة، ونسأل الله أن يعينك على القيام بهذه الأمانة العظيمة ـ أمانة إمامة الناس في صلاتهم ـ
وأما ما سألت عنه ففيه عدة أمور:
الأول:الذي ورد في صحيح مسلم هو: طلب الصحابة الإذن بقتال الأئمة الذين يبدلون ويغيرون حتى أنهم يأتون بأشياء جديدة ينكرها الصحابة رضوان الله عليهم، ولاشك أن تأخير الصلاة عن وقتها نوع من هذا التغيير. فلم يأذن لهم ما دام الإمام مقيما للصلاة.
وورد أيضا في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه سيكون هناك أئمة يؤخرون الصلاة عن وقتها فأمر الصحابة بأن يصلوا الصلاة لوقتها ويجعلوا صلاتهم معهم نافلة وهذه بعض ألفاظ الأحاديث.
أولا: الأحاديث الدالة على النهي عن قتال الأئمة الذين يغيرون ويبدلون مالم يتركوا الصلاة:
عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " سَتَكُونُ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ فَمَنْ عَرَفَ بَرِئَ وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ قَالُوا أَفَلا نُقَاتِلُهُمْ قَالَ لا مَا صَلَّوْا " صحيح مسلم برقم (1854)
وعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " خِيَارُ أَئِمَّتِكُمْ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمْ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا نُنَابِذُهُمْ بِالسَّيْفِ فَقَالَ لَا مَا أَقَامُوا فِيكُمْ الصَّلَاةَ وَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْ وُلَاتِكُمْ شَيْئًا تَكْرَهُونَهُ فَاكْرَهُوا عَمَلَهُ وَلَا تَنْزِعُوا يَدًا مِنْ طَاعَةٍ "
ثانيا: الأحاديث الدالة على أن الأئمة سيأخرون الصلاة عن وقتها ومع هذا أمر بالصلاة معهم، ولم يأمر بقتالهم:
عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ: " كَيْفَ أَنْتَ إِذَا كَانَتْ عَلَيْكَ أُمَرَاءُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا أَوْ يُمِيتُونَ الصَّلاةَ عَنْ وَقْتِهَا قَالَ قُلْتُ فَمَا تَأْمُرُنِي قَالَ صَلِّ الصَّلاةَ لِوَقْتِهَا فَإِنْ أَدْرَكْتَهَا مَعَهُمْ فَصَلِّ فَإِنَّهَا لَكَ نَافِلَةٌ "
الثاني: أن المراد بالأئمة في الحديث هم الأمراء كما هو واضح في حديث أم سلمة وأبي ذر رضي الله عنهما.
الثالث: وهو محل السؤال: معنى تأخير الصلاة عن وقتها:- فالمقصود به في الحديث؛ تأخيرها عن وقتها المختار، قال الإمام النووي رحمه الله في شرحه لصحيح مسلم:
"قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كَيْف أَنْتَ إِذَا كَانَتْ عَلَيْك أُمَرَاء يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاة عَنْ وَقْتهَا أَوْ يُمِيتُونَ الصَّلاة عَنْ وَقْتهَا؟ قَالَ: قُلْت: فَمَا تَأْمُرنِي؟ قَالَ: صَلِّ الصَّلاة لِوَقْتِهَا فَإِنْ أَدْرَكْتهَا مَعَهُمْ فَصَلِّ فَإِنَّهَا لَك نَافِلَة) , وَفِي رِوَايَة: (صَلُّوا الصَّلاة لِوَقْتِهَا وَاجْعَلُوا صَلاتكُمْ مَعَهُ نَافِلَة) مَعْنَى يُمِيتُونَ الصَّلَاة: يُؤَخِّرُونَهَا ; فَيَجْعَلُونَهَا كَالْمَيِّتِ الَّذِي خَرَجَتْ رُوحه , وَالْمُرَاد بِتَأْخِيرِهَا عَنْ وَقْتهَا , أَيْ عَنْ وَقْتهَا الْمُخْتَار لا عَنْ جَمِيع وَقْتهَا , فَإِنَّ الْمَنْقُول عَنْ الأُمَرَاء الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ إِنَّمَا هُوَ تَأْخِيرهَا عَنْ وَقْتهَا الْمُخْتَار , وَلَمْ يُؤَخِّرهَا أَحَد مِنْهُمْ عَنْ جَمِيع وَقْتهَا , فَوَجَبَ حَمْل هَذِهِ الأَخْبَار عَلَى مَا هُوَ الْوَاقِع. إ. هـ. (شرح صحيح مسلم 5 / 147 وما بعدها)
وبهذا يتضح لديك وفقك الله أن هناك فرقا بين إقامة الصلاة وبين تأخيرها فليس المراد في الأحاديث تأخيرها عن وقتها حتى يخرج ثم يصلونها، وإنما المراد تأخيرها عن الوقت المختار كما لو أخر العصر حتى اصفرت الشمس، أو المغرب حتى كاد يغرب الشفق الأحمر ونحو ذلك؛ والمقصود بعدم إقامتها:عدم أدائها بالكلية وبهذا تأتلف الأحاديث وتتفق. والله الموفق،،،
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1186)
أوقات الصلوات متقاربة في الشمال هل يجوز الجمع
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أعرف الخيارات للمسلم في صلاة الجماعة في الحالات التالية:-
وقت المغرب 10مساءاً
وقت العشاء 11:15 ووقت الفجر 1:50
لكي أوضح سؤالي فأنا أريد أن أعرف الفتوى في الخيارات التي يمكن للمسلم أن يتخذها عندما يكون وقت صلاة المغرب والعشاء والفجر قريبين جداً من بعضهم فهل يجوز للمسلم أن يصلي المغرب والعشاء جمعاً وإذا كان الجواب نعم فما هو الدليل من القرآن والسنة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
وقت صلاة المغرب يمتد من غروب الشمس إلى مغيب الشفق الأحمر ووقت صلاة العشاء من مغيب الشفق الأحمر إلى نصف الليل ووقت صلاة الفجر من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس، ودليل ذلك حديث عبد الله بن عمرو بن العاص في صحيح مسلم وفيه ما ذكر، فما دامت أوقات الصلاة متميزة عن بعضها فلا بد من أداء كل صلاة في وقتها، ولو تقاربت أوقاتها، والصبر على ذلك نوع من الجهاد والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1187)
حاضت بعد وقت صلاة الظهر فهل تقضيها إذا طهرت؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا جائتني الدورة الشهرية بعد دخول وقت الصلاة (مثلا الظهر) بمدة زمنية تكفى للصلاة ولكنى لم أكن قد صليت، فمتى يكون على قضاؤها؟ عندما أغتسل حتى لو كان عند صلاة العشاء أم عند أول ظهر قادم يأتي؟ وهل إذا تطهرت عند العشاء هل أصلى المغرب والعشاء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا جاءتك الدورة بعد دخول وقت الصلاة بما يكفي لصلاة ركعة وجب عليك قضاؤها إذا طهرت، وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: عن المرأة إذا حاضت وقد أدركت من وقت الصلاة مقدار ركعة فهل تجب عليها تلك الصلاة؟
فأجاب: "المرأة إذا حاضت بعد دخول وقت الصلاة فإنه يجب عليها إذا طهرت أن تقضي تلك الصلاة التي حاضت في وقتها إذا لم تصلها قبل أن يأتيها الحيض، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) . فإذا أدركت المرأة من وقت الصلاة مقدار ركعة ثم حاضت قبل أن تصلي فإنها إذا طهرت لزمها القضاء" انتهى.
ووقت القضاء يكون بعد زوال العذر مباشرة، فإذا طهرت من الحيض فإنك تغتسلين وتصلين الصلاة التي كانت عليك، ولو كان ذلك في غير وقتها، ولا تنتظري وقتها من الغد، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك) رواه البخاري (597) ومسلم (684) .
ثانيا:
إذا طهرت المرأة قبل انقضاء وقت الصلاة وجبت عليها تلك الصلاة والتي تجمع معها عند جمهور العلماء.
فمثلا: من طهرت قبل غروب الشمس وجب عليها الظهر والعصر معا، فقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (6/161) ما يلي: "إذا طهرت المرأة من الحيض أو النفاس قبل خروج وقت الصلاة الضروري لزمتها تلك الصلاة وما يجمع إليها قبلها، فمن طهرت قبل غروب الشمس لزمتها صلاة العصر والظهر، ومن طهرت قبل طلوع الفجر الثاني لزمتها صلاة العشاء والمغرب، ومن طهرت قبل طلوع الشمس لزمتها صلاة الفجر" انتهى.
وقد ذكرنا اختلاف العلماء في ذلك في جواب السؤال رقم (82106) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1188)
الصلاة قبل الوقت
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن نصلي العشاء قبل أن ننام بدلاً من أن نصليها في وقتها المحدد؟ أرجو ذكر الدليل وشكراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فقد قال الله تعالى: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتا} أي موقتاً بوقت، وقد تقدم بيان أوقات الصلوات الخمس بياناً مفصلاً في السؤال (9940) .
" والصلاة لا تصح قبل الوقت بإجماع المسلمين، فإن صلى قبل الوقت:
- فإن كان متعمداً فصلاته باطلة، ولا يسلم من الإثم.
- وإن كان غير متعمد لظنه أن الوقت قد دخل، فليس بآثم، وتعتبر صلاته نفلاً، ولكن عليه الإعادة لأن من شروط الصلاة الوقت "
انتهى كلام الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله من الشرح الممتع (2/88) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1189)
أوقات النهي عن صلاة التطوع
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في أحد الأسئلة المطروحة لديكم عن الأوقات المنهي عنها للصلاة، هل يمكنك أن تحدد لي الأوقات بالساعات، لكي تطمئن نفسي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ضبط أوقات النهي عن صلاة التطوع يختلف باختلاف البلاد، وباختلاف الفصول، ولذلك فإننا لا نستطيع أن نضع تحديدا لهذه الأوقات بالساعات لجميع البلاد وفي جميع الفصول، لكننا نضع هنا القاعدة العامة التي تُسَهِّلُ على كل مسلم معرفة هذه الأوقات، فنقول:
أوقات النهي عن الصلاة ثلاثة:
1- من طلوع الفجر إلى ما بعد شروق الشمس بربع ساعة تقريباً، ويمكنك معرفة وقت شروق الشمس من خلال التقويم المعد في كل بلد.
2- قبل دخول وقت صلاة الظهر بنحو ربع ساعة إلى أن يدخل وقت الظهر.
3- إذا صليت العصر – ولو بعد ساعة من دخول وقته - حتى يغيب قرص الشمس تماما، فبداية النهي: من أداء صلاة العصر، وليس من بداية وقتها، لأن المسلم قد يؤدي صلاة العصر بعد دخول وقتها بفترة، فحينئذ للمسلم التطوع بالصلاة ما دام لم يصل العصر، حتى ولو دخل وقتها. قال ابن قدامة في "المغني" (1/429) : " لا نعلم في هذا خلافا عند من يمنع الصلاة بعد العصر " انتهى.
والدليل على هذه الأوقات جاء في أحاديث عدة، مِن أظهرها وأجمعها الحديث الطويل الذي يرويه الإمام مسلم في صحيحه (832) عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (صَلِّ صَلَاةَ الصُّبْحِ ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلَاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَتَّى تَرْتَفِعَ، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ حِينَ تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ، ثُمَّ صَلِّ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى يَسْتَقِلَّ الظِّلُّ بِالرُّمْحِ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلَاةِ، فَإِنَّ حِينَئِذٍ تُسْجَرُ جَهَنَّمُ، فَإِذَا أَقْبَلَ الْفَيْءُ فَصَلِّ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى تُصَلِّيَ الْعَصْرَ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلَاةِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، فَإِنَّهَا تَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ)
وننبه على أن الممنوع هو صلاة التطوع المحضة في هذه الأوقات، أما الصلاة التي لها سبب كتحية المسجد أو الركعتين بعد الوضوء وركعتي الطواف.... إلخ فإنها تصلى في أي وقت على الصحيح من قولي أهل العلم.
وانظر جواب السؤال رقم: (20013) ، (82709) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1190)
وقت الفجر وخطأ بعض التقاويم
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في جريدة مقالاً يتحدث أن مصر تؤذن للفجر قبل ميعاده بـ 30 دقيقة واستند الكاتب على بعض الحسابات الفلكية التي لا أفهم فيها مثل أننا نحسب الفجر على 19.5 درجة وليس على 17.5 درجة. كل الذي أرجوه أن أعرف هل فعلاً مصر تؤذن للفجر قبل ميعاده أم لا، وإذا كانت الإجابة غير متوفرة فأرجو أن ترشدوني أي طريق أسلك.. علم الفلك أم ماذا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اعلم أن وقت صلاة الفجر يبدأ من طلوع الفجر الثاني، وهو البياض المعترض في الأفق يمينا ويسارا، ويمتد الوقت إلى طلوع الشمس.
وأما الفجر الأول فهو الفجر الكاذب، وهو البياض المستطيل في السماء من أعلى الأفق إلى أسفل كالعمود، ويقع قبل الفجر الصادق بنحو عشرين دقيقة، تزيد وتنقص باختلاف فصول السنة.
ومعلوم أن الأحكام تترتب على وجود الفجر الصادق لا الكاذب.
وقد جاء في بيان الفجرين أحاديث كثيرة، منها:
قوله صلى الله عليه وسلم: " الفجر فجران، فجر يحرم فيه الطعام، وتحل فيه الصلاة، وفجر تحرم فيه الصلاة (أي صلاة الفجر) ويحل فيه الطعام "
رواه الحاكم والبيهقي من حديث ابن عباس، وصححه الألباني في صحيح الجامع 4279.
وقوله صلى الله عليه وسلم: " الفجر فجران: فأما الفجر الذي يكون كذنب السرحان فلا يُحل الصلاة ولا يُحرم الطعام، وأما الفجر الذي يذهب مستطيلاً في الأفق فإنه يُحل الصلاة ويُحرم الطعام " رواه الحاكم والبيهقي من حديث جابر، وصححه الألباني في صحيح الجامع 4278.
وفي رواية " الفجر فجران، فجر يقال له: ذنب السرحان، وهو الكاذب يذهب طولا، ولا يذهب عرضا، والفجر الآخر يذهب عرضا، ولا يذهب طولا " وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم 2002
وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يمنعنكم من سحوركم أذان بلال، ولاالفجر المستطيل، ولكن الفجر المستطير في الأفق) رواه أبو داود والترمذي وحسنه، وصححه الألباني في صحيح الترمذي برقم 568
ومن هذا البيان النبوي يُعلم أن تحديد وقت الصلاة ينبني على المشاهدة، لا على الحساب الفلكي، ولا على التقاويم التي لا يُدرى حال واضعيها ومنزلتهم في الأمانة والعلم، لا سيما مع ثبوت مخالفتها للوقت الصحيح.
وهذا الخطأ ليس في مصر وحدها، بل قد تبين أن معظم التقاويم الموجودة لم تضبط الفجر على وقته الصحيح، وإنما ضبطته على الفجر الكاذب، وفي هذا تعريض لصلاة المسلمين للبطلان، لا سيما من يصلي في بيته بعد سماع الأذان مباشرة.
وقد قام جماعة من العلماء والباحثين في المملكة العربية السعودية والشام ومصر والسودان بتحري وقت الفجر الصادق، وتبين لهم خطأ التقاويم الموجودة اليوم.
قال الشيخ الألباني رحمه الله: (وقد رأيت ذلك بنفسي مراراً من داري في جبل هملان جنوب شرق عمان، ومكنني ذلك من التأكد من صحة ما ذكره بعض الغيورين على تصحيح عبادة المسلمين أن أذان الفجر في بعض البلاد العربية يُرفع قبل الفجر الصادق بزمن يتراوح بين العشرين والثلاثين دقيقة، أي قبل الفجر الكاذب أيضا، وكثيراً ما سمعت إقامة صلاة الفجر من بعض المساجد مع طلوع الفجر الصادق، وهم يؤذنون قبل وقتها، وقد يستعجلون بأداء الفريضة قبل وقتها في شهر رمضان) انتهى من السلسلة الصحيحة (5/52) .
وإذا عُلم هذا فالواجب على أهل كل بلد أن ينتدبوا جماعة من أهل العلم الثقات، لتحري وقت الفجر، وإعلام الناس به، وتحذيرهم من اتباع التقويم إن ثبت خطؤه.
وينبغي على الأخ السائل وعلى جميع المسلمين في هذه البلاد التي بينت خطأ التقويم فيها ألا يصلوا الفجر حتى يتيقنوا أو يغلب على ظنهم طلوع الفجر، وإن استطاعوا تأخير الأذان لهذا الوقت لزمهم ذلك، كما يجب عليهم بيان هذا الحكم لنسائهم وبناتهم حذراً من إيقاع الصلاة في غير وقتها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1191)
اختلاف وقت الفجر والمغرب بين الدمام والبحرين
[السُّؤَالُ]
ـ[هذا السؤال متعلق برمضان في البحرين أنا من أهل الدمام والمعروف لدينا أن الأذان في البحرين لا يختلف عن الأذان في الدمام لاقترابهما ولكن في هذه السنة سمعت أن أذان الفجر في البحرين يكون بعد أذان الفجر في الدمام، أما أذان المغرب في البحرين فيكون قبل أذان المغرب في الدمام، فأعتقد والله أعلم أن هناك خطأ في التقويم وإذا كان هناك خطأ مثلاً في البحرين فهل معنى ذلك أنهم يتسحرون في رمضان بعد دخول الفجر أو يفطرون قبل الغروب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
وقت صلاة الفجر يبدأ من طلوع الفجر الثاني، وهو البياض المعترض في الأفق يمينا ويسارا، وهذا هو الفجر الصادق، وأما الفجر الكاذب، فهو البياض المستطيل في السماء من أعلى الأفق إلى أسفل كالعمود، ويقع قبل الفجر الصادق بنحو عشرين دقيقة، تزيد وتنقص باختلاف فصول السنة.
وأما وقت المغرب فيبدأ بغروب الشمس، ولا حرج في الاعتماد على التقاويم، ما لم يتبين خطؤها.
وبالرجوع إلى تقويم أم القرى، تبين أن وقت الفجر في يوم 5 رمضان 1428 الموافق 16/9/2007، هو في المنامة: الساعة 01: 4، ووقت المغرب: 42: 5
بينما وقت الفجر في الدمام هو: 03: 4، ووقت المغرب: 44: 5
وهكذا في جميع أيام الشهر، يتقدم وقت الفجر والمغرب في البحرين عن وقتهما في الدمام، بدقائق يسيرة.
ولعلك تراجع الجهة القائمة على التقويم في البحرين، لمعرفة التقويم المعتمد وصحة ما سمعته عن تأخر وقت الفجر هذه السنة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1192)
أهل مسجده يصلون الفجر قبل وقتها الصحيح فهل يصلي معهم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[نواجه مشكلة في صلاة الصبح، واضطرب الناس، ماذا يفعلون؟ وأصبحنا نصلي الصبح ونخرج من المسجد في الليل! فهل يلزم حضور هذه الجماعة في صلاة الصبح؟ أم أنني أصلي في البيت بعد دخول الوقت؟ أرجوك أن تجيبني فقد اضطربت.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
وقت صلاة الفجر يبدأ من طلوع الفجر الثاني (الفجر الصادق) ، وهو البياض المعترض في الأفق يمينا ويسارا، ويمتد الوقت إلى طلوع الشمس.
وقد بينا في جواب السؤال رقم (26763) الخطأ الذي يقع فيه كثير من الناس من الاعتماد على التقاويم في ضبط وقت الفجر، وأن أكثر هذه التقاويم لا يضبط الوقت الصحيح للفجر الصادق، وهذا ما صرح به غير واحد من أهل العلم.
وقد اختلف العلماء المعاصرون في قدر هذا الخطأ، فمنهم من ذهب إلى أنه لا يتعدى خمس دقائق، ومنهم من ذهب إلى أنه نحو ثلاثين دقيقة.
ونحن لا ندري ما هو الحال في بلدك، لكن على أهل كل بلد أن ينتدبوا جماعة من أهل العلم الثقات، لتحري وقت الفجر، وإعلام الناس به، وتحذيرهم من اتباع التقويم إن ثبت خطؤه.
وليس لأحد أن يدعي أن الصلاة واقعة قبل دخول الوقت إلا ببينة، خاصة وأن إدراك الفجر يصعب جدا داخل المدن والبلاد المأهولة، نظراً لاختلاط بياض الفجر، بأنوار المدينة.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عن جماعة لا يعرفون وقت الفجر ويصلون بخبر من يثقون به ولكن بعضهم لديه شك؟
فأجاب: "ما داموا واثقين منه، ويعرفون أن هذا الرجل عنده علم بدخول الوقت فلا شيء عليهم؛ لأنهم لم يتبينوا أنهم صلوا قبل الوقت، فإذا لم يتبينوا وأخذوا بقول هذا الرجل الذي يثقون به، فلا حرج، لكن ينبغي للإنسان أن يحتاط ما دام شاكاً، فلا يصلي حتى يغلب على ظنه أو يتيقن، وعليه أن ينبه الجماعة على ذلك، يشير عليهم ويقول: انتظروا خمس دقائق أو عشر دقائق ولا يضرهم ذلك؛ لأن انتظار الإنسان عشر دقائق أو ربع ساعة خير من كونه يتقدم بدقيقة واحدة " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن عثيمين" ج 12 سؤال رقم 146.
ثانياً:
عليك أن تنصح أهل المسجد بأن يؤخروا الصلاة حتى يغلب على ظنهم دخول الوقت، فإن استجابوا فالحمد لله.
وإن أصروا على ما هم عليه - وكنت ترى أنهم يصلون قبل دخول وقت الصلاة - فابحث عن مسجد آخر يتأخر في إقامة الصلاة، فإن لم تجد فإننا ننصحك بأن تصلي معهم في المسجد، حتى لا يكون تركك لصلاة الفجر في المسجد مدعاة لسوء الظن بك، وأنك تنام عن الصلاة، وحتى لا تحرم نفسك ثواب السعي إلى المساجد، وحتى لا تتكاسل عن أداء الصلاة فيما بعد، ثم ترجع إلى البيت فتعيد الصلاة مع أهلك في جماعة بعد دخول الوقت، وبهذا نصح الشيخ الألباني رحمه الله، فقد سئل: هل تنصح بأداء فريضة الفجر في المسجد أم في البيت؟ [وذلك بسبب أن أهل المسجد يقيمون الصلاة قبل طلوع الفجر] .
فأجاب:
"أنصح بالأمرين معاً، وهو: أن يذهب إلى المسجد، فإن صلوا فريضة قبل الوقت، فتكون له نافلة، ثم يعود إلى البيت فيصلي الفريضة في الوقت، وبخاصة يصليها مع أهله.
لكن هناك ما هو أوجب، إلا أن هذا الواجب لا يستطيعه كل إنسان، وهو: تنبيه أهل المسجد على هذا الموضوع الخطير. . . " انتهى.
"سلسلة الهدى والنور" الشريط (767) ، دقيقة (32) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1193)
من لم يجد الماء؛ فهل الأفضل أن يؤخر الصلاة أم يصليها في أول الوقت؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الأفضل للإنسان إذا لم يجد الماء أن يؤخر الصلاة إلى آخر الوقت، رجاء وجود الماء، أو يتيمم ويصلي في أول الوقت؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
وبعد: هذا فيه تفصيل:
فيترجح تأخير الصلاة إلى آخر الوقت في حالين:
الأول: إذا علم وجود الماء، فالأفضل أن يؤخر الصلاة ولا يقال بالوجوب، لأن علمه بذلك ليس أمراً مؤكداً، لأنه قد يتخلف المعلوم.
الثاني: إذا ترجح عنده وجود الماء، فيؤخر الصلاة، لأن في ذلك محافظة على شرط من شروط الصلاة، وهو الطهارة بالماء، وفي الصلاة في أول الوقت محافظة على فضيلة فقط، وعلى هذا يكون التأخير والطهارة بالماء أفضل.
ثانياً: يترجح تقديم الصلاة في أول وقتها في ثلاث حالات:
الأولى: إذا علم أنه لن يجد الماء.
الثانية: إذا ترجح عنده أنه لن يجد الماء.
الثالثة: إذا تردد فلم يترجح عنده شيء.ا. هـ
[الْمَصْدَرُ]
من مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله (11 / 242) .(5/1194)
كيف يعرف أوقات الصلاة وهو في الطائرة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل سيسافر بالطائرة من الدمام إلى اليابان في رحلة جوية تستمر لمدة 12 ساعة إن شاء الله فكيف يقوم بتحديد أوقات الصلوات وهو في الجو؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المسافر بالطائرة، يصلي إذا دخل وقت الصلاة، وهذا يمكن معرفته بالمشاهدة بالنسبة لوقت المغرب والعشاء والفجر، فإذا غربت الشمس فقد دخل وقت المغرب، وإذا غاب الشفق الأحمر فقد دخل وقت العشاء، وإذا طلع الفجر فقد دخل وقت الفجر.
وأما الظهر والعصر، فيمكنك أداؤهما بالاجتهاد والتحري، فإذا عرفت وقتهما في البلد التي تطير فوقها، فإنك تؤخر الصلاة عن ذلك مدة، ثم تصلي؛ لأن الوقت في العلو والطيران ليس كالوقت على الأرض. ولك أن تجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء جمع تقديم أو تأخير حسب الأيسر لك.
كما يمكنك سؤال قائد الطائرة، فقد يكون لديه من الأجهزة ما يمكّنه من تحديد أوقات الصلوات في الجو.
ولمعرفة أوقات الصلوات – على الأرض - في أكثر بلدان العالم، مع بيان خطوط الطول والعرض واتجاه القبلة، يمكنك زيارة موقع وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية:
http://prayer.al-islam.com/default.asp?l=Arb
وطباعة أوقات الصلوات في البلاد التي ستزورها، والتي ستمر عليها في رحلتك أيضا.
واعلم أن من خفي عليه الوقت، فاجتهد قدر وسعه، وصلى، فصلاته صحيحة، إلا إذا تبين له أنه صلى قبل الوقت، فيعيد، وأما إذا لم يتبين له شيء، فلا شيء عليه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1195)
هل يوقظ أهله لصلاة الفجر رغم إرهاقهم وتعبهم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن أوقظ زوجتي لصلاة الفجر علما أنها ترضع ابنتها الصغيرة في الليل فتكون في بعض الأحيان مرهقة جداً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الصلاة أمرها عظيم، وشأنها كبير، وقد جاء الأمر بالمحافظة عليها في أوقاتها، والترغيب في ذلك، والتحذير من التهاون فيه، ما هو معلوم مشهور، كقوله تعالى، (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) النساء/103، وقوله: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) البقرة/238، وقول النبي صلى الله عليه وسلم وقد سئل أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ فَقَالَ: (الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا) رواه البخاري (527) ومسلم (85) .
وينبغي الحذر من تضييعها وتأخيرها عن وقتها؛ لقوله تعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) مريم/59.
ولا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها إلا لعذر يبيح جمع الصلاتين تقديما أو تأخيرا، ومعلوم أن صلاة الفجر لا تجمع إلى شيء قبلها أو بعدها، فيجب أداؤها في وقتها، مهما كان الإنسان مريضا أو متعبا، ما دام عقله معه. فيصلي الصلاة قائما، فإن لم يستطع فقاعدا فإن لم يستطع فعلى جنب.
وعلى النائم أن يتخذ الأسباب التي تعينه على الاستيقاظ، كعدم السهر، وضبط المنبه، والاستعانة بمن يوقظه.
والزوج مأمور برعاية أهله، ووقايتهم من النار، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) التحريم/6.
وعليه فينبغي أن تحرص على إيقاظ أهلك، وتشجيعها وإعانتها على أمر الصلاة، ولك أن تؤخر إيقاظها إلى قرب آخر الوقت. ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والعون والسداد والرشاد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1196)
كيف يتمكن الطبيب الجراح من الصلاة مع تقارب أوقاتها في الشتاء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد قرأت إجابتكم بخصوص الصلاة أثناء إجراء جراحة أو بعدها وأنا أعمل طبيبة ويكون النهار قصيرا جدا بكندا أثناء فصل الشتاء حتى إنه يحين وقت صلاة المغرب الساعة 5 مساء ولذلك فإن الوقت بين الصلوات قصير جدا ولا أعلم كيف يوفق الجراح عمله مع هذا الوقت القصير ولذلك فأنا أعتقد أنه من الأفضل أداء الصلاة قضاء، فما رأيكم في ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب أداء الصلوات في مواقيتها كما أمر الله تعالى، ولا يجوز تأخيرها إلا لعذر يبيح الجمع بين الصلاتين، قال الله تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) النساء/103 أي: لها وقت محدد.
والتهاون في الصلاة وتأخيرها عن وقتها بدون عذر كبيرة من كبائر الذنوب؛ لقوله تعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) مريم/59.
قال ابن مسعود رضي الله عنه عن الغي: واد في جهنم، بعيد القعر، خبيث الطعم.
وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) رواه البخاري (553) .
وأما الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، تقديما أو تأخيرا، فإنه يجوز لأعذار بَيَّنها أهل العلم، ومنها: رفع الحرج والمشقة، وهذا يصلح فيما ذكرت هنا، فالطبيب إذا خشي أن يتأخر في العملية فيخرج منها وقد انتهى وقت صلاة العشاء مثلا، فإنه يجمع بين المغرب والعشاء جمع تقديم، فيصليهما في وقت المغرب، وإذا كان سيدخل العملية قبل وقت المغرب، ويخرج قبل انتهاء وقت العشاء فإنه يؤخر المغرب ويجمعها جمع تأخير مع العشاء، بعد خروجه من العملية. وهكذا في صلاتي الظهر والعصر.
ودليل ذلك ما روى مسلم (705) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ، فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ. فقيل لِابْنِ عَبَّاسٍ: لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ؟ قَالَ: كَيْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ.
فحيث وجد الحرج والمشقة، جاز الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، وأما الفجر فلا تجمع إلى شيء قبلها ولا بعدها.
والصلاة شأنها عظيم، وأمرها خطير، وهي أول ما يحاسب عليه العبد، فيجب المحافظة عليها، والعناية بأمرها.
نسأل الله لك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1197)
وقت صلاة العشاء
[السُّؤَالُ]
ـ[البعض يقول أنه يمكن صلاة العشاء حتى أذان الفجر بينما يقول آخرون أنها ينتهي وقتها عند صلاة التهجد والبعض الآخر يقول أنه تحسب الساعات من أذان العشاء حتى أذان الفجر ونقسم على اثنين لتحديد آخر وقت العشاء فما هو الحكم في ذلك؟ علماً بأن تأخير الصلاة عن وقتها غير مستحب وإنما نريد أن نستفيد من معرفة الحكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب أن تكون صلاة العشاء قبل نِصْفِ اللَّيل، ولا يجوز تأخيرها إلى نصف الليل، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وَقْتُ العِشاء إلى نصف الليل) رواه مسلم (المساجد ومواضع الصلاة/964) ، فعليك أن تُصَلِّيها قبل نصف الليل على حساب دورات الفَلَكْ، فإنّ الليل يَزِيد ويَنْقُص، والضَابط هو نصف الليل بالساعات، فإذا كان الليل عشر ساعات، لم يَجُزْ أنْ تُؤَخرها إلى نهاية الساعة الخامسة، وأفضل ما يكون أن تكون في ثلث الليل الأول، ومن صلاها في أول الوقت فلا بأس لكن إذا أُخِّرت بعض الوقت فهو الأفضل، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يَسْتَحِبُّ أن يُؤَخِّر صلاة العشاء بعض الوقت ومن صلاها أول الوقت، بعد غروب الشفق - وهو الحُمْرَة التي في الأُفُقِ الطولي - فلا بأس، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
مجموعة فتاوى الشيخ عبد العزيز ابن باز 10/386(5/1198)
بين وقت الفجر في التقويم وطلوع الشمس ساعة ونصف. هل يصح هذا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال يرحمكم الله عن موعد صلاة الفجر , متى يبدأ؟ عندنا في مصر يوجد فرق بين موعد الصلاة في النتيجة وموعد الشروق بما لا يقل عن ساعة ونصف. فهل هذا صحيح.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
وقت صلاة الفجر من طلوع الفجر إلى أن تطلع الشمس، فمتى صلّى في هذا الوقت فقد أدّى الصلاة في وقتها، ومن أخّرها متعمداً حتى طلعت الشمس فقد أتى ذنباً عظيماً. وبعض أهل العلم يرى أنه يصير كمن تركها فيجب الحذر من تأخير الصلاة عن وقتها. ومقدار ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس قريبٌ من ساعة ونصف كما هو مبيّنٌ في التقويم، وقد صار التقويم هو الوسيلة للناس في معرفة مواقيت الصلاة بالساعة والدقيقة، فينبغي العناية بذلك لأن الصلوات الخمس عمود الإسلام، فيجب على المسلم أن يحافظ عليها في أوقاتها كما قال تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) ، وقال تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى) ، والصلاة الوسطى هي صلاة العصر.
[الْمَصْدَرُ]
كتبه: فضيلة الشيخ عبد الرحمن البراك.(5/1199)
عمل المرأة طبيبة في مكان مختلط
[السُّؤَالُ]
ـ[أود معرفة ما إذا كان يجوز للمرأة ممارسة الطب في هذا البلد أي كندا، لأنه ليس هناك مكان منفصل للنساء في هذا المجتمع، أم أنه من الأفضل لها أن تقيم بالمنزل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للمرأة أن تعمل في مكان مختلط، لما يترتب على الاختلاط من مفاسد ومحاذير، وقد سبق بيان ذلك في الجواب رقم (1200) ورقم (60221)
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (15/71) : " يجوز للمرأة العمل في تطبيب النساء، ولا يجوز لها الاختلاط بالرجال في مكان العمل " انتهى.
فإن أمكنها تجنب الاختلاط المحرم بالرجال أثناء العمل، ويكون لها مكانها الخاص بها، فلا حرج عليها إن شاء الله تعالى.
ولها أن تعمل طبيبة في عيادة خاصة، أو في مستشفى لا اختلاط فيه، أو في مركز إسلامي تعالج فيه أخواتها المسلمات، فإن لم تجد ذلك، فلتتق الله تعالى، ولتقبل على طاعتها وعبادتها وتربية أبنائها والقرار في بيتها، فذلك خير لها.
ومن اتقى الله تعالى رزقه من حيث لا يحتسب، ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه.
نسأل الله لك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1200)
بم يدرك الوقت؟
[السُّؤَالُ]
ـ[استيقظت من النوم وصليت الظهر وأنا في الركعة الثانية أذن المؤذن لصلاة العصر فما حكم صلاتي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
اتفق الفقهاء على أن من أدرك ركعة من الصلاة قبل خروج وقتها، فقد أدرك الصلاة، واختلفوا فيما إذا أدرك أقل من ركعة، هل يكون مدركا للوقت أو لا؟
فذهب جماعة منهم إلى أنه يدرك الوقت بتكبيرة الإحرام، فمن كبر للإحرام قبل خروج الوقت فقد أدرك الصلاة، وتكون أداء لا قضاء، وهذا مذهب الحنفية والحنابلة.
وذهب آخرون إلى أنه لا يكون مدركا للوقت إلا إذا أتى بركعة كاملة، وهذا مذهب المالكية والشافعية، وهو الراجح؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ) رواه البخاري (580) ومسلم (607) .
وقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الصُّبْحِ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ، وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ) رواه البخاري (579) ومسلم (608) .
واحتج الأولون بما روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أدرك سجدة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته , وإذا أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته) متفق عليه وللنسائي: (فقد أدركها) ; ولأن الإدراك إذا تعلق به حكم في الصلاة استوى فيه الركعة وما دونها , كإدراك الجماعة , وإدراك المسافر صلاة المقيم , ولفظ الحديث الأول يدل بمفهومه , والمنطوق أولى منه.
وينظر: المنتقى للباجي (1/10) ، تحفة المحتاج (1/434) ، المغني (1/228) ، الإنصاف (1/439) .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " والقول الثاني: أنها لا تُدرك الصَّلاة إلا بإدراك ركعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أدرك ركعةً من الصَّلاة فقد أدركَ الصَّلاةَ) ، وهذا القول هو الصَّحيح، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية؛ لأن الحديث ظاهر فيه، فهو جملة شرطيَّة (مَنْ أدرك ركعةً فقد أدرك ... ) ، مفهومه: من أدرك دون ركعة فإنه لم يُدركْ ...
ويَنْبَني على هذا أيضاً إدراكات أخرى مثل إدراك الجماعة: هل تُدرك الجماعة بركعة، أو تُدرك بتكبيرة الإحرام؟
والصَّحيح: أنها لا تُدرك إلا بركعة، كما أن الجمعة لا تدرك إلا بركعة بالاتفاق، فكذلك الجماعة لا تدرك إلا بركعة " انتهى من "الشرح الممتع" (2/121) .
وحيث إنك صليت الركعة من الأولى من الظهر، قبل أن يؤذن للعصر، فقد أدركت الصلاة في وقتها.
ثانيا:
النائم معذور وقت نومه، فإذا استيقظ وجب عليه أداء الصلاة بعد استيقاظه، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: (مَن نسي صلاة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها) رواه البخاري (572) ومسلم (684) .
وقال صلى الله عليه وسلم: (أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ، إِنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاةَ حَتَّى يَجِيءَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الْأُخْرَى، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلْيُصَلِّهَا حِينَ يَنْتَبِهُ لَهَا) رواه مسلم (681) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1201)
أوقات الصلوات
[السُّؤَالُ]
ـ[يجتمع لدينا وقت صلاة العصر ومحاضرة في الكلية والدكتور نصراني لا يعطينا فرصة للصلاة، ونصليها إذا خرجنا أي إذا بقي على صلاة المغرب ساعة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صلاتكم لها في أول وقتها أفضل، وصلاتكم لها في الوقت الذي ذكرتم صحيحة واقعة في وقتها، ولا يجوز تأخيرها إلى أن تصْفّر الشمس، للحديث الصحيح الوارد في ذلك من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا صليتم الفجر فإنه وقت إلى أن يطلع قرن الشمس الأول، فإذا صليتم الظهر فإنه وقت إلى أن يحضر العصر، فإذا صليتم العصر فإنه وقت إلى أن تصفر الشمس، فإذا صليتم المغرب فإنه وقت إلى أن يسقط الشفق، فإذا صليتم العشاء فإنه وقت إلى نصف الليل ". صحيح مسلم 5/109. فتاوى اللجنة الدائمة 6/121.
وعن الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَالَ دَخَلْنَا عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ بَعْدَ الظُّهْرِ فَقَامَ يُصَلِّي الْعَصْرَ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلاتِهِ ذَكَرْنَا تَعْجِيلَ الصَّلاةِ أَوْ ذَكَرَهَا فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ تِلْكَ صَلاةُ الْمُنَافِقِينَ تِلْكَ صَلاةُ الْمُنَافِقِينَ تِلْكَ صَلاةُ الْمُنَافِقِينَ يَجْلِسُ أَحَدُهُمْ حَتَّى إِذَا اصْفَرَّتْ الشَّمْسُ فَكَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ أَوْ عَلَى قَرْنَيْ الشَّيْطَانِ قَامَ فَنَقَرَ أَرْبَعًا لا يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهَا إِلا قَلِيلا. رواه أبو داود 350، والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1202)
مواقيت الصلوات الخمس
[السُّؤَالُ]
ـ[متى يخرج وقت صلاة العصر وتحديداً بالساعة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" فإن الله تعالى فرض على عباده خمس صلوات في اليوم والليلة مؤقتة بأوقات اقتضتها حكمة الله تعالى ليكون العبد على صلة بربه تعالى في هذه الصلوات مدة هذه الأوقات كلها فهي للقلب بمنزلة الماء للشجرة تُسقى به وقتاً فوقت، لا دفعة واحدة ثم ينقطع عنها.
ومن الحكمة في تفريق هذه الصلوات في تلك الأوقات أن لا يحصل الملل والثقل على العبد إذا أداها كلها في وقت واحد، فتبارك الله تعالى أحكم الحاكمين "مقدمة رسالة أحكام مواقيت الصلاة للشيخ محمد ابن عثيمن رحمه الله.
وأوقات الصلوات ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: " وَقْتُ الظُّهْرِ إِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ وَكَانَ ظِلُّ الرَّجُلِ كَطُولِهِ مَا لَمْ يَحْضُرْ الْعَصْرُ وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ وَوَقْتُ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ وَوَقْتُ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ الأَوْسَطِ وَوَقْتُ صَلاةِ الصُّبْحِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَأَمْسِكْ عَنْ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ " رواه مسلم (612) .
ففي هذا الحديث بيان لأوقات الصلوات الخمس، وأما تحديد الأوقات بالساعة، فإنه يختلف من بلد إلى بلد وسنتناول كل وقت على حدة:
أولاً: وقت الظهر:
قال عليه الصلاة والسلام: " وقت الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر العصر " فحدد النبي صلى الله عليه وسلم وقت الظهر ابتداءً وانتهاءً:
أما بداية وقت الظهر: فهو من زوال الشمس – والمقصود زوالها عن وسط السماء إلى جهة الغرب.
تطبيق عملي لمعرفة الزوال (بداية وقت الظهر) :
ضع شيئاً شاخصاً (عموداً) في مكان مكشوف فإذا طلعت الشمس من المشرق سيكون ظل هذا الشاخص نحو المغرب وكلما ارتفعت الشمس نقص الظل، فما دام ينقص فالشمس لم تزل، وسيستمر الظل في التناقص حتى يقف عند حدٍ معين ثم يبدأ يزيد نحو المشرق، فإذا زاد أدنى زيادة فقد زالت الشمس، وحينئذٍ يكون وقت الظهر قد دخل.
علامة الزوال بالساعة: اقسم ما بين طلوع الشمس إلى غروبها نصفين فهذا هو وقت الزوال، فإذا قدرنا أن الشمس تطلع في الساعة السادسة وتغيب في الساعة السادسة، فالزوال:الساعة الثانية عشرة، وإذا كانت تخرج في الساعة السابعة، وتغيب في الساعة السابعة، فالزوال الساعة الواحدة وهكذا. انظر الشرح الممتع (2/96)
وأما نهاية وقت الظهر: فهو إلى أن يصير ظل كل شيء مثله (أي طوله) بعد الظل الذي زالت عليه الشمس.
تطبيق عملي لمعرفة نهاية وقت الظهر:
لنرجع إلى الشاخص (العمود) الذي وضعناه قبل قليل، ولنفرض أن طوله (متر واحد) ستلاحظ أن الظل قبل الزوال يتناقص شيئاً فشيئاً إلى أن يقف عند نقطة معينة (قم بوضع إشارة عند هذه النقطة) ثم يبدأ في الزيادة وعندها يدخل وقت الظهر، ثم يستمر الظل في الزيادة نحو المشرق إلى أن يصير طول الظل يساوي طول الشاخص (العمود) ، أي أن طول الظل سيكون (متراً واحداً ابتداءً من النقطة التي وضعت عندها الإشارة، وأما الظل الذي قبل الإشارة فلا يُحسب وهو ما يُسمى بفيء الزوال) وهنا يكون قد انتهى وقت الظهر ودخل وقت العصر بعده مباشرة.
ثانياً: وقت العصر:
قال عليه الصلاة والسلام: " ووقت العصر ما لم تصفر الشمس ".
قد عرفنا بأن ابتداء وقت العصر يكون بانتهاء وقت الظهر (أي عند مصير ظل كل شيء مثله) .
وأما نهاية وقت العصر فله وقتان:
1) وقت اختيار: وهو من أول وقت العصر إلى اصفرار الشمس لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: " وقت العصر ما لم تصفر الشمس " أي ما لم تكن صفراء، وتحديده بالساعة يختلف باختلاف الفصول.
2) وقت اضطرار: وهو من اصفرار الشمس إلى غروب الشمس. لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر " أخرجه البخاري (579) ومسلم (608) .
مسألة: ما معنى وقت الضرورة؟
معنى الضرورة: أنه لو اشتغل الإنسان عن العصر بشغل لابد منه كتضميد جرح – وهو يستطيع أن يصلي قبل اصفرار الشمس ولكن بمشقة – وصلى قبيل الغروب فقد صلى في الوقت ولا يأثم؛ لأن هذا وقت ضرورة، فإذا اضطر الإنسان للتأخير فلا حرج مادام قبل غروب الشمس.
ثالثاً: وقت المغرب:
قال عليه الصلاة والسلام: " وَوَقْتُ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ ".
أي أن وقت المغرب يدخل مباشرة من خروج وقت العصر وهو غروب الشمس إلى مغيب الشفق الأحمر.
فإذا غابت الحمرة من السماء خرج وقت المغرب ودخل وقت العشاء، وتحديده بالساعة يختلف باختلاف الفصول، فمتى رأيت الحمرة قد زالت في الأفق فهذا دليل على أن وقت المغرب قد انقضى.
رابعاً: وقت العشاء:
قال عليه الصلاة والسلام: " وَوَقْتُ صَلاةِ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ الأَوْسَطِ ".
فوقت العشاء يبدأ من خروج وقت المغرب مباشرة (أي من مغيب الحمرة في السماء) إلى نصف الليل.
مسألة: كيف نحسب نصف الليل؟
الجواب: إذا أردت حساب نصف الليل فاحسب الوقت من مغيب الشمس إلى طلوع الفجر، فنصف ما بينهما هو آخر وقت العشاء (وهو نصف الليل) .
فلو أن الشمس تغيب الساعة الخامسة، والفجر يؤذن الساعة الخامسة فمنتصف الليل هو الساعة الحادية عشرة مساءً، ولو أن الشمس تغيب الساعة الخامسة والفجر يطلع الساعة السادسة، فمنتصف الليل الساعة الحادية عشرة والنصف وهكذا.
خامساً: وقت الفجر:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: " وَوَقْتُ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَأَمْسِكْ عَنْ الصَّلاةِ فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ ".
يبدأ وقت الفجر من طلوع الفجر الثاني، وينتهي بطلوع الشمس. والفجر الثاني هو البياض المعترض في الأفق من جهة المشرق ويمتد من الشمال إلى الجنوب، وأما الفجر الأول فإنه يخرج قبل الفجر الثاني بساعة تقريباً وبينهما فروق:
1) الفجر الأول ممتد لا معترض، أي يمتد طولاً من الشرق إلى الغرب، والثاني معترض من الشمال إلى الجنوب.
2) أن الفجر الأول يُظلم، أي: يكون هذا النور لمدة قصيرة ثم يُظلم، والفجر الثاني: لا يظلم بل يزداد نوراً وإضاءة.
3) أن الفجر الثاني متصل بالأفق ليس بينه وبين الأفق ظلمة، والفجر الأول منقطع عن الأفق بينه وبين الأفق ظلمة. أنظر الشرح الممتع (2/107) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1203)
تأخير صلاة الفجر عن وقتها
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا دائماً أصلي الفجر الساعة السابعة صباحاً، فهل أؤدي سنة الفجر أم لا؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كنت تصلي الصبح قبل طلوع الشمس فالسنّة في حقك أن تؤدّي راتبة الفجر ركعتين، وكذلك إذا فاتتك الفجر فلم تستيقظ إلا بعد طلوع الشمس فصلّ السنّة ثم الفريضة. أما إذا كنت تؤخّر صلاة الفجر دائما إلى ما بعد طلوع الشمس فهذه مصيبة المصائب ففي هذه الحالة قبل أن تسأل عن صلاة السنّة يجب أن تقف مع نفسك وقفة طويلة وتسألها عما ستقول بين يدي الله يوم القيامة إذا حاسبك على تضييع صلاة الفجر!!
راجع جواب سؤال رقم (266) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1204)
سؤال من الصين عن وقت الإفطار
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب أدرس في الصين , والمدينة التي أقيم فيها تحيط بها الجبال من جهة الغرب , والجالية المسلمة هنا يعتمدون في إفطارهم على التوقيت المأخوذ من مواقع الإنترنت، لكن بالنسبة لي فأنا أراقب قرص الشمس , فأفطر حين يغيب قرص الشمس خلف الجبل وأصلي المغرب تحقيقا لسنَّة تعجيل الفطر والمغرب , ومخالفة اليهود، فهل عملي هذا صحيح؟ وهل يجب عليَّ أن أفترض أنه يتوجب عليَّ الصعود إلى مكان عال جدّاً مساوٍ لارتفاع الجبل لأراقب قرص الشمس؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز الاعتماد على التقاويم التي تبين أحكام الصلوات ما لم يثبت خطؤها، وقد ثبت خطأ كثير منها – إن لم نقل كلها – في صلاة الفجر، وبعضها في صلاة العشاء، وأما صلاة المغرب فالخطأ فيها يسير؛ لأنه يسهل على عامة الناس معرفة صوابها، واكتشاف الخطأ فيها، بمراقبة الشمس بأنفسهم.
وعلى كل حال: فإن علامة غروب الشمس الذي به يفطر الصائم، ويدخل به وقت صلاة المغرب هي: غياب قرص الشمس في الأفق غياباً حقيقيّاً، وليس غيابها وراء جبل، أو عمارة.
وقد نصَّ الصحابة رضي الله عنهم على وقت الغروب بذكرهم غياب الشمس في الحجاب، وتنوعت ألفاظهم في ذلك، فبعضهم يقول " غابت الشمس "، وآخر يقول " توارت بالحجاب "، وثالث يقول " وجبت الشمس "، وكلها ألفاظ تدل على معنى واحد، وهو الغياب الكلي لقرص الشمس.
ولا يلزمك أن تصعد على الجبل أو على مكان مرتفع، بل المراد غروب الشمس بالنسبة للمكان الذي أنت فيه، وذلك بسقوطها في الأفق، أما مجرد اختفائها خلف الجبل فلا يعتبر ذلك غروباً.
ونظرا لأنك لا تستطيع رؤية الشمس وقت الغروب بسبب الجبال، فيمكن معرفة وقت الغروب بعلامة أخرى ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي إقبال الظلام من جهة المشرق.
روى البخاري (1954) ومسلم (1100) عن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا (جهة المشرق) وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَا هُنَا (جهة المغرب) وَغَرَبَتْ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ) .
قال النووي:
" قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَقْبَلَ اللَّيْل وَأَدْبَرَ النَّهَار وَغَرَبَتْ الشَّمْس) قَالَ الْعُلَمَاء: كُلّ وَاحِد مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَة يَتَضَمَّن الْآخَرَيْنِ وَيُلَازِمُهُمَا , وَإِنَّمَا جَمَعَ بَيْنَهَا ; لِأَنَّهُ قَدْ يَكُون فِي وَادٍ وَنَحْوه بِحَيْثُ لَا يُشَاهِد غُرُوب الشَّمْس , فَيَعْتَمِد إِقْبَال الظَّلَّام وَإِدْبَار الضِّيَاء. وَاَللَّه أَعْلَم " انتهى.
فإن لم يمكن هذا أيضا فلا حرج من الاعتماد على التقاويم لأنها تفيد على الأقل غلبة الظن بدخول وقت الصلاة، ما لم يثبت أنها خطأ.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1205)
وقت الفجر الصادق
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الطرق التي أستطيع بها معرفة الفجر الصادق؟ أجتهد صباحاً في تحري الفجر الصادق , وذلك لمعرفة وقت الصلاة والإمساك، وذلك لي ولأصدقائي، لأني أقيم في الصين , والمسلمون هنا يعتمدون التوقيت من الإنترنت , لكنه غير دقيق، وبناء عليه فهم يصلون الفجر قبل دخول الوقت، ولكن فيما لو لم أستطع ضبط التوقيت بشكل صحيح (لأني أقربه إلى حين ذهاب العتمة وظهور الضوء) ، فهل عليَّ إثم في ذلك؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله أن يجزيك خير الجزاء على تحريك الحق والصواب في عبادتك، ونسأله تعالى أن يوفقك ويزيدك من فضله على حبك للعلم وحرصك على التعلم.
واعلم أن الفجر فجران: فجر كاذب لا يدخل معه وقت صلاة الفجر، ولا يمنع من الطعام والشراب والجماع لمن أراد الصوم، وفجر صادق، وهو الذي يدخل معه وقت صلاة الفجر، ويمنع من الطعام والشراب والجماع في الصيام، وهو المقصود بقوله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) البقرة/187.
وقد صرَّح النبي صلى الله عليه وسلم بالفرق بينهما في أحاديث كثيرة، بعضها في التفريق بينهما من حيث الأوصاف، وبعضها الآخر من حيث التفريق بينهما في الأحكام، وبعضها جمعت بين الأوصاف والأحكام.
انظر هذه الأحاديث في جواب السؤال رقم (26763) .
وقد جاء التفريق واضحاً بين الفجرين في كلام الصحابة، والتابعين، ومن بعدهم من أئمة العلم.
قال ابن كثير رحمه الله:
"وقال عبد الرزاق: أخبرنا ابن جريج عن عطاء قال: سمعت ابن عباس يقول: هما فجران، فأما الذي يسطع في السماء: فليس يُحِلّ ولا يحرِّم شيئاً، ولكن الفجر الذي يستبين على رؤوس الجبال هو الذي يحرّم الشراب.
قال عطاء: فأما إذا سطع سطوعاً في السماء - وسطوعه أن يذهب في السماء طولاً -: فإنه لا يحرم به شراب لصيام ولا صلاة، ولا يفوت به حج، ولكن إذا انتشر على رؤوس الجبال: حرم الشراب للصيَّام، وفات الحج.
وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس وعطاء، وهكذا رُوي عن غير واحد من السلف رحمهم الله".
" تفسير ابن كثير " (1 / 516)
وقال ابن قدامة رحمه الله:
"وجملته: أن وقت الصبح يدخل بطلوع الفجر الثاني إجماعاً، وقد دلَّت عليه أخبار المواقيت، وهو البياض المستطير المنتشر في الأفق، ويسمَّى " الفجر الصادق "؛ لأنَّه صدقك عن الصبح وبيَّنه لك، والصبح ما جمع بياضاً وحمْرة، ومنه سمِّي الرجل الذي في لونه بياض وحمرة: "أصبح"
فأما الفجر الأول: فهو البياض المستدق صعداً من غير اعتراض فلا يتعلق به حكم، ويسمَّى " الفجر الكاذب " ثم لا يزال وقت الاختيار إلى أن يسفر النهار.
" المغني " (1 / 232) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"وذكر العلماء أن بينه - أي: الفجر الكاذب - وبين الثاني ثلاثة فروق:
الفرق الأول: أن الفجر الأول ممتد لا معترض، أي: ممتد طولاً من الشرق إلى الغرب، والثاني: معترض من الشمال إلى الجنوب.
الفرق الثاني: أن الفجر الأول يظلم، أي: يكون هذا النور لمدة قصيرة ثم يظلم، والفجر الثاني: لا يظلم بل يزداد نوراً وإضاءة.
الفرق الثالث: أن الفجر الثاني متصل بالأفق ليس بينه وبين الأفق ظلمة، والفجر الأول منقطع عن الأفق بينه وبين الأفق ظلمة.
وهل يترتب على الفجر الأول شيء؟ لا يترتب عليه شيء من الأمور الشرعيَّة أبداً، لا إمساك في صوم، ولا حل صلاة فجر، فالأحكام مرتبة على الفجر الثاني" انتهى.
" الشرح الممتع " (2 / 107، 108) .
ثانياً:
وأما ما يوجد في التقاويم فإنه ليس مصدر ثقة في معرفة وقت صلاة الفجر، فقد ثبت خطأ هذه التقاويم.
فالواجب عليكم عدم اعتماد التقاويم في معرفة صلاة الفجر، وعليكم تحري الوقت الصحيح بما ذكرناه لك من فروق بين الفجر الكاذب والصادق، وإذا لم تستطع النظر في كل يوم في السماء: فإنه يمكنك وضع وقت احتياطي بعد أذان التقويم، وبلادنا يختلف فيها هذا الوقت من بلد لآخر، ومن فصل لآخر، فيمكنك اعتماد وقت " نصف ساعة " مثلاً لتصلي فيه الفجر، على أن تحتاط في الإمساك عن الطعام والشراب قبل ذلك.
ويمكنكم وضع تقويم صحيح لتعتمده الأجيال بعدكم بعد أن تتحروا الفجر الصادق خلال عام كامل، وفي أوقات متفرقة، عسى أن يكتب لكم أجر تصحيح عبادات المسلمين.
وعلى هذا، فإذا أمكنكم متابعة وقت الفجر بأنفسكم، فإنكم تعملون بذلك في الصلاة والصيام، وإن لم يمكن، فإنكم لا تصلون حتى يغلب على ظنكم دخول وقت الصلاة.
وأما في الصيام فلكم أن تأكلوا وتشربوا حتى تتيقنوا طلوع الفجر، لقوله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ) البقرة/187.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" فما دام لم يتيقن أن الفجر قد طلع فله الأكل ولو كان شاكاً حتى يتيقن" انتهى.
"فتاوى الصيام" (ص299) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1206)
ما هو الأمر المعتبر في دخول وقت الفجر في شمال بريطانيا
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني أعرض على سماحتكم موضوع مشكلة صلاة العشاء والفجر في مقاطعة نيوكاسل ببريطانيا، يجد المسلمون هنا في بريطانيا نيوكاسل معاناة شديدة في تحديد الوقت بالنسبة لصلاة الفجر والعشاء وكذلك في بداية وقت الإمساك، لأن الضوء يصل إلى سطح الأرض قبل شروقها ويستمر بعد غروبها لفترة طويلة تمتد في بعض الأحيان بطول الليل كاملاً، وقد قسم علماء الفلك هنا هذه الفترة في بداية ظهور الضوء حتى شروق الشمس، وفي غروبها حتى اختفاء ضوءها إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: تصل كثافة الضوء لدرجة تمكن الفرد بمزاولة أي عمل من الأعمال.
القسم الثاني: الضوء يكون بدرجة لا يتمكن الفرد فيه من مزاولة الأعمال التي تحتاج إلى ضوء.
القسم الثالث: الظلام التام.
فالسؤال هو: كيف يمكن تحديد بداية الوقت لصلاة الفجر وصلاة العشاء والإمساك على ضوء الأوقات المعطاة في هذا التقسيم (التقسيم الفلكي) ؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا عبرة في تحديد أوقات الصلوات بالتقسيم الفلكي وإنما العبرة في دخول وقت الفجر بظهور ضوء مستعرض في الأفق شرقاً إذا اتضح وتميز، وينتهي وقته بطلوع الشمس، ويبدأ وقت المغرب بغروب قرص الشمس ولا عبرة في ذلك ببقاء الضوء بعد غروب قرصها، ويبدأ وقت العشاء بمغيب الشفق الأحمر الذي يظهر بعد غروب الشمس إذا اتضح وتميز.
ويبدأ الإمساك عن المفطرات بدخول وقت الفجر الذي سبق بيانه وينتهي بغروب قرص الشمس نفسه ولو بقي بعد غروبه شيء من ضوئها.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى اللجنة الدائمة 6/143(5/1207)
لا يتمكن من أداء الصلاة في وقتها بسبب العمل، فماذا يفعل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعيش في أستراليا وأعمل في مطعم وجبات سريعة وأغلب المبيعات من لحوم الدجاج، أعمل 3 أيام في الأسبوع وأعمل في كل يوم 3 - 4 ساعات متواصلة دون توقف - (أي شخص يعمل لمدة تقل عن 5 ساعات لا يحصل على فترة راحة) - بسبب قصر النهار واختلاف مواعيد الصلاة فيحصل أن يأتي وقت لا أستطيع فيه الصلاة إلا أن أجمع صلاة العصر مع المغرب مثلاً قبل بدأ الدوام أو بعده، حالياً لا تفوتني أي صلاة لأن وقت عملي لا يتعارض مع أوقات الصلوات.
أرجو أن تساعدني لأن هذا الأمر يحزنني، وشكراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
سبق في إجابة السؤال رقم (21958) أنه لا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها بسبب العمل، وقد قال الله سبحانه وتعالى: (رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) النور37 /-38. فيجب عليك تنظيم وقت العمل بما لا يتعارض مع أداء الصلاة في وقتها، والاتفاق مع الإدارة على ذلك وإيجاد الحلول المناسبة , ولو كان فيها بعض المشقة عليك، كزيادة ساعات العمل مثلاً. واعلم أن ما يحصل في قلبك من زيادة الإيمان بسبب أداء الصلاة في أوقاتها والمحافظة عليها سيعوضك عما تجده من مشقة في سبيل ذلك، بل ستنقلب تلك المشقة لذة ـ إن شاء الله ـ لأنك تحملتها في سبيل الله وابتغاء رضوانه.
ثانياً:
مما يُحمد عليه السائل حزنه إذا ضاعت منه الصلاة وصلاها في غير وقتها، وهكذا ينبغي أن يكون المؤمن، يحزن إذا فاته شيء من الأعمال الصالحة، ولكن الواجب أن يكون هذا الحزن دافعاً إلى تصحيح العمل، واجتناب التقصير فيه، أما وجود الحزن في القلب مع استمرار تضييع الصلاة وإساءة العمل فإن هذا لا ينبغي.
ثالثاً:
قولك "بأنك تجمع بين صلاتي العصر والمغرب قبل بدء الدوام أو بعده".
لتعلم يا أخي أن الجمع بين الصلوات ورد في الشرع بين صلاتي الظهر والعصر وبين صلاتي المغرب والعشاء، هذا الجمع الذي وردت به الشريعة، أما الجمع بين صلاتي العصر والمغرب فلم ترد به الشريعة، ولا يصح، ولم يقل به أحد من العلماء. وعلى هذا فما وقع من الجمع بين صلاتي العصر والمغرب بعد غروب الشمس فالواجب عليك التوبة إلى الله من تأخير صلاة العصر عن وقتها، والعزم على عدم العودة إلى مثل ذلك.
وما وقع من الجمع بين صلاتي العصر والمغرب قبل دخول وقت صلاة المغرب وهو (غروب الشمس) فلتعلم أن الصلاة قبل وقتها لا تصح، فصلاتك المغرب لا تصح، وعلى هذا فعليك أن تحصي عدد المرات التي صليت فيها صلاة المغرب قبل دخول وقتها وتجتهد في معرفة العدد، وتحتاط لنفسك ودينك، فعند الشك تأخذ بالعدد الأكثر، ثم تعيد هذه الصلوات وتبادر إلى ذلك بقدر استطاعتك.
رابعاً:
عليك أن تسعى جاهداً في حل هذه المشكلة والأمر لن يستغرق أكثر من عشر دقائق فيمكنك الاتفاق مع الإدارة أن تعوض هذه الدقائق قبل الدوام أو بعده، وقد لا يتصور أنك لا يمكنك الاستئذان من العمل لمدة عشر دقائق، فإنك لو أردت الذهاب إلى الحمام فإنهم لن يمنعوك من ذلك، مع أن هذا قد يستغرق هذه الدقائق أو أكثر، وقد يكون في بلدكم قوانين تحفظ للأقليات الحق في ممارسة شعائر دينها، وتلزم أصحاب الأعمال باحترام دين من يعمل عندهم، قد يكون عندكم مثل هذه القوانين التي تستطيع بها أن تطالب بحقك.
فإن ضاقت بك السبل، ولم يمكن حل هذه المشكلة مع الإدارة فعليك أن تبحث عن عمل آخر لا يتعارض مع إقامتك للصلاة، فإن لم تجد وكنت تتضرر بترك هذا العمل فإنه يُرجى أن تكون هذه حاجة تبيح لك الجمع بين الصلوات ولا حرج عليك في ذلك إن شاء الله تعالى.
فلك أن تجمع بين صلاتي الظهر والعصر إما جمع تقديم وإما جمع تأخير، أو تجمع بين صلاتي المغرب والعشاء إما جمع تقديم وإما جمع تأخير، حسب الأيسر والأسهل لك.
وجمع التقديم أن تصلي الصلاتين المجموعتين في وقت الأولى منهما.
وجمع التأخير أن تصلي الصلاتين المجموعتين في وقت الأخرى منهما.
نسأل الله تعالى أن يوفقنا إلى الفقه في الدين وحسن القول والعمل، وأن ييسر لك أمرك.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1208)
تعاني من عدم الاستيقاظ لصلاة الفجر
[السُّؤَالُ]
ـ[أردت أن أسالك عن حكم تأخير صلاة الفجر إلى الصباح، فكثيراً ما تفوتني رغم أنني أطلب من أختي إيقاظي، وأقوم بوضع المنبه لكن بلا فائدة!! معظم الأحيان أستيقظ لأغلق المنبه وأعود للنوم دون إدراك مني، لأجد الصبح قد طلع؛ فهل علي شيء؟ أرجو منك أن تدلني على طريقة أتبعها لأنني أشعر بالخزي من كثرة استغفاري لربي، والقول بأنني لن أعود إلى هذا الذنب العظيم، فأجد نفسي في نفس الدوامة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
النوم عن صلاة الفجر، قد يكون عن تفريط وتقصير، وقد يكون ناتجا عن ثقل النوم الذي هو طبيعة لبعض الناس، والغالب هو الأول. فإن كثيرا من الناس يفرطون في السهر، أو لا يهتمون بضبط ساعة الإيقاظ، وإن ضبطوها لم تجد شيئا، لحاجة الإنسان إلى النوم بعد السهر الطويل.
وقد سبق تفصيل الكلام على هذه المسألة، وبيان النائم المعذور من غير المعذور، في جواب السؤال رقم (65605) والذي نوصيك به النوم المبكر، فهذا خير وسيلة للاستيقاظ، وبدونه يبقى الأمر عسيرا، غالبا، ثم الاستعانة بالمنبه، والتواصي مع الأهل، والتعاون على ذلك، وقبل ذلك كله سؤال الله تعالى التوفيق والهداية لذلك، والمحافظة على الوضوء والذكر قبل النوم، وتطهير البيت من الصور وغيرها مما يمنع دخول الملائكة.
وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1209)
إذا طهرت الحائض قبل الفجر صلت المغرب والعشاء
[السُّؤَالُ]
ـ[عند الطهور من الحيض وأغتسل مثلا بالليل كيف أصلي؟ هل أصلي العشاء فقط أم العشاء والمغرب أم اليوم كاملا؟ مع العلم أني لا أرى القصة البيضاء بل أترك يوما لمعرفة أن الدم توقف عني؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا طهرت الحائض بعد دخول وقت العشاء فإنه يلزمها أن تصلي العشاء لأنها أدركت وقتها، وكذلك يلزمها أن تصلي المغرب؛ لأنها تُجمع مع العشاء عند وجود العذر.
وكذلك إذا طهرت بعد دخول وقت العصر فإنها تصلي الظهر والعصر، هذا ما أفتى به بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وبه قال جمهور العلماء.
وأما إذا طهرت بعد الصبح أو بعد الظهر أو بعد المغرب فإنه لا تصلي إلا صلاة واحدة، وهي الصلاة التي طهرت في وقتها: (الصبح أو الظهر أو المغرب) ؛ لأن هذه الصلوات لا تُجمع إلى شيء قبلها.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/238) : "إذا طهرت الحائض قبل أن تغيب الشمس صلت الظهر فالعصر.
وإذا طهرت قبل أن يطلع الفجر صلت المغرب وعشاء الآخرة، روي هذا القول عن عبد الرحمن بن عوف وابن عباس وطاوس ومجاهد والنخعي والزهري وربيعة ومالك والليث والشافعي وإسحاق وأبي ثور. قال الإمام أحمد: عامة التابعين يقولون بهذا القول إلا الحسن وحده قال: لا تجب إلا الصلاة التي طهرت في وقتها وحدها. وهو قول الثوري , وأصحاب الرأي ; لأن وقت الأولى خرج في حال عذرها , فلم تجب كما لو لم يدرك من وقت الثانية شيئا.
وحكي عن مالك أنه إذا أدرك قدر خمس ركعات من وقت الثانية , وجبت الأولى ; لأن قدر الركعة الأولى من الخمس وقت للصلاة الأولى في حال العذر , فوجبت بإدراكه , كما لو أدرك ذلك من وقتها المختار , بخلاف ما لو أدرك دون ذلك.
ولنا ما روى الأثرم , وابن المنذر , وغيرهما , بإسنادهم عن عبد الرحمن بن عوف , وعبد الله بن عباس , أنهما قالا في الحائض تطهر قبل طلوع الفجر بركعة: تصلي المغرب والعشاء , فإذا طهرت قبل أن تغرب الشمس , صلت الظهر والعصر جميعا؛ ولأن وقت الثانية وقت للأولى حال العذر , فإذا أدركه المعذور لزمه فرضها , كما يلزمه فرض الثانية" انتهى بتصرف.
وقال في متن زاد المستقنع: " ومن صار أهلا لوجوبها قبل خروج وقتها: لزمته وما يجمع إليها قبلها " انتهى.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع": " مثال ذلك: إذا أدرك من وقت صلاة العصر قدر ركعة أو قدر التحريمة لزمته صلاة العصر، ولزمته صلاة الظهر أيضا، وإن أدرك ذلك من وقت صلاة العشاء لزمته صلاة العشاء وصلاة المغرب أيضا، وإن أدرك ذلك من وقت صلاة الفجر لا يلزمه إلا الفجر؛ لأنها لا تجمع إلى ما قبلها.
فإن قيل: ما وجه وجوب صلاة الظهر في المثال الأول؛ وصلاة المغرب في المثال الثاني؟
فالجواب: الأثر، والنظر.
أما الأثر: فإنه روي ذلك عن ابن عباس وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم.
وأما النظر: فلأن وقت الصلاة الثانية وقت للأولى عند العذر الذي يبيح الجمع، فلما كان وقتا لها عند العذر صار إدراك جزء منه كإدراك جزء من الوقتين جميعا، وهذا هو المشهور من المذهب.
وقال بعض أهل العلم: إنه لا يلزمه إلا الصلاة التي أدرك وقتها فقط، فأما ما قبلها فلا يلزمه " انتهى، ورجح الشيخ رحمه الله هذا القول الأخير.
والأحوط هو العمل بقول جمهور العلماء، فتصلي الصلاتين معاً، ولا يلزمها أن تصلي صلوات اليوم كاملاً، وإن اقتصرت على الصلاة التي أدركت وقتها فقط، فنرجو ألا يكون عليها حرج.
ثانيا:
تطهر المرأة من حيضها بإحدى علامتين: القصة البيضاء، أو حصول الجفاف التام، بحيث لو احتشت بقطنة خرجت نظيفة ليس عليها أثر من حمرة أو صفرة، على ما بيناه في جواب السؤال رقم 5595.
فكونك تجلسين يوما دون صلاة، لعدم رؤيتك للقصة البيضاء، عمل لا يصح؛ لاحتمال أن تكوني قد طهرت بالجفوف، فالواجب عليك مراعاة هذه العلامة في الطهر.
قال النووي رحمه الله: " علامة انقطاع الحيض ووجود الطهر: أن ينقطع خروج الدم وخروج الصفرة والكدرة , فإذا انقطع طهرت سواء خرجت بعده رطوبة بيضاء أم لا " انتهى من "المجموع" (2/562) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1210)
صلاة وصوم المسجون الذي لا يعلم شيئا عن الوقت
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يصلي المسجون في غرفة مظلمة تحت الأرض، وهو مقيد، ولا يعلم شيئا عن أوقات الصلاة، ولا عن وقت دخول شهر رمضان؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد للَّه
أولا:
نسأل الله تعالى أن يمن على جميع أسرى المسلمين بفرجه القريب، وأن يهبهم من فضله الصبر والسلوان، ويملأ قلوبهم بالطمأنينة واليقين، وأن ييسر للمسلمين سبيل رشد يُعزُّ فيه أولياؤُه، ويُذل فيه أعداؤه.
ثانيا:
قرر أهل العلم أن الصلاة والصيام لا يسقطان عن الأسير والمسجون، وأن الواجب عليه أن يتحرى الوقت ويجتهد في ذلك، فإذا غلب ظنه دخول وقت الصلاة، صَلَّى، وإذا غلب على ظنه دخول شهر رمضان، صام، ويمكنه الاستدلال على الوقت بملاحظة أوقات الطعام، أو سؤال أهل السجن ونحو ذلك.
وإذا اجتهد وتحرى الوقت الصحيح للصلاة أو للصيام فإن عبادته تقع صحيحة مجزئة، سواء تبين له بعد ذلك أنها وقعت في الوقت، أو بعده، أو لم يتبين له شيء، لقول الله تعالى: (لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) البقرة/286، وقوله سبحانه وتعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا) الطلاق/7.
وإذا علم أنه صام أيام العيد وجب عليه قضاؤها، لأن صيام يوم العيد لا يصح.
أما إذا علم بعد ذلك أنه صلى أو صام قبل الوقت، وجب عليه إعادة الصيام والصلاة.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (28/84-85) :
" ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ من اشتبهت عليه الشّهور لا يسقط عنه صوم رمضان، بل يجب لبقاء التّكليف وتوجّه الخطاب.
وإن اجتهد وصام فلا يخلو الأمر من خمسة أحوال:
الحال الأولى: استمرار الإشكال وعدم انكشافه له، بحيث لا يعلم أنّ صومه صادف رمضان أو تقدّم أو تأخّر، فهذا يجزئه صومه ولا إعادة عليه لأنّه بذل وسعه، ولا يكلّف بغير ذلك.
الحال الثّانية: أن يوافق صوم المحبوس شهر رمضان، فيجزيه ذلك.
الحال الثّالثة: إذا وافق صوم المحبوس ما بعد رمضان فيجزيه عند جماهير الفقهاء.
الحال الرّابعة: وهي وجهان:
الوجه الأوّل: إذا وافق صومه ما قبل رمضان، وتبيّن له ذلك قبل مجيء رمضان، لزمه صومه إذا جاء بلا خلاف، لتمكّنه منه في وقته.
الوجه الثّاني: إذا وافق صومه ما قبل رمضان، ولم يتبيّن له ذلك إلاّ بعد انقضائه، ففي إجزائه قولان:
القول الأوّل: لا يجزيه عن رمضان بل يجب عليه قضاؤه، وهذا مذهب المالكيّة والحنابلة، والمعتمد عند الشّافعيّة.
القول الثّاني: يجزئه عن رمضان، كما لو اشتبه على الحجّاج يوم عرفة فوقفوا قبله، وهو قول بعض الشّافعيّة.
الحال الخامسة: أن يوافق صوم المحبوس بعض رمضان دون بعض، فما وافق رمضان أو بعده أجزأه، وما وافق قبله لم يجزئه" انتهى.
وانظر "المجموع" (3/72-73) ، "المغني" (3/96)
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1211)
العمل بالتقويم في معرفة أوقات الصلوات
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في الموقع عن أوقات الصلوات ولكن نظرا لعدم معرفتي بالوقت إلا من الساعة فإنه يصعب علي معرفته بالسماء فهل هناك طرق أعرف بها وقت زوال الشمس.... وغيره أو المدة بالساعات للصلوات من بعد الأذان في الصيف والشتاء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سبق أن ذكرنا مواقيت الصلاة مفصلة، مع بيان الطريقة العملية لمعرفة وقت الزوال، بمراعاة الظل، وباعتبار ساعات النهار، وكذلك معرفة منتصف الليل وطريقة حسابه، في جواب السؤال رقم (9940) .
وهي طرق سهلة يمكن لكل أحد أن يستفيد منها، عند الحاجة إليها، وقد يسر الله على المسلمين بوجود التقاويم المتداولة التي تبين أوقات الصلوات مفصلة، يوما بيوم، صيفا وشتاء، مراعية اختلاف المدن في البلد الواحد، مع انتشار المساجد وارتفاع الأصوات بالأذان الذي هو إعلام بالوقت، فلله الحمد والمنة، ولو كُلِّف كل إنسان أن ينظر كل يوم في الأفق ليحدد ابتداء وقت الفجر، أو يتأمل في الظل وطوله وقصره ليعرف وقت الظهر والعصر، لكان في ذلك مشقة وحرج، وهما منفيان في هذه الشريعة المطهرة.
قال الشيخ عبد الرحمن البراك حفظه الله: " ومقدار ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس قريبٌ من ساعة ونصف كما هو مبيّنٌ في التقويم، وقد صار التقويم هو الوسيلة للناس في معرفة مواقيت الصلاة بالساعة والدقيقة، فينبغي العناية بذلك لأن الصلوات الخمس عمود الإسلام، فيجب على المسلم أن يحافظ عليها في أوقاتها كما قال تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) المعارج/34، وقال تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) البقرة/238، والصلاة الوسطى هي صلاة العصر " انتهى.
وانظر جواب السؤال رقم (8048)
ومع أهمية التقاويم وفائدتها، إلا أنها عمل بشري يعتريه ما يعتري أعمال البشر من الخطأ والسهو، لكنها في الغالب الأعم منضبطة في تحديد الوقت، إلا ما وقع من الخطأ في بعضها في تحديد وقت الفجر، كما هو مبين في جواب السؤال رقم (26763)
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1212)
الحد المسموح به في تأخير الصلوات بالنسبة للمرأة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تعتبر المرأة المسلمة التي تصلي في البيت مذنبة أو آثمة إذا صلت صلاة الظهر قبل أذان العصر بنصف أو ربع ساعة أو إذا صلت صلاة العصر قبل أذان المغرب بنصف أو ربع ساعة أو أيضا إذا صلت صلاة العشاء قبل أذان الفجر بنصف ساعة. وإذا كانت الإجابة أنه لا يجوز ذلك فما هي أقصى الحدود المسموح بها لتأخير الصلاة دون أن يكون هناك ذنب أو إثم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها، لقوله تعالى: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) النساء/103، وقوله: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) مريم/59.
وقد بَيَّنَ الشرعُ مواقيت الصلاة، كما في الحديث الذي رواه مسلم (612) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (وَقْتُ الظُّهْرِ مَا لَمْ يَحْضُرْ الْعَصْرُ، وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ، وَوَقْتُ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَسْقُطْ ثَوْرُ الشَّفَقِ، وَوَقْتُ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، وَوَقْتُ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ) .
وقد سبق في جواب السؤال (9940) بيان مواقيت الصلوات الخمس على التفصيل.
ونكتفي هنا بذكر آخر وقت كل صلاة.
فآخر وقت صلاة الظهر دخول وقت صلاة العصر.
وآخر وقت صلاة العصر اصفرار الشمس، ويمتد وقتها في حق المضطر كالمريض ونحوه إلى أن تغرب الشمس.
وآخر وقت صلاة المغرب مغيب الشفق الأحمر من السماء، وهو أول وقت صلاة العشاء.
وآخر وقت صلاة العشاء نصف الليل، ولا يمتد إلى طلوع الفجر.
وآخر وقت صلاة الفجر طلوع الشمس.
فيجوز أداء الصلاة في أي وقت من وقتها، سواء من أوله أو وسطه أو آخره، ولا يجوز تأخير أي صلاة من هذه الصلوات عن آخر وقتها بلا عذر قهري كالنوم والنسيان.
وبناء على ذلك فصلاتك الظهر قبل دخول وقت العصر بنصف ساعة أو بربع ساعة، صحيحة، ولا حرج عليك في ذلك.
وأما صلاة العصر فيلزمك أداؤها قبل اصفرار الشمس، وتحديد هذا بالساعات يختلف من فصل لآخر، والظاهر أن قبل المغرب بربع ساعة ونحوها تكون الشمس قد اصفرت، فيكون قد خرج وقت صلاة العصر.
ولا يجوز لك أن تؤخري العشاء إلى ما قبل الفجر بنصف ساعة؛ لأن وقت العشاء إلى نصف الليل كما سبق في الحديث، وإذا أردتِ حساب نصف الليل فاحسبي الوقت من مغيب الشمس إلى طلوع الفجر، فنصف ما بينهما هو آخر وقت العشاء (وهو نصف الليل) . فلو أن الشمس تغيب الساعة الخامسة، والفجر يؤذن الساعة الخامسة فمنتصف الليل هو الساعة الحادية عشرة مساءً.
والأفضل التعجيل بأداء الصلاة في أول وقتها؛ لما روى البخاري (496) ومسلم (122) عن عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِهَا. قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ. قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1213)
تأخير صلاة الفجر قرب شروق الشمس
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تأخير إقامة صلاة الفجر حتى قرب الشروق وليس في وقتها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الصلوات الخمس لها وقت محدد: أوله وآخره، يجب أداء الصلاة فيه، قال الله تعالى: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) النساء/103.
" أي مفروضاً في وقته.
فدل ذلك على فرضيتها وأن لها وقتاً لا تصح إلا به، وهو هذه الأوقات التي قد تقررت عند المسلمين صغيرهم وكبيرهم، عالمهم وجاهلهم، وأخذوا ذلك عن نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم بقوله: (صلوا كما رأيتموني أصلي) " انتهى من تفسير السعدي (ص 204) .
وتأخير الصلاة عن وقتها من غير عذر من الكبائر، وقد توعد الله تعالى عليه بقوله: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ) الماعون/4، 5.
قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: الذين يؤخرونها عن أوقاتها. انظر تفسير القرطبي (20/211) .
ثانياً:
وقد سبق في جواب السؤال (9940) بيان أوقات الصلوات الخمس.
ووقت صلاة الفجر من طلوع الفجر الصادق إلى طلوع الشمس.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وَوَقْتُ صَلاةِ الصُّبْحِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ) . رواه مسلم (612) .
فإذا صلاها في هذا الوقت فقد صلاها في وقتها، وعلى هذا، فما جاء في السؤال من أن الصلاة قرب الشروق لا تكون في وقتها ليس صحيحاً، بل وقت صلاة الصبح ممتد إلى شروق الشمس.
ثانياً:
قد يكون السائل أراد الإشارة إلى بعض الناس الذين يؤخرون صلاة الفجر حتى يتيقنوا أو يغلب على ظنهم دخول وقتها، وذلك نظراً لما قيل من خطأ التقاويم الموجودة الآن في تحديد وقت صلاة الفجر.
غير أن هذا الخطأ لا يصل إلى هذا الحد، بل قدره بعض العلماء بـ (20) إلى (30) دقيقة.
راجع السؤال (26763) .
ثالثاً:
كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه يصلي الفجر قبل ظهور ضوء النهار، وقد دل على ذلك عدة أحاديث.
1- روى البخاري (560) ومسلم (646) عن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الصُّبْحَ بِغَلَسٍ.
2- وروى البخاري (872) ومسلم (645) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي الصُّبْحَ بِغَلَسٍ فَيَنْصَرِفْنَ نِسَاءُ الْمُؤْمِنِينَ لا يُعْرَفْنَ مِنْ الْغَلَسِ أَوْ لا يَعْرِفُ بَعْضُهُنَّ بَعْضًا.
" الغَلَس: ظلمة آخر الليل، كما في القاموس، وهو أول الفجر " انتهى من "سبل السلام".
وقال النووي:
" قَوْله: (مَا يُعْرَفْنَ مِنْ الْغَلَس) هُوَ بَقَايَا ظَلام اللَّيْل. قَالَ الدَّاوُدِيّ: مَعْنَاهُ مَا يُعْرَفْنَ أَنِسَاء هُنَّ أَمْ رِجَال " انتهى من شرح مسلم للنووي.
3- وروى ابن ماجه (671) عن مُغِيث بْن سُمَيٍّ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ الصُّبْحَ بِغَلَسٍ، فَلَمَّا سَلَّمَ أَقْبَلْتُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ، فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ الصَّلاةُ! قَالَ: هَذِهِ صَلاتُنَا كَانَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَلَمَّا طُعِنَ عُمَرُ أَسْفَرَ بِهَا عُثْمَانُ.
صححه الألباني في صحيح ابن ماجه.
فهذه الأحاديث تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الصبح في أول وقتها.
وقال ابن قدامة في "المغني" (1/540) :
" وَأَمَّا صَلاةُ الصُّبْحِ فَالتَّغْلِيسُ بِهَا أَفْضَلُ , وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي مُوسَى وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ " انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1214)
هل يفطر في المعهد أم يؤخر الإفطار والصلاة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أدرس الآن، وتكون بعض الأيام شاقةً، وأمضي وقتًا طويلًا في المعهد. وأتساءل: هل يجوز أن أفطر، وأن أصلي المغرب في المعهد، أم أؤخره حتى أصل للبيت؟ أنا أنهي دراستي قبل دقائق من المغرب، وأصل بيتي بعد ذلك بنصف ساعة.
إن أنا صليت في المعهد، فسأفقد وسيلة المواصلات إلى بيتي، وسأتأخر نتيجة لذلك عن البيت.
فبماذا تنصحوني والحال ما ذكر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المبادرة إلى أداء الصلاة في أول وقتها من أفضل الأعمال عند الله سبحانه وتعالى.
فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِهَا. قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ. قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. رواه البخاري (527) ومسلم (85)
قال النووي رحمه الله:
" وفي هذا الحديث: الحث على المحافظة على الصلاة في وقتها , ويمكن أن يؤخذ منه استحبابها في أول الوقت ; لكونه احتياطًا لها , ومبادرةً إلى تحصيلها في وقتها " انتهى.
"شرح مسلم" (2/265) .
وعَنْ أُمِّ فَرْوَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: الصَّلاةُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا. رواه أبو داود (426) وصححه الألباني.
وقال الإمام أحمد رحمه الله:
" أول الوقت أعجب إِلَيَّ إلا في صلاتين، صلاة العشاء وصلاة الظهر يبرد بها في الحر " انتهى.
"المغني" (1/398) .
كما أن المبادرة إلى تعجيل الفطور مستحبة أيضًا، وقد جاء في ذلك عدة أحاديث منها:
ما رواه البخاري (1957) ومسلم (1098) عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ) .
وانظر جواب السؤال رقم (50019) ، (13999) .
وبهذا يتبين لك – أخي السائل – أن المستحب والمندوب في حقك المبادرة إلى الإفطار وصلاة المغرب في المعهد.
ولكن ذلك يبقى في دائرة المندوب، فإن شق عليك، وخشيت أن تنقطع عنك المواصلات أو تتأخر في الوصول للبيت، فلا حرج عليك إذا أخرت الصلاة لتؤديها في المنزل، بشرط أن يغلب على ظنك الوصول قبل أذان العشاء، ويمكنك أن تفطر على تمرات تحملها معك في طريقك.
أما إذا كان سؤالك عن الإفطار في رمضان بسبب مشقة العمل، فقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (43772) .
وفقك الله لما يحب ويرضى، وشكر الله لك هذا الحرص على طاعته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1215)
المقصود بدخول الوقت وبدايته في أوقات الصلوات
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة ينزل مني إفرازات دائماً، كنت أصلي وأقرأ القرآن حتى تأتي صلاة الفرض التالية، ثم قرأت فتوى تقول إنه تستطيع المرأة أن تقرأ القرآن وتصلي النوافل ولكن يكون هذا من بداية الوقت حتى دخول الوقت، نحن نعرف أن دخول الوقت يكون عندما يؤذن الأذان لكن متى يكون بداية الوقت هل قبل الأذان بربع ساعة أم أقل؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نزول الإفرازات بشكل مستمر، يُعْطَى حكم الحدث الدائم، فهو كالاستحاضة وسلس البول والريح، وعلى من تصيبها هذه الإفرازات أن تتوضأ لوقت كل صلاة، ثم تصلي ما شاءت من النوافل، ولها أن تمس المصحف بوضوئها هذا، إلى أن يدخل وقت الصلاة التالية.
أما قراءة القرآن من غير مس للمصحف، فلا يشترط لها الوضوء، فللمحدث حدثا أصغر أن يقرأ القرآن عن ظهر غيب، أو أن يقرأه من المصحف بحائل، كالقفاز ونحوه. ويراجع حكم الإفرازات في السؤال رقم (50404) .
ثانيا:
قولنا: بداية الوقت، لا يختلف عن قولنا: دخول الوقت، والمراد به: الوقت الذي يؤذن فيه للصلاة، حسب تقويم كل بلد.
وقد حدد الشارع بداية وقت كل صلاة ونهايته، وتجدين هذا مفصلا في السؤال رقم (9940) .
فإذا كان وقت العصر مثلا في الساعة الثالثة بعد الظهر، فإن صاحبة الإفرازات، إذا توضأت وصلت الظهر، لها أن تمس المصحف، وتطوف بالكعبة، وتصلي ما شاءت من النوافل إلى الساعة الثالثة حين يؤذنُ المؤذن لصلاة العصر، بشرط ألا ينتقض وضوؤها في تلك الفترة بناقض غير الإفرازات، كخروج البول، وغير ذلك من النواقض المعروفة؛ لأنها إنما عفي لها عن الإفرازات فقط، لاستمرارها، ومشقة التحرز منها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1216)
تأخير صلاة العشاء في رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[إمام مسجدنا يؤخر صلاة العشاء نحو ساعة في شهر رمضان. هل يجوز هذا؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
وقت صلاة العشاء يمتد من غياب الشفق الأحمر الذي يكون في السماء بعد غروب الشمس إلى نصف الليل.
والأفضل في صلاة العشاء تأخيرها ما لم يشق على الناس لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل، أو نصفه " رواه الترمذي 167
ففي هذا الحديث دليل على استحباب تأخير العشاء ما لم يشق على المأمومين فإن شقت على المأمومين فتُعجل.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: " أعتم النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة حتى ذهب عامة الليل حتى نام أهل المسجد، ثم خرج فصلى فقال: إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي " أخرجه مسلم 638.
وعن جابر رضي الله عنهما لما ذكر مواقيت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم قال: " والعشاء أحياناً يؤخرها، وأحياناً يعجل، إذا رآهم اجتمعوا عجل، وإذا رآهم أبطأوا أخر " أخرجه البخاري 1/141 ومسلم 646. أنظر معرفة أوقات العبادات للدكتور خالد المشيقح 1/291
وقد اعتاد الناس في بعض البلاد تأخير صلاة العشاء في رمضان نصف ساعة أو نحواً من هذا عن أول وقتها، حتى يفطر الناس على مهل ويستعدوا لصلاة العشاء والتراويح.
وهذا العمل لا بأس به، بشرط ألا يؤخر الإمام الصلاة إلى حد يشق على المأمومين كما سبق.
والأولى في هذا الرجوع إلى أهل المسجد، والاتفاق معهم على وقت الصلاة، فهم أعلم بما يناسبهم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1217)
هل يجوز للمؤذن أن يؤذن وهو جالس؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز رفع الآذان في مسجد أو مصلى وأنا جالس أو مرتميا على ظهري؟ وهلا استندت لدليل من القرآن والسنة على ذلك ... ]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
السنة أن يؤذن المؤذن قائما، كما كان يفعل مؤذنو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكما سار عليه المسلمون إلى يومنا هذا، وانعقد عليه إجماع الكافة، فإن أذن قاعدا أو مضجعا لغير عذر، صح أذانه مع الكراهة.
قال ابن قدامة رحمه الله: ": وينبغي أن يؤذن قائما , قال ابن المنذر: أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم , أن السنة أن يؤذن قائما. وفي حديث أبي قتادة الذي رويناه , أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال: (قم فأذن) . وكان مؤذنو رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤذنون قياما.
وإن كان له عذر فلا بأس أن يؤذن قاعدا. قال الحسن العبدي: رأيت أبا زيد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت رجله أصيبت في سبيل الله , يؤذن قاعدا. رواه الأثرم.
فإن أذن قاعدا لغير عذر: فقد كرهه أهل العلم , ويصح ; فإنه ليس بآكد من الخطبة , وتصح من القاعد " انتهى من "المغني" (1/ 253) .
وحديث أبي قتادة بهذا اللفظ رواه البخاري (595) .
وقال النووي رحمه الله: " السنة أن يؤذن قائما مستقبل القبلة..، فلو أذن قاعدا أو مضطجعا أو إلى غير القبلة: كُرِه، وصح أذانه ; لأن المقصود الإعلام، وقد حصل ". انتهى من "المجموع" (3/ 114) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1218)
إذا صلوا في البيت اكتفوا بأذان المسجد وأقاموا الصلاة فقط
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان الإنسان في جماعة وسمع الأذان، فهل يجب عليه أن يؤذن أو يكفيه الأذان الذي سمعه من مؤذن آخر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا كان الإنسان في جماعة وسمع الأذان في أي مسجد فإن الواجب عليه وعلى الجماعة أن يجيبوا الأذان وأن يتوجهوا إلى المسجد، ولا يصلوا في محلهم، ولا حاجة إلى أذان ولا إلى غيره، بل يتوجهون إلى المسجد الذي سمعوا أذانه قريباً منهم حيث يمكنهم الوصول إليه والصلاة معهم.
إذا كان الأذان بالصوت الطبيعي فإن الغالب أن يكون المسجد قريباً، أما إذا كان بمكبر فقد يكون بعيداً ووصلهم الصوت من بعد.
فالحاصل: أن الواجب عليهم التوجه إلى المسجد إذا أمكن.
أما إن كان بعيداً لا يتيسر الوصول إليه إلا بعد فوات الصلاة لبعده، ولأن الصوت سمعوه بواسطة المكبر وهو يأتي من بعيد فإنهم يكتفون بهذا الأذان، وتكفي الإقامة؛ لأن المقصود سماع الأذان ووجود ما يدعو الناس إلى الصلاة ويعلمهم بالوقت وقد حصل.
المقصود: أنه تكفيه الإقامة إذا كان ما تيسر له أن يصلي مع الناس لمرض أو لكونه حارساً أو ما أشبه ذلك، فيكفيه الأذان، ويقيم، أي يأتي بالإقامة فقط، أما إذا كان في محل قريب بحيث يستطيع الوصول إلى محل الأذان ويصلي مع الناس فالواجب على هؤلاء المستمعين للأذان أن يجيبوا، للحديث: (مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يُجِبْ فَلَا صَلَاةَ لَهُ إِلَّا مِنْ عُذْرٍ) هكذا قال النبي عليه الصلاة والسلام.
فالواجب على من سمع الأذان أن يجيب المؤذن، ويتوجه للمسجد أو محل إقامة الجماعة حتى يكثروا السواد، وحتى يحصل الاجتماع على طاعة الله عز وجل، وحتى يحصل الامتثال لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بحضور الجماعة، لكن إذا كان هناك مانع من مرض أو خوف أو كونه حارساً لمال عنده لا يستطيع التوجه، أو لأن المكان بعيد وسمعوا الصوت من بعيد بواسطة المكبر ولا يستطيعون الوصول إليه إلا إذا فاتتهم الصلاة، فيصلون في مكانهم ويكتفون بالأذان، فإن أذنوا فلا بأس، وإن أذنوا أذاناً ثانياً فلا حرج لأنه خير بلا شك لا سيما مع البعد، وإن اكتفوا بالأذان فإنه كاف، وعليهم أن يقيموا فقط، أي على هؤلاء المتخلفين لمرض أو لخوف أو ما أشبه ذلك أن يقيموا الصلاة ويكتفوا بالأذان" انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (2/291، 292)(5/1219)
حكم الأذان وهو يلبس النعلين
[السُّؤَالُ]
ـ[حكم الأذان وهو يلبس النعلين السؤال: هل الأذان والرجل لابس حذاءه مكروه أم حرام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الأذان والإنسان لابس النعلين ليس فيه بأس، لا مكروه ولا حرام، بل جائز ولا بأس به، بل تصلي في النعلين فكيف الأذان؟! والرسول صلى الله عليه وسلم صَلَّى في نعليه، فإذا كان أجاز الصلاة في النعلين فالأذان من باب أولى.
فالحاصل: أنه لا حرج في ذلك" انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (2/689)(5/1220)
حكم زيادة (في الجنة) في الدعاء الذي بعد الأذان
[السُّؤَالُ]
ـ[ (وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته في الجنة) . ما حكم هذه الزيادة: "في الجنة"؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"زيادة "في الجنة" ما لها أصل وينتهي الدعاء بقول: (وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد) .
ومن المناسب هنا أن نذكر أنه يستحب أيضاً عند الشهادتين أن يقول: رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً، فإذا قال المؤذن: "أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله" يقول المستمع مثله، ثم يقول عند ذلك: " رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً" ـ عليه الصلاة والسلام ـ لأنه ورد في الحديث الصحيح عن سعد بن أبي وقاص في صحيح مسلم (أن من قال ذلك غفر له ذنبه) فيستحب أن يقال هذا عند الشهادتين" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (2/694، 695) .
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
فتاوى نور على الدرب(5/1221)
نسي بعض ألفاظ إقامة الصلاة، فهل يعيد الإقامة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم فيمن أقام الصلاة وأخطأ في الإقامة. مثلاً: كأن ينسى حي على الصلاة حي على الفلاح، مع العلم أن المصلين يعلمون أنه أخطأ فهل يطلبون منه أن يعيد الإقامة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من ترك شيئاً من كلمات الأذان أو الإقامة نسياناً فإن كان الوقت يسيراً فإنه يأتي بما نسيه ثم يكمل بعده، وإن كان الزمن طويلاً فإنه يعيد الأذان أو الإقامة من أوله.
وإذا أعاد الأذان أو الإقامة في الحالتين فلا حرج عليه.
قال النووي رحمه الله: "لو ترك بعض كلماته [الأذان] أتى بالمتروك وما بعده، ولو استأنف كان أولى" انتهى.
"المجموع" (3/121) .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: ما الحكم إذا نسي المؤذن (الصلاة خير من النوم) في أذان الفجر؟
فأجابوا: "إذا نسي المؤذن كلمة من الأذان، ثم ذكر في حال الأذان فإنه يأتي بالكلمة المنسية وما بعدها من كلمات الأذان، وإن لم يذكر إلا في وقت متأخر فإنه يعيد الأذان كاملا، إذا لم يكن حوله مؤذن غيره يسقط بأذانه فرض الكفاية". انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (5 /61) .
وسئل الشيخ ابن جبرين: إذا نسي المؤذن قول (الصلاة خير من النوم) في أذان الفجر هل يعيد الأذان؟
فأجاب:
"متى ذكر قريبًا أتى بالتثويب الذي هو: (الصلاة خير من النوم) وإذا لم يَذَّكَّر إلا بعد ما طال الوقت: سقطت؛ لأنها من السنن، ولا يعيد لأجلها الأذان كله"
انتهى من موقع الشيخ.
فكان ينبغي لأهل المسجد أن ينبهوا المؤذن على خطئه حتى يصحح ألفاظ الإقامة، فإذا لم يفعلوا واستمر المؤذن على هذا الخطأ، فالصلاة صحيحة، ونرجو ألا يلحقهم بذلك إثم، لأن الإقامة سنة عند كثير من العلماء، ومن قال منهم بوجوبها ـ كالإمام أحمد ـ فهي عنده فرض كفاية، وتحصل هذه الكفاية بوجود مسجد آخر في الحي نفسه يؤذن ويقيم الصلاة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1222)
حكم إقامة الصلاة عبر مكبر الصوت
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز إعلان إقامة الصلاة في مكبر الصوت، أو تكون خاصة للموجودين داخل المسجد فقط؟ وهل هناك في السنة ما يدل على منع رفع الصوت بإقامة الصلاة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج من إعلان إقامة الصلاة في مكبر الصوت، وقد جاء في السنة وبعض الآثار ما يُستفاد منه جواز ذلك.
1- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا سَمِعْتُمْ الْإِقَامَةَ فَامْشُوا إِلَى الصَّلَاةِ وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ) رواه البخاري (636) ومسلم (602) .
فهذا الحديث يدل على أن الإقامة كانت تسمع من خارج المسجد في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم.
2- وروى أبو داود (510) والنسائي (668) عَنْ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: (كَانَ الْأَذَانُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَثْنَى مَثْنَى، وَالْإِقَامَةُ مَرَّةً مَرَّةً، إِلَّا أَنَّكَ إِذَا قُلْتَ: قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، قَالَهَا مَرَّتَيْنِ، فَإِذَا سَمِعْنَا قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ تَوَضَّأْنَا ثُمَّ خَرَجْنَا إِلَى الصَّلَاةِ) وصححه الألباني في صحيح النسائي، وهو دليل على سماع الإقامة من خارج المسجد.
قال السندي في حاشيته على سنن النسائي: "قوله: (فَإِذَا سَمِعْنَا قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ تَوَضَّأْنَا ثُمَّ خَرَجْنَا إِلَى الصَّلَاةِ) لعل مراده أن بعضهم كان أحياناً يؤخرون الخروج إلى الإقامة اعتماداً على تطويل قراءته صلى الله عليه وسلم" انتهى.
3- روى مالك في الموطأ (158) عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما (سَمِعَ الْإِقَامَةَ وَهُوَ بِالْبَقِيعِ فَأَسْرَعَ الْمَشْيَ إِلَى الْمَسْجِدِ) ، فهذا يدل على ما دل عليه الأحاديث السابقة أنهم كانوا يسمعون الإقامة وهم خارج المسجد.
والمسجد النبوي قد تمت توسعته عدم مرات، وأضيفت إليه الساحات حوله، وقد قيل: كان بين المسجد النبوي في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والبقيع نحو 500 متراً تقريباً، وهي مسافة ليست بالقصيرة.
وقد ذكر بعض العلماء كشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن إقامة الصلاة إعلان بالقيام إلى الصلاة للحاضرين في المسجد ولمن هم خارج المسجد أيضاً.
فقال رحمه الله كما في "شرح العمدة":
"والسنة أن يكون الأذان والإقامة في موضع واحد، فإذا أذن في مكان استحب أن يقيم فيه، لا في الموضع الذي يصلي فيه، لما احتج به الإمام أحمد رحمه الله عن بلال رضي الله عنه أنه قال: (يا رسول الله، لا تسبقني بآمين) رواه أحمد وأبو داود , وقاله إسحق بن راهويه.
وكذلك أبو هريرة وغيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا لأئمتهم، ولو كانت الإقامة موضع الصلاة لم يخشوا إن يسبقوا بآمين، فعلم أن الإقامة كانت حيث يسمعها الغائبون عن المسجد، إما موضع الأذان أو قريبا منه....
ولأن الإقامة أحد الندائين فاستحب إسماعها للغائبين كالأذان.
ولأن المقصود بها الإعلام بفعل الصلاة لمنتظرها في المسجد وغيره.
فإن شقت الإقامة قريبا من موضع الأذان بأن يكون الأذان في المنارة أو في موضع بعيد من المسجد فإنه يقيم في غيره بحيث يعلم الغائبين أيضا" انتهى.
ومثله أيضا ذكره ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/249) .
حديث: (لا تسبقني بآمين) الذي ذكره شيخ الإسلام، ضعفه البيهقي في "السنن الكبرى" (2/23) ، والنووي في "الخلاصة" (1/382) ، وابن رجب في "فتح الباري" (4/489) ، والألباني في "ضعيف أبي داود".
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"ثم إنه قد شكي إلينا شيء أقل من ذلك ضررا وهو إقامة الصلاة من على المئذنة بمكبر الصوت، فقالوا: إن أولادنا ينتظروه حتى يسمعوا الإقامة ثم يقومون ويتوضئون ويذهبون بسرعة، ربما يفوتهم شيء من الصلاة أو كل الصلاة، وربما يؤدون الوضوء من غير إسباغ، شكوا ذلك من أجل القول بمنع نقل الإقامة من على المئذنة، ولكن في نفسي من هذا شيء، لأن سماع الإقامة من المسجد أمر وارد في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا) وهذا يدل على أنه لا حرج من أن تسمع الإقامة من خارج المسجد" انتهى.
"فتاوى نور على الدرب".
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1223)
من فاته سماع بعض جُمَل الأذان فلا يشرع له قولها
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان المؤذن يؤذن ولم أسمعه إلا في نهاية الأذان - مثلاً - وهو يقول " حي على الفلاح " – مثلاً -، فهل أبدأ وأقول من بداية الأذان بشكل سريع ثم أكمل مع المؤذن، أم هذا غير صحيح؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي يظهر لنا أن من فاته شيء من الأذان فلم يسمعه: أنه لا يقوله، وأن له أن يجيب المؤذن من حيث سمع، دون ما فاته؛ لأن ظاهر الحديث أن إجابة المؤذن معلقة بسماعه، وهذا القول هو الصحيح، خلافاً لمن قال بجواز ذلك.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ) . رواه مسلم (384) .
قال النووي:
مَن رأى المؤذن، وعلِم أنه يؤذن، ولم يسمعه، لبُعد، أو صمم: الظاهر أنه لا تُشرع له المتابعة؛ لأن المتابعة معلقة بالسماع، والحديث مصرح باشتراطه، وقياساً على تشميت العاطس، فإنه لا يشرع لمن يسمع تحميده.
" المجموع " (3 / 127) .
وسئل الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ – رحمه الله -:
إِذا لم يسمع إِلا بعض الأَذان، أَو رأَى المؤذن ولا سمعه: فهل يجيبه؟ .
فأجاب:
إِذا أَدرك بعض الأَذان: فالمرجح عند كثير من الأَصحاب أَنه يبدأُ بأَوله حتى يدركه، والقول الآخر: أَنه لا يجيب إِلا ما سمع، وأَنه يفوت لفوات محله، ولعل هذا أَرجح، والظاهر أَن هذا تقرير شيخنا الشيخ سعد – أي: الشيخ سعد بن عتيق رحمه الله -.
ومَن قال إِنه يبدأُ بأَوله: فإِن أَقام دليلا ترجح قوله، وإِلا فظاهر (إِذا سَمِعْتمْ) يتعلق بما سمع، وإِن صار مانع.
ثم هنا مسأَلة: إِذا كان يرى المؤذن، ولا يسمع صوته، أَو يسمع الصوت ولا يفهم ما يقول: فقيل: يجيب في الأَخيرة خصوصاً؛ لعموم (إِذَا سَمِعْتمْ) ، ومنهم من يقول: لا يجيب، وهو أَولى؛ وذلك أَنه لا يهتدي إِلى أَن يقول مثل ما يقول وهو لا يسمع، إِلا أَنه يعلم أَنه يؤذن.
" فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم " (2 / 134، 135) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1224)
الأدلة على استحباب الأذانين لصلاة الفجر
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك أدلة على أن للفجر أذانين؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم؛ جاءت عدة أحاديث تثبت أن للفجر أذانين.
أحدهما: قبل دخول وقت الصلاة.
والحكمة منه: تنبيه الناس على قرب طلوع الفجر، فيستيقظ النائم، ويصلي الوتر من لم يكن صلاه، ويتسحر من يريد الصيام.
والثاني: بعد دخول الوقت (طلوع الفجر) .
والحكمة منه: إعلام الناس بدخول وقت الصلاة.
وهذه بعض الأحاديث الواردة في ذلك:
1- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: (لاَ يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ أَذَانُ بِلاَلٍ مِنْ سَحُورِهِ، فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، لِيَرْجِعَ قَائِمُكُمْ، وَلِيُنَبِّهَ نَائِمَكُمْ، وَلَيْسَ أَنْ يَقُولَ الْفَجْرُ أَوِ الصُّبْحُ) رواه البخاري (621) ومسلم (1093) .
2- وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: (إِنَّ بِلاَلاً يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ) .
قَالَ الْقَاسِمُ بن محمد راوي الحديث عن عائشة رضي الله عنها: (وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ أَذَانِهِمَا إِلاَّ أَنْ يَرْقَى ذَا وَيَنْزِلَ ذَا) رواه البخاري (623) ومسلم (1092) .
ففي هذه الأحاديث دلالة صريحة على مشروعية الأذان الأول قبل الفجر، واعتياد ذلك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن قدامة رحمه الله بعد ذكر حديث عائشة السابق:
" وهذا يدل على دوام ذلك منه – يعني الأذان الأول من بلال رضي الله عنه - , والنبي صلى الله عليه وسلم أقره عليه , ولم ينهه عنه , فثبت جوازه " انتهى.
" المغني " (1/246) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " الأذان الذي يكون في آخر الليل ليس للفجر، ولكنه لإيقاظ النُّوَّمِ؛ من أجل أن يتأهَّبوا لصلاة الفجر، ويختموا صلاة الليل بالوتر، ولإرجاع القائمين الذين يريدون الصِّيام" انتهى.
" الشرح الممتع " (2/76) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1225)
الأذان للصلاة المقضية
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجب الأذان للصلاة المقضية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
."إذا كان الإنسان في بلد قد أذن فيه للصلاة، كما لو نام جماعة في البلد ولم يستيقظوا إلا بعد طلوع الشمس، فلا يجب عليهم الأذان، اكتفاءً بالأذان العام في البلد؛ لأن الأذان العام في البلد حصل به الكفاية، وسقطت به الفريضة.
أما إذا كان في مكان لم يؤذن فيه فالأذان واجب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما نام عن صلاة الفجر في سفره ولم يستيقظ إلا بعد طلوع الشمس أمر بلالاً أن يؤذن وأن يقيم، وهذا يدل على وجوبه، ولعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم) . فإنه يشمل حضورها بعد الوقت وفي الوقت" انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (12/163) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1226)
لابد من الترتيب بين ألفاظ الأذان
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من قدم (حي على الفلاح) على (حي على الصلاة) في الأذان مع الدليل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"يجب عليه إذا قدم (حي على الفلاح) على (حي على الصلاة) أن يعيد (حي على الفلاح) بعد (حي على الصلاة) لأنه يشترط في الأذان الترتيب، فإن الأذان ورد على هذه الصفة مرتباً، فإذا نكسه الإنسان فقد عمل عملاً ليس عليه أمر الله ورسوله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) " انتهى.
"فتاوى الطهارة والصلاة" للشيخ ابن عثيمين (ص63) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1227)
كيف يلتفت المؤذن في الحيعلتين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يلتفت المؤذن يميناً لـ (حي على الصلاة) في المرة الأولى، وشمالاً للمرة الثانية، ويميناً لـ (حي على الفلاح) في المرة الأولى وشمالاً للمرة الثانية، أو يلتفت يميناً لحي على الصلاة، وشمالاً لـ (حي على الفلاح) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"قيل: إنه يلتفت يميناً لـ (حي على الصلاة) في المرتين جميعاً، وشمالاً لـ (حي على الفلاح) للمرتين جميعاً. وقال بعضهم: يلتفت يميناً لـ (حي على الصلاة) في المرة الأولى، وشمالاً للمرة الثانية، و (حي على الفلاح) يميناً للمرة الأولى وشمالاً للمرة الثانية ليعطي كل جهة حظها من (حي على الصلاة) و (حي على الفلاح) ، ولكن المشهور وهو ظاهر السنة أنه يلتفت يميناً لـ (حي على الصلاة) في المرتين جميعاً، وشمالاً لـ (حي على الفلاح) في المرتين جميعاً، ولكن يلتفت في كل الجملة، وما يفعله بعض المؤذنين أنه يقول: "حي على" ثم يلتفت، لا أصل له" انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (12/175) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1228)
الذكر الوارد بعد إجابة المؤذن
[السُّؤَالُ]
ـ[ورد في الحديث أن الإنسان يقول عند متابعته للمؤذن: " رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً " فمتى يقول هذا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"ظاهر الحديث أن المؤذن إذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، وأجبته، تقول بعد ذلك: رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً، لأن الحديث جاء فيه: (من قال حين يسمع النداء: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً) ، وفي رواية: (من قال: وأنا أشهد) وفي قوله: (وأنا أشهد) دليل على أنه يقولها عقب قول المؤذن: "أشهد أن لا إله إلا الله"، لأن الواو حرف عطف، فيعطف قوله على قول المؤذن" انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (12/194) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1229)
هل على النساء أذان وإقامة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجوك أخبرني هل هو فرض "أو واجب " على النساء أن يقمن بالأذان والإقامة قبل أن يصلين سواء فرداً أو في جماعةٍ مع أخوات أخريات؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: هل تشرع للمرأة إقامة الصلاة إذا أمّت النساء؟
فأجابت:
لا تشرع في حقهن إقامة للصلاة سواء صلين منفردات أم صلت بهن إحداهن كما لا يشرع لهن أذان.
فتاوى اللجنة الدائمة 6 / 84
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: هل يجوز للمرأة فعل الأذان والإقامة للصلاة أم لا؟
فأجاب الشيخ رحمه الله:
لا يشرع للمرأة أن تؤذن أو تقيم في صلاتها، إنما هذا من شأن الرجال، أما النساء فلا يشرع لهن أذان ولا إقامة، بل يصلين بلا أذان ولا إقامة
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة 10 / 356
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1230)
لا حرج في الخروج من المسجد بعد الأذان للصلاة في مسجد آخر
[السُّؤَالُ]
ـ[توضح الشريعة أنه لا يجوز مغادرة المسجد بعد النداء للأذان وقبل الصلاة، إلا في حال وجود عذر مقبول، كالحاجة للمغادرة لإتمام الوضوء، لكن هل يجوز مغادرة أحد المساجد بعد الأذان لأداء الصلاة في مسجد آخر حيث يتمتع المسجد الآخر بجماعة أكبر أو قارئ أفضل ووجود من ترغب في رؤيتهم بعد الصلاة؟ وفي حالتي فإن هناك مسجداً صغيراً يعطى به درس من بعد صلاة المغرب وحتى صلاة العشاء، لكن هناك مسجد آخر توجد به جماعة أكبر بصلاة العشاء ويوجد بنفس المدينة على بعد بضعة أميال، كما يوجد به أحياناً قراء أفضل، بالإضافة إلى أنه يوجد به بعض الإخوة الآخرين الذين أود رؤيتهم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يحرم الخروج من المسجد بعد الأذان إلا لعذر؛ لما روى مسلم (655) عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ قَالَ: كُنَّا قُعُودًا فِي الْمَسْجِدِ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْمَسْجِدِ يَمْشِي، فَأَتْبَعَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ بَصَرَهُ حَتَّى خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: (أَمَّا هَذَا فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) .
ورواه الترمذي وقال عقبه: " وَعَلَى هَذَا الْعَمَلُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، أَنْ لَا يَخْرُجَ أَحَدٌ مِنْ الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْأَذَانِ إِلَّا مِنْ عُذْرٍ أَنْ يَكُونَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، أَوْ أَمْرٍ لَا بُدَّ مِنْهُ " انتهى.
ورواه أحمد (10946) بزيادة: (ثُمَّ قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كُنْتُمْ فِي الْمَسْجِدِ فَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ فَلَا يَخْرُجْ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُصَلِّيَ) وصححه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند.
ومن الأعذار المبيحة للخروج: أن يخرج ليتوضأ إذا كان محل الوضوء خارج المسجد، أو يخرج بنية العودة، كما لو خرج ليوقظ أهله مثلا ثم يعود، وكذلك الخروج للصلاة في مسجد آخر إذا علم أنه سيدرك الجماعة فيه.
قال في "غاية المنتهى": " وحرم خروج من مسجد بعد أذان , وقبل صلاةٍ بلا عذر , أو نية رجوع ... ويتجه جواز الخروج لو خرج بعد الأذان لكن ليصلي جماعة بمسجد آخر، لا سيما مع فضل إمامه " انتهى من "الغاية مع مطالب أولي النهى" (1/304) .
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله في الفتاوى (2/104) : " تحريم الخروج من المسجد فيه تفصيل: إِن كان بلا داعي ولا غرض له صحيح حرم، وذلك أَن صورته صورة من ينصرف عن المسجد لا يصلي. أَما إِذا كان يريد الصلاة في مسجد آخر أَو له عذر أَو ناويًا الرجوع والوقت متسع فلا يحرم " انتهى.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم وضوء الرجل في مسجد ويصلي في مسجد آخر؟
فأجاب: "إذا كانت الميضأة خارج المسجد فلا حرج أن يتوضأ في هذه الميضأة ويصلي في مسجد آخر، اللهم إلا إذا كان هذا المسجد قد أقيمت فيه الصلاة فالأَولى أن يصلي فيه، وأما إذا كانت الميضأة داخل المسجد فإنه لا يجوز الخروج من المسجد بعد الأذان إلا لسبب؛ لأن أبا هريرة رأى رجلاً خرج من المسجد بعد الأذان فقال: (أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم) ، فإن كان هناك سبب مثل أن يريد الذهاب إلى المسجد الآخر لحضور مجلس العلم أو لضرورة فلا حرج عليه أن يخرج ولو كانت الميضأة داخل المسجد " انتهى.
وسئل رحمه الله: أرى بعض الإخوة يقعدون في المسجد للدرس، وعندما يشرع الأذان يخرجون، حيث إنني قرأت بأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن الخروج عند الأذان، فما حكم ذلك؟
فأجاب: "في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه رأى رجلاً خرج بعد الأذان فقال: (أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم) . قال أهل العلم: يحرم الخروج من المسجد بعد الأذان إلا لعذر، ولكن الحديث هذا ليس فيه صراحة بأن الرجل خرج ليصلي في مسجد آخر، فقد يكون خرج لئلا يصلي، والذي نرى أنه إذا خرج ليصلي في مسجد آخر يعلم أنه يدركه فلا حرج عليه، لكن لا ينبغي أن يفعل لئلا يقتدي به من يخرج ولا يصلي " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (9/38) .
وبهذا تعلم أنه يجوز لك الخروج من المسجد بعد الأذان لتصلي في مسجد آخر إمامه أقرأ، أو تلتقي فيه ببعض إخوانك، إذا علمت أن خروجك إليه ستدرك معه الجماعة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1231)
حكم الأذان والإقامة للمرأة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجب على المرأة أن تقيم الصلاة وتؤذن مفردة في المنزل أو بجماعة النساء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجب عليها ذلك، ولا يشرع لها. على الصحيح من أقوال العلماء؛ لأن ذلك لم يعهد إسناده إليها، ولا توليها إياه زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا في زمن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم. وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
يُنظر: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (6 / 82، 83) .(5/1232)
أيهما أفضل الإمامة أم الأذان؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أيها أفضل: الإمامة في الصلاة أم الأذان والإقامة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اختلف أهل العلم في المفاضلة بين الإمامة والأذان، فاختار بعضهم تفضيل الإمامة لأنها مقام النبي صلى الله عليه وسلم، واختار بعضهم تفضيل الأذان لأن الأحاديث الواردة في فضله أعظم.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (32/157-158) :
" اختلف الفقهاء في أنه هل الأذان أفضل أم الإمامة؟
فذهب الحنفية في المعتمد وهو المشهور عند المالكية , وهو قول عند بعض أصحاب الشافعي , ورواية عند أحمد , إلى أن الإمامة أفضل من الأذان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم تولاها بنفسه , وكذلك خلفاؤه الراشدون , ولم يتولوا الأذان , وهم لا يختارون إلا الأفضل , ولأن الإمامة يختار لها من هو أكمل حالا وأفضل.
وذهب الشافعية والحنابلة في الراجح عندهما , وهو قول عند الحنفية والمالكية إلى أن الأذان أفضل من الإمامة , لقوله تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِل صَالِحًا) فصلت/33، قالت عائشة رضي الله عنها: نزلت في المؤذنين.
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا) أخرجه البخاري ومسلم.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة) أخرجه مسلم.
ولقوله صلى الله عليه وسلم: (الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن , اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين) أخرجه الترمذي.
والأمانة أعلى وأحسن من الضمان , والمغفرة أعلى من الإرشاد , قالوا: كون النبي صلى الله عليه وسلم لم يقم بمهمة الأذان ولا خلفاؤه الراشدون يعود السبب فيه لضيق وقتهم عنه , لانشغالهم بمصالح المسلمين التي لا يقوم بها غيرهم , فلم يتفرغوا للأذان , ومراعاة أوقاته , قال الموَّاق: إنما ترك النبي صلى الله عليه وسلم الأذان لأنه لو قال حي على الصلاة , ولم يعجلوا لحقتهم العقوبة , لقوله تعالى: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) النور/63 وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لولا الخلافة لأذَّنتُ.
وفي قول عند الحنفية والشافعية والمالكية أنهما سواء في الفضل.
وفي قول آخر عند كل من المالكية والشافعية أنه إن علم من نفسه القيام بحقوق الإمامة وجميع خصالها فهي أفضل , وإلا فالأذان أفضل " انتهى.
انظر: "حاشية ابن عابدين" (1/260، 370) ، "مواهب الجليل" (1/422) ، "المجموع" للنووي (3/78) ، "كشاف القناع" (1/231) ، "المغني" لابن قدامة (1/403)
وقد رجح بعض مشايخنا المعاصرين القول بتفضيل الأذان على الإمامة.
فقد سئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: أيهما أفضل الأذان أم الإمامة؟
فأجاب:
"هذه المسألة محل خلاف بين أهل العلم، والصحيح أن الأذان أفضل من الإمامة، لورود الأحاديث الدالة على فضله، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا) .
وكقوله صلى الله عليه وسلم: (المؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة) .
فإن قال قائل: الإمامة ربطت بأوصاف شرعية مثل: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله) ، ومعلوم أن الأقرأ أفضل، فقرنها بأقرأ يدل على أفضليتها.
فالجواب: أننا لا نقول لا أفضلية في الإمامة، بل الإمامة ولاية شرعية ذات فضل، ولكننا نقول: إن الأذان أفضل من الإمامة لما فيه من إعلان ذكر الله تعالى، وتنبيه الناس على سبيل العموم، ولأن الأذان أشق من الإمامة، وإنما لم يؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون؛ لأنهم اشتغلوا بأهم من المهم، لأن الإمام يتعلق به جميع الناس فلو تفرغ لمراقبة الوقت لانشغل عن مهمات المسلمين" انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (12/سؤال رقم/78) .
ولكننا ننبه إلى أن الواجب دائما هو إخلاص العمل وإتقانه، فهو الميزان الحقيقي للمفاضلة، فرُبَّ عملٍ مفضول يرتفع به صاحبه عند الله تعالى درجات في الجنة، ورب عمل فاضل يذهب هباء على صاحبه بسبب ريائه وعدم إخلاصه لله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1233)
هل يؤذن إذا أراد أن يصلي منفرداً في المسجد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا فاتتني صلاة الجماعة وأنا في المسجد، هل أقوم بالأذان أم بالإقامة فقط؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اتفق أهل العلم على أنه لا حرج على من دخل المسجد وصلى منفرداً ألا يؤذن ولا يقيم، اكتفاءً بأذان المؤذن في المسجد وإقامته.
قال الإمام الشافعي رحمه الله في "الأم" (1/106) :
"لم أعلم مخالفا في أنه إذا جاء المسجد وقد خرج الإمام من الصلاة كان له أن يصلي بلا أذان ولا إقامة" انتهى.
والمستحب له أن يقيم الصلاة، والأكمل أن يؤذن ويقيم، فإن الأذان والإقامة ذكر لله تعالى، وإلى هذا المعنى أشار قتادة رحمه الله بقوله: لا يأتيك من شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله إلا خير.
وقد ثبت عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه دخل المسجد وقد صلوا، فأمر رجلاً فأذن وأقام. رواه البخاري تعليقاً، وابن أبي شيبة في "المصنف" (1/250) . وصححه الألباني في "تمام المنة" (ص 150) .
وقال سعيد بن المسيب في القوم ينتهون إلى المسجد وقد صلي فيه، قال: يؤذنون ويقيمون. وهذا مذهب الإمام الشافعي رحمه الله.
انظر: "مغني المحتاج" (1/318) ، والنووي في "المجموع" (3/93) .
وقال ابن قدامه في "المغني" (2/74) : "والأفضل لكل مصلٍّ أن يؤذن ويقيم، إلا إن كان يصلي قضاءً أو في غير وقت الأذان لم يجهر به" انتهى.
يعني: حتى لا يلبس على الناس بأذانه.
وقال أيضاً (2/79) :
"ومن دخل مسجدا قد صلي فيه , فإن شاء أذن وأقام. نص عليه أحمد ...
وإن شاء صلى من غير أذان ولا إقامة ; فإن عروة قال: إذا انتهيت إلى مسجد قد صلى فيه ناس أذنوا وأقاموا , فإن أذانهم وإقامتهم تجزئ عمن جاء بعدهم. وهذا قول الحسن , والشعبي , والنخعي , إلا أن الحسن , قال: كان أحب إليهم أن يقيم.
وإذا أذن فالمستحب أن يخفي ذلك ولا يجهر به ; ليغر الناس بالأذان في غير محله " انتهى.
وانظر جواب السؤال رقم: (5660) ، (6130) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1234)
حكم الترديد خلف من يقيم الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يستحب الترديد خلف المؤذن إذا أقام الصلاة، ثم أصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وأدعو بالدعاء الوارد بعد الأذان: اللهم رب هذه الدعوة التامة.......؟]ـ
[الْجَوَابُ]
ذهب جمهور العلماء إلى أن الإقامة تأخذ حكم الأذان في استحباب الترديد خلف المقيم، ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم الدعاء: اللهم رب هذه الدعوة التامة........إلخ.
وهو قول الشافعية والحنابلة، وجمهور الحنفية، وقال به من العلماء المعاصرين: علماء اللجنة الدائمة للإفتاء، والشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ الألباني رحمهم الله.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (18/250) :
"وكذلك بالنّسبة للمقيم فقد صرّح الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة أن يستحبّ أن يقول في الإقامة: مثل ما يقول في الأذان" انتهى.
وجاء في "الدر المختار" (1 /431) (حنفي) :
"ويجيب الإقامة ندباً، إجماعاً كالأذان، ويقول عند: " قد قامت الصلاة ": أقامها الله وأدامها، وقيل: لا يجيبها، وبه جزم الشُّمُنِّي" انتهى.
قال الشيرازي الشافعي رحمه الله:
"ويستحب لمن سمع الإقامة أن يقول مثل ما يقول" انتهى.
وشرحه النووي رحمه الله بقوله:
واتفق أصحابنا علي استحباب متابعته في الإقامة كما قال المصنف، إلا الوجه الشاذ الذي قدمناه عن " البسيط ".
" المجموع " (3 / 122، 123) .
وقال ابن قدامة رحمه الله (حنبلي) :
"ويستحب أن يقول في الإقامة مثل ما يقول" انتهى.
"المغني" (1/474) .
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
"السنَّة أن المستمع للإقامة يقول كما يقول المقيم؛ لأنها أذان ثان، فتجاب كما يجاب الأذان، ويقول المستمع عند قول المقيم: " حي على الصلاة، حي على الفلاح ": لا حول ولا قوة إلا بالله، ويقول عند قوله: " قد قامت الصلاة " مثل قوله، ولا يقول: " أقامها الله وأدامها "؛ لأن الحديث في ذلك ضعيف، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول) ، وهذا يعم الأذان والإقامة؛ لأن كلا منهما يسمى أذاناً. ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعد قول المقيم " لا إله إلا الله " ويقول: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة ... إلخ كما يقول بعد الأذان، ولا نعلم دليلا يصح يدل على استحباب ذكر شيء من الأدعية بين انتهاء الإقامة وقبل تكبيرة الإحرام سوى ما ذكر" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (6 / 89، 90) .
وذهب بعض الأحناف إلى أن الترديد خلف المؤذن ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء، خاص بالأذان، ولا يستحب ذلك في الإقامة، واختاره من المعاصرين: الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
واستدل جمهور العلماء على الترديد خلف المقيم بقوله صلى الله عليه وسلم: (بين كل أذانين صلاة) متفق عليه. والمراد بذلك: الأذان والإقامة. قالوا: فإذا سميت الإقامة أذاناً، دخلت في قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول) ، فيشملها ما يشمل الأذان، من الترديد خلفه، ومن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، ومن الدعاء بعده.
لكن.. قد يقال: إن الإقامة سميت أذاناً على سبيل التغليب، كما قيل " الأسودان " للتمر والماء، و " القمران " للشمس والقمر، و " العُمَران " لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وهذا التغليب يكون إذا جمع اللفظان في لفظ واحد، فإذا جُمع الشمس والقمر في لفظ واحد قلنا: القمران، لكن إذا قيل: القمر. لم يطلق على الشمس. فهكذا "الأذانان" يطلق على الأذان والإقامة، أما "الأذان" فقط فلا يطلق على الإقامة.
واستدلوا أيضاً بحديث رواه أبو داود (528) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال مثل ما يقول بلال في الإقامة، إلا قول "قد قامت الصلاة" قال: أقامها الله وأدامها.
إلا أنه حديث ضعيف، ضعفه النووي والحافظ ابن حجر، والألباني، وغيرهم. وقد سبق بيان هذا في جواب السؤال رقم (111820) .
وبين الأذان والإقامة فروق كثيرة تمنع قياس الإقامة على الأذان، وإعطائها حكم الأذان في كل شيء.
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله عن المتابعة في الإقامة.
فأجاب:
"المتابعة في الإقامة فيها حديث أخرجه أبو داود، لكنه ضعيف لا تقوم به الحجة، والراجح: أنه لا يُتابع" انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " (12 / السؤال رقم 129) .
وسئل – أيضاً -: هل ورد الذكر بعد إقامة الصلاة كقوله: (اللهم رب هذه الدعوة التامة) ، أو قوله: (أقامها الله وأدامها) أم هل السكوت أفضل من ذلك؟ .
فأجاب:
"جواب هذا السؤال ينبني على صحة الحديث الوارد في ذلك، فمن صحح الحديث قال: إنه يجيب المقيم كما يجيب المؤذن، ويدعو، ويقول في الإقامة: " أقاماها الله وأدامها "، ويدعو بعد انتهاء الإقامة بما يدعو به بعد انتهاء الأذان؛ لكن الحديث ضعيف، والقول الراجح: أنه لا يقول شيئاً، ولا يتابع المقيم، ولا يدعو بدعاء الأذان" انتهى.
" لقاءات الباب المفتوح " (219 / السؤال رقم 1) .
وعلى كل حال؛ فالمسألة من مسائل الاجتهاد، والأدلة فيها محتملة، وكل إنسان يعمل بما وصل إليه علمه، وإن كنا نختار أن الترديد خلف المؤذن خاص بالأذان فقط.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1235)
قول: "أقامها الله وأدامها" عند قول المقيم: "قد قامت الصلاة"
[السُّؤَالُ]
ـ[ذا قال المؤذن: "قد قامت الصلاة" أسمع بعض الناس يقولون: أقامها الله وأدامها، فهل هذا القول سنة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اختلف العلماء في استحباب الترديد خلف من يقيم الصلاة وسبق بيان هذا في جواب السؤال رقم (111791) .
وعلى القول بأنه يستحب الترديد خلف المقيم كالأذان، فإنه يقول: قد قامت الصلاة، ولا يقول: أقامها الله وأدامها.
لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن نقول مثل ما يقول المؤذن، ولم يرد استثناء صحيح في ذلك إلا عند قول المؤذن: "حي على الصلاة"، "حي على الفلاح"، فإننا نقول: "لا حول ولا قوة إلا بالله".
وأما الحديث الذي رواه أبو داود (528) عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه أَوْ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ بِلَالًا أَخَذَ فِي الْإِقَامَةِ، فَلَمَّا أَنْ قَالَ: " قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ "، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَقَامَهَا اللَّهُ وَأَدَامَهَا) .
فهو حديث ضعيف لا يصح.
قال الألباني رحمه الله:
وهذا إسناد واهٍ: محمد بن ثابت وهو العبدي: ضعيف، ومثله: شهر بن حوشب، والرجل الذي بينهما مجهول.
" إرواء الغليل " (241) .
وضعفه النووي في " المجموع " (3 / 122) والحافظ ابن حجر في " التلخيص الحبير " (1 / 211) .
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
"السنَّة أن المستمع للإقامة يقول كما يقول المقيم؛ لأنها أذان ثان، فتجاب كما يجاب الأذان، ويقول المستمع عند قول المقيم: " حي على الصلاة، حي على الفلاح ": لا حول ولا قوة إلا بالله، ويقول عند قوله: " قد قامت الصلاة " مثل قوله، ولا يقول: " أقامها الله وأدامها "؛ لأن الحديث في ذلك ضعيف، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول) ، وهذا يعم الأذان والإقامة؛ لأن كلا منهما يسمى أذاناً. ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعد قول المقيم " لا إله إلا الله " ويقول: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة ... إلخ كما يقول بعد الأذان، ولا نعلم دليلا يصح يدل على استحباب ذكر شيء من الأدعية بين انتهاء الإقامة وقبل تكبيرة الإحرام سوى ما ذكر" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (6 / 89، 90) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1236)
هل تشرع الإقامة مثنى مثنى؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك مانع شرعي من أن تكون الإقامة للصلاة مثل كيفية الأذان مع إضافة (قد قامت الصلاة) مرتين، أي: أن تكون الإقامة بهذه الكيفية: (الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله) وهل هذه الطريقة من مذهب الإمام أبي حنيفة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ثبتت إقامة الصلاة بألفاظ متنوعة عن النبي صلى الله عليه وسلم، منها:
إفراد ألفاظها، ما عدا التكبير في أولها وآخرها، يكون مرتين، وقول قد قامت الصلاة، يكون مرتين أيضاً، فيكون عدد كلماتها (11) كلمة، وهذا هو مذهب الشافعية والحنابلة، وهو قول المالكية إلا أنهم يفردون أيضا (قد قامت الصلاة) .
انظر: "المغني" (2/59) ، "المدونة" (1/179)
وهذه هي إقامة بلال مؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم.
ففي حديث عبد الله بن زيد في الأذان:
(قَالَ: ثُمَّ استَأخَرَ عَنِّي غَيرَ بَعِيدٍ ثُمَّ قَالَ: ثُمَّ تَقُولُ إِذَا أَقَمتَ الصَّلَاةَ: اللَّهُ أَكبَرُ اللَّهُ أَكبَرُ، أَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الفَلَاحِ، قَد قَامَتِ الصَّلَاةُ، قَد قَامَتِ الصَّلَاةُ، اللَّهُ أَكبَرُ اللَّهُ أَكبَرُ، لَا إِلَه إِلَّا اللَّهُ. فَلَمَّا أَصبَحتُ أَتَيتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَأَخبَرتُهُ بِمَا رَأَيتُ، فَقَالَ: إِنَّهَا لَرُؤيَا حَقٍّ إِن شَاءَ اللَّهُ) رواه أبو داود (499) وقال الألباني: حسن صحيح.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (أُمِرَ بِلَالٌ أَن يَشفَعَ الأَذَانَ وَأَن يُوتِرَ الإِقَامَةَ إِلَّا الإِقَامَة) رواه البخاري (605) ومسلم (378) .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (إِنَّمَا كَانَ الأَذَانُ عَلَى عَهدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مَرَّتَينِ مَرَّتَينِ، وَالإِقَامَةُ مَرَّةً مَرَّةً، غَيرَ أَنَّه يَقُولُ: قَد قَامَتِ الصَّلَاةُ قَد قَامَتِ الصَّلَاةُ) رواه أبو داود (510) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود.
ومنها: أن تكون ألفاظ الإقامة كألفاظ الأذان تماماً، ويزيد عليها قد قامت الصلاة مرتين
فتكون كلماتها سبع عشرة كلمة، وهذا مذهب الحنفية وقولٌ للشافعية.
انظر: "المبسوط" (1/219) .
وهذه إقامة أبي محذورة رضي الله عنه، التي علمه إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فعن أبي محذورة رضي الله عنه: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهُ الْإِقَامَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) رواه أبو داود (502) والترمذي (192) وصححه الألباني.
وكل ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو سنة، ينبغي العمل به، فلا حرج أن يقيم المؤذن بإقامة بلال أو إقامة أبي محذورة، رضي الله عنهما، وإن كان الأكمل أن يفعل هذه تارة، وهذه تارة أخرى، حتى يكون قد عمل بالسنة كلها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية بعد أن الأحاديث التي فيها جواز الإقامة بهاتين الصيغتين:
"وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالصَّوَابُ مَذْهَبُ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ، وَهُوَ تَسْوِيغُ كُلِّ مَا ثَبَتَ فِي ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، لَا يَكْرَهُونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، إذْ تَنَوُّعُ صِفَةِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ كَتَنَوُّعِ صِفَةِ الْقِرَاءَاتِ وَالتَّشَهُّدَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يَكْرَهَ مَا سَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأُمَّتِهِ. وَأَمَّا مَنْ بَلَغَ بِهِ الْحَالُ إلَى الِاخْتِلَافِ وَالتَّفَرُّقِ حَتَّى يُوَالِيَ وَيُعَادِيَ وَيُقَاتِلَ عَلَى مِثْلِ هَذَا وَنَحْوِهِ، مِمَّا سَوَّغَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَهَؤُلَاءِ مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دَيْنَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا. وَمِنْ تَمَامِ السُّنَّةِ فِي مِثْلِ هَذَا: أَنْ يُفْعَلَ هَذَا تَارَةً وَهَذَا تَارَةً، وَهَذَا فِي مَكَانٍ وَهَذَا فِي مَكَانٍ ; لِأَنَّ هَجْرَ مَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ وَمُلَازِمَةَ غَيْرِهِ قَدْ يُفْضِي إلَى أَنْ يَجْعَلَ السُّنَّةَ بِدْعَةً، وَالْمُسْتَحَبَّ وَاجِبًا، وَيُفْضِيَ ذَلِكَ إلَى التَّفَرُّقِ وَالِاخْتِلَافِ إذا فَعَلَ آخَرُونَ الْوَجْهَ الْآخَرَ. فَيَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يُرَاعِيَ الْقَوَاعِدَ الْكُلِّيَّةَ الَّتِي فِيهَا الِاعْتِصَامُ بِالسُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ لَا سِيَّمَا فِي مِثْلِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ " انتهى باختصار.
"مجموع الفتاوى" (21/66) .
وقال أيضاً:
"لَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يَتَّخِذَ قَوْلَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ شِعَارًا يُوجِبُ اتِّبَاعَهُ، وَيَنْهَى عَنْ غَيْرِهِ مِمَّا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ ; بَلْ كُلُّ مَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ فَهُوَ وَاسِعٌ: مِثْلُ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَة. . .
فَمَنْ شَفَعَ الْإِقَامَةَ فَقَدْ أَحْسَنَ، وَمَنْ أَفْرَدَهَا فَقَدْ أَحْسَنَ، وَمَنْ أَوْجَبَ هَذَا دُونَ هَذَا فَهُوَ مُخْطِئٌ ضَالٌّ، وَمَنْ وَالَى مَنْ يَفْعَلُ هَذَا دُونَ هَذَا بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ فَهُوَ مُخْطِئٌ ضَالٌّ" انتهى باختصار.
"مجموع الفتاوى" (22/46) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1237)
حكم الأذان بعد دخول الوقت بمدة
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول بعض الناس: إذا لم تؤذن أول الوقت فلا داعي للأذان؛ لأن الأذان للإعلام بدخول وقت الصلاة. فما رأيكم في ذلك؟ وهل يشرع الأذان للمنفرد في البرية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا لم يؤذن المؤذن في أول الوقت لم يشرع له أن يؤذن بعد ذلك، إذا كان في المكان مؤذنون سواه قد حصل بهم المطلوب، وإن كان التأخير يسيرا فلا بأس بتأذينه. أما إذا لم يكن في البلد سواه فإنه يلزمه التأذين ولو تأخر بعض الوقت؛ لأن الأذان في هذه الحال فرض كفاية، ولم يقم به غيره، فوجب عليه؛ لكونه المسؤول عن ذلك؛ ولأن الناس ينتظرونه في الغالب.
أما المسافر فيشرع له الأذان وإن كان وحده؛ لما ثبت في الصحيح عن أبي سعيد رضي الله عنه أنه قال لرجل: (إذا كنت في غنمك وباديتك فارفع صوتك بالنداء فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة) ورفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولعموم الأحاديث الأخرى في شرعية الأذان وفائدته" انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (10/237) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1238)
حكم الأذان والإقامة للمنفرد
[السُّؤَالُ]
ـ[أصلي الفروض أحيانا بمفردي؛ نظرا لعدم وجود مسجد بالقرب مني، فهل يلزمني الأذان والإقامة لكل صلاة أم يجوز أن أصلي دون أذان أو دون إقامة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"السنة: أن تؤذن وتقيم؛ أما الوجوب ففيه خلاف بين أهل العلم، ولكن الأولى بك والأحوط لك أن تؤذن وتقيم؛ لعموم الأدلة، ولكن يلزمك أن تصلي في الجماعة متى أمكنك ذلك. فإذا وجدت جماعة أو سمعت النداء في مسجد بقربك وجب عليك أن تجيب المؤذن، وأن تحضر مع الجماعة، فإن لم تسمع النداء ولم يكن بقربك مسجد فالسنة أن تؤذن أنت وتقيم" انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (10/238) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1239)
ماذا نقول عندما يقول المؤذن " الصلاة خير من النوم"؟
[السُّؤَالُ]
ـ[بماذا يجاب المؤذن عندما يقول: "الصلاة خير من النوم"؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"يجيبه بمثل ما قال، فيقول: " الصلاة خير من النوم " لأن المؤذن إذا قال " الله أكبر " قال المجيب: " الله أكبر "، وإذا قال: " أشهد أن لا إله إلا الله " قال: " أشهد أن لا إله إلا الله "، وإذا قال: " أشهد أن محمداً رسول الله " قال: " أشهد أن محمداً رسول الله "، ثم يقول المجيب بعد الشهادتين: " رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً "، فإذا قال: " حي على الصلاة " قال المجيب: " لا حول ولا قوة إلا بالله " وهكذا حي على الفلاح فإذا قال: " الله أكبر " قال " الله أكبر "، وإذا قال: " لا إله إلا الله "، قال: " لا إله إلا الله "، وإذا قال: " الصلاة خير من النوم " قال المجيب: " الصلاة خير من النوم ".
وقيل: يقول: " صدقت وبَرِرْت ". ... وقيل: يقول: " لا حول ولا قوة إلا بالله ". والصحيح الأول، والدليل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول المؤذن) . وهذا لم يستثن منه في السنة إلا حي على الصلاة، وحي على الفلاح، فيقال: لا حول ولا قوة إلا بالله، فيكون العموم باقياً فيما عدا هاتين الجملتين.
فإذا قال قائل: أليس قول " الصلاة خير من النوم " صدقاً؟
قلنا: بلى، وقول " الله أكبر " صدق، وقول " لا إله إلا الله " صدق، فهل تقول إذا قال: "الله أكبر": صدقت وبررت؟ ما تقول هذا، إذاً إذا قال: " الصلاة خير من النوم " فقل كما يقول، هكذا عموم أمر النبي صلى الله عليه وسلم" انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (12/195) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1240)
إذا سمع الإنسان مؤذناً ثم سمع آخر فأيهما يجيب؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا سمع الإنسان مؤذناً ثم سمع آخر فهل يجيب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"يجيب الأول، ويجيب الثاني، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول المؤذن) .
ولكن لو صلى ثم سمع مؤذناً بعد الصلاة فظاهر الحديث أنه يجيب لعمومه.
وقال بعض العلماء: إنه لا يجيب لأنه غير مدعو بهذا الأذان فلا يتابعه، ولا يمكن أن يؤذن آخر بعد أن تؤدى الصلاة، فيحمل الحديث على المعهود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأنه لا تكرار في الأذان، ولكن لو أخذ أحد بعموم الحديث وقال: إنه ذِكْرٌ وما دام الحديث عاماً فلا مانع من أن أذكر الله عز وجل فهو على خير" انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (12/193، 194) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1241)
حكم الأذان لمن صلى في غير المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن نعمل في مصانع البتر وكيماويات والبترول نصلي جماعة في مصلى خاص داخل غرفة التحكم والمراقبة، علما أن المسجد يبعد 100 متر تقريبا من مبنى الغرفة، وبحكم طبيعة عملنا لا نستطيع ترك المصنع من دون مراقبة، لذلك نضطر أحيانا إلى تأخير أداء الصلاة إلى ما بعد صلاة المسجد بدقائق معدودة ننتظر أن يأتي من صلى بالمسجد؛ لينوب عنا ونقوم بالصلاة خاصة في حالات الطوارئ. السؤال: هل يجب علينا الأذان أم نكتفي بالإقامة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
صلاة الجماعة واجبة في المسجد، لكن إذا كان في حضور الإنسان إلى المسجد تضييع للمصلحة العامة، أو كان في حضوره حصول لبعض الأضرار، -كما في حالتكم – فإنه لا حرج عليه من الصلاة جماعة في مكان عمله.
وللفائدة راجع جواب السؤال رقم: (82395) .
ثانياً:
الأذان والإقامة فرضا كفاية؛ لحديث (إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم) .
رواه البخاري (602) ومسلم (674) .
وينبني على كون الأذان فرض كفاية أنه إذا أذن من يسمعه أهل المكان، فقد حصلت الكفاية، فلا يجب حينئذ الأذان على كل جماعة.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (2/46) : "إذا كان الإنسان في بلد قد أُذِّنَ فيه للصَّلاة، كما لو نام جماعة في غرفة، ولم يستيقظوا إلا بعد طلوع الشمس، فلا يجب عليهم الأذان؛ لأنَّ الأذان العام في البلد حصل به الكفاية وسقطت به الفريضةُ، لكن عليهم الإقامة" انتهى.
فعلى هذا؛ لا يلزمكم الأذان؛ وأذان المسجد القريب منكم يكفيكم، أما الإقامة، فإنكم تقيمون الصلاة؛ لأن في ذلك إعلاماً للحاضرين.
والأفضل لكم أن تؤذنوا؛ حتى تنالوا ثواب القيام بهذه العبادة، وقد روى ابن أبي شيبة عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أنه دخل المسجد بعد انتهاء الناس من الصلاة، فأمر بعض من معه فأذن وأقام، ثم تقدم أنس رضي الله عنه وصلى بهم. صححه الألباني في "إرواء الغليل" (2/318) .
وإن اقتصرتم على الإقامة فلا حرج.
وللفائدة راجع جواب السؤال رقم (10078) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1242)
قول أقامها الله وأدامها عند إقامة الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت بعض الناس إذا قال المؤذن في إقامة الصلاة: (قد قامت الصلاة) ، يقولون عند ذلك: (أقامها الله وأدامها) فهل هذا صحيح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل في العبادات التوقيف، وألا يعبد الله إلا بما شرع، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال حينما سمع الإقامة: أقامها الله وأدامها، ولكن روى أبو داود في سننه ذلك من طريق ضعيف، قال: حدثنا سليمان بن داود العتكي حدثنا محمد بن ثابت، حدثني رجل من أهل الشام، عن شهر بن حوشب، عن أبي أمامة أو بعض من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أن بلالاً أخذ في الإقامة، فلما قال: قد قامت الصلاة، قال صلى الله عليه وسلم: (أقامها الله وأدامها) وسبب ضعفه أن في سنده رجلاً مبهماً، والمبهم لا يحتج به، وبذلك يتبين أن قول: (أقامها الله وأدامها) عند قول المقيم: (قد قامت الصلاة) غير مشروع؛ لعدم ثبوته عنه صلى الله عليه وسلم، وإنما الأفضل أن يقول من سمع الإقامة مثل قول المقيم، لأنها أذان، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول) .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (24/215) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1243)
هل صحيح أن الأذان للغافلين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأيكم في هذه المقولة " الأذان للغافلين "؟ وهل هي مما قاله العلماء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فهذه المقالة لا نعرفها منسوبة إلى أحد من أهل العلم، فإن كان المقصود بها أن الذاكرين لله تعالى لا يغفلون عن مراقبة أوقات الصلوات، فلا يحتاجون لتنبيه المؤذن لهم، إن كان المقصود ذلك فهذا صحيح في غالب الأحيان، فقد كان بعض السلف يبادرون إلى المساجد قبل الأذان، فلا يؤذن المؤذن إلا وهم في المسجد، ومنهم من مضى غالب عمره على ذلك، "ففي سير أعلام النبلاء" للذهبي رحمه الله (4/221) عن سعيد بن المسيب رحمه الله قال: " ما أذن المؤذن منذ ثلاثين سنة إلا وأنا في المسجد " قال الذهبي: إسناده ثابت.
وفي السير أيضا (5/ 240) : عن ربيعة بن يزيد رحمه الله قال: " ما أذن المؤذن لصلاة الظهر منذ أربعين سنة إلا وأنا في المسجد، إلا أن أكون مريضا أو مسافرا ".
ولكن من المعلوم أنه ما من أحد إلا ويعرض له ما يشغله، أو قد يكون في أول الوقت نائما، فشرع الله الأذان لإعلام الناس بالصلاة، ولا يُذَم مَنْ إذا سمع الأذان أجابه، وقام إلى صلاته وإن كان مشغولا قبله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتكلم عن الأذان الأول للفجر قال: (لا يمنعن أحدكم أو أحدا منكم أذان بلال من سحوره، فإنه يؤذن أو ينادي بليل ليرجع قائمكم، ولينبه نائمكم) رواه البخاري ومسلم.
ويظهر لنا – والله أعلم – أن إطلاق هذه الكلمة غير صحيح، ولهذا لم نجدها لأحد من العلماء.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1244)
منعتهم الدولة من إظهار الأذان بالمكبِّرات فكيف يتصرفون؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أولاً: أود أن أشكركم على الأدلة التي قدمتموها لي عن الموسيقى، بارك الله فيكم جميعاً فأنتم تقومون بعمل عظيم. أود أن أطرح عليكم سؤالاً خاصّاً بالأذان، فأنا حقيقة من " موريشيوس "، وقد ثارت مشكلة خاصة بالأذان منذ أسابيع قليلة، وما حدث تحديداً أن قام أحدهم برفع دعوى قضائية ضد مسجد بـ " موريشيوس "، وذلك ببساطة لأن صوت الأذان يزعجه مساء عند صلاة العشاء، ولذلك فقد أصدرت المحكمة حكماً بمنع استخدام مكبرات الصوت عند الأذان مما خلق فوضى عارمة وقلقاً وتوتراً في جميع أرجاء " موريشيوس "، والآن فإن جميع رجال الإفتاء والعلماء يجتمعون لإيجاد حل لتلك المشكلة، حتى إن البعض يوجه تحذيراً للحكومة بالقول " لا تقتربوا من أذاننا "، أود - فقط - معرفة ما إذا كان من الضروري إثارة مثل هذه المشكلة الكبيرة بسبب هذا الأمر، وفى حقيقة الأمر: فإن الأدلة التي قدمتموها عن الموسيقى أقنعتني بحرمة الموسيقى تماماً، ولهذا فأنا أشعر أنه من الممكن أن تقدموا لي أيضا دليلاً قاطعاً بخصوص الأذان، مع الأخذ في الاعتبار أننا نعيش بـ " مريشيوس "، وعليكم أن تدركوا أنها بلد متعددة الثقافات، وبناء على هذا: فهل يجب علينا أن نناضل من أجل الأذان أم يمكن أن نقبل بهذا الوضع؛ فإن تلك المشكلة يمكن أن تؤدى إلى نشوب حرب بالبلاد؛ فإن الأمر أصبح شديد الخطورة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
موريشيوس جزر صغيرة بوسط المحيط الهندي، تبعد عن ملاجاش (مدغشقر) بحوالي 500 ميلاً، منعزلة، لا يعرف عنها إلا القليل بسبب صغر مساحتها وبعدها، توجد إلى الشرق من مدغشقر، اكتشفها العرب قبل وصول الأوروبيين إليها بعدة قرون، تقع في جنوبها الغربي جزيرة ريونيون، ورغم هذا البعد والانعزال وصلها الإسلام في سنة 923 هـ - 1510 م، وظلت بريطانيا تحتل الجزيرة حتى نالت استقلالها في سنة 1388هـ - 1968 م.وعدد سكانها في عام 2002 م: 1,189,825 نسمة.
ونسبة المسلمين فيها 20 % أي أن عددهم 215 ألفاً، و55 % هندوس، و20 % نصارى.
انتهى ملخصاً من موسوعة " ويكيبيديا ".
ثانياً:
سبق في جواب السؤال رقم (10078) أن الأذان فرض كفاية، ونقلنا هناك عن علماء اللجنة الدائمة للإفتاء أنه لو أذَّن مسجد واحد في الحي وسمعه جميع أهل الحي أنه يجزئ عن المساجد الأخرى، وأن الأولى أن تؤذن المساجد جميعها، لكن من غير وجوب.
ثالثاً:
للأذان حِكَم متعددة:
قال النووي رحمه الله:
"ذكر العلماء في حكمة الأذان أربعة أشياء: إظهار شعار الإسلام وكلمة التوحيد، والإعلام بدخول وقت الصلاة، وبمكانها، والدعاء إلى الجماعة" انتهى.
" شرح مسلم " (4 / 77) .
وإذا عرفتم الحِكَم الجليلة في تشريع الأذان: فإن هذا يدفعكم لمحاولة نقض حكم المحكمة، على أن تسلكوا الطرق الحكيمة والمناسبة لذلك، مع ضرورة تجنب الصدام مع الدولة، أو إحداث فتنة مع المخالفين من أهل الأديان، فضلا عن الفتنة مع المسلمين، والذي ننصحكم بعمله هو ما يلي:
1. الاستمرار بإقامة شعيرة الأذان داخل المسجد، وتجنب إظهاره بالمكبرات.
2. بيان حكم الأذان لإخوانكم المسلمين، وأنه يسعكم ترك الجهر به، وأخبروهم أن شعيرة الأذان قائمة، والمنع إنما هو من إظهار الصوت وتكبيره، لا من إقامته.
3. رفع دعوى مضادة لنقض الحكم الجائر الصادر من تلك المحكمة.
4. إذا لم تنجحوا في الدعوى: فقدِّموا دعوى أخرى تطلبون فيها رفع الأذان في الأوقات الأخرى التي لا تسبب – حسب زعم ذلك المجرم الذي رفع قضيته عليكم – إزعاجاً للناس، ولا تضيعوا هذه الفرصة من أيديكم، ويمكنكم – إن شاء الله – الحصول على الإذن بإقامة الأذان في بعض الأوقات، فلا تتخلوا عن ذلك، ولو لوقت واحد.
5. إذا لم تنجحوا في شيء مما ذكرناه لكم: فلا تيأسوا، واستمروا في المحاولات، وأنتم مكرهون على ترك الجهر بالأذان، ولن تأثموا بذلك.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
"ثم لو فُرض أنهم مُنعوا من رفع الأذان: فهؤلاء مكرهون، فإذا كانوا مكرهين: فهو كالذي يترك الواجبات إكراهاً" انتهى.
" لقاءات الباب المفتوح " (166 / سؤال رقم 15) .
ونسأل الله تعالى أن يوفقكم لخدمة الإسلام، وأن يجمع شملكم، وأن ينفع بكم الإسلام والمسلمين.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1245)
الأذان والإقامة للمنفرد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تؤذن وتقيم إذا كنت تصلي بمفردك؟
أسلمت قبل فترة قصيرة وأقرأ كتباً عن الصلاة ولكنها لا تذكر شيئاً عن هذا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يستحبّ للمنفرد الأذان والإقامة لعموم الأدلّة الدالة على ذلك.
قال الشيخ منصور البهوتي رحمه الله: (وَيُسَنَّانِ) أَيْ الأَذَانُ وَالإِقَامَةُ (لِمُنْفَرِدٍ) لِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ مَرْفُوعًا {يَعْجَبُ رَبُّكَ مِنْ رَاعِي غَنَمٍ فِي رَأْسِ الشَّظِيَّةِ لِلْجَبَلِ يُؤَذِّنُ لِلصَّلاةِ وَيُصَلِّي , فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: اُنْظُرُوا إلَى عَبْدِي هَذَا يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ الصَّلاةَ , يَخَافُ مِنِّي. أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْت لِعَبْدِي وَأَدْخَلْته الْجَنَّةَ} رَوَاهُ النَّسَائِيُّ. (وَ) يُسَنَّانِ أَيْضًا (سَفَرًا) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِمَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ وَلِابْنِ عَمٍّ لَهُ {إذَا سَافَرْتُمَا فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا , وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.. مطالب أولي النهى ج1 باب الأذان
ويُكره له ترك الأذان والإقامة، قال الشافعي رحمه الله تعالى:
فَإِنْ تَرَكَ رَجُلٌ الأَذَانَ وَالإِقَامَةَ مُنْفَرِدًا , أَوْ فِي جَمَاعَةٍ كَرِهْت ذَلِكَ لَهُ وَلَيْسَتْ عَلَيْهِ إعَادَةُ مَا صَلَّى بِلا أَذَانٍ وَلا إقَامَةٍ.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب الأم للشافعي: جماع الأذان: باب الأذان والإقامة للجمع بين الصلاتين.(5/1246)
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند إقامة الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[عند إقامة الصلاة يقول المؤذن: اللهم صلى على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، تم يشرع في إقامة الصلاة: (الله أكبر، الله أكبر) ، فهل هذا سنة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب على من أراد أن يؤدي عبادة أن يتعلم أحكامها وكيفيتها من سنة النبي صلى الله عليه وسلم حتى لا يعبد الله على جهل، فإن الله تبارك وتعالى لا يعبد إلا بما شرع. ومن تعبد لله تعالى بعبادة لم يشرعها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فهي مردودة عليه غير مقبولة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) رواه مسلم (1718) .
ومن البدع التي أدخلت في إقامة الصلاة ما ذكره السائل من صلاة المؤذن على النبي صلى الله عليه وسلم قبل إقامة الصلاة. فإن هذا الفعل بدعة لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم ولا أحد من أصحابه.
وقد نص على كونها بدعة الشيخ جمال الدين القاسمي رحمه الله في كتابه " إصلاح المساجد من البدع والعوائد " ص (134) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1247)
عمله يقتضي منه فتح جهاز الأذان الموحَّد وفيه قرآن قبله وصلاة على النبي بعده
[السُّؤَالُ]
ـ[يسأل أحد الإخوة المؤذنين العاملين في وزارة الأوقاف فيقول: أنا مؤذن وخادم مسجد، كُلِّفنا قبل مدة مِن الزمن بالأذان الموحد عن طريق الإذاعة، وقد كلِّفنا كذلك بتشغيل قراءة للقرآن الكريم قبل الأذان، وكذلك أيضا الجهر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذان. السؤال: هل أنا آثم بالقيام بهذه الأعمال، علماً بأني مكلف رسميّاً بها , وإذا لم أقم بذلك فسوف يلحقني الضرر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الأذان من آلة التسجيل، أو من المذياع، أو من مكان واحد وإرساله عن طريق الأجهزة إلى باقي المساجد: بدعة محدثة، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (48990) .
ثانياً:
قراءة القرآن والتسبيحات والأذكار قبل الأذان للصلوات الخمس: بدعة محدثة أيضاً.
سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
ما حكم الإسلام في قراءة القرآن يوم الجمعة قبل صلاة الظهر بمكبرات الصوت، إذا قلت هذا أمر غير وارد يقول لك: تريد أن تمنع قراءة القرآن؟ وما رأيكم في الابتهالات الدينية تسبق أذان الفجر بقليل بمكبرات الصوت إذا قلت: هذا أمر ليس له دليل: يقول لك: هذا عمل خير، يوقظ الناس لصلاة الفجر.
فأجابوا:
" لا نعلم دليلاً يدل على وقوع ذلك في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا نعلم أحداً من الصحابة عمل به، وكذلك الابتهالات التي تسبق الأذان للفجر بمكبرات الصوت، فكانت بدعة، وكل بدعة ضلالة، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (2 / 495، 496) .
ثالثاً:
الجهر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذان من المؤذن: بدعة محدثة أيضاً؛ لأن الأذان عبادة، لا يحل الزيادة على ألفاظه، ولا النقصان منها، وهي تبدأ بقول المؤذن: " الله أكبر، الله أكبر "، وتنتهي بقوله: " لا إله إلا الله "، وكل ما أضيف إلى الأذان قبله أو بعده: فمحدث، وبدعة.
وقد خلط هؤلاء الأذان بما قبله وما بعده من القرآن والأذكار حتى ضيعوا الأذان، فجعلوه وسط تلك الجمل والمحدثات، وكذا تسببوا في إزعاج الناس وقطع نومهم وعبادتهم.
قال ابن الجوزي – رحمه الله – في ذِكر أوجه تلبيس الشيطان على المؤذنين -:
" ومنه: أنهم يخلطون أذان الفجر بالتذكير والتسبيح والمواعظ، ويجعلون الأذان وسطاً، فيختلط، وقد كره العلماء كل ما يضاف إلى الأذان، وقد رأينا مَن يقوم بالليل كثيراً على المنارة، فيعظ، ويذكِّر، ومنهم من يقرأ سوراً مِن القرآن بصوت مرتفع، فيمنع الناس من نومهم، ويخلط على المتهجدين قراءتهم، وكل ذلك من المنكرات " انتهى.
" تلبيس إبليس " (ص 157) .
وقال المقريزي – رحمه الله – في بيان تاريخ هذه البدعة وحكمها – وأنها حدثت في سنة 791هـ، سمع بعض الفقراء الخلاطين سلامَ المؤذنين على رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة الجمعة (وهي شيء محدث أيضاً) ، وقد استحسن ذلك طائفة من إخوانه فقال لهم: أتحبون أن يكون هذا السلام في كل أذان؟ قالوا: نعم، فبات تلك الليلة، وأصبح متواجداً يزعم أنه رأى رسول الله في منامه وأنه أمره أن يذهب إلى المحتسب ويبلغه عنه أن يأمر المؤذنين بالسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل أذان، فمضى إلى محتسب القاهرة، وهو يومئذ نجم الدين محمد الطنبدي، وكان شيخاً جهولاً، سيء السيرة في الحسبة والقضاء، متهافتاً على الدرهم ولو قاده إلى البلاء، لا يحتشم من أخذ الرشوة، ولا يراعي في مؤمن إلاًّ ولا ذمة، وجهالاته شائعة، وقبائح أفعاله ذائعة، وقال له: رسول الله يأمرك أن تتقدم لسائر المؤذنين بأن يزيدوا في كل أذان قولهم " الصلاة والسلام عليك يا رسول الله " كما يفعل في كل ليالي الجمع، فأَعجب الجاهلَ هذا القول، وجهل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأمر بعد وفاته إلا بما يوافق ما شرعه الله على لسانه في حياته، وقد نهى الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز عن الزيادة في شرعه حيث يقول: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ) ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إياكم ومحدثات الأمور) ، فأمر بذلك في شعبان من السنة المذكورة، وتمَّت هذه البدعة، واستمرت إلى يومنا هذا في جميع ديار مصر، وبلاد الشام، وصارت العامة وأهل الجهالة ترى أن ذلك من جملة الأذان الذي لا يحل تركه، وأدَّى ذلك إلى أن زاد بعض أهل الإلحاد في الأذان ببعض القرى السلام بعد الأذان على شخص من المعتقدين الذين ماتوا، فلا حول ولا قوة إلا بالله، وإنا لله وإنا إليه راجعون " انتهى من الخطط المقريزية " (2 / 172) ، وانظر " الإبداع في مضار الابتداع " للشيخ علي محفوظ (ص 172 - 174) .
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
ما يفعله بعض الناس عندنا في الأردن! وبعض البلدان الأخرى من قول المؤذن عد الأذان: " اللهم صل على سيدنا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين " , فهل في ذلك شيء؟ وما حكمه؟ .
فأجاب:
" هذا المقام فيه تفصيل: فإن كان المؤذن يقول ذلك بخفض صوت: فذلك مشروع للمؤذن وغيره ممن يجيب المؤذن ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإن مَن صلى عليَّ واحدة صلَّى الله عليه بها عشراً، ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة) خرَّجه مسلم في صحيحه , وروى البخاري في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محموداً الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة) .
أما إن كان المؤذن يقول ذلك برفع صوت كالأذان: فذلك بدعة ; لأنه يوهم أنه من الأذان , والزيادة في الأذان لا تجوز ; لأن آخر الأذان كلمة " لا إله إلا الله " , فلا يجوز الزيادة على ذلك , ولو كان ذلك خيراً لسبق إليه السلف الصالح، بل لعلَّمه النبي صلى الله عليه وسلم أمَّته، وشرعه لهم , وقد قال عليه الصلاة والسلام: (مَن عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) أخرجه مسلم في صحيحه , وأصله في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها.
وأسأل الله سبحانه أن يزيدنا وإياكم وسائر إخواننا من الفقه في دينه , وأن يمنَّ علينا جميعا بالثبات عليه , إنه سميع قريب " انتهى.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (1 / 439، 440) و (10 / 362، 363) .
وفي " فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء " (6/101-103) :
" يُشرع بعد الأذان للمؤذن وغيره أن يصلِّي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يقول: " اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة ... " ... لكن يقولها المؤذن وغيره بصوت هادئ، ولا يرفع صوته بذلك، لعدم نقل الجهر به، كما تقدم " انتهى.
رابعاً:
وإذا تبيَّن بدعية الأذان الموحد، وبدعية التسبيح والذِّكر وقراءة القرآن قبل الأذان، وبدعية الجهر بالصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم: يتبين الحكم في العمل على قيام المؤذن بهذه الأفعال، وهو عدم جواز ذلك، وإن رأى المؤذن أن هذا الأمر مؤقت، وأنه في سبيله للإلغاء والإبطال، أو تيسر له الانتقال لوظيفة إمام، أو وظيفة إدارية: فيمكنه البقاء إلى ذلك الحين، وإن استمر الأمر واستقر: فلا وجه للبقاء في تلك الوظيفة التي تساهم في انتشار تلك البدع والمحدثات.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1248)
حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قبل الإقامة أو بعدها
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا أقول عند النداء لقيام صلاة الفرض في المسجد؟ وهل هذا الموضع من مواضع الصلاة على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هناك مسألتان مهمتان في أبواب " الأذان والإقامة " لا بد من بيانهما والتفريق بينهما:
المسألة الأولى:
هل يستحب لمن أراد أن يقيم الصلاة أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يشرع في الإقامة؟
قال بذلك بعض متأخري فقهاء الشافعية، فقرره زين الدين بن عبد العزيز المليباري (ت987هـ) في كتابه "فتح المعين" (1/280) ونسبه للنووي في شرح الوسيط.
وجاء في "إعانة الطالبين" (1/280) للسيد البكري الدمياطي (ت بعد 1302هـ) قوله:
" وتسن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قبلهما: أي الأذان والإقامة " انتهى.
ولكن نقل الشيخ علي الشبرامُلَّسي (ت1087هـ) من فقهاء الشافعية في حاشيته على "نهاية المحتاج" (1/432) عن بعضهم نفي نسبة القول للنووي، وأنه سبق قلم وقع في شرح الوسيط، والصحيح "بعد الإقامة" وليس "قبل الإقامة".
ويمكن أن يستدل لهذا القول بحديث يرويه الطبراني في "المعجم الأوسط" (8/372) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
(كان بلال إذا أراد أن يقيم الصلاة قال: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، الصلاة رحمك الله)
لكن في سنده راو اسمه عبد الله بن محمد بن المغيرة ضعيف جدا، يروي المنكرات والموضوعات، جاء في ترجمته في "لسان الميزان" (3/332) : " قال أبو حاتم: ليس بقوي. وقال ابن يونس: منكر الحديث. وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه. قال النسائي: روى عن الثوري ومالك بن مغول أحاديث كانا أتقى لله من أن يحدثا بها. ذكره العقيلي في الضعفاء فقال: يحدث بما لا أصل له " انتهى.
لذلك حكم الشيخ الألباني رحمه الله على حديثه هذا بالكذب والوضع – كما في "السلسلة الضعيفة" (891) – ثم قال:
" وهذا الحديث كأنه الأصل لتلك البدعة الفاشية التي رأيناها في حلب وإدلب وغيرها من بلاد الشمال، وهي الصلاة والسلام على النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم جهرا قبيل الإقامة، وهي كالبدعة الأخرى، وهي الجهر بها عقب الأذان كما بينه العلماء المحققون.
على أن الظاهر من الحديث - لو صح - أن بلالا كان يدخل على النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وهو في حجرته ليخبره بأنه يريد أن يقيم حتى يخرج عليه الصلاة والسلام فيقيم بلال، أو لعله لا يسمع الإقامة فيخبر بها " انتهى.
فالصحيح أنه لا يستحب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قبل الإقامة – كما جرت به العادة في بعض البلاد – لعدم ثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه، وهي إلى البدعة أقرب منها إلى السنة.
وقد أنكر المحققون من الشافعية هذا الفعل أيضا:
سئل ابن حجر الهيتمي في "الفتاوى الفقهية الكبرى" (1/129) :
" هل نص أحد على استحباب الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم أول الإقامة؟
فأجاب:
لم أر من قال بندب الصلاة والسلام أول الإقامة، وإنما الذي ذكره أئمتنا أنهما سنتان عقب الإقامة كالأذان، ثم بعدهما: اللهم رب هذه الدعوة التامة ... (ثم ذكر الآثار السابقة عن الحسن البصري وغيره) " انتهى.
وقال أيضا في (1/131) :
" لم نر في شيء منها – يعني الأحاديث - التعرض للصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم - قبل الأذان، ولا إلى محمد رسول الله بعده، ولم نر أيضا في كلام أئمتنا تعرضا لذلك أيضا، فحينئذ كل واحد من هذين ليس بسنة في محله المذكور فيه، فمن أتى بواحد منهما في ذلك معتقدا سنيته في ذلك المحل المخصوص نُهي عنه ومنع منه؛ لأنه تشريع بغير دليل، ومن شرَّع بلا دليل يزجر عن ذلك ويُنهى عنه " انتهى.
وانظر ما سبق حول ذلك في جواب السؤال رقم (22646)
المسألة الثانية:
هل يستحب للمقيم نفسِه ولِمَن يسمع الإقامة أن يصليَ على النبي صلى الله عليه وسلم عقب الفراغ منها؟
ذهب إلى استحباب ذلك جماهير أهل العلم، مستدلين بحديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
(إِذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ) رواه مسلم (384)
يقول ابن رجب في "فتح الباري" (3/457) :
" وقوله: " إذا سمعتم المؤذن " يدخل فيه الأذان والإقامة؛ لأن كلا منهما نداء إلى الصلاة، صدر من المؤذن " انتهى.
قالوا: وقد ورد ذلك من صريح قول بعض الصحابة والتابعين:
روى ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (حديث رقم/105) عن أبي هريرة، رضي الله عنه: أنه كان يقول إذا سمع المؤذن يقيم: اللهم رب هذه الدعوة التامة، وهذه الصلاة القائمة، صل على محمد، وآته سؤله يوم القيامة.
وروى عبد الرزاق في "المصنف" (1/496) عن أيوب وجابر الجعفي قالا:
" من قال عند الاقامة: اللهم! رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، أعط سيدنا محمدا الوسيلة، وارفع له الدرجات، حقت له الشفاعة على النبي صلى الله عليه وسلم "
وروى الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم" (60) عن يوسف بن أسباط قال:
" بلغني أنّ الرجل المسلم إذا أقيمت الصلاة فلم يقل: اللهم ربّ هذه الدعوة المستمعة المستجاب لها، صلِّ على محمد وعلى آل محمد، وزوجنا من الحور العين، قلن حور العين: ما كان أزهدك فينا " انتهى.
ولذلك عقد ابن القيم رحمه الله في "جلاء الأفهام" (372-373) فصلا قال فيه:
" الموطن السادس من مواطن الصلاة عليه: الصلاة عليه بعد إجابة المؤذن، وعند الاقامة " ثم ذكر حديث عبد الله بن عمرو وبعض الآثار السابقة، وذكر أيضا من رواية الحسن بن عرفة بسنده إلى الحسن البصري قال:
" إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة، قال: اللهم رب هذه الدعوة الصادقة والصلاة القائمة، صل على محمد عبدك ورسولك , وأبلغه درجة الوسيلة في الجنة , دخل في شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم "
وروى نحوه ابن أبي شيبة في "المصنف" (7/124) عن الحكم والحسن البصري.
وفي "فتاوى اللجنة الدائمة" (6/89-90) :
" السنة أن المستمع للإقامة يقول كما يقول المقيم؛ لأنها أذان ثان، فتجاب كما يجاب الأذان، ويقول المستمع عند قول المقيم: (حي على الصلاة، حي على الفلاح) لا حول ولا قوة إلا بالله، ويقول عند قوله: (قد قامت الصلاة) مثل قوله، ولا يقول: أقامها الله وأدامها؛ لأن الحديث في ذلك ضعيف، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول)
وهذا يعم الأذان والإقامة؛ لأن كلا منهما يسمى أذانا.
ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعد قول المقيم (لا إله إلا الله)
ويقول: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة ... إلخ كما يقول بعد الأذان.
ولا نعلم دليلا يصح يدل على استحباب ذكر شيء من الأدعية بين انتهاء الإقامة وقبل تكبيرة الإحرام سوى ما ذكر " انتهى.
وفي "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (10/347) :
" وأما بعد الفراغ من الذكر من الأذان أو الإقامة، فلا أحفظ شيئا في هذا، إلا أنه صلى الله عليه وسلم شرع للناس أن يجيبوا المؤذن والمقيم، ويقولوا بعد الأذان والإقامة وبعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته) رواه البخاري في صحيحه " انتهى.
وانظر "مغني المحتاج" (1/329) ، "حاشية الجمل" (1/309) ، "الموسوعة الفقهية" (6/14) ، "الثمر المستطاب" (214-215)
والقول الثاني: أنه لا تستحب إجابة المقيم، وبه جزم بعض الأحناف، كما في رد المحتار (2/71) ، وبعض الماليكة أيضا. قال الشيخ زروق: " ولا يحكي الإقامة " اهـ انظر: مواهب الجليل 2/132.
اواختاره الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. قال:
" المتابعة في الإقامة فيها حديث أخرجه أبو داود، لكنه ضعيف لا تقوم به الحجة، والراجح أنه لا يتابع " انتهى. مجموع فتاوى الشيخ (12/169) ، وانظر الشرح الممتع (1/318) ط مصر.
وأما حديث: " بين كل أذنين صلاة "، فإنما سميت الإقامة أذانا من باب التغليب، ولم نقف على تسميتها أذانا بمفردها.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " وَتَوَارَدَ الشُّرَّاح عَلَى أَنَّ هَذَا مِنْ بَاب التَّغْلِيب كَقَوْلِهِمْ الْقَمَرَيْنِ لِلشَّمْسِ وَالْقَمَر ... ".
وقال الشيخ بكر أبو زيد، حفظه الله: " لا يعرف حديث صحيح صريح في أن من سمع المؤذن يقيم الصلاة يجيبه، كما ثبت ذلك لمن سمع المؤذن، ودخول إجابة المؤذن في عموم أحاديث إجابة الأذان لا يسلم به، لأن التعليم المفصل من النبي صلى الله عليه وسلم لا ينطبق إلا على إجابة المؤذن في الأذان " انتهى. تصحيح الدعاء (394) .
وانظر: أحكام الأذان والنداء والإقامة تأليف: سامي بن فراج الحازمي (441-443) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1249)
أيهما أَوْلى وأفضل: الاشتغال بإجابة الأذان أم تعجيل الإفطار؟
[السُّؤَالُ]
ـ[يقال: إنه يجب الاستماع للأذان. لكن ما هو حكم من يفطر عند سماع أذان المغرب؟ هل يعفى بسبب تناوله طعام الإفطار؟ وما هو حكم نفس الأمر عند التسحر عند أذان الفجر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اختلف العلماء في حكم إجابة المؤذن ومتابعته في كلمات الأذان والصحيح - هو قول جمهور العلماء -: أن متابعته مستحبة غير واجبة. وهو قول المالكية والشافعية والحنابلة.
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (3/127) :
" مذهبنا أن المتابعة سنة ليست بواجبة، وبه قال جمهور العلماء، وحكى الطحاوي خلافا لبعض السلف في إيجابها " انتهى.
وفي "المغني" (1/256) عن الإمام أحمد أنه قال: " وإن لم يقل كقوله فلا بأس " انتهى بتصرف.
ويدل على ذلك " قول النبي عليه الصلاة والسلام لمالك بن الحويرث ومن معه: (إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم) .
فهذا يدل على أن المتابعة لا تجب، ووجه الدلالة: أن المقام مقام تعليم، وتدعو الحاجة إلى بيان كل ما يحتاج إليه، وهؤلاء وَفْدٌ قد لا يكون عندهم علم بما قاله النبي صلى الله عليه وسلم في متابعة الأذان، فلما ترك النبي صلى الله عليه وسلم التنبيه على ذلك مع دعاء الحاجة إليه، وكون هؤلاء وفدًا لبثوا عنده عشرين يوما ثم غادروا - يدل على أن الإجابة ليست بواجبة، وهذا هو الأقرب والأرجح " انتهى من الشرح الممتع (2/75) .
وروى مالك في "الموطأ" (1/103) عن ابن شهاب عن ثعلبة بن أبي مالك القرظي أنه أخبره: (أنهم كانوا في زمان عمر بن الخطاب يُصَلُّون يوم الجمعة حتى يخرج عمر، فإذا خرج عمر وجلس على المنبر وأذن المؤذنون قال ثعلبة: جلسنا نتحدث. فإذا سكت المؤذنون وقام عمر يخطب أنصتنا فلم يتكلم منا أحد.
قال ابن شهاب: " فخروج الإمام يقطع الصلاة وكلامه يقطع الكلام ".
قال الشيخ الألباني رحمه الله في "تمام المنة" (340) :
" في هذا الأثر دليل على عدم وجوب إجابة المؤذن، لجريان العمل في عهد عمر على التحدث في أثناء الأذان، وسكوت عمر عليه، وكثيرا ما سئلت عن الدليل الصارف للأمر بإجابة المؤذن عن الوجوب؟ فأجبت بهذا " انتهى.
بناء على ما سبق، فلا إثم على من ترك إجابة المؤذن ولم يتابعه، سواء كان تركه لانشغاله بطعام أو غيره، غير أنه يفوته بذلك الأجر العظيم عند الله تعالى.
فقد روى مسلم (385) عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ. فَقَالَ أَحَدُكُمْ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ. ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ. قَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ. ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ. قَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ. ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ. قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ. ثُمَّ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مِنْ قَلْبِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ)
وليس هناك تعارض بين تعجيل الفطر والترديد خلف المؤذن، فيستطيع الصائم أن يبادر بالفطر بعد غروب الشمس مباشرة، وفي الوقت نفسه يردد خلف المؤذن، فيكون قد جمع بين الفضيلتين: فضيلة المبادرة بالفطر، وفضيلة الترديد خلف المؤذن.
ولم يزل الناس قديماً وحديثاً يتكلمون على طعامهم، ولا يرون الطعام شاغلاً لهم عن الكلام، مع التنبيه أن تعجيل الفطر يحصل بأي شيء يأكله الصائم ولو كان شيئاً يسيراً، كتمرة أو شربة ماء، وليس معناه أن يأكل حتى يشبع.
وكذلك يقال أيضاً إذا أذن الفجر وهو يأكل السحور، فيمكن الجمع بين الأمرين بلا مشقة ظاهرة.
غير أنه إذا كان المؤذن يؤذن للفجر بعد دخول الوقت، فيجب الكف عن الأكل والشرب عند سماع أذانه.
وانظر جواب السؤال رقم (66202) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1250)
التلحين والتمطيط في الأذان
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم في التغني بالآذان والتمطيط في أحرف العلة؟ إن الحديث الذي يتناول حرمة الغناء يتضمن أيضا أخذ المال (عليه) . هل التغني بالأذان حرام بعينه أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز التغني بالأذان والتطريب به، وليس هو كحرمة الغناء، بل هو متردد بين الكراهة والتحريم إلا أن يغيِّر المعنى فيحرم.
1. قال زين الدين العراقي:
والمستحب أن يترسل في الأذان، … ويكره التمطيط وهو التمديد [والتغني] وهو التطريب، لما روي أن رجلا قال لابن عمر " إني لأحبك في الله قال: وأنا أبغضك في الله إنك تبغي في أذانك " قال حماد يعني التطريب.
2. قال ولي الدين العراقي:
قال الشاشي في " المعتمد ": الصواب أن يكون صوته بتحزين وترقيق ليس فيه جفاء كلام الأعراب ولا لين كلام المتماوتين … قال صاحب " الحاوي ": البغي تفخيم الكلام والتشادق فيه، قال: ويكره تلحين الأذان؛ لأنه يخرجه عن الإفهام ولأن السلف تجافوه، وإنما أُحدث بعدهم.
" طرح التثريب " (3 / 118 - 120) .
3. قال ابن الحاج:
فصل في النهي عن الأذان بالألحان
وليحذر في نفسه أن يؤذن بالألحان وينهى غيره عما أحدثوا فيه مما يشبه الغناء، وهذا ما لم يكن في جماعة يطربون تطريبا يشبه الغناء حتى لا يعلم ما يقولونه من ألفاظ الأذان إلا أصوات ترتفع وتنخفض وهي بدعة مستهجنة قريبة العهد بالحدوث أحدثها بعض الأمراء بمدرسة بناها ثم سرى ذلك منها إلى غيرها وهذا الأذان هو المعمول به في الشام في هذا الزمان وهي بدعة قبيحة إذ إن الأذان إنما المقصود به النداء إلى الصلاة فلا بد من تفهيم ألفاظه للسامع، وهذا الأذان لا يفهم منه شيء لما دخل ألفاظه من شبه الهنوك والتغني، وقد ورد في الحديث عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " … وقال الإمام أبو طالب المكي رحمه الله في كتابه ومما أحدثوه التلحين في الأذان وهو من البغي فيه والاعتداء، قال رجل من المؤذنين لابن عمر: إني لأحبك في الله، فقال له: لكني أبغضك في الله، فقال: ولم يا أبا عبد الرحمن؟ قال: لأنك تبغي في أذانك، وتأخذ عليه أجرة، وكان أبو بكر الآجري رحمه الله يقول خرجت من بغداد ولم يحل لي المقام بها قد ابتدعوا في كل شيء حتى في قراءة القرآن وفي الأذان يعني الإجارة والتلحين انتهى.
" المدخل " (2 / 245، 246) .
4. قال في " المدونة ": ويكره التطريب في الأذان، قال في " الطراز ": والتطريب: تقطيع الصوت وترعيده، وأصله خفة تصيب المرء من شدة الفرح أو من شدة التحزين، وهو من الاضطراب أو الطربة، قال في " العتبية ": التطريب في الأذان منكر، قال ابن حبيب: وكذلك التحزين من غير تطريب ولا ينبغي إمالة حروفه والتغني فيه، والسنة فيه أن يكون محدراً معلنا يرفع به الصوت انتهى، وقال ابن فرحون: والتطريب: مد المقصور، وقصر الممدود، وسمع عبد الله بن عمر رجلا يُطرِّب في أذانه، فقال: لو كان عمر حيّاً فكَّ لحييك انتهى، وقال ابن ناجي: يكره التطريب؛ لأنه ينافي الخشوع والوقار، وينحو إلى الغناء، والكراهة في التطريب على بابها إن لم تتفاحش وإلا فالتحريم، وألحق ابن حبيب التحزين بالتطريب، نقله أبو محمد.
… فتحصل من هذا أنه يستحب في المؤذن أن يكون حسن الصوت، ومرتفع الصوت، وأن يُرجع صوته، ويكره الصوت الغليظ الفظيع، والتطريب والتحزين إن لم يتفاحش وإلا حرم.
" مواهب الجليل " لحطاب (1 / 437، 438) .
5. قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله:
ثم التمديد الزائد عن المطلوب في الأذان ما ينبغي، فإن أحال المعنى: فإنه يبطل الأذان، حروف المد إذا أعطيت أكثر من اللازم: فلا ينبغي، حتى الحركات إذا مدَّت: إن أحالت المعنى: لم يصح وإلا كره ".
" فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم " (2 / 125) .
6. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
الملحن: المطرَّب به، أي: يؤذن على سبيل التطريب به كأنما يجر ألفاظ أغنية: فإنه يُجزئ لكنه يكره.
الملحون: هو الذي يقع فيه اللحن، أي: مخالفة القواعد العربيَّة، ولكن اللحن ينقسم إلى قسمين:
قسم لا يصح معه الأذان، وهو الذي يتغير به المعنى.
وقسم يصح به الأذان مع الكراهة، وهو الذي لا يتغير به المعنى، فلو قال المؤذن " الله أكبار " لا يصح؛ لأنه يحيل المعنى، فإن " أكبار " جمع كَبَر، كأسباب جمع سبب وهو " الطبل ".
" الشرح الممتع " (2 / 62، 63) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1251)
ليس للنوافل أذان ولا إقامة
[السُّؤَالُ]
ـ[صلاة التطوع كصلاة الضحى وصلاة الليل، هل لها من أذان وإقامة أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا ليس لها أذان ولا إقامة بل إذا توضأت تُصلي ما تيسر لك كصلاة الضحى أو بعد الظهر وآخر الليل أو في أي وقت كان غير أوقات النهي، فهذه تُصلي بدون أذان ولا إقامة، لأن رسول الله صلى الله إذا قام يصلي لم ينقل أنه كان يؤذن أو يقيم، إنما الأذان والإقامة مخصوصان في الفرائض فقط، أما التراويح والوتر وصلاة التطوع فليس لها أذان ولا إقامة، كما قرره أهل العلم، وكما هي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنة خلفائه الراشدين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب سماحة الشيخ عبد الله بن حميد ص 114(5/1252)
هل الأذان من الوحي أو اقتراح من صحابي
[السُّؤَالُ]
ـ[أعتقد أني قرأت عن أن الأذان للصلاة اقترحه شخص على النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن قال أنه لا يريد أن يستخدم الأجراس التي يستخدمها النصارى أو مثلما يفعل اليهود للنداء لصلواتهم. فالسؤال هو: كيف يتفق ذلك الحدث مع الاعتقاد بأن كل ما يأمرنا به النبي صلى الله عليه وسلم ما هو إلا وحي يوحى؟ إنني لا أحاول أن أكون مجادلاً ولكن سألت ذلك السؤال بقلب نقي أريد فيه المزيد من الفهم. وشكراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأذان يراد به في اللغة الإبلاغ وفي الشرع الإبلاغ والإعلام بدخول الوقت، وقد شرع في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة لحديث عبد الله بن زيد بن عبد ربه: لما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضرب بالناقوس وهو له كاره لموافقته النصارى طاف بي من الليل طائف وأنا نائم رجل عليه ثوبان أخضران وفي يده ناقوس يحمله قال فقلت: يا عبد الله أتبيع الناقوس؟ قال وما تصنع به؟ قال قلت: ندعو به إلى الصلاة. قال: أفلا أدلك على خيرٍ من ذلك فقلت: بلى. قال تقول: الله اكبر …. (إلى نهاية الأذان) … قال: فلما أصبحت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما رأيت فقال: إنها لرؤيا حق إن شاء الله فقم مع بلال فألْقِ عليه ما رأيت فإنه أندى صوتاً منك قال فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به قال: فسمع ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو في بيته فخرج يجرّ رداءه يقول: والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل الذي أُرِي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلله الحمد. رواه أحمد (15881) والترمذي (174) وأبو داود (421) و (430) وابن ماجه (698) .
يتّضح من هذا الحديث:
أنّ كلمات الأذان رؤيا منام رآها صحابي جليل وأقره عليها نبينا الكريم، فهي ليست اقتراحاً كما ذكرت، بل هي رؤيا، ومن المعلوم أن الرؤيا جزء من سبعين جزءاً من النبوة لما جاء في حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الرؤيا جزء من سبعين جزءاً من النبوة " رواه أحمد (4449) .
ورواه البخاري بلفظ " الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة ". رواه البخاري (6474) ومسلم (4203) و (42005) .
فالرؤيا هنا كما وصفها الرسول صلى الله عليه وسلم بأنها رؤيا حق فهي من الله وليست اقتراحاً من شخص فهي نبوة بإقرار النبي صلى الله عليه وسلم لها أنها رؤيا حق ولو لم يقر لها الرسول لم تكن رؤيا حق وليست من النبوة، فالذي قضى بأنّها حقّ هو النبي صلى الله عليه وسلم والذي أمر بالعمل بها هو النبي صلى الله عليه وسلم الموحى إليه من ربه.
وقد رأى عمر رضي الله عنه مثل ذلك ولا ننسى أنّ عمر من الخلفاء الراشدين المهديين حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم "… فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ ". رواه الترمذي (2600) وابن ماجه (43) وأحمد (16519) .
وقد وافق عمر رضي الله عنه الوحي والتشريع الإلهي مراراً كثيرة وروت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم " أنه كان يقول قد كان يكون في الأمم قبلكم محدثون فإن يكن في أمتي منهم أحد فإن عمر بن الخطاب منهم ". رواه البخاري (3282) ومسلم (2398) وعنده: قال ابن وهب تفسير " محدَّثون ": ملهمون.
فإن قلت ولماذا كان ابتداء الأذان بهذه الطريقة حيث يراها صحابيان ثمّ يؤكّدها الوحي ولم تكن من الوحي مباشرة كغيرها من الأحكام فالجواب أنّ الله يشرع ما يريد كما يريد عزّ وجلّ ولعلّ فيما حدث إظهارا لفضل هذين الصحابيين وإثباتا للخير في هذه الأمة وأن منهم من يوافق الوحي وأنّ فيهم منامات صادقة تدلّ على صدقهم فإنّ أصدق الناس رؤيا أصدقهم حديثا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
وأخيرا
فإن مما هو معلوم في كتب أهل العلم في تعريف السنّة: بأنها كلّ ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم من'' قول أو فعل أو تقرير ''.
فالقول والفعل واضحان وأما التقرير فهو أن يفعل أحد أمامه فعلاً فإن أقره فهو شرع لا لفعل ذلك الرجل ولكن لموافقة الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يسكت على الباطل ولا يقرّ أحداً على باطل وضلال.
وقد لا يقره على ذلك وينهاه، كما فعل عليه الصلاة والسلام مع الصحابي أبي إسرائيل فيما رواه ابن عباس قال: " بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إذا هو برجل قائم في الشمس، فسأل عنه، قالوا: هذا أبو إسرائيل نذر أن يقوم ولا يقعد، ولا يستظل، ولا يتكلم، ويصوم، قال: مُرُوه فليتكلم، وليستظل، وليقعد، وليتم صومه ". رواه البخاري (6326) .
فهذا النبي صلى الله عليه وسلم أقر أبا إسرائيل على نذر الصوم، وأبطل عليه باقي ما نذره، فلم يقره عليه.
فيتّضح إذن أنّ الأذان صار شرعا ودينا بإقرار النبي صلى الله عليه وسلم للصحابيين على ما أراهما الله في المنام وأمره لعبد الله بن زيد أن يلقيه على بلال ليؤذّن به، ولعل ما سبق من الإيضاح يكون قد أزال الإشكال وبيّن الأمر لك أيها الأخ السائل ونسأل الله لنا ولك الفقه في الدين. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1253)
الترديد مع المؤذن أثناء الوضوء والطواف
[السُّؤَالُ]
ـ[عن المتوضئ إذا سمع الأذانَ هل تسنُّ له الإجابة حينئذٍ أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سُئل ابن حجر الهيتمي السؤال السابق فأجاب بقوله:
أما حال الوضوء فيجيب؛ لأن المتوضئ إنما يسن له السكوت عن غير الذكر، وأذكار الأعضاء في ندبها خلاف بل الأصح عدم ندبها كما قاله النووي؛ لأن أحاديثها لا تخلو عن كذاب أو متهم بالكذب، (أي لم تصح أذكار خاصة أثناء غسل اعضاء الوضوء) .
وأما الإجابة: فمندوبةٌ اتفاقاً، ولذا قالوا بندبها للطائف مع أنَّ له أذكاراً مطلوبةٌ اتفاقاً، فالمتوضئ أولى.
وأما بعد فراغ الوضوء بأن وافق فراغ وضوئه فراغ المؤذن، فيأتي بذكر الوضوء كما أفتى به البلقيني مقدِّماً له على الذكر عقب الأذان؛ لأنه للعبادة التي فرغ منها ثم يذكر الأذان.
قال: وحسن أن يأتي بشهادتي الوضوء ثم بدعاء الأذان لتعلقه بالنبي صلى الله عليه وسلم، ثم بالدعاء لنفسه.
[الْمَصْدَرُ]
" الفتاوى الفقهية الكبرى " (1 / 61) .(5/1254)
الأذكار بين الأذان والإقامة
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أعرف الدعاء الذي نقوله قبل الأذان وقبل الإقامة وبعد الأذان وبعد الإقامة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1. أما عن الدعاء قبل الأذان فليس هناك دعاء قبل الأذان - فيما أعلم - ولو خصص ذلك بقول خاص أو غير خاص في ذلك الوقت فهو بدعة منكرة ولكن إن جاء اتفاقاً وصدفة فلا بأس به.
2. أما قبل الإقامة عندما يهم المؤذن بالإقامة بالذات فهذا أيضاً لا نعلم فيه قولاً مخصوصاً ففعله مع عدم ثبوت دليل عليه بدعة منكرة.
3. أما ما بين الأذان والإقامة فالدعاء عندئذٍ مرغّب فيه ومستحب.
عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة فادعوا ". رواه الترمذي (212) وأبو داود (437) وأحمد (12174) – واللفظ له – وصححه الألباني في صحيح أبي داود 489.
والدعاء بعد الأذان مباشرة له صيغ مخصوصة:
- منها: عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة ". رواه البخاري (589) .
4. وأما الدعاء بعد الإقامة فلا نعلم له دليلاً، وإن خصص الدعاء بشيء من غير دليل صحيح كان بدعة.
5. وأما الدعاء حين الأذان فإنه يسن لك أن تقول كما يقول المؤذن إلا عند قوله: حي على الصلاة – حي على الفلاح. فإنك تقول: لا حول ولا قوة إلا بالله.
عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا قال المؤذن الله أكبر الله أكبر فقال أحدكم الله أكبر الله أكبر ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله قال أشهد أن لا إله إلا الله ثم قال أشهد أن محمدا رسول الله قال أشهد أن محمدا رسول الله ثم قال حي على الصلاة قال لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال حي على الفلاح قال لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال الله أكبر الله أكبر قال الله أكبر الله أكبر ثم قال لا إله إلا الله قال لا إله إلا الله من قلبه دخل الجنة ". رواه مسلم (385) .
6- أما الدعاء حين الإقامة: فبعض العلماء أجراه على العموم باعتباره أذاناً فاستحب الترديد، ولم يستحبه علماء آخرون لضعف الحديث الوارد في الترديد مع الإقامة الذي سيأتي تخريجه، ومنهم الشيخ محمد بن إبراهيم في الفتاوى (2/136) والشيخ العثيمين في الشرح الممتع (2/84)
ـ ومن الخطأ قول: أقامها الله وأدامها الله عند قول المؤذن: قد قامت الصلاة لأن الحديث الوارد في ذلك ضعيف.
عن أبي أمامة أو عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: " أن بلالا أخذ في الإقامة فلما أن قال قد قامت الصلاة قال النبي صلى الله عليه وسلم " أقامها الله وأدامها " وقال في سائر الإقامة كنحو حديث عمر رضي الله عنه في الأذان ". رواه أبو داود (528) . والحديث: ضعفه الحافظ ابن حجر في " التلخيص الحبير " (1 / 211) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1255)
حكم الأذان
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الأذان واجب؟ نحن طلبة كلية ونصلي في مصلى فهل يجب أن نؤذن قبل الصلاة ونحن نسمع الأذان من مساجد أخرى؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله أولاً:
الأذان لغةً: الإعلام، قال الله تعالى: {وأذن في الناس بالحج} الحج / 27، أي: أعلمهم به.
وشرعاً: التعبد لله بالإعلام بوقت الصلاة المفروضة، بألفاظ معلومة مأثورة، على صفة مخصوصة.
ثانياً:
اتفق الفقهاء على أن الأذان من خصائص الإسلام وشعائره الظاهرة. ولكنهم اختلفوا في حكمه، فقيل: إنه فرض كفاية: وهو مذهب الإمام أحمد واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، ومن المعاصرين: الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
وقيل: إنه سنة مؤكدة.
والصواب من القولين أنه فرض كفاية، فإذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين.
ودليل ذلك من السنة:
عن مالك بن الحويرث قال أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن شببة متقاربون فأقمنا عنده عشرين ليلة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيما رفيقا فظن أنا قد اشتقنا إلى أهلنا فسألنا عمن تركناه من أهلنا فأخبرناه، فقال: ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا عندهم وعلموهم ومروهم، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم.
رواه البخاري (602) ومسلم (674) .
وفي رواية للبخاري (604) : " إذا أنتما خرجتما فأذنا ثم أقيما ثم ليؤمكما أكبركما ".
وفي رواية للترمذي (205) والنسائي (634) : عن مالك بن الحويرث قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وابن عم لي فقال: " إذا سافرتما فأذِّنا وأقيما وليؤمكما أكبركما ". صححه الألباني في " إرواء الغليل " (1 / 230) .
فهذا الحديث دليل على أن الأذان فرض على الكفاية لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يؤذن من الجماعة واحد فقط، ولم يأمر الجماعة كلها بالأذان. انظر: توضيح الإحكام (1/424) .
قال النووي:
فيه: أن الأذان والجماعة مشروعان للمسافرين، وفيه: الحث على المحافظة على الأذان في الحضر والسفر.
" شرح مسلم " (5 / 175) .
قال علماء اللجنة الدائمة:
الأذان فرض كفاية في البلد وهكذا الإقامة، وإذا دخل في الصلاة بدون أذان ولا إقامة نسياناً أو جهلاً أو لغير ذلك فصلاته صحيحة.
فتاوى الجنة الدائمة (6/54) .
وقال الشيخ ابن عثيمين:
والدليل على فرضيتهما – أي: الأذان والإقامة -: أمْر النبي صلى الله عليه وسلم بهما في عدة أحاديث، وملازمته لهما في الحضر والسفر، ولأنه لا يتم العلم بالوقت إلا بهما غالباً، ولتعين المصلحة بهما؛ لأنهما من شعائر الإسلام الظاهرة.
" الشرح الممتع " (2 / 38) .
وينبني على كون الأذان فرض كفاية أنه إذا أذن في البلد من يسمعها فقد حصلت الكفاية فلا يجب حينئذ الأذان على كل جماعة، وإن كان الأولى والأفضل ألا يترك الأذان ولو كان المصلي منفرداً.
وقد سئلت اللجنة الدائمة:
هل من الواجب الأذان في جميع المساجد بمكبرات الصوت في حي واحد مع العلم أن المسجد الواحد يسمعه جميع المسلمين؟ وهل يكفي الأذان في مسجد واحد من مساجد الحي؟
الجواب: الأذان فرض كفاية فإذا أذن مؤذن في الحي وأسمع سكانه أجزأهم، ويشرع لأهل كل مسجد أن يؤذنوا لعموم الأدلة.
وعلى هذا فالأفضل لكم أن تؤذنوا، وإن كان ذلك غير واجب عليكم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1256)
هل يؤذّن ويجهر بالقراءة إذا صلى وحده
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجب رفع الصوت في الصلاة الجهرية إذا صليت منفرداً؟ وماذا عن الأذان والإقامة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة والبحوث 6/392
ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجهر بالقراءة في ركعتي الصبح وفي الأولين من صلاة المغرب وصلاة العشاء فكان الجهر في ذلك سنة والمشروع في حق أمته أن تقتدي به لقوله تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً} ولما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " صلوا كما رأيتموني أصلي " وإن أسرّ في موضع الجهر كان تاركاً للسنة ولا تبطل صلاته بذلك. انتهى
فعلى المسلم أن يجهر بالقراءة في صلاة الفجر وفي الركعتين الأوليين من صلاة المغرب والعشاء ولو صلى وحده لأن هذه هي السنّة.
(ولا يجهر بالقراءة في صلاة الظهر والعصر، ويجهر بقراءته في الركعتين الأوليين من المغرب والعشاء وفي فريضة الصبح، ويسر في الركعة الثالثة من المغرب وفي الركعتين الأخيرتين من صلاة العشاء، وهذا الإسرار والجهر في القراءة في موضعه مستحب في حق المنفرد عند الإمام الشافعي وغيره، وقال الحنابلة: للمنفرد الخيار في الجهر في موضعه، فإن شاء جهر وإن شاء خافت) . المفصل لأحكام المرأة د/عبد الكريم زيدان ص 220
أما الشطر الثاني من السؤال فقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة والبحوث 6/56
يجوز أن يصلي المنفرد بدون أذان، لكن إن كان في بادية أو مزرعة نائية ونحو ذلك شُرع في حقه أن يؤذن ولو كان سيصلي وحده، كما تشرع له الإقامة مطلقا، لعموم الأدلة ولقول أبي سعيد الخدري رضي الله عنه لعبد الله الأنصاري " إني أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة " قال أبو سعيد سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه البخاري 1/151
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1257)
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الإقامة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الصلاة على الرسول الصلاة الإبراهيمية بعد إقامة المؤذن للصلاة؟ وهل هذا الموضع من مواضع الصلاة على الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم؟ وهل ذكر ابن القيم هذا الموضع في ذكره مواضع الصلاة على رسولنا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ذهب جمهور العلماء إلى استحباب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الإقامة كما تستحب بعد الأذان، كما يستحبون الترديد خلف المقيم، ثم الدعاء: اللهم رب هذه الدعوة التامة....... إلخ.
وهو قول جمهور الحنفية، وقول الشافعية والحنابلة، وقال به من العلماء المعاصرين: علماء اللجنة الدائمة للإفتاء، والشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ الألباني رحمهم الله.
وقد ذكر ابن القيم رحمه الله هذا الموضع [بعد الإقامة] من مواضع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في كتابه " جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على خير الأنام " (ص 441 – 445) .
وذهب بعض الأحناف إلى أن الترديد خلف المؤذن ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء، خاص بالأذان، ولا يستحب ذلك في الإقامة، واختاره من المعاصرين: الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم: (111791) ، وأن المسألة من مسائل الاجتهاد، وإن كنا نختار أن الترديد خلف المؤذن ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم الدعاء: اللهم رب هذه الدعوة التامة......إلخ خاص بالأذان.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1258)
متى كان ابتداء الأذان
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال سمعت أنّ الأذان الإسلامي بالصلاة معروف منذ أيام إبراهيم الخليل عليه السلام لأنّ الله قال في كتابه وأذّن في النّاس بالحج، فهل هذا الكلام صحيح.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لقد قال بعض الناس ذلك فعلا بل قال بعضهم إن الأذان معروف عند الأنبياء منذ أن نزل آدم على الأرض وقال بعضهم هو معروف عن نبي الله إبراهيم حيث قال له ربه {وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر} [الحج/26] . وهذا الكلام غريب غير صحيح.
والصحيح: أن الأذان شرع في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة وليس في مكة وليس في الإسراء كما ورد بذلك بعض الأحاديث الضعيفة.
يقول ابن حجر:
ومن أغرب ما وقع في بدء الأذان ما رواه أبو الشيخ بسند فيه مجهول عن عبد الله بن الزبير قال: أخذ الأذان من أذان إبراهيم {وأذن في الناس بالحج} [الحج / 26] قال فأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم. " الفتح " (2 / 280) .
أما أذان آدم فهو أيضا ضعيف قال ابن حجر رحمه الله:
وما رواه أبو نعيم في الحلية بسند فيه مجاهيل أن جبريل نادى بالأذان لآدم حين أهبط من الجنة. " الفتح " (2 /280) .
وقد دلّت الأدلّة الصحيحة على أنّ ابتداء مشروعية الأذان كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة وفي ذلك أدلّة:
عن نَافِعٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ كَانَ الْمُسْلِمُونَ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ يَجْتَمِعُونَ فَيَتَحَيَّنُونَ الصَّلاةَ لَيْسَ يُنَادَى لَهَا فَتَكَلَّمُوا يَوْمًا فِي ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ اتَّخِذُوا نَاقُوسًا مِثْلَ نَاقُوسِ النَّصَارَى وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ بُوقًا مِثْلَ قَرْنِ الْيَهُودِ فَقَالَ عُمَرُ أَوَلا تَبْعَثُونَ رَجُلا يُنَادِي بِالصَّلاةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا بِلالُ قُمْ فَنَادِ بِالصَّلاةِ رواه البخاري 569
وعَنْ أَبِي عُمَيْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ عُمُومَةٍ لَهُ مِنْ الأَنْصَارِ قَالَ اهْتَمَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلصَّلاةِ كَيْفَ يَجْمَعُ النَّاسَ لَهَا فَقِيلَ لَهُ انْصِبْ رَايَةً عِنْدَ حُضُورِ الصَّلاةِ فَإِذَا رَأَوْهَا آذَنَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَلَمْ يُعْجِبْهُ ذَلِكَ قَالَ فَذُكِرَ لَهُ الْقُنْعُ يَعْنِي الشَّبُّورَ وَقَالَ زِيَادٌ شَبُّورُ الْيَهُودِ فَلَمْ يُعْجِبْهُ ذَلِكَ وَقَالَ هُوَ مِنْ أَمْرِ الْيَهُودِ قَالَ فَذُكِرَ لَهُ النَّاقُوسُ فَقَالَ هُوَ مِنْ أَمْرِ النَّصَارَى فَانْصَرَفَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ وَهُوَ مُهْتَمٌّ لِهَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُرِيَ الأَذَانَ فِي مَنَامِهِ قَالَ فَغَدَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَبَيْنَ نَائِمٍ وَيَقْظَانَ إِذْ أَتَانِي آتٍ فَأَرَانِي الأَذَانَ قَالَ وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدْ رَآهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَكَتَمَهُ عِشْرِينَ يَوْمًا قَالَ ثُمَّ أَخْبَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تُخْبِرَنِي فَقَالَ سَبَقَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ فَاسْتَحْيَيْتُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا بِلالُ قُمْ فَانْظُرْ مَا يَأْمُرُكَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ فَافْعَلْهُ قَالَ فَأَذَّنَ بِلالٌ رواه أبو داود رحمه الله في سننه 420
وفي رواية عن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ قَالَ لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاقُوسِ يُعْمَلُ لِيُضْرَبَ بِهِ لِلنَّاسِ لِجَمْعِ الصَّلاةِ طَافَ بِي وَأَنَا نَائِمٌ رَجُلٌ يَحْمِلُ نَاقُوسًا فِي يَدِهِ فَقُلْتُ يَا عَبْدَ اللَّهِ أَتَبِيعُ النَّاقُوسَ قَالَ وَمَا تَصْنَعُ بِهِ فَقُلْتُ نَدْعُو بِهِ إِلَى الصَّلاةِ قَالَ أَفَلَا أَدُلُّكَ عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ فَقُلْتُ لَهُ بَلَى قَالَ فَقَالَ تَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلاحِ حَيَّ عَلَى الْفَلاحِ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ قَالَ ثُمَّ اسْتَأْخَرَ عَنِّي غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ قَالَ وَتَقُولُ إِذَا أَقَمْتَ الصَّلاةَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ حَيَّ عَلى الصَّلاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلاحِ قَدْ قَامَتْ الصلاةُ قَدْ قَامَتْ الصَّلاةُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ فَلَمَّا أَصْبَحْتُ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا رَأَيْتُ فَقَالَ إِنَّهَا لَرُؤْيَا حَقٌّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَقُمْ مَعَ بِلالٍ فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَا رَأَيْتَ فَلْيُؤَذِّنْ بِهِ فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ فَقُمْتُ مَعَ بِلالٍ فَجَعَلْتُ أُلْقِيهِ عَلَيْهِ وَيُؤَذِّنُ بِهِ قَالَ فَسَمِعَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَهُوَ فِي بَيْتِهِ فَخَرَجَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ وَيَقُولُ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ مِثْلَ مَا رَأَى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ. رواه أبو داود 499
فهذه الأحاديث تدلّ على أن ابتداء مشروعية الأذان كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة وعدَّ هذا واحد من ميزات هذه الأمّة التي فضّلها الله على سائر الأمم، والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1259)
حكم الأذان عن طريق المذياع ونحوه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الأذان بالراديو، يعني: إذا أتى وقت الأذان نقوم بتشغيل المسجل أو الراديو على تسجيل للأذان أو صوت مؤذن يؤدي الأذان؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأذان من آلة التسجيل، أو من المذياع، أو من مكان واحد وإرساله عن طريق الأجهزة إلى باقي المساجد: فبدعة محدثة.
سئل علماء اللجنة الدائمة:
هل الأذان سنة للصلوات المفروضة، وما حكمه بآلة التسجيل إن كان المؤذنون لا يتقنونه؟ .
فأجابوا:
الأذان فرض كفاية بالإضافة إلى كونه إعلاماً بدخول وقت الصلاة ودعوة إليها، فلا يكفي عن إنشائه عند دخول وقت الصلاة إعلانه مما سجل به من قبل، وعلى المسلمين في كل جهة تقام فيها الصلاة أن يعيِّنوا من بينهم من يحسن أداءه عند دخول وقت الصلاة.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان.
وسئلوا:
قد سمعت من بعض الناس في الدول الإسلامية أنهم يسجلون بالشريط المذياع أذان الحرمين الشريفين ويضعون المذياع أمام المكبر ويؤذن بدل المؤذن، فهل تجوز الصلاة؟ مع ورود الدليل من الكتاب والسنة، ومع تعليق بسيط؟ .
فأجابوا:
إنه لا يكفي في الأذان المشروع للصلوات المفروضة أن يؤذن من الشريط المسجل عليه الأذان، بل الواجب أن يؤذن المؤذن للصلاة بنفسه؛ لما ثبت من أمره عليه الصلاة والسلام بالأذان، والأصل في الأمر الوجوب.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (6 / 66، 67) .
وقد قرر " مجلس المجمع الفقهي الإِسلامي برابطة العالم الإسلامي "، الدورة التاسعة – في مكة المكرمة - من يوم السبت لعام 1406هـ ما يلي:
إن الاكتفاء بإذاعة الأذان في المساجد عند دخول وقت الصلاة بواسطة آلة التسجيل، ونحوها: لا يجزئ، ولا يجوز في أداء هذه العبادة، ولا يحصل به الأذان المشروع، وأنه يجب على المسلمين مباشرة الأذان لكل وقتٍ من أوقات الصلوات، في كلّ مسجدٍ، على ما توارثه المسلمون من عهد نبيّنا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم إلى الآن.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1260)
حكم أذان الجنب وهل له أن يدخل المسجد ليؤذن؟
[السُّؤَالُ]
ـ[شخص أذن لصلاة الفجر وهو جنب وقد نسي هذا المؤذن الجنابة إلى حين انتهائه من الآذان فعاد الأخ للمنزل واغتسل وعاد وأقام الصلاة وهو طاهر فما الحكم هنا؟ ونحن نعلم تحريم دخول المسجد ونحن جنب.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تستحب الطهارة في الأذان ولا تجب، وقد ورد فيها حديث: (لَا يُؤَذِّنُ إلَّا مُتَوَضِّئٌ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ (147)
وقد روي هذا الحديث مرفوعاً (من قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وموقوفاً (من قول أبي هريرة) وكلاهما ضعيف لا يصح.
انظر: "تمام المنة" ص (154)
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/ 248) : " الْمُسْتَحَبُّ لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ يَكُونَ مُتَطَهِّرًا مِنْ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَالْجَنَابَةِ جَمِيعًا " انتهى. واستدل بالحديث السابق.
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: هل يجوز الأذان على غير وضوء وما حكم أذان الجنب؟
فأجابوا: " يصح أذان المحدث حدثا أصغر أو أكبر، لكن الأفضل أن يكون متطهرا من الحدثين جميعا " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (6/67)
والجنب ممنوع من المكث في المسجد، لكن إن احتاج لذلك للأذان أو لغيره، توضأ ودخل.
قال في "كشاف القناع" (1/148) : " ويحرم على الجنب اللبث في المسجد لقوله تعالى: (ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا) ، إلا أن يتوضأ، لما روى سعيد بن منصور عن عطاء بن يسار قال: رأيت رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يجلسون في المسجد وهم مجنبون إذا توضئوا وضوء الصلاة. قال في "المبدع": إسناده صحيح، ولأن الوضوء يخفف حدثه فيزول بعض ما يمنعه. قال الشيخ تقي الدين (شيخ الإسلام ابن تيمية) : وحينئذ فيجوز أن ينام في المسجد حيث ينام غيره " انتهى بتصرف.
وانظر: "الشرح الممتع" (2/57)
وإن كان المؤذن قد دخل المسجد ناسيا جنابته، فلا شيء عليه، لأنه معذور بنسيانه، قال الله تعالى: (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) وقد روى مسلم (126) عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن الله تعالى قال: (قد فعلت) . أي أن الله تعالى قد تجاوز عن الناسي والمخطئ.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1261)
هل لإقامة الصلاة وقت محدد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو وقت إقامة الصلاة بعد الأذان؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس لإقامة الصلاة وقت محدد، لكن يراعى في ذلك ما يلي:
1- إذا كان الإنسان منفردا، أو كانت المرأة تصلي في بيتها، فإن الأفضل تعجيل الصلاة في أول وقتها إلا العشاء والظهر عند اشتداد الحر، فتصلي السنة القبلية ثم تصلي الفريضة، وذلك لما روى البخاري (527) ومسلم (85) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِهَا. قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ. قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة [يعني: صلاة الظهر] فإن شدة الحر من فيح جهنم) رواه البخاري (537) ومسلم (615) .
ولما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:
(لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل، أو نصفه) رواه الترمذي (167) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
2- أما جماعة المسجد، فينبغي أن يكون هناك وقت بين الأذان والإقامة يكفي للتطهر، والذهاب إلى المسجد، وصلاة الراتبة.
قال الشيخ سيد سابق رحمه الله في "فقه السنة" (1/100) : "يطلب الفصل بين الأذان والإقامة بوقت يسع التأهب للصلاة وحضورها، لأن الأذان إنما شرع لهذا. وإلا ضاعت الفائدة منه، والأحاديث الواردة في هذا المعنى كلها ضعيفة. وقد ترجم البخاري: باب "كم بين الأذان والإقامة"، ولكن لم يثبت التقدير. قال ابن بطال: لا حد لذلك غير تمكن دخول الوقت واجتماع المصلين" انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري" (2/126) تعليقاً على قول الإمام البخاري: كم بين الأذان والإقامة: قال:
"وَلَعَلَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى مَا رُوِيَ عَنْ جَابِر أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِبِلَالٍ: (اِجْعَلْ بَيْنَ أَذَانِك وَإِقَامَتك قَدْرَ مَا يَفْرُغ الْآكِلُ مِنْ أَكْلِهِ، وَالشَّارِب مِنْ شُرْبِهِ، وَالْمُعْتَصِر إِذَا دَخَلَ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم لَكِنْ إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ , وَلَهُ شَاهِد مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة وَمِنْ حَدِيث سَلْمَانَ أَخْرَجَهُمَا أَبُو الشَّيْخ وَمِنْ حَدِيث أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَخْرَجَهُ عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد فِي زِيَادَات الْمُسْنَد وَكُلُّهَا وَاهِيَةٌ , فَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَنَّ التَّقْدِير بِذَلِكَ لَمْ يَثْبُت" انتهى.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحدد وقتاً بين الأذان والإقامة؟
فأجاب:
"كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الصلاة في أول الوقت إلا العشاء الآخرة، فإنه كان ينظر إلى اجتماع الناس إذا رآهم اجتمعوا عجَّل، وإذا رآهم أبطؤوا أخَّر، وكان يبقى في البيت حتى يأتيه المؤذن فيعلمه بحضور الصلاة، وربما خرج إليها بدون إعلام.
فالسنة تعجيل جميع الصلوات إلا العشاء وإلا الظهر عند اشتداد الحر، ولكن الصلوات التي لها نوافل راتبة كالفجر والظهر ينبغي للإنسان أن يراعي حال الناس بحيث يتمكنون من الوضوء بعد الأذان ومن صلاة هذه الراتبة" انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ محمد صالح العثيمين" (12/190) .
وإن اتفق جماعة المسجد على إقامة الصلاة في وقت محدد، أو كان ذلك بتوجيه مسئولي الأوقاف، منعا للاختلاف، فلا بأس، وينبغي التقيد به.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1262)
مشروعية الأذان
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي مشروعية الأذان؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأذان معناه في اللغة: الإعلام >
وفي الشرع: الإعلام بوقت الصلاة.
مجموع الفتاوى (22 / 72)
وقد شرع الأذان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة على أثر رؤيا لأحد الصحابة.
فعن عبد الله بن زيد بن عبد ربه: لما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضرب بالناقوس وهو له كاره لموافقته النصارى طاف بي من الليل طائف وأنا نائم رجل عليه ثوبان أخضران وفي يده ناقوس يحمله قال فقلت: يا عبد الله أتبيع الناقوس؟ قال وما تصنع به؟ قال قلت: ندعو به إلى الصلاة. قال: أفلا أدلك على خيرٍ من ذلك فقلت: بلى. قال تقول: الله أكبر …. (إلى نهاية الأذان) … قال: فلما أصبحت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما رأيت فقال: إنها لرؤيا حق إن شاء الله فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فإنه أندى صوتاً منك قال فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به قال: فسمع ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو في بيته فخرج يجر رداءه يقول: والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل الذي أري. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلله الحمد.
رواه الترمذي (189) وأبو داود (499) وابن ماجه (706) .
والحديث: صححه ابن خزيمة (1 / 189) وابن حبان (4 / 572) والألباني في " تمام المنة " (ص 145) .
والأذان فرض كفاية، فيجب على أهل كل بلد أن يكون فيهم من يؤذن حتى يحصل إعلام الناس بوقت الصلاة.
قال علماء اللجنة الدائمة:
الأذان فرض كفاية في البلد وهكذا الإقامة، وعند إرادة الصلاة يقيم قبل أن يدخل فيها، وإذا دخل في الصلاة بدون أذان ولا إقامة نسياناً أو جهلاً أو لغير ذلك: فصلاته صحيحة، وكذلك إذا ترك جملة " الصلاة خير من النوم " في أذان الفجر فصلاته صحيحة ولو كان الوقت باقياً.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (6 / 54) .
وقد ورد في فضل الأذان أحاديث كثيرة، منها ما رواه البخاري (609) عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1263)
كم أذانا للفجر
[السُّؤَالُ]
ـ[كم أذانا لصلاة الفجر؟ وإذا كان المسلمون في المنطقة كلهم مجتمعون في المسجد هل يبقى لقول " الصلاة خير من النوم" فائدة؟ لقد سمعت أن فعل ذلك بدعة. في النهاية هل هناك حديث يتعلق بهذا الأمر؟ أرجو أن ترسل لي شيئا حول الموضوع.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
كان يُؤذَّن لصلاة الفجر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أذانان الأول قبيل طلوع الفجر ليرجع القائم وينتبه النائم والثاني عند دخول الوقت إشعارا بدخوله ودعوة للناس إلى الصلاة وغير ذلك من فوائد الأذان، وجمهور العلماء على أنّ عبارة " الصلاة خير من النّوم " تُقال في الأذان الثاني، فعلى المؤذّن أن يحرص عليها ويقولها حتى ولو كان الناس في المسجد فإنّ فيها فوائد قد تغيب عن البال وفيها تذكير للناس بهذه الحقيقة: أنّ "الصلاة خير من النّوم " لهذا اليوم ولما بعد هذا اليوم ويستفيد المسلمون حتى لو كانوا حاضرين في المسجد مزيدا من الأجر بترديدها وراء المؤذّن لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا سمعتم المؤذّن فقولوا مثلما يقول ". حديث صحيح، وقد يستفيد منها النساء والصبيان القريبين من المسجد بل وربّما الجنّ المسلمون من عباد الله وربما يكون هناك في المسجد من نعس أو نام جالسا فتنبغي المحافظة على هذه السنّة وعدم تركها. وفقنا الله وإياكم لاتبّاع السنّة والحرص عليها.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1264)
استخدام الطبول للنداء للصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[تستخدم في بعض المساجد في الفلبين وغيرها الطبول لنداء الناس للصلاة ثم يؤذن بعد ذلك، فهل يجوز ذلك في الإسلام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الطبول ونحوها من آلات اللهو، فلا يجوز استعمالها في إعلام الناس عند دخول وقت الصلاة، أو قرب دخول وقتها، بل ذلك بدعة محرمة، والواجب أن يكتفى بالأذان الشرعي، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " رواه البخاري ومسلم. وقال العرباض بن سارية رضي الله عنه: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا، قال: " أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد حبشي، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة " رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح. فتاوى اللجنة الدائمة.
ولنتذكّر حديث أَبِي عُمَيْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ عُمُومَةٍ لَهُ مِنْ الأَنْصَارِ قَالَ اهْتَمَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلصَّلاةِ كَيْفَ يَجْمَعُ النَّاسَ لَهَا فَقِيلَ لَهُ انْصِبْ رَايَةً عِنْدَ حُضُورِ الصَّلاةِ فَإِذَا رَأَوْهَا آذَنَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَلَمْ يُعْجِبْهُ ذَلِكَ قَالَ فَذُكِرَ لَهُ الْقُنْعُ يَعْنِي الشَّبُّورَ (البوق) .. فَلَمْ يُعْجِبْهُ ذَلِكَ وَقَالَ هُوَ مِنْ أَمْرِ الْيَهُودِ قَالَ فَذُكِرَ لَهُ النَّاقُوسُ فَقَالَ هُوَ مِنْ أَمْرِ النَّصَارَى فَانْصَرَفَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ وَهُوَ مُهْتَمٌّ لِهَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُرِيَ الأَذَانَ فِي مَنَامِهِ قَالَ فَغَدَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ.. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا بِلالُ قُمْ فَانْظُرْ مَا يَأْمُرُكَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ فَافْعَلْهُ قَالَ فَأَذَّنَ بِلالٌ.. رواه أبو داود 420 وهو حديث صحيح، فهذا النبي صلى الله عليه وسلم رفض البوق والناقوس فكيف يرضى المسلمون بالطّبل وقد أغناهم الله بالأذان. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1265)
حكم الأذان والإقامة بغير طهارة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يصح الأذان والإقامة بغير وضوء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فيصح الأذان والإقامة بدون طهارة، والأفضل أن يكون المؤذن والمقيم على طهارة، وهكذا الصلاة صحيحة،ولو كان المؤذن والمقيم على غير طهارة، وإذا كان المؤذن والمقيم صلى على غير طهارة لزمه الإعادة كغيره من الناس. والله الموفق.ا. هـ
[الْمَصْدَرُ]
من مجموع ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ ابن باز رحمه الله (10 / 338) .(5/1266)
صفة الأذان
[السُّؤَالُ]
ـ[" كيف يكبر الشخص قبل صلاة الجماعة " (يقصد الأذان) ، ما هي الكلمات التي يقولها؟ هل يقول كل شيء مرتين في الأذان أم يكفي واحدة. اختلط علي الأمر بهذا الشأن.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم صيَغ متعددة للأذان، ويسن العمل بها جميعاً على وجوهها المتعددة الواردة إحياء للسنَّة وقطعاً للنزاع والخلاف الذي قد يُحدثه من لا علم عنده أو من يتعصب لمذهبه.
قال الشيخ ابن عثيمين:
كل ما جاءت به السنة من صفات الأذان فإنه جائز، بل الذي ينبغي أن يُؤذَّن بهذا تارة وبهذا تارة إن لم يحصل تشويش وفتنة.
فعند مالك: سبع عشر جملة بالتكبير مرتين في أوله مع الترجيع – وهو أن يقول الشهادتين سرّاً في نفسه ثم يقولها جهراً -.
وعند الشافعي: تسع عشر جملة بالتكبير في أوله أربعاً مع الترجيع.
وكل هذا مما جاءت به السنَّة، فإذا أذَّنتَ بهذا مرة وبهذا مرة كان أولى، والقاعدة: " أن العبادات الواردة على وجوه متنوعة ينبغي للإنسان أن يفعلها على هذه الوجوه ".
" الشرع الممتع " (2 / 51، 52) .
ومذهب الإمام أحمد وأبي حنيفة: أن الأذان خمس عشر جملة وهو أذان بلال رضي الله عنه
دليل مذهب مالك والشافعي:
عن أبي محذورة أن نبي الله صلى الله عليه وسلم علَّمه هذا الأذان: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمَّداً رسول الله أشهد أن محمَّداً رسول الله، ثم يعود فيقول أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمَّداً رسول الله أشهد أن محمَّداً رسول الله، حي على الصلاة مرتين، حي على الفلاح مرتين، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله. رواه مسلم (379) .
فهذا الحديث دليل لمذهب مالك والشافعي، لأنه قد ورد التكبير في أوله على وجهين: مرتين كما هو مذهب مالك، وأربعاً كما هو مذهب الشافعي.
قال النووي رحمه الله:
هَكَذَا وَقَعَ هَذَا الْحَدِيث فِي صَحِيح مُسْلِم فِي أَكْثَر الأُصُول فِي أَوَّله اللَّه أَكْبَر مَرَّتَيْنِ فَقَطْ , وَوَقَعَ فِي غَيْر مُسْلِم اللَّه أَكْبَر اللَّه أَكْبَر اللَّه أَكْبَر اللَّه أَكْبَر أَرْبَع مَرَّات. قَالَ الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه: وَوَقَعَ فِي بَعْض طُرُق الْفَارِسِيّ فِي صَحِيح مُسْلِم أَرْبَع مَرَّات. . . وَبِالتَّرْبِيعِ قَالَ الشَّافِعِيّ وَأَبُو حَنِيفَة وَأَحْمَد وَجُمْهُور الْعُلَمَاء , وَبِالتَّثْنِيَةِ قَالَ مَالِك , وَاحْتُجَّ بِهَذَا الْحَدِيث اهـ
وأما دليل أبي حنيفة وأحمد:
عن عبد الله بن زيد قال: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناقوس يُعمل ليُضرب به للناس لجمع الصلاة طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوساً في يده فقلت: يا عبد الله أتبيع الناقوس؟ قال: وما تصنع به؟ فقلت: ندعو به إلى الصلاة، قال: أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك؟ فقلت له: بلى، قال: فقال: تقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمَّداً رسول الله أشهد أن محمَّداً رسول الله، حي على الصلاة حي على الصلاة، حي على الفلاح حي على الفلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، قال: ثم استأخر عني غير بعيد، ثم قال: وتقول إذا أقمت الصلاة: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمَّداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله.
فلما أصبحت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما رأيت فقال: إنها لرؤيا حق إن شاء الله فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذن به فإنه أندى صوتا منك، فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به قال: فسمع ذلك عمر بن الخطاب وهو في بيته فخرج يجر رداءه ويقول والذي بعثك بالحق يا رسول الله لقد رأيت مثل ما رأى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلله الحمد.
رواه أبو داود (499) .
وصححه ابن خزيمة (1 / 191) وابن حبان (4 / 572) ، ونقل الترمذي تصحيحه عن الإمام البخاري كما في " سنن البيهقي " (1 / 390) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
(وإذا كان كذلك فالصواب مذهب أهل الحديث ومن وافقهم وهو تسويغ كل ما ثبت في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يكرهون شيئا من ذلك إذ تنوع صفة الأذان والإقامة كتنوع صفة القراءات والتشهدات ونحو ذلك. وليس لأحد أن يكره ما سنَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته، وأما من بلغ به الحال إلى الاختلاف والتفرق حتى يوالي ويعادي ويقاتل على مثل هذا ونحوه، مما سوغه الله تعالى كما يفعله بعض أهل المشرق فهؤلاء من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا، … ومن تمام السنة في مثل هذا: أن يفعل هذا تارة وهذا تارة وهذا في مكان وهذا في مكان؛ لأن هجر ما وردت به السنة وملازمة غيره قد يفضي إلى أن يجعل السنة بدعة والمستحب واجبا ويفضي ذلك إلى التفرق والاختلاف إذا فعل آخرون الوجه اآخر، فيجب على المسلم أن يراعي القواعد الكلية التي فيها الاعتصام بالسنة والجماعة لا سيما في مثل صلاة الجماعة … والترجيع في الأذان اختيار مالك والشافعي: لكن مالكا يرى التكبير مرتين والشافعي يراه أربعاً، وتركه اختيار أبي حنيفة، وأما أحمد فعنده كلاهما سنة وتركه أحب إليه؛ لأنه أذان بلال.
والإقامة يختار إفرادها مالك والشافعي وأحمد وهو مع ذلك يقول: إن تثنيتها سنة والثلاثة: أبو حنيفة والشافعي وأحمد يختارون تكرير لفظ الإقامة دون مالك، والله أعلم.)
" مجموع الفتاوى " (22 / 66 – 69) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1267)
استعمال مكبرات الصوت في الأذان هل هو بدعة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[الذي أفهمه من عبارة "البدعة" هو الأمور المستحدثة في الدين. وعليه، فكيف تصنف رفع الأذان باستخدام مكبرات الصوت؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لمعرفة معنى البدعة وضابطها راجع السؤال (7277) و (10843) .
وأما الأذان بواسطة مكبرات الصوت فلا حرج فيه لأنه وسيلة لإيصال الأذان إلى السامعين والوسائل لها أحكام المقاصد، فرفع المؤذن صوته وتبليغه للناس أمرٌ مقصودٌ مطلوب، وما كان وسيلة إلى هذا المقصد فهو مطلوبٌ أيضاً.
" فكما أن استعمال الأسلحة القوية العصرية والعناية بها داخل في قوله تعالى: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) , واستعمال الوقايات والتحصينات عن الأسلحة الفتاكة داخلٌ في قوله تعالى: (وخذوا حذركم) ، والقدرة على المراكب البحرية والجوية والهوائية داخل في قوله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) ، وجميع ذلك وغيره داخل في الأوامر بأخذ جميع وسائل القوة والجهاد، فكذلك إيصال الأصوات والمقالات النافعة إلى الأمكنة البعيدة من برقياتٍ وتليفونات وغيرها داخلٌ في أمر الله ورسوله بتبليغ الحقِّ إلى الخلق، فإن إيصال الحقِّ والكلام النافع بالوسائل المتنوعة من نعم الله، وترقية الصنائع والمخترعات لتحصيل المصالح الدينية والدنيوية من الجهاد في سبيل الله." انتهى من خطبةٍ للشيخ بن سعدي حين وضع مكبِّر الصوت في المسجد واستنكره بعض الناس. (مجموعة مؤلفات ابن سعدي ج6 ص51) .
وكذلك استعمال شبكة الإنترنت لإيصال العلم النافع ودعوة الناس إلى الإسلام هو من الأمور المفيدة جداً التي تُحقق معاني شرعية عظيمة.
نسأل الله أن يعيننا على طاعته، وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1268)
صيغة الإقامة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا من بنقلاديش حيث نردد جمل إقامة الصلاة مرتين مرتين كما نفعل في الأذان. لكني وجدت أن إقامة الصلاة في أغلب البلدان العربية تكون بقول الجمل مرة واحدة دون ترديد. ما هو الدليل الصحيح الوارد في إقامة الصلاة بهذه الصفة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
وردت إقامة الصلاة بصيغ متعددة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الصيغة الأولى (إحدى عشرة جملة) :
اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ
أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ
أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ
حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ
حَيَّ عَلَى الْفَلاحِ
قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ
اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ
لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ
ودليل هذه الصيغة ما رواه أحمد (15881) وأبو داود (499) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ قَالَ: لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاقُوسِ يُعْمَلُ لِيُضْرَبَ بِهِ لِلنَّاسِ لِجَمْعِ الصَّلَاةِ، طَافَ بِي وَأَنَا نَائِمٌ رَجُلٌ يَحْمِلُ نَاقُوسًا فِي يَدِهِ، فَقُلْتُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، أَتَبِيعُ النَّاقُوسَ؟ قَالَ: وَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ فَقُلْتُ: نَدْعُو بِهِ إِلَى الصَّلَاةِ. قَالَ: أَفَلَا أَدُلُّكَ عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ؟ فَقُلْتُ لَهُ: بَلَى. قَالَ: تَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. قَالَ: ثُمَّ اسْتَأْخَرَ عَنِّي غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ قَالَ: وَتَقُولُ إِذَا أَقَمْتَ الصَّلَاةَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، قَدْ قَامَتْ الصَّلاةُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا رَأَيْتُ، فَقَالَ: إِنَّهَا لَرُؤْيَا حَقٌّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَقُمْ مَعَ بِلَالٍ فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَا رَأَيْتَ فَلْيُؤَذِّنْ بِهِ فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ، فَقُمْتُ مَعَ بِلَالٍ فَجَعَلْتُ أُلْقِيهِ عَلَيْهِ وَيُؤَذِّنُ بِهِ قَالَ: فَسَمِعَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَهُوَ فِي بَيْتِهِ فَخَرَجَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ وَيَقُولُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ مِثْلَ مَا رَأَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
صححه الألباني في صحيح أبي داود (469) .
واختار هذه الصيغة جمهور العلماء، منهم الأئمة مالك والشافعي وأحمد رحمهم الله، إلا أن مالكاً رحمه الله قال: يقول قد قامت الصلاة مرة واحد.
الصيغة الثانية (سبع عشرة جملة) :
اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ
أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ
أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ
حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ
حَيَّ عَلَى الْفَلاحِ، حَيَّ عَلَى الْفَلاحِ
قَدْ قَامَتْ الصَّلاةُ، قَدْ قَامَتْ الصَّلاةُ
اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ
لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ
ودليل هذه الصيغة ما رواه أبو داود (502) والترمذي (192) والنسائي (632) وابن ماجه (709) عن أَبِي مَحْذُورَةَ قَالَ: عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَذَانَ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً، وَالْإِقَامَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً، الْأَذَانُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. ثُمَّ قَالَ: ارْجِعْ فَامْدُدْ صَوْتَكَ ثُمَّ قُلْ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ.
وَالْإِقَامَةُ سَبْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ.
صححه الألباني في صحيح أبي داود (474) .
واختار هذه الصيغة الإمام أبو حنيفة رحمه الله.
فهاتان الصيغتان ثابتان عن النبي صلى الله عليه وسلم، فمن فعل واحدة منهما فقد أصاب السنة.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: هل يجوز أن تكون الإقامة بعدد ألفاظ الأذان؟
فقال:
يجوز ذلك، بل ذلك نوع من أنواع السنة في الأذان لأن ذلك قد ثبت في الصحيح، من حديث أبي محذورة رضي الله عنه لمّا علمه النبي صلى الله عليه وسلم الأذان والإقامة في المسجد الحرام حين الفتح.
ويجوز إيتار الإقامة إلا لفظ الإقامة والتكبير، كما كان بلال رضي الله عنه يفعل ذلك في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وبحضرته وتعليمه، كما في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال: (كان بلال يشفع الأذان ويوتر الإقامة بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم)
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (10/366) .
(إيتار الإقامة) أي ذكر ألفاظ الإقامة مفردة مرة واحدة.
غير أن الأفضل في العبادات الواردة على صفات متنوعة أن المسلم لا يلتزم صفة معينة ويهجر باقي الصفات، بل السنة أن يفعل كل ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فمرة يقيم بإقامة بلال رضي الله عنه، وأخرى بإقامة أبي محذورة رضي الله عنه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
الصواب مذهب أهل الحديث، ومن وافقهم، وهو تسويغ كل ما ثبت في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، لا يكرهون شيئا من ذلك، إذ تنوع صفة الأذان والإقامة، كتنوع صفة القراءات والتشهدات، ونحو ذلك، وليس لأحد أن يكره ما سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته. . .
ومن تمام السنة في مثل هذا: أن يفعل هذا تارة، وهذا تارة، وهذا في مكان، وهذا في مكان؛ لأن هجر ما وردت به السنة، وملازمة غيره، قد يفضي إلى أن يجعل السنة بدعة، والمستحب واجبا ويفضي ذلك إلى التفرق والاختلاف، إذا فعل آخرون الوجه الآخر اهـ.
" الفتاوى الكبرى " (2 / 43، 44) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1269)
هل يُجاب الأذان المسجل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم ترديد الأذان ودعاء الأذان بعد الأذان المسجل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان هذا الأذان المسجل يذاع في وقت الصلاة شرعت إجابته.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: هل تجوز مجاوبة الأذان الصادر من جهاز المذياع؟
فأجاب:
" إذا كان في وقت الصلاة فإنها تشرع الإجابة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي، فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل الله لي الوسيلة حلت له الشفاعة) أخرجه مسلم في صحيحه، وقال عليه الصلاة والسلام: (من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمدا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته، حلت له شفاعتي يوم القيامة) رواه البخاري في صحيحه، وزاد البيهقي رحمه الله بإسناد حسن بعد قوله: (الذي وعدته) : (إنك لا تخلف الميعاد) " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (10/363) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1270)
أجر المؤذن والمقيم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو أجر المؤذن والمقيم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ورد في السنة المطهرة ما يدل على أن المؤذن له فضل لم يرد لغيره مثله، ومن ذلك:
1- عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة الأنصاري عن أبيه أنه أخبره أن أبا سعيد الخدري رضي الله عنه قال له: إني أراك تحب الغنم والبادية فإذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة. قال أبو سعيد: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه البخاري (584) .
2- عن معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة) رواه مسلم (387) .
قال النووي رحمه الله:
" قيل: معناه أكثر الناس تشوفاً إلى رحمة الله تعالى؛ لأن المتشوف يطيل عنقه إلى ما يتطلع إليه، فمعناه: كثرة ما يرونه من الثواب، وقال النضر بن شميل: إذا ألجم الناسَ العرقُ يوم القيامة طالت أعناقهم لئلا ينالهم ذلك الكرب والعرق، وقيل: معناه أنهم سادة ورؤساء، والعرب تصف السادة بطول العنق، وقيل: معناه أكثر أتباعا، وقال ابن الأعرابي: معناه أكثر الناس أعمالا، قال القاضي عياض وغيره: ورواه بعضهم " إعناقاً " بكسر الهمزة أي: إسراعاً إلى الجنة " انتهى.
والعَنَق نوع من السير سريع.
" شرح مسلم " (4 / 91، 92) .
3- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا) . رواه البخاري (590) ومسلم (437) .
ومعنى الحديث: أن الناس لو يعلمون ما في الأذان والصف الأول من الثواب العظيم والأجر الجزيل ثم لم يجدوا طريقا للقيام بالأذان والوقوف في الصف الأول إلا القرعة لفعلوها واقترعوا من أجل تحصيل فضلهما.
4- عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله وملائكته يصلون على الصف المقدم، والمؤذنُ يغفر له بمد صوته، ويصدقه من سمعه من رطب ويابس، وله مثل أجر من صلى معه) رواه النسائي (646) وصححه المنذري والألباني كما في " صحيح الترغيب " (235) .
وأما فضل الإقامة فقد تشملها الأحاديث السابقة في فضل الأذان، لأن النبي صلى الله عليه وسلم سمى الإقامة أذاناً، وذلك في قوله: (بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلاةٌ) رواه البخاري (598) ومسلم (838) .
قال الحافظ:
" قَوْله: (بَيْنَ كُلّ أَذَانَيْنِ) أَيْ أَذَان وَإِقَامَة " انتهى.
وقد ورد حديث خاص في فضل الإقامة:
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَن أذَّن ثنتي عشرة سنة وجبت له الجنة، وكتب له بتأذينه في كل يوم ستون حسنة، ولكل إقامة ثلاثون حسنة) رواه ابن ماجه (728) وصححه المنذري والألباني كما في " صحيح الترغيب " (248) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1271)
ما حكم الأذانين والإقامتين عند الجمع بين الصلاتين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الأذانين والإقامتين عند الجمع بين الصلاتين؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اختلف العلماء في الأذان والإقامة للصلاتين المجموعتين، والصحيح من تلك الأقوال أنه يؤذَّن أذان واحد للصلاتين، ويقام إقامتان، لكل صلاة إقامة.
وهذا قول الحنفية والحنابلة , وهو المعتمد عند الشافعية , وهو قول بعض المالكية.
انظر: "الموسوعة الفقهية" (2/370) .
والدليل على ذلك: ما ثبت من فعل النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، حيث صلَّى الظهر والعصر في عرفة جمع تقديم بأذان واحد وإقامتين، وصلَّى المغرب والعشاء في مزدلفة جمع تأخير بأذان واحد وإقامتين – أيضاً -.
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه في وصف حجة الرسول صلى الله عليه وسلم قال:
(ثم أذَّن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئا ... حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين) رواه مسلم (1218) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة:
يقول بعض الفقهاء: تصلَّى صلاة المغرب والعشاء جمعاً في المطر بأذانين، فما حكم ذلك؟
فأجابوا:
" السنَّة أن الشخص يجمع بين المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، إذا وُجد مسوغُ ذلك؛ كالسفر والمرض والمطر في الحضر، هذا هو الذي تدل عليه السنة الصحيحة الصريحة، لفعل النبي صلى الله عليه وسلم " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (8/142) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
" فإذا جمع الإنسانُ أذَّن للأُولى، وأقام لكلِّ فريضة، هذا إن لم يكن في البلد، أما إذا كان في البلد: فإنَّ أذان البلد يكفي؛ وحينئذ يُقيم لكلِّ فريضة.
دليل ذلك: ما ثبت في " صحيح مسلم " من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أذَّن في عَرفة، ثم أقام فصَلَّى الظُّهر، ثم أقام فصلَّى العصر، وكذلك في مُزدَلِفَة حيث أذَّن وأقام فصَلَّى المغرب، ثم أقام فَصَلَّى العشاء " انتهى.
"الشرح الممتع" (2/78، 79) .
وأما حكم الأذان والإقامة فهما فرض كفاية، فيكفي عن الجماعة أن يؤذن ويقيم أحدهم، ولا يطلب ذلك من كل واحد من الجماعة، وقد سبق في كلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أنهم إذا كانوا في بلد قد أذن فيه المأذنون في المساجد كفاهم ذلك، وأقاموا لكل صلاة.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
" والدَّليل على فرضيتهما – أي: الأذان والإقامة -: أَمْرُ النبي صلى الله عليه وسلم بهما في عِدَّة أحاديث؛ وملازمته لهما في الحضر والسَّفر؛ ولأنه لا يتمُّ العلم بالوقت إلا بهما غالباً، ولتعيُّن المصلحة بهما؛ لأنَّهما من شعائر الإسلام الظَّاهرة ... .
وهما واجبان على المقيمين والمسافرين، ودليله: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال لمالك بن الحويرث وصحبِه: (إذا حضرت الصَّلاةُ فليؤذِّن لكم أحدُكُم) متفق عليه، وهم وافدون على الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام مسافرون إلى أهليهم، فقد أمر الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام أن يُؤذِّن لهم أحدُهم؛ ولأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يَدَعِ الأذان ولا الإقامة حَضَراً ولا سَفَراً، فكان يُؤذِّن في أسفاره ويأمر بلالاً أن يُؤذِّنَ.
فالصَّواب: وجوبُه على المقيمين والمسافرين ... فيؤذن لكل صلاة من الصلوات الخمس، ما لم تُجمع الصَّلاة؛ فإنه يكفي للصَّلاتين أذان واحد، ولكن لا بُدَّ من الإقامة لكلِّ واحدة منهما.
"الشرح الممتع" (2/42– 46) باختصار وتصرف يسير.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1272)
انقطع التيار الكهربائي ثم أُصِلح، فهل يعيد الأذان؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أذَّن المؤذن بدون مكبِّر الصوت، لانقطاع التيار الكهربائي ثم بعد أذانه مباشرة جاء التيار، فهل يعيد الأذان في مكبر الصوت أم يكتفي بأذانه الأول؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المقصود من الأذان إعلام الناس بالصلاة، فإذا كانت هناك مساجد أخرى قد أذنت وسمع الناس أذانها، فقد حصل المقصود من الأذان فلا يعيد.
وإذا كانت انقطاع التيار الكهربائي عاماً بحيث لم يسمع الناس الأذان، فإنه يعيد.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين عن ذلك، فأجاب:
" يكفي أذانه الأول، ولا حاجة للإعادة، لأن هناك مساجد أخرى حوله قد سمع الناس التأذين منها، أما لو كان مسجداً منفرداً ليس هناك غيره فهنا يعيد، حتى يعلم الناس بدخول وقت الصلاة " انتهى.
فضيلة الشيخ ابن عثيمين. "لقاءات الباب المفتوح" (3/53) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1273)
هل يفطر المؤذن أولاً أم يؤذن؟
[السُّؤَالُ]
ـ[متى يفطر المؤذن؟ قبل الأذان؟ أم بعده؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل في الإفطار للصائم أن يكون بعد غروب الشمس وإقبال الليل؛ لقوله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) البقرة/187.
قال الطبري:
" وأما قوله: (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) فإنه تعالى ذِكْره حدَّ الصوم بأن آخر وقته إقبال الليل، كما حدّ الإفطار وإباحة الأكل والشرب والجماع وأول الصوم بمجيء أول النهار وأول إدبار آخر الليل، فدل بذلك على أن لا صوم بالليل، كما لا فطر بالنهار في أيام الصوم " انتهى.
" تفسير الطبري " (3 / 532) .
والسنَّة تعجيل الفطر لمن كان صائماً.
فعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يزال الناس بخير ما عجَّلوا الفطر) رواه البخاري (1856) ومسلم (1098) .
قال ابن عبد البر رحمه الله:
" من السنة تعجيل الفطر وتأخير السحور، والتعجيل إنما يكون بعد الاستيقان بمغيب الشمس، ولا يجوز لأحد أن يفطر وهو شاكٌ هل غابت الشمس أم لا؟ لأن الفرض إذا لزم بيقين، لم يخرج عنه إلا بيقين " انتهى.
" التمهيد " (21 / 97، 98) .
وقال النووي رحمه الله:
" فيه الحث على تعجيل الفطر بعد تحقق غروب الشمس , ومعناه: لا يزال أمر الأمة منتظماً وهم بخير ما داموا محافظين على هذه السنَّة " انتهى.
" شرح مسلم " (7 / 208) .
وأما المؤذن فإذا كان هناك من ينتظر أذانه ليفطر عليه فإنه ينبغي له أن يبادر بالأذان حتى لا يكون سبباً في تأخير الناس إفطارهم , وفي ذلك مخالفة للسنة.
إلا إذا كان فطره على شيء يسير (كشربة ماء) لن يترتب عليه تأخير الأذان، فلا بأس.
وإذا كان المؤذن لا ينتظر أذانه أحد , كما لو كان يؤذن لنفسه (كرجل في الصحراء بمفرده) , أو يؤذن لجماعة حاضرين قريبين منه (كِجماعة مسافرين) فلا حرج عليه من الفطر قبل الأذان , لأن أصحابه سيفطرون معه ولو لم يؤذن، ولن ينتظروا أذانه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1274)
حكم التغني بالأذان
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز التغني بالأذان؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يكره التغني بالأذان بحيث يكون على سبيل التطريب والتمديد الزائد في الحروف، ما لم يغير المعنى، فإن غير المعنى صار حراماً لا يصح معه الأذان.
روى ابن أبي شيبة (259) أَنَّ مُؤَذِّنًا أَذَّنَ فَطَرَّبَ فِي أَذَانِهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَذِّنْ أَذَانًا سَمْحًا وَإِلا فَاعْتَزِلْنَا.
ومعنى: " أَذَانًا سَمْحًا" أي: مِنْ غَيْرِ تَطْرِيبٍ وَلا لَحْنٍ. يُقَال أَسْمَحَ وَسَمَّحَ وَسَامَحَ إذَا سَاهَلَ فِي الأَمْرِ.
انظر: "المغرب" في لغة الفقه، لأبي المكارم المطرزي الحنفي (ص 234) .
وجاء في "المدونة" (1/159) .
" وَكَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ التَّطْرِيبَ فِي الأَذَانِ كَرَاهِيَةً شَدِيدَةً " اهـ.
وقال الإمام الشافعي في "الأم" (1/107) .
" أُحِبُّ تَرْتِيلَ الأَذَانِ وَتَبَيُّنَهُ بِغَيْرِ تَمْطِيطٍ وَلا تَغَنٍّ فِي الْكَلامِ وَلا عَجَلَةٍ " اهـ.
وجاء في الموسوعة الفقهية (6/12) .
" وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ التَّمْطِيطَ وَالتَّغَنِّيَ وَالتَّطْرِيبَ بِزِيَادَةِ حَرَكَةٍ أَوْ حَرْفٍ أَوْ مَدٍّ أَوْ غَيْرِهَا فِي الأَوَائِلِ وَالأَوَاخِرِ مَكْرُوهٌ , لِمُنَافَاةِ الْخُشُوعِ وَالْوَقَارِ. أَمَّا إذَا تَفَاحَشَ التَّغَنِّي وَالتَّطْرِيبُ بِحَيْثُ يُخِلُّ بِالْمَعْنَى فَإِنَّهُ يَحْرُمُ بِدُونِ خِلافٍ فِي ذَلِكَ. لِمَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلا قَالَ لابْنِ عُمَرَ: إنِّي لأُحِبُّك فِي اللَّهِ. قَالَ: وَأَنَا أَبْغَضُك فِي اللَّهِ , إنَّك تَتَغَنَّى فِي أَذَانِك. قَالَ: حَمَّادٌ يَعْنِي التَّطْرِيبَ " اهـ.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن الأذان الملحن: (أي يؤذن على سبيل التطريب به كأنما يجر ألفاظ أغنية فإنه يجزئ لكنه يكره) .
وقال: (ولكن اللحن - وهو الخطأ المخالف للقواعد العربية - ينقسم إلى قسمين: قسم لا يصح معه الأذان، وهو الذي يتغير به المعنى.
وقسم يصح به الأذان مع الكراهة، وهو الذي لا يتغير به المعنى. فلو قال المؤذن: " الله أكبار" فهذا لا يصح؛ لأنه يحيل المعنى، فإن أكبار جمع كَبَر، كأسباب جمع سبب، وهو الطبل) انتهى من الشرح الممتع 2/62.
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: (ثم التمديد الزائد عن المطلوب في الأذان ما ينبغي، فإن أحال المعنى فإنه يبطل الأذان. حروف المد إذا أعطيت أكثر من اللازم فلا ينبغي، حتى الحركات إذا مدت إن أحالت المعنى لم يصح وإلا كره) انتهى من فتاوى الشيخ 2/125
والحاصل أن التغني بالأذان مكروه، وقد يؤدي إلى بطلانه إن حصل تغيير للمعنى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1275)
متى يقال " الصلاة خير من النوم " في الأذان الأول أم الثاني؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قد كشف أحد المشايخ عما يقال إنه حقيقة مذهلة أن لفظة " الصلاة خير من النوم " في أذان الفجر بدعة؛ لأن بلالاً كان يورد هذه اللفظة في أذان التهجد، غير أن ابن مكتوم كان ينادي لأذان الفجر ولم يكن يذكرها.
والدليل الثاني: أنه بمعنى هذه الكلمات فالمرء يحاول أن يقارن النوم بصلاة الفجر، وهذا مما لا يجب، فإذا كان مدرسي على حق فلماذا يعمل بذلك في مكة والمدينة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ورد التثويب في أذان الفجر وهو قول: " الصلاة خير من النوم " في عدد من الأحاديث الصحيحة، وقد ذُكر في بعضها التثويب في الأذان الأول مجملاً دون بيان ما هو المقصود بالأذان الأول، هل هو الأذان الذي يكون قبل الفجر أم أنه هو أذان الفجر ذاته، ومن هذه الأحاديث:
1- عن أبي محذورة رضي الله عنه قال: كنت أؤذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم , وكنت أقول في أذان الفجر الأول: " حي على الفلاح، الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله ".
رواه أبو داود (500) والنسائي (647) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
2- وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كان في الأذان الأول بعد الفلاح: الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم) .
قال الشيخ الألباني رحمه الله:
أخرجه الطحاوي (1 / 82) بسند حسن كما قال الحافظ في " التلخيص " (3 / 169) .
" الثمر المستطاب " (ص 131) .
وعلى هذه الأحاديث اعتمد من قال: إن التثويب في أذان الفجر يكون في الأذان الأول الذي يكون في آخر الليل، والصحيح أنه يكون في الأذان الذي يكون بعد دخول وقت الصلاة. وذلك لأمور:
أ. أن لفظة " الأول " تعني الأول بالنسبة للإقامة، وتكون الإقامة هي الأذان الثاني، وقد ورد في السنة الصحيحة تسمية الإقامة أذاناً، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: (بين كل أذانين صلاة) رواه البخاري (598) ومسلم (838) .
وجاء في صحيح مسلم (739) تسمية الأذان الذي يكون بعد دخول الوقت بالأذان الأول، وذلك فيما حدثته عائشة رضي الله عنها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: (كان ينام أول الليل ويحيي آخره، ثم إن كانت له حاجة إلى أهله قضى حاجته ثم ينام فإذا كان عند النداء الأول قالت: وثب فأفاض عليه الماء، وإن لم يكن جنبا توضأ وضوء الرجل للصلاة ثم صلى الركعتين) .
والمقصود بالركعتين: سنة الفجر الراتبة. قاله النووي في "شرح مسلم".
ب. جاء التصريح في بعض الأحاديث الصحيحة أن هذا التثويب يقال في " أذان صلاة الصبح " و " أذان الفجر " و " وصلاة الغداة " وهي ألفاظ تدل على أن التثويب يكون بعد دخول وقت الصلاة والآذان الذي يكون آخر الليل يكون قبل دخول وقت الصلاة، ومن هذه الأحاديث:
1- عن أبي محذورة رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله علِّمني سنة الأذان، قال: فمسح مقدم رأسي وقال: تقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر ... فإن كان صلاة الصبح قلت: الصلاة خير من النوم , الصلاة خير من النوم.
وفي رواية أخرى نحو هذا الخبر وفيه: (الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم في الأولى من الصبح) .
رواه أبو داود (501) والنسائي (633) وصححه الشيخ الألباني في " صحيح أبي داود ".
وفي رواية أخرى عند أبي داود (504) من حديث أبي محذورة رضي الله عنه: (وكان يقول في الفجر الصلاة خير من النوم) وصححها الشيخ الألباني في " صحيح أبي داود ".
2- عن أنس رضي الله عنه قال: من السنة إذا قال المؤذن في أذان الفجر: حي على الفلاح قال: الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم (مرتين) .
قال الشيخ الألباني رحمه الله:
أخرجه الدارقطني (90) وابن خزيمة في " صحيحه " والبيهقي في " سننه " (1 / 423) ، وقال: " إسناده صحيح ".
ثم أخرجه الدارقطني والطحاوي أيضا (1 / 82) من طريق هشيم عن ابن عون به بلفظ: (كان التثويب في صلاة الغداة إذا قال المؤذن: حي على الفلاح قال: الصلاة خير من النوم) (مرتين) ، وهذا اللفظ رواه ابن السكن وصححه كما في " التلخيص " (3 / 148) .
" الثمر المستطاب " (ص 132) .
ففي هذه الأحاديث: أن التثويب يكون في أذان صلاة الصبح.
والأذان الذي يكون للصلاة هو الذي يكون بعد دخول الوقت، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم) متفق عليه.
وأما الأذان الذي يكون في آخر الليل فليس أذاناً لصلاة الصبح , وإنما هو (ليرجع القائم ويوقظ النائم) كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين. وبهذا يتبين أن التثويب في الأذان الذي يكون بعد دخول وقت الصلاة ليس بدعة بل هو السنة.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة:
ما المانع من الإتيان بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم في التثويب في الأذان الأول للفجر كما جاء في سنن النسائي وابن خزيمة والبيهقي؟
فأجابوا:
" نعم، ينبغي الإتيان بالتثويب في الأذان الأول للفجر امتثالا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وواضح من الحديث أنه الأذان الذي يكون عند طوع الفجر الصادق، وسمي أولاً بالنسبة للإقامة، فإنها أذان شرعاً، كما في حديث: (بين كل أذانين صلاة) ، وليس المراد بالأذان الأول ما ينادى به قبل ظهور الفجر الصادق؛ فإنه شرع ليلاً ليستيقظ النائم، وليرجع القائم، وليس أذاناً للإعلام بالفجر، ومن تدبر أحاديث التثويب لم يفهم منها إلا أن التثويب في أذان الإعلام بوقت الفجر لا الأذان الذي يكون ليلا قبيل الفجر " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " (6 / 63) .
وانظر تفصيلاً علميّاً في الرد على من قال إن التثويب يكون في الأذان الذي قبل دخول وقت الصلاة للشيخ العثيمين رحمه الله في كتاب "الشرح الممتع" (2 / 61 – 64) .
وأما قول مدرسك: إنه بهذا يقارن المرء بين النوم وصلاة الفجر!
فهذا ليس بصحيح , لأن هذا اللفظ هو خبر بأن الصلاة خير من النوم , وفي ذلك حث للنائم أن يترك النوم ويقوم إلى ما هو خير.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1276)
حكم تولي المرأة الأذان
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تولي المرأة الأذان للرجال؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جرى عمل المسلمين على مدار أربعة عشر قرناً من الزمان أنه لا يتولى الأذان إلا الرجال، وهذا بمفرده يكفي دليلاً على منع النساء من الأذان للرجال، ومخالفة هذا مخالفة لسبيل المؤمنين، وقد قال الله تعالى: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً) النساء/115.
والأمر أوضح من أن يستدل له، لولا وجود من طمس الله على بصيرتهم، وصاروا يجادلون في أمور تعد من ثوابت هذا الدين.
ويدل على ذلك من السنة:
1- ما رواه البخاري (604) ومسلم (377) عن ابْن عُمَرَ رضي الله عنهما قال: كَانَ الْمُسْلِمُونَ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ يَجْتَمِعُونَ فَيَتَحَيَّنُونَ الصَّلاةَ لَيْسَ يُنَادَى لَهَا، فَتَكَلَّمُوا يَوْمًا فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: اتَّخِذُوا نَاقُوسًا مِثْلَ نَاقُوسِ النَّصَارَى، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ بُوقًا مِثْلَ قَرْنِ الْيَهُودِ، فَقَالَ عُمَرُ: أَوَلا تَبْعَثُونَ رَجُلا يُنَادِي بِالصَّلاةِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا بِلالُ، قُمْ فَنَادِ بِالصَّلاةِ) .
فهذا الحديث يدل على أنه من المقرر عند الصحابة أنه لا ينادي للصلاة إلا الرجال، وأنه لا مدخل للنساء في ذلك، لقول عمر رضي الله عنه: (أَوَلا تَبْعَثُونَ رَجُلا يُنَادِي بِالصَّلاةِ) .
2- روى البخاري (684) ومسلم (421) عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (مَنْ رَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ، فَإِنَّهُ إِذَا سَبَّحَ الْتُفِتَ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ) .
قال الحافظ:
" وَكَأَنَّ مَنْعَ اَلنِّسَاءِ مِنْ اَلتَّسْبِيحِ لأَنَّهَا مَأْمُورَة بِخَفْضِ صَوْتِهَا فِي اَلصَّلاةِ مُطْلَقًا لِمَا يُخْشَى مِنْ اَلافْتِتَانِ " انتهى.
فإذا كانت المرأة منهية عن تنبيه الإمام بالقول إن أخطأ، وإنما تصفق، حتى لا ترفع صوتها بحضرة الرجال، فكيف يسمح لها بالأذان؟!
وقد اتفق العلماء على عدم مشروعية أذان النساء للرجال، وهذه بعض أقوالهم في هذا:
جاء في "بدائع الصنائع" (1/411) (حنفي) :
" يكره أذان المرأة باتفاق الروايات ".
وفي "مواهب الجليل" (2/87) (مالكي) :
" فلا يصح أذان امرأة " انتهى.
وقال الشافعي في الأم (1/84) :
" ولا تؤذن امرأة، ولو أذنت لرجال لم يجزئ عنهم أذانها " انتهى.
وفي "الإنصاف" (1/395) (حنبلي) :
"لا يعتد بأذان امرأة " انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1277)
معنى الخيط الأبيض والخيط الأسود في آية الصيام
[السُّؤَالُ]
ـ[قال تعالى: (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) هل هذا يعني بأننا يجب أن نمسك حتى تبدأ الشمس بالشروق؟ ولماذا نمسك عند أذان الفجر وهو قبل الشروق بحوالي ساعة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المراد بالخيط الأسود في الآية الكريمة هو الليل، والخيط الأبيض هو الفجر، وليس طلوع الشمس.
وسمي الفجر خيطاً أبيض لأن أول ما يبدو من الفجر في السماء ضوءٌ كالخيط في الأفق، يمتد يميناً وشمالاً من الشمال إلى الجنوب، ثم لا يزال يزداد حتى ينتشر في السماء كلها. انظر فتح الباري شرح حديث رقم: (1917)
وروى البخاري (1916) ومسلم (1090) عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ) عَمَدْتُ إِلَى عِقَالٍ أَسْوَدَ وَإِلَى عِقَالٍ أَبْيَضَ فَجَعَلْتُهُمَا تَحْتَ وِسَادَتِي فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ فِي اللَّيْلِ فَلَا يَسْتَبِينُ لِي فَغَدَوْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ: إِنَّمَا ذَلِكَ سَوَادُ اللَّيْلِ، وَبَيَاضُ النَّهَارِ.
قال النووي رحمه الله:
قَالَ أَبُو عُبَيْد: الْخَيْط الأَبْيَض: الْفَجْر الصَّادِق , وَالْخَيْط الأَسْوَد: اللَّيْل اهـ
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1278)
الاجتماع في المسجد، والأكل والحديث فيه، في أيام العيد
[السُّؤَالُ]
ـ[ألفنا في مسجد حينا كلما حل عيد الفطر أو الأضحى أن يجتمع الرجال في المسجد لشرب الشاي وأكل الحلوى، مع ما يصاحب ذلك من حديث في مختلف المواضيع، فما حكم ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يشرع للمسلمين أن يظهروا الفرح بالعيد الشرعي، وأن يجتمعوا لذلك، ولا مانع من أن يكون ذلك في المسجد.
روى البخاري (5236) ومسلم (892) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: (رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى الْحَبَشَةِ يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى أَكُونَ أَنَا الَّتِي أَسْأَمُ، فَاقْدُرُوا قَدْرَ الْجَارِيَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ الْحَرِيصَةِ عَلَى اللَّهْوِ) .
وفي رواية للبخاري (950) ومسلم (892) أن ذلك (َكَانَ يَوْمَ عِيدٍ يَلْعَبُ السُّودَانُ بِالدَّرَقِ وَالْحِرَابِ) .
ولا بأس ـ أيضا ـ أن يصحب ذلك الاجتماع بعض ما يناسب ذلك من الطعام أو الشراب.
قال الزركشي رحمه الله:
" يجوز أكل الخبر والفاكهة والبطيخ وغير ذلك في المسجد. وقد روى ابن ماجة عن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي قال: كنا نأكل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد الخبز واللحم. [رواه ابن ماجة في سننه (3300) وصححه الألباني] ..
وينبغي أن يبسط شيئا، ويحترز خوفا من التلوث. ولئلا يتناثر شيء من الطعام، فتجتمع عليه الهوام.
هذا إذا لم يكن له رائحة كريهة، فإن كانت، كالثوم والبصل والكرات ونحوه، فيكره أكله فيه، ويمنع آكله من المسجد حتى يذهب ريحه.. " انتهى.
"إعلام الساجد بأحكام المساجد" (329) .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله:
" ولا بأس بالنوم والأكل في المسجد للمعتكف وغيره؛ لأحاديث وآثار وردت في ذلك، ولما ثبت من حال أهل الصفة، مع مراعاة الحرص على نظافة المسجد والحذر من أسباب توسيخه من فضول الطعام أو غيرها؛ لما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «عرضت علي أجور أمتي،حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد» رواه أبو داود والترمذي وصححه ابن خزيمة، ولحديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم «أمر ببناء المساجد في الدور وأن تنظف وتطيب» . رواه الخمسة إلا النسائي وسنده جيد. والدور: هي الحارات والقبائل القاطنة في المدن. " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (15/439) . وينظر: فتاوى اللجنة الدائمة (6/290) .
ثانيا:
يجوز الكلام المباح في المسجد، ولو كان ذلك من أمر الدنيا، ما لم يترتب عليه تشويش على المصلين.
روى مسلم في صحيحه (670) عن جابر بن سمرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كَانَ لَا يَقُومُ مِنْ مُصَلَّاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الصُّبْحَ أَوْ الْغَدَاةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ قَامَ، وَكَانُوا يَتَحَدَّثُونَ فَيَأْخُذُونَ فِي أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ فَيَضْحَكُونَ وَيَتَبَسَّمُ.
قال النووي رحمه الله:
" يجوز التحدث بالحديث المباح في المسجد، وبأمور الدنيا وغيرها من المباحات، وإن حصل فيه ضحك ونحوه، ما دام مباحا؛ لحديث جابر بن سمرة.. " انتهى.
"المجموع شرح المهذب" (2/177) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" الكلام في المسجد ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: أن يكون فيه تشويش على المصلين والقارئين والدارسين، فهذا لا يجوز، وليس لأحد أن يفعل ما يشوش على المصلين والقارئين والدارسين.
القسم الثاني: أن لا يكون فيه تشويش على أحد، فهذا إن كان في أمور الخير فهو خير.
وإن كان في أمور الدنيا: فإن منه ما هو ممنوع، ومنه ما هو جائز؛ فمن الممنوع البيع والشراء والإجارة، فلا يجوز للإنسان أن يبيع أو يشتري في المسجد، أو يستأجر أو يؤجر في المسجد، وكذلك إنشاد الضالة فإن الرسول عليه الصلاة والسلام قال (إذا سمعتم من ينشد الضالة فقولوا لا ردها الله عليك فإن المساجد لم تبن لهذا) .
ومن الجائز: أن يتحدث الناس في أمور الدنيا بالحديث الصدق الذي ليس فيه شيء محرم ".
"فتاوى نور على الدرب".
وأما حديث: (الكلام في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب) ، فليس له أصل عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ينظر: "السلسلة الضعيفة" للشيخ الألباني رحمه الله. رقم (4) .
والخلاصة:
أنه لا بأس باجتماعكم هذا، لكن مع الاحتراز عن تلويث المسجد بشيء من الأطعمة والأشربة، والاحتراز أيضا من التشويش على من يصلي أو يقرأ القرآن أو نحو ذلك من العبادات، إن وجد أحد يفعل ذلك في وقت اجتماعكم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1279)
هل يجوز هدم المسجد القديم لتجديده للمصلحة، ولو عارض الواقف؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لدينا في القرية مسجد بناؤه شعبي (غير مسلح) قام ببنائه متبرع بناءا مجردا ثم أكملنا نحن النوافذ والأبواب والتكييف والمنارة وحرم المسجد ودورات المياه. .. والآن أتى متبرع عن طريق جهة خيرية لبناء مسجد حديث ومجهز ونظيف ... إلا أن المتبرع الأول عارض هدم المسجد الذي بناه، ويقول إن المسجد يبقى ولن يسمح بإعادة بناء للمسجد. فهل يحق له ذلك؟ ثم ما العمل إذا كان أهل القرية جميعا لا يريدون بقاء هذا المسجد وهو ليس من سكان هذه القرية.؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز هدم المسجد القديم وتجديده إذا كان في تجديده مصلحة، كتوسعة، أو بنائه بناءً حديثاً بعد أن كان مبنياً بناءً شعبياً.
وينبغي أن يكون ذلك بعد موافقة المسؤولين في الأوقاف، حتى يتم التجديد بصورة صحيحة، دون إحداث شغب أو خلاف.
وإذا كان الواقف الأول يعترض على ذلك لأنه يظن أن أجره سوف ينقطع، فليس الأمر كذلك؛
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: "لا مانع من هدم المسجد القديم وتعميره على الطراز الحديث؛ لما في ذلك من المصلحة العامة لأهل القرية وغيرهم، وأما الذين بنوا الأول فأجرهم كامل ولا ينقطع بتجديده" انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (6 / 232-233) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: نحن جماعة مسجد بُني منذ خمس عشرة سنة، من البلك والخشب، وقد خرج إلينا مندوب الأوقاف قبل ثلاث سنين، وقرر أن المسجد لا يصلح للصلاة فيه، فلما أراد جماعة المسجد أن يبحثوا لهم عن فاعل خير يبني لهم المسجد اعترض عليهم معترض وقال: لا يجوز أن تهدموا المسجد وتزيدوا في مساحته؛ لأنه وقف وصاحبه قد مات، فأشكل هذا على بعض جماعة المسجد، فنرجو منكم جزاكم الله خيراً أن تبينوا لنا: هل يجوز لنا أن نهدم هذا المسجد ونبنيه من جديد، علماً بأن ورثة الواقف ليس لديهم القدرة والاستطاعة على بنائه؟
فأجاب:
"هذه المساجد لها ناظر منصوب من قبل الدولة، وهم مدراء الأوقاف، فالمرجع في ذلك إلى مدراء الأوقاف، إذا قرروا أن هذا المسجد لا بد أن يهدم فليهدم، وأجر صاحبه الذي أوقفه أولاً على الله عز وجل، وقد قال الله تبارك وتعالى: (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) النساء/100، فهذا الذي بناه الأول بناه على أنه سيبقى، فله ما نوى، وأما أن نحصر الناس في هذا المسجد الذي لا يصلح أن يكون مسجداً؛ لأنه وقَّفه فلان فهذا ليس بوارد، وللجماعة أن يهدموه وأن يبنوه على الوجه الذي يريح الناس، وأن يوسعوه، ولكن لا بد من أخذ إذن الأوقاف في ذلك، أو إذن القائمين على المساجد في هذا " انتهى.
"اللقاء الشهري" (1/493) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1280)
الإعلان عن دعوة النكاح فى المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[فى بلدنا كانت الدعوة للزواج تتم بدعوة كل فرد من أفراد القرية والقرى المجاورة، بدعوة الفرد من بيته، فإذا لم يدع من بيته لا يعتبر خلاف ذلك دعوة. ولقد اتسعت القرية اتساعا كبيرا، واتسعت بذلك القرى المجاورة، وسكن الناس أطراف وأعالي الجبال، مما جعلت دعوة الفرد من بيته صعبة جدا، وتعب الناس كثيرا، واجتمع الناس على الإعلان عن الدعوة للزواج في المسجد. فهل هذا مباح أم حرام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ينبغي أن تنزه المساجد عن الإعلانات المتعلقة بأمور الدنيا، ومنها الإخبار بوليمة النكاح أو الدعوة إليها، لأن المساجد لم تبن لهذا، وإنما بنيت لإقامة الشعائر وتعليم العلم ونشر الخير. روى مسلم في صحيحه (568) عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ فَلْيَقُلْ لَا رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْكَ، فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا) .
وفي صحيح مسلم أيضا (569) عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَجُلاً نَشَدَ فِى الْمَسْجِدِ فَقَالَ: مَنْ دَعَا إِلَى الْجَمَلِ الأَحْمَرِ؟
فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: (لاَ وَجَدْتَ؛ إِنَّمَا بُنِيَتِ الْمَسَاجِدُ لِمَا بُنِيَتْ لَهُ) .
لكن يجوز الإعلان عن الأمور الدنيوية خارج المسجد، ولو بوضع ورقة على جداره من الخارج.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم وضع بعض الإعلانات في المسجد؟ كالإعلان عن حملة للحج أو للعمرة، أو الإعلان عن وجود محاضرات أو دروس علم؟
فأجاب رحمه الله: " أما ما كان إعلانا عن طاعة فلا بأس به؛ لأن الطاعة مما يقرب إلى الله، والمساجد بنيت لطاعة الله سبحانه وتعالى.
وأما ما كان لأمور الدنيا، فإنه لا يجوز، ولكن يعلن عنه على جدار المسجد من الخارج. فالحملات - حملات الحج - أمر دنيوي، فلا نرى أن نعلن عنها في الداخل.
وحلق الذكر - كدورات العلم - خيرٌ محض، فلا بأس أن يعلن عنها في داخل المسجد؛ لأنها خير " انتهى باختصار من "شرح منظومة القواعد الفقهية" (ص/52) .
وقال أيضا رحمه الله: " لا يجوز أن تعلق الإعلانات للحج والعمرة داخل المسجد؛ لأن غالب الذين يأخذون هذه الرحلات يقصدون الكسب المالي، فيكون هذا نوعاً من التجارة، لكن بدلاً من أن تكون في المسجد تكون عند باب المسجد من الخارج " انتهى من "لقاءات الباب المفتوح" (لقاء رقم 151، سؤال رقم 10) .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله في نشد الضالة: " وأما كتابة ذلك في ورقة فهذا إذا كان في الجدار الخارجي للمسجد فلا بأس " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (30/ 9) .
وعليه: فيمكن كتابة دعوة النكاح على ورقة توضع على جدار المسجد من الخارج، أو توزع الدعوة على المصلين خارجه.
هذا مع أننا نرى أنه بالإمكان التغلب على تلك الصعوبة بالاتصالات الهاتفية، أو رسائل الجوال، ونحو ذلك. ومع هذا الاتساع المذكور لا يظهر أن الداعي يريد دعوة الناس جميعا، بل من شاء أن يخصه بدعوته، ولم يستطع الوصول إليه شخصيا، فبإمكانه أن يتصل به في الهاتف، أو يرسل له رسالة، أو نحو ذلك.
ثانيا:
ذهب جمهور الفقهاء إلى استحباب عقد النكاح في المسجد، واستدلوا لذلك بحديث: (أعلنوا هذا النكاح واجعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدفوف) رواه الترمذي (1089) لكنه ضعيف كما قال الألباني في ضعيف الترمذي، وقد حسّن رحمه الله جملة: (أعلنوا النكاح) كما في "آداب الزفاف" ص 111
وينظر: سؤال رقم (87898)
ولا يجوز أن يعتقد أن إجراء النكاح في المسجد سنة، لعدم ثبوت ما يدل على السنية، لكنه أمر مباح، فلو أجروا عقد النكاح في المسجد، ثم انتقلوا إلى محل العرس لحضور الوليمة، تحقق بذلك إعلان النكاح، وعرف الداعي إليه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1281)
المصليات التي في البيوت أو الشركات لا تأخذ حكم المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل بالسعودية وعندي سكن مخصص للعمال به حوالي 50 عامل وبه مصَلَّي تقام فيه 4 صلوات من الخمس، لأن الفرض الخامس يكون في وقت الدوام، ويصليه العمال بالخارج. السؤال: أريد استغلال مكان المصلي لإنشاء غرف إضافية بالسكن، وقبل ذلك طبعا سأقوم بتجهيز مكان آخر كمصلَّى بالعلم أن المكان الجديد داخل السكن أيضاً ولا يبعد عن المكان القديم إلا 15 متر فقط، فهل هناك حرمة من عمل المصلى غرف؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المصليات التي تتخذ في البيوت أو في بعض المؤسسات والشركات ويقصد بها صلاة أهل المكان فقط، ولا يقصد بها أنها مسجد عام مفتوح لجميع المسلمين، لا تأخذ حكم المسجد.
وقد كان عمل الناس قديماً أن الرجل يتخذ موضعاً في داره للصلاة يسمى "مصلى البيت" أو "مسجد البيت" ولم يكن لهذا المسجد أحكام المساجد المعروفة.
فقد روى البخاري (425) ومسلم (33) عن عتبان بن مالك رضي الله عنه أنه لما عمي وشق عليه الذهاب إلى المسجد في أيام المطر والسيول طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتي إلى داره ليصلي في موضع يتخذه عتبان مصلى، فلبى النبي صلى الله عليه وسلم طلبه.
قال الحافظ ابن حجر: "من فوائد الحديث: أن اتخاذ مكان في البيت للصلاة لا يستلزم وقفيته ولو أطلق عليه اسم المسجد" انتهى.
وذكر ابن قدامة في "المغني" (4/464) أن مسجد البيت " لا تثبت له أحكام المسجد الحقيقية" انتهى.
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (2/121) :
"مسجد البيت ليس بمسجد حقيقةً ولا حكماً، فيجوز تبديله، ونوم الجنب فيه" انتهى.
وعلى هذا، فهذا المصلى الموجود في البيت لا يأخذ حكم المسجد، ولا حرج من تحويله إلى غرف للسكن.
وينبغي التنبيه إلى أن صلاة الجماعة واجبة في المسجد، ولا يجوز صلاتها في البيت ـ ولو كانت جماعة ـ إلا من عذر كالمرض أو بُعد المسجد ... ونحو ذلك.
ولمزيد الفائدة يراجع جواب السؤال رقم (72895) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1282)
حكم صلاة الذين يصفون آخر المسجد، تاركين الصف مع الجماعة خلف الإمام.
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك مسجد بجوار عملي أصلي فيه مع الجماعة، وهو مسجد كبير ويتسع لحوالي ألف مصلى، ولكني لاحظت أن هناك مجموعة من الرجال يصفون صفا في نهاية المسجد ويتركون مسافة كبيرة جدا بينهم وبين الصفوف المتراصة خلف الإمام، وهذه المسافة قد تكفي لعشرة صفوف في بعض الصلوات، وبعد ذلك صرت أصلي في مسجد آخر خوفا من أن تبطل صلاتي، ونريد من فضيلتكم توضيح الحكم في فعل هؤلاء المصلين، وحكم صلاة الجماعة في ذلك المسجد، والنصح لي بكيفية تغيير هذا الوضع إن كان مخالفا؟ مع العلم أني كلمت الإمام المسؤول عن المسجد وقال لي: (لا فائدة من نصحهم فقد نصحناهم عدة مرات) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
السنة للمصلين أن يتراصوا ويقاربوا الصفوف.
روى أبو داود (667) والنسائي (815) عن أنس رضي الله عنه أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (رَاصُّوا صُفُوفَكُمْ، وَقَارِبُوا بَيْنَهَا، وَحَاذُوا بِالْأَعْنَاقِ) صححه الألباني في "صحيح أبي داود".
قال السندي رحمه الله:
" قَوْله (رَاصُّوا صُفُوفكُمْ) بِانْضِمَامِ بَعْضكُمْ إِلَى بَعْض عَلَى السَّوَاء (وَقَارِبُوا بَيْنَهَا) أَيْ: اِجْعَلُوا مَا بَيْن صَفَّيْنِ مِنْ الْفَصْل قَلِيلًا، بِحَيْثُ يَقْرَب بَعْض الصُّفُوف إِلَى بَعْض" انتهى.
وقال المناوي رحمه الله:
" (وقاربوا بينها) بحيث لا يسع بين كل صفين صف آخر حتى لا يقدر الشيطان أن يمر بين أيديكم" انتهى.
"فيض القدير" (4 / 7) .
والأفضل للمسلمين عموماً ـ في الصلاة وغيرها ـ أنهم إذا اجتمعوا أن يتقاربوا بأبدانهم، حتى يكون ذلك سبباً لحصول الألفة والمحبة بينهم وتقويتها.
فعن أبي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيّ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّاسُ إِذَا نَزَلُوا مَنْزِلًا تَفَرَّقُوا فِي الشِّعَابِ وَالْأَوْدِيَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ تَفَرُّقَكُمْ فِي هَذِهِ الشِّعَابِ وَالْأَوْدِيَةِ إِنَّمَا ذَلِكُمْ مِنْ الشَّيْطَانِ) فَلَمْ يَنْزِلْ بَعْدَ ذَلِكَ مَنْزِلًا إِلَّا انْضَمَّ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، حَتَّى يُقَالَ لَوْ بُسِطَ عَلَيْهِمْ ثَوْبٌ لَعَمَّهُمْ. رواه أبو داود (2628) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".
فما يفعله هؤلاء من تركهم الصفوف الأولى، وصلاتهم في آخر المسجد: مخالف للسنة، وسبب من أسباب حصول النزاع والتفرق بين أهل المسجد.
وأما صحة الصلاة فصلاتهم صحيحة، ما داموا يصلون داخل المسجد، ويقفون صفاً، ولا يقف أحدهم منفرداً خلف الصفوف.
فقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
ما حكم الصلاة التي نصليها في فناء المسجد؟ علما بأن الفناء في المسجد تابع له؟
فأجاب:
"الصلاة في فناء المسجد إن كان جميع المصلين صلوا فيه فلا إشكال في جوازها، وأما إذا كان المصلون يصلون في داخل المسقوف وهؤلاء صاروا في خارج فيقال: خالفتم السنة؛ لأن السنة أن تتقارب الصفوف بعضها من بعض، وأن لا يصلوا في مكان والإمام يصلي في مكان آخر، لكن صلاتهم على كل تقدير صحيحة" انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (192/10) .
وصلاة الجماعة في هذا المسجد صحيحة، وينبغي لكم ولإمام المسجد أن تستمروا في نصح هؤلاء وحثهم على اتباع السنة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1283)
حكم تخصيص مكان في البيت للصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تخصيص مكان في البيت للعبادة والصلاة فيه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج من تخصيص مكان في البيت للعبادة والصلاة فيه، وقد جاء في السنة ما يدل على جواز ذلك.
فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ قَالَ: سَمِعْتُ خَالَتِي مَيْمُونَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تقول:
(أَنَّهَا كَانَتْ تَكُونُ حَائِضًا لَا تُصَلِّي، وَهِيَ مُفْتَرِشَةٌ بِحِذَاءِ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يُصَلِّي عَلَى خُمْرَتِهِ، إِذَا سَجَدَ أَصَابَنِي بَعْضُ ثَوْبِهِ) رواه البخاري (333) .
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله:
"والظاهر: أن مراد ميمونة في هذا الحديث مسجد بيت النَّبيّ صلى الله عليه وسلم الذي كانَ يصلي فيهِ من بيته؛ لأن ميمونة لا تفترش إلا بحذاء هذا المسجد، ولم تُرِد - والله أعلم - مسجد المدينة" انتهى.
"فتح الباري" (1/550) .
وعَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ الْأَنْصَارِيِّ: (أَنَّ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ كَانَ يَؤُمُّ قَوْمَهُ وَهُوَ أَعْمَى، وَأَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّهَا تَكُونُ الظُّلْمَةُ وَالسَّيْلُ، وَأَنَا رَجُلٌ ضَرِيرُ الْبَصَرِ، فَصَلِّ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي بَيْتِي مَكَانًا أَتَّخِذُهُ مُصَلَّى، فَجَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ؟ فَأَشَارَ إِلَى مَكَانٍ مِنْ الْبَيْتِ، فَصَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رواه البخاري (667) ، ومسلم (33) .
قال النووي رحمه الله:
"وفيه: أنه لا بأس بملازمة الصلاة في موضع معين من البيت، وإنما جاء في الحديث النهي عن إيطان موضع من المسجد للخوف من الرياء ونحوه" انتهى.
"شرح مسلم" (5/161) .
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله:
" مساجد البيوت هي أماكن الصلاة منها، وقد كان من عادة السلف أن يتخذوا في بيوتهم أماكن معدة للصلاة فيها. وهذه المساجد لا يثبت لها شيء من أحكام المساجد المسبلة – أي المتخذة وقفاً -، فلا يجب صيانتها عن نجاسة، ولا جنابة، ولا حيض. هذا مذهب أصحابنا وأكثر الفقهاء.
وأما إقامة الجماعة للصلوات في مساجد البيوت فلا يحصل بها فضيلة الصلاة في المساجد، وإنما حكم ذلك حكم من صلى في بيته جماعة وترك المسجد.
وبكل حال؛ فينبغي أن تحترم هذه البقاع المعدة للصلاة من البيوت، وتنظف وتطهر.
قال الثوري في المساجد التي تبنى في البيوت: ترفع ولا تشرف، وتفرغ للصلاة، ولا تجعل فيها شيئا " انتهى باختصار.
"فتح الباري" لابن رجب (2/377-380) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1284)
هل يصلي في الصفوف الخلفية وراء الإمام، أم في الصفوف الأمامية من الطابق العلوي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أحيانا أتأخر عن صلاة الجمعة، فلا أجد مكاناً في المسجد إلا في الصفوف الخلفية، فأصعد إلى الطابق العلوي لأجد مكاناً في صفوف متقدمة بدون أذية للمصلين، فهل الأولى الصلاة في الطابق السفلي حيث الإمام ولو في صفوف متأخرة أم الصعود إلى الطابق العلوي في صفوف متقدمة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الصلاة في الصفوف المتأخرة من الطابق السفلي الذي فيه الإمام أفضل من الصلاة في الصفوف المتقدمة من الطابق العلوي؛ لأن الصلاة خلف الإمام هي الأصل، ولا يلجأ الناس إلى الصلاة بالطابق العلوي إلا عند ضيق المسجد وعدم كفايته للمصلين.
وأيضا: فإن القرب من الإمام أفضل، والصلاة بالطابق السفلي أقرب إلى الإمام منها بالطابق العلوي.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: سمعنا أن الصلاة في الطابق السفلي من المسجد الحرام أفضل من الصلاة في الطابق العلوي، فهل هذا صحيح من حيث العلو على الإمام؟
فأجاب بقوله: " الطابق السفلي قد يكون أفضل من حيث قربه من الإمام؛ لأنه بلا شك أقرب إلى الإمام، والصف الأول أفضل لأنه أقرب من الإمام.
وأما من حيث علو المأموم على الإمام فهذه المسألة فيها خلاف، مع أن كثيراً من أهل العلم يقيد هذه المسألة بما إذا صلى الإمام وحده بالأسفل وصلى بقية الجماعة كلهم فوقه فهذه هي التي تكره، وأما إذا كان مع الإمام أحد فإنه لا كراهة في علو المأموم على الإمام، والآن معروف في الحرم أن غالب المصلين يصلون في الأسفل، فعلى هذا فالذين يصلون فوق ليس في صلاتهم كراهة بل ذلك جائز، ولكن كما قلت الأسفل أقرب إلى الإمام فيكون أولى " انتهى.
"مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (13/19-20)
وقد تكون الصلاة في الطابق العلوي أفضل إذا كانت أقرب إلى الخشوع، لما قد يتأذى به المصلى في الصفوف الخلفية خلف الإمام من الزحام أو شدة الحر.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: أيهما أفضل الصلاة في الدور العلوي أم في الدور الأرضي من المسجد؟
فأجاب: " الصلاة في الأسفل أفضل من الصلاة في الأعلى؛ لأنها أقرب إلى الإمام، والدنو من الإمام أفضل من البعد عنه، لكن إذا اقترن بالصلاة في الأعلى نشاط الإنسان فنشط، ويرى أنه يخشع أكثر فإن هذا أفضل، وذلك لأن المحافظة على الفضيلة المتعلقة بالعبادة أولى من المحافظة على الفضيلة المتعلقة بمكانها، هكذا قال العلماء، وضربوا لذلك مثلاً بالرَّمَل في طواف القدوم أو الدنو من الكعبة، لو قال قائل: أنا إن دنوت من الكعبة لم يحصل لي الرَّمَل، وإن أبعدت عن الكعبة حصل لي الرَّمَل فأيهما أفضل، أن أدنو من الكعبة، أو أن أبتعد وأرمل، فأيهما أفضل؟
يقول العلماء: الأفضل أن تبتعد وترمل؛ لأن الفضيلة المتعلقة بذات العبادة أولى بالمحافظة من الفضيلة المتعلقة بمكانها " انتهى.
"مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (13/ 14) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1285)
هل يجوز لهم السماح للكفار بالاحتفال بأعيادهم في ساحة المسجد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم دخول غير المسلمين لساحة المسجد، حيث إن بالمسجد ساحة خارجة عن المسجد المعد للصلاة , وهذه الساحة تابعة للمسجد، إذ إن هناك باباً موحداً بينهما , وهذه الساحة مجهزة بكراسي، وطاولات، يتم استغلالها عند الحاجة. ودخول غير المسلمين لها يكون موسميّاً، عندما يكون لهم تجمعات بسبب أحد أعيادهم، فيتم استغلال هذا التواجد لهم , ويتم تجهيز أطباق للغداء , ويتم تقديمها في هذه الساحة , ومدخول هذا اليوم يذهب لخزانة المسجد، لتجهيزه، وما شابه. وما حكم هذا العمل؟ وهل يعتبر بمثابة مشاركتهم في عيدهم؟ مع أن نيتنا تكون مخالفة بحيث يكون هدفنا هو جمع مبالغ من المال لصالح المسجد ونيتنا - إن شاء الله - هذا العام ستكون أسمى بحيث نود استغلال تواجدهم، وتعريفهم بالإسلام. وهل في دخولهم لهذه الساحة حرج مع العلم أن إقامتي في أحد البلدان الغربية؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إذا كانت هذه الساحة عند إنشائها قد نويتم أنها ليست جزءاً من المسجد، بل هي للاحتفالات أو الاجتماعات والندوات، فلا تأخذ حكم المسجد، فيجوز للكافر دخولها.
أما إذا كانت هذه الساحة أعدت على أنها جزء من المسجد، يستفاد منها في هذه الاحتفالات، والصلاة عند الحاجة إليها، فهي جزء من المسجد، فلها حكم المسجد.
وكذلك يكون لها حكم المسجد إذا لم تنوا عند إنشائها شيئاً معيناً، وكانت داخلة في بناء المسجد، أو كان هناك سور يحيط بها وبالمسجد.
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
"ما كان داخل سور المسجد: فهو من المسجد، وله حكم المسجد، فرحبة المسجد: من المسجد، ومكتبة المسجد: من المسجد، إذا كان كلٌّ منهما داخل سور المسجد" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " المجموعة الثانية (5 / 234) .
وانظر لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم (103136) .
ودخول الكافر إلى المسجد لا يجوز إلا إذا كان هناك حاجة أو مصلحة من دخوله، كما لو دخل لسماع محاضرة، أو شرب الماء ونحو ذلك، كما سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (2192) و (9444) .
وإذا كان الكافر سيدخل المسجد مرتكباً بعض المنكرات كالاختلاط المستهتر بين الرجال والنساء، أو دخول النساء المتبرجات فلا ينبغي التوقف في تحريم هذا.
فإذا كانت هذه الساحة لها حكم المسجد فلا يجوز دخول الكفار إليها للاحتفال بعيدهم، لأنه ليس في ذلك مصلحة شرعية.
ولا يجوز تأجيرها لهم، أو لغيرهم، لأن المسجد لا يُبنى لذلك، وإنما يبنى لذكر الله وإقامة الصلاة. وهذا سبب ثانٍ لمنع تأجير المكان لهؤلاء.
وقد سئل ابن القاسم رحمه الله: أرأيت إن بنى رجل مسجداً، فأكراه (يعني: أجَّره) ممن يصلي فيه؟ قال: لا يصلح هذا في رأيي، لأن المساجد لا تبنى للكراء.
المدونة (3/434) .
ثانياً:
هناك سبب ثالث يقتضي منع هؤلاء من الدخول إلى هذه الساحة ـ سواء كانت من المسجد أم لا ـ وهو أن دخولهم إنما هو للاحتفال بعيدهم، وأعياد المشركين أعياد باطلة، لا يجوز للمسلم أن يشاركهم فيها، ولا أن يعينهم عليها، لقول الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2.
وروى البيهقي (19334) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: (اجتنبوا أعداء الله في عيدهم) .
وقد فَسَّر بعض السلف قوله تعالى في صفات عباد الرحمن: (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ) الفرقان/72، قالوا: هي أعياد المشركين.
وانظر تفسير ابن كثير (3/435) .
ولا شك أن أعياد المشركين من الزور والباطل الذي أمرنا بعدم حضوره، فالآية عامة في عدم شهود الزور الذي يشمل كل قول أو فعل محرم، ومنه: أعياد المشركين.
"تفسير السعدي" ص 686.
وانظر لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم (11427) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1286)
هل يجوز لهم بيع المسجد لمن يحتمل اتخاذه كنيسة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن نعيش في أحد المدن الأمريكية، ومنذ ما يزيد على 30 عاماً اشترى المسلمون كنيسة، وعدلوها لتصبح مسجداً , الآن نظراً لقدم البناية، وصغر مساحة المسجد: نريد بيعه، واستخدام قيمته في تكملة بناء مسجد أكبر في حي مجاور , المعضلة: أنه يغلب على ظننا أنه سيشتريه منَّا بعض النصارى، ثم يجعلونه كنيسة، وخاصة أصحاب كنيسة مجاورة للمسجد، يصدر منها أحياناً أصوات موسيقى عالية تسمع من داخل المسجد , ما هو حكم بيع المسجد لمن يرغب في جعله كنيسة؟ وهل فِعْل ذلك يعدُّ مِن معاونتهم على ما هم فيه من الشرك، والضلال؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
اتفق العلماء على حرمة بيع المسجد الذي لم تتعطل منافعه، ولم يهجره أهله، وأن من فعل ذلك فهو آثم، ولا يتملكه من اشتراه.
واختلفوا في حكم بيع المسجد الذي تعطلت منافعه، أو هجره أهله:
فذهب بعضهم إلى أنه يجوز بيع المسجد إذا كان ذلك هو حاله، وإذا بيع: فيصرف ثمنه إلى مسجد آخر، وإن كان قريباً من الأول فهو أفضل.
وهذا قول أبي حنيفة، وصاحبه أبي يوسف، وهو رواية عن الإمام أحمد، وهو الذي عليه مذهب الحنابلة.
وذهب آخرون إلى أنه لا يصح بيع الوقف بحال عموماً، والمسجد لا يكون إلا وقفاً، وعليه: فلا يصح عندهم بيعه، وإن تعطلت منافعه، وهجره المصلون.
وهو رواية أخرى عن أبي حنيفة، وهي المذهب عند الحنفية، وهو مذهب مالك، والشافعي، ورواية عن الإمام أحمد.
والقول بالجواز هو الأصح من القولين.
وانظر المسألة بتفصيلها، وترجيحها في جواب السؤال رقم: (103236) .
ثانياً:
إذا تقرر جواز بيع مسجد القديم ذاك: فهل يجوز لكم بيعه لمن يتخذه كنيسة، أو لإقامة محل يُعصى فيه الله تعالى، كخمارة، أو مؤسسة ربوية؟
والجواب: قطعاً لا يجوز؛ فالوسائل لها حكم الغايات، فالوسيلة إلى فعل المعصية تكون معصية، والوسيلة إلى فعل الطاعة تكون طاعة، ولذلك حرم بيع السلاح وقت الفتنة، وحرم بيع العنب لمن يعصره خمراً، ويقال هنا: يحرم بيع أرض للنصارى بقصد بنائها كنيسة، أو لليهود بقصد بنائها بيعة، ونحو ذلك، كما يحرم تأجيرهم دوراً لإقامة شعائر الكفر فيها.
وفي " الموسوعة الفقهية " (38 / 157، 158) :
نصَّ جمهور الفقهاء على أنّه يمنع المسلم من بيع أرضٍ أو دارٍ لتتّخذ كنيسةً:
قال الحنفيّة: إن اشتروا دوراً في مصرٍ من أمصار المسلمين فأرادوا أن يتّخذوا داراً منها كنيسةً، أو بيعةً، أو بيت نارٍ في ذلك لصلواتهم: منعوا عن ذلك.
وقال المالكيّة: يمنع - أي: يحرم - بيع أرضٍ لتتّخذ كنيسةً، وأجبر المشتري من غير فسخٍ للبيع على إخراجه من ملكه، ببيع، أو نحوه.
روى الخلال عن المروذيّ أنّ أبا عبد الله سئل عن رجلٍ باع داره من ذمّيٍّ وفيها محاريب فاستعظم ذلك، وقال: نصراني؟! لا تباع، يضرب فيها النّاقوس وينصب فيها الصلبان؟ وقال: لا تباع من الكافر، وشدّد في ذلك.
وعن أبي الحارث أنّ أبا عبد الله سئل عن الرّجل يبيع داره وقد جاء نصراني فأرغبه وزاده في ثمن الدّار , ترى أن يبيع منه وهو نصراني، أو يهودي، أو مجوسي , قال: لا أرى له ذلك , قال: ولا أرى أن يبيع داره من كافرٍ يكفر فيها بالله تعالى.
إذا اشترى أو استأجر ذمّي داراً على أنّه سيتّخذها كنيسةً: فالجمهور على أنّ الإجارة فاسدة , أمّا إذا استأجرها للسكنى، ثمّ اتّخذها معبداً: فالإجارة صحيحة , ولكن للمسلمين عامّةً منعه حسبةً. انتهى
ثالثاً:
المشتري من الكفار لا ندري ما يصنع بهذا المسجد إن اشتراه، فمتى يكون البيع له محرَّماً؟.
والجواب: أنه يكون محرَّماً في حال العلم باتخاذه له كنيسة، بتصريه، أو بقرائن قوية، أو بغلبة الظن الراجحة، وما عدا ذلك: فلا يحرم بيعه له.
قال أحمد الصاوي – رحمه الله -:
ويمنع أيضاً بيع التوراة، والإنجيل لهم؛ لأنها مبدَّلة، ففيه إعانة لهم على ضلالهم، وكما يُمنع بيع ما ذُكر لهم: يُمنع الهبة، والتصدق، وتمضي الهبة، والصدقة، ويجبرون على إخراجها من ملكهم كالبيع.
تنبيه: كذلك يُمنع بيع كل شيءٍ عُلم أن المشتري قصد به أمراً لا يجوز؛ كبيع جارية لأهل الفساد، أو مملوك، أو بيع أرض لتتخذ كنيسة، أو خمارة، أو خشبة لتتخذ صليباً، أو عنباً لمن يعصره خمراً، أو نحاساً لمن يتخذه ناقوساً، أو آلة حرب للحربيين، وكذا كل ما فيه قوة لأهل الحرب.
" بلغة السالك " (3 / 8) .
وقال ابن قدامة – رحمه الله -:
إذا ثبت هذا: فإنما يحرم البيع، ويبطل إذا علم البائع قصْد المشتري ذلك، إما بقوله، وإما بقرائن مختصة به تدل على ذلك، فأما إن كان الأمر محتملاً مثل أن يشتريها مَن لا يُعلم حالُه، أو من يَعمل الخل والخمر معاًً، ولم يلفظ بما يدل على إرادة الخمر: فالبيع جائز، وإذا ثبت التحريم: فالبيع باطل، ويحتمل أن يصح، وهو مذهب الشافعي ...
ولنا: أنه عقد على عين لمعصية الله بها فلم يصح، كإجارة الأمَة للزنا، والغناء ... .
" المغني " (4 / 306) .
والخلاصة:
أنه لا يحل لكم بيع المسجد إذا لم تتعطل منافعه، وأمكن الانتفاع به، ويحل لكم بيعه إن تعطلت منافعه، وصار مهجوراً من أهله، والنصيحة لكم: عدم بيعه، وإبقاؤه وقفاً، وجعله مكتبة، أو مؤسسة خيرية، في حال تعطله عنه الانتفاع به في الصلاة.
وإن لم يتيسر لكم هذا، وتعين عليكم بيعه: فيجوز لكم بيعه لنصراني وغيره، إلا إذا علمتم، أو غلب على ظنكم أنه سيحوله كنيسة ونحوها من دور الكفر: فلا يجوز لكم ذلك البيع، وعليكم تحري من يشتريه لاستخدام مباح، فإن جهلتم حال المشتري، ولم تعلموا نيته: فالبيع له جائز، والاحتياط: التورع بالتحري عن نيته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1287)
بناء المسجد بشكل سداسي أو رباعي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن يكون المسجد على شكل رباعي أو سداسي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"ما نعلم شيئاً في أن يكون رباعياً أو سداسياً، المهم أن يكون على هيئة المساجد الواضحة، في مقدمته محرابه، وبالشكل الذي يناسب الصفوف، فلا يكون فيها اعوجاج، ولا يكون فيها مضايقات للصفوف، فتكون كاملة ومستقيمة.
أما أشكال البناء فأمرها واسع، ولا نعلم في شكل البناء شيئاً خاصاً، لكن يُراد من هذا أن تكون البناية واسعة للمصلين، والصفوف تكون منتظمة مستقيمة على سمت واحد، بحيث إذا رآه الناس أو دخله الناس عرفوا أنه مسجد، فتكون بناية المسجد واضحة على عرف البلاد وطريقة البلاد التي فيها المساجد" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (2/716) .
وقد استحب بعض العلماء أن يكون بناء المسجد على شكل مربع أو مستطيل، ويكون جدار المسجد الأمامي إلى جهة القبلة، حتى يكون الصف الأول موازياً له، فتسهل تسوية الصفوف، أما إذا كانت الصفوف مائلة عن جدار المسجد، فالغالب أنها يحصل بها اعوجاج، إلا أنه قد تم التغلب على هذه المشكلة الآن، بوضع خط في الأرض تستقيم عليه الصفوف، أو فرش المسجد بسجاجيد أو موكيت فيه هذا الخط بلون مخالف للون السجاد.
وانظر جواب السؤال رقم (93615) .
قال في "شرح مختصر خليل" (1/294) :
"يكره بناء مسجد غير مربع، لعدم تسوية الصفوف فيه، ولهذا اختلف في الصلاة فيه بالكراهة والجواز ... ومثل غير المربع: ما إذا كان مربعاً لكن قبلته في بعض زواياه" انتهى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1288)
التحدث في المساجد بأمور الدنيا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم التحدث في المسجد؟ مثل أن أرى صديقاً أو قريباً لي في المسجد قبل الصلاة أو بعدها فأسلم عليه، وأسأله عن حاله، وعن صحته، وأدعوه للزيارة، وغير ذلك من الكلام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"التحدث في المساجد إذا كان في أمور الدنيا والتحدث بين الإخوان والأصحاب في أمور ديناهم إذا كان قليلاً فلا حرج فيه إن شاء الله، أما إذا كان كثيراً فإنه يكره، فيكره أن تتخذ المساجد محلاً لأحاديث الدنيا، فإنها بنيت لذكر الله وقراءة القرآن والصلوات الخمس وغير هذا من وجوه الخير كالتنفل والاعتكاف وحلقات العلم.
أما اتخاذها للسواليف في أمور الدنيا فيكره ذلك، لكن الشيء القليل الذي تدعو له الحاجة عند السلام على أخيه الذي اجتمع به وسؤاله عن حاله وأولاده أو أشياء تتعلق بهذا أو بأمور الدنيا لكن بصفة غير طويلة بل بصفة قليلة فلا بأس بذلك" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (2/706) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1289)
اصطحاب الأولاد إلى المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[نسمع دائماً عند صلاة المغرب والعشاء صريخاً وضجيجاً من الأطفال في بيت الله الحرام، فهل هذا يجوز في هذا المكان، أو في أي مسجد من المساجد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا حرج في ذلك، لأن من طبيعة الطفل أنه يحدث منه هذا الشيء، وكان الأطفال في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يسمعهم النبي صلى الله عليه وسلم ويسمع صراخهم، ولم يمنع أمهاتهم من الحضور، بل ذلك جائز، ومن طبيعة الطفل أنه يحصل منه بعض الصراخ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أنه يسمع ذلك، ولم يمنع، بل كان صلى الله عليه وسلم يقوم في الصلاة وينشط لها فيسمع بكاء الصبي فيخفف لئلا تفتتن أمه، فهذا يدل على أنه أقرهن على ذلك وراعاهن في الصلاة أيضاً، عليه الصلاة والسلام.
ولأن منع الأطفال معناه منع الأمهات من الحضور، وقد يكون حضورهن فيه فائدة للتأسي بالإمام في الصلاة، والطمأنينة فبها، ومعرفتها كما ينبغي، أو لتسمع فائدة من الإمام من العلم.
فالحاصل أن حضورها إلى المسجد مع التستر والتحجب وعدم الطيب فيه فوائد، فإن كانت لا تأتي إلا بتبرج وإظهار محاسنها أو بالطيب فلا يجوز لها ذلك، فصلاتها في بيتها أولى، وبكل حال فصلاتها في بيتها أولى وأفضل إلا إذا كان خروجها تستفيد منه فائدة واضحة، كنشاط في قيام رمضان، وكسماع العلم والفائدة، أو التأسي بالإمام في صلاته والطمأنينة فيها إذا كانت تجهل كيفية الصلاة كما ينبغي، فتستفيد صفة الصلاة والطمأنينة فيها، وتستفيد سماع المواعظ والذكر، وهذا قد يجعل خروجها أولى لأجل المصلحة، وإلا فالأصل أن الصلاة في بيتها خير.
أما خروجها متبرجة بالملابس الحسنة الفاتنة، أو إبراز بعض محاسنها، وإظهار الطيب الذي قد يسبب الفتن لمن تمر عليهم فكل هذا لا يجوز، ويجب عليها أن تبقى في بيتها ولا تخرج بهذه الأحوال التي تفتن الناس وتضر الناس.
أما الطفل فلا بأس بوجوده معها ولكن تتحفظ منه وتجعله في محل محفوظ حتى لا يقذر المسجد ويؤذي المصلين، وإذا دعت الحاجة إلى حمله عند الحاجة ليسكت فلا بأس، فقد حمل النبي صلى الله عليه وسلم أمامة بنت زينب، حملها وهو يصلي بالناس، عليه الصلاة والسلام.
فالحاصل: أن وجود الأطفال في المسجد وحملهن حتى في الصلاة لا حرج فيه عند الحاجة، لكن ينبغي أن يراعى في ذلك سلامة الطفل من النجاسات حتى لا ينجس أمه" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (2/714، 715) .
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
موقع الإسلام سؤال وجواب(5/1290)
حكم بيع أدوات كهربائية لمسجد فيه ضريح
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم بيع أدوات كهربائية كالسلك والبلاستيك، لمن سيقوم بتركيبها بمسجد، فيه ضريح بجانبه، يفصله عنه جدار فقط، وما واجبي تجاه هذا المشتري؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
إذا كان يشتري هذه الأمور لإنارة الضريح الموجود داخل المسجد أو خارجه، فلا يجوز لك بيعه شيئاً من هذه الأغراض، ولا إعانته بأي وجه من وجوه الإعانة، لقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2.
وإيقاد السرج والأنوار على القبور من البدع المحدثة المحرمة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وإسراج المصابيح على القبور مما لم أعلم فيه خلافاً أنه معصية لله ورسوله" انتهى "مجموع الفتاوى" (31/45) .
وقال ابن حجر الهيتمي في "الزواجر" (1/134) : "صرح أصحابنا بحرمة السراج على القبر وإن قلَّ، حيث لم ينتفع به مقيم ولا زائر، وعللوه بالإسراف وإضاعة المال، والتشبه بالمجوس، فلا يبعد في هذا أن يكون كبيرة" انتهى.
وينظر: " أحكام الجنائز " للشيخ الألباني صـ 232.
وكذلك الحكم إذا كان يشتريها للمسجد والضريح في داخله، لأنه لا يجتمع في دين الإسلام مسجد وقبر أبداً.
فإن كان القبر هو السابق، بأن بُني المسجد على القبر، ففي هذه الحالة يجب هدم هذا المسجد وهجره وعدم الصلاة فيه، ولا يجوز بيع شيء يساعد على بقاء هذا المسجد.
قال شيخ الإسلام: " فهذه المساجد المبنية على قبور الأنبياء والصالحين والملوك وغيرهم يتعين إزالتها بهدم أو بغيره، هذا مما لا أعلم فيه خلافا بين العلماء المعروفين، وتكره الصلاة فيها من غير خلاف أعلمه، ولا تصح عندنا في ظاهر المذهب؛ لأجل النهي واللعن الوارد في ذلك ". انتهى
" اقتضاء الصراط المستقيم " (1/ 330) .
وإن كان المسجد هو السابق، بحيث دُفن الميت فيه بعد بناء المسجد، فالواجب نبش القبر، وإخراج الميت منه، ودفنه مع الناس.
وفي هذه الحالة أيضاً لا ينبغي معاونة من يريد تركيب هذه الأغراض في المسجد، لأن هذا فيه إقرار هذا المنكر، بل ومعاونة من يأتي إلى المسجد هو يريد التبرك بالضريح أو الاستغاثة به ونحو ذلك.
وأما إذا كان الضريح بجانب المسجد، ويفصل بينهما جدار، بحيث لا يكون للضريح مدخل أو نافذة من المسجد، فهو كبقية المساجد.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وان كان المسجد منفصلاً عن القبر، فحكمه حكم سائر مساجد المسلمين" مجموع الفتاوى (31/12) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1291)
هل يستحب إبرام عقد الزواج في المسجد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن يكون الزواج أو العقد داخل المسجد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ذهب جمهور أهل العلم إلى أن عقد النكاح في المسجد مستحب؛ لحديث استدلوا به، ولمعنى قالوا بوجوده.
في " الموسوعة الفقهية " (37 / 214) :
استحب جمهور الفقهاء عقد النكاح في المسجد؛ للبركة، ولأجل شهرته، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أعلنوا هذا النكاح واجعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدفوف) .
انتهى
أما الحديث: فقد رواه الترمذي (1089) ، وهو حديث ضعيف، ضعفه الترمذي، وابن حجر، والألباني، وغيرهم.
وأما المعنى: فهو قولهم بأن عقد النكاح في المسجد بركة، لكن يُشْكِل على ذلك أنه لو كان الأمر كذلك لحرص النبي صلى الله عليه وسلم على عقد الأنكحة لنفسه في المسجد، ولحرص على تبيين ذلك لأصحابه.
وعليه، فالأظهر هنا أن يقال:
أن إنشاء عقد الزواج في المسجد جائز من حيث الأصل، لا سيما إن كان ذلك في بعض الأحيان، أو كان أبعد لهم عن المنكر، مما لو عقد في مكان آخر. وأما التزام ذلك في كل عقد، أو اعتقاد أن له فضلاً خاصاً: فهو بدعة، ينبغي التنبيه عليها، ونهي الناس عن فعله على هذا الوجه.
وإن كان أثناء العقد وُجد اختلاط بين الرجال والنساء، أو حصل استعمال للمعازف: صار عقده في المسجد أشد حرمة من عقده خارجه؛ لما في ذلك من التعدي على حرمة بيت الله.
ودليل مشروعية عقد النكاح في المسجد، من حيث الأصل: حديث الواهبة نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم، والذي رواه البخاري ومسلم، حيث ثبت أنه زوجها لأحد أصحابه في المسجد، ولا يُحفظ أنه كرر ذلك في عقدٍ غيره.
1. سئل علماء اللجنة الدائمة:
أرجو من فضيلتكم التكرم بتوضيح حكم الشرع في إقامة عقد القران في المسجد، مع العلم أن العقد سوف يكون مقروناً بالالتزام بالتعاليم الإسلامية، وهي عدم الاختلاط بين الرجال والنساء، أو اصطحاب المعازف.
فأجابوا:
إذا كان الواقع ما ذكر: فلا بأس بإجراء عقد النكاح في المسجد.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (18 / 110) .
2. وسئلوا:
هل المواظبة على عقد عقود الزواج في المساجد يعتبر من السنَّة المستحبة، أم يعتبر من البدع؟ .
فأجابوا:
الأمر في إبرام عقد النكاح في المساجد وغيرها: واسع شرعاً، ولم يثبت فيما نعلم دليل يدل على أن إيقاعها في المساجد خاصة سنَّة، فالتزام إبرامها في المساجد: بدعة.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (18 / 110، 111) .
3. وقالوا:
ليس من السنَّة عقد النكاح بالمساجد، والمداومة على عقد النكاح داخل المسجد واعتقاده من السنَّة: بدعة من البدع؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) .
وإن كان يحضر حفلة عقد النكاح نساء متبرجات، وأطفال يؤذون في المسجد: منع عقد ذلك النكاح في المسجد؛ لما في ذلك من المفسدة.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (18 / 111، 112) .
4. وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
استحباب عقد النكاح في المسجد لا أعلم له أصلاً، ولا دليلاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن إذا صادف أن الزوج والولي موجودان في المسجد وعقد: فلا بأس؛ لأن هذا ليس من جنس البيع والشراء، ومن المعلوم أن البيع والشراء في المسجد حرام، لكن عقد النكاح ليس من البيع والشراء، فإذا عقد في المسجد: فلا بأس، أما استحباب ذلك بحيث نقول: اخرجوا من البيت إلى المسجد، أو تواعدوا في المسجد ليعقد فيه: فهذا يحتاج إلى دليل، ولا أعلم لذلك دليلاً.
" لقاء الباب المفتوح " (167 / السؤال رقم 12) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(5/1292)
نشد الضالة بمكبر الصوت الخاص بالمسجد وتعليق ورقة بها في المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد في مسجد قريتنا مكبر للصوت، فهل يجوز استعماله في السؤال عن ضالة ثمينة أو مهمة كأن يُسأل بواسطته عن طفل مفقود ونحوه؟ وهل يدخل ذلك في عموم الحديث الذي معناه: (من سمع رجلاً ينشد ضالة في المسجد فليقل: لا ردها الله عليك) ؟ وهل يلحق بذلك الورقة تعلق على باب المسجد أو جداره وتفيد السؤال عن ضالته دون التحدث بذلك مشافهة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"أما نشد الضوال عن طريق مكبر الصوت في المسجد فلا يجوز سواء قصد أهل المسجد أو القرية ما دام في المسجد، فلا يجوز، لعموم الحديث وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ فَلْيَقُلْ: لَا رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْكَ) ، وهذا حديث صحيح رواه مسلم في الصحيح، ولأن المساجد ما بنيت لهذا، وهكذا الحديث: (إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِي الْمَسْجِدِ فَقُولُوا: لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ) ؛ فالمساجد لم تُبن لنشد الضوال أو البيع والشراء، وإنما بنيت لعبادة الله وطاعته بالصلاة والذكر وحلقات العلم ونحو ذلك.
أما إذا كان المكبر خارج المسجد في بيت أو في محل خارج المسجد، فهذا أمر معلوم ولا حرج في ذلك أن ينشد الضالة ويطلب من المسلمين أن يفيدوه عن حاجته.
وأما كتابة ورقة وتعلق في المسجد فهذا إذا كان في الجدار الخارجي فلا بأس أو على الباب الخارجي فلا بأس، أما من الداخل فلا ينبغي لأن هذا يشبه الكلام، ولأنه قد يشغل الناس بمراجعة الورقة وقراءتها.
فالذي يظهر لنا: أنه لا يجوز، لأن تعليق أوراق في المسجد معناه نشد الضوال، ولكن إذا كتب على الجدار الخارجي من ظهر المسجد أو على الباب وتكون خارج المسجد فلا بأس بهذا " انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (2/709) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1293)
وجود صناديق الأحذية بين صفوف المصلين
[السُّؤَالُ]
ـ[توجد في بعض المساجد صناديق تحتوي على الأحذية تتخلل الصفوف، فما حكم الصلاة إلى هذه الصناديق؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا حرج في ذلك، الصناديق التي أمام الصف لا حرج فيها، إذا كان فيها نعال أو فيها غير ذلك كمصاحف أو كتب، ولو فرض أن فيها نجاسات فإنها لا تضر المصلي لأنها في مكانها وليست تحت المصلين" انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (2/716)(5/1294)
الكلام في المسجد بأمور الدنيا والضحك
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك أشخاص بما فيهم مؤذن المسجد يتحدثون في المسجد بغير أمور الدين، وأحياناً يكحكحون بصوت مسموع يؤذي المصلين، وعند نصحي أخذوا يجاهرون، هل هذا جائز أم لا؟ وماذا يترتب على ذلك وفقكم الله؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا ريب أن المساجد لم تبن للقيل والقال وأحاديث الدنيا والسوالف الباطلة والقهقهة ونحو هذا، وإنما بنيت لذكر الله والصلاة، وقراءة القرآن وبيان العلم، فالذين يجلسون في المساجد الواجب عليهم أن يتأدبوا بالآداب الشرعية ويتباعدوا عما يخالف ما بنيت له المساجد، لكن إذا كان التحدث قليلاً في أمور الدنيا فلا كراهة في القليل، أما إذا كان كثيراً فيكره، أقل أحواله الكراهة، وهكذا إذا قهقه إذا كان قليلاً أو تبسم فلا بأس.
وقد كان الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم يتحدثون مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد في أمور الجاهلية وربما ضحكوا وتبسم عليه الصلاة والسلام، فالضحك إذا كان لأمر شرعي أو لأمر تعجب منه من أمور الجاهلية أو ما أشبه ذلك من الأشياء التي توجب الضحك في غير لعب وفي غير امتهان المساجد، بل لأمر عارض في الأحاديث التي تعرض بين الناس في التاريخ ونحو هذا لا بأس به، أما أن يتخذ المسجد موضعاً للقيل والقال والسوالف والقهقهة ونحو ذلك فلا، وأقل أحواله الكراهة.
أما الشيء العارض فلا بأس به، قهقهة عارضة عند مرور شيء يتعجب منه في التاريخ أو غيره، أو التحدث بينهم بما يدعو إلى الضحك، فهذا لا حرج فيه إذا كان قليلاً.
أما إذا كنت نصحتهم وأخذوا يجاهرون فهذا من جهلهم، وهذا غلط، بل الواجب أن يشكروه ويدعو له ويقولون أحسنت، ونحو ذلك ولا يقابلونه بالإساءة، ولكن الجهل قد يوقع أهله في أشياء من الشر بسبب قلة بصيرته" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (2/705) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1295)
لا ينبغي طرد الأطفال من الصفوف الأولى
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأي فضيلتكم في صلاة الصبي المميز في الصف الأول: لأن كثيراً من الناس يطردونهم إلى الصفوف الأخيرة مما يسبب اجتماعهم وجلبتهم في المسجد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"ينبغي أن يشجّع الصبي على الصلاة وألا يُنفّر منها، فإذا تقدم الصف الأول، وهكذا إذا تقدم إلى الصف الثاني، ولا ينبغي تجميعهم في محل واحد؛ لأن هذا أولاً: ينفرهم من التقدم إلى الصلاة، وثانياً: يسبب لعبهم وإشغالهم للمصلين، فلا ينبغي لأهل المسجد أن يفعلوا ذلك؛ بل ينبغي لأهل المسجد أن يلاحظوا تفريقهم في الصفوف حتى يبعد بعضهم عن بعض لئلا يعبثوا ويؤذوا المصلين، ومن سبق منهم إلى الصف الأول فإنه يُقر؛ لأنه سبق إلى شيء ما سبقه إليه غيره فهو أحق به، والله المستعان" انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (2/921)(5/1296)
الصلاة في مسجد يتم ترميمه والصرف عليه بمال حرام
[السُّؤَالُ]
ـ[الصلاة في مسجد يتم ترميمه والصرف عليه بمال حرام هناك مساحة في مقدمة المسجد تابعة لأملاك المسجد مؤجرة لبنك غير إسلامي يتعامل مع الربا. ويقوم المسجد بالاستفادة من أموال الإجارة في أعمال الترميم وغيرها من الأمور في تطوير المسجد. فهل يجوز الصلاة في هذا المسجد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
تأجير المحل أو البيت لمن يتخذه للمعصية، لا يجوز، ومن ذلك تأجير المبنى للبنك الربوي؛ لأنه من الإعانة الواضحة على الإثم والعدوان، لأن صاحب المبنى يعلم أن البنك قد استأجر هذا المكان ليتعامل فيه معاملات محرمة، كالربا وغيره.
قال البهوتي في "شرح منتهى الإرادات": (2/358) : " ولا تصح إجارة دار لتعمل كنيسة أو بيعة أو صومعة راهب أو لبيع خمر أو القمار ونحوه. سواء شرط ذلك في العقد أو علم بقرينة ; لأنه فِعلٌ محرمٌ فلم تجز الإجارة عليه " انتهى باختصار.
وانظر جواب السؤال رقم (22870) .
فعلى القائمين على المسجد أن يتخلصوا من هذا العقد المحرم، وأن يؤجروا المساحة لجهة تستعملها في المباح، ولا ندري كيف طابت أنفسهم بجعل محل الربا المتوعَّد أهله بالحرب من الله ورسوله ملاصقا ومجاورا لبيت الله؟
ثانياً:
تجوز الصلاة في هذا المسجد، وإثم التعامل مع البنك على من فعل ذلك، وينبغي السعي في إقناع القائمين عليه بتجنيب المسجد هذا المال الخبيث الناتج عن التأجير للبنك الربوي، فإن أصروا، فالإثم عليهم، والصلاة صحيحة.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: ما حكم الصلاة في المسجد الذي بني ابتغاء وجه الله تعالى، وقد خلط مال بنائه بمال ربا؟
ما حكم الصلاة في المسجد الذي بني من التبرعات ومنها مال مسروق؟
فأجابوا: " تجوز الصلاة في كل منهما وإثم كل من المرابي والسارق على نفسه. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (6/241) .
وينظر جواب السؤال رقم (75410) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1297)
هل يؤجر على الجلوس في المسجد بعد الصلاة دون ذكر أو انتظار صلاة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كثيراً بعد انتهائي من أداء صلاة الجماعة وانتهائي من الأذكار والسنن بعد الصلاة فإني أجلس في المسجد لأنه يحقق لي الراحة والطمأنينة. هل في جلوسي هذا (غير المقترن بأداء ذكر أو عبادة) ثواب لي؟ أم أنه كجلوسي في أي مكان عام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا فرغ المصلي من صلاته وجلس في مصلاه الذي صلى فيه فإن الملائكة تستغفر له، كما جاء في الحديث الذي رواه البخاري (445) ومسلم (649) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ، مَا لَمْ يُحْدِثْ، تَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ) .
وفي رواية لهما: (مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ، مَا لَمْ يُؤْذِ فِيهِ) .
وظاهره: أن هذا الفضل لمن جلس ولم يُحْدث ولم يؤذ بغيبة ونحوها، سواء انشغل بذكر أو لا، وفضل الله واسع، وكرمه عظيم، فيرجى لك هذا الثواب إن شاء الله تعالى، وإن انشغلت بالذكر أو بقراءة القرآن فهذا أكمل وأفضل.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1298)
يحرم دفن الموتى في المساجد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم دفن الموتى في المساجد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الدفن في المساجد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، ونهى عن اتخاذ المساجد على القبور، ولعن من اتخذ ذلك وهو في سياق الموت يحذّر أُمَّته، ويذكر صلى الله عليه وسلم أن هذا من فعل اليهود والنصارى، ولأن هذا وسيلة إلى الشرك بالله عز وجل، لأن إقامة المساجد على القبور ودفن الموتى فيها وسيلة إلى الشرك بالله عز وجل في أصحاب هذه القبور، فيعتقد الناس أن أصحاب هذه القبور المدفونين في المساجد ينفعون أو يضرون، أو أن لهم خاصية تستوجب أن يُتَقَرَّب إليهم بالطاعات من دون الله سبحانه وتعالى.
فيجب على المسلمين أن يحذروا من هذه الظاهرة الخطيرة، وأن تكون المساجد خالية من القبور، مؤسسة على التوحيد والعقيدة الصحيحة، قال الله تعالى: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً) الجن/18.
فيجب أن تكون المساجد لله سبحانه وتعالى خالية من مظاهر الشرك، تُؤَدَّى فيها عبادة الله وحده لا شريك له. هذا هو واجب المسلمين. والله الموفق" انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله
"فتاوى العقيدة" (صـ 26) .
ولمزيد الفائدة ينظر جواب السؤال رقم (120214) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1299)
مسجدان متقاربان والثاني منهما قليل المصلين أو معدومه ففي أي المسجدين يصلي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن في منطقتنا يوجد مسجدان متقاربان، أحدهما يمتلأ عادة بالمصلين، أما الآخر: فيكون خالٍ من المصلين حتى إنَّه في بعض الأحيان لا يفتح المسجد أحيانا، ففي هذه الحالة أيهما أفضل: الصلاة في المسجد الممتلئ، أم إعمار المسجد الآخر؟ . وثانياً: - بارك الله فيك - الإمام الذي في المسجد الممتلئ لا يراعي السنَّة، فهو مسبل، ولا يراعي السنَّة، أما المسجد الآخر: فإمامه نوعاً ما ملتزم ما استطاع بالسنَّة. فنرجو منكم توضيح في أي المساجد الصلاة تكون فيه أفضل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
انتشار المساجد، وكثرتها، ولو في الحي الواحد: علامة خير، وهو مما يشجع الناس على أداء الصلاة في بيوت الله، لكننا ففي الوقت نفسه ننبه على أمورٍ:
1. أن لا يكون بناء المساجد بتقارب شديد، لئلا يؤدي ذلك إلى تفريق جماعة المسلمين، وقد يكون في بنائها شيء من الإسراف، والمباهاة، وقد يغلق بعضها في بعض الصلوات لعدم وجود من يصلي فيه.
2. أن لا يصلَّى الجمعة فيهما، بل يصلى في المسجد الكبير منهما؛ ليجتمع المصلون في مسجد واحد.
3. بناء المساجد في المناطق التي تخلو من مساجد بالكلية أولى من بنائها في أماكن يوجد فيها من المساجد ما يكفي المصلين.
ثانياً:
بما أن الحال هو ما ذكرتَ: فإننا نرى أن تكون الصلاة في المسجد الأول؛ لأمور:
1. أن اجتماع المصلين في مسجد واحد من شأنه أن يحقق الألفة بينهم، ويزيد في ترابطهم، فيُعرف مريضهم فيُعاد، وفقيرهم فيُعان، وميتهم فيُصلَّى عليه، ويُعزى أهله.
2. أن المسجد الذي يصلي فيه أهل الحي جميعهم يعين على تعليمهم، ووعظهم، بخلاف تشتتهم في أكثر من مكان، فإذا جاء العالم ليُعلِّم، والواعظ ليعظ، ويكون الناس قد اجتمعوا في صعيد واحد: فإن الخير والنفع والفائدة تصل لجميعهم.
3. كلما زاد عدد المصلين في الجماعة: كان أحب إلى الله.
فعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَإِنَّ صَلَاةَ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ وَحْدَهُ، وَصَلَاتُهُ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ مَعَ الرَّجُلِ، وَمَا كَثُرَ فَهُوَ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى) رواه أبو داود (554) والنسائي (843) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
"لو قدِّر أن هناك مسجدين، أحدهما أكثرُ جماعة مِن الآخر: فالأفضلُ أن يذهبَ إلى الأكثرِ جماعة؛ لأنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (صَلاةُ الرَّجُلِ مع الرَّجُلِ أزكى مِن صلاتِهِ وحدَهُ، ... ) .
وهذا عامٌّ، فإذا وُجِدَ مسجدان: أحدُهما أكثرُ جماعة مِن الآخرِ: فالأفضلُ أن تُصلِّيَ في الذي هو أكثر جماعة" انتهى.
"الشرح الممتع على زاد المستقنع" (4/150، 151) .
وقال الشيخ أيضاً:
"الأفضل لغير أهل الثَّغر أنْ يصلِّي في المسجدِ الذي تُقام فيه الجماعةُ إذا حضر، ولا تُقام إذا لم يحضر، مثال ذلك: إذا كان هناك مسجدٌ قائمٌ يصلِّي فيه الناسُ، لكن فيه رَجُلٌ إن حَضَرَ وصار إماماً: أُقيمت الجماعةُ، وإنْ لم يحضُرْ: تفرَّقَ الناسُ: فالأفضلُ لهذا الرَّجُلِ أنْ يصلِّيَ في هذا المسجدِ مِن أجلِ عِمارته؛ لأنَّه لو لم يحضُرْ لتعطَّلَ المسجدُ، وتعطيلُ المساجدِ لا ينبغي، فصلاةُ هذا الرَّجُِ في هذا المسجدِ: أفضلُ مِن صلاتِهِ في مسجدٍ أكثرَ جماعةٍ.
لكن ينبغي أن يقيَّد هذا بشرطٍ، وهو أن لا يكون المسجدُ قريباً مِن المسجدِ الأكثرِ جماعةً، فقد يُقال: إنَّ الأفضلَ أن يجتمعَ المسلمون في مسجدٍ واحدٍ، وأنَّ هذا أَولى مِن التفرُّق، فإذا قُدِّرَ أن هذا مسجدٌ قديمٌ ينتابه خمسةٌ، أو عشرةٌ من الناسِ، وحولَه مسجدٌ يجتمعُ فيه جمعٌ كثيرٌ، ولا يشقُّ على أهلِ المسجدِ القديمِ أنْ يتقدَّموا إلى المسجدِ الآخرِ، فرُبَّما يُقال: إنَّ الأفضلَ أن ينضمُّوا إلى المسجدِ الآخر، وأن يجتمعوا فيه؛ لأنَّه كلَّما كَثُرَ الجمعُ: كان أفضل" انتهى.
"الشرح الممتع على زاد المستنقع" (4/150) .
وعليكم بمناصحة هذا الإمام لعل الله يهديه ويوفقه لاتباع السنة والحرص عليها.
وأخيراً.. كان يسعنا أن نفتيكم بالصلاة في المسجد الأقل عدداً من المصلين إذا كان أهل المسجد الآخر معروفين بكراهة السنة ومحاربتها ومحاربة أهلها، وقد قمتم معهم بواجب النصيحة ولكن بلا فائدة.
ففي هذه الحالة: صلاتكم في هذا المسجد يقيمون فيه السنة وتعلمونها الناس أفضل بلا شك.
ولكن ما دام الأمر لم يصل إلى هذا الحد فنرى أن تجتمعوا في مسجد واحد.
ونسأل الله لكم التوفيق والهداية
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1300)
غضب من أهل المسجد فأنشأ مسجداً بجانبه
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن نعيش في مدينة صغيرة في " الولايات المتحدة الأمريكية "، عدد المسلمين فيها حوالي 5000 مسلم، والذين يداومون على حضور صلاة الجمعة حوالي 30، وعلى صلاة العشاء والفجر حوالي عشرة، سؤالي عن مشكلة حصلت بين إمام المسجد وعضو فعَّال في المجتمع، كلهم عرب، نتج عنها خروج هذا العضو عن الجماعة، وقام بشراء مبنى مجاور للمسجد لا يبعد إلا دقيقتين على الأقدام، وجعله مسجداً آخر، وأصبح يرغِّب الناس في الصلاة بالمسجد الجديد عن طريق تجهيز الولائم، والنشاطات المختلفة، فانقسم الناس، وأصبح يقام في نفس الشارع جماعتان، ووصل الحد إلى أن أصبح هناك صلاتا عيد في نفس الشارع , فهل يعتبر فعله هذا بدعة وتفريقاً بين المجتمع؟ وما نصيحتكم لهذا الأخ؟ وهل يجوز لنا الصلاة معهم في المسجد الجديد، أو هذا يعتبر عوناً لهم على زيادة الفرقة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جاء الإسلام بالأمر بالاجتماع والائتلاف، ونهى عن الفرقة والاختلاف، وإذا كان تفرق المسلمين في بلادهم منكَراً: فإنه أشد نكارة إن كان بين ظهراني الكفار، ففيه إظهار الإسلام بصورة سلبيَّة، وإظهار المسلمين أنهم أصحاب أهواء شخصية، وليسوا أصحاب رسالة خالدة.
وحرصاً على اجتماع المسلمين في صلاتهم، فقد منع العلماء تعدد الجمعة في مدينة واحدة، إلا لحاجة إلى ذلك: كضيق المسجد، أو تباعد أطراف المدينة.
وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
ما حكم إقامة الجمعة في موضعين، أو أكثر، من المدينة، أو الحارة، مع بيان الدليل الشافي؟ .
فأجاب:
"اعلم وفقك الله أن الذي عليه جمهور أهل العلم: تحريم تعدد الجمعة في قرية واحدة، إلا من حاجة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يقيم في مدينته المنورة مدة حياته صلى الله عليه وسلم سوى جمعة واحدة، وهكذا في عهد خلفائه الراشدين، أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، رضي الله عنهم أجمعين، وهكذا في سائر الأمصار الإسلامية في صدر الإسلام، وما ذلك إلا لأن الجماعة مرغَّب فيها من جهة الشرع المطهر؛ لما في اجتماع المسلمين في مكان واحد حال إقامة الجمعة، والعيد، من التعاون على البرِّ، والتقوى، وإقامة شعائر الإسلام، ولما في ذلك – أيضاً - من الائتلاف بينهم، والمودة، والتعارف، والتفقه في الإسلام، وتأسي بعضهم ببعض في الخير، ولما في ذلك – أيضاً - من زيادة الفضل، والأجر، بكثرة الجماعة، وإغاظة أعداء الإسلام من المنافقين، وغيرهم، باتحاد الكلمة، وعدم الفُرقة.
وقد وردت النصوص الكثيرة في الكتاب والسنَّة في الحث على الاجتماع، والائتلاف، والتحذير من الفُرقة، والاختلاف، فمِن ذلك قول الله عز وجل: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) ، وقوله سبحانه: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ) ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (إن الله يرضى لكم ثلاثا ويسخط لكم ثلاثا يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم) – رواه مسلم (1715) -.
ومما تقدم يتضح لكم: أن الواجب هو اجتماع أهل المدينة، أو القرية، على جمعة واحدة، كما يجتمعون على صلاة عيد واحدة حيث أمكن ذلك، من دون مشقة؛ للأدلة المتقدمة، والأسباب السالفة، والمصلحة الكبرى في الاجتماع.
أما إن دعت الحاجة الشديدة إلى إقامة جمعتين، أو أكثر، في البلد، أو الحارة الكبيرة: فلا بأس بذلك، في أصح قولي العلماء، وذلك مثل: أن تكون البلد متباعدة الأطراف، ويشق على أهلها أن يجتمعوا في مسجدٍ واحدٍ: فلا بأس أن يقيموا الجمعة في مسجدين، أو أكثر، على حسب الحاجة، وهكذا لو كانت الحارة واسعة لا يمكن اجتماع أهلها في مسجدٍ واحدٍ: فلا بأس أن يُقام فيها جمعتان، كالقرية، ولهذا لما بُنيت " بغداد "، وكانت واسعة الأرجاء: أقيم فيها جمعتان، إحداهما: في الجانب الشرقي، والثانية: في الجانب الغربي، وذلك في وسط القرن الثاني، بحضرة العلماء المشهورين، ولم ينكروا ذلك؛ لدعاء الحاجة إليه، ولمَّا قيل لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين خلافته: إن في الكوفة ضعَفة يشق عليهم الخروج إلى الصحراء لحضور صلاة العيد أمَر مَن يقيم لهم صلاة العيد بالبلد، وصلَّى رضي الل عنه بجمهور الناس في الصحراء.
فإذا جاز ذلك في العيد للحاجة: فالجمعة مثله؛ بجامع المشقة، والحاجة، والرفق بالمسلمين، وقد نصَّ الكثير من العلماء على جواز تعدد الجمعة عند الحاجة" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (2/351) .
فإذا كان هذا في تعدد الجمعة، فلا شك أن منع إقامة جماعتين متجاورتين في شارع واحد أشد منعاً.
وقد نص العلماء على تحريم بناء مسجد بجوار مسجد آخر إذا كان ذلك سيضر المسجد القديم ويؤدي إلى تفرقة أهله.
فقد سئل الإمام أحمد: كم يستحب أن يكون بين المسجدين إذا أرادوا أن يبنوا إلى جانبه مسجداً؟ قال: لا يُبنى مسجد يراد به الضرار لمسجد إلى جنبه , فإن كثر الناس حتى يضيق عليهم فلا بأس أن يُبنى وإن قرب من ذلك.
فإن لم يقصد الإضرار ولم تكن هناك حاجة إلى بناء مسجد آخر، ففي جواز بنائه روايتان عن الإمام أحمد، واختار شيخ الإسلام ابن تيمية أنه لا يُبنى، ويجب هدمه إذا بُني.
وقال المرداوي في "تصحيح الفروع": "وما اختاره شيخ الإسلام هو الصواب".
انظر: "الفروع" (2/38) .
فالنصيحة لكم جميعاً أن تعملوا على جمع الكلمة وإزالة ما حصل من عداوة وبغضاء بين أهل المسجد، وتجتمعوا جميعاً على الصلاة في المسجد الذي بني أولاً. وتكون كلمتكم واحدة.
ونسأل الله أن يصلح أحوالكم، ويهدي قلوبكم، وأن يجمع كلمتكم على الحق والهدى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1301)
لم يثبت أن علياً رضي الله عنه ولد في الكعبة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمرأة أن تضع مولودة في المسجد؟ وهل صحيح أن سيدنا علي بن أبي طالب قد ولد في الكعبة؟ وإذا كان صحيحا فالمرأة أثناء الوضع لا تكون على طهور، فكيف تدخل المسجد وهو بيت من بيوت الله وهي نفساء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يجوز للحائض والنفساء أن تبقى في المسجد.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (20/243)
"لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ دُخُول الْمَسْجِدِ، وَالْمُكْثُ فِيهِ وَلَوْ بِوُضُوءٍ" انتهى.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (60213) و (33649) .
ثانيا:
أما خبر ولادة علي بن أبي طالب رضي الله عنه في الكعبة:
فقد قال الحاكم أبو عبد الله في "المستدرك" (5/206) : " تواترت الأخبار أن فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في جوف الكعبة " انتهى.
فتعقبه ابن الملقن رحمه الله فقال:
"حَكِيم بن حزام رضي الله عنه ولد فِي جَوف الْكَعْبَة، وَلَا يعرف أحد ولد فِيهَا غَيره، وَأما مَا رُوِيَ عَن عَلّي رَضي اللهُ عَنهُ أَنه ولد فِيهَا فضعيف، وَخَالف الْحَاكِم فِي ذَلِكَ فَقَالَ فِي «الْمُسْتَدْرك» فِي تَرْجَمَة عَلّي أَن الْأَخْبَار تَوَاتَرَتْ بذلك" انتهى.
"البدر المنير" (6/489) .
وقد سئل د. الشريف حاتم بن عارف العوني (عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى) :
هل صحيح أن سيدنا علياً رضي الله عنه وُلِد داخل الكعبة؟ وإذا كان الجواب نعم فهل في هذا ميزة له رضي الله عنه؟
فأجاب:
" لم يرد حديثٌ صحيحٌ بذلك، ولم يرد بذلك شيءٌ في المصادر الموثوقة من مصادر السنة؛ إلا ما جاء في كلامٍ لأبي عبد الله الحاكم النيسابوري، وما ورد في مناقب علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) لابن المغازلي.
أما الحاكم فأورد ما جاء عن بعض نسّابي قريشٍ، من أن حكيم بن حِزام رضي الله عنه وُلد في جوف الكعبة، فلم يُنكر ذلك، لكنه لما أورد قول مصعب بن عبد الله الزُّبيري عن حكيم: " وأمه فاختة بنت زهير بن أسد بن عبد العزى، وكانت ولدت حكيمًا في الكعبة، وهي حامل، فضربها المخاض وهي في جوف الكعبة، فولدت فيها، فحُمِلت في نِطْعٍ، وغُسل ما كان تحتها من الثياب عند حوض زمزم.
قال مصعب: ولم يُولد قبلَه، ولا بعده، في الكعبة أحدٌ".
فتعقّبه الحاكم قائلًا: " وَهِمَ مصعبٌ في الحرف الأخير، فقد تواترت الأخبار: أن فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في جوف الكعبة ".
وأما ما جاء عند ابن المغازلي، فإنه أسند خبرًا فيه قصة مولد علي (رضي الله عنه) في جوف الكعبة (مناقب علي رقم 3) ؛ لكن إسناده شديد الضعف، لتتابع المجهولين في إسناده، مع نكارة القصة التي تفرّدوا بها. وهذا أحد أكبر عيوب كتاب ابن المغازلي في المناقب، حتى قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن كتابه هذا: "قد جمع في كتابه من الأحاديث الموضوعات ما لا يخفى أنه كذبٌ على من له أدنى معرفةٍ بالحديث". كما في منهاج السنة النبوية (7/15) .
فأما قول الحاكم: " فقد تواترت الأخبار: أن فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في جوف الكعبة "، فـ (المتواتر) عند الحاكم ليس هو المتواتر عند الأصوليين، والذي يعنون به الخبر الذي يفيد العلم اليقيني الضروري لكثرة المخبرين به. كما نبّه على ذلك البلقيني في محاسن الاصطلاح (453) ، والعراقي في التقييد والإيضاح (1/776) .
فلا يتجاوز كلام الحاكم أن يكون إخبارًا عن أن هذا الأمر في زمنه كان من الأمور المشهورة بين الناس، ولا يدل على أكثر من ذلك؛ لما بيّنّاه من أن المتواتر عنده ليس هو المتواتر عند الأصوليين.
وإذا تبيّنَ ذلك: فإن مجرّد الشهرة في زمن الحاكم المتوفَّى سنة (405هـ) ، لا تُغني شيئًا؛ خاصةً إذا خالفت مقالةً لمن هو أقرب زمنًا منه من زمن الحادثة التي اشتهرت في زمنه، وهو مصعب الزبيري المتوفَّى سنة (236هـ) ، وهو علّامةٌ في نسب قريشٍ وأخبارها، حيث نفى أن يكون أحدٌ قد وُلد في جوف الكعبة غير حكيم بن حزامٍ كما سبق.
أما سبب شهرة هذا الأمر في زمن الحاكم: فهو لأنه مما تدّعيه الشيعةُ لعلي رضي الله عنه، وهو عندهم يكاد يكون من المسلّمات، دون أن يكون لديهم برهانٌ صحيحٌ عليه. حتى قال شاعرهم (وهو السيد الحميري، كما في ديوانه 64:) عن فاطمة بنت أسد أمِّ علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) :
ولدتْهُ في حرم الإله وأمنِه والبيتِ حيثُ فناؤه والمسجدُ
بيضاءُ طاهرةُ الثيابِ كريمةٌ طابت وطاب وليدُها والمولدُ
وتناقلت ذلك المصادرُ الشيعيةُ، كأمالي الشيخ الصدوق وأمالي الطوسي وغيرها.
وفي الإمام الحاكم تشيّعٌ يسير، نص عليه أهل العلم. فلعل مصدره هو شهرة هذا الخبر في زمنه بين عموم الناس، والناس أخذوها من الشيعة ومن مثل هذه الأخبار غير المعتمدة "
انتهى.
http://www.alalbayt.com/index.php?option=com_content&task=view&id=3449&Itemid=87%20-%2035k
فتبين بذلك أن خبر ولادة علي رضي الله عنه بالكعبة لا يصح.
وعلى فرض صحة ثبوت ذلك، فلا يستفاد منه حكم شرعي، لأن ولادته رضي الله عنه كانت قبل النبوة، يعني في الجاهلية، قال الحافظ ابن حجر في "الإصابة" (4/564) :
" ولد قبل البعثة بعشر سنين على الصحيح " انتهى.
ونحن مخاطبون بشريعة الإسلام، فلا حجة فيما كان قبل البعثة.
وقد أمرنا الله تعالى بتعظيم المساجد في قوله: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) .
قال السعدي رحمه الله:
" (أَذِنَ) أي: أمر ووحي
(أَنْ تُرْفَعَ) يدخل في رفعها: بناؤها وكنسها وتنظيفها من النجاسة والأذى، وصونها من المجانين والصبيان الذين لا يحترزون عند النجاسة، وعن الكافر وأن تصان من اللغو ورفع الأصوات فيها" انتهى.
"تفسير السعدي" (ص 663) .
فيجب تنزيه المساجد عن كشف العورات والدم الحاصل بسبب الولادة.
وعلى فرض، أن امرأة أخذها الطلق وهي في المسجد ولم نستطع نقلها إلى مكان آخر، فهذه حالة ضرورة لا يستفاد منها جواز هذا العمل.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1302)
وجود المصاحف خلف صفوف المصلين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم وضع المصاحف على الحامل بين الصفوف خلف ظهور المصلين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا نعلم بأسا في ذلك للضرورة" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز " (24/390) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1303)
هل تجلس الحائض في المسجد الذي لا تقام فيه الجمعة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[في وقت الغداء أمكث في المسجد بحكم العمل فهل يجوز المكث أثناء فترة الحيض؟ على العلم أنه بدون صومعة ولا تقام به صلاة الجمعة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يحرم على الحائض أن تمكث في المسجد؛ لما روى البخاري (974) ومسلم (890) عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها قَالَتْ: (أَمَرَنَا - تَعْنِي: النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نُخْرِجَ فِي الْعِيدَيْنِ الْعَوَاتِقَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ، وَأَمَرَ الْحُيَّضَ أَنْ يَعْتَزِلْنَ مُصَلَّى الْمُسْلِمِينَ) ، فمنع النبي صلى الله عليه وسلم الحائض من مصلى العيد، وأمرها باعتزاله، لأن له حكم المسجد، فدل على منعها من دخول المسجد، وإلى هذا ذهب جمهور أهل العلم.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (33649) ، (60213) .
ولا فرق بين المسجد الذي تقام فيه الجمعة والذي لا تقام فيه، ولا بين ما له صومعة وما كان بدونها، فالعبرة بكونه مسجداً، أي: مكاناً موقوفاً للصلاة.
وأما مصليات العمل والمدارس التي لم تخرج عن ملك صاحبها ولم توقف لتكون مسجداً، فلا تأخذ حكم المسجد، فيجوز للحائض دخولها والمكث فيها.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
هل يأخذ المصلى في السكن الجامعي حكم المسجد من حيث أداء تحية المسجد وأذكار الدخول والخروج؟
فأجابوا:
"المصلى الذي في السكن الجامعي أو في غيره لا يأخذ حكم المسجد من كل وجه" انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (5/170) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن مُصلَّى المدرسة المعد لصلاة الظهر فقط، هل يجوز للحائض دخوله؟
فأجاب:
"المصلى في المدارس ليس في حكم المسجد، بل هو مصلى، وليس كل مكان تقام فيه الصلاة يعتبر مسجداً، فالمسجد هو: ما أعد للصلاة على سبيل العموم وهيئ وبني.
وأما مجرد أن يتخذ مكاناً يصلى فيه فهذا لا يجعله مسجداً.
وعلى هذا؛ فيجوز للمرأة الحائض أن تدخل مصلى المدرسة وتمكث فيه" انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (22/27) .
والحاصل: أنه لا يجوز لك الجلوس في المسجد حال الحيض، ويجوز ذلك في المصلى الذي لا يأخذ حكم المسجد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(5/1304)
حكم تزيين المساجد وحكم كتابة الأدعية والآيات على جدرانها
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن الآن في طور بناء وترميم المسجد الذي في حيِّنا، هنا في أمريكا، وقد عرض علينا بعض المحسنين أن يتكفلوا بتزيين الجدران الداخلية للمسجد ببعض الآيات القرآنية، والتشكيلات الدينية، والتي ستكون - بإذن الله - بعيدة عن أعين المصلِّين، بحيث لا تشغلهم ـ أو تلهيهم عن الصلاة، كما أن هذا " النحت " سيكون عبارة عن بعض الأدعية، والآيات، التي تعين مَن لا يحفظ مثل هذه الأدعية والآيات أن يقرأها مباشرة من الجدار، إضافة أنها ستضفي رونقاً خاصّاً للمسجد، بحيث يتعرف بعض الزوار من غير المسلمين على مدى اهتمام المسلمين بأماكن العبادة، علاوة على ذلك: فإن لها نكهة خاصة من شأنها أن تربط أبناءنا بنمط " البناء الإسلامي "، لا سيما أنهم يعيشون هنا، ولا يعلمون شيئاً عن ثقافتهم المعمارية. فما الحكم في هذا الشأن؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
عمارة المساجد وبناؤها، وتعظيمها وصيانتها، من العبادات العظيمة، والقربات الجليلة عند الله.
وليس من عمارتها المطلوبة كتابة الآيات، والأحاديث، والأدعية على الجدران، لأن المقصود بالكتابة هو الزينة المتباهى بها، والتي تشغل المصلين في صلاتهم، والتي تجعل المساجد متاحف، وأماكن للسياحة، كما يحدث – للأسف – في كثير من البلدان، وليس هذا الأمر مما يفتخر به المسلمون، وإنما فعله من ركن إلى الدنيا، وأراد منافسة الكفار في بنائهم، أو مباهاة غيره من الحكام، وإنما عمارة المساجد عندنا: إقامة الصلاة فيها، والاعتكاف، والتعليم، وذِكر الله، وليس هو تشييدها بأنواع الحجارة، ولا طليها بمختلف الألوان، ولا تزويقها بأشكال من الخطوط تُرسَم فيها الآيات، وتُكتب فيها الأحاديث والأدعية.
ثانياً:
تعليق الآيات القرآنية على جدران البيوت، أو المساجد: بدعة مكروهة.
" سئل الإمام مالك عن المساجد، هل يُكره أن يكتب في قبلتها بالصبغ مثل آية الكرسي وقل هو الله أحد والمعوذتين ونحوها فقال: " أكره أن يكتب في قبلة المسجد شيء من القرآن والتزويق وقال إن ذلك يشغل المصلي وكذلك ينبغي له أن يغير ما أحدثوه من إلصاق العمد في جدار القبلة وفي الأعمدة أو ما يلصقونه أو يكتبونه في الجدران والأعمدة وكذلك يغير ما يعلقونه من خرق كسوة الكعبة في المحراب وغيره فإن ذلك كله من البدع لأنه لم يكن من فعل من مضى"
انتهى من كتاب "المدخل" لابن الحاج (2/215)
فالقرآن لم ينزله الله تعالى من أجل أن يكون زينةً للجدران.
قال الإمام النووي رحمه الله: " لا تجوز كتابة القرآن بشيء نجس وتكره كتابته على الجدران عندنا " انتهى من "التبيان في آداب حملة القرآن" ص (110)
وقال ابن الهمام الحنفي: " تُكْرَهُ كِتَابَةُ الْقُرْآنِ وَأَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الدَّرَاهِمِ وَالْمَحَارِيبِ وَالْجُدْرَانِ وَمَا يُفْرَشُ " انتهى من "فتح القدير" (1/310) .
ونص عليه السفاريني الحنبلي في غذاء الألباب (2/211) .
وسئل فضيلة الشيخ ابن العثيمين - رحمه الله -:
ما حكم كتابة الآيات والأحاديث على جدران المساجد؟ .
فأجاب:
هذه تشوِّش على النَّاس، أما كتابة الآيات على الجدران سواءً في المساجد، أو غيرها: فإنها من البدع، لم يوجد عن الصحابة أنهم كانوا ينقشون جدرانهم بالآيات، ثم إن اتخاذ الآيات نقوشاً في الجدران: فيه شيء من إهانة كلام الله، ولذلك نجد بعضهم يكتب الآيات وكأنها قصور، أو مآذن، أو مساجد، أو ما أشبه ذلك، يكيف الكتابة حتى تكون كأنها قصر، ولا شك أن هذا عبث بكتاب الله عز وجل، ثم لو قدِّر أنها كُتبت بكتابة عربية مفهومة: فإن ذلك ليس من هدي السلف، وما الفائدة من كتابتها على الجدار؟ يقول بعض الناس: يكون تذكيراً للناس، فنقول: التذكير يكون بالقول، لا بكتابة الآيات، ثم إنه أحياناً يكتب على الجدار: (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) الحجرات/ 12، وتجد الذين تحت الآية هذه يغتابون الناس، فيكون كالمستهزئ بآيات الله.
إذاً: كتابة الآيات في المساجد، وعلى جدران البيوت كلها: من البدع، التي لم تكن معهودة في عهد السلف.
أما كتابة الأحاديث: ففي المساجد إذا كانت في القبلة: لا شك أنها توجب التشويش، وقد يكون هناك نظرة، ولو من بعض المأمومين إليها في الصلاة، وقد كره العلماء رحمهم الله أن يكتب الإنسانُ في قبلة المسجد شيئاً، أما في البيت: فلا بأس أن يَكتب حديثاً يكون فيه فائدة، مثل كفارة المجلس: (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليه) هذا فيها تذكير.
" لقاء الباب المفتوح " (197 / السؤال رقم 8) .
وسئل الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله -:
ما حكمُ تعليقِ الآيات القرآنية على الجدران؟ .
فأجاب:
يجبُ تعظيمُ القرآنِ الكريمِ، وتلاوته، وتدبُّره، والعمل به، أما تعليقه على الجدران: فهو من العبث، وقد يؤدي ذلك إلى امتهانه.
وأيضاً: قد يتَّخذُ ذلك من باب تجميل الجدران بالديكورات، والرسومات، والكتابات، فيُجعل القرآن ضمن ذلك، وقد يُكتب على شكل نقوش يُقصد منها المناظرُ فقط.
وعلى كل حال: فالقرآن يجب أن يُصان عن هذا العبث، وما كان السَّلف يعملون هذا، والقرآن لم ينزل ليُكتب على الجدران، وإنما أنزل ليُكتب في القلوب، ويظهر أثره على الأعمال والتصرُّفات.
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (2 / 77) .
وينظر تفصيل نافع في جواب السؤال رقم: (254) ورقم (97497) .
ثالثاً:
وأما كتابة الأحاديث والأدعية على جدران المسجد: فالأحوط تركه؛ لأنه لا يراد به – عادة وغالباً – إلا الزينة، وإذا كان المراد به الفائدة للناس لحفظها والتذكير بألفاظها: فيجوز إذا التزمت الشروط التالية:
1. عدم جعل الأحاديث والأدعية مكتوبة على الجدران رسماً؛ لأنها لا تزال، فلا يستفاد من مكانها إن حفظها المصلون، بل تكتب على ورق حائط، يسهل تعليقه ونزعه، وخاصة فيما يحتاجه المسلمون من معرفة ما يُكتب في مناسباتهم الموسمية.
2. أن لا تكون في قبلة المصلين؛ حتى لا تشغلهم في صلاتهم.
3. أن لا تستعمل الزينة في الكتابة بما تفقد الحديث والدعاء هيبته.
4. تجنب كتابتها بشكل غير مقروء، أو جعلها على شكل طائر، أو رجل ساجد، وما يشبهه.
5. أن تغيَّر باستمرار، بحسب حاجة الناس، لإزالة جهل، أو تذكير بفضل، أو تثبيت حفظ.
رابعاً:
وأما تزيين جدران المساجد: فقد اختلف فيه أهل العلم، والراجح: هو المنع منه، خاصة إن كانت الزينة من أموال الوقف، أو كانت مُلهية للمصلين، ومشوشة عليهم في صلاتهم، أو بُذلت أموال طائلة في سبيل ذلك.
عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَبَاهَى النَّاسُ فِى الْمَسَاجِدِ) .
رواه أبو داود (449) والنسائي (689) وابن ماجه (739) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
وروى البخاري (1 / 171) عن أَنَس بنِ مالِك: " يَتَبَاهَوْنَ بِهَا، ثُمَّ لاَ يَعْمُرُونَهَا إِلاَّ قَلِيلاً ".
والأثر وصله ابن أبي شيبة في " المصنف " (1 / 309) ، وفيه رجل مجهول.
قال بدر الدين العيني – رحمه الله -:
قوله " يتباهَون " بفتح الهاء من المباهاة، وهي المفاخرة، والمعنى: أنهم يزخرفون المساجد، ويزينونها، ثم يقعدون فيها، ويتمارون، ويتباهون، ولا يشتغلون بالذِّكْر، وقراءة القرآن، والصلاة.
قوله " بها "، أي: بالمساجد، والسياق يدل عليه.
" عمدة القاري " (4 / 205) .
روى البخاري (1 / 171) عن ابْن عَبَّاسٍ قولَه: " لَتُزَخْرِفُنَّهَا، كَمَا زَخْرَفَتِ الْيَهُودُ، وَالنَّصَارَى ".
وهذا الأثر وصله ابن أبي شيبة في " المصنف " (1 / 309) وغيره، وصححه الألباني في تحقيق " إصلاح المساجد من البدع والعوائد " لجمال الدين القاسمي (94) ، وفي " صحيح أبي داود " الكامل (2 / 347) .
قال البغوي – رحمه الله -:
وقول ابن عباس: لتزخرفنَّها كما زخرفت اليهود والنصارى، معناه: أن اليهود والنصارى إنما زخرفوا المساجد عندما حرفوا وبدلوا أمر دينهم، وأنتم تصيرون إلى مثل حالهم، وسيصير أمركم إلى المراءاة بالمساجد، والمباهاة بتشييدها، وتزيينها.
" شرح السنة " (2 / 350) .
وفي " الموسوعة الفقهية " (11 / 275) :
يحرُم تزيين المساجد بنقشها، وتزويقها بمال الوقف، عند الحنفية، والحنابلة، وصرَّح الحنابلة بوجوب ضمان الوقف الذي صرف فيه؛ لأنه لا مصلحة فيه، وظاهر كلام الشافعية: منع صرف مال الوقف في ذلك، ولو وقف الواقف ذلك عليهما - النقش، والتزويق -: لم يصح في القول الأصح عندهم، أما إذا كان النقش والتزويق من مال الناقش: فيُكره – اتفاقاً - في الجملة إذا كان يُلهي المصلي، كما إذا كان في المحراب، وجدار القبلة.
انتهى
سئل علماء اللجنة الدائمة:
عن مشروع يتبنى " زخرفة المساجد "؟ .
فأجابوا:
هذا العمل غير مشروع؛ للأحاديث الصحيحة في النهي عن زخرفة المساجد، ولأن في ذلك إشغالاً للمصلين عن صلاتهم بالنظر، والتفكر في تلك الزخارف، والنقوش.
الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " المجموعة الثانية (5 / 191) .
وقد جُمعت مسألتا كتابة الآيات، وزخرفة المساجد في فتوى واحدة من فتاوى اللجنة الدائمة:
قالوا:
لا يجوز زخرفة المساجد، ولا كتابة الآيات القرآنية على جدرانها؛ لما في ذلك من تعريض القرآن للامتهان، ولما فيه من زخرفة المساجد المنهي عنها، وإشغال المصلين عن صلاتهم بالنظر في تلك الكتابات والنقوش.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " المجموعة الثانية (5 / 190) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1305)
هل يؤخر الصبي عن الصف الأول إذا تقدم إليه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا تقدم صبي صغير إلى الصف الأول في الصلاة، فهل يجوز أن نؤخره ليصلي مكانه رجل كبير؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أهل العلم والفضل أن يتقدموا إلى الصلاة، ويكونوا قريبين منه صلى الله عليه وسلم، فقال: (لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ) . رواه مسلم (432) .
غير أن هذا الحديث ليس نهياً لغيرهم عن التقدم، وإنما هو حث لأولي الأحلام والنهى بالتقدم إلى الصلاة، حتى يكونوا خلف الإمام، وفي الصفوف الأولى، فإن تكاسلوا وتأخروا عن الحضور إلى الصلاة، فمن سبق إلى الصف الأول أو خلف الإمام فهو أحق به، ولو كان صبياً صغيراً.
قال ابن حجر الهيتمي في "الفتاوى" (1/229) :
" الصِّبْيَانَ مَتَى سَبَقُوا الْبَالِغِينَ إلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ لَمْ يَجُزْ لَهُمْ إخْرَاجُهُمْ " انتهى.
وذكر المرداوي في "الإنصاف" (2/41) :
أن المجد ابن تيمية اختار أن الصبي لا يُؤخر عن مكانه الذي سبق إليه، قال: وهو الصواب.
وقال الشيخ ابن باز: " الأصح أنهم - أي الصبيان - إذا تقدموا لا يجوز تأخيرهم، فإذا سبقوا إلى الصف الأول أو إلى الصف الثاني فلا يقيمهم من جاء بعدهم، لأنهم سبقوا إلى حق لم يسبق إليه غيرهم فلم يجز تأخيرهم لعموم الأحاديث في ذلك، لأن في تأخيرهم تنفيراً لهم من الصلاة، ومن المسابقة إليها فلا يليق ذلك.
لكن لو اجتمع الناس بأن جاءوا مجتمعين في سفر أو لسبب، فإنه يصف الرجال أولاً، ثم الصبيان ثانياً، ثم النساء بعدهم إذا صادف ذلك وهم مجتمعون، أما أن يؤخذوا من الصفوف ويزالوا ويصف مكانهم الكبار الذين جاءوا بعدهم فلا يجوز ذلك.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (ليلني منكم أولوا الأحلام والنهى) ، فالمراد به التحريض على المسارعة إلى الصلاة من ذوي الأحلام والنهى وأن يكونوا في مقدم الناس، وليس معناه تأخير من سبقهم من أجلهم " انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (12/400) .
وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (3/4) :
" إنَّ الصبيان إذا تقدَّموا إلى مكان، فهم أحقُّ به مِن غيرهم؛ لعموم الأدلَّة على أنَّ مَن سبقَ إلى ما لم يسبق إليه أحدٌ فهو أحقُّ به، والمساجدُ بيوتُ الله، يستوي فيها عباد الله، فإذا تقدَّم الصبيُّ إلى الصفِّ الأول ـ مثلاً ـ وجَلَسَ فليكنْ في مكانِه، ولأننا لو قلنا بإزاحة الصِّبيان عن المكان الفاضل، وجعلناهم في مكان واحد أدى ذلك إلى لَعبِهم؛ لأنَّهم ينفردون بالصَّفِّ " انتهى.
وقال الشيخ أيضا:
" يجوز أن يكون الصبيان في الصف ولو قطعوا الصف؛ لأنهم بشر ليسوا حجراً وليسوا أعمدة , فهم لا يقطعون الصفوف , ولا يجوز لأحد أن يبعدهم من مكانهم - أيضاً - حتى ولو كانوا خلف الإمام مباشرة في الصف الأول، فإنه لا يحل لأحد أن يبعدهم من مكانهم "
انتهى.
"لقاء الباب المفتوح" (106/24) .
فعلى ما تقدم: فأولى الناس بالصف الأول ولو كان خلف الإمام مباشرة من سبق إليه، ولو كان صبيا، ولو كان مفضولاً، ولا يجوز حينئذ تأخيره.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(5/1306)
الكلام في المسجد في أمور الدنيا
[السُّؤَالُ]
ـ[الكلام في المسجد في أمور الدنيا هل فيه إثم أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الكلام في المسجد ينقسم إلى قسمين: القسم الأول: أن يكون فيه تشويش على المصلين والقارئين والدارسين، فهذا لا يجوز، وليس لأحد أن يفعل ما يشوش على المصلين والقارئين والدارسين.
والقسم الثاني: أن لا يكون فيه تشويش على أحد، فهذا إن كان في أمور الخير فهو خير، وإن كان في أمور الدنيا فإن منه ما هو ممنوع، ومنه ما هو جائز، فمن الممنوع: البيع والشراء والإجارة، فلا يجوز للإنسان أن يبيع أو يشتري في المسجد، أو يستأجر أو يؤجر في المسجد، وكذلك إنشاد الضالة، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (إذا سمعتم من ينشد الضالة فقولوا: لا ردها الله عليك، فإن المساجد لم تبن لهذا) .
ومن الجائز: أن يتحدث الناس في أمور الدنيا بالحديث الصدق، الذي ليس فيه شيء محرم" انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
"فتاوى نور على الدرب"
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1307)
حكم بناء مسجد قريبا من مقبرة لغير المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن نبني أو نشتري مسجدا بالقرب من مقبرة لغير المسلمين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
من الأحكام الشرعية التي قصد بها قطع دابر الفتنة، وسد ذرائع الشرك، وإغلاق أبواب الغلو: النهي عن اتخاذ القبور مساجد، أو الصلاة إليها، أو اتخاذ المقبرة مكانا للصلاة.
ولا فرق في ذلك بين قبور المسلمين، أو قبور المشركين؛ بل قبور المسلمين، والصالحين منهم، أولى بالابتعاد عنها؛ لأنها مظنة الشرك والفتنة بها.
روى البخاري (436) ومسلم (531) أَنَّ عَائِشَةَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ، رضي الله عنهم، قَالَا: لَمَّا نَزَلَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً لَهُ عَلَى وَجْهِهِ، فَإِذَا اغْتَمَّ بِهَا كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ وَهُوَ كَذَلِكَ: (لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ؛ يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا) .
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ إِلَّا الْمَقْبَرَةَ وَالْحَمَّامَ) .
رواه الإمام أحمد (11379) وأبو داود (492) والترمذي (317) ، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وجوّد شيخ الإسلام ابن تيمية إسناده، كما في اقتضاء الصراط (232) ، وصححه أيضا: الشيخ الألباني، ومحققو المسند. لكن رجح الدارقطني، والترمذي إرساله.
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، معلومة.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى، في فوائد غزوة تبوك، وما فيها من ذكر مسجد الضرار الذي نهى الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم، عن الصلاة فيه:
" ومنها: أن الوقف لا يصح على غير برٍّ ولا قُربة، كما لم يصحَّ وقفُ هذا المسجد [يعني: مسجد الضرار] . وعلى هذا: فيُهدم المسجد إذا بُني على قبر، كما يُنبش الميتُ إذا دُفِنَ في المسجد. نص على ذلك الإمام أحمد وغيرُه.
فلا يجتمع فى دين الإسلام مسجدٌ وقبر، بل أيُّهما طرأ على الآخر. منع منه، وكان الحكم لِلسابق، فلو وُضِعا معاً، لم يجز، ولا يصح هذا الوقف ولا يجوز، ولا تَصِحُّ الصلاة فى هذا المسجد؛ لنهى رسولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك، ولعنه مَن اتخذ القبر مسجداً، أو أوقد عليه سراجاً.
فهذا دينُ الإسلام الذى بعث الله به رسوله ونبيه، وغربتُه بينَ الناس كما ترى!! " انتهى.
"زاد المعاد في هدي خير العباد" (3/572) .
أما إذا كانت القبور أو المقبرة قريبة من المكان الذي يراد بناء المسجد فيه: فلا بأس ببناء المسجد بشروط ثلاثة:
1- ألا يقصد ببناء المسجد تعظيم تلك القبور أو التبرك بها.
2- ألا تكون القبور في قبلة المسجد. لحديث أبي مرثد الغنوي رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لَا تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ وَلَا تُصَلُّوا إِلَيْهَا) رواه مسلم (رقم/972) .
3- أن يفصل المسجد عنها فصلا محكما، بحيث لا تدخل هذه القبور في شيء من ساحات المسجد أو فنائه، وبحيث يظهر للعيان ظهورا بينا أن المسجد منفصل عن المقبرة تماما، بنحو طريق، أو شارع، أو خلاء واسع، أو غير ذلك.
" قال أبو بكر الأثرم: سمعت أبا عبد الله - يعني: أحمد بن حنبل رحمه الله - يُسأل عن الصلاة في المقبرة؟ فكره الصلاة في المقبرة. فقيل له: المسجد يكون بين القبور، أيصلي فيه؟ فكره ذَلِكَ. قيل لَهُ: إنه مسجد وبينه وبين القبور حاجز؟ فكره أن يصلى فيه الفرض، ورخص أن يصلى فيه على الجنائز. وذكر حديث أبي مرثد الغنوي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تصلوا إلى القبور) ، وقال: إسناد جيد " انتهى. " فتح الباري " لابن رجب (2/398) .
وانظر جواب السؤال رقم: (7875) ، (13490) .
والحاصل: أنه لا مانع من بناء المسجد في منطقة قريبة من مقابر المشركين ـ أو المسلمين ـ بشرط ألا يكون المسجد في حيز المقبرة، وهي منطقة المقابر، بل منفصل عنها انفصالا بينا، بطريق أو نحوه.
لكن متى تيسر لكم مكان آخر، بعيد عن منطقة المقبرة، فهو أولى وأحوط، خشية من أن يصل امتداد المقبرة ـ مع الوقت ـ إلى حدود المسجد.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1308)
هل تضعيف الصلاة خاص بمسجد الكعبة أم يعم الحرم كله؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الصلاة في مساجد مكة المكرمة داخل حدود الحرم تضاعف لمائة ألف صلاة أم أن هذا خاص بمسجد الكعبة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ثبت تضعيف أجر الصلاة في المسجد الحرام فيما رواه أحمد وابن ماجه (1406) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ) .
والحديث صححه المنذري والبوصيري، وقال الألباني: " سند صحيح على شرط الشيخين " انتهى من "إرواء الغليل" (4/146) .
وقد اختلف الفقهاء في المراد بالمسجد الحرام هنا على أقوال، أشهرها قولان: الأول: اختصاص ذلك بمسجد الكعبة. وإلى هذا ذهب جماعة من العلماء منهم النووي والمحب الطبري، وابن مفلح، وابن حجر الهيتمي واختاره ابن عثيمين رحمهم الله.
والثاني: أنه يشمل الحرم كله، وقد نسب هذا القول إلى الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية، واختاره ابن القيم رحمه الله، وبه أفتت اللجنة الدائمة والشيخ ابن باز رحمه الله.
جاء في "الموسوعة الفقهية (27/239) : " ذهب الحنفية في المشهور والمالكية والشافعية إلى أن المضاعفة تعم جميع حرم مكة، فقد ورد من حديث عطاء بن أبي رباح قال: بينما ابن الزبير يخطبنا إذ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام تفضل بمائة، قال عطاء: فكأنه مائة ألف، قال: قلت: يا أبا محمد، هذا الفضل الذي يذكر في المسجد الحرام وحده أو في الحرم؟ قال: بل في الحرم، فإن الحرم كله مسجد) ....
وقال الزركشي: يتحصل في المراد بالمسجد الحرام الذي تضاعف فيه الصلاة سبعة أقوال:
الأول: أنه المكان الذي يحرم على الجنب الإقامة فيه.
الثاني: أنه مكة.
الثالث: أنه الحرم كله إلى الحدود الفارقة بين الحل والحرم، قاله عطاء وقد سبق مثله عن الماوردي وغيره، وقال الروياني: فضل الحرم على سائر البقاع فرخص في الصلاة فيه في جميع الأوقات لفضيلة البقعة وحيازة الثواب المضاعف، وقال الزركشي: وهذا فيه تصريح بهذا القول.
الرابع: أنه الكعبة، قال الزركشي وهو أبعدها.
الخامس: أنه الكعبة والمسجد حولها، وهو الذي قاله النووي في استقبال القبلة.
السادس: أنه جميع الحرم وعرفة، قاله ابن حزم.
السابع: أنه الكعبة وما في الحجر من البيت، وهو قول صاحب البيان من أصحاب الشافعية. وحكى المحب الطبري خلاف الفقهاء في مكان المضاعفة بالنسبة إلى الصلاة، ورجح أن المضاعفة تختص بمسجد الجماعة " انتهى باختصار. وقال ابن القيم في "زاد المعاد" (3/303) في الكلام على قصة الحديبية: " وروى الإمام أحمد في هذه القصة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يُصلِّي في الحرم، وهو مضطرب [أي: مقيم] في الحِل، وفى هذا كالدّلالة على أن مضاعفةَ الصلاة بمكة تتعلق بجميع الحرم لا يخصُّ بها المسجد الذي هو مكانُ الطواف، وأن قوله: (صَلاَةٌ في المَسْجِدِ الحَرَام أَفْضَلُ مِنْ مِائة صَلاةٍ في مسجدي) ، كقوله تعالى: (فَلا يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ) التوبة/128، وقوله تعالى: (سُبْحَانَ الذي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) الإسراء/1، وكان الإسراء مِن بيت أُم هانئ " انتهى.
ولكن أجيب عن هذا الاستدلال بجوابين: الأول: أن الحديث ضعيف، والثاني: إن صح الحديث فإنه يدل على أن الصلاة في الحرم أفضل، ولكن لا يدل على أنها خير من مائة ألف صلاة.
قال ابن مفلح رحمه الله: " وظاهر كلامهم في المسجد الحرام أنه نفس المسجد , ومع هذا فالحرم أفضل من الحل , فالصلاة فيه أفضل , ولهذا ذكر في المنتقى قصة الحديبية من رواية أحمد والبخاري , ثم ذكر رواية انفرد بها أحمد , قال: وفيه (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في الحرم , وهو مضطرب في الحل) وهذه الرواية من رواية ابن إسحاق عن الزهري وابن إسحاق مدلس " انتهى من "الفروع" (1/600) .
وقال في "الآداب الشرعية" (3/429) : " وهذه المضاعفة تختص بالمسجد على ظاهر الخبر، وقول العلماء من أصحابنا وغيرهم " انتهى.
وينظر: المجموع (3/197) ، تحفة المحتاج (3/466) ، فتاوى اللجنة الدائمة (6/223) ، فتاوى الشيخ ابن باز (4/130) .
والراجح هو القول الأول، وهو اختصاص المضاعفة بالمسجد الذي فيه الكعبة؛ لما روى مسلم (1396) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ امْرَأَةً اشْتَكَتْ شَكْوَى فَقَالَتْ: إِنْ شَفَانِي اللَّهُ لَأَخْرُجَنَّ فَلَأُصَلِّيَنَّ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَبَرَأَتْ ثُمَّ تَجَهَّزَتْ تُرِيدُ الْخُرُوجَ فَجَاءَتْ مَيْمُونَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُسَلِّمُ عَلَيْهَا فَأَخْبَرَتْهَا ذَلِكَ، فَقَالَتْ: اجْلِسِي فَكُلِي مَا صَنَعْتِ، وَصَلِّي فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (صَلَاةٌ فِيهِ أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْمَسَاجِدِ إِلَّا مَسْجِدَ الْكَعْبَةِ) .
وروى مسلم (1397) عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّمَا يُسَافَرُ إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ مَسْجِدِ الْكَعْبَةِ وَمَسْجِدِي وَمَسْجِدِ إِيلِيَاءَ) .
وهذا نص في أن المراد بالمسجد الحرام في هذين الحديثين: المسجد الذي فيه الكعبة، لا عموم مكة أو الحرم.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل مساجد مكة فيها من الأجر كما في المسجد الحرام؟
فأجاب: " قول السائل: هل مساجد مكة فيها من الأجر كما في المسجد الحرام جوابه: لا ليست مساجد مكة كالمسجد الحرام في الأجر، بل المضاعفة إنما تكون في المسجد الحرام نفسه، القديم والزيادة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا مسجد الكعبة) . أخرجه مسلم. فخص الحكم بمسجد الكعبة، ومسجد الكعبة واحد، وكما أن التفضيل خاص بمسجد الرسول عليه الصلاة والسلام فهو خاص بالمسجد الحرام أيضاً، ويدل لهذا أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى) . ومعلوم أننا لو شددنا الرحال إلى مسجد من مساجد مكة غير المسجد الحرام لم يكن هذا مشروعاً بل كان منهياً عنه، فما يشد الرحل إليه هو الذي فيه المضاعفة، لكن الصلاة في مساجد مكة بل في الحرم كله أفضل من الصلاة في الحل، ودليل ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما نزل الحديبية، والحديبية بعضها في الحل وبعضها في الحرم كان يصلي في الحرم مع أنه نازل في الحل، وهذا يدل على أن الصلاة في الحرم أفضل، لكن لا يدل على حصول التضعيف الخاص في مسجد الكعبة.
فإن قيل: كيف تجيب عن قول الله تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) وقد أسرى به من مكة من بيت أم هاني؟
فالجواب: "أنه ثبت في صحيح البخاري أنه أسرى به صلى الله عليه وسلم من الحِجْر، قال: (بينا أنا نائم في الحِجْر أتاني آت. . .) إلخ الحديث، والحِجْر في المسجد الحرام، وعلى هذا فيكون الحديث الذي فيه أنه أسري به صلى الله عليه وسلم من بيت أم هاني - إن صحت الرواية - يراد ابتداء الإسراء، ونهايته من الحِجر، كأنه نُبِّه وهو في بيت أم هاني، ثم قام فنام في الحجر فأسرى به من الحجر " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (12/395) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1309)
هل يصح الاعتكاف في المصليات والمراكز الإسلامية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الاعتكاف في المصليات أو المراكز الإسلامية (يصلون فيها الصلوات الخمس والجمعة) أم يجوز في المساجد فقط؟ جزاكم الله خير.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يصح الاعتكاف إلا في المساجد، لقول الله تعالى: (وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) سورة البقرة/187.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
"وَوَجَدَ الدَّلَالَة مِنْ الْآيَة أَنَّهُ لَوْ صَحَّ فِي غَيْر الْمَسْجِد لَمْ يَخْتَصَّ تَحْرِيم الْمُبَاشَرَةِ بِهِ , لِأَنَّ الْجِمَاع مُنَافٍ لِلِاعْتِكَافِ بِالْإِجْمَاعِ , فَعُلِمَ مِنْ ذِكْرِ الْمَسَاجِدِ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يَكُون إِلَّا فِيهَا. وَنَقَلَ اِبْن الْمُنْذِر الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُبَاشَرَةِ فِي الْآيَة الْجِمَاعُ , وَرَوَى الطَّبَرِيُّ وَغَيْره مِنْ طَرِيق قَتَادَةَ فِي سَبَب نُزُولِ الْآيَةِ: كَانُوا إِذَا اِعْتَكَفُوا فَخَرَجَ رَجُلٌ لِحَاجَتِهِ فَلَقِيَ اِمْرَأَتَهُ جَامَعَهَا إِنْ شَاءَ فَنَزَلَتْ" انتهى.
وقال ابن قدامة رحمه الله في المغني (3/65) :
" لَا يَجُوزُ الِاعْتِكَافُ إلَّا فِي مَسْجِدٍ تُقَامُ الْجَمَاعَةُ فِيهِ؛ ...
وَلَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ إذَا كَانَ الْمُعْتَكِفُ رَجُلًا. لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا , وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: (وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) "
انتهى باختصار.
وقال النووي في "المجموع" (6/505) :
" لا يَصِحُّ الاعْتِكَافُ مِنْ الرَّجُلِ وَلا مِنْ الْمَرْأَةِ إلا فِي الْمَسْجِدِ , وَلا يَصِحُّ فِي مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَرْأَةِ وَلا مَسْجِدِ بَيْتِ الرَّجُلِ وَهُوَ الْمُعْتَزَلُ الْمُهَيَّأُ لِلصَّلاةِ " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين:
" الاعتكاف الشرعي لابد أن يكون في المساجد لقوله تعالى: (وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) " انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (8/176)
وانظر جواب السؤال رقم (48985)
وبناء على هذا، فلا يصح الاعتكاف في المصليات أو المراكز الإسلامية.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1310)
حكم تسمية المسجد باسم أهل الحديث
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز تسمية مسجد من المساجد باسم " أهل الحديث "؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
توسع جمهور أهل العلم في تسمية المساجد، فأجازوا تسميتها بكل ما يميزها عن غيرها من أسماء الأنبياء، والعلماء، والصالحين، وأسماء من بناها، وأسماء البلدان التي تقع فيها، أو القبائل التي تسكن عندها، ونحو ذلك، مستدلين عليه بما ورد في صحيح البخاري (رقم/420) من تسمية أحد المساجد بـ " مسجد بني زريق "، وقد سبق تقرير ذلك في جواب السؤال رقم: (71301)
وننقل هنا من فتاوى اللجنة الدائمة (المجموعة الثانية 5/280-284) فتوى مطولة تتعلق بهذا الموضوع:
" أولا:
المساجد قد حصل بالتتبع وجود تسميتها على الوجوه الآتية، وهي:
1- إضافة المسجد إلى من بناه، وهذا مِن إضافة أعمال البر إلى أربابها، وهي إضافة حقيقية للتمييز، وهذه تسميته جائزة، ومنها: مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ويقال: مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
2- إضافة المسجد إلى من يصلِّي فيه [يعني: القبيلة، أو الجماعة، أو الحي الذي يعتاد الصلاة فيه] ، أو إلى المحلة، وهي إضافة حقيقية للتمييز، فهي جائزة، ومنها: مسجد قباء، ومسجد بني زريق كما في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما في حديث المسابقة إلى مسجد بني زريق ومسجد السوق، كما ترجم البخاري رحمه الله بقوله: (باب العلماء في مسجد السوق) .
3- إضافة المسجد إلى وصف تميز به، مثل: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، كما في قوله تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) ، وفي السنة ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه متعددة: (لا تعمل المطي إلا لثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا) ، ومنه: (المسجد الكبير) وقد وقع تسمية بعض المساجد التي على الطريق بين مكة والمدينة باسم (المسجد الأكبر) كما في (صحيح البخاري) ومثله يقال: (الجامع الكبير) .
ثانيا:
تسمية المسجد باسم غير حقيقي لكي يتميز ويعرف به، وهي ظاهرة منتشرة في عصرنا لكثرة بناء المساجد وانتشارها ولله الحمد في بلاد المسلمين في المدينة وفي القرية، بل في الحي الواحد، فيحصل تسمية المسجد باسم يتميز به، واختيار إضافته إلى أحد وجوه الأمة وخيارها من الصحابة رضي الله عنهم فمن بعدهم من التابعين لهم بإحسان، مثل: مسجد أبي بكر رضي الله عنه، مسجد عمر رضي الله عنه، وهكذا للتعريض، فهذه التسمية لا يظهر بها بأس، لا سيما وقد عرف من هدي النبي صلى الله عليه وسلم تسميته سلاحه، وأثاثه، ودوابه، وملابسه، كما بينها ابن القيم رحمه الله تعالى في أول كتاب (زاد المعاد) .
ثالثا:
تسمية المسجد باسم من أسماء الله سبحانه وتعالى، مثل: مسجد الرحمن، مسجد القدوس، مسجد السلام، ومعلوم أن الله سبحانه قال وقوله الفصل: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) ، فالمساجد جميعها لله تعالى بدون تخصيص، فتسمية مسجد باسم من أسماء الله ليكتسب العلمية على المسجد أمر محدث، لم يكن عليه من مضى، فالأولى تركه، والله الهادي إلى سواء السبيل " انتهى النقل عن فتاوى اللجنة الدائمة.
وانظر كتاب " أحكام المساجد " (2/86) لإبراهيم الخضيري.
وبناء على ما سبق فالأصل أنه لا حرج في تسمية المسجد باسم " مسجد أهل الحديث "، فهي نسبة إلى وصف شرعي مقبول، وما زال هذا الاسم عند أهل العلم محل ثناء وذكر بالخير، فتسمية المسجد به أمر سائغ لا بأس به، إن شاء الله تعالى.
وهذا الحكم إنما هو من حيث الأصل والعموم، لكن قبل تطبيقه على حال مسجدكم، ينبغي النظر في واقع بلادكم؛ فإن كان الانتساب إلى أهل الحديث، والتسمي باسمهم، أو تسمية مسجدكم باسم " أهل الحديث "، إن كان ذلك كله يترتب عليه تفريق لجماعة المسلمين، أو إلقاء البغضاء في قلوبهم، أو إحياء العصبيات الجاهلية، ووقوع الفتن والإحن بين المسلمين: فينبغي ترك هذه التسمية، بل ترك ما هو أعلى منها من المباحات والمستحبات إذا ترتب عليها شيء من هذه المفاسد، وأقصى ما في تسمية مسجدكم بهذا أن يكون أمرا مباحا تركتموه، وأمامكم من الأسماء الشرعية المباحة، مما يجمع ولا يفرق، ويؤلف ولا ينفر، ما فيه غنية عن ذلك. ولقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم المناداة بالأسماء الشرعية إذا كان باعثها التعصب لغير الحق.
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال:
(غَزَوْنَا مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ ثَابَ مَعَهُ نَاسٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ حَتَّى كَثُرُوا، وَكَانَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلٌ لَعَّابٌ فَكَسَعَ أَنْصَارِيًّا، فَغَضِبَ الأَنْصَارِيُّ غَضَبًا شَدِيدًا، حَتَّى تَدَاعَوْا، وَقَالَ الأَنْصَارِي: يَا لَلأَنْصَارِ. وَقَالَ الْمُهَاجِرِي: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ. فَخَرَجَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مَا بَالُ دَعْوَى أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ. ثُمَّ قَالَ: مَا شَأْنُهُمْ. فَأُخْبِرَ بِكَسْعَةِ الْمُهَاجِرِي الأَنْصَارِيَّ. قَالَ: فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: دَعُوهَا فَإِنَّهَا خَبِيثَةٌ) رواه البخاري (3518) ، ومسلم (4682) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" فهذان الاسمان ـ المهاجرون والأنصار ـ اسمان شرعيان جاء بهما الكتاب والسنة، وسماهما الله بهما، كما سمانا المسلمين من قبل وفي هذا؛ وانتساب الرجل إلى المهاجرين والأنصار انتساب حسن محمود عند الله وعند رسوله، ليس من المباح الذي يقصد به التعريف فقط، كالانتساب إلى القبائل والأمصار، ولا من المكروه أو المحرم كالانتساب إلى ما يفضي إلى بدعة أو معصية أخرى؛ ثم مع هذا لما دعا كل واحد منهما طائفةً منتصرا بها: أنكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، وسماها دعوى الجاهلية، حتى قيل له: إن الداعي بها إنما هما غلامان، لم يصدر ذلك من الجماعة؛ فأمر بمنع الظالم وإعانة المظلوم ". اقتضاء الصراط المستقيم (71) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1311)
هل صلاة الجنازة في الحرم المكي يضاعف ثوابها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا عن أجر صلاة الجنازة في الحرم هل يكون مضاعفا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة.
وانظر: "إرواء الغليل" (1129) .
واختلف العلماء في هذا التضعيف: هل يختص بالصلوات المكتوبة أو يشمل غيرها؟
قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم": " وَاعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبنَا أَنَّهُ لَا يَخْتَصّ هَذَا التَّفْضِيل بِالصَّلَاةِ فِي هَذَيْنِ الْمَسْجِدَيْنِ بِالْفَرِيضَةِ , بَلْ يَعُمّ الْفَرْض وَالنَّفْل جَمِيعًا، وَبِهِ قَالَ مُطَرَّف مِنْ أَصْحَاب مَالِك , وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: يَخْتَصّ بِالْفَرْضِ , وَهَذَا مُخَالِف إِطْلَاق هَذِهِ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة. وَاَللَّه أَعْلَم " انتهى.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل صلاة الجنازة في الحرم المكي تضاعف مثل بقية الصلوات في أجر القيراط؟
فأجاب: "هذا فيه خلاف بين العلماء، بعض العلماء يقول: الذي يضاعف في المسجد الحرام هو الصلوات الخمس فقط وغيرها لا يضاعف، والذي يظهر من الحديث العموم، وتكون الصلاة على الجنازة داخلة في العموم تضاعف في المسجد الحرام. والله أعلم " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (116/11) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1312)
حكم الصلاة في مساجد الصوفية
[السُّؤَالُ]
ـ[في الحي الذي أسكن فيه يوجد مسجد وتوجد زاوية تابعة لطريقة صوفية، هل تجوز الصلاة في هذه الزاوية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا تصل مع هؤلاء الصوفية في زاويتهم، واحذر صحبتهم والاختلاط بهم، لئلا يصيبك ما أصابهم، وتحر الصلاة في مسجد جماعة يتحرون السنة ويحرصون عليها.
وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (3/18) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1313)
حكم منع المتسولين على أبواب المساجد ونهرهم
[السُّؤَالُ]
ـ[يجلس كثير من المشوهين والسائلين في الحرم الشريف بمكة المكرمة يمدون أيديهم للحجاج والزوار والمعتمرين، وقد سمعت أنه لا يجوز التصدق في المساجد، والسؤال هنا: هل يجوز إعطاء هؤلاء من الصدقات وهم في داخل الحرم، وهل تجوز الصدقة في الحرمين الشريفين خاصة وفي المساجد عامة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"أجاب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن حكم السؤال في المسجد بما نصه: (أصل السؤال محرم في المسجد وخارج المسجد إلا لضرورة، فإن كان به ضرورة وسأل في المسجد ولم يؤذ أحدا؛ بتخطيه رقاب الناس، ولا غير تخطيه، ولم يكذب فيما يرويه ويذكر من حاله، ولم يجهر جهرا يضر الناس مثل أن يسأل والخطيب يخطب، أو وهم يستمعون علما يشغلهم به ونحو ذلك جاز. والله أعلم) .
أما الصدقة في المسجد فلا بأس بها، روى مسلم في صحيحه عن جرير قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر النهار، قال: فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النمار أو العباء، متقلدي السيوف، عامتهم من مضر، بل كلهم من مضر، فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة، فدخل ثم خرج فأمر بلالا فأذن وأقام فصلى ثم خطب فقال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) النساء/1، والآية التي في الحشر: (اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ) الحشر/18، (تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بره، من صاع تمرة ... -حتى قال: ولو بشق تمرة، قال: فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها، بل قد عجزت، قال: ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل كأنه مذهبة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سن في الإسلام سنة حسنة، فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء) .
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (6/290) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1314)
بنى مسجدا وأوصى أن يدفن فيه
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل بنى مسجداً، وأوصى أن يدفن فيه فدفن، فما العمل الآن؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه الوصية باطلة، مخالفة للشرع، فلا يجتمع في الإسلام مسجد وقبر أبداً، والحكم للسابق منهما، وطالما أن المسجد هو الذي بني أولاً، فيجب نبش القبر وإخراجه من المسجد، ويدفن الميت مع المسلمين في المقابر.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
" يهدم المسجد إذا بني على قبر، كما ينبش الميت إذا دفن في المسجد، نص على ذلك الإمام أحمد وغيره، فلا يجتمع في دين الإسلام مسجد وقبر، بل أيهما طرأ على الآخر منع منه، وكان الحكم للسابق، فلو وضعا معاً لم يجز، ولا يصح هذا الوقف ولا يجوز، ولا تصح الصلاة في هذا المسجد؛ لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ولعنه من اتخذ القبر مسجدا، أو أوقد عليه سراجاً، فهذا دين الإسلام الذي بعث الله به رسوله ونبيه وغربته بين الناس كما ترى " انتهى.
"زاد المعاد" (3/572) .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله مثل هذا السؤال، فأجاب:
" هذه الوصية أعني الوصية أن يدفن في المسجد غير صحيحة؛ لأن المساجد ليست مقابر، ولا يجوز الدفن في المسجد، وتنفيذ هذه الوصية محرم، والواجب الآن نبش هذا القبر وإخراجه إلى مقابر المسلمين " انتهى.
"فتاوى ابن عثيمين" (2/233) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1315)
هل قبر يحيى عليه السلام في الجامع الأموي
[السُّؤَالُ]
ـ[رأيت في أحد البرامج الوثائقية عن الجامع الأموي، ورأيت فيه ضريحاً للنبي يحيى، ومقامات كثيرة للصحابة، وبعض زوجات النبي، ومشهد رأس الحسين. سؤالي: ما حكم مثل هذا؟ خصوصاً وأن بعض الناس يجلسون عندها، وربما كان لهم دعاء واستغاثه بهم، وهل هذه القبور والأضرحة حقيقية؟ أعني هل النبي يحيى ـ مثلاً ـ هو هنا أم هو كذب وتدليس.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا يجوز بناء المساجد على القبور، ولا جعل القبور في المساجد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا) رواه البخاري (4444) ومسلم (531) من حديث عائشة رضي الله عنها. وقوله: (إِنَّ أُولَئِكَ إِذَا كَانَ فِيهِمْ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَمَاتَ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا وَصَوَّرُوا فِيهِ تِيكَ الصُّوَرَ أُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رواه البخاري (3873) ومسلم (528) من حديث عَائِشَةَ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتَا كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِالْحَبَشَةِ فِيهَا تَصَاوِيرُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك.
وقوله حين بعث عليا رضي الله عنه: (أَنْ لَا تَدَعَ تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتَهُ وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ) رواه مسلم (969) .
وما روى مسلم (970) عَنْ جَابِرٍ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ) .
وروى أحمد (3844) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِِنَّ مِنْ شِرَارِ النَّاسِ مَنْ تُدْرِكُهُ السَّاعَةُ وَهُمْ أَحْيَاءٌ وَمَنْ يَتَّخِذُ الْقُبُورَ مَسَاجِدَ) والحديث حسنه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند.
فهذه الأحاديث تدل دلالة واضحة على تحريم بناء المساجد على القبور، ولهذا لا يظن بأحد من الصحابة أنه أوصى بأن يدفن في مسجد، أو أقر دفن ميت في مسجد، لمصادمة ذلك للنصوص المعلومة المشهورة.
ثانيا:
ما يشاع عند العامة من وجود قبور لبعض الصحابة، أو لغيرهم، في بعض المساجد، أكثره غير ثابت، وما ثبت منه فلا حجة فيه؛ لأن هذه المساجد إنما بنيت في عصور متأخرة، وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" أما هذه المشاهد المشهورة فمنها ما هو كذب قطعا: مثل المشهد الذي بظاهر دمشق المضاف إلى " أبي بن كعب ". والمشهد الذي بظاهرها المضاف إلى " أويس القرني " والمشهد الذي بمصر المضاف إلى " الحسين " رضي الله عنه ; إلى غير ذلك من المشاهد التي يطول ذكرها بالشام والعراق ومصر وسائر الأمصار، حتى قال طائفة من العلماء منهم عبد العزيز الكناني: كل هذه القبور المضافة إلى الأنبياء لا يصح شيء منها إلا قبر النبي صلى الله عليه وسلم. وقد أثبت غيره أيضا قبر الخليل عليه السلام.
وأما " مشهد علي " فعامة العلماء على أنه ليس قبره ; بل قد قيل: إنه قبر المغيرة بن شعبة؛ وذلك أنه إنما أظهر بعد نحو ثلاثمائة سنة من موت علي في إمارة بني بويه ... وجمهور أهل المعرفة يقولون: إن عليا إنما دفن في قصر الإمارة بالكوفة أو قريبا منه ... وكذلك " قبر معاوية " الذي بظاهر دمشق قد قيل: إنه ليس قبر معاوية وإن قبره بحائط مسجد دمشق الذي يقال إنه " قبر هود ".
وأصل ذلك أن عامة أمر هذه القبور والمشاهد مضطرب مختلق لا يكاد يوقف منه على العلم إلا في قليل منها بعد بحث شديد. وهذا لأن معرفتها وبناء المساجد عليها ليس من شريعة الإسلام، ولا ذلك من حكم الذكر الذي تكفل الله بحفظه حيث قال: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر /9] ; بل قد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عما يفعله المبتدعون عندها، مثل قوله الذي رواه مسلم في صحيحه عن جندب بن عبد الله قال: {سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول: إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك} وقال: {لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد} .
وقد اتفق أئمة الإسلام على أنه لا يشرع بناء هذه المشاهد على القبور ولا يشرع اتخاذها مساجد، ولا يشرع الصلاة عندها، ولا يشرع قصدها لأجل التعبد عندها بصلاة أو اعتكاف أو استغاثة أو ابتهال أو نحو ذلك، كرهوا الصلاة عندها ; ثم إن كثيرا منهم قال: إن الصلاة عندها باطلة لأجل نهي النبي صلى الله عليه وسلم عنها ... " انتهى من "مجموع الفتاوى" (27/447) .
وقال ـ أيضا ـ عما يُزْعَم من وجود رأس الحسين في مصر أو الشام:
" ومنها " مشهد الرأس " الذي بالقاهرة؛ فإن المصنفين في قتل الحسين اتفقوا على أن الرأس ليس بمصر، ويعلمون أن هذا كذب. وأصله أنه نقل من مشهد بعسقلان، وذاك المشهد بني قبل هذا بنحو من ستين سنة في أواخر المائة الخامسة، وهذا بني في أثناء المائة السادسة بعد مقتل الحسين بنحو من خمسمائة عام، والقاهرة بنيت بعد مقتل الحسين بنحو ثلاثمائة عام، قد بَيَّن كذب هذا المشهد: ابنُ دحية في " العلم المشهور " وأن الرأس دفن بالمدينة كما ذكره الزبير بن بكار ... ". انتهى.
"مجموع الفتاوى" (27/491) .
ثالثا:
ليس هناك مستند صحيح يدل على أن يحيى عليه السلام مدفون في الجامع الأموي، فضلا عن القول بأن الصحابة رأوا قبره وتركوه في المسجد، كما يدعيه البعض.
قال الشيخ الألباني رحمه الله: " ونحن نقطع ببطلان قولهم، وأن أحدا من الصحابة والتابعين لم ير قبرا ظاهرا في مسجد بني أمية أو غيره، بل غاية ما جاء فيه بعض الروايات عن زيد بن أرقم بن واقد: أنهم في أثناء العمليات وجدوا مغارة فيها صندوق فيه سفط (وعاء كامل) وفي السفط رأس يحيى بن زكريا عليهما السلام مكتوب عليه: هذا رأي يحيى عليه السلام فأمر به الوليد فرد إلى المكان وقال: اجعلوا العمود الذي فوقه مغيرا من الأعمدة، فجعل عليه عمود مسبك بسفط الرأس. رواه أبو الحسن الربعي في فضائل الشام (33) ومن طريقه ابن عساكر في تاريخه (ج 2 ق 9 / 10) وإسناده ضعيف جدا، فيه إبراهيم بن هشام الغساني كذبه أبو حاتم وأبو زرعة وقال الذهبي " متروك ".
ومع هذا فإننا نقطع أنه لم يكن في المسجد صورة قبر، حتى أواخر القرن الثاني؛ لِما أخرجه الربعي وابن عساكر، عن الوليد بن مسلم أنه سئل: أين بلغك رأس يحى بن زكريا؟ قال: بلغني أنه ثَم؛ وأشار بيده إلى العمود المسفط الرابع من الركن الشرقي، فهذا يدل على أنه لم يكن هناك قبر في عهد الوليد بن مسلم، وقد توفي سنة أربع وتسعين ومائة.
وأما كون ذلك الرأس هو رأس يحى عليه السلام فلا يمكن إثباته، ولذلك اختلف المؤرخون اختلافا كثيرا، وجمهورهم على أن رأس يحيى عليه السلام مدفون في مسجد حلب ليس في مسجد دمشق، كما حققه شيخنا في الإجازة العلامة محمد راغب الطباخ في بحث له نشره في مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق (ج 1 ص 41-1482) تحت عنوان " رأس يحيى ورأس زكريا " فليراجعه من شاء.
ونحن لا يهمنا من الوجهة الشرعية ثبوت هذا أو ذاك، سواء عندنا أكان الرأس الكريم في هذا المسجد أو ذاك، بل لو تيقنا عدم وجوده في كل من المسجدين، فوجود صورة القبر فيهما كاف في المخالفة؛ لأن أحكام الشريعة المطهرة إنما تبنى على الظاهر لا الباطن كما هو معروف، وسيأتي ما يشهد لهذا من كلام بعض العلماء، وأشد ما تكون المخالفة إذا كان القبر في قبلة المسجد، كما هو الحال في مسجد حلب، ولا منكِر لذلك من علمائها ". انتهى. من "تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد" ص 63
رابعا:
ما يفعل عند هذه القبور من دعاء لها، واستغاثة بها، وطواف حولها، كل ذلك من الشرك الذي حرمه الله؛ لأنه صرف للعبادة لغير الله، فليس لأحد أن يدعو أو يستغيث بميت، سواء وقف عند قبره أو بعيدا عنه، بل الدعاء لله وحده، فهو الرب المغيث المجيب المنعم المتفضل سبحانه.
ومن شاهد هذه المنكرات عند الأضرحة المذكورة علم حكمة الشريعة وكمالها في التحذير من بناء المساجد على القبور، لما يترتب على ذلك من الفتنة بها، حتى تعبد من دون الله عز وجل.
نسأل الله تعالى أن يرد ضال المسلمين إلى الهدى والحق ردا جميلا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1316)
حكم المبيت في المسجد وتدريس الأطفال وإطعامهم فيه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعيش في بلد أوروبي، وأقوم بطلب العلم الشرعي، وأدرس لأطفال المسلمين في المسجد، وأقيم حالياً في المسجد، والمسجد مسجل عند الحكومة على أنه جمعية إسلامية تقوم بنشاطات مختلفة منها الصلاة، وعند الباب الرئيس للمسجد حمام، وعند هذا الباب ممر يتفرع منه مدخلان، واحد لغرفة للنساء يصلين بها الجمعة، والثاني للمسجد، ووفي آخر المسجد زاوية وهي عبارة عن مطبخ مفتوح على المسجد. ما هي ضوابط إقامتي بالمسجد؟ وأنا أستخدم جهاز كمبيوتر خاص بالمسجد في تعلم القرآن عبر البالتوك، كما أستخدم مكتبة المسجد لطلب العلم وتحضير الخطب. وهل يلزمني صلاة تحية المسجد كلما ذهبت للعمل، أو كلما دخلت الحمام، أو كلما خرجت من المسجد لأداء حاجة سريعة؟ نحن نستخدم مطبخ المسجد لعمل طعام عند عمل إفطار جماعي في رمضان، ولعمل شاي وطعام للضيوف، أو لنفسي، فهل يجوز ذلك؟ وهل يجوز لي الأكل بهذا المطبخ؟ سؤال آخر: بالمسجد جهاز عرض (البروجيكتر) نستخدمه لتعليم الأطفال أمور دينهم، حيث إن هذه الأجهزة تساعد كثيراً في إيصال المعلومات لهم، وبالمكتبة سبورة نستخدمها بالتعليم أيضاً، ونقدم للأطفال البسكويت والعصير حتى نشجعهم على الحضور إلى المسجد، فنقدم لهم ذلك في المسجد، فهل يجوز ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا حرج في إقامتك في إحدى الغرف المتصلة بالمسجد، وفي تعليم الأطفال واستخدام الكمبيوتر والبروجكتر والسبورة وغيرها من الوسائل التي تعين على التعلم.
ولا حرج أيضا في تقديم البسكويت والعصائر للأولاد في المسجد، مع تربيتهم على صيانته من الأذى والحرص على نظافته.
ثانياً:
إذا خرج الإنسان من المسجد وفي نيته الرجوع قريبا، فلا يصلي تحية المسجد.
فقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: دخلتُ المسجد وصليتُ ركعتين تحية المسجد وخرجتُ بنية الرجوع، فإذا رجعتُ هل يلزمني أن أصلي ركعتين؟
فأجاب: "إذا خرج الإنسان من المسجد بنية الرجوع فإن رجع عن قرب فإنه لا يصلي تحية المسجد، مثل لو خرج للوضوء ورجع، أو خرج يأتي بكتاب من البيت ورجع، أو خرج يكلم إنساناً ورجع، هذا لا يصلي؛ لأن الوقت قصير، أما إذا طال الوقت فليصل ركعتين، كلنا إذا صلينا الظهر نخرج من المسجد بنية الرجوع إلى صلاة العصر، فهل نقول إذا رجعنا لصلاة العصر: لا نصلي؟ لا. نصلي. المهم أنه إذا كان لشغل يرجع به قريباً، فهذا لا يصلي اكتفاء بالأول. والدليل أن الرسول عليه الصلاة والسلام أذن للمعتكف أن يخرج للحاجة إلى بيته ثم يرجع، فدل هذا على أن الخروج اليسير لا يعتبر خروجاً من المسجد، فكأن هذا الذي خرج من المسجد وهو بنية الرجوع عن قرب، كأنه لم يخرج منه " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (125/30) .
ثالثاً:
إذا كانت الغرف المتصلة بالمسجد قد أعدت لتكون مسجدا، أي نواها باني المسجد أن تكون جزءا من المسجد الذي يصلى فيه، فلها أحكام المسجد، فيتأكد صلاة تحية المسجد عند دخولها، وتمنع الحائض والنفساء من المكث فيها.
وأما إن كانت قد نويت لتكون ملاحق للتعليم أو لعقد الاجتماعات، لا لتكون محلا للصلاة، فلا تأخذ حكم المسجد حينئذ.
وإذا جهلت نية باني المسجد، فالأصل أن ما كان داخل سور المسجد، وله باب على المسجد، فله حكم المسجد.
هذا هو محصل كلام أهل العلم في الغرف والملاحق الموجودة بالمساجد، مع مراعاة اختلاف الحال الآن عما كان شائعا في زمن الفقهاء المتقدمين،.
وقد ذكرنا فتاوى أهل العلم في ذلك في جواب السؤال رقم (118685)
رابعاً:
لا حرج في استعمال المطبخ لعمل الإفطار الجماعي في رمضان، أو أن يصنع فيه شاي أو طعام للضيوف.
وأما أن يصنع فيه الطعام على الدوام، فلا، لما يترتب عليه من امتلاء المسجد برائحة الطعام، مما ينافي صيانة المسجد واحترامه، إلا أن يقام حائط يفصل المطبخ عن المسجد، وهذا في حال كون المطبخ لم يعد ليكون جزءا من المسجد كما سبق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1317)
هل غرفة الإمام أو المكتبة لها حكم المسجد وتصلى فيها تحية المسجد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أقيم في غرفة بالمسجد، فهل علي كلما دخلت الغرفة أن أصلي تحية المسجد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كانت الغرفة المتصلة بالمسجد قد أعدت لتكون مسجدا، أي نواها باني المسجد أن تكون جزءا من المسجد الذي يُصلى فيه، فلها أحكام المسجد، فيتأكد صلاة تحية المسجد عند دخولها، وتمنع الحائض والنفساء من المكث فيها.
وأما إن كانت قد نويت لتكون ملاحق للتعليم أو لعقد الاجتماعات، أو سكنا للإمام أو المؤذن، لا لتكون محلا للصلاة، فلا تأخذ حكم المسجد حينئذ.
وإذا جهلت نية باني المسجد، فالأصل أن ما كان داخل سور المسجد، وله باب على المسجد، فله حكم المسجد.
هذا هو محصل كلام أهل العلم في الغرف والملاحق الموجودة بالمساجد، مع مراعاة اختلاف الحال الآن عما كان شائعا في زمن الفقهاء المتقدمين.
وهذه فتاوى بعض أهل العلم في ذلك:
1- سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: في أميركا مسجد يتكون من ثلاثة أدوار: الدور الأعلى مصلى للنساء , والدور الذي تحته المصلى الأصلي , والدور الذي تحته وهو عبارة عن (قبو) فيه المغاسل ومكان للمجلات والصحف الإسلامية وفصول دراسية نسائية ومكان لصلاة النساء أيضا , فهل يجوز للنساء الحيض دخول هذا الدور السفلي؟
فأجاب: "إذا كان المبنى المذكور قد أعد مسجدا ويسمع أهل الدورين الأعلى والأسفل صوت الإمام صحت صلاة الجميع , ولم يجز للحيض الجلوس في المحل المعد للصلاة في الدور الأسفل ; لأنه تابع للمسجد ...
أما إن كان الدور الأسفل لم ينوه الواقف من المسجد , وإنما نواه مخزنا ومحلا لما ذكر في السؤال من الحاجات , فإنه لا يكون له حكم المسجد , ويجوز للحائض والجنب الجلوس فيه ولا بأس بالصلاة فيه في المحل الطاهر الذي لا يتبع دورات المياه كسائر المحلات الطاهرة التي ليس فيها مانع شرعي يمنع من الصلاة فيها , لكن من صلى فيه لا يتابع الإمام الذي فوقه إذا كان لا يراه ولا يرى بعض المأمومين; لأنه ليس تابعا للمسجد في الأرجح من قولي العلماء " انتهى باختصار من "فتاوى الشيخ ابن باز" (10/221) .
2- وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: الغرفة التي بداخل المسجد هل يجوز الاعتكاف فيها؟
فأجاب: "هذه فيها احتمال، من نظر إلى مطلق كلام الفقهاء قال: إنها من المسجد، لأنه يقول الحجرة والغرفة التي يحيط بها جدار المسجد من المسجد، ومن نظر إلى أنها بنيت لا على أنها من المسجد وأنها حجرة للإمام فهي كبيوت الرسول عليه الصلاة والسلام، فبيوت الرسول أبوابهن إلى المسجد ومع ذلك هو بيت، ما يخرج الرسول عليه الصلاة والسلام إليه [أي في الاعتكاف] فالاحتياط أن المعتكف لا يكون فيها، ولكن عرف الناس عندنا الآن أن الحجر التي في المساجد تعتبر من المسجد" انتهى من "شرح الكافي".
3- وسئل رحمه الله: ما حكم تحية المسجد بالنسبة للداخل إلى مكتبة المسجد في الحالات التالية:
1- إذا كان باب المكتبة داخل المسجد.
2- إذا كان باب المكتبة خارج المسجد.
3- إذا كان للمكتبة بابان أحدهما داخله والآخر خارجه؟
فأجاب:
"في الحال الأولى وهي: ما إذا كان باب المكتبة داخل المسجد تكون المكتبة من المسجد فلها حكمه، فتشرع تحية المسجد لمن دخلها، ولا يحل للجنب المكث فيها إلا بوضوء، ويصح الاعتكاف فيها، ويحرم فيها البيع والشراء، وهكذا بقية أحكام المسجد المعروفة.
وفي الحال الثانية وهي: ما إذا كان بابها خارج المسجد، وليس لها باب على المسجد، لا تكون من المسجد فلا يثبت لها أحكام المساجد، فليس لها تحية مسجد، ولا يصح الاعتكاف فيها، ولا يحرم فيها البيع والشراء، لأنها ليست من المسجد لانفصالها عنه.
وفي الحال الثالثة وهي: ما إذا كان لها بابان، أحدهما: داخل المسجد. والثاني: خارجه، إن كان سور المسجد محيطاً بها فهي من المسجد فتثبت لها أحكام المسجد، وإن كان غير محيط بها بل لها سور مستقل فليس لها حكم المسجد فلا تثبت لها أحكامه؛ لأنها منفصلة عن المسجد، ولهذا لم تكن بيوت النبي صلى الله عليه وسلم من مسجده، مع أن لها أبواباً على المسجد؛ لأنها منفصلة عنه " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (14/351) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1318)
جواز طرد المؤذي للمصلين في صلاتهم بأقواله وأفعاله من المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[يأتي إلينا رجل يصلي وهو مواظب على جميع الصلوات ودائما يذكر الله، ولكن بعد فترة من الزمن قد أصابه نوع من النسيان، أو مرض آخر لا نعرفه، بدأ برفع صوته أثناء الصلوات، وهذا منذ ما يقارب السنَة، فينزعج منه المصلون، والكثيرون أصبحوا يوبخونه، وفي الحقيقة لم يعد هناك تركيز، ولا خشوع في الصلاة، إلى أن طرده أحد المصلين من المسجد، وأنذره على أن لا يعود مرة أخرى، وهو يبلغ من العمر ما يقارب الستين، وهو غير مؤذي، ولا يتكلم مع أحد إلا للسلام، وقد آلمني طرده من المسجد. لا أدري هل الأفضل له أن يصلي في بيته كي لا يفقد المصلون خشوعهم ويأتي عليه بإثم، مع أنه لا يعي بما يفعله؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يجب على المسلمين أن يراعوا رفعة بيوت الله تعالى، وتطهيرها من الأقوال والأفعال غير اللائقة بتلك البيوت، قال الله تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ. رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) النور/36، 37.
قال ابن كثير رحمه الله:
" (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ) أي: أمر الله تعالى برفعها، أي: بتطهيرها من الدنس، واللغو، والأفعال والأقوال التي لا تليق فيها، كما قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في هذه الآية الكريمة: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ) قال: نهى الله سبحانه عن اللغو فيها " انتهى.
"تفسير ابن كثير" (6/62) .
ثانياً:
لا يحل لأحدٍ أن يجهر بالقرآن أو الذِّكر فيشوش على غيره من المصلين.
فعَنْ أَبِى سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْجِدِ فَسَمِعَهُمْ يَجْهَرُونَ بِالْقِرَاءَةِ فَكَشَفَ السِّتْرَ وَقَالَ: (أَلاَ إِنَّ كُلَّكُمْ مُنَاجٍ رَبَّهُ، فَلاَ يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَلاَ يَرْفَعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِى الْقِرَاءَةِ) ، أَوْ قَالَ: (فِي الصَّلاَةِ) رواه أبو داود (1332) ، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".
فمن يشوش على الناس صلاتهم برفع صوته: فهي أذية لهم، وعلى الناس تنبيهه وزجره، فإن لم يرتدع: جاز طرده من المسجد، وإن كان مريضاً أو مجنوناً: فيُخاطب وليُّه بمنعه من دخول المسجد، فإن لم يستجب الولي، أو ذلك المؤذي: جاز طرده من المسجد؛ صيانةً لبيوت الله من العبث فيها؛ وحفاظاً على صلاة الناس وعبادتهم، وطرد هذا أولى من طرد المؤذي للناس برائحة البصل والثوم.
فعن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قال: (إِنَّكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ تَأْكُلُونَ شَجَرَتَيْنِ لاَ أَرَاهُمَا إِلاَّ خَبِيثَتَيْنِ، هَذَا الْبَصَلَ وَالثُّومَ، لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا وَجَدَ رِيحَهُمَا مِنَ الرَّجُلِ فِي الْمَسْجِدِ أَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ إِلَى الْبَقِيعِ، فَمَنْ أَكَلَهُمَا فَلْيُمِتْهُمَا طَبْخًا) رواه مسلم (567) .
قال القرطبي رحمه الله:
" قال العلماء: وإذا كانت العلة في إخراجه من المسجد أنه يُتأذى به: ففي القياس: أنَّ كلَّ من تأذى به جيرانه في المسجد بأن يكون ذرب اللسان [سليط اللسان] ، سفيهاً عليهم، أو كان ذا رائحة قبيحة، أو عاهة مؤذية كالجذام، وشبهه، وكل ما يتأذى به الناس: كان لهم إخراجه، ما كانت العلة موجودة حتى تزول.
قال أبو عمر بن عبد البر: وقد شاهدتُ شيخنا أبا عمر أحمد بن عبد الملك بن هشام رحمه الله أفتى في رجل شكاه جيرانه، واتفقوا عليه أنه يؤذيهم في المسجد بلسانه، ويده، فشُوور فيه، فأفتى بإخراجه من المسجد، وإبعاده عنه، وألا يشاهِد معهم الصلاة، إذ لا سبيل مع جنونه واستطالته إلى السلامة منه، فذاكرتُه يوماً أمره، وطالبته بالدليل فيما أفتى به من ذلك، وراجعته فيه القول، فاستدل بحديث " الثُوْم "، وقال: هو عندي أكثر أذى من أكل الثوم، وصاحبه يُمنع من شهود الجماعة في المسجد " انتهى من "تفسير القرطبي" (12/267، 268) باختصار.
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: يوجد في قريتنا شاب مختل العقل، ويقلد الناس في كل شيء، ويحضر للجامع عند كل صلاة ويصف مع الناس للصلاة، ولكنه يركع قبل الإمام، ويسجد أيضاً كما يشاء، وكل أفعاله تخالف أفعال المصلين لدرجة أننا تضايقنا منه، هل يجوز لنا أن نمنعه من الحضور للمسجد؟ .
فأجاب:
" هذا الرجل المختل العقل: لا شك أن حضوره إلى المسجد على هذا الوجه الذي ذكره السائل موجب لانشغال المصلين به، ولهذا أوجه النصيحة إلى وليِّه أن يمنعه من الحضور إلى المسجد؛ لما في ذلك من أذية المصلين، وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قال للرجل الذي رآه يتخطى رقاب الناس وهو يخطب الناس يوم الجمعة، فقطع النبي صلى الله عليه وسلم خطبته وقال له: (اجلس فقد آذيت) : فإنَّ ما ذكره السائل عن هذا الرجل أشد إيذاءً من تخطي الرقاب؛ لأن متخطي الرقاب غاية ما يكون منه أن يشغل الناس عن استماع الخطبة، أما هذا فإنه يشغل الناس عن الخشوع في الصلاة، وحضور القلب فيها، فأكرر النصيحة لوليه أن يمنعه من حضور المسجد تفادياً لإيذائه، وإذا كان وليه لا يسمع ما أقول: فإني أقول لكم أنتم أهل المسجد: اتصلوا بوليِّه، واطلبوا منه منعه، فإن وافق على ذلك: فهو المطلوب، وإن لم يوافق: فاتصلوا بالجهات المسؤولة عن المساجد لمنعه، فإن لم يكن هناك مسؤول عن المساجد: فلكم أن تمنعوه، وليكن هذا بواسطة الإمام، أو المؤذن؛ لأنهما أقرب مسؤول عن المسجد؛ ولئلا تحصل الفوضى والنزاع بينكم وبين وليه؛ لأنه إذا كان الأمر قد أتى من إمام المسجد أو مؤذنه: كان أهون على الناس" انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (شريط 209، وجه: ب) .
فعلى هذا؛ يجوز لكم منع ذلك المؤذي من دخول المسجد، إن لم يكف عن إيذاء المصلين برفع صوته والتشويش عليهم.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1319)
إذا جعل الشخص الذي أمامه سترة فقام، فهل يتحرك إلى سترة قريبة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما أصلي خلف شخص آخر وأتخذه سترة، فماذا أفعل إذا ترك المكان؟ هل أتحرك للأمام أم أبقى كما كنت؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
السترة مستحبة في قول جمهور الفقهاء، وذهب بعضهم إلى وجوبها.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (24/177) : " يسن للمصلي إذا كان فذا (منفردا) ، أو إماما أن يتخذ أمامه سترة تمنع المرور بين يديه , وتمكنه من الخشوع في أفعال الصلاة , وذلك لما ورد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة , وليدن منها , ولا يدع أحدا يمر بين يديه) ، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (ليستتر أحدكم في صلاته ولو بسهم) , وهذا يشمل السفر والحضر , كما يشمل الفرض والنفل.
والمقصود منها: كف بصر المصلي عما وراءها , وجمع الخاطر بربط خياله كي لا ينتشر , ومنع المار كي لا يرتكب الإثم بالمرور بين يديه.
والأمر في الحديث للاستحباب لا للوجوب , قال ابن عابدين: صرح في المنية بكراهة تركها , وهي تنزيهية , والصارف للأمر عن حقيقته ما رواه أبو داود عن الفضل بن العباس رضي الله عنهما قال: (أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في بادية لنا فصلى في صحراء ليس بين يديه سترة) ، ومثله ما ذكره الحنابلة قال البهوتي: وليس ذلك بواجب لحديث ابن عباس رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في فضاء ليس بين يديه شيء) .
هذا؛ ويستحب ذلك عند الحنفية والمالكية في المشهور , للإمام والمنفرد إذا ظن مرورا بين يديه , وإلا فلا تسن السترة لهما. ونقل عن مالك الأمر بها مطلقا , وبه قال ابن حبيب واختاره اللخمي.
أما الشافعية فأطلقوا القول بأنها سنة , ولم يذكروا قيدا.
وقال الحنابلة: تسن السترة للإمام والمنفرد ولو لم يخش مارا.
أما المأموم فلا يستحب له اتخاذ السترة اتفاقا ; لأن سترة الإمام سترة لمن خلفه , أو لأن الإمام سترة له " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله بعد ذكر أدلة القولين: " وأدلَّة القائلين بأن السُّتْرة سُنَّة وهم الجمهور أقوى، وهو الأرجح، ولو لم يكن فيها إلاَّ أن الأصل براءة الذِّمَّة فلا تُشغل الذِّمَّة بواجب، ولا يحكم بالعقاب إلا بدليل واضح لكفى " انتهى من "الشرح الممتع" (3/277) .
ثانيا:
لا حرج في جعل الشخص المصلي أو الجالس أمامك سترة، فإن ترك المكان، ووجدت سترة قريبة كالجدار أو أحد الأعمدة، أو مصليا آخر، انتقلت إليها، وتغتفر هذه الحركة؛ لأنها لمصلحة الصلاة، فإن لم يكن هناك شيء قريب، أتممت صلاتك على حالك، ورددت المار بين يديك.
جاء في "المدونة" (1/202) : " وقال مالك: إذا كان الرجل خلف الإمام وقد فاته شيء من صلاته فسلم الإمام وسارية عن يمينه أو عن يساره، فلا بأس أن يتأخر إلى السارية عن يمينه أو عن يساره إذا كان ذلك قريبا يستتر بها , قال: وكذلك إذا كانت أمامه فيتقدم إليها، ما لم يكن ذلك بعيدا , قال: وكذلك إذا كان ذلك وراءه فلا بأس أن يتقهقر إذا كان ذلك قليلا , قال: وإن كانت سارية بعيدة منه فليصل مكانه، وليدرأ ما يمر بين يديه ما استطاع " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1320)
لا حرج في الخروج من المسجد بعد الأذان للصلاة في مسجد آخر
[السُّؤَالُ]
ـ[توضح الشريعة أنه لا يجوز مغادرة المسجد بعد النداء للأذان وقبل الصلاة، إلا في حال وجود عذر مقبول، كالحاجة للمغادرة لإتمام الوضوء، لكن هل يجوز مغادرة أحد المساجد بعد الأذان لأداء الصلاة في مسجد آخر حيث يتمتع المسجد الآخر بجماعة أكبر أو قارئ أفضل ووجود من ترغب في رؤيتهم بعد الصلاة؟ وفي حالتي فإن هناك مسجداً صغيراً يعطى به درس من بعد صلاة المغرب وحتى صلاة العشاء، لكن هناك مسجد آخر توجد به جماعة أكبر بصلاة العشاء ويوجد بنفس المدينة على بعد بضعة أميال، كما يوجد به أحياناً قراء أفضل، بالإضافة إلى أنه يوجد به بعض الإخوة الآخرين الذين أود رؤيتهم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يحرم الخروج من المسجد بعد الأذان إلا لعذر؛ لما روى مسلم (655) عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ قَالَ: كُنَّا قُعُودًا فِي الْمَسْجِدِ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْمَسْجِدِ يَمْشِي، فَأَتْبَعَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ بَصَرَهُ حَتَّى خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: (أَمَّا هَذَا فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) .
ورواه الترمذي وقال عقبه: " وَعَلَى هَذَا الْعَمَلُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، أَنْ لَا يَخْرُجَ أَحَدٌ مِنْ الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْأَذَانِ إِلَّا مِنْ عُذْرٍ أَنْ يَكُونَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، أَوْ أَمْرٍ لَا بُدَّ مِنْهُ " انتهى.
ورواه أحمد (10946) بزيادة: (ثُمَّ قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كُنْتُمْ فِي الْمَسْجِدِ فَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ فَلَا يَخْرُجْ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُصَلِّيَ) وصححه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند.
ومن الأعذار المبيحة للخروج: أن يخرج ليتوضأ إذا كان محل الوضوء خارج المسجد، أو يخرج بنية العودة، كما لو خرج ليوقظ أهله مثلا ثم يعود، وكذلك الخروج للصلاة في مسجد آخر إذا علم أنه سيدرك الجماعة فيه.
قال في "غاية المنتهى": " وحرم خروج من مسجد بعد أذان , وقبل صلاةٍ بلا عذر , أو نية رجوع ... ويتجه جواز الخروج لو خرج بعد الأذان لكن ليصلي جماعة بمسجد آخر، لا سيما مع فضل إمامه " انتهى من "الغاية مع مطالب أولي النهى" (1/304) .
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله في الفتاوى (2/104) : " تحريم الخروج من المسجد فيه تفصيل: إِن كان بلا داعي ولا غرض له صحيح حرم، وذلك أَن صورته صورة من ينصرف عن المسجد لا يصلي. أَما إِذا كان يريد الصلاة في مسجد آخر أَو له عذر أَو ناويًا الرجوع والوقت متسع فلا يحرم " انتهى.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم وضوء الرجل في مسجد ويصلي في مسجد آخر؟
فأجاب: "إذا كانت الميضأة خارج المسجد فلا حرج أن يتوضأ في هذه الميضأة ويصلي في مسجد آخر، اللهم إلا إذا كان هذا المسجد قد أقيمت فيه الصلاة فالأَولى أن يصلي فيه، وأما إذا كانت الميضأة داخل المسجد فإنه لا يجوز الخروج من المسجد بعد الأذان إلا لسبب؛ لأن أبا هريرة رأى رجلاً خرج من المسجد بعد الأذان فقال: (أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم) ، فإن كان هناك سبب مثل أن يريد الذهاب إلى المسجد الآخر لحضور مجلس العلم أو لضرورة فلا حرج عليه أن يخرج ولو كانت الميضأة داخل المسجد " انتهى.
وسئل رحمه الله: أرى بعض الإخوة يقعدون في المسجد للدرس، وعندما يشرع الأذان يخرجون، حيث إنني قرأت بأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن الخروج عند الأذان، فما حكم ذلك؟
فأجاب: "في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه رأى رجلاً خرج بعد الأذان فقال: (أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم) . قال أهل العلم: يحرم الخروج من المسجد بعد الأذان إلا لعذر، ولكن الحديث هذا ليس فيه صراحة بأن الرجل خرج ليصلي في مسجد آخر، فقد يكون خرج لئلا يصلي، والذي نرى أنه إذا خرج ليصلي في مسجد آخر يعلم أنه يدركه فلا حرج عليه، لكن لا ينبغي أن يفعل لئلا يقتدي به من يخرج ولا يصلي " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (9/38) .
وبهذا تعلم أنه يجوز لك الخروج من المسجد بعد الأذان لتصلي في مسجد آخر إمامه أقرأ، أو تلتقي فيه ببعض إخوانك، إذا علمت أن خروجك إليه ستدرك معه الجماعة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1321)
هل يعطى من أموال المسجد لإصلاح بيت الإمام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز إعطاء إمام المسجد من الأموال التي ترد إلى المسجد، علما أن هناك لجنة مسئولة عن الصرف وهل الإمام يعتبر من لواحق المسجد، علما أنه يستلم راتبا من الوقف، لكنه لا يكفيه وهذه الأموال التي ستعطى إليه لغرض تصليح إنارة بيته الموجود في بناية المسجد وتصليح جدران منزله وهكذا]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إن كانت الأموال الوارد إلى المسجد من أموال الزكاة أو الصدقة، وكان الإمام ممن يستحق الزكاة أو الصدقة، جاز إعطاؤه كغيره من المستحقين.
ثانيا:
إن كانت الأموال موقوفة على المسجد، أو متبرعا بها للمسجد، فإنها تصرف حسب شرط الواقف والمتبرع،، فإن أراد شمولها للمسجد وما يلحق به كبيت الإمام والمؤذن، صرف من ذلك فيما يحتاجانه من إصلاح.
وإن أراد قصرها على المسجد، قصرت على المسجد، لكن إن فاض المال عن مصلحة المسجد، وكان الإمام محتاجا، جاز إعطاؤه منه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " يجوز أن يُعطى الإمام والمؤذن من مثل هذا الوقف الفائض رزق مثلهما ... بل إذا كانا فقيرين وليس لما زاد مصرفٌ معروف جاز أن يصرف إليهما منه تمام كفايتهما ".
وقال: " ولهذا كان الصحيح في الوقف هو هذا القول وأن يُتصدق بما فضل من كسوته، كما كان عمر بن الخطاب يتصدق كل عام بكسوة الكعبة يقسمها بين الحجاج.
وإذا كان كذلك فمن المعلوم أن صرف الفاضل إلى إمامه ومؤذنه مع الاستحقاق أولى من الصرف إلى غيرهما، وتقدير الواقف لا يمنع استحقاق الزيادة بسبب آخر، كما لا يمنع استحقاق غير مسجده " انتهى من "مجموع الفتاوى" (31/17) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1322)
حضور الصبي غير المميز إلى المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت أنه لا حرج على الصبي فوق السابعة أن يصطف كباقي المصلين في الجماعة..فما حكم من دون السابعة..هل يبطل الصلاة؟ كذا إن مر أمام المصلين في غير الجماعة هل يبطل الصلاة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا حرج على الصبي المميز أن يصف مع الجماعة، بل ينبغي تعويده ذلك وتشجيعه عليه، وتمكينه من الصف الأول وغيره إذا سَبق إليه.
والتمييز لا يختص بسن السابعة، فقد يكون الطفل ذكيا نابها وهو في السادسة أو الخامسة، فيعقل الصلاة، ويلتزم بآداب المسجد.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " التمييز يكون غالباً في سبع سنين، ولكن قد يميز الصبي وعمره خمس سنين، قال محمود بن الربيع رضي الله عنه: عقلت مَجَّة مجّها الرسول صلى الله عليه وسلم في وجهي وأنا ابن خمس سنين. فبعض الصغار يكون ذكياً يميز وهو صغير، وبعضهم يبلغ ثماني سنين وما يميز " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (13/37) .
وقد سئل الإمام مالك رحمه الله عن الصبيان يؤتى بهم إلى المساجد؟ فقال: "إن كان لا يعبث لصغره، ويُكَفُ إذا نُهي فلا أرى بهذا بأسا، وإن كان يعبث لصغره فلا أرى أن يؤتى به إلى المسجد " انتهى من المدونة (1/195) .
فمن كان دون التمييز فلا ينبغي إحضاره، إلا عند الاضطرار أو الحاجة، كأن تتغيب أمه عن البيت ولا يمكن للأب تركه في البيت بمفرده، ونحو ذلك.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم إحضار الصبيان الذين هم دون التمييز ممن يُلَبَّسُّون الحفائظ التي ربما يكون أو غالب ما يكون فيها النجاسة؟ وإذا حضروا هل يُطْرَدون أم لا؟
فأجاب: "إحضار الصبيان للمساجد لا بأس به ما لم يكن منهم أذية، فإن كان منهم أذية فإنهم يُمنعون؛ ولكن كيفية منعهم أن نتصل بأولياء أمورهم، ونقول: أطفالكم يشوِّشون علينا، يؤذوننا وما أشبه ذلك، ولقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يدخل في صلاته يريد أن يطيل فيها، فيسمع بكاء الصبي فيتجوَّز في صلاته مخافة أن تفتتن الأم، وهذا يدل على أن الصبيان موجودون في المساجد؛ لكن كما قلنا: إذا حصل منهم أذية فإنهم يُمنعون عن طريق أولياء أمورهم؛ لئلا يحصل فتنة؛ لأنك لو طردت صبياً له سبع سنوات يؤذي في المسجد، وضربته سيقوم عليك أبوه؛ لأن الناس الآن غالبهم ليس عندهم عدل ولا إنصاف، ويتكلم معك وربما يحصل عداوة وبغضاء. فعلاج المسألة هو: أن نمنعهم عن طريق آبائهم حتى لا يحصل في ذلك فتنة.
أما مسألة إحضاره فليس الأفضل إحضاره؛ لكن قد تُضْطَر الأم إلى إحضاره؛ لأنه ليس في البيت أحد وهي تحب أن تحضر الدرس، وتحب أن تحضر قيام رمضان وما أشبه ذلك. على كل حال: إذا كان في إحضاره أذية أو كان أبوه -مثلاً- يتشوش في صلاته بناء على محافظته على الولد فلا يأتي به، ثم إذا كان صغيراً عليه الحفائظ فلن يستفيد من الحضور، أما من كان عمره سبع سنوات فأكثر ممن أُمِرْنا أن نأمرهم بالصلاة، فهم يستفيدون من حضور المساجد؛ لكن لا تستطيع أن تحكم على كل أحد، قد تكون أم الولد ليست موجودة، ميتة، أو ذهبت إلى شغل لابد منه، وليس في البيت أحد فهو الآن بين أمرين: إما أن يترك صلاة الجماعة ويقعد مع صبيه، وإما أن يأتي به، فيُرَجِّح، يَنْظُر الأرجح " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (125/8) .
ثانيا:
قد يحتاج الأب أن يجعل ابنه الصغير غير المميز بجانبه في الصف، حتى لا يخرج من المسجد، أو يعبث بشيء في المسجد فيتلفه أو يضر نفسه، أو يشغل المصلين.
وقد سئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله:
ما حكم مصافة الطفل غير المميز في الصف وعمره أقل من خمس سنوات؟
وإذا كان لا يجوز فهل يعتبر قاطعا للصف؟ وإذا كان قاطعا للصف هل على الإمام أن يؤخره إلى مؤخرة المسجد؟ أفيدونا حفظكم الله حيث إن ذلك يكثر عندنا في المساجد؟
فأجاب:
"تضمن هذا السؤال مسألتين:
المسألة الأولى: مصافة هذا الصبي الذي لا يميز وجوابها أن مصافته لا تصح؛ لأن صلاته لا تصح ومن لا تصح صلاته لا تصح مصافته، وعلى هذا فلو كان رجلان تقدم أحدهما ليكون إماما وتأخر الثاني مع هذا الطفل الذي لم يميز فإنه يعتبر مصليا منفردا لا تصح صلاته ويجب عليه أن يصف مع الإمام.
أما المسألة الثانية: فهو قطع الصف، فلا يعتبر وقوف هذا الطفل قاطعا للصف؛ لأن مسافته قصيرة فلا يكون قاطعا للصف، لكن ينبغي لأولياء الأمور ألا يأتوا بمثل هذا الطفل الصغير لأنه يشغل المصلين، فإما أن يعبث حال وجوده في الصف فيشغل من حوله، وإما ألا يعبث ولكن يشغل ولي أمره.
نعم، إن دعت الضرورة إلى ذلك مثل ألا يكون في البيت أحد مع هذا الطفل الصغير أو ليس معه إلا أطفال لا يعتمد الإنسان على حفظهم له ويخشى وليه أن يعبث هذا الطفل بنار أو غيرها، فهذه ضرورة لا بأس أن يحضره ولكن عليه أن يكف أذاه عن المصلين " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
ثالثا:
مرور الصبي غير المميز بين يدي المصلي في المسجد أو غيره لا يقطع الصلاة، وإنما يقطع الصلاة مرور المرأة والكلب والحمار؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (يَقْطَعُ الصَّلاةَ الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ) رواه مسلم (511) . وفي رواية: (والكلب الأسود) قال الراوي: قُلْتُ: يَا أَبَا ذَرٍّ، مَا بَالُ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْكَلْبِ الْأَحْمَرِ مِنْ الْكَلْبِ الْأَصْفَرِ؟ قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا سَأَلْتَنِي فَقَالَ: (الْكَلْبُ الأَسْوَدُ شَيْطَانٌ) .
وينظر جواب السؤال رقم (25803) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1323)
هل تمنع النساء من دخول المساجد بأطفالهن؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز منع النساء من الدخول إلى المسجد ومعهن أطفالهن في صلاة التراويح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا تُمنع النساء من إتيان المساجد بأطفالهن في رمضان، فقد دلت السنة على إتيان النساء المساجد ومعهن أطفالهن زمن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لحديث: (إِنِّي لَأَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ وَأَنَا أُرِيدُ إِطَالَتَهَا فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِيهَا مَّخَافْةِ أَنْ أَشُقّ عَلَى أُمّه) ومن ذلك: (حمل النبي صلى الله عليه وسلم أمامة في صلاة الفريضة وهو يؤم الناس في المسجد) .
لكن عليهن الحرص على صيانة المسجد من النجاسة بالتحرز في حق الأطفال في نومهم وغير ذلك" انتهى.
سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله.
"فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم" (4/214) .
وانظر فتوى الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في ذلك في جواب السؤال رقم (11605) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1324)
تعليق الإعلانات في المساجد
[السُّؤَالُ]
ـ[نعيش في بلد أوروبي وتواجهنا مشكلة الحصول على لحم حلال، مذبوح على الشريعة الإسلامية، وقد اتفقنا مع جزار نصراني على أن يذبح لنا على الشريعة الإسلامية، بهدف توفير اللحم الحلال لإخواننا المسلمين وسمينا المشروع: "اللحم الحلال". فهل يجوز الإعلان للإخوة المسلمين عن هذا الأمر – توفر لحوم حلال - بعد صلاة الجمعة، ومناقشة مثل هذه الأمور معهم، وجمع المال منهم من أجل ذلك؟ حيث إن هذا الوقت - بعد الجمعة - هو ربما الوقت الوحيد الذي يمكن أن يجتمع فيه المسلمون، ولا يوجد مكان آخر غير المسجد لنجتمع فيه، فمن الصعب إيجاد مكان آخر للاجتماع، فهل يشرع لنا ذلك؟ وهل نستطيع وضع ملصق إعلان على الباب الخارجي للمسجد كبديل للإعلان داخل المسجد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الإعلان في المساجد، إن كان عن طاعة فلا حرج فيه أن يكون داخل المسجد، وإن كان عن أمر دنيوي، كالأمور التجارية الربحية، فلا يجوز أن يكون داخل المسجد، ولا حرج من الإعلان عنه خارج أبواب المسجد أو على جدرانه الخارجية.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة":
" لا يجوز أن تتخذ المساجد ولا ساحاتها ولا أسوارها ميدانا لعرض الإعلانات التجارية، سواء كانت هذه الإعلانات مقصودة أو جاءت تبعا في النشرات واللوحات الدينية الخيرية؛ لأن المساجد إنما بنيت لعبادة الله تعالى من صلاة وذكر وتعلم العلم وتعليمه وقراءة القرآن ونحو ذلك، فالواجب تنزيه المساجد عما لا يليق بها من أمور التجارة، ومن ذلك الإعلانات التجارية الدعائية، سواء كانت مقصودة أو تابعة لغيرها في النشرات الدينية الخيرية، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك) وعرض الإعلانات التجارية من التجارة " انتهى.
"فتاوى اللجنة" (المجموعة الثانية 5/270) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم وضع بعض الإعلانات في المسجد؟ كالإعلان عن حملة للحج أو للعمرة، أو الإعلان عن وجود محاضرات أو دروس علم؟
فأجاب رحمه الله:
"أما ما كان إعلانا عن طاعة فلا بأس به؛ لأن الطاعة مما يقرب إلى الله، والمساجد بنيت لطاعة الله سبحانه وتعالى.
وأما ما كان لأمور الدنيا، فإنه لا يجوز، ولكن يعلن عنه على جدار المسجد من الخارج. فالحملات - حملات الحج - أمر دنيوي، فلا نرى أن نعلن عنها في الداخل.
وحلق الذكر - كدورات العلم - خيرٌ محض، فلا بأس أن يعلن عنها في داخل المسجد؛ لأنها خير " انتهى باختصار.
"شرح منظومة القواعد الفقهية" (ص/52) .
وقال أيضا رحمه الله:
" لا يجوز أن تعلق الإعلانات للحج والعمرة داخل المسجد؛ لأن غالب الذين يأخذون هذه الرحلات يقصدون الكسب المالي، فيكون هذا نوعاً من التجارة، لكن بدلاً من أن تكون في المسجد تكون عند باب المسجد من الخارج " انتهى.
"لقاءات الباب المفتوح" (لقاء رقم 151، سؤال رقم 10) .
وسئل الشيخ ابن جبرين حفظه الله: تقوم بعض الدوائر الحكومية والشركات والمؤسسات بإلصاق إعلاناتها على أبواب المساجد من الخارج، وفيها إعلان عن بيع بعض الأدوات القديمة والمستعملة لديهم، وتفعل ذلك أيضًا بعض حملات الحج والعمرة في الإعلان عن خدماتها، وأحيانًا تفتح هذه الأبواب فتكون الإعلانات داخل المسجد، فما الحكم في ذلك؟
فأجاب رحمه الله:
" لا يجوز جعل هذه الإعلانات في لوحات المسجد الداخلة فيه، ولا في الأبواب التي إذا فُتحت كانت الدعايات والإعلانات في داخل المسجد، وأما إلصاق هذه الإعلانات على الحيطان الخارجية فلا مانع من ذلك، سيما إذا كان فيها شيء من الأعمال الخيرية، أو كانت تلك الشركات والمؤسسات والحملات ممن يُساعد على الخير، ويُساهم في الجمعيات الخيرية ومدارس التحفيظ، فلهم أن يُمكنوا من جعل إعلاناتهم على حيطان المسجد الخارجة " انتهى.
نقلا عن هذا الرابط:
http://ibn-jebreen.com/ftawa.php?view=vmasal&subid=3418&parent=786
وبناء على ما سبق، فإن كان مشروع "اللحم الحلال" مشروعاً ربحيا تجاريا فلا يجوز الإعلان عنه داخل المسجد.
أما إذا كان المشروع خيريا، ولا يقصد به الربح والتجارة، وإنما يقصد منه إعانة المسلمين بتوفير اللحم الحلال لهم، فلا حرج من الإعلان عنه داخل المسجد.
ويقتصر في الإعلان على قول: يتوفر هذا الأسبوع لحم حلال، فمن أراد فليرجع إلى مكتب فلان أو الأخ فلان (خارج المسجد) .
أما الاجتماع من أجل ذلك في المسجد وجمع الأموال فهذا يحول المسجد إلى ما يشبه السوق، وهذا يتنافى مع تعظيم المسجد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1325)
حكم إدخال الكتب التي تحتوي على صور إلى المساجد
[السُّؤَالُ]
ـ[من المعروف خاصة في الابتدائي والثانوي والمتوسط وبعض الجامعات أنه يكون عندهم بعض الكتب التي تحوي الصور، فما حكم إدخال هذه الكتب إلى المسجد من أجل المذاكرة فيها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"أما الصور الظاهرة البارزة كالتي تكون على الغلاف -مثلاً- فإنه لا يجوز أن يدخل بها المسجد؛ لأن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة، وإذا كانت الملائكة تتأذى من ريح البصل والكراث فتتأذى من هذه الصورة التي تمنعها -أي: تمنع الملائكة من دخول المسجد- أما إذا كانت خفية وليست مقصودة بذاتها فأرجو ألا يكون بذلك بأس؛ لأنها خفية داخل الكتاب، وأيضاً هي غير مقصودة، وإن رأى الإنسان أن يفعل ما هو الأكمل والأفضل فليطمس على وجهها فإذا طمس على وجهها زال ما بها" انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
"لقاءات الباب المفتوح" (1/470، 471)
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1326)
هل يجوز إخراج المبتدعة من المساجد
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك أناس في مسجدنا يقومون بالمسجد من أذان وصلاة وخطبة، ولكن يقومون بكثير من البدع، وقد نصحناهم أكثر من مرة ولكنهم لم يتركوا ذلك. هل يجوز إخراجهم من المسجد بالقوة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز أن يُطرد المسلم عن بيوت اللَّه، ولو كان مبتدعاً، فهي بيوت مبنية لإقامة ذكر الله وعبادته، والمبتدع مشكور على طاعته، مأجور على كل خير يعمله لوجه الله تعالى، مع ترتب الإثم على بدعته، فلا يجوز لأحد أن يحجزه عن عبادة الله وطاعته، بل ينبغي إعانته عليها، وحثه على حضور جماعة المسلمين، لعله يسمع السنَّة من أهل العلم، فيرتدع عن الإحداث في الدين.
وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أذن بدخول المسجد من قِبَل بعض المشركين، كما في قصة ثمامة بن أثال رضي الله عنه، حيث أمر النبي صلى الله عليه وسلم بربطه إلى سارية من سواري المسجد، وذلك قبل أن يسلم، حتى أَسلَمَ في اليوم الثالث، وقال للنبي صلى الله عليه وسلم: (أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، يَا مُحَمَّدُ! وَاللَّهِ مَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ، فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ إِلَيَّ، وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيَّ، وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلَادِ إِلَيَّ) رواه البخاري (462) ومسلم (1764) .
فانظر كيف كان بقاؤه في المسجد سبباً في هدايته وإسلامه رضي الله عنه؛ فكيف بالمسلمين الذي يقومون بعمارة المسجد، بالأذان والخطابة، وغير ذلك، كما ورد في السؤال؟!
ولمَّا تخلَّف كعب بن مالك عن شهود تبوك مع النبي صلى الله عليه وسلم أمر بهَجرِهِ ومنع الناس من الحديث معه، حتى أمره بترك زوجته، إلا أنه صلى الله عليه وسلم لم يمنعه من حضور جماعة المسلمين، وشهود صلاتهم.
يقول رضي الله عنه: (وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ كَلَامِنَا أَيُّهَا الثَّلَاثَةُ مِنْ بَيْنِ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ، قَالَ: فَاجْتَنَبَنَا النَّاسُ وَتَغَيَّرُوا لَنَا حَتَّى تَنَكَّرَتْ لِي فِي نَفْسِيَ الْأَرْضُ، فَمَا هِيَ بِالْأَرْضِ الَّتِي أَعْرِفُ، فَلَبِثْنَا عَلَى ذَلِكَ خَمْسِينَ لَيْلَةً، فَأَمَّا صَاحِبَايَ فَاسْتَكَانَا وَقَعَدَا فِي بُيُوتِهِمَا يَبْكِيَانِ، وَأَمَّا أَنَا فَكُنْتُ أَشَبَّ الْقَوْمِ وَأَجْلَدَهُمْ فَكُنْتُ أَخْرُجُ فَأَشْهَدُ الصَّلَاةَ وَأَطُوفُ فِي الْأَسْوَاقِ وَلَا يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ، وَآتِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مَجْلِسِهِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَأَقُولُ فِي نَفْسِي هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلَامِ أَمْ لَا، ثُمَّ أُصَلِّي قَرِيبًا مِنْهُ وَأُسَارِقُهُ النَّظَرَ، فَإِذَا أَقْبَلْتُ عَلَى صَلَاتِي نَظَرَ إِلَيَّ، وَإِذَا الْتَفَتُّ نَحْوَهُ أَعْرَضَ عَنِّي) رواه البخاري (2757) ومسلم (2769) .
ولما ظهرت الخوارج ببدعتهم، وفرقوا جماعة المسلمين بفكرتهم، وأحدثوا ما أحدثوا لم يأمر أحدٌ من الصحابة بإخراجهم من المساجد وطردهم عنها، لأنها بيوتٌ أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، فلا ينبغي لأحد أن يمنع ما أذن الله به.
قال علي بن أبي طالب في الخوارج: (لهم علينا ثلاث: ألا نبدأهم بقتال ما لم يقاتلونا، وألا نمنعهم مساجد الله أن يذكروا فيه اسمه، وألا نحرمهم من الفيء ما دامت أيديهم مع أيدينا) .
رواه ابن أبي شيبة في " المصنف " (7 / 562) بإسناد حسن.
والذي يشرع في حقكم أن تحسنوا إليهم في بيت الله، وأن تجتهدوا في بيان السنة لهم بكل سبيل، وإذا أمكنكم منعهم من إقامة بدعتهم، بعد سؤال أهل العلم، والتحقق من أن هذا العمل المعين هو بدعة؛ فلكم أن تمنعوهم ـ فقط ـ عن هذه البدعة، لا أن تمنعوهم من المسجد بالكلية، شريطة ألا يترتب على منعهم هذا فتنة بين المسلمين، أو مفسدة هي أكبر من هذه البدعة التي تريدون منعها.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" وعلى هذا إذا كان الشخص أو الطائفة جامعين بين معروف ومنكر، بحيث لا يفرقون بينهما ; بل إما أن يفعلوهما جميعا ; أو يتركوها جميعا: لم يجز أن يؤمروا بمعروف ولا أن ينهوا من منكر ; [بل] ينظر: فإن كان المعروف أكثر أمر به ; وإن استلزم ما هو دونه من المنكر. ولم ينه عن منكر يستلزم تفويت معروف أعظم منه ; بل يكون النهي حينئذ من باب الصد عن سبيل الله، والسعي في زوال طاعته وطاعة رسوله، وزوال فعل الحسنات. وإن كان المنكر أغلب نُهي عنه ; وإن استلزم فوات ما هو دونه من المعروف. ويكون الأمر بذلك المعروف المستلزم للمنكر الزائد عليه، أمرا بمنكر، وسعيا في معصية الله ورسوله. وإن تكافأ المعروف والمنكر المتلازمان لم يؤمر بهما ولم ينه عنهما. فتارة يصلح الأمر ; وتارة يصلح النهي ; وتارة لا يصلح لا أمر ولا نهي، حيث كان المعروف والمنكر متلازمين ; وذلك في الأمور المعينة الواقعة.
وأما من جهة النوع فيؤمر بالمعروف مطلقا، وينهى عن المنكر مطلقا.
وفي الفاعل الواحد، والطائفة الواحدة، يؤمر بمعروفها، وينهى عن منكرها، ويحمد محمودها، ويذم مذمومها ; بحيث لا يتضمن الأمر بمعروف فوات أكثر منه، أو حصول منكر فوقه، ولا يتضمن النهي عن المنكر حصول أنكر منه، أو فوات معروف أرجح منه. وإذا اشتبه الأمر استبان المؤمن حتى يتبين له الحق ; فلا يقدم على الطاعة إلا بعلم ونية ".
انتهى، من " مجموع الفتاوى" (28/129-130) ، وأيضا: "الاستقامة" (2/217-218) .
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
عندنا في العمل شيعة، هل يجوز أن نرد عليهم السلام، ونراهم في المسجد كذلك يصلون على أوراق، فهل يجوز طردهم من المسجد؟ .
فأجاب:
أقول: عاملهم بما يعاملونك به، إذا سلموا فرد عليهم السلام، ولا يحسن أن يطردوا من المسجد، بل ربما يكون بعضهم من العامة الذين لا يعرفون شيئاً وقد ضللهم علماؤهم؛ فيمكنكم أنتم باللباقة والدعوة بالتي هي أحسن أن تؤثروا عليهم، واستعمال العنف بين الناس أمر غير وارد، والله سبحانه وتعالى يحب الرفق في الأمر كله، فأنتم الآن لو تصادمتم معهم وقلتم: لا تسجدوا على ورق، لا تسجدوا على حجر وما أشبه ذلك، لو كان الأمر ينتهي إلى هذا ثم ينتهون لكان الأمر طيِّباً، لكن سوف يزيدون، وسوف تكون العداوة والبغضاء بينكم أشد، فالذي أرى أن الواجب أولاً نصحهم، لاسيما العوام، والنصح ليس معناه أن تهاجم مذهبهم وملتهم الفاسدة الباطلة، لا، النصح أن تبين لهم الحق وتبين لهم السنة، ثم بعد ذلك إذا تبينت لهم السنة، فأنا أجزم جزماً، إن كان عندهم إيمان حقيقة، أن يرجعوا إليها وأن يدعوا باطلهم، فإن حصل هذا فهو الأكمل والأحسن، وإن لم يحصل فأنتم عاملوهم بما يعاملونكم به، وأما طردهم من المسجد فليس إليكم.
" لقاءات الباب المفتوح " (لقاء رقم 80، سؤال رقم 4) .
وأخيراً:
ننبهكم إلى أنه ليس كل من فعل بدعة يكون مبتدعاً، كما أن بعض ما ترونه بدعة لا يكون كذلك على التحقيق، ولا يجوز جعل هذه المسائل مرجعها لصغار طلبة العلم، أو المتحمسين للسنَّة، فهؤلاء أنفسهم يحتاجون لتوجيه وعناية ونصح، فمثلاً: قد يرون أن قبض اليد على الصدر بعد الركوع بدعة! فهل يحكمون على من فعلها بأنه مبتدع؟! وهل يريدون طرد مثل هؤلاء؟ وهل يعرفون من يفعل ذلك – أي: القبض بعد الركوع – من أئمتنا وعلمائنا؟! .
فنحن نشكر لهؤلاء الإخوة غيرتهم على السنَّة، لكننا لا نريد أن يدفعهم حماسهم هذا للحكم على الناس، ولا لطردهم من بيوت الله تعالى، وكم عانينا من تصنيف الناس، فهل سينتقل التصنيف إلى بيوت الله؟! نرجو أن لا يكون ذلك، ونرجو منهم التعقل والسؤال – كما فعلوا هنا -، وها هي فتاوى العلماء واضحة بيِّنة حتى في المبتدعة الغلاظ كالشيعة، مع عدم إغفال جانب دعوتهم وحثهم على السنَّة بالتي هي أحسن.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1327)
القبة الخضراء في المدينة، تاريخها، وحكم بنائها، وبقائها
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كانت القبة الخضراء على قبر النبي صلى الله عليه وسلم من البدع والمؤدية إلى الشرك، فلماذا لا تزيلها الحكومة السعودية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
تاريخ القبة الخضراء
لم تكن القبة التي على قبر النبي صلى الله عليه وسلم موجودة إلى القرن السابع، وقد أُحدث بناؤها في عهد السلطان قلاوون، وكان لونها أولاً بلون الخشب، ثم صارت باللون الأبيض، ثم اللون الأزرق، ثم اللون الأخضر، واستمرت عليه إلى الآن.
قال الأستاذ علي حافظ حفظه الله:
"لم تكن على الحجرة المطهرة قبة، وكان في سطح المسجد على ما يوازي الحجرة حظير من الآجر بمقدار نصف قامة تمييزاً للحجرة عن بقية سطح المسجد.
والسلطان قلاوون الصالحي هو أول من أحدث على الحجرة الشريفة قبة، فقد عملها سنَة 678 هـ، مربَّعة من أسفلها، مثمنة من أعلاها بأخشاب، أقيمت على رؤوس السواري المحيطة بالحجرة، وسمَّر عليها ألواحاً من الخشب، وصفَّحها بألواح الرصاص، وجعل محل حظير الآجر حظيراً من خشب.
وجددت القبة زمن الناصر حسن بن محمد قلاوون، ثم اختلت ألواح الرصاص عن موضعها، وجددت، وأحكمت أيام الأشرف شعبان بن حسين بن محمد سنة 765 هـ، وحصل بها خلل، وأصلحت زمن السلطان قايتباي سنة 881هـ.
وقد احترقت المقصورة والقبة في حريق المسجد النبوي الثاني سنة 886 هـ، وفي عهد السلطان قايتباي سنة 887هـ جددت القبة، وأسست لها دعائم عظيمة في أرض المسجد النبوي، وبنيت بالآجر بارتفاع متناه،....
بعد ما تم بناء القبة بالصورة الموضحة: تشققت من أعاليها، ولما لم يُجدِ الترميم فيها: أمر السلطان قايتباي بهدم أعاليها، وأعيدت محكمة البناء بالجبس الأبيض، فتمت محكمةً، متقنةً سنة 892 هـ.
وفي سنة 1253هـ صدر أمر السلطان عبد الحميد العثماني بصبغ القبة المذكورة باللون الأخضر، وهو أول من صبغ القبة بالأخضر، ثم لم يزل يجدد صبغها بالأخضر كلما احتاجت لذلك إلى يومنا هذا.
وسميت بالقبة الخضراء بعد صبغها بالأخضر، وكانت تعرف بالبيضاء، والفيحاء، والزرقاء" انتهى.
" فصول من تاريخ المدينة المنورة " علي حافظ (ص 127، 128) .
ثانياً:
حكمها
وقد أنكر أهل العلم المحققين - قديماً وحديثاً – بناء تلك القبة، وتلوينها، وكل ذلك لما يعلمونه من سد الشريعة لأبواب كثيرة خشية الوقوع في الشرك.
ومن هؤلاء العلماء:
1. قال الصنعاني – رحمهُ اللهُ – في " تطهير الاعتقادِ ":
"فإن قلت: هذا قبرُ الرسولِ صلى اللهُ عليه وسلم قد عُمرت عليه قبةٌ عظيمةٌ انفقت فيها الأموالُ.
قلتُ: هذا جهلٌ عظيمٌ بحقيقةِ الحالِ، فإن هذه القبةَ ليس بناؤها منهُ صلى اللهُ عليه وسلم، ولا من أصحابهِ، ولا من تابعيهم، ولا من تابعِ التابعين، ولا علماء الأمةِ وأئمة ملتهِ، بل هذه القبةُ المعمولةُ على قبرهِ صلى اللهُ عليه وسلم من أبنيةِ بعضِ ملوكِ مصر المتأخرين، وهو قلاوون الصالحي المعروف بالملكِ المنصورِ في سنةِ ثمانٍ وسبعين وست مئة، ذكرهُ في " تحقيقِ النصرةِ بتلخيصِ معالمِ دارِ الهجرةِ "، فهذه أمورٌ دولية لا دليليةٌ " انتهى.
2. وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
هناك من يحتجون ببناء القبة الخضراء على القبر الشريف بالحرم النبوي على جواز بناء القباب على باقي القبور، كالصالحين، وغيرهم، فهل يصح هذا الاحتجاج أم ماذا يكون الرد عليهم؟
فأجابوا:
" لا يصح الاحتجاج ببناء الناس قبة على قبر النبي صلى الله عليه وسلم على جواز بناء قباب على قبور الأموات، صالحين، أو غيرهم؛ لأن بناء أولئك الناس القبة على قبره صلى الله عليه وسلم حرام يأثم فاعله؛ لمخالفته ما ثبت عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ألا تدع تمثالاً إلا طمستَه، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته.
وعن جابر رضي الله عنه قال: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يجصَّص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه) رواهما مسلم في صحيحه، فلا يصح أن يحتج أحد بفعل بعض الناس المحرم على جواز مثله من المحرمات؛ لأنه لا يجوز معارضة قول النبي صلى الله عليه وسلم بقول أحد من الناس أو فعله؛ لأنه المبلغ عن الله سبحانه، والواجب طاعته، والحذر من مخالفة أمره؛ لقول الله عز وجل: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) الحشر/ 7.
وغيرها من الآيات الآمرة بطاعة الله وطاعة رسوله؛ ولأن بناء القبور، واتخاذ القباب عليها من وسائل الشرك بأهلها، فيجب سد الذرائع الموصلة للشرك " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (9 / 83، 84) .
3. وقال علماء اللجنة الدائمة – أيضاً -:
" ليس في إقامة القبة على قبر النبي صلى الله عليه وسلم حجة لمن يتعلل بذلك في بناء قباب على قبور الأولياء والصالحين؛ لأن إقامة القبة على قبره: لم تكن بوصية منه، ولا من عمل أصحابه رضي الله عنهم، ولا من التابعين، ولا أحد من أئمة الهدى في القرون الأولى التي شهد لها النبي صلى الله عليه وسلم بالخير، إنما كان ذلك من أهل البدع، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) ، وثبت عن علي رضي الله عنه أنه قال لأبي الهياج: (ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ألاَّ تدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته) رواه مسلم؛ فإذا لم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم بناء قبة على قبره، ولم يثبت ذلك عن أئمة الخير، بل ثبت عنه ما يبطل ذلك: لم يكن لمسلم أن يتعلق بما أحدثه المبتدعة من بناء قبة على قبر النبي صلى الله عليه وسلم " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (2 / 264، 265) .
4. وقال الشيخ شمس الدين الأفغاني رحمه الله:
" قال العلامة الخجندي (1379 هـ) مبيِّناً تاريخ بناء هذه القبة الخضراء المبنية على قبر النبي صلى الله عليه وسلم، محققاً أنها بدعة حدثت بأيدي بعض السلاطين، الجاهلين، الخاطئين، الغالطين، وأنها مخالفة للأحاديث الصحيحة المحكمة الصريحة؛ جهلاً بالسنَّة، وغلوّاً وتقليداً للنصارى، الضلال الحيارى:
اعلم أنه إلى عام (678 هـ) لم تكن قبة على الحجرة النبوية التي فيها قبر النبي صلى الله عليه وسلم؛ وإنما عملها وبناها الملك الظاهر المنصور قلاوون الصالحي في تلك السنة - (678هـ) ، فعملت تلك القبة.
قلت: إنما فعل ذلك لأنه رأى في مصر والشام كنائس النصارى المزخرفة فقلدهم جهلاً منه بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وسنته؛ كما قلدهم الوليد في زخرفة المسجد، فتنبه، كذا في " وفاء الوفاء " ...
اعلم أنه لا شك أن عمل قلاوون هذا -: مخالف قطعاً للأحاديث الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولكن الجهل بلاء عظيم، والغلو في المحبة والتعظيم وباء جسيم، والتقليد للأجانب داء مهلك؛ فنعوذ بالله من الجهل، ومن الغلو، ومن التقليد للأجانب" انتهى.
" جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية " (3 / 1660 - 1662) .
ثالثاً:
سبب عدم هدمها
فقد بَيَّن العلماء الحكم الشرعي في بناء القبة، وأثرها البدعي واضح على أهل البدع، فهم متعلقون بها بناءً ولوناً، ومدحهم وتعظيمهم لها نظماً ونثراً كثير جدّاً، ولم يبق إلا تنفيذ ذلك من ولاة الأمر، وليس هذا من عمل العلماء.
وقد يكون المانع من هدمها درءً للفتنة، وخشيةً من أن تحدث فوضى بين عامة الناس وجهلتهم، وللأسف فإن هؤلاء العامة لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه من تعظيم تلك القبَّة إلا بقيادة علماء الضلالة وأئمة البدعة، وهؤلاء هم الذي يهيجون العامة على بلاد الحرمين الشريفين، وعلى عقيدتها، وعلى منهجها، وقد ساءتهم جدّاً أفعالٌ كثيرة موافقة للشرع عندنا، مخالفة للبدعة عندهم! .
وبكل حال: فالحكم الشرعي واضح بيِّن، وعدم هدمها لا يعني أنها جائزة البناء لا هي ولا غيرها على أي قبر كان.
قال الشيخ صالح العصيمي حفظه الله:
" إن استمرارَ هذه القبةِ على مدى ثمانيةِ قرونٍ لا يعني أنها أصبحت جائزة، ولا يعني أن السكوتَ عنها إقرارٌ لها، أو دليلٌ على جوازها، بل يجبُ على ولاةِ المسلمين إزالتها، وإعادة الوضع إلى ما كان عليه في عهدِ النبوةِ، وإزالة القبةِ والزخارفِ والنقوشِ التي في المساجدِ، وعلى رأسها المسجدُ النبوي، ما لم يترتب على ذلك فتنةٌ أكبر منه، فإن ترتبَ عليه فتنةٌ أكبر، فلولي الأمرِ التريث مع العزمِ على استغلالِ الفرصة متى سنحت " انتهى.
" بدعِ القبورِ، أنواعها، وأحكامها " (ص 253) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1328)
لا يجوز اصطحاب الخادمة الكافرة إلى الحرم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم استصحاب الخادمة الكافرة وإدخالها إلى الحرم وما العمل إذا قدم بها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"كيف يذهب بامرأة كافرة إلى المسجد الحرام، والله عز وجل يقول: (فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا) التوبة/23.
هذا حرام عليه، وإذا قدر أنه اضطر لهذا يقول لها: أسلمي، فإن أسلمت فهذا هو المطلوب، وإن لم تسلم إما أن يبقى معها، وإما أن يرسلها إلى أهلها.
وأما أن يأتي بها إلى مكة فهذا لا يجوز، أولاً: معصية لله عز وجل. ثانياً: امتهان الحرم، فيرجع هو وإياها أو يردها هي إلى بلدها" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/433) .
وللفائدة راجع جواب السؤال رقم (2192) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1329)
هل يستحب استعمال السواك عند دخول المسجد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعمل السواك عند دخوله البيت. فهل يؤخذ من ذلك استحباب السواك عند دخول المسجد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد قال ذلك بعض العلماء، والصحيح أنه لا يستحب استعمال السواك عند دخول المسجد، لأن ذلك لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولو كان ذلك مشروعاً لفعله الرسول صلى الله عليه وسلم ورَغَّب أمته في فعله.
واتباع النبي صلى الله عليه وسلم هو أن نفعل ما فعل، ونترك ما ترك، فكما أننا لا نترك ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم من العبادات، فكذلك لا نفعل ما تركه.
قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله:
"ولدينا قاعدة مهمة وهي: كما أن الفعل سنة، فالترك مع وجود سبب الفعل سنة، مع أنه تَرْكٌ وليس بفعل، ولهذا أمثلة منها: سنية السواك عند دخول المسجد.
فبعض العلماء قال: يسن له أن يتسوك عند دخول المسجد، وبنى ذلك على (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل بيته بدأ بالسواك) فقاسوا: دخول المسجد على دخول البيت، وقالوا: إذا كان الإنسان يتسوك إذا دخل بيته من أجل أن يقابل أهله بطهارة فم، فكذلك إذا دخل المسجد من أجل أن يناجي ربه بطهارة فم، فنقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل المسجد ولم يرو عنه أنه كان إذا دخل المسجد بدأ بالسواك، ولو كان سنة لفعله النبي صلى الله عليه وسلم، فالسنة أن لا يتسوك إذا دخل المسجد بناء على أن سبب سواكه دخول المسجد، أما لو كان إذا دخل المسجد سيصلي ركعتين فوراً، وأراد أن يتسوك من أجل الصلاة، لا من أجل دخول المسجد فإن هذا مشروع" انتهى.
"الشرح الممتع" (4/362) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1330)
هل يجوز للكافر دخول المسجد لسماع محاضرة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للكافر دخول المسجد لحضور محاضرة أو درس فيه تعليم ودعوة إلى الإسلام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"نعم، يجوز هذا – إذا أمنا من أن يعتدي هذا الكافر بتلويث المسجد، لأن هذا الدخول لمصلحته، ولا يضر المسجد شيئاً، فكما أنه يجوز للكافر أن يدخل المسجد، ويمكث فيه لإصلاح شيء في المسجد، لأن ذلك من مصلحة المسجد، يجوز كذلك أن يدخل لسماع المحاضرات التي ربما تكون سبباً لهدايته، وقد ربط النبي صلى الله عليه وسلم ثمامة بن أثال في المسجد" انتهى.
فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
"الإجابات على أسئلة الجاليات" (1/21، 22) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1331)
الجلوس في المسجد والأرجل إلى القبلة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم الذي يضع رجليه ويوجهها إلى القبلة في المسجد؟ وهل يجوز الأكل والنوم في المسجد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" لا حرج على المسلم أن يمد رجليه أو رجله إلى القبلة، سواء كان بالمسجد أم في غيره، ولا حرج عليه أن يأكل بالمسجد أو ينام به إذا احتاج إلى ذلك، وينبغي له أن يحافظ على نظافة المسجد، وإذا احتلم وهو نائم به أسرع بالخروج منه حين يستيقظ ليغتسل من الجنابة.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (6/295) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1332)
تحية المسجد الحرام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما أقوال المذاهب الأربعة في تحية المسجد الحرام , هل هي الطواف أم صلاة ركعتين؟ وما الراجح؟ وما صحة حديث: (تحية البيت الطواف) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يخلو حال الداخل إلى المسجد الحرام من حالين:
الأول: أن يدخله بقصد الطواف، سواء كان للحج أو العمرة أو تطوعاً:
فهذا أول ما يبدأ به الطواف، ولا يشرع له البدء بركعتي تحية المسجد قبل الطواف، إذ لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أحد من أصحابه، وهذا ما عليه جمهور الفقهاء، ولم يخالف في ذلك إلا أفراد، منهم ابن عقيل من الحنابلة – كما نقله عنه ابن تيمية في "شرح عمدة الفقه" -.
ويستثنى من ذلك ما إذا منع مانعٌ كالزحام الشديد عن البدء بالطواف، فيصلي ركعتين تحية المسجد، وينتظر حتى ينجلي الزحام ليشرع في الطواف.
الثاني: أن يدخله بقصد الصلاة أو الجلوس أو حضور حلق العلم أو الذكر أو قراءة القرآن أو غيرها من العبادات:
فيستحب له أن يصلي ركعتي تحية المسجد؛ لعموم حديث أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)
أخرجه البخاري (1167) ومسلم (714)
وأما ما يرويه الناس من حديث (تحية البيت الطواف) فليس له أصل في كتب السنة، ولم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد أصلا، فلا يجوز نسبته إليه.
قال الشيخ الألباني في "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (رقم/1012) :
" لا أعلم له أصلا وإن اشتهر على الألسنة، وأورده صاحب " الهداية " من الحنفية بلفظ:
(من أتى البيت فليحيه بالطواف) ، وقد أشار الحافظ الزيلعي في تخريجه إلى أنه لا أصل له، بقوله (2/51) : " غريب جدا "، وأفصح عن ذلك الحافظ ابن حجر، فقال في "الدراية" (ص192) : " لم أجده ".
قلت – أي الشيخ الألباني -: ولا أعلم في السنة القولية أو العملية ما يشهد لمعناه، بل إن عموم الأدلة الواردة في الصلاة قبل الجلوس في المسجد تشمل المسجد الحرام أيضا، والقول بأن تحيته الطواف مخالف للعموم المشار إليه، فلا يقبل إلا بعد ثبوته، وهيهات، لا سيما وقد ثبت بالتجربة أنه لا يمكن للداخل إلى المسجد الحرام الطواف كلما دخل المسجد في أيام المواسم، فالحمد لله الذي جعل في الأمر سعة، (وما جعل عليكم في الدين من حرج) .
وإن مما ينبغي التنبه له أن هذا الحكم إنما هو بالنسبة لغير المحرم، وإلا فالسنة في حقه أن يبدأ بالطواف ثم بالركعتين بعده، انظر: بدع الحج والعمرة في رسالتي " مناسك الحج والعمرة " رقم البدعة (37) " انتهى.
وقال الحطاب المالكي في "مواهب الجليل شرح مختصر خليل" (2/375) :
" من دخل مسجد مكة فتحية المسجد الحرام في حقه الطواف بالبيت , وهذا في حق القادم المحرم، فإنه يطلب منه أنه إذا دخل المسجد الحرام البداءة بطواف القدوم - إن كان محرما بحج أو قران -، وبطواف العمرة - إن كان محرما بعمرة -، وبطواف الإفاضة - إذا دخله بعد الرجوع من عرفة - , ولا يطلب منه الركوع (أي: الصلاة) عند دخوله. وكذلك غير القادم - إذا دخل المسجد الحرام ونيته أن يطوف عند دخوله - فتحية المسجد في حقه الطواف , ولا يطلب منه حينئذ الركوع.
وأما غير القادم إذا دخل المسجد الحرام ونيته الصلاة في المسجد أو مشاهدة البيت الشريف , ولم يكن نيته الطواف، فإنه يصلي ركعتين ...
قال ابن رشد: الطواف بالبيت صلاة , فإذا دخله يريد الطواف بدأ بالطواف , وإن دخله لا يريد الطواف في وقت تنفل بدأ بالركعتين " انتهى باختصار.
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (10/306) :
" ذهب جمهور الفقهاء إلى أن تحية المسجد الحرام الطواف للقادم لمكة , سواء كان تاجرا أو حاجا أو غيرهما , لقول عائشة رضي الله عنها عنها: (إن النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة توضأ , ثم طاف بالبيت) وركعتا تحية المسجد الحرام تجزئ عنهما الركعتان بعد الطواف.
وأما المكي الذي لم يؤمر بطواف، ولم يدخله لأجل الطواف، بل للصلاة أو لقراءة القرآن أو للعلم، فتحية المسجد الحرام في حقه الصلاة، كتحية سائر المساجد" انتهى باختصار.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن: هل تحية المسجد الحرام صلاة ركعتين أو الطواف؟
فأجاب: "المسجد الحرام كغيره من المساجد من دخل ليصلي، أو ليستمع الذكر، أو ما أشبه ذلك من الإرادات فإنه يصلي ركعتين كغيره من المساجد، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ) رواه البخاري (1167) أما إذا دخل ليطوف كإنسان معتمر دخل ليطوف طواف العمرة، أو ليطوف تطوعاً فهنا يغني الطواف عن ركعتي تحية المسجد؛ لأنه إذا طاف فسوف يصلي ركعتين بعد الطواف" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/286) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1333)
حكم تعليق الإعلانات في المساجد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الإعلان في المساجد عن مسابقات أو محاضرات أو ندوات شرعية، ويكون برعاية الشركة الفلانية، أو المدارسة الأهلية الفلانية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" المساجد جعلت للعبادة، ونهي عن البيع والشراء والتكسب فيها، فلا يجوز أن تستغل المساجد لأن تكون وسيلة للدعاية عن الشركات أو المدارس أو غيرها.
أما الإعلان عن المحاضرات والندوات الدينية، فلا بأس، بشرط ألا يكون في ذلك دعاية لجهة معينة أو شركة أو مؤسسة أو غيرها " انتهى.
"من فتاوى الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ" (مجلة الدعوة /43) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1334)
هل يتركون مكاناً في الصف الأول للمتأخرين عن الصلاة؟ وشيء من أحكام الصفوف
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن مجموعة من الطلبة المغتربين بدولة غير إسلامية، ونحن نجتمع يوم الجمعة لأداء صلاة الجمعة، وأحياناً قليلة بعض الصلوات الأخرى، المكان الذي نصلي فيه هو عبارة عن شقة مؤجرة كمشروع للأطعمة الحلال، ومكان لصلاة الجمعة أساساً، وقد قمت بنصح الإخوة بإتمام الصف الأول، وتسوية الصفوف في الصلاة، ولكن بعد فترة بسيطة طلب أحد الأشخاص أن نترك فرجة في الصف الأول نظراً لأن الباب في المقدمة، وإذا حضر أحدٌ متأخراً فسيجد صعوبة في المرور للخلف مع تعليقه بأننا يجب ألا نركز على تلك الأمور الصغيرة - حسب تعبيره - ونهتم أساسا بالخشوع في الصلاة، كما يسأل لما لا نجعل الإسلام بسيطا؟ وضرب أمثلة لذلك مثل أن بعض العلماء يحرِّم ارتداء النساء للبنطلونات، والتي في رأيه الشخصي ليس بها شيء! كما علق أحد الإخوة قائلا: إن الإسلام ليس بهذا الضيق، المهم هو: أنه لا يحدث هذا الزحام البسيط إلا في صلاة الجمعة؛ نظرا لحضور الأغلبية فيها، فهل يجب ألا نكمل الصف الأول، وأن نترك فرجة دائمة في الصفوف لاحتمال وصول أحد الإخوة متأخراً؟ كما أرجو منكم التعليق على كل ما ورد في السؤال.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يجب أن يُعلم أن الأحكام الشرعية لا تؤخذ بمجرد الرأي والهوى والاستحسان، وإنما تؤخذ من الأدلة الشرعية: الكتاب والسنة وإجماع العلماء، والقياس الصحيح، وأقوال الصحابة رضي الله عنهم، ويسترشد في ذلك ويستعان بأقوال الأئمة وعلماء الأمة، كالأئمة الأربعة وغيرهم.
وقول صاحبك: "إن لبس النساء للبنطلون في رأيه الشخصي ليس فيه شيء".
فرأيه الشخصي ليس دليلا من أدلة الأحكام الشرعية، ولا يجوز لأحد أن يتكلم في دين الله إلا بعلم، فلا يتكلم في الأحكام الشرعية إلا من عنده علم بها، ويكون هذا العلم مبنيا على الأدلة الشرعية الصحيحة.
وقد سبق في جواب السؤال (60131) بيان حكم لبس النساء للبنطلون.
ثانياً:
لا يجوز وصف شيء شرعه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم بأنه – صغير- فإن هذا يعد استهانة بالسنة والشرع، وذلك أمر خطير على الإيمان. فكل ما شرعه الله فهو عظيم، قال الله تعالى: (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) الحج/32، وقال تعالى: (وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ) الحج/30.
ثالثاً:
الأصل أن تكون صفوف الصلاة تامة، ومتراصة، ومتقاربة، فلا يُبدأ بالصف الثاني مع وجود نقص في الصف الأول، وهكذا في الثاني بالنسبة للثالث، ويجب التراص في الصفوف، وهكذا هي صفوف الملائكة عند ربها.
فعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (أَلَا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا. فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟ قَالَ: يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الْأُوَلَ، وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ) . رواه مسلم (430) .
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَتِمُّوا الصَّفَّ الْمُقَدَّمَ، ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ، فَمَا كَانَ مِنْ نَقْصٍ فَلْيَكُنْ فِي الصَّفِّ الْمُؤَخَّرِ) . رواه أبو داود (671) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
قال الشيخ عبد العظيم آبادي رحمه الله:
"دل الحديث على جعل النقصان في الصف الأخير" انتهى.
"عون المعبود" (2 / 260) .
قال النووي رحمه الله:
وفيه الأمر بإتمام الصفوف الأول، والتراص في الصفوف، ومعنى إتمام الصفوف الأول: أن يتم الأول، ولا يشرع في الثاني حتى يتم الأول، ولا في الثالث حتى يتم الثاني، ولا في الرابع حتى يتم الثالث، وهكذا إلى آخرها.
" شرح مسلم " (4 / 115) .
وقال الصنعاني رحمه الله بعد أن ذكر الأحاديث الدالة على وجوب تسوية الصفوف:
وهذه الأحاديث والوعيد الذي فيها دالة على وجوب ذلك، وهو مما تساهل فيه الناس، كما تساهلوا فيما يفيده حديث أنس عنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم (أتموا الصف المقدم، ثم الذي يليه، فما كان من نقص فليكن في الصف المؤخر) أخرجه أبو داود، فإنك ترى الناس في المسجد يقومون للجماعة وهم لا يملؤون الصف الأول لو قاموا فيه , فإذا أُقيمت الصلاة: يتفرقون صفوفًا على اثنين، وعلى ثلاثة، ونحوه.
" سبل السلام " (2 / 29) .
رابعاً:
سبق في جواب السؤال (11199) أن من صلَّى خلف الصف وحده مع وجود فرجة في الصف الذي أمامه: فإن صلاته باطلة، لذا فليكن هذا في البال عند من يريد ترك فرجة في الصف المتقدم عنه.
خامساً:
بعض الناس قد يجعل فرجة في الصفوف الأولى ليمكِّن المتأخرين من الصلاة فيها ظانين أنه لا يجوز لأولئك المتأخرين المشي بين الصفوف، والمرور أمامهم، ومن المعلوم أن سترة الإمام سترة لمن خلفه، فلا يؤثر على المصلين المؤتمين مرور أحد أمامهم في الجماعة، حتى لو كان مما تبطل الصلاة بمروره.
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
هل المرور بين صفوف المصلين يقطع الصلاة أو ينقص من أجر المصلي؟ .
فأجاب:
لا يضر، إذا مر بين يدي الصفوف؛ لأن سترة الإمام سترة لهم، وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم عبدَ الله بن عباس رضي الله عنهما حين مرَّ بين يدي بعض الصف، وهم يصلون في مِنى.
"مجموع فتاوى الشيخ العثيمين" (13 / جواب السؤال رقم 421) .
وإذا كان مرور المتأخر سيؤدي إلى التشويش على المصلين وإشغالهم وتحريكهم، فالذي يظهر لنا أنه لا بأس بجعل طريق خاص ضيق بجانب الصفوف يمتد إلى آخر المسجد، يمر فيه من يأتي متأخراً حتى يقف في الصف الأخير، فهو أفضل من ترك فرجة في الصف نفسه، فيُجمع بذلك بين تسوية الصفوف، وإتمامها، وحتى لا يحدث المتأخر تشويشاً على المصلين وإشغالاً لهم إذا حاول المرور من بينهم.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1335)
الصلاة في مسجد بني بقرض ربوي
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الصلاة في مسجد اشتُرِيَ بقرضٍ ربويٍ؟ وكيف نتخلص من الربا وقد عمت البلوى بها في بلدان أوربا؟ مع العلم أن القائمين على أمر المسجد لم يقصدوا ذلك وقد خُدعوا من طرف بنك يدّعي بأنه مموّل من بنك إسلامي، وبعد إمضاء العقد اكتشفوا أنهم قد تورّطوا وخُدعوا وأنّ المخادِعين الآن هم في السجن بسبب كذبهم وحيلهم واختلاس الأموال.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في الصلاة في هذا المسجد، ولو اشتري بقرض ربوي، والإثم على من تعامل بالربا. وإذا كان القائمون على المسجد لم يقصدوا التعامل بالربا، فلا إثم عليهم.
وينبغي أن يعلم أن الربا محرم بجميع بصوره، فلا يجوز الاقتراض بالربا ولو كان لبناء مسجد. وينظر جواب السؤال رقم (10234) .
ومن اقترض بالربا، واشترى بذلك بيتا أو متاعا، جاز له الانتفاع به، ويلزمه التوبة إلى الله تعالى من التعامل بالربا.
وينظر جواب السؤال رقم (22905) ورقم (75410) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1336)
حكم مذاكرة المواد الدراسية في المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لي أن أحفظ بعض المواد الدراسية كالرياضيات والعلوم الفيزيائية إضافة إلى المواد الأخرى كالتربية الإسلامية، وإنجاز تمارينها في المسجد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في دراسة ومراجعة المواد الدراسية من رياضيات وعلوم فيزيائية وغيرها في المسجد، بل هذا مما يرجى فيه الخير لك، لأدائك الصلاة مع الجماعة، وتحصيلك أجر انتظار الصلاة والبقاء بعدها، وقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي الْجَمَاعَةِ تُضَعَّفُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَفِي سُوقِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ، فَإِذَا صَلَّى لَمْ تَزَلْ الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، وَلَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلَاةَ) رواه البخاري (647) ومسلم (649) .
وقال صلى الله عليه وسلم: (أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَغْدُوَ كُلَّ يَوْمٍ إِلَى بُطْحَانَ أَوْ إِلَى الْعَقِيقِ فَيَأْتِيَ مِنْهُ بِنَاقَتَيْنِ كَوْمَاوَيْنِ فِي غَيْرِ إِثْمٍ وَلَا قَطْعِ رَحِمٍ؟ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نُحِبُّ ذَلِكَ. قَالَ: أَفَلَا يَغْدُو أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَيَعْلَمُ أَوْ يَقْرَأُ آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرٌ لَهُ مِنْ نَاقَتَيْنِ؟ وَثَلَاثٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلَاثٍ، وَأَرْبَعٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَرْبَعٍ، وَمِنْ أَعْدَادِهِنَّ مِنْ الْإِبِلِ) رواه مسلم (803) .
وبطحان: موضع بقرب المدينة. والعقيق: واد مشهور بالمدينة.
والكوماء من الإبل: العظيمة السنام.
فاحرص على اغتنام وجودك في المسجد، واقرأ ما تيسر لك من كتاب الله تعالى، وصل ما استطعت من النوافل، لتجتمع لك الفضائل، وتنال الدرجات، وتحظى بالتوفيق.
نسأل الله أن يزيدك علما وهدى وتقى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1337)
حكم الصلاة في مسجد به قبر داخل حجرة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الصلاة بمسجد يضم حجرة على يساره، بها قبران، وتفتح هذه الحجرة لاستخراج بعض لوازمه كالمنبر مثلاً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" المساجد التي فيها قبور لا يصلى فيها، ويجب أن تنبش القبور وينقل رفاتها إلى المقابر العامة، ويجعل رفات كل قبر في حفرة خاصة كسائر القبور، ولا يجوز أن يبقى في المساجد قبور، لا قبر ولي ولا غيره؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى وحذر من ذلك، ولعن اليهود والنصارى على عملهم ذلك، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد. قالت عائشة رضي الله عنها: يحذر ما صنعوا) أخرجه البخاري (1330) ومسلم (529) .
وقال عليه الصلاة والسلام لما أخبرته أم سلمة وأم حبيبة بكنيسة في الحبشة فيها تصاوير، فقال: (أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا، وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله) متفق على صحته.
وقال عليه الصلاة والسلام: (ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك) خرجه مسلم في صحيحه (532) عن جندب بن عبد الله البجلي.
فنهى عليه الصلاة والسلام عن اتخاذ القبور مساجد، ولعن من فعل ذلك، وأخبر: أنهم شرار الخلق، فالواجب الحذر من ذلك.
ومعلوم أن كل من صلى عند قبر فقد اتخذه مسجدا، ومن بنى عليه مسجدا فقد اتخذه مسجدا، فالواجب أن تبعد القبور عن المساجد، وألا يجعل فيها قبور؛ امتثالا لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم، وحذرا من اللعنة التي صدرت من ربنا عز وجل لمن بنى المساجد على القبور؛ لأنه إذا صلى في مسجد فيه قبور قد يزين له الشيطان دعوة الميت، أو الاستغاثة به، أو الصلاة له، أو السجود له، فيقع الشرك الأكبر، ولأن هذا من عمل اليهود والنصارى، فوجب أن نخالفهم، وأن نبتعد عن طريقهم، وعن عملهم السيئ. لكن لو كانت القبور هي القديمة ثم بني عليها المسجد، فالواجب هدمه وإزالته؛ لأنه هو المحدث، كما نص على ذلك أهل العلم؛ حسماً لأسباب الشرك وسداً لذرائعه. والله ولي التوفيق " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز رحمه الله" (10/246) .
وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: قام أهل بلدتنا بهدم مسجد لكي يعيدوا بناءه وكان هذا المسجد مقاما على قبر، وبعد أن بدءوا البناء ارتفع هذا البناء على القبر، ولم يضعوه خارج المسجد، فما حكم التبرع لهذا المسجد؟ وهل تجوز الصلاة فيه بعد بنائه على القبر؟ مع العلم بأن القبر في حجرة وبابها في المسجد.
فأجابت: "إذا كان الواقع ما ذكر فلا يجوز التبرع لبناء هذا المسجد، ولا المشاركة في بنائه، ولا تجوز الصلاة فيه، بل يجب هدمه" انتهى.
عبد العزيز بن عبد الله بن باز. عبد الرزاق عفيفي. عبد الله بن غديان. عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (1/411) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1338)
هل للحائض أن تجلس في طرف المسجد بقرب الباب لسماع الدرس؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في الموقع عن مكث الحائض في المسجد ولكن عندما نقول لأخواتنا ذلك الرأي يردون بأن أحد المشايخ الثقات أفتى بأنه يجوز للحائض أن تمكث في المسجد واستدل في فتواه على ما يقولون لي فأنا لم أسمعه بنفسي ما معناه المرأة التي كانت تقم المسجد أي التي كانت تقيم في المسجد أي أنها كانت عندما تأتيها الحيض لا تخرج من المسجد وهذا يدل على جواز مكث الحائض في المسجد فما الحكم في هذا الكلام؟ وكذلك ما حكم جلوس المرأة الحائض بجوار الباب في أطراف المسجد حيث إن ذلك يفعله كثير من النساء التي تقتنع بعدم جواز مكث الحائض المسجد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يحرم على الحائض أن تمكث في المسجد؛ لما روى البخاري (974) ومسلم (890) عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها قَالَتْ: (أَمَرَنَا تَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُخْرِجَ فِي الْعِيدَيْنِ الْعَوَاتِقَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ، وَأَمَرَ الْحُيَّضَ أَنْ يَعْتَزِلْنَ مُصَلَّى الْمُسْلِمِينَ) ، فمنع النبي صلى الله عليه وسلم الحائض من مصلى العيد، وأمرها باعتزاله، لأن له حكم المسجد، فدل على منعها من دخول المسجد.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (33649) ، (60213) .
ثانياً:
أما ما ذكرتِ من أن هناك من نقل لك قولاً آخر في المسألة، وهو أنه يجوز للحائض أن تمكث في المسجد، فهذا قول لبعض أهل العلم، لكن الراجح ما ذكرناه من المنع، وهو قول المذاهب الأربعة، وعليه فتوى كثير من أهل العلم كالشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين رحمهما الله، والشيخ صالح الفوزان حفظه الله، واللجنة الدائمة للإفتاء.
والمرأة التي كانت تقمّ المسجد، لا يجزم أحد بأنها كانت تمكث في المسجد حال حيضها، ومعنى (تقمّ) : تكنس وتنظف، لا بمعنى أنها تقيم.
ثالثا:
للحائض أن تجلس خارج المسجد ولو بجوار الباب، وليس لها أن تجلس داخله بعيدا أو قريبا من الباب، سواء كان في مقدمته، أو في أطرافه؛ لأن الجميع داخل في حد المسجد.
ويجوز لها أن تمكث في ساحة المسجد أو رحبته غير المحوطة؛ لأنها لا تأخذ حكم المسجد.
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: هل الحائض يمكن أن تحضر الدرس في الجامع؟
فأجاب: " لا بأس أن تحضر الحائض والنفساء عند باب المسجد لسماع الدروس والمواعظ , لكن لا يجوز جلوسها في المسجد ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب) " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (10/220) .
وسئل الشيخ محمد المختار الشنقيطي حفظه الله: هل يجوز للمرأة إذا جاءتها الحيضة أن تحضر الدرس وتجلس عند الدرج أو عند موضع الأحذية -أكرمكم الله- وهي عند مصلى النساء. أي: داخل الباب من جهة المصلى أو من جهة المسجد؟
فأجاب: " المرأة الحائض لا تدخل إلى المسجد إذا كانت حال حيضها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة: (ناوليني الخُمرة [نوع من الفراش] ، فقالت: إني حائض، قال: إن حيضتك ليست في يدك) ، فدل على أن الأصل عدم دخول الحائض، بدليل أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لما قال لها: (ناوليني الخُمرة؛ قالت: إني حائض) ، فامتنعت من الدخول واعتذرت بكونها حائضاً، فدل على أن هذا كان معمولاً به في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، لأنها لا تنشئ الأحكام من عندها، وقد قال لها عليه الصلاة والسلام ذلك صريحاً في قوله: (اصنعي ما يصنع الحاج، غير أن لا تطوفي بالبيت) حينما حاضت في حجة الوداع، فالذي على المرأة أن تلتزم به: أن لا تدخل مسجداً إذا كانت حائضة والله يأجرها ويكتب ثوابها ... وفي هذه الحالة تجلس خارج المسجد عند باب المسجد وتسمع، لكن لا تدخل، ولها أن تدني رأسها وتصغي " انتهى مختصرا من "شرح زاد المستقنع".
وقال في "مطالب أولي النهى" (2/234) : " ومن المسجد ظهره، أي: سطحه , ومنه: رحبته المحوطة (الساحة) قال القاضي: إن كان عليها حائط وباب , فهي كالمسجد؛ لأنها معه , وتابعة له , وإن لم تكن محوطة , لم يثبت لها حكم المسجد " انتهى باختصار.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1339)
مهر الحور العين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أن الحصى والفتات الموجود في المسجد هو عبارة عن مهر للحور العين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لم يرد تعيين مهر الحور العين في حديث صحيح، وكل ما ورد فيه فهو إما ضعيف جدا أو موضوع، ومجموع ما ورد في ذلك عن ستة من الصحابة:
1- عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعا قال: (كم من حوراء عيناء ما كان مهرها إلا قبضة من حنطة أو تمر)
رواه العقيلي (1/42) وعنه ابن الجوزي في "الموضوعات" (3/253) وابن حبان في "المجروحين" (1/98)
قال ابن الجوزي: " المتهم به أبان. قال أبو حاتم بن حبان: أبان بن المحبر يأتي عن الثقات بما ليس من أحاديثهم حتى لا يشك المتبحر في هذه الصناعة أنه كان يعملها، لا تجوز الرواية عنه إلا على سبيل الاعتبار، وهو الذى روى عن نافع هذا الحديث وهو باطل، وقال الدارقطني: أبان متروك " انتهى.
وقال ابن أبي حاتم في "العلل" (رقم/641) : " قال أبِي: هذا حدِيثٌ باطِلٌ، وأبانٌ هذا مجهُولٌ ضعِيفُ الحدِيثِ " انتهى. وقال الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (رقم/571) : موضوع.
2- ويروى عن أبي هريرة أيضا حديث: (مهر الحور قبضات التمر وفلق الخبز)
رواه ابن عدي في "الكامل" (5/25) وابن الجوزي في "الموضوعات" (3/253) وقال: " المتهم به عمر بن صبح. قال ابن حبان: كان يضع الحديث عن الثقات، لا يحل كتب حديثه إلا على التعجب " انتهى.
3- ومما اشتهر أيضا بين الناس مما لا يصح، حديث أنس: (كنس المساجد مهور الحور العين)
رواه الديلمي في "مسند الفردوس" (برقم/4896) وابن الجوزي في "الموضوعات" (3/253) وقال:
" فيه مجاهيل. وعبد الواحد ليس بثقة. قاله يحيى. وقال البخاري والفلاس والنسائي: متروك الحديث " انتهى. وحكم عليه الشيخ الألباني بالوضع في "السلسلة الضعيفة" (برقم/4147)
4- ويحكى عن علي بن أبي طالب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:
(يا علي! أعط الحور العين مهورهن: إماطة الأذى عن الطريق، وإخراج القمامة من المسجد، فذلك مهر الحور العين)
أخرجه الديلمى في "مسند الفردوس" (رقم/8335) وابن شاهين في "الترغيب في فضائل الأعمال" (رقم/553) وعزاه في "كنز العمال" (16/229) لابن النجار. وفي إسناد ابن شاهين: المعافى بن مطهر، ومورع بن جبير لم أقف لهما على ترجمة، إلا شيئا يسيرا عند ابن ماكولا في "الإكمال" (7/263)
5- وجاء أيضا عن أبي أمامة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قبضات التمر للمساكين مهور الحين العين)
أخرجه الديلمى في "الفردوس" (برقم/4645) وابن الجوزي في "الموضوعات" (3/253) وعزاه السيوطي في "جامع الأحاديث" (برقم/15093) إلى الدارقطني في "الأفراد"
قال ابن الجوزي: " تفرد به طلحة عن الوضين. قال السعدي: الوضين واهى الحديث. قال النسائي: وطلحة متروك. وقال ابن حبان: لا تحل الرواية عنه " انتهى.
وحكم عليه الشيخ الألباني بالوضع في "السلسلة الضعيفة" (رقم/6197)
6- ويروى عن أبي قرصافة واسمه " جندرة " حديث في مهر الحور العين: (إخراج القمامة من المسجد مهور الحور العين)
أخرجه الطبرانى (3/19) وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (5 /110) وأبو بكر الشافعى فى الفوائد (2/23/2) وابن منده فى "المعرفة" (2/259 برقم/6340) وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" (4/144) لأبي بكر الشافعي في رباعياته. قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (2/113) : " في إسناده مجاهيل " انتهى. وقال الشيخ الألباني "السلسلة الضعيفة" (رقم1675) : " وهذا إسناد مظلم، مَن دون أبي قرصافة ليس لهم ذكر في شيء من كتب الرجال، حاشا محمد بن الحسن بن قتيبة، فإنه حافظ ثقة ثبت " انتهى.
والحاصل أنه لم يصح حديث في تعيين مهر الحور العين، ولذلك قال ابن الجوزي رحمه الله في "الموضوعات" (3/254) :
" هذا حديث لا يصح من جميع جهاته " انتهى.
ثانيا:
مهر الحور العين الحقيقي هو كل عمل صالح يقرب إلى الله تعالى، ويكون سببا في دخول الجنة.
يقول القرطبي رحمه الله في "التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة" (ص/556) :
" باب ما جاء أن الأعمال الصالحة مهور الحور العين.
أورد فيه بعض الأحاديث السابقة ثم قال:
وقال محمد بن النعمان المقري:
كنت قاعدا عند الجلا المقرى بمكة في المسجد الحرام، إذ مر بنا شيخ طويل نحيل الجسم عليه أطمار خلقة، فقام إليه الجلا ووقف معه ساعة ثم انصرف إلينا فقال: هل تعرفون من هذا الشيخ؟ فقلنا: لا. فقال: ابتاع من الله حوراء بأربعة آلاف ختمة، فلما أكملها رآها في المنام في حليها وحللها فقال: من أنت؟ فقالت: أنا الحور التي ابتعتني من الله تعالى بأربعة آلاف ختمة هذا الثمن فما نحلتي أنا منك؟ قال: ألف ختمة قال الجلا: فهو يعمل فيها بعد.
وروى عن سحنون أنه قال: كان بمصر رجل يقال له سعيد، وكانت له أم من المتعبدات، وكانت إذا قام من الليل يصلي تقوم والدته خلفه، فإذا غلب عليه النوم ونعس تناديه والدته:
" يا سعيد! إنه لا ينام من يخاف النار، ويخطب الحور الحسان " فيقوم مرعوبا.
ويروى عن ثابت أنه قال: كان أبي من القوامين لله في سواد الليل قال: رأيت ذات ليلة في منامي امرأة لا تشبه النساء فقلت لها: من أنت؟ فقالت حوراء أمة الله فقلت لها: زوجيني نفسك. فقالت: اخطبني من عند ربي وأمهرني. فقلت: وما مهرك؟ فقالت: طول التهجد. وأنشدوا:
يا خاطب الحور في خدرها وطالبا ذلك على قدرها
انهض بجد لا تكن وانيا وجاهد النفس على صبرها
وقم إذا الليل بدا وجهه ... وصم نهارا فهو من مهرها
وقال مالك بن دينار: كان لي أحزاب أقرؤها كل ليلة، فنمت ذات ليلة، فإذا أنا في المنام بجارية ذات حسن وجمال، وبيدها رقعة فقالت: أتحسن أن تقرأ؟ فقلت: نعم فدفعت إلي الرقعة فإذا فيها مكتوب هذه الأبيات:
لهاك النوم عن طلب الأماني وعن تلك الأوانس في الجنان
تعيش مخلدا لا موت فيها وتلهو في الخيام مع الحسان
تنبه من منامك إن خيرا ... من النوم التهجد بالقران " انتهى باختصار.
وبنحوه في كلام ابن رجب في رسالته "اختيار الأولى" (ص/12) وفي "لطائف المعارف" (ص/159)
وانظر سؤال رقم (10053) عن الحور العين.
وأما تنظيف المساجد فهو أمر مندوب إليه، وجاءت فيه أدلة كثيرة في الحث عليه وبيان فضله، وسبق في موقعنا ذكر شيء منها في جواب السؤال رقم: (20160)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1340)
كيف يتصرفون مع إمامهم الذي يعصي الله في المسجد؟ وما حكم صلاتهم خلفه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد علمنا أن إمام مسجدنا يفسد في المسجد بعد كثير من الشكاوى، باستماعه للأغاني ومعاكسة النساء في الطرقات، وإغلاق مسجد النساء عليه وهو بداخله، ولقد توجه إليه شاب ملتزم (المؤذن) وسأله: هل ما يقال عنك صحيح؟ فأجاب الإمام بافتخار: إنها عشيقتي، ومن لم يعجبه حالي: فلا يصلي ورائي، فتوجه بعض الرجال إلى أبيه يشكونه حال ابنه، فكان جواب أبيه أنه قال: إنه لا يسمع لكلامي، وليس باستطاعتي أن أعمل شيئا، وقال: أنا أسأل الله أن يأتي مسجدنا هذا إمام صالح. وأرجو منكم أن تقدموا لنا نصيحة نعمل بها إن شاء الله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إن صحَّ ما نقله المؤذن عن ذلك الإمام الفاجر فهو على خطر عظيم، ويُخشى عليه من الردة، أو سوء الخاتمة، ووجه ذلك:
1. أنه اتخذ بيت الله تعالى مكاناً لفجوره، وقبح أفعاله، وقد أمر الله تعالى بتعظيم بيوته وتطهيرها، وجعلها الله تعالى للصلاة والدعاء والاعتكاف، فأن تتخذ مكاناً للفجور مع النساء فهذا غاية في القبح، ولم يفعله المنافقون في مسجدهم مسجد الضرار!
قال تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ) النور/ 36، والبيوت في الآية هي: المساجد.
قال ابن كثير رحمه الله:
" أمَر الله برفعها، أي: بتطهيرها من الدنَس، واللغو، والأفعال والأقوال التي لا تليق فيها..وقال قتادة: هي هذه المساجد، أمر الله سبحانه ببنائها، ورفعها، وأمر بعمارتها، وتطهيرها ... وقد وردت أحاديث كثيرة في بناء المساجد، واحترامها، وتوقيرها، وتطييبها، وتبخيرها " انتهى " تفسير ابن كثير " (6 / 62) .
2. والأمر الآخر: افتخاره بالمعصية وتبجحه بها، والمعلوم أن فعل المعصية بالخفاء مع الخوف من الله ليس كفعلها مجاهرة، مع التبجح بها والافتخار.
وانظر جواب السؤال رقم (9562) ففيه بيان وعيد الذي يتباهى ويتفاخر بمعصيته.
ثانياً:
الواجب عليكم بذل النصح له، والأخذ على يده، فيذهب إليه بعض أهل العلم وكبار السن فيبذلون له النصح، ويبينون له خطر فعله، وأنه قدوة لا يصلح أن يصدر منه هذا، وأن الناس تتأثر بإمام المسجد فينظرون لأفعاله على أنها تطبيق لما يقرأ من القرآن على أن يكون ذلك باللطف والحكمة.
فعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الدِّينُ النَّصِيحَةُ، قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: لِلَّهِ، وَلِكِتَابِهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَعَامَّتِهِمْ) رواه مسلم (55) .
فإن استجاب لهذا النصح وترك ما هو عليه من الفجور وسماع المنكرات: فنعم الفعل فعله، ولكم الأجر على ذلك، أما إن رد عليكم نصحكم، واستمر في غيه وانحرافه: فتنتقلون للخطوة الثانية:
1. التقدم بشكوى إلى الجهات المسئولة، على أن تكون موقعة من جميع المصلين بالمسجد، ويُرجى أن يتخذ المسئولون الإجراء المناسب له من إنذاره، أو فصله من وظيفته.
2. منعه من الإمامة، إن أمكنكم ذلك ولم يترتب عليه مفسدة، أو منازعات بين المصلين. وقد منع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً أن يصلي إماماً بقومه من أجل أنه أمّ جماعة فبصق في القبلة. وقال له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّكَ آذَيْتَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) رواه أبو داود (481) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود.
والمنكرات التي يفعلها إمامكم أعظم من البصق في القبلة وهو يصلي.
3. فإن لم يمكن ذلك فإنكم تتركون الصلاة خلفه إنكاراً عليه، فإن لم يتيسر لكم مسجد آخر تصلون فيه: فلا حرج عليكم من الصلاة خلفه، وإثمه على نفسه، والصلاة وراء الفاسق الفاجر جائزة، وصحيحة، وهي خير من صلاة المرء وحده، ولا يجوز ترك الجمعة والجماعة بحجة فسق الإمام وفجوره.
قال شيخ الإسلام رحمه الله:
" وأما الصلاة خلف أهل الأهواء والبدع، وخلف أهل الفجور: ففيه نزاع مشهور، وتفصيل لكن أوسط الأقوال في هؤلاء: أن تقديم الواحد من هؤلاء في الإمامة: لا يجوز مع القدرة على غيره، فإن من كان مظهراً للفجور أو البدع: يجب الإنكار عليه، ونهيه عن ذلك، وأقل مراتب الإنكار: هجره؛ لينتهي عن فجوره، وبدعته، ولهذا فرَّق جمهور الأئمة بين الداعية وغير الداعية؛ فإن الداعية أظهر المنكر فاستحق الإنكار عليه، بخلاف الساكت فإنه بمنزلة من أسرَّ بالذنب، فهذا لا ينكر عليه في الظاهر، فإن الخطيئة إذا خفيت: لم تضر إلا صاحبها، ولكن إذا أعلنت فلم تُنكر: ضرَّت العامة " انتهى " مجموع الفتاوى " (23 / 342) .
وقال رحمه الله:
" الأئمة متفقون على كراهة الصلاة خلف الفاسق، لكن اختلفوا في صحتها، فقيل: لا تصح، كقول مالك وأحمد في إحدى الروايتين عنهما، وقيل: بل تصح، كقول أبى حنيفة والشافعي، والرواية الأخرى عنهما، ولم يتنازعوا أنه لا ينبغي توليته " انتهى " مجموع الفتاوى " (23 / 358) .
وانظر جواب السؤال رقم (47884) .
ثالثاً:
وليعلَم هذا الإمام أن إثمه ليس كإثم غيره، فهو على علم ومعرفة بالأحكام الشرعية، وهو يقوم بالإمامة التي هي وظيفة الأنبياء والخلفاء والعلماء. وقد جاء الوعيد للإمام بعدم قبول صلاته إن كان من يصلِّي وراءه يكرهونه لفسقه أو بدعته.
فعن أَبَي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ثَلَاثَةٌ لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ آذَانَهُمْ: الْعَبْدُ الْآبِقُ حَتَّى يَرْجِعَ، وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ، وَإِمَامُ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ) .
رواه الترمذي (360) ، وحسَّنه، وحسَّنه الألباني في " صحيح الترمذي ".
قال الشوكاني رحمه الله:
" وظاهر الأحاديث الواردة في وعيد من أمَّ قوما وهم له كارهون: أن صلاته غير مقبولة " انتهى " السيل الجرار " (1 / 255) .
فليحذر هذا الإمام من مغبة أفعاله ومعاصيه، ونسأل الله تعالى له الهداية.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1341)
الصلاة جماعة في البيت حكمها وأجرها بالنسبة لجماعة المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ثواب صلاة الجماعة الثانية، أو الثالثة بالمسجد يعادل ثواب 25 أو 27 صلاة مع الإمام فى صلاة الجماعة الأولى؟ وهل يعادل ثواب الصلاة مع 5 إلى 10 أشخاص بالعمل أو المدرسة ثواب من يصلي بالمسجد؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
وجوب صلاة الجماعة
وهذا ما تدل عليه الأدلة الشرعية من القرآن والسنَّة، وإذا كان الله تعالى قد أوجب الصلاة جماعة في أرض القتال: فأولى أن تكون واجبة في حال الإقامة والأمن. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (120) و (8918) .
ثانياً:
وجوب صلاة الجماعة في المساجد لا في أماكن العمل والدراسة
وهذا في حال أن يكون المسلم من المكلفين، الرجال، القادرين، والذين يمكنهم سماع الأذان من غير مكبرات للصوت..
ويدل على ذلك: أن النبيُّ صلى الله عليه وسلم هَمَّ بتحريق البيوت على من يصلي في بيته – وقد يكونون يصلون جماعة -.
فعَن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( ... وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلاةِ فَتُقَامَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إِلَى قَوْمٍ لا يَشْهَدُونَ الصَّلاةَ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ) . رواه البخاري (657) ومسلم (651) - واللفظ له -.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (72398) .
ولذا فإنه لا مقارنة بين جماعة البيت وجماعة المسجد، والأجور والفضائل إنما هي لجماعة المسجد، فمن ترك جماعة المسجد واختار جماعة البيت أو العمل: لم يحصِّل أجر جماعة المسجد، وهذا إن سلِم من الإثم أصلاً.
ثالثاً:
الذي له عذر يمنعه من حضور صلاة الجماعة في المسجد له أجر الجماعة وإن صلاها في بيته
وقد يُعذر المسلم فيرخّص له في ترك صلاة الجماعة في المسجد كأن يكون بعيداً لا يصل له صوت الأذان في وضعه الطبيعي، أو يكون مريضاً، أو خائفاً، وإذا كان الأمر كذلك: فعليه أن يصلي جماعة مع أهل بيته ممن لا تجب عليهم الجماعة، أو مع من هم مثله من المعذورين، وهنا يصح التفاضل بين جماعة المسجد وبين جماعة هؤلاء من حيث العدد فمن كانت جماعته أكثر كان أحب إلى الله – وسيأتي نص الحديث في " رابعاً " -، لكن ليس هناك مجال للمقارنة بين الأجور الأخرى، مثل الخطوات التي يخطوها المصلي للمسجد، والتبكير لحضور الصلاة، وإعداد الله له نزلا في الجنة كلما غدا أو راح، وغير ذلك، فمثل هذه الأجور يحرمها من يصلي في بيته، إلا أن يكون من المحافظين على الصلاة في المسجد فأقعده المرض أو العذر، فهذا يكتب له من الأجر مثل ما كان يعمل، كما صحَّ ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
المعذورَ يُكتبُ له أجرُ الجماعةِ كاملاً إذا كان مِن عادتِه أن يصلِّي مع الجماعةِ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مَرِضَ العبدُ أو سافرَ كُتِبَ له مثلُ ما كان يعملُ صحيحاً مقيماً) . "الشرح الممتع" (4 / 323) .
ومن لم يتيسر له أحد يصلي معه: فليصل وحده، والصلاة كلما كثر عدد أفرادها: كان ذلك أحب إلى الله.
رابعاً:
إن تعمد التأخر عن الجماعة الأولى أَثم، وصلاته جماعة خير من صلاته منفرداً، لكن ليس له ثواب الجماعة الأولى فمن تأخر بغير عذرٍ وقصد أن يصلي جماعة ثانية أو ثالثة – كما يحصل في مساجد الأسواق -: فهؤلاء يأثمون على تعمد تفويتهم الجماعة الأولى، ويحرمون من أجورها ولو صلوا جماعة بعدد أكبر من الجماعة الأولى.
قالَ الشيخ ابن العثيمين رحمه الله:
" وأما قول القائل: إنهم إذا صلوا في المسجد ولو بعد الجماعة الأولى: فإن لهم أجر سبعٍِ وعشرين درجة: فهذا ليس بصحيح؛ فأجر سبعٍ وعشرين درجة لا يكون إلا في الجماعة الأولى فقط، أما الثانية: فلا شك أن الصلاة في جماعة أفضل من الصلاة على وجه الانفراد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في رجل دخل وقد فاتته الصلاة: (مَنْ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا فَيُصَلِّيَ مَعَهُ؟) فقام أحد القوم فصلى معه؛ ولأنه عليه الصلاة والسلام قال: (صََلَاةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ مَعَ الرَّجُلِ، وَمَا كَانُوا أَكْثَرَ فَهُوَ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) ، لكن كون الجماعة الثانية تنال أجر الجماعة الأولى: فهذا ليس بصحيح، وإلا لكان كل الناس يذهبون إلى المسجد متى شاءوا، ويصلون جماعة ويقولون: أخذنا أجر سبع وعشرين درجة، فهذا لا أعلم أحداً قال به، أي: أن الصلاة الثانية كصلاة الأولى في الحصول على أجر سبع وعشرين درجة، فلا أعلم أحداً قال بهذا " " لقاء الباب المفتوح " (44 / السؤال رقم 10) .
وأما من تأخر عن الصلاة بعذر ووصل المسجد وقد انتهت الصلاة: فيكتب له أجر الجماعة ولو صلى وحده.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَلَ: (مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ خَرَجَ عَامِدًا إِلَى الْمَسْجِدِ فَوَجَدَ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ مِثْلَ أَجْرِ مَنْ صَلاَّهَا وَحَضَرَهَا وَلَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا) .
رواه أبو داود (564) – واللفظ له - والنسائي (855) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
وفي " عون المعبود " (2 / 192) :
" وهذا إذا لم يكن التأخير ناشئاً عن التقصير " انتهى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1342)
لم لا تكون المساجد فيها اختلاط النساء بالرجال مثل الطواف؟!
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا لا يجوز للنساء الصلاة مع الرجال فى المسجد بينما يعبد الله فى مكة كل من الرجال والنساء جنبا إلى جنب؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
هذا الإشكال مبني على خطأ في معرفة حكم الشرع في اختلاط الرجال والنساء في الطواف، فالأخ السائل يعتقد أن الشريعة تبيح اختلاط الرجال بالنساء " جنباً إلى جنب " في الطواف! وهو يستشكل عدم وجود هذا في الصلاة، ومعنى كلامه أنه يريد صفوف النساء والرجال متداخلة، فيتراص الرجال والنساء في صفوف الصلاة الكعب بالكعب، والمنكب بالمنكب! وهذا لا يمكن تصور وجوده في الشريعة المحكمة التي تغلق أبواب الفتنة، وتسد على الشيطان طرقه في الغواية.
وحتى يزول أصل الخلل لا بدَّ من توضيح مسألة طواف النساء والرجال حكماً وواقعاً.
أما حكماً: فهو أن يكون طواف النساء خلف الرجال وحدهن، أو في الليل حيث لا يكون أحد في الطواف من الرجال.
وأما الواقع: فهو مخالف للشرع، وما نراه من اختلاط الرجال بالنساء بالصورة الموجودة اليوم مرفوض في الشرع، ولا يزال العلماء ينكرونه، ويحاولون إصلاحه، ولصعوبة الأمر فإن كثيراً من المحاولات لم تنجح، بسبب جهل الناس وعدم تعاونهم، وبسبب الازدحام الشديد، وعدم القدرة على ضبط الناس في الطواف.
وقد حاول بعض الحكام الأمويين الفصل التام بين الرجال والنساء في الطواف، واستدل عليه بالفعل الموجود في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وبيَّن أهل العلم أنه لا يلزم من الإذن لهن بالطواف مع الرجال أن يكون اختلاط ومماسة! ومما يدل على هذا الذي ذكرناه:
1. ما رواه البخاري (1539) عن ابْن جُرَيْجٍ قال: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ إِذْ مَنَعَ ابْنُ هِشَامٍ النِّسَاءَ الطَّوَافَ مَعَ الرِّجَال قَال: كَيْفَ يَمْنَعُهُنَّ وَقَدْ طَافَ نِسَاءُ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ مَعَ الرِّجَال؟ قُلتُ: أَبَعْدَ الحِجَابِ أَوْ قَبْلُ؟ قَال: إِي لعَمْرِي لقَدْ أَدْرَكْتُهُ بَعْدَ الحِجَابِ، قُلتُ: كَيْفَ يُخَالطْنَ الرِّجَال؟ قَال: لمْ يَكُنَّ يُخَالطْنَ، كَانَتْ عَائِشَةُ رَضِي الله عَنْهَا تَطُوفُ حَجْرَةً مِنَ الرِّجَال لا تُخَالطُهُمْ، فَقَالتِ امْرَأَةٌ: انْطَلقِي نَسْتَلمْ يَا أُمَّ المُؤْمِنِينَ – أي: الحجر الأسود - قَالتِ: انْطَلقِي عَنْكِ وَأَبَتْ، يَخْرُجْنَ مُتَنَكِّرَاتٍ بِالليْل فَيَطُفْنَ مَعَ الرِّجَال، وَلكِنَّهُنَّ كُنَّ إِذَا دَخَلنَ البَيْتَ قُمْنَ حَتَّى يَدْخُلنَ وَأُخْرِجَ الرِّجَالُ.
حَجرة من الرجال: بعيدة عنهم.
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -:
وظاهر هذا أن ابن هشام أول من منع ذلك، لكن روى الفاكهي من طريق زائدة عن إبراهيم النخعي قال: نهى عمر أن يطوف الرجال مع النساء، قال فرأى رجلا معهن فضربه بالدِّرة، وهذا إن صح لم يعارض الأول؛ لأن ابن هشام منعهن أن يطفن حين يطوف الرجال مطلقاً، فلهذا أنكر عليه عطاء، واحتج بصنيع عائشة، وصنيعها شبيه بهذا المنقول عن عمر.
قال الفاكهي: ويُذكر عن ابن عيينة أن أول من فرَّق بين الرجال والنساء في الطواف: خالد بن عبد الله القسري. ا. هـ.
وهذا إن ثبت فلعله منَعَ ذلك وقتاً، ثم تركه؛ فإنه كان أمير مكة في زمن عبد الملك بن مروان، وذلك قبل ابن هشام بمدة طويلة.
" فتح الباري " (3 / 480) .
فهذا إنكارٌ لواقع الطواف الذي تختلط فيه النساء بالرجال، ولم يكن ليرضَ أحدٌ بذلك من الولاة فضلاً عن العلماء.
قال ابن جُماعة - رحمه الله -:
ومن أكبر المنكرات: ما يفعله جهلة العوام في الطواف من مزاحمة الرجال بأزواجهم سافرات عن وجههن، وربما كان ذلك في الليل، وبأيديهم الشموع متقدة ... .
إلى أن قال:
" نسأل الله أن يلهم ولي الأمر إزالة المنكرات ".
وقال ابن حجر الهيتمي - بعد أن نقل كلامه -:
فتأمله تجده صريحاً في وجوب المنع حتى من الطواف عند ارتكابهن دواعي الفتنة.
" الفتاوى الفقهية " (1 / 201، 202) .
وقد علَّق الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله - على هذا الحديث من صحيح البخاري بقوله:
طواف النساء مع الرجال لا بأس به، ولا يمكن منعه خصوصاً في أوقاتنا هذه؛ لأن كل امرأة مع محرمها، ولو مُنع النساء من الاختلاط مع الرجال: لضاعت النساء، وحصل من الشر أكثر، ولكن لو جُعلن كما تفعل عائشة حَجرة، يعني: بعيدات عن الرجال: لكان هذا طيباً، وكانوا هنا يفعلونه في الأيام التي ليس فيها زحام شديد، يجعلون النساء على الجانب، وهو عمل طيب، وأما أن تُمنع النساء ويقال لهن: لا تطفن إلا في الليل مثلاً: فهذا صعب، وفي وقتنا هذا الأمر أصعب، لو قلنا: الرجال وحدهم والنساء وحدهن: لحصل فتنة كبيرة، كل إنسان يستطيع أن يصيد المرأة بدون من يعارضه، ولكن على الإنسان أن يتقي الله عز وجل ويتجنب زحام النساء بقدر المستطاع، وعلى المرأة أيضاً أن تنتبه لأولئك الفجار الذين يتصيدون النساء في المطاف - والعياذ بالله - وتجد الرجل يلتصق بها من أول الطواف إلى آخر الطواف - نسأل الله العافية - وكم ضُبط من قضية.
انتهى من " شرح صحيح البخاري " كتاب الحج، بَاب طَوَافِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَال، الشريط السابع، الوجه الثاني.
2. عَنْ أُمِّ سَلمَةَ رَضِي الله عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَالتْ شَكَوْتُ إِلى رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ أَنِّي أَشْتَكِي فَقَال طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ فَطُفْتُ وَرَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ حِينَئِذٍ يُصَلي إِلى جَنْبِ البَيْتِ وَهُوَ يَقْرَأُ وَالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ.
رواه البخاري (452) ومسلم (1276) .
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -:
أمَرها أن تطوف من وراء الناس ليكون أستر لها، ولا تقطع صفوفهم أيضاً، ولا يتأذون بدابتها.
" فتح الباري " (3 / 481) .
وقال الشيخ سليمان الباجي المالكي – رحمه الله -:
وأما طواف النساء من وراء الرجال فهو للحديث الذي ذكرناه (طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَة) ولم يكن لأجل البعير ... وأما المرأة فإن مِن سنَّتها أن تطوف وراء الرجال ; لأنها عبادة لها تعلق بالبيت، فكان مِن سنَّة النِّساء أن يكنَّ وراء الرجال، كالصلاة.
" المنتقى شرح الموطأ " (2 / 295) .
وقال علماء اللجنة الدائمة - ردّاً على من قال بجواز الاختلاط قياساً على الاختلاط في الطواف -:
أما قياس ذلك على الطواف بالبيت الحرام: فهو قياس مع الفارق؛ فإن النساء كن يطفن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مِن وراء الرجال متسترات، لا يداخلنهم ولا يختلطن بهم.. .
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن قعود، الشيخ عبد الله بن غديان.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (12 / 164، 165) .
ثانياً:
أما صلاة النساء مع الرجال في المسجد: فإن لها ضوابط وأحكاماً تؤدي كلها إلى حفظ الأعراض، وتساهم في بناء المجتمعات على معالي الأخلاق، ومن هذه الضوابط والأحكام:
1. أن يكون للنساء باب للدخول منه إلى المسجد غير باب الرجال.
عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَوْ تَرَكْنَا هَذَا الْبَابَ لِلنِّسَاءِ) قَالَ نَافِعٌ: فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ ابْنُ عُمَرَ حَتَّى مَاتَ.
رواه أبو داود (462) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
وفي " عون المعبود " (2 / 92) :
(لو تركنا هذا الباب) : أي باب المسجد الذي أشار النبي صلى الله عليه وسلم.
(للنساء) : لكان خيراً، وأحسن؛ لئلا تختلط النساء بالرجال في الدخول والخروج من المسجد، والحديث فيه دليل أن النساء لا يختلطن في المساجد مع الرجال، بل يعتزلن في جانب المسجد، ويصلين هناك بالاقتداء مع الإمام , فكان عبد الله بن عمر أشد اتباعا للسنة , فلم يدخل من الباب الذي جعل للنساء حتى مات. انتهى
2. جعل النساء في صفوف خاصة خلف الرجال، حتى لو كانت امرأة واحدة.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ لَهُ فَأَكَلَ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ قُومُوا فَلِأُصَلِّ لَكُمْ قَالَ أَنَسٌ فَقُمْتُ إِلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدْ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفَفْتُ وَالْيَتِيمَ وَرَاءَهُ وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا فَصَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ.
رواه البخاري (373) ومسلم (658) .
قال النووي – رحمه الله -:
وفيه: أن المرأة تقف خلف الرجال , وأنها إذا لم يكن معها امرأة أخرى: تقف وحدها متأخرة.
" شرح مسلم " (5 / 163) .
3. الترغيب في الصفوف الخلفية للنساء والترغيب في الصفوف الأولى للرجال.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا) .
رواه مسلم (440) .
قال النووي – رحمه الله -:
وإنما فضل آخر صفوف النساء الحاضرات مع الرجال لبعدهن من مخالطة الرجال، ورؤيتهم، وتعلق القلب بهم عند رؤية حركاتهم، وسماع كلامهم، ونحو ذلك , وذم أول صفوفهن لعكس ذلك.
" شرح مسلم " (4 / 159، 160) .
4. جعل صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد، ولو كان المسجد الحرام.
عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خَيْرُ مَسَاجِدِ النِّسَاءِ قَعْرُ بُيُوتِهِنَّ) .
رواه أحمد (26002) وحسَّنه الشيخ الألباني في " صحيح الترغيب " (341) .
5. انتظار الرجال بعد الصلاة قليلاً، وإسراع خروج النساء قليلاً.
عن أُمّ سَلَمَة زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ النِّسَاءَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنَّ إِذَا سَلَّمْنَ مِنْ الْمَكْتُوبَةِ قُمْنَ، وَثَبَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْ صَلَّى مِنْ الرِّجَالِ مَا شَاءَ اللَّهُ، فَإِذَا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ الرِّجَالُ.
رواه البخاري (828) .
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَلَّمَ قامَ النِّسَاءُ حِينَ يَقْضِي تَسْلِيمَهُ وَمَكَثَ يَسِيراً قَبْلَ أَنْ يَقُومَ ".
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ (وهو الزهري) : فَأُرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مُكْثَهُ لِكَيْ يَنْفُذَ النِّسَاءُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُنَّ مَنِ انْصَرَفَ مِنَ الْقَوْمِ.
رواه البخاري (802) .
قال بدر الدين العيني – رحمه الله -:
فيه: خروج النساء إلى المساجد، وسبقهن بالانصراف، والاختلاط بهن مظنة الفساد، ويمكث الإمام في مصلاه والحالة هذه.
" عمدة القاري " (6 / 122) .
قال السندي – رحمه الله – في بيان سبب مكثه صلى الله عليه وسلم بعد السلام -:
أي: ليتبعه الرجال في ذلك، حتى تنصرف النساء إلى البيوت، فلا يحصل اجتماع الطائفتين في الطريق.
" حاشية سنن ابن ماجه " (حديث 932) .
6. الحفاظ على الحجاب والستر في القدوم للمسجد والانصراف منه.
عن عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنَّ نِسَاءُ الْمُؤْمِنَاتِ يَشْهَدْنَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْفَجْرِ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ (أي: متسترات بثوب يغطي جسدهن كله) .
رواه البخاري (553) ومسلم (645) .
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
فإنَّ النساء كنَّ يطفن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم من وراء الرجال متسترات، لا يداخلنهم، ولا يختلطن بهم، وكذا حالهن مع الرجال في مصلى العيد، فإنهن كنَّ يخرجن متسترات، ويجلسن خلف الرجال في المصلى، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب الرجال خطبة العيد انصرف إلى النساء، فذكَّرهن ووعظهن، فلم يكن اختلاط بين الرجال والنساء، وكذا الحال في حضورهن الصلوات في المساجد، كنَّ يخرجن متلفعات بمروطهن، ويصلين خلف الرجال، لا تخالط صفوفهن صفوف الرجال.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن قعود، الشيخ عبد الله بن غديان.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (12 / 164، 165) .
ونرجو أن نكون بذلك قد أزلنا الخلل الذي يستدل به بعض الناس على جواز اختلاط الرجال بالنساء الاختلاط المستهتر، ظناً منهم أن الشرع يبيح ذلك الاختلاط في الطواف فهذا الواقع مخالف للشرع، نسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1343)
زخرفة المساجد والإسراف في بناء المآذن والقباب
[السُّؤَالُ]
ـ[علمت أنه من الصدقة الجارية بناء مسجد، فأريد من فضيلتكم بعض التوضيحات والتوجيهات عن هذا الأمر فيما يخص التالي: صفة المسجد الصحيحة والشرعية، المئذنة والقبة اللتان نراهما حديثا في بناء المساجد، هل هما لازمتان لبناء المسجد، وخاصة أن تكاليف بنائهما في بلدي قد تصل إلى 15000 دينار ليبيي، ثم ما يخص حاجيات المسجد، من رخام وأبواب عالية الجودة وزجاج ومفروشات عالية الجودة والإنارة المضاعفة، ومثل هذه الأمور التي اعتدنا أن نراها في المساجد، كل هذا وما يشابهه ما حكم الشرع فيه، وكيف يكون بناء المسجد بصورة شرعية كاملة، أحتاج من فضيلتكم التوضيح التام لهذا الأمر. وجزاكم الله كل الخير على المجهود المميز لكم في هذا الموقع، الذي هو خياري الأول والأفضل عندي في كل الأحيان والأحوال، للخير العامر فيه والغيث النافع من العلم الذي أجده فيه!! سدد الله خطاكم في كل ما يحب ويرضى.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نشكر لك ـ أيها الأخ الكريم ـ حسن ظنك بإخوانك في الموقع، وتواصلك معنا، ونسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه من العلم النافع والعمل الصالح.
ثانيا:
بناء المساجد وإعمارها وتهيئتها للمصلين، من أعمال البر والخير التي رتب عليها الشارع ثوابا عظيما، وهي من الصدقة الجارية التي يمتد ثوابها وأجرها حتى بعد موت الإنسان.
قال الله تعالى: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) التوبة/18
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ بَنَى مَسْجِدًا بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ) رواه البخاري (450) ومسلم (533) من حديث عثمان رضي الله عنه.
وروى ابن ماجه (738) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ، أوْ أَصْغَرَ، بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ) صححه الألباني.
والقطا طائر معروف، ومَفحص القطاة بفتح الميم: موضعها الذي تجثم فيه، وتبيض، وخصصت القطاة بهذا لأنها لا تبيض في شجر ولا على رأس جبل، إنما تجعل مجثمها على بسيط الأرض دون سائر الطيور، فلذلك شبه به المسجد. ينظر: حياة الحيوان للدميري.
قال أهل العلم: وهذا مذكور للمبالغة، أي ولو كان المسجد بالغا في الصغر إلى هذا الحد.
ثالثا:
لا حرج في بناء القبة على المسجد لغرض الإضاءة والتهوية، وكذلك بناء المئذنة لأجل بلُوغ صوتِ المؤذن إلى أقصى حدٍ مُمكن، أو لِيُعرف المسجد منْ بُعد فُيقصد من قِبَلِِ المصلِّين؛ لأن الوسائل لها أحكام المقاصد، لكن ينبغي الاقتصار على ما يحقق الغرض، من غير إسراف، فيكفي في المئذنة بناء مستقيم مرتفع، بلا زخارف أو زينة، وإن بني المسجد بدونها فلا حرج.
سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: هل يجوز بناء القبب في المساجد إذا كانت لغرض الإضاءة والتهوية؟
فأجابوا:: لا نعلم حرجا في ذلك إذا كان الأمر كما ذكر في السؤال " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (6/246)
وجاء فيها أيضا (6/254) : " يعترض بعض الناس على إنشاء المآذن أصلا ويعتبر ذلك مخالفا للسنة وتبذيرا للمال، ويرد عليه فريق آخر بأن المآذن أصبحت معلما يشهر المسجد ويدل عليه في وسط البنايات المزدحمة المرتفعة، وهي تحجب الرؤية من بعيد، والمسجد بمئذنته السامقة يشعر الكثيرين بأن المسلمين ما زالوا بخير أمام التحديات الكثيرة التي يواجهونها.
ج: لا حرج في إقامة المآذن في المساجد، بل ذلك مستحب لما فيه من تبليغ صوت المؤذن للمدعوين إلى الصلاة، ويدل على ذلك أذان بلال في عهد النبي صلى الله عليه وسلم على أسطح بعض على أسطح بعض البيوت المجاورة لمسجده، مع إجماع علماء المسلمين على ذلك " انتهى.
ثالثا:
ينبغي ترك الإسراف والمغالاة في الفرش والأبواب ونحوها، فإن الله تعالى لا يحب المسرفين.
وبوب البخاري في صحيحه: " باب بنيان المسجد، وقال أبو سعيد: كان سقف المسجد من جريد النخل – يعني مسجد النبي صلى الله عليه وسلم-، وأمر عمر ببناء المسجد وقال: َأِكنّ الناسَ من المطر، وإياك أن تحمر أو تصفر فتفتن الناس، وقال أنس: يتباهون بها ثم لا يعمرونها إلا قليلا، وقال ابن عباس: لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى " انتهى.
وروى أبو داود (448) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا أُمِرْتُ بِتَشْيِيدِ الْمَسَاجِدِ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَتُزَخْرِفُنَّهَا كَمَا زَخْرَفَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى. والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود.
قال الخطابي رحمه الله: التشييد: رفع البناء وتطويله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1344)
مرور المرأة بين يدي المصلي في المسجد الحرام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل مرور المرأة في صلاة الرجل مبطلة للصلاة في المسجد الحرام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يجوز للإنسان أن يمر بين يدي المصلي، إلا أن يكون من وراء سترته، أو يمر بعيدا عنه؛ من وراء موضع سجوده – في حال عدم اتخاذه سترة- لما روى البخاري (510) ومسلم (507) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ) قَالَ أَبُو النَّضْرِ: لَا أَدْرِي، أَقَالَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا أَوْ سَنَةً؟
ويلزم المصلي أن يمنع من يمر بين يديه؛ لما روى البخاري (509) ومسلم (505) عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنْ النَّاسِ فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلْيَدْفَعْهُ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ) .
ثانياً:
مرور المرأة بين يدي المصلي بينه وبين سترته، يقطع الصلاة، إذا كان المصلي إماما أو منفردا. وأما المأموم فلا؛ لأن سترة الإمام سترة له، وانظر بيان ذلك في جواب السؤال رقم (3404) .
ثالثاً:
استثنى جماعة من أهل العلم المسجد الحرام، فرخصوا للناس المرور فيه بين يدي المصلي، وذهبوا إلى أن مرور المرأة وغيرها بين يدي المصلي لا يقطع صلاته.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/40) : " ولا بأس أن يصلي بمكة إلى غير سترة , وروي ذلك عن ابن الزبير وعطاء ومجاهد. قال الأثرم: قيل لأحمد: الرجل يصلي بمكة , ولا يستتر بشيء؟ فقال: قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى ثم ليس بينه وبين الطُّوَّاف سترة. قال أحمد: لأن مكة ليست كغيرها , كأنّ مكة مخصوصة.
وقال ابن أبي عمار: رأيت ابن الزبير جاء يصلي , والطُّوَّاف بينه وبين القبلة , تمر المرأة بين يديه , فينتظرها حتى تمر , ثم يضع جبهته في موضع قدمها. رواه حنبل في كتاب "المناسك".
وقال المعتمر: قلت لطاووس: الرجل يصلي - يعني بمكة - فيمر بين يديه الرجل والمرأة؟ فإذا هو يرى أن لهذا البلد حالا ليس لغيره من البلدان , وذلك لأن الناس يكثرون بمكة لأجل قضاء نسكهم , ويزدحمون فيها , فلو مَنَع المصلي من يجتاز بين يديه لضاق على الناس" انتهى باختصار.
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: لقد وجدت حديثا مثبتا وهذا نصه: إذا كان أحدكم في صلاة، فمر أمامه حمار أو كلب أسود أو امرأة فإن صلاته باطلة إذا كان نص الحديث صحيحا فما رأيكم في الذين يصلون في الحرم الشريف وتمر النساء أمامهم وهن طائفات؟
فأجاب: "الحديث صحيح يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يقطع صلاة المرء المسلم إذا لم يكن بين يديه مثل مؤخرة الرحل: المرأة والحمار والكلب الأسود) رواه الإمام مسلم في صحيحه، فإذا مر بين يدي المصلي أو بينه وبين سترته كلب أسود أو حمار أو امرأة، كل واحد يقطع صلاته. هكذا جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو الأصح من أقوال أهل العلم وفي ذلك خلاف بين أهل العلم، منهم من يؤوله على أن المراد قطع الثواب، أو قطع الكمال.
ولكن الصواب أنها تقطع الصلاة وأنها تبطل بذلك.
لكن ما يقع في المسجد الحرام معفو عنه عند أهل العلم؛ لأن في المسجد الحرام لا يمكن للإنسان أن يتقي ذلك بسبب الزحام ولاسيما في أيام الحج فهذا مما يعفى عنه في المسجد الحرام ويستثنى من عموم الأحاديث، فما يقع من مرور بعض النساء أو الطائفات بين يدي المصلين في المسجد الحرام لا يضرهم وصلاتهم صحيحة: النافلة والفريضة، هذا هو المعتمد عند أهل العلم " انتهى من "فتاوى الشيخ باز" (17/152) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: هل يجوز المرور بين يدي المصلي في المسجد؟
فأجابوا: يحرم المرور بين يدي المصلي، سواء اتخذ سترة أم لا، لعموم حديث: (لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه) واستثنى جماعة من الفقهاء من ذلك الصلاة بالمسجد الحرام، فرخصوا للناس في المرور بين يدي المصلي؛ لما روى كثير بن كثير بن المطلب عن أبيه عن جده قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حيال الحجر والناس يمرون بين يديه، وفي رواية عن المطلب أنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من سبعه جاء حتى يحاذي الركن بينه وبين السقيفة فصلى ركعتين في حاشية المطاف وليس بينه وبين الطواف أحد. وهذا الحديث وإن كان ضعيف الإسناد غير أنه يعتضد بما ورد في ذلك من الآثار، وبعموم أدلة رفع الحرج لأن في منع المرور بين يدي المصلي بالمسجد الحرام حرجا ومشقة غالبا " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (7/82) .
لكن لا ينبغي التساهل في أمر السترة، ولو مع الزحام، ما دام الأمر ممكنا. كما لا ينبغي التساهل في المرور بين يدي المصلي إلا عند الاضطرار لذلك.
فقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم من يمرون أمام المصلين خاصة في الحرم من النساء والرجال ويقطعون الصلاة؟
فأجاب: "أما الرجال فإنهم لا يقطعون الصلاة، لكن الإنسان مأمور بأن يردهم، وأما النساء فالمرأة البالغة تقطع الصلاة إذا مرت بينك وبين سترتك، أو بينك وبين موضع سجودك إذا لم يكن لك سترة سواءً في الحرم أو في غير الحرم، إلا إذا كان الإنسان لم يتيسر له مكان إلا في مكان مرور الناس مثل عند الأبواب فهذا للضرورة لا تنقطع صلاته؛ لأنه لو أخذ يرد الناس لكثرت الحركة في صلاته فأبطلتها.
السائل: لكن ما الحكم إذا ساروا من بعيد قليلاً؟
الشيخ: إذا ساروا من بعيد من وراء موضع سجوده فهذا لا يضر" انتهى من "لقاء الباب المفتوح (86/11) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1345)
حكم الأكل من ثمار الأشجار المغروسة في المسجد أو حديقته
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز قطف الثمار من حديقة المسجد مقابل وضع مبلغ من المال في خزينة المسجد مقابل ذلك؟ وشكرا]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
جمهور الفقهاء على كراهة غرس الأشجار في المسجد، ومنهم من ذهب إلى التحريم، ومنهم من قيد التحريم بما إذا ضيق على المصلين.
وعلة الكراهة أن المسجد لم يبن لهذا , وإنما بني لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن ; ولأن الشجرة تؤذي المسجد , وتمنع المصلين من الصلاة في موضعها , ويسقط ورقها في المسجد وثمرها , وتسقط عليها العصافير والطيور فتبول في المسجد , وربما اجتمع الصبيان في المسجد لأجلها ورموها بالحجارة ليسقط ثمرها.
ومنهم من جعل علة الكراهة الشبه بِبِيَع اليهود.
قال ابن قدامة رحمه الله: " ولا يجوز أن يغرس في المسجد شجرة. نص عليه أحمد , وقال: إن كانت غرست النخلة بعد أن صار مسجدا , فهذه غرست بغير حق , فلا أحب الأكل منها , ولو قلعها الإمام لجاز ; وذلك لأن المسجد لم يبن لهذا , وإنما بني لذكر الله والصلاة وقراءة القران , ولأن الشجرة تؤذي المسجد وتمنع المصلين من الصلاة في موضعها , ويسقط ورقها في المسجد وثمرها , وتسقط عليها العصافير والطير فتبول في المسجد , وربما اجتمع الصبيان في المسجد من أجلها , ورموها بالحجارة ليسقط ثمرها) " انتهى من المغني (5/370) .
وفي الفتاوى الهندية (1/110) : " ويكره غرس الشجر في المسجد ; لأنه تشبه بالبيعة وتشغل مكان الصلاة، إلا أن يكون فيه منفعة للمسجد بأن كانت الأرض نزة لا تستقر أساطينها فيغرس فيه الشجر ليقل النز. كذا في فتاوى قاضي خان " انتهى.
وقال ابن الهمام رحمه الله: " ولا يجوز غرس الأشجار فيه إلا إن كان ذا نزٍّ والأسطوانات لا تستقر به، فيجوز لتشرب ذلك الماء فيحصل بها النفع " انتهى من "فتح القدير" (1/421) .
وقال زكريا الأنصاري رحمه الله: " (و) يكره (حفر بئر وغرس شجر فيه) بل إن حصل بذلك ضرر حرم (فيزيله الإمام) لئلا يضيق على المصلين هذا , وقد قال الأذرعي في غرس الشجرة في المسجد الصحيح تحريمه لما فيه من تحجير موضع الصلاة , والتضييق وجلب النجاسات من ذرق الطيور , ونقل عن جماعة قطع العراقيين بمنع الزرع , والغرس فيه " انتهى من "أسنى المطالب" (1/186) .
وفي شرح الخرشي على خليل (7/48) : " فائدة: صرح جماعة بمنع الغرس والزرع في المسجد وقالوا لا يجوز الحفر فيه ولا الدفن فيه قالوا: ولعل من يذكر الكراهة أراد كراهة التحريم " انتهى.
فتبين بهذا أن الفقهاء بين قائل بالتحريم وقائل بالكراهة، وهذا فيما إذا غرس في المسجد بعد بنائه، وأما إن كانت الأرض بها شيء من الشجر، وبني المسجد عليها فلا حرج.
قال ابن قدامة في الموضع السابق: " فأما إن كانت النخلة في أرض , فجعلها صاحبها مسجدا والنخلة فيها فلا بأس " انتهى.
والذي يظهر أنه لا حرج أيضا فيما إذا كانت الأشجار في حديقة متصلة بالمسجد، بحيث لا تضيق على المصلين، ولا يتأذى المسجد بورقها.
ثانيا:
أما الأكل من ثمار هذه الأشجار ففيه تفصيل:
1- إن كان الواقف قد وقف الشجر مع المسجد، وحدد مصرف الوقف، بأن جعله للمساكين، أو للأئمة أو الطلبة أو للمسجد، مثلا، عُمل بتحديده. وما وقف للمسجد، يباع ويصرف في مصالحه.
2- وإن لم يكن حدد الجهة التي يصرف فيها الوقف، ففي ذلك خلاف، فقيل حكمه حكم الوقف منقطع الجهة، فيكون لورثة الواقف، موقوفا عليهم، وقيل يجوز لمساكين المسجد، وقيل يصرف في مصلحة المسجد.
3- ما غرس في المسجد، ولم يوقف معه، وحكمنا بكراهته أو تحريمه: إن كان غرس للمسجد، فلا يؤخذ منه إلا بعوض يصرف في مصالح المسجد، وإن غرس مسبّلا، أو لم يعلم قصد غارسه، جاز الأكل منه بلا عوض، والأولى عدم الأكل منه، ومن أكل ودفع العوض ليصرف في عمارة المسجد، فلا حرج عليه.
وهذا بعض ما قاله الفقهاء في هذه المسألة:
قال ابن قدامة في الموضع السابق: " فأما إن قال صاحبها: هذه وقف على المسجد فينبغي أن يباع ثمرها , ويصرف إليه ".
وقال السفاريني رحمه الله: " مطلب: حكم أكل تمر شجر المسجد: وفي الفروع والإنصاف والإقناع والمنتهى والغاية وغيرها: فإن لم تقلع فثمرتها لمساكين المسجد. قال في الإنصاف: قال الحارثي: وهو المذهب. قال: والأقرب حله لغيرهم من المساكين أيضا. وقال الإمام أحمد رضي الله عنه: لا أحب الأكل منها.
وإن غرست قبل بنائه ووقفت معه , فإن عين مصرفها عمل به , وإلا فكمنقطع، يعني تصرف على ورثة الواقف نسباً، غنيهم وفقيرهم، وقفاً عليهم على قدر إرثهم، فيستحقونه كالميراث ويقع الحجب بينهم. فإن لم يكن له أقارب فللفقراء والمساكين وقفا عليهم. وقال الموفق: يجوز الأكل منها , وهو منصوص الإمام رضي الله عنه في رواية أبي طالب. وقدمه في المستوعب والرعاية الصغرى. وقال جماعة من الأصحاب: تصرف في مصالحه , وإن استغنى عنه فلجاره أكل ثمره. نص عليه وجزم به في الفائق , والمذهب الأول أنها إذا لم يعين مصرفها كالوقف المنقطع. جزم به في الإقناع والمنتهى والغاية. " (2/317) .
وفي حاشية البجيرمي (3/103) : " ويكره غرس الشجر في المسجد كما في الروضة. قلت: وهو محمول على ما إذا لم يضر بالمسجد أو بالمصلين , ولم يقصد بها نفسه، وإلا حرم , فإن غرس قُلع. والقالع له الإمام أو نائبه دون الآحاد، سواء حرم غرسه أو كره؛ لأن له إزالة المكروه. نعم ما غرس ليكون للمسجد ولا ضرر فيه لا يجوز قطعه لأنه ملك المسجد ; قاله القاضي , وينبغي تقييده بما إذا كان له ثمر ينتفع به المسجد وإلا قلع. والجاري على القواعد وجوب رعاية الأصلح من الإبقاء أو القلع.
وثمرة ما استحق القلع وغيره إن غرس للمسجد لم يجز أكلها إلا بعوض يصرفه في مصالحه. وإن كان مسبّلا للأكل، أو جهل قصد الغارس جاز من غير عوض , ومثلها ثمرة ما في المقبرة المسبلة وكجهل قصده ما إذا لم يكن له قصد , ومثله ما إذا نبتت فيه بنفسها) انتهى.
وقال ابن قدامة: " قال أبو الخطاب: عندي أن المسجد إذا احتاج إلى ثمن ثمرة الشجرة , بيعت , وصرف ثمنها في عمارته. قال: وقول أحمد يأكلها الجيران. محمول على أنهم يعمرونه " انتهى.
وعليه فإن كانت الحديقة المسئول عنها، قد وُقفت ثمارها على جهة معينة، فلا يجوز الأكل منها إلا لأهل تلك الجهة.
وإن كانت مسبّلة، جاز الأكل منها بلا عوض.
وإن كانت موقوفة أو مغروسة لصالح المسجد، فإنها تباع وتصرف في مصالحه، ومن أخذ منها بمقابل يضعه في خزينة المسجد، فقد أصاب.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1346)
هل تقام جماعة مستقلة للنساء مع جماعة الرجال؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن إقامة أكثر من صلاة جماعة في مسجد واحد في نفس الوقت؟ ففي مسجد الجامعة لا يتم استخدام ميكروفون والنساء لا يسمعن الإمام فهل يمكنهن إقامة جماعة أخرى بإمام منهن؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل أنه لا يشرع إقامة جماعتين في مسجد في وقت واحد، لما في ذلك من تفريق المسلمين، وتشويش بعضهم على بعض، لكن إذا وجد عذر، كعدم سماع النساء صوت الإمام فلا حرج من إقامة جماعة خاصة بالنساء تصلي بهن إحداهن، مع وجود جماعة الرجال، ولكن يشترط لذلك ألا يحصل تشويش من الجماعتين بعضهما على بعض.
وقد ثبت عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما أنهما فعلا ذلك في صلاة التراويح في المسجد، حيث جعلا إماماً للرجال، وآخر للنساء.
قال الألباني رحمه الله في رسالة "قيام رمضان":
" ويشرع للنساء حضورها – يعني صلاة التراويح -. . . بل يجوز أن يُجْعَلَ لهن إمام خاص بهن، غير إمام الرجال، فقد ثبت أن عمر رضي الله عنه لما جمع الناس على القيام، جعل على الرجال أُبَيَّ بن كعب، وعلى النساء سليمان بن أبي حثمة.
وعن عرفجة الثقفي قال: (كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يأمر الناس بقيام شهر رمضان ويجعل للرجال إماماً وللنساء إماماً، قال: فكنت أنا إمام النساء) .
قلت (الألباني) : وهذا محله عندي إذا كان المسجد واسعاً، لئلا يشوش أحدهما على الآخر " انتهى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1347)
الجلوس في المسجد ومشاهدة التلفاز فيه
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمصلي أن يجلس داخل المسجد وجهاز التلفاز مشغل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الجلوس في المسجد انتظارا للصلاة، أو انشغالا بالعبادة، عمل مشروع يثاب عليه صاحبه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ كَانَ فِي صَلَاةٍ مَا كَانَتْ تَحْبِسُهُ (أي: ما دام منتظرا للصلاة) وَتُصَلِّي عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ) رواه البخاري (477) ومسلم (649) .
وأما مشاهدة التلفاز في المسجد، فإن كان ما فيه برنامج نافع ومفيد وخالٍ من المنكرات، فنرجو ألا يكون هناك حرج من مشاهدته.
أما إذا كان البرنامج فيه شيء من المحرمات كالنساء المتبرجات أو الموسيقى....أو غير ذلك، فالواجب إخراج هذا الجهاز من المسجد، فإن المساجد أشرف الأماكن وأحبها إلى الله ويجب تطهيرها من القذارة الحسية (النجاسة والأوساخ) ويجب كذلك تطهيرها من القذارة المعنوية (المعاصي) .
قال تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ) النور/36.
أي: أمر الله أن تعظم، ومن تعظيمها تطهيرها من المعاصي.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لَا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَلَا الْقَذَرِ إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالصَّلَاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ) رواه مسلم (285) .
فالمساجد إنما بنيت لطاعة الله تعالى، فيجب تعظيمها وإبعاد المعاصي عنها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1348)
وضع خطوط في المسجد لتسوية الصفوف
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم وضع شريط لاصق أو التعليم بالقلم لرسم خطوط مستقيمة لتسوية الصفوف في الصلاة، فإني أتعرض دوما للفوضى ورفع الأصوات في المسجد احتجاجا على تأخر الإمام (المتحدث) في تسويته للصفوف، ونرجو أن تنقلوا لنا أقوال أهل العلم وخاصة المعاصرين منهم في جواز أو تحريم ذلك، وما العمل في مثل هذه الحال لإخماد الفتنة لأني في مسجد به جماعة متمسكة بقول الشيخ الألباني وتلاميذه في التحريم، ومنهم من يتمسك بقول الشيخ ابن عثيمين في الجواز، وما فتوى هيئة كبار العلماء في هذه المسألة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأمر بتسوية الصفوف وارد في أحاديث كثيرة مشهورة، منها قوله صلى الله عليه وسلم: (سَوُّوا صُفُوفَكُمْ فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنْ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ) رواه البخاري (723) ومسلم (433) من حديث أنس رضي الله عنه.
ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: (لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ) رواه البخاري (717) ومسلم (436) من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه.
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى القول بوجوب تسوية الصفوف؛ " لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى رجلا باديا صدره قال: (عباد الله، لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم) ، وهذا وعيد، ولا وعيد إلا على فعل محرم أو ترك واجب. والقول بوجوب تسوية الصفوف قول قوي" انتهى من "فتاوى الشيخ ابن عثيمين" ج13 سؤال رقم 375.
وينبغي للإمام أن يأمر الناس بالتسوية، وأن يتعاهدهم في ذلك.
وأما وضع خط على الحصير أو السجاد للمساعدة في تسوية الصف، فلا حرج فيه، وليس هو من البدع.
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: ما حكم عمل خط على الحصير أو السجاد بالمسجد نظرا إلى أن القبلة منحرفة قليلا بقصد انتظام الصف؟
فأجابت: "لا بأس بذلك، وإن صلوا في مثل ذلك بلا خط فلا بأس؛ لأن الميل اليسير لا أثر له" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز. والشيخ عبد الرزاق عفيفي.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (6/315) .
وسئل الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله: عن حكم رسم خطوط المساجد لتستوي الصفوف عليها.
فأجاب: "إذا كان الناس لا تستقيم صفوفهم إلا بذلك فلا بأس، أو كان المسجد قد بني منحرفا عن القبلة ولا تستقيم الصفوف فيه إلا برسم خطوط فلا بأس بذلك إن شاء الله " انتهى من "فتاوى ورسائل الشيخ عبد الرزاق عفيفي" ص 412.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " البدعة هي التعبد لله عز وجل بغير ما شرع. وعلى هذا فالبدع لا تدخل في غير العبادات، بل ما أُحدث من أمور الدنيا ينظر فيه هل هو حلال أم حرام، ولا يقال إنه بدعة. فالبدعة الشرعية هي أن يتعبد الإنسان لله تعالى بغير ما شرع يعني الذي يسمى بدعة شرعاً، وأما البدعة في الدنيا فإنها وإن سميت بدعةً حسب اللغة العربية فإنها ليست بدعةً دينية بمعنى أنه لا يحكم عليها بالتحريم ولا بالتحليل ولا بالوجوب ولا بالاستحباب إلا إذا اقتضت الأدلة الشرعية ذلك. وعلى هذا فما أحدثه الناس اليوم من الأشياء المقربة إلى تحقيق العبادة لا نقول إنها بدعة وإن كانت ليست موجودة، من ذلك مكبّر الصوت. مكبر الصوت ليس موجوداً في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لكنه حدث أخيراً إلا أن فيه مصلحة دينية يبلغ للناس صلاة الإمام وقراءة الإمام والخطبة، وكذلك في اجتماعات المحاضرات فهو من هذه الناحية خير ومصلحة للعباد، فيكون خيراً، ويكون شراؤه للمسجد لهذا الغرض من الأمور المشروعة التي يثاب عليها فاعلها.
ومن ذلك ما حدث أخيراً في مساجدنا من الفرش التي فيها خطوط من أجل إقامة الصفوف وتسويتها فإن هذا وإن كان حادثاً ولكنه وسيلةٌ لأمرٍ مشروع، فيكون جائزاً أو مشروعاً لغيره، ولا يخفى على الناس ما كان الأئمة الحريصون على تسوية الصفوف يعانونه قبل هذه الخطوط، فكانوا يعانون مشاكل إذا تقدم أحد ثم قالوا له تأخر. تأخرَ أكثر ثم قالوا له تقدم. تقدم أكثر يحصل تعب. الآن والحمد لله يقول الإمام: سووا صفوفكم على الخطوط، توسطوا منها، فيحصل انضباطٌ تام في إقامة الصف. هذا بدعة من حيث العمل والإيجاد، لكنه ليس بدعة من حيث الشرع؛ لأنه وسيلة لأمرٍ مطلوبٍ شرعاً " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
هذا وينبغي لمن لم يقنع بهذا الكلام، وأصر على قوله ببدعية الخط في المسجد، أن يبين رأيه للإمام، من باب النصيحة، ثم يمسك عن إثارة الخلاف داخل المسجد، لأن الإمام في حال وضعه للخطوط، يكون قد أخذ بقول معتبر، فلا وجه للإنكار عليه، بل هذا القول هو الصواب كما سبق.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1349)
الجامعة تعطيهم مكاناً للصلاة لهم ولغيرهم من الكفار
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا عضو في الجمعية الإسلامية في جامعة كنقستون. وفي محاولاتنا للحصول على غرفة دائمة للصلاة، فقد اقترح المسؤولون أن نحصل على غرفة تخصص لصلاة جميع الأديان. وحسب ما أعلم، فإن ذلك لا يمكن القبول به أبدا. لكن، أرجو أن تقدم لنا فتوى (تتضمن استشهادات من القرآن والسنة) حول الموضوع لنقدمه للمسؤولين على الجامعة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ينبغي أن تكون مطالبتكم بإيجاد مسجد تثبت له أحكام المسجد، وتقيمون الصلاة جماعة، ويكون مركزا لنشاط دعوي تقومون به، وفي هذه الحال لا يجوز أن تقام في هذا المسجد شعيرة من شعائر الكفر لقوله تعالى: (وأنّ المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا) . وقد نهى النبي عليه الصلاة والسلام أن تنشد الضالة في المسجد، وعن البيع والشراء فيه، ونهى عليه الصلاة والسلام عن الصلاة إلى القبور لقوله عليه الصلاة والسلام: " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ".
وأما إذا لم يُسمح لكم بذلك، وإنما سمحوا لكم في مكان عام ولغيركم، فهذا تجوز الصلاة فيه كما لو أدركتكم الصلاة وأنتم في حديقة، أو على طريق، أو في طائرة أو في مطار من مطارات الدول. لكن احرصوا على أن يكون المكان خاليا من المنكرات، وبالأخص إذا كان هناك أصنام منصوبة، أو صور معظمة ومعلقة، فكلما أمكنكم الابتعاد عن ذلك المكان فافعلوا.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ سعد الحميد.(5/1350)
ما مقدار المسافة التي توجب الصلاة في المسجد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعلم أنه يجب على الرجال أن يؤدوا الصلوات الخمس في المسجد، ولكن إذا كان شخص يعيش بعيداً عن المسجد، ما هي المسافة التي يجوز له عندها عدم الذهاب للمسجد عند كل صلاة؟
مثال: إذا كان الذهاب يستغرق 20 دقيقة تقريباً، وهذا هو المسجد الوحيد في المدينة، فهل يجوز لي أن أصلي في البيت؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يجب على الرجال حضور صلاة الجماعة في المسجد، والتخلف عن صلاة الجماعة من علامات النفاق. انظر السؤال رقم (120) .
وكلما كان البيت أبعد زاد الأجر وعظمت المثوبة.
فعن أبي موسى قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أعظم الناس أجرا في الصلاة أبعدهم فأبعدهم ممشى) . رواه البخاري (623) ومسلم (622) .
ثانياً:
تجب صلاة الجماعة على القريب من المسجد دون البعيد.
وقد وردت السنة بتحديد القريب من المسجد بـ (من يسمع النداء) .
والمراد: من يسمع الأذان المرفوع من المسجد بصوت المؤذن من غير مكبر للصوت، مع رفع المؤذن صوته، وسكون الرياح والضوضاء ونحو ذلك مما يؤثر على السماع.
روى مسلم (653) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ أَعْمَى، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّه ِ، إِنَّهُ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إِلَى الْمَسْجِدِ، فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ، فَرَخَّصَ لَهُ، فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ، فَقَالَ: هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلاةِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَجِبْ.
وروى ابن ماجه (793) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يَأْتِهِ فَلَا صَلاةَ لَهُ إِلا مِنْ عُذْرٍ) . صححه الألباني في صحيح الجامع (637) .
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (4/353) :
الاعتبار في سماع النداء: أن يقف المؤذن في طرف البلد والأصوات هادئة والريح ساكنة، وهو مستمع فإذا سمع لزمه، وإن لم يسمع لم يلزمه اهـ.
وقد سئلت اللجنة الدائمة: إذا سمعت المؤذن من مسافة تقدَّر بثمانمائة متر فهل أصلي في مكاني أو أذهب إلى هذا المسجد الذي أذن فيه؟
فأجابت:
عليك أن تحضر إلى هذا المسجد تصلي فيه مع الجماعة، أو أي مسجد آخر أيسر لك منه، مادمت قادراً على ذلك. . . ثم استدلت اللجنة بالحديثين السابق ذكرهما.
وسئلت اللجنة أيضا عن رجل يسكن بالدور الثامن ويبعد عنه المسجد حوالي 500 متر، هل يجوز له إقامة الصلوات جماعة بأفراد أسرته بالمنزل؟
فأجابت:
صلاة الجماعة في المسجد واجبة، فعليك أن تغشى المساجد لتصلي الفريضة فيها مع المسلمين، وليس لك أن تترخص بصلاتها مع أهلك في البيت من أجل هذه المسافة اهـ.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (8/59) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين: هل يوجد تحديد للمسافة من بيته إلى المسجد؟
فأجاب:
المسافة ليس فيها تحديد شرعي، وإنما يحدد ذلك العرف أو سماع النداء على تقدير أنه بغير (الميكرفون) .
"أسئلة الباب المفتوح" (سؤال رقم 700) .
وقال الشيخ ابن باز:
الواجب على من سمع النداء بالصوت المعتاد من غير مكبّر أن يجيب إلى الصلاة في الجماعة في المسجد الذي ينادى بها فيه. . .
أما من كان بعيداً عن المسجد لا يسمع النداء إلا بالمكبّر فإنه لا يلزمه الحضور إلى المسجد وله أن يصلي ومن معه في جماعة مستقلة. . . فإن تجشموا المشقة وحضروا مع الجماعة في المساجد التي لا يسمعون منها النداء إلا بالمكبر بسبب بعدهم عنها كان ذلك أعظم لأجرهم اهـ.
مجموع فتاوى الشيخ ابن باز رحمه الله (12/58) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1351)
هل يصح إغلاق المسجد إذا كان يدخله السكارى
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا إمام مسجد مؤقت في مدينة في إحدى الولايات الأميريكية حتى يتوفر عندنا المال لنوظف عالم. اعتاد الناس أن يتركوا المسجد مفتوحاً 24 ساعة، كل يوم أذهب لصلاة الفجر أجد ناس مشردين نائمين في المسجد وقد شغلوا جهاز التكييف إلى أقصى حد (نحن ندفع الآلاف من الدولارات للكهرباء) كغيرنا من غير المسلمين، وجدنا زجاجات الخمر وقبل عدة أيام وجدنا شخص مخمور نائم في حمامات المسجد واتصلنا بالشرطة ليأخذوه.
اقترحت أن نغلق المسجد من الداخل والبوابة الخارجية بعد صلاة العشاء (بساعة أو ساعتين) حتى الفجر ونعطي مفاتيح لأكثر الناس الذين يأتون لصلاة الفجر والعشاء وبعض الطلاب الذين يأتون للدراسة في المساء، اشترينا قفلاً ومفاتيح وبدأنا بقفل الباب يومياً، اعترض البعض على الفكرة وقالوا بأننا يجب أن نغلق الباب الداخلي ونترك البوابة الخارجية مفتوحة لأن بيت الله يجب أن يبقى مفتوحاً 24 ساعة يومياً، وإذا أتى شخص ما ليلاً بعد العشاء وأراد الصلاة فلن يستطيع الصلاة.
أرجوأن تعطيني رأيك بأسرع وقت ممكن لأنه يوجد بعض الأشخاص يستفيدون من بقاء المسجد مفتوحاً ويريدون أن يخلقوا الفتنة في المسجد.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل أن يبقى المسجد مفتوحا غير مغلق، ليتمكن المسلم من الصلاة فيه في أي وقت، وقد كانت الكلاب تغدو وتروح في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في عهده كما في صحيح البخاري، لكن إذا ترتب على ذلك مفسدة من مزاولة منكرات داخل المسجد فينبغي أن يُغلق صيانة له، ولأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح وكذلك إذا خشي على أمواله من فرش وآلات وغير ذلك.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ: عبد الكريم الخضير.(5/1352)
ما هي الحكمة من إدخال قبر الرسول صلى الله عليه وسلم في المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[من المعلوم أنه لا يجوز دفن الأموات في المسجد، وأيما مسجد فيه قبر لا تجوز الصلاة فيه، فما الحكمة من إدخال قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وبعض صحابته في المسجد النبوي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) متفق على صحته البخاري في الجنائز (330) ومسلم في المساجد (529) ، وثبت عن عائشة رضي الله عنها أن أم سلمة وأم حبيبة ذكرتا لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتاها بأرض الحبشة وما فيها من صور فقال صلى الله عليه وسلم: (أولئك قوم إذا مات فيهم العبد الصالح أو الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله) متفق عليه: البخاري في الصلاة (434) ، ومسلم في المساجد (528) ، وروى مسلم في صحيحه عن جندب بن عبد الله البجلي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله تعالى قد اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ألا وإنّ من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد إني أنهاكم عن ذلك) مسلم في الجنائز (970) .
وروى مسلم أيضاً عن جابر رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُجصص القبر وأن يُقعد عليه وأن يُبنى عليه) مسلم في الجنائز (970) ، فهذه الأحاديث الصحيحة وما جاء في معناها كلها تدل على تحريم اتخاذ المساجد على القبور، ولَعْنُ من فعل ذلك، كما تدل على تحريم البناء على القبور واتخاذ القباب عليها وتجصيصها لأن ذلك من أسباب الشرك بها، وعبادة سكانها من دون الله كما قد وقع ذلك قديماً وحديثاً فالواجب على المسلمين أينما كانوا أن يحذروا مما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه، وألا يغتروا بما فعله كثير من الناس، فإن الحق هو ضالة المؤمن متى وجدها أخذها، والحق يُعرف بالدليل من الكتاب والسنة لا بآراء الناس وأعمالهم، والرسول محمد صلى الله عليه وسلم وصاحباه رضي الله عنهما لم يُدفنوا في المسجد وإنما دفنوا في بيت عائشة، ولكن لما وُسع المسجد في عهد الوليد بن عبد الملك أدخل الحجرة في المسجد في آخر القرن الأول، ولا يعتبر عمله هنا في حكم الدفن في المسجد لأن الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبيه لم ينقلوا إلى أرض المسجد، وإنما أدخلت الحجرة التي هم بها في المسجد من أجل التوسعة، فلا يكون في ذلك حجة لأحد على جواز البناء على القبور أو اتخاذ المساجد عليها، أو الدفن فيها لما ذكرته آنفاً من الأحاديث الصحيحة المانعة من ذلك، وعمل الوليد ليس فيه حجة على ما يخالف السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ولي التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ ابن باز مجموع فتاوى ومقالات متنوعة ج/4 ص 337(5/1353)
حكم الذهاب إلى المساجد البعيدة للصلاة خلف القارئ الجيد
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد في مدينتنا قارئ جيد يخشع في صلاته ويأتي إليه الناس من مدن بعيدة، فما الحكم في مجيء هؤلاء وهل صحيح أنهم وقعوا في النهي الوارد في الحديث: (لا تشدّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد مسجد الحرام ومسجد الأقصى ومسجدي) البخاري في فضل الصلاة (1197) . نرجو الإفادة والتوجيه.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا نعلم حرجاً في ذلك، بل ذلك داخل في الرحلة لطلب العلم والتفقه في القرآن الكريم واستماعه من حسن الصوت به، وليس السفر لذلك من شد الرحال المنهي عنه وقد ارتحل موسى عليه الصلاة والسلام رحلة عظيمة إلى الخضر عليه السلام في مجمع البحرين لطلب العلم، ولم يزل أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم يرتحلون من إقليم إلى إقليم ومن بلاد إلى بلاد لطلب العلم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة) مسلم في الذكر والدعاء (2699)
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ ابن باز في مجلة البحوث عند رقم 42 ص 137(5/1354)
فضل تنظيف المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو أجر تنظيف وترتيب المسجد؟ والاهتمام بالإمام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الاعتناء بالمسجد وترتيب ما فيه من فرش ونحوها أمر محمود مرغب فيه، وفاعله مثاب عند الله على هذا العمل الصالح.
وقد أمر الله تعالى بتعظيم المساجد في قوله: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ) النور/36-37.
قال السيوطي: في هذه الآية الأمر بتعظيم المساجد وتنزيهها عن اللغو والقاذورات اهـ. من تفسير القاسمي (12/214) .
ومما يدل على فضل من اعتنى بذلك ما في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن رجلاً أسود أو امرأة سوداء كان يقم المسجد فمات فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عنه فقالوا مات قال أفلا كنتم آذنتموني به؟ دلوني على قبره أو قال قبرها فأتى قبرها فصلى عليها" رواه البخاري 458، ومسلم 956.
ومعنى يقم: أي ينظف
وما رواه أبو داود (455) والترمذي (594) وابن ماجة (759) من حديث عائشة قالت: " أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدُّور وأن تنظف وتطيب ". وصححه الألباني في صحيح الترمذي برقم 487
ومعنى الدُّور: أي الأحياء والقبائل.
وقد عد النبي صلى الله عليه وسلم البزاق في المسجد خطيئة وأخبر أن كفارتها دفنها، ففي الصحيحين من حديث أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " البزاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها " رواه البخاري 415، ومسلم 552.
وروى النسائي (728) وابن ماجة (762) عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في قبلة المسجد فغضب حتى احمر وجهه، فجاءته امرأة من الأنصار فحكتها وجعلت مكانها خلوقا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما أحسن هذا " والحديث صححه الألباني في صحيحي النسائي وابن ماجة.
وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أزال ذلك بنفسه كما في الصحيحين من حديث عائشة قالت "رأى في جدار القبلة مخاطا أو بصاقا أو نخامة فحكها " رواه البخاري 407 ومسلم 549.
وروي في فضل ذلك أحاديث ضعيفة نذكرها لبيان ضعفها، وفيما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم كفاية، فروى أبو داود (461) والترمذي (2916) حديث " عرضت علي أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد " والحديث ضعفه الألباني في ضعيف الترمذي.
وروى ابن ماجة (757) حديث " من أخرج أذى من المسجد بنى الله له بيتا في الجنة " والحديث ضعفه الألباني في ضعيف ابن ماجة.
وأما الاهتمام بالإمام فقد قال الإمام مسلم في مقدمة صحيحه: " فَلا يُقَصَّرُ بِالرَّجُلِ الْعَالِي الْقَدْرِ عَنْ دَرَجَتِهِ، وَلا يُرْفَعُ مُتَّضِعُ الْقَدْرِ فِي الْعِلْمِ فَوْقَ مَنْزِلَتِهِ، وَيُعْطَى كُلُّ ذِي حَقٍّ فِيهِ حَقَّهُ، وَيُنَزَّلُ مَنْزِلَتَهُ، وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُنَزِّلَ النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ" اهـ.
فإذا كان الإمام من أهل الفضل والعلم والصلاح فمحبته والاهتمام به يدخل في عموم محبة الصالحين وإكرامهم، وهذا عمل صالح.
لكن يجب التنبه إلى أنه لا يجوز أن يصل الأمر إلى التبرك بشخص الإمام أو ذاته أو التمسح به كما يفعل البعض، فإن هذا لم يكن من هدي المسلمين الأوائل مع أئمتهم وعلمائهم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1355)
تنظيف المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو أن تخبرني بالأجر الذي يحصل عليه الشخص إذا قام بترتيب وتنظيف المسجد.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تنظيف المسجد لم يرد فيه فضل خاص، غير أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتنظيف المسجد وتطييبه، فعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَتَّخِذَ الْمَسَاجِدَ فِي دِيَارِنَا وَأَمَرَنَا أَنْ نُنَظِّفَهَا " رواه أحمد في مسنده (19671) وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (278) .
وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي الدُّورِ (أي الأحياء) وَأَنْ تُنَظَّفَ وَتُطَيَّبَ ". رواه الترمذي (594) وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (279) .
فهذان الحديثان اشتملا على أمر نبوي، وامتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم يؤجر عليه فاعله.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا أَسْوَدَ أَوْ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَ يَقُمُّ الْمَسْجِدَ (أي ينظفه) فَمَاتَ فَسَأَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ فَقَالُوا مَاتَ قَالَ أَفَلَا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي بِهِ دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ أَوْ قَالَ قَبْرِهَا فَأَتَى قَبْرَهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا " رواه البخاري (458) ومسلم (956) .
قال ابن حجر في فتح الباري: "وَفِي الْحَدِيثِ فَضْلُ تَنْظِيفِ الْمَسْجِدِ , وَالسُّؤَالِ عَنْ الْخَادِمِ وَالصَّدِيقِ إِذَا غَابَ " انتهى.
ثم إن المسلم يكفيه لفعل الطاعة أن يعلم أنها أمر الله ورسوله، وهذا من كمال إسلامه، ولا بأس أن يسأل عن الحكمة أو الثواب ليطمئن قلبه.
تنبيه: ورد في فضل تنظيف المسجد حديث ضعيف وهو: " كنس المساجد مهور الحور العين " (السلسلة الضعيفة 4147) فيُكتفى بما تقدم مما صح. والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1356)
النهي عن الخروج من المسجد بعد الأذان هل يشمل المرأة
[السُّؤَالُ]
ـ[حديث النهي عن الخروج من المسجد بعد الأذان، هل يشمل المرأة إذا كانت في المسجد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب رحمه الله:
لا يشملها، لأن المرأة لا تجب عليها الجماعة (أصلا) . والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(5/1357)
حكم استئجار الكنائس لصلاة الجمعة فيها
[السُّؤَالُ]
ـ[لا يجد المسلمون في العديد من ولايات أمريكا أماكن مناسبة لأداء صلاة الجمعة ما عدا بعض الكنائس المؤجرة رخيصاً أو مجاناً، فأثار بعض الطلاب النقاش حول صحة أداء الصلاة في الكنائس معتمدين على ما روي عن ابن عمر حول منع الصلاة في الكنائس ومعابد اليهود والمقابر وأماكن الذبح لغير الله، وبناء على هذا الرأي فقد امتنع بعض المسلمين عن الحضور لصلاة الجمعة، فضلاً نرجو إفادتنا بالحكم الصحيح في هذه الحالة حتى نستطيع تجاوز الخلافات بين المسلمين في هذا المجتمع، وجزاكم الله خيراً]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا تيسر وجود غير الكنائس ليُصلى فيها لم تجز الصلاة في الكنائس ونحوها، لأنها معبد للكافرين يعبدون فيه غير الله، ولما فيها من التماثيل والصور، (وأما إذا لم يتيسّر غيرها جازت الصلاة فيها) للضرورة، قال عمر رضي الله عنه: " إنا لا ندخل كنائسكم من أجل التماثيل التي فيها والصور " وكان ابن عباس رضي الله عنهما يصلي في البيعة إلا بيعة فيها التماثيل والصور. أخرجهما البخاري 1/112
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى اللجنة الدائمة 6/268(5/1358)
صلى في مسجد ثم علم أن به قبورا وأضرحة
[السُّؤَالُ]
ـ[صليت في مسجد للصوفية، وكان الإمام صوفيا وبعد الانتهاء من الصلاة فيه علمت أنه يوجد في المسجد قبور وأضرحة، وعليها قبة؛ فهل أعيد الصلاة؟ وهل علي إثم إذا كنت أعلم أن هذا المسجد وإمامه صوفي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا تجوز الصلاة في مسجد بني على قبر، أو وضع فيه قبر؛ للأحاديث الواردة في لعن من اتخذ القبور مساجد. ولا تصح الصلاة في هذا المسجد، على الراجح من كلام أهل العلم، وعليه فيلزمك إعادة الصلاة.
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله ما نصه: " هل تصح الصلاة في المساجد التي يوجد فيها قبور؟
فأجاب: المساجد التي فيها قبور لا يصلى فيها، ويجب أن تنبش القبور وينقل رفاتها إلى المقابر العامة، يجعل رفات كل قبر في حفرة خاصة كسائر القبور، ولا يجوز أن يبقى في المساجد قبور، لا قبر ولي ولا غيره؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى وحذر من ذلك، ولعن اليهود والنصارى على عملهم ذلك، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) قالت عائشة رضي الله عنها: (يُحذّر ما صنعوا) متفق عليه.
وقال عليه الصلاة والسلام لما أخبرته أم سلمة وأم حبيبة بكنيسة في الحبشة فيها تصاوير فقال: (أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله) متفق على صحته، وقال عليه الصلاة والسلام: (ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك) خرجه مسلم في صحيحه، عن جندب بن عبد الله البجلي. فنهى عن اتخاذ القبور مساجد عليه الصلاة والسلام ولعن من فعل ذلك، وأخبر: أنهم شرار الخلق، فالواجب الحذر من ذلك. ومعلوم أن كل من صلى عند قبر فقد اتخذه مسجداً، ومن بنى عليه مسجداً فقد اتخذه مسجداً، فالواجب أن تبعد القبور عن المساجد، وألا يجعل فيها قبور؛ امتثالاً لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم، وحذراً من اللعنة التي صدرت من ربنا عز وجل لمن بنى المساجد على القبور؛ لأنه إذا صلى في مسجد فيه قبور قد يزين له الشيطان دعوة الميت، أو الاستغاثة به، أو الصلاة له، أو السجود له، فيقع الشرك الأكبر، ولأن هذا من عمل اليهود والنصارى، فوجب أن نخالفهم، وأن نبتعد عن طريقهم، وعن عملهم السيئ.
لكن لو كانت القبور هي القديمة ثم بني عليها المسجد فالواجب هدمه وإزالته؛ لأنه هو المحدث، كما نص على ذلك أهل العلم؛ حسماً لأسباب الشرك وسدا لذرائعه.
هنا شبهة يشبه بها عباد القبور، وهي وجود قبر النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده.
والجواب عن ذلك: أن الصحابة رضي الله عنهم لم يدفنوه في مسجده، وإنما دفنوه في بيت عائشة رضي الله عنها، فلما وسع الوليد بن عبد الملك مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في آخر القرن الأول أدخل الحجرة في المسجد، وقد أساء في ذلك، وأنكر عليه بعض أهل العلم، ولكنه اعتقد أن ذلك لا بأس به من أجل التوسعة. فلا يجوز لمسلم أن يحتج بذلك على بناء المساجد على القبور، أو الدفن في المساجد؛ لأن ذلك مخالف للأحاديث الصحيحة؛ ولأن ذلك أيضاً من وسائل الشرك بأصحاب القبور، والله ولي التوفيق " انتهى من "مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" (5/388) .
ومما يدل على عدم صحة الصلاة في المسجد الذي به قبر، ما روى الترمذي (317) وأبو داود (492) وابن ماجه (745) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ إِلَّا الْمَقْبَرَةَ وَالْحَمَّامَ) والحديث صححه ابن خزيمة وابن حبان والألباني، وينظر: صحيح سنن الترمذي.
قال في زاد المستقنع: " ولا تصح الصلاة في مقبرة ".
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه: " قوله: «ولا تصح الصلاة في مقبرة» نفي الصحة يقتضي الفساد؛ لأن كل عبادة إما أن تكون صحيحة، وإما أن تكون فاسدة، ولا واسطة بينهما، فهما نقيضان شرعا، فإذا انتفت الصحة ثبت الفساد.
وقوله: «الصلاة» يعم كل ما يسمى صلاة، سواء كانت فريضة أم نافلة، وسواء كانت الصلاة ذات ركوع وسجود أم لم تكن؛ لأنه قال: «الصلاة» وعليه فيشمل صلاة الجنازة فلا تصح في المقبرة. لكن قد دلت الأدلة على استثناء صلاة الجنازة، كما سنذكره إن شاء الله، وعلى هذا؛ فالمراد بالصلاة ما سوى صلاة الجنازة ...
فإذا قال قائل: ما الدليل على عدم صحة الصلاة في المقبرة؟ .
قلنا: الدليل:
أولا: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام» ، وهذا استثناء، والاستثناء معيار العموم.
ثانيا: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» والمساجد هنا قد تكون أعم من البناء؛ لأنه قد يراد به المكان الذي يبنى، وقد يراد به المكان الذي يتخذ مسجدا وإن لم يبن؛ لأن المساجد جمع مسجد، والمسجد مكان السجود، فيكون هذا أعم من البناء.
ثالثا: تعليل؛ وهو أن الصلاة في المقبرة قد تتخذ ذريعة إلى عبادة القبور، أو إلى التشبه بمن يعبد القبور، ولهذا لما كان الكفار يسجدون للشمس عد طلوعها وغروبها، نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة عند طلوعها وغروبها؛ لئلا يتخذ ذريعة إلى أن تعبد الشمس من دون الله، أو إلى أن يتشبه بالكفار.
وأما من علل ذلك بأن علة النهي عن الصلاة في المقبرة خشية أن تكون المقبرة نجسة، فهذا تعليل عليل، بل ميت لم تحل فيه الروح " انتهى من "الشرح الممتع" (2/237) .
وسئل رحمه الله: " عن حكم الصلاة في مسجد في قبلته قبر؟
فأجاب بقوله: لا يجوز أن يوضع في المسجد قبر، لا في قبلته ولا خلف المصلين، ولا عن أيمانهم، ولا عن شمائلهم، وإذا دفن أحد في المسجد ولو كان هو المؤسس له فإنه يجب أن ينبش هذا القبر وأن يدفن مع الناس، أما إذا كان القبر سابقا على المسجد وبني المسجد عليه، فإنه يجب أن يهدم المسجد وأن يبعد عن القبر، لأن فتنة القبور في المساجد عظيمة جدا فربما يدعو إلى عبادة هذا المقبور ولو بعد زمن بعيد، وربما يدعو إلى الغلو فيه، وإلى التبرك به وهذا خطر عظيم على المسلمين، لكن إن كان القبر سابقا وجب أن يهدم المسجد ويغير مكانه، وإن كان المسجد هو الأول فإنه يجب أن يخرج هذا الميت من قبره ويدفن مع المسلمين، والصلاة إلى القبر محرمة ولا تصح الصلاة إلى القبر لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تصلوا إلى القبور) . والله المستعان " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (12/374) .
ثانيا:
الصلاة خلف الصوفي فيها تفصيل:
فإن كان متلبسا ببدعة شركية كدعاء غير الله، أو اعتقاده أن الأولياء يعلمون الغيب، أو يتصرفون في الكون، فلا تصح الصلاة خلفه.
وإن كانت بدعته غير شركية، صحت الصلاة خلفه.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (7/353) : " وأما الصلاة خلف المبتدعة: فإن كانت بدعتهم شركية كدعائهم غير الله ونذرهم لغير الله واعتقادهم في مشايخهم ما لا يكون إلا لله من كمال العلم، أو العلم بالمغيبات، أو التأثير في الكونيات، فلا تصح الصلاة خلفهم.
وإن كانت بدعتهم غير شركية؛ كالذكر بما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكن مع الاجتماع والترنحات، فالصلاة وراءهم صحيحة، إلا أنه ينبغي للمسلم أن يتحرى لصلاته إماما غير مبتدع؛ ليكون ذلك أعظم لأجره وأبعد عن المنكر " انتهى.
وانظر السؤال رقم (4983) للوقوف على شيء من انحراف المتصوفة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1359)
حكم عقد النكاح في المسجد والمداومة على افتتاحه بالقرآن والموعظة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم المداومة علي إقامة الأفراح في المساجد مع تخصيص هيئه لها كقراءة القرآن في المقدمة ثم يأتي آخر بإلقاء كلمة ثم يأتي العقد مؤخرا؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ذهب جمهور الفقهاء إلى استحباب عقد النكاح في المسجد، واستدلوا لذلك بحديث: (أعلنوا هذا النكاح واجعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدفوف) رواه الترمذي (1089) لكنه ضعيف –إلا الإعلان- كما قال الألباني في ضعيف الترمذي.
قال في مجمع الأنهر (1/317) : " ويستحب مباشرة عقد النكاح في المسجد، وكونه في يوم الجمعة، واختلفوا في كراهة الزفاف فيه، والمختار: لا يكره إذا لم يشتمل على مفسدة دينية " انتهى.
وقال الخرشي في شرح خليل (7/71) : " يعني أنه يجوز عقد النكاح أي: مجرد إيجاب وقبول، بل هو مستحب " انتهى.
وقال في "نهاية المحتاج" (6/185) : " ويسن أن يتزوج في شوال، وأن يدخل فيه، وأن يعقد في المسجد، وأن يكون مع جمعٍ وأول النهار " انتهى.
وقال في "كشاف القناع" (2/368) : " ويباح فيه عقد النكاح , بل يستحب كما ذكره بعض الأصحاب " انتهى.
ثانيا:
يشترط لعقد النكاح في المسجد ألا يترتب على ذلك امتهان للمسجد، ولا فعل شيء من المنكرات فيه، كضرب الدف، وينبغي ألا تنشد فيه الأناشيد، ويكتفى بالعقد، وإن قرئ القرآن أو تحدث متحدث، فلا بأس. ولا ينبغي المداومة على ذلك؛ لأنه لم يرد دليل على قراءة القرآن في حفلات النكاح، ولا غيرها، وقد عده بعض أهل العلم من البدع.
سئل الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله عن حكم قراءة القرآن جهرا في المحافل والمجامع كحفلات الزواج هل هذا ابتداع؟
فأجاب: " هذا من البدع جعل افتتاح المجالس رسميا بتلاوة القرآن، حيث لم يرد فيه نص، فلا يتخذ عادة، ويجوز فعله أحيانا، وأنا اختلفت مع هيئة كبار العلماء عندما افتتحوا بتلاوة القرآن الكريم. قلت: هذا بدعة، ما حصل هذا من الرسول صلى الله عليه وسلم ومجالسه كثيرة، وهو الإمام المقتدى به. أما إذا كانت موعظة مشتملة على آيات من القرآن فما عليه حرج " انتهى من "فتاوى ورسائل الشيخ عبد الرزاق عفيفي" ص 621
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1360)
وضع خطوط في المسجد لتسوية الصفوف
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم وضع خطوط في المسجد حتى يسهل على المصلين أن يستقيموا في قيامهم.. سمعت أنها بدعة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأمر بتسوية الصفوف وارد في أحاديث كثيرة مشهورة، منها قوله صلى الله عليه وسلم: (سَوُّوا صُفُوفَكُمْ , فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنْ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ) رواه البخاري (723) ومسلم (433) من حديث أنس رضي الله عنه.
ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: (لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ) رواه البخاري (717) ومسلم (436) من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه.
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى القول بوجوب تسوية الصفوف؛ " لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى رجلا باديا صدره قال: (عباد الله , لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم) ، وهذا وعيد، ولا وعيد إلا على فعل محرم أو ترك واجب. والقول بوجوب تسوية الصفوف قول قوي " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (13/سؤال 375)
وينبغي للإمام أن يأمر الناس بالتسوية، وأن يتعاهدهم في ذلك.
وأما وضع خط على الحصير أو السجاد للمساعدة في تسوية الصف، فلا حرج فيه، وليس هو من البدع.
سئل علماء اللجنة الدائمة: ما حكم عمل خط على الحصير أو السجاد بالمسجد نظرا إلى أن القبلة منحرفة قليلا بقصد انتظام الصف؟
فأجابوا: " لا بأس بذلك، وإن صلوا في مثل ذلك بلا خط فلا بأس؛ لأن الميل اليسير لا أثر له " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (8/15)
وسئل الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله: عن حكم رسم خطوط المساجد لتستوي الصفوف عليها.
فأجاب: " إذا كان الناس لا تستقيم صفوفهم إلا بذلك فلا بأس، أو كان المسجد قد بني منحرفا عن القبلة ولا تستقيم الصفوف فيه إلا برسم خطوط فلا بأس بذلك إن شاء الله " انتهى من "فتاوى ورسائل الشيخ عبد الرزاق عفيفي" (ص 412)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1361)
هل يمنع الأطفال من القدوم إلى المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل نمنع الأطفال من المجيء للمسجد في التراويح مع الأمهات لكثرة الإفساد والإزعاج؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سألت الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله هذا السؤال فأجاب:
يُتركون كما جاء في الأحاديث، (ويسع الآخرين ما وسع الأولين) . والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد العزيز بن باز يرحمه الله(5/1362)
بماذا يجاب قول المؤذن (الصلاة خير من النوم) ؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الذي يقال بعد قول المؤذن (الصلاة خير من النوم) ؟ مع الدليل , وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يستحب لمن يسمع الأذان أن يقول مثل ما يقول، إلا في (حي على الصلاة) وفي (حي على الفلاح) فإن المستحب حينئذ أن يقول (لا حول ولا قوة إلا بالله) .
والدليل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:
(إِذَا سَمِعتُمُ المُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثلَ مَا يَقُولُ) رواه البخاري (611) ومسلم (318)
يقول ابن قدامة رحمه الله "المغني" (1/591) :
" لا أعلم خلافا بين أهل العلم في استحباب ذلك " انتهى.
ومن ذلك: إذا قال المؤذن لصلاة الفجر (الصلاة خير من النوم) ، فإنه يستحب لسامعه أن يتابعه بمثلها فيقول (الصلاة خير من النوم) .
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله "الشرح الممتع" (2/84) :
" الصحيح أن يقال مثل ما يقول (الصلاة خير من النوم) ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول) رواه البخاري (611) ومسلم (318)
وقد ذهب إلى ذلك بعض الفقهاء المالكية. انظر "الموسوعة الفقهية" (2/372)
أما ما يستحبه بعض الفقهاء أن يقول (صدقت وبررت) ، فلا دليل عليه، وهو مخالف لعموم الحديث السابق (فقولوا مثل ما يقول) ، والأصل في العبادات المنع حتى يثبت الدليل.
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله "التلخيص الحبير" (1/378) :
" لا أصل لما ذكره في (الصلاة خير من النوم) " انتهى.
ويقول الصنعاني رحمه الله "سبل السلام" (1/190) :
" وقيل: يقول في جواب التثويب (صدقت وبررت) ، وهذا استحسان من قائله، وإلا فليس فيه سنة تعتمد " انتهى.
ويقول الشيخ محمد بن إبراهيم "مجموع الفتاوى" (2/رقم 448) :
" قوله صلى الله عليه وسلم (فَقُوْلُوْا مِثلمَا يَقُوْلُ) يدل على أَنه يقول: الصلاة خير من النوم.
أَما (صَدَقتَ وَبَررْتَ) فإِنما جاءت في حديث ضعيف. ولهذا يختار من يختار أن يقول: الصلاة خير من النوم، فالصحيح - والله أَعلم - أَنه لا يجيب بصدقت وبررت، وأَسمع بعض الناس يجمع بينهما، يقول الصلاة خير من النوم، صدقت وبررت، ولكن ليس على أَصل، بل الأَولى النظر في الأَدلة " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1363)
هل صلاة النساء بجوار الرجال مع الفاصل صحيحة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد في بلدنا مسجد يصلي فيه النساء بجوار الرجال لكن يفصل بينهما جدار فهل هذا العمل صحيح أو لابد أن يصلي النساء خلف الرجال؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا صلت المرأة بمحاذاة الرجل وكان بينهما حائل من جدار أو فرجة يمكن أن يقوم فيها مصلٍ، فالصلاة صحيحة عند عامة أهل العلم من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة. وإنما وقع الخلاف بينهم فيما إذا صلت إلى جنبه بلا حائل، فذهب الحنفية إلى أنها تُبطل صلاة ثلاثة من الرجال، واحد عن يمينها، وآخر عن يسارها، وثالث خلفها، بشروط ذكروها، وحاصلها: أن تكون المرأة مشتهاة، وهي من بلغت سبع سنين، أو كانت تصلح للجماع، على خلاف في المذهب، وأن تدخل مع الرجل في صلاة مطلقة أي لها ركوع وسجود، ويشتركان في التحريمة والأداء، وأن يكون الإمام قد نوى إمامتها أو إمامة النساء بصفة عامة، في تفاصيل أخر، تعرف بالرجوع إلى كتبهم. ينظر: "المبسوط" (1/183) ، "بدائع الصنائع" (1/239) ، "تبيين الحقائق" (1/136- 139) .
قال النووي رحمه الله تعالى مبينا الخلاف في المسألة وملخصا مذهب الحنفية: " إذا صلى الرجل وبجنبه امرأة لم تبطل صلاته ولا صلاتها سواء كان إماما أو مأموما، هذا مذهبنا وبه قال مالك والأكثرون , وقال أبو حنيفة: إن لم تكن المرأة في صلاة أو كانت في صلاة غير مشاركة له في صلاته صحت صلاته وصلاتها , فإن كانت في صلاة يشاركها فيها - ولا تكون مشاركة له عند أبي حنيفة إلا إذا نوى الإمام إمامة النساء - فإذا شاركته فإن وقفت بجنب رجل بطلت صلاة من إلى جنبيْها , ولا تبطل صلاتها ولا صلاة من يلي الذي يليها ; لأن بينه وبينها حاجزا , وإن كانت في صف بين يديه (يعني: أمامه) بطلت صلاة من يحاذيها من ورائها , ولم تبطل صلاة من يحاذي محاذيها ; لأن دونه حاجزا، فإن صف نساء خلف الإمام وخلفهن صف رجال بطلت صلاة الصف الذي يليهن , قال: وكان القياس أن لا تبطل صلاة من وراء هذا الصف من الصفوف بسبب الحاجز , ولكن نقول تبطل صفوف الرجال وراءه , ولو كانت مائة صف استحسانا , فإن وقفت بجنب الإمام بطلت صلاة الإمام ; لأنها إلى جنبه ومذهبه أنها إذا بطلت صلاة الإمام بطلت صلاة المأمومين أيضا , وتبطل [صلاتها] أيضا ; لأنها من جملة المأمومين.
وهذا المذهب ضعيف الحجة، ظاهر التحكم والتمسك بتفصيل لا أصل له , وعمدتنا أن الأصل أن الصلاة صحيحة حتى يرد دليل صحيح شرعي في البطلان , وليس لهم ذلك ... وقاس أصحابنا على وقوفها في صلاة الجنازة فإنها لا تبطل عندهم , والله أعلم بالصواب وله الحمد والنعمة والمنة , وبه التوفيق والهداية والعصمة" انتهى من المجموع (3/331) باختصار يسير.
أما مع وجود الحائل فقد اتفق الأحناف مع الجمهور على أنه لا تبطل صلاة واحد منهما، كما في "تبيين الحقائق" (1/138)
ثانيا:
لا شك أن السنة أن تكون صفوف النساء خلف الرجال، كما كان الحال على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقد روى البخاري (380) ومسلم (658) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ لَهُ فَأَكَلَ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ قُومُوا فَلِأُصَلِّ لَكُمْ قَالَ أَنَسٌ: فَقُمْتُ إِلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدْ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصَفَفْتُ وَالْيَتِيمَ وَرَاءَهُ، وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا، فَصَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ) .
قال الحافظ في الفتح: " وَفِي هَذَا الْحَدِيث مِنْ الْفَوَائِد: ... َتَأْخِير النِّسَاء عَنْ صُفُوف الرِّجَال , وَقِيَام الْمَرْأَة صَفًّا وَحْدهَا إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا اِمْرَأَة غَيْرهَا " انتهى.
لكن إذا حصل ما ذكرتَ من كونهن يحاذين الرجال، فالصلاة صحيحة والحمد لله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1364)
حكم بناء المسجد أو ملحقاته من مالٍ حرام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن يُبنى مسجد أو (ملحقات مسجد) في ساحة الحي السكني الملاصق للمسجد، ليستخدم في أغراض متعددة، كصلاة الجماعة في رمضان، وصلاة العيدين، وما إلى ذلك، من تبرعاتٍ مصدرُها محرم، مع أن إدارة المسجد على علمٍ بذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المال الحرام إما أن يكون محرما لعينه، وإما أن يكون محرماً لكسبه.
فالمحرم لعينه كالمال المغصوب والمسروق، فهذا لا يحل لأحد الانتفاع به وهو يعلم أنه مسروق من فلان، بل يحب رده إلى صاحبه.
وطريقة التوبة من غصب هذا المال: أن يرد إلى صاحبه، ولا يجزئ الغاصب التبرع به لبناء مسجد وهو يقدر على رده إلى صاحبه.
لكن إن تعذر رده إلى صاحبه، (كالمال الذي تغتصبه بعض الحكومات الظالمة من الناس) فلا حرج في إنفاقه في مصالح المسلمين العامة، ومنها بناء المساجد.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "السياسة الشرعية" (ص 35) :
" إذا كانت الأموال قد أخذت بغير حق وقد تعذر ردها إلى أصحابها ككثير من الأموال السلطانية (أي التي غصبها السلطان) ; فالإعانة على صرف هذه الأموال في مصالح المسلمين كسداد الثغور ونفقة المقاتلة ونحو ذلك: من الإعانة على البر والتقوى ; إذ الواجب على السلطان في هذه الأموال - إذا لم يمكن معرفة أصحابها وردها عليهم ولا على ورثتهم - أن يصرفها - مع التوبة إن كان هو الظالم - إلى مصالح المسلمين. هذا هو قول جمهور العلماء كمالك وأبي حنيفة وأحمد وهو منقول عن غير واحد من الصحابة وعلى ذلك دلت الأدلة الشرعية. . .
وإن كان غيره قد أخذها فعليه هو أن يفعل بها ذلك " انتهى.
وأما المحرم لكسبه فهو الذي اكتسبه الإنسان بطريق محرم كبيع الخمر، أو التعامل بالربا، أو أجرة الغناء والزنا ونحو ذلك، فهذا المال حرام على من اكتسبه فقط، أما إذا أخذه منه شخص آخر بطريق مباح فلا حرج في ذلك، كما لو تبرع به لبناء مسجد، أو دفعه أجرة لعامل عنده، أو أنفق منه على زوجته وأولاده، فلا يحرم على هؤلاء الانتفاع به، وإنما يحرم على من اكتسبه بطريق محرم فقط.
وطريقة التوبة من هذا المال المحرم: التخلص منه، وإنفاقه في وجوه البر ومنها بناء المساجد.
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (9/330) :
" قال الغزالي: إذا كان معه مال حرام وأراد التوبة والبراءة منه - فإن كان له مالك معين - وجب صرفه إليه أو إلى وكيله , فإن كان ميتا وجب دفعه إلى وارثه , وإن كان لمالك لا يعرفه ويئس من معرفته فينبغي أن يصرفه في مصالح المسلمين العامة , كالقناطر والربط والمساجد، ونحو ذلك مما يشترك المسلمون فيه , وإلا فيتصدق به على فقير أو فقراء. . . وهذا الذي قاله الغزالي ذكره آخرون من الأصحاب , وهو كما قالوه , لأنه لا يجوز إتلاف هذا المال ورميه في البحر , فلم يبق إلا صرفه في مصالح المسلمين , والله سبحانه وتعالى أعلم " انتهى.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عن حكم الصلاة في مسجد بني من مال حرام؟
فأجاب:
" الصلاة فيه جائزة ولا حرج فيها؛ لأن الذي بناه من مال حرام ربما يكون أراد في بنائه أن يتخلص من المال الحرام الذي اكتسبه، وحينئذٍ يكون بناؤه لهذا المسجد حلالاً إذا قصد به التخلص من المال الحرام، وإن كان التخلص من المال الحرام لا يتعين ببناء المساجد، بل إذا بذله الإنسان في مشروع خيري حصلت به البراءة " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (12/ سؤال رقم 304) وانظر "الشرح الممتع" (4/344) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1365)
حكم شراء مسجد بقرض ربوي
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن جماعة مغاربة مسلمون, مقيمون بألمانيا، ولدينا مكان استأجرناه للصلاة فيه لجميع الأوقات والجمعات والأعياد, ولكثرة المصلين فيه - والحمد لله - منعتنا الحكومة الألمانية من الصلاة فيه, لأنه ضيق وفي مكان غير مناسب, وأردنا الآن شراء مكان كبير خارج البلد, ووافقت لنا السلطة الألمانية على شرائه, ثمن المكان 3 مليون مارك ونصف, ويوجد لدينا مليون مارك ونصف فقط. هل يجوز لنا أن نقترض من البنك المبلغ الباقي لشراء هذا المكان بالربا, وهل يعتبر هذا من الضرورات؟ وإن تم شراؤه بالربا هل تجوز الصلاة فيه إلى أن يوجد أماكن أخرى في هذه البلدة للصلاة؟ أفتونا مأجورين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز لكم الاقتراض بالربا, لأن الله حرم الربا وشدد الوعيد على المرابين, ولعن النبي صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه. ولا يباح الربا بأي حال من الأحوال, ولا تشتروا هذا المكان الذي أشرتم إليه إلا إذا كان عندكم إمكانية مالية بدون اللجوء إلى الربا, وصلوا على حسب استطاعتكم, مجتمعين أو متفرقين إلى جماعات في أمكنة متعددة.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 13/290.(5/1366)
حكم تسمية المسجد باسم شخص معين
[السُّؤَالُ]
ـ[لمعروف أن تسمية المساجد بأسماء الأشخاص غير محبب ويعتبر مكروهاً ما رأيك في ذلك؟ وإن كان صحيحاً ما رأيك في تسمية مسجد السيدة زينب باسمها , ومسجد الحسين , ومسجد أحمد الرفاعي باسمه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما ذكرت من أن تسمية المساجد بأسماء الأشخاص مكروه قد قال به بعض العلماء , إلا أن جمهور العلماء على جواز ذلك بلا كراهة.
قال الإمام البخاري رحمه الله:
" بَاب هَلْ يُقَال مَسْجِد بَنِي فُلان " ثم أورد حديث ابْنِ عُمَرَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي قَدْ أُضْمِرَتْ مِنْ الْحَفْيَاءِ إلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ , وَسَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي لَمْ تُضْمَرْ مِنْ الثَّنِيَّةِ إلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ , وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فِيمَنْ سَابَقَ بِهَا) .
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري":
" يُسْتَفَاد مِنْهُ جَوَازُ إِضَافَة الْمَسَاجِد إِلَى بَانِيهَا أَوْ الْمُصَلِّي فِيهَا , وَيَلْتَحِق بِهِ جَوَاز إِضَافَة أَعْمَال الْبِرّ إِلَى أَرْبَابهَا , وَإِنَّمَا أَوْرَدَ الْمُصَنِّف (الإمام البخاري) التَّرْجَمَة بِلَفْظِ الاسْتِفْهَام لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّ فِيهِ اِحْتِمَالا إِذْ يُحْتَمَل أَنْ يَكُون ذَلِكَ قَدْ عَلِمَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ تَكُون هَذِهِ الإِضَافَة وَقَعَتْ فِي زَمَنه , وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون ذَلِكَ مِمَّا حَدَثَ بَعْده , وَالأَوَّل أَظْهَر وَالْجُمْهُور عَلَى الْجَوَاز , وَالْمُخَالِف فِي ذَلِكَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ فِيمَا رَوَاهُ اِبْن أَبِي شَيْبَة عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَه أَنْ يَقُول مَسْجِد بَنِي فُلان وَيَقُول مُصَلَّى بَنِي فُلان لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ) .
وَجَوَابه: أَنَّ الإِضَافَة فِي مِثْل هَذَا إِضَافَة تَمْيِيز لا مِلْك " انتهى.
وقال ابن العربي في "أحكام القرآن" (4/277) :
" المساجد وإن كانت لله ملكا وتشريفا، فإنها قد نسبت إلى غيره تعريفا , فيقال: مسجد فلان " انتهى.
وقال النووي في "المجموع" (2/208) :
" ولا بأس أن يقال مسجد فلان، ومسجد بني فلان على سبيل التعريف " انتهى.
وعلى هذا؛ فلا حرج من تسمية المسجد باسم شخص معين لكونه هو الذي بناه أو يصلي فيه , وكذلك لا حرج من إطلاق اسم أحد علماء المسلمين أو أعلامهم على المسجد من باب التعريف فقط , لكن لا ينبغي: أن يسمى المسجد باسم من عُرِفَ بالبدعة، لآن في ذلك تعظيماً له، وإغراء للعوام أن يسلكوا طريقته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1367)
أول مسجد بناه النبي صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي مساحة أول مسجد بناه النبي محمد صلى الله عليه وسلم؟ وهل كان به محراب؟ مع ذكر الدليل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أول مسجد بناه النبي صلى الله عليه وسلم هو مسجد قباء في المدينة النبوية.
قال ابن القيم في "زاد المعاد" (3/58) وهو يذكر دخول الرسول صلى الله عليه وسلم المدينة: " وكبَّر المسلمون فرحا بقدومه وخرجوا للقائه.... فسار حتى نزل بقباء في بني عمرو بن عوف، فأقام فيهم أربع عشرة ليلة، وأسس مسجد قباء، وهو أول مسجد أسس بعد النبوة " انتهى بتصرف.
وقال العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله:
" ومن حيث الأولية النسبية: فالمسجد الحرام أول بيت وضع للناس، ومسجد قباء أول مسجد بناه المسلمون، والمسجد الحرام بناه الخليل، ومسجد قباء بناه خاتم المرسلين، والمسجد الحرام كان مكانه باختيار من الله وشبيه به مكان مسجد قباء " انتهى.
" أضواء البيان " (8 / 326) .
ولا نعلم عن مساحته حين بنائه شيئاً، وهو يقع جنوبي المدينة، لكن ببناء حديث ليس فيه من معالم البناء الأول شيء.
وقد اهتم المسلمون بمسجد قباء خلال العصور الماضية فجدده عثمان بن عفان رضي الله عنه، ثم عمر بن عبد العزيز. . . وتتابع الخلفاء على توسيعه وتجديد بنائه، حتى كانت التوسعة الأخيرة في عام 1406 هـ.
وقد بلغت مساحة المصلى وحده 5035 متراً مربعاً، وبلغت المساحة التي يشغلها مبنى المسجد مع مرافق الخدمة التابعة له 13500 متر مربع.
ثانياً:
قد وردت أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم تبين فضل الصلاة في مسجد قباء:
روى البخاري (1193) ومسلم (1399) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِي مَسْجِدَ قُبَاءٍ كُلَّ سَبْتٍ مَاشِيًا وَرَاكِبًا.
وفي رواية لمسلم: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِي مَسْجِدَ قُبَاءٍ رَاكِبًا وَمَاشِيًا فَيُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ) .
وروى الترمذي (324) عن أُسَيْد بْن ظُهَيْرٍ الْأَنْصَارِيَّ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الصَّلَاةُ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ كَعُمْرَةٍ) . صححه الألباني في صحيح الترمذي.
وروى النسائي (699) عن سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ خَرَجَ حَتَّى يَأْتِيَ هَذَا الْمَسْجِدَ مَسْجِدَ قُبَاءَ فَصَلَّى فِيهِ كَانَ لَهُ عَدْلَ عُمْرَةٍ) صححه الألباني في صحيح النسائي.
ثالثاً:
وأما المحراب، فلم يكن به محراب أول ما بُني، وقد ذكر العلماء أن بناء المحاريب في المساجد بدأ في القرن الثاني.
وانظر لمعرفة حكم هذه المحاريب جواب السؤال رقم (68827) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1368)
الذهاب إلى المسجد ماشياً
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الذهاب إلى المسجد راكبا له ثواب الماشي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اعلم أنه قد ورد الأجر العظيم في المشي إلى المسجد , وأن أعظم المصلين أجراً أبعدهم منزلاً.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ , قَالَ: إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ , وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ , وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ , فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ , فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ) رواه مسلم (251) .
وعنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ أَعْظَمَ النَّاسِ أَجْرًا فِي الصَّلاةِ أَبْعَدُهُمْ إِلَيْهَا مَمْشًى فَأَبْعَدُهُمْ) رواه مسلم (662) .
فهذا الحديث وما قبله دليل على فضل المنزل البعيد عن المسجد؛ لحصول كثرة الخُطَا الذي من ثمرته حصول الثواب , وكثرتها تكون ببعد الدار , كما تكون بكثرة التردد إلى المسجد.
وعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَجُلٌ لا أَعْلَمُ رَجُلًا أَبْعَدَ مِنْ الْمَسْجِدِ مِنْهُ وَكَانَ لا تُخْطِئُهُ صَلاةٌ , فَقِيلَ لَهُ أَوْ قُلْتُ لَهُ: لَوْ اشْتَرَيْتَ حِمَارًا تَرْكَبُهُ فِي الظَّلْمَاءِ وَفِي الرَّمْضَاءِ؟ قَالَ مَا يَسُرُّنِي أَنَّ مَنْزِلِي إِلَى جَنْبِ الْمَسْجِدِ , إِنِّي أُرِيدُ أَنْ يُكْتَبَ لِي مَمْشَايَ إِلَى الْمَسْجِدِ , وَرُجُوعِي إِذَا رَجَعْتُ إِلَى أَهْلِي , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (قَدْ جَمَعَ اللَّهُ لَكَ ذَلِكَ كُلَّهُ) رواه مسلم (663) .
فانظر أخي المسلم إلى هذا الثواب العظيم من الرب الكريم , حيث دل الحديث على إثبات الأجر في الخطا في الرجوع من الصلاة كما في الذهاب إليها , ولهذا آثر هذا الصحابي رضي الله عنه المشي على قدميه مع بعد داره عن المسجد.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ مَشَى إِلَى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ لِيَقْضِيَ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ كَانَتْ خَطْوَتَاهُ إِحْدَاهُمَا تَحُطُّ خَطِيئَةً , وَالأُخْرَى تَرْفَعُ دَرَجَةً) رواه مسلم (666) .
وعَنْ بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (بَشِّرْ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رواه أبو داود (561) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
قال في دليل الفاتحين (3/558-559) : " الظُّلَم: جمع ظلمة، وهي تعم ظلمة العشاء والفجر. وفي الحديث: فضل المشي إلى الصلاة سواء كان المشي طويلاً أو قصيراً , وفضل المشي إليها للجماعات في ظلم الليل " انتهى.
وهذا الفضل ثابت ـ إن شاء الله ـ لمن صلى العشاء والفجر مع الجماعة , ولو كانت الطرق مضاءة. لأن هاتين الصلاتين في ظلمة الليل.
فهذه الأحاديث وغيرها فيها حث للمسلم على أن يجتهد في إتيان المسجد ماشياً لا راكباً ولو كانت داره بعيدة , ما لم تكن مشقة أو عذر ككبر ونحوه , وألا يعوَّد نفسه ركوب السيارة , إذا كان المسجد تصله القدم بلا مشقة.
ومع هذه الفضائل العظيمة في المشي إلى المسجد من محو الخطايا ورفع الدرجات والأجر العظيم والنور التام يوم القيامة؛ فإن هناك فوائد أخرى عظيمة تعود على البدن:
إن المشي إلى المسجد هو رياضة بحد ذاته , وفوائده لا تحصى؛ وله دور كبير في تقوية الجسم وتنشيطه بإذن الله تعالى؛ ليكون أهلاً لمقاومة الأمراض والآفات.
إن السعي إلى بيوت الله كل يوم في أوقات معلومة متقطعة يكفي لتمرين العضلات وتنشيط الأوصال وتحسين حالة الجسم , كما أن المشي إلى المساجد يساهم في الوقاية من الأمراض التي يسببها الخمول وكثرة الجلوس وعلى رأسها السمن؛ لأن المشي يعمل على إذابة الشحوم والدهون.
كما أن المشي علاج لأمراض القلب حيث إنه يعطي القلب ـ بإذن الله ـ القدرة على العمل وتحمل الجهود , حيث تكون الدورة الدموية أكثر انتظاماً.
كما أن المشي إلى المسجد علاج للتعب الذهني والتفكير الطويل؛ إذ إنه يعيد العقل إلى حالته الطبيعية , ويساعد على الاسترخاء العصبي والعضلي.
وبالجملة ففي المشي إلى بيوت الله تعالى من الفوائد الصحية الشيء الكثير مما أبان عنه الطب الحديث , وهي فوائد عاجلة ينعم الله تعالى بها على عبده المؤمن في الدنيا حيث لبى النداء وأجاب داعي الله , وهناك الأجر العظيم والنور التام في الدار الآخرة إن شاء الله.
انظر: " أحكام حضور المساجد" (60-62) لفضيلة الشيخ عبد الله الفوزان.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1369)
الصلاة بالنعال في المسجد المفروش بالسجاد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الصلاة في النعال في مسجد الجامعة، بحجة أن الحذاء يصعب فكه وربطه مع ضيق الوقت؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الصلاة بالنعال من الأمور المباحة، بل أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم مخالفةً لليهود، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يصلون بنعالهم، وقد أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن ينظروا فيها خشية أن يكون فيها قذر، وقد خلع النبي صلى الله عليه وسلم نعله في الصلاة لإخبار جبريل له بوجود أذى فيه، فخلع الصحابة نعالهم، وكل هذه الأحاديث صحيحة، وستأتي في فتوى علماء اللجنة الدائمة بنصها وتخريجها.
ولا شك أن مساجدهم لم تكن مفروشة بالسجاد بل بالرمل والحصباء، فكانت لا تتأثر بدخولها بالنعال، أما المساجد اليوم وقد فرشت بالسجاد فدخولها بالنعال قد يؤدي إلى تراكم الأوساخ في المسجد، وقد يتهاون البعض فيدخلون المساجد بأحذيتهم وعليها قاذورات أو نجاسة.
ولو أنه سمح لكل مصل أن يصلي بنعاله على السجاد لاحتجنا إلى مجموعات من العمال لتقوم بتنظيف المسجد بعد كل صلاة ولا نقول في كل يوم، ولا نظن أن من يقبل بهذا يرضى أن يصلي على سجاد مليء بالغبار والأتربة، فضلاً عن غير ذلك من القاذورات أو النجاسات إذا تهاون الناس.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة:
حصل خلاف في حكم دخول المساجد بالأحذية والصلاة فيها، فما حكم الشرع في ذلك؟
فأجابوا:
" مِن هدي الرسول صلى الله عليه وسلم دخول المسجد بالنعل والصلاة فيها؛ فروى أبو داود في سننه بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره فلما رأى ذلك القوم ألقوا نعالهم، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته قال: (ما حملكم على إلقائكم نعالكم؟) قالوا: رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن جبريل عليه السلام أتاني فأخبرني أن فيهما قذراً) ، وقال: (إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر، فإن رأى في نعليه قذراً أو أذى فليمسحه وليصل فيهما) وروى أبو داود أيضا عن يعلى بن شداد بن أوس عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم) ، وروى أبو داود أيضا عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي حافياً ومنتعلاً) ، وأخرجه ابن ماجه.
لكن بعد أن فرشت المساجد بالفرش الفاخرة - في الغالب - ينبغي لمن دخل المسجد أن يخلع نعليه رعاية لنظافة الفرش، ومنعاً لتأذي المصلين بما قد يصيب الفرش مما في أسفل الأحذية من قاذورات وإن كانت طاهرة.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (6/213، 214) .
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: ما حكم الصلاة في النعال؟
فأجاب:
" حكمها الاستحباب بعد التأكد من نظافتها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في نعليه، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (إن اليهود والنصارى لا يصلون في خفافهم ولا في نعالهم فخالفوهم) ومن صلى حافيا فلا بأس؛ لأنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي في بعض الأحيان حافيا لا نعل عليه.
وإذا كان المسجد مفروشا فإن الأولى خلعها؛ حذراً من توسيخ الفرش، وتنفير المسلمين من السجود عليها " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز"
وقال الشيخ الألباني رحمه الله: "وقد نصحت إخواننا السلفيين أن لا يتشددوا في هذه المسألة - أي الصلاة بالنعال في المساجد - لما هناك من فارق بين المساجد اليوم المفروشة بالسجاد الفاخر، وبين ما كان عليه المسجد النبوي في زمنه الأول، وقد قرنت لهم ذلك بِمَثَلٍ من السنة في قصة أخرى: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر من بادره البصاق أو المخاط وهو يصلي أن يبصق عن يساره أو تحت قدميه، وهذا أمر واضح أن هذا يتماشى مع كون الأرض - أرض المسجد التي سيضطر للبصاق فيها - من الرمل أو الحصباء، فاليوم المصلَّى مسجد مفروش بالسجاد، فهل يقولون إنه يجوز أن يبصق على السجاد؟! فهذه كتلك " انتهى.
وهذا الذي قاله الشيخ الألباني رحمه الله قد قاله من قبل الإمام أحمد رحمه الله.
فقد نقل ابن رجب رحمه الله في "فتح الباري" عن بكر بن محمد قال: قلت لأبي عبد الله - يعني: الإمام أحمد بن حنبل -: ما ترى في الرجل يبزق في المسجد ثم يدلكه برجله؟ قال: هذا ليس هو في كل الحديث. قال: والمساجد قد طرح فيها بواري ليس كما كانت.
قال: فأعجب إلي إذا أراد أن يبزق وهو يصلي أن يبزق عن يساره إذا كان البزاق يقع في غير المسجد، يقع خارجاً، وإذا كان في مسجد ولا يمكنه أن يقع بزاقه خارجاً أن يجعله في ثوبه " انتهى.
البواري: الحصير المنسوج. كما في "القاموس المحيط".
فذكر رحمه الله أن البزاق في المسجد ودلكه بالرِّجْل إنما كان لما كانت المساجد غير مفروشة.
وإذا كان خلع النعال فيه صعوبة، مثل ما يلبسه العسكريون فيجوز لهم الصلاة بحذائهم بشرط التأكد من نظافته.
سئل علماء اللجنة الدائمة:
ما حكم دخول المسجد بالحذاء (البسطار) خاصة وأن العسكريين تطلب عملهم لبس الحذاء دائماً، علماً بأن المساجد مفروشة؟
فأجابوا:
" يجوز دخول المسجد بالحذاء والصلاة به إذا كان طاهراً، مع مراعاة العناية به عند دخول المسجد حتى لا يكون به أذى " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (6/215، 216) .
وعلى هذا فالأولى عدم الصلاة في المساجد بالنعال الآن، إلا لمن عليه مشقة من خلع نعليه، فيصلي بهما بعد التأكد من نظافتهما، وعدم أذية من بجانبه، وإذا كان هذا سيؤدي إلى نوع من الاختلاف والبغضاء والتنفير فالأولى أن يخلع نعليه حرصاً على حصول الألفة بين المسلمين، وعدم ما يسبب العداوة والبغضاء، ويمكن للمسلم أن يؤدي السنة، ويمتثل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة في نعليه، حيث لا يترتب على ذلك مفسدة، كما لو صلاها في بيته، أو إذا صلى على أرض غير مفروشة ونحو ذلك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1370)
حكم تركيب أجهزة صدى الصوت في المساجد
[السُّؤَالُ]
ـ[انتشر في المساجد في السنوات الأخيرة تركيب جهاز يسمى جهاز ترديد الصدى يضاف إلى مكبر الصوت لتضخيمه وترديد صداه في جنبات المسجد فما حكم تركيب هذا الجهاز؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" إذا كان لا يحصل من جهاز ترديد الصدى إلا تحسين الصوت داخل المسجد فلا بأس به؛ أما إذا كان يحصل منه ترديد الحروف فحرام؛ لأنه يلزم منه زيادة حرف أو حرفين في التلاوة , فيغير كلام الله تعالى عما أنزل عليه , قال في كتاب "الإقناع": " وكره أحمد قراءة الألحان وقال: وهي بدعة. فإن حصل معها تغيير نظم القرآن وجعل الحركات حروفاً حرم " انتهى كلامه.
وأما إذا كان الصوت يخرج عن المسجد من فوق المنارة فإن كان ليس حوله مساجد يشوش عليهم أو مساكن يتأذى أهلها بالصوت فأرجو أن لا يكون بذلك حرج , وأما إذا كان حوله مساجد يشوش عليهم أو مساكن يتأذى أهلها بالصوت فلا يرفعه من فوق المنارة لما في ذلك من أذية الآخرين والتشويش عليهم , وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قَالَ: اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ فَسَمِعَهُمْ يَجْهَرُونَ بِالْقِرَاءَةِ فَكَشَفَ السِّتْرَ وَقَالَ: (أَلا إِنَّ كُلَّكُمْ مُنَاجٍ رَبَّهُ فَلا يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَلا يَرْفَعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقِرَاءَةِ أَوْ قَالَ فِي الصَّلاةِ) أخرجه أبو داود، ونحوه عن البياضي فروة بن عمرو رواه مالك في الموطأ , قال ابن عبد البر: حديث البياضي وأبي سعيد ثابتان صحيحان. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: ليس لأحد أن يجهر بالقراءة بحيث يؤذي غيره كالمصلين " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (15/160) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1371)
حكم المحراب الذي في المساجد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم بناء المحراب في قبلة المسجد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المحراب الذي يصلي فيه الإمام في المسجد لم يكن موجودا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم , ولا في القرن الأول، وإنما ظهر في القرن الثاني وتتابع المسلمون على بنائه في مساجدهم لما فيه من المصلحة، كدلالة الداخل إلى المسجد على جهة القبلة.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة:
المحراب في المسجد، هل كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
فأجابوا:
" لم يزل المسلمون يعملون المحاريب في المساجد في القرون المفضلة وما بعدها؛ لما في ذلك من المصلحة العامة للمسلمين، ومن ذلك بيان القبلة، وإيضاح أن المكان مسجد " انتهى.
" فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " (6 / 252، 253) .
وذهب بعض العلماء إلى أن اتخاذ هذه المحاريب بدعة، ويُنهى عنها، واستدلوا بما رواه الطبراني والبيهقي في سننه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اتقوا هذه المذابح) . يعني: المحاريب. صححه الألباني في صحيح الجامع (120) .
ولكن يجاب عن هذا الاستدلال بأن المحاريب في هذا الحديث ليست هي المحاريب التي في المساجد، وإنما المراد بذلك صدور المجالس، فهذا نهي من النبي صلى الله عليه وسلم عن التصدر في المجلس، لما يُخشى منه من حصول الرياء أو شيء من العجب في صاحبه.
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد": قلت: المحاريب صدور المجالس. انتهى.
وقال ابن الأثير في "النهاية":
المحْرابُ: المَوْضع العَالي المُشْرِفُ، وهُو صَدْر المَجْلس أيضاً، ومنه سُمّي محْراب المسْجد، وهو صَدْرُه وأشْرَف مَوْضِع فيه. انتهى.
وقال المناوي في "فيض القدير":
أي: تجنبوا تحري صدور المجالس يعني التنافس فيها، ووقع للمصنف (يعني السيوطي) أنه جعل هذا نهياً عن اتخاذ المحاريب في المساجد والوقوف فيها وقال: خفي على قوم كون المحراب بالمسجد بدعة وظنوا أنه كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن في زمنه ولا في زمن أحد من خلفائه بل حدث في المئة الثانية مع ثبوت النهي عن اتخاذه. . .
ثم قال المناوي: أقول: وهذا بناء منه على ما فهمه من لفظ الحديث أن مراده بالمحراب ليس إلا ما هو المتعارف في المسجد الآن، ولا كذلك، فإن الإمام الشهير المعروف بابن الأثير قد نص على أن المراد بالمحاريب في الحديث صدور المجالس. . . واقتفاه في ذلك جمع جازمين به ولم يحكوا خلافه منهم الحافظ الهيتمي وغيره. . . انتهى.
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن موسى الجهني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال أمتي بخير ما لم يتخذوا في مساجدهم مذابح كمذابح النصارى) .
وهذا الحديث إن صح، فالمراد بهذا النهي إذا اتخذت محاريب كمحاريب النصارى، فإما إن كانت ليست كمحاريب النصارى فلا يُنهى عنها.
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
عن حكم اتخاذ المحاريب في المساجد؟ وما الجواب عما روي من النهي عن مذابح كمذابح النصارى؟
فأجاب: " اختلف العلماء رحمهم الله في اتخاذ المحراب هل هو سنة، أو مستحب، أو مباح؟ والذي أرى أن اتخاذ المحاريب مباح، وهذا هو المشهور من المذهب، ولو قيل باستحبابه لغيره لما فيه من المصالح الكثيرة، ومنها تعليم الجاهل القبلة: لكان حسناً.
وأما ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: " النهي عن مذابح كمذابح النصارى " أي: المحاريب: فهذا النهي وارد على ما إذا اتخذت محاريب كمحاريب النصارى، أما إذا اتخذت محاريب متميزة للمسلمين فإن هذا لا ينهى عنه " انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (12 / السؤال رقم 326) .
وسئل – أيضاً -:
عدَّ بعض أهل العلم المحاريب في المساجد من البدع ومن التشبه بالكافرين، فهل هذا القول صحيح؟
فأجاب:
" هذا القول - فيما أرى - غير صحيح؛ وذلك لأن الذين يتخذونه إنما يتخذونه علامة على القبلة، ودليلاً على جهتها.
وما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ مذابح كمذابح النصارى: فإن المراد به أن نتخذ محاريب كمحاريب النصارى، فإذا تميزت عنها زال الشبه " انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (12 / السؤال رقم 327) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1372)
هل يأخذ أجر الصف الأول ولو لم يكن في المسجد إلا صف واحد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الأفضل أن أذهب إلى مسجد به عدد كبير من المصلين حتى إن كان بعيداً؟ وهل آخذ ثواب "الصف الأول" إذا كان المسجد الذي أصلي فيه به صف واحد فقط؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
قد دلت الأدلة على أن أجر صلاة الجماعة يزداد بكثرة عدد المصلين، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (38194) .
وخطواتك إلى المسجد – مهما بعُد – مكتوب لك أجرها عند الله، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (وَكُلُّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا إِلَى الصَّلاةِ صَدَقَةٌ) رواه البخاري (2989) ومسلم (1009) .
وروى مسلم (665) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ: خَلَتْ الْبِقَاعُ حَوْلَ الْمَسْجِدِ فَأَرَادَ بَنُو سَلِمَةَ أَنْ يَنْتَقِلُوا إِلَى قُرْبِ الْمَسْجِدِ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُمْ: (إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَنْتَقِلُوا قُرْبَ الْمَسْجِدِ) قَالُوا نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَرَدْنَا ذَلِكَ. فَقَالَ: (يَا بَنِي سَلِمَةَ دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ) .
قال النووي رحمه الله: " معناه الزموا دياركم فإنكم إذا لزمتموها كتبت آثارُكم وخطاكم الكثيرة إلى المسجد. وبنو سلِمة، قبيلة معروفة من الأنصار رضي الله عنهم " انتهى من "شرح مسلم" (5/169) .
وينبغي أن يُعلم أن المفاضلة بين الصلاة في مسجد ومسجد، تدخل فيها أمور أخرى غير كثرة العدد وكثرة الخطى، كالتزام الإمام والمأمومين بالسنة، وحرصهم على إقامة الصلاة كما أمر الله تعالى، من الخشوع والطمأنينة وتسوية الصفوف وغير ذلك مما يتمم الصلاة ويكملها. وقد يكون في بعض المساجد حلقات للتعليم أو تحفيظ كتاب الله تعالى، فينبغي أن يكون للإنسان حظ من ذلك، وألا يفرط فيه ولو كان المسجد أقل عددا.
والفقه أن يوازن الإنسان بين مراتب الأعمال، وأن يعرف الفاضل من المفضول، وأن يجتهد في تحصيل الأجر والثواب ما أمكنه.
ثانيا:
جاء في فضل الصف الأول أحاديث، منها ما رواه البخاري (615) ومسلم (437) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاسْتَهَمُوا) .
ومعنى (استهموا) : أي اقترعوا، ويدل عليه رواية مسلم (439) : (لَوْ تَعْلَمُونَ أَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ لَكَانَتْ قُرْعَةً) .
وروى أبو داود (664) والنسائي (811) عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَلَّلُ الصُّفُوفَ مِنْ نَاحِيَةٍ إِلَى نَاحِيَةٍ، يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا وَصُدُورَنَا، وَيَقُولُ: (لا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ) وَكَانَ يَقُولُ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الصُّفُوفِ الْمُتَقَدِّمَةِ) . صححه الألباني في صحيح النسائي.
ورواه ابن ماجه (997) بلفظ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الصَّفِّ الأَوَّلِ) .
والصف الأول: المراد به ما يلي الإمام مطلقا، سواء تخلله شيء كمقصورة أو لا. وقيل: هو أول صف تام يلي الإمام، وقيل: المراد به من سبق إلى الصلاة ولو صلى آخر الصفوف.
قال النووي رحمه الله: " القول الأول هو الصحيح المختار، وبه صرح المحققون، والقولان الآخران غلط صريح " انتهى نقلا عن "فتح الباري" (2/244) .
ولا فرق بين أن يكون في المسجد صف واحد أو صفوف، فما يلي الإمام هو الصف الأول، الموعود أهله بذلك الفضل، إن شاء الله، لعموم الأحاديث.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1373)
حكم حجز المكان في الصف الأول والابتعاد عنه فترة طويلة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الاعتكاف في المسجد النبوي في الصف الأول وحجز المكان عند الذهاب للنوم في مؤخرة المسجد ثم العودة للمكان في الصف الأول؟ وهل يجوز النوم في الصف الأول حين لا يكون وقت صلاة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز لمن كان بالمسجد أن يضع سجادة ونحوها مكانه، وينام في آخر المسجد، ثم يعود إلى مكانه، ولو كان ذلك في الصف الأول، ما لم تُقَم الصلاة، فإن أقيمت الصلاة ولم يحضر فلا حق له في المكان، وترفع سجادته.
وكذلك لو خرج من المسجد لعذر، كذهابه للوضوء، ثم عاد فهو أحق بمكانه. وإذا انتهى عذره ثم تهاون في الرجوع وتأخر، فلا حق له.
ودليل هذه المسألة ما رواه مسلم (2179) عن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ) .
قال ابن قدامة في "المغني" (2/101) :
" إٍذا جلس في مكان , ثم بدت له حاجة , أو احتاج إلى الوضوء , فله الخروج. . . . فإذا قام من مجلسه , ثم رجع إليه فهو أحق به , لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ) " انتهى باختصار.
وقال في "مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى " (1/786) :
" والعائد قريبا من قيامه لعارضٍ لَحِقَه كتطهرٍ أحق بمكانه الذي كان سبق إليه من كل أحد. فلو جلس فيه أحد , فله إقامته. . . وقيده في "الوجيز" بما إذا عاد ولم يتشاغل بغيره " انتهى باختصار.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع (5/135) : وهو يقرر تحريم حجز المكان في المسجد والخروج منه ـ قال:
" والصحيح في هذه المسألة أن الحجز والخروج من المسجد لا يجوز، وأن للإنسان أن يرفع المصلَّى المفروش؛ لأن القاعدة: (ما كان وضعه بغير حق فرفعه حق) ، لكن لو خيفت المفسدة برفعه من عداوة أو بغضاء، أو ما أشبه ذلك، فلا يُرفع، لأن درأ المفاسد أولى من جلب المصالح، وإذا علم الله من نيتك أنه لولا هذا المصلى المفروش لكنت في مكانه، فإن الله قد يثيبك ثواب المتقدمين؛ لأنك إنما تركت هذا المكان المتقدم من أجل العذر.
وقوله: "ما لم تحضر الصلاة" أي: فإن حضرت الصلاة بإقامتها فلنا رفعه؛ لأنه في هذه الحال لا حرمة له، ولأننا لو أبقيناه لكان في الصف فرجة، وهذا خلاف السنة.
ويستثنى من القول الراجح من تحريم وضع المصلَّى؛ ما إذا كان الإنسان في المسجد، فله أن يضع مصلَّى بالصف الأول، أو أي شيء يدل على الحجز، ثم يذهب في أطراف المسجد لينام، أو لأجل أن يقرأ قرآناً، أو يراجع كتاباً، فهنا له الحق؛ لأنه ما زال في المسجد، لكن إذا اتصلت الصفوف لزمه الرجوع إلى مكانه؛ لئلا يتخطى رقاب الناس.
وكذلك يستثنى أيضاً ما ذكره المؤلف:
بقوله: "ومن قام من موضعه لعارِضٍ لَحِقَه، ثم عاد إليه قريباً فهو أحق به"، فإذا حجز الإنسان المكان، وخرج من المسجد لعارض لحقه، ثم عاد إليه فهو أحق به، والعارض الذي يلحقه مثل أن يحتاج للوضوء، أو أصيب بأي شيء اضطره إلى الخروج، فإنه يخرج، وإذا عاد فهو أحق به.
ولكن المؤلف اشترط فقال: "ثم عاد إليه قريباً" فظاهر كلام المؤلف أنه لو تأخر طويلاً فليس أحق به، فلغيره أن يجلس فيه.
وقال بعض العلماء: بل هو أحق، ولو عاد بعد مدة طويلة إذا كان العذر باقياً، وهذا القول أصح؛ لأن استمرار العذر كابتدائه، فإنه إذا جاز أن يخرج من المسجد، ويُبقي المصلَّى إذا حصل له عذر، فكذلك إذا استمر به العذر، لكن من المعلوم أنه لو أقيمت الصلاة، ولم يزل غائباً فإنه يرفع.
قال في "الروض": (ولم يقيده الأكثر بالعود قريباً) أي: أكثر أصحاب الإمام أحمد لم يقيدوه بالعود قريباً، كما هو ظاهر الحديث.
ولكن الذي ذكرناه قول وسط، وهو: أنه إذا عاد بعد مدة طويلة بناء على استمرار العذر فهو أحق به، أما إن انتهى العذر، ولكنه تهاون وتأخر، فلا يكون أحق به ". انتهى باختصار
انتهى من "الشرح الممتع" (5/135) .
ولا حرج على المعتكف وغيره لو نام في الصف الأول، فيما بين الصلوات، ما لم يكن في ذلك أذى أو تضييق على غيره، فالأولى حينئذ أن يتنحى عن الصفوف الأولى.
والأحسن أن يتجنب النوم في الصفوف الأولى مرعاةً للناس، فإنهم يستهجنون هذا الفعل، ويستقبحونه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1374)
حكم مد المصلين أرجلهم باتجاه المصاحف
[السُّؤَالُ]
ـ[يقوم بعض المصلين بمد أرجلهم بعد الصلاة لإراحتها، ولكن غالبا يكون أمامهم مصاحف، وكنت قد سمعت فتوى لابن تيمية بهذا الخصوص، ولكن لا أتذكرها. هلا أسعفتمونا بها وذكرتم حكم هذا العمل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" أجمع العلماء على وجوب صيانة المصحف واحترامه " "المجموع" للنووي (2/84) .
ومد الرجل إلى المصحف فيه نوع من إساءة الأدب.
لذلك ذهب جماعة من العلماء إلى كراهة هذا الفعل، ومنهم من ذهب إلى تحريمه.
قال في "البحر الرائق" (2/36) – وهو من كتب المذهب الحنفي -:
" يكره أن يمد رجليه في النوم وغيره إلى المصحف أو كتب الفقه إلا أن تكون على مكان مرتفع عن المحاذاة " انتهى باختصار.
وقال في "الإقناع" (1/62) – وهو من كتب المذهب الحنبلي -
" ويكره مد الرجلين إلى جهته (أي: المصحف) وفي معناه: استدباره وتخطيه " انتهى.
وقال ابن مفلح في "الأداب الشرعية" (2/285) :
" ويكره توسد المصحف. . . واختار ابن حمدان التحريم وقطع به في المغني , وكذا سائر كتب العلم إن كان فيها قرآن، وإلا كره فقط. ويقرب من ذلك: مد الرجلين إلى شيء من ذلك. وقال الحنفية: يكره، لما فيه من أسماء الله تعالى، وإساءة الأدب " انتهى باختصار.
وذهب بعض الشافعية أيضاً إلى التحريم، كما في "تحفة المحتاج" (1/155) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: توضع المصاحف في المساجد على حوامل، فبعض الناس يجلس ويمد رجليه، وقد تصادف أن تكون إلى جهة هذه الحوامل، وتكون قريبة منها، أو تحتها، فإذا كان الجالس لا يقصد إهانة المصحف، فهل يلزمه كف رجليه عن هذه المصاحف؟ أو يغير مكان المصاحف؟ وهل ننكر على من فعل ذلك؟
فأجاب:
" لا شك أن تعظيم كتاب الله عز وجل من كمال الإيمان، وكمال تعظيم الإنسان لربه تبارك وتعالى. ومد الرجل إلى المصحف أو إلى الحوامل التي فيها المصاحف أو الجلوس على كرسي أو ماصة (طاولة) تحتها مصحف ينافي كمال التعظيم لكلام الله عز وجل، ولهذا قال أهل العلم: إنه يكره للإنسان أن يمد رجله إلى المصحف؛ هذا مع سلامة النية والقصد، أما لو أراد الإنسان إهانة كلام الله فإنه كفر؛ لأن القرآن الكريم كلام الله تعالى.
وإذا رأيتم أحداً قد مد رجليه إلى المصحف سواء كان على حامل أو على الأرض، أو رأيتم أحداً جالساً على شيء وتحته مصحف فأزيلوا المصحف عن أمام رجليه، أو عن الكرسي الذي هو جالس عليه، أو قولوا له: لا تمد رجليك إلى المصحف، احترم كلام الله عز وجل.
والدليل: ما ذكرتُه من أن ذلك ينافي كمال التعظيم لكلام الله، ولهذا لو أن رجلا محترماً عندك أمامك ما استطعت أن تمد رجليك إليه تعظيماً له، فكتاب الله أولى بالتعظيم " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" المجلد الثالث.
وأما عن فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية في ذلك، فقد بحثنا عنها ولم نجدها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1375)
وجود قبر النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده مع النهي عن اتخاذ القبور مساجد
[السُّؤَالُ]
ـ[الحديث الشريف: (لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ... الخ) . فما القول في أن قبر الرسول عليه الصلاة والسلام موجود داخل مسجده بالمدينة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد تكلم العلماء قديماً وحديثاً في هذه المسألة، وردوا على من استدل بوجود قبر النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده على جواز اتخاذ القبور مساجد، أو إدخال القبور في المساجد، وسنذكر هاهنا فتاوى لبعض علمائنا المحققين، وفيها تفصيل ما في السؤال من إشكال.
1. قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
" هنا شبهة يشبه بها عُبَّاد القبور، وهي: وجود قبر النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده، والجواب عن ذلك: أن الصحابة رضي الله عنهم لم يدفنوه في مسجده، وإنما دفنوه في بيت عائشة رضي الله عنها، فلما وَسَّعَ الوليد بن عبد الملك مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في آخر القرن الأول أدخل الحجرة في المسجد، وقد أساء في ذلك، وأنكر عليه بعض أهل العلم، ولكنه اعتقد أن ذلك لا بأس به من أجل التوسعة.
فلا يجوز لمسلم أن يحتج بذلك على بناء المساجد على القبور، أو الدفن في المساجد؛ لأن ذلك مخالف للأحاديث الصحيحة؛ ولأن ذلك أيضا من وسائل الشرك بأصحاب القبور " انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (5/388، 389) .
2. سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله عن حكم الصلاة في مسجد فيه قبر؟
فأجاب:
" الصلاة في مسجد فيه قبر على نوعين:
الأول: أن يكون القبر سابقاً على المسجد، بحيث يبنى المسجد على القبر، فالواجب هجر هذا المسجد وعدم الصلاة فيه، وعلى من بناه أن يهدمه، فإن لم يفعل وجب على ولي أمر المسلمين أن يهدمه.
والنوع الثاني: أن يكون المسجد سابقاً على القبر، بحيث يدفن الميت فيه بعد بناء المسجد، فالواجب نبش القبر، وإخراج الميت منه، ودفنه مع الناس.
وأما المسجد فتجوز الصلاة فيه بشرط أن لا يكون القبر أمام المصلي، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة إلى القبور.
أما قبر النبي صلى الله عليه وسلم الذي شمله المسجد النبوي فمن المعلوم أن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بُنِيَ قبل موته فلم يُبْنَ على القبر، ومن المعلوم أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدفن فيه، وإنما دفن في بيته المنفصل عن المسجد، وفي عهد الوليد بن عبد الملك كتب إلى أميره على المدينة وهو عمر بن عبد العزيز في سنة 88 من الهجرة أن يهدم المسجد النبوي ويضيف إليه حجر زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، فجمع عمر وجوه الناس والفقهاء وقرأ عليهم كتاب أمير المؤمنين الوليد فشق عليهم ذلك، وقالوا: تَرْكُها على حالها أدعى للعبرة، ويحكى أن سعيد بن المسيب أنكر إدخال حجرة عائشة، كأنه خشي أن يتخذ القبر مسجداً فكتب عمر بذلك إلى الوليد فأرسل الوليد إليه يأمره بالتنفيذ فلم يكن لعمر بُدٌّ من ذلك، فأنت ترى أن قبر النبي صلى الله عليه وسلم لم يوضع في المسجد، ولم يُبْنَ عليه المسجد، فلا حجة فيه لمحتج على الدفن في المساجد أو بنائها على القبور، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد "، قال ذلك وهو في سياق الموت تحذيراً لأمته مما صنع هؤلاء، ولما ذكرت له أم سلمة رضي الله عنها كنيسة رأتها في أرض الحبشة وما فيها من الصور قال: " أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح، أو العبد الصالح بنوا على قبره مسجداً، أولئك شرار الخلق عند الله "، وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن مِن شرار الناس مَن تدركهم الساعة وهم أحياء، والذين يتخذون من القبور مساجد " أخرجه الإمام أحمد بسند جيد.
والمؤمن لا يرضى أن يسلك مسلك اليهود والنصارى، ولا أن يكون من شرار الخلق. "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (12/السؤال رقم 292) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1376)
هل يجوز عمل مصلى تكون فيه النساء أمام الإمام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم عمل مكان مخصص لصلاة النساء (التراويح) أمام المسجد (أي: سيكون المصلى مقدماً على الإمام يفصل بينهم جدار المسجد) وليس هناك مكان آخر لصلاة النساء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الأفضل للمرأة أن تصلي في بيتها، فعن أُمِّ حُمَيْدٍ امْرَأَةِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهَا جَاءَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُحِبُّ الصَّلاةَ مَعَكَ. قَالَ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكِ تُحِبِّينَ الصَّلاةَ مَعِي، وَصَلاتُكِ فِي بَيْتِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي حُجْرَتِكِ، وَصَلاتُكِ فِي حُجْرَتِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلاتِكِ فِي دَارِكِ، وَصَلاتُكِ فِي دَارِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ، وَصَلاتُكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي مَسْجِدِي. قَالَ: فَأَمَرَتْ فَبُنِيَ لَهَا مَسْجِدٌ فِي أَقْصَى شَيْءٍ مِنْ بَيْتِهَا وَأَظْلَمِهِ، فَكَانَتْ تُصَلِّي فِيهِ حَتَّى لَقِيَتْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ.
رواه أحمد (26550) وصححه ابن خزيمة (1689) ، وحسَّنه الشيخ الألباني في "صحيح الترغيب" (340) .
قال عبد العظيم آبادي رحمه الله:
ووجه كون صلاتهن في البيوت أفضل للأمن من الفتنة، ويتأكد ذلك بعد وجود ما أحدث النساء من التبرج والزينة.
"عون المعبود" (2/193) .
ومع ذلك: فإذا أرادت المرأة أن تذهب إلى المسجد للصلاة فلا يجوز لأحد منعها إذا التزمت بالشروط الشرعية لخروجها، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمْ الْمَسَاجِدَ إِذَا اسْتَأْذَنَّكُمْ إِلَيْهَا) رواه البخاري (865) ومسلم (442) .
وانظر السؤال (9232) .
ثانياً:
الأصل في صلاة الجماعة أن يكون المأموم خلف إمامه، وقد اختلف العلماء في حكم من صلَّى أَمام إمامه على أقوال، أصحها: الجواز للعذر.
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
هل تجزئ الصلاة قدام الإمام أو خلفه في المسجد وبينهما حائل أم لا؟
فأجاب:
" أما صلاة المأموم قدَّام الإمام: ففيها ثلاثة أقوال للعلماء:
أحدها: أنها تصح مطلقا , وإن قيل: إنها تكره , وهذا القول هو المشهور من مذهب مالك , والقول القديم للشافعي.
والثاني: أنها لا تصح مطلقا , كمذهب أبي حنيفة , والشافعي , وأحمد في المشهور من مذهبهما.
والثالث: أنها تصح مع العذر دون غيره، مثل ما إذا كان زحمة فلم يمكنه أن يصلي الجمعة أو الجنازة إلا قدام الإمام , فتكون صلاته قدام الإمام خيراً له من تركه للصلاة.
وهذا قول طائفة من العلماء , وهو قولٌ في مذهب أحمد وغيره، وهو أعدل الأقوال وأرجحها؛ وذلك لأن ترك التقدم على الإمام غايته أن يكون واجبا من واجبات الصلاة في الجماعة , والواجبات كلها تسقط بالعذر، وإن كانت واجبة في أصل الصلاة , فالواجب في الجماعة أولى بالسقوط ; ولهذا يسقط عن المصلي ما يعجز عنه من القيام , والقراءة , واللباس , والطهارة , وغير ذلك.
وأما الجماعة فإنه يجلس في الأوتار لمتابعة الإمام (يعني يجلس بعد الركعة الأولى والثالثة، وهذا فيمن دخل الصلاة متأخراً ركعة) , ولو فعل ذلك منفردا عمدا بطلت صلاته , وإن أدركه ساجدا أو قاعدا كبر وسجد معه , وقعد معه ; لأجل المتابعة، مع أنه لا يعتد له بذلك , ويسجد لسهو الإمام , وإن كان هو لم يسه.
وأيضاً: ففي صلاة الخوف لا يستقبل القبلة , ويعمل العمل الكثير ويفارق الإمام قبل السلام , ويقضي الركعة الأولى قبل سلام الإمام , وغير ذلك مما يفعله لأجل الجماعة , ولو فعله لغير عذر بطلت صلاته ... .
والمقصود هنا: أن الجماعة تفعل بحسب الإمكان , فإذا كان المأموم لا يمكنه الائتمام بإمامه إلا قدامه كان غاية [ما] في هذا أنه قد ترك الموقف لأجل الجماعة , وهذا أخف من غيره , ومثل هذا أنه منهي عن الصلاة خلف الصف وحده , فلو لم يجد من يصافه ولم يجذب أحدا يصلي معه صلى وحده خلف الصف , ولم يَدَعْ الجماعة , كما أن المرأة إذا لم تجد امرأة تصافها فإنها تقف وحدها خلف الصف , باتفاق الأئمة، وهو إنما أُمِرَ بالمصافة مع الإمكان لا عند العجز عن المصافة.
" الفتاوى الكبرى " (2 / 331 – 333) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يجوز تقدم المأموم على الإمام؟
فأجاب:
" الصحيح أن تقدم الإمام واجب، وأنه لا يجوز أن يتقدم المأموم على إمامه، لأن معنى كلمة " إمام " أن يكون إماماً، يعني يكون قدوة، ويكون مكانه قدام المأمومين، فلا يجوز أن يصلي المأموم قدام إمامه، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي قدام الصحابة رضي الله عنهم، وعلى هذا فالذين يصلون قدام الإمام ليس لهم صلاة، ويجب عليهم أن يعيدوا صلاتهم إلا أن بعض أهل العلم استثنى من ذلك ما دعت الضرورة إليه مثل أن يكون المسجد ضيقاً، وما حواليه لا يسع الناس فيصلي الناس عن اليمين واليسار والأمام والخلف لأجل الضرورة " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (13/44) .
وعلى هذا؛ فإكم تجتهدون في جعل مكان النساء خلف الإمام، فإن لم يوجد مكان، ولم يمكن إلا قدام الإمام، فلا حرج فيه إن شاء الله تعالى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1377)
هل أجر ترميم المساجد مثل أجر بنائها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم ترميم المساجد وهل أجر الترميم مثل أجر البناء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرض هذا السؤال على الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله فقال:
ترميم المساجد على ثلاثة أقسام:
الأول: ترميم كمالي، لا حاجة إليه فهذا أخشى أن يكون المرمم إلى الإثم أقرب منه إلى السلامة؛ لأنه إذا كان لا حاجة إليه وإنما المقصود منه تجميل المسجد صار فيه إضاعة للمال بلا فائدة والمال الذي تنفقه على هذا الترميم أنفقه في مساجد أُخرى ينتفع الناس بها.
الثاني: ترميم دعت الحاجة إليه دون الضرورة، مثل أن يكون البلاط قد تقشع، أو التلييس قد تقشع ولكن المسجد قائم فهذا يُؤجر عليه الإنسان؛ لأن فيه تنظيفاً للمسجد وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدور وأن تنظف وتُطيب.
الثالث: ترميم دعت إليه الضرورة كتصدع الجدران في مساجد الطين، وتصدع الجسور في مساجد المسلح، وما أشبه ذلك فهذا يُعطى حكم بنائها لأن ترميمها ضروري.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.(5/1378)
هل يجوز إعارة الكتب التي بالمساجد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[الكتب الموجودة في مكتبات المساجد، هل يجوز إعارتها، التصرف بها، من يستعملها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الوقف من الصدقات الجارية التي يؤجر عليها أصحابها، وهو مما يلحق المؤمن أجره في قبره.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته: علماً علَّمه ونشره، وولداً صالحاً تركه، ومصحفاً ورَّثه، أو مسجداً بناه، أو بيتاً لابن السبيل بناه، أو نهراً أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته يلحقه من بعد موته) رواه ابن ماجه (242) ، وحسَّنه الألباني في "صحيح الترغيب" (77) .
ثانياً:
وأما إعارة هذه الكتب , فيرجع الأمر في ذلك إلى ما اشترطه الواقف لها (صاحبها المتبرع بها) إن كان أَذِنَ بإعارتها لمن يستفيد منها ثم يعيدها , أو لم يشترط ذلك لكن جرى العرف بإعارة الكتب الموقوفة على المساجد , ففي هاتين الحالتين لا بأس بإعارتها.
وعلى المسئول عنها أن يوثِّق هذه الاستعارة بكتابة اسم المستعير وتحديد تاريخ الاستعارة وإرجاع الكتاب.
ويجب على من استعار كتاباً أن يحافظ عليه من التمزيق والإساءة والكتابة عليه، ويجب الالتزام بتاريخ الإرجاع ليعطي الفرصة لغيره بأن يستفيد منه، فيزداد أجر الواقف له.
أما إذا اشترط عدم إعارتها , أو لم يشترط شيئاً , ولم يكن العرف المعمول به إعارتها , فلا يجوز إعارتها لأحد , ومن أراد الاستفادة منها قرأها في المسجد.
ثالثاً:
وأما التصرف بها فالواجب على المسئول عنها (ناظر الوقف) أن يعمل بما اشترطه الواقف لها , من حيث إعارتها أو عدم إعارتها , وغير ذلك من الشروط.
ولا يجوز له أن يمكن منها أطفالاً صغاراً أو من عُرِفَ بالإهمال وعدم المحافظة عليها , لأن ذلك تضييع للأمانة المسئول عنها.
وانظر تفصيلاً نافعاً في أحكام الوقف جواب السؤال رقم: (13720) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1379)
نبشت قبور مقبرة وبني مكانها مسجد فهل تجوز الصلاة فيه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أحد المساجد في مدينتنا وهو أكبرها ثبت أنه كان قد بني مكان مقبرة بعد نبش القبور وتحويلها إلى مكان آخر. المشكلة أن هناك من يقول إنه لم تتم إزالة جميع القبور أو جميع الرفات حيث جيء بجرافة لتسوية المكان بعد إزالة القبور الظاهرة وكلما وجدوا قبراً أزالوه , فما حكم الصلاة فيه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يجب على المسلمين احترام قبور أمواتهم، ولا يحل نبش قبورهم لغير ضرورة، فإن كانت هناك ضرورة فيجب عليهم دفن كل ميت في قبر جديد.
وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
أسكن في قرية على حافة جبل وبجوارنا من الجهة اليمانية جبل مرتفع ومن الجهة الغربية حافة جبل، ومن الجهة الشرقية كذلك ومدرجات زراعية تحيط بنا، وعندي قطعة أرض بجوار مقبرة فعزمت على أن أبني لي بيتاً لأن بيت والدي أصبح لا يسعنا، وبعد أن حفرت في نفس الأرض وطرحنا حجر الأساس للبيت، وجدنا قبوراً، فقمنا بإخراج العظم ونقلها إلى محل آخر حيث يوجد عندنا في القرية خندق تحت جبل يوجد فيه رؤوس وأيادي وأرجل وأجزاء من أجسام بني آدم وضعت من قديم الزمان، ولا ندري هل عملنا هذا مشروع أم لا؟ أفيدونا أفادكم الله.
فأجاب:
"هذا العمل لا يجوز، فما دامت الأرض فيها قبور: فالواجب تركها، فهي تبع المقبرة ما دامت المقبرة بجوار الأرض المذكورة، فالواجب أن لا يتعرض لها، ولا ينبش القبور، وإذا حفر ووجد القبور يتركها، ولا يجوز للناس أن ينبشوا القبور، ويضعوا بيوتهم في محل القبور، فهذا تعد على محل الموتى وظلم للموتى لا يجوز.
قد يجوز بعض الأشياء إذا دعت الضرورة إليها مثل إذا دعت الحاجة إلى شارع ينفع المسلمين، واعترضه شيء من القبور، ولا حيلة في صرف الشارع، فقد يجوز أخذ بعض المقبرة ونقل الرفات إلى محل آخر إذا كانت الضرورة دعت إلى توسعة هذا الشارع للمسلمين، ولا حيلة في صرفه عن المقبرة، أما أن يأخذ الناس من المقبرة لتوسعة بيوتهم فهذا لا يجوز" انتهى.
" فتاوى نور على الدرب " (السؤال 119) .
ثانياً:
فإن نبشت قبور الكفار – أو تُعدي على قبور المسلمين فنُبشت – جاز بناء المسجد مكان تلك القبور، فإن بقي من القبور شيء فلا يجوز بناء المسجد عليها، وقد ثبتت الأحاديث في النهي عن بناء المساجد على القبور في الصحيحين وغيرهما، وقد بنى النبي صلى الله عليه وسلم مسجده في المدينة بعد أن نبش قبور الكفار.
فإذا بني المسجد فوق قبور المسلمين: لم تجز الصلاة فيه، ويجب هدم المسجد لأن القبور سابقة عليه، فإن كانت القبور في زاوية المسجد وبني جدار فاصل بين المسجد وتلك القبور: جاز ذلك الفعل وصحت الصلاة فيه، وهذه فتاوى العلماء في هذه المسألة:
سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
توجد وسط مدينتنا مقبرة قديمة أزالت البلدية أنقاضها وأقامت مكانها حيّاً سكنيّاً ومباني لذوي الدخل المحدود وبقيت منها مساحة كبيرة أقام عليها أهل البر والإحسان مسجداً ليصلي فيه سكان الحي، وبعد بناء المسجد وقع خلاف بين أهل البلد حول جواز الصلاة في هذا المسجد أو عدم جوازها وانقسموا بين مؤيد ومعارض، ما حكم هذا المسجد؟ وهل يجب هدمه أم الإبقاء عليه؟ هل الصلاة في هذا المسجد صحيحة أم لا؟ .
فأجابوا:
"الأرض التي بني عليها مسجد إذا كانت خالية من القبور صحت الصلاة فيها، وإلا فيجب هدم المسجد الذي بني عليها" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (1 / 418، 419) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة – أيضاً -:
إن مسجدنا ببلدة " بايانج بمنطقة لاناودل سور " قد تم إنشاؤه بعد زلزال مدمر ضرب المنطقة عام 1955م، حيث تحطمت جدرانه وأساساته، وقد قرر المسئولون وزعماء البلدة تعميره واتفقوا على تسوية الأرض الواقعة على الجانب الشرقي من المسجد المذكور علما بأن هذه المساحة من الأرض كانت تستخدم في السابق مقبرة لدفن الموتى، وعند تسوية هذه الأرض بواسطة الآليات الحديثة (البلدوزرات) فقد تم العثور على عدد كبير من عظام رفات الأموات حيث تمت إعادة دفنها ونقل بعض منها إلى الجزء الغربي من المسجد ولكن بداخل سور نفس المسجد الحالي.
1- فهل من الجائز إقامة صلاة الجمعة والجماعة بداخل هذا المسجد؟ .
2- إذا كان الجواب بالنفي: فهل من الممكن معالجة الأمر بإقامة حاجز أو حائط فاصل داخل الجانب الغربي لهذا المسجد حيث تم نقل عظام رفات الموتى.
فأجابوا:
"إذا كان المسجد الحالي لم يعمر على أرض فيها قبور: فالواجب نبش القبور التي وضعت في جهته الغربية ونقل رفاتها إلى أرض المقابر، وإن كانت من المسلمين: فتنتقل إلى قبور المسلمين، وإن كانت قبور كفار: نقلت إلى مقابر الكفار، على أن يوضع رفات كل ميت مسلم في حفرة واحدة يسوى ظاهرها كبقية القبور حتى لا يمتهن، فإن تعذر نقل الرفات من غربي المسجد: فلا مانع من فصلها بجدار يفصلها عن بقية المسجد.
أما إن كانت أصل أرض المسجد فيها قبور: فالواجب التماس أرض أخرى سليمة يقع عليها المسجد، وتبقى أرض المسجد الأولى مقبرة كأصلها" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (1 / 419 – 421) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
"وإذا كان في المسجد قبر: وجب أن ينبش وينقل ما فيه من عظام - إن وجدت - إلى مقبرة البلد فيحفر لها وتدفن في المقبرة؛ لأنه لا يجوز شرعاً وضع قبور في المساجد ولا بناء المساجد عليها؛ لأن ذلك من وسائل الشرك والفتنة بالمقبور، كما قد وقع ذلك في أكثر بلاد المسلمين من أزمان طويلة بأسباب الغلو في أصحاب القبور، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بنبش القبور التي كانت في محل مسجده عليه الصلاة والسلام ...
فهذه الأحاديث وما جاء في معناها كلها تدل على تحريم البناء على القبور، واتخاذ المساجد عليها، والصلاة فيها وإليها وتجصيصها ونحو ذلك من أسباب الشرك بأربابها ...
وذكر أهل العلم أن القبر إذا وضع في مسجد وجب نبشه وإبعاده عن المسجد، وإن كان المسجد هو الذي حدث أخيرا بعد وجود القبر وجب هدم المسجد وإزالته؛ لأنه هو الذي حصل ببنائه المنكر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حذر من بناء المساجد على القبور ولعن اليهود والنصارى على ذلك، ونهى أمته عن مشابهتهم، وقال لعلي رضي الله عنه: (لا تدع صورة إلا طمستها ولا قبراً مشرفاً إلا سوَّيته) " انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (6 / 337، 338) .
وعلى هذا فينظر في المكان الذي بني عليه المسجد، إن كان تحت أرضية المسجد قبور، فلا تجوز الصلاة فيه، وإن لم يكن تحته قبور جازت الصلاة فيه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1380)
الاستماع إلى برنامج نور على الدرب في المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يصح أن نستمع إلى برنامج (نور على الدرب) في المسجد بدلاً من الاستماع إلى أحاديث بعض المصلين الفارغة، ومنعاً للأحاديث الدنيوية في المساجد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
في الاستماع إلى هذا البرنامج خير عظيم، وفيه مصالح جمة، وقد يسر الله للمسلمين هذا البرنامج؛ ليستفيدوا منه فهو بمثابة حلقات علمية يستفيد منها الرجال والنساء، وهم في بيوتهم ومجالسهم، وعلى أسرتهم، فهو من نعم الله العظيمة، ومن حجة الله القائمة على الناس يصل إليهم في بيوتهم وفي سياراتهم وفي طائراتهم وفي كل مكان.
فأنا أوصي وأنصح كل مسلم وكل مسلمة أن يستفيد من هذا البرنامج، وأن يسأل عما أشكل عليه من طريق هذا البرنامج.
ولا بأس بفتح الراديو في المسجد لسماع هذا البرنامج، ولسماع العلم من غير هذا البرنامج في الأوقات المناسبة التي يتفق الجماعة عليها، فإذا جاءت أصوات الموسيقى أو شيء لا يرتضى وجب قفله.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/8 ص/365.(5/1381)
حكم شرب الدخان وإتيان المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[ورد في الحديث الصحيح النهي عن قرب المسجد لمن أكل ثوما أو بصلا أو كراثا. فهل يلحق بذلك ما له رائحة كريهة وهو محرم كالدخان؟ وهل معنى ذلك أن من تناول هذه الأشياء معذور بالتخلف عن الجماعة بحيث لا يأثم بتخلفه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ثبت عن رسول الله صلى الله عيه وسلم أنه قال: (من أكل ثوماً أو بصلاً فلا يقربن مسجدنا وليصل في بيته) وثبت عنه صلى الله عيه وسلم أنه قال: (إن الملائكة لتتأذى مما يتأذى منه بنو الإنسان) وكل ما له رائحة كريهة حكمه كحكم الثوم والبصل، كشارب الدخان ومن له رائحة كريهة في إبطه أو غيرهما مما يؤذي جليسه. فإنه يكره له أن يصلي مع الجماعة. وينهى عن ذلك حتى يستعمل ما يزيل هذه الرائحة ويجب عليه أن يفعل ذلك مع الاستطاعة حتى يؤدي ما أوجب الله عليه من الصلاة في الجماعة، أما التدخين فهو محرم مطلقاً ويجب عليه تركه في جميع الأوقات لما فيه من المضار الكثيرة في الدين والبدن والمال.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز يرحمه الله.(5/1382)
خلاف في المسجد حول تطويل الصلاة وتقصيرها
[السُّؤَالُ]
ـ[لدينا مسجد في المركز الإسلامي، وقد وقع خلاف بين المصلين حول تطويل الصلاة وتقصيرها، أرجو إفادتي بما جاء في الشرع حول هذا الموضوع؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (صلى معاذ بأصحابه العشاء فطوّل عليهم , فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتريد أن تكون يا معاذ فتاناً، إذا أممت الناس فاقرأ بالشمس وضحاها، وسبح اسم ربك الأعلى، واقرأ باسم ربك، والليل إذا يغشى) متفق عليه، واللفظ لمسلم.
قال الحافظ: من سلك طريق النبي صلى الله عليه وسلم في الإيجاز والإتمام لا يُشتكى منه تطويل، وصفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم معلومة، وعليه فالتخفيف المأمور به أمر نسبي يرجع إلى ما فعله صلى الله عليه وسلم وواظب عليه وأمر به، لا إلى شهوة المأمومين، ففي الصحيحين عن أنس قال: (ما صليت خلف إمام قط أخف صلاة ولا أتم صلاة من النبي صلى الله عليه وسلم)
قال في المبدع: وقد حزروا صلاته صلى الله عليه وسلم فكان سجوده قدر ما يقول سبحان ربي الأعلى عشر مرات وركوعه كذلك، وقال: صلوا كما رأيتموني أصلي.
قال شيخ الإسلام: ليس له أن يزيد على قدر المشروع، وينبغي أن يفعل غالباً ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله غالباً، ويزيد وينقص للمصلحة كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يزيد للمصلحة.
قال ابن عبد البر: التخفيف للأئمة أمر مجمع عليه لا خلاف في استحبابه على ما اشترط من الإتمام.
وقد دل حديث جابر السابق على أن القراءة بهذا السور المذكورة وأمثالها في القدر من الوسط في الصلاة، والمشروع أن يكون الركوع والسجود مناسباً للقراءة. والله أعلم
من كتاب توضيح الأحكام من بلوغ المرام لـ عبد الله بن عبد الرحمن البسام ص 253.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1383)
هل يمنع المتسولين في المسجد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض المتسولين يسألون الناس في المساجد، وبعض الأئمة يمنعونهم من السؤال، فهل لديهم دليل على منعهم، وهل يجوز إعطاؤهم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" لا أعلم بأسا في ذلك، ولا أعلم حجة لمن منعه، لكن إذا كان السائلون يتخطون رقاب الناس، ويمشون بين الصفوف، فينبغي منعهم؛ لما في عملهم هذا من إيذاء المصلين، وهكذا وقت خطبة الجمعة، يجب أن يمنعوا لوجوب الإنصات عليهم وعلى غيرهم من المصلين، ولأن سؤالهم في هذه الحال يشغل غيرهم عن استماع الخطبة " انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
" فتاوى ابن باز " (14/320) .(5/1384)
حكم الاقتداء بالإمام من خارج المسجد أو الصلاة خلف المذياع
[السُّؤَالُ]
ـ[شاهدنا في شهر رمضان عبر التلفاز أن بعض الأشخاص يصلون التراويح مع إمام الحرم وهم في مساكنهم المجاور للحرم، فما حكم ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من أراد أن يصلي في مسجد جماعة فلا بد أن يسعى إلى المسجد، فإذا اقتدى بالإمام من بيته فلا جماعة له، ولو كان يرى الإمام أو المأمومين، وقد فصَّل الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – في هذه المسألة تفصيلاً حسناً.
قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – في شرحه كتاب زاد المستقنع:
قوله: " وكذا خارجه إن رأى الإِمام أو المأمومين ".
أي: وكذا يصحُّ اقتداءُ المأمومِ بالإِمامِ إذا كان خارجَ المسجدِ بشرطِ أنْ يَرى الإِمامَ أو المأمومين، وظاهرُ كلام المؤلِّفِ: أنَّه لا يُشترط اتِّصالُ الصُّفوفِ، فلو فُرِضَ أنَّ شخصاً جاراً للمسجد، ويرى الإِمامَ أو المأمومين مِن شُبَّاكه، وصَلَّى في بيتِه، ومعه أحدٌ يزيل فَذِّيَّتَه (أي يخرجه من كونه منفرداً) فإنه يَصِحُّ اقتداؤه بهذا الإِمامِ؛ لأنه يسمعُ التكبيرَ ويرى الإِمامَ أو المأمومين.
وظاهرُ كلامِ المؤلِّفِ: أنَّه لا بُدَّ أن يرى الإِمامَ أو المأمومين في جميع الصَّلاةِ؛ لئلا يفوته الاقتداءُ، والمذهبُ: يكفي أنْ يراهم ولو في بعضِ الصَّلاةِ.
إذاً؛ إذا كان خارجَ المسجدِ فيُشترطُ لذلك شرطان:
الشرطُ الأول: سماعُ التكبيرِ.
الشرطُ الثاني: رؤيةُ الإِمامِ أو المأمومين، إما في كُلِّ الصَّلاةِ على ظاهرِ كلامِ المؤلِّفِ، أو في بعضِ الصَّلاةِ على المذهبِ.
وظاهرُ كلامِهِ: أنَّه لا يُشترط اتِّصال الصُّفوفِ فيما إذا كان المأمومُ خارجَ المسجدِ، وهو المذهب.
والقول الثاني - وهو الذي مشى عليه صاحبُ " المقنع " -: أنَّه لا بُدَّ مِن اتِّصالِ الصُّفوفِ، وأنَّه لا يَصِحُّ اقتداءُ مَن كان خارجَ المسجدِ إلا إذا كانت الصُّفوفُ متَّصلةً؛ لأنَّ الواجبَ في الجماعةِ أن تكون مجتمعةً في الأفعالِ وهي متابعة المأمومِ للإِمام والمكان، وإلا لقلنا: يَصِحُّ أن يكون إمامٌ ومأمومٌ واحد في المسجد، ومأمومان في حجرة بينها وبين المسجد مسافة، ومأمومان آخران في حجرة بينه وبين المسجدِ مسافة، ومأمومان آخران بينهما وبين المسجد مسافة في حجرة ثالثة، ولا شَكَّ أنَّ هذا توزيعٌ للجماعةِ، ولاسيَّما على قولِ مَن يقول: إنَّه يجب أن تُصلَّى الجماعةُ في المساجد.
فالصَّوابُ في هذه المسألة: أنَّه لا بُدَّ في اقتداءِ مَن كان خارجَ المسجدِ مِن اتِّصالِ الصُّفوفِ، فإنْ لم تكن متَّصِلة: فإنَّ الصَّلاة لا تَصِحُّ.
مثال ذلك: يوجد حولَ الحَرَمِ عَماراتٌ، فيها شُقق يُصلِّي فيها الناسُ، وهم يَرَون الإِمامَ أو المأمومين، إما في الصَّلاةِ كلِّها؛ أو في بعضِها، فعلى كلامِ المؤلِّفِ: تكون الصَّلاةُ صحيحةً، ونقول لهم: إذا سمعتم الإِقامة فلكم أنْ تبقوا في مكانِكم وتصلُّوا مع الإِمام ولا تأتوا إلى المسجدِ الحرام.
وعلى القول الثاني: لا تَصِحُّ الصَّلاةُ؛ لأنَّ الصفوفَ غيرُ متَّصلةٍ، وهذا القولُ هو الصَّحيحُ، وبه يندفع ما أفتى به بعضُ المعاصرين مِن أنَّه يجوز الاقتداءُ بالإِمامِ خلفَ " المِذياعِ "، وكَتَبَ في ذلك رسالةً سمَّاها: " الإقناع بصحَّةِ صلاةِ المأمومِ خلفَ المِذياع "، ويلزمُ على هذا القول أن لا نصلِّيَ الجمعةَ في الجوامع بل نقتدي بإمام المسجدِ الحرامِ؛ لأنَّ الجماعةَ فيه أكثرُ فيكون أفضلَ، مع أنَّ الذي يصلِّي خلفَ " المِذياع " لا يرى فيه المأموم ولا الإِمامَ، فإذا جاء " التلفاز " الذي ينقل الصَّلاة مباشرة يكون مِن بابِ أَولى.
ولكن هذا القولُ لا شَكَّ أنَّه قولٌ باطلٌ؛ لأنه يؤدِّي إلى إبطالِ صلاةِ الجماعةِ أو الجُمعة، وليس فيه اتِّصالَ الصُّفوفِ، وهو بعيدٌ مِن مقصودِ الشَّارعِ بصلاةِ الجمعةِ والجماعةِ.
...
والذي يصلِّي خلفَ " المِذياع " يصلِّي خلفَ إمامٍ ليس بين يديه بل بينهما مسافات كبيرة، وهو فتح باب للشر؛ لأنَّ المتهاون في صلاةِ الجُمُعة يستطيع أن يقولَ: ما دامتِ الصَّلاةُ تَصِحُّ خلفَ " المِذياع " و " التلفاز "، فأنا أريدُ أن أصلِّيَ في بيتي، ومعيَ ابني أو أخي، أو ما أشبه ذلك نكون صفَّاً.
فالرَّاجح: أنه لا يَصِحُّ اقتداءُ المأمومِ خارجَ المسجد إلا إذا اتَّصلتِ الصُّفوف، فلا بُدَّ له مِن شرطين:
1. أن يَسمعَ التكبيرَ.
2. اتِّصال الصُّفوف.
أما اشتراطُ الرُّؤيةِ: ففيه نظر، فما دام يَسمعُ التَّكبير والصُّفوف متَّصلة: فالاقتداء صحيح، وعلى هذا؛ إذا امتلأ المسجدُ واتَّصلتِ الصُّفوف وصَلَّى النَّاسُ بالأسواقِ وعلى عتبة الدَّكاكين: فلا بأس به.
" الشرح الممتع " (4 / 297 – 300) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1385)
نبذة عن تاريخ المسجد الحرام في مكة
[السُّؤَالُ]
ـ[مطلوب مني بحث عن تاريخ المسجد الحرام، أرجو مساعدتي في ذلك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يقع المسجد الحرام في مكة وهي مدينة في جزيرة العرب ترتفع عن سطح البحر بنحو 330متراً ويرجع تاريخ عمارتها إلى عهد إبراهيم الخليل وابنه إسماعيل عليهما السلام، وفيها ولد نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم وفيها مهبط الوحي أول ما نزل، ومنها شع نور الإسلام وبها المسجد الحرام وهو أول مسجد وضع للناس في الأرض لقوله تعالى: {إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين} (آل عمران: 96) وثبت في صحيح مسلم عن أبي ذر قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أول مسجد وضع في الأرض قال: المسجد الحرام قلت: ثم أي قال: المسجد الأقصى قلت: كم بينهما قال: أربعون عاماً. وتقع الكعبة - وهي قبلة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها - وسط المسجد الحرام تقريباً ويبلغ ارتفاعها خمسة عشر متراً وهي على شكل حجرة كبيرة مربعة البناء على وجه التقريب وقد بناها إبراهيم الخليل عليه السلام بأمر من الله تعالى: قال عز وجل: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26) سورة الحج، ومعنى بوأنا: أي أرشده إليه وسلّمه له وأذن له في بنائه: تفسير ابن كثير، وقال تعالى: {وإذا يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل} البقرة:127.
وعن وهب بن منبه قال:.. بناها إبراهيم عليه السلام ثم العمالقة ثم جرهم ثم قصي بن كلاب وأما بنيان قريش له فمشهور.. وجعلوا يبنونها بحجارة الوادي تحملها قريش على رقابها فرفعوها في السماء عشرين ذراعاً..، وكان بين بنيان الكعبة وبين ما أنزل عليه خمس سنين وبين مخرجه وبنائها خمس عشرة سنة ذكره عبد الرزاق عن معمر عن عبد الله بن عثمان عن أبي الطفيل وذكر عن معمر عن الزهري: حتى إذا بنوها وبلغوا موضع الركن اختصمت قريش في الركن أي القبائل تريد رفعه؟ حتى شجر بينهم فقالوا تعالوا نحكّم أول من يطلع علينا من هذه السكة فاصطلحوا على ذلك فطلع عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غلام عليه وشاح نمرة فحكّموه فأمر بالركن فوضع في ثوب ثم أمر سيد كل قبيلة فأعطاه ناحية من الثوب ثم ارتقى هو فرفعوا إليه الركن، فكان هو يضعه صلى الله عليه وسلم. تاريخ مكة للأزرقي (1/161-164)
وروى مسلم (2374) عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْجَدْرِ أَمِنْ الْبَيْتِ هُوَ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ فَلِمَ لَمْ يُدْخِلُوهُ فِي الْبَيْتِ قَالَ إِنَّ قَوْمَكِ قَصَّرَتْ بِهِمْ النَّفَقَةُ قُلْتُ فَمَا شَأْنُ بَابِهِ مُرْتَفِعًا قَالَ فَعَلَ ذَلِكِ قَوْمُكِ لِيُدْخِلُوا مَنْ شَاءُوا وَيَمْنَعُوا مَنْ شَاءُوا وَلَوْلا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَخَافُ أَنْ تُنْكِرَ قُلُوبُهُمْ لَنَظَرْتُ أَنْ أُدْخِلَ الْجَدْرَ فِي الْبَيْتِ وَأَنْ أُلْزِقَ بَابَهُ بِالأَرْضِ.
وقد تعرضت الكعبة قبل الإسلام (في عام ولادة النبي صلى الله عليه وسلم) للغزو من قبل أبرهة الحبشي وذلك عندما بنى القُليس وهي الكنيسة التي أراد أن يصرف إليها حج العرب فخرج بجيش ومعهم الفيل فلما وصلوا إلى مكة أرسل الله عليهم طيراً أبابيل مع كل طائر منها ثلاثة أحجار يحملها، حجر في منقاره وحجرين في رجليه أمثال الحمص والعدس لا تصيب منهم أحداً إلا هلك ففني الجيش وهلكوا بأمر الله عزّ وجلّ.
وقد ذكر الله تعالى هذه الحادثة في كتابه فقال عزّ وجلّ: {ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل، ألم يجعل كيدهم في تضليل وأرسل عليهم طيراً أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول} انظر السيرة النبوية لابن هشام (1/44-58) .
ولم يكن هناك سور يحيط بمسجد الكعبة حتى صارت الحاجة تدعو إلى ذلك، قال ياقوت الحموي في "معجم البلدان" (5/146) . ما يحيط بالكعبة كان أول من بناه عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولم يكن له في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر جدار يحيط به وذاك أن الناس ضيّقوا على الكعبة وألصقوا دورهم بها فقال عمر: إن الكعبة بيت الله ولا بد للبيت من فناء وإنكم دخلتم عليها ولم تدخل عليكم، فاشترى تلك الدور وهدمها وزادها فيه وهدم على قوم من جيران المسجد أبوا أن يبيعوا ووضع لهم الأثمان حتى أخذوها بعد، واتخذ للمسجد جداراً دون القامة فكانت المصابيح توضع عليه، ثم كان عثمان فاشترى دوراً أُخَر وأغلى في ثمنها.. ويقال إن عثمان أول من اتخذ الأروقة حين وَسّع المسجد.. فلما كان ابن الزبير زاد في إتقانه لا في سعته وجعل فيه عَمَداً من الرخام وزاد في أبوابه وحسنها فلما كان عبد الملك بن مروان زاد في ارتفاع حائط المسجد وحمل إليه السواري من مصر في البحر إلى جدة واحتملت من جدة على العجل إلى مكة وأمر الحجّاج بن يوسف فكساها ولما ولي الوليد بن عبد الملك زاد في حليتها وصرف في ميزابها وسقفها.. فلما ولي المنصور وابنه المهدي زاد أيضاً في إتقان المسجد وتحسين هيئته. وهكذا
وفي المسجد من الآثار الدينية مقام إبراهيم وهو الحَجَر الذي كان يقف عليه إبراهيم الخليل عليه السلام أثناء بناء الكعبة. وكذلك بئر زمزم وهي نبع من الماء أخرجه الله تعالى لهاجر وولدها إسماعيل عليه السلام لما عطش، ولا يُنسى أيضا الحجر الأسود والركن اليماني وهما ياقوتتان من يواقيت الجنة. كما روى الترمذي وأحمد عن عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرٍو قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ الرُّكْنَ وَالْمَقَامَ يَاقُوتَتَانِ مِنْ يَاقُوتِ الْجَنَّةِ طَمَسَ اللَّهُ نُورَهُمَا وَلَوْ لَمْ يَطْمِسْ نُورَهُمَا لأَضَاءَتَا مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ " سنن الترمذي 804
ويجاور المسجد الحرام جبلي الصفا والمروة، ومن خصائص المسجد الحرام أنّه المسجد الوحيد الذي يُحجّ إليه في الأرض، قال الله تعالى: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158) سورة البقرة، ومن خصائصه أنَ الله جعله آمنا والصلاة فيه بمائة ألف صلاة، قال الله تعالى: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125) سورة البقرة، وقال تعالى: (فِيهِ ءايَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ ءامِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97) سورة آل عمران. انظر "أخبار مكة" للأزرقي وأخبار مكة للفاكهي. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1386)
مشكلات في مجلس إدارة أحد المساجد
[السُّؤَالُ]
ـ[عندنا مصلى صغير (داخل أحد المنازل) في مدينتنا. وأيضا, فإننا نملك قطعة أرض ومبلغا من المال جُمع خلال عدة سنوات لأجل بناء مسجد جديد. كما توجد لجنة للمسجد يتم انتخابها سنويا, بالإضافة إلى مجلس للأمناء يتكون من 5 أشخاص دائمي العضوية. وأعضاء هذا المجلس تم تعيينهم قبل 6-8 سنوات, عندما كان هناك عدد قليل من المسلمين في المدينة. وقد استُبدل بعض أعضاء هذا المجلس الذين تركوا المدينة بآخرين دون أن يتم انتخابهم, ويظهر أنهم أعطوا هذه الوظائف لأشخاص من اختيارهم هم. ومنذ ذلك الحين , أصبح مجلس الأمناء هذا يتحكم فعليا في المصلى. فقد وضعوا قوانين له حسب أهوائهم. مثلا, فإنهم لا يسمحون بالتصويت إلا لأعضاء اللجنة الذين أقاموا في هذه المدينة فترة تزيد على 3 سنوات, وبهذه الطريقة, فإن الأشخاص الذين يسمح لهم فقط يمكنهم التنافس والتصويت في الانتخابات. ونتج عن ذلك أن الناس أصبحوا يرون نفس الوجوه لسنوات عدة. ومنذ عام, وبسبب الضغوط, فقد سمحوا للجميع بالتصويت, وبهذه الطريقة، تم انتخاب لجنة جديدة. وبعد هذه الانتخابات ظهر أن المال الذي جُمع لبناء المسجد الجديد وُضع في حساب توفير يُدر فوائد (ربوية) . وقد أنكر أعضاء مجلس الأمناء (الذين لا يداوم على حضور الصلوات في المصلى منهم إلا 1 أو 2, لسوء الحظ) , وهم الذين يديرون هذا الحساب, أنكروا أنهم يأخذون الفوائد على هذا الحساب. وبعد ذلك, أقر أحد الأعضاء, وهو العضو النشيط من بينهم, وهو شخص غني وصاحب نفوذ في المدينة, بأنهم أقدموا على وضع المال في ذلك الحساب بسبب الفتوى الصادرة عن الأزهر بجواز أخذ الربا من البنوك الأمريكية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نرى والحال هذه الحرص على استغلال هذا المال، والاتجار به حنى يكون فيه أرباح مباحة، يتم بعد ذلك عمارة المسجد من رأس المال والأرباح. ثم إذا استطاعوا أن يجعلوا القائمين على هذا المشروع من الأخيار الموثوقين بذلوا ما يستطيعونه من جهد في ذلك. كذلك يحرصون على أن يبادروا بعمارة المسجد ويقومون فيه بما يلزمهم من الأعمال، وإذا لم يكن لهم استطاعة في الانتخاب ولا في التصويت، لهم أن يمشوا مع غيرهم ويوافقوا على ما ليس فيه ضرر، أما إذا كان بعض المنتخبين لا يصلح ان يكون من ضمن اللجنة الشرعية التي تدير الأمور فإن على الآخرين أن يعلنوا عدم موافقتهم ويذكروا الأسباب التي يطعنون بها في أولئك الأشخاص الذين يُظن عليهم أنهم ليسوا أهلا للانتخاب ولا للتصويت حتى يكون القائمون على هذه المشاريع الخيرية من الموثوقين والمؤتمنين. وأما الربا فما أخذوه فيتحملون تبعته وأنتم بريئون منهم وما أخذوه من تلك الفوائد الربوية.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الله الجبرين(5/1387)
إذا لم يكف المبلغ المجموع لبناء المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد لدينا تبرع بمبلغ (20000 ريال) ، لبناء مسجد وهذا المبلغ لا يكفي لبناء مسجد فهل يجوز تحويل المبلغ إلى مشاريع أخرى أو يكون مساهمة بجزء من بناء أو ترميم مسجد قائم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عليكم أن تلتمسوا مسجداً يكفيه هذا المبلغ ولو خارج المملكة فإن لم يوجد فلكم المساهمة به في بناء مسجد كشراء أرضه أو بعض مواد البناء أو أجرة العمال أو نحو ذلك ويحصل به الأجر لصاحبه والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الفتاوى الجبرينية في الأعمال الدعوية لفضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين ص 20.(5/1388)
قضت حاجتها في كأس في الحرم
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة ذهبت إلى الحرم ودخلت موقع ماء زمزم وكانت لا تستطيع تحمل البول مما اضطرها إلى البول في " كوب " وقامت بإلقائه مع الماء الذي يجري من صنابير الماء، فما الحكم في ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
قضاء الحاجة في المسجد من المحرَّمات فكيف إذا كان في المسجد الحرام؟ .
عن أنس بن مالك قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: مه مه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تزرموه، دعوه، فتركوه حتى بال، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له: إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن، قال: فأمر رجلا من القوم فجاء بدلو من ماء فشنَّه عليه.
رواه البخاري (217) ومسلم (285) .
والصحابة رضي الله عنهم أخذتهم الغيرة وصاحوا بهذا الأعرابي، وهموا للقيام بمنعه والإنكار عليه لئلا يُتم بوله، فيؤخذ من ذلك أنه لا يجوز الإقرار على المنكر، بل الواجب المبادرة بالإنكار على فاعل المنكر، ولكن هذه المبادرة كانت ستؤدي إلى أمر أكبر ضرراً ولهذا نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم، بل زجرهم عن أن ينهوا الأعرابي ويصيحوا به.
وهذا هو الأمر الأول الذي ينبغي التنبيه عليه في هذا السؤال، وهو تحريم قضاء الحاجة في المساجد، وهذا إذا كان سيبول على أرض المسجد، أما إذا كان ذلك في إناء فذهب بعض العلماء إلى جوازه إذا دعت الحاجة إلى ذلك، ومثال الحاجة أن يكون كبيراً في السن أو مريضاً لا يتحمل انحباس البول أو يشق عليه الخروج من المسجد بسبب مرض أو نحوه، وهذا هو ظاهر الحال المسئول عنها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى الكبرى":
الْبَوْل فِي قَارُورَةٍ فِي الْمَسْجِدِ , مِنْهُمْ مَنْ نَهَى عَنْهُ , وَمِنْهُمْ مَنْ يُرَخِّصُ فِيهِ لِلْحَاجَةِ اهـ.
ومال رحمه الله في موضع آخر إلى جوازه للحاجة فقال في "الفتاوى المصرية":
وَالأَشْبَهُ أَنَّ هَذَا إذَا فُعِلَ لِلْحَاجَةِ فَقَرِيبٌ اهـ.
ثانياً:
إذا أراد الإنسان قضاء حاجته فإنه ينبغي أن يتخلى بحيث لا يراه أحد فيطلع على سوء ته.
عن ابن عباس قال: مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال: إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبيرٍ، وإنه لكبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة، ثم أخذ جريدة رطبة فشقها نصفين، فغرز في كل قبرٍ واحدة، قالوا: يا رسول الله لم فعلت هذا؟ قال: لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا.
رواه البخاري (213) و (5708) – واللفظ له - ومسلم (292) .
ومعنى " وما يعذبان في كبير ": أي: لا يشق عليهما تركه، أو ليس بكبير عندهما.
ومعنى " وإنه لكبير ": أي: هو عند الله من الكبائر.
وهذا هو الأمر الثاني الذي ينبغي التنبيه عليه في هذا السؤال، وهو وجوب ستر العورة عند قضاء الحاجة، بل في كل حال، فإذا كانت الأخت قد حرصت على هذا وفعلتْه: فلا حرج عليها إن شاء الله.
ثالثاً:
والأمر الثالث الذي ينبغي التنبيه عليه: هو تصريف هذا البول، فلو كانت احتفظت به في شيء مأمون إلى أن تخرج به خارج الحرم، أو في مكان لا يتصل بغيره من الطاهرات: لكان أفضل وأحسن، وأما ما فعلتْه وهو وضع هذا البول في مكان تصريف ماء زمزم: فإنه قد يُخشى أن يلوِّث بعض الموجودين هناك عند الصنابير، فإذا كان الماء يذهب بحيث يؤمن تلويث الناس به: فلا حرج في هذا الفعل، وإن كان الفعل الأول هو الأصوب كما ذكرنا.
والحاصل أن ما فعلته هذه المرأة جائز لحاجتها إلى ذلك مع الأخذ في الاعتبار أنه يجب عليها الاستتار عند قضاء الحاجة حتى لا تظهر عورتها، وعدم أذية الناس وتلويثهم بهذه النجاسة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1389)
شحن الجوال من كهرباء الحرم
[السُّؤَالُ]
ـ[رأيت إحدى النساء في المسجد الحرم المكي تشحن جوالها من كهرباء الحرم هل فعلها جائز؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأحوط للمسلم أن لا يفعل ذلك، وأن يسلك سبيل الورع، وقد قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لا يَرِيبُكَ) رواه الترمذي (2518) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وعليه أنه يقوم بشحن جواله في منزله قبل ذهابه إلى الحرم حتى يستغني بذلك عن استعمال كهرباء الحرم.
لكن إذا احتاج المسلم إلى ذلك فإنه يُرجى أن لا يكون عليه في ذلك حرج إن شاء الله تعالى إذا كان المسؤولون عن الحرم لا يمنعون ذلك، وليقتصر على ما يحتاج إليه فقط ولا يزيد، حتى لا يمنع أحداً من إخوانه المسلمين من شحن جوالاتهم، وقد يكونون محتاجين إلى ذلك مثل حاجته أو أشد.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1390)
الصلاة في المصليات
[السُّؤَالُ]
ـ[لدينا في السكن الجامعي عمائر، توجد بها مصليات، وقد يوجد في كل طابق أكثر من مصلى، ويجتمع بعض الطلاب في هذه المصليات، ويقيمون الصلاة ويصلون جماعة، مع العلم أن المسجد قريب منهم وبالإمكان الصلاة فيه.
فهل إقامة الصلوات في هذه المصليات جائز، مع وجود المسجد وقربه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تجب صلاة الجماعة في المسجد كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وهمّ بأن يُحرق بيوت أقوام يتخلفون عن الصلاة معه لأجل تخلفهم ولم يعذرهم بإقامة الجماعة في بيوتهم مع وجود ذكور وإناث تقوم بهم الجماعة، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: " حافظوا عليهن حيث يُنادى بهن " ولم يُرخص صلى الله عليه وسلم للأعمى أن يصلي جماعة في بيته بل أمره أن يأتي إلى المسجد ما دام يسمع النداء.
فصلاة الجماعة في المسجد إذاً واجبة ومأمور بها، ولو كان يكفي إقامة الجماعة في أي مكان آخر لسمح للأعمى وغيره أن يقيموا الجماعة في بيتوهم مع أولادهم ونسائهم، ولكنه عليه الصلاة والسلام لم يأذن بذلك.
فالواجب على الطلاب أن يعمدوا إلى بيوت الله، والتي لها الفضل الخاص من أجر المشي ذهاباً وعودة، وفضل الدخول والخروج وما فيهما من الذكر، وغير ذلك من الفضائل ولا يتكاسلوا فيتركوا الاجتماع في المسجد، قال تعالى: (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والأصال) سورة النور، ثم إن في الصلاة في المصليات تفريق لجماعة المسلمين المصلين، وهذا خلاف ما أرادته الشريعة بجمع أهل الحي في مسجد واحد، وجمع أهل الأحياء في جامع واحد مرة في الأسبوع، وجمع أهل البلد كلهم في مصلى واحد في صلاة العيد، وجمع المسلمين ذوي العدد العظيم من أقطار الأرض في الحج، والاجتماع له فوائد كثيرة لا تخفى.
ومن الفروق بين المصلى والمسجد أن المسجد وقف إلى قيام الساعة، وأما المصلى فيمكن تغيير مكانه أو بيعه وشراؤه وتوريثه وهكذا، بخلاف المسجد الذي أوقف ليبقى مسجداً ما بقيت الدنيا، ففيه فضل خاص زائد على المصليات، وكذلك فإنه يشرع للمسجد تحية بخلاف باقي الأماكن.
فإذا وجد المسجد القريب وجب إتيان الصلاة، وأما إذا كان المسجد بعيداً لا يُسمع آذان المؤذن من البعد فيجوز حينئذ الصلاة في المصليات.
وينبغي على الدعاة إلى الله أن يكونوا حكماء فيحثوا الصلاب على الصلاة في المسجد ولا يُنفرهم من صلاة الجماعة بالكلية فإن بعض الجهلة إذا رأى شدة بعض الدعاة عليه يترك الصلاة كلها، فينبغي مراعاة ذلك والدعوة بالحسنى.
وفق الله الجميع لما يُحب ويرضى، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحيه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1391)
حكم صلاة النساء في المسجد وهن لا يرين الإمام ولا المأمومين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم صلاة النساء في المساجد التي لا يرين فيها الإمام ولا المأمومين وإنما يسمعن الصوت فقط؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز للمرأة وللرجل أيضا أن يصلي مع الجماعة في المسجد وإن لم ير الإمام ولا المأمومين إذا أمكن الاقتداء , فإذا كان الصوت يبلغ النساء في مكانهن من المسجد ويمكنهن أن يقتدين بالإمام فإنه يصح أن يصلين الجماعة مع الإمام؛ لأن المكان واحد , والاقتداء ممكن سواء كان عن طريق مكبر الصوت , أو عن طريق مباشر بصوت الإمام نفسه , أو بصوت المبلغ عنه , ولا يضر إذا كن لا يرين الإمام ولا المأمومين , وإنما اشترط بعض العلماء رؤية الإمام أو المأمومين فيما إذا كان الذي يصلي خارج المسجد , فإن الفقهاء يقولون يصح اقتداء المأموم الذي خارج المسجد إن رأى الإمام أو المأمومين , على أن القول الراجح عندي أنه لا يصح للمأموم أن يقتدي بالإمام في غير المسجد وإن رأى الإمام أو المأمومين إذا كان في المسجد مكان يمكنه أن يصلي فيه , وذلك لأن المقصود بالجماعة الاتفاق في المكان وفي الأفعال , أما لو امتلأ المسجد وصار من كان خارج المسجد يصلي مع الإمام ويمكنه المتابعة فإن الراجح جواز متابعته للإمام وائتمامه به سواء رأى الإمام أم لم يره إذا كانت الصفوف متصلة " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (15/213)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1392)
بناء القبة والمئذنة للمسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم بناء قبة ومئذنة على المسجد؟ هل هناك حديث بخصوصها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
بناء القِباب على المساجد مُحدث وإِِسراف فلا يجوز بناؤها، وأمَّا المآذن التي يُحتاج إليها منْ أجل بلُوغ صوتِ المؤذن إلى أقصى حدٍ مُمكن، أو لِيُعرف المسجد منْ بُعد لُِيقصد من قِبَلِِ المصلِّين فالوسائل لها أحكامُ المَقاصِد فبِناؤها حينئذٍ مشروع.
[الْمَصْدَرُ]
كتبه: الخضير(5/1393)
مشكلة مسجد يُزعم أنه بني على أرض وقف لمسجد آخر
[السُّؤَالُ]
ـ[لدينا مسجد بنته إحدى المؤسسات الخيرية على أرض اشترتها من شخص والمشكلة هنا أن بعض كبار السن يقول إن هذه الأرض التي بنى عليها المسجد هي وقف على مسجد آخر.
ونحب أن نعلمكم بالآتي:
1. أن الشخص الذي باع هذه الأرض على المؤسسة لديه وثائق معتمدة من قبَل المحكمة.
2. أن القائمين على وقف المسجد الذي يقال إن هذه الأرض له إلى الآن لم يطالبوا بهذه الأرض علما أن المسجد له أكثر من سنة منذ بداية تأسسيه.
3. أن كبار السن ليس لديهم أية وثائق تدل على أن هذه الأرض وقف على ذلك المسجد وإنما.
4. أن المؤسسة الخيرية التي بنت المسجد مستعدة لشراء الأرض من جديد إذا ثبت من قبل المحكمة أنها وقف لهذا المسجد.
5. أن المسجد الذي بني على هذه الأرض جامع لا يوجد في هذه القرية إلا مسجد آخر وهو تابع للصوفية مليء بالبدع ولا تقام فيه جمعة.
6. أن هذا المسجد ولله الحمد قائم على السنة.
والسؤال هنا:
ما حكم الصلاة في هذا المسجد؟ وما هو رأيكم في أولئك الذين يحذرون الناس من الصلاة في هذا المسجد بحجة أنه بني على أرض مشبوهة.أفيدونا أثابكم الله تعالى.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الصلاة في المسجد صحيحة، ولا التفات إلى ما يقوله بعض كبار السن عندكم من غير بيِّنة، وبناء على ما ذكرته تكون الوثائق التي عند من باعكم الأرض من البينات على صحة تملك صاحب الأرض لها إلا أن يتبيَّن غير ذلك، وعليه فكلام بعض كبار السن لا يقدم ولا يؤخر، لاسيما أن من هم قائمون على وقف تلك الأرض موجودون ولم يطالبوا بها.
فاستمِروا في الصلاة في المسجد، ولا تلتفتوا إلى كلامٍ يُلقى بلا بيِّنة شرعيَّة، وعلى من يحذِّر من الصلاة فيه أن يتقي الله ربَّه، ولا يردِّد كلام غيره ما دام يخالف الحقائق والبينات، وعليه أن يثبت كلامه ببينة شرعيَّة وإلا فلا يحل له ترك الصلاة في المسجد فضلاً عن تنفيره ومنعه من صلاة غيره فيه.
وقولكم في السؤال (أن المؤسسة الخيرية مستعدة لشراء الأرض إن ثبت أنها وقف) ، فالوقف لا يجوز بيعه، لكن إذا كان المسجد الموقوف عليه هذه الأرض غير محتاج إليها ومستغن عنها، جاز بذلها لمن يبني عليها مسجداً، وهو ما قد تم بالفعل، هذا إذا ثبت أنها وقف.
وفقكم الله لما فيه رضاه، ونسأله تعالى أن يتقبل منكم صالح أعمالكم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1394)
زيارة المسجد الأقصى في فلسطين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لمن هو خارج فلسطين أن يسافر للصلاة في المسجد الأقصى؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
زيارة المسجد الأقصى والصلاة فيه سنة إذا تيسر ذلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا والمسجد الأقصى) متفق على صحته. والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. ص / 214.(5/1395)
حكم دخول الكفار المساجد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز السماح للنصارى أو اليهود أو غيرهم من الكفار دخول المساجد لزيارتها، حيث أن بعض الدول الإسلامية تنظم مثل هذه الزيارات لبعض الشخصيات التي تزورها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في دخول الكافر المسجد إذا كان لغرض شرعي وأمر مباح، كأن يسمع الموعظة، أو يشرب الماء، ونحو ذلك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أنزل بعض الوفود الكافرة في مسجده صلى الله عليه وسلم، ليشاهدوا المصلين ويسمعوا قراءته صلى الله عليه وسلم وخطبه،، وليدعوهم إلى الله من قريب، ولأنه صلى الله عليه وسلم ربط ثمامة بن أثال الحنفي في المسجد لما أتي به إليه أسيراً فهداه الله وأسلم. والله ولي التوفيق. انتهى.
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. م/8ص / 356
وأما دخول الوفود السياحية للفرجة ومعهم نساء بلباس متهتك مصطحبين لكاميرات التصوير ويدخلون المساجد دون احترام ولا توقير فهذا منكر شنيع لا يجوز السماح به. والله المستعان.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1396)
عرض الأشرطة المرئية التي بها صلبان في المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[لدينا في المركز الإسلامي أشرطة مرئية، ومن خلال البرنامج الثقافي في المسجد نود عرض شريط فيديو عبارة عن مسرحية تتحدث عن تاريخ القدس، وهي خالية من الموسيقى وتعرض التاريخ من وجهة شرعية، يلبس أحد أفراد المسرحية الصليب على أنه قسيس. فهل هناك من حرج في عرض الشريط على المسلمين خاصة وأنه سوف يربط الشباب هنا والأطفال والكبار في قضية مهمة من قضايا المسلمين المعاصرة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فإن المساجد بنيت لعمارتها بذكر الله وإقام الصلاة، وتعليم العلوم الشرعية، وقد أذن الله أن ترفع أي تعظم، ومن تعظيمها صيانتها عن كل ما ينافي حرمتها من اللغو، واللهو، وأنواع الباطل قولا وعملا.
وعرض المسرحيات في المسجد وإن كان لها صبغة شرعية لا يليق بحرمة المسجد لأن هذه الأفلام تقوم على التمثيل والتصوير وهما محوران لسائر برامج اللهو على اختلاف أنواعه وأهدافه. فكان ينبغي للمسلمين الإستغناء عنهما بالتعليم وهو ممكن وميسور بدونهما، ولا يكاد التمثيل أن يخلو من شيء من المنكر قلَّ أو كثر.
وأما التمثيل فالشبهة منه أظهر، وإذا كان لابد لعرض هذه الأفلام ففي غير المسجد صيانة لحرمته وتجنيباً له عما يمت إلى اللهو بصلة.
[الْمَصْدَرُ]
فضيلة الشيخ عبد الرحمن البراك.(5/1397)
جوالات تعلن الباطل والمحرم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما رأي فضيلتكم فيما يُسمع من نغمات الجوال المزعجة بصوت الموسيقى والحرص عليها وتناقلها حتى أصبحت تُسمع في المساجد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
وضع نغمات الجوال على الأصوات الموسيقية منكر ومحرم ويزاد شناعةً وقبحاً وتحريماً ونكارةً عندما يكون في بيوت الله وهي المساجد لأن في ذلك إعلاناً للباطل والمحرم في هذا المكان الفاضل فيكون إثم صاحبه أشد ووزره أعظم ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نصّ على تحريم المعازف وهي التي تصدر الأصوات الموسيقية وهذه الجوالات مسجل فيها هذه الأصوات تذاع منها وتتكرر في كل مكالمة تأتي إلى صاحب الجوال وليت شعري ماذا سيكتب في صحائف هؤلاء الذين تعزف جوالاتهم بالموسيقى في بيوت الله أثناء الصلاة فيشوشون على أنفسهم وعلى غيرهم ويجعلون صوت الباطل ومزمار الشيطان يرتفع في بيوت الله.
ألا يتقي هؤلاء ربهم ويتوبون إليه ويقلعون عما هم فيه ويغيرون هذا المنكر خصوصاً وأن البديل المباح موجود من الأصوات الأخرى العادية غير الموسيقية في اختيارات أجراس الهاتف.
ومما ينبه عليه أن جرس الهاتف وإن كان على صوت مباح فإنه ينبغي أن يكتم ويغلق قبل دخول المسجد منعاً للتشويش على عباد الله المصلين.
والله المستعان وإليه المشتكى ولا حول ولا قوة إلا بالله.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1398)
حكم الساحة التابعة للمسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل توابع المسجد كالفناء والساحة والمكتبة وبيت الوضوء لها حكم المسجد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جاء في الموسوعة الفقهية (5/225) :
" أَمَّا رَحْبَةُ الْمَسْجِدِ , وَهِيَ سَاحَتُهُ الَّتِي زِيدَتْ بِالْقُرْبِ مِنْ الْمَسْجِدِ لِتَوْسِعَتِهِ , وَكَانَتْ مُحَجَّرًا عَلَيْهَا , فَاَلَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلامِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْمَسْجِدِ , وَمُقَابِلُ الصَّحِيحِ عِنْدَهُمْ أَنَّهَا مِنْ الْمَسْجِدِ , وَجَمَعَ أَبُو يَعْلَى بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنَّ الرَّحْبَةَ الْمَحُوطَةَ وَعَلَيْهَا بَابٌ هِيَ مِنْ الْمَسْجِدِ. وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إلَى أَنَّ رَحْبَةَ الْمَسْجِدِ مِنْ الْمَسْجِدِ , فَلَوْ اعْتَكَفَ فِيهَا صَحَّ اعْتِكَافُهُ..اهـ
قال الشيخ عبد العزيز آل الشيخ:
" ما كان حائط المسجد شاملاً ومُدخلاً له في المسجد فهو من المسجد، وما كان خارج محيط المسجد فهو خارج المسجد. اهـ
مجلة البحوث الإسلامية (59/81) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1399)
دخول الحائض المسجد لسماع الخطبة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للحائض أن تحضر الجمعة لتستمع للخطبة فقط؟ أرجو ذكر الدليل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كانت ستجلس في المسجد لاستماع الخطبة فإن هذا لا يحل، لأنه لا يجوز للحائض أن تدخل المسجد إلا مروراً فقط.
أما إذا كانت ستجلس في مكان ملحق بالمسجد أو قريب من المسجد فإن هذا لا بأس به، لأنها لم تدخل في المسجد حيئنذٍ.
ولتفصيل الجواب في المكان الملحق بالمسجد انظر إجابة السؤال رقم (34815) لمعرفة متى يكون المكان الملحق بالمسجد حكمه حكم المسجد
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
يحرم على الحائض أن تمكث في المسجد، حتى مصلى العيد يحرم عليها أن تمكث فيه لحديث أم عطية رضي الله عنها قالت: أَمَرَنَا تَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُخْرِجَ فِي الْعِيدَيْنِ الْعَوَاتِقَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ وَأَمَرَ الْحُيَّضَ أَنْ يَعْتَزِلْنَ مُصَلَّى الْمُسْلِمِينَ. رواه البخاري (324) ومسلم (890) اهـ رسالة الدماء الطبيعية للنساء (ص 52-53) .
والعَاتِق هِيَ الْجَارِيَة الْبَالِغَة. وذوات الخدور هن الأبكار.
وسئلت اللجنة الدائمة (5/398) عن حكم دخول الحائض المسجد.
فأجابت: لا يجوز للحائض دخول المسجد إلا مروراً إذا احتاجت إلى ذلك كالجنب لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) اهـ.
وسئلت اللجنة الدائمة أيضاً (6/272) ما حكم الشرع في حق المرأة التي تدخل المسجد وهي حائض للاستماع إلى الخطبة فقط؟
فأجابت: لا يحل للمرأة أن تدخل المسجد وهي حائض أو نفساء. . . أما المرور فلا بأس إذا دعت إليه الحاجة وأُمِن تنجيسها المسجد لقوله تعالى: (ولا جنبا إلا عابري سبيل) النساء / 43.
والحائض في معنى الجنب؛ ولأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر عائشة أن تناوله حاجة من المسجد وهي حائض اهـ.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1400)
هل هناك نص يحدد تحية المسجد بثلاثة الصفوف الأولى من المسجد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك نص يحدد تحية المسجد بثلاثة الصفوف الأولى من المسجد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا نعلم لهذا الكلام أصلاً، وتحية المسجد تُصلى في أي مكان في المسجد، ولا تخص ذلك بالصفوف الثلاثة الأولى.
والأمر سهل فحيثما تيسر للمسلم الصلاة في أي مكان من المسجد فليصل.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1401)
حكم دخول الحائض لما يلحق بالمسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[في أميركا مسجد يتكون من ثلاثة أدوار: الدور الأعلى مصلى للنساء، والدور الذي تحته المصلى الأصلي، والدور الذي تحته وهو عبارة عن (قبو) فيه المغاسل ومكان للمجلات والصحف الإسلامية، وفصول دراسية نسائية ومكان لصلاة النساء أيضاً.
فهل يجوز للنساء الحُيَّض دخول هذا الدور السفلي؟
كما يوجد في هذا المسجد عمود يعترض للمصلين في صفوفهم فيقسم الصف إلى شطرين فهل يقطع الصف أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان المبنى المذكور قد أُعد مسجداً ويسمع أهل الدورين الأعلى والأسفل صوت الإمام صحّت صلاة الجميع، ولَم يجُز للحُيّض الجلوس في المحل المعد للصلاة في الدور الأسفل، لأنه تابع للمسجد، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إني لا أُحل المسجد لحائض ولا جٌنٌب) . أما مرورها بالمسجد لأخذ بعض الحاجات مع التحفظ من نزول شيء من الدم فلا حرج في ذلك، لقوله سبحانه: {ولا جٌنباً إلا عابري سبيل} .
ولما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه أمر عائشة أن تناوله الخمرة من المسجد، فقالت إنها حائض فقال صلى الله عليه وسلم، (إن حيضتك ليست في يدك) .
أما إن كان الدور الأسفل لم ينوه الواقف من المسجد، وإنما نواه مخزناً ومحلاَّ لما ذكر في السؤال من الحاجات فإنه لا يكون له حكم المسجد، ويجوز للحائض والجنب الجلوس فيه ولا بأس بالصلاة فيه في المحل الطاهر الذي لا يتبع دورات المياه كسائر المحلات الطاهرة التي ليس فيها مانع شرعي يمنع من الصلاة فيها، لكن من صلى فيه لا يتابع الإمام الذي فوقه إذا كان لا يراه ولا يرى بعض المأمومين، لأنه ليس تابعاً للمسجد في الأرجح من قولي العلماء. أما العمود الذي يقطع الصف فلا يضر الصلاة، لكن إذا أمكن أن يكون الصف قدامه أو خلفه حتى لا يقطع الصف فهو أولى وأكمل. والله ولي التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ ابن باز. فتاوى إسلامية 1/241-242(5/1402)
الإعلان عن إفطار جماعي في المسجد لمن صام
[السُّؤَالُ]
ـ[أعلن في أحد المساجد أنه يوجد إفطار لكل من يريد الصيام في كل يوم خميس فما حكم ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين حفظه الله فكان جوابه كما يلي:
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، هذا الإعلان لا بأس به لأنه إعلان فيه دعوة للخير وليس المقصود به بيعا ولا شراء، المحرم أن يعلن عن البيع وشراء أو تأجير واستئجار مما لم تبن المساجد من أجله وأما الدعوة إلى الخير وإطعام الطعام والصدقة فلا بأس به.
وأمّا بالنسبة لكونه هل هو اجتماع غير مشروع على العبادة، (فإنهم في الحقيقة) لم يعلنوا عن الصيام الجماعي وإنما أعلنوا عن الإفطار فقط فلا بأس به.. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(5/1403)
هل يجوز إسكات الشّحاذ داخل المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الموقف من الشحاذين على أبواب المسجد؟ هل نعطيهم أم لا؟ وهل للإمام أن يُسْكت من يقوم ويسأل بعد الصلاة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله:
أما الشحاذين عند أبواب المساجد من الخارج فلا بأس إذا كانوا صادقين، أما داخل المسجد فيُنهون عن هذا ويقال لهم: اخرج عند الباب.
سؤال:
هل يُعتبر الإمام الذي يُخرجهم مخالفا لقوله تعالى: " وأما السائل فلا تنهر "؟
جواب:
هو ما نهره وإنما أمره بتغيير المكان.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين(5/1404)
حكم افتتاح المساجد بالحفلات والاجتماع لذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا بُني عندنا مسجد جديد وأريد ابتداء الصلاة فيه دُعي الناس من البلدان المجاورة فيجتمعون لهذا الذي يسمونه افتتاح المسجد، فما حكم إتيانهم لهذا الغرض؟ وهل حديث: (لا تُشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ... ) يدل على تحريم ذلك؟ وإذا كان جائزاً فما الدليل على ذلك؟ وهل حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم دعاه بعض الصحابة ليصلي ناحية من بيته ليتخذها مصلّى ... يدل على جوازه؟ وكذلك هل يدل عليه مفهوم ما جاء في قصة مسجد الضّرار بحيث لم يوجه ربنا نهيه إلى مجرد عزمه على الذهاب، وإنما نهاه لأن المسجد لم يُبن إلا ضراراً وكفراً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
افتتاح المساجد يكون بالصلاة فيها وعمارتها بذكر الله، من تلاوة قرآن والتسبيح والتحميد والتهليل وتعليم العلوم الشرعية ووسائلها ونحو ذلك مما فيه رفع شأنها، قال الله تعالى: (في بيوت أذن الله أن ترفع ويُذكر فيها اسمه، يسبح له فيها بالغدو والآصال، رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإتياء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيها القلوب والأبصار، ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب) بهذا ونحوه من النصائح والمواعظ والمشورة كان يعمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتبعه في هذا الخلفاء الراشدون وسائر صحابته وأئمة الهدى من بعده رضي الله عنهم ورحمهم، والخير كل الخير في الاهتداء بهديهم في الوقوف عندما قاموا به في افتتاح المساجد، وعمارتها بما عمروها به من العبادات وما في معناها من شعائر الإسلام ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم، ولا عمن اتبعه من أئمة الهدى أنهم افتتحوا مسجداً بالاحتفال وبالدعوة إلى مثل ما يدعوا إليه الناس اليوم، من الاجتماع من البلاد عند تمام بنائه للإشادة به، ولو كان ذلك مما يُحمد لكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، أسبق الناس إليه ولسنّه لأمته ولتبعه عليه خلفاؤه الراشدون وأئمة الهدى من بعده، ولو حصل ذلك لنُقل.
وعلى هذا فلا ينبغي مثل هذه الاحتفالات، ولا يُستجاب للدعوة إليها ولا يُتعاون على إقامتها بدفع مال أو غيره، فإنّ الخير في اتباع من سلف، والشر في ابتداع من خلف، وليس في دعوة بعض الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته ليصلي في مكان منه ركعتين كي يتخذه صاحبه مصلى يصلي فيه ما قدر له من النوافل دليل على ما عُرف اليوم من الاحتفال لافتتاح المسجد، فإنه لم يدعه إلى احتفال بل لصلاة ولم يسافر لأجل تلك الصلاة، ثم السفر إلى ذلك الاحتفال أو للصلاة في ذلك المسجد داخل في عموم النهي عن شد الرحال إلى غير تلك المساجد الثلاثة المعروفة، فينبغي العدول عن تلك العادة المُحدثة، والاكتفاء في شؤون المساجد وغيرها بما كان عليه العمل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأتباعه أئمة الهدى رحمهم الله.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة من كتاب فتاوى إسلامية 1/18.(5/1405)
إذا سبق الصبيان من هم أكبر منهم إلى الصف الأول فهم أولى به
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الأولاد يبكرون يوم الجمعة ويأتي أناس أكبر منهم ويقيمونهم ويجلسون مكانهم ويحتجون بقوله صلى الله عليه وسلم: (ليلني منكم أولوا الأحلام والنهى) ، فهل هذا جائز؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا يقوله بعض أهل العلم ويرى أن الأولى بالصبيان أن يصفوا وراء الرجال، ولكن هذا القول فيه نظر، والأصح أنهم إذا تقدموا لا يجوز تأخيرهم، فإذا سبقوا إلى الصف الأول أو إلى الصف الثاني فلا يقيمهم من جاء بعدهم، لأنهم سبقوا إلى حق لم يسبق إليه غيرهم فلم يجز تأخيرهم لعموم الأحاديث في ذلك، لأن في تأخيرهم تنفيراً لهم من الصلاة، ومن المسابقة إليها فلا يليق ذلك.
لكن لو اجتمع الناس بأن جاءوا مجتمعين في سفر أو لسبب، فإنه يصف الرجال أولاً، ثم الصبيان ثانياً، ثم النساء بعدهم إذا صادف ذلك وهم مجتمعون، أما أن يؤخذوا من الصفوف ويزالوا ويصف مكانهم الكبار الذين جاءوا بعدهم فلا يجوز ذلك لما ذكرنا.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (ليلني منكم أولوا الأحلام والنهى) ، فالمراد به التحريض على المسارعة إلى الصلاة من ذوي الأحلام والنهى وأن يكونوا في مقدم الناس، وليس معناه تأخير من سبقهم من أجلهم، لأن ذلك مخالف للأدلة الشرعية التي ذكرنا.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - ج/12 ص/399.(5/1406)
ما العمل إذا لم تعد هناك حاجة لبعض أثاث المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز نقل الوقف على المسجد، مثل الدولاب إذا ضاق على المسجد وإذا لم يكن للمسجد حاجة إليه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، يجوز نقل الوقف إذا كان ذلك أصلح، فإذا استُغْني عن شيء بالمسجد، كفراش أو دولاب أو غيره، نقلناه إلى مسجد آخر بعينه إذا أمكن، وإن لم يمكن قمنا ببيع هذه الأشياء وأنفقنا ثمنها على المسجد.
أما إذا كان (هذا الأثاث من دائرة الأوقاف) ، فإن (دائرة) الأوقاف هي التي تتصرف في ذلك وتفعل ما هو أصلح.
[الْمَصْدَرُ]
لقاء الباب المفتوح لابن عثيمين /168(5/1407)
هل يجوز بيع المسجد إذا لم يعد هناك مسلمون حوله
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم بيع المسجد إذا انتقل المسلمون عن المنطقة التي هو فيها وخيف تلفه أو الاستيلاء عليه؟ فكثيراً ما يشتري المسلمون منزلاً ويحولونه مسجداً فإذا انتقلت غالبية المسلمين من المنطقة لظروف العمل هجر المسجد أو أهمل، وقد يستولي عليه آخرون. وممن الممكن بيعه وأن يستبدل به مسجد يؤسس في مكان فيه مسلمون، فما حكم هذا البيع أو الاستبدال؟ وإذا لم تتيسر فرصة استبدال مسجد آخر به فما أقرب الوجوه التي يجوز صرف ثمن المسجد فيها؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز بيع المسجد الذي تعطل الانتفاع به، أو هجر المسلمون المكان الذي هو فيه أو خيف استيلاء الكفار عليه، على أن يُشترى بثمنه مكان آخر يتخذ مسجداً. والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
قرارات مجمع الفقه الإسلامي ص 44(5/1408)
هل تجوز الصلاة في المسجد المبني بالربا
[السُّؤَالُ]
ـ[تم بناء مركز إسلامي في منطقتي. وقد اشترى المسلمون الممتلكات عن طريق أخذ قرض كبير بفوائد ربوية. وقد بني المسجد باستخدام هذه الفوائد.
هل هو حرام على الطالب المسلم أن يصلي أو يمارس الأنشطة في هذا المسجد؟ أو يجب عليه الذهاب إلى المساجد الأخرى في المنطقة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تجوز الصلاة في هذا المسجد ويجب على من اقترض بالربا التوبة إلى الله. والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1409)
هل يجوز الاحتياط في بناء المسجد بإجراء عقود محرّمة
[السُّؤَالُ]
ـ[أولا أود أن أشكر كل من شارك في هذا البرنامج المفيد، والذي سوف يساعد الناس على اتباع منهج أهل السنة والجماعة، فجزاكم الله خيرا.
سؤالي هو: نحن على وشك البدء في بناء مسجد في مدينة (أو ولاية) كروسز. ولكي نضمن أن المقاول سوف يتم بناء المسجد يجب أن نعمل شيئين:
1- نشتري سندات تغطي مشكلة عدم استمرار المقاول في عمله.
2- نقوم بالتأمين على المسجد، والذي سوف يحمي المسجد من أي ضرر يقوم به المقاول بعد الانتهاء، أو من الحوادث المقصودة أو غير المقصودة مثل الحرائق وغيرها.
وسؤالي هو هل هذا النوع من الحماية حلال؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا: جزاك الله خيرا على ثنائك وتشجيعك
ثانيا: شراء السندات عملية ربوية محرّمة، والدّخول في عقود التأمين الشائع ميسر محرّم أيضا، فاستعينوا بالله وتوكّلوا على الله وانتقوا المقاول المعروف بأمانته في العمل واكتبوا شروط العقد بعد دراسة واستشارة متأنيّة ولعلكم تجدون في النّظام والمحاكم لديكم من يُنصفكم عند حدوث أيّ مكروه نسأل الله السلامة والإعانة لكم، واذكروا قول الله تعالى: (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ. فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108) سورة التوبة. وصلى الله على نبينا محمد
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1410)
المساجد التي تبنيها دولة كافرة للمسلمين فيها
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن مسلمون نعيش في دولة كافرة، وتقوم الحكومة حالياً بإنشاء بعض المساجد في أماكن المسلمين فيها، فهل يجوز لنا الاعتراف بهذه المساجد دون أن نبني بأيدينا مع قدرتنا على بنائها، وإن كانت سقوفها من أوراق الأشجار، علماً بان الحكومة في الوقت الحاضر تحرص على إرضاء المسلمين حتى ينتهي المسلمون عن مخالفة الحكومة، ويلاحظ أن هذه المساعدات لا يعرف مصدرها هل هي من الحكومة حقيقة أو من إخواننا المسلمين خارج البلاد، نأمل أن تتفضلوا بالإجابة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من المعلوم أن الحقوق على اختلاف أنواعها مالية وبدنية ومعنوية متبادلة بين الحكومات وشعوبها ومن تحت رعايتها، فإذا كان الواقع كما ذكرتم من أن الحكومة التي أنتم تحت رعايتها نصراية، وأنها قامت بإنشاء مساجد في الأحياء الإسلامية فإنما تقوم بما عليها من الحقوق الواجبة لرعاياها، وتحقق لهم الرغبات وتيسر لهم المرافق العامة دينية ودنيوية مقابل ما يؤدونه لها من حقوق وما تكسبه من ورائهم من أنواع المصالح والمنافع، وعلى هذا فلا غضاضة عليكم أن تقبلوا ما أنشأته لكم من المساجد قياماً بما عليها من واجب نحوكم، دون أن يكون لها في ذلك منّة عليكم أو يد تطلب جزاءها أو التعويض عنها، بل ينبغي لكم أن تقبلوا تلك المساجد وتطالبوا بأمثالها وبإنشاء مدارس إسلامية دون أن يثنيكم عن عزمكم في استيفاء حقوقكم دينية ودنيوية ما تقدمت به إليكم من مصالح مادية أو معنوية.
وعليكم معشر المسلمين أن تتعاونوا فيما بينكم في إنشاء مرافق أخرى من مساجد ومدارس إسلامية وغير ذلك مما تحتاجون إليه، مع العناية بأن تكون الولاية والإشراف على المساجد والمدارس ونحوها التي تبنيها لكم الحكومة: للمسلمين لا لغيرهم، حتى لا يحدثوا فيها ما يخالف الشرع؛ عملاً بقوله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى) وأما الأموال التي بذلت من الحكومة فلا يشترط أن تعلموا مصدرها؛ لعدم الدليل على ما يقتضي ذلك.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى اللجنة الدائمة 6/262(5/1411)
شراء أماكن للهو وتحويلها إلى مساجد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز شراء محلات الخمر والرقص واستعمالها مساجد ومعابد؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم يجوز شرؤاها واتخاذها مساجد؛ لأن في ذلك استعمالها فيما هو خير مما كانت متخذة له ومستعملة فيه، والخبث ليس وصفاً لازماً لهذه الأماكن لذاتها، وإنما عرض لها من أجل ما اتخذت له، فإذا استعملت في الخير واتخذت له ذهب خبثها وصارت مواضع خير.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى اللجنة الدائمة 6/233.(5/1412)
شراء الكنيسة لتكون مسجداً
[السُّؤَالُ]
ـ[توجد جماعة من المسلمين في مدينة في ولاية جورجيا في الولايات الأمريكية، وترغب في إقامة مسجد لأداء الصلوات الخمس والجمعة، وكانت هناك كنيسة معروضة للبيع، فهل يجوز لهم شراء هذه الكنيسة وتحويلها إلى مسجد بعد إزالة الأصلبة الموجودة، وكذلك الصور المعلقة والمنقوشة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم يجوز شراؤها وجعلها مسجداً وتجب إزالة الصلبان والصور المعلقة والمنقوشة فيها، وكل ما يشعر بأنها كنيسة، ولا نعلم مانعاً يمنع من ذلك.
من فتاوى اللجنة الدائمة 6/267.
ومن الأدلة على جواز تحويل معابد الشرك والكفر إلى مساجد الحديث التالي: عن طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ خَرَجْنَا وَفْدًا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعْنَاهُ وَصَلَّيْنَا مَعَهُ وَأَخْبَرْنَاهُ أَنَّ بِأَرْضِنَا بِيعَةً لَنَا (البيعة: معبد النصارى أو اليهود) فَاسْتَوْهَبْنَاهُ مِنْ فَضْلِ طَهُورِهِ فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ وَتَمَضْمَضَ ثُمَّ صَبَّهُ فِي إِدَاوَةٍ وَأَمَرَنَا فَقَالَ اخْرُجُوا فَإِذَا أَتَيْتُمْ أَرْضَكُمْ فَاكْسِرُوا بِيعَتَكُمْ وَانْضَحُوا مَكَانَهَا بِهَذَا الْمَاءِ وَاتَّخِذُوهَا مَسْجِدًا قُلْنَا إِنَّ الْبَلَدَ بَعِيدٌ وَالْحَرَّ شَدِيدٌ وَالْمَاءَ يَنْشُفُ فَقَالَ مُدُّوهُ مِنْ الْمَاءِ فَإِنَّهُ لا يَزِيدُهُ إِلاّ طِيبًا فَخَرَجْنَا حَتَّى قَدِمْنَا بَلَدَنَا فَكَسَرْنَا بِيعَتَنَا ثُمَّ نَضَحْنَا مَكَانَهَا وَاتَّخَذْنَاهَا مَسْجِدًا فَنَادَيْنَا فِيهِ بِالْأَذَانِ قَالَ وَالرَّاهِبُ رَجُلٌ مِنْ طَيِّئٍ فَلَمَّا سَمِعَ الأَذَانَ قَالَ دَعْوَةُ حَقٍّ ثُمَّ اسْتَقْبَلَ تَلْعَةً مِنْ تِلاعِنَا (تلعة " بفتح فسكون مسيل الماء من أعلى الوادي وأيضا ما انحدر من الأرض) فَلَمْ نَرَهُ بَعْدُ. " رواه النسائي 694.
ولا يلزم هدم البنيان من أساسه ما دام يمكن الاستفادة من سقوفه وحيطانه وما شابه ذلك ويمكن عمل التعديلات المعمارية اللازمة لجعل صفوف البنيان جهة الكعبة بعد إزالة كل مظاهر الشرك والمحرمات والله تعالى الموفّق وهو أعلم وأحكم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1413)
غضب بعض كبار السن ممن يسبقهم إلى مكان في المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض كبار السن عندما يحضرون إلى المسجد ويجدون أحداً جالساً في المكان الذي اعتادوا الصلاة فيه يغضبون فما حكم ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز لهم ذلك، والسابق أحق منهم، وليس لهم الغضب وليس لهم الحق في هذا.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى إسلامية ابن باز /517(5/1414)
اختلفوا على إبقاء الستارة بين الرجال والنساء في المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد في أحد المساجد ستارة بين الرجال والنساء فحصل خلاف في أهمية هذه الستارة فرأى بعضهم أنه لا حاجة لها وأنه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن هناك ستارة وأصر الآخرون على وجودها فحصل خلاف نتيجة ذلك ربما يؤدي بالذين يرون بعدم وجودها إلى ترك الصلاة في المسجد علماً أنه يحدث هناك شيء من الاختلاط أو النظر عند الانصراف لطبيعة دين الموجودين من الرجال فهل نصر على إبقاء الستارة ولو ترك الصلاة من ترك أو نزيل الستارة ولو حصل ما حصل من النظر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أجابنا فضيلة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين على هذا السؤال بقوله:
الستارة تبقى وكونها لم توجد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم إما لعدم السبب المقتضي لها وإما لوجود المانع، أما الأول فلأن الصحابة رضي الله عنهم عندهم من الإيمان بالله ما يمنعهم من النظر إلى النساء، وأما المانع فلأن حال الصحابة كما نعلم لا سيما قبل الفتوح حال عسر لا يستطيعون أن يضعوا ستارة تحول بينهم وبين النساء، وإذا خلصنا إلى هذا رأينا أيهما أبعد عن الفتنة أن توجد الستارة أو لا توجد؟ ، كلٌ يقول الأبعد عن الفتنة وجود الستارة، وإذا كان كذلك فكلما كان أبعد عن الفتنة فهو أولى وإذا قلت: لو أصررنا على هذا لتخلّف الذين يقولون بإزالتها، فالجواب أنهم إذا تخلفوا فهم الذين جنوا على أنفسهم لأنهم لا يعذرون بترك الجماعة لوجود هذه الستارة إذ أن وجودها ليس معصية حتى يقولوا أننا لن نحضر لنشاهد المعصية فيكونون إذا تخلفوا آثمين بتركهم الجماعة. انتهى
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(5/1415)
المكان المستأجر للصلاة هل يأخذ حكم المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[عندنا محل مستأجر اتخذناه كمصلى نصلي فيه الفروض الخمس ويوم الجمعة. هذا المكان لا يملكه مسلمون فهو بالأحرى مستأجر.
هل هذا المكان يأخذ أحكام المسجد أم لا. على سبيل المثال هل يلزمنا أداء تحية المسجد كل مرة ندخل. هل يجوز للمرأة أن تدخله في فترة حيضها وهكذا.
وأمر آخر وهو أننا نبيع بعض الكتابات من بعض الدكاكين على السلمين لتسديد جزء من الإيجار. هذا يحدث عادة في المصلى حيث يتم الإعلان عنها بعد صلاة الجمعة ويأتي المسلمون لشرائها. ما حكم هذا؟ هل يعتبر هذا تجارة لا تجوز في هذا المكان؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين حفظه الله فأجاب:
هذا ليس له حكم المسجد، هذا مصلى بدليل أنه مملوك للغير وأن مالكه له أن يبيعه، فهو مصلى وليس مسجدا فلا تثبت له أحكام المسجد.
سؤال:
هل يسمح فيه ببيع الكتيبات والإعلانات التجارية، أم أن ذلك لا يليق حتى بالمصلى؟
الجواب:
أرى أنه لا يليق حتى بالمصلى، لأن هذا يلهي عن ذكر الله، ويوجب التشويش على من يصلي فيه.
سؤال:
وأما حضور الحائض فيه فلا بأس؟
جواب:
نعم، أما مكث الحائض فيه فلا بأس.
سؤال:
ولا تشرع تحية المسجد؟
الجواب:
ولا تشرع، لكن له أن يصلي سنة عادية.
سؤال:
يعني بين كل أذانين صلاة؟
الجواب:
نعم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(5/1416)
الكلام في المسجد في أمور الدنيا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لنا أن نتكلم في أمور الدنيا في المسجد وقت الأذان؟ هل يجوز لنا السلام والمصافحة وقت الأذان؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أخرج الحاكم في المستدرك 4/359 بسنده إلى أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يأتي على الناس زمان يتحلقون في مساجدهم وليس همتهم إلا الدنيا، ليس لله فيهم حاجة فلا تجالسوهم، هذا حديث صحيح ولم يخرجاه. قال: الذهبي في التلخيص:صحيح.
وهذا الحديث نص في كراهية هذا الفعل المذموم لأن المساجد لم يؤمر ببنائها لهذا، وإنما أمر برفعها لتعمر بذكره سبحانه وتعالى وتؤدى فيها الصلوات والطاعات والقُرُبات كالاعتكاف وأنواع الذّكر كحلق القرآن والعلم، وفي المقابل جاءت أحاديث تأمر بترديد الأذان بعد المؤذن استحبابا وندبا، مشيرة ومرشدة إلى ما يفعل عند سماع الأذان فيزهد قوم في ذلك ولا يعلمون كم فاتهم من الأجور وكم لزمهم من المؤاخذة على ذلك فأي قلوب يحملون؟! يسمعون ذكر الله ثم عنه يعرضون ولا يؤثر في قلوبهم فيخشعون فيحملهم على الإنصات؟ ومن هذه الأحاديث ما رواه الإمام مسلم في صحيحه برقم 384، بسنده إلى عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا عليّ، فإنّه من صلى عليّ صلاة صلى الله عليه بها عشرا، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة ".
أما السلام والمصافحة فلا بأس بهما لأنهما من الطاعات ولا تعارض بينهما وبين إجابة المؤذن فيُمكن أن يردّ السلام ويُصافح ويجيب المؤذّن.
وينبغي على المسلم أن يحذر من الإتيان بأيّ فعل فيه إيذاء لعمّار المساجد ومن ذلك التشويش على قارئ القرآن أو المصلي أو الذاكر لله في المسجد، ومن السيئات التشويش على أهل المسجد بالكلام في أمور الدنيا لأن في ذلك إيذاء لهم وإشغال للمسلمين عن أداء طاعتهم لله على الوجه الصحيح، والتشويش ممنوع ولو كان بالقرآن فكيف بغيره: أخرج أحمد بن شعيب النسائي في السنن الكبرى 5/32 تحت عنوان: ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم لا يجهر بعضكم على بعض في القرآن، وذلك بسنده إلى أبي حازم التمار عن البياضي " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على الناس وهم يصلون وقد علت أصواتهم بالقراءة فقال: إن المصلي يناجي ربه فلينظر ماذا يناجيه به، ولا يجهر بعضكم على بعض في القرآن ". وعَنْ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ رحمه الله أَنَّهُ قَالَ: الْكَلامُ فِي الْمَسْجِدِ لَغْوٌ إلا لِمُصَلٍّ أَوْ ذَاكِرِ رَبِّهِ أَوْ سَائِلِ خَيْرٍ أَوْ مُعْطِيه. مصنف عبد الرزاق ج:8 باب كلام عكرمة، والله تعالى أعلم وصلى الله على سيدنا محمد والحمد لله رب العالمين.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1417)
حكم نقل مال مسجد لآخر
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد مسجد في الولايات المتحدة الأمريكية جمع له مال وبني، وبقي من المال كثير، ويوجد في منطقة أخرى مسجد وحوله جالية إسلامية كبيرة ويتطلب بناء مكتبة ومدرسة وبعض الملاحق ويريد بعض القائمين عليه أخذ شيء من المال الموجود عند القائمين على المسجد الأول، نرجو الإفادة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان المسجد الأول الذي جمع له المال قد كمل واستغنى عن المال فإن الفاضل عن المال يصرف لتعمير مساجد أخرى مع ما يضاف إليها من مكتبات ودورات مياه ونحو ذلك كما نص على ذلك أهل العلم في كتاب الوقف، ولأنه من جنس المسجد الذي تبرع له ومعلوم أن المتبرعين إنما قصدوا المساهمة في تعمير بيت من بيوت الله فما فضل عنه يصرف في مثله فإن لم يوجد مسجد محتاج صرف الفاضل في المصالح العامة للمسلمين كالمدارس والأربطة والصدقات على الفقراء ونحو ذلك والله ولي التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ ابن باز رحمه الله فتاوى إسلامية 3/24-25(5/1418)
بيع مسجد لشراء مسجد في موقع أفضل
[السُّؤَالُ]
ـ[قبل عدة سنوات اشترينا بيتا وحولناه إلى مسجد والأمور كانت تسير على ما يرام والآن وجدنا بيتا آخر والكثير من الأخوة قالوا بأنه أفضل وموقعه أفضل، فهل يجوز لنا في هذه الحالة أن نبيع المسجد السابق لكي نتمكن من أن نشتري المسجد الذي نفضله؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب بقوله
الحمد لله
نعم هو جائز ولكن بشرط موافقة الجيران، وإذا وافق جيران المسجد المسلمين الذين يصلون فلا بأس لأنه قد يكون المسجد الآخر بعيداً عنهم، ويكون هذا المسجد ملكاً حراً.
سؤال: إذا كان المسلمون في هذا البلد متفرقين وبعيدين عن بعضهم البعض فيؤخذ رأي من منهم.
الجواب: يؤخذ رأي القريبين منهم إلى المسجد بحيث لا يبعد عن أحد منهم فيتضرر من بعد المسجد عنه
سؤال: إذا كان المسجد الآخر أو الجديد يفيد عدداً أكبر من المسلمين فما العمل؟
الجواب: أرى أن يُترك المسجد القديم ويبنى آخر جديد في المكان الآخر، فإذا لم يستطاع بناء الآخر بسبب قلة المال فأرى أن يُترك القديم على ما هو عليه لكي لا يتضرر جيرانه ببعدهم عن المسجد الجديد.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(5/1419)
حكم استئجار الكنائس لإقامة الصلاة فيها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم استئجار الكنائس أماكن لإقامة الصلوات الخمس أو صلاة الجمعة والعيدين، مع وجود التماثيل وما تحتويه الكنائس عادة، علماً بأن الكنائس - في الغالب - أرخص الأماكن التي يمكن استئجارها من النصارى وبعضها تقدمه الجامعات أو الهيئات الخيرية للاستفادة منه في هذه المناسبات دون مقابل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ينبغي على المسلمين السعي ما أمكنهم لبناء دور العبادة الخاصة بهم وأن تُبنى وفق الشّريعة الإسلامية بناء جيدا دون إسراف ولا تزويق فإذا لم يتمكن المسلمون من بناء مساجد لهم واحتاجوا إلى مكان يصلّون فيه ولم يجدوا إلا كنيسة فإنّ " استئجار الكنائس للصلاة لا مانع منه شرعاً عند الحاجة، وتُجتنب الصلاة إلى التماثيل والصور وتستر بحائل إذا كانت باتجاه القبلة."
[الْمَصْدَرُ]
مجمع الفقه الإسلامي ص47.(5/1420)
بناء المساجد في مكان لا يتوقع بقاء المسلمين فيه بصفة دائمة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز بناء مسجد أو تحويل بناء إلى مسجد في منطقة أو مدينة يتوقع خلوها من المسلمين بعد حين؟ حيث أنه في أمريكا يقيم الطلاب المسلمون مسجداً في منطقة معينة، فإذا تخرجوا وعادوا إلى بلادهم يبقى المسجد مهجوراً أو شبه مهجور؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يُبنى أو يحول بناء إلى مسجد لما في ذلك من المصلحة العامة للمسلمين الموجودين، ولما في ذلك من إظهار شعائر الإسلام، ولما يرجى بسب ذلك من كثرة المسلمين ودخول بعض أهل البلد في الإسلام.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1421)
دخول غير المسلم المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم دخول غير المسلمين المساجد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يحرم على المسلمين أن يمكنوا أي كافر من دخول المسجد الحرام وما حوله من الحرم كله؛ لقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا) سورة التوبة 28، أما غيره من المساجد فقال بعض الفقهاء يجوز لعدم وجود ما يدل على منعه، وقال بعضهم لا يجوز قياساً على المسجد الحرام.
والصواب جوازه لمصلحة شرعية أو لحاجة تدعو إلى ذلك: لسماع ما قد يدعوه للدخول في الإسلام، أو حاجته إلى الشرب من ماء في المسجد أو نحو ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ربط ثمامة بن أثال الحنفي في المسجد قبل أن يسلم، وأنزل وفد ثقيف ووفد نصارى نجران قبل أن يسلموا في المسجد؛ لما في ذلك من الفوائد الكثيرة، وهي: سماعهم خطب النبي صلى الله عليه وسلم ومواعظه، ومشاهدتهم المصلين والقراء وغير ذلك من الفوائد العظيمة التي تحصل لمن لازم المسجد.
من فتاوى اللجنة الدائمة 6/276.
فإذا طلب بعض الكفار أن يدخلوا المسجد ليروا كيف يصلي المسلمون وليس بهم ما يُقذّر المسجد أو يكونوا من النساء المتبرجات وما شابه ذلك من الموانع فلا بأس أن ندخلهم ويجلسون خلف المسلمين يشهدون صلاتهم وننبّه من نخشى أن ينهرهم من المسلمين وهو لا يدري بحالهم، والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1422)
تكبير المجتمعين في المسجد إذا سمعوا خبرا سارا
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هي من البدعة رفع الصوت بالتكبير والتسبيح في كل مرة نسمع بها خبرا مفرحا في المسجد لتكون المباركة جماعية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى شيئا يعجبه قال: " الله أكبر اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة " رواه أحمد. فيجوز حينئذ أن يكبر المرء إذا رأى ما يفرحه ويعجبه ويرفع صوته بذلك من غير مبالغة، أما التكبير الجماعي بحيث يبدءون وينتهون جميعا فغير مشروع لعدم ورود ما يدل على ذلك، لكن إذا كبر شخص وكبر آخر وكبر آخر فتوافقوا من غير اتفاق سابق فهذا غير منهي عنه. وكذلك يُمكن أن يسجدوا للشكر إذا كان أمرا هاما، والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1423)
الصلاة في مسجد يلاصقه قبر من جهة القبلة
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد في قريتنا مسجد وأمامه قبر، وبينهما جدار، ولكن يوجد منافذ في هذا الجدار تطل على القبر، والقبر يوجد في قبلة المسجد، فهل تجوز الصلاة في هذا المسجد؟ حيث أن هناك من يقول بأنها تجوز، والبعض الآخر يقول لا تجوز، نرجو القول الفصل في هذا الموضوع الهام؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
لا يجوز أن يصلى في هذا المسجد المجاور للقبر، سيما إذا كان القبر في قبلة المصلين، وبينهم وبينه جدار فيه نوافذ تطل على القبر، ولو لم يخطر ببالهم تعظيم القبر، فقد ورد النهي عن الصلاة في المقبرة، ورأى عمر رجلاً يصلي عند قبر فنهاه، وقال القبر القبر رواه البيهقي (2/435) وعلقه البخاري في صحيحه (1/523 فتح) ووصله عبد الرزاق (1/404 رقم 1581) .
فعلى هذا يلزم نقل المسجد إلى موضع آخر، أو التسوير على القبر بسور خاص حاجز بينه وبين جدار المسجد، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
من كتاب اللؤلؤ المكين من فتاوى ابن جبرين ص 24.(5/1424)
انتقل أهل الحيّ عن المسجد فماذا يفعل الإمام
[السُّؤَالُ]
ـ[إمام مسجد انتقل أهل مسجده عنه، ولا يصلي معه إلا شخص أو يصلي وحده فهل يستمر في الصلاة في المسجد لوحده أم ينتقل إلى جماعة مسجد آخر، وما مدى استحقاقه للراتب؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
عرضنا السؤال التالي على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله بقوله:
أرى أن يبقى، ولا بد أن يكون معه واحد آخر. فإذا لم يكن معه أحد يذهب لمسجد آخر يصلي فيه مع الجماعة، أما بالنسبة للراتب فلابد أن يُبلغ المسؤولين وأن يأذنوا له. انتهى، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(5/1425)
المشي بالنعال في المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أن الإمام محمد بن عبد الوهاب قد قال إن المشي بالنعال في المسجد أمر مشروع وإن زيارة القبور محرمة؟ أفيدونا وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من أين لك هذا؟ نقول لك إن هذا بهتان عظيم.
فالإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - رجل من أهل العلم، ولم يقل هذا القول، بل يحث الناس كما هو موجود في مؤلفاته على أن المصلي عليه أن يقبل على الله، وأن يخشع في صلاته عملاً بقوله تعالى: (قد أفلح المؤمنون - الذين هم في صلاتهم خاشعون) المؤمنون/1-2، لأن المصلي ينبغي أن يعظم عظمة من قام بين يديه، ويتهيأ لحرمته، فلا يكثر الحركة، كما في الأثر: (لو خشع قلبه لخشعت جوارحه) والبعض يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن الحافظ ابن رجب الحنبلي قال: لم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم هذا القول ولم يصح عنه أنه قال: (لو خشع قلبه لخشعت جوارحه) ، وإن كان المعنى صحيحاً، إنما هذا من قول بعض السلف. فهذا الذي يقوله محمد بن عبد الوهاب.
أما المشي بالنعال في المساجد ويقول أنه مشروع، فهذا ليس بصحيح، فلم يقل محمد بن عبد الوهاب إن المشي بالنعال مشروع، بل يقول كما جاءت به الأحاديث، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا جاء أحدكم المسجد فلينظر في نعليه، فإن رأى فيهما أذى أو قذراً فليمسحهما فطهورهما التراب) ، هذا بالنسبة إلى النعال وبالنسبة إلى المسجد في ذلك الوقت، أما إذا كانت المساجد مفروشة ومهيأة، فينبغي أن ينظف المسجد عن النعال، وألا يدخل بنعليه خشية تقذير المكان وإزالة شيء من الأوساخ المتعلقة بالنعلين، وقد أشار إلى هذا بعض أهل العلم وهو بعض ما يقوله الشيخ محمد بن عبد الوهاب، فإنه لا يقول بمشروعية دخول المسجد بالنعال.
أما بالنسبة إلى أنه يحرم زيارة القبور، فهذا أبداً لا يقوله، بل الإمام محمد بن عبد الوهاب يعمل بالأحاديث، والحديث يقول: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، فإنها تذكر الآخرة) رواه مسلم رقم (977) ، وكذلك هو يقول - رحمه الله - ينبغي للزائر إذا زار المقبرة أن يتأدب بالآداب الشرعية، وأن يدعو بما علّم النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه، وأنك إذا دخلت المقبرة تقول: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم) صحيح مسلم رقم (974و975) .
هذا ما جاءت به الأحاديث، ومحمد بن عبد الوهاب يقرر هذا في كتبه، وإنما يقول: لا ينبغي شد الرحال إلى القبور، فهذا قول ابن عبد الوهاب عملاً بحديث أبي سعيد في الصحيحين وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاث مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى) رواه البخاري 2/50، ومسلم (827) والنسائي (1/277-278) . قال: هذا الحديث يدل على أنه لا يجوز شد الرحال لزيارة القبور، أما إذا زرتها مثلاُ في بلدك أو لا تحتاج إلى شد رحل فلا بأس، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يزور المقابر، مقابر البقيع، ويزور قبور الشهداء ويأتيهم ويدعو لهم، صلوات الله وسلامه عليه، فهذا أمر معلوم، وإنما الممنوع هو شد الرحال إلى القبور، فهذا هو الذي لا ينبغي فعله، عملاً بحديث أبي سعيد، ولهذا المعنى ذهب القاضي عياض المالكي فإنه قال: لا يجوز شد الرحال إلى القبور. وكذلك فقد ذهب إليه ابن رجب الحنبلي، وابن عقيل، وابن بطة، وجمع من أهل العلم، إلا أن الذي قيل لك كله ليس بصحيح كما أوضحنا لك، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد الله بن حميد ص 81.(5/1426)
حكم صلاة من سجد للسهو سجدة واحدة
[السُّؤَالُ]
ـ[صلينا صلاة المغرب وسها الإمام في التشهد الأول (حيث هم أن يقوم إلى الركعة الثالثة من غير التشهد ثم جلس ليكمل التشهد الأول. معنى هم: تحرك قليلاً ولم يقف، ومن ثم سجد للسهو قبل السلام ولكنه سجد سجدة واحدة وبعد الصلاة تناقشانا أن للسهو سجدتين وليس سجدة ثم لم ندر ما نفعل؟ وتفرقنا من غير أن نسجد السجدة الثانية للسهو. فماذا علينا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
من سها في التشهد الأول لا يخلو من حالين:
الحال الأُولى: أن يذكره بعد أن ينهض، أي: بعد أن تفارق فخذاه ساقيه، وقبل أن يستتمَّ قائماً، ففي هذه الحال يجلس ويتشهَّد، ويتم صلاته، ويسجد للسَّهو.
الحال الثانية: أن يذكره بعد أن يستتمَّ قائماً، سواء شرع في القراءة أم لا، فهنا لا يرجع؛ لأنه انفصل عن التشهُّدِ تماماً، حيث وَصَلَ إلى الرُّكن الذي يليه.
وانظر: "الشرح الممتع" للشيخ ابن عثيمين رحمه الله (3/131) .
ثانياً:
كان الواجب على الإمام أن يسجد سجدتين للسهو لا سجدة واحدة؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ ثُمَّ لِيُسَلِّمْ ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ) رواه البخاري (401) ومسلم (572) .
فسجود السهو سجدتان، وليس سجدة واحدة.
ثالثاً:
إذا سجد المصلي سجدة واحدة للسهو جاهلاً لم يلزمه شيء، وصلاته وصلاة من خلفه صحيحة، وحكمه حكم من نسي سجود السهو. وينظر جواب السؤال رقم (257) فيمن نسي التشهد الأول ولم يسجد للسهو.
وجاء في "دقائق أولي النهى" (1/217) "ومن ترك شيئاً من الواجبات (يعني: واجبات الصلاة) .... جاهلاً حكمه , بأن لم يخطر بباله أن عالماً قال بوجوبه , فهو كالساهي , فيسجد للسهو إن علم قبل فوات محله , وإلا فلا , وصلاته صحيحة " انتهى بتصرف واختصار.
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء (6/10) : " إذا كان تركه سجود السهو عمداً فصلاته باطلة وعليه إعادتها، وإن كان تركه سهواً أو جهلاً، فلا إعادة عليه وصلاته صحيحة " انتهى.
وينبه الإمام على ما وقع فيه من الخطأ، حتى لا يقع فيه مرة أخرى.
رابعاً:
كان ينبغي على المأمومين أن يأتوا بالسجدة الثانية، وإن لم يسجدها إمامهم؛ لدخول النقص على صلاتهم.
قال النووي رحمه الله تعالى في "المجموع " (4/65) : "ولو لم يسجد الإمام للسهو إلا سجدة سجد المأموم أخرى حملاً له على أنه نسيها، ولو ترك الإمام السجود لسهوه عامداً أو ساهياً سجد المأموم هذا هو الصحيح المنصوص؛ لأنه لما سها دخل النقص على صلاة المأموم لسهوه، فإذا لم يجبر الإمام صلاته جبر المأموم صلاته" انتهى باختصار وتصرف يسير.
وقال أيضاً في (4/66) : " إذا سها الإمام فلم يسجد فقد ذكرنا أن الصحيح في مذهبنا أن المأموم يسجد , وبه قال مالك والأوزاعي والليث وأبو ثور , ورواية عن أحمد وحكاه ابن المنذر عن ابن سيرين , والحكم وقتادة , وقال عطاء والحسن والنخعي والقاسم وحماد بن أبي سليمان والثوري وأبو حنيفة والمزني وأحمد في رواية عنه: لا يسجد " انتهى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1427)
إذا سلم المأموم قبل الإمام
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا سلم بعض المأمومين تسليمة واحدة عن اليمين قبل الإمام سهواً، هل تبطل صلاته؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا تبطل صلاته، لكنه يسلم بعده ثانية" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (2/936) .
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
فتاوى نور على الدرب(5/1428)
ينتابه ضيق وحزن على عدم التركيز في الصلاة، فهل يعيدها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[بعد الصلاة ينتابني ضيق وحزن شديد على عدم تركيزي التام أو إتمام الخشوع في الصلاة.. فهل علي إعادة هذه الصلاة؟ وإن كان ذلك الأمر متكرراً فبماذا تنصحوني؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا قصر المسلم في طاعة الله تعالى ولم يؤدها كما ينبغي وحزن لذلك فهو علامة على إيمانه وصدقه، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَذَلِكُمْ الْمُؤْمِنُ) رواه الترمذي (2165) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
ونفس المؤمن تلومه على تقصيره في طاعة الله تعالى.
قال الله عز وجل: (لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) القيامة/1-2.
قال ابن القيم رحمه الله:
"النفس اللوامة نوعان:
لوامة ملومة، وهي النفس الجاهلة الظالمة التي يلومها الله وملائكته.
ولوامة غير ملومة، وهي التي لا تزال تلوم صاحبها على تقصيره في طاعة الله مع بذله جهده، فهذه غير ملومة" انتهى.
"الروح" (ص226) .
ثم ينبني على ذلك: أنه يجتهد في إكمال العبادة وإتمامها.
وليحذر المسلم من الوقوع في أحد أمرين كليهما مذموم: التشدد في لوم نفسه حتى يصل إلى حد الضجر والضيق من غير عمل صالح، أو التساهل وعدم إصلاح العمل، وخير الأمور الوسط.
فأول العلاج التنبه إلى أصل الداء.
يتلو ذلك انبعاث الهمة من نفس العبد على مقارعة العدو، والإصرار على مخالفته، والحرص على كل ما يقوي جانب الطاعة، ويضعف جانب المعصية.
ثم حسن الإقبال على الله تعالى بالعمل الصالح، والانشغال بالذكر الذي يخنس به الشيطان
، وعدم الملل والتضجر من كثرة المحاولات.
ثم التركيز في الصلاة، في القراءة، والأذكار، والأدعية، والدخول فيها كأنها آخر صلاة له مما يساعد بقوة على الخشوع والاطمئنان، وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم أحد أصحابه فقال: (إِذَا قُمْتَ فِي صَلَاتِكَ فَصَلِّ صَلَاةَ مُوَدِّع) رواه ابن ماجه (4171) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه.
وقال ابن القيم رحمه الله:
"وإنما يقوى العبد على حضوره في الصلاة واشتغاله فيها بربه عز وجل إذا قهر شهوته وهواه، وإلا فقلب قد قهرته الشهوة وأسره الهوى ووجد الشيطان فيه مقعدا تمكن فيه كيف يخلص من الوساوس والأفكار؟
والقلوب ثلاثة: قلب خال من الإيمان وجميع الخير فذلك قلب مظلم قد استراح الشيطان من إلقاء الوساوس إليه؛ لأنه قد اتخذه بيتا ووطنا وتحكم فيه بما يريد وتمكن منه غاية التمكن.
القلب الثاني: قلب قد استنار بنور الإيمان وأوقد فيه مصباحه، لكن عليه ظلمة الشهوات فللشيطان هنالك إقبال وإدبار ومجالات ومطامع، فالحرب دول وسجال.
القلب الثالث: قلب محشو بالإيمان قد استنار بنور الإيمان وانقشعت عنه حجب الشهوات وأقلعت عنه تلك الظلمات، فلنوره في صدره إشراق، ولذلك الإشراق إيقاد لو دنا منه الوسواس احترق به، فهو كالسماء التي حرست بالنجوم فلو دنا منها الشيطان يتخطاها رجم فاحترق، وليست السماء بأعظم حرمة من المؤمن، وحراسة الله تعالى له أتم من حراسة السماء. والسماء متعبد الملائكة ومستقر الوحي وفيها أنوار الطاعات، وقلب المؤمن مسْتَقَر التوحيد والمحبة والمعرفة والإيمان وفيه أنوارها، فهو حقيق أن يحرس ويحفظ من كيد العدو فلا ينال منه شيئا إلا خطفه.
فقلب خلا من الخير كله وهو قلب الكافر والمنافق فذلك بيت الشيطان قد أحرزه لنفسه واستوطنه.
وقلب قد امتلأ من جلال الله عز وجل وعظمته ومحبته ومراقبته والحياء منه فأي شيطان يجترئ على هذا القلب؟
وقلب فيه توحيد الله تعالى ومعرفته ومحبته والإيمان به والتصديق بوعده ووعيده وفيه شهوات النفس وأخلاقها ودواعي الهوى والطبع.
وقلب بين هذين الداعيين: فمرة يميل بقلبه داعي الإيمان والمعرفة والمحبة لله تعالى وإراداته وحده، ومرة يميل بقلبه داعي الشيطان والهوى والطباع، فهذا القلب للشيطان فيه مطمع وله منه منازلات ووقائع، ويعطي الله النصر من يشاء (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) وهذا لا يتمكن الشيطان منه إلا بما عنده من سلاحه، فيدخل إليه الشيطان فيجد سلاحه عنده فيأخذه ويقاتله، فإن أسلحته هي الشهوات والشبهات والخيالات والأماني الكاذبة وهي في القلب فيدخل الشيطان فيجدها عتيدة، فيأخذها ويصول بها على القلب، فإن كان عند العبد عدة عتيدة من الإيمان تقاوم تلك العدة وتزيد عليها انتصف من الشيطان، وإلا فالدولة لعدوه عليه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فإذا أذن العبد لعدوه وفتح له باب بيته وأدخله عليه ومكنه من السلاح يقاتله به فهو الملوم "
انتهى مختصرا.
"الوابل الصيب" (ص40) .
أما إعادة الصلاة، فلا إعادة عليك، والإعادة في مثل تلك الحال قد تفتح باب الوسوسة على الإنسان فلا يصلي صلاة إلا ويعيدها عدة مرات.
والمطلوب من المسلم أن يجتهد في الخشوع في صلاته وإتقانها وإحسانها، والأمر يحتاج إلى شدة مجاهدة وصبر.
قال ثابت البناني رحمه الله: "كابدت الصلاة عشرين سنة، وتنعمت بها عشرين سنة" انتهى.
"سير أعلام النبلاء" (5/224) .
وانظر للاستزادة: جواب السؤال: (114539) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1429)
إذا اجتمع أكثر من سبب لسجود السهو فهل يسجد قبل السلام أو بعده
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أسأل عن الذي يزيد شيئا في صلاته سهوا وفي نفس الصلاة ينسى شيئا، فهل يسجد سجدتين قبل التحية وبعد التحية أم ماذا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
في محل سجود السهو، هل هو قبل السلام أو بعده، خلاف بين أهل العلم، والأظهر من أقوالهم: أن الزيادة في الصلاة سهوا تقتضي السجود بعد السلام، والنقص يقتضي السجود قبل السلام، وأما عند الشك ففيه تفصيل: فإذا ترجح عنده أحد الاحتمالين فإنه يسجد بعد السلام، وإن لم يترجح عنده أحد الاحتمالين فإنه يسجد قبل السلام.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (12527) .
وإذا اجتمع سببان، أحدهما يقتضي أن يكون السجود قبل السلام، كنسيان التشهد الأول، والثاني يقتضي أن يكون السجود بعد السلام، كزيادة سجود أو ركعة سهوا، فإنه يكفيه سجود واحد للسهو، والأظهر أنه قبل السلام، لا سيما إن كان إماما، تسهيلا على المصلين ومنعا من الاضطراب الذي يحصل للمسبوق منهم إذا قام بعد السلام مباشرة.
قال ابن قدامة رحمه الله: "إذا سها سهوين , أو أكثر من جنس , كفاه سجدتان للجميع، لا نعلم أحدا خالف فيه. وإن كان السهو من جنسين , فكذلك. حكاه ابن المنذر قولا لأحمد , وهو قول أكثر أهل العلم منهم النخعي , والثوري , ومالك والليث , والشافعي وأصحاب الرأي ... لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا نسي أحدكم , فليسجد سجدتين) وهذا يتناول السهو في موضعين، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم سها فسلم , وتكلم بعد صلاته فسجد لهما سجودا واحدا.
ولأن السجود أُخِّرَ إلى آخر الصلاة , ليجمع السهو كله وإلا فَعَلَه عقيب سببه.
ولأنه شرع للجبر فجبر نقص الصلاة , وإن كثر , بدليل السهو مرات من جنس واحد , وإذا انجبرت لم يحتج إلى جابر آخر ...
إذا ثبت هذا فإن معنى الجنسين أن يكون أحدهما. قبل السلام , والآخر بعده ; لأن محليهما مختلفان , وكذلك سبباهما وأحكامهما ...
فعلى هذا إذا اجتمعا , سجد لهما قبل السلام ; لأنه أسبق وآكد , ولأن الذي قبل السلام قد وجب لوجوب سببه , ولم يوجد قبله ما يمنع وجوبه , ولا يقوم مقامه , فلزمه الإتيان به , كما لو لم يكن عليه سهو آخر , وإذا سجد له , سقط الثاني ; لإغناء الأول عنه , وقيامه مقامه " انتهى من "المغني" (1/387) باختصار.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "إذا اجتمع سببان، أحدهما: يقتضي أن يكون السجود قبل السلام، والثاني: يقتضي أن يكون السجود بعد السلام.
فقيل: يعتبر ما هو أكثر، مثل لو سلم قبل تمام صلاته وركع في إحدى الركعات ركوعين، وترك التشهد الأول، فهنا عندنا سببان يقتضيان أن يكون السجود بعد السلام، وهما زيادة الركوع والسلام قبل التمام، وعندنا سبب واحد يقتضي السجود قبل السلام، وهو ترك التشهد الأول، فيكون السجود بعد السلام.
مثال آخر: رجل ركع في ركعة ركوعين، وترك قول: (سبحان ربي العظيم) في الركوع، وقول: (سبحان ربي الأعلى) في السجود، فهنا اجتمع سببان للسجود قبل السلام، وهما ترك التسبيح في الركوع وفي السجود، وسبب واحد يقتضي أن يكون السجود بعد السلام، وهو زيادة الركوع، فالسجود قبل السلام.
والمذهب يغلّب ما قبل السلام مطلقا؛ لأن ما قبل السلام جابره واجب، ومحله قبل أن يسلّم، فكانت المبادرة بجبر الصلاة قبل إتمامها أولى من تأخير الجابر" انتهى من "الشرح الممتع" (3/398) .
وسئل رحمه الله: إذا اجتمع في الصلاة أكثر من سهو، وسبب أحدهما قبل السلام والآخر بعد السلام، فأين موضع السجود والحال هذه؟
فأجاب:
"هذه المسألة تنبني على أن نعرف ما هو السجود -أي: سجود السهو- الذي يكون بعد السلام؟ كل ما كان سببه الزيادة، مثل: أن يسجد ثلاث مرات، أو يقوم إلى خامسة ثم يذكر فيرجع، هذا يكون بعد السلام، ويكون قبل السلام إذا ترك واجباً من واجبات الصلاة، مثل: أن يقوم عن التشهد الأول، أو ينسى أن يقول: سبحان ربي الأعلى في السجود، أو سبحان ربي العظيم في الركوع، فهذا يكون قبل السلام، فإذا اجتمع سهوان أحدهما يكون سجوده قبل السلام والثاني يكون سجوده بعد السلام فأيهما نقدم؟
قال العلماء: يقدم ما كان قبل السلام، من أجل أن ينصرف من صلاته وقد تمت، فهذا رجل مثلاً نسي التشهد الأول في الركعتين الأوليين، وجلس للتشهد الأول في الركعة الثالثة ظناً منه أنها هي الثانية، ثم ذكر فقام وأتم، فلدينا الآن سهوان، أحدهما: أنه نسي التشهد الأول، والثاني: أنه تشهد في غير موضع التشهد، فهنا نقول: اسجد قبل السلام" انتهى من "اللقاء الشهري" (28/11) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1430)
نسي التشهد الأخير وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم في صلاة رجل جلس للتشهد الأخير ونسى لفظ التشهد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
التشهد الأخير والجلوس له ركنان من أركان الصلاة لا تصح بدونهما.
قال في "زاد المستقنع" في بيان أركان الصلاة: " والتشهد الأخير وجلسته ".
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه: " قوله: «والتشهد الأخير» هذا هو الركن العاشر من أركان الصلاة.
ودليل ذلك: حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد: السلام على الله من عباده، السلام على جبرائيل وميكائيل، السلام على فلان وفلان) [رواه الدارقطني بإسناد صحيح] . والشاهد من هذا الحديث قوله: (قبل أن يفرض علينا التشهد) .
فإن قال قائل: يرد علينا التشهد الأول: فإنه من التشهد، ومع ذلك تركه النبي صلى الله عليه وسلم وجبره بسجود السهو، وهذا حكم الواجبات، أفلا يكون التشهد الأخير مثله؟
فالجواب: لا، لأن الأصل أن التشهدين كلاهما فرض، وخرج التشهد الأول بالسنة، حيث إن الرسول صلى الله عليه وسلم جبره لما تركه بسجود السهو، فيبقى التشهد الأخير على فرضيته ركنا.
قوله: "وجلسته" هذا هو الركن الحادي عشر من أركان الصلاة أي: أن جلسة التشهد الأخير ركن، فلو فرض أنه قام من السجود قائما وقرأ التشهد فإنه لا يجزئه، لأنه ترك ركنا وهو الجلسة، فلا بد أن يجلس، وأن يكون التشهد أيضا في الجلسة لقوله: "وجلسته" فأضاف الجلسة إلى التشهد؛ ليفهم منه أن التشهد لابد أن يكون في نفس الجلسة " انتهى من "الشرح الممتع" (3/309) .
ثانيا:
القاعدة فيمن نسي ركنا من أركان الصلاة أنه يلزمه الإتيان به وإلا لم تصح صلاته.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " الأركان واجبة وأوكد من الواجبات، لكن تختلف عنها في أن الأركان لا تسقط بالسَّهْوِ، والواجبات تسقط بالسَّهْوِ، ويجبرها سُجودُ السَّهْوِ، بخلاف الأركان؛ ولهذا من نسيَ رُكناً لم تصحَّ صلاته إلا به ".
وقال: " والدليل على أن الأركان لا تنجبر بسجود السَّهو: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لما سَلَّم مِن ركعتين مِن صلاة الظُّهر أو العصر أتمَّها وأتى بما تَرَكَ وسَجَدَ للسَّهو، فدلَّ هذا على أنَّ الأركان لا تسقط بالسَّهو، ولا بُدَّ مِن الإِتيان بها " انتهى من "الشرح الممتع" (3 /315، 323) .
وعليه؛ فمن نسي التشهد الأخير وسلم، فإن لم يطل الفصل عاد فجلس وتشهد ثم سلم، ثم يسجد للسهو ثم يسلم مرة أخرى، وإن طال الفصل أعاد الصلاة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1431)
هل يسترشد بمن يصلي بجانبه إذا شك بعدد الركعات
[السُّؤَالُ]
ـ[يحدث عندما أكون مسبوقا في الصلاة أن أسهو وأنسى كم من الركعات أدركت وكم بقي لأقضي واتسائل عندما أكون متأكدا أن الأشخاص الثلاثة وربما أكثر الذي بعدي قد انتظموا في الصف معي في نفس الوقت....وسؤالي هل من المشروع أن اقتدي بهم من ناحية الركعات المتبقية خاصة انه من الصعوبة أن يتفق عدد من الأشخاص على السهو والنسيان.؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
في حال الشك في عدد الركعات يبني الإنسان على اليقين، فيعتمد الأقل من عدد الركعات، وإن بنى على غالب الظن، أي بما يترجح لديه ولو بالنظر إلى من بجواره فلا بأس، على أن يسجد للسهو في الحالتين.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ: عبد الكريم الخضير.(5/1432)
نسي فقال: "الله أكبر" بدلاً عن "سمع الله لمن حمده"
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل قال: "الله أكبر" عوض: "سمع الله لمن حمده" في الرفع من الركوع فماذا عليه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قول الإمام والمنفرد: سمع الله لمن حمده، واجب من واجبات الصلاة، على الراجح، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم (43574) .
فمن نسي ذلك ولم يقل شيئا، أو قال عوضا عن ذلك: الله أكبر، وتذكر في صلاته، فإنه يسجد للسهو سجدتين قبل أن يسلم.
والقاعدة: "أن من نسي واجبا، أو أتى بقول مشروع – كالتكبير - في غير موضعه فإنه يسجد للسهو".
قال في "دليل الطالب": " ويجب [أي سجود السهو] إذا زاد ركوعاً أو سجوداً أو قياماً أو قعوداً ولو قدْر جلسة الاستراحة، أو سلم قبل إتمامها، أو لحن لحناً يحيل المعنى، أو ترك واجباً" انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1433)
هل يعتد المسبوق بالركعة الزائدة مع الإمام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا دخل المسبوق مع الإمام في الركعة الثانية من الصلاة، ونسي الإمام وأتى بركعة زائدة، فماذا يفعل المسبوق، هل يسلم مع الإمام أم يقوم بعد سلام الإمام ويأتي بركعة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
بل يسلم مع الإمام، لأن صلاته قد تمّت، وأما بالنسبة للإمام فهو معذور في هذه الزيادة.
سئل الشيخ ابن عثيمين: إذا صلى الإمام خمساً سهواً فما حكم صلاته وصلاة من خلفه؟ وهل يعتد المسبوق بتلك الركعة الزائدة؟
فأجاب: إذا صلى الإمام خمساً سهواً فإن صلاته صحيحة، وصلاة من اتبعه في ذلك ساهياً أو جاهلاً صحيحة أيضاً.
أما من علم بالزيادة فإنه إذا قام الإمام إلى الزائدة وجب عليه أن يجلس ويسلم، لأنه في هذه الحالة يعتقد أن صلاة إمامه باطلة إلا إذا كان يخشى أن إمامه قام إلى الزائدة لأنه أخل بقراءة الفاتحة (مثلاً) في إحدى الركعتين فحينئذ ينتظر ولا يسلم.
وأما بالنسبة للمسبوق الذي دخل مع الإمام في الثانية فما بعدها فإن هذه الركعة الزائدة تحسب له , فإذا دخل مع الإمام في الثانية مثلاً سلم مع الإمام الذي زاد ركعة، وإن دخل في الثالثة أتى بركعة بعد سلام الإمام من الزائدة، وذلك لأننا لو قلنا بأن المسبوق لا يعتد بالزائدة للزم من ذلك أن يزيد ركعة عمداً، وهذا موجب لبطلان الصلاة، أما الإمام فهو معذور بالزيادة، لأنه كان ناسياً فلا تبطل صلاته.اهـ
مجموع فتاوى ابن عثيمين (14/20) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1434)
إذا نسي سنة من سنن الصلاة هل يسجد للسهو
[السُّؤَالُ]
ـ[س1: شخص يصلي وهو في الصلاة نسي قول آمين عند نهاية قراءة الفاتحة، فماذا يجب عليه؟ س2: ماذا على الشخص الذي ينسى البسملة عند قراءة القرآن في الصلاة. فماذا عليه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
البسملة عند قراءة الفاتحة أو السورة في الصلاة، من سنن الصلاة، وكذلك قول آمين، فمن نسي شيئا من ذلك فلا يلزمه سجود للسهو، ويستحب له أن يسجد، فإن لم يسجد فلا شيء عليه، وصلاته صحيحة.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " إذا تَرَكَ الإِنسان شيئاً من الأقوال أو الأفعال المستحبَّة نسياناً، وكان من عادته أن يفعله فإنه يُشرع أن يسجد جَبْراً لهذا النقص الذي هو نَقْصُ كمال، لا نقص واجب؛ لعموم قوله في الحديث: (لكلِّ سهو سجدتان) ، وفي صحيح مسلم: (إذا نسيَ أحدُكم، فَلْيَسْجُدْ سَجدتين) فإن هذا عام، أما إذا تَرَكَ سُنَّة ليس من عادته أن يفعلها، فهذا لا يُسَنُّ له السُّجود، لأنه لم يطرأ على باله أن يفعلها " انتهى من "الشرح الممتع" (3/333) .
ولمعرفة أركان الصلاة وواجباتها وسننها، ينظر جواب السؤال رقم (65847) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1435)
سلم قبل تمام الصلاة سهوا وشرع في صلاة أخرى
[السُّؤَالُ]
ـ[سلَّمت سهواً بعد الركعة الثانية من الرباعية ثم كبَّرت مباشرة للراتبة وحينها أدركت أنني لم أتم الفريضة, في ذلك الوقت نويت الفريضة التي لم أتمها والنافلة التي بعدها صلاتَي تطوع وأعدت الفريضة والراتبة. ما هو الحل في مثل تلكم الحالة فيما لو تكررت مستقبلاً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من نسي وسلّم قبل تمام صلاته ثم ذكر قريبا فإنه يعود فيتم صلاته ويسجد للسهو؛ لما روى البخاري (1227) ومسلم (573) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ أَوْ الْعَصْرَ فَسَلَّمَ (يعني من ركعتين) ، فَقَالَ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ: الصَّلَاةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَقَصَتْ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: أَحَقٌّ مَا يَقُولُ؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ.
وإن شرع في صلاة النافلة، ثم تذكر أنه لم يتم الفريضة قطع النافلة، وأتم فريضته وسجد للسهو.
قال ابن قدامة في "المغني" (1/373) : "من سلم قبل إتمام صلاته ساهيا ثم علم قبل طولِ الفصل ونقضِ وضوئه , فعليه أن يأتي بما بقي , ثم يتشهد ويسلم , ثم يسجد سجدتي السهو ... فإن طال الفصل , أو انتقض وضوؤه استأنف الصلاة (أي أعادها من جديد) .......
فإن لم يذكر حتى شرع في صلاة أخرى، نظرت فإن كان ما عمل في الثانية قليلا , ولم يطل الفصل , عاد إلى الأولى فأتمها. وإن طال بطلت الأولى. وهذا مذهب الشافعي " انتهى.
وقال في "كشاف القناع" (1/400) : " وإن لم يذكر من سلّم قبل إتمام صلاته حتى شرع في صلاةٍ غيرها قطعها مع قرب الفصل، وعاد إلى الأولى فأتمها؛ لتحصل له الموالاة بين أركانها، ثم سجد للسهو " انتهى.
وطول الفصل وقصره ليس له حد معين، فيرجع فيه إلى العرف والعادة.
وأما جعل الفريضة الأولى (الناقصة) تطوعا، فهذا لا يصح؛ لأن الأعمال بالنيات، وقد صليتها بنية الفرض، وخرجت منها كذلك. وحيث إنك أعدت الفريضة بعد ذلك، فقد أديت ما عليك، وكان الأولى لك: أن تقطعي النافلة وتعودي إلى الفريضة فتكمليها ثم تسجدي سجدتي السهو بعد التسليم من الصلاة ثم تصلي النافلة بعد ذلك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1436)
أسباب سجود السهو
[السُّؤَالُ]
ـ[متى يشرع للمصلي أن يسجد للسهو في صلاته؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من رحمة الله بعباده، ومن محاسن هذا الدين الكامل أن شرع لعباده جبر النقص والخلل الذي يدخل عليهم في عباداتهم، ولا يستطيعون التحرز منه على الوجه التام، إما بنوافل العبادات، أو الاستغفار، أو نحو ذلك.
ومما شرعه الله لعباده جبرا لنقص طرأ على صلاتهم، سجود السهو؛ غير أنه إنما شرع لجبر أمور خاصة، وليس كل شيء يجبره السهو، أو يشرع له.
وقد سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى عن أسباب سجود السهو، فأجاب فضيلته بقوله:
سجود السهو في الصلاة أسبابه في الجملة ثلاثة:
1- الزيادة.
2- والنقص.
3- والشك.
فالزيادة: مثل أن يزيد الإنسان ركوعاً أو سجوداً، أو قياما أو قعودا ً.
والنقص: مثل أن ينقص الإنسان ركنا ً، أو ينقص واجباً من واجبات الصلاة.
والشك: أن يتردد كم صلى: ثلاثاً أم أربعاً، مثلاً.
أما الزيادة فإن الإنسان إذا زاد الصلاة ركوعاً أو سجوداً أو قياماً أو قعوداً، متعمداً، بطلت صلاته؛ لأنه إذا زاد فقد أتى بالصلاة على غير الوجه الذي أمره به الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) [رواه مسلم 1718] .
أما إذا زاد ذلك ناسياً فإن صلاته لا تبطل، ولكنه يسجد للسهو بعد السلام. ودليل ذلك حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – حين سلم النبي صلى الله عليه وسلم من الركعتين في إحدى صلاتي العشي، إما الظهر وإما العصر، فلما ذكروه أتى صلى الله عليه وسلم بما بقى من صلاته، ثم سلم، ثم سجد سجدتين بعدما سلم. [رواه البخاري 482 ومسلم 573]
وحديث ابن مسعود – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم الظهر خمساً، فلما انصرف قيل له: أزيد في الصلاة؟
قال: وما ذاك؟
قالوا: صليت خمساً!!
فثنى رجليه واستقبل القبلة، وسجد سجدتين [رواه البخاري 404 ومسلم 572] .
وأما النقص: فإن نقص الإنسان ركناً من أركان الصلاة، فلا يخلو:
إما أن يذكره قبل أن يصل إلى موضعه من الركعة الثانية؛ فحينئذ يلزمه أن يرجع فيأتي بالركن وبما بعده.
وإما أن لا يذكره إلا حين يصل إلى موضعه من الركعة الثانية، وحينئذ تكون الركعة الثانية بدلاً عن التي ترك ركناً منها فيأتي بدلها بركعة، وفي هاتين الحالين يسجد بعد السلام.
مثال ذلك: رجل قام حين سجد السجدة الأولى من الركعة الأولى، ولم يجلس، ولم يسجد السجدة الثانية، ولما شرع في القراءة ذكر أنه لم يسجد ولم يجلس بين السجدتين، فحينئذ يرجع ويجلس بين السجدتين، ثم يسجد، ثم يقوم فيأتي بما بقى من صلاته، ويسجد السهو بعد السلام.
ومثال لمن لم يذكره إلا بعد وصوله إلى محله من الركعة الثانية: أنه قام من السجدة الأولى في الركعة الأولى، ولم يسجد السجدة الثانية، ولم يجلس بين السجدتين، ولكنه لم يذكر إلا حين جلس بين السجدتين في الركعة الثانية. ففي هذه الحال تكون الركعة الثانية هي الركعة الأولى، ويزيد ركعة في صلاته، ويسلم ثم يسجد للسهو.
أما نقص الواجب: فإذا نقص واجباً وانتقل من موضعه إلى الموضع الذي يليه، مثل: أن ينسى قول: سبحان ربي الأعلى، ولم يذكر إلا بعد أن رفع من السجود، فهذا قد ترك واجباً من الواجبات الصلاة سهواً؛ فميضي في صلاته، ويسجد للسهو قبل السلام، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما ترك التشهد الأول مضى في صلاته ولم يرجع وسجد للسهو قبل السلام.
وأما الشك فهو: التردد بين الزيادة والنقص، مثل: أن يتردد هل صلى ثلاثاً أو أربعاً؛ فلا يخلو من حالين:
إما أن يترجح عنده أحد الطرفين: الزيادة، أو النقص، فيبني على ما ترجح عنده، ويتم عليه، ويسجد للسهو بعد السلام.
وإما أن لا يترجح عنده أحد الأمرين؛ فيبنى على اليقين وهو الأقل، ويتم عليه، ويسجد للسهو قبل السلام.
مثل ذلك: رجل يصلى الظهر ثم شك: هل هو في الركعة الثالثة أو الرابعة؟ وترجح عنده أنها الثالثة؛ فيأتي بركعة، ثم يسلم، ثم يسجد للسهو.
ومثال ما استوى فيه الأمران: رجل يصلي الظهر فشك: هل هذه الركعة الثالثة، أو الرابعة؟ ولم يترجح عنده أنها الثالثة، أو الرابعة؛ فيبني على اليقين وهو الأقل، ويجعلها الثالثة، ثم يأتي بركعة ويسجد للسهو قبل أن يسلم.
وبهذا تبين أن سجود السهو يكون قبل السلام: إذا ترك واجباً من الواجبات، أو إذا شك في عدد الركعات ولم يترجح عنده أحد الطرفين.
وأنه يكون بعد السلام: إذا زاد في صلاته، أو شك وترجح عنده أحد الطرفين.
[انظر: مجموع فتاوى الشيخ: 14/14-16] .
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1437)
جلس بعد الثالثة قليلا ونبهه المأمومون فهل يسجد للسهو؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إمام يصلي بالناس صلاة رباعية، فإذا به بعد الرفع من السجدة الثانية في الركعة الثالثة يجلس جلوس التشهد ظنا منه أنها الرابعة، فسبح المأمومون سريعا فقام إلى الرابعة فورا بعد أن جلس قدرا يسيرا يساوي جلسة الاستراحة أو أزيد قليلا، ولكن المأمومين في هذه الحالة كانوا قد سبقوا الإمام في القيام للرابعة حيث إنهم لم يعتادوا من إمامهم الجلوس للاستراحة، وكان الإمام في ذلك الوقت - الذي يجهل فيه سبق المأمومين له - قد قرر ألا يسجد للسهو في آخر الصلاة اعتمادا منه على أن الجلوس تم بين الثالثة والرابعة التي يجوز فيها الجلوس للاستراحة. فما حكم صلاة الإمام والمأمومين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الأمر كما ذكرت فلا شيء على المأمومين في قيامهم قبل الإمام، ظنا منهم أن الإمام كبر قائما للرابعة.
وأما الإمام فكان عليه أن يسجد للسهو لأنه جلس بنية التشهد لا بنية الاستراحة.
قال في "كشاف القناع" (1/395) : " فمتى زاد المصلي فعلا من جنس الصلاة: قياما أو قعودا , أو ركوعا أو سجودا عمدا بطلت صلاته إجماعا، لأنه يخل بنظم الصلاة، ويغير هيئتها ...
وإن زاد ذلك سهوا، ولو كان الجلوس الذي زاده في غير موضعه قدر جلسة الاستراحة. عقب ركعةٍ، بأن جلس عقبها للتشهد , سواء قلنا باستحباب جلسة الاستراحة أو لم نقل به؛ لأنه لم يُردْها بجلوسه، إنما أراد التشهد سهوا سجد له وجوبا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود رضي الله عنه (فإذا زاد الرجل أو نقص في صلاته فليسجد سجدتين) (رواه مسلم) " انتهى بتصرف.
لكن إذا لم يسجد الإمام للسهو، ظنا منه أنه لا يلزمه السجود، أو نسيانا منه للسجود، فصلاته صحيحة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1438)
سجد السجدة الأولى من سجود السهو ثم تذكر أنه لم يقع منه سهو
[السُّؤَالُ]
ـ[سجد السجدة الأولى للسهو ثم تذكر أنه لم يفعل شيئا يستلزم السهو، فهل يسجد الثانية أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سألت هذا السؤال شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: فتوقف.
ثم أجاب:
الأقرب أنه يسجد سجدة ثانية فقط لئلا يفتح باب التساؤل والتسبيح. (أي إذا كان إماما) والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد العزيز بن باز يرحمه الله(5/1439)
هل يوجد تشهد بعد سجدتي السهو
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من الواجب أن أكرر التشهد بعد سجدة السهو؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا تشهد بعد سجود السهو لأن الرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفعله كما دلت عليه الأحاديث الصحيحة (أنظر سؤال رقم 211) ولو فعله لبيّنه أصحابه ونقلوه، وقد قال عليه الصلاة والسلام: صلوا كما رأيتموني أصلي.
قال الشيخ الموفق بن قدامة:
.. وقال ابن سيرين، وابن المنذر (عن سجدتي السهو) : فيهما تسليم بغير تشهد.
قال ابن المنذر: التسليم فيهما ثابت من غير وجهٍ، وفي ثبوت التشهد نظر. المغني (2 / 431، 432) .
ومن فوائد حديث ذي اليدين قال النووي:
ومنها: إثبات سجود السهو.
وأنه سجدتان، وأنه يكبر لكل واحدة منهما، وأنهما على هيئة سجود الصلاة لأنه أطلق السجود فلو خالف المعتاد لبينه، وأنه يسلم من سجود السهو، وأنه لا تشهد له، وأن سجود السهو في الزيادة يكون بعد السلام. " شرح مسلم " (5 / 71) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1440)
ما حكم السهو في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم السهو في الصلاة من حيث الشرود الذهني بغير إرادة الإنسان؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ينبغي للمصلي إذا حضر وقت الصلاة أن يتخلى عن كل شيء من أعمال الدنيا وشواغلها حتى يتجه ذهنه وتفكيره إلى عبادة ربه قدر الطاقة، فإذا تطهر ووقف في الصلاة وقف خاشعا تاليا لكتاب ربه أو مستمعا له متدبرا لمعانيه ولما يقوله من أذكار في صلاته ولا يستسلم للشيطان ووساوسه بل عندما يعرض له يقبل على صلاته ويتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، لما روي عن أبي العلاء بن الشخير أن عثمان قال: يا رسول الله حال الشيطان بيني وبين صلاتي وبين قراءتي، قال: (ذاك شيطان يقال له خنزب، فإذا أنت حسسته فتعوذ بالله منه واتفل عن يسارك ثلاثا) قال ففعلت ذاك فأذهبه الله عز وجل عني أخرجه أحمد 4/216، ومسلم 4/1728 -1729، وعبد الرزاق 2/85، 499 برقم (2582، 4220) وابن أبي شيبة 7/419، 10/353، وابن السني في عمل اليوم والليلة ص 272 برقم (577) .
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 7/40.(5/1441)
إذا قام الإمام إلى ركعة خامسة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا قام الإمام إلى ركعة خامسة في الصلاة ناسيا، وسبحنا له ولكنه لم يرجع، فماذا يفعل المأموم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا قام الإمام إلى ركعة خامسة ناسيا، وجب على المأمومين تنبيهه ليرجع، فإن لم يرجع ظناً منه أنه على صواب، لم يجز للمأموم الذي يعلم أنها الخامسة أن يتابع الإمام ويقوم معه، لأنه بذلك يكون قد زاد ركعة في الصلاة عالماً عامداً، وهذا مبطل للصلاة.
بل يجلس المأموم ويتشهد ثم يسلم أو ينتظر الإمام ويسلم معه.
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن إمام قام إلى خامسة فسبح به فلم يلتفت لقولهم وظن أنه لم يسه فهل يقومون معه أم لا؟
فأجاب:
"إن قاموا معه جاهلين لم تبطل صلاتهم، لكن مع العلم لا ينبغي لهم أن يتابعوه، بل ينتظرونه حتى يسلم بهم، أو يسلموا قبله، والانتظار أحسن" انتهى.
"مجموع الفتاوى" (23/53) .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء" (7/128) :
" وأما المأموم الذي تيقن أن الإمام زاد ركعة - مثلا- فلا يجوز له أن يتابعه عليها، وإذا تابعه عالماً بالزيادة، وعالماً بأنه لا تجوز المتابعة بطلت صلاته.
أما من لم يعلم أنها زائدة فإنه يتابعه، وكذلك من لا يعلم الحكم" انتهى.
وجاء فيها أيضاً (7/132) :
" من علم من المأمومين أن إمامه قام ليأتي بركعة زائدة كخامسة في الصلاة الرباعية سبح له، فإن رجع فبها، وإلا جلس وانتظر الإمام حتى يسلم بسلامه" انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1442)
ترك سجود السهو دفعاً للوسوسة
[السُّؤَالُ]
ـ[دائماً يحصل له في الصلاة شك فيبني على اليقين أو يبني على الراجح وهذا يتكرر معه كثيراً فهل يترك سجود السهو دفعاً للوسوسة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضت السؤال التالي على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله بقوله:
لا يلتفت لهذا الشك ولا يسجد له، لأن الشكوك الكثيرة تؤدي إلى الوسواس.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين(5/1443)
سجود السهو عند الشكّ في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال عن الشك في عدد الركعات التي يصليها الشخص.
كيف يجب أن نصححها، بعضهم يقول تسلم مرة واحدة ثم تسجد للسهو. وآخرون يقولون تنهي صلاتك أولا ثم تسجد للسهو. وهذا الموضوع جد محير، نرجو شرح ذلك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب سجود السهو عند الزيادة أو النقص أو الشكّ في أركان الصلاة وواجباتها أو عدد الركعات والسؤال وقع عن الشكّ في عدد ركعات الصلاة والجواب عنه كما يلي:
أولا: تعريف الشك: هو التردد بين الأمرين المحتملين.
ثانيا: من شكّ (1) بعد السلام فلا يلتفت إلى هذا الشكّ كمن صلى الظهر وأتمّها ثمّ شكّ بعد الانتهاء من الصلاة: أصلاّها ثلاثا أم أربعا فلا يلتفت إلى هذا الشكّ إلا بدليل ويقين وإلا كان فتحا لباب الوسوسة والزيادة في العبادة.
ثالثا: من شكّ أثناء الصلاة فإنه لا يخلو من حالتين:
الأولى: أن يمكنه التحرّي والترجيح بغلبة الظنّ فيعمل بما غلب على ظنّه ويسجد للسهو بعد السلام والدليل: ما رواه ابن مسعود رضي الله عنه أنّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلّى فزاد أو نقص (كما شكّ أحد الرواة) فَلَمَّا سَلَّمَ قِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحَدَثَ فِي الصَّلاةِ شَيْءٌ قَالَ وَمَا ذَاكَ قَالُوا صَلَّيْتَ كَذَا وَكَذَا فَثَنَى رِجْلَيْهِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ فَلَمَّا أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ قَالَ إِنَّهُ لَوْ حَدَثَ فِي الصَّلاةِ شَيْءٌ لَنَبَّأْتُكُمْ بِهِ وَلَكِنْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي وَإِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلاتِهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ ثُمَّ لِيُسَلِّمْ ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ * رواه البخاري: فتح 401
الثانية: أن لا يغلب على ظنّه أحد الأمرين فيبني على الأقلّ ويسجد قبل السلام كمن صلى الظّهر وشكّ أثناء صلاته أصلاّها ثلاثا أم أربعا ولم يترجّح لديه شيء، فإنّه يبني على الأقلّ وهو الثلاث ويأتي بركعة ثم يجلس للتشهد ويسجد للسهو قبل أن يسلّم، والدليل على ذلك ما رواه أَبو سَعِيدٍ الْخُدْرِي رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى ثَلاثًا أَمْ أَرْبَعًا فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ فَإِنْ كَانَ صَلَّى خَمْسًا شَفَعْنَ لَهُ صَلاتَهُ وَإِنْ كَانَ صَلَّى إِتْمَامًا لأَرْبَعٍ كَانَتَا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ ". رواه مسلم في صحيحه رقم 571 ومعنى ترغيما للشيطان أي: إغاظة له وإذلالا وردّه خاسئا عن مراده بالتلبيس على المصلّي. النووي على صحيح مسلم 5/60
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1444)
متابعة المأموم للإمام في سجود السهو
[السُّؤَالُ]
ـ[في الصلاة الرباعية مثلا, عندما يقوم الإمام سهوا للركعة الخامسة. معلوم أن من علم سهو الإمام وجب عليه ألا يقوم معه بل عليه انتظاره حتى يسلم معه. سؤالي..هل من لم يقم مع الإمام للركعة الخامسة وأنتظر حتى سلم معه هل يسجد معه سجدة السهو؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إذا قام الإمام إلى ركعة خامسة ناسياً، وجب على المأمومين تنبيهه، فإن لم يرجع، جلس المأموم وتشهد، ثم له أن يُسلِّم ويفارق الإمام، أو ينتظره في التشهد ليسلم معه.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (98453)
ثانياً:
أجمع العلماء على أن المأموم الذي أدرك الركعة الأولى من الصلاة مع الإمام وسوف يسلم معه من الصلاة، أجمعوا على أنه يجب عليه أن يتابع الإمام في سجود السهو، سواء سجد الإمام قبل التسليم من الصلاة أم بعده، وسواء سها الإمام بمفرده أو سها معه المأموم.
وقد دل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه.. وإذا سجد فاسجدوا) متفق عليه، فإن عمومه يشمل سجود السهو، فإذا سجد الإمام وجب على المأموم أن يتابعه في السجود.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني":
" وَإِذَا سَهَا الْإِمَامُ، فَعَلَى الْمَأْمُومِ مُتَابَعَتُهُ فِي السُّجُودِ سَوَاءٌ سَهَا مَعَهُ، أَوْ انْفَرَدَ الْإِمَامُ بِالسَّهْوِ.
وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى ذَلِكَ.
وَذَكَرَ إِسْحَاقُ أَنَّهُ إجْمَاعُ أَهْلِ الْعِلْمِ، سَوَاءٌ كَانَ السُّجُودُ قَبْلَ السَّلَامِ، أَوْ بَعْدَهُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا) " انتهى.
فعلى هذا، يجب على المأموم في الصورة المسئول عنها متابعة الإمام في سجود السهو. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1445)
إذا لم يأت بسجود السهو الواجب
[السُّؤَالُ]
ـ[وإذا لم يسجد لسجود السهو في الواجب فماذا عليه إن كان بمفرده أو مع الإمام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا تعمد المصلي ترك سجود السهو الواجب، بطلت صلاته، كتعمد ترك أي واجب من واجباتها.
وأما إذا نسي السجود للسهو، فإن تذكر بعد السلام أتى به، إلا إذا طال الفصل أو خرج من المسجد، فلا شيء عليه، وصلاته صحيحة.
فقد سئل الشيخ ابن عثيمين: عن رجل نسي التشهد الأول فعلم أنه يجب عليه سجود سهو قبل السلام ولكنه نسي وسلم فما الحكم؟
فأجاب: "إن ذكر في زمن قريب سجد، وإن طال الفصل سقط، مثل أن لا يذكر إلا بعد مدة طويلة، فلو خرج من المسجد فإنه لا يرجع إلى المسجد ويسقط عنه" انتهى.
"فتاوى ابن عثمين" (14/50) .
وإذا نسي الإمام سجود السهو فلا ينفرد المأموم بسجود السهو، بل يسلم مع الإمام ثم يذكره بعد السلام بسجود السهو، فيسجد الإمام ويسجد معه المأموم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1446)
نسي الإمام وقام للثالثة في صلاة التراويح ثم جلس
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا نسي الإمام في التراويح الجلوس للتشهد في الركعة الثانية وقام ولم يقرأ الفاتحة وجلس مرة أخرى سريعاً للتشهد بعد ثوان قليلة. فماذا عليه وماذا على المأموم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عليهم جميعاً سجود السهو لهذا العمل الزائد وهو القيام لركعة ثالثة.
[الْمَصْدَرُ]
كتبه الشيخ عبد الكريم الخضير(5/1447)
هل سجود السهو يقضى
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا توجب عليك أن تسجد سجود السهو في الصلاة، ثم نسيت فلم تسجد، هل تعتبر صلاتك باطلة، وهل هناك طريقة لإصلاح الصلاة بعد الانتهاء منها، أم يجب إعادة الصلاة كلها؟ وماذا وتذكرت ذلك وأنت تصلي سُنة هل يجب عليك أن تقطع صلاتك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الإمام المرداوي رحمه الله في الإنصاف 2/154: اشترط المصنف - ابن قدامة - لقضاء السجود شرطين:
أحدهما: أن يكون في المسجد.
والثاني: أن لا يطول الفصل. وهو المذهب. نص عليه
وعن الإمام أحمد: يسجد مع قِصَر الفصْل، ولو خرج من المسجد.
وعنه أيضا: يسجد ولو طال الفصل أو تكلّم أو خرج من المسجد وهو اختيار شيخ الإسلام كما في الاختيارات الفقهية (ص94) .
وجاء في الروض المربع شرح زاد المستقنع 2/461: (وإن نسيه) أي نسي سجود السهو الذي محله قبل السلام (وسلم) ثم ذكر (سجد) وجوبا (إن قرُب زمنه) .. فإذا سلّم - وإن طال فصْلٌ عرفا أو أحدث أو خرج من المسجد - لم يسجد وصحت صلاته.
وجاء في الشرح الممتع للشيخ محمد بن صالح العثيمين 3/537:
قوله: "وإن نسيه وسلم سجد إن قرب زمنه " - أي: السجود الذي قبل السلام وسلّم - سجد إن قرب زمنه فإن بَعُد سقط وصلاته صحيحة.
مثاله:
رجل نسي التشهد الأول فيجب عليه سجود السهو ومحله قبل السلام لكن نسي وسلم فإن ذكر في زمن قريب سجد وإن طال الفصل سقط: مثل لو لم يتذكر إلا بعد مدة طويلة، ولهذا قال " سجد إن قرب زمنه " فإن خرج من المسجد فإنه لا يرجع إلى المسجد فيسقط عنه، بخلاف ما إذا سلم قبل إتمام الصلاة فإنه يرجع ويكمل وذلك لأنه في المسألة الثانية ترك ركنا فلا بد أن يأتي به وهذا ترك واجبا يسقط بالسهو.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: بل يسجد ولو طال الزمن لأن هذا جابر للنقص الذي حصل فمتى ذكره جبره.
ولكن الأقرب: ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله أنه إذا طال الفصل فإنه يسقط وذلك لأنه إما واجب للصلاة وإما واجب فيها فهو ملتصق بها وليس صلاة مستقلة حتى نقول إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها. رواه البخاري (597) ومسلم (684) من حديث أنس. بل تابِعٌ لغيره فإن ذكره في وقت قريب وإلا سقط. والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1448)
إذا قام الإمام لركعة زائدة فماذا على المأموم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[في صلاة الجماعة سها الإمام ولم يعرف عدد الركعات التي صلاها وصلى الظهر خمس ركعات وتم تنبيهه من المأمومين ولكنه أصر وذلك على يقين منه بأنه على صواب فماذا نفعل نحن المأمومين؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا جزم الإمام بصواب نفسه، فلم يلتفت لتنبيه المأمومين، وأتم صلاته، وكان قد صلى خمس ركعات، فصلاته صحيحة ولا شيء عليه، ثم إذا تبين له الحال بعد السلام، سجد سجدتين للسهو وسلّم.
ثانيا:
إذا علم المأموم بأن إمامه قام لركعة زائدة، وجب عليه تنبيهه، فإن لم يرجع، لم يجز له متابعته، بل يفارقه، فيجلس ويأتي بالتشهد الأخير ويسلم، فإن تابعه عالما بأن هذه الركعة هي الخامسة بطلت صلاته، وأما من تابعه جاهلا أو ناسيا، فصلاته صحيحة.
قال في "شرح منتهى الإرادات" (1/223) : " ومن سها فنبهه ثقتان لزمه الرجوع ما لم يتيقن صوابَ نفسه فلا يجوز رجوعه. . "
ثم ذكر أنه إن قام إلى خامسة لم يجز للمأموم متابعته لأنه " يعتقد خطأه , وأن ما قام إليه ليس من صلاته. فإن تبعه جاهلا , أو ناسيا , أو فارقه: صحت له (أي الصلاة) , ويلزم من علم الحال مفارقته، ويسلم المفارق لإمامه بعد قيامه إلى الزائدة , وتنبيهه وإبائه الرجوع , إذا أتم التشهد الأخير " انتهى.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا صلى الإمام خمسا سهوا فما حكم صلاته وصلاة من خلفه؟ وهل يعتد المسبوق بتلك الركعة الزائدة؟
فأجاب: " إذا صلى الإمام خمسا سهوا فإن صلاته صحيحة، وصلاة من اتبعه في ذلك ساهيا أو جاهلا صحيحة أيضا.
وأما من علم بالزيادة فإنه إذا قام الإمام إلى الزائدة وجب عليه أن يجلس ويسلم، لأنه في هذه الحالة يعتقد أن صلاة إمامه باطلة إلا إذا كان يخشى أن إمامه قام إلى الزائدة، لأنه أخل بقراءة الفاتحة (مثلا) في إحدى الركعات فحينئذ ينتظر ولا يسلم (أي ينتظر حتى يسلم مع الإمام) .
وأما بالنسبة للمسبوق الذي دخل مع الإمام في الثانية فما بعدها فإن هذه الركعة الزائدة تحسب له، فإذا دخل مع الإمام في الثانية مثلا سلم مع الإمام الذي زاد ركعة، وإن دخل في الثالثة أتى بركعة بعد سلام الإمام من الزائدة، وذلك لأننا لو قلنا بأن المسبوق لا يعتد بالزائدة للزم من ذلك أن يزيد ركعة عمدا، وهذا موجب لبطلان الصلاة، أما الإمام فهو معذور بالزيادة، لأنه كان ناسيا فلا تبطل صلاته " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (14/19) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1449)
هل يعيد المسبوق سجود السهو الذي سجده مع الإمام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل على المسبوق إذا أخطأ إمامه وسجد للسهو بعد السلام، أو قبله أن يسجد للسهو بعد أن يكمل صلاته؟ وهل يتصور أن يسجد للسهو مرتين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا سها الإمام وسجد للسهو قبل السلام فإن على المسبوق أن يتابعه لأنه مرتبط بإمامه حتى يسلم، فإذا قضى ما فاته لزمه السجود أيضاً، لأن سجوده مع إمامه في غير محله، فإن سجود السهو لا يكون في أثناء الصلاة، وإنما كان سجوده مع إمامه تبعاً لإمامه فقط.
ولكن إذا كان سهو الإمام قبل أن يدخل معه المسبوق فإنه لا يعيد السجود مرة ثانية، لأنه لم يلحقه حكم سهو إمامه فإنه كان قبل أن يدخل معه.
أما إذا كان سجود الإمام بعد السلام فإن المسبوق لا يسجد معه، لأن متابعة الإمام في هذه الحال متعذرة إلا بالسلام معه، وهذا غير ممكن، لأن المسبوق لا يسلم إلا بعد انتهاء الصلاة.
ولكن إذا كان سهو الإمام قبل أن يدخل معه فإنه لا سجود عليه، لأنه لم يلحقه حكم سهو إمامه، وإن كان سهوه بعد أن دخل معه سجد إذا سلم.
هذا ما تقضيه الأدلة بعضها سمعية، مثل وجوب سجود المأموم تبعاً لإمامه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الإمام ليؤتم به) متفق عليه.
وبعضها بالنظر الصحيح كما في تعليل الأحكام المذكورة، وانظر: "الشرح الكبير على المقنع"، و "المجموع شرح المهذب". انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
"مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (14/24) .(5/1450)
مسافر ونسي وقام إلى ركعة ثالثة
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل مسافر قام إلى ثالثة في الصلاة التي نوى قصرها فهل يلزمه الرجوع في الحال أو له أن يكمل؟ وماذا عليه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأفضل له أن يرجع، لأنه دخل الصلاة على أنه يريد أن يصلي ركعتين، فليصل ركعتين ولا يزيد عليهما، وعليه أن يسجد للسهو بعد السلام، وإن استمر فأتم الصلاة فلا حرج عليه.
[الْمَصْدَرُ]
"مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (14/32) .(5/1451)
سجد الإمام للتلاوة ولم يعلم المأموم فركع
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا سجد الإمام للتلاوة فظن المأموم أن الإمام ركع فركع فما الحكم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا سجد الإمام للتلاوة فظن المأموم أنه ركع ثم ركع بناء على أن الإمام قد ركع، فلا يخلو من حالين:
إحداهما: أن يعلم بأن الإمام ساجد وهو راكع، ففي هذه الحالة يجب عليه أن يسجد اتباعاً لإمامه.
الحال الثانية: أن لا يشعر أن الإمام ساجد إلا بعد أن يقوم من السجدة، وحينئذ نقول للمأموم الذي ركع: ارفع الآن وتابع الإمام واركع مع إمامك واستمر، وسجود التلاوة سقط عنك حينئذ، لأن سجود التلاوة ليس ركناً في الصلاة حتى يحتاج أن تأتي به بعد إمامك، وإنما يجب عليك متابعة للإمام. والمتابعة هنا قد فاتت، فهي سنة قد فات محلها، وتستمر في صلاتك" انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
"مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (14/24) .(5/1452)
الفرق بين الركن والواجب في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين الركن والواجب في الصلاة]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الفرق بين الركن والواجب في الصلاة: أن الركن لا يسقط عمدا ولا سهوا ولا جهلاً، بل لابد من الإتيان به.
أما الواجب: فيسقط بالجهل والنسيان، ويجبر بسجود السهو.
وأركان الصلاة أربعة عشر ركنا، وواجباتها ثمان، وقد سبق بيانها في جواب السؤال رقم (65847) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1453)
مسبوق نسي وسلَّم مع الإمام، فهل يسجد للسهو بعد أن يأتي بما عليه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[فاتتني الركعة الأولى من العصر، وعندما سلم الإمام سلمت معه بالغلط، فهل يجب سجود السهو بعد أن آتي بهذه الركعة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، عليك أن تسجد للسهو بعد أن تتم صلاتك، وذلك لأن المأموم إذا سها لا سجود عليه إلا إذا كان مسبوقاً.
قال النووي رحمه الله تعالى في "المجموع" (4/63) :
" إذا سها خلف الإمام تحمل الإمام سهوه، ولا يسجد واحد منهما بلا خلاف، قال الشيخ أبو حامد: وبهذا قال جميع العلماء إلا مكحولا، فإنه قال: يسجد المأموم لسهو نفسه " انتهى.
والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما جُعِل الإمام ليؤتمّ به، فلا تختلفوا عليه) رواه البخاري (722) ومسلم (414)
وسجود المأموم للسهو فيه مخالفة للإمام.
أما إذا كان مسبوقاً فإنه يسجد للسهو إذا أتمّ صلاته، لأنه سيتمها منفرداً، فلا يكون في سجوده مخالفة للإمام.
ثانيا:
قال النووي رحمه الله "المجموع" (4/64) :
" ولو كان مسبوقا فسها بعد سلام الإمام، لم يتحمل عنه الإمام؛ لانقطاع القدوة " انتهى.
وجاء في الموسوعة الفقهية (8/206) :
" إذا سلم المسبوق بعد سلام الإمام سهوا، بنى على صلاته ويسجد للسهو " انتهى.
وقال الشيخ السعدي رحمه الله ":
" إذا كان مسبوقا وسها بما يقضيه فإن عليه السجود للسهو " انتهى.
" فتاوى السعدي" (157)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (14/رقم698) :
" إذا سها المأموم في صلاته وكان مسبوقا وجب عليه أن يسجد للسهو إذا كان سهوه مما يوجب السجود " انتهى.
ومن ذلك ما إذا سلم المسبوق بعد سلام إمامه سهوا، فإن الواجب عليه أن يقوم فيأتي بما عليه، ثم يسجد للسهو.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1454)
محل سجود السهو، وماذا يقول فيه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أود السؤال عن كيفية سجود السهو في حالة النقص أو الزيادة في الصلاة، وعندما يكون سجود السهو بعد التسليم، هل يعيد المصلي التشهد أم لا؟
وهل يقول في سجود السهو (سبحان ربي الأعلى) ثلاثا؟ أم هناك أذكار أخرى تقال في سجود السهو؟
وهل إذا نسي المصلي التشهد الأول وجب عليه سجود السهو أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
في محل سجود السهو، هل هو قبل السلام أو بعده، خلاف كبير بين أهل العلم، والأظهر من أقوالهم: أن الزيادة في الصلاة سهوا تقتضي السجود بعد السلام، والنقص يقتضي السجود قبل السلام، وأما عند الشك ففيه تفصيل: فإذا ترجح عنده أحد الاحتمالين فإنه يسجد بعد السلام، وإن لم يترجح عنده أحد الاحتمالين فإنه يسجد قبل السلام، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (12527) .
ثانيا:
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (7/8) :
" التشهد الأول في الصلاة واجب من واجباتها في أصح قولي العلماء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله ويقول: (صلوا كما رأيتموني أصلي) ، ولما تركه سهوا سجد للسهو، فمن تركه عمدا بطلت صلاته، ومن تركه سهوا جبره بسجود السهو قبل السلام " انتهى.
ثالثا:
لا يشرع إعادة التشهد بعد سجود السهو سواء كان السجود قبل السلام أم بعده، وقد سبق بيان ذلك في سؤال رقم (7895) .
رابعا:
سجود السهو يؤدى كما يؤدى سجود الصلاة، فيسجد على سبعة أعظم كسجود الصلاة، ويذكر الله بالذكر المعروف (سبحان ربي الأعلى) ، ويقول بين السجدتين (رب اغفر لي رب اغفر لي) ، وليس هناك ذكر خاص بسجود السهو، هذا ما يقرره أهل العلم.
يقول المرداوي في "الإنصاف" (2/159) :
" سجود السهو وما يقول فيه وبعد الرفع منه كسجود الصلاة " انتهى.
وقال الرملي في "نهاية المحتاج" (2/88) :
" وكيفيتهما (يعني سجدتي السهو) كسجود الصلاة في واجباته ومندوباته كوضع الجبهة والطمأنينة والافتراش في الجلوس بينهما " انتهى باختصار.
وبعض الفقهاء يستحب أن يقول في سجود السهو (سبحان من لا يسهو ولا ينام) ، ولكن لا دليل عليه، فالمشروع هو الاقتصار على ما يذكر في سجود الصلاة، ولا يعتاد ذكرا غيره.
وقد سبق نقل أقوال أخرى لأهل العلم في سؤال رقم (39399) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1455)
أحوال المأموم مع سجود السهو
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم اتباع الإمام في حالة سجود السهو؟ وما حكم سجود السهو إذا كنت مأموما؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب على المأموم أن يتبع إمامه في سجود السهو إذا كان قد أدرك معه جميع الركعات، أي لم يكن مسبوقا، وذلك لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ , فَلا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ , فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا , وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ , وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا) رواه البخاري (722) ومسلم (414) .
أما المسبوق، وهو من فاتته ركعة فأكثر، فإنه يتابع إمامه إذا سجد قبل السلام، ولا يتابعه إذا سجد بعد السلام لتعذر ذلك؛ إذ المسبوق لا يمكن أن يسلم مع إمامه، ولكن عليه أن يقضي ما فاته ويسلم، ثم يسجد للسهو ويسلم.
هذا من حيث الإجمال، وأما من حيث التفصيل: فيمكن تلخيص أحوال المأموم مع سجود السهو فيما يلي:
1- إذا أدرك المأموم جميع الصلاة مع إمامه، فسها الإمام وسجد للسهو، فإنه يلزمه متابعته، سواء كان السجود قبل السلام أو بعده.
2- إذا كان المأموم مسبوقا، وسها الإمام في الجزء الذي أدركه المأموم: ففيه تفصيل:
فإن سجد الإمام قبل السلام سجد معه المأموم ثم أتم صلاته، ثم سجد للسهو مرة أخرى؛ لأن سجوده الأول مع إمامه كان في غير موضعه، فإن سجود السهو لا يكون في أثناء الصلاة، بل يكون في آخر الصلاة , وإنما كان سجوده مع إمامه تبعا لإمامه فقط.
وإن سجد الإمام بعد السلام، لم يسجد المسبوق معه، بل يقوم ويتم صلاته ويسلم، ثم يسجد للسهو ويسلم.
3- إذا كان المأموم مسبوقا، وسها الإمام في الجزء الذي لم يدركه المأموم، كما لو سها في الركعة الأولى، والمأموم دخل في الركعة الثانية:
فإن سجد الإمام قبل السلام، تابعه المأموم، ثم أتم صلاته، ولا يلزمه السجود مرة أخرى لأنه لم يلحقه حكم سهو إمامه.
وإن سجد الإمام بعد السلام: لم يتابعه المأموم، ولم يلزمه السجود في نهاية الصلاة أيضا؛ لأنه لم يلحقه حكم سهو إمامه، لأن السهو وقع قبل أن يلتحق بإمامه في الصلاة.
وهذه الحالات كلها فيما إذا كان السهو من الإمام، وأما سهو المأموم نفسه فله أحوال أيضا:
4- إذا سها المأموم في صلاته، ولم يكن مسبوقا، أي أدرك جميع الركعات مع إمامه، كما لو نسي أن يقول: سبحان ربي العظيم في الركوع، فإنه لا سجود عليه؛ لأن الإمام يتحمله عنه، لكن لو فرض أن المأموم سها سهوا تبطل معه إحدى الركعات كما لو ترك قراءة الفاتحة نسيانا، فهنا لابد أن يقوم إذا سلم الإمام ويأتي بالركعة التي بطلت من أجل السهو، ثم يتشهد ويسلم ويسجد بعد السلام.
5- إذا سها المأموم في صلاته، وكان مسبوقا، فإنه يسجد للسهو، سواء كان سهوه في حال كونه مع الإمام، أو بعد القيام لقضاء ما فاته؛ لأنه إذا سجد لم يحصل منه مخالفة لإمامه حيث إن الإمام قد انتهى من صلاته.
انظر: "رسالة في أحكام سجود السهو" للشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1456)
نسي إمامهم سجدة وسلَّم فأعاد ركعة وبعضهم لم يُعد
[السُّؤَالُ]
ـ[في صلاة العشاء صلى بنا الإمام، ولم يكن الإمام الرسمي، وفي آخر ركعة لم يسجد السجدة الأخيرة، وسلَّم دون أن ينتبه أو يذكره أحد المصلين، وبعد دقائق جاءه أحد المصلين وذكَّره بذلك فنهض مباشرة، وقال: نعيد الركعة الأخيرة لأجل يأتي بالسجدة التي نسيها، فهل هذا صحيح؟ وإذا كان غير ذلك: فما هو الصحيح؟ وما حكم من لم يأت معهم بالسجدة الأخيرة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إذا سها الإمام في صلاته فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم المأمومين أن يذكِّروه فقال: (إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي) رواه البخاري (401) ، فكان على جماعة المسجد أن يُسَبِّحوا للإمام حتى يتنبه ويأتي بالسجدة التي نسيها.
ثانياً:
السجدة الأولى والثانية كلتاهما ركن من أركان الصلاة، لا تصح الصلاة إلا بهما، ومن تعمد تركهما أو ترك واحدة منهما أثم، وبطلت صلاته، ومن نسيهما أو نسي واحدة منهما: فيجب عليه إذا تذكر الإتيان بما نسيه إماماً أو مأموماً أو منفرداً، ومن لم يفعل: لم تصحَّ صلاته.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
الأركان واجبة وأوكد من الواجبات، لكن تختلف عنها في أن الأركان لا تسقط بالسَّهْوِ، والواجبات تسقط بالسَّهْوِ، ويجبرها سُجودُ السَّهْوِ، بخلاف الأركان؛ ولهذا من نسيَ رُكناً لم تصحَّ صلاته إلا به. " الشرح الممتع " (3 / 315) .
وقال:
والدليل على أن الأركان لا تنجبر بسجود السَّهو: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لما سَلَّم مِن ركعتين مِن صلاة الظُّهر أو العصر أتمَّها وأتى بما تَرَكَ وسَجَدَ للسَّهو، فدلَّ هذا على أنَّ الأركان لا تسقط بالسَّهو، ولا بُدَّ مِن الإِتيان بها. " الشرح الممتع " (3 / 323) .
وأما ما فعله إمامكم من إعادة الركعة الأخيرة كاملة بعد تذكيره: فهو أحد القولين في المسألة وهو أن من ترك ركناً من الركعة الأخيرة ولم يعلم إلا بعد التسليم فإنه يأتي بركعة كاملة. وهو مذهب الإمام أحمد رحمه الله، وانظر المغني (1/658) .
وقد اختار هذا القول الشيخ ابن باز رحمه الله، فإنه سئل عن إمام نسي السجدة الأخيرة من صلاة العصر، فقام وصلى ركعة كاملة وتشهد وسلم ثم سجد للسهو , فقال: (هذا هو المشروع، إذا نسي الإمام سجدة وسلم ثم ذكر أو نبه، يقوم ويأتي بركعة ثم يكمل ثم يسلم ثم يسجد سجود السهو بعد السلام وهو أفضل، وهكذا المنفرد حكمه حكمه. وإن سجد للسهو قبل السلام فلا بأس ولكن بعده أفضل) مجموع فتاوى ابن باز (11/277) .
والقول الثاني في المسألة أنه لا يلزمه الإتيان بركعة كاملة وإنما يأتي بالركن الذي نسيه وبما بعده. وهو مذهب الإمام الشافعي رحمه الله. انظر المجموع (4/33) وقد اختاره الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. وانظر شرح الممتع (3/374) .
والحاصل أن صلاة الإمام، وصلاة من أكملوا معه الصلاة صحيحة.
وأما من لم يتم صلاته ولم يأت بالسجدة التي تركها فصلاته غير صحيحة، والواجب عليهم إعادتها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1457)
هل يسجد المصلي للسهو في صلاة النافلة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يصح سجود السهو في الصلاة المستحبة كصلاة النافلة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يشرع سجود السهو في الصلاة النافلة كمشروعيته في الصلاة المكتوبة سواء بسواء عندما يوجد سببه.
وإليه ذهب جمهور أهل العلم قديماً وحديثاً، لعموم قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين) رواه مسلم (402)
ولأن جبر الصلاة وإرغام الشيطان يحتاج إليه في النفل كما يحتاج إليه في الفريضة.
وذهب جماعة، منهم ابن سيرين وقتادة وعطاء وجماعة من أصحاب الشافعي إلى أن التطوع لا سجود فيه.
والراجح ما ذهب إليه الجمهور.
قال البخاري رحمه الله في صحيحه: باب السهو في الفرض والتطوع، وسجد ابن عباس رضي الله عنهما سجدتين بعد وتره. قال الحافظ في الفتح عن أثر ابن عباس، رواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح. اهـ.
ووجه الاستدلال بفعل ابن عباس أن الوتر غير واجب وسجد ابن عباس فيه للسهو، مما يدل على أن سجود السهو يكون في الفرض والنفل.
وقال الشيخ ابن عثيمين: سجود السهو سجدتان، ويكون في الفرض والنفل إذا وجد سببه. اهـ. مجموع فتاوى ابن عثيمين (14/68)
انظر كتاب سجود السهو في ضوء الكتاب والسنة المطهّرة. للشيخ عبد الله الطيّار.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1458)
إذا سجد للسهو بعد السلام، فهل يتشهد ويسلم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كنت سأسجد للسهو بعد التسليم من الصلاة، فهل أقرأ التشهد وأسلم مرة أخرى؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من سجد للسهو بعد السلام فإنه يلزمه أن يسلم مرة ً أخرى، أما التشهد فإنه لا يتشهد مرة أخرى.
روى البخاري (482) ومسلم (573) عن مُحَمَّد بْن سِيرِينَ أنه قال: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَقُولُ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْدَى صَلاتَيْ الْعَشِيِّ إِمَّا الظُّهْرَ وَإِمَّا الْعَصْرَ، فَسَلَّمَ فِي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَتَى جِذْعًا فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ فَاسْتَنَدَ إِلَيْهَا مُغْضَبًا، وَفِي الْقَوْمِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرَ فَهَابَا أَنْ يَتَكَلَّمَا، وَخَرَجَ سَرَعَانُ النَّاسِ فقالوا: قُصِرَتْ الصَّلاةُ. فَقَامَ ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَقُصِرَتْ الصَّلاةُ أَمْ نَسِيتَ؟ فَنَظَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمِينًا وَشِمَالا فَقَالَ: مَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ؟ قَالُوا: صَدَقَ، لَمْ تُصَلِّ إِلا رَكْعَتَيْنِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ كَبَّرَ، ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ كَبَّرَ فَرَفَعَ، ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ، ثُمَّ كَبَّرَ وَرَفَعَ، قَالَ محمد بن سيرين: وَأُخْبِرْتُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: وَسَلَّمَ.
وروى مسلم (574) عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الْعَصْرَ، فَسَلَّمَ فِي ثَلاثِ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ دَخَلَ مَنْزِلَهُ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ الْخِرْبَاقُ، وَكَانَ فِي يَدَيْهِ طُولٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَذَكَرَ لَهُ صَنِيعَهُ، وَخَرَجَ غَضْبَانَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى النَّاسِ، فَقَالَ: أَصَدَقَ هَذَا؟ قَالُوا: نَعَمْ. فَصَلَّى رَكْعَةً، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ.
وقال الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله:
" إذا كان السجود بعد السلام، فإنه يجب له السلام فيسجد سجدتين ثم يسلم.
وأما هل يجب له التشهد؟
في هذا خلاف بين العلماء، والراجح أنه لا يجب له التشهد" اهـ.
(فتاوى ابن عثيمين (14/74) .
وسئلت اللجنة الدائمة: هل يتشهد بعد سجود السهو أم لا، سواء سجد للسهو قبل السلام أم بعده؟
فأجابت:
لا يشرع التشهد بعد سجود السهو إذا كان قبل السلام بلا ريب، أما السجود بعد السلام ففيه خلاف بين أهل العلم، والأرجح عدم شرعيته لعدم ذكره في الأحاديث الصحيحة اهـ.
فتاوى اللجنة الدائمة (7/148) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1459)
ماذا يقول في سجدتي السهو وبينهما؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا نقول في سجدتي السهو وما بينهما؟ وهل نقول مثلما نقول في صلاة الفريضة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم يرد – فيما نعلم – تخصيص سجدتي السهو بذكر معين، وعلى هذا يكون حكمهما حكم سجود الصلاة، فيقال فيهما ما يقال في سجود الصلاة، نحو (سبحان ربي الأعلى) والدعاء، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ) رواه مسلم (482) .
انظر السؤال رقم (7886) ، (39677) .
ويقال بينهما ما يقال بين سجدتي الصلاة، نحو (رب اغفر لي) .
انظر السؤال (13340) .
قال النووي في "المجموع" (4/72) :
" سُجُودُ السَّهْوِ سَجْدَتَانِ بَيْنَهُمَا جَلْسَةٌ , وَيُسَنُّ فِي هَيْئَتِهَا الافْتِرَاشُ، وَيَتَوَرَّكُ بَعْدَهُمَا إلَى أَنْ يُسَلِّمَ , وَصِفَةُ السَّجْدَتَيْنِ فِي الْهَيْئَةِ وَالذِّكْرِ صِفَةُ سَجَدَاتِ الصَّلاةِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ " انتهى.
وقال في " الشرح الكبير" (4/96) :
" ويقول في سجود السهو ما يقول في سجود صلب الصلاة، قياساً عليه " انتهى.
وقال في "أسنى المطالب" (1/195) :
" سُجُودُ السَّهْوِ سَجْدَتَانِ. . . وَكَيْفِيَّتُهَا كَسَجْدَتَيْ الصَّلاةِ، يَجْلِسُ مُفْتَرِشًا بَيْنَهُمَا، وَيَأْتِي بِذِكْرِ السُّجُودِ لِلصَّلاةِ فِيهِمَا " انتهى.
وقال في "مغني المحتاج" (1/439) :
" وكيفيتهما كسجود الصلاة في واجباته ومندوباته، كوضع الجبهة والطمأنينة. . . ويأتي بذكر سجود الصلاة فيهما. . .
قال الأذرعي وسكتوا عن الذكر بينهما. والظاهر أنه كالذكر بين سجدتي صلب الصلاة " انتهى باختصار.
وجاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " (6/443) :
" يقول الساجد في سجود السهو والتلاوة مثل ما يقول في سجوده في صلاته: " سبحان ربي الأعلى " والواجب في ذلك مرة واحدة، وأدنى الكمال ثلاث مرات، ويستحب الدعاء في السجود بما يسر الله من الأدعية الشرعية المهمة " انتهى.
وذكر بعض العلماء أنه يستحب أن يقال فيهما: " سُبْحَانَ مَنْ لا يَنَامُ وَلا يَسْهُو ".
قال الحافظ ابن حجر في "التلخيص" (2/12) : لم أجد له أصلاً. انتهى.
والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1460)
مسبوقٌ تركَ التشهدَ الأولَ ناسيًا
[السُّؤَالُ]
ـ[أدركتُ الركعةَ الأخيرةَ من صلاةِ العصر، فقمتُ للركعةِ الثانية، ولم أجلس للتشهد، اعتقدت أني أدركتُ الركعةَ الثالثةَ مع الجماعة، فلما جلستُ للتشهدِ الأخير تذكرت، فسجدتُ سجدَتَي السهوِ ثم سَلّمت. هل صلاتي صحيحة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
في هذا السؤال مسألتان:
المسألةُ الأولى:
هل يسجدُ المسبوقُ للسهوِ إذا سها في صلاتِه؟
قال البهوتيُّ في "شرح منتهى الإرادات" (1/232) :
" يسجدُ أيضًا لسهوِه (أَي المسبوق) :
- فيما أدركَه معه (أي مع إمامه) ، ولو فارقه لعذر.
- ويسجدُ مسبوق أيضًا إذا سها فيما انفردَ به، وهو ما يقضيه بعدَ سلامِ إمامِه، ولو كان سجدَ معه لسهوه؛ لأنَّه صارَ منفردًا فلم يتحمّل عنه سجودَه " انتهى.
وقالَ الشيخُ ابنُ باز رحمه الله:
" أما المسبوقُ فإنه يسجدُ للسّهوِ إذا سها مع إمامِه، أو فيما انفردَ به بعد إكمالِه الصلاة " انتهى
"فتاوى ابن باز" (11/268) .
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (7/151) :
" إذا سها المأمومُ في قضاءِ ما فاتَه، أو شكّ في الصلاةِ، فإنه يبني على اليقين - وهو الأقلُّ - ويكملُ صلاتَه، ثم يسجدُ للسهو " انتهى.
المسألةُ الثانية:
في مَحَلِّ سجودِ السهو، هل يكونُ قبلَ السلام أم بعده؟
جاءت السنة بأن من نسى التشهد الأول فإنه ليسجد للسهو قبل التسليم.
روى البخاري (1224) ومسلم (570) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ بُحَيْنَةَ رضي الله عنه قَالَ: صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ مِنْ بَعْضِ الصَّلَوَاتِ ثُمَّ قَامَ فَلَمْ يَجْلِسْ، فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، فَلَمَّا قَضَى صَلاتَهُ وَنَظَرْنَا تَسْلِيمَهُ كَبَّرَ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ، قَبْلَ التَّسْلِيمِ، ثُمَّ سَلَّم َ.
وهذا الحديث يدل على أن صلاة من نسى التشهد الأول صحيحة , وأنه يسجد سجدتي السهو قبل التسليم من الصلاة.
وقد سبقَ في جواب لسؤال رقم (12527) نقلُ قول الشيخِ ابنِ عثيمين رحمه الله:
" وبهذا يتبيَّنُ أن سجودَ السهوِ يكونُ قبلَ السلامِ إذا ترك واجبًا من الواجبات، أو إذا شكَّ في عددِ الركعاتِ ولم يترجّحْ عنده أحدُ الطرفين.
وأنّه يكونُ بعدَ السلامِ إذا زادَ في صلاته، أو شكّ وترجَّحَ عنده أحدُ الطرفين " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (14/14-16) .
وعلى هذا , فقد أحسنت صُنعًا حين سجدت للسهوِ قبلَ السلام، وصلاتك صحيحةٌ إن شاء الله تعالى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1461)
هل يسجد للسهو عن كل سرحان
[السُّؤَالُ]
ـ[هل للعبد أن يسجد سجود السهو في كل صلاة، بحجة أنه قد أصابه قليل من السرحان؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سبق بيان الأسباب التي يشرع لها سجود السهو في الصلاة، وأنها إما أن تكون زيادة في الصلاة، أو نقصا، أو شكا في صلاته؛ بحيث لم يدر كم صلى. [12527] .
وما ذكر في السؤال من السجود للسهو لأجل ما أصاب المصلي من السرحان [يعني: الذهول في الصلاة وشرود الذهن] فهذا ليس من الأسباب التي يشرع لها سجود السهو. قال الشيخ البهوتي رحمه الله:
(يشرع [يعني: السجود] للسهو بوجود شيء من أسبابه، وهي زيادة، ونقص، وشك ... سوى صلاة جنازة ... ، وسوى حديث نفس، لعدم إمكان الاحتراز منه، وهو معفو عنه.) [كشاف القناع 2/ 465]
وقد سئلت اللجنة الدائمة: عندما أكبر تكبيرة الإحرام، وأشرع في قراءة الفاتحة دائما ما أسهو ويسرح بالي خارج المسجد حتى انتهائي من الصلاة..
فأجابت:
(صلاتك صحيحة إذا كنت قد أديت فرائض الصلاة وواجباتها، ونصيحتنا إليك أن تدافع الشيطان عن نفسك ما استطعت، وبكل قوة، حتى تذهب عنك هذه الوساوس، وتبطل كيد الشيطان.
ومما يساعدك على ذلك اللجأ إلى الله والاستعاذة به من الشيطان في أول القراءة وفي نفسك دائما، وتدبر معاني القرآن تدبرا يرشدك إلى عظمة الله، والتكبير والتهليل والتسبيح والتحميد، وأن تتذكر أنك بين يدي الله، وأنك تناجيه في صلاتك، وأن من الواجب عليك الأدب معه، وحضور القلب في مناجاته ودعائه، مع رجاء أن يدفع الله عنك الهواجس ويسلمك من كيد الشيطان، عسى الله أن يوفقك للإقبال عليه والإعراض عن الشيطان.) [فتاوى اللجنة: 7/156] وانظر أيضا: [7/36] .
وقد سئل سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى عن امرأة كثيرة التفكير وشرود الذهن في الصلاة، فهل تعيد صلاتها؟
فقال رحمه الله:
(الوساوس من الشيطان، والواجب عليك العناية بصلاتك والإقبال عليها والطمأنينة فيها، حتى تؤديها على بصيرة. وقد قال الله سبحانه: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ) ، ولما رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا لا يتم صلاته ولا يطمئن فيها أمره بالإعادة وقال له: (إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تعتدل قائما، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها) متفق عليه.
وإذا تذكرت أنك في الصلاة قائمة بين يدي الله تناجينه سبحانه، فإن ذلك يدعو إلى خشوعك في الصلاة وإقبالك عليها وبعد الشيطان عنك وسلامتك من وساوسه.
وإذا كثر عليك الوسواس في الصلاة فانفثي عن يسارك ثلاث مرات، وتعوذي بالله من الشيطان الرجيم ثلاث مرات، فإنه يزول عنك إن شاء الله.
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه بذلك لما قال له: (يا رسول الله إن الشيطان لبس علي صلاتي) [انظر: صحيح مسلم 2203] .
وليس عليك أن تعيدي الصلاة بسبب الوسواس؛ بل عليك أن تسجدي للسهو إذا فعلت ما يوجب ذلك، مثل ترك التشهد الأول سهوا، ومثل ترك التسبيح في الركوع والسجود سهوا.
وإذا شككت هل صليت ثلاثا أو أربعا في الظهر مثلا، فاجعليها ثلاثا وكملي الصلاة، واسجدي للسهو سجدتين قبل السلام.
وإذا شككت في المغرب هل صليت اثنتين أم ثلاثا فاجعليها اثنتين وكملي الصلاة، ثم اسجدي للسهو سجدتين قبل السلام لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك، والله ولي التوفيق.) [فتاوى الشيخ 11/260]
وسئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا غلبت الهواجس على المصلي فما حكم صلاته؟ وما طريق الخلاص منه؟
فأجاب: (الحكم في هذه الحالة أن الإنسان إذا غلب على صلاته الهواجس في أمور الدنيا، أو في أمور الدين، كمن كان طالب علم وصار ينشغل إذا دخل في الصلاة بالتدبر في مسائل العلم، إذا غلب هذا على أكثر الصلاة، فإن أكثر أهل العلم يرون أن الصلاة صحيحة، وأنها لا تبطل بهذه الوساوس، لكنها ناقصة جداً، فقد ينصرف الإنسان من صلاته، ولم يكتب له إلا نصفها، أو ربعها، أو عشرها أو أقل [كما في صحيح المسند 18400 وأبي داود 796]
أما ذمته فتبرأ بذلك ولو كثر، لكن ينبغي للإنسان أن يكون حاضر القلب في صلاته؛ لأن ذلك هو الخشوع، والخشوع هو لب الصلاة وروحها.
ودواء ذلك أن يفعل الإنسان ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم بأن يتفل عن يساره ثلاثاً، ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، فإذا فعل ذلك أذهبه الله.
وإذا كان مأموماً في الصف، فإن التفل لا يمكنه، لأن الناس عن يساره، ولكن يقتصر على الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، فإذا فعل ذلك وكرره أذهب الله ذلك عنه. والله الموفق.
[فتاوى الشيخ 14/88] .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1462)
ما يقال في سجود السهو والتلاوة
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا يقول المصلي عندما يسجد للسهو في صلاته؟ وماذا يقول المصلي عندما يسجد لسجدة القرآن الكريم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يقول الساجد في سجود السهو والتلاوة مثل ما يقول في سجوده في صلاته: " سبحان ربي الأعلى " والواجب في ذلك مرة واحدة، وأدنى الكمال ثلاث مرات، ويستحب الدعاء في السجود بما يسر الله من الأدعية الشرعية المهمة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم»
فقمن أي: جدير
وقوله صلى الله عليه وسلم: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء» رواهما مسلم في صحيحه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي» متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها، وكان صلى الله عليه وسلم يقول أيضا في الركوع والسجود: «سبوح قدوس رب الملائكة والروح» أخرجه مسلم في صحيحه.
وبالله التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 6/443(5/1463)
الشك في عدد الركعات
[السُّؤَالُ]
ـ[أحياناً أخطئ في صلاتي ولا أعرف عدد الركعات أو أشياء من هذا القبيل. هل أقطع الصلاة وأبدأ من جديد أم أستمر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سئِل فضيلة الشيخ محمد العثيمين هذا السؤال فقال:
الصحيح أن الصلاة لا تبطُل، لأن الشكَّ يأتي على الإنسان كثيراً بغير اختيارِهِ، وقد بَيَّنَ النبي صلى الله عليه وسلم حكم من شَكَّ في الصلاة، وأنَّ الشكَّ على قسمين:
القسم الأول: أن يَشُكَّ الإنسان في عدد الركعات مع كونه يرجِّحُ أحد الطرفين، ففي هذه الحالة يَبْنِي الإنسان على ما ترجَّحَ عنده فيُتِمَّ الصلاة عليه، ويسلِّم، ويسجد للسهو بعد السلام.
القسم الثاني: أن يَشُكَّ الإنسان في عدد الركعات، ولم يترجح عنده أحد الطرفين، ففي هذا القسم يَبْنِي على الأقل لأنه مُتَيَقَّنٌ والزَّائِدُ مشْكُوكٌ فيه، فيُتِمَّ على الأقل، ويسجُد للسَّهو سجدتين قبل السلام، ولا تبطل صلاته بذلك.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى الشيخ محمد العثيمين 1/425.(5/1464)
هل يصلى السنن الرواتب عند الجمع بين الصلاتين في الحضر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لو جمع مقيم صلاتين فهل يجب أن يصلي الفرض فقط أم هل يجوز صلاة السنة المؤكدة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا جمع المقيم بين الصلاتين لعذر كالمطر أو المرض أو غير ذلك من الأعذار فله أن يصلي السنة الراتبة، ولا يجب عليه ذلك لأنها سنة وليست واجبة، فإن جمع بين الظهر والعصر صلى راتبة الظهر القبلية، ثم يجمع بين الصلاتين، ثم يصلي راتبة الظهر البعدية بعد صلاة العصر.
وإن جمع بين المغرب والعشاء، صلى بعدهما راتبة المغرب ثم راتبة العشاء.
قال النووي رحمه الله في "روضة الطالبين" (1 / 402) .
"في جمع العشاء والمغرب يصلي الفريضتين ثم سنة المغرب ثم سنة العشاء ثم الوتر.
وأما في الظهر: فالصواب الذي قاله المحققون أنه يصلي سنة الظهر التي قبلها ثم يصلي الظهر ثم العصر ثم سنة الظهر التي بعدها ثم سنة العصر" انتهى.
وقال زكريا الأنصاري رحمه الله في "أسنى المطالب" (1/245) :
"وَإِنْ جَمَعَ تَقْدِيمًا بَلْ أو تَأْخِيرًا في الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ صلى سُنَّةَ الظُّهْرِ التي قَبْلَهَا ثُمَّ الْفَرِيضَتَيْنِ الظُّهْرَ ثُمَّ الْعَصْرَ ثُمَّ بَاقِيَ السُّنَنِ مُرَتَّبَةً أَيْ سُنَّةَ الظُّهْرِ التي بَعْدَهَا ثُمَّ سُنَّةَ الْعَصْرِ.
وفي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ يُصَلِّي الْفَرِيضَتَيْنِ ثُمَّ السُّنَنَ مُرَتَّبَةً سُنَّةَ الْمَغْرِبِ ثُمَّ سُنَّةَ الْعِشَاءِ ثُمَّ الْوِتْرَ" انتهى.
وقال ابن قدامة رحمه الله: " وَإِذَا جَمَعَ فِي وَقْتِ الْأُولَى , فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ سُنَّةَ الثَّانِيَةِ مِنْهُمَا , وَيُوتِرُ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الثَّانِيَةِ ; لِأَنَّ سُنَّتَهَا تَابِعَةٌ لَهَا , فَيَتْبَعُهَا فِي فِعْلِهَا وَوَقْتِهَا , وَالْوِتْرُ وَقْتُهُ مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ , وَقَدْ صَلَّى الْعِشَاءَ فَدَخَلَ وَقْتُهُ " انتهى.
"المغني" (2 / 61-62) .
وقال في الإنصاف (2 / 344) : " يُصَلِّي سُنَّةَ الظُّهْرِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، قَالَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ " انتهى.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
هل تؤدى السنن الراتبة القبلية والبعدية في حالة الجمع بين الصلاتين كالظهر والعصر والمغرب والعشاء، وإذا كانت تؤدى فكيفية تأدية هذه الراتبة هل تكون بعد الصلوات أو قبلها؟
فأجاب:
"إنسان مريض أو جمع الناس من أجل المطر فأخر الظهر إلى العصر يصلي الراتبة أولاً أربع ركعات، ثم إذا فرغ من صلاة العصر صلى الراتبة البعدية التي للظهر.
يجمع بين المغرب والعشاء ثم إذا فرغ صلى راتبة المغرب أولاً ثم راتبة العشاء" انتهى.
"لقاء الباب المفتوح" (147 / 15) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1465)
ماذا يصنع مسافر أراد صلاة العشاء خلف من يصلي المغرب؟
[السُّؤَالُ]
ـ[صليتُ المغرب، ثم قمتُ لكي أصلي العشاء معها قصراً، فصليتُ مع جماعة متأخرة تصلي المغرب، فصليتُ معهم العشاء قصراً، مع أنهم مقيمون، حيث دخلت معهم في الصلاة في الركعة الثانية، ثم جلسنا بعدها للتشهد الأول، ثم أتينا بركعة أخرى، ثم سلَّم الإمام، وسلمتُ معه، هل صلاتي صحيحة أم أعيدها؟ وهل إذا أعدت الصلاة أصليها ركعتين، أو أربع؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا صلى المسافر خلف إمام مقيم: فعليه أن يُتم صلاته معه، إذا اتفقت الصلاتان، ولا يجوز له أن يقتصر على صلاة ركعتين.
وينظر في ذلك جواب السؤال رقم: (21996) .
أما إذا اختلفت الصلاتان ـ كما في السؤال ـ فالمأموم مخير بين أن يقتصر على صلاة ركعتين، وبين أن يتم صلاته أربعاً بعد سلام الإمام.
وقد سئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: عن رجل مسافر دخل المسجد , ووجد جماعة يصلون المغرب , وهو قد صلَّى المغرب , فصلَّى معهم بنية العشاء , ولما قام الإمام للركعة الثالثة: جلس، وتشهد، وسلم، فما حكم ذلك؟ .
فأجاب:
"إذا دخل رجل مسافر قد صلَّى المغرب , فوجدهم يصلون المغرب , فدخل معهم بنية صلاة العشاء: فمِن العلماء من قال: " لا يصح دخوله؛ لاختلاف الصلاتين نية، وعملاً "، ومنهم من قال: " يصح ذلك " , فإذا قام الإمام للثالثة: أكمل الداخل التشهد، وسلَّم من ركعتين , وهذا هو الصحيح، وله أن يقوم معه في الثالثة، ويتم العشاء أربعاً" انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " (15 / 357) .
وعلى هذا، فما فعله السائل، وهو اقتصاره على صلاة ركعتين، صحيح وليس عليه إعادة هذه الصلاة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1466)
يدرس في الجامعة ويمنع من أداء صلاة الجمعة
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن ندرس في جامعة حكومية، بسبب ضغوطات سياسية تمنع إدارة الجامعة الطلبة من ممارسة نشاطات دينية ومن أهمها أداء الصلوات وخاصة صلاة الجمعة، ولا بد أن نكون متواجدين في الجامعة أو في قاعة الدراسة، فهل تسقط عنا صلاة الجمعة؟ إذا كان الجواب لا، فماذا نفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صلاة الجمعة من آكد الصلوات المفروضة التي يجب المحافظة عليها والاهتمام بها، وهي شعيرة من شعائر الإسلام الظاهرة، ولهذا جاء الوعيد الشديد في تركها، كما روى مسلم (865) عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهم أَنَّهُمَا سَمِعَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عَلَى أَعْوَادِ مِنْبَرِهِ: (لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمْ الْجُمُعَاتِ أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنْ الْغَافِلِينَ) .
وروى أبو داود (1052) والنسائي (1369) والترمذي (500) وابن ماجه (1125) عَنْ أَبِي الْجَعْدِ الضَّمْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ تَرَكَ ثَلَاثَ جُمَعٍ تَهَاوُنًا بِهَا طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
والدراسة في الجامعة الحكومية إن ترتب عليها تضييع هذه الصلاة لم يجز الدخول فيها، إلا إن اضطر الإنسان لذلك، كأن يجبر على الدراسة، أو يتوقف عليها الحصول على الوظيفة التي يتعيش منها، فيجوز حينئذ، ويسعى في التغيب يوم الجمعة ليدرك الصلاة فإن لم يستطع فهو معذور في ترك الجمعة، وقد نص الفقهاء على أن من أعذار ترك الجمعة خوف الإنسان على نفسه أو على ماله أو على معيشة يحتاج لها.
قال في "كشاف القناع" (1/495) : "ويعذر في ترك الجمعة والجماعة من يدافع الأخبثين البول والغائط ... أو خائف من ضرر في ماله، أو في معيشة يحتاجها , أو أَطلق الماء على زرعه أو بستانه , يخاف إن تركه فسد، أو كان مستحفَظا على شيء يخاف عليه الضياع إن ذهب وتركه , كناطور بستان (الحارس) ونحوه ; لأن المشقة اللاحقة بذلك أكثر من بل الثياب بالمطر الذي هو عذر بالاتفاق" انتهى بتصرف.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1467)
يزور أقاربه ولا يتمكن من حضور الجماعة لبعد المسجد، فهل يقطع صلته بهم
[السُّؤَالُ]
ـ[اقتربت عطلة الصيف وقد اعتدنا زيارة الأقارب في هذه الفترة لكن معظم الأقارب يسكنون في منطقة بعيدة عن المسجد (أقرب مسجد حوالي سبعة أميال) فإذا زرناهم لا نصلي في المسجد إلا الجمعة (لبعده) فهل أزورهم وأترك الجماعة أم أقطع صلتهم من أجل الجماعة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
صلاة الجماعة واجبة على الرجل المكلف المستطيع في المسجد إذا كان يسمع النداء، ويدل على وجوبها أدلة كثيرة منها ما رواه مسلم (653) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: (أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ أَعْمَى، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّه ِ، إِنَّهُ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إِلَى الْمَسْجِدِ، فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ، فَرَخَّصَ لَهُ، فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ، فَقَالَ: هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلاةِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَجِبْ) . وينظر جواب السؤال رقم (120) .
والمقصود بسماع النداء: أن يسمع الإنسان الأذان بالصوت المعتاد من غير مكبرٍ للصوت، مع رفع المؤذن صوته، وسكون الرياح والضوضاء ونحو ذلك مما يؤثر على السماع.
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (4/353) : "الاعتبار في سماع النداء: أن يقف المؤذن في طرف البلد والأصوات هادئة والريح ساكنة، وهو مستمع فإذا سمع لزمه، وإن لم يسمع لم يلزمه" انتهى.
وعليه؛ فإن كنت ممن لا يسمع النداء لبعد المسافة، فأنت معذور في عدم حضورك لصلاة الجماعة، ولا إثم عليك، وحينئذ فإنك تزور أقاربك وتقيم عندهم، وتصلي جماعة في البيت، وأنت معذور في هذا؛ ولا يجوز قطع صلتهم بسبب بعدهم عن المسجد.
ثم ليعلم السائل أنه متى ما صلى في بيته.. وهو معذور بالتخلف عن الجماعة، أن له أجر صلاة الجماعة كما لو صلى في المسجد؛ لحديث عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى) رواه البخاري (1) ومسلم (1907) ، ولحديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ... إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَاماً مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلَّا كَانُوا مَعَكُمْ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ؟ قَالَ: وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ، حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ) رواه البخاري (4423) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1468)
تركت القيام في الصلاة وهي حامل لجهلها بحكمه، ولمشقة ذلك عليها
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجتي كانت حاملاً بطفلتي الأولى، قبل تسع سنوات تقريباً، وكانت تعاني في حملها معاناة شديدة، فكانت تصلي جالسة غالب الصلوات، ولكنها أحيانا كانت تستطيع القيام في الصلاة، ولكنها تفضل الصلاة جالسة؛ لجهلها بالحكم، ولعدم زيادة الألم من جهة أخرى. الآن ماذا عليها أن تفعل، هل تعيد تلك الصلوات أم ماذا عليها أن تفعل؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الواجب على المسلم أن يصلي حسب طاقته، وقدرته، فيصلي ابتداء قائماً، فإن لم يستطع فقاعداً، فإن لم يستطع فعلى جنبه؛ لقول الله عز وجل: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن / 16، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين - وقد أصابته " البواسير " -: (صَلِّ قَائِماً، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِع فَقَاعَداً، فَإِنْ لَمْ تَْستَطِع فَعَلَى جَنْبٍ) رواه البخاري (1066) .
ثانياً:
متى قدر المريض في أثناء صلاته الفريضة على ما كان عاجزاً عنه، من قيام، أو قعود، أو ركوع، أو سجود، أو إيماء: انتقل إليه، وبنى على ما مضى من صلاته.
وإذا كان القيام يسبّب زيادة في المرض، أو تأخيراً في البرء منه: فلا بأس بالصلاة جالساً، ولكن لا تصح الصلاة جالساً مع القدرة على القيام؛ لأن القيام ركن.
ويُنظر جوابا السؤالين: (9307) و (13822) .
ثالثاً:
يجب العلم بأنه لا يعذر بالجهل من عنده القدرة على تعلم ما هو واجب عليه من ضروريات الدين ولم يتعلمه، كالصلاة لعموم المكلفين بها، وكالزكاة لمن ملك مالاً، فإذا كان بإمكانه أن يتعلم بسؤال أهل العلم، ولم يفعل: فهو مقصر، وعليه إثم التقصير.
رابعاً:
إذا كان المكلّف معذوراً بجهله، فترك شرطاً من شروط صحة الصلاة، أو ترك ركناً من أركانها: فليس عليه قضاء ما خرج وقته من الصلوات، وعليه قضاء الصلاة التي يبلغه فيها العلم قبل خروج وقتها، ودليل ذلك:
أ. أما في ترك الشرط جهلاً به: فهو ما وقع لعمر بن الخطاب في تركه للصلوات لما أجنب؛ ظانّاً عدم جوازه، والحديث رواه البخاري (339) ومسلم (368) .
ب. وأما في ترك شيء من أركان الصلاة جهلاً بها: فهو ما وقع للصحابي الذي ترك الطمأنينة في الأركان، فحكم النبي صلى الله عليه وسلم على صلاته بالبطلان، ولم يأمره إلا بإعادة الصلاة نفسها، دون ما سبقها من صلوات.
وانظر الحديث كاملاً في جوابي السؤالين: (6834) و (12683) .
وانظر تفصيلاً أوفى للمسألة في جواب السؤال رقم: (45648) .
والخلاصة بخصوص زوجتك:
1. ليس عليها إثم، ولا قضاء في حال صلّت جالسة بسبب تعب حملها، ومشقة القيام عليها.
3. عليها إثم الصلاة جالسة في حال استطاعت الصلاة قائمة من غير مشقة، ويرتفع عنها الإثم في حال جهلها بهذا الحكم، أو كانت تظن أنه يجوز لمن كن في مثل حالها أن يصلي جالسا، أو كانت تخشى، إن هي صلت قائمة، من زيادة الألم فوق ما تحتمله عادة.
وعلى كل حال: فليس عليها قضاء ما فات من هذه الصلوات، لكن عليها أن تستغفر الله من تقصيرها، وتجتهد في استدارك ما فاتها بما استطاعت من النوافل.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1469)
حكم الطبيب الذي يفوت الصلاة بسبب انشغاله بالعمليات
[السُّؤَالُ]
ـ[طبيب يعمل بالعمليات الطارئة مما يؤدي أحياناً إلى انشغاله عن الصلاة حتى خروج الوقت، فماذا يصنع وقد قيل له: إنه في تلك الحالة عليه أن يؤدي الصلاة بأي طريقة، فما هي هذه الطريقة وفقكم الله؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الواجب على المسلم أن يصلي الصلاة في وقتها، ولا ينشغل عنها بشيء، اللهم إلا أن يكون شيئاً من الضرورات التي لا حيلة له فيها، مثل إنقاذ غريق من الغرق، إنقاذ أهل البيت من حريق، صد هجوم عدو يخشى منه، فهذا لا بأس أن تؤخر الصلاة لأجله ولو خرج وقتها، أما الأمور العادية التي لا خطر فيها لا يجوز تأخير الصلاة من أجلها.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم لما حاصر أهلُ مكة المدينةَ يوم الأحزاب أَخَّر صلاة الظهر والعصر إلى بعد المغرب، وفي رواية أخرى: (صلاة العصر إلى بعد المغرب) من شغله بالقتال، وثبت أن الصحابة لما حاصروا تستر وانفلق الفجر والقتال قائم والناس على الأسوار وعلى الأبواب أجلوا صلاة الفجر حتى فُتح لهم ثم صلوها ضحى لئلا يفوت الفتح، ولئلا يتراجع الكفار، فإذا كان مثل هذا جاز التأخير، فإذا وقع حريق، وكان فيه أناس من المسلمين فإنه يجوز لك أن تنشغل بإنقاذهم، ولو قدر أن فاتتك الصلاة في وقتها؛ لأن إنقاذ النفوس المسلمة المعصومة له أهمية عظيمة، ولأن هذا الخطر قد لا يُستدرك إلا لو أخر الصلاة، فتفوته المصلحة فجاز التأخير، فكما يؤخر الإنسان في الجمع للمرض والسفر، فجواز تأخيرها عن وقتها أو تأخير العصر عن وقتها أو الفجر عن وقته لإنقاذ غريق أو حريق أو نحو ذلك" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (2/758) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1470)
دخل في الصلاة بنية القصر، ثم غَيَّر نيته إلى الإتمام
[السُّؤَالُ]
ـ[دخلت صلاة الظهر مع جماعة مسافرة بنية القصر ثم تذكرت أن شروط قصر الصلاة لا تنطبق علي فغيرت النية من القصر إلى إتمام الصلاة ,فهل فعلي هذا صحيح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا غَيَّر المصلي نيته من قصر الصلاة إلى إتمامها لأنه تبين له أنه ليس له أن يقصر، فصلاته صحيحة ولا شيء عليه.
قال النووي رحمه الله:
"قَالَ أَصْحَابُنَا: وَإِذَا صَارَ مُقِيمًا أَتَمَّ صَلَاتَهُ أَرْبَعًا وَلَا يَلْزَمُهُ نِيَّةُ الْإِتْمَامِ , وَإِنْ كَانَ لَمْ يَنْوِ إلَّا رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ قَطَعَتْ حُكْمَ الرُّخْصَةِ بِتَعْيِينِ الْإِتْمَامِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ. قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَالْإِتْمَامُ مُنْدَرِجٌ فِي نِيَّةِ الْقَصْرِ , فَكَأَنَّهُ قَالَ: نَوَيْت الْقَصْرَ مَا لَمْ يَعْرِضْ مَا يُوجِبُ الْإِتْمَامَ" انتهى.
"المجموع" (4/230) .
وقال أيضا (4/232) :
"لَوْ نَوَى الْقَصْرَ فِي الْإِحْرَامِ ثُمَّ تَرَدَّدَ فِي الْقَصْرِ وَالْإِتْمَامِ أَوْ شَكَّ فِيهِ ثُمَّ جَزَمَ بِهِ أَوْ تَذَكَّرَهُ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ" انتهى.
وقال ابن قدامة في "المغني" (2/64) :
"وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الْإِمَامَ مُسَافِرٌ ; لِرُؤْيَةِ حِلْيَةِ الْمُسَافِرِينَ عَلَيْهِ وَآثَارِ السَّفَرِ , فَلَهُ أَنْ يَنْوِيَ الْقَصْرَ , فَإِنْ قَصَرَ إمَامُهُ قَصَرَ مَعَهُ , وَإِنْ أَتَمَّ لَزِمَهُ مُتَابَعَتُهُ , وَإِنْ نَوَى الْإِتْمَامَ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ , سَوَاءٌ قَصَرَ إمَامُهُ , أَوْ أَتَمَّ , اعْتِبَارًا بِالنِّيَّةِ" انتهى.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
هل يجوز تغيير النية في الصلاة إذا كان في السفر من القصر إلى الإتمام إذا شك في قربه من المدينة التي هو مقيم فيها؟
فأجاب:
"الأصل في صلاة السفر القصر، ولهذا لا يحتاج إلى نية، أي: إذا دخلتَ الصلاة الرباعية وأنت مسافر وإن لم تنوِ القصر فأقصر؛ لأن الأصل في صلاة السفر القصر، كما ثبت في صحيح البخاري وغيره أنه (أول ما فُرِضَت الصلاة ركعتين، فأُقِرَّت صلاة السفر، وزِيْدَ في صلاة الحَضَر) .
ولهذا كان القول الراجح: أن صلاة القصر لا تحتاج إلى نية في السفر" انتهى.
"لقاء الباب المفتوح" (3/42) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1471)
حكم تأخير الشرطيّ الصّلاة عند أداء مهمّة القبض على شخص
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في الشرطة في بريطانيا، وسؤالي يتعلق بأداء الصلاة أثناء أداء العمل، ففي ببعض الأحيان أكون في مهمة القبض على شخص ما، ويصادف ذلك وقت صلاة العصر على سبيل المثال، وقس على ذلك بقية الصلوات فما العمل في مثل هذه الحالات؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ينبغي أن يُعلم أنّ الله تعالى فرض هذه الصّلوات في أوقات محدّدة لا يجوز تأخيرها عنها، فقال تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) [النساء: 103] .
فالصّلاة من الواجبات المؤقّتة التي تشتمل على واجبين:
1- واجب الأداء. 2- وواجب الأداء في الوقت.
فعلى المسلم أن يحرص كلّ الحرص، وأن يبذل كلّ ما يستطيع لأداء الصلاة في وقتها؛ لأنّ الله سبحانه قد توعّد الذين يؤخّرونها عن وقتها بقوله: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ) . سورة الماعون /4-5.
وللصلوات أوقات فضيلة واختيار، وأوقات ضرورة، فوقت الاختيار للعصر مثلاً أن يصير ظلّ كلّ شيء مثليه بعد ظل الزّوال، وهو الذي يحدث إذا زالت الشمس، وهو المذكور في الحديث: (وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ) رواه مسلم (612) ووقت الضرورة إلى غروب الشّمس، وصلاة العشاء يمتد وقتها المختار إلى نصف الليل، وما بعد ذلك فهو وقت ضرورة؛ والمراد بوقت الضرورة أنه يجوز تأخيرها إليه في حال العذر والضرورة، وأما من كان في سعة، ولا مشقة عليه في صلاتها قبله: فيحرم عليه أن يؤخرها إلى ذلك الوقت.
وباقي الصلوات: الفجر، والظهر، والمغرب: يستحب فعلها في أول وقتها، ويمتد وقتها إلى طلوع الشمس، بالنسبة لصلاة الفجر، وإلى الصلاة الأخرى، بالنسبة للظهر والمغرب.
ينظر: "كشاف القناع" (1/253) .
وبناء على ذلك: فإن أمكنك أن تصلي الصلاة في أول وقتها، فهو الأفضل والأكمل لك دائما، وإن تعذر عليك بسبب شغلك، أو أمر طارئ حدث لك، فأخرتها إلى آخر وقتها، أو إلى وقت الضرورة، على ما سبق، صحت صلاتك، ولا إثم عليك.
وعليك أن تحتال لذلك بما تقدر عليه، كما قال الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن /16؛ وإذا أمكنك أن تختار نوبات العمل التي لا تعيقك عن أداء الصلاة: فهو الواجب عليك، وإن كنت في نوبة عمل في وقت الصلاة، وأمكنك أن توكل أحد زملائك، من غير المسلمين، أن ينوب عنك إلى أن تصلي: فافعل.
فإن تعذر عليك ذلك كله، لظرف طارئ، أو عمل له خصوصية، كالذي ذكرته في سؤالك:
جاز لك الجمع بين الصّلاتين صوريّاً – بأن تصلّي الأولى في آخر وقتها، والثّانية في أوّل وقتها -، أو في وقت إحداهما ما لم تتّخذ ذلك عادة في قول كثير من أهل العلم، وهو قول بعض المالكيّة، وبعض الشّافعيّة، ورواية عند الحنابلة، وبعض الظّاهريّة، وبعض أهل الحديث، وهو قول ابن سيرين، وربيعة، وابن شبرمة.
أمّا التي لا يمكن الجمع بينهما كالعصر والمغرب، أو الفجر مع العشاء أو الظّهر، فعليك أن تؤدّيها في وقتها الاختياريّ أو الضّروريّ.
ينظر: الأوسط (2/433) ، والمنتقى (1/253) ، والاستذكار (6/32) ، والمجموع (4/263) ، والمغني (3/137) ، والاختيارات الفقهيّة لابن تيمية (ص70) .
فإن لم يمكنك هذا الجمع الصوري، وخرج وقت المغرب ـ مثلا ـ قبل أن تصلي العشاء، أو خرج وقت الظهر قبل أن تصلي العصر: جاز لك أن تجمع بين كل صلاتين: الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، جمعا حقيقيا، كما يجمع المسافر بينهما؛ إما جمع تقديم في وقت الظهر، أو جمع تأخير في وقت العصر، حسب ما يقتضيه الظرف الطارئ.
لحديث ابن عبّاس - رضي الله عنهما - قَالَ: (صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صلّى الله عليه وسلّم - الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا بِالْمَدِينَةِ فِى غَيْرِ خَوْفٍ وَلاَ سَفَرٍ) . قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ: فَسَأَلْتُ سَعِيدًا لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ كَمَا سَأَلْتَنِي، فَقَالَ: أَرَادَ أَنْ لاَ يُحْرِجَ أَحَدًا مِنْ أُمَّتِهِ. أخرجه مسلم في صحيحه برقم (705) .
وفي رواية عنه: (أَنَّهُ صَلَّى بِالْبَصْرَةِ الْأُولَى وَالْعَصْرَ لَيْسَ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ، وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ لَيْسَ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ؛ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ شُغْلٍ، وَزَعَمَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ الْأُولَى وَالْعَصْرَ ثَمَانِ سَجَدَاتٍ لَيْسَ بَيْنَهُمَا شَيْء) .
أخرجها النسائيّ برقم (589) ، وأحمد في المسند (1/251) ، والطيالسيّ في مسنده برقم (2843) ، والطّبرانيّ في الكبير برقم (12916) .
صحّحها أحمد شاكر في تعليقه على المسند برقم (2269) ، والألبانيّ في صحيح سنن النسائيّ برقم (575) ، وفي إرواء الغليل برقم (579) .
ففيه دليل على أنّ الجمع لم يكن لمطر ولا مرض، ولكن كان ابن عبّاس في أمر مهمّ من أمور المسلمين، يخطبهم فيما يحتاجون إلى معرفته، ورأى أنّه إن قطعه ونزل فاتت مصلحته، فكان ذلك عنده من الحاجات التي يجوز فيها الجمع.
ينظر: مجموع الفتاوى (24/76) ، وفتح الباري (2/31) .
وقال الشيخ أحمد شاكر في تعليقاته على سنن التّرمذيّ (2/358) : (وهذا هو الصّحيح الذي يؤخذ من الحديث، وأمّا التّأويل بالمرض أو العذر أو غيره، فإنّه تكلّف لا دليل عليه، وفي الأخذ بهذا رفع كثير من الحرج عن أناس قد تضطرّهم أعمالهم، أو ظروف قاهرة إلى الجمع بين الصّلاتين، ويتأثّمون من ذلك ويتحرّجون، ففي هذا ترفيه لهم، وإعانة على الطّاعة، ما لم تتّخذه عادة) .
والجمع بين الصلاتين إنّما شرع لرفع الحرج والمشقّة عن الأمّة، فيجوز الجمع في هذه الحالة؛ لوجود العلّة.
قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (24/77) : (فالأحاديث كلّها تدلّ على أنّه جمع في الوقت الواحد؛ لرفع الحرج عن أمّته، فيباح الجمع إذا كان في تركه حرج قد رفعه الله عن الأمّة) .
وينظر: الشرح الممتع (4/391) ، ومجموع فتاوى ابن عثيمين (15/383) .
وينظر للمسألة: فتاوى اللّجنة الدّائمة (25/44) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1472)
هل تجب الصلاة على كبير السن لا يعقل الصلاة إلا إذا صلى أمامه أحد
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل طاعن في السن لا يعقل الصلاة إلا إذا صلى أحد أمامه فإنه يتذكرها فيقوم ويصلي، ويتذكر بالقراءة القراءة، وبالتكبير التكبير، وهكذا.. فهل يؤمر بالصلاة أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
سألت الشيخ عبد الرحمن البراك عن هذه المسألة، فأجاب: بأنه لا يؤمر بالصلاة، وهو يشبه الطفل الذي إذا رأى أباه يصلي قام بجانبه، فليس عنده من التمييز والإدراك ما يكفي لبقاء التكليف عليه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1473)
هل يجوز له أن يؤخر الصلاة عن وقتها بسبب قيامه بالغسيل الكلوي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إني رجل مصاب بفشل كلوي، وأقوم بغسيل ثلاث مرات في الأسبوع. هل تجوز الصلاة على مكينة الغسيل بدون الوضوء، وإذا كان لا يجوز فإنه يأتي وقت الظهر والعصر ونحن على مكينة الغسيل، وبعض الأحيان نكون مرهقين من الغسيل فنجلس نرتاح قليلاً حتى وقت صلاة المغرب فنصليها جميعاً، فهل يصح ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الواجب على المريض أداء الصلاة في وقتها قبل إجراء الغسيل أو بعده إن تمكن من ذلك، إذ لا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها ولا أداؤها قبل دخول وقتها، فإن كان الغسيل يستغرق بقية وقت الصلاة بحيث لو أخرها بعد الغسيل خرج وقتها، فإنه يصليها في أول وقتها إن أمكن وما يجمع معها إن لم يمكن أن يصلي الصلاة الثانية في وقتها، أو يشق عليه أداؤها بعد الغسيل، فيجمع الظهر مع العصر جمع تقديم [في] وقت الظهر، وكذلك يجمع المغرب مع العشاء جمع تقديم.
أما إن كان الغسيل قبل دخول وقت الصلاة أو في أوله ولا يتمكن فيه من أداء الصلاة فإنه يؤخرها بعد الغسيل فيصليها مع ما بعدها إن كانت تجمع معها، فيصلي الظهر مع العصر جمع تأخير، ويصلي المغرب مع العشاء جمع تأخير؛ لأنه في حكم المريض، فإن دعت الضرورة إلى إجراء الغسيل قبل التمكن من أدائها في وقتها ولا ينتهي الغسيل إلا بعد خروج وقتها وليست ممن تجمع إلى ما بعدها، كمن أجرى الغسيل بعد دخول وقت العصر أو قبل دخول الفجر فإنه يجوز له أن يؤخرها، فيقضيها بعد الغسيل، ولو بعد خروج وقتها للضرورة؛ لقول الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/16، وقوله تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) البقرة/286، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لما شغل يوم الأحزاب بقتال المشركين عن صلاة العصر أخرها إلى ما بعد المغرب ثم صلى المغرب بعدها.
وبالله التوفيق، وصلى الله علي نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ.. الشيخ عبد الله بن غديان.. الشيخ صالح الفوزان.. الشيخ بكر أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة. المجموعة الثانية" (9/107 – 109) .
[الْمَصْدَرُ]
"فتاوى اللجنة الدائمة. المجموعة الثانية" (9/107 – 109)(5/1474)
الجمع بين الصلاتين لأجل حضور المحاضرات
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا موجود في بريطانيا لغرض الدراسة وعندي مشكلة الصلاة حيث يجب علي الجمع بين صلاتي الظهر والعصر لعدم وجود وقت لصلاة العصر ولا أستطيع آخذ فرصة لصلاة العصر , مع العلم أني لا أقصر؟ ولو صح الجمع فهل تكون الصلاة قصرا أو أربع ركعات لكل صلاة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الصلاة أمرها عظيم، وشأنها كبير، وقد جاء الأمر بالمحافظة عليها في أوقاتها، والترغيب في ذلك، والتحذير من التهاون فيه، ما هو معلوم مشهور، كقوله تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) النساء/103، وقول النبي صلى الله عليه وسلم وقد سئل أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ فَقَالَ: (الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا) رواه البخاري (527) ومسلم (85) .
وجاء في المحافظة على صلاة العصر خاصة قوله تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) البقرة/238، والصلاة الوسطى هي صلاة العصر كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) رواه البخاري (553) .
وإذا تقرر هذا فينبغي أن تبذل الأسباب وتبحث عن الوسائل التي تتمكن بها من أداء هذه الفريضة العظيمة في وقتها، كاختيار وقت المحاضرة الذي لا يتعارض مع أداء الصلاة، أو الاستئذان من المحاضر للخروج لأدائها في أي مكان طاهر، ومعلوم أن فعل الصلاة لا يستغرق إلا دقائق معدودة.
وينبغي الحذر من عدم الخروج للصلاة حياءً، أو ضعفاً، أو لعدم الرغبة في إظهار أنك مسلم، وقد قرر أهل العلم أن المقيم في بلاد الكفر إذا لم يستطع إظهار دينه وجبت عليه الهجرة إلى بلاد المسلمين ولا يحل له البقاء إلا أن يكون عاجزا عن الهجرة؛ لقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا) النساء/97- 99.
ثانيا:
إذا بذلت الأسباب ولم تتمكن من أداء الصلاة في وقتها، فلا حرج عليك في جمعها مع صلاة الظهر، لما روى مسلم (705) عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: (جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ، فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ. قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ؟ قَالَ كَيْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ) . أي: لا يدخل عليهم الحرج والمشقة.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا دخلت الطالبة الحصة الدراسية مع دخول وقت الظهر وتستمر الحصة لمدة ساعتين فكيف تصنع؟
فأجاب: "إن الساعتين لا يخرج بهما وقت الظهر، فإن وقت الظهر يمتد من زوال الشمس إلى دخول وقت العصر، وهذا زمن يزيد على الساعتين، فبالإمكان أن تصلي صلاة الظهر إذا انتهت الحصة لأنه سيبقى معها زمن، هذا إذا لم يتيسر أن تصلي أثناء وقت الحصة، فإن تيسر فهو أحوط، وإذا قُدِّر أن الحصة لا تخرج إلا بدخول وقت العصر، وكان يلحقها ضرر أو مشقة في الخروج عن الدرس ففي هذه الحال يجوز لها أن تجمع بين الظهر والعصر، فتؤخر الظهر إلى العصر لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (جمع النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر) ، فقيل له في ذلك. فقال رضي الله عنه: (أراد - يعني: النبي صلى الله عليه وسلم - أن لا يحرج أمته) . فدل هذا الكلام من ابن عباس رضي الله عنهما على أن ما فيه حرج ومشقة على الإنسان يحل له أن يجمع الصلاتين اللتين يجمع بعضهما إلى بعض في وقت إحداهما، وهذا داخل في تيسير الله عز وجل لهذه الأمة دينه وأساس هذا قوله تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) ، وقوله تعالى: (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج) وقوله: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) . وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الدين يسر) إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة الدالة على يسر هذه الشريعة " انتهى من " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (12/216) .
ثالثا:
يلزمك أداء الصلاة تامة غير مقصورة؛ لأن من نوى الإقامة في بلد أكثر من أربعة أيام فهو في حكم المقيم، عند جمهور الفقهاء، وراجع السؤال رقم (105443) .
ولا تلازم بين الجمع والقصر، فقد يجتمعان كما في السفر، وقد يجمع الإنسان في الحضر لمرض أو استحاضة أو لخوف على نفسه أو ماله، أو لمطر شديد ونحو ذلك من الأعذار المبيحة للجمع، مع انتفاء القصر؛ لأن القصر لا يكون إلا في السفر.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1475)
هل البرد الشديد من الأعذار الشرعية لترك الجماعة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يعيش في بلدة باردة جداً ويخشى على نفسه المرض إذا خرج لصلاة الفجر فصلى في البيت، هل صلاته صحيحة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صلاة الجماعة واجبة في المسجد على الرجال القادرين؛ للأدلة الكثيرة الدالة على ذلك، وقد ذكرنا بعضها في جواب السؤال: رقم (120) ، ورقم (8918) .
وقد دلت السنة على أنه لا حرج على من صلى في بيته وترك الجماعة في المسجد إذا كان ذلك بعذر.
روى ابن ماجة (793) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يَأْتِهِ فَلَا صَلَاةَ لَهُ إِلَّا مِنْ عُذْرٍ) وصححه الألباني في "الإرواء" (2/337) .
والبرد إذا كان لا يمكن اتقاؤه بكثرة الملابس أو المدافئ أو الذهاب إلى المسجد في السيارة.. ونحو ذلك وخشي الرجل إن خرج إلى الصلاة أن يصاب بمرض، فهو عذر لترك الجماعة في المسجد، أما إذا كان يمكن اتقاؤه ولا يخشى حصول مرض، فليس بعذر.
وقد روى البخاري (632) ومسلم (697) عن نَافِع قَالَ: (أَذَّنَ ابْنُ عُمَرَ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ بِضَجْنَانَ - جبل بين مكة والمدينة - ثُمَّ قَالَ: صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ. فَأَخْبَرَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ مُؤَذِّنًا يُؤَذِّنُ ثُمَّ يَقُولُ عَلَى إِثْرِهِ: أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ فِي اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ أَوْ الْمَطِيرَةِ فِي السَّفَرِ) .
قال الحافظ رحمه الله:
" وَفِي صَحِيح أَبِي عَوَانَةَ: (لَيْلَةٌ بَارِدَةٌ أَوْ ذَاتُ مَطَرٍ أَوْ ذَاتُ رِيحٍ) وَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنْ الثَّلَاثَة عُذْرٌ فِي التَّأَخُّر عَنْ الْجَمَاعَة , وَنَقَلَ اِبْن بَطَّالٍ فِيهِ الْإِجْمَاع , لَكِنَّ الْمَعْرُوفَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّة أَنَّ الرِّيح عُذْرٌ فِي اللَّيْل فَقَطْ , وَظَاهِر الْحَدِيث اِخْتِصَاص الثَّلَاثَة بِاللَّيْلِ , لَكِنْ فِي السُّنَن مِنْ طَرِيق اِبْن إِسْحَاقَ عَنْ نَافِع فِي هَذَا الْحَدِيث: (فِي اللَّيْلَة الْمَطِيرَة وَالْغَدَاة الْقَرَّة [الباردة] ) , وَفِيهَا بِإِسْنَادٍ صَحِيح مِنْ حَدِيث أَبِي الْمَلِيحِ عَنْ أَبِيهِ: (أَنَّهُمْ مُطِرُوا يَوْمًا فَرَخَّصَ لَهُمْ) وَلَمْ أَرَ فِي شَيْء مِنْ الْأَحَادِيث التَّرَخُّص بِعُذْرِ الرِّيح فِي النَّهَار صَرِيحًا , لَكِنَّ الْقِيَاس يَقْتَضِي إِلْحَاقَهُ.
قَوْله: (فِي السَّفَر) ظَاهِره اِخْتِصَاص ذَلِكَ بِالسَّفَرِ , وَرِوَايَة مَالِك عَنْ نَافِع الْآتِيَة فِي أَبْوَاب صَلَاة الْجَمَاعَة مُطْلَقَةٌ , وَبِهَا أَخَذَ الْجُمْهُور , لَكِنَّ قَاعِدَةَ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ تَقْتَضِي أَنْ يَخْتَصَّ ذَلِكَ بِالْمُسَافِرِ مُطْلَقًا , وَيُلْحَق بِهِ مَنْ تَلْحَقُهُ بِذَلِكَ مَشَقَّة فِي الْحَضَر دُونَ مَنْ لَا تَلْحَقهُ، وَاَللَّه أَعْلَم " انتهى.
وقال أبو إسحاق الشيرازي في "المهذب" (1/176) :
" وتسقط الجماعة بالعذر وهو أشياء ... ومنها: أن يخاف ضررا في نفسه أو ماله أو مرضا يشق معه القصد " انتهى.
وقال النووي في "المجموع" (4/99) وهو يتكلم عن الأعذار المبيحة لترك الجماعة:
" الْبَرْدُ الشَّدِيدُ عُذْرٌ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ , وَشِدَّةُ الْحَرِّ عُذْرٌ فِي الظُّهْرِ , وَالثَّلْجُ عُذْرٌ إنْ بَلَّ الثَّوْبَ "
انتهى.
وجاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (27/186) :
" والْبَرْدُ الشَّدِيدُ لَيْلاً أَوْ نَهَارًا، وَكَذَلِكَ الْحَرُّ الشَّدِيدُ، من الأَْعْذَار العامة الَّتِي تُبِيحُ التَّخَلُّفَ عَنْ صَلاَةِ الْجَمَاعَةِ. وَالْمُرَادُ: الْبَرْدُ أَوِ لْحَرُّ الَّذِي يَخْرُجُ عَمَّا أَلِفَهُ النَّاسُ، أَوْ أَلِفَهُ أَصْحَابُ الْمَنَاطِقِ الْحَارَّةِ أَوِ الْبَارِدَةِ " انتهى.
وجاء فيها أيضاً (8/57-58) :
" وَفِي صَلاَةِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ: أَجَازَ الْفُقَهَاءُ فِي الْبَرْدِ الشَّدِيدِ التَّخَلُّفَ عَنْ صَلاَةِ الْجُمُعَةِ، وَعَنْ صَلاَةِ الْجَمَاعَةِ نَهَارًا أَوْ لَيْلاً " انتهى.
للاستزادة: راجع جواب السؤال: (70507) ، (98739) ، (109209) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1476)
هل يجمعون المغرب والعشاء في الجامعة حرصا على الجماعة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن مجموعة من الطلبة ندرس في بريطانيا وننتهي من الدراسة قبيل أذان المغرب وننتظر في الكلية حتى موعد الصلاة ثم نصلي المغرب جماعة ثم يتوجه كل منا إلى مقر سكنه وإذا دخل وقت صلاة العشاء يصلي كل منا لوحده.. فهل نصلي المغرب والعشاء جماعة في الكلية حتى ندرك فضل الجماعة ويعين كل منا الآخر في المحافظة على الصلاة أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب أداء الصلوات في مواقيتها كما أمر الله، قال سبحانه: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) النساء/103. أي فرضا مؤقتا في أوقات معلومة.
ولا يجوز الجمع بين الصلاتين إلا لعذر يقتضي ذلك كالسفر أو المطر أو المرض، وليس ما ذكرت من تحصيل الجماعة عذرا يبيح الجمع.
وقد روى ابن أبي شيبة (2/346) عن أبي موسى الأشعري وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما أنهما قالا: (الجمع بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر) .
وعليه؛ فتصلون المغرب في وقتها، ثم إذا دخل العشاء صلى من كان قريبا من المسجد في المسجد، وصلى من كان بعيدا عنه مع إخوانه إن وجدوا، وإلا صلى منفردا، وهو معذور في ذلك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1477)
ماذا يفعل من شق عليه تطويل الإمام في السجود أو غيره؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان يشق عليَّ تطويل الإمام في السجود، فماذا أفعل؟ هل أسجد مع الإمام ثم أرفع قبله؟ أم أتأخر عنه في السجود؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" إذا كان لا يستطيع السجود، من حين يكبر الإمام حتى يرفع، فإنه يسجد مع الإمام، فإن شق عليه السجود، فيرفع قدر ما يقدر قربه من الأرض، ولا يكون هذا مفارقاً إمامه، فإن كان لا يقدر السجود على الأرض، فيسجد قدر ما يستطيع من الأرض" انتهى.
سماحة الشيخ محمد بن ابراهيم رحمه الله.
"الدرر السنية" (4/421) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1478)
دوامه في الليل ويشق عليه أداء العصر في وقتها فهل يجمعها إلى الظهر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل بمستشفى من الساعة الثامنة والنصف مساء إلى الساعة الثامنة والنصف صباحاً، وأنام بعد أداء الظهر، وأستيقظ الثامنة مساء للذهاب إلى العمل، فهل يجوز جمع صلاتي الظهر مع العصر تقديماً، والمغرب مع العشاء تأخيراً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل هو فعل الصلاة في وقتها كما أمر الله تعالى بقوله: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) النساء/103، ويحرم تضييعها وتأخيرها عن وقتها؛ لقوله تعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) مريم/59.
قال ابن مسعود عن الغي: واد في جهنم، بعيد القعر، خبيث الطعم.
وأما الجمع بين الظهر والعصر أو بين المغرب والعشاء، فإنه يكون لأعذار بينها العلماء، منها السفر والمرض، والخوف، والمطر.
وجعل منها بعضهم: رفع الحرج والمشقة، فحيث حصلت المشقة جاز الجمع، اعتمادا على ما روى مسلم (705) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: (جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، بِالْمَدِينَةِ فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ. قيل لِابْنِ عَبَّاسٍ: لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ؟ قَالَ: كَيْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ) .
لكن هذا إن فُعل فإنه يُفعل أحيانا ولا يداوم عليه.
قال الشوكاني رحمه الله في "نيل الأوطار" (3/264) : " وقد استدل بهذا الحديث القائلون بجواز الجمع مطلقا بشرط أن لا يتخذ ذلك خُلقا وعادة. قال في الفتح: وممن قال به ابن سيرين وربيعة وابن المنذر والقفال الكبير وحكاه الخطابي عن جماعة من أصحاب الحديث " انتهى.
ولا يخفى عليك أن الصلاة آكد الفرائض، وهي رأس مال المسلم في هذه الحياة، فجدير به أن يحافظ عليها، وأن ينظم شؤونه لأجلها، وأن يختار العمل الذي لا يعيقه عن أدائها مع الجماعة، ولهذا نوصيك بتقوى الله تعالى، والحرص على أداء الصلاة في وقتها، ولو أنك نمت بعد رجوعك من العمل، واستيقظت للظهر، ثم نمت أيضا إلى صلاة العصر، لتيسر لك فعل الصلاة في وقتها، وكثير من الناس لديهم عمل مثل عملك، لكن لم يمنعهم ذلك من المحافظة على الصلوات في أوقاتها، والأمر يرجع إلى قوة العزيمة، وصدق الإرادة، وزيادة الخوف من الله تعالى.
والحاصل أنك تجتهد في فعل الصلاة في وقتها، وتعزم على ذلك، وتهيء الأسباب له، فإن قدر أنك نمت عن الصلاة فأنت معذور، ولا تلجأ إلى الجمع إلا عند وجود العذر البين من مرض أو سفر، أو في حال وجود التعب الشديد الذي يغلب على الظن معه أنك لا تتمكن من القيام للصلاة، بشرط أن يفعل ذلك في أقل الأحوال.
ونسأل الله تعالى أن يوفقك ويعينك ويجعل الصلاة قرة عينك وراحة نفسك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1479)
حكم سجود من صلى جالساً على وسادة ونحوها
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة تعاني من ألم في المفاصل، وتصلي وهي جالسة، هل يجب عليها عند السجود أن تضع شيئاً تسجد عليه مثل وسادة أو غيرها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين: (صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب) .
فإذا كانت هذه المرأة لا تستطيع القيام، قلنا لها: صلي جالسة، وتكون في حال القيام متربعة، كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم تومئ بالركوع وهي متربعة، ثم إن استطاعت السجود سجدت وإلا أومأت برأسها أكثر من إيماء الركوع.
وليس في السنة أن تضع وسادة أو شيئاً تسجد عليه، بل هذا إلى الكراهة أقرب؛ لأنه من التنطع والتشدد في دين الله، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون) " انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (13/135) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1480)
حكم الجمع بين الصلاتين لأجل المحاضرات في الخارج
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي قريب يدرس في دولة المجر ويسأل بالنسبة للصلاة كيف تكون؟ حيث إن لديه محاضرات من الساعة الثامنة صباحاً إلى الساعة السادسة مساء وأوقات الصلوات من الظهر إلى العشاء تتداخل مع المحاضرات فكيف يصلي؟ وهل يجوز له الجمع والقصر أو الجمع فقط؟ أرجو التوضيح، فإنه يعاني من صعوبة في أداء الصلاة في وقتها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الصلاة أمرها عظيم، وشأنها كبير، وقد جاء الأمر بالمحافظة عليها في أوقاتها، والترغيب في ذلك، والتحذير من التهاون فيه، ما هو معلوم مشهور، كقوله تعالى، (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) النساء/103، وقول النبي صلى الله عليه وسلم وقد سئل أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ فَقَالَ: (الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا) رواه البخاري (527) ومسلم (85) .
وجاء في المحافظة على صلاة العصر خاصة قوله تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) البقرة/238، والصلاة الوسطى هي صلاة العصر كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) رواه البخاري (553) .
وإذا تقرر هذا فينبغي أن يبذل السائل الأسباب ويبحث عن الوسائل التي يتمكن بها من أداء هذه الفريضة العظيمة في وقتها، كاختيار وقت المحاضرة الذي لا يتعارض مع أداء الصلاة، والاستئذان من المحاضر للخروج لأدائها في أي مكان طاهر، ومعلوم أن فعل الصلاة لا يستغرق إلا دقائق معدودة.
وينبغي الحذر من ترك الخروج للصلاة حياء، أو ضعفا، أو لعدم الرغبة في إظهار أنه مسلم، وقد قرر أهل العلم أن المقيم في بلاد الكفر إذا لم يستطع إظهار دينه وجبت عليه الهجرة، ولم يحل له البقاء، إلا أن يكون عاجزا عن الهجرة؛ لقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا. إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا. فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا) النساء/97-99.
ثانيا:
إذا بذل الأسباب ولم يتمكن من أداء الصلاة في وقتها، فلا حرج عليه من الجمع بين الصلاتين، فيجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء؛ لما روى مسلم (705) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: (جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ. فقيل لِابْنِ عَبَّاسٍ: لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ؟ قَالَ: كَيْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ) . أي: لا يدخل عليهم الحرج والمشقة.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا دخلت الطالبة الحصة الدراسية مع دخول وقت الظهر وتستمر الحصة لمدة ساعتين فكيف تصنع؟
فأجاب: "إن الساعتين لا يخرج بهما وقت الظهر، فإن وقت الظهر يمتد من زوال الشمس إلى دخول وقت العصر، وهذا زمن يزيد على الساعتين، فبالإمكان أن تصلي صلاة الظهر إذا انتهت الحصة؛ لأنه سيبقى معها زمن، هذا إذا لم يتيسر أن تصلي أثناء وقت الحصة، فإن تيسر فهو أحوط، وإذا قدر أن الحصة لا تخرج إلا بدخول وقت العصر، وكان يلحقها ضرر أو مشقة في الخروج عن الدرس، ففي هذه الحال يجوز لها أن تجمع بين الظهر والعصر فتؤخر الظهر إلى العصر؛ لحديث بن عباس رضي الله عنهما قال: (جمع النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر، فقيل له في ذلك. فقال رضي الله عنه: أراد - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - أن لا يحرج أمته) ، فدل هذا الكلام من ابن عباس رضي الله عنهما على أن ما فيه حرج ومشقة على الإنسان يحل له أن يجمع الصلاتين اللتين يجمع بعضهما إلى بعض في وقت إحداهما، وهذا داخل في تيسير الله عز وجل لهذه الأمة دينه، وأساس هذا قوله تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) ، وقوله تعالى: (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج) ، وقوله تعالى: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الدين يسر) إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة الدالة على يسر هذه الشريعة " انتهى من " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (12/216) .
ثالثا:
ويلزمه أداء الصلاة تامة غير مقصورة؛ لأن من نوى الإقامة في بلد أكثر من أربعة أيام فهو في حكم المقيم، عند جمهور الفقهاء.
ولا تلازم بين الجمع والقصر، فقد يجتمعان كما في السفر، وقد يجمع الإنسان في الحضر لمرض أو استحاضة أو لخوف على نفسه أو ماله، أو لمطر شديد ونحو ذلك من الأعذار المبيحة للجمع، مع انتفاء القصر؛ لأن القصر لا يكون إلا في السفر.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1481)
خروج الريح المستمر هل يمنعها من الذهاب إلى المسجد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل لا يحق لي الصلاة في المسجد؛ لكوني أعاني من خروج ريح ليست لها رائحة بصفة مستمرة؟ وكم مرة علي أن أتوضأ لأصلي الفرض والنوافل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
خروج الريح ناقض للوضوء؛ لما روى البخاري (135) عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تُقْبَلُ صَلَاةُ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ) قَالَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ: مَا الْحَدَثُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: فُسَاءٌ أَوْ ضُرَاطٌ.
وخروج الريح له حالان:
الأولى: أن يكون لها وقت تنقطع فيه، كما لو كانت تخرج ثم تسكن مدة تتمكنين فيها من الوضوء والصلاة في وقتها، فهنا عليك أن تتوضئي وتصلي في الوقت الذي تنقطع فيه.
الثانية: أن تكون مستمرة وليس لها وقت تنقطع فيه بل يمكن أن تخرج أي وقت، فإنك تتوضئين لكل صلاة بعد دخول وقتها وتصلين بهذا الوضوء الفرض وما شئت من النفل، ولا يضرك ما خرج ولو كان ذلك أثناء الصلاة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " فمن لم يمكنه حفظ الطهارة مقدار الصلاة فإنه يتوضأ ويصلي ولا يضره ما خرج منه في الصلاة، ولا ينتقض وضوؤه بذلك باتفاق الأئمة، وأكثر ما عليه أن يتوضأ لكل صلاة " انتهى من "مجموع الفتاوى" (21 / 221) .
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (5/411) : " الأصل أن خروج الريح ينقض الوضوء، لكن إذا كان يخرج من شخص باستمرار وجب عليه أن يتوضأ لكل صلاة عند إرادة الصلاة، ثم إذا خرج منه وهو في الصلاة لا يبطلها وعليه أن يستمر في صلاته حتى يتمها، تيسراً من الله تعالى لعباده ورفعاً للحرج عنهم، كما قال تعالى: (يريد الله بكم اليسر) ، وقال: (ما جعل عليكم في الدين من حرج) " انتهى.
ثانيا:
إذا كان لهذا الخارج رائحة كريهة لم يجز حضورك للمسجد، لما فيه من الإيذاء للمصلين والملائكة.
وقد روى البخاري (5452) ومسلم (564) عن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا فَلْيَعْتَزِلْنَا أَوْ لِيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ) ، وفي رواية لمسلم: (مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ) .
وروى مسلم (567) عن عمر رضي الله عنه قال: (إِنَّكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ تَأْكُلُونَ شَجَرَتَيْنِ لَا أَرَاهُمَا إِلَّا خَبِيثَتَيْنِ هَذَا الْبَصَلَ وَالثُّومَ، لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا وَجَدَ رِيحَهُمَا مِنْ الرَّجُلِ فِي الْمَسْجِدِ أَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ إِلَى الْبَقِيعِ، فَمَنْ أَكَلَهُمَا فَلْيُمِتْهُمَا طَبْخًا) .
فهذا يدل على وجوب تنزيه المساجد عن الروائح الكريهة، ومنع صاحبها من حضورها أو البقاء فيها.
قال في "كشاف القناع" (2/365) : "ويسن أن يصان كل مسجد عن كل وسخ وقذر وقذاةِ عيْنٍ ومخاط وتقليم أظفار وقص شارب وحلق رأس ونتف إبط ; لأن المساجد لم تبن لذلك،
ويسن أيضا أن يصان عن رائحة كريهة من بصل وثوم وكراث ونحوهم كفجل , وإن لم يكن فيه أحد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الناس) رواه ابن ماجه، وقال: (من أكل من هاتين الشجرتين فلا يقربن مصلانا) . وفي رواية: (فلا يقربن مساجدنا) رواه الترمذي وقال: حسن صحيح.
فإن دخل المسجدَ آكلُ ذلك أي: ما له رائحة كريهة من ثوم وبصل ونحوهما قويَ استحباب إخراجه إزالة للأذى.
وعلى قياسه: إخراج الريح من دبره فيه في المسجد؛ لأن فيه إيذاء بالرائحة، فيسنّ أن يصان المسجد من ذلك ويُخرج منه لأجله " انتهى بتصرف.
أما إذا كان الريح ليس له رائحة كريهة، فلا مانع من دخولك المسجد وجلوسك فيه.
قال الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه: "باب الحدث في المسجد"
قال ابن رجب رحمه الله في "فتح الباري":
"مقصوده – يعني: البخاري -: أنه يجوز تعمد إخراج الحدث في المسجد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكره، ولم ينه عنه، إنما أخبر أنه يقطع صلاة الملائكة.
وقد رخص في تعمد إخراج الحدث في المسجد الحسن وعطاء وإسحاق.
وقد تقدم أن النوم في المسجد جائز للضرورة بغير خلاف، ومنه نوم المعتكف لضرورة صحة اعتكافه، ولغير ضرورة عند الأكثرين، والنوم مظنة خروج الحدث، فلو منع من خروج الريح في المسجد لمنع من النوم فيه بكل حال، وهو مخالف للنصوص والإجماع" انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1482)
إذا قضى صلاة سفر في حضر فهل يقصرها أم يتمها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[حين أسافر إلى مكان آخر وتفوتني الصلاة، وهي صلاة مقصورة، فهل أقضي الصلاة كاملة أم مقصورة عندما أعود لبلدي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من فاتته الصلاة في السفر، وقضاها في الحضر، فإنه يقضيها مقصورة كما لو صلاها في السفر، على الراجح؛ لأن القضاء بحسب الأداء، وهو مذهب الحنفية والمالكية والشافعي في مذهبه القديم.
وينظر: "الموسوعة الفقهية" (27/281) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (4/367) : " رجل وصل إلى بلده ثم ذكر أنه لم يصل الظهر في السفر، فيلزمه أن يصلي أربعاً، لأنها صلاة وجبت عليه في الحضر فلزمه الإِتمام، ولأن القصر من رخص السفر وقد زال السفر فيلزمه الإِتمام.
هذا هو المذهب، ولكن القول الراجح خلافه، وأنه إذا ذكر صلاة سفر في حضر صلاها قصراً؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) أي: فليصلها كما هي، وهذا الرجل ذكر أنه لم يصل الظهر وهي ركعتان في حقه، فلا يلزمه الإِتمام " انتهى.
وقال في (4/383) : " وعلى هذا فللمسألة أربع صور:
1 _ ذكر صلاة سفر في سفر، يقصر.
2 _ ذكر صلاة حضر في حضر، يتم.
3 _ ذكر صلاة سفر في حضر، يقصر على الصحيح.
4 _ ذكر صلاة حضر في سفر، يتم " انتهى.
وينبغي التنبه على أن الصلاة شأنها عظيم، وأنه لا يجوز تأخيرها عن وقتها إلا في حال الجمْع، وأن من نام عن صلاة أو نسيها فإنه يصليها إذا استيقظ أو تذكرها، وليس له أن يؤخرها، قال الله تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) النساء/103، وقال: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) البقرة/238، وقال سبحانه: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً) مريم/59.
قال ابن مسعود عن الغي: واد في جهنم، بعيد القعر، خبيث الطعم.
وقال تعالى: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ) الماعون/ 4، 5
وقال النبي صلى الله عليه وسلم وقد سئل: أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ فَقَالَ: (الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا) رواه البخاري (527) ومسلم (85) .
وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) رواه البخاري (553) .
وقال صلى الله عليه وسلم: (لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئًا وَإِنْ قُطِّعْتَ وَحُرِّقْتَ، وَلَا تَتْرُكْ صَلَاةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّدًا، فَمَنْ تَرَكَهَا مُتَعَمِّدًا فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ، وَلَا تَشْرَبْ الْخَمْرَ، فَإِنَّهَا مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ) رواه ابن ماجه (4034) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه.
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1483)
يجوز للمستحاضة وصاحب السلس أن يجمع بين الصلاتين
[السُّؤَالُ]
ـ[مصاب بسلس بول، فهل يجوز لي أن أجمع بين الصلاتين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب على المستحاضة ومن به سلس البول أن يتحفظ من النجاسة حتى لا تنتشر، فيجعل قطعة قماش أو حفاظة تمنع انتشار النجاسة إلى بدنه وثيابه ويلزمه عند كل صلاة أن يغسل بدنه من النجاسة، ويغير القماش أو الحفاظة.
ويجب عليه أن يتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها، ويصلي بهذا الوضوء صلاة الفرض وما شاء من النوافل.
وتخفيفاً عنه أجاز له الشرع أن يجمع بين صلاتي الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، فقد رخص الرسول صلى الله عليه وسلم للمستحاضة أن تجمع بين الصلاتين. رواه أحمد وأبو داود والترمذي. وحسنه الألباني في "إرواء الغليل" (205) . وصاحب السلس مثلها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ويجمع المريض والمستحاضة" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن تيمية" (24/14) .
وقال أيضاً:
"ويجمع من لا يمكنه إكمال الطهارة في الوقتين إلا بحرج، كالمستحاضة، وأمثال ذلك من الصور" انتهى من "مجموع فتاوى ابن تيمية" (24/84) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"يجوز الجمع للمستحاضة بين الظهرين (الظهر والعصر) والعشاءين (المغرب والعشاء) لمشقة الوضوء عليها لكل صلاة" انتهى.
"الشرح الممتع" (4/559) .
وعلى هذا؛ فيجوز لك الجمع بين صلاتي الظهر والعصر، والمغرب والعشاء.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1484)
هل يترك الصلاة في المسجد خوفاً على نفسه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يعذر الإنسان في ترك صلاة الجمعة والجماعات، إذا كان في بلده فتن، ويخشى على نفسه إذا ذهب إلى المسجد أن يقتل أو يسجن أو يضرب، فهل تلك الأسباب تكون أعذاراً له في ترك الجمع والجماعة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين، ويجنبنا وإياهم مواطن الفتن والمحن، وأن يجمع كلمتهم على الحق، وينصرهم على أعدائهم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
صلاة الجماعة واجبة في المسجد على الرجال القادرين؛ لأدلة كثيرة، سبق بيانها في جواب السؤال رقم (120) ورقم (8918) .
ووجوب صلاة الجماعة والجمعة مشروط بما إذا لم يكن على الإنسان ضرر في نفسه أو ماله أو أهله؛ لقوله تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) الحج/78، وقال تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) البقرة/185.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/366) : " وَيُعْذَرُ فِي ترك الجماعة والجمعة الْخَائِفُ ; لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: (الْعُذْرُ: خَوْفٌ أَوْ مَرَضٌ) .
وَالْخَوْفُ , ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: خَوْفٌ عَلَى النَّفْسِ , وَخَوْفٌ عَلَى الْمَالِ , وَخَوْفٌ عَلَى الْأَهْلِ " انتهى.
فإذا خاف الإنسان على نفسه من القتل، أو أن يؤخذ ويُسجن ظلماً، فهذا يعتبر معذوراً في تركه لصلاة الجماعة والجمعة، ويصليها في بيته؛ حفاظاً على نفسه.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1485)
هل نجمع العشاء والتراويح مع المغرب في رمضان إذا نزل المطر
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا نزل المطر وقت المغرب في رمضان فهل نترك الجمع بين المغرب والعشاء أو نجمع المغرب مع العشاء ونؤخر التراويح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله فأجاب:
الأمر واسع إن شاء الله، والجمع (في هذه الحالة) قد يفوت به مصالح كثيرة للناس. انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1486)
كيف يتوضأ ويصلي المريض المركب له كيس للبول؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الطهارة والصلاة لمريض راقد في سريره؛ بسبب عملية أو غيره ومركب له أجهزة على يديه، وكيس للبول حتى لا يتحرك من السرير ويذهب للحمام، وهذا الكيس قد يبقى يوم ويفرغ عند امتلائه ثم يركب له مرة أخرى؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تجب الصلاة على المسلم على أية حال كان عليها ما دام عقله باقياً، فإذا كان الإنسان مريضاً، وقدر على الصلاة قائماً، فإنه يصلى قائماً، فإن لم يستطع صلى قاعداً، فإن لم يستطع صلى على جنبه، فإن لم يستطع صلى مستلقياً؛ لما روى البخاري (1066) عن عمران بن حصين قال: كانت بي بواسير، فسألت الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: (صلِّ قائماً، فإن لم تستطيع فقاعداً، فإن لم تستطيع فعلى جنب) ، وكذا الحكم بالنسبة للطهارة، فإذا قدر على الوضوء بالماء توضأ، فإذا لم يستطع، فإنه يتيمم بالتراب.
وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله عن المريض المركب له كيس بول كيف يصلي وكيف يتوضأ؟
فأجاب: " يصلي على حسب حاله، مثل صاحب السلس ومثل المرأة المستحاضة، يصلي المريض إذا دخل الوقت على حسب حاله، ويتيمم إذا كان لا يستطيع استعمال الماء، فإن كان يستطيع ذلك وجب عليه الوضوء بالماء؛ لقول الله عزل وجل: (فاتقوا الله ما استطعتم) ، والخارج بعد ذلك لا يضره، لكن لا يتوضأ إلا بعد دخول الوقت، ويصلي ولو خرج الخارج ما دام في الوقت، ولو كان البول يخرج من ذكره، وهكذا، المستحاضة تصلي في الوقت، ولو خرج منها الدم مدة طويلة، فإنها تصلي على حسب حالها، لكن لا يتوضأ من حَدَثُه دائماً إلا إذا دخل الوقت؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم للمستحاضة: (توضئي لوقت كل صلاة) ، فيصلي صاحب السلس والمستحاضة والمريض المسئول عنه في الوقت جميع الصلوات من فرض ونفل، ويقرأ القرآن من المصحف، ويطوف بالكعبة من كان بمكة مادام في الوقت، فإذا خرج الوقت أمسك عن ذلك حتى يتوضأ للوقت الذي دخل " انتهى.
"الفتاوى المتعلقة بالطب وأحكام المرضى" (ص: 34) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1487)
عنده التهابات في الحلق لها رائحة كريهة، فهل يعذر في ترك الجماعة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد أصبت قبل عام بالتهاب حاد في الجيوب الأنفية مما نتج عنه خروج إفراز خلف الحلق نتن الرائحة بين حين وآخر مما جعلني في حرج كبير وأنا أصلي في المسجد حيث إنني أقوم بكتم نفسي من تكبيرة الإحرام وحتى الانتهاء من الصلاة لكي لا أؤذي المصلين وهذا العمل يتعبني حقيقة. كما أنني مصاب بالرهاب الاجتماعي وأقوم بأداء الصلاة في مساجد تبعد عن مسجد الحي كمساجد على الطرقات السريعة أو مساجد في محطات البنزين. السؤال: ما حكم الصلاة في المنزل والحال كما ذكرت لكم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لقد ذكرت سببين تريد ترك الصلاة في الجماعة لأجلهما.
أما السبب الأول: فهو الرائحة الكريهة التي تخرج من فمك بحيث تؤذي من حولك من المصلين، وهذه عذر في سقوط وجوب صلاة الجماعة في المسجد، بل لا يحل المجيء إلى المسجد وإيذاء الملائكة والمصلين بهذه الرائحة.
قال الرحيباني في "مطالب أولي النهى " (1/699) : "وكره حضور مسجد وجماعته لآكل نحو بصل أو فجل أو كراث , وكل ما له رائحة كريهة , حتى يذهب ريحه، وكذا نحو من به بخر وصُنان , وجزار له رائحة منتنة , ويستحب إخراجهم دفعا للأذى " انتهى بتصرف.
و"البَخَر" هو الرائحة الكريهة التي تخرج من بعض الناس.
و"الصُّنان" هو رائحة الإبط الكريهة.
وقال في "أسنى المطالب" (1/215) : " ويؤخذ مما ذكر أنه يُعذر بالبَخَر والصُّنَان المستحكم بطريق الأولى " انتهى.
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين: "إذا كان فيه بَخَرٌ: أي: رائحةٌ منتنةٌ في الفَمِ، أو في الأنفِ أو غيرهما تؤذي المصلِّين، فإنَّه لا يحضرُ دفعاً لأذيَّتِه" انتهى. " الشرح الممتع " (4 / 323) .
وقد نُهي آكل البصل والثوم عن حضور المسجد، لما لهما من رائحة كريهة.
روى مسلم (564) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ الْمَلائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ) .
وإذا كان من عادة هذا المريض أن يصلي في المسجد جماعة: فإنه يكتب له أجرها ولو صلى في بيته.
قال الشيخ ابن عثيمين:" المعذورَ يُكتبُ له أجرُ الجماعةِ كاملاً إذا كان مِن عادتِه أن يصلِّي مع الجماعةِ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مَرِضَ العبدُ أو سافرَ كُتِبَ له مثلُ ما كان يعملُ صحيحاً مقيماً) " انتهى. " الشرح الممتع " (4 / 323) ، وانظر جواب السؤال رقم (8910) .
وأما السبب الثاني: الرهاب الاجتماعي الذي يصيبك عند الاختلاط بالناس في المسجد وغيره، فهذا المرض لا يعد من الأعذار التي تبيح لك التخلف عن الجماعة، إذ لا ضرورة لذلك، كما أنه خوف مظنون غير مقطوع به، كما أنه مفض إلى ما هو أسوأ منه من الأمراض النفسية المختلفة كما قرر ذلك أهل التخصص، وهذا ما تأباه الشريعة ولا تقره بحال.
بل عليك مراجعة الطبيب للتداوي من هذا المرض، وألا تستسلم له.
ونسأل الله تعالى لك العافية والمعافاة في الدنيا والآخرة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1488)
مصاب بسلس البول ويشق عليه تغير الثياب لكل صلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[والدي مريض ومصاب بسلس البول، ولا يستطيع الوضوء، فل يجب علينا أن نغسل عنه النجاسة ونغير ثيابه عند كل صلاة، مع العلم هذا يكون صعباً علينا جدا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا كان البول لا يستمسك مع والدك، أو كان لا يستطيع أن يغير ملابسه النجسة، فإنه يصلي حسب الاستطاعة، ويعفى عما أصابه من النجاسة، ويتيمم لكل صلاة، أما إن استطاع غسل النجاسة بنفسه أو بغيره من ثوبه أو إبداله بثوب طاهر وقت الصلاة فإنه يلزمه ذلك، لقول الله عز وجل: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/16.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (10/173) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1489)
هل يُعذر في ترك الجماعة عند نزول المطر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم ترك الجماعة عند نزول المطر؟ هل هناك فرق في شدة المطر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صلاة الجماعة في المسجد واجبة على الرجال القادرين، على الصحيح من قولي العلماء؛ لأدلة كثيرة، سبق بيانها في جواب السؤال رقم (120) ورقم (8918) .
وصلاة الجماعة مع وجوبها، فإنها تسقط في أحوال ذكرها أهل العلم، ومن تلك الأحوال: نزول المطر الذي يبل الثياب، لقول الله تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) الحج/78، وقوله تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) البقرة/185.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/366) : " وَيُعْذَرُ فِي تَرْكِ الجمعة والجماعة بِالْمَطَرِ الَّذِي يَبُلُّ الثِّيَابَ , وَالْوَحْلِ الَّذِي يَتَأَذَّى بِهِ فِي نَفْسِهِ وَثِيَابِهِ ; قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ لِمُؤَذِّنِهِ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ: إذَا قُلْت: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَلَا تَقُلْ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، وَقُلْ: صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ. قَالَ: فَكَأَنَّ النَّاسَ اسْتَنْكَرُوا ذَلِكَ , فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَتَعْجَبُونَ مِنْ ذَلِكَ؟ لَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي (يعني الرسول صلى الله عليه وسلم) , إنَّ الْجُمُعَةَ عَزْمَةٌ , وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُخْرِجَكُمْ فَتَمْشُوا فِي الطِّينِ وَالدَّحَضِ " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (4/317) : " قوله: (أو أذى بمطر أو وحل) وهذا نوعٌ عاشرٌ مِن أعذارِ تَرْكِ الجُمُعةِ والجماعةِ، فإذا خافَ الأذى بمطرٍ أو وَحْلٍ، أي: إذا كانت السَّماءُ تمطرُ، وإذا خَرَجَ للجُمُعةِ أو الجماعةِ تأذَّى بالمطرِ فهو معذورٌ.
والأذيَّة بالمطرِ أن يتأذَّى في بَلِّ ثيابه أو ببرودة الجَوِّ، أو ما أشبه ذلك، وكذلك لو خاف التأذِّي بوَحْلٍ، وكان النَّاسُ في الأول يعانون مِن الوحلِ؛ لأن الأسواقَ طين فإذا نزل عليها المطر حصل فيها الوَحْلُ والزَّلَقُ، فيتعبُ الإِنسانُ في الحضور إلى المسجدِ، فإذا حصلَ هذا فهو معذورٌ، وأما في وقتنا الحاضرِ فإن الوَحْلَ لا يحصُل به تأذٍّ؛ لأنَّ الأسواقَ مزفَّتة، وليس فيها طين، وغاية ما هنالك أن تجدَ في بعض المواضع المنخفضة مطراً متجمِّعاً، وهذا لا يتأذَّى به الإِنسانُ لا بثيابه ولا بقدميه، فالعُذرُ في مثل هذه الحال إنما يكون بنزولِ المطرِ فإذا توقَّفَ المطرُ فلا عُذر، لكن في بعض القُرى التي لم تُزفَّت يكون العُذرُ موجوداً، ولهذا كان منادي الرَّسولِ صلّى الله عليه وسلّم ينادي في الليلةِ الباردةِ أو المطيرة: (ألا صَلُّوا في الرِّحالِ) .
وفُهِمَ مِن قوله: (أو أذًى بمطرٍ) أنه إذا لم يتأذَّ به بأن كان مطراً خفيفاً، فإنَّه لا عُذر له، بل يجب عليه الحضورُ، وما أصابه مِن المشقَّةِ اليسيرةِ، فإنه يُثابُ عليها " انتهى بتصرف يسير.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
(5/1490)
تركت الصلاة وهي مريضة لأنها كانت ممنوعة من الحركة
[السُّؤَالُ]
ـ[قريبة لي لم تصل وهي في المستشفى لأنها أجرت عملية في الرحم وكانت ممنوعة من الحركة عن السرير بسبب ما كان على جسدها من أجهزة، ماذا تفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قريبتك التي لم تصل بعد إجراء العملية، قد أخطأت خطأ كبيرا، فإن الصلاة لا يجوز تركها بحال ما دام عقل الإنسان معه، وكان عليها أن تصلي مستلقية على ظهرها، ولو بلا وضوء أو تيمم أو استقبال للقبلة، كما سبق. ولربما وجدت من يوضئها أو ييممها لو أرادت ذلك.
والواجب عليها الآن أن تقضي ما فاتها من الصلوات، مع التوبة والاستغفار، والعزم على عدم العود لذلك.
ويلزمها قضاء تلك الصلوات على الفور، حسب الاستطاعة، فتشرع في صلاة ما فاتها بمجرد بلوغها الحكم، وترتب الأوقات بالنية، فتصلي الفجر ثم الظهر ثم العصر ثم المغرب ثم العشاء عن اليوم الأول، ثم عن اليوم الثاني، ولا يجوز تأخير قضاء هذه الصلوات.
فإن شق عليها صلاتها متتابعة في وقت واحد، فلتصل ما تستطيع ثم تستريح ساعة أو ساعتين ثم تكمل ما عليها من الصلوات. . وهكذا حتى تقضي جميع ما عليها.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن مريض أجرى عملية جراحية ففاتته عدة فروض من الصلوات، فهل يصليها مجتمعة بعد شفائه؟ أم يصليها كل وقت مع وقته كالظهر مع الظهر وهكذا؟
فأجاب: " عليه أن يصليها جميعا في آن واحد، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما فاتته صلاة العصر في غزوة الخندق صلاها قبل المغرب، وعلى الإنسان إذا فاتته بعض فروض الصلاة أن يصليها جميعا ولا يؤخرها" انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (12/222) .
ووفقنا الله وإياكم للطاعة والإنابة، ورزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1491)
كيف يتطهر المريض ويصلي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يتطهر المريض ويصلي؟ أرجو بيان ذلك بالتفصيل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"أولاً: طهارة المريض:
1- يجب على المريض ما يجب على الصحيح من الطهارة بالماء من الحدثين الأصغر والأكبر، فيتوضأ من الأصغر ويغتسل من الأكبر.
2- ولابد قبل الوضوء من الاستنجاء بالماء، أو الاستجمار بالحجارة أو ما يقوم مقامها في حق من بال أو أتى الغائط.
ولابد في الاستجمار من ثلاثة أحجار طاهرة، ولا يجوز الاستجمار بالروث والعظام والطعام وكل ما له حرمة، والأفضل أن يستجمر بالحجارة وما أشبهها؛ كالمناديل ونحو ذلك، ثم يتبعها الماء، لأن الحجارة تزيل عين النجاسة، والماء يطهر المحل، فيكون أبلغ.
والإنسان مخير بين الاستنجاء بالماء أو الاستجمار بالحجارة وما أشبهها، وإن أراد الاقتصار على أحدهما فالماء أفضل؛ لأنه يطهر المحل، ويزيل العين والأثر، وهو أبلغ في التنظيف. وإن اقتصر على الحجر أجزأه ثلاثة أحجار إذا نقى بهن المحل، فإن لم تكف زاد رابعاً وخامساً حتى ينقي المحل، والأفضل أن يقطع على وتر.
ولا يجوز الاستجمار باليد اليمنى، وإن كان أقطع اليسرى أو بها كسر أو مرض ونحوهما استجمر بيمينه للحاجة، ولا حرج في ذلك.
3- إذا لم يستطع المريض الوضوء بالماء لعجزه أو لخوفه زيادة المرض أو تأخر برئه فإنه يتيمم.
والتيمم هو: أن يضرب بيديه على التراب الطاهر ضربة واحدة فيمسح وجهه بباطن أصابعه وكفيه براحتيه.
ويجوز أن يتيمم على كل شيء طاهر له غبار، ولو كان على غير الأرض، كأن يتطاير الغبار مثلاً على جدار أو نحوه فيجوز أن يتيمم عليه، وإن بقى على طهارته من التيمم الأول صلى به كالوضوء، ولو عدة صلوات، ولا يلزمه تجديد تيممه؛ لأنه بدل الماء، والبدل له حكم المبدل.
ويبطل التيمم بكل ما يُبْطِل الوضوء، وبالقدرة على استعمال الماء أو وجوده إن كان معدوماً.
4- إذا كان المرض يسيراً لا يخاف من استعمال الماء معه تلفاً ولا مرضاً مخوفاً ولا إبطاء برء ولا زيادة ألم ولا شيئاً فاحشاً، وذلك كصداع ووجع ضرس ونحوها، أو ممن يمكنه استعمال الماء الدافئ ولا ضرر عليه – فهذا لا يجوز له التيمم؛ لأن إباحته هنا لنفي الضرر، ولا ضرر عليه، ولأنه واجد للماء، فوجب عليه استعماله.
5- إذا شق على المريض أن يتوضأ أو يتيمم بنفسه وضأه أو يممه غيره وأجزأه ذلك.
6- من به جروح أو قروح أو كسر أو مرض يضره منه استعمال الماء فأجنب – جاز له التيمم، وإن أمكنه غسل الصحيح من جسده وجب عليه ذلك وتيمم للباقي.
7- من به جرح في أحد أعضاء الطهارة فإنه يغسله بالماء، فإن شق عليه غَسْلُه أو كان يتضرر به مسحه بالماء حال غسل العضو الذي به الجرح حسب الترتيب، فإن شق عليه مَسْحُه أو كان يتضرر به تيمم عنه وأجزأه.
8- صاحب الجبيرة: وهو من كان في بعض أعضائه كسر مشدود وعليه خرقة أو نحوها، فإنه يمسح عليها بالماء، وتكفيه، ولو لم يضعها على طهارة.
9- يجب على المريض إذا أراد أن يصلي أن يجتهد في طهارة بدنه وثيابه ومكان صلاته من النجاسات، فإن لم يستطع صلى على حاله ولا حرج عليه.
10- إذا كان المريض مصاباً بسلس البول، ولم يبرأ بمعالجته فعليه أن يستنجي ويتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها، ويغسل ما يصيب بدنه وثوبه، أو يجعل للصلاة ثوباً طاهراً إن لم يشق عليه جعل الثوب الطاهر للصلاة، وإلا عفي عنه، ويحتاط لنفسه احتياطاً يمنع انتشار البول في ثوبه أو جسمه أو مكان صلاته بوضع حافظ على رأس الذكر.
ثانياً: صلاة المريض:
1- يجب على المريض أن يصلي قائماً قدر استطاعته.
2- من لا يستطيع القيام صلى جالساً والأفضل أن يكون متربعاً في كل القيام.
3- فإن عجز عن الصلاة جالساً صلى على جنبه مستقبل القبلة بوجهه، والمستحب أن يكون على جنبه الأيمن.
4- فإن عجز عن الصلاة على جنبه صلى مستلقياً ورجلاه إلى القبلة.
5- ومن قدر على القيام وعجز عن الركوع أو السجود لم يسقط عنه القيام، بل يصلي قائماً فيومئ بالركوع، ثم يجلس ويومئ بالسجود.
6- وإن كان بعينه مرض فقال طبيب ثقة: إن صليت مستلقياً أمكن مداواتك وإلا فلا، فله أن يصلي مستلقياً.
7- من عجز عن الركوع والسجود أومأ بهما، ويجعل السجود أخفض من الركوع.
8- ومن عجز عن السجود وحده ركع وأومأ بالسجود.
9- ومن لم يمكنه أن يحني ظهره حنى رقبته، وإن كان ظهره متقوساً فصار كأنه راكع فمتى أراد الركوع زاد في انحنائه قليلاً، ويقرب وجهه إلى الأرض في السجود أكثر ما أمكنه ذلك.
10- فإن كان لا يستطيع الإيماء برأسه فيكبر ويقرأ وينوي بقلبه القيام والركوع والرفع منه والسجود والرفع منه والجلسة بين السجدتين والجلوس للتشهد، ويأتي بالأذكار الواردة، أما ما يفعله بعض المرضى من الإشارة بالإصبع فلا أصل له.
11- ومتى قدر المريض في أثناء صلاته على ما كان عاجزاً عنه من قيام أو قعود أو ركوع أو سجود أو إيماء انتقل إليه وبنى على ما مضى من صلاته.
12- وإذا نام المريض أو غيره عن صلاة أو نسيها وجب عليه أن يصليها حال استيقاظه من النوم أو حال ذكره لها، ولا يجوز له تركها إلى دخول وقت مثلها ليصليها فيه.
13- لا يجوز ترك الصلاة بأي حال من الأحوال، بل يجب على المكلف أن يحرص على الصلاة في جميع أحواله، وفي صحته ومرضه؛ لأنها عمود الإسلام وأعظم الفرائض بعد الشهادتين، فلا يجوز لمسلم ترك الصلاة المفروضة حتى يفوت وقتها، ولو كان مريضاً، ما دام عقله ثابتاً بل عليه أن يؤديها في وقتها حسب استطاعته على ما ذكر من تفصيل، وأما ما يفعله بعض المرضى من تأخير الصلاة حتى يشفى من مرضه فهو أمر لا يجوز، ولا أصل له في الشرع المطهر.
14- وإن شق على المريض فعل كل صلاة في وقتها فله الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء جمع تقديم أو جمع تأخير، حسبما تيسر له، إن شاء قدم العصر مع الظهر، وإن شاء أخر الظهر مع العصر، وإن شاء قدم العشاء مع المغرب، وإن شاء أخر المغرب مع العشاء.
أما الفجر فلا تجمع لما قبلها ولا لما بعدها؛ لأن وقتها منفصل عما قبلها وعما بعدها.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم".
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ صالح الفوزان ... الشيخ بكر أبو زيد.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (24/405) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1492)
لم يستطع الوضوء والتيمم في المستشفى فصلى على حاله
[السُّؤَالُ]
ـ[ذهبت للمستشفى ومكثت هناك ثلاثة أيام لم أستطع فيها الوضوء للصلاة أحضرت حجرا وتيممت ولكن صلاة الفجر لم أستطع التيمم وأنا في الأصل مقعد حركيا لا أستطيع الحركة إلا بمساعدة وأحببت ألا أضيع علي صلاة الفجر فتخيلت نفسي أتيمم وصليت الفجر، وأيضا لم أكن مستقبل القبلة، هل عملي هذا جائز أم لا؟ وهل علي قضاء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المريض إذا لم يستطع أن يتوضأ، ولم يجد من يوضئه، فإنه يتيمم، ولو على الجدار أو الفراش إن كان عليه غبار، أو يحمل معه ترابا في إناء أو كيس يتيمم به، فإن لم يمكنه التيمم صلى على حاله.
وكذلك الحال بالنسبة لاستقبال القبلة، فإن استطاع ذلك لزمه، وإن عجز عنه صلى على حاله، لقول الله تعالى: (لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا) البقرة/286.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: المريض الذي لا يجد التراب هل يتيمم على الجدار وكذلك الفراش أم لا؟
فأجاب: " الجدار من الصعيد الطيب. فإذا كان الجدار مبنيا من الصعيد سواء كان حجرا أو كان مدرا – لَبِنًا من الطين -، فإنه يجوز التيمم عليه، أما إذا كان الجدار مكسوا بالأخشاب أو (بالبوية) فهذا إن كان عليه تراب – غبار – فإنه يتيمم به ولا حرج، ويكون كالذي يتمم على الأرض؛ لأن التراب من مادة الأرض، أما إذا لم يكن عليه تراب، فإنه ليس من الصعيد في شيء، فلا يتيمم عليه.
وبالنسبة للفرش نقول: إن كان فيها غبار فليتيمم عليها، وإلا فلا يتيمم عليها لأنها ليست من الصعيد" انتهى من "فتاوى الطهارة" (ص 240) .
وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: إني طريح الفراش ولا أقوى على الحركة فكيف أقوم بعملية الطهارة لأداء الصلاة وكيف أصلي؟
فأجابت: "أولا: بالنسبة للطهارة يجب على المسلم أن يتطهر بالماء، فإن عجز عن استعماله لمرض أو غيره تيمم بتراب طاهر، فإن عجز عن ذلك سقطت الطهارة وصلى حسب حاله، قال تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ، وقال جل ذكره: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) ، أما ما يتعلق بالخارج من البول والغائط فيكفي فيه الاستجمار بحجر أو مناديل طاهرة يمسح بها محل الخارج ثلاث مرات أو أكثر حتى ينقي المحل.
ثانيا:
بالنسبة للصلاة فإن الواجب على المريض الصلاة قائما، فإن لم يستطع صلى قاعدا، فإن لم يستطع فعلى جنب، لما ثبت عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب. وقوله جل وعلا: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم) " انتهى من "الفتاوى المتعلقة بالطب وأحكام المرضى" ص 78.
فإذا كنتِ قد صليت الفجر، من غير وضوء ولا تيمم، وبدون استقبال القبلة، لعجزك عن ذلك، وعدم وجود من يوضؤك، أو ييممك، ومن يوجهك للقبلة، فصلاتك صحيحة ولا يلزمك إعادتها، كما لا يلزمك تخيل التيمم، بل هذا لا يشرع ولا يفيد.
وإن كان يمكنك التيمم، أو الوضوء أو الاستقبال بمساعدة غيرك، لكنك فرطت في طلب المساعدة، فقد قصرت في تحصيل الطهارة التي هي شرط لصحة الصلاة، وعليك إعادة ما صليته من غير طهارة أو استقبال للقبلة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1493)
يدرس في الخارج ويخشى أن ينسى الصلاة فهل يجوز له الجمع
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب أدرس ببريطانيا ومدة الدراسة هي 5 سنوات هل يجوز لي أن أجمع بين صلاتي الظهر والعصر وصلاتي المغرب والعشاء طول فترة غربتي في بريطانيا تفاديا للنسيان أو عدم وجودي في المنزل؟ مع العلم أنه لا يوجد لدينا أذان للتذكير بالصلاة ?]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز الجمع بين الظهر والعصر أو بين المغرب والعشاء لهذا الأمر الذي ذكرت، وهو خشية النسيان أو وجودك خارج المنزل، فإن الصلاة أمرها عظيم، وينبغي أن يكون قلب المؤمن معلقا بها، فكيف ينساها؟! حتى لو لم يكن هناك أذان، على أنه وجد من الوسائل الحديثة ما يذكر بأوقات الصلاة، كبعض أنواع الساعات، والهواتف المحمولة، ولو قدّر أن نسي الإنسان صلاة، فإنه يصليها إذا ذكرها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلْيُصَلِّ إِذَا ذَكَرَهَا لَا كَفَّارَةَ لَهَا إِلَّا ذَلِكَ (وَأَقِمْ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي)) رواه البخاري (597) ومسلم (684) .
ولا إشكال في دخول الصلاة عليك وأنت خارج المنزل، فإن الصلاة تؤدى في كل مكان طاهر؛ لقول النبي: (وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ) رواه البخاري (335) ومسلم (521) .
فلا حرج أن تصلي في الحديقة أو فناء الجامعة، أو في أي مكان طاهر.
وينبغي أن تكون عنايتك بالصلاة فوق كل عناية، فإن الصلاة عمود الإسلام، وأعظم أركانه بعد الشهادتين، وقد أمر الله بالحفاظ عليها، وتوعد من تهاون في أدائها، قال سبحانه:
(إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) النساء/103، وقال: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) البقرة/238، وقال سبحانه: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً) مريم/59.
قال ابن مسعود عن الغي: واد في جهنم، بعيد القعر، خبيث الطعم.
وقال تعالى: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ) الماعون/ 4، 5
وقال النبي صلى الله عليه وسلم وقد سئل: أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ فَقَالَ: (الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا) رواه البخاري (527) ومسلم (85) .
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) رواه البخاري (553) .
وإذا كانت الدراسة في الخارج ستؤدي بك إلى تضييع الصلاة والتهاون فيها، فلا خير في هذه الدراسة، بل شرط جواز الإقامة في الخارج أن يتمكن الإنسان من إظهار دينه، وهذا يعني تمسكه به في نفسه أولا.
نسأل الله أن يحفظ عليك دينك وإيمانك، وأن يزيدك علما وهدى وتقى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1494)
يغلبه النوم فتفوته صلاة الجماعة
[السُّؤَالُ]
ـ[تأخرت عن صلاة العصر جماعةً لأيام متتالية، وأنا أحاول جاهداً ألا أنام، ولكن قبل الصلاة بساعة أو أقل يغلبني النوم، تبت إلى الله من هذا، ونذرت ألا أنام قبل العصر لكي لا تفوتني الصلاة جماعة، ولا أعلم لأني بعد هذا النذر أيضاً نمت قبل العصر. ما الحكم؟ هل يلزمني الوفاء بهذا النذر؟ وما الحكم في الأيام التي نمت فيها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يأجرك على حرصك على الصلاة جماعة، واجتهادك في المحافظة عليها، ونسأله سبحانه أن يوفقك لكل خير.
ولتعلم أخي الكريم أنك تعامل ربا كريما رؤوفا رحيما، أرحم بعباده منهم بأنفسهم، وهو سبحانه مُطَّلِعٌ على قلبك، وخبيرٌ بما في صدرك، فإن رأى منك صدق النية كتب لك الأجر تاما، وعفا عن كل زلل وتقصير.
وقد جاءت الشريعة بعذر النائم، إذا فاتته صلاة الجماعة، أو فاته وقت الصلاة بالكلية، ما دام قد أخذ بالأسباب واجتهد في إدراك الصلاة جماعة، فإذا غلبه النومُ بعد ذلك بشيءٍ خارجٍ عن قدرته، من غير تقصير ولا إهمال، كان العفو من الله تعالى، فهو سبحانه لا يكلف نفسا إلا وسعها.
وقد روى البخاري (570) ومسلم (681) عن أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان مع بعض أصحابه في سفر، فنزل في آخر الليل (فَوَضَعَ رَأْسَهُ ثُمَّ قَالَ: احْفَظُوا عَلَيْنَا صَلَاتَنَا.
فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالشَّمْسُ فِي ظَهْرِهِ، قَالَ أبو قتادة: فَقُمْنَا فَزِعِينَ. ثُمَّ قَالَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ارْكَبُوا. فَرَكِبْنَا فَسِرْنَا حَتَّى إِذَا ارْتَفَعَتْ الشَّمْسُ نَزَلَ، ثُمَّ دَعَا بِمِيضَأَةٍ كَانَتْ مَعِي فِيهَا شَيْءٌ مَنْ مَاءٍ، قَالَ: فَتَوَضَّأَ مِنْهَا وُضُوءًا دُونَ وُضُوءٍ، ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ بِالصَّلَاةِ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى الْغَدَاةَ، فَصَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ كُلَّ يَوْمٍ. قَالَ: وَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَكِبْنَا مَعَهُ، قَالَ: فَجَعَلَ بَعْضُنَا يَهْمِسُ إِلَى بَعْضٍ مَا كَفَّارَةُ مَا صَنَعْنَا بِتَفْرِيطِنَا فِي صَلَاتِنَا؟
فقَالَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَا لَكُمْ فِيَّ أُسْوَةٌ؟! ثُمَّ قَالَ: أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ، إِنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاةَ حَتَّى يَجِيءَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الْأُخْرَى، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلْيُصَلِّهَا حِينَ يَنْتَبِهُ لَهَا، فَإِذَا كَانَ الْغَدُ فَلْيُصَلِّهَا عِنْدَ وَقْتِهَا..إلى آخر الحديث)
فتأمل في قول النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (احفظوا علينا صلاتنا) لتعلم فيه الدليل على وجوب اتخاذ الأسباب لأداء الصلاة في وقتها، والقيام بالجماعة، غير أن التعب والإرهاق الذي أصابهم بسبب السفر حال دون أن يستيقظوا في وقت الفجر، فما راعهم إلا والشمس قد طلعت، فكان لهم العذر حينئذ.
قال النووي في "شرح مسلم" (5/186) :
" فيه دليل لما أجمع عليه العلماء أن النائم ليس بمكلف " انتهى.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (7/187) :
" يفهم من هذا الحديث أنّه إذا غلب على ظنّه أنّه لو نام تفوته الصّلاة يُكلِّف أحداً بإيقاظه " انتهى.
والخلاصة: أن النوم قبل الصلاة إن كان لحاجة مع حرص على الاستيقاظ وتكليف من يقوم بذلك من الأهل أو ضبط الأجهزة المنبهة لا حرج فيه، ولا يأثم المسلم إن فاتته صلاة الجماعة أو فاته وقت الصلاة.
ثانياً:
وأما النذر الذي نذرته فقد كان الواجب عليك الوفاء به، وحيث إنك لم تفعل، فعليك كفارة يمين، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ) رواه مسلم (1645) وليس عليك إلا كفارة واحدة، ولو تعددت الأيام التي نمت فيها قبل العصر، لأن النذر (اليمين) قد انحل بحصول المخالفة ولم يِبْق منعقداً.
وكفارة اليمين هي: تحرير رقبة أو إطعام عشرة مساكين من أوسط طعامك، أو كسوتهم، فإذا لم تستطع القيام بواحدة، من هذه الخصال الثلاثة فعليك صيام ثلاثة أيام.
وانظر جواب السؤال رقم (45676) .
.والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1495)
حامل تشعر بالغثيان دائماً كيف تصلي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي بعض الأسئلة المتعلقة بالحمل والصلاة. عندما تحمل المرأة، خصوصا عندما تكون في الفترة الأولى من الحمل، فإنه من المعتاد أن تشعر بالمرض. أنا في أشهر حملي الأولى وأشعر بالغثيان طوال يومي. ما هو الحكم في صلاة المرأة وهي تجد ذلك؟ هل يجوز لها أن تجمع بين الصلوات؟ هل يجوز لها أن تجلس أثناء الصلاة (إذا شعرت بالمزيد من الغثيان وهي واقفة) ؟ عندما أصلي واقفة حاليا، فأنا أصلي بسرعة مخافة أن أشعر بالمرض، وهذا يتسبب في عدم تركيزي في الصلاة بشكل صحيح.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: لا يجوز للمسلم أن يترك الصلاة بأي حال، لكن من كان مريضاً فله أن يصلي على الحال الذي يستطيعه، فيصلي قائماً فإن لم يستطع فقاعداً، فإن لم يستطع فعلى جنبه. والدليل:
1- عن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " صلِّ قائماً فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب " رواه البخاري (1117) .
2- وعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمريض صلى على وسادة، فرمى بها وقال: " صلِّ على الأرض إن استطعت، وإلا فأومِ إيماءً، واجعل سجودك أخفض من ركوعك " رواه البيهقي بسندٍ قوي (4359) ولكن صحح أبو حاتمٍ وقفه. وصححه الألباني في الصحيحه (323) راجع السؤال رقم (7522)
ثانياً: قولك " أشعر بالغثيان عند الحمل " هذا لايمنع من أداء الصلاة، ولو صليت مع الإحساس بالغثيان فإن هذا لايُبطل الصلاة.
ثالثاً: قولك " هل يجوز لها أن تجمع بين الصلوات؟ نعم. إذا كانت تجد مشقة بأداء كل صلاة في وقتها.
ومن أمثلة المشقة: السفر، والمرض، والمطر، والوحل، والريح الشديدة الباردة ...
وأما قصر الصلاة فلا يجوز إلا في السفر فقط.
وهذه المرأة التي تشعر بالغثيان وتصلي فهي مأجورة إن شاء الله على مجاهدة نفسها على الصلاة وهي في هذه الحال الشديدة، وما يصيبها من الوهم وتعب الحمل هو من مكفرات الذنوب أيضاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلا وَصَبٍ وَلا هَمٍّ وَلا حُزْنٍ وَلا أَذًى وَلا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ) رواه البخاري (المرضى/5210) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
والله اعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1496)
يمتد عمله إلى الفجر فهل يجمع بين الظهر والعصر
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا موظف شركة أرامكوا السعودية وأعمل في نظام النوبات وفي منطقة حرض ونظام عملي 12 ساعة يوميا لمدة سبعة أيام من الساعة السادسة مساء إلى الساعة السادسة صباحا وأواجه معاناة في أداء صلاة الظهر والعصر في وقتها مع الجماعة. فهل يجوز لنا أن نجمع بين صلاة الظهر والعصر؟ مع العلم أني أسكن في مدينة جدة وآتي إلى حرض للعمل فقط ثم أعود إلى جدة في نهاية الأسبوع، أعمل جاهدا على أن أستيقظ لأداء الصلاة في وقتها ولكن أكثر الأوقات تفوتني الصلاة مع الجماعة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الواجب على أهل الأعمال وغيرهم أداء الصلوات في أوقاتها؛ لقوله تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) النساء/103، وقد أثنى الله تعالى على المؤمنين بأنهم لا تشغلهم أعمالهم عن طاعة الله تعالى، فقال: (رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) النور/37-38.
فالواجب عليك أن تحرص على الاستيقاظ في وقت الصلاة، وأن تأخذ بالأسباب التي تعين على ذلك، فإذا قدّر أنك نمت في بعض المرات وفاتتك صلاة الجماعة، مع حرصك على الاستيقاظ وبذلت الأسباب لذلك، فلا شيء عليك.
ثانيا:
من سافر إلى بلد ونوى الإقامة فيه أكثر من أربعة أيام، كان في حكم المقيم، ولزمه إتمام الصلاة، ولم يجز له الجمع بين الصلاتين لأجل السفر، لكن الجمع لا يختص بالسفر، بل يباح لأعذار أخرى كالمرض والمطر والمشقة.
وقد سبق ذلك في جواب السؤال رقم (38079) .
وعلى هذا، فإذا غلب على ظنك أنك لا تستطيع الاستيقاظ لصلاة الظهر، وأن ذلك يشق عليك، فلا حرج إن شاء الله تعالى من تأخير صلاة الظهر حتى تجمعها مع صلاة العصر جمع تأخير، على أن يكون ذلك عند حصول المشقة فقط، ولا يكون أمرا مستمرا سواء وجدت المشقة أم لا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1497)
كيفية صلاة الموجودين من الوحدات العسكرية في الخطوط الأمامية
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يصلي الجنود المسلمون إذا كانوا في جبهات القتال يراقبون الأعداء مثل الجنود المسلمون في باكستان الذين يرابطون أمام جنود الهندوس الكافرون في مقاطعة كشمير؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان المذكورون في محل إقامتهم لم يسافروا فعليهم صلاة الجمعة وإتمام الصلاة الرباعية أربعاً، أما إن كانوا مسافرين إلى محل المرابطة فليس عليهم جمعة ولهم القصر والجمع، لأن مدتهم لا يدرى متى تنتهي، وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - ج/12 ص/311.(5/1498)
الجمع بين الظهر والعصر لأجل المناورات العسكرية
[السُّؤَالُ]
ـ[نعمل في القطاع العسكري (القوات المسلحة) ونقوم من فترة إلى أخرى بإجراء ما يعرف بالمناورات الحربية التي غرضها التدريب البحت، ونظراً لأن طبيعة تلك المناورات الحربية تقوم على مشابهة المعركة الحقيقية من حيث استخدام الذخيرة الحية وما يعرف في العرف العسكري بالتكتيك الحربي ومن حيث التوقيتات المسماة بساعة الصفر والتي يراد بها بدء العملية الحربية والتي يكون فيها الجنود قد اتخذوا مواقعهم حسب الخطة سواء على الأرض أو داخل الآليات الحربية وبعدها لا يسمح لأحد بمغادرة موقعه تماما كما في الحرب مهما كانت الظروف، ويتخلل العملية رماية بالذخيرة الحية قد تطول لمدة طويلة من الوقت وكأنهم في مجابهة عدو حقيقي، الجدير بالذكر أن ما سبق من تلك العمليات بتفصيلها المذكور يتعارض في كثير من الأحيان مع وقت الصلاة لفرض أو فرضين وربما أكثر، والمشكلة التي تواجهنا دائما في أثناء القيام بالمناورة الحربية عدم القدرة على أداء الصلاة في وقتها جماعة فمثلا: عملية مناورة بدأت الساعة 11,00صباحا واستمرت إلى ما قبيل غروب الشمس وتخللها فرضا الظهر والعصر لكن لا أحد يستطيع التوقف أثناء الرماية لأداء كل صلاة في وقتها فالسؤال هنا: هل يجوز الجمع في مثل هذه الحالة علما أنه قد يترتب على التوقف لأداء كل صلاة في وقتها فشل التمرين من الناحية التقييمية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجوز الجمع بين الظهر والعصر تقديما أو تأخيرا في مثل هذه الحالة؛ " لأن الجمع رخصة كل ما احتاج الإنسان إليه فإنه يجمع، ولهذا ثبت في الصحيح من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم جمع في المدينة من غير خوف ولا مطر قيل له: ما أراد بذلك؟ قال: أن لا يحرج أمته. أي أن لا يلحقها حرج إذا صلت كل صلاة في وقتها " انتهى من "فتاوى نور على الدرب" للشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
وعليكم مناصحة المسئولين عن هذه التدريبات أن يختار لها الوقت الذي لا يتعارض مع الصلاة، بحيث يمكن الجنود أن يجمعوا بين صلاتي الظهر والعصر إما جمع تقديم أو تأخير.
ورضي الله عن عمر بن الخطاب فقد كتب إلى ولاته على البلدان (إن أهم أمركم عندي الصلاة، فمن حفظها وحافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيّعها فهو لما سواها أضيع) رواه مالك في الموطأ (6)
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1499)
الجمع بين الصلاتين للمرض
[السُّؤَالُ]
ـ[مريض مصاب بسرطان المعدة، وترك في جسمه فتحة عند البطن يخرج منها العصارات والفضلات ـ أكرمكم الله ـ يسأل إن كان يجوز له أن يجمع الصلاتين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، يجوز له الجمع بين الصلاتين، فيجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، تقديماً أو تأخيراً حسب الأيسر له، فإن المشقة الحاصلة بسبب المرض من الأعذار المبيحة للجمع بين الصلاتين، وقد رخص النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة المستحاضة وهي التي ينزل منها الدم في غير أيام عادتها، رخص لها أن تجمع بين الصلاتين. رواه أبو داود (287) والترمذي (128) وحسنه الألباني في "صحيح الترمذي".
والاستحاضة نوع مرض واحتج الإمام أحمد على جواز الجمع بين الصلاتين للمريض بأن المرض أشد من السفر، واحتجم بعد الغروب ثم تعشى ثم جمع بين صلاتي المغرب والعشاء. اهـ " كشاف القناع" (2/5)
تنبيه:
ويجب التنبه إلى أن المريض الذي جاز له الجمع بين الصلاتين فإنه يصلي كل صلاة تامة من غير قصر، فإن القصر لا يجوز إلا للمسافر، فما يظنه بعض الناس من أنه إذا جمع بين الصلاتين وهو في بلده بسبب المرض فإنه يقصر أيضاً، فهذا الظن ليس بصحيح.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " والقصر سببه السفر خاصة، لا يجوز في غير السفر. وأما الجمع فسببه الحاجة والعذر، فإذا احتاج إليه جمع في السفر القصير والطويل، وكذلك الجمع للمطر ونحوه، وللمرض ونحوه، ولغير ذلك من الأسباب؛ فإن المقصود به رفع الحرج عن الأمة " انتهى من " مجموع الفتاوى " (22/293) .
ونسأل الله تعالى أن يشفي مرضى المسلمين، وأن يرزقهم الصبر والرضا ويخلف لهم خيراً.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1500)
لديه امتحان يستغرق وقت العصر والمغرب فكيف يصلي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أستعد لحضور امتحان هام يستمر من الساعة الثانية حتى الساعة السادسة. المشكلة أن العصر يؤذن في الثانية والنصف والمغرب في الخامسة. الامتحان عبارة عن أجزاء لكل جزء وقت محدد وتوجد فترة راحة عشرة دقائق لكن لا أظن أن مكان الامتحان به مكان للصلاة حيث إن الامتحان يتم في إحدى السفارات الأجنبية. علما بأنني سأذهب - بإذن الله - إلى هذا المكان لأول مرة يوم الامتحان. أفيدوني أفادكم الله - ولا تنسونا من صالح الدعاء.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الأمر كما ذكرت، فإن هذه الدقائق العشر تكفي لصلاتك، ولا يشترط أن يوجد مكان مخصص للصلاة، بل صل في أي مكان طاهر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ) رواه البخاري (335) ومسلم (521) .
وإذا كان عليك مشقة في الصلاة في هذه الدقائق بسبب انشغالك بالاختبار، أو ضيق الوقت فيجوز لك الجمع بين الصلاتين، فتجمع العصر مع الظهر تقديما، والمغرب مع العشاء تأخيرا.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: أحياناً يصادف وقت دوام المدرسة قبل موعد الصلاة أي في الساعة الثانية عشر ظهراً والرابعة والنصف عصراً ولا أستطيع الصلاة في المدرسة لعدم وجود المكان المناسب للصلاة ولذلك أضطر لأن أجمع عدة فروض في آنٍ واحد تتعدى أحياناً ثلاثة فروض فما حكم صلاتي أرشدوني جزاكم الله خيراً؟
فأجاب: " أما الجمع بين الصلاتين اللتين يجمع بينهما فلا بأس به في هذه الحال لأنه حاجة فلها مثلاً أن تجمع بين الظهر والعصر أو بين المغرب والعشاء، وأما الجمع بين العصر والمغرب مثلاً فإنه لا يجوز إذ لا يجوز إخراج الصلاة عن وقتها بأي حالٍ من الأحوال وعليها في هذه الحال إذا خافت أن يخرج وقت الصلاة الحاضرة التي لا تجمع لما بعدها عليها أن تصليها على أي حالٍ كانت، وإذا كانت مثلاً تذهب إلى المدرسة في وقت صلاة العصر ولا تتمكن من صلاة العصر هناك فلتجمع العصر إلى الظهر جمع تقديم وتذهب إلى المدرسة وقد أدت الواجب عليها. والخلاصة أنه لا يجوز للمرأة ولا لغير المرأة أن تجمع بين صلاتين لا يجوز الجمع بينهما، وإنما الجمع بين الصلاتين اللتين يجوز الجمع بينهما كالجمع بين الظهر والعصر إما تقديماً وإما تأخيراً والجمع بين المغرب والعشاء إما تقديماً وإما تأخيراً حسبما تكون الحاجة داعية إليه " انتهى من "فتاوى نور الدرب".
ونسأل الله تعالى أن يوفقك إلى كل خير.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1501)
يصعب عليه أداء الصلوات لأن عمله شاق
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ترى بكفر الشخص الذي يصلي مرة أو مرتين أو ثلاث مرات يوميا؟ إن تأدية الصلوات خمس مرات يوميا ليس سهلا على الناس العاديين , كما قال النبي موسى عليه السلام في قصة المعراج بأنه سيكون صعبا على أمة نبينا صلى الله عليه وسلم الوفاء بهذا الأمر. لكنه مع ذلك قال إننا من أمته. ونحن نعتقد ببنود الإيمان. لكننا لا نحصل على رواتب لصلاتنا كما يحصل الأئمة أو أخذ مقابل لأنهم علماء يقومون بالبحث الإسلامي. نحن لدينا عائلات وأطفال نقوم على رعايتهم , ونكدح 12 ساعة يوميا في أنشطة منهكة بدنيا وذهنيا لنكسب لقمة العيش , وعليه فإنه من الصعب الوفاء بجميع الصلوات نتيجة للتعب. فهل لا تزال تعتبرنا كفارا , مع أننا نؤدي بعض الصلوات وندفع الزكاة ونصوم في رمضان ونعتقد ببنود الإيمان؟ إن الأمر مهم جدا بالنسبة لي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
وبعد ... فلقد فرض الله على عباده في اليوم خمس صلوات في كل يومٍ وليلة، وأمر بالمحافظة عليها وإقامتها، وأثنى على المحافظين عليها، والمقيمين لها، قال تعالى: (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين) . وقال تعالى: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين) . وقال تعالى: (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون) إلى قوله تعالى: (والذين هم على صلواتهم يحافظون) .
فعليك أيها الأخ الكريم أن تهتم بإقامة الصلاة، وبالمحافظة عليها، والخشوع فيها، وتأخذ بالأسباب المعينة على ذلك لتكون من المفلحين، ولا تشغل نفسك بالتفكير في حكم من يترك صلاة أو صلاتين، وهل يكفر أو لا يكفر.
فإن من ترك صلاةً متعمداً يُعرِّض نفسه لعذاب الله، والمؤمن العاقل لا يُقدم على ما يعلم أنه سببٌ للعقاب حتى ولو لم يكن كفراً. والصلوات الخمس وسائر الطاعات، واجتناب المحرمات لا يتحقق القيام بها إلا بالصبر وهي مكروهة بمقتضى الطبع لأنها تحول بين الإنسان وبعض شهواته، قال عليه الصلاة والسلام: " الجنة حُفَّت بالمكاره ". وأمْر الصلاة في الإسلام عظيم، ولذلك لا تسقط عن المكلف ما دام حياً، وعقله معه، ولكنه سبحانه يسَّر على عباده في فرض هذه الصلاة فأباح الجمع والقصر في السفر، وأباح الجمع في الحضر إذا كان في تركه حرجٌ ومشقَّة. وأباح للمريض أن يُصلي بحسب استطاعته قائماً أو قاعداً أو على جنبه. وبهذا يُعلم أن الاشتغال بالرزق لا يكون عذراً في ترك الصلاة، لكن إذا حصلت مشقَّة غير عادية أباح الجمع بين الظهر والعصر في وقت أحدهما، والمغرب والعشاء في وقت أحدهما.
وقد أمر الله بترك البيع من أجل صلاة الجمعة، وأثنى على الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله. فاحرص أيها الأخ الكريم على أداء الصلوات الخمس في وقتها ومع الجماعة، قال عليه الصلاة والسلام: " صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين ضعفاً ".
واعلم أن المحافظة على الصلوات الخمس من أعظم الأسباب للفوز برحمة الله ورضوانه وجنته، وهذا هو المطلب الأعلى، ومع ذلك هي سببٌ لتيسير الرزق كما قال تعالى: (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لانسألك رزقاً نحن نرزقك والعاقبة للتقوى) .
فالمسلم لا يطلب من الناس أجراً على عبادته لربه، بل يصلي لله، ويصوم لله، ويحج لله، ويرجو ثواب الله. فقولك أيها الأخ السائل: أننا لا نحصل على رواتب على صلاتنا كما يحصل الأئمة. هذا خطأ في تصورك فإنه لا يجوز للإمام أن يأخذ مرتبا على فعل الصلاة، ولكن الأئمة أو المؤذنين يأخذون المرتبات على الوظيفة التي تتطلب منه الحضور في كل وقت (لكي يتفرغوا لأداء مهمتهم في الإمامة والخطابة والفتيا والقضاء) . والأفضل للمسلم أن يقوم بوظيفة الإمام أو المؤذن تطوعاً واحتساباّ لثواب الله. وقولك أيها الأخ الكريم: ونحن لدينا عائلات، وأطفال.... . لا يصلح عذراً في ترك بعض الصلوات، فإنه لا بد أن تفرغ شيئاً من وقتك لأدائها وهو قدْرٌ يسير، فكل صلاة لا تستغرق في أدائها، والاستعداد لها أكثر من ربع ساعة. وإذا تركت بعض الصلوات اشتغالاً في طلب الرزق فإننا لا نجزم بأنك كافر لكن نجزم بأنك عاصٍ معصية كبيرة. وقد سبق في أول الجواب أنه يجوز مع المشقة غير العادية أن تجمع بين الظهر والعصر في وقت أحدهما، كما نذكر أنه لا بد من أداء صلاة الفجر في وقتها، ووقتها من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس.
أعاننا الله وإياك على طاعته.
[الْمَصْدَرُ]
فضيلة الشيخ عبد الرحمن البراك.(5/1502)
تفوته صلاة العصر لزحام المواصلات فهل يصليها في الباص؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف نصلي العصر أثناء ازدحام المرور في مدينة القاهرة ونحن لم نكن على وضوء ونكون في سيارة الميكروباص أو سيارة ملاكي فلا نقدر أن نترك السيارة في وسط الطريق لنصلي علي جنب الطريق وليس بجوارنا مسجد ثم صلاة العصر كانت الساعة 3 وعلى ما نصل إلى البيت يكون المغرب قد أذن.. فما هو الحل في هذا الموقف؟ .. وأيضا نفس الأمر مشابه في سفر الطالب للجامعة أنا أصلي الفجر في المسجد ثم أنطلق للمعهد فأصلي الظهر بعد وقته بفترة بسبب المحاضرات وقد يكون وقته مضى.. ثم أركب القطار لأرجع لبلدي لكن العصر يؤذن على محطة القطار فأركب القطار لأرجع لبلدي , وقد أصل بعد غروب الشمس , وهذا الموقف يتكرر 3 أيام في الأسبوع , وللعلم المسافة من بيتي وبلدي للجامعة أو المعهد حوالي 60 كم..]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب أداء الصلاة في مواقيتها كما أمر الله تعالى بقوله: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) البقرة/238، وقال: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) النساء/103، وينبغي الحذر من تضييعها وتأخيرها عن وقتها؛ لقوله تعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) مريم/59.
وقد جاء في شأن صلاة العصر خاصة قوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) رواه البخاري (553) .
ومن علم أن الصلاة قد تفوته أثناء تنقله بسبب زحام المواصلات، فعليه أن يحتاط لصلاته، وأن يؤديها قبل الركوب، أو يعجل بالركوب ليتمكن من أداء الصلاة فور نزوله.
ومن تأمل أحوال الناس وجد كثيراً منهم لا يهتم بأمر الصلاة، ولا يحتاط لها، وقد يُؤَذَّن للصلاة، فيمضي ليلحق بإحدى المركبات دون أن يصلي، فيخرج عليه الوقت، وقد يتمكن من أدائها فور نزوله، فيؤخرها حتى يصل إلى بيته فتفوته، وهذا كله تفريط وتضييع لأمر هذه العبادة العظيمة.
لكن لو قُدّر أن الإنسان ركب سيارة قبل دخول الوقت، ولم يمكنه إيقافها لأداء الصلاة، وغلب على ظنه أن الصلاة ستفوته إن أخرها إلى نزوله، فإن كانت الصلاة مما تجمع إلى ما بعدها، كالظهر مع العصر، أو المغرب مع العشاء، أخرها لوقت الثانية، ولو لم يكن مسافرا؛ لأن الجمع يجوز عند الحاجة ولو في الحضر. وإن كانت الصلاة لا تجمع مع ما بعدها، كالعصر مع المغرب، فإنه يصليها راكبا، ويومئ بالركوع والسجود، فإن لم يكن على وضوء تيمم، ولا يجوز له تأخير الصلاة حتى يخرج وقتها.
وينبغي أن يحرص المسلم على أن يكون على طهارة في جميع الأحوال.
وكذلك إذا كنت تخشى من فوات وقت صلاة العصر بسبب ركوبك القطار , فإنك تجمعها جمع تقديم مع الظهر.
وقد ذكرت في سؤالك أنك تصلي صلاة الظهر أحياناً بعد وقتها بسبب المحاضرات , وهذا لا بأس به إذا احتجت إلى ذلك , ولكنك في هذه الحال تنوي جمعها مع صلاة العصر جمع تأخير.
وقد ذكرت أن المسافة بين بلدك والجامعة حوالي 60 كلم , وهذا لا يؤثر على جواز الجمع بين الصلاتين عن الحاجة إلى ذلك لأن الجمع بين الصلاتين جائز في الحضر وفي السفر , إذا وجدت مشقة في فعل كل صلاة في وقتها.
وقد دل على جواز الجمع بين الصلاتين في الحضر , ما رواه مسلم عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، بِالْمَدِينَةِ فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ. قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: مَا أَرَادَ إِلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا نويت السفر وصليت الظهر في مكان إقامتي فهل يجوز لي تقديم العصر وجمعه مع الظهر إذا خشيت أن تفوتني صلاة العصر؟ خصوصاً وأن السيارة ليست ملكاً لي وقد لا تقف في الطريق إلا بعد الغروب؟ وهل يجوز أن أصلي وأنا جالس في السيارة وهي سائرة في طريقها؟
فأجاب: " لا بأس أن تجمع في هذه الحال لأن الجمع رخصة , كلما احتاج الإنسان إليه فإنه يجمع , ولهذا ثبت في الصحيح من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم جمع في المدينة من غير خوف ولا مطر. قيل له: ما أراد بذلك؟ قال: أن لا يحرج أمته. أي: أن لا يلحقها حرج إذا صلت كل صلاة في وقتها , فإذا كنت تعرف أن هذه السيارة ليست بيدك , وأنها قد لا تتوقف إذا سارت من بعد الظهر إلى بعد الغروب فإنه يجوز لك أن تجمع الظهر إلى العصر وأنت في منزلك , ولكن تصليها في هذه الحال أربعاً , لا تصليها ركعتين , لأنك لم تبدأ السفر الآن " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
وسئل رحمه الله أيضاً عن فتاة تقول بأنها طالبة وأحياناً يصادف وقت دوام المدرسة قبل موعد الصلاة أي في الساعة الثانية عشر ظهراً والرابعة والنصف عصراً ولا أستطيع الصلاة في المدرسة لعدم وجود المكان المناسب للصلاة , ولذلك أضطر لأن أجمع عدة فروض في آنٍ واحد , تتعدى أحياناً ثلاثة فروض , فما حكم صلاتي أرشدوني جزاكم الله خيراً؟
فأجاب: " أما الجمع بين الصلاتين اللتين يجمع بينهما فلا بأس به في هذه الحال لأنه حاجة , فلها مثلاً أن تجمع بين الظهر والعصر , أو بين المغرب والعشاء، وأما الجمع بين العصر والمغرب مثلاً فإنه لا يجوز , إذ لا يجوز إخراج الصلاة عن وقتها بأي حالٍ من الأحوال , وعليها في هذه الحال إذا خافت أن يخرج وقت الصلاة الحاضرة التي لا تجمع لما بعدها عليها أن تصليها على أي حالٍ كانت، وإذا كانت مثلاً تذهب إلى المدرسة في وقت صلاة العصر ولا تتمكن من صلاة العصر هناك فلتجمع العصر إلى الظهر جمع تقديم وتذهب إلى المدرسة وقد أدت الواجب عليها.
والخلاصة: أنه لا يجوز للمرأة ولا لغير المرأة أن تجمع بين صلاتين لا يجوز الجمع بينهما، وإنما الجمع بين الصلاتين اللتين يجوز الجمع بينهما كالجمع بين الظهر والعصر إما تقديماً وإما تأخيراً , والجمع بين المغرب والعشاء إما تقديماً وإما تأخيراً , حسبما تكون الحاجة داعية إليه " انتهى من "فتاوى نور الدرب".
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1503)
خروج الريح باستمرار هل ينقض الوضوء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعاني من القولون العصبي. وبعض أعراضه هي الإحساس بالانتفاخ وخروج الغازات. ويعني ذلك أني كلما توضأت, فأنا أعيده باستمرار, وقد تصل إلى 5 مرات على الأقل بسبب خروج الغازات في أثناء الوضوء وبعده أو وأنا أصلي. وكما ترى , فأنا لا أجد ذلك في كل وقت , لكنه يتكرر معي كثيرا. وهذا يمنعني من تأدية صلاة التراويح ... الخ. ومع أنني فتاة , إلا أني أرغب في حضور صلاة الجمعة، لكني لا أستطيع حضور الجمع للأسباب التي ذكرتها آنفا. وأيضا , فإن الغازات التي تخرج مني لها رائحة كريهة جدا, وهي ليست كرائحة الغازات العادية. فما علي أن أفعل؟ أأستمر في تجديد الوضوء، هل هذا الذي عليّ فعله؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يشفي الأخت السائلة، وجزاها الله خيرا لحرصها على التفقه في الدين وعدم الخجل من ذلك من أجل أن تتبصر بأمور دينها.
ثانياً:
قد يتوهم المصلي أحياناً أنه قد خرج منه شيء في الصلاة، ولا يكون قد خرج منه شيء، وهذا قد يكون من وساوس الشيطان التي يريد بها إفساد الصلاة وعدم الخشوع فيها، ولا ينبغي للمصلي أن يدع صلاته إلا إذا تيقن أنه خرج منه شيء.
عن عباد بن تميم عن عمه: أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل الذي يخيَّل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، فقال: لا ينفتل – أو: لا ينصرف - حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحا ".
رواه البخاري (137) - واللفظ له - ومسلم (362) .
وليس المراد من الحديث تعليق الحكم على سماع الصوت أو شم الرائحة، وإنما المراد حصول التيقن بخروج شيء وإن لم يسمع صوتاً أو يجد ريحاً.
انظر شرح مسلم للنووي 4 / 49
فالأصل بالمصلي إذا كان متوضأً: أن وضوءه لا ينتقض بالشك، بل يجب عليه أن يتيقن الحدث أولاً، فإن تيقن أنه محدث انصرف من صلاته وتوضأ.
والحدث لا يكون إلا مما يخرج من السبيلين خروجا يقينيّاً لا شك فيه ولا لبس، أما مجرد الشعور بالانتفاخ فهذا لا يعد من نواقض الوضوء حتى يخرج شيء.
وهذه الغازات التي شكوتِ منها حكمها حكم المستحاضة ومن به سلس البول. (الشرح الممتع 1 / 437)
ولها حالان:
الأولى:
أن يكون لها وقت تنقطع فيه، كما لو كانت تخرج ثم تسكت مدة تتمكنين فيها من الوضوء والصلاة في وقتها ثم تعاود الخروج، فهنا عليك أن تتوضئي وتصلي في الوقت الذي تنقطع فيه.
الثانية:
أن تكون مستمرة وليس لها وقت تنقطع فيه بل يمكن أن تخرج كل وقت، فإنك تتوضئين لكل صلاة بعد دخول وقتها وتصلي بهذا الوضوء ولا يضرك ما خرج ولو كان ذلك أثناء الوضوء أو الصلاة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
فمن لم يمكنه حفظ الطهارة مقدار الصلاة فإنه يتوضأ ويصلي ولا يضره ما خرج منه في الصلاة، ولا ينتقض وضوءه بذلك باتفاق الأئمة وأكثر ما عليه أن يتوضأ لكل صلاة.
مجموع الفتاوى 21 / 221
وقد سئلت اللجنة الدائمة عن رجل مصاب بسلس في البول يظهر بعد التبول لفترة لو انتظر انتهاء السلس لانتهت الجماعة ماذا يكون الحكم؟
فأجابت اللجنة:
إذا عرف أن السلس ينتهي فلا يجوز له أن يصلي وهو معه طلباً لفضل الجماعة، وإنما عليه أن ينتظر حتى ينتهي ويستنجي بعده ويتوضأ ويصلي صلاته ولو فاتته الجماعة، وعليه أن يبادر بالاستنجاء والوضوء بعد دخول الوقت، رجاء أن يتمكن من صلاة الجماعة.
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة أيضاً:
الأصل أن خروج الريح ينقض الوضوء، لكن إذا كان يخرج من شخص باستمرار وجب عليه أن يتوضأ لكل صلاة عند إرادة الصلاة، ثم إذا خرج منه وهو في الصلاة لا يبطلها وعليه أن يستمر في صلاته حتى يتمها، تيسراً من الله تعالى لعباده ورفعاً للحرج عنهم، كما قال تعالى: (يريد الله بكم اليسر) وقال: (ما جعل عليكم في الدين من حرج)
اللجنة الدائمة للبحوث 5 / 411
ثالثاً:
وأما ذهابك للمسجد مع وجود هذه الريح: فلا يجوز فإن المساجد يجب صيانتها من كل رائحة كريهة لأن ذلك يؤذي المصلين، ويؤذي الملائكة الكرام.
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم من أكل ثوماً أو بصلاً أن يقرب المسجد، فروى البخاري ومسلم عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أكل ثوماً أو بصلاً فليعزلنا أو قال: فليعتزل مسجدنا وليقعد في بيته.
وروى مسلم (564) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أكل البصل والثوم والكراث فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم)
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بإخراج من وجدت منه رائحة البصل أو الثوم من المسجد.
روى مسلم (567) عن عمر بن الخطاب قال: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد ريحهما من الرجل في المسجد أمر به فأخرج إلى البقيع.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1504)
طهارة وصلاة من ابتلي بالبواسير
[السُّؤَالُ]
ـ[لدى بواسير فماذا يجب أن أفعل لتكون صلاتي صحيحة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
البواسير جمع باسور – ويقال له أيضاً ناسور، وناصور -، وهو عبارة عن تمدد الأوردة الدموية في فتحة الشرج، وهي داخلية وخارجية، فما كان التمدد في أوردة الجزء الخارجي فهو باسور خارجي، وما كان من تمدد في الأوردة في الجزء الداخلي من فتحة الشرج: فهو باسور داخلي.
قال النووي رحمه الله:
وأما الناصور: ففيه ثلاث لغات: إحداها: هذه، والثانية: ناسور بالسين، والثالثة باسور بالباء والسين.
" المجموع " (2 / 541) .
ثانياً:
وفيما يتعلق بالطهارة: فإن كان الباسور خارجيّاً: فلا ينقض الوضوء، وهو يشبه حكم الدمامل، وعليه تنظيف ثيابه وبدنه، فإن شق ذلك عليه فلا يلزمه غسل الثياب ولا تبديلها دفعاً للحرج والمشقة.
وما كان داخليّاً ويسيل للخارج: فإن كان متقطعاً فهو ناقض للوضوء،، وإن كان مستمرّاً فيتوضأ – على قول جمهور العلماء – بعد دخول الوقت، ويكون حكمه حكم سلس البول، والمستحاضة.
سئل يحيى بن سعيد الأنصاري عن الرجل يكون به الباسور لا يزال يَطلع منه فيرده بيده , قال: إذا كان ذلك لازماً في كل حين: لم يكن عليه إلا غسل يده، فإن كثر ذلك عليه وتتابع: لم نر عليه غسل يده، وكأن ذلك بلاء نزل عليه فيعذر به بمنزلة القرحة.
" المدونة " (ص 121) .
وروى ابن أبي شيبة في " المصنف " (1 / 164) عن الشعبي أنه سئل عن رجل به الناصور، فقال: يصلي وإن سال من قرنه إلى قدمه.
وقال النووي رحمه الله:
ولا يجب الوضوء في مسألة الجرح، ولا في مسألة الناسور إلا أن يكون في داخل مقعدته بحيث ينقض الوضوء.
" المجموع " (2 / 541) .
ثالثاً:
وفيما يتعلق بالصلاة: فإن كان يستطيع القيام في الصلاة: فلا يسعه إلا هذا؛ لأن القيام في صلاة الفريضة ركن بلا خلاف، فإن عجز بسبب مرضه: صلَّى جالساً، فإن لم يستطع صلَّى على جنب، وهذا الذي قاله نبينا صلى الله عليه وسلم للصحابي عمران بن حُصين، وكان من المبتلين بالبواسير.
فعن عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّلاةِ، فَقَالَ: (صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ) رواه البخاري (1066) .
وليُعلم أنه إن صلَّى جالساً أو على جنب فله الأجر كاملاً، ولا ينقص من أجر صلاته بسبب ذلك شيء..
فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحاً) رواه البخاري (2834) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1505)
لا يتمكن من أداء الصلاة في وقتها بسبب العمل، فماذا يفعل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أعيش في أستراليا وأعمل في مطعم وجبات سريعة وأغلب المبيعات من لحوم الدجاج، أعمل 3 أيام في الأسبوع وأعمل في كل يوم 3 - 4 ساعات متواصلة دون توقف - (أي شخص يعمل لمدة تقل عن 5 ساعات لا يحصل على فترة راحة) - بسبب قصر النهار واختلاف مواعيد الصلاة فيحصل أن يأتي وقت لا أستطيع فيه الصلاة إلا أن أجمع صلاة العصر مع المغرب مثلاً قبل بدأ الدوام أو بعده، حالياً لا تفوتني أي صلاة لأن وقت عملي لا يتعارض مع أوقات الصلوات.
أرجو أن تساعدني لأن هذا الأمر يحزنني، وشكراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
سبق في إجابة السؤال رقم (21958) أنه لا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها بسبب العمل، وقد قال الله سبحانه وتعالى: (رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) النور37 /-38. فيجب عليك تنظيم وقت العمل بما لا يتعارض مع أداء الصلاة في وقتها، والاتفاق مع الإدارة على ذلك وإيجاد الحلول المناسبة , ولو كان فيها بعض المشقة عليك، كزيادة ساعات العمل مثلاً. واعلم أن ما يحصل في قلبك من زيادة الإيمان بسبب أداء الصلاة في أوقاتها والمحافظة عليها سيعوضك عما تجده من مشقة في سبيل ذلك، بل ستنقلب تلك المشقة لذة ـ إن شاء الله ـ لأنك تحملتها في سبيل الله وابتغاء رضوانه.
ثانياً:
مما يُحمد عليه السائل حزنه إذا ضاعت منه الصلاة وصلاها في غير وقتها، وهكذا ينبغي أن يكون المؤمن، يحزن إذا فاته شيء من الأعمال الصالحة، ولكن الواجب أن يكون هذا الحزن دافعاً إلى تصحيح العمل، واجتناب التقصير فيه، أما وجود الحزن في القلب مع استمرار تضييع الصلاة وإساءة العمل فإن هذا لا ينبغي.
ثالثاً:
قولك "بأنك تجمع بين صلاتي العصر والمغرب قبل بدء الدوام أو بعده".
لتعلم يا أخي أن الجمع بين الصلوات ورد في الشرع بين صلاتي الظهر والعصر وبين صلاتي المغرب والعشاء، هذا الجمع الذي وردت به الشريعة، أما الجمع بين صلاتي العصر والمغرب فلم ترد به الشريعة، ولا يصح، ولم يقل به أحد من العلماء. وعلى هذا فما وقع من الجمع بين صلاتي العصر والمغرب بعد غروب الشمس فالواجب عليك التوبة إلى الله من تأخير صلاة العصر عن وقتها، والعزم على عدم العودة إلى مثل ذلك.
وما وقع من الجمع بين صلاتي العصر والمغرب قبل دخول وقت صلاة المغرب وهو (غروب الشمس) فلتعلم أن الصلاة قبل وقتها لا تصح، فصلاتك المغرب لا تصح، وعلى هذا فعليك أن تحصي عدد المرات التي صليت فيها صلاة المغرب قبل دخول وقتها وتجتهد في معرفة العدد، وتحتاط لنفسك ودينك، فعند الشك تأخذ بالعدد الأكثر، ثم تعيد هذه الصلوات وتبادر إلى ذلك بقدر استطاعتك.
رابعاً:
عليك أن تسعى جاهداً في حل هذه المشكلة والأمر لن يستغرق أكثر من عشر دقائق فيمكنك الاتفاق مع الإدارة أن تعوض هذه الدقائق قبل الدوام أو بعده، وقد لا يتصور أنك لا يمكنك الاستئذان من العمل لمدة عشر دقائق، فإنك لو أردت الذهاب إلى الحمام فإنهم لن يمنعوك من ذلك، مع أن هذا قد يستغرق هذه الدقائق أو أكثر، وقد يكون في بلدكم قوانين تحفظ للأقليات الحق في ممارسة شعائر دينها، وتلزم أصحاب الأعمال باحترام دين من يعمل عندهم، قد يكون عندكم مثل هذه القوانين التي تستطيع بها أن تطالب بحقك.
فإن ضاقت بك السبل، ولم يمكن حل هذه المشكلة مع الإدارة فعليك أن تبحث عن عمل آخر لا يتعارض مع إقامتك للصلاة، فإن لم تجد وكنت تتضرر بترك هذا العمل فإنه يُرجى أن تكون هذه حاجة تبيح لك الجمع بين الصلوات ولا حرج عليك في ذلك إن شاء الله تعالى.
فلك أن تجمع بين صلاتي الظهر والعصر إما جمع تقديم وإما جمع تأخير، أو تجمع بين صلاتي المغرب والعشاء إما جمع تقديم وإما جمع تأخير، حسب الأيسر والأسهل لك.
وجمع التقديم أن تصلي الصلاتين المجموعتين في وقت الأولى منهما.
وجمع التأخير أن تصلي الصلاتين المجموعتين في وقت الأخرى منهما.
نسأل الله تعالى أن يوفقنا إلى الفقه في الدين وحسن القول والعمل، وأن ييسر لك أمرك.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1506)
كيف يقضي الصلوات الفائتة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كم ركعة يجب أن نصلي إذا خرج وقت الصلاة (للقضاء) ؟
البعض يقول بأننا يجب أن نصلي نفس عدد ركعات الفرض الفائت، وهذا ما أفعله في الوقت الحالي إذا لم يكن لدي وقت أصلي فيه وخرج وقت الصلاة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يجوز للمسلم أن يؤخر الصلاة حتى يخرج وقتها من غير عذر. قال الله تعالى: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) النساء /103. أي ذات وقت محدد.
والعذر الذي يبيح تأخير الصلاة عن وقتها كالنوم والنسيان، فعن أنس بن مالك قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: (مَن نسي صلاةً أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها) . رواه مسلم (684) .
وأما العمل والدراسة ونحو ذلك فليس عذراً يبيح تأخير الصلاة عن وقتها، وقد مدح الله تعالى أقواماً بقوله: (رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ) النور /37.
ثانياً:
من ترك الصلاة حتى خرج وقتها بدون عذر، فقد أتى معصية وهي من كبائر الذنوب والواجب عليه التوبة إلى الله تعالى والعزم على المحافظة على أداء الصلاة في وقتها. ولا ينفعه قضاؤها بعد الوقت وقد ضيعها بدون عذر، وليكثر من النوافل، لعلها تجبر النقص الحاصل في الفرائض.
وأما من أخَّر الصلاة حتى خرج وقتها بعذر كالنوم أو النسيان فعليه أداء الصلاة متى زال العذر، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ نَسِيَ صَلاةً فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا لا كَفَّارَةَ لَهَا إِلا ذَلِكَ) رواه مسلم.
ويصليها كما كان يصليها في وقتها من غير زيادة ولا نقص أو تغيير في صفتها وهيئتها.
ففي حديث أبي قتادة في صحيح مسلم (681) في قصة نوم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه عن صلاة الفجر في السفر حتى طلعت الشمس، قال أبو قتادة: (ثُمَّ أَذَّنَ بِلالٌ بِالصَّلاةِ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى الْغَدَاةَ فَصَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ كُلَّ يَوْمٍ) .
قال النووي:
قَوْله: (كَمَا كَانَ يَصْنَع كُلّ يَوْم) فِيهِ: إِشَارَة إِلَى أَنَّ صِفَة قَضَاء الْفَائِتَة كَصِفَةِ أَدَائِهَا اهـ.
والقاعدة عند العلماء: "أن القضاء يحكي الأداء" أي أن قضاء العبادة كأدائها.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1507)
لا تستطيع الركوع والسجود للصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[سؤالي عن الصلاة: فإن ظهري يؤلمني نتيجة حادث منذ فترة جعلني لا أستطيع الانحناء في الركوع والسجود فكيف يمكنني الصلاة علماً بأنني أشعر بالذنب لذلك مع أنه قد تم نصحي بألا أنحني حتى لا يزيد ألمي انصحونا جزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
عن عمران بن حصين قال:" كانت بي بواسير فسألت الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: صلِّ قائماً فإن لم تستطيع فقاعداً فإن لم تستطيع فعلى جنب " صحيح البخاري (1066) .
البواسير:-جمع باسور وهو ورم في باطن المقعدة.
وأنت يا أخي إذا استطعت القيام فلا تقعد إلا أن يشق عليك ذلك، فإن جلست مع المشقة الكبيرة فالأجر مكتمل.
لحديث أبي موسى الأشعري: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل صحيحاً مقيماً " رواه البخاري (2834) .
وأما الركوع والسجود فإنما يسقطان عنك لعدم المقدرة على الإتيان بهما بلحوق المشقة المؤذية.
فعليك أن تحاول الانحناء عند الركوع ما استطعت وكذا السجود بحيث يكون سجودك أخفض من ركوعك وتومئ إيماء، وذلك لحديث " صلِّ على الأرض فإن استطعت وإلا فأومئ إيماءاً واجعل سجودك أخفض من ركوعك " قال الشيخ الألباني: رواه الطبراني والبراز وابن السماك في حديثه [67 /2] والبيهقي وسنده صحيح كما بينته في الصحيحة (323) .
" صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم " (ص 79) .
قال ابن قدامة في متن العمدة " فإن عجز عن الركوع والسجود أومأ إيماءاً. " العمدة شرح العدة " (ص 126) .
فإن لم تستطع حتى الانحناء فصلِّ على حسب حالك ويكون ركوعك وسجودك بالنية إذا وصلت إلى موضعهما مع قراءة الأذكار فيهما، ولا يكلف الله نفسا إلا وُسعها وما جعل عليكم في الدين من حرج والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1508)
طفلها يشغلها في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[أحاول دائما تأدية الصلاة في وقتها، لي طفل عمره 18 شهر وأحياناً لا يكون حولي من يرعاه حين أصلي، المشكلة أنني كلما أديت الصلاة قريباً منه فإنه يجلس أمامي ويشوش علي صلاتي. سؤالي هو:هل صلاتي غير مقبولة عندما يفعل هذا؟ هل من الأفضل تأخير الصلاة عن وقتها وربما خرج الوقت ثم أصليها قضاءاً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب على المسلم أن يصلي الصلاة في وقتها ولا يجوز له إخراجها عن وقتها لغير عذر لقول الله تعالى: (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) أي: فرضا مؤقتا لا يتقدم ولا يتأخر، والوقت آكد شروط الصلاة فلو عجز المرء عن بعض الشروط فإنه يؤدي الصلاة حسب استطاعته في وقتها ولا يؤخرها.
ومما يدل على اهتمام الشريعة بوقت الصلاة؛ أن المسلم إذا لم يجد الماء فإنه يتيمم ويصلي وإن كان متيقناً أنه سيجد الماء بعد خروج الوقت.
أما كون الطفل يمر أمام أمه وهي تصلي فإن هذا لا يفسد الصلاة ولا يبطلها وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم حمل بنتا وهو يصلي يرفعها إذا قام ويضعها إذا سجد، كما جاء عند البخاري ومسلم عن أبي قتادة الأنصاري: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبي العاص بن ربيعة بن عبد شمس فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها " رواه البخاري برقم 486 ومسلم برقم 844
وكذلك ثبت أنه ركب على ظهره صلى الله عليه وسلم صبي وأتم صلاته، وهذا ما رواه عبد الله بن شداد عن أبيه قال: " خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى صلاتي العشاء وهو حامل حسنا أو حسينا فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعه ثم كبر للصلاة فصلى فسجد بين ظهراني صلاته سجدة أطالها قال أبي فرفعت رأسي وإذا الصبي على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد فرجعت إلى سجودي فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قال الناس يا رسول الله إنك سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر أو أنه يوحى إليك قال كل ذلك لم يكن ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته " رواه النسائي برقم 1192 وقد صححه الألباني رحمه الله في صحيح سنن النسائي 1/246.
فلو حملت ولدك في الصلاة ووضعتيه فلا يضرك، وحافظي على الصلاة في وقتها، وفقنا الله وإياك لكل خير.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1509)
صلاة المريض إذا عجز عن إزالة النجاسة
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل ثقل في المرض وعجز عن القيام والقعود، وعن إزالة النجاسة، فهل تلزمه الصلاة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يلزمه أن يصلي مضطجعاً، ويومئ بالركوع والسجود، ويحترز من النجاسة بحسب الإمكان.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى الإمام النووي ص 58.(5/1510)
الذين يصلّون على الكراسي في المساجد
[السُّؤَالُ]
ـ[كثيرا ما نجد في بعض المساجد كراسي موضوعة لبعض المصلين يصلون عليها مع الإمام الفريضة أو صلاة التراويح فما حكم صلاة هؤلاء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
القيام في الصلاة ركن، ومن لم يقم واقفاً في صلاته مع بداية التكبير إلى نهاية التسليم من غير عذر شرعي: فصلاته باطلة، قال الله تعالى {وقوموا لله قانتين} [سورة البقرة / 238] .
وكون القيام ركنا هو في صلاة الفرض خاصة، أما صلاة النفل فليس القيام بها واجباً والقعود جائز، ومن قعد فله نصف أجر القائم.
وأما دليل أن ذلك خاص بالفرض حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " صل قائماً "
البخاري (1066) .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي النافلة على الراحلة، فإذا أراد صلاة الفريضة نزل عن راحلته - البخاري (955) ومسلم (700) - وذلك للقيام بركن القيام، والاتجاه للقبلة.
وإن صلى قاعدا مع قدرته على القيام - في النافلة -: فله نصف أجر القائم لحديث عبد الله بن عمرو أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم " حُدِّثت يا رسول الله أنك قلت صلاة الرجل قاعداً على نصف الصلاة وأنت تصلي قاعداً قال: أجل ولكني لست كأحد منكم ". جزء من حديث رواه مسلم (735) .
قال النووي معلقاً على هذا الحديث: وهذا الحديث محمول على صلاة النفل قاعداً مع القدرة على القيام فهذا له نصف ثواب القائم وأما إذا صلى النفل قاعداً لعجزه عن القيام فلا ينقص ثوابه بل يكون كثوابه قائماً وأما الفرض فإن الصلاة قاعداً مع قدرته على القيام لم يصح فلا يكون فيه ثواب بل يأثم به. " شرح مسلم " 6/258.
وبذا نقول لأصحاب الكراسيّ الذين يتركون القيام - في صلاة الفريضة - لا يحل لكم الجلوس على كراسيّكم ما استطعتم القيام إلا أن يشق عليكم مشقة تلحق بها الأذية، أما المشقة اليسيرة فليست عذراً.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1511)
طبيب جراح ترك النصرانية ويتساءل كيف يصلي أثناء العملية لو أسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا حاليا غير مسلم ولكنني أبحث في الدين الإسلامي ولدي سؤال عن الصلوات الخمس وتأثيرها على حياة الشخص، أعرف أنها تستغرق دقائق لتأديتها ويجب أن تكون في أوقات محددة وهي واجبة على كل شخص. أعمل الآن كجراح وإذا كان شخص يعمل جراحاً يجب أن يركز في عمله لأن حياة الآخرين بين يديه، وربما يكون وقت الجراحة يستغرق أكثر من الوقت بين الصلاتين فماذا يفعل الشخص في تلك الحالة؟
الذي يبدو لي أن متطلبات الإسلام ومتطلبات العمل والمهنة لا تتفقان وتتعارضان.
لا أدري ماذا يقول المخلصون من المسلمين وأصحاب العلم عن هذا التفكير وكيف يمكن التوفيق بين حياة إسلامية وحياة عملية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قبل الإجابة لا بدّ أن نقدّر لك أيها السائل اهتمامك بدين الإسلام وسعيك لمعرفة الحقّ وأنّك تركت دينا باطلا وهو النّصرانية لتبحث عن الدّين الصحيح وهذا موقف نبيل يدلّ على تجرّدك من التقليد الأعمى والانعتاق من أسْر العادات وما نشأت عليه وقد قال ربنا تبارك وتعالى ينعى على من يقلّد بالباطل: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ ءابَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ ءابَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ (170) سورة البقرة، ووصف الله قوما من النصارى لما عرفوا بدين الإسلام وسمعوا الوحي الذي أنزله الله على نبيه صلى الله عليه فاتّبعوا الحقّ وانقادوا له فقال الله عنهم: (وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا ءامَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (84) سورة المائدة، ويجب أن نشكر لك أيضا فهمك لأهمية الصلوات الخمس ووجوبها في أوقاتها، ونحن نحبّ أن نؤكّد على حقيقة مهمة في دين الإسلام وهي أنّ الذي أنزله وشرع أحكامه ورضيه لعباده هو الله عزّ وجلّ الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء وهو علام الغيوب يعلم ما كان ويكون وما سيكون ويعلم قبل أن يخلق السماوات والأرض أنّه سيكون هناك وقت يتطور فيه الطبّ عند البشر وأنّ أطباءهم سيجرون العمليات الجراحية الطويلة كعمليات القلب المفتوح وعمليات زراعة الأعضاء كالكبد وعمليات سرطان المريء وعمليات إصابات حوادث السيارات المعقّدة وغيرها، ولذلك فإن الشريعة التي أنزلها صالحة لكلّ زمان ومكان لا تتعارض مع تقدّم علميّ ولا واجب عمليّ، وقبل الشّروع في الإجابة المفّصلة عما أُشكل عليك نورد الملاحظات التالية:
- أن مثل هذه العمليات عادة ما يقوم بها فريق جراحي يتضمّن جراحين مساعدين مع الجراحين الأساسيين بحيث يُمكن التناوب عند الحاجة.
- أنّ بعض العمليات يقوم فيها الأطباء المشاركون بأدوار مختلفة وموزّعة بحسب تخصّصاتهم وليس يحصل دائما أن يستمر واحد في العملية الطويلة من أولها إلى آخرها فترى واحدا يشقّ والآخر طبيب قلب والثالث متخصص في جراحة الأوعية الدموية ثم يأتي الأول ليخيط الجرح في النهاية وفي بعض العمليات قد لا يتعدى دور الطبيب المتخصص نصف وقت العملية ككل.
- إنّ العمليات التي تستغرق ساعات طويلة جدا كعشر ساعات فما فوق هي عمليات نادرة أو قليلة العدد وليست كثيرة.
- وأما بالنسبة للإجابة المفصّلة عن كيفية أداء الطبيب الجراح للصلاة فهي كما يلي:
(1) الأصل أن تُصلى كل صلاة في وقتها، قال الله تعالى: (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) .
(2) إذا كانت العملية طويلة فيحاول الطبيب أن يبدأ العملية بعد الصلاة في أول وقت الصلاة الأولى إلى ما قبل نهاية وقت الصلاة التي بعدها، ليتمكّن من أداء كل صلاة في وقتها.
(3) ينبغي ما أمكن ترتيب جداول العمليات بحيث لا يأتي وقت صلاتين معا كأن تبدأ العملية الطويلة في الصّباح الباكر وتستمر إلى ما قبل صلاة العصر بحيث يصلي الظّهر في وقتها فيتوفّر لديه ساعات عدّة لعمل متواصل، فلو بدأ مثلا العملية في الساعة الثامنة صباحا وانتهى في الساعة الثانية بعد الظّهر فيكون لديه ستّ ساعات عمل متواصلة لو أراد.
(4) إذا كان يمكن أن يذهب للصلاة في وقتها أثناء العملية ويُكمل العمل غيره من أعضاء الفريق الجراحي ثم يتبادلون الأدوار فعلوا ذلك. ونحن نتساءل لو أنّ الطبيب حضره قضاء الحاجة أثناء العملية ماذا يفعل؟ إن ترتيبات العمليات الجراحية تُشير إلى إمكانية مراعاة هذا، بل قد علمنا أن بعض الجراحين يرتاح قليلا أو يأكل في وقت العملية الطويلة ويتابع غيره فمراعاة الصلاة من باب أولى.
(5) إذا لم يمكن ما تقدّم فلا حرج في الجمع بين الصلاتين للحاجة كالجمع بين صلاتي الظّهر والعصر فيصلّيهما جمع تأخير في وقت صلاة العصر.
(6) وفي الحالات النادرة جدا لو استمرت العملية وقتا طويلا جدا يتجاوز وقت الصلاتين المجموعتين كأن تبدأ قبل الظّهر وتنتهي بعد المغرب ولم يمكنه الخروج لأداء اللاة فإنّه يصلي على حسب حاله، نعم يصلي أثناء العملية فيكبّر تكبيرة الافتتاح ويقرأ القرآن ويومئ عند الركوع والسجود ما أمكنه جاعلا سجوده أخفض من ركوعه كحال المقاتل في جبهة القتال عند الالتحام بالأعداء في المعارك الطويلة أو في حالات المطاردة أو الفرار من العدو يصلي على حسب حاله ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها والحمد لله الذي لم يجعل علينا في الدين من حرج.
وهذه الأحكام أدلتها ثابتة وأقوال العلماء فيها وفي حالاتها معروفة ومبثوثة في كتب الفقه الإسلامي مما يدلّ بجلاء على مرونة هذه الشريعة الإسلامية المباركة واستيعابها لكافّة المستجدّات والتطورّات في عالم البشر في القديم والحديث وليس ذلك بغريب، أليست تنزيلا من حكيم حميد وعليم خبير.
وختاما ندعوك أيها السائل اللبيب إلى المسارعة بالدخول في دين الإسلام الذي يكفل السعادة لمن اتّبعه في الدنيا والآخرة ويقدّم الحلول لسائر المشكلات ونحن على استعداد لتقديم ما يلزم من الإيضاحات، والله الموفّق والهادي إلى سواء السبيل.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1512)
هل يجوز جمع التقديم في البلاد التي يتأخر فيها وقت العشاء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لي ابن عمره 12سنة ونصف سؤالي هو: هل يجوز له أن يقدم صلاة العشاء بحيث يصليها بعد صلاة المغرب مباشرة وذلك لأنه يستيقظ في الصباح مبكرا ليدرك صلاة الفجر قبل الشروق ثم يذهب إلى المدرسة وبعد بضعة أشهر من الآن سيكون وقت صلاة الفجر مبكرا جدا في حين تكون صلاة العشاء متأخرة بالنسبة له لأنه يدرس حيث تصل إلى الساعة 11:45.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل أن تصلى كل صلاة في وقتها المحدد لها شرعاً، لقول الله تعالى: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) النساء/103. أي: لها وقت محدد، والجمع بين الصلاتين لا يجوز إلا إذا كان هناك عذرا كالسفر والمطر والمشقة، فإذا كان وقت صلاة العشاء متأخراً ووقت الفجر مبكراً بحيث تحصل المشقة من فعل صلاة العشاء في وقتها فلا حرج حينئذ من جمعها مع صلاة المغرب جمع تقديم.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عن بلاد يتأخر فيها مغيب الشفق الأحمر الذي به يدخل وقت العشاء ويشق عليهم انتظاره؟
فأجاب بقوله: " إن كان الشفق لا يغيب حتى يطلع الفجر، أو يغيب في زمن لا يتسع لصلاة العشاء قبل طلوع الفجر فهؤلاء في حكم من لا وقت للعشاء عندهم فيقدرون وقته بأقرب البلاد إليهم ممن لهم وقت عشاء معتبر، وقيل: يعتبر بوقته في مكة، لأنها أم القرى.
وإن كان الشفق يغيب قبل الفجر بوقت طويل يتسع لصلاة العشاء فإنه يلزمهم الانتظار حتى يغيب إلا أن يشق عليهم الانتظار، فحينئذ يجوز لهم جمع العشاء إلى المغرب جمع تقديم دفعا للحرج والمشقة لقوله تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) ، ولقوله: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) . وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء في المدينة من غير خوف ولا مطر) قالوا: ما أراد إلى ذلك؟ قال: (أراد أن لا يحرج أمته) ، أي: لا يلحقها الحرج بترك الجمع. وفق الله الجميع لما فيه الخير والصلاح " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (12/206) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1513)
يترك صلاة الجماعة خشية تأخر شفاء قدمه
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب والحمد لله أحافظ على صلاة الجماعة، لكن أحيانا عندما أصاب في قدمي وأضع على قدمي ضمادا، لا أذهب إلى الصلاة؛ خوفا من تفاقم الإصابة من خلال السير على الأقدام ذهابا ًوعودة، فأصلي في المنزل؛ لأنه إذا تفاقمت ستزيد فترة الراحة وعدم الذهاب للمسجد.. فما حكم ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نبارك لك حرصك على صلاة الجماعة، ونسأل الله تعالى أن يثبتنا وإياك على طاعته، وأن يتقبل منا ومنك.
نعم، المرض من أعذار التخلف عن صلاة الجماعة.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (27/187) :
" وهو المرض الذي يشق معه الإتيان إلى المسجد لصلاة الجماعة.
قال ابن المنذر: لا أعلم خلافا بين أهل العلم أن للمريض أن يتخلف عن الجماعات من أجل المرض، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لمّا مرض تخلف عن المسجد، وقال: مُرُوا أبا بكر فليصل بالناس " انتهى.
وقد نص الفقهاء رحمهم الله على أن المريض إذا خشي أن يتأخر شفاؤه فإنه يُعذر ويُخَفَّفُ عليه في العبادة، سواء كانت صلاة أو صياما أو طهارة ونحو ذلك.
انظر: "الإنصاف" (2/305) و "الموسوعة الفقهية" (14/258) .
والمعتبر في ذلك كلام الطبيب الثقة، أو معرفة ذلك بالتجربة والخبرة.
فإذا كان كثرة المشي يؤخر الشفاء فلا حرج عليك في ترك صلاة الجماعة في المسجد، وبما أنك محافظ عليها فسيكون لك ثواب الجماعة إن شاء الله تعالى، لحديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل صحيحاً مقيماً) رواه البخاري (2834) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1514)
مصابة بمرض نفسي، فكيف تصوم وتصلي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ابنتي مصابه بمرض نفسي مزمن (وهو الاضطراب الوجداني) وفى رمضان الماضي لم تصم رمضان لأنها قد انتكست وصار وعيها ليس معها صرت أعانى منها أشهرا طويلة فماذا أفعل؟
السؤال الثاني: البنت إذا نامت لا أستطيع إيقاظها لأي صلاة حتى تصحو هي للمشقة التي أعانى منها هل على الأم إثم؟
والبنت عمرها 23 سنة ولها في المرض 4 سنوات تعاني وهي تصيبها انتكاسة مرتين في السنة، دعواتكم لها بالشفاء.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نسأل الله تعالى أن يشفي ابنتك ويعافيها ويصلح حالها.
ثانيا:
إذا كان هذا المرض شديدا بحيث أفقدها وعيها خلال شهر رمضان، فإنه لا يلزمها قضاء ولا كفارة؛ لأنها لم تكن مكلفة بالصوم حينئذ.
وأما إذا كان المرض مجرد اكتئاب فقط، ووعيها معها، فلها حالتان:
الأولى: أن يكون مرضها يرجى شفاؤه حسب تقرير الأطباء، فالواجب عليها قضاء ما فاتها، حين يزول عنها المرض.
والثانية: أن يكون مرضها لا يرجى شفاؤه، فلا يجب عليها الصيام، وإنما تطعم عن كل يوم مسكينا.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله ما نصه: مريض أدرك بعض شهر رمضان ثم أصابه فقدان للوعي ولا يزال هل يقضي عنه أبناؤه؟
فأجاب:
"ليس عليه القضاء إذا أصابه ما يذهب عقله أو ما يسمى بالإغماء، فإنه إذا استرد وعيه لا قضاء عليه، فمثله مثل المجنون والمعتوه لا قضاء عليه، إلا إذا كانت الإغماءة مدة يسيرة كاليوم أو اليومين أو الثلاثة على الأكثر، فلا بأس بالقضاء احتياطا، وأما إذا طالت المدة فهو كالمعتوه لا قضاء عليه، وإذا رد الله عقله يبتدئ العمل " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (15/209) .
ثالثا:
إذا كانت ابنتك لا تستيقظ لأداء الصلاة في وقتها، ولا تستطيعين إيقاظها، فلا حرج عليك إن شاء الله تعالى، ويجب عليها إذا استيقظت أن تقضي ما فاتها من الصلوات، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَسِيَ صَلاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إِذَا ذَكَرَهَا) رواه مسلم (684) .
وإن كان أداؤها لكل صلاة في وقتها يشق عليها، فإن لها أن تجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، تقديما أو تأخيرا حسب الأيسر لها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" والقصر سببه السفر خاصة، لا يجوز في غير السفر. وأما الجمع فسببه الحاجة والعذر، فإذا احتاج إليه جمع في السفر القصير والطويل، وكذلك الجمع للمطر ونحوه، وللمرض ونحوه، ولغير ذلك من الأسباب؛ فإن المقصود به رفع الحرج عن الأمة " انتهى من " مجموع الفتاوى " (22 / 293) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1515)
كيفَ يتوضّأُ ويصلِّي من بِهِ شَلَلٌ نِصْفِيٌّ؟
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأةٌ مصابةٌ بشللٍ نصفي، يصعبُ عليها الوضوء.
والسؤال: كيفَ تتوضأُ أو تتيمم؟
هل يُجلَبُ لها ترابٌ، أم ماذا؟
هل تتيممُ بالجدار (وليس عليه غبارٌ) ، أم ماذا تفعل؟
وكيف تكونُ صفةُ تيمُّمِها؟
وما صفةُ صلاتِها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
المريضُ الذي لا يستطيع جلب الماءِ والوضوءَ به، أو يعجزُ عن الحركةِ يُنظَرُ في حالِه:
فإن كان يجدُ مَن يُحضِرُ له الماء في وقتِ الصلاة، ويساعدُه على وضوئِه، فالوضوءُ واجبٌ في حقه.
وإن كان لا يجدُ من يعينُه على وضوئه، فيُشرَع له التيممُ حينئذٍٍ , ويأخذُ حكم من عدمَ الماءَ ولم يجدْه.
وذلك لأنَّ اللهَ سبحانه وتعالى يقولُ: (فاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/16 , وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ) رواه البخاري (7288) ومسلم (1337) .
وقال ابنُ قدامةَ رحمه الله في "المغني" (1/151) :
" ومَن كان مريضًا لا يقدرُ على الحركةِ، ولا يجدُ من يناوله الماءَ، فهو كالعادم، لأنّه لا سبيلَ له إلى الماء، فأشبَهَ مَن وجدَ بئرًا ليس له ما يُستقَي به منها.
وإن كانَ له من يناولُه الماءَ قبل خروجِ الوقتِ فهو كالواجد؛ لأنّه بمنزلةِ من يجدُ ما يستقي به في الوقت.
وإن خافَ خروجَ الوقتِ قبلَ مجيئِه، فقالَ ابنُ أبي موسى: له التيمم، ولا إعادةَ عليه.
وهو قولُ الحسن؛ لأنّه عادمٌ في الوقت، فأشبَه العادمَ مطلقًا " انتهى.
وقالَ المَرداوِيُّ في "الإنصاف" (1/265) :
" لو عجَزَ المريضُ عن الحركةِ وعمَّن يُوَضِّيه، فحُكمُه حكمُ العادم.
وإن خاف فوتَ الوقتِ إن انتظرَ من يُوَضّيه، تيمَّمَ وصلّى، ولا يعيدُ على الصحيحِ من المذهبِ " انتهى.
وقال شيخُ الإسلامِ في "شرح العمدة" (1/433-434) :
" فإن لم يمكِنْه (استعمالُ الماء) بأن يكونَ عاجزًا عن الحركةِ إلى الماء، وليس له من يناولُه، فهو كالعادم. وإن كان له من يناولُه في الوقتِ فهو واجدُه " انتهى.
وجاءَ في "الموسوعةِ الفقهية" (14/260) :
" يتيمّمُ العاجزُ الّذي لا قدرةَ له على استعمالِ الماءِ ولا يعيدُ كالمكره، والمحبوسِ، والمربوط بقربِ الماء، والخائفِ من حيوانٍ، أو إنسانٍ في السّفرِ والحضرِ، لأنّه عادمٌ للماءِ حكمًا، وقد قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (إنّ الصّعيد الطّيّب طهور المسلم وإن لم يجد الماءَ عشرَ سنينَ، فإذا وجدَ الماءَ فليمسّه بشرتَه، فإنّ ذلك خير) " انتهى.
وانظر سؤال رقم (20935) .
ثانيًا:
إذا كانَ يستطيعُ غسلَ بعضِ أعضاءِ الوضوء، ويمنعُه مرضُه من غسلِ بقيتها، فالواجبُ عليه أن يغسلَ ما استطاعَ من أعضاءِ الوضوء، ويتيمَّمَ بدلًا عمَّا تركَه من غيرِ غسل.
وقد سبق بيان ذلك في سؤال رقم (67614) .
ثالثًا:
أما عن صفةِ التيمم:
فيقولُ الشيخُ ابنُ عثيمين في "الشرح الممتع" (1/488) :
" والكيفيّةُ عندي التي توافقُ ظاهرَ السنة: أن تضربَ الأرضَ بيديك ضربةً واحدةً بلا تفريجٍ للأصابع، وتمسحَ وجهَك بكفَّيْك، ثم تمسحَ الكفينِ بعضَهما ببعض، وبذلك يَتِمُّ التيممُ " انتهى.
وقد سبق بيانها بالتفصيل في سؤال رقم (21074) .
رابعًا:
إذا صلَّى المريضُ العاجزُ عن استعمالِ الماءِ بالتيممِ، ثم تيسَّرَ له استعمال الماء بعدَ أن فرغَ من صلاتِه، فلا تلزمُه الإعادة، وذلك لأنَّه أدّى ما وجبَ عليه، وفعل ما أُمِرَ به.
قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيمية في "شرح العمدة" (1/425) :
" لأنّ اللهَ إنما خاطبَ بصلاةٍ واحدةٍ، يفعلُها بحسبِ الإمكان، والشرطُ المعجوزُ عنه ساقطٌ بالعجز، وفي قولِه صلى الله عليه وسلم: (الصعيدُ الطيبُ طهورُ المسلم) وقولِه: (الترابُ كافيك) دليلٌ على أنّه يقومُ مقامَ الماءِ مطلقًا " انتهى.
خامسًا:
التيمُّمُ بالضربِ على جدارِ المنزلِ، اختلفَ فيه أهلُ العلم، تبعًا لاختلافِهم في المرادِ من قولِ اللهِ تعالى: (فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً) النساء/43، والصحيح في معنى الآية: أن المراد بالصعيد هو وجه الأرض , سواء كان تراباً أم رملاً أم حجارة. . أم غير ذلك.
وعلى هذا: إذا كان الجدار غير مطليٍّ بشيء جاز التيمم منه سواء كان عليه غبار أو لا , لأنه من الصعيد , وإن كان مطلياً (بخشب أو دهان) فهذا الخشب أو الدهان ليس من الصعيد فلا يصح التيمم منه إلا إذا كان عليه غبار , لأن الغبار من الصعيد.
وانظر سؤال رقم (36774) .
سادسًا:
أما عن صفةِ صلاةِ المريضِ العاجزِ عن الحركة:
فقد جاء في "الموسوعة الفقهية" (26/208) :
" يأتي المريضُ أو المصابُ بالشّللِ بأركانِ الصّلاةِ الّتي يستطيعها عند جمهور الفقهاء؛ لأنّ العاجزَ عن الفعلِ لا يكلّفُ به، فإذا عجزَ عن القيامِ يصلي قاعدًا بركوعٍ وسجود، فإن عجزَ عن ذلك صلَّى قاعدًا بالإيماء، ويجعلُ السجودَ أخفضَ من الركوع، فإن عجَزَ عن القعودِ يستلقي ويومئُ إيماءً؛ لأن سقوطَ الركنِ لمكانِ العذرِ، فيتقدرُ بقدرِ العُذر.
وروى عمرانُ بنُ حصين رضي الله عنه أنه قال: مرضتُ فعادَني رسولُ الله فقال: صلِّ قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب، تومئُ إيماءً " انتهى.
وسئلَ الشيخُ صالحُ الفوزان: لي والدٌ مريضٌ مصابٌ بشللٍ في الجهةِ اليسرى من جسمِه، حيثُ أصبحت عاطلةً تمامًا عن الحركة، فلذلك لا يستطيعُ المشيَ ولا الحركةَ ولا قضاءَ الحاجةِ في الأماكنِ المخصصةِ لذلك بنفسه، وهذا منذُ عشرِ سنوات، ولكنَّه قبلَ ثلاثةِ أو أربعةِ أشهرٍ اشتدَّ عليه هذا المرضُ أكثر، فهل يجوز له تركُ الصلاة لهذا السبب، الذي به لا يستطيعُ التطهر للصلاةِ. أم لا؟
فإن كان لا يجوزُ له ذلك فكيف العملُ في طهارتِه وفي صلاتِه؟
وماذا يعملُ بما تركه من صلواتٍ فيما مضى في فترةِ مرضه، لاعتقادِه أنه مادامَ كذلك فهو مُعفىً من الصلاة؟
فأجابَ:
" المسلمُ لا تسقطُ عنه الصلاةُ مادام عقلُه ثابتًا، ولكنَّه يصلِّي على حسبِ حالِه لقولِه تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ولقولِ النبي صلى الله عليه وسلم للمريض: (صلِّ قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب) .
فيجبُ على والدِك الذي أصيبَ بهذا الشللِ إذا كان يستطيعُ الوضوءَ بأن يوضّئَ نفسَه بيدِه الصحيحة، أو يوضئُه غيرُه ممَّن يعينُه على الوضوء، فإنه يجبُ عليه ذلك.
وإذا كانَ لا يستطيعُ الوضوءَ بالماء فإنه يتيمَّم بالتراب.
وإذا كانَ لا يستطيعُ أن يتيممَ بنفسِه فيُيمّمُه غيرُه، بأن يضربَ أحدَ أوليائِه أو الحاضرينَ عنده بيدَيه على التراب، ويمسحَ بهما وجهَه ويديه وينويَ هو الطهارةَ بذلك، ويصلي على حسبِ حالِه جالسًا أو على جنبِه، ويومئُ برأسِه للركوعِ والسجودِ حسبَ الاستطاعة.
فإذا كان لا يستطيعُ الإيماءَ برأسِه لأجلِ الشللِ الذي فيه، فإنه يومئُ بطرفه بالركوعِ والسجود.
وهكذا، فالدينُ يسرٌ وللهِ الحمدُ، لكن ليس معنى هذا أن يتركَ الصلاةَ نهائيًّا، وإنما يصليها على حسبِ حاله كما ذكرنا، ويجب عليه أن يقضيَ الصلواتِ التي تركها بحسب استطاعته " انتهى.
"المنتقى من فتاوى الفوزان" (4/رقم 27)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1516)
ما حكم الأذانين والإقامتين عند الجمع بين الصلاتين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الأذانين والإقامتين عند الجمع بين الصلاتين؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اختلف العلماء في الأذان والإقامة للصلاتين المجموعتين، والصحيح من تلك الأقوال أنه يؤذَّن أذان واحد للصلاتين، ويقام إقامتان، لكل صلاة إقامة.
وهذا قول الحنفية والحنابلة , وهو المعتمد عند الشافعية , وهو قول بعض المالكية.
انظر: "الموسوعة الفقهية" (2/370) .
والدليل على ذلك: ما ثبت من فعل النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، حيث صلَّى الظهر والعصر في عرفة جمع تقديم بأذان واحد وإقامتين، وصلَّى المغرب والعشاء في مزدلفة جمع تأخير بأذان واحد وإقامتين – أيضاً -.
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه في وصف حجة الرسول صلى الله عليه وسلم قال:
(ثم أذَّن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئا ... حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين) رواه مسلم (1218) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة:
يقول بعض الفقهاء: تصلَّى صلاة المغرب والعشاء جمعاً في المطر بأذانين، فما حكم ذلك؟
فأجابوا:
" السنَّة أن الشخص يجمع بين المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، إذا وُجد مسوغُ ذلك؛ كالسفر والمرض والمطر في الحضر، هذا هو الذي تدل عليه السنة الصحيحة الصريحة، لفعل النبي صلى الله عليه وسلم " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (8/142) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
" فإذا جمع الإنسانُ أذَّن للأُولى، وأقام لكلِّ فريضة، هذا إن لم يكن في البلد، أما إذا كان في البلد: فإنَّ أذان البلد يكفي؛ وحينئذ يُقيم لكلِّ فريضة.
دليل ذلك: ما ثبت في " صحيح مسلم " من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أذَّن في عَرفة، ثم أقام فصَلَّى الظُّهر، ثم أقام فصلَّى العصر، وكذلك في مُزدَلِفَة حيث أذَّن وأقام فصَلَّى المغرب، ثم أقام فَصَلَّى العشاء " انتهى.
"الشرح الممتع" (2/78، 79) .
وأما حكم الأذان والإقامة فهما فرض كفاية، فيكفي عن الجماعة أن يؤذن ويقيم أحدهم، ولا يطلب ذلك من كل واحد من الجماعة، وقد سبق في كلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أنهم إذا كانوا في بلد قد أذن فيه المأذنون في المساجد كفاهم ذلك، وأقاموا لكل صلاة.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
" والدَّليل على فرضيتهما – أي: الأذان والإقامة -: أَمْرُ النبي صلى الله عليه وسلم بهما في عِدَّة أحاديث؛ وملازمته لهما في الحضر والسَّفر؛ ولأنه لا يتمُّ العلم بالوقت إلا بهما غالباً، ولتعيُّن المصلحة بهما؛ لأنَّهما من شعائر الإسلام الظَّاهرة ... .
وهما واجبان على المقيمين والمسافرين، ودليله: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال لمالك بن الحويرث وصحبِه: (إذا حضرت الصَّلاةُ فليؤذِّن لكم أحدُكُم) متفق عليه، وهم وافدون على الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام مسافرون إلى أهليهم، فقد أمر الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام أن يُؤذِّن لهم أحدُهم؛ ولأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يَدَعِ الأذان ولا الإقامة حَضَراً ولا سَفَراً، فكان يُؤذِّن في أسفاره ويأمر بلالاً أن يُؤذِّنَ.
فالصَّواب: وجوبُه على المقيمين والمسافرين ... فيؤذن لكل صلاة من الصلوات الخمس، ما لم تُجمع الصَّلاة؛ فإنه يكفي للصَّلاتين أذان واحد، ولكن لا بُدَّ من الإقامة لكلِّ واحدة منهما.
"الشرح الممتع" (2/42– 46) باختصار وتصرف يسير.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1517)
يشق عليه القيام للصلوات نظراً لظروف عمله وثقَل نومه
[السُّؤَالُ]
ـ[مواعيد عملي تحتم عليَّ أن أعمل طوال الليل وأن أنام بالنهار ويصعب عليَّ أن أقوم بالصلوات الأربعة الأخرى، نظراً للتعب في العمل فإني لا أستطيع القيام أثناء النوم والقيام بالصلاة ثم أنام مرة أخرى ولسبب آخر وهو أن " نومي ثقيل " وعندما أنام لا يستطيع أحد أن يوقظني من النوم، حتى لو أني نويت القيام للصلاة أثناء النوم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
كان بعض الصحابة رضي الله عنهم يعملون الأعمال الشاقة كالزراعة والرعي وجمع الحطب ونحو ذلك ولم يكونوا من المفرطين في صلاتهم، بل كانوا محافظين عليها ليس في وقتها وحسب بل وفي جماعة، وحافظوا على العبادة وطلب العلم، ولم تأت الرخصة لهم في ترك الصلاة من أجل العمل.
ولذلك فالواجب على أهل الأعمال وغيرهم أداء الصلوات في أوقاتها. وقد أثنى الله تعالى على المؤمنين بأنهم لا تشغلهم أعمالهم عن طاعة الله تعالى، فقال: (رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) النور/37-38.
ثانياً:
والنائم معذور وقت نومه، فإذا استيقظ وجب عليه أداء الصلاة بعد استيقاظه.
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: (مَن نسي صلاة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها) رواه البخاري (572) ومسلم (684) .
قال الشوكاني رحمه الله:
" الحديث يدل على أن النائم ليس بمكلف حال نومه وهو إجماع ...
وظاهر الحديث أنه لا تفريط في النوم سواء كان قبل دخول وقت الصلاة أو بعده قبل تضيقه وقيل: إنه إذا تعمد النوم قبل تضيق الوقت واتخذ ذلك ذريعة إلى ترك الصلاة لغلبة ظنه أنه لا يستيقظ إلا وقد خرج الوقت كان آثما , والظاهر أنه لا إثم عليه بالنظر إلى النوم ; لأنه فعله في وقت يباح فعله فيه فيشمله الحديث , وأما إذا نظر إلى التسبب به للترك فلا إشكال في العصيان بذلك " انتهى.
" نيل الأوطار " (2 / 33، 34) .
ثالثاً:
والواجب على النائم قبل نومه أن يحرص على الاستيقاظ في وقت الصلاة، وأن يأخذ بالأسباب التي تعينه على أداء الصلاة في وقتها، فإن فعل ولم يستيقظ فهو معذور لأنه أدى الذي عليه و (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) ، وقد حصل هذا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره.
فعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: سرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فقال بعض القوم: لو عَرَّست بنا يا رسول الله (أي: نزلت بنا آخر الليل حتى نستريح) ، قال: أخاف أن تناموا عن الصلاة، قال بلال: أنا أوقظكم، فاضطجعوا وأسند بلال ظهره إلى راحلته فغلبته عيناه فنام، فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم وقد طلع حاجب الشمس، فقال: يا بلال أين ما قلت؟ قال: ما ألقيت علي نومة مثلها قط، قال: إن الله قبض أرواحكم حين شاء وردها عليكم حين شاء، يا بلال قم فأذن بالناس بالصلاة، فتوضأ فلما ارتفعت الشمس وابياضت قام فصلى. رواه البخاري (570) ومسلم (681) وعنده: (احفظوا علينا صلاتنا) .
فالنبي صلى الله عليه وسلم قد أخذ بأسباب الاستيقاظ بجعله بلالاً لينبههم لصلاتهم، إلا أنه غلبته عيناه، فنام ونام القوم معه حتى طلعت الشمس ولم يكونوا مفرطين، ولذلك قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه ليس في القوم تفريط) .
وأما من سهر في عمل أو غيره ولم يأخذ بأسباب الاستيقاظ فصلَّى بعد الوقت: فيعتبر تاركاً للصلاة متعمداً، وهو غير معذور بنومه.
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
عمن يسهر ولا يستطيع أن يصلي الفجر إلا بعد خروج الوقت فهل تقبل منه؟ وحكم بقية الصلوات التي يصليها في الوقت؟
فأجاب:
" أما صلاة الفجر التي يؤخرها عن وقتها وهو قادر على أن يصليها في الوقت لأن بإمكانه أن ينام مبكراً فإن صلاته هذه لا تقبل منه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) رواه مسلم، والذي يؤخر الصلاة عن وقتها عمداً بلا عذر: قد عمل عملاً ليس عليه أمر الله ورسوله فيكون مردوداً عليه.
لكن قد يقول: إنني أنام، وقد قال النبي صلي الله عليه وسلم: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك) .
فنقول: إذا كان بإمكانه أن ينام مبكراً ليستيقظ مبكراً، أو يجعل عنده ساعة تنبهه، أو يوصي من ينبهه: فإن تأخيره الصلاة، وعدم قيامه يعتبر تعمداً لتأخير الصلاة عن وقتها، فلا تقبل منه " انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (12 / السؤال رقم 14) .
رابعاً:
وقد يكون الرجل ثقيل النوم، فهذا على حالين:
الحال الأولى: أن يكون ثقل نومه بسبب سهره في العمل أو في طلب العلم أو قيام الليل: فمثل هذا لا يجوز له أن يتسبب في تضييع الصلاة عن وقتها من أجل ما سبق، ويجب عليه أن يبحث عن عمل آخر لا يسبب له تضييع الصلوات، ما لا يجوز له الاشتغال بالنوافل أو حتى طلب العلم – وهو واجب في أصله – على حساب تضييع الصلوات، وترك الصلاة هنا يعتبر تعمداً؛ لأنه يستطيع تغيير العمل، ويستطيع ترك السهر.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
" الواجب على الإخوة الذين يخرجون إلى الرحلات أن يشكروا الله تعالى على هذه النعمة حيث جعلهم في رخاء ويسر من العيش، وفي أمن وأمان من الخوف، ويقوموا بما أوجب الله عليهم من الصلاة في أوقاتها، سواء صلاة الفجر أم غيرها، ولا يحل لهم أن يؤخروا صلاة الفجر عن وقتها بحجة أنهم نائمون، لأن هذا النوم لا يعذرون فيه غالباً لكونهم يستطيعون أن يكون لهم منبهات تنبههم للصلاة في وقتها، ويستطيعون أن يناموا مبكرين حتى يقوموا نشيطين " انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (12 / السؤال رقم 14) .
وأما الحال الثانية: أن يكون ثقل النوم طبعاً في الرجل، وليس له تعلق بسهر أو عمل، وقد عرف هذا عن بعض الأقوام والأشخاص، فإن كان كذلك: فهو معذور إن كان قد أخذ بالأسباب ولم يستيقظ.
فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ونحن عنده فقالت: يا رسول الله إن زوجي صفوان بن المعطل لا يصلي صلاة الفجر حتى تطلع الشمس، قال: وصفوان عنده، قال: فسأله عما قالت، فقال: يا رسول الله إنا أهل بيت قد عرف لنا ذاك لا نكاد نستيقظ حتى تطلع الشمس قال: (فإذا استيقظت فصلِّ) .
رواه أبو داود (2459) وصححه الشيخ الألباني في " إرواء الغليل " (7 / 65) .
والخلاصة:
أن الذي يظهر من حالك أن ثقل نومك له تعلق بالسهر، والسهر كان بسبب العمل وعليه: فلا يجوز لك البقاء في عملك هذا؛ لأنه يؤدي بك إلى ترك أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، فابحث عن عمل غيره يعوضك الله خيراً منه. وسترى التغير الطيب في دينك وجسمك ونفسيتك، أما الدين: فإن أداء الصلوات في أوقاتها من أعظم الواجبات، وتركه من أعظم المحرمات، وأما جسمك: فإن علماء الطب قد ذكروا مضار كثيرة لمن يعمل بالليل، وأن نوم النهار لا يعطي الجسم الراحة التي تحصل له من نوم الليل، وكل ما سبق يؤثر على نفسيتك تأثيراً سلبيّاً.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1518)
حكم صلاة الجماعة للمريض ولمن لا يتحكم بالنجاسة
[السُّؤَالُ]
ـ[لي زميل عمل عملية استئصال فتحة الشرج - تغيير مجرى فتحة الشرج وفتح فتحة من الجنب - لوجود ورم، سؤالي هو: الفتحة الجديدة لا يتحكم في الإخراج أو الريح هل يجوز له الصلاة في المسجد أو في البيت؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يعافيه وأن يشفيه، كما نسأله تعالى أن يلهمه الصبر ويؤجره على ما ابتلاه به.
وهذه الحالة المرضية لا يستطيع المريض فيها أن يتحكم بإخراج الغائط، بل يخرج الغائط عبر فتحة الشرج المصطنعة على هيئة سلس مستمر، وحكمه حكم من به سلس دائم.
وعليه: فيجوز لمن ابتلي بهذا أن يجمع بين الصلاتين إن شقَّ عليه أداء كل صلاة في وقتها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
والصواب أن الجمع لا يختص بالسفر الطويل بل يجمع للمطر ويجمع للمرض كما جاءت بذلك السنة في جمع المستحاضة فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بالجمع في حديثين. " الفتاوى الكبرى " (1 / 49) .
وقال علماء اللجنة الدائمة في حكم امرأة لا تتحكم بالبول من مرض أصابها:
إذا كان الأمر كما ذكر: فإنها تصلِّي على حسب حالها، ولا مانع من جمعها الظهر والعصر في وقت أحدهما، وهكذا المغرب والعشاء؛ لعموم أدلة يسر الشريعة على أن يكون وضوؤها للظهر والعصر بعد دخول الوقت، وهكذا المغرب والعشاء يكون وضوؤها لهما بعد دخول الوقت.
" فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " (8 / 85) .
ثانياً:
ولا تسقط الجماعة في المسجد عن مثل هذا المريض إلا أن يكون في ذهابه تلويث للمسجد أو ظهور ريح كريهة من الفتحة الجديدة؛ لما في ذلك من أذية المصلين.
- أما الرائحة الكريهة: فخروجها من الإنسان عذر له في سقوط وجوب صلاة الجماعة، بل لا يحل له المجيء إلى المسجد وإيذاء الملائكة والمصلين بهذه الرائحة.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين:
إذا كان فيه بَخَرٌ: أي: رائحةٌ منتنةٌ في الفَمِ، أو في الأنفِ أو غيرهما تؤذي المصلِّين، فإنَّه لا يحضرُ دفعاً لأذيَّتِه. " الشرح الممتع " (4 / 323) .
وقد نُهي آكل البصل والثوم عن حضور جماعة المسجد لما لهما من رائحة كريهة، ويلحق بذلك أيضاً: رائحة الدخان والسجائر الخبيثة المحرمة
روى مسلم (564) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا فَإِنَّ الْمَلائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ) .
وإذا كان من عادة هذا المريض أن يصلي في المسجد جماعة: فإنه يكتب له أجرها ولو صلى في بيته.
قال الشيخ ابن عثيمين:
المعذورَ يُكتبُ له أجرُ الجماعةِ كاملاً إذا كان مِن عادتِه أن يصلِّي مع الجماعةِ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا مَرِضَ العبدُ أو سافرَ كُتِبَ له مثلُ ما كان يعملُ صحيحاً مقيماً ". " الشرح الممتع " (4 / 323) .
وأما تلويث المسجد بالنجاسات فهو محرَّم، وقد أمرنا بتنظيف المساجد وتطييبها.
روى البخاري (221) ومسلم (284) عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي طَائِفَةِ الْمَسْجِدِ فَزَجَرَهُ النَّاسُ فَنَهَاهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا قَضَى بَوْلَهُ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ فَأُهْرِيقَ عَلَيْهِ) وفي رواية لمسلم (285) : (ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَلا الْقَذَرِ، إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالصَّلاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ) .
قال النووي في شرح صحيح مسلم:
"يَحْرُم إِدْخَال النَّجَاسَة إِلَى الْمَسْجِد , وَأَمَّا مَنْ عَلَى بَدَنه نَجَاسَة فَإِنْ خَافَ تَنْجِيس الْمَسْجِد لَمْ يَجُزْ لَهُ الدُّخُول , فَإِنْ أَمِنَ ذَلِكَ جَازَ" اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1519)