بدأت الطفلة بالاختناق والأم تصلي
[السُّؤَالُ]
ـ[حدث أن كنت أصلي وبدأت طفلتي _ ذات الثلاث شهور ـ في الاختناق ولم يكن هناك أحد في المنزل فقطعت صلاتي لمساعدتها فهل فعلي هذا لهذه الطوارئ حرام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فعلك هذا لا حرام فيه ولا إثم عليك فيه، بل هو واجب عليك لأنه من حفظ النفس وإحيائها الذي حث عليه الشرع، قال تعالى: (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً) ، وقد روي عن عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن عبد الله وعن ناس من أصحاب رسول الله في تفسير هذه الآية: " ومن أحياها: فاستنقذها من هلكة، فكأنما أحيا الناس جميعا عند المستنقذ " تفسير الطبري 6 / 199.
وإنقاذ النّفس المعصومة واجب على من قدِر عليه، وحفظ النّفس من الضرورات الخمس التي جاءت بها الشّريعة (وهي النفس والعقل والمال والدين والنسل) ، وبالنسبة للصلاة فعليك إعادتها بعد مساعدة الطفلة، والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/736)
هل الصلوات الخمس مذكورة في القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[قال تعالى: (فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون، وله الحمد في السموات والأرض وعشياً وحين تظهرون) الروم.
الآيات هنا ذكرت أربع صلوات فقط، مع أن المسلمين يؤدون خمس صلوات " زائداً السنة " فلماذا لم تذكر الصلاة الخامسة؟ أنا مسلم جاد في السؤال ولا أحاول إطلاقا تخطئة القرآن.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جاء في تفسير هذه الآية، عن ابن عباس رضي الله عنه قال: الصلوات الخمس في القرآن، فقيل له: أين؟ فقال: قال الله تعالى: (فسبحان الله حين تمسون) صلاة المغرب والعشاء، (وحين تصبحون) صلاة الفجر، (وعشياً) العصر، (وحين تُظهرون) الظهر. وقاله من المفسرين أيضاً الضحاك وسعيد بن جبير.
وقال بعضهم بل الآية فيها ذكر أربع صلوات، أما العشاء فلم تذكر في الآية، وإنما ذكرت في سورة هود آية 114 وهي قوله تعالى: (وزُلفاً من الليل) .
وأكثر المفسرين على القول الأول، قال النحاس رحمه الله: " أهل التفسير على أن هذه الآية: (فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون …) في الصلوات.
وقال الإمام الجصاص رحمه الله تعالى: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} . رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: " إنَّ لِلصَّلاةِ وَقْتًا كَوَقْتِ الْحَجِّ ". وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَعَطِيَّةَ: " مَفْرُوضًا ". .. وَقَوْلُهُ: {مَوْقُوتًا} مَعْنَاهُ أَنَّهُ مَفْرُوضٌ فِي أَوْقَاتٍ مَعْلُومَةٍ مُعَيَّنَةٍ , فَأَجْمَلَ ذِكْرَ الأَوْقَاتِ فِي هَذِهِ الآيَةِ وَبَيَّنَهَا فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ مِنْ الْكِتَابِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ تَحْدِيدِ أَوَائِلِهَا وَأَوَاخِرِهَا , وَبَيَّنَ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَحْدِيدَهَا وَمَقَادِيرَهَا. فَمِمَّا ذَكَرَ اللَّهُ فِي الْكِتَابِ مِنْ أَوْقَاتِ الصَّلاةِ قَوْلَهُ: {أَقِمْ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} ذَكَرَ مُجَاهِدٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: {لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} قَالَ: " إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ عَنْ بَطْنِ السَّمَاءِ لِصَلاةِ الظُّهْرِ " {إلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} قَالَ: " بُدُوُّ اللَّيْلِ لِصَلاةِ الْمَغْرِبِ ". وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي دُلُوكِهَا أَنَّهُ زَوَالُهَا. .. وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَقِمْ الصَّلاةَ طَرَفَيْ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ} , رَوَى عَمْرٌو عَنْ الْحَسَنِ فِي قوله تعالى: {طَرَفَيْ النَّهَارِ} قَالَ: " صَلاةُ الْفَجْرِ , وَالأُخْرَى (أي الطرف الآخر) الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ " {وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ} قَالَ: " الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ ". فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ قَدْ انْتَظَمَتْ الآيَةُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ. .. وَرَوَى لَيْثٌ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ أَبِي عِيَاضٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " جَمَعَتْ هَذِهِ الآيَةُ مَوَاقِيتَ الصَّلاةِ: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ} الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ {وَحِينَ تُصْبِحُونَ} الْفَجْرَ {وَعَشِيًّا} الْعَصْرَ {وَحِينَ تُظْهِرُونَ} الظُّهْرَ ". وَعَنْ الْحَسَنِ مِثْلُهُ. وَرَوَى أَبُو رَزِينٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} قَالَ: " الصَّلاةُ الْمَكْتُوبَةُ " وَقَالَ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى} . وَهَذِهِ الآيَةُ مُنْتَظِمَةٌ لأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ أَيْضًا. فَهَذِهِ الآيَاتُ كُلُّهَا فِيهَا ذِكْرُ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ.. انتهى: أحكام القرآن للجصاص باب مواقيت الصلاة
ومما ينبغي أن تعلمه أيها الأخ المسلم أنّ القرآن لم يشتمل على تفصيل جميع الأحكام وإنما ذُكرت فيه أحكام كثيرة بالإضافة إلى ذكر حجيّة السنّة التي وردت فيها أحكام تفصيلية كثيرة لم تُذكر في القرآن، قال الله تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44) سورة النحل، وقال تعالى: (وَمَاءاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ) سورة الحشر 7 وقال النبي صلى الله عليه وسلم ".. أَلا إِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ.. " رواه الإمام أحمد 16546 وهو حديث صحيح، فسواء وردت الأحكام في القرآن أو في السنّة فالكلّ حقّ والكلّ صحيح والمصدر واحد وهو الوحي من رب العالمين.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/737)
حكم قطع الصلاة عند حدوث أمر مهم
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كنت أصلي وجرس الباب يدق ولم يوجد في البيت غيري فماذا أفعل وإذا خرجت من الصلاة فهل علي إثم؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الصلاة إن كانت نافلة فالأمر أوسع. لا مانع من قطعها لمعرفة من يدق الباب، أما الفريضة فلا يجوز قطعها إلا إذا كان هناك شيء مهم يخشى فواته وإذا أمكن التنبيه بالتسبيح في حق الرجل والتصفيق في حق المرأة حتى يعلم الذي عند الباب أنَّ صاحب البيت مشغول بالصلاة كفى ذلك عن قطع الصلاة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من نابه شيء في صلاته فليسبح الرجال ولتصفق النساء " متفق عليه (خ/ 1234، م / 421) .
فإذا أمكن إشعار من يدق الباب أن صاحب البيت مشغول بالصلاة بالتصفيق في حق المرأة، والتسبيح في حق الرجل في الصلاة؛ فعل ذلك واستغنى به عن القطع، وإن كان هذا لا ينفع لبعد أو عدم سماعه لذلك فلا بأس أن يقطعها للحاجة في النافلة خصوصاً، أما الفرض فإن كان الشيء مهما أو ضروريا يخشى فواته فلا بأس أيضا بالقطع ثم يعيدها من أولها والحمد لله.ا. هـ
[الْمَصْدَرُ]
من مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ ابن باز رحمه الله (11 / 108) .(5/738)
الصلاة في الظلام
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الصلاة في الظلام حتى إنك لا تكاد ترى يديك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الصلاة إذا تمت بشروطها وأركانها وواجباتها صحيحة، والنور ليس بشرط ولا ركن ولا واجب، اللهم إلا إن كان الظلام مصدر خوفٍ يشوش على المصلي ويُذهب خشوعه فإنه تكره الصلاة فيه حينئذٍ.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الكريم الخضير.(5/739)
صلى وتذكر أنه أحدث بعد الوضوء
[السُّؤَالُ]
ـ[توضأ رجل قبل الأذان بعشر دقائق ثم ذهب إلى الصلاة في حينها. وفي اليوم التالي تذكر أنه كان قد أحدث بعد ذلك الوضوء فماذا يفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يعيد الصلاة متى ذكرها بعد أن يتوضأ، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة بغير طهور) .
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ سعد الحميد.(5/740)
القنوت في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أسألك عن القنوت في الصلاة (رفع اليدين بعد الركوع) هل هذا الفعل من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم أو أن هذا العمل كان استثنائياً بسبب الحالة التي كانوا عليها. لو سمحت أجبني لأن أمير مسجدنا قال أن الرسول سُئل أي الصلاة أفضل فأجاب عليه الصلاة والسلام الصلاة التي فيها قنوت أطول]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
القنوت في تعريف الفقهاء هو: " اسم للدعاء في الصلاة في محل مخصوص من القيام ".
وهو مشروع في صلاة الوتر بعد الركوع على الصحيح من قولي العلماء.
ومشروع إذا نزلت بالمسلمين نازلة فيدعو بعد الرفع من الركوع في آخر ركعة من كل فريضة من الصلوات الخمس، حتى يكشف الله النازلة، ويرفعها عن المسلمين. انظر كتاب تصحيح الدعاء للشيخ بكر أبو زيد ص 460
وأما القنوت في صلاة الصبح دائماً في جميع الأحوال فإنه " لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خص الصبح بالقنوت، ولا أنه داوم عليه في صلاة الصبح، وإنما الذي ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قنت في النوازل بما يناسبها، فقنت في صلاة الصبح وغيرها من الصلوات يدعو على رعل وذكوان وعُصَيَّة لقتلهم القراء الذين أرسلهم النبي صلى الله عليه وسلم إليهم ليعلموهم دينهم، وثبت في صلاة الصبح وغيرها يدعو للمستضعفين من المؤمنين أن ينجيهم الله من عدوهم، ولم يداوم على ذلك، وسار على ذلك الخلفاء الراشدون من بعده، فخير (للإمام) أن يقتصر على القنوت في النوازل اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ثبت عن أبي مالك الأشجعي قال: قلت لأبي: يا أبت قد صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلف أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أفكانوا يقنتون في الفجر؟ فقال: (أي بنيّ مُحدَث) رواه الخمسة إلا أبا داود (وصححه الألباني في الإرواء 435) ، وإن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (7/47) .
فإن قلت: هل هناك صيغة محددة للقنوت في صلاة الوتر؟ والقنوت في النوازل؟
فالجواب: لدعاء القنوت في صلاة الوتر صيغ واردة منها:
1- الصيغة التي علمها رسول الله صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي رضي الله عنهما، وهي: (اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لني فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، لا منجى منك إلا إليك) أخرجه أبو داود (1213) والنسائي (1725) وصححه الألباني في الإرواء 429.
2- وعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي آخِرِ وِتْرِهِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ " رواه الترمذي 1727 وصححه الألباني في الإرواء 430 وصحيح أبي داود 1282.
ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم كما ثبت عن بعض الصحابة رضي الله عنهم في آخر قنوت الوتر، منهم: أُبي بن كعب، ومعاذ الأنصاري رضي الله عنهما. أنظر تصحيح الدعاء للشيخ بكر أبو زيد ص460
القنوت عند النوازل:
وعند القنوت للنوازل يدعو بما يناسب الحال كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لعن قبائل من العرب غدروا بأصحابه وقتلوهم، ودعا للمستضعفين من المؤمنين بمكة أن يُنجيهم الله تعالى , وورد عن عمر أنه قنت بهذا الدعاء: (اللهم إنا نستعينك ونؤمن بك، ونتوكل عليك ونثني عليك الخير ولا نكفرك، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إن عذابك الجدَّ بالكفار مُلحق، اللهم عذِّب الكفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك " رواه البيهقي 2/210 وصححه الألباني في الإرواء 2/170 وقال الألباني: (هذه الرواية) عن عمر في قنوت الفجر، والظاهر أنه في قنوت النازلة كما يُشعر به دعاؤه على الكفار.
فإن قلت: هل يمكنني أن أدعو بغير ما ذُكر؟
فالجواب:
نعم، يجوز ذلك، قال النووي في المجموع (3/497) : الصحيح المشهور الذي قطع به لجمهور أنه لا تتعين بها (أي بهذه الصيغة) ، بل يحصل بكل دعاء. أ. هـ
وبما أنَّ الصيغة الواردة لا تتعين بذاتها، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يدع بها، فلا حرج من الزيادة عليها، قال الشيخ الألباني رحمه الله: " ولا بأس من الزيادة عليه بلعن الكفرة ومن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والدعاء للمسلمين " قيام رمضان للألباني 31.
بقي معنا مسألة مهمة وهي: هل دعاء القنوت يكون قبل الركوع أم بعده؟
الجواب: " أكثر الأحاديث والذي عليه أكثر أهل العلم: أن القنوت بعد الركوع , وإن قنت قبل الركوع فلا حرج، فهو مُخير بين أن يركع إذا أكمل القراءة، فإذا رفع وقال: ربنا ولك الحمد قنت ... وبين أن يقنت إذا أتم القراءة ثم يُكبر ويركع، كل هذا جاءت به السنة "انتهى كلام الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله من الشرح الممتع 4/64.
تنبيه: قول السائل (أفضل الصلاة التي فيها قنوت أطول) لعله يُشير به إلى الحديث الذي رواه مسلم (1257) عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أفضل الصلاة طول القنوت ".
قال النووي: المراد بالقنوت هنا طول القيام باتفاق العلماء فيما علمت. أ. هـ
فليس المراد من الحديث بالقنوت: الدعاء بعد الرفع من الركوع، وإنما المراد به طول القيام.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/741)
ماذا عن العلامة في جبهة المصلي من أثر السجود
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما يصلي المسلم وتلمس جبهته الأرض تصبح سوداء من كثرة السجود، ألا يجعل ذلك نفسية المسلم أن تميل للتفاخر والرياء والرغبة في الحصول على ثناء الآخرين ومدحهم، فهل على المسلم أن يسجد ببطء وبدون إطالة أم يطيل في سجوده؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإتمام الركوع والسجود.
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " أَتِمُّوا الركوع والسجود فوالذي نفسي بيده إني لأراكم من بعد ظهري إذا ما ركعتم وإذا ما سجدتم. رواه البخاري (6268) ومسلم (425) .
ومن إتمام الركوع والسجود: الاطمئنان فيهما.
عن أبي هريرة أن رجلا دخل المسجد فصلَّى ورسول الله صلى الله عليه وسلم في ناحية من المسجد فجاء فسلَّم فقال: وعليك فارجع فصلِّ فإنك لم تصلِّ، فرجع فصلى، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: وعليك فارجع فصل فإنك لم تصل بعدُ قال في الثالثة: فعلِّمْني يا رسول الله، قال: إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبِّر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعاً ثم ارفع حتى تطمئن قائماً ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً ثم ارفع رأسك حتى تستوي قاعداً ثم افعل ذلك في صلاتك كلها. رواه البخاري (724) ومسلم (397) .
وقد جُعل عدم الإتمام للركوع والسجود مُبطِلاً للصلاة.
عن أبي مسعود الأنصاري البدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تجزي صلاة لا يقيم فيها الرجل صلبه في الركوع والسجود ". رواه الترمذي (265) وقال: حسن صحيح، والنسائي (1027) وأبو داود (855) وابن ماجه (870) .
قال الإمام الترمذي:
والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم يرون أن يقيم الرجل صلبه في الركوع والسجود.
وقال الشافعي وأحمد وإسحاق: مَن لم يُقم صلبَه في الركوع والسجود: فصلاته فاسدة لحديث النبي صلى الله عليه وسلم " لا تجزي صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع والسجود ". " سنن الترمذي " (2 / 52) .
عن أبي وائل عن حذيفة رأى رجلاً لا يتمُّ ركوعه ولا سجوده فلمَّا قضى صلاته قال له حذيفة: ما صليتَ، قال: وأحسبه قال: لو مُتَّ مُتَّ على غير سنَّة محمد صلى الله عليه وسلم. رواه البخاري (382) .
وفي رواية أخرى (758) : عن زيد بن وهب قال: رأى حذيفةُ رجلاً لا يتم الركوع والسجود قال: ما صليتَ ولو مُتَّ مُتَّ على غير الفطرة التي فطر الله محمَّداً صلى الله عليه وسلم عليها.
ولا بدَّ من تمكين الجبهة والأنف في السجود من الأرض.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " أُمرت أن أسجد على سبعة أعظم على الجبهة - وأشار بيده على أنفه - واليدين والركبتين وأطراف القدمين ولا نكفت الثياب والشعر ". رواه البخاري (779) ومسلم (490) .
ولا مانع من إطالة السجود خاصة إذا كان منفرداً أو في صلاة الكسوف أو قيام الليل.
عن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى صلاة الكسوف فقام فأطال القيام ثم ركع فأطال الركوع ثم قام فأطال القيام ثم ركع فأطال الركوع ثم رفع ثم سجد فأطال السجود ثم رفع ثم سجد فأطال السجود ثم قام فأطال القيام ثم ركع فأطال الركوع ثم رفع فأطال القيام ثم ركع فأطال الركوع ثم رفع فسجد فأطال السجود ثم رفع ثم سجد فأطال السجود ثم انصرف..". رواه البخاري (712) .
وعن حذيفة قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة فقلت: يركع عند المائة ثم مضى، فقلت: يصلي بها في ركعة فمضى، فقلت: يركع بها ثم افتتح النساء فقرأها ثم افتتح آل عمران فقرأها يقرأ مترسلا إذا مر بآية فيها تسبيح سبح وإذا مر بسؤال سأل وإذا مر بتعوذ تعوذ ثم ركع فجعل يقول سبحان ربي العظيم فكان ركوعه نحوا من قيامه ثم قال سمع الله لمن حمده ثم قام طويلا قريبا مما ركع ثم سجد فقال سبحان ربي الأعلى فكان سجوده قريبا من قيامه. رواه مسلم (772) .
والسنَّة في السجود الاعتدال فيه كما جاء عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " اعتدلوا في السجود ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب ". رواه البخاري (788) ومسلم (493) .
قال الشيخ ابن عثيمين حفظه الله:
أي: اجعلوه سجوداً معتدلاً، لا تهصرون فينزل البطن على الفخذ، والفخذ على الساق ولا تمتدون أيضاً كما يفعل بعضُ النَّاس إذا سجد، يمتد حتى يقرب مِن الانبطاح، فهذا لا شكَّ أنَّه مِن البدع وليس بسنَّةٍ، فما ثبت عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة فيما نعلم أنَّ الإنسانَ يمدُّ ظهره في السجود، إنَّما مَدُّ الظهر في حال الركوع، أما السجود فإنَّه يرتفع ببطنه ولا يمده.
" الشرح اممتع " (3 / 168) .
فإذا جاء المصلي بما أمره به النبي صلى الله عليه وسلَّم وكان يسجد على تراب أو شيء خشن، فإنه قد تحدث له علامة على جبهته، وهذا شيء قد يورث في النفس الفخر والخيلاء كما في السؤال، لكن من كان قلبه مطمئناً بالإيمان، ولا يريد بفعله إلا ما عند الله فلا يهمه ما يقوله الناس، وأما من يتعمّد إحداث شيء في جبهته حتى يصير فيها كهيئة علامة السجود فهذا من المراءاة والكذب فويل له من عذاب يوم أليم.
وأمّا عن قوله تعالى: (تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) الفتح/آية 29
فالراجح في تفسير سيماهم في وجوههم هو نور الطاعة والعبادة وليس بالضرورة أن يكون هذه العلامة من خشونة الجلد في موضع السجود
قال ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية:
وقوله جل جلاله "سيماهم في وجوههم من أثر السجود" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما سيماهم في وجوههم يعني السمت الحسن وقال مجاهد وغير واحد يعني الخشوع والتواضع وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا علي بن محمد الطنافسي حدثنا حسين الجعفي عن زائدة عن منصور عن مجاهد "سيماهم في وجوههم من أثر السجود" قال الخشوع قلت ما كنت أراه إلا هذا الأثر في الوجه فقال ربما كان بين عيني من هو أقسى قلبا من فرعون وقال السدي الصلاة تحسن وجوههم وقال بعض السلف من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار.. وقال بعضهم إن للحسنة نورا في القلب وضياء في الوجه وسعة في الرزق ومحبة في قلوب الناس. انتهى
والشاهد أن وجود هذه العلامة من خشونة الجلد وتغيّر اللون في الجبهة ليس دليلا على صلاح صاحبها وإخلاصه كما أن عدم وجودها ليس دليلا على تقصير الشخص في الصلاة وإخلاله بها بل كثيرا ما يعود ذك إلى طبيعة الجلد وحساسيته
سئل الشيخ ابن عثيمين حفظه الله: هل ورد أن العلامة التي يحدثها السجود في الجبهة من علامات الصالحين؟
فأجاب:
ليس هذا من علامات الصالحين، ولكن العلامة هي النور الذي يكون في الوجه، وانشراح الصدر، وحسن الخلق، وما أشبه ذلك.
أما الأثر الذي يسبِّبه السجود في الوجه: فقد يظهر في وجوه من لا يصلُّون إلا الفرائض لرقة الجلد وحساسية عندهم، وقد لا تظهر في وجه من يصلي كثيراً ويطيل السجود.
" فتاوى إسلامية " (1 / 484) .
والخلاصة أنّك يا أخي إذا كنت مخلصا لله تبتغي وجه الله في صلاتك فلا يضرّك كلام الناس بل ربما يكون ثناؤهم عليك من عاجل البشرى في الدنيا، فطبّق السنّة ومكّن لسجودك ولا تبال بعد ذلك أمدحك الناس أم ذمّوك، نسأل الله الإخلاص والقبول.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/742)
الصلاة في الغرفة التي فيها صور
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تجوز الصلاة في غرفة فيها صور؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الراجح أن الصلاة في المكان الذي فيه صور ذوات الأرواح المعلقة لا تجوز وذلك لعدة أدلة منها:
حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا تصاوير) متفق عليه.
وحديث عائشة رضي الله عنها قال: قَدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر وقد سترت بقرام لي على سهوة لي فيها تماثيل، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم هتكه وقال: (أشد الناس عذاباً يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله) متفق عليه.
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتاني جبريل فقال: أتيتك البارحة فلم يمنعني أن أكون دخلت إلا أنه كان على الباب تماثيل، وكان في البيت ستر فيه تماثيل، وكان في البيت كلب، فمُر برأس التمثال على باب البيت فيقطع فيصير كهيئة الشجرة، ومر بالستر فلتقطع منه وسادتان منبوذتان توطئآن، ومر بالكلب فليخرج، ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم) رواه أبو داود والترمذي واحمد.
ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى جواب مختصر في هذه المسألة، فقد سئل رحمه الله: هل الصلاة في البيع والكنائس جائزة مع وجود الصور أم لا؟ وهل يقال إنها بيوت الله أم لا؟
فأجاب: ليست بيوت الله وإنما بيوت الله المساجد، بل هي بيوت يُكفر فيها بالله، وإن كان قد يذكر فيها فالبيوت بمنزلة أهلها، وأهلها كفار، فهي بيوت عبادة الكفار.
وأما الصلاة فيها ففيها ثلاثة أقوال للعلماء في مذهب أحمد وغيره:
المنع مطلقاً، وهو قول مالك، والإذن مطلقاً وهو قول بعض أصحاب أحمد، والثالث: وهو الصحيح المأثور عن عمر بن الخطاب وغيره، وهو منصوص عن أحمد وغيره أنه إن كان فيها صور لم يصل فيها لأن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدخل الكعبة حتى مُحي ما فيها من الصور، وكذلك قال عمر: إنّا كنا لا ندخل كنائسهم والصور فيها.
وهي بمنزلة المسجد المبني على القبر، ففي الصحيحين أنه ذُكر للنبي صلى الله عليه وسلم كنيسة بأرض الحبشة، وما فيها من الحسن والتصاوير، فقال: (أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً، وصوروا فيه تلك التصاوير، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة) وأما إذا لم يكن فيها صور فقد صلى الصحابة في الكنيسة، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
المرجع: مسائل ورسائل/محمد المحمود النجدي ص28(5/743)
قطع الصلاة للضرورة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز قطع الصلاة إذا دقت صفارة الإنذار للحادث؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الحادث كبيراً ومهماً، فلا بأس من قطع الصلاة، وإذا كان الأمر بسيطاً ويمكن تداركه، فلا يجوز، فقد قال أهل العلم: يجب قطع الصلاة لإنقاذ غافل من هلكة، ومعناه لو كنت تُصلي ورأيت حية أقبلت على رجل جالس لم ينتبه لها، وهي متجهة نحوه، يجب عليك أن تقطع الصلاة وتُخبره حتى لا تلدغه، ويؤدي ذلك إلى وفاته، أو رأيت رجلاً مكفوف البصر يمشي أمامك، وأنت تُصلي، وأقبل على بئر وتخشى عليه أن يسقط فيها. فيجب عليك أن تُنبهه، وأن تنقذه من تلك الهلكة ولو أدى ذلك إلى قطع الصلاة أو حريق أو نحو ذلك.
أما إذا كانت صفارة الإنذار لأمر بسيط يُمكن تداركه ولا يخشى فواته فهذا لا يجوز فيه قطع الصلاة قبل إكمالها لأنه بإمكانك تدارك هذا الحادث بدون أن يلحق أهله ضرر. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/744)
بم تُدرك الركعة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا جاء رجلٌ ودخل الصلاة والإمام قائم من الركوع لكنه ما قال (الله أكبر) هل تعتبر له ركعة أم لا؟ ولماذا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا دخل المأموم والإمام راكع فله ثلاث حالات:
1- أن يكبر تكبيرة الإحرام وهو واقف ثم يركع والإمام راكع، ففي هذه الحالة يكون مدركاً للركعة مع الإمام.
2- أن يكبر تكبيرة الإحرام والإمام راكع، ولكنه ركع بعد رفع الإمام من الركوع، فلا يُعتبر مدركاً للركعة مع الإمام، وعليه أن يقضيها.
3- أن يركع مباشرة بدون أن يُكبر تكبيرة الإحرام، ففي هذه الحالة تبطل صلاته، لأنه ترك ركناً من أركان الصلاة وهو تكبيرة الإحرام.
وقد " اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ الإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ فَقَدْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ , لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: {مَنْ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ فَقَدْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ} (رواه أبو داود وصححه الألباني في إرواء الغليل (496) وقال رحمه الله ص 262: " ومما يقوي الحديث جريان عمل جماعة من الصحابة عليه:
أولاً: ابن مسعود، فقد قال: " من لم يُدرك الإمام راكعاً لم يُدرك تلك الركعة " ... وسنده صحيح.
ثانياً: عبد الله بن عمر، فقد قال: " إذا جئت والإمام راكع، فوضعت يديك على ركبتيك قبل أن يرفع فقد أدركت " وإسناده صحيح.
ثالثاً: زيد بن ثابت، كان يقول: " من أدرك الركعة قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدرك الركعة ". وإسناده جيد ... " انتهى. انظر الموسوعة الفقهية الكويتية (23/133) والمغني (1/298) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/745)
يستحب قراءة سورتي الكافرون والإخلاص في سنتي الفجر والمغرب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل قراءة سورتي الكافرون والإخلاص في أول النهار وآخره، أي: في ركعتي السنة في الفجر والمغرب مستحبة وسنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نعم، يستحب قراءة سورتي "الكافرون" و "الإخلاص" في سنة الفجر وفي سنة المغرب، وقد ثبت ذلك في السنة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (قَرَأَ فِي رَكعَتَي الفَجرِ "قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ " و " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ") رواه مسلم (726) .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (رَمَقتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عِشرِينَ مَرَّةً يَقرَأُ فَي الرَّكعَتَينِ بَعدَ المَغرِبِ، وَفِي الرَّكعَتَينِ قَبلَ الفَجرِ: " قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ " و " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ") رواه النسائي (992) وقال النووي في "المجموع" (3/385) : إسناده جيد. وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (3328) والشيخ أحمد شاكر في تحقيق المسند (8/89) .
قال المباركفوري في "تحفة الأحوذي" (2/418) :
" أي: يقرأ في الركعة الأولى منهما " قل يا أيها الكافرون"، وفي الثانية " قل هو الله أحد " انتهى.
وقد نص العلماء على استحباب قراءة هاتين السورتين في سنتي الفجر والمغرب، عملاً بهذه الأحاديث.
انظر: "المغني" (1/435) ، "مغني المحتاج" (1/464) ، "الفتاوى الفقهية الكبرى" (1/192) ، الموسوعة الفقهية (27/159) .
ثانيا:
وأما الحكمة من قراءة هاتين السورتين، فلأنهما قد اشتملتا على أنواع التوحيد الثلاثة، فسورة "قل هو الله أحد" اشتملت على توحيد الربوبية والأسماء والصفات، فأثبتت أن الله تعالى إله واحد، ونفت عنه الولد والوالد والنظير، وهو مع هذا "الصمد" الذي اجتمعت له صفات الكمال كلها.
وسورة "قل يا أيها الكافرون" تضمنت توحيد العبادة، وأن العبد لا يعبد إلا الله، ولا يشرك به في عبادته أحداً، فلذلك " كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفتتح بهما النهار في سنة الفجر، ويختم بهما في سنة المغرب، وفي السنن أنه كان يوتر بهما، فيكونان خاتمة عمل الليل كما كانا خاتمة عمل النهار " انتهى.
قاله ابن القيم في "بدائع الفوائد" (1/145-146) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/746)
حكم تشمير الأكمام في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يعد تشمير الأكمام من الكفت المنهي عنه في الصلاة وإذا كان من الكفت فهل يختلف حكمه لو أني دخلت في الصلاة كنت على هيئة التشمير هذه قبل أن أدخل فيها أي أني لم أفعل هذا التشمير في أثناء الصلاة أم أنهما سواء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز تشمير الأكمام بكفها أو ثنيها لئلا تقع على الأرض عند السجود في أثناء الصلاة ولا قبل الصلاة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم وأن لا أكف شعرا ولا ثوبا) رواه البخاري ومسلم.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 7/38.(5/747)
لماذا نصلي بلا جمع
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا نصلي بلا جمع؟ أعرف أن الرسول صلى الله عليه وسلم جمع وفصل. وفي يوم عرفات نصلي جمعاً فلماذا لا نجمع الصلوات في باقي الأيام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سؤالك هذا يجب ان تتنبّه إلى خطورته، لأنه يتوجه لجميع الأحكام الشرعية، كأن يقول القائل: لماذا نُلزم بصيام شهر كامل متتابع (شهر رمضان) ، لماذا لا تفرق أيامه على مدار العام؟ ولماذا يقيّد الحج وأداء شعائره بوقت مخصوص يزحم الناس فيه بعضهم بعضا، فلماذا لا يفرق في سائر العام؟ وهكذا في أسئلة كثيرة كلها تدل على الاعتراض على الله في حكمه. فهل علمت يا أخي أن الله تعالى قال: (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) أي مفروضا في الأوقات. فافهم ما تقدم وأسأل الله أن يهديك ويصلح قلبك.
الشيخ سعد الحميد.
الإسلام هو الاستسلام لله تعالى وعدم الاعتراض على أحكامه وقد قال تعالى: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) الأحزاب/36.
وقد قال تعالى في أوقات الصلاة: (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً) النساء/103، وقد نزل الوحي بأوقات الصلوات الخمس قولاً وفعلاً وهكذا أدَّاها صلى الله عليه وسلم في حياته ولم يجمع إلا في السفر والحرج.
ونريد أن ننبهك أيضاً إلى أن هناك بعض أهل البدعة يقولون بجمع الظهر والعصر وكذلك المغرب والعشاء في حال الإقامة دون سبب فلتحذر منهم ولا تصحبهم ولا تستمع إليهم واحذرهم أن يفتنوك عن دينك. ونسأل الله لك التوفيق والسداد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/748)
ترك الصلاة سبب كل ضيق
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة عمري 23 سنة، الصراحة أنا لا أصلي، وإن قمت للصلاة لا أصلي كل الفروض، والصراحة أنا أستمع للأغاني، ولكن - والله شاهد - أن هذا الموضوع يسبب لي حالة نفسية، أريد الصلاة، وأريد أن أطيع الله، وأنا أخافه، أنا أعتز بكوني مسلمة، وربي هو الله وحده لا شريك له، وأحب الحبيب المصطفى وسيرته، وأتأثر عند سماع قصصه، الحمد لله، أكرمني الله عز وجل بأن ذهبت إلى العمرة هذه السنة، وكنت فرحة لهذا، ولكني أحس أني جاحدة، أو لا فرق بيني وبين الكافرين لأني لا أصلي، حاولت كثيراً أن أداوم على الصلاة، لكن لا أدري لماذا يحدث معي هذا، مع العلم أني كنت لفترة طويلة جدّاً لا أصلي أبداً، وأحس أيضاً أني أجهل أموراً كثيرة بالدِّين، وأشعر أيضاً أن الله لن يتقبل مني أي عمل كان: صلاة أو زكاة أو عمرة أو غير ذلك من أمور الدين الإسلامي، وأن مثواي لا محالة النار، أحتاج إلى من يأخذ بيدي، ينصحني، ينتشلني من حالة الضياع التي أنا فيها، أكره كوني على هذه الحالة!!
وفوق كل هذا هناك مشكلة أخرى، وهي أني أشعر أني لم أصم أياما من رمضان، وأنا لا أعاني من أي شيء، أي لا يوجد هناك مانع من الصوم!!
والصراحة أني لست متأكدة إن كانت أياما من رمضان أو كانت من أيام شوال الستة، فعندنا عادة في منزلنا أن نصوم هذه الأيام الست كل سنة، فاختلطت الأمور علي، وهذه المشكلة حدثت لي في الفتره التي كنت فيها بعيدة عن الله، وأنا أعلم أنه من أفطر رمضان بدون سبب لا يقبل الله له صوما، وعليه كفارة، فماذا أفعل؟
أرجوك ساعدني وأفدني، أرجوك، أنا يائسة جدّاً، جعله الله في ميزان حسناتك إن شاء الله، وجزاك عن المسلمين جميعاً خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا بد – أختي الفاضلة – أن تُحَدِّدِي أولا مكان المشكلة ثم تنطلقي في العلاج، وإن طلبتِ منَّا المساعدة في تحديدها فسنقول لكِ: المشكلة في نفسك أنتِ وليس في شيءٍ آخر! ولن تكون المساعدة التي يقدمها لك الآخرون نافعة حتى تأخذي أنتِ بنفسكِ إلى النجاة.
والمشاعر التي بثثتِيها في سؤالك تدل على أن مقومات الاستقامة والصلاح موجودةٌ فيك، فإن المؤمن هو الذي يحاسب نفسه ويعاتبها، ويبدو أنك تقومين بذلك.
والمؤمن يخاف تقصيره وذنوبه، ويراها كأنها جبل يوشك أن يقع عليه، ويظهر أنك تشعرين بذلك أيضا.
والمؤمن يرتفع بإسلامه وإيمانه، ويعتز بانتسابه إلى هذا الدين العظيم، ويحب نبيه الكريم محمداً صلى الله عليه وسلم، ورسالتك تنضح بذلك؟!!
إذاً فكيف اجتمعت هذه الصفات مع التقصير في أعظم واجبات الدين، وهي الصلاة؟!
ليس عندنا تفسير لذلك سوى سوء إدارة النفس وضعف التحكم فيها، وإلا فأداء الصلاة لا يستغرق جهدا ولا وقتا، ما هي إلا دقائق يخلو فيها المرء بربه، يناجيه بحاجته، ويبث إليه ثقل الدنيا، ويشكو إليه شوقه إليه وإلى رحمته.
فإذا كانت أنفسنا لا تحتمل الالتزام بهذه الدقائق المعدودة، فلا أظننا ننجح في حياتنا أبدا، فإن قيادة النفس تحتاج إلى شيء من العزم والحزم، ونحن المسلمين لم يكلفنا ربنا فوق طاقتنا، بل لم يكلفنا ما يشق علينا، وهو سبحانه يحب أن يتوب علينا ويخفف عنا.
قال سبحانه وتعالى: (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) البقرة/185
وقال سبحانه: (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. وَاللهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً. يُرِيدُ اللهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً) النساء/26-28
والصلاة رحمة فرضها الله علينا من جوده وكرمه، من حافظ عليها وقام بحق القيام بها: رأى فضل الله تعالى علينا حين كتبها علينا، وعرف أن الإنسان المحروم هو الذي حرم نفسه لذة الصلة بالله سبحانه.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(الصَّلَاةُ خَيرٌ مَوضُوعٌ، فَمَنِ استَطَاعَ أَن يَستَكثِرَ فَلْيَستَكثِرْ)
رواه الطبراني (1 / 84) وصححه الألباني في " صحيح الترغيب " (390) .
وانظري كيف عقب الله تعالى آيات فرض الطهارة للصلاة بقوله:
(مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة/6.
والنبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، الذي تحبينه وتحبين سيرته كان يقول:
(جُعِلَت قُرَّةُ عَينِي فِي الصَّلَاةِ) رواه النسائي (3940) وحسنه الحافظ ابن حجر في " التلخيص الحبير " (3 / 116) وصححه الألباني في " صحيح النسائي ".
فكيف يرضى المؤمن لنفسه أن تفوته تلك الخيرات والبركات؟.
قال ابن القيم - رحمه الله -:
فواأسفاه وواحسرتاه كيف ينقضي الزمان وينفذ العمر والقلب محجوب ما شم لهذا رائحة، وخرج من الدنيا كما دخل إليها، وما ذاق أطيب ما فيها، بل عاش فيها عيش البهائم، وانتقل منها انتقال المفاليس، فكانت حياته عجزاً، وموته كمداً، ومعاده حسرة وأسفاً، اللهم فلك الحمد، وإليك المشتكى، وأنت المستعان، وبك المستغاث، وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بك.
" طريق الهجرتين " (ص 327) .
ولا أذكر لك هذا الكلام لأزيد اليأس الذي تشعرين به، إنما كي تسعي جاهدة للتخلص منه، فهو لم يصبك إلا لعجزك عن أداء أسهل الفرائض، فعرفتِ أنكِ عن سواها أعجز.
ويجب أن لا تجعلي في حياتك مجالاً لليأس في جنب الله؛ ويجب أن تعلمي أنه سبحانه يكره القنطين: (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) الحجر/56، ويحب عباده المستبشرين برحمته وفضله، ومن سعة كرمه أنه يغفر السيئات، ويصفح عن الزلات، بل قال سبحانه وتعالى: (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً. وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً) الفرقان/70-71، وقد قال بعض الحكماء: " لا يأتي بالأمل إلا العمل "، ولن يخرجك من حالة اليأس التي أوقعك الشيطان فيها إلا البدء بالعمل، ومحاولة الالتزام بالاستقامة،
ولو تخللها في البداية بعض النقص.
قال الله تعالى: (وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) ؛ فإن الرجاء يوجب للعبد السعي والاجتهاد فيما رجاه، والإياس: يوجب له التثاقل والتباطؤ، وأولى ما رجا العباد، فضل الله وإحسانه، ورحمته، وروحه.
" إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون "؛ فإنهم ـ لكفرهم ـ يستبعدون رحمته، ورحمته بعيدة منهم، فلا تتشبهوا بالكافرين. ودل هذا على أنه بحسب إيمان العبد، يكون رجاؤه لرحمة الله وروحه." تفسير ابن سعدي.
وأول ما يجب أن تبدئي به أن توجدي في نفسك همّاً كبيراً وحرصا عظيما للمحافظة على الصلاة، كما هو الهم الذي تستشعرينه لأمور الدنيا الأخرى من طعام وشراب ودراسة وزواج ونحو ذلك، فإن كل عمل يسبقه اهتمام وتفكر، وقد كان بعض السلف يجاهد نفسه على الإكثار من نوافل الصلاة مجاهدة عظيمة، حتى قال ثابت البناني رحمه الله: كَابَدتُ الصلاة [يعني: قيام الليل] عشرين سنة، واستمتعت بها عشرين سنة.
ولا يكفي هذا الفكر والاهتمام حتى يقوم بموازاته فكر واهتمام بوسائل المحافظة على الصلاة، وكيف تحتالين على نفسك حتى تلتزم بما فرض الله تعالى، والإنسان يملك قدرة كبيرة في حسن اختيار الأساليب التي تعينه على ما يريد.
احرصي أن تقومي مباشرة إذا سمعت صوت المؤذن بالتكبير، واستشعري أنه سبحانه أكبر من كل الدنيا التي أنت منشغلة بها، ثم اعمدي إلى محرابك لتصلي ما كتب الله لك، ولا تنسي أن تقولي الدعاء الذي علمنا إياه نبينا صلى الله عليه وسلم دبر كل صلاة: (اللهم أعِنِّي على ذِكْرِك وشُكْرِك وحُسْنِ عِبادتِك) .
وقد ذكرتِ أنكم أهل بيت حريصون على صيام الست من شوال، وهذه أمارة صلاح وإحسان تعينك على أداء الصلاة في وقتها، حين ترين الوالدة والإخوة يقيمونها في وقتها، واحمدي الله تعالى على ذلك، فكم من شكاوى تأتي من أبناء يضربهم أهلهم على ترك الصلاة وخلع الحجاب، وأنت قد أكرمك الله تعالى بالأهل الذين يعينونك على تقوى الله تعالى.
صاحبي الفتيات المصليات المستقيمات، واطلبي منهن العون على الصلاة، وتذكيرك بها، والتواصي عليها، وقد يكون ذلك خير معين لك.
وأخيرا احذري المعاصي، فهي أساس كل داء، والمعصية تأتي بأختها وهكذا حتى تجتمع على الإنسان فتهلكه، فتثقل العبد عن صلاته، وتحرمه من نورها وبركتها، نسأل الله السلامة.
قال ابن القيم - رحمه الله -:
المعاصي تزرع أمثالها، وتولد بعضها بعضا، حتى يعِزَّ على العبد مفارقتُها والخروج منها، كما قال بعض السلف: إن من عقوبة السيئة السيئة بعدها، وإن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها.
" الجواب الكافي " (ص 36) .
ثانيا:
أما سؤالك عن صيام رمضان، وأنك تشكين في تركك صيام أيام منه من غير عذر، فنقول لك: لا تلتفتي لهذه الشكوك، إذ يبدو أن الغالب على ظنك أنك أديت تلك العبادة في وقتها مع أسرتكِ، وغلبة الظن كافية لبراءة الذمة، ولا عبرة بالشك بعد ذلك.
وفي " فتاوى اللجنة الدائمة " (7 / 143) :
الشك بعد الانتهاء من الطواف والسعي والصلاة لا يلتفت إليه؛ لأن الظاهر سلامة العبادة.
انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله -:
إذا كان الشك بعد انتهاء العبادة: فإنه لا يلتفت إليه، ما لم يتيقن الأمر.
" مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " (14 / السؤال رقم 746) .
ثم إن ترك الصيام بغير عذر لا يوجب القضاء ولا الكفارة، وإنما يوجب التوبة والاستغفار، كما سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (50067) .
أسأل الله تعالى أن يكتب لك أجرك، وأن يثبت قلبك على الحق والدين، وأن يعيذك من الشيطان الرجيم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/749)
النية، والدعاء في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[بماذا يجب أن يفكر الشخص أثناء الصلاة، تسبيح الله؟ الغرض من سؤالي هو أنني أتذكر بعض الأحاديث التي تذكر بأننا يجب أن ندعو الله دائماً أثناء الصلاة، فهل هذا صحيح؟ وإذا كان صحيحاً فكيف نفعل هذا، بالقلب فقط أم بذكر شيء أثناء الصلاة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
النية شرط لا بد منه لصحة الصلاة، ومعناها في الشرع: " العزم على فعل العبادة تقربا إلى الله تعالى " فاشتمل هذا التعريف على معنيين:
الأول: نية العمل: وهو تمييز العبادات عن غيرها، وتمييز العبادات بعضها عن بعض، فينوي بهذه الحركات أنها الصلاة المشروعة، وينوي أنها فرض أو نفل.
الثاني: نية المعمول له: وهو أن ينوي بهذه العبادة وجه الله سبحانه دون غيره.
وهذه النية محلها القلب، فبمجرد أن يعزم العبد بقلبه على هذا العمل فقد نواه، ولذا لا يشرع التلفظ بالنية عند إرادة العمل، بل التلفظ بالنية من البدع المحدثة التي لم ترد في كتاب الله ولا سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ولم تنقل عن أحد من صحابته الكرام رضوان الله عليهم أجمعين. (ينظر الشرح الممتع 2/283)
وللاستزادة يراجع سؤال (13337) .
أما ما يجب على العبد أن يفكر فيه أثناء صلاته فهو: أن يستحضر عظمة ربه الذي شرفه بالقيام بين يديه، فيحسن الوقوف بين يديه بالخشوع والخضوع والتعظيم، ويتفكر فيما شرع له أن يقوله في كل موضع، ففي القيام يتدبر فيما يقرأه من القرآن، وفي الركوع يتفكر في معنى ما يتلوه من الأذكار، وهكذا في السجود، وغيره من المواضع. مع الحرص على الأذكار والأدعية الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في كل موضع. وأما الدعاء بمعنى سؤال الله ما تحتاجه من خير الدنيا والآخرة فهذا موضعه في السجود بعد أن تأتي بالذكر المشروع لقوله صلى الله عليه وسلم: " أَلا وَإِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ " أخرجه مسلم (738) .
وأما ما أشرت إليه من أنه ورد في بعض الأحاديث بأننا يجب أن ندعوَ الله دائما أثناء الصلاة، فلم يذكر أحد من أهل العلم المعتبرين هذا الأمر ولم يشيروا إليه، ولكن لعلك فهمت من تعريف بعض العلماء للصلاة في اللغة: بأنها الدعاء، هذا المعنى الذي ذكرته.
وربما أنك سمعت كلام بعض أهل العلم أن الصلاة كلها دعاء، فهذا يقصدون به القسم الثاني من أقسام الدعاء، لأن الدعاء قسمه بعض العلماء إلى قسمين:
1 – دعاء مسألة: وهو طلب الحاجات من الله. 2 – دعاء عبادة: وهو التعبد لله بما شرع من أنواع العبادات، كالصلاة والصوم والزكاة، ومعنى هذا النوع أن هذه العبادات متضمنة للطلب من الله كأن الفاعل يقول بلسان حاله يا رب تقبل مني هذا العمل، وجازني على هذه العبادة بالمغفرة والفوز بالجنة والنجاة من النار، ونحو ذلك من المعاني، فالصلاة كلها تعتبر دعاءً بهذا المعنى.
لذا فالنصيحة لجميع المسلمين أن يلتزموا في صلاتهم بتطبيق سنة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم عملا بقوله " صلوا كما رأيتموني أصلي" رواه البخاري 631، وأن يتدبروا فيما يقرؤون من القرآن، وما يذكرونه من الأذكار، ليحصل المقصود الأعظم من الصلاة وهو ما بيَّنه الله بقوله: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) العنكبوت/45. وتجد مختصرا لصفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في السؤال (13340) نسأل الله للجميع التوفيق والهداية.. آمين.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/750)
عنده رعاف مستمر ويمسح أثناء الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[أعاني من حمى القش. ولذلك فإن أنفي يسيل في فصل الصيف. فهل يجوز لي أن أمسح أنفي بالمنديل وأنا أصلي؟ إن أنا لم أمسحه، فقد تسقط نقاط المادة التي تسيل من أنفي على سجادة الصلاة/فرش المسجد أو على ملابسي، وقد يتأذى الناس من رؤية السائل على السجاد.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عليك أن تمنع سقوط هذا الأذى على فرش المسجد ولو أن تضع على أنفك قماشا أو منديلا لئلا تؤذي غيرك أو تتعاهد أنفك بالمسح نسأل الله تعالى لك الشفاء العاجل.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ وليد الفريان.(5/751)
متى تكون تكبيرات الانتقال في الصلاة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما يصلي الإمام , فمتى يكبر مثلا للركوع هل يكبر قبل أن يركع أم أثناء الركوع أم بعد الركوع؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المشروع لكل مصلٍّ (الإمام والمأموم والمنفرد) أن يكون تكبيره للركوع مقارنا لحركته، فيبدأ التكبير حال انحنائه، ويختمه قبل أن يصل إلى حد الركوع؛ فيقع تكبيره بين الركنين، القيام والركوع.
وقد دلت السنة على أن التكبير يقارن الحركة المقصودة من ركوع، وسجود، وقيام منه، كما في الصحيحين عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاةِ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ، ثُمَّ يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ، ثُمَّ يَقُولُ وَهُوَ قَائِمٌ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْد، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَهْوِي، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَسْجُدُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، ثُمَّ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الصَّلاةِ كُلِّهَا حَتَّى يَقْضِيَهَا، وَيُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ مِنْ الثِّنْتَيْنِ بَعْدَ الْجُلُوسِ) رواه البخاري (789) ومسلم (392) .
فهذا الحديث ظاهرٌ في أن التكبير للركوع يكون أثناء انحنائه إلى الركوع، وتكبير السجود أثناء نزوله إلى السجود، وتكبير الرفع من السجود أثناء رفعه...... وهكذا، ذكره النووي في "شرح مسلم"، وذكر أنه مذهب جمهور العلماء.
ومن الفقهاء من شدد في ذلك، ورأى أنه لو بدأ المصلي التكبير وهو قائم قبل أن ينحني، أو أكمله بعد وصوله إلى الركوع أن ذلك لا يجزئه، ويكون تاركا للتكبير؛ لأنه أتى به في غير موضعه، وعلى القول بوجوب التكبير: تبطل صلاته إن تعمد ذلك، وإن فعله سهوا لزمه السجود للسهو، والصحيح أنه يعفى عن ذلك دفعاً للمشقة.
قال المرداوي في "الإنصاف" (2/59) : " قال المجد وغيره: ينبغي أن يكون تكبير الخفض والرفع والنهوض ابتداؤه مع ابتداء الانتقال , وانتهاؤه مع انتهائه. فإن كمّله في جزء منه أجزأه [أي إذا أوقعه بين الركنين دون أن يبسطه ويمده] ; لأنه لا يخرج به عن محله بلا نزاع.
وإن شرع فيه قبله , أو كمّله بعده , فوقع بعضه خارجا عنه , فهو كتركه ; لأنه لم يكمله في محله، فأشبه من تمم قراءته راكعا , أو أخذ في التشهد قبل قعوده.
ويحتمل أن يعفى عن ذلك ; لأن التحرز منه يعسر , والسهو به يكثر , ففي الإبطال به أو السجود له مشقة. " انتهى باختصار.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " قال الفقهاء رحمهم الله: لو بدأ بالتكبير قبل أن يهوي، أو أتمه بعد أن يصل إلى الركوع؛ فإنه لا يجزئه. لأنهم يقولون: إن هذا تكبير في الانتقال فمحله ما بين الركنين، فإن أدخله في الركن الأول لم يصح، وإن أدخله في الركن الثاني لم يصح؛ لأنه مكان لا يشرع فيه هذا الذكر، فالقيام لا يشرع فيه التكبير، والركوع لا يشرع فيه التكبير، إنما التكبير بين القيام والركوع.
ولا شك أن هذا القول له وجهة من النظر؛ لأن التكبير علامة على الانتقال؛ فينبغي أن يكون في حال الانتقال.
ولكن القول بأنه إن كمله بعد وصول الركوع، أو بدأ به قبل الانحناء يبطل الصلاة فيه مشقة على الناس، لأنك لو تأملت أحوال الناس اليوم لوجدت كثيرا من الناس لا يعملون بهذا، فمنهم من يكبر قبل أن يتحرك بالهوي، ومنهم من يصل إلى الركوع قبل أن يكمل.
والغريب أن بعض الأئمة الجهال اجتهد اجتهادا خاطئا وقال: لا أكبر حتى أصل إلى الركوع، قال: لأنني لو كبرت قبل أن أصل إلى الركوع لسابقني المأمومون، فيهوون قبل أن أصل إلى الركوع، وربما وصلوا إلى الركوع قبل أن أصل إليه، وهذا من غرائب الاجتهاد؛ أن تفسد عبادتك على قول بعض العلماء؛ لتصحيح عبادة غيرك؛ الذي ليس مأمورا بأن يسابقك، بل أمر بمتابعتك.
ولهذا نقول: هذا اجتهاد في غير محله، ونسمي المجتهد هذا الاجتهاد: "جاهلا جهلا مركبا"؛ لأنه جهل، وجهل أنه جاهل.
إذا؛ نقول: كبر من حين أن تهوي، واحرص على أن ينتهي قبل أن تصل إلى الركوع، ولكن لو وصلت إلى الركوع قبل أن تنتهي فلا حرج عليك.
فالصواب: أنه إذا ابتدأ التكبير قبل الهوي إلى الركوع، وأتمه بعده فلا حرج، ولو ابتدأه حين الهوي، وأتمه بعد وصوله إلى الركوع فلا حرج، لكن الأفضل أن يكون فيما بين الركنين بحسب الإمكان. وهكذا يقال في: "سمع الله لمن حمده " وجميع تكبيرات الانتقال. أما لو لم يبتدئ إلا بعد الوصول إلى الركن الذي يليه، فإنه لا يعتد به " انتهى من "الشرح الممتع".
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/752)
تتنفل بعد صلاة الصبح وقيل لها إن هذا خروج من الملة!!
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت كثيراً ما أصلي بعد صلاة الصبح بنصف ساعة بعد قراءة القرآن أحس بأنني أريد الصلاة لله ولكن تفاجأت عندما كنت أتحدث إلى صديقتي بأنها تقول لا يجوز الصلاة بعد صلاة الفجر فهذا خروج عن الملة فهل هذا صحيح؟ وكيف وأنا أصلى لله وضحوا لي ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: من أفضل العبادات التي يقوم بها المسلم ويتقرب بها إلى الله: الصلاة، حيث قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الصلاة خير موضوع، فمن استطاع أن يستكثر فليستكثر) رواه الطبراني وحسنه الألباني في صحيح الجامع (3870) .
إلا أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد نهانا عن صلاة النفل في بعض الأوقات.
وتجدين تفصيل ذلك في جواب السؤال رقم (20013)
ومن هذه الأوقات: من بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس وترتفع، وهو ما يقارب خمس عشرة دقيقة بعد طلوع الشمس.
ففي صحيح مسلم (832) أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لعمرو بن عبسة رضي الله عنه: (صل صلاة الصبح، ثم أَقْصِرْ عَنْ الصَّلَاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَتَّى تَرْتَفِعَ) ، والصلاة التي نهي عنها في هذه الأوقات هي صلاة النافلة التي لا سبب لها، ويسميها العلماء: " النفل المطلق "، كتلك التي ورد السؤال عنها. رجل قام بعد صلاة الصبح يصلي تطوعاً لله، فهذه الصلاة منهي عنها.
أما الصلاة التي لها سبب كتحية المسجد أو سنة الوضوء، أو ركعتي الطواف، ونحو ذلك فأنها تفعل متى وجد سببها، ولو كان ذلك في وقت من أوقات النهي. وانظر جواب السؤال (306)
ثانياً:
وأما قول صديقتك: إن الصلاة في هذا الوقت خروج من الملة، فهذا قول باطل، وهو من القول على الله بلا علم، ولا يجوز لأحد أن يقول في دين الله ما لا يعلم، قال الله سبحانه: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) الأعراف/33. فالواجب عليها أن تتوب إلى الله تعالى.
فصلاة النفل في هذا الوقت منهي عنها، وفاعلها معرض للإثم، لفعله ما نهى عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لكن ذلك ليس كفرا كما زعمت صديقتك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/753)
هل يصلي المسلمون الاستسقاء في بلاد الكفار
[السُّؤَالُ]
ـ[جالية إسلامية مقيمة في بلاد الكفار وتأخّر نزول المطر فهل يجوز لهم أن يصلوا الاستسقاء، والمطر إذا نزل سينفع الكفار أيضا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سألنا فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين فأجاب حفظه الله بقوله:
الاستسقاء من المسلمين في بلاد الكفار جائز ولو كان فيها منافع للكفار.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين(5/754)
الصلاة في مكان تحته مصرف للمجاري
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل لديه غرفة وفيها مكتبة دينية ويوجد في المكتبة المصحف الشريف إلا أن هذه الغرفة يمر من تحتها دبل بيارة (مصرف لمياه المجاري) ، فهل تجوز الصلاة وتلاوة القرآن فيها أم لا؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا بأس بهذا مادام أنها منفصلة. فقد ذكر الإمام الموفق صاحب المغني وصاحب الشرح الكبير: أنه يجوز استعمال ما كان فوق سطح الدبل ونحوه؛ إذا كان الدبل أسفل وفوقه السطح. إنما الممنوع الصلاة على الحشوش - أي المراحيض ونحوها - أما سطوحها فكما قلنا إن الصواب جواز الصلاة عليه وقراءة القرآن، وإن كان بعض العلماء يرى عدم جواز ذلك، لكن الصواب إن شاء الله لا بأس، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد الله بن حميد ص 62.(5/755)
مقدار دعاء القنوت وترتيله
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم ترتيل دعاء القنوت وتطويله لأكثر من 20 دقيقة، مع ما يتخلله من دعاء أشبه ما يكون بالكلام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
القنوت في صلاة الوتر سنة مستحبة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد جاءت بعض الأحاديث في بيان صيغة دعاء القنوت.
عن الْحَسَن بْن عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال:
عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ:
(اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ، فإِنَّكَ تَقْضِي وَلا يُقْضَى عَلَيْكَ، وَإِنَّهُ لا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، وَلا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ) .
رواه أبو داود (1425) والترمذي (464) وحسنه، وصححه ابن عبد البر في "الاستذكار" (2/285) والنووي في "الأذكار" (86) .
انظر سؤال رقم (14093)
وفي صحيح ابن خزيمة (1100) أن الناس ـ على عهد عمر ـ: (كانوا يلعنون الكفرة في النصف ـ يعني: من رمضان ـ: " اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك ولا يؤمنون بوعدك، وخالف بين كلمتهم، وألق في قلوبهم الرعب، وألق عليهم رجزك وعذابك إله الحق. "
ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو للمسلمين بما استطاع من خير ثم يستغفر للمؤمنين قال: وكان يقول إذا فرغ من لعنة الكفرة وصلاته على النبي واستغفاره للمؤمنين والمؤمنات ومسألته: " اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد ونرجو رحمتك ربنا ونخاف عذابك الجد إن عذابك لمن عاديت ملحق ثم يكبر ويهوى ساجدا "
قال الألباني: " إسناده صحيح ".
ثانيا:
مراعاة الدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أصحابه من بعده، أولى وأفضل وأعظم بركة من اختراع الأدعية المسجوعة، والأوراد المتكلفة، والتي لا يؤمن أن يكون فيها خطأ في المعنى، أو مخالفة لمقتضى الأدب مع الله تعالى في دعائه، وأسلم لصاحبها من الرياء والسمعة.
قال القاضي عياض رحمه الله: " أذن الله تعالى في دعائه، وعلم الدعاء في كتابه لخليقته، وعلم النبيُّ صلى الله عليه وسلم الدعاء لأمته، واجتمعت فيه ثلاثة أشياء: العلم بالتوحيد، والعلم باللغة، والنصيحة للأمة؛ فلا ينبغي لأحد أن يعدل عن دعائه صلى الله عليه وسلم. "
وقال الماوردي رحمه الله في " الحاوي الكبير " [2/200] : " والمروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أحب إلينا من غيره، وأي شيء قنت من الدعاء المأثور وغيره أجزأه عن قنوته "
[نقل النصين الشيخ محمد إسماعيل المقدم في رسالته: عودوا إلى خير الهدى، ص (45-46) ]
وقد أشار ابن عقيل الحنبلي رحمه الله أن الدعاء المأثور ينبغي أن يكون هو الهدي والورد الراتب، وأن الزيادة عليه هي من باب الرخصة، قال: " والمستحب عندنا: ما رواه الحسن بن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم اهدني ـ الحديث مشهور، قال: فإن ضم إليه ما روي عن عمر رضي الله عنه: اللهم إنا نستعينك، إلخ، فلا بأس. " اهـ
نقله ابن مفلح في نكته على المحرر (1/89) .
بل إن بعض أهل العلم شدد في أمر الزيادة على الدعاء المأثور، حتى قال العز ابن عبد السلام رحمه الله ـ كما في فتاواه (87) ـ: " ولا ينبغي أن يزاد على رسول الله صلى الله عليه وسلم في القنوت شيء ولا ينقص " [نقلا عن: عودوا إلى خير الهدى، ص (45ـ هـ 2) ]
ثالثا:
لا بأس بالزيادة على اللفظ المأثور في القنوت بما يناسب الحال، فإن المقام مقام دعاء، والدعاء أمره واسع، والزيادة فيه مشروعة، وفي الدعاء المأثور في عهد عمر: " ويدعو للمسلمين بما استطاع من خير ثم يستغفر للمؤمنين.. "
يقول النووي رحمه الله "المجموع" (3/477-478) :
" قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح: قول من قال يتعين (أي الدعاء الوارد) شاذ مردود، مخالف لجمهور الأصحاب، بل مخالف لجماهير العلماء، فقد حكى القاضي عياض اتفاقهم على أنه لا يتعين في القنوت دعاء ... وقال صاحب الحاوي: يحصل بالدعاء المأثور وغير المأثور " انتهى.
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (34/63) :
" وله أن يزيد ما شاء مما يجوز به الدعاء في الصلاة " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله "الشرح الممتع" (4/52) :
" ولو زاد على ذلك فلا بأس لأن المقام مقام دعاء " انتهى.
رابعا:
ينبغي الانتباه إلى أن الزيادة على الدعاء المأثور، وإن كانت سائغة عند جمهور العلماء، فلا يجوز أن تتخذ هديا لازما ووردا ثابتا، تهجر لأجله السنة المأثورة، وتفوت لأجله بركة اتباع الهدي، بل ولا ينبغي أن يجمع بينهما دائما ويجعلا بمنزلة واحدة؛ بل يفعل المصلي ذلك أحيانا ويتركه أحيانا، بحسب مقتضى الحال.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" لا ريب أن الأذكار والدعوات من أفضل العبادات، والعبادات مبناها على التوقيف والإتباع لا على الهوى والابتداع؛ فالأدعية والأذكار النبوية هي أفضل ما يتحراه المتحري من الذكر والدعاء وسالكها على سبيل أمان وسلامة والفوائد والنتائج التي تحصل لا يعبر عنه لسان ولا يحيط به إنسان وما سواها من الأذكار قد يكون محرما وقد يكون مكروها وقد يكون فيه شرك مما لا يهتدي إليه أكثر الناس وهي جملة يطول تفصيلها!!
وليس لأحد أن يسن للناس نوعا من الأذكار والأدعية غير المسنون ويجعلها عبادة راتبة يواظب الناس عليها كما يواظبون على الصلوات الخمس ; بل هذا ابتداعُ دينٍ لم يأذن الله به ; بخلاف ما يدعو به المرء أحيانا من غير أن يجعله للناس سنة؛ فهذا إذا لم يُعْلم أنه يتضمن معنى محرما لم يجز الجزم بتحريمه ; لكن قد يكون فيه ذلك والإنسان لا يشعر به. وهذا كما أن الإنسان عند الضرورة يدعو بأدعية تفتح عليه ذلك الوقت فهذا وأمثاله قريب. وأما اتخاذ ورد غير شرعي واستنان ذكر غير شرعي: فهذا مما ينهى عنه ومع هذا ففي الأدعية الشرعية والأذكار الشرعية غاية المطالب الصحيحة ونهاية المقاصد العلية ولا يعدل عنها إلى غيرها من الأذكار المحدثة المبتدعة إلا جاهل أو مفرط أو متعد."
مجموع الفتاوى (22/511) .
خامسا:
ما هو مقدار القنوت؟ وهل يشرع التطويل فيه أم لا؟
إذا تأملنا في حديث الحسن بن علي السابق، نجد أن الدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم له دعاء مختصر موجز، لا يكاد يستغرق الدقائق المعدودات، مما يدل على أن الأَوْلَى في دعاء القنوت هو الاختصار، والاقتصار على جوامع الدعاء.
جاء في مغني المحتاج (1/369) :
" قال في المجموع عن البغوي: وتكره إطالة القنوت كالتشهد الأول، وقال القاضي حسين: ولو طَوَّلَ القنوت زائدًا على العادة كُره " انتهى.
بل أشار النووي رحمه الله تعالى إلى أن الجمع بين دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، ودعاء عمر رضي الله عنه، في القنوت، هو من التطويل الذي ينبغي مراعاة أحوال الناس فيه، والعلم برضاهم به.
قال: " قال أصحابنا: يستحب الجمع بين قنوت عمر رضي الله عنه وبين ما سبق فإن جمع بينهما فالأصح تأخير قنوت عمر , وفي وجه يستحب تقديمه وإن اقتصر فليقتصر على الأول , وإنما يستحب الجمع بينهما إذا كان منفردا أو إمام محصورين يرضون بالتطويل والله أعلم"
المجموع (3/478) .
وإذا كان الجمع بين الدعاءين المذكورين، على قصرهما، نوعا من التطويل، فكيف بما يبلغ ما ذكرت في سؤالك (20) دقيقة، أو نحوها، فكيف بمن يدعو ضعف ذلك أو يزيد، مما ابتلي به كثير من الأئمة الذين لا هم لهم إلا التغني بالناس، والعياذ بالله، وقد رأى الناس من ذلك في زماننا عجبا!!
والأحسن في هذا كله والله أعلم هو الاعتدال، فإن خير الأمور الوسط، وقد نهت الشريعة أن نشق على الناس، خاصة إذا اعتاد ذلك في كل ليلة.
سئل الشيخ ابن عثيمين السؤال التالي "فتاوى علماء البلد الحرام" (152) :
" بعض أئمة المساجد في رمضان يطيلون الدعاء، وبعضهم يُقَصّر، فما هو الصحيح؟
فأجاب رحمه الله:
" الصحيح ألا يكون غلو ولا تقصير، فالإطالة التي تشق على الناس منهي عنها، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لمّا بلغه أن معاذ بن جبل أطال الصلاة في قومه، غضب عليه غضبا لم يغضب في موعظة مثله قط، وقال لمعاذ بن جبل (يَا مُعَاذُ! أَفَتَّانٌ أَنتَ؟) رواه البخاري (6106) ومسلم (465)
فالذي ينبغي أن يقتصر على الكلمات الواردة، أو يزيد.
ولا شك في أن الإطالة شاقة على الناس وترهقهم، ولا سيما الضعفاء منهم، ومِن الناس مَن يكون وراءه أعمال، ولا يُحِبُّ أن ينصرف قبل الإمام، ويشق عليه أن يبقى مع الإمام، فنصيحتي لإخواني الأئمة أن يكونوا بَيْنَ بَيْنَ، كذلك ينبغي أن يترك الدعاء أحيانا، حتى لا يظن العامة أن الدعاء واجب " انتهى.
وانظر إجابة السؤال رقم (93051)
سادسا:
أما ما سألت عنه من حكم ترتيل دعاء القنوت، وتحسين الصوت به، فإن بالغ في ذلك واشتغل به وجعله أكبر همه، واتخذه وسيلة لصرف وجوه الناس إليه، أو خرج به عن حد الدعاء إلى الموعظة أو كلام الناس، كما هو الحال المشار إليه في سؤالك، وكما يفعله كثير من الأئمة الذين يتلاعبون بعبادة الناس وعواطفهم، إذا كان الحال ما ذكر؛ فهو منكر يستهجنه كل من علم هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ويأباه كل ذي طبع سليم.
قال الكمال بن الهمام الحنفي رحمه الله في كلامه عن المؤذنين الذين يبلغون خلف الإمام ـ في زمانه ـ:
" أَمَّا خُصُوصُ هَذَا الَّذِي تَعَارَفُوهُ فِي هَذِهِ الْبِلَادِ فَلَا يَبْعُدُ أَنَّهُ مُفْسِدٌ؛ فَإِنَّهُ غَالِبًا يَشْتَمِلُ عَلَى مَدِّ هَمْزَةِ اللَّهُ أَوْ أَكْبَرُ أَوْ بَائِهِ وَذَلِكَ مُفْسِدٌ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَمِلْ فَلِأَنَّهُمْ يُبَالِغُونَ فِي الصِّيَاحِ زِيَادَةً عَلَى حَالَةِ الْإِبْلَاغِ، وَالِاشْتِغَالِ بِتَحْرِيرَاتِ النَّغَمِ إظْهَارًا لِلصِّنَاعَةِ النَّغَمِيَّةِ لَا إقَامَةً لِلْعِبَادَةِ، ...
وَهُنَا مَعْلُومٌ أَنَّ قَصْدَهُ إعْجَابُ النَّاسِ بِهِ، وَلَوْ قَالَ: اعْجَبُوا مِنْ حُسْنِ صَوْتِي وَتَحْرِيرِي فِيهِ: أَفْسَدَ، وَحُصُولُ الْحُرُوفِ لَازِمٌ مِنْ التَّلْحِينِ، وَلَا أَرَى ذَلِكَ يَصْدُرُ مِمَّنْ فَهِمَ مَعْنَى الصَّلَاةِ وَالْعِبَادَةِ!!
وإذا كان هذا قوله في أحوال المؤذنين؛ فكيف بالإئمة الذين يفعلون ذلك داخل الصلاة؟!! فلا جرم استطرد بعدها، فقال:
" كَمَا أرى تَحْرِيرَ النَّغَمِ فِي الدُّعَاءِ كَمَا يَفْعَلُهُ الْقُرَّاءُ فِي هَذَا الزَّمَانِ يَصْدُرُ مِمَّنْ فَهِمَ مَعْنَى الدُّعَاءِ وَالسُّؤَالِ وَمَا ذَلِكَ إلَّا نَوْعُ لَعِبٍ، فَإِنَّهُ لَوْ قُدِّرَ فِي الشَّاهِدِ سَائِلَ حَاجَةٍ مِنْ مَلِكٍ أَدَّى سُؤَالُهُ وَطَلَبُهُ تَحْرِيرَ النَّغَمِ فِيهِ مِنْ الرَّفْعِ وَالْخَفْضِ وَالتَّغْرِيبِ وَالرُّجُوعُ كَالتَّغَنِّي نُسِبَ أَلْبَتَّةَ إلَى قَصْدِ السُّخْرِيَةِ وَاللَّعِبِ، إذْ مَقَامُ طَلَبِ الْحَاجَةِ التَّضَرُّعُ لَا التَّغَنِّي!! " انتهى.
فتح القدير، للكمال ابن الهمام، من فقهاء الحنفية (2/225-226) .
وأما مراعاة حسن الصوت، من غير غلو، أو إخراج للكلام عن جهته في النطق العربي الفصيح، فالظاهر أنه ليس من هذا التغني المذموم الذي أشرنا إليه.
وقد سئل عنه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، فأجاب جوابا مفصلا.
سئل رحمه الله كما في "فتاوى البلد الحرام" (153) ما يلي:
بعض أئمة المساجد يحاول ترقيق قلوب الناس، والتأثير فيهم، بتغيير نبرة صوته أحيانا، في أثناء صلاة التراويح، وفي دعاء القنوت، وقد سمعت بعض الناس يُنكر ذلك، فما قولكم حفظكم الله في هذا؟
فكان جوابه:
" الذي أرى أنَّه إذا كان هذا العمل في الحدود الشرعية، بدون غلو، فإنه لا بأس به، ولا حرج فيه، ولهذا قال أبو موسى الأشعري للنبي صلى الله عليه وسلم:
(لَو كُنتُ أَعلَمُ أَنَّكَ تَستَمِعُ إِلَى قِرَاءَتِي لَحَبَّرتُهُ لَكَ تَحبِيرًا) أي: حسَّنتُها وزينتها.
فإذا أحسن بعض الناس صوتَه، أو أتى به على صفة ترقِّقُ القلوب، فلا أرى في ذلك بأسا، لكنَّ الغلو في هذا، لكونه لا يتعدى كلمةً في القرآن إلا فعل مثل هذا الفعل الذي ذكر في السؤال، أرى أنَّ هذا من باب الغلو، ولا ينبغي فعله، والعلم عند الله " انتهى.
والله أعلم.
وانطر: رسالة: دعاء القنوت، للعلامة الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد، ورسالة عودوا إلى خير الهدى، للشيخ محمد إسماعيل المقدم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/756)
هل هناك فرق بين صلاة الصبح وصلاة الفجر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الفرق بين صلاة الفجر والصبح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صلاة الفجر هي صلاة الصبح، لا فرق بينهما، وهي ركعتان مفروضتان، يبدأ وقتها من طلوع الفجر الصادق إلى طلوع الشمس. ولها سنة قبليّة، ركعتان، وتسمى سنة الفجر أو سنة الصبح، أو ركعتي الفجر.
وقد ورد في السنة إطلاق "صلاة الصبح" و "صلاة الفجر" على هذه الفريضة الشريفة، ومن ذلك: ما رواه مسلم (656) عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ قَالَ: دَخَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ الْمَسْجِدَ بَعْدَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ فَقَعَدَ وَحْدَهُ فَقَعَدْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ)
وما رواه البخاري (556) ومسلم (608) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا أَدْرَكَ أَحَدُكُمْ سَجْدَةً مِنْ صَلاةِ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلاتَهُ، وَإِذَا أَدْرَكَ سَجْدَةً مِنْ صَلاةِ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلاتَهُ) .
وأما تسميتها "صلاة الفجر " ففي نحو ما رواه مسلم (670) عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا صَلَّى الْفَجْرَ جَلَسَ فِي مُصَلاهُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَسَنًا.
وما رواه البخاري (891) ومسلم (880) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْجُمُعَةِ فِي صَلاةِ الْفَجْرِ الم تَنْزِيلُ السَّجْدَةَ، وَهَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنْ الدَّهْرِ.
وما رواه البخاري (555) ومسلم (632) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلائِكَةٌ بِالنَّهَارِ وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاةِ الْفَجْرِ وَصَلاةِ الْعَصْرِ ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ) .
وراجع السؤال رقم (65941) (26763) لمعرفة وقت صلاة الفجر (الصبح) ، والسؤال رقم (65746) لمزيد الفائدة حول سنة الفجر.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/757)
حكم الصلاة في مقر العمل
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شخص أعمل في برج الفيصلية في الرياض، وحين دخول وقت الصلاة يكون هناك تسجيل عبر سماعات المبنى إيذاناً بموعدها، ولدي بعض الزملاء الذين يؤدون صلاة الظهر في مكاتبهم محتجين بعدة أسباب هي:
1- أنهم لا يسمعون أذان المسجد وإنما هذا تسجيل وليس أذاناً.
2- أنهم يؤدونها جماعة وبذلك حققوا شرط الجماعة.
3- أن البرج لا يوجد به مصلى خاص به - مع العلم بأن هناك مسجداً قريباً من الدور الأرضي- لكنهم يقولون: إن هذا المسجد ليس تابعاً للمبنى لذا فهو بعيد.
سؤالي هو:
ما حكم صلاتهم في مكاتبهم؟ وكيف أرد على حججهم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: الأصل أن الصلاة تكون في المساجد، ولهذا بنيت، وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سمع النداء فلم يجب، فلا صلاة له إلا من عذر) رواه الترمذي (217) وابن ماجه (793) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (793) .
وقال النبي عليه الصلاة والسلام لابن أم مكتوم رضي الله عنه: (أتسمع النداء؟) قال: نعم. قال: (أجب) رواه مسلم (653) .
وهذا الحديث يدل على أن الواجب على من سمع النداء أن يجيب، فيصلي جماعة في المسجد.
والمراد بسماع النداء: أن يسمع صوت المؤذن إذا رفع صوته بالأذان من غير مكبر للصوت.
فمن كان قريباً من المسجد بحيث يسمع النداء وجبت عليه صلاة الجماعة في المسجد، ومن كان بعيداً لم يجب عليه الحضور إلى المسجد.
وانظر جواب السؤال (20655) .
ثانياً:
أما قولهم: (إنهم يؤدونها جماعة وبذلك حققوا شرط الجماعة) .
فينبغي أن يعلموا أن الواجب عليهم أمران:
الأول: أن يصلوا جماعة.
الثاني: أن تكون هذه الجماعة في المسجد.
فلا بد من تحقيق الأمرين معاً، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال المشار إليه آنفاً.
وانظر جواب السؤال (72398)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" الأصل الصلاة في المساجد , ولا بأس أن يصلي أهل المكاتب في مكاتبهم إذا كان خروجهم إلى المسجد يؤدي إلى تعطل العمل , أو يؤدي إلى تلاعب بعض الموظفين الذين يخرجون للصلاة ويتأخرون , وإذا كان المسجد بعيداً أيضاً جاز لهم الصلاة في مكان عملهم.
فالمهم: إذا كان هناك مصلحة , أو حاجة إلى أن يصلوا في مكاتبهم فلا حرج " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (15/68) .
وخلاصة الجواب:
أن الواجب على هؤلاء أن يصلوا في المسجد ما دام المسجد قريباً، ولا يجوز لهم أن يصلوا في مكاتبهم، إلا من عذر كما لو خيف أن يكون ذلك سببا لتفريط الموظفين ونحو ذلك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/758)
الفرق بين الزوجة الكتابية والزوجة تاركة الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت فتوى لكم لرجل مسلم امرأته مسلمة لا تصلي، قلتم له إنه يجب أن يطلقها. وأعلم أن المسلم يجوز له الزواج من كتابية، والكتابية لا تصلي. أليس هناك خلل ... ؟ !.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس في الفتوى المشار إليها خلل، وإنما جاء الخلل من إرادة السائل أن يسوي بين المرأة التي تنتسب إلى الإسلام وتترك الصلاة، والمرأة اليهودية أو النصرانية، بحجة أن كلتاهما لا تصلي!
وهذه التسوية غير صحيحة لأن بينهما فرقاً، وهو أن ترك الصلاة كفر أكبر، وردة وخروج من دين الإسلام، وقد سبق بيان ذلك في كثير من الأجوبة بالموقع، منها جواب السؤال رقم (9400) ، (5208) .
وبناء على هذا القول فإن المرأة التي لا تصلي تكون كافرة ومرتدة عن الإسلام.
والمرتد عن الإسلام حكمه أشد من حكم اليهود أو النصارى.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
" والمرتد شرٌّ من الكافر الأصلي من وجوه كثيرة " انتهى.
" مجموع الفتاوى " (2 / 193) .
ولذلك لا تؤكل ذبيحة المرتد، وإن كانت تؤكل ذبيحة اليهودي والنصراني، ولا يجوز للمسلم أن يتزوج مرتدة، بل إذا ارتدت زوجته انفسخ النكاح، وإن كان يجوز للمسلم أن يتزوج يهودية أو نصرانية.
فأصل المسألة هو الحكم بكفر تارك الصلاة، فمن ذهب إلى ذلك منع من الزواج ممن لا تصلي، وأوجب فراقها إن تركت الصلاة، وهذا مذهب الإمام أحمد رحمه الله وأفتى به جماعة من أهل العلم، كالشيخ ابن باز رحمه الله، والشيخ ابن عثيمين رحمه الله، والشيخ صالح الفوزان حفظه الله، وهو ما سرنا عليه في الفتاوى ذات الصلة.
وهكذا إذا ارتكبت المرأة أمرا مكفرا، كَسَبِّ الله تعالى أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم، وأصرت على كفرها ولم تتب، فإنه لا يحل أن تبقى زوجةً لمسلم، وكذلك الحال بالنسبة للزوج لو حُكم بردته فإنه يجب التفريق بينه وبين زوجته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/759)
وجود قبر النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده مع النهي عن اتخاذ القبور مساجد
[السُّؤَالُ]
ـ[الحديث الشريف: (لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ... الخ) . فما القول في أن قبر الرسول عليه الصلاة والسلام موجود داخل مسجده بالمدينة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد تكلم العلماء قديماً وحديثاً في هذه المسألة، وردوا على من استدل بوجود قبر النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده على جواز اتخاذ القبور مساجد، أو إدخال القبور في المساجد، وسنذكر هاهنا فتاوى لبعض علمائنا المحققين، وفيها تفصيل ما في السؤال من إشكال.
1. قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
" هنا شبهة يشبه بها عُبَّاد القبور، وهي: وجود قبر النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده، والجواب عن ذلك: أن الصحابة رضي الله عنهم لم يدفنوه في مسجده، وإنما دفنوه في بيت عائشة رضي الله عنها، فلما وَسَّعَ الوليد بن عبد الملك مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في آخر القرن الأول أدخل الحجرة في المسجد، وقد أساء في ذلك، وأنكر عليه بعض أهل العلم، ولكنه اعتقد أن ذلك لا بأس به من أجل التوسعة.
فلا يجوز لمسلم أن يحتج بذلك على بناء المساجد على القبور، أو الدفن في المساجد؛ لأن ذلك مخالف للأحاديث الصحيحة؛ ولأن ذلك أيضا من وسائل الشرك بأصحاب القبور " انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (5/388، 389) .
2. سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله عن حكم الصلاة في مسجد فيه قبر؟
فأجاب:
" الصلاة في مسجد فيه قبر على نوعين:
الأول: أن يكون القبر سابقاً على المسجد، بحيث يبنى المسجد على القبر، فالواجب هجر هذا المسجد وعدم الصلاة فيه، وعلى من بناه أن يهدمه، فإن لم يفعل وجب على ولي أمر المسلمين أن يهدمه.
والنوع الثاني: أن يكون المسجد سابقاً على القبر، بحيث يدفن الميت فيه بعد بناء المسجد، فالواجب نبش القبر، وإخراج الميت منه، ودفنه مع الناس.
وأما المسجد فتجوز الصلاة فيه بشرط أن لا يكون القبر أمام المصلي، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة إلى القبور.
أما قبر النبي صلى الله عليه وسلم الذي شمله المسجد النبوي فمن المعلوم أن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بُنِيَ قبل موته فلم يُبْنَ على القبر، ومن المعلوم أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدفن فيه، وإنما دفن في بيته المنفصل عن المسجد، وفي عهد الوليد بن عبد الملك كتب إلى أميره على المدينة وهو عمر بن عبد العزيز في سنة 88 من الهجرة أن يهدم المسجد النبوي ويضيف إليه حجر زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، فجمع عمر وجوه الناس والفقهاء وقرأ عليهم كتاب أمير المؤمنين الوليد فشق عليهم ذلك، وقالوا: تَرْكُها على حالها أدعى للعبرة، ويحكى أن سعيد بن المسيب أنكر إدخال حجرة عائشة، كأنه خشي أن يتخذ القبر مسجداً فكتب عمر بذلك إلى الوليد فأرسل الوليد إليه يأمره بالتنفيذ فلم يكن لعمر بُدٌّ من ذلك، فأنت ترى أن قبر النبي صلى الله عليه وسلم لم يوضع في المسجد، ولم يُبْنَ عليه المسجد، فلا حجة فيه لمحتج على الدفن في المساجد أو بنائها على القبور، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد "، قال ذلك وهو في سياق الموت تحذيراً لأمته مما صنع هؤلاء، ولما ذكرت له أم سلمة رضي الله عنها كنيسة رأتها في أرض الحبشة وما فيها من الصور قال: " أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح، أو العبد الصالح بنوا على قبره مسجداً، أولئك شرار الخلق عند الله "، وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن مِن شرار الناس مَن تدركهم الساعة وهم أحياء، والذين يتخذون من القبور مساجد " أخرجه الإمام أحمد بسند جيد.
والمؤمن لا يرضى أن يسلك مسلك اليهود والنصارى، ولا أن يكون من شرار الخلق. "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (12/السؤال رقم 292) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/760)
أوقات الصلاة والصيام في الأماكن القطبية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا غير مسلم، وأعيش حاليا في بلد مسلم. وقد فهمت أن الصلوات الخمس وأوقات الصيام يتم تحديدها وفقا لمواعيد شروق الشمس وغروبها. وسؤالي هو: كيف يمكن للمسلم معرفة أوقات الصلوات وأوقات الصوم إذا كان يعيش قرب الدائرة القطبية حيث يكون الليل أو النهار طويلا جدا، ويتغير طوله بتغير الفصل.
أشكركم (سلفا) على إجابتكم، واستمروا في هذا العمل الذي تقومون به، فقد استفدت منه في فهم بعض الأمور في الإسلام، كما ساعدني في فهم بعض القضايا التي كان يتحدث عنها الموظفون في الشركة التي أعمل بها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نشكرك على هذا السؤال ونقدّر لك هذا الاهتمام بأوقات الصلاة في دين الإسلام وجوابا على سؤالك فإن الذين يعيشون قريبا من الدائرة القطبية ولديهم ليل مستمر أو نهار مستمر لأشهر فإنهم ينظرون في أقرب البلاد إليهم مما فيه ليل ونهار متميزان خلال الأربع والعشرين ساعة فيؤدون صلواتهم الخمس بناء على توقيت هذه البلاد.
وإنّ اهتمامك بالأمر وحرصك على السؤال والمعرفة يجعلنا نطمع في اعتناقك لهذا الدين وممارسة عباداته وشعائره ونتمنى لك الخير والتوفيق والسداد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/761)
أحكام ومسائل في الصلاة على الكرسي
[السُّؤَالُ]
ـ[في صلاة التراويح يحتاج بعض المصلين للكرسي وقد علمنا أنه يضع أرجل الكرسي الخلفية بمحاذاة الصف هذا إذا كان جالسا على الكرسي طوال الصلاة، لكن السؤال: كيف يكون اصطفافه في الحالات التالية:
1. يجلس على الكرسي أثناء الوقوف فقط؟
2. يجلس على الكرسي أثناء الركوع أو السجود أو التشهد؟
3. يجلس على الكرسي في أجزاء متفرقة من الصلاة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
القيام والركوع والسجود من أركان الصلاة، فمن استطاع فعلها وجب عليه فعلها على هيئتها الشرعية، ومن عجز عنها لمرضٍ أو كبر سنٍّ فله أن يجلس على الأرض أو على كرسي.
قال تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) البقرة/238.
وعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: كانت بي بواسير فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فقال: (صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ) . رواه البخاري (1066) .
قال ابن قدامة المقدسي:
أجمع أهل العلم على أن من لا يطيق القيام له أن يصلي جالساً.
" المغني " (1 / 443) .
وقال النووي:
أجمعت الأمة على أن من عجز عن القيام في الفريضة صلاها قاعداً ولا إعادة عليه، قال أصحابنا: ولا ينقص ثوابه عن ثوابه في حال القيام؛ لأنه معذور، وقد ثبت في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا) .
" المجموع " (4 / 226) .
وقال الشوكاني:
وحديث عمران يدل على أنه يجوز لمن حصل له عذر لا يستطيع معه القيام أن يصلي قاعداً ولمن حصل له عذر لا يستطيع معه القعود أن يصلي على جنبه.
" نيل الأوطار " (3 / 243) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:
" وَقَدْ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْمُصَلِّيَ إذَا عَجَزَ عَنْ بَعْضِ وَاجِبَاتِهَا كَالْقِيَامِ أَوْ الْقِرَاءَةِ أَوْ الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ أَوْ سَتْرِ الْعَوْرَةِ أَوْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ سَقَطَ عَنْهُ مَا عَجَزَ عَنْهُ " انتهى من مجموع الفتاوى (8/437) .
وبناءً على ذلك: فإن من صلى الفريضة جالساً وهو قادر على القيام فصلاته باطلة.
ثانياً:
ومما ينبغي التنبه له: أنه إذا كان معذوراً في ترك القيام فلا يبيح له عذره هذا الجلوس على الكرسي لركوعه وسجوده.
وإذا كان معذوراً في ترك الركوع والسجود على هيئتهما فلا يبيح له عذره هذا عدم القيام والجلوس على الكرسي.
فالقاعدة في واجبات الصلاة: أن ما استطاع المصلي فعله، وجب عليه فعله، وما عجز عن فعله سقط عنه.
فمن كان عاجزاً عن القيام جاز له الجلوس على الكرسي أثناء القيام، ويأتي بالركوع والسجود على هيئتهما، فإن استطاع القيام وشقَّ عليه الركوع والسجود: فيصلي قائماً ثم يجلس على الكرسي عند الركوع والسجود، ويجعل سجوده أخفض من ركوعه.
انظر السؤال: (9307) ، (36738) .
قال ابن قدامة المقدسي:
ومن قدر على القيام وعجز عن الركوع أو السجود: لم يسقط عنه القيام، ويصلي قائماً فيومئ بالركوع، ثم يجلس فيومئ بالسجود، وبهذا قال الشافعي …
لقول الله تعالى: (وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صل قائماً) ؛ ولأن القيام ركن لمن قدر عليه، فلزمه الإتيان به كالقراءة، والعجز عن غيره لا يقتضي سقوطه كما لو عجز عن القراءة. انتهى من "المغني" (1/444) باختصار.
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
الواجب على من صلى جالسا على الأرض، أو على الكرسي، أن يجعل سجوده أخفض من ركوعه، والسنة له أن يجعل يديه على ركبتيه في حال الركوع، أما في حال السجود فالواجب أن يجعلهما على الأرض إن استطاع، فإن لم يستطع جعلهما على ركبتيه، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: الجبهة - وأشار إلى أنفه - واليدين، والركبتين، وأطراف القدمين) .
ومن عجز عن ذلك وصلي على الكرسي فلا حرج في ذلك، لقول الله سبحانه: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ) متفق على صحته.
" فتاوى ابن باز " (12 / 245، 246) .
ثالثاً:
وأما وضع الكرسي في الصف فقد ذكر العلماء رحمهم الله أن العبرة فيمن صلى جالساً مساواة الصف بمقعدته، فلا يتقدم أو يتأخر عن الصف بها، لأنها الموضع الذي يستقر عليه البدن.
وانظر: "أسنى المطالب" (1/222) ، "تحفة المحتاج" (2/157) ، "شرح منتهى الإرادات" (1/279) .
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (6/21) :
" يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الاقْتِدَاءِ (أي اقتداء المأموم بالإمام) أَلا يَتَقَدَّمَ الْمُقْتَدِي إمَامَهُ فِي الْمَوْقِفِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ) . . .
وَالاعْتِبَارُ فِي التَّقَدُّمِ وَعَدَمِهِ لِلْقَائِمِ بِالْعَقِبِ , وَهُوَ مُؤْخِرُ الْقَدَمِ لا الْكَعْبِ , فَلَوْ تَسَاوَيَا فِي الْعَقِبِ وَتَقَدَّمَتْ أَصَابِعُ الْمَأْمُومِ لِطُولِ قَدَمِهِ لَمْ يَضُرَّ. . . . . وَالْعِبْرَةُ فِي التَّقَدُّمِ بِالأَلْيَةِ لِلْقَاعِدِينَ , وَبِالْجَنْبِ لِلْمُضْطَجِعِينَ " انتهى.
فإن كان المصلي سيجلس على الكرسي من أول الصلاة إلى آخرها فإنه يحاذي الصف بموضع جلوسه.
فإن كان سيصلي قائماً، غير أنه سيجلس على الكرسي في موضع الركوع والسجود، فقد سألنا فضيلة الشيخ عبد الرحمن البراك عن هذا فأفاد بأن العبرة بالقيام. فيحاذي الصف عند قيامه.
وعلى هذا سيكون الكرسي خلف الصف، فينبغي أن يكون في موضع بحيث لا يتأذى به من خلفه من المصلين.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/762)
إذا دعا في السجود بدعاء وارد في القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلم جديد وعلمت أنه لا يجوز تلاوة القرآن أثناء السجود. وكما تعلمون أقرب ما يكون من ربه وهو ساجد. وسؤالي عن الأدعية المقتبسة من القرآن، هل يجوز الدعاء بالأدعية القرآنية في السجود؟ أم يعد هذا من التلاوة للقرآن المنهي عنها في السجود؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن قراءة القرآن في الركوع أو السجود.
روى مسلم (479) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَلا وَإِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا، فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ فَقَمِنٌ – أي جدير وحقيق - أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ) .
وروى مسلم (480) عن عَلِيّ بْن أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ: نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَقْرَأَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا.
وقد اتفق العلماء على كراهة قراءة القرآن في الركوع أو السجود.
انظر: "المجموع" (3/411) ، "المغني" (2/181) .
والحكمة من ذلك:
قيل: لأَنَّ أَفْضَل أَرْكَان الصَّلاة الْقِيَام وَأَفْضَل الأَذْكَار الْقُرْآن , فَجَعَلَ الأَفْضَل لِلأَفْضَلِ وَنَهَى عَنْ جَعْله فِي غَيْره لِئَلا يُوهِم اِسْتِوَائِهِ مَعَ بَقِيَّة الأَذْكَار. "عون المعبود".
وقيل: لأن القرآن أشرف الكلام , إذ هو كلام الله , وحالة الركوع والسجود ذل وانخفاض من العبد , فمن الأدب أن لا يقرأ كلام الله في هاتين الحالتين. "مجموع الفتاوى" (5/338) .
ثانياً:
إذا دعا في السجود بدعاء وارد في القرآن الكريم كقوله تعالى: (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) البقرة/201، فلا بأس به إذا قصد بذلك الدعاء لا قراءة القرآن، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى) رواه البخاري (1) ومسلم (1907) .
قال الزركشي: " محل الكراهة ما إذا قصد بها القراءة , فإن قصد بها الدعاء والثناء فينبغي أن يكون كما لو قنت بآية من القرآن " انتهى.
والقنوت بآية من القرآن جائز بلا كراهة.
"تحفة المحتاج" (2/61) .
قال النووي في "الأذكار" (ص 59) :
" ولو قنت بآية أو آيات من القرآن العزيز وهي مشتملة على الدعاء حصل القنوت، ولكن الأفضل ما جاءت به السنة " انتهى.
وهذا إذا قصد بالآية الدعاء.
انظر: "الفتوحات الربانية شرح الأذكار النووية" لابن علان (2/308) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة: علمنا بأنه لا يجوز قراءة القرآن في السجود، ولكن هناك بعض الآيات تشتمل على الدعاء مثل قوله تعالى: (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا) ، فما حكم الإتيان بمثل هذه الأدعية الواردة في القرآن في حالة السجود؟
فأجابوا: " لا بأس بذلك إذا أتى بها على وجه الدعاء لا على وجه التلاوة للقرآن " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (6/443) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/763)
حكم تولي المرأة الأذان
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تولي المرأة الأذان للرجال؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جرى عمل المسلمين على مدار أربعة عشر قرناً من الزمان أنه لا يتولى الأذان إلا الرجال، وهذا بمفرده يكفي دليلاً على منع النساء من الأذان للرجال، ومخالفة هذا مخالفة لسبيل المؤمنين، وقد قال الله تعالى: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً) النساء/115.
والأمر أوضح من أن يستدل له، لولا وجود من طمس الله على بصيرتهم، وصاروا يجادلون في أمور تعد من ثوابت هذا الدين.
ويدل على ذلك من السنة:
1- ما رواه البخاري (604) ومسلم (377) عن ابْن عُمَرَ رضي الله عنهما قال: كَانَ الْمُسْلِمُونَ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ يَجْتَمِعُونَ فَيَتَحَيَّنُونَ الصَّلاةَ لَيْسَ يُنَادَى لَهَا، فَتَكَلَّمُوا يَوْمًا فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: اتَّخِذُوا نَاقُوسًا مِثْلَ نَاقُوسِ النَّصَارَى، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ بُوقًا مِثْلَ قَرْنِ الْيَهُودِ، فَقَالَ عُمَرُ: أَوَلا تَبْعَثُونَ رَجُلا يُنَادِي بِالصَّلاةِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا بِلالُ، قُمْ فَنَادِ بِالصَّلاةِ) .
فهذا الحديث يدل على أنه من المقرر عند الصحابة أنه لا ينادي للصلاة إلا الرجال، وأنه لا مدخل للنساء في ذلك، لقول عمر رضي الله عنه: (أَوَلا تَبْعَثُونَ رَجُلا يُنَادِي بِالصَّلاةِ) .
2- روى البخاري (684) ومسلم (421) عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (مَنْ رَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ، فَإِنَّهُ إِذَا سَبَّحَ الْتُفِتَ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ) .
قال الحافظ:
" وَكَأَنَّ مَنْعَ اَلنِّسَاءِ مِنْ اَلتَّسْبِيحِ لأَنَّهَا مَأْمُورَة بِخَفْضِ صَوْتِهَا فِي اَلصَّلاةِ مُطْلَقًا لِمَا يُخْشَى مِنْ اَلافْتِتَانِ " انتهى.
فإذا كانت المرأة منهية عن تنبيه الإمام بالقول إن أخطأ، وإنما تصفق، حتى لا ترفع صوتها بحضرة الرجال، فكيف يسمح لها بالأذان؟!
وقد اتفق العلماء على عدم مشروعية أذان النساء للرجال، وهذه بعض أقوالهم في هذا:
جاء في "بدائع الصنائع" (1/411) (حنفي) :
" يكره أذان المرأة باتفاق الروايات ".
وفي "مواهب الجليل" (2/87) (مالكي) :
" فلا يصح أذان امرأة " انتهى.
وقال الشافعي في الأم (1/84) :
" ولا تؤذن امرأة، ولو أذنت لرجال لم يجزئ عنهم أذانها " انتهى.
وفي "الإنصاف" (1/395) (حنبلي) :
"لا يعتد بأذان امرأة " انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/764)
متى يركع المأموم؟ عند تكبير الإمام أم بعد التكبير مباشرة أم ماذا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن المأمومون متى نبدأ بالركوع؟ هل نركع عندما نسمع الإمام يقول الله أكبر أم خلالها أم بعد أن يسكت منها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المشروع في حق المأموم أن يتابع إمامه، فلا يسبقه ولا يوافقه ولا يتأخر عنه، بل يفعل الأمر عقب فعل إمامه مباشرة.
وقد دل على ذلك ما رواه البخاري (378) ومسلم (417) من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وأبي هريرة رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا "وَلا تَرْكَعُوا حَتَّى يَرْكَعَ "، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا "وَلا تَسْجُدُوا حَتَّى يَسْجُدَ "، وَإِنْ صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا) وما بين القوسين من زيادات أبي داود (603) .
فقوله صلى الله عليه وسلم: (َإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَلا تَرْكَعُوا حَتَّى يَرْكَعَ) ومثله في السجود، يدل على أن المأموم لا يبدأ في الانتقال إلى الركن إلا بعد وصول الإمام إليه، فلا يركع حتى يركع الإمام، ولا يسجد حتى يسجد الإمام، وقد جاء ذلك صريحاً في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قال: " سمع الله لمن حمده " لم يحن أحد منا ظهره حتى يقع النبي صلى الله عليه وسلم ساجدا، ثم نقع سجودا بعده. رواه البخاري (811) ومسلم (474) .
قال النووي في " شرح مسلم ": " وفي هذا الحديث هذا الأدب من آداب الصلاة، وهو أن السنة ألا ينحني المأموم للسجود حتى يضع الإمام جبهته على الأرض " انتهى.
وعلى هذا، فالمشروع للمأموم أن يتابع إمامه بعد انتقاله إلى الركن مباشرة، فالعبرة بفعل الإمام لا بتكبيره، وهذا فيمن يرى الإمام، أما من لا يراه من المأمومين، فإنه يقتدي بقوله، فيبدأ في الانتقال إلى الركن بعد انتهاء الإمام من التكبير، وانظر جواب السؤال (33790) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/765)
مكانة الصلاة في الإسلام
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو أن توضح لنا مكانة الصلاة في الدين الإسلامي.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن للصلاة منزلة كبيرة في الإسلام، لا تصل إليها أية عبادة أخرى ... ويدل على ذلك ما يأتي:
أولاً: أنها عماد الدين الذي لا يقوم إلا به ...
وفي الحديث الذي رواه معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ألا أخبرك برأس الأمر كله وعموده، وذروة سنامه؟
قلت: بلى يا رسول الله، قال: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد.." رواه الترمذي 2616 وصححه الألباني في صحيح الترمذي 2110.
ثانياً: تأتي منزلتها بعد الشهادتين لتكون دليلاً على صحة الاعتقاد وسلامته، وبرهاناً على صدق ما وقر في القلب، وتصديقاً له.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وحجِّ البيت، وصوم رمضان " رواه البخاري 8 ومسلم 16.
وإقام الصلاة: أداؤها كاملة بأقوالها وأفعالها، في أوقاتها المعينة، كما جاء في القرآن الكريم، قال الله تعالى: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتا.} أي ذات وقت محدود.
ثالثاً: للصلاة مكانة خاصة من بين سائر العبادات لمكان فرضيتها ...
فلم ينزل بها ملك إلى الأرض، ولكن شاء الله أن ينعم على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بالعروج إلى السماء وخاطبه ربه بفرضية الصلاة مباشرة، وهذا شيء اختصت به الصلاة من بين سائر شرائع الإسلام.
فقد فرضت الصلاة ليلة المعراج قبل الهجرة بنحو ثلاث سنين.
وفرضت خمسين صلاة ثم حصل التخفيف في عددها إلى خمس، وبقي ثواب الخمسين في الخمس، وهذا دليل على محبة الله لها وعظيم منزلتها.
رابعاً: الصلاة يمحو الله بها الخطايا..
روى البخاري (528) ومسلم (667) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَفِي حَدِيثِ بَكْرٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ قَالُوا لا يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ قَالَ فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا: " أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمساً، ما تقول ذلك يُبقي من درنه؟ قالوا: لا يُبقي من درنه شيئاً، قال: فذلك مَثَلُ الصلوات الخمس يمحو الله به الخطايا "
خامساً: الصلاة هي آخر ما يُفقد من الدين، فإن ضاعت ضاع الدين كله ...
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة " رواه مسلم 82.
لذا ينبغي للمسلم أن يحرص على أداء الصلاة في أوقاتها، وألا يتكاسل أو يسهو عنها، قال تعالى: {فويل للمصلين. الذين هم عن صلاتهم ساهون}
وتوعدَّ الله تعالى من ضيَّع الصلاة، فقال: {فخلف من بعدهم خلفٌ أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً} .
سادساً: الصلاة أول ما يُحاسب عليه العبد يوم القيامة ...
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ فَإِنْ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنْ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ " رواه النسائي 465 والترمذي 413 وصححه الألباني في صحيح الجامع 2573
نسأل الله أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.
المراجع: كتاب الصلاة للدكتور الطيار ص 16، وتوضيح الأحكام للبسام 1/371، وتاريخ مشروعية الصلاة للبلوشي ص 31.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/766)
السنة في صلاة الفجر إطالة القراءة فيها، بما لا يشق على الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب أدرس في أمريكا ويوجد مسجد بالجامعة التي أدرس بها. حصلت مشكلة بين الإمام والمصلين وهي الإطالة في صلاة الفجر. اشتكى لي بعض المصلين إطالة الإمام في صلاة الفجر حيث إن الصلاة في ذلك اليوم كانت مدتها 25 دقيقة إلى نصف ساعة حيث إنه قرأ أربعة أوجه من سورة إبراهيم وأربعة أوجه من سورة الكهف والإمام يريد أن يجعلها دائما هكذا لأنه يعلم أن السنة الإطالة في الفجر. علما أن معظم المصلين من الشباب لكنهم تذمروا من هذا الأمر وقال بعضهم إني لن أصلي في هذا المسجد بحجة إطالة الإمام في الصلاة. هل إطالة هذا الإمام تعتبر شاقة ومنفرة للمصلين؟ أنا أستطيع أن أقرأ وجهاً في ثلاث إلى خمس دقائق وغيري ربما يقرأ قراءة متأنية في ثمان دقائق هل هناك فرق في الإطالة بين القراءة المتأنية والقراءة السريعة؟ لأن إمام المسجد قال إن أقل ما يقرأه النبي صلى الله عليه وسلم أربع ورقات أي ثمان أوجه لكن لا نعلم كم مدتها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة الصبح بطوال المفصل.
قال ابن القيم رحمه الله:
" أجمع الفقهاء أن السنة في صلاة الفجر أن يقرأ بطوال المفصل " انتهى.
"حاشية السنن" (3 / 77) .
وطوال المفصل من سورة (ق) حتى سورة (المرسلات) .
وعَنْ أَبِي بَرْزَةَ رضي الله عنه (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ مِنْ السِّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ) متفق عليه.
وكان - أحيانا - يؤمهم فيها بـ "الصافات" رواه أحمد (4969) ، وكان يصليها يوم الجمعة بـ " ألم تنزيل السجدة" في الركعة الأولى، وفي الثانية بـ " هل أتى على الإنسان " متفق عليه.
انظر: "صفة الصلاة" للألباني رحمه الله (ص/109-111) .
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
"المشروع في صلاة الفجر إطالة القراءة، ويقرأ ما تيسر من القرآن بعد الفاتحة من غير تخصيص لسورة معينة، إلا ما ورد الدليل بتخصيصه؛ كسورة السجدة، وسورة الدهر - هل أتى على الإنسان- في صلاة الفجر يوم الجمعة" انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (5 / 340) .
وسئل الشيخ ابن جبرين رحمه الله:
بعض الأئمة يقرأون في جماعتهم في صلاة العشاء والفجر مقدار صفحة أو صفحتين في الركعة الأولى والثانية، ويشتكي جماعة المسجد بأن الإمام أطال في القراءة، وحجتهم أنه يوجد كبار السن وبعضهم مرضى، وكذلك يقولون: إن هذا ينفر من الصلاة في المسجد، فهل هذه تُعد إطالة، وما نصيحتكم تجاه ذلك؟
فأجاب رحمه الله:
" السُنة في صلاة الفجر الإطالة؛ لأن الله سماها قرآنًا بقوله: (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) أي صلاة الفجر ـ التي تطول فيها القراءة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ فيها ما بين الستين آية إلى المائة أو نحو نصف سورة آل عمران أو ثلثها، وذلك قدر اثني عشر صفحة إلى خمسة عشر وجهًا، وكان عمر يقرأ فيها بسورة يوسف كاملة أو بسورة النحل كاملة، أي فوق ثلاثة عشر وجهًا، وثبت أنه صلى الله عليه وسلم قرأ نصف سورة "المؤمنون" في ركعة , أي نحو أربع صفحات، فعلى هذا لا يُقال لمن قرأ ثلاث صفحات في الركعتين إنه قد أطال , بل هو مختصر , ولا عذر لأحد في طلب التخفيف الذي هو خلاف السُنة، ومن كان عاجزًا لكبر سن أو مرض فله أن يُصلي وهو جالس إذا عجز عن الإتمام قائمًا، فإن صلى قائمًا وعجز جاز له القعود لمرض أو كبر سن حتى في الفريضة، فأما القادر فلا يجوز له الجلوس؛ لأن القيام ركن في الصلاة، والله أعلم " انتهى من موقع الشيخ.
هذا هو الأصل في صلاة الفجر، وعلى الإمام أن يراعي حال المأمومين، فلا يطيل عليهم إطالة تنفرهم من الصلاة خلفه؛ فعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لَأَتَأَخَّرُ عَنْ الصَّلَاةِ فِي الْفَجْرِ مِمَّا يُطِيلُ بِنَا فُلَانٌ فِيهَا. فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَا رَأَيْتُهُ غَضِبَ فِي مَوْضِعٍ كَانَ أَشَدَّ غَضَبًا مِنْهُ يَوْمَئِذٍ ثُمَّ قَالَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ , فَمَنْ أَمَّ النَّاسَ فَلْيَتَجَوَّزْ؛ فَإِنَّ خَلْفَهُ الضَّعِيفَ وَالْكَبِيرَ وَذَا الْحَاجَةِ) متفق عليه.
فقد تكون الإطالة مناسبة في مسجد، وغير مناسبة في مسجد آخر، لاختلاف حال أهل المسجدين.
وقد سئل علماء اللجنة للإفتاء:
ما هو القدر المناسب لقراءة الإمام في الصلاة الجهرية، علما بأنه يوجد وراءه رجال متقدمين في السن؟
فأجابوا:
"ذلك مما يختلف باختلاف أحوال المصلين بالمسجد جماعة، فليراع كل إمام حال جماعة مسجده؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أيكم أم الناس فليخفف؛ فإن فيهم الصغير والكبير والضعيف وذا الحاجة) " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (6 / 391) .
فما يفعله إمامكم لا نرى أنه إطالة شاقة إذا كان يفعله أحيانا، إلا إذا كان في أهل المسجد من هو مريض أو كبير أو له أعمال يتعطل عنها بسبب إطالة الصلاة.
ويشكر هذا الإمام على حرصه على اتباع السنة، غير أن الأقرب إلى السنة التنوع في القراءة، فقد كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم متنوعة، فأحياناً يطيل وأحياناً يقرأ أقل من ذلك، فعَنْ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ رضي الله عنه قال: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ الْوَاقِعَةَ وَنَحْوَهَا مِنْ السُّوَرِ) ، رواه أحمد (20489) ، وصححه الألباني في "صفة الصلاة" ص 109.
فلو أن الإمام قرأ سورة من طوال المفصل لكان في ذلك جمع بين السنة في القراءة في صلاة الفجر، والتخفيف على المأمومين.
ولو أطال أحياناً أكثر من هذا لم ينكر عليه، ما لم يشق على الناس.
وعلى هذا، فقول إمامكم: إن أقل ما كان يقرأه النبي صلى الله عليه وسلم هو ثمان أوجه. فيقال: قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ بأقل من هذا، فسور طوال المفصل كلها أقل من هذا، بل قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في الفجر بسورة (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) رواه النسائي (951) وصححه الألباني في "صحيح النسائي".
فالذي ننصح به أن يقرأ من طوال المفصل، ولا بأس أن يطيل أحيانا أكثر من هذا.
ثانياً:
هناك فرق بين القراءة المتأنية والقراءة السريعة؛ ومن فقه الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يراعون ذلك، فالذي يقرأ قراءة بطيئة ينبغي أن يقرأ قدراً أقل ممن قراءته سريعة..... وهكذا.
فقد روى ابن أبي شيبة في "المصنف" (7754) : عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ: " دَعَا عُمَرُ الْقُرَّاءَ فِي رَمَضَانَ فَأَمَرَ أَسْرَعَهُمْ قِرَاءَةً أَنْ يَقْرَأَ ثَلاَثِينَ آيَةً، وَالْوَسَطَ خَمْسة وَعِشْرِينَ آيَةً، وَالْبَطِيءَ عِشْرِينَ آيَةً ".
وروى أيضا (7761) : عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: " مَنْ أَمَّ النَّاسَ فِي رَمَضَانَ فَلْيَأْخُذْ بِهِمَ الْيُسْرَ، فَإِنْ كَانَ بَطِيءَ الْقِرَاءَةِ فَلْيَخْتِمَ الْقُرْآنَ خَتْمَةً، وَإِنْ كَانَ قِرَاءَةً بَيْنَ ذَلِكَ فَخَتْمَة وَنِصْف، فَإِنْ كَانَ سَرِيعَ الْقِرَاءَةِ فَمَرَّتَيْنِ ".
والذي ينبغي للإمام أن يحرص على جمع الناس وتأليف قلوبهم، والأخذ بأيديهم إلى السنة شيئاً فشيئاً، فذلك خير من تنفيرهم.
لا سيما وأنتم تعيشون في البلاد الغربية، فأنتم أحوج إلى الاجتماع والائتلاف.
فعلى الإمام أن يراعي حال المأمومين خلفه بما لا يخرج عن السنة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/767)
الصور الجائز والمحرَّم اقتناؤها، وعلاقة ذلك بدخول الملائكة لأمكنة وجودها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن أصلي في حجرة بها زينات من العرائس، واللعب؟ وأنا لا أفهم لماذا يقول الناس إن الملائكة لا تدخل بيوتاً بها عرائس، ولعب، فهل هذا من الإسلام؟ . من فضلك بيِّن لي صحة هذا الحكم، بحديث صحيح، لو وُجد.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
من الجيد السؤال عن أحكام الشرع الله تعالى لمن لا يعلمها، ومن الجيد أيضاً: أن يكون السائل فطناً، فيسأل عن الدليل على حكم مسألته، حتى يكون متبعاً الكتاب والسنة.
ثانياً:
ثبت في السنَّة الصحيحة – بلا ريب – تحريم الرسم، والنحت، لذوات الأرواح، وثبت – كذلك - أن الملائكة لا تدخل بيتاً توجد فيه تلك الصور المحرمة، والمقصود بهم: ملائكة الرحمة والاستغفار.
فعن أبي طلحة رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (لاَ تَدْخُلُ المَلاَئِكَةُ بَيْتاً فِيهِ كَلْبٌ، وَلاَ صُورَةٌ تَمَاثِيلُ) رواه البخاري (3053) ومسلم (2106) .
وعن عائشة رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: قَالَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: (إِنَّا لاَ نَدْخُلُ بَيْتاً فِيهِ كَلْبٌ أوْ صُورَةٌ) رواه مسلم (2104) .
فإذا وجدت الصور المحرَّمة في بيت: حُرم أهله وجود ملائكة الرحمة، والاستغفار، وصار البيت مأوى للشياطين.
ويدخل في هذه الصور المحرمة:
1. التماثيل لذوات الأرواح، مصنعة، أم منحوتة، من أي مادة كان ذلك التصنيع، أو النحت.
ويدخل فيها حلي النساء المصنع على صورة حيوان.
2. الصور الشمسية - الفوتوغرافية -، التي لا يحتاج صاحبها إليها، بل يحتفظ بها للذكرى أو لغير ذلك من الأسباب التي ليست ضرورية.
3. الصور المرسومة باليد، أو بالكمبيوتر، لذوات الأرواح.
ولا يدخل في هذا الحكم [التحريم، وحرمان دخول الملائكة] الصور التي يجوز اقتناؤها، ومنها:
1. ما كان وجوده ضرورة، كصور البطاقة الشخصية، وجواز السفر، وكالصور الموجودة على الأوراق النقدية.
2. ما كان ممتهناً من الصور، كالموجود منها على السجاد، أو علب الحليب، والصلصة، وغيرها، مما مصيره القمامة.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
قال الخطَّابي: والصورة التي لا تدخل الملائكة البيت الذي هي فيه ما يحرم اقتناؤه، وهو ما يكون من الصور التي فيها الروح، مما لم يقطع رأسه، أو لم يمتهن.
" فتح الباري " (10 / 382) .
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
إن صور جميع الأحياء من آدمي أو حيوان محرمة، سواء كانت مجسمة، أم رسوماً، وألوانا في ورق، ونحوه، أم نسيجاً في قماش، أو صوراً شمسية، والملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة؛ لعموم الأحاديث الصحيحة التي دلت على ذلك.
ويرخص فيما دعت إليه الضرورة، كصور المجرمين، والمشبوهين؛ لضبطهم، والصور التي تدخل في جوازات السفر، وحفائظ النفوس؛ لشدة الضرورة إلى ذلك، ونرجو ألا تكون هذه وأمثالها مانعة من دخول الملائكة البيت لضرورة حفظها، وحملها، والله المستعان.
وهكذا الصور التي تمتهن كالتي في الفراش، والوسائد، نرجو أنها لا تمنع من دخول الملائكة، ومن الأحاديث الواردة في ذلك: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة، ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم) رواه البخاري.
وروي أيضاً عن أبي جحيفة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم (لعن آكل الربا وموكله ولعن المصور) .
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (1 / 720، 721) .
وانظر جواب السؤال رقم (134313) .
3. لعب الأطفال.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (119056) و (20325) .
ثالثا:
أما حكم الصلاة في مكان فيه صور: فهو مبني على التقسيم السابق، فلا تجوز الصلاة في مكان فيه صور محرَّمة، وتجوز الصلاة في مكان فيه صور جائزة.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
أما الصلاة في الأماكن التي توجد فيها مثل هذه الصور: فإن كانت من الأشياء المباحة، كالذي يُمْتَهَن - على قول جمهور أهل العلم -: فلا بأس بها، وإن كانت من الأشياء التي غير مباحة، مثل الصور المعلقة: فإنه لا يُصلَّى في هذا المكان حتى تُنَزَّل الصور، مع أن هذه الصور المعلقة لا يجوز أن تعلَّق أبداً مهما كان المصوَّر، بعض الناس يضع صورته في برواز، ويعلقها في المجلس، أو يضع صورة والده، أحياناً يضعون صورة الوالد وهو ميت - نسأل الله العافية - وبعض الناس يضع صور اللاعبين - لاعبي الكرة! -، وللناس إرادات، وأهواء، المهم: كل الصور المعلقة لا تجوز أيّاً كان المعلَّق.
" جلسات رمضانية " (رقم الدرس: 6، عام 1410 هـ) .
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
أصلي بغرفة بها صور، كصورة صديق لي معلقة على الحائط، أو صورة إنسان آخر، وقد قال لي بعض الأخوة: " إن صلاتك باطلة بسبب استقبال هذه الصور "، فماذا أفعل في المدة الماضية؟ وما حكم صلاتي؟ بارك الله فيكم.
فأجاب:
الصلاة صحيحة، ومَن قال إن الصلاة باطلة: فقد غلط، فالصلاة صحيحة، ولكن يكره الصلاة في هذه الحجرة إذا تيسر غيرها، وإلا فالصلاة صحيحة؛ لأنك لا تعبد الصور، إنما صليت لله، فصلاتك صحيحة.
" فتاوى نور على الدرب " (ص 309، 310) .
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
هل تجوز صلاة المصلي وأمامه صورة حيوان، كالحصان - مثلاً -، معلقة على الجدار؟ .
فأجاب:
الصلاة صحيحة، لكن أصل تعليق الصور على الجدران: لا يجوز.
الصور إنما تجوز إذا كانت ممتهنة، توطأ، وأما إذا كانت معلقة: فلا، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة) .
" فتاوى نور على الدرب " (شريط: 372، وجه: ب) .
ولمزيد الفائدة يراجع جواب السؤال رقم (6390) و (130263) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/768)
إذا شك في ترك ركن أو نسيه فماذا يفعل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[1- إذا شك الإنسان في نقص ركن كالسجود أو الركوع ليس متأكداً بل شاك ماذا يفعل؟ 2- وأرجو التوضيح إذا الإنسان نسي ركن ماذا يفعل بالضبط قبل سجود السهو؟ أنا قرأت كثيرا ولكن لم أفهم حتى الموجود في هذا الموقع لم تتوضح لي الصورة بشكل جيد.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من نسي ركنا من أركان الصلاة فلابد أن يأتي به لتصح صلاته، ولا يكفيه سجود السجود، ومن شك في ترك ركن لزمه أن يأتي به أيضا.
وفي كيفية الإتيان بالركن الفائت تفصيل:
1- فإن ذكره قبل الوصول إلى موضعه من الركعة التالية، عاد فأتى به وأكمل صلاته، وسجد للسهو. وذلك كأن ينسى الركوع، ثم يتذكره في السجود من نفس الركعة، أو يتذكره في قراءة الركعة التالية، فيترك السجود أو القراءة ويركع، ثم يتم ركعته.
وبعض الفقهاء يقولون: إذا نسي ركناً وشرع في الركعة التي تليها بطلت الركعة التي نسي منها الركن، لكن الراجح ما سبق.
2- وإن ذكر الركن المنسي بعد الوصول إلى موضعه من الركعة التالية، ألغى الركعة الناقصة، وجعل هذه محلها، وأتم صلاته. وذلك كأن ينسى الركوع من الأولى، ثم يتذكره عند ركوع الثانية، فتلغى الركعة الأولى، وتكون الثانية هي الأولى بالنسبة له.
3- وإن لم يذكر الركن إلا بعد السلام من صلاته، أتى بركعة كاملة.
قال في "زاد المستقنع": " ومن ترك ركنا فذكره بعد شروعه في قراءة ركعة أخرى، بطلت التي تركه منها، وقبله يعود وجوبا، فيأتي به وبما بعده، وإن علم بعد السلام فكترك ركعة كاملة".
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه: " قوله: «فذكره بعد شروعه في قراءة ركعة أخرى بطلت التي تركه منها» بطلت: يعني صارت لغوا، وليس البطلان الذي هو ضد الصحة، لأنه لو كان البطلان الذي هو ضد الصحة؛ لوجب أن يخرج من الصلاة، ولكن المراد بالبطلان هنا: اللغو، فمعنى «بطلت» أي صارت لغوا، وتقوم التي بعدها مقامها، هذا إذا ذكره بعد شروعه في قراءة الركعة الأخرى.
مثال ذلك: رجل يصلي فلما سجد السجود الأول في الركعة الأولى، قام إلى الركعة الثانية، وشرع في قراءة الفاتحة، ثم ذكر أنه لم يسجد إلا سجدة واحدة؛ فترك جلوسا وسجدة، أي: ترك ركنين، فنقول له: يحرم عليك أن ترجع؛ لأنك شرعت في ركن مقصود من الركعة التي تليها، فلا يمكن أن تتراجع عنها، لكن تلغي الركعة السابقة، وتكون الركعة التي بعدها بدلا عنها.
مثال آخر: قام إلى الرابعة في الظهر، ثم ذكر أنه نسي السجدة الثانية من الركعة الثالثة، بعد أن شرع في القراءة فتلغى الثالثة، وتكون الرابعة هي الثالثة، لأنه شرع في قراءتها. وهذا ما قرره المؤلف.
والقول الثاني: أنها لا تبطل الركعة التي تركه منها، إلا إذا وصل إلى محله في الركعة الثانية، وبناء على ذلك يجب عليه الرجوع ما لم يَصِلْ إلى موضعه من الركعة الثانية.
ففي المثال الذي ذكرنا، لما قام إلى الثانية؛ وشرع في قراءة الفاتحة؛ ذكر أنه لم يسجد في الركعة الأولى، فنقول له: ارجع واجلس بين السجدتين، واسجد، ثم أكمل.
وهذا القول هو الصحيح، وذلك لأن ما بعد الركن المتروك يقع في غير محله لاشتراط الترتيب، فكل ركن وقع بعد الركن المتروك فإنه في غير محله لاشتراط الترتيب بين الأركان، وإذا كان في غير محله فإنه لا يجوز الاستمرار فيه، بل يرجع إلى الركن الذي تركه كما لو نسي أن يغسل وجهه في الوضوء، ثم لما شرع في مسح رأسه ذكر أنه لم يغسل الوجه، فيجب عليه أن يرجع ويغسل الوجه وما بعده.
فإن وصل إلى محله من الركعة الثانية، فإنه لا يرجع؛ لأن رجوعه ليس له فائدة، لأنه إذا رجع فسيرجع إلى نفس المحل، وعلى هذا؛ فتكون الركعة الثانية هي الأولى، ويكون له ركعة ملفقة من الأولى ومن الثانية.
مثاله: لما قام من السجدة الأولى في الركعة الثانية وجلس؛ ذكر أنه لم يسجد في الركعة الأولى إلا سجدة واحدة، فلا يرجع إلى الركعة الأولى، ولو رجع فسيرجع إلى المكان نفسه الذي هو فيه، وهذا القول هو القول الراجح: أنه يجب الرجوع إلى الركن المتروك ما لم يصل إلى موضعه من الركعة الثانية، فإن وصل إلى موضعه من الركعة الثانية صارت الثانية هي الأولى" انتهى من "الشرح الممتع" (3371) .
وقال الشيخ رحمه الله: "القسم الثاني: الشك في ترك الأركان، وأشار إليه بقوله: «وإن شك في ترك ركن فكتركه» أي: لو شك هل فعل الركن أو تركه، كان حكمه حكم من تركه.
مثاله: قام إلى الركعة الثانية؛ فشك هل سجد مرتين أم مرة واحدة؟ فإن شرع في القراءة فلا يرجع، وقبل الشروع يرجع.
وعلى القول الراجح: يرجع مطلقا، ما لم يصل إلى موضعه من الركعة التالية، فيرجع ويجلس، ثم يسجد، ثم يقوم، لأن الشك في ترك الركن كالترك.
وكان الشك في ترك الركن كالترك؛ لأن الأصل عدم فعله، فإذا شك هل فعله، لكن إذا غلب على ظنه أنه فعله؛ فعلى القول الراجح وهو العمل بغلبة الظن يكون فاعلا له حكما ولا يرجع؛ لأننا ذكرنا إذا شك في عدد الركعات يبني على غالب ظنه، ولكن عليه سجود السهو بعد السلام " انتهى من "الشرح الممتع" (3/ 384) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/769)
قطع الصلاة لدرء خطر
[السُّؤَالُ]
ـ[كنا نصلي جماعة بالمزرعة وأمامنا بالمزرعة مكينة رفع مياه ترفع المياه من البئر وتصبها بحوض بجوارنا وفجأة وأثناء تأديتنا للصلاة رأينا دخاناً كثيفاً يخرج من أجزاء الماكينة فإن تركناها فسوف يكون ضرر جسيم، فهل يجوز لأحد منا قطع الصلاة ليطفئها؟ أم ماذا نفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"نعم، إذا وقع مثل هذا الحادث فإنه يقطع الصلاة أحد الجماعة إزالة الخطر ثم يعود فيصلي معهم ما بقي والحمد لله، لأن خطر هذا الدخان كبير وقطع الصلاة للمصلحة المهمة أو لدرء خطر مثل إنقاذ حريق أو إنقاذ غريق أو دفع صائل أو ما أشبه ذلك كل هذا لا بأس به، وهذا فيه في الحقيقة إنقاذ من حرق قد يهلك الماكينة أو يتعدى ضرره إلى غير ذلك فلا حرج في قطع الصلاة ثم يعود فيبتدئ صلاته من جديد مع الإمام لما بقي أو يقضيها بعدهم إذا سلموا قبله.
وإذا لم يكف واحد لإطفائها ودعت الحاجة إلى أن يقطعوا الصلاة جميعاً فلا بأس أن يتعاونوا في ذلك إذا كان الخطر عظيماً فليقطعوا الصلاة ثم يزيلوا الخطر ثم يرجعون فيصلون" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (2/805) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/770)
قطع الصلاة لنسيانه الآية
[السُّؤَالُ]
ـ[في إحدى المرات بعد أن دخلتُ في الصلاة وقرأت الفاتحة وعند قراءة السورة أُشكلت علي ورددتها أكثر من مرتين ولم أفلح، وأخيراً قطعت الصلاة وأعدت تكبيرة الإحرام وقرأت ثانية فهل صلاتي صحيحة؟ وماذا أفعل إذا تكرر ذلك مرة ثانية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"ما كان ينبغي لك أن تقطع الصلاة؛ فإن العمدة في القراءة الفاتحة، فإذا قرأ الإنسان الفاتحة فقد حصل الفرض وما زاد عليها فهو مستحب، هذا إذا كان مرادك بالسورة أيها السائل قراءة سورة زائدة أو آيات زائدة على الفاتحة فهي غير واجبة بل مستحبة، وإذا تركها الإنسان وركع ولم يقرأ زيادة على الفاتحة أجزأ.
المقصود أنه في مثل هذا لا يقطع الصلاة، إذا كان المقصود من كلامك أنك تلبس عليك الأمر في قراءة زيادة عن الفاتحة، ولم يتيسر لك قراءة آيات ولا سورة بل اشتبه عليك الأمر فإنه ليس لك أن تقطع الصلاة، بل تركع ولا بأس ويكفيك الفاتحة والحمد لله" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (2/785) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/771)
حكم زيارة المعابد والمقابر الفرعونية وحكم الصلاة فيهما
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز زيارة المعابد، والمقابر الفرعونية، وما شابه ذلك؟ وهل لو خفت أن ينقضي وقت الصلاة: أؤديها في هذه الأماكن؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
زيارة المقابر قسمان: شرعية، وبدعية، فالشرعية: هي التي يراد منها نفع الميت بالدعاء، والاستغفار له، وهذه خاصة للمسلم.
ويدخل في الزيارة الشرعية: الزيارة بقصد تذكر الموت، والآخرة , وهذه تكون عامة لقبر المسلم، والكافر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
فالزيارة الشرعية: أن يكون مقصود الزائر: الدعاء للميت، كما يقصد بالصلاة على جنازته الدعاء له؛ فالقيام على قبره: من جنس الصلاة عليه , قال الله تعالى في المنافقين: (وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُم مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ) التوبة/84، فنهى نبيَّه عن الصلاة عليهم، والقيام على قبورهم؛ لأنهم كفروا بالله، ورسوله، وماتوا وهم كافرون، فلما نهى عن هذا , وهذا؛ لأجل هذه العلة - وهي الكفر -: دلَّ ذلك على انتفاء هذا النهى عند انتفاء هذه العلة، ودلَّ تخصيصهم بالنهي على أن غيرهم يصلَّى عليه، ويقام على قبره، إذ لو كان هذا غير مشروع في حق أحد: لم يُخَصوا بالنهى , ولم يعلَّل ذلك بكفرهم , ولهذا كانت الصلاة على الموتى من المؤمنين، والقيام على قبورهم: من السنَّة المتواترة، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على موتى المسلمين، وشرع ذلك لأمته، وكان إذا دُفن الرجل من أمته: يقوم على قبره، ويقول: (سَلُوا لَهُ التَّثْبيتَ فإنَّهُ الآنَ يُسْأَلُ) رواه أبو داود وغيره، وكان يزور قبور أهل البقيع، والشهداء بـ "أُحُد"، ويعلّم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقول أحدهم: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله تعالى بكم لاحقون، ويرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنَّا بعدهم) .
وفى صحيح مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ إِلَى الْمَقْبُرَةِ فَقَالَ: (السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لاَحِقُونَ) ، والأحاديث في ذلك صحيحة، معروفة.
فهذه الزيارة لقبور المؤمنين: مقصودها الدعاء لهم.
وهذه غير الزيارة المشتركة التي تجوز في قبور الكفار، كما ثبت في صحيح مسلم، وأبي داود، والنسائي، وابن ماجه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: زَارَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَبْرَ أُمِّهِ فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ فَقَالَ: (اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يُؤْذَنْ لي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأُذِنَ لِي، فَزُورُوا الْقُبُورَ، فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُم الْآَخرَةَ) ، فهذه الزيارة التي تنفع في تذكير الموت: تُشرع ولو كان المقبور كافراً، بخلاف الزيارة التي يقصد بها الدعاء للميت، فتلك لا تشرع إلا في حق المؤمنين.
وأما الزيارة البدعية: فهي التي يُقصد بها أن يُطلب من الميت الحوائج، أو يطلب منه الدعاء، والشفاعة، أو يقصد الدعاء عند قبره؛ لظن القاصد أن ذلك أجوب للدعاء، فالزيارة على هذه الوجوه كلها مبتدعة لم يشرعها النبي صلى الله عليه وسلم , ولا فعلها الصحابة" انتهى.
"مجموع الفتاوى" (1/165، 166) .
ويجب أن يعلم أن زيارة القبور المشروعة يشترط لها أن لا يصحبها السفر إلى هذه القبور.
فإن السفر من أجل زيارة القبور محرم، سواء قبور المسلمين أم قبور المشركين.
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
"لا يجوز شد الرحال لزيارة قبور الأنبياء، والصالحين، وغيرهم، بل هو بدعة، والأصل في ذلك: قوله صلى الله عليه وسلم: (لاَ تُشَدُّ الرّحَالُ إلاَّ إلى ثَلاَثة مَسَاجد: المَسْجد الحَرَام وَمسْجدي هذا، والمسجد الأقصى) – رواه البخاري ومسلم -.
وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ عَملَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيه أَمْرُنا فَهُوَ رَدٌّ) – رواه البخاري تعليقاً، ومسلم -.
وأما زيارتهم دون شد رحال: فسنَّة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (زُورُوا القبُورَ فَإنَّهَا تُذَّكرُكُم الآخرَةَ) رواه مسلم في صحيحه" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (1/431) .
ثانياً:
المقابر ليست محلاًّ للصلاة، سواءً أكانت مقابر للمسلمين – إلا ما استثناه الشرع وهو صلاة الجنازة - أو مقابر للمشركين من باب أولى.
ومن أدى صلاة فرض، أو نافلة في مقبرة: فصلاته باطلة.
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
"لا تصح الصلاة في المقابر، فمَن أدى صلاة فيها: فهي باطلة، يجب عليه إعادتها؛ وذلك للأحاديث المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن اتخاذ القبور مساجد، إلا صلاة الجنازة، فلا بأس بها في المقبرة" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " المجموعة الثانية (5 / 252، 253) .
وينظر في ذلك جواب السؤال رقم: (13490) .
ثالثاً:
أما معابد المشركين: فلا يجوز قصدها للزيارة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"وأما زيارة معابد الكفار مثل: الموضع المسمّى بالقمامة! أو بيت لحم، أو صهيون، أو غير ذلك، مثل كنائس النصارى: فمنهيٌّ عنها، فمَن زار مكاناً من هذه الأمكنة معتقداً أن زيارته مستحبة، والعبادة فيه أفضل من العبادة في بيته: فهو ضالٌّ، خارج عن شريعة الإسلام، يُستتاب، فإن تاب: وإلا قتل , وأما إذا دخلها الإنسان لحاجة، وعرضت له الصلاة فيها: فللعلماء فيها ثلاثة أقوال ... " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (27/14) .
وقد صحَّ عن عمر رضي الله عنه قولُه: (لا تدخلوا على المشركين في كنائسهم، ومعابدهم؛ فإن السخطة تنزل عليهم) . رواه عبد الرزاق (1/411) وابن أبي شيبة (6/208) .
وأما حكم الصلاة فيها: فجائز، بشرطين:
أ. عدم قصد الصلاة فيها، وإنما دخلها لحاجة فعرضت لها الصلاة، كما مرَّ في كلام شيخ الإسلام رحمه الله آنفاً.
ب. وبشرط عدم وجود الصور، والتماثيل.
وقد بوَّب الإمام البخاري رحمه الله قي صحيحه: " باب الصَّلاَةِ فِي الْبِيعَةِ "، وقال:
وَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: (إِنَّا لاَ نَدْخُلُ كَنَائِسَكُمْ مِنْ أَجْلِ التَّمَاثِيلِ الَّتِي فِيهَا الصُّوَرَ) ، وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُصَلِّي فِي الْبِيعَةِ إِلاَّ بِيعَةً فِيهَا تَمَاثِيلُ. انتهى.
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: هل الصلاة في البيَع والكنائس جائزة مع وجود الصور أم لا؟ وهل يقال: إنها بيوت الله أم لا؟ .
فأجاب:
"ليست بيوت الله , وإنما بيوت الله: المساجد , بل هي بيوت يُكفر فيها بالله، وإن كان قد يُذكر فيها , فالبيوت بمنزلة أهلها , وأهلها كفار , فهي بيوت عبادة الكفار.
وأما الصلاة فيها: ففيها ثلاثة أقوال للعلماء في مذهب أحمد، وغيره: المنع مطلقاً ; وهو قول مالك، والإذن مطلقا، وهو قول بعض أصحاب أحمد، والثالث: وهو الصحيح المأثور عن عمر بن الخطاب وغيره , وهو منصوص عن أحمد، وغيره , أنه إن كان فيها صور: لم يصلّ فيها ; لأن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة – متفق عليه - , ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدخل الكعبة حتى مُحي ما فيها من الصور – رواه أبو داود بإسناد صحيح - , وكذلك قال عمر: إنا كنا لا ندخل كنائسهم والصور فيها" انتهى.
"مجموع الفتاوى" (2/156) .
رابعاً:
مما هو معلوم أن هذه الأماكن الأثرية قد تكون أماكن عذاب، ولعنة , وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من قصد أماكن المعذَّبين للزيارة، أو النزهة.
فعن ابن عمر رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا مَرَّ بِالْحِجْرِ قَالَ: (لَا تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ أَنْ يُصِيبَكُمْ مَا أَصَابَهُمْ ثُمَّ تَقَنَّعَ بِرِدَائِهِ وَهُوَ عَلَى الرَّحْلِ) رواه البخاري (423) ومسلم (2980) .
قال النووي رحمه الله:
"فِيهِ: الْحَثّ عَلَى الْمُرَاقَبَة عِنْد الْمُرُور بِدِيَارِ الظَّالِمِينَ , وَمَوَاضِع الْعَذَاب......... , فَيَنْبَغِي لِلْمَارِّ فِي مِثْل هَذِهِ الْمَوَاضِع الْمُرَاقَبَة، وَالْخَوْف، وَالْبُكَاء , وَالِاعْتِبَار بِهِمْ، وَبِمَصَارِعِهِمْ , وَأَنْ يَسْتَعِيذ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ" انتهى.
"شرح مسلم" (18/111) .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
وهذا يتناول مساكن "ثمود"، وغيرهم، ممن هو كصفتهم، وإن كان السبب ورد فيهم.
"فتح الباري" (6/380) .
وقد أفتى العلماء المعاصرون بحرمة زيارة أماكن المعذّبين، والذين ظلموا:
1. سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عن حكم قصد مدائن " صالح " بالزيارة.
فأجاب:
"أمَّا المرور عليها: فقد مرَّ بها النبي صلى الله عليه وسلم، لكنَّه أسرع عليه الصلاة والسلام، وقنَّع رأسه، وقال عليه الصلاة والسلام: (لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين خشية أن يصيبكم ما أصابهم، فإن لم تكونوا باكيين فلا تدخلوا عليها) فلا يجوز للإنسان أن يذهب إلى هذه المدائن للتفرج، والنزهة، بل للاعتبار الذي يصحبه البكاء، وإلا فالسلامة في تركها، وقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (أن يصيبكم ما أصابهم) ليس مراده العذاب العام؛ لأن هذه الأمَّة - والحمد لله - لا تعذب بصفة عامة، لكن أن يصيبكم ما أصابهم من قسوة القلب، والإعراض، والتولي عن الدِّين.
وحكمة ذلك: أن الناس الذين يذهبون إلى هذه البلاد على غير الوجه الذي أراد الرسول عليه الصلاة والسلام: سوف يقع في نفوسهم تعظيم هؤلاء؛ لمَا يرون من إحكام البناء، وشدته، وقوته، وإذا وقع تعظيم الكافر في قلب المؤمن: فإنه على خطر عظيم" انتهى.
"لقاء الباب المفتوح" (82/السؤال رقم 2) .
2. وفي جواب السؤال رقم (87846) ذكرنا فتوى علماء اللجنة الدائمة في تحريم زيارة منازل "مديَن"، و "ثمود" لقصد الفُرجة، والاطلاع.
وننبه إلى أن هناك أسباباً أخرى تمنع الذهاب إلى تلك الأماكن، حيث صارت مرتعاً خصباً للسيَّاح، وما يصاحب ذلك من تعرِّ، وتبرجٍ، وفجور، وشرب للخمور، وغير ذلك.
خامساً:
أما حكم الصلاة في أماكن اللعنة، والخسف، وأقوام المعذبين: فالظاهر هو المنع منها:
فقد بوَّب البخاري رحمه الله – (1/166) - على حديث ابن عمر المتقدم: "بَاب الصَّلَاة فِي مَوَاضِع الْخَسْف وَالْعَذَاب، وَيُذْكَرُ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَرِهَ الصَّلَاةَ بِخَسْفِ بَابِلَ" , وهذا من دقيق استنباطه.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
وَالْحَدِيث مُطَابِق لَهُ مِنْ جِهَة أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فِيهِ تَرْك النُّزُول كَمَا وَقَعَ عِنْد الْمُصَنِّف فِي " الْمَغَازِي " فِي آخِر الْحَدِيث " ثُمَّ قَنَّعَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسه وَأَسْرَعَ السَّيْر حَتَّى أَجَازَ الْوَادِي "، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَنْزِل، وَلَمْ يُصَلِّ هُنَاكَ، كَمَا صَنَعَ " عَلِيّ " فِي خَسْف " بَابِل ".
"فتح الباري" (1/530) .
وقد صحَّ موقوفاً عن علي رضي الله عنه النهي عن الصلاة في أرض " بابل " من أرض العراق.
قال ابن رجب رحمه الله:
وروى يعقوب بن شيبة، عن أبي النعيم: ثنا المغيرة بن أبي الحر الكندي: حدثني حجر بن عنبس، قال: خرجنا مع " علي " إلى "الحرورية" [الخوارج] ، فلما وقع في أرض "بابل" قلنا: "أمسيتَ يا أمير المؤمنين، الصلاة، الصلاة"، قال: "لم أكن أصلي في أرض قد خسف الله بها".
وخرجه وكيع، عن مغيرة بن أبي الحر، به بنحوه.
وهذا إسناد جيد ... .
ثم قال:
والموقوف أصح.
"فتح الباري" لابن رجب (3/212) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
ولا يصلَّى في مواضع الخسف، نص عليه [الإمام أحمد] في رواية عبد الله ... فإذا كان المكث في مواقع العذاب، والدخول إليها لغير حاجة منهيٌّ عنه: فالصلاة بها أولى , ولا يقال فقد استثنى ما إذا كان الرجل باكياً؛ لأن هذا الاستثناء من نفس الدخول فقط؛ فأما المكث بها، والمقام، والصلاة: فلم يأذن فيه، بدليل حديث " علي " , ولأن مواضع السخط، والعذاب، قد اكتسبت السخط بما نزل ساكنيها، وصارت الأرض ملعونة، كما صارت مساجد الأنبياء - مثل مسجد إبراهيم، ومحمد، وسليمان صلى الله عليهم - مكرَّمة لأجل مَن عبد الله فيها، وأسسها على التقوى.
فعلى هذا: كل بقعة نزل عليها عذاب: لا يصلَّى فيها، مثل أرض الحِجر، وأرض بابل المذكورة، ومثل مسجد الضرار؛ لقوله تعالى: (لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدً) التوبة/108.
"شرح العمدة" (3/420) .
بل ذهب شيخ الإسلام رحمه الله إلى أبعد من تحريم الصلاة، وهو القول ببطلانها، ووجوب إعادتها.
قال رحمه الله:
فإن صلَّى: فهل تصح صلاته؟ فعلى ما ذكره طائفة من أصحابنا: تصح؛ لأنهم جعلوا هذا من القسم الذي تكره الصلاة فيه، ولا تحرم؛ لأن أحمد كره ذلك , ولأنهم لم يستثنوه من الأمكنة التي لا يجوز الصلاة فيها , ولأصحابنا في الكراهة المطلقة من أبي عبد الله وجهان: أحدهما: أنه محمول على التحريم , وهذا أشبه بكلامه , وأقيس بمذهبه؛ لأنه قد قال في الصلاة في مواضع نهي النبي صلى الله عليه وسلم عنها: " يعيد الصلاة " , وكذلك عند القاضي، والشريف أبي جعفر , وغيرهما، طرد الباب في ذلك، بأن كل بقعة نهي عن الصلاة فيها مطلقاً: لم تصح الصلاة فيها، كالأرض النجسة , وهذا ظاهر، فإن الواجب: إلحاق هذا بمواضع النهي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه، كما نهى عن الصلاة في المقبرة، ونهى الله نبيَّه أن يقوم في مسجد الضرار , ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الدخول إلى مساكن المعذبين عموماً، فإذا كان الله نهى عن الصلاة في الأماكن الملعونة خصوصاً , ونهى عن الدخول إليها خصوصاً، وعمل بذلك خلفاؤه الراشدون، وأصحابه، مع أن الأصل في النهي: التحريم، والفساد: لم يبق للعدول عن ذلك بغير موجب وجه" انتهى.
"شرح العمدة" (3/421) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/772)
إصرار الإمام على زيادة ركعة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا قام الإمام بعد إتمام الصلاة وقبل السلام وهم ليأتي بركعة زائدة على الصلاة واستدرك المأمومون ذلك ونبهوه بقول: سبحان الله، ولكنه مع ذلك أصر على الوقوف للزيادة؛ فما حكم ذلك؟ وماذا يعمل المأمومون بعد قيامه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الواجب على المأمومين التنبيه والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (من نابه شيء في صلاته فليسبح الرجال ولتصفق النساء) ، فالواجب على الإمام إذا نبهوه أن يرجع إلا إذا كان يعتقد أنه مصيب وأنهم مخطئون، فإنه يعمل بصواب نفسه وباعتقاده، ويستمر حتى يكمل الصلاة باعتقاده، والذين نبهوه إن كانوا متيقنين أنه غلطان وأنه مخطئ لا يقومون معه بل يجلسون يقرءون التحيات ويصلون على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعون وينتظرونه حتى يسلموا معه؛ لأنه معذور وهم معذورون، هم معذورون باعتقادهم أنه مخطئ وهو معذور باعتقاده أنه مصيب وأنهم مخطئون، فكل منهما معذور لاجتهاده وتيقنه بزعمه صواب نفسه فإذا سلم سلموا معه.
أما إن كان ما عنده يقين فالواجب أن يرجع إذا كان من نبهه اثنين فأكثر، عليه أن يرجع إذا كان ليس عنده يقين، إنما ظن، فإنه يرجع كما رجع النبي صلى الله عليه وسلم لقول ذي اليدين لما نبهه وسأل الناس وصوبوا ذا اليدين رجع النبي صلى الله عليه وسلم وأتم صلاته، ولم يعمل بقول ذي اليدين لأنه واحد، فالواحد لا يلزم الرجوع إليه، إلا إذا اعتقد الإمام أنه مصيب رجع، أما إذا كان المنبه اثنين فإنه يرجع لقولهما ويبني على قولهما ويدع ظنه، هكذا الواجب، وأما المأمومون فإنهم لا يتابعونه على الخطأ في الزيادة ولا في النقص، إن كان فيه زيادة فيجلسون حتى يسلم ويسلموا معه، وإن كان هناك نقص ولم يمتثل وجلس في الثالثة من الظهر مثلاً أو العشاء أو العصر، أو جلس في الأولى من الفجر أو الجمعة ولم يطعهم فإنهم يقومون يكملون صلاتهم ويتمونها ويخالفونه لأنه أخطأ في اعتقادهم" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (2/847) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/773)
هل بخر الفم عذر لترك الجمعة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[والدي شيخ كبير ولا يذهب لصلاة الجمعة، وهو مريض ببخر الفم ورائحته كريهة، ولا يريد أن يؤذي الناس بهذه الرائحة. فهل يجوز فعله هذا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"نعم، هذا عذر شرعي، من كان به بخر شديد الرائحة الكريهة ولم يتيسر له ما يزيله به فهو عذر، كما أن البصل والكراث عذر، والبخر قد يكون شديد الرائحة الكريهة، ويؤذي من حوله عن يمينه وشماله، فإذا كان بهذه الصورة ولا يجد دواء ولا حيلة له فهو معذور، أما إن وجد حيلة تزيله فعليه عمل ذلك حتى لا يتأخر عن صلاة الجمعة والجماعة، ولكن متى عجز عن ذلك ولم يتيسر فهو معذور أشد من عذر صاحب البصل؛ لأن صاحب البصل يستطيع أن يدع البصل والكراث أما هذا فلا يستطيع إذا عجز عن الدواء.
والبخر لا شك أنه يؤذي من حوله، إذا كانت رائحته ظاهرة، وكذلك الصنان في الآباط، إذا كان شديد الصنان ولم يستطع إزالته بالصابون والدواء، إذا كان يعالجه ولا يزول، فهذا عذر أيضاً، أما إذا استطاع إزالته بالغسل والبخور والأدوية الأخرى التي تزيل أثره من الآباط فالواجب عليه فعل ذلك حتى يصلي مع المسلمين، وهكذا صاحب الدخان، يجب عليه أن يزيل أثر الدخان من فمه بكل ما يستطيع، وأن يكون قرب الصلاة لا يتعاطى هذا حتى لا يؤذي من حوله، فإذا كان هناك بقية استعمل ما يزيل بقية الرائحة بالأدوية حتى يزيل رائحته حتى لا يؤذي أحداً وهو قبيح منكر يجب تركه، ولا يجوز التجارة منه لا بيعاً ولا شراء لكن من بُلي به، فليتق الله ويستعن بالله على تركه وليحذر شره وبلاءه، وما دام يتعاطاه فليحذر أن يأتي به المسجد ورائحته ظاهرة، بل يتعاطى ما يزيل الرائحة، ويجتهد حتى يعافيه الله من شره" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (2/987) .
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
فتاوى نور على الدرب(5/774)
حكم متابعة الإمام في الركعة الزائدة
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا التزم الفقهاء عدم متابعة الإمام في الركعة الزائدة؟ بينما الحديث المرفوع يثبت متابعة الإمام وعدم الاختلاف عليه في السهو، من ذلك ما رواه الشيخان في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا....) إلى آخره، والحديث الثاني: (لا تختلفوا على إمامكم) ، نرجو الإفادة في هذا الموضوع.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"قد تقرر بالنص والإجماع أن الصلوات المعروفة العدد ليس فيها زيادة ولا نقص، فالظهر أربع في حق المقيم غير المسافر، والعصر كذلك والعشاء كذلك، والمغرب ثلاث والفجر اثنتان والجمعة اثنتان، فهي صلاة معروفة العدد، فإذا زاد الإمام ركعة فهو إما ساهٍ وإما عامد، ولا يتصور أن أنساناً يزيدها عمداً، إلا إنسان لا يعرف الأحكام ولا يدري ما هو فيه، وإنما الواقع يكون سهواً، فإذا زاد ركعة سهواً فيه، فإن تنبه ورجع وجلس فالحمد لله، وإن لم ينتبه وأصر على الزيادة فإن الواجب على من علم بالزيادة أن لا يتابعه، لأن هذه متابعة للخطأ.
ونحن مأمورون أن لا نتابع الأئمة في الخطأ، وإنما الطاعة في المعروف، فالإمام نقتدي به لكن في المعروف لا في الخطأ، فالزيادة التي يزيدها الإمام سهواً تعتبر خطأً، وزيادة في الصلوات الشرعية، فمن عرفها وعلم أنها خطأ لا يتابعه بل يجلس ولا يتابعه في الخامسة في الظهر والعصر والعشاء، ولا في الرابعة في المغرب، ولا في الثالثة في الفجر والجمعة.
أما من لم يعرف أنها زائدة فإنه يتابعه عملاً بالحديث الذي ذكره السائل: (إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا ... الحديث) ، هذا يتابعه، جاهل ما درى عن الزيادة، لأن الأصل وجوب المتابعة، أما الذي عرف أنها زيادة فقد عرف أنها خطأ فلا يتابعه في الخطأ، بل يجلس، ولا أعلم في هذا خلافاً بين أهل العلم، أما من عرف أن الإمام زاد ركعة فإنه ينبهه بقول: سبحان الله، سبحان الله، فإن أجاب الإمام ورجع إلى الصواب وإلا وجب على من علم أنها زائدة أن ينتظر، وجب عليه أن يجلس ولا يتابعه في الخطأ. هذا هو المعروف عند أهل العلم وهو الموافق للأدلة الشرعية، إنما الطاعة في المعروف، فليس هناك أحد يُطاع في المعاصي أبداً ولا في الأخطاء، إذا عرفت أنه خطأ فلا تتابعه في الخطأ.
أما الإمام الذي أصرّ ولم يرجع فهو بين أمرين: إن كان يعتقد صحة ما فعل وأنه مصيب وأن الذين نبهوه أخطأوا فقد أصاب وأحسن ولا بأس عليه، فإذا اعتقد أنه مصيب يكمل صلاته على نيته وعلى اعتقاده وصلاته صحيحة، والذين اعتقدوا أنه زائد صلاتهم صحيحة أيضاً ولا حرج على الجميع، وكلٌّ مأخوذ باعتقاده وما علم أنه الصحيح في نفسه.
أما إن كان هو ليس عنده ضبط فقد غلط ولا يجوز له ذلك؛ لأنه أصر على الخطأ فتكون زيادته هذه زيادة وقد نبهه اثنان فأكثر من المأمومين على أنه خطأ وليس عنده ضبط فيكون عمله غير صحيح، وتكون الزيادة هذه مبطلة لصلاته لأنه تعمد زيادة ركعة غير مشروعة، ويكون زاد في الصلاة عمداً ما ليس منها فتبطل الصلاة بذلك، وأما الذين انفردوا عنه وجلسوا لاعتقادهم أنها زائدة فصلاتهم صحيحة، يقرؤون التحيات ويكملون صلاتهم ويسلمون.
أما هو فإذا كان ما عنده بصيرة ولكنه أصر على الخطأ ولم يطاوع من نبهه من الجماعة إذا كانوا اثنين فأكثر فإن صلاته هو غير صحيحة، وعليه أن يعيدها من أولها لكونه استمر في الباطل والخطأ على غير هدى، وأما إذا كان مصيباً لاعتقاده أنه مصيب وأن الذين نبهوه أخطأوا فهذا مثل ما تقدم صلاته صحيحة وهو مسئول عن اعتقاده ولا حرج عليه.
وبالنسبة للتسليم فإذا استمر الإمام ولم يرجع فالأفضل لهم أن ينتظروه حتى يسلموا معه، وإن سلموا أجزأ وصحت صلاتهم لأنهم معذورون باعتقادهم، ولكن إن انتظروه يكون أحسن لهم، فقد يكون معذوراً، قد يكون يعتقد صواب نفسه، فيكون معذوراً فإذا انتظروه وسلموا معه يكون هذا أفضل" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (2/848 – 850) .
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
فتاوى نور على الدرب(5/775)
الصلاة في العمارة المبنية على المقبرة
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك جماعة يصلون في الدور الثاني والدور الثالث من عمارة مبنية على مقبرة، فهل صلاتهم فيها جائزة فيستمرون فيها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إن كانت العمارة مستقلة وليس في محل الصلاة قبور فإن الصلاة صحيحة، إذا صلوا في الدور الأول أو الدور الثاني أو الدور الثالث، فلا بأس فالصلاة صحيحة، أما إذا كانت القبور في نفس الأدوار، في الدور الأول وصلوا في الدور الأول، فالصلاة عند القبور وبين القبور لا تصح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أَلَا وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ، أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ إِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ) ، وقال: (لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ) .
ولو كان حولها قبور، ما دامت الأرض سليمة ليس فيها قبور ـ أي أرض العمارة التي بنيت عليها العمارة ـ ولكن حولها القبور أمامها أو خلفها أو عن يمينها أو عن شمالها فلا يضرها ذلك إذا كانت الأرض سليمة ليست فيها المقبرة.
أما إن كانت الأرض من المقبرة واغتصبوها فالصلاة غير صحيحة ولا يصلى في العمارة لا في الدور الأول ولا في الثاني ولا في الثالث؛ لأنها تابعة للمقبرة ومغصوبة، فلا يحل لهم البقاء فيها ولا الصلاة فيها؛ بل يجب أن تزال من المقبرة لأن هذا ظلم وعدوان على المقبرة" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (2/1143) .
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
فتاوى نور على الدرب(5/776)
إذا نسي الإمام بعض آيات فكيف يأتي بها ليكون قد ختم القرآن؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا نسي الإمام آية أو شيئا من القرآن أثناء صلاة التراويح، ثم تذكرها فيما بعد، فماذا يفعل؟ هل يمكن أن يكون ختم القرآن في الصلاة مع أنه لم يقرأ هذه الآية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا ينال القارئ ثواب ختم القرآن الكريم إلا إذا قرأه جميعاً، ولم يترك منه شيئاً، فلو أسقط آية ولم يقرأها لم يكن قد ختم القرآن الكريم.
حتى ذكر العلماء أنه ينبغي أن يأتي بالبسملة في أول كل سورة إلا سورة براءة، ويعتني بذلك حتى يكون خاتما للقرآن.
قال النووي رحمه الله:
"وينبغي أن يحافظ على قراءة (بسم الله الرحمن الرحيم) في أول كل سورة سوى براءة، فإن أكثر العلماء قالوا: إنها آية، حيث كتبت في المصحف، وقد كتبت في أوائل السور سوى براءة، فإن قرأها كان مثبتاً قراءة الختمة أو السورة، وإذا أخل بالبسملة كان تاركاً بعض القرآن عند الأكثرين" انتهى.
"التبيان" (صـ 61، 62) .
وعلى هذا، فلابد أن يأتي القارئ بما نسيه من الآيات حتى ينال ثواب الختمة.
وقد ذكر العلماء رحمهم الله طريقتين عند السلف، في الإتيان بالآية أو الآيات التي نسيها الإمام في صلاة التراويح:
الأولى: أن يجمع كل هذه الآيات ويقرأها جميعاً في آخر ليلة من ليالي رمضان، وهذا كان فعل الأئمة في مكة قديماً.
الثانية: أنه متى تذكر الآية التي نسيها رجع إليها [وهذا إذا كان لا يزال في القراءة في الصلاة] ثم يكمل بعدها من حيث انتهى، وهذا روي عن علي رضي الله عنه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو يذكر أن الترتيب فيما شُرع فيه الترتيب يسقط بالنسيان، قال:
"ومنها: إذا نسى بعض آيات السورة في قيام رمضان، فإنه لا يعيدها، ولا يعيد ما بعدها، مع أنه لو تعمد تنكيس آيات السورة وقراءة المؤخر قبل المقدم لم يجز بالاتفاق....
سئل الإمام أحمد رحمه الله عن الإمام في شهر رمضان يدع الآيات من السورة، ترى لمن خلفه أن يقرأها؟
قال: نعم، ينبغي له أن يفعل، قد كانوا بمكة يوكلون رجلاً يكتب ما ترك الإمام من الحروف وغيرها، فإذا كان ليلة الختمة أعاده.
قال الأصحاب ـ كأبي محمد (ابن قدامة) ـ: وإنما استحب ذلك لتتم الختمة، ويكمل الثواب.
فقد جعل أهل مكة وأحمد وأصحابه إعادة المنسي من الآيات وحده يكمل الختمة والثواب، وإن كان قد أخل بالترتيب هنا، فإنه لم يقرأ تمام السورة، وهذا مأثور عن علي أنه نسي آية من سورة ثم أثناء القراءة قرأها، وعاد إلى موضعه ولم يشعر أحد أنه نسي إلا من كان حافظاً" انتهى.
"مجموع الفتاوى" (21/410، 411) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/777)
حكم من نام في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[يغلبني النعاس أحياناً في صلاة الصبح فلا أعلم ما قلت ولا ما فعلت كالقراءة والتحيات، ولكنه ليس بالنوم العميق الذي يخش ى نقض الوضوء معه، فماذا أفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"ما دام شعورك معك وتعقل الصلاة وأنت تتابع الإمام فصلاتك صحيحة، والأصل أنك أديت ما يفعله الإمام، هذا هو الأصل، وهو الظاهر من عملك مع الإمام حتى تعلم خلاف ذلك، فإن علمت أنك لم تقرأ الفاتحة أتيت بها ثم سلمت بعد ذلك، وإذا علمت أنك لم تقرأ التحيات مع الإمام تأتي بها ثم تسلم، وإن علمت أنك تركت الفاتحة في ركعة من الركعات فالأمر في هذا واسع؛ لأن الإمام يتحمله عنك عند سهوك وعند جهلك، وعند عدم علمك بما وقع منك، يتحمل الإمام عنك ذلك إن شاء الله" انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (2/1089)(5/778)
هل يطيع والده في ترك بعض سنن الصلاة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[يأمرني والدي، وبإلحاح، أن أترك رفع اليدين قبل الركوع وبعد الركوع؛ فهل أطيعه في ذلك، أم ماذا علي فعله؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أن رفع اليدين قبل الركوع وبعده من السنن المؤكدة في الصلاة.
روى البخاري (735) ومسلم (390) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلاةَ، وَإِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا كَذَلِكَ.
وروى البخاري في جزء "رفع اليدين" (ص 8) عن الحسن قال: " كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كأنما أيديهم المراوح يرفعونها إذا ركعوا وإذا رفعوا رؤوسهم ".
وعن حميد بن هلال قال: " كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلوا كأن أيديهم حيال آذانهم المراوح ".
قال البخاري: " فلم يستثن الحسن وحميد بن هلال أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دون أحد " انتهى.
وقد ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ إِلَى أَنَّ رَفْعَ الْيَدَيْنِ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ سُنَّةٌ ثَابِتَةٌ، فَيَرْفَعُ يَدَيْهِ إِلَى حَذْوِ مَنْكِبَيْهِ كَفِعْلِهِ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الإِْحْرَامِ، لِتَضَافُرِ الأَْحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي ذَلِكَ.
وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الأَْوْزَاعِيُّ وَعُلَمَاءُ الْحِجَازِ وَالشَّامِ وَالْبَصْرَةِ.
"الموسوعة الفقهية" (23 / 130)
وإذا كان الأصل في حق المسلم أن يحافظ على هذه السنة الراتبة في أفعال الصلاة، فيرفع يديه في هذه المواضع دائما، كالذي صح عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فإن تعارض إشكالية الوالد مع ذلك يوجب بعض التأني في الأمر؛ وذلك أن بر الوالد، وطاعته ـ في غير معصية ـ واجبة، فينبغي تأليف قلبه، واستصلاح نفسه، والتلطف في تعليمه سنة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في ذلك، إن كان جاهلا به، والنقاش العلمي الهادئ معه في ذلك، إن كان عنده إلمام بالمسألة.
وإلى أن يسكت الوالد عنك، إما باقتناع منه، وتوفيق من الله له بمعرفة السنة، واتباعها، فالذي ننصحك به ألا تغضب والدك، وألا توصل الأمر بينكما إلى نوع من التحدي والمكابرة والشقاق، بل عليك بالرفق معه، واللين في تعليمه ودعوته، ولو اقتضى الأمر منك ترك هذه السنة في بعض الأوقات التي تصلي فيها في حضور والدك؛ فتترك الرفع أحيانا، تأليفا لقلبه، واستصلاحا لنفسه، ويرجى لمن ترك المستحب بهذا القصد، أن يثيبه الله تعالى على ما ترك.
قَالَ الإمَامُ أَحْمَدُ ـ فِي رِوَايَةِ هَارُونَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ـ فِي غُلَامٍ يَصُومُ وَأَبَوَاهُ يَنْهَيَانِهِ عَنْ الصَّوْمِ التَّطَوُّعِ:
" مَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَصُومَ إذَا نَهَيَاهُ، لَا أُحِبُّ أَنْ يَنْهَاهُ يَعْنِي عَنْ التَّطَوُّعِ ".
وَقَالَ ـ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ ـ فِي رَجُلٍ يَصُومُ التَّطَوُّعَ، فَسَأَلَهُ أَبَوَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا أَنْ يُفْطِرَ. قَالَ:
" يُرْوَى عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ: يُفْطِرُ وَلَهُ أَجْرُ الْبِرِّ وَأَجْرُ الصَّوْمِ إذَا أَفْطَرَ".
وَقَالَ ـ فِي رِوَايَةِ يُوسُفَ بْنِ مُوسَى ـ:
إذَا أَمَرَهُ أَبَوَاهُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ؟
قَالَ:
" يُدَارِيهِمَا وَيُصَلِّي ". انتهى.
"الآداب الشرعية" (2/ 37) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"ولو كان الإمام يرى استحباب شيء والمأمومون لا يستحبونه، فتركه لأجل الاتفاق والائتلاف: كان قد أحسن ... " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (22/268) .
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
هل يجوز ترك الجهر بالتأمين في الصلاة، وعدم رفع اليدين؟
فأجاب:
" نعم، إذا كان بين أناس لا يرفعون، ولا يجهرون بالتأمين: فالأولى أن لا يفعل؛ تأليفاً لقلوبهم، حتى يدعوهم إلى الخير، وحتى يعلمهم، ويرشدهم، وحتى يتمكن من الإصلاح بينهم، فإنه متى خالفهم استنكروا هذا؛ لأنهم يرون أن هذا هو الدين، يرون أن عدم رفع اليدين فيما عدا تكبيرة الإحرام، يرون أنه هو الدين، وعاشوا عليه مع علمائهم، وهكذا عدم الجهر بالتأمين، وهو خلاف مشهور بين أهل العلم، منهم من قال يجهر، ومنهم من قال: لا يجهر بالتأمين، وقد جاء في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم رفع صوته، وفي بعضها أنه خفض صوته، وإن كان الصواب أنه يستحب الجهر بالتأمين، وهو شيء مستحب، ويكون ترك أمراً مستحبّاً، فلا يفعل مؤمن مستحبّاً يفضي إلى انشقاق، وخلاف، وفتنة، بل يترك المؤمن المستحب، والداعي إلى الله عز وجل، إذا كان يترتب على تركه مصالح أعظم، من ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك هدم الكعبة وبناءها على قواعد إبراهيم، قال: (لأن قريشا حديثو عهد بكفر) ، ولهذا تركها على حالها، ولم يغير عليه الصلاة والسلام للمصلحة العامة " انتهى.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (29 / 274، 275) .
والخلاصة:
أن الواجب عليك أن تسعى في استصلاح نفسك أبيك، والرفق به، ولو أدى ذلك إلى ترك رفع اليدين في الصلاة، أو نحو ذلك من ترك بعض المستحبات، خاصة ما اختلف أهل العلم في استحبابه وعدمه، فلا بأس بذلك، وبإمكانه أن يحصل شيئا مما فاته، برفع اليدين، وفعل المستحب، حيث لا يراه الوالد.
والله أعلم
راجع إجابة السؤال رقم: (12199) ، (111223) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/779)
حكم الصلاة مع تشمير البنطلون
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أداء الصلاة بالبنطال المطوي (المكفوت) من أسفله؟ وهل ينطبق الحكم على المرأة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
جاءت الأحاديث بالنهي عن كفت الثوب في الصلاة.
فروى البخاري (812) ومسلم (490) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ: عَلَى الْجَبْهَةِ - وَأَشَارَ بِيَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ - وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ، وَلَا نَكْفِتَ الثِّيَابَ وَالشَّعَرَ) .
وكفت الثوب أو الشعر: جمعه وضمه لئلا يقع على الأرض عند السجود.
قال النووي:
" اِتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى النَّهْي عَنْ الصَّلَاة , وَثَوْبه مُشَمَّر أَوْ كُمّه أَوْ نَحْوه ... فَكُلّ هَذَا مَنْهِيّ عَنْهُ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاء , وَهُوَ كَرَاهَة تَنْزِيه فَلَوْ صَلَّى كَذَلِكَ فَقَدْ أَسَاءَ وَصَحَّتْ صَلَاته , وَاحْتَجَّ فِي ذَلِكَ أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بْن جَرِير الطَّبَرِيّ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاء، وَحَكَى اِبْن الْمُنْذِر الْإِعَادَة فِيهِ عَنْ الْحَسَن الْبَصْرِيّ" انتهى.
وقال في "تحفة المنهاج" (2/161-162) :
"ويكره للمصلي (كَفُّ شَعْرِهِ) بِنَحْوِ عَقْصِهِ أَوْ رَدِّهِ تَحْتَ عِمَامَتِهِ (أَوْ ثَوْبِهِ) بِنَحْوِ تَشْمِيرٍ لِكُمِّهِ أَوْ ذَيْلِهِ" انتهى.
وعلى هذا؛ فطي البنطلون وتشميره مكروه في الصلاة.
ثانياً:
جاءت الأحاديث بالنهي عن إسبال الثياب وإطالتها أسفل الكعبين.
فقد روى البخاري (5787) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ مِنْ الْإِزَارِ فَفِي النَّارِ) .
وروى أبو داود (4084) عَنْ أَبِي جُرَيٍّ جَابِرِ بْنِ سُلَيْمٍ رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (وَإِيَّاكَ وَإِسْبَالَ الْإِزَارِ فَإِنَّهَا مِنْ الْمَخِيلَةِ وَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمَخِيلَةَ) صححه الألباني في "صحيح أبي داود".
فلا يجوز للرجل أن يطيل ثوبه حتى ينزل أسفل من الكعبين.
فإن أصَرَّ على الإسبال وأراد أن يصلي بهذا البنطلون، فإن أبقاه على حاله صلى مسبلاً، وإن شمره ليكون فوق الكعبين صَلَّى وهو كافت ثوبه، وحينئذ يتعارض عندنا نهيان: النهي عن الإسبال، والنهي عن تشمير الثوب في الصلاة، ولا شك أن حكم الإسبال أشد، فإنه كبيرة من كبائر الذنوب، وأما تشمير الثياب في الصلاة فهو مكروه، فعند التعارض يقدم الأهم، وهو اجتناب الإسبال، وحينئذ يشمر البنطلون حتى يكون فوق الكعبين.
وقد سئل الشيخ عبد الرحمن السحيم:
أقوم بكف بنطلوني في الصلاة كي لا أكون مسبلا، لكن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كف الثوب في الصلاة، فهل هذا يكون كفاً للبنطلون؟ وما حكم ذلك؟
فأجاب:
"إذا كان البنطلون أو السروال تحت الكعبين فإنه يجب رفعه، سواء في الصلاة أو في غيرها، بل لا يجوز أن يمسّ الكعب، لقوله عليه الصلاة والسلام: (موضع الإزار إلى أنصاف الساقين والعَضَلة، فإن أبَيْتَ فأسفل، فإن أبَيْتَ فمن وراء الساق، ولا حَقّ للكعبين في الإزار) . رواه الإمام أحمد والنسائي.
وكَفْت السراويل لا يدخل في النهي؛ لأن رفع الإزار عن الكعبين مطلب شرعي، بل هو واجب، والنهي عن كفّت الثوب أو الشعر نَهْي كراهة " انتهى ملخصا.
ثالثاً:
أما صلاة المرأة بالبنطلون المطوي: فإن المرأة تنهى عن الصلاة في البنطلون، سواء كان مطويا أو غير مطوي.
فإن خالفت وصلت بالبنطلون فالصلاة في حد ذاتها صحيحة.
قال النووي رحمه الله في المجموع (3/176) : " فلو ستر اللون ووصف حجم البشرة كالركبة والألية ونحوها صحت الصلاة فيه لوجود الستر، وحكي الدارمي وصاحب البيان وجها أنه لا يصح إذا وصف الحجم، وهو غلط ظاهر " انتهى.
ولمزيد الفائدة راجع جواب السؤال رقم (46529) .
وإذا صلت المرأة في البنطلون فإنها لا تشمره، لأنه لا حاجة إلى ذلك، لأن المطلوب منها أن تستر ظهور قدميها في الصلاة، ولأن تحريم إطالة الثوب عن الكعبين خاصاً بالرجال، ولا يشمل النساء.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/780)
إذا انتهى من التشهد الأول هل يرفع يديه وهو جالس ثم يقوم أو يقوم ثم يرفع يديه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل على المصلي رفع اليدين بعد التشهد الأول وهو جالس، أو حتى يقوم ويرفعهما؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ثبت في السنة النبوية أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه إذا قام من الركعتين.
فعنْ نَافِعٍ: (أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا رَكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَرَفَعَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) .
رواه البخاري (739) وبوَّب عليه بقوله: "باب رفع اليدين إذا قام من الركعتين" انتهى.
وأخرجه أبو داود وبوَّب عليه بقوله: "باب مَن ذَكَر أنه يرفع يديه إذا قام من الثنتين" انتهى. وعن أبي حميد رضي الله عنه أنه قال في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم: (ثُمَّ إِذَا قَامَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِىَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ، كَمَا كَبَّرَ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلاَةِ) رواه أبو داود (730) والترمذي (304) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".
قال النووي رحمه الله:
"المشهور من نصوص الشافعي رحمه الله تعالى في كتبه , وهو المشهور في المذهب , وبه قال أكثر الأصحاب: أنه لا يرفع إلا في تكبيرة الإحرام , وفي الركوع والرفع منه.
وقال آخرون من أصحابنا: يستحب الرفع إذا قام من التشهد الأول , وهذا هو الصواب. وممن قال به من أصحابنا: ابن المنذر، وأبو علي الطبري، وأبو بكر البيهقي، وصاحب التهذيب فيه، وفي شرح السنة، وغيرهم , وهو مذهب البخاري وغيره من المحدثين" انتهى.
"المجموع" (3/425-426) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"يسن رفع اليدين إذا قام المصلي من التشهد الأول إلى الثالثة , وهو رواية عن الإمام أحمد , اختارها أبو البركات" انتهى.
"الفتاوى الكبرى" (5/336) .
فظاهر هذه الأحاديث (إذا قام من الركعتين) : أن رفع اليدين يكون بعد القيام، وهو الظاهر من كلام العلماء أيضاً.
وقد اختار ذلك ورجحه الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله حيث قال:
" وعلى هذا؛ فمواضع رَفْع اليدين أربعة: عند تكبيرة الإحرام، وعند الرُّكوعِ، وعند الرَّفْعِ منه، وإذا قام من التشهُّدِ الأول، ويكون الرَّفْعُ إذا استتمَّ قائماً؛ لأن لفظ حديث ابن عُمر: (وإذا قام من الرَّكعتين رَفَعَ يديه) ، ولا يَصدُق ذلك إلا إذا استتمَّ قائماً، وعلى هذا: فلا يرفع وهو جالس ثم ينهض، كما توهَّمَهُ بعضهم، ومعلوم أن كلمة (إذا قام) ليس معناها حين ينهض؛ إذ إن بينهما فرقاً" انتهى.
"الشرح الممتع" (3/214) .
وقد اختار علماء اللجنة الدائمة للإفتاء أن الرفع يكون مع بدء الانتقال من الجلوس إلى القيام، فقد سئلوا:
"ما هو صفة تكبيرة القيام من التشهد الأول ورفع اليدين هل يرفع يديه وهو جالس ثم يكبر وينهض قائماً، أم لا يرفع يديه إلا بعد القيام، وما هو الأرجح؟
فأجابوا:
"يشرع رفع اليدين في الصلاة عند القيام من التشهد الأول مع التكبير بعد البدء في الانتقال من الجلوس إلى القيام" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (6/347) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/781)
ما حكم قراءة الإمام في الصلوات الجهرية من أول القرآن إلى آخره بالترتيب؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم قراءة القرآن مرتبا في الصلوات الجهرية لختم القرآن، بحيث يبدأ بقراءة أول البقرة، ثم يكمل من الموضع الذي وقف عنده في الصلاة التي بعدها، وهكذا، ويختم القرآن في الصلوات الجهرية كل ستة أشهر، فهل هذا العمل جائز؟ وإن كان جائزاً: فما هو الأفضل في حق الإمام فعل ذلك أم الاقتصار على ما ورد في السنَّة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قراءة القرآن في الفريضة على ترتيب المصحف من سورة " البقرة " إلى " الناس ": جائز، إلا أن الأفضل أن لا يفعل ذلك، لأن هذا لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة، ولو كان خيراً لسبقونا إليه.
فالأفضل بلا شك موافقة السنة، فيقرأ سورة كاملة في كل ركعة، أو يقسم السورة على الركعتين، وإذا قرأ أحياناً من أول السورة، أو وسطها، أو آخرها فهو جائز.
وقد سئل الإمام أحمد عما ورد في السؤال فقال: "لا أعلم أحداً فعل هذا".
وقال مرة أخرى: "ليس في هذا شيء، إلا أنه يروى عن عثمان أنه فعل ذلك في " المفصَّل " وحده". والمفصل من سورة ق إلى آخر سورة الناس.
وقد روي عن أنس رضي الله عنه أنه قال: (كانوا يقرؤون في الفريضة من أول القرآن إلى آخره) ، ولكن قال الإمام أحمد عن هذا الحديث: إنه منكر.
انظر: " بدائع الفوائد " (3 / 605) .
وقول الإمام أحمد رحمه الله: " ليس في هذا شيء " أي: لم ينقل فعل ذلك في شيء من الأحاديث أو الآثار، وقد صَرَّح بهذا في قوله: " لا أعلم أحداً فعل هذا ".
وقد فهم بعض الحنابلة من كلام الإمام أحمد عدم الكراهة، فنصوا عليها في كتبهم، ومنهم صاحب " كشاف القناع " الشيخ منصور البهوتي رحمه الله، حيث قال:
"ولا تكره قراءة القرآن كله في الفرائض على ترتيبه. قال حرب: قلت لأحمد: الرجل يقرأ على التأليف في الصلاة: اليوم سورة وغدا التي تليها: قال: ليس في هذا شيء، إلا أنه روى عن عثمان أنه فعل ذلك في المفصَّل وحده" انتهى.
" كشاف القناع " (1 / 375) .
ومعلوم أن نفي الكراهة لا يعني أن هذا الفعل هو الأفضل، وإنما هو جائز من غير كراهة، إلا أن موافقة السنة أفضل بلا شك، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خير الهدي هدي محمد) . رواه مسلم (867) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
"أفيدك بالنسبة لسؤالك عن قراءة القرآن متتابعاً في صلوات المغرب، والعشاء، والفجر حتى تختمه: أن الأولى ترك ذلك؛ لأنه لم يُحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن خلفائه الراشدين رضي الله عنهم، وكل الخير في اتباع سيرته عليه الصلاة والسلام، وسيرة خلفائه رضي الله عنهم، وإذا تيسر لك أن تختم القرآن في التهجد: فذلك خير لك في الدنيا، والآخرة " انتهى.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (12 / 146) .
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
كثيرٌ من أئمة المساجد يقرؤون قراءة متسلسلة من البقرة، وحتى سورة الناس في غير رمضان، وقيل: إن هذا بدعة، ويحتج بعضهم بالمراجعة، وضبط الحفظ، وإسماع الجماعة آيات مباركات من القرآن الكريم قلَّ أن يسمعوها، فما رأي فضيلتكم في هذا؟ .
فأجاب:
"ذَكر العلماء رحمهم الله أنه ينبغي للإنسان أن يقرأ في صلاة الفجر من طوال المفصَّل، وفي صلاة المغرب من قصاره، وفي الباقي من أوساطه، والمفصَّل: أوله سورة " ق "، وآخره آخر القرآن، وطِواله: من " ق " إلى " عمَّ "، وقصاره: من " الضحى " إلى آخر القرآن، وأوساطه: من " عمَّ " إلى " الضحى "، هكذا قال أهل العلم، والذي ينبغي للإنسان أن يفعل هكذا؛ لأن من الحكمة في ذلك أن هذا المفصَّل إذا ورد على أسماع الناس حفظوه، وسهل عليهم حفظه، ولم أعلم أن أحداً من أهل العلم قال إنه ينبغي أن يقرأ من أول القرآن إلى آخره متسلسلاً ليُسمع الناس جميع القرآن، ولا يمكن أيضاً أن يُسمع الناسَ جميعَ القرآن؛ لأنه سيبقى مدة إلى أن ينتهي إلى آخر القرآن، وسيتغير الناس، يذهبون، ويجيئون، ولا يسمعون كل القرآن، وإذا لم يكن هذا من السنَّة، والعلماء ذكروا أن السنَّة القراءة في المفصل: فالأولى للإنسان أن يتَّبع ما كان عليه العلماء.
والفائدة التي أشرنا إليها من أن العامَّة إذا تكررت عليهم سور المفصل حفظوها: لا تُدرك بما إذا قرأ الإنسان من أول القرآن إلى آخره، فالأولى: العدول عن هذا، وأن يقرأ كما يقرأ الناس" انتهى.
" فتاوى نور على الدرب " (شريط 360، وجه أ) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(5/782)
فضل تكبيرة الإحرام، وبم تُدرك؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من أدرك الإمام قبل أن يركع الركعة الأولى مدركاً لتكبيرة الإحرام وفضلها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله:
أولا:
من الأمور المستحبة والمندوبة: إدراك تكبيرة الإحرام مع الإمام في صلاة الجماعة، وقد ورد في فضل ذلك جملة من النصوص والآثار.
ومن ذلك: ما رواه الترمذي (241) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ صَلَّى لِلَّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي جَمَاعَةٍ يُدْرِكُ التَّكْبِيرَةَ الْأُولَى، كُتِبَتْ لَهُ بَرَاءَتَانِ: بَرَاءَةٌ مِنْ النَّارِ، وَبَرَاءَةٌ مِنْ النِّفَاقِ) .
وهذا الحديث يروى موقوفا على أنس بن مالك رضي الله عنه، ومرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد رجح الترمذي والدارقطني وقفه، واختار الشيخ الألباني تحسينه مرفوعا. وللكلام حول الحديث ينظر جواب السؤال رقم (34605) .
وسواء صح مرفوعا أو موقوفا فله حكم الرفع؛ لأن مثل هذا الحكم لا يقوله أنس رضي الله عنه اجتهاداً من عند نفسه، فالظاهر أنه علم ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد ورد في فضل إدراك تكبيرة الإحرام أحاديث أخرى مرفوعة ولكنها لا تخلو من ضعف.
ينظر: "مجمع الزوائد" (2/123) ، "التلخيص الحبير" (2 /27) .
وأما الآثار عن السلف في الحرص على إدراك تكبيرة الإحرام فكثيرة جداً، ومنها:
1- ما جاء عن مجاهد قال: سمعت رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - لا أعلمه إلا ممن شهد بدرا- قال لابنه: أدركت الصلاة معنا؟
قال: نعم
قال: أدركت التكبيرة الأولى؟.
قال: لا.
قال: لَمَا فاتك منها خير من مئة ناقة كلها سود العين. "مصنف عبد الرزاق" (2021) .
2- قال سعيد بن المسيب: ما فاتتني التكبيرة الأولى منذ خمسين سنة. "حلية الأولياء" (2 /163) .
3- قال وكيع: كان الأعمش قريبا من سبعين سنة، لم تفته التكبيرة الأولى، واختلفت إليه قريبا من سنتين، فما رأيته يقضي ركعة. "مسند ابن الجعد" (755) .
4-وعن إبراهيم قال: إذا رأيت الرجل يتهاون في التكبيرة الأولى فاغسل يدك منه [يعني: لا خير فيه] . "حلية الأولياء" (4 /215) .
5- قال يحيى بن معين: سمعت وكيعاً، يقول: (من لم يدرك التكبيرة الأولى فلا ترج خيره) . "شعب الإيمان" للبيهقي (2652) .
قال ابن حجر: " وَالْمَنْقُولُ عَنْ السَّلَفِ فِي فَضْلِ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى آثَارٌ كَثِيرَةٌ ". "التلخيص الحبير" (2 /131) .
فينبغي الحرص على إدراك تكبيرة الإحرام مع الإمام.
ثانياً:
بماذا يدرك المأموم فضل تكبيرة الإحرام؟
للعلماء في ذلك عدة أقوال:
الأول: أن المأموم يدرك فضلها بحضوره تكبيرة إحرام إمامه، وتكبيره بعده دون تأخير.
الثاني: أنه يدركها ما لم يشرع الإمام في الفاتحة.
الثالث: يدركها إذا أدرك الإمام قبل أن ينتهي من قراءة الفاتحة، وهو قول وكيع حيث سئل عن حد التكبيرة الأولى، فقال: " ما لم يختم الإمام بفاتحة الكتاب ". "طبقات المحدثين" للأصبهاني (3/219) .
الرابع: أنها تُدرك بإدرك القيام مع الإمام لأنه محل تكبيرة الإحرام.
الخامس: أنها تحصل بإدراك الركوع الأول مع الإمام، وهو مذهب الحنفية.
ينظر: "رد المحتار" (4/131) ، " الفتاوى الهندية " (3 /11) ، " المجموع " (4/ 206) .
والقول الأول هو الأقرب، وهو مذهب جمهور العلماء من الشافعية والحنابلة وغيرهم.
قال النووي: " يستحب المحافظة على إدراك التكبيرة الأولى مع الإمام، وفيما يدركها به أوجه: أصحها بأن يشهد تكبيرة الإمام ويشتغل عقبها بعقد صلاته، فإن أخر لم يدركها ... ". "روضة الطالبين وعمدة المفتين" (1 /446) .
وقال ابن رجب: " ونص [الإمام] أحمد فِي رِوَايَة إِبْرَاهِيْم بْن الحارث عَلَى أَنَّهُ إذا لَمْ يدرك التكبيرة مَعَ الإمام لَمْ يدرك التكبيرة الأولى ".
وقال أيضاً: " وقد قال وكيع: من أدرك آمين مع إمامه فقد أدرك معه فضلية تكبيرة الإحرام.
وأنكر الإمام أحمد ذلك، وقال: لا تُدرك فضلية تكبيرة الإحرام إلا بإدراكها مع الإمام ".
وقال ابن مفلح رحمه الله: " قَالَ جَمَاعَةٌ: وَفَضِيلَةُ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى لَا تَحْصُلُ إلَّا بِشُهُودِ تَحْرِيمِ الْإِمَامِ ". "الفروع" لابن مفلح (1/521 (.
وقال الحجاوي: " وإدراك تكبيرة الإحرام مع الإمام فضيلة، وإنما تحصل بالاشتغال بالتحرم عقب تحرم إمامه مع حضوره تكبيرة إحرامه". " الإقناع " (1 / 151) .
وقال الشيخ ابن عثيمين: " السنة: إذا كبر الإمام أن تبادر وتكبر حتى تدرك فضل تكبيرة الإحرام، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا كبر فكبروا) والفاء تدل على الترتيب والتعقيب، يعني: من حين أن يكبر وينقطع صوته من الراء بقوله: (الله أكبر) فكبر أنت ولا تشتغل لا بدعاء ولا بتسوك ولا بمخاطبة من بجانبك، فإن هذا يفوت عليك إدراك فضل تكبيرة الإحرام ". "لقاء الباب المفتوح" (2/192) .
وفي "الملخص الفقهي" (1/140) للشيخ صالح الفوزان: " ولا تحصل فضيلتها المنصوصة إلا بشهود تحريم الإمام ".
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/783)
شخص يعاني من القولون العصبي والانتفاخ والغازات
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شخص أعاني من القولون العصبي ومن أعراضه الانتفاخ وغازات وعدم إخراج كامل للفضلات، لذلك فإني أدخل إلى الحمام قبل الأذان بربع ساعة تقريبا أو أقل، وذلك للتخلص من الفضلات ثم من الغازات وعندما أخرج من الحمام أنتظر من عشر إلى ربع ساعة لوقوف البول لأني مصاب بسلس البول علماً أني قد أدخل الحمام وأستغرق أكثر من ساعة، وذلك لاضطراب في عمل القولون والفضلات تخرج بشكل غير طبيعي، وأحيانا أستيقظ من النوم ولم يبق من الوقت ما يكفي، فإن دخلت الحمام ثم خرجت وانتظرت لانقطاع البول خرج الوقت، وإن صليت على حالي صليت مع وجود انتفاخ وغازات، وأحيانا أدخل الحمام قبل الأذان ولا أخرج إلا ولم يبق من الوقت ما يكفي، فلو انتظرت انقطاع البول خرج الوقت، وإن صليت على حالي، صليت والقطرات تنزل مني علماً أن كثيراً من صلاة الجماعة تفوتني لعلمي بأن الطهارة مقدمة على الجماعة، ولكن الذي يشكل علي هو: هل يجب علي أن أبقى هذا الوقت الطويل لإخراج الفضلات والغازات من ثم أحصل على الطهارة، وفي ذلك مشقة علي أو أصلي على حالي؟ علماً أني قد تحصل لي طهارة، لكن لا أعلم متى، وهل المقدم الطهارة أو الوقت علماً أني قد أدخل الحمام في أول الوقت، وأحيانا بسبب الاستيقاظ أدخل ولم يبق من الوقت إلا أربعين أو ثلاثين دقيقة أرجو التكرم بتوضيح الحكم في حالتي، وماذا يجب علي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحكم بالنسبة لمن ابتلي بسلس البول ونحوه ممن كان حدثه مستمرا، أنه يتوضأ لوقت كل صلاة وضوءا مستقلا عند دخول وقتها، ولو كان قد توضأ للصلاة التي قبلها قريبا؛ وذلك لما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إني امرأة أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا، إنما ذلك عرق وليس بحيض، فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي، ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت) رواه البخاري (226) – واللفظ له – ومسلم (333) .
وصاحب السلس ملحق عند أهل العلم بالمستحاضة، قال العيني رحمه الله في "عمدة القاري" (3/280) : "ويلحق بالمستحاضة ما في معناها كمن به سلس البول والمذي والودي ومن به جرح يسيل" انتهى.
لكن إن علم أن البول ينقطع عنه في وقت يتسع لطهارته وصلاته، لزمه تأخير الصلاة لذلك الوقت.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: "المريض المصاب بسلس البول ولم يبرأ بمعالجته عليه أن يتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها، ويغسل ما يصيب بدنه، ويجعل للصلاة ثوبا طاهرا إن لم يشق عليه ذلك، وإلا عفي عنه، لقول الله تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) وقوله: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ) وقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) ، ويحتاط لنفسه احتياطا يمنع انتشار البول في ثوبه أو جسمه أو مكان صلاته" انتهى من "فتاوى إسلامية" (1/192) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "المصاب بسلس البول له حالان:
الأولى: إذا كان مستمرّاً عنده بحيث لا يتوقف، فكلما تجمَّع شيء بالمثانة نزل: فهذا يتوضأ إذا دخل الوقت ويتحفظ بشيء على فرجه، ويصلِّي ولا يضرُّه ما خرج.
الثانية: إذا كان يتوقف بعد بوله ولو بعد عشر دقائق أو ربع ساعة: فهذا ينتظر حتى يتوقف ثم يتوضأ ويصلِّي، ولو فاتته صلاة الجماعة" انتهى.
"أسئلة لقاء الباب المفتوح" (س 17، لقاء 67) .
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عن رجل تخرج منه غازات باستمرار، فكيف يتوضأ ويصلي؟
فأجابت: "إذا كان حالك ما ذكر وأن الغازات مستمرة معك فعليك الوضوء لكل صلاة بعد دخول الوقت ولا يضرك ما يخرجك منك بعد ذلك. وأما الجمعة فتوضأ لها قبل دخول الخطيب في الوقت الذي يمكنك من سماع الخطبة وأداء الصلاة" انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (5/ 412) .
والذي يظهر لنا أنه لا يلزمك البقاء في قضاء الحاجة كل هذا الوقت الطويل الذي تذكره، بل تقضي حاجتك ثم تخرج وتتوضأ وتصلي، ولا يضرك ما نزل بعد الوضوء أو في الصلاة لأنك معذور.
ولمعرفة المزيد عن أحكام صاحب سلس البول، راجع جواب السؤال رقم (22843) (2723) (39431) (39494) .
ونسأل الله تعالى أن يرفع عنك ما أصابك ويعافيك.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/784)
هل يجب على الرجل ستر عاتقه في الصلاة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجب علي الرجل ستر كتفه أثناء الصلاة؟ وهل الصلاة بكتف عارٍ حلال أم حرام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اتفق الفقهاء على وجوب ستر العورة في الصلاة، وعورة الرجل ما بين سرته وركبته، وبعضهم يدخل السرة والركبة في العورة.
واختلفوا في وجوب ستر العاتق، وهو ما بين الكتف والعنق، فذهب الجمهور إلى عدم الوجوب، وذهب الحنابلة إلى أنه واجب في صلاة الفرض خاصة، ولا تصح الصلاة إلا به.
واستدل الجمهور بما روى البخاري (361) ومسلم (3010) عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: سَأَلْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ، فَقَالَ: خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، فَجِئْتُ لَيْلَةً لِبَعْضِ أَمْرِي فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي وَعَلَيَّ ثَوْبٌ وَاحِدٌ، فَاشْتَمَلْتُ بِهِ، وَصَلَّيْتُ إِلَى جَانِبِهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: مَا السُّرَى يَا جَابِرُ؟ فَأَخْبَرْتُهُ بِحَاجَتِي، فَلَمَّا فَرَغْتُ قَالَ: مَا هَذَا الِاشْتِمَالُ الَّذِي رَأَيْتُ؟ قُلْتُ: كَانَ ثَوْبٌ، يَعْنِي ضَاقَ. قَالَ: (فَإِنْ كَانَ وَاسِعًا فَالْتَحِفْ بِهِ، وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا فَاتَّزِرْ بِهِ) .
والاشتمال: الالتفاف بالثوب.
والسُّرى: السير في الليل، والمراد سؤاله عن سبب مجيئه في ذلك الوقت.
واحتج الحنابلة بما روى البخاري (359) ومسلم (516) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يُصَلِّي أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقَيْهِ شَيْءٌ) .
وحمله الجمهور على الاستحباب جمعاً بين الأدلة.
قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم": " قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يُصَلِّي أَحَدكُمْ فِي الثَّوْب الْوَاحِد لَيْسَ عَلَى عَاتِقه مِنْهُ شَيْء) قَالَ الْعُلَمَاء: حِكْمَته أَنَّهُ إِذَا ائْتَزَرَ بِهِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى عَاتِقه مِنْهُ شَيْء لَمْ يُؤْمِن أَنْ تَنْكَشِف عَوْرَته بِخِلَافِ مَا إِذَا جَعَلَ بَعْضه عَلَى عَاتِقه , وَلِأَنَّهُ قَدْ يَحْتَاج إِلَى إِمْسَاكه بِيَدِهِ أَوْ يَدَيْهِ فَيَشْغَل بِذَلِكَ , وَتَفُوتهُ سُنَّة وُضِعَ الْيَد الْيُمْنَى عَلَى الْبَدَن وَمَوْضِع الْيُسْرَى تَحْت صَدْره , وَرَفْعهمَا حَيْثُ شُرِعَ الرَّفْع , وَغَيْر ذَلِكَ , لِأَنَّ فِيهِ تَرْك سَتْر أَعْلَى الْبَدَن وَمَوْضِع الزِّينَة وَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى: {خُذُوا زِينَتكُمْ} . ثُمَّ قَالَ مَالِك وَأَبُو حَنِيفَة وَالشَّافِعِيّ رَحِمَهُمْ اللَّه تَعَالَى وَالْجُمْهُور: هَذَا النَّهْي لِلتَّنْزِيهِ لَا لِلتَّحْرِيمِ , فَلَوْ صَلَّى فِي ثَوْب وَاحِد سَاتِر لِعَوْرَتِهِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقه مِنْهُ شَيْء صَحَّتْ صَلَاته مَعَ الْكَرَاهَة , سَوَاء قَدَرَ عَلَى شَيْء يَجْعَلهُ عَلَى عَاتِقه أَمْ لَا.
وَقَالَ أَحْمَد وَبَعْض السَّلَف رَحِمَهُمْ اللَّه: لَا تَصِحّ صَلَاته إِذَا قَدَرَ عَلَى وَضْع شَيْء عَلَى عَاتِقه إِلَّا بِوَضْعِهِ؛ لِظَاهِرِ الْحَدِيث. وَعَنْ أَحْمَد بْن حَنْبَل رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى رِوَايَة أَنَّهُ تَصِحّ صَلَاته , وَلَكِنْ يَأْثَم بِتَرْكِهِ.
وَحُجَّة الْجُمْهُور قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيث جَابِر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: " فَإِنْ كَانَ وَاسِعًا فَالْتَحِفْ بِهِ , وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا فَأْتَزِرْ بِهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيّ , وَرَوَاهُ مُسْلِم فِي آخِر الْكِتَاب فِي حَدِيثه الطَّوِيل " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرح "زاد المستقنع": " والتفريق بين الفرضِ والنَّفلِ مخالفٌ لظاهرِ الحديث. ثم إن المؤلَّف يقول: «مع أحد عاتقيه» ، والحديث يدلُّ على سَتْرِ العَاتقين جميعاً، وما قاله المؤلِّفُ هو المشهور من المذهب.
والقول الثاني: أنَّ سَتْرَ العاتقين سُنَّة؛ وليس بواجب؛ لا فرق بين الفرضِ والنَّفلِ؛ لحديث: (إنْ كان ضيِّقاً فاتَّزِرْ به) ، وهذا القول هو الرَّاجح، وهو مذهب الجمهور. وكونه لا بُدَّ أن يكون على العاتقين شيء من الثَّوب ليس من أجل أن العاتقين عورة، بل من أجل تمام اللباس وشدِّ الإزار؛ لأنه إذا لم تشدَّه على عاتقيك ربما ينسلخُ ويسقطُ، فيكون ستر العاتقين هنا مراداً لغيره لا مراداً لذاته " انتهى من "الشرح الممتع" (2/168) .
وينظر: "المغني" (1/338) ، و "المجموع" (3/180) .
والحاصل: أنه لا يجب على الرجل ستر كتفه ولا عاتقه في الصلاة، ولكن يستحب ذلك تزينا وتجملا وتعظيما للصلاة وللوقوف بين يدي ربه جل وعلا، فإن صلى عاري الكتفين أو العاتقين صحت صلاته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/785)
حكم صلاة المرأة خارج بيتها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم صلاة المرأة خارج بيتها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"صلاة المرأة في غير بيتها تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: أن تصلي في مجامع الرجال، كصلاتها في المساجد.
والقسم الثاني: أن تصلي في بيت من ذهبت إليه لزيارة أو نحوها.
فأما الأول: بالنسبة لصلاتها في مجامع الرجال كالمساجد، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بَيَّن الحكم فيها بياناً شافياً، فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وبيوتهن خيرٌ لهن) فالأفضل للمرأة أن تصلي في بيتها، لا في المساجد مع الرجال إلا في صلاةٍ واحدة فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر النساء أن يخرجن إليها وهي صلاة العيدين: عيد الأضحى وعيد الفطر، وأما صلاة المرأة في بيتٍ غير بيتها كبيتٍ قصدته لزيارةٍ أو نحوها فإنه لا حرج عليها في ذلك، وصلاتها فيه كصلاتها في بيتها تماماً، أي: أنها ليست مأجورةً ولا مأثومة، بل صلاتها في البيت الذي ذهبت إليه لزيارةٍ أو نحوها كصلاتها في بيتها الذي هو سكنها" انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
"فتاوى نور على الدرب"
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/786)
هل تنال المرأة أجر صلاة الجماعة إذا ذهبت للمسجد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا ذهبت المرأة للمسجد لصلاه التراويح أو أي فرض، فهل لها نفس أجر الرجل وأجر الجماعة، أم هذا الأجر مختص بالرجال فقط؟ مع العلم أنها تذهب بالحجاب الشرعي الكامل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
صلاة المرأة في بيتها ولو منفردة أفضل وأعظم أجراً من صلاتها في المسجد ولو جماعة، دلت على ذلك الأحاديث الكثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
جاء في " الموسوعة الفقهية " (8/231) :
"اتفق الفقهاء على أن صلاة الرجل في المسجد جماعة أفضل من صلاته منفرداً في البيت، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الجماعة أفضل من صلاة أحدكم وحده بخمس وعشرين درجة) وفي رواية: (بسبع وعشرين درجة) - متفق عليه -.
أما في حق النساء فإن صلاتهن في البيت أفضل؛ لحديث أم سلمة مرفوعاً: (خير مساجد النساء قعر بيوتهن) - رواه أحمد في " المسند " (6/297) وحسنه محققو المسند " انتهى.
وانظر جواب السؤال رقم (90071) .
أما فضل صلاة الجماعة في المسجد فهذا خاص بالرجال، لأنهم هم المأمورون بالخروج إليها، إلا صلاة العيد، فتضاعف للنساء أيضاً، لأنهن مأمورات بالخروج إليها، ولهذا قال ابن دقيق العيد رحمة الله:
"فحيث يندب للمرأة الخروج إلى المسجد ينبغي أن تتساوى مع الرجل، لأن وصف الرجولية بالنسبة إلى ثواب الأعمال غير معتبر شرعاً" انتهى.
"إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام" (1/193) .
وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله:
"وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي خرجه البخاري: (صلاة الرجل في الجماعة تضعف) وهو يدل على أن صلاة المرأة لا تضعف فِي الجماعة؛ فإن صلاتها فِي بيتها خير لها وأفضل" انتهى.
" فتح الباري " (4/34) .
ونحوه ما قاله الحافظ ابن حجر في شرح حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، ومنهم: (رجل معلق قلبه في المساجد) ، فذهب الحافظ إلى أن هذا خاص بالرجل، لأن صلاة المرأة في بيتها أفضل من المسجد.
" فتح الباري " (2/147) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" التضعيف الحاصل في صلاة الجماعة يختص بالرجال؛ لأنهم هم المدعوون إليها على سبيل الوجوب , ولهذا كان لفظ الحديث: (صلاة الرجل في جماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه، خمساً وعشرين ضعفاً) .
وعلى هذا؛ فإن المرأة لا تنال هذا الأجر , بل إن العلماء اختلفوا في مشروعية صلاة الجماعة للنساء منفرادت عن الرجال في المصليات التي في البيوت , أو التي في المدارس، فمنهم من قال: إنه تسن لهن الجماعة. ومنهم من قال: إنه تباح لهن الجماعة. ومنهم من قال: إنه تكره لهن الجماعة " انتهى.
وانظر جواب السؤال رقم: (12093) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(5/787)
إمامة من يعجز عن بعض أركان الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تجوز إمامة من يعجز عن فعل بعض أركان الصلاة أو شروطها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"المشهور من المذهب [يعني: مذهب الإمام أحمد] أن العاجز عن الشرط, أو الركن لا يكون إماماً للقادر.
ولكن ليس في هذا دليل يطمئن إليه القلب, والراجح عندي: أنه يجوز, وأن من صحت صلاته صحت إمامته. إلا أن يقوم نص, أو إجماع خلاف ذلك, فيؤخذ بما يقتضيه النص, أو الإجماع, وقد ثبت عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال عن الإمام: (إذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعون) والمصلي قاعداً عاجز عن القيام، وهو ركن في الفريضة" انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (15/150) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/788)
حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أثناء قراءة الإمام في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تجوز الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، إذا قرأ الإمام: (يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلّموا تسليماً) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا كنت خلف الإمام في الصلاة وهو يقرأ جهراً فعليك أن تنصت وتستمع لقراءته ولا تتكلم وهو يقرأ، ولو بذكر أو دعاء لقوله تعالى: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا) . أجمعوا على أنها في الصلاة، وورد في الحديث: (إذا كبّر الإمام فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا) . فأما إن قرأ الإمام هذه الآية في خطبة جمعة أو عيد أو سمعت من يقرؤها وأنت خارج الصلاة، أو قرأت ذلك أنت فإنه يشرع ويتأكد أن تصلي على النبي صلى الله وعليه وسلم، كما تشرع في سائر الأوقات، وفيها فضل عظيم" انتهى.
فضيلة الشيخ ابن جبرين حفظه الله.
"فتاوى إسلامية" (1/291) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/789)
استيقظ قبيل طلوع الشمس وهو جنب فهل يغتسل ولو طلعت الشمس؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل مراعاة وقت الصلاة مقدم على الطهارة، أو الطهارة مقدمة لمن استيقظ من النوم وهو جنب حيث لو اغتسل طلعت الشمس، هل يغتسل ويقضي الصلاة، أو يصلي قبل طلوع الشمس؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"يغتسل ويصلي ولو طلعت الشمس، لعموم قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ) المائدة/6، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) .
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (6/298) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/790)
حكم مسح التراب عن الجبهة بعد الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعنا من يقول: يكره مسح الجبهة عن التراب بعد الصلاة فهل لهذا أصل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"ليس له أصل فيما نعلم، وإنما يكره فعل ذلك قبل السلام؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في بعض صلواته أنه سلم من صلاة الصبح في ليلة مطيرة، ويُرى على وجهه أثر الماء والطين، فدل ذلك أن الأفضل عدم مسحه قبل الفراغ من الصلاة" انتهى
فضيلة الشيخ ابن باز رحمه الله.
"تحفة الإخوان" (ص61) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/791)
هل يشرع للإمام أن ينتظر الداخل لإدراك الركعة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الأئمة ينتظر الداخل لإدراك الركعة، وبعضهم يقول: لا يشرع الانتظار؟ فما هو الصواب وفقكم الله؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" الصواب شرعية الانتظار قليلا حتى يلحق الداخل بالصف تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك " انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله.
"تحفة الإخوان بأجوبة مهمة تتعلق بأركان الإسلام" (ص72) .
وللفائدة ينظر جواب السؤال رقم (21963) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/792)
إذا قام المسبوق قبل أن يسلم الإمام التسليمة الثانية
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا قام المأموم قبل أن يشرع الإمام في التسليمة الثانية ما حكم صلاته وما الذي يلزمه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
اختلف الفقهاء في حكم التسليمة الثانية، فذهب الجمهور إلى استحبابها، وذهب الحنابلة إلى وجوبها في الفريضة، وصرحوا بأن التسليمتين من أركان الصلاة.
وينظر جواب السؤال: (105297) ، (22965) .
قال في "كشاف القناع" (1/388) في بيان أركان الصلاة: " الثالث عشر: (التسليمتان) لقوله صلى الله عليه وسلم: (وتحليلها التسليم) ، وقالت عائشة: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يختم صلاته بالتسليم) ... ، إلا في صلاة جنازة فيخرج منها بتسليمة واحدة، وإلا في نافلة فتجزىء تسليمة واحدة على ما اختاره جمع منهم المجد عبد السلام بن تيمية.
قال في المغني والشرح: لا خلاف أنه يخرج من النفل بتسليمة واحدة " انتهى باختصار وتصرف.
ثانيا:
على القول باستحباب التسليمة الثانية لا حرج على المسبوق أن يقوم قبل أن يأتي بها إمامه، وأما على القول بوجوبها وركنيتها، فلا يجوز له ذلك، ويلزمه إن قام أن يرجع حتى يسلم إمامه ثم يقوم ليتم صلاته، فإن لم يرجع لم تصح صلاته فريضة، وانقلبت نفلاً.
قال في "كشاف القناع" في الموضع السابق: " والتسليمتان من الصلاة كسائر الأركان، فلا يقوم المسبوق قبلهما " انتهى.
وقال في "منار السبيل" (1/119) : "وإن قام المسبوق قبل تسليمة إمامه الثانية ولم يرجع انقلبت نفلاً، لتركه العود الواجب لمتابعة إمامه بلا عذر، فيخرح عن الائتمام ويبطل فرضه " انتهى.
وقال في "حاشية الروض المربع" (2/277) : " لتركه الواجب بلا عذر يبيح المفارقة، ففسد فرضه بذلك، ذاكرًا أو ناسيًا، عامدًا أو جاهلاً، وهذا على القول بوجوب التسليمة الثانية في الفرض، وتقدّم. ومن لم يره لم تبطل في حقه، كالجاهل والناسي، وصحتها نفلاً مبني على أن التسليمة الثانية ليست ركنًا في النفل على المذهب " انتهى.
وعلى هذا؛ فيلزم المأموم أن ينتظر حتى يسلم الإمام التسليمة الثانية، ثم يقوم ليتم صلاته، إلا إن كان يعتقد استحباب التسليمة الثانية، فلا حرج عليه أن يقوم قبل أن يأتي بها الإمام.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/793)
هل يجعل السترة تلقاء وجهه مباشرة أم ينحرف عنها قليلاً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى في زاد المعاد أن من السنة في اتخاذ السترة للمصلي أنها لا تكون أمامه مباشرة، بل تكون عن يمينه، أو عن يساره، فنريد توضح ذلك وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"يريد ابن القيم رحمه الله أنك إذا اتخذت سترة في الصلاة فلا تقابلها مقابلة تامة، اجعلها عن يمينك شيئاً ما، أو عن يسارك شيئاً ما، لورود حديث بذلك عن النبي عليه الصلاة والسلام، لكن الحديث الذي ورد في هذا لين، فيه شيء من الضعف، وظاهر الأدلة أن السترة تكون بين يدي المصلي تماماً، وأنه يستقبلها بدون أن تكون عن يمينه أو عن شماله، والأمر في هذا واسع؛ إن صمد إليها صمداً فلا بأس، والإنسان بعيد عن أن يجعلها كالصنم، وإن جعلها عن يمينه أو عن يساره شيئاً ما فلا بأس" انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
"لقاءات الباب المفتوح" (3/516) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/794)
حكم قراءة الدعاء من الورقة أثناء الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني لا أحفظ من الأدعية إلا القليل فهل يجوز أن أكتب بعض الأدعية في ورقة وأقرأها خارج الصلاة وأثناءها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"لا مانع أن يقرأ الإنسان الدعاء من الورقة إذا كان لا يحفظ وكتب الدعاء في ورقة وقرأه في الأوقات التي يحب أن يدعو فيها، مثل آخر الليل، أو أثناء الليل، أو غيرها من الأوقات، ولكن لو تيسر حفظ ذلك, وأن يقرأه عن حضور قلب وعن خشوع كان ذلك أكمل.
أما في الصلاة فالأولى أن يكون عن ظهر قلب, وأن تكون دعوات مختصرة موجزة، ولو قرئت من ورقة في التشهد مثلا أو بين السجدتين فلا حرج في ذلك، لكن كون الداعي يحفظ الدعاء فإنه يكون أقرب إلى الخشوع، والله ولي التوفيق" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (26/136) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/795)
حكم السترة، وقطع الصلاة بمرور المرأة البالغة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم السترة، وهل مرور الكلب والمرأة والحمار، يقطع الصلاة؟ وما موقفنا من كلام عائشة رضوان الله عليها عندما قالت: (أجعلتمونا كالكلاب والحمير) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"السترة سنة مؤكدة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة، وليدن منها) رواه أبو داود بإسناد جيد، وكان النبي صلى الله عليه وسلم في أسفاره إذا سافر تنقل معه العَنَزة [خشبة قصيرة] وكان يصلي إليها عليه الصلاة والسلام، فهي سنة مؤكدة وليست واجبة؛ لأنه قد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلى في بعض الأحيان إلى غير سترة.
وأما ما يقطع الصلاة فهو الحمار والكلب الأسود والمرأة البالغة، لقوله عليه الصلاة والسلام: (يقطع صلاة المرء المسلم إذا لم يكن بين يديه مثل مؤخرة الرحل؛ المرأة والحمار والكلب الأسود) أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أبي ذر رضي الله عنه، ورواه مسلم أيضا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بدون ذكر الأسود، والقاعدة أن المطلق يحمل على المقيد، وفي حديث ابن عباس: (المرأة الحائض) ، أي البالغة، والصواب ما دل عليه الحديث: أن هذه الثلاث تقطع [الصلاة] .
وأما قول عائشة رضي الله عنها فهو من رأيها واجتهادها، قالت: (بئس ما شبهتمونا بالحمير والكلاب) ، وذكرت أنها كانت تعترض له بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، وهذا ليس بمرور؛ لأن الاعتراض لا يسمى مرورا، وقد خفيت عليها رضي الله عنها السنة في ذلك، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ، فلو صلى إنسان إلى إنسان قدامه جالس أو مضطجع لم يضره ذلك، وإنما الذي يقطع هو المرور بين يدي المصلي من جانب إلى جانب، إذا كان المار واحدا من الثلاثة المذكورة بين يديه أو بينه وبين السترة، وإذا كانت المرأة صغيرة لم تبلغ أو الكلب ليس بأسود، أو مر شيء أخر كالبعير والشاة ونحوها فهذه كلها لا تقطع، لكن يشرع للمصلي ألا يدع شيئا يمر بين يديه، وإن كان لا يقطع الصلاة لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه، فإن أبى فليقاتله، فإنه شيطان) متفق على صحته" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (24/21، 22) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/796)
الصلاة على السجادة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الصلاة على السجادة؟ وما هو حكم وضعها في المسجد ليصلِّى عليها الإمام؟ هل هي بدعة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الصلاة على السجادة جائز من حيث الأصل. روى البخاري (379) ومسلم (513) عَنْ مَيْمُونَةَ رضي الله عنها قالت: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَى الْخُمْرَةِ.
والخمرة هي فراش صغير على قدر الوجه يعمل من سعف النخل يسجد عليه المصلي يتقي به حر الأرض وبردها.
واختار الخطابي أن الخمرة قد تكون أكبر من ذلك واستدل بما رواه أبو داود (5247) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جَاءَتْ فَأْرَةٌ فَأَخَذَتْ تَجُرُّ الْفَتِيلَةَ فَجَاءَتْ بِهَا فَأَلْقَتْهَا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْخُمْرَةِ الَّتِي كَانَ قَاعِدًا عَلَيْهَا فَأَحْرَقَتْ مِنْهَا مِثْلَ مَوْضِعِ الدِّرْهَمِ. . . الحديث. صححه الألباني في صحيح أبي داود (4369) .
قال في عون المعبود:
وَهَذَا صَرِيحٌ فِي إِطْلاق الْخُمْرَة عَلَى الْكَبِير {أي الفراش الكبير} . كَذَا فِي النِّهَايَة اهـ.
وانظر: فتح الباري (333) .
قال الشوكاني:
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لا بَأْسَ بِالصَّلاةِ عَلَى السَّجَّادَةِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْخِرَقِ أَوْ الْخُوصِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ , سَوَاءٌ كَانَتْ صَغِيرَةً أَوْ كَانَتْ كَبِيرَةً كَالْحَصِيرِ وَالْبِسَاطِ لِمَا ثَبَتَ مِنْ صَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْحَصِيرِ وَالْبِسَاطِ وَالْفَرْوَةِ اهـ.
لكن قد يعرض من الأسباب ما يقتضي النهي عن الصلاة على السجادة ونحوها من أنواع الفرش.
فمن ذلك:
1- إذا كانت السجادة تحتوي على صور ذوات أرواح فيحرم اقتناؤها ويجب طمس صورها. راجع سؤال رقم (12422) .
2- إذا كانت السجادة بها زخارف ونقوش تلهي المصلي وتشغله عن صلاته فالصلاة عليها مكروهة.
قالت اللجنة الدائمة:
. . . وأما تصوير ما ليس فيه روح من جبال وأنهار وبحار وزرع وأشجار وبيوت ونحو ذلك دون أن يظهر فيها أو حولها صور أحياء: فجائز، والصلاة عليها مكروهة لشغلها بال المصلي، وذهابها بشيء من خشوعه في صلاته، ولكنها صحيحة.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (6 / 180) .
وقالت أيضاً:
المساجد بيوت الله تعالى، بنيت لإقام الصلاة، ولتسبيح الله تعالى، وخشية الله.
والرسوم والزخارف في فرش المساجد وجدرانها مما يشغل القلب عن ذكر الله ويُذهب بكثير من خشوع المصلين، ولذا كرهه كثير من السلف، فينبغي للمسلمين أن يجنبوا ذلك مساجدهم، محافظة على كمال عبادتهم بإبعاد المشاغل عن الأماكن التي يتقربون فيها لله رب العالمين، رجاء عظم الأجر ومزيد الثواب، أما الصلاة عليها: فصحيحة.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (6 / 181، 182) .
3- إذا كان يصلي على السجادة ترفعاً من الصلاة على الأرض
روى البخاري (2036) عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: اعْتَكَفْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَشْرَ الأَوْسَطَ مِنْ رَمَضَانَ قَالَ فَخَرَجْنَا صَبِيحَةَ عِشْرِينَ. قَالَ: فَخَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَبِيحَةَ عِشْرِينَ، فَقَالَ: إِنِّي أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ وَإِنِّي نُسِّيتُهَا فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ فِي وِتْرٍ فَإِنِّي رَأَيْتُ أَنِّي أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ، وَمَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْيَرْجِعْ. فَرَجَعَ النَّاسُ إِلَى الْمَسْجِدِ وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً، قَالَ: فَجَاءَتْ سَحَابَةٌ فَمَطَرَتْ وَأُقِيمَتْ الصَّلاةُ فَسَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الطِّينِ وَالْمَاءِ حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ الطِّينِ فِي أَرْنَبَتِهِ وَجَبْهَتِهِ. وفي رواية لمسلم (1167) : (وَجَبِينُهُ مُمْتَلِئًا طِينًا وَمَاءً) .
ففي هذا الحديث تواضع النبي صلى الله عليه وسلم حيث سجد على الماء والطين، ولم يتكلف أن يؤتى له بشيء يسجد عليه.
4- إذا كان يصلي على السجادة ترفعاً من الصلاة على الفراش الذي فرش لعامة الناس في المسجد، أو يفعل ذلك احتياطاً منه لاحتمال أن تكون الأرض قد أصابتها نجاسة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
أما الغلاة من الموسوسين: فإنهم لا يصلُّون على الأرض، ولا على ما يفرش للعامة على الأرض، لكن على سجادة ونحوها … اهـ مجموع الفتاوى (22 / 177) .
5- إذا كان الرجل يتحرى الصلاة على السجادة لظنه أن لابد من سجادة خاصة للصلاة وأن عليه أن يصلي على أي شيء سواء كان ذلك في البيت أم في المسجد، حتى إن كثيراً من الناس لا يصلي إلا على السجادة ولو كان البيت مفروشاً.
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى:
الصلاة على السجادة بحيث يتحرى المصلى ذلك: فلم تكن هذه سنَّة السلف من المهاجرين والأنصار ومَن بعدهم مِن التابعين لهم بإحسان على عهد رسول الله، بل كانوا يصلون في مسجده على الأرض لا يتخذ أحدهم سجادة يختص بالصلاة عليها، وقد روي أن عبد الرحمن بن مهدى لما قدم المدينة بسط سجادة، فأمر مالك بحبسه فقيل له: إنه عبد الرحمن بن مهدى، فقال: أما علمتَ أن بسط السجادة في مسجدنا بدعة؟! اهـ مجموع الفتاوى (22 / 163) .
6- وكذلك ما هو موجود في كثير من المساجد من تخصيص الإمام بسجادة توضع له يصلي عليها، مع أن المسجد مفروش، فلماذا يتميز عن المصلين؟؟
وهذا لا ينبغي لعدم الحاجة إليها، ولأن ذلك قد يوقع في قلبه شيئاً من الترفع والتعالي على الناس.
والحاصل أن فرش السجادة على السجادة بدعة ما لم يكن هناك سبب لذلك كشدة البرد أو صلابة الأرض أو نجاسة السجادة الأولى أو قذارتها وما أشبه ذلك.
والله تعالى أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/797)
إسعاف مغشي عليه أثناء صلاة الجمعة
[السُّؤَالُ]
ـ[أثناء صلاة الجمعة سقط أحد المصلين بالقرب مني مغشيا عليه …..سؤالي هو:
ما الذي ينبغي أن نفعله في هذه اللحظة؟ هل ننبه الآخرين ونطلب المساعدة والنجدة،،، أم ننتظر حتى نفرغ من صلاتنا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا بحسب ما أصاب هذا المصلي: فان كان يتضرر بانتظار فراغكم من الصلاة فإنكم تقطعون الصلاة لإسعافه. وإن كان لا يتضرر بانتظار فراغكم فأسعفوه بعد الصلاة. والله أعلم
فتوى الشيخ عبد الله الغديان.
وأنتم في مثل هذه الحال تعملون بما يغلب على ظنكم في تضرره بانتظار فراغكم أو عدم تضرره والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/798)
هل يتحرك المسبوق قليلا لتحصيل السترة أو تيسير خروج المصلين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تأخر المسبوق عن الصف الذي يقف فيه بعد سلام الإمام إلى الصف الذي خلفه والذي لا يوجد به مصلون ليترك فرجة في الصف الذي كان يقف فيه كي يتيح للمصلين الذين أنهوا صلاتهم المرور وعدم قطع صلاة المسبوقين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا قام المسبوق ليتم صلاته، فإنه لا يلزمه الانتقال من مكانه، لأجل تحصيل سترة، ولا لأجل ما ذكرت من مرور المصلين؛ لعدم ورود ما يدل على ذلك.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: أحياناً المأموم تفوته ركعة أو ركعتان، فعندما يسلم الإمام يجد السترة بعيدة عنه بمقدار خطوتين أو ثلاثاً فهل يجوز له أن يتقدم إلى السترة؟
فأجاب: "الذي يظهر لي من صنيع الصحابة رضي الله عنهم، أن المسبوق لا يتخذ سترة، وأنه يقضي بلا سترة " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (232/30) .
ولا شك أن تحصيل السترة المتعلقة بصلاة الإنسان نفسه، أولى من تيسير المرور على المصلين.
والمسبوق إذا قام يتم صلاته فإنه يكون في حكم المفرد، فيمنع المار بين يديه، ولا يجوز لأحد أن يمر بين يديه، وعلى مريد الخروج أن يصبر قليلا، أو أن يبحث عن مكان يخرج منه من غير أن يؤذي المصلين ولا أن يمر بين أيديهم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/799)
يستحب الفصل بين صلاة الفريضة والنافلة بكلام أو انتقال
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا صليت الفرض ثم أردت أن أتنفل فهل يستحب تغير مكان صلاة النافلة لأجل أن يشهد لي أكثر من مكان بالأرض؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، يستحب أن تفصل بين الفريضة والنافلة بكلام أو انتقال إلى مكان آخر.
وأفضل الفصل: الانتقال لصلاتها في البيت، لأن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة، كما صح بذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ودليل الفصل المذكور ما رواه مسلم في صحيحه (1463) عن معاوية رضي الله عنه قال: (إِذَا صَلَّيْتَ الْجُمُعَةَ فَلَا تَصِلْهَا بِصَلَاةٍ حَتَّى تَكَلَّمَ أَوْ تَخْرُجَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنَا بِذَلِكَ، أَنْ لَا تُوصَلَ صَلَاةٌ بِصَلَاةٍ حَتَّى نَتَكَلَّمَ أَوْ نَخْرُجَ) .
قال النووي رحمه الله في شرحه لصحيح مسلم: " فيه دليل لما قاله أصحابنا - يعني فقهاء الشافعية - أن النافلة الراتبة وغيرها يستحب أن يتحول لها عن موضع الفريضة إلى موضع آخر، وأفضله التحول إلى البيت، وإلا فموضع آخر من المسجد أو غيره ليكثر مواضع سجوده، ولتنفصل صورة النافلة عن صورة الفريضة. وقوله (حتى نتكلم) دليل على أن الفصل بينهما يحصل بالكلام أيضا، ولكن بالانتقال أفضل لما ذكرناه. والله أعلم" انتهى.
وروى أبو داود (854) وابن ماجه (1417) ـ واللفظ له ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ إِذَا صَلَّى أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ أَوْ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ، يَعْنِي: السُّبْحَةَ) أي: صلاة النافلة بعد الفريضة. وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: رحمه الله في "الفتاوى الكبرى" (2/359) " والسنة أن يفصل بين الفرض والنفل في الجمعة وغيرها، كما ثبت عنه في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم نهى أن توصل صلاة بصلاة حتى يفصل بينهما بقيام أو كلام، فلا يفعل ما يفعله كثير من الناس يصل السلام بركعتي السنة، فإن هذا ركوب لنهي النبي صلى الله عليه وسلم، وفي هذا من الحكمة التمييز بين الفرض وغير الفرض، كما يميز بين العبادة وغير العبادة، ولهذا استحب تعجيل الفطور، وتأخير السحور، والأكل يوم الفطر قبل الصلاة، ونهي عن استقبال رمضان بيوم أو يومين، فهذا كله للفصل بين المأمور به من الصيام وغير المأمور به، والفصل بين العبادة وغيرها، وهكذا تتمييز الجمعة التي أوجبها الله من غيرها" انتهى.
فعلة الفصل بين الفريضة والنافلة: تمييز إحداهما عن الأخرى، وذكر بعض العلماء علة أخرى لذلك وهي: تكثير مواضع السجود لأجل أن تشهد له يوم القيامة، كما سبق في كلام النووي رحمه الله.
وقال الرملي في "نهاية المحتاج" (1/552) : " ويسن أن ينتقل للنفل أو الفرض من موضع فرضه أو نفله إلى غيره تكثيراً لمواضع السجود، فإنها تشهد له، ولما فيه من إحياء البقاع بالعبادة، فإن لم ينتقل إلى موضع آخر فصل بكلام إنسان " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/800)
صلاة من في فمه رائحة كريهة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا صليت ورائحة فمي كريهة هل صلاتي صحيحة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المصلي يناجي ربه، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ فِي صَلَاتِهِ فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ) رواه البخاري (390) ومسلم (762) فينبغي أن يكون على أهبة الاستعداد لهذه المناجاة، فيكون بدنه نظيفا، وثوبه نقيا، ومكانه نظيفا خاليا من الروائح الكريهة، فقد قال تعالى: (يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأعراف/31.
فالمصلي مأمور بالتجمل والتزين عند الصلاة.
وقال صلى الله عليه وسلم: (لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلَاةٍ) رواه البخاري (838) ومسلم (370) .
أما صحة الصلاة مع وجود الرائحة الكريهة فهي صحيحة لكنها مكروهة.
وإذا كانت الصلاة في المسجد، وهذه الرائحة ظاهرة بحيث تؤذي المصلين والملائكة، كان ذلك محرماً، روى البخاري (806) ومسلم (870) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ يَعْنِي الثُّومَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا) .
وقال صلى الله عليه وسلم: (قَالَ مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلَا يَقْرُبْ مَسَاجِدَنَا يُؤْذِينَا بِرِيحِ الثُّومِ) رواه مالك في الموطإ (27)
فالنصيحة أن تعتني يتنظيف فمك، وإذا كان الأمر يقتضي علاجا أن تعالجه حتى لا تبقى في حرج وبعد عن الصلاة في الجماعة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/801)
دق جرس الباب وأنا في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كنت أصلي ودق جرس الباب ولا يوجد في البيت غيري فماذا أفعل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا كانت الصلاة نافلة فالأمر فيها واسع، لا مانع من قطعها ومعرفة من يطرق الباب، أما في الفريضة فلا ينبغي التعجل إلا إذا كان هناك شيء مهم يُخشى فواته، وإذا أمكن التنبيه بالتسبيح من الرجل، أو بالتصفيق من المرأة حتى يعلم الذي عند الباب أن الذي بداخل البيت مشغول بالصلاة كفى ذلك، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ، مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَقُلْ: سُبْحَانَ اللَّهِ) .
فإذا أمكن إشعار الطارق بأن الرجل في الصلاة بالتسبيح، أو المرأة بالتصفيق فعل ذلك، فإن كان هذا لا ينفع للبعد وعدم سماعه فلا بأس أن يقطعها للحاجة خاصة النافلة، أما الفرض فإذا كان يخشى أن الطارق لشيء مهم فلا بأس أيضاً بالقطع ثم يعيدها من أولها. والحمد لله" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله.
فتاوى علماء البلد الحرام" (154) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/802)
يعمل في فندق ويريد أن يجمع بين صلاتي المغرب والعشاء
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل ليلا في باريس في فندق تكثر فيه الحركة ويتعذر علي أن أصلي في الوقت , وأريد أن أعرف هل من الممكن أن أجمع بين صلاتي المغرب والعشاء في وقت صلاة المغرب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اعلم أن المؤمن حقاً هو الذي يقدم أمر الله تعالى على كل ما سواه، وينقاد له طيبة به نفسه مطمئنة إليه، موقنة أن الخير كله في ذلك، وأن الشر كله في خلاف ذلك، فيقوم بأمر الله تعالى قدر استطاعته مستشعراً أن الله مطلع عليه مراقب له.
وليس المؤمن بالمتسيب الذي لا يقف عند حدود الله.
والصلاة هي أعظم أركان هذا الدين بعد التوحيد قد أوجبها الله تعالى على عباده، وحدد لها أوقاتاً تؤدى فيها في حال السعة والاختيار، ورخص في أن يقدم بعضها عن ذلك الوقت المحدد له، أو يؤخر عنه في حال الضرورة أو المشقة المعتبرة شرعاً، كالخوف والمرض والسفر والمطر ونحو ذلك، رفعاً للحرج عن عباده المؤمنين.
وعلى هذا فالواجب عليك أن تجتهد في أداء كل صلاة في وقتها، وتبين لجهة عملك أن هذا الوقت الذي تؤدي فيه هذه العبادة التي أوجبها الله تعالى عليك- والتي هي أهم أعمالك في حياتك- لن يتجاوز عشر دقائق بالكثير، لا يمكنك التنازل عنه ولا التفريط فيه.
فإن لم توافق جهة عملك على ذلك فعليك أن تبحث بحثاً جاداً عن عمل آخر تستطيع معه أداء ما أوجب الله تعالى عليك وإذا كنت مضطراً إلى هذا العمل، بحيث لا تجد ما تنفق به على نفسك وأهلك إن تركته، فلك أن تستمر فيه حتى تجد عملاً آخر لا يتعارض مع أداء الصلاة ولك في هذه الحال أن تجمع بين صلاتي المغرب والعشاء جمع تقديم فتصليهما معاً في وقت صلاة المغرب.
على أن يكون ذلك مؤقتاً حتى تتمكن من ترك العمل.
أما جعل جمع الصلاتين عادة مستمرة فهذا لا يجوز، لأنه خلاف المنقول عن الرسول صلى الله عليه وسلم من فعله، وحثه على أداء الصلوات في أوقاتها.
وننبه السائل أن العمل في الفنادق في عصرنا يشتمل على محاذير كثيرة، هذا إذا كان في بلاد الإسلام فكيف لو كان في بلاد الكفر!
فيكون كلامنا السابق بناءً على أن الفندق المذكور لا يشتمل على محاذير شرعية توجب عليك ترك العمل فيه، ولمعرفة ضوابط لك راجع جواب السؤال رقم (46704) .
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء:
إنه عرض علي العمل في فندق كمحاسب، ولحاجته إلى زيادة دخله فيرغب معرفة حكم العمل فيه، مع العلم أنه يقدم في هذا الفندق الخمر، وفيه حمامات السباحة التي يختلط فيها الرجال بالنساء وصالات الرقص الماجن.
فأجابت:
"لا يجوز العمل في الفنادق التي تعمل فيها المنكرات وتبيع المسكرات؛ لأن العمل فيها من التعاون على الإثم والعدوان، فعليك بالتماس العمل الحلال النزيه، وأبشر بالخير وحسن العاقبة؛ لقول الله سبحانه: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) الطلاق /2، 3. وقوله سبحانه (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) سورة الطلاق /4 وفقك الله ويسر أمرك. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... عبد الله بن غديان.... صالح الفوزان ... عبد العزيز آل الشيخ ... بكر أبو زيد
"فتاوى اللجنة الدائمة" (14/432) .
ولمعرفة حكم الإقامة في ديار الكفار راجع جواب السؤال رقم (12866) و (27211) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/803)
المسبوق إذا قام يكمل صلاته فهو منفرد فلا يسمح لأحد أن يمر أمامه
[السُّؤَالُ]
ـ[معلوم أن سترة الإمام سترة للمأمومين، ولكن إذا سلم الإمام فهل تبقى السترة للمسبوقين أو لابد من وجود سترة جديدة؟ فقد لاحظت أن بعض الناس يمر أمام المسبوق ولا يفعل له شيئاً.. فما الحكم في ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا سلم الإمام وقام المسبوق لقضاء ما فاته فإنه يكون في هذا القضاء منفرداً حقيقة، وعليه أن يمنع من يمر بين يديه، لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وترك بعض الناس منع المار قد يكون عن جهل منهم بهذا، أو قد يكون عن تأويل، حيث إنهم ظنوا أنهم لما أدركوا الجماعة صاروا بعد انفرادهم عن الإمام بحكم الذين خلف الإمام، لكن لابد من منع المسبوق من يمرون بين يديه إذا قام لقضاء ما فاته" انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
فتاوى علماء البلد الحرام" (149) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/804)
يعمل في فندق ويريد أن يجمع بين صلاتي المغرب والعشاء
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل ليلا في باريس في فندق تكثر فيه الحركة ويتعذر علي أن أصلي في الوقت , وأريد أن أعرف هل من الممكن أن أجمع بين صلاتي المغرب والعشاء في وقت صلاة المغرب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اعلم أن المؤمن حقاً هو الذي يقدم أمر الله تعالى على كل ما سواه، وينقاد له طيبة به نفسه مطمئنة إليه، موقنة أن الخير كله في ذلك، وأن الشر كله في خلاف ذلك، فيقوم بأمر الله تعالى قدر استطاعته مستشعراً أن الله مطلع عليه مراقب له.
وليس المؤمن بالمتسيب الذي لا يقف عند حدود الله.
والصلاة هي أعظم أركان هذا الدين بعد التوحيد قد أوجبها الله تعالى على عباده، وحدد لها أوقاتاً تؤدى فيها في حال السعة والاختيار، ورخص في أن يقدم بعضها عن ذلك الوقت المحدد له، أو يؤخر عنه في حال الضرورة أو المشقة المعتبرة شرعاً، كالخوف والمرض والسفر والمطر ونحو ذلك، رفعاً للحرج عن عباده المؤمنين.
وعلى هذا فالواجب عليك أن تجتهد في أداء كل صلاة في وقتها، وتبين لجهة عملك أن هذا الوقت الذي تؤدي فيه هذه العبادة التي أوجبها الله تعالى عليك- والتي هي أهم أعمالك في حياتك- لن يتجاوز عشر دقائق بالكثير، لا يمكنك التنازل عنه ولا التفريط فيه.
فإن لم توافق جهة عملك على ذلك فعليك أن تبحث بحثاً جاداً عن عمل آخر تستطيع معه أداء ما أوجب الله تعالى عليك وإذا كنت مضطراً إلى هذا العمل، بحيث لا تجد ما تنفق به على نفسك وأهلك إن تركته، فلك أن تستمر فيه حتى تجد عملاً آخر لا يتعارض مع أداء الصلاة ولك في هذه الحال أن تجمع بين صلاتي المغرب والعشاء جمع تقديم فتصليهما معاً في وقت صلاة المغرب.
على أن يكون ذلك مؤقتاً حتى تتمكن من ترك العمل.
أما جعل جمع الصلاتين عادة مستمرة فهذا لا يجوز، لأنه خلاف المنقول عن الرسول صلى الله عليه وسلم من فعله، وحثه على أداء الصلوات في أوقاتها.
وننبه السائل أن العمل في الفنادق في عصرنا يشتمل على محاذير كثيرة، هذا إذا كان في بلاد الإسلام فكيف لو كان في بلاد الكفر!
فيكون كلامنا السابق بناءً على أن الفندق المذكور لا يشتمل على محاذير شرعية توجب عليك ترك العمل فيه، ولمعرفة ضوابط لك راجع جواب السؤال رقم (46704) .
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء:
إنه عرض علي العمل في فندق كمحاسب، ولحاجته إلى زيادة دخله فيرغب معرفة حكم العمل فيه، مع العلم أنه يقدم في هذا الفندق الخمر، وفيه حمامات السباحة التي يختلط فيها الرجال بالنساء وصالات الرقص الماجن.
فأجابت:
"لا يجوز العمل في الفنادق التي تعمل فيها المنكرات وتبيع المسكرات؛ لأن العمل فيها من التعاون على الإثم والعدوان، فعليك بالتماس العمل الحلال النزيه، وأبشر بالخير وحسن العاقبة؛ لقول الله سبحانه: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) الطلاق /2، 3. وقوله سبحانه (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) سورة الطلاق /4 وفقك الله ويسر أمرك. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... عبد الله بن غديان.... صالح الفوزان ... عبد العزيز آل الشيخ ... بكر أبو زيد
"فتاوى اللجنة الدائمة" (14/432) .
ولمعرفة حكم الإقامة في ديار الكفار راجع جواب السؤال رقم (12866) و (27211) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/805)
النوافل التي يجوز فعلها في وقت النهي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل النهي عن الصلاة بعد صلاة الصبح وصلاة العصر عام، يشمل كل صلاة؟ أم هناك صلوات يجوز فعلها في هذا الوقت؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
روى البخاري (1197) ومسلم (827) عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا صَلَاةَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، وَلَا صَلَاةَ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ) .
"قوله صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة) يشمل جميع الصلوات، ولكن قد خص منه بعض الصلوات بالنص، وبعضها بالإجماع.
ومن ذلك:
أولا: إعادة الجماعة، مثل أن يصلي الإنسان الصبح في مسجده، ثم إذا ذهب إلى مسجد آخر فوجدهم يصلون الصبح فإنه يصلي معهم، ولا إثم عليه ولا نهي، والدليل: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الفجر ذات يوم في منى، فلما انصرف رأى رجلين لم يصليا معه، فسألهما لماذا لم تصليا؟ قالا: صلينا في رحالنا، قال: (إذا صليتما في رحالكما، ثم أتيتما مسجد الجماعة فصليا معهم) ، وهذا بعد صلاة الصبح.
ثانيا: إذا طاف الإنسان بالبيت، فإن من السنة أن يصلي بعد الطواف ركعتين خلف مقام إبراهيم، فإذا طاف بعد صلاة الصبح فيصلي ركعتين للطواف. ومن أدلة ذلك: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (يا بني عبد مناف، لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت أو صلى فيه أية ساعة شاء من ليل أو نهار) .
فإن بعض العلماء استدل بهذا الحديث على أنه يجوز إذا طاف أن يصلي ركعتين ولو في وقت النهي.
ثالثا: إذا دخل يوم الجمعة والإمام يخطب، وكان ذلك عند زوال الشمس فإنه يجوز أن يصلي تحية المسجد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب الناس فدخل رجل فجلس فقال له: (أصليت؟ قال: لا. قال: قم فصل ركعتين، وتجوز فيهما) .
رابعا: دخول المسجد: فلو أن شخصا دخل المسجد بعد صلاة الصبح، أو بعد صلاة العصر، فلا يجلس حتى يصلي ركعتين؛ لأن هذه الصلاة لها سبب.
خامسا: كسوف الشمس: فلو كسفت الشمس بعد صلاة العصر، وقلنا: إن صلاة الكسوف سنة، فإنه يصلي الكسوف، أما إذا قلنا بأن صلاة الكسوف واجبة، فالأمر في هذا ظاهر؛ لأن الصلاة الواجبة ليس عنها وقت نهي إطلاقا.
سادسا: إذا توضأ الإنسان: فإذا توضأ الإنسان جاز أن يصلي ركعتين في وقت النهي؛ لأن هذه الصلاة لها سبب.
سابعا: صلاة الاستخارة: فلو أن إنسانا أراد أن يستخير فإنه يصلي ركعتين، ثم يدعو دعاء الاستخارة، فإذا أتاه أمر لا يحتمل التأخير فاستخار في وقت النهي فإن ذلك جائز.
والخلاصة أن هذا الحديث: (لا صلاة بعد الصبح، ولا صلاة بعد العصر) مخصوص بما إذا صلى صلاة لها سبب فإنه لا نهي عنها.
وهذا الذي ذكرته هو مذهب الشافعي رحمه الله وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد واختيار شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله وهو الصحيح أن ذوات الأسباب ليس عنها نهي" انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله
"مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (14/344) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/806)
هل تسجد على كرسي وتترك السجود على الأرض لعملها في معمل به جراثيم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة أعمل في مجال الأبحاث الطبية ويتطلب مني عملي ارتداء ملابس خاصة، كقناع الوجه ورداء عازل يغطي جميع ملابسي التي أرتديها وارتداء القفازات المطاطية وارتداء بوت خاص، وأحيانا يداهمني وقت الصلاة وأنا أجري تجربة معينة فأقف عند نقطة معينة للصلاة وأقوم بالصلاة وأنا أرتدي هذه الملابس وأستخدم الكرسي للجلوس عليه عند السجود، فأنا لا أستطيع السجود على الأرض لوجود الجراثيم الممرضة. وهذه الغرفة خاصة فلا يدخلها أحد غيري. فهل تكون صلاتي جائزة على هذه الحالة؟ ثم أرسلنا إلى السائلة لتوضيح بعض النقاط: 1- هل يمكن وضع شيء على الأرض يقيك من الجراثيم، وتتمكنين من السجود عليه؟ نعم يمكنني استعمال بعض الأغطية التي يوفرها لنا عملي لإجراء التجارب ولكني عندما أنتهي منها يجب التخلص منها في مكان خاص بالنفايات البيولوجية، وقد أحتاج لغطائين كل يوم، ولكن أليس من المفترض أن هذه الأغطية يوفرها عملي للاستعمال لأجل التجارب وأعتقد أن استعمالها لأمر شخصي لا يجوز ولهذا لا أحب استعمالها. رغم أنني اليوم استعملتها وكنت غاية في السعادة، قد أسأل مسئولي المباشر إذا كان بإمكاني استعمالها لهذا الغرض ولكني أعلم أنه ليس بيده شيء فهذه تعتبر ممتلكات الحكومة وهو مثلي موظف. 2- هل يمكن تغطية وجهك بالقناع أو غيره، والسجود به على الأرض؟ نعم يمكن ذلك ولكني سيظل هناك خوف داخلي، وصدقا هذا والله سيقطع علي خشوعي في صلاتي، التفكير بأنه قد يصلني شيء من هذه الجراثيم. 3- ألا يوجد متسع من الوقت للخروج من هذه الغرفة لأداء الصلاة التي لا تستغرق إلا نحو خمس دقائق؟ أحيانا يكون هناك متسع من الوقت ولكني صراحة قد يكون بسبب كسلي لأنني عند دخولي إلى الغرفة يجب أن أرتدي لباساً خاصاً وعند خروجي يجب علي التخلص منه قبل الخروج، ودخولي مرة ثانية يعني أن ألبس ذلك اللباس مرة أخرى، ولكن هذه أيضا ليست مشكلة وسوف أحاول قدر الإمكان أن أؤدي صلاتي على الشكل المقبول بإذن الله، ولكن أحيانا أخرى لا يمكنني الخروج وقد أستغرق في تجربتي أربع ساعات. 4- ما مدى إمكانية الجمع بين الصلاتين، بحيث يكون لديك وقت خارج هذه الغرفة، تتمكنين فيه من أداء الظهر والعصر معا، أو المغرب والعشاء معا؟ صراحة فيه إمكانية ولكني أحب دائما وأبدا أن أصلي الصلاة في وقتها ولهذا لا أجد ضرورة لجمع الصلاة إذ بإمكاني أن أصليها في أي مكان وعندنا في المستشفى التابع للجامعة مكان للعبادة يمكنني الذهاب إليه للصلاة. فاليوم مثلا صليت الظهر في غرفة الميكروبات والعصر في مكان العبادة. 5- مدى الحاجة والاضطرار إلى هذا النوع من العمل? أنا بعملي هذا أقدم خدمة لمئات الملايين من البشر المصابين بالفيروس الذي أدرسه والذي غالبا ما يؤدي إلى موت المصاب.. فأنا أحاول الوصول لعلاج فعال له يساعد هؤلاء ويخفف آلامهم، أعرف تماما خطورة الدراسة التي أقوم بها ولكن (قل لن يصيبنا إلاّ ما كتب الله لنا) أنا لا أسعى لمنصب ولا شهرة ولا أهتم بالمادة وهذه بالنسبة لي أمور سخيفة ولكني أسعى لمرضاة الله سبحانه وتعالى بكل عمل أقوم به بإذن الله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نشكر لك هذا التوضيح والبيان، ونسأل الله تعالى لك المزيد من التوفيق والعون.
ثانيا:
الصلاة أمرها عظيم، وشأنها كبير، وهي آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين، وقد أمر الله تعالى بالمحافظة عليها وأدائها في أوقاتها، كما قال سبحانه: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) النساء/103، وقال النبي صلى الله عليه وسلم وقد سئل أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ فَقَالَ: (الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا) رواه البخاري (527) ومسلم (85) .
وحذّر سبحانه من التفريط في الصلاة وتضييعها فقال: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) مريم/59.
قال ابن مسعود رضي الله عنه عن الغي: واد في جهنم، بعيد القعر، خبيث الطعم.
وقال تعالى: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ) الماعون/ 4، 5.
فالواجب أن يعتني الإنسان بصلاته، وأن يؤديها في وقتها إلا إذا وجد عذر يبيح له جمع الصلاتين.
والسجود ركن من أركان الصلاة لا يجوز للقادر أن يتركه، ولا تصح صلاة من تركه بغير عذر، وكذلك الجلوس بين السجدتين، والجلوس للتشهدين وللسلام، كل ذلك من أركان الصلاة التي لا تصح بدونها.
وقد تبين من كلامك وفقك الله أنه يمكنك وضع شيء على الأرض يقيك من الجراثيم، ويكفي أن يأذن لك المسئول المباشر باستعمال هذه الأغطية، وإذا كانت الحكومة توفر هذه الأغطية لعملك، فإن من مسؤوليات الحكومة أن توفر لك مكاناً آمناً تصلين فيه، لا سيما وعملك هذا من الأهمية بمكان، لتلك الحكومة ولغيرها، ولذلك لا نرى حرجاً من استعمال هذه الأغطية في الصلاة بعد إعلام المسئول المباشر بذلك.
فإن تعذر الحصول على هذه الأغطية، فنرى أن تضعي القناع على وجهك، وتحسني الظن بالله وتتوكلي عليه فإنه لن يصيبك مكروه إن شاء الله إلا إذا كان خوفك من الجراثيم في هذه الحالة خوفاً حقيقاً له أساس صحيح يبنى عليه، وليس مجرد وساوس أو مبالغة في الخوف والحذر.
وإذا وجدت فرصة للخروج من غرفتك لأداء الصلاة، ففي هذا خروج من الحرج كله، فلن تحتاجي إلى أغطية أو قناع، وما يلحقك من مشقة في ارتداء الملابس ونزعها، أمر ينبغي أن تصبري عليه، ولن يضيع أجرك عند الله تعالى.
وإذا قُدّر انشغالك بتجربة تستغرق وقت الصلاة، جاز لك جمع الصلاة إلى ما يجوز أن تجمع إليه، تقديما أو تأخيرا، ولا يخفى عليك أن ما يجوز جمعه هو الظهر مع العصر، والمغرب مع العشاء فحسب.
وصلاتك في هذه الحالة تعتبر في وقتها لأنه إذا وجد العذر الذي يبيح الجمع بين الصلاتين فإنه يجعل وقت الصلاتين وقتاً واحداً.
وبهذا يتبين لك أن جميع الأمور المذكورة من استعمال الأغطية والقناع والخروج من الغرفة والجمع بين الصلاتين، كل ذلك مقدم على ترك السجود على الأرض، بل لا نرى لك – والحال ما ذكرت- جوازَ ترك السجود على الأرض؛ لعدم وجود العذر الملجئ إلى ذلك.
واعلمي أن من اتقى الله تعالى وفّقه وسدده، ويسر له أمره، فإذا حرصت على أداء الصلاة كما أمرك الله، فستجدين السبيل إلى ذلك بإذنه سبحانه.
ونسأل الله أن يزيدك علما وفقها وهدى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/807)
اشترطوا عليه الدعاء الجماعي وعدم قبض اليدين فهل يؤمهم أم يتركهم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[عُرض عليَّ أن أكون إمام أوقات، وخطيب جمعة في البلد الذي أعيش فيه، واشترطوا عليَّ أن أدعو بالناس جهراً بعد كل صلاة، وأن لا أقبض يدي في الصلاة، مع العلم أنني الوحيد الذي أدرس العلوم الشرعية في البلد، فهل أوافق أو أرفض؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نشكر لك أخي السائل حرصك على الخير، وتطبيق السنَّة، واجتناب ما يخالفها، ونسأل الله تعالى أن يوفقك لما فيه رضاه.
ثانياً:
ينبغي أن نفرق بين ما أجمع أهل العلم على أنه بدعة منكرة، وما اختلف فيه أهل العلم، كوضع اليدين في حال القيام في الصلاة، أو الدعاء بعد الصلاة، أو القنوت في صلاة الفجر كل يوم ... إلخ.
فيشدد في الإنكار في النوع الأول (ما أجمع العلماء على بدعيته) ، ويكون الإنكار في النوع الثاني (ما اختلف العلماء على بدعيته) بدرجة أقل، وقد لا يُنكر من الأصل، ويسكت الإنسان عنه، لقوة الخلاف فيه.
وانظر جواب السؤال رقم (70491) ، لتعرف الفرق بين المسائل التي يُنكر على المخالف فيها، والتي لا ينكر عليه فيها.
وينبغي أن نعلم أيضاً أن الشرع جاء بتحصيل المصالح وتكميلها ودفع المفاسد وتقليلها.
فعند حصول تعارض بين تحصيل مصلحة ودفع مفسدة، فينظر إلى الأهم منهما، وتراعى بالتقديم.
وعلى هذا؛ فقد جاءت السنة بوضع اليدين على الصدر في حال القيام في الصلاة، وجاءت السنة بالجهر بالذكر عقب الصلاة المفروضة، يجهر كل مصلٍّ بمفرده، ثم إن دعا بعد هذه الأذكار فإنما يدعو سراً بمفرده.
فما يدعونك إليه مفسدة، ومخالف للسنة.
فهل ترفض إمامتهم في الصلاة حتى لا تقع في مخالفة السنة، وترتكب هذه المفسدة؟ أو تقبل؟
الجواب على هذا أن يقال:
إن كان رفضك للإمامة سيترتب عليه أن يأتي إمام هو أقدر منك على إلزام هؤلاء بالسنة وتعليمها لهم، ولا يقع في مخالفة السنة، فإنك ترفض ذلك.
أما إن كان رفضك سيعني أن يأتي إمام جاهل يرتكب هذه المخالفات ويزيد عليها أضعافها، ولا يُعَلِّم الناس السنة، ولا يلتزم بها، بل قد يحارب السنة وأهلها، جهلاً منه أو اتباعاً لهواه، فلا ينبغي لك أن تتردد في قبول إمامة هؤلاء ولو ألزموك بهذه المخالفات، لأن هذا سيكون أقل مفسدة مما لو رفضت.
وقد سبق أن الشرع جاء بدفع المفاسد وتقليلها، ثم إذا حصل تآلف بينك وبينهم فيما بعد، فإنك تسعى في تعليمهم السنة، والأخذ بأيديهم إليها شيئاً فشيئاً.
ولتنقل لهم أقوال بعض العلماء الذين يعظمونهم في إنكار ما تريد إنكاره من البدع، على أن يكون ذلك بالتدريج حتى لا ينفر الناس منك.
وهذه أقوال لبعض أهل العلم في ترك الإمام ما يرى أنه سنة مستحبة تأليفاً لقلوب المأمومين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
"ولو كان الإمام يرى استحباب شيء والمأمومون لا يستحبونه فتركه لأجل الاتفاق والائتلاف: كان قد أحسن. مثال ذلك الوتر فإن للعلماء فيه ثلاثة أقوال: أحدها: أنه لا يكون إلا بثلاث متصلة. كالمغرب: كقول من قاله من أهل العراق. والثاني: أنه لا يكون إلا ركعة مفصولة عما قبلها كقول من قال ذلك من أهل الحجاز. والثالث: أن الأمرين جائزان كما هو ظاهر مذهب الشافعي وأحمد وغيرهما وهو الصحيح. وإن كان هؤلاء يختارون فصله عما قبله فلو كان الإمام يرى الفصل فاختار المأمومون أن يصلي الوتر كالمغرب فوافقهم على ذلك تأليفا لقلوبهم كان قد أحسن، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة: (لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لنقضت الكعبة ولألصقتها بالأرض ولجعلت لها بابين بابا يدخل الناس منه وبابا يخرجون منه) فترك الأفضل عنده: لئلا ينفر الناس.
وكذلك لو كان رجل يرى الجهر بالبسملة فأم بقوم لا يستحبونه أو بالعكس ووافقهم كان قد أحسن" انتهى.
"مجموع الفتاوى" (22/268) .
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
هل يجوز ترك الجهر بالتأمين في الصلاة، وعدم رفع اليدين؟ .
فأجاب:
"نعم، إذا كان بين أناس لا يرفعون، ولا يجهرون بالتأمين: فالأولى أن لا يفعل؛ تأليفاً لقلوبهم، حتى يدعوهم إلى الخير، وحتى يعلمهم، ويرشدهم، وحتى يتمكن من الإصلاح بينهم، فإنه متى خالفهم استنكروا هذا؛ لأنهم يرون أن هذا هو الدين، يرون أن عدم رفع اليدين فيما عدا تكبيرة الإحرام يرون أنه هو الدين، وعاشوا عليه مع علمائهم، وهكذا عدم الجهر بالتأمين، وهو خلاف مشهور بين أهل العلم، منهم من قال يجهر، ومنهم من قال: لا يجهر بالتأمين، وقد جاء في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم رفع صوته، وفي بعضها أنه خفض صوته، وإن كان الصواب أنه يستحب الجهر بالتأمين، وهو شيء مستحب، ويكون ترك أمراً مستحبّاً، فلا يفعل مؤمن مستحبّاً يفضي إلى انشقاق، وخلاف، وفتنة، بل يترك المؤمن المستحب، والداعي إلى الله عز وجل، إذا كان يترتب على تركه مصالح أعظم، من ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك هدم الكعبة وبناءها على قواعد إبراهيم، قال: (لأن قريشا حديثو عهد بكفر) ، ولهذا تركها على حالها، ولم يغير عليه الصلاة والسلام للمصلحة العامة" اتهى.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (29 / 274، 275) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/808)
حكم اتخاذ النعل سترة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم اتخاذ النعل سترة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" لا بأس بها، إلا إذا كان فيها شيء بيِّن من نجاسة أو أذى، فلا يتخذها سترة؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (نهى أن يبصق أمام وجهه) ، أما إذا كان ليس فيها أذىً أو نجاسة تشاهَد، فلا حرج أن تتخذ سترة " انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
"لقاءات الباب المفتوح" (3/522) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/809)
هل يشترط للحكم بإدراك الركعة أن يسبح قبل رفع الإمام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أدرك المسبوق الإمام راكعا فما المشروع له حينئذ؟ وهل يشترط للحكم بإدراكه الركعة أن يقول سبحان ربي العظيم قبل رفع الإمام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا أدرك المأموم الإمام راكعا أجزأته الركعة، ولو لم يسبح المأموم إلا بعد رفع الإمام، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) أخرجه مسلم في صحيحه.
ومعلوم أن الركعة تدرك بإدراك الركوع، لما روى البخاري في صحيحه عن أبي بكرة الثقفي رضي الله عنه أنه أتى المسجد ذات يوم والنبي صلى الله عليه وسلم راكع فركع دون الصف ثم دخل في الصف فلما سلم النبي صلى الله عليه وسلم قال له صلى الله عليه وسلم: (زادك الله حرصا ولا تعد) ولم يأمره بقضاء الركعة. وإنما نهاه أن يعود إلى الركوع دون الصف، فعلى المسبوق ألا يعجل بالركوع حتى يدخل في الصف" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (11/245-246) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/810)
ترصيص الصفوف في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[الكثير من الناس لا يعرفون بأنه من السنة أن نحاذي بين المناكب والأقدام ويتركون فُرجات بينهم فإلى أي حد يمكن أن نفرّج بين القدمين لنملئ الفراغ ونسد الفرجة؟ إذا أردنا أن نسوي الصف فهل ينظر أحدنا إلى يمينه ويبدأ بالتسوية أم إلى الشمال؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب على المسلمين أن يرصوا صفوفهم وأن يسدوا الفرج بينهم وذلك يكون بمحاذاة المنكب مع المنكب والقدم مع القدم.
عن أنس بن مالك، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أقيموا الصفوف فإني أراكم خلف ظهري ".
رواه البخاري (686) ومسلم (425) .
وعن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أقيموا الصفوف وحاذوا بين المناكب وسدوا الخلل ولينوا بأيدي إخوانكم، ولا تذروا فرجات للشيطان ومن وصل صفا وصله الله ومن قطع صفا قطعه الله. . .".
قال أبو داود: ومعنى ولينوا بأيدي إخوانكم أي: يكون الرجل ليناً منقاداً لأخيه إذا قدمه أو أخره ليستوي الصف. (عون المعبود)
أبو داود (666) والنسائي (819) وصححه الألباني في صحيح أبي داود (620) .
عن النعمان بن بشير يقول: " أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس بوجهه فقال: أقيموا صفوفكم ثلاثا والله لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم قال: فرأيت الرجل يلزق منكبه بمنكب صاحبه وركبته بركبة صاحبه وكعبه بكعبه ".
رواه أبو داود (662) وصححه الألباني في صحيح أبي داود (616) .
وهل ينظر الرجل عن يمينه أو يساره حتى يساوي الصف؟
السنة أن يتوسط الإمام الصف، فيقف مقابلاً منتصف الصف، فتبدأ الصفوف من خلف الإمام لا من يمين المسجد ولا من يساره كما يفعل البعض، بل من خلف الإمام، ثم يكمل الصف على اليمين واليسار معاً محافظة على السنة في توسط الإمام.
وعلى هذا فمن كان على يمين الصف فإنه ينظر إلى يساره ويحاذي من على يساره، ومن كان على يسار الصف فإنه ينظر إلى يمينه ويحاذي من على يمنيه.
أما الفرجة بين القدمين فإن المصلي يقف وقوفاً معتدلاً، فلا يضم قدميه ولا يزيد في المباعدة بينهما لأنه كلما زاد تباعد إلصاق المنكب بالمنكب، والتراص في الصف يكون في إلصاق القدم بالقدم والكتف بالكتف.
قال الشيخ بكر أبو زيد:
ومن الهيئات المضافة مجدَّداً إلى المصافة بلا مستند: ما نراه من بعض المصلين من ملاحقته مَن على يمينه إن كان في يمين الصف، ومَن على يساره إن كان في ميسرة الصف، وليِّ العقبين ليُلصق كعبيه بكعبي جاره.
وهذه هيئة زائدة على الوارد، فيها إيغال في تطبيق السنة، وهي هيئة منقوضة بأمرين:
الأول: أن المصافَّة هي مما يلي الإمام، فمن كان على يمين الصف: فليصافَّ على يساره مما يلي الإمام، وهكذا يتراصُّون ذات اليسار واحداً بعد واحد على سمت واحد في تقويم الصف، وسد الفُرَج، والتراص والمحاذاة بالعنق، والمنكب، والكعب، وإتمام الصف الأول فالأول.
أما أن يلاحق بقدمه اليمنى – وهو في يمين الصف – مَن على يمينه، ويلف قدمه حتى يتم الإلزاق: فهذا غلط بيِّن، وتكلف ظاهر، وفهم مستحدث فيه غلو في تطبيق السنة، وتضييق ومضايقة، واشتغال بما لم يشرع، وتوسيع للفُرَج بين المتصافين.
يظهر هذا إذا هوى المأموم للسجود، وتشاغل بعد القيام لمَلْأ الفراغ، وليِّ العقب للإلزاق، وتفويت لتوجيه رؤوس القدمين إلى القبلة.
وفيه ملاحقة المصلي للمصلي بمكانه الذي سبق إليه، واقتطاع لمحل قدم غيره بغير حق.
وكل هذا تسنُّن بما لم يشرع.
" لا جديد في أحكام الصلاة " (12، 13) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/811)
حكم الحمد بعد العطاس في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان الإنسان في صلاة ثم عطس فهل يحمد الله، سواء كانت فريضة أو نافلة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"نعم، يشرع له أن يحمد الله، لأنه ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع من يحمد الله بعد عطاسه في الصلاة فلم ينكر عليه. بل قال: (لقد رأيت كذا وكذا من الملائكة كلهم يبتدرونها أيهم يكتبها) ولأن حمد الله من جنس ذكر الصلاة، وليس بمنافٍ لها" انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (29/348) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/812)
المرور بين يدي المصلي
[السُّؤَالُ]
ـ[قلت مرة للنساء في المصلى عن طريق الخطأ بأنه يمكن لنا أن نمر من أمام النساء الذين يصلين ولا ضرر في ذلك وأصبح الفتيات يعبرن من أمام من يصلي في المسجد، ثم عرفت بأن هذا لا يجوز إذا كانت الأخت تصلي منفردة ويجب أن تمنع من يمر من أمامها وأن من يمر يعتبر كالشيطان.
قلت هذا لكثير من النساء اللائي كن موجودات في المسجد وأنا نادمة جداً على كلامي دون علم وطلبت المغفرة من الله، ولكنني أشعر بالندم على ما قلت فقد يطبقه الناس ويمكن أن ينشروه وأكون أنا السبب وأتحمل الذنب أنا.
هل يمكن أن تخبرني بما يجب فعله في المسجد، من أين يعبر الشخص إذا أراد أن يعبر من أمام شخص يصلي منفرداً؟ وهل هذا ينطبق على المصلين في الحرم في مكة والمدينة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اعلمي -غفر الله لك- أنك ارتكبت ذنبا عظيما، ألا وهو القول على الله بغير علم، وهذا الذنب قد قرنه الله سبحانه وتعالى بالشرك، فقال تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) الأعراف / 33.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من سن في الإسلام سنة حسنة فعمل بها بعده كتب له مثل أجر من عمل بها ولا ينقص من أجورهم شيء ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعمل بها بعده كتب عليه مثل وزر من عمل بها ولا ينقص من أوزارهم شيء. أخرجه مسلم (1017) عن جرير بن عبد الله.
فالواجب عليك التوبة إلى الله سبحانه وتعالى والاستغفار من هذا الذنب، أسأل الله أن يمن عليك بالتوبة النصوح.
وأيضا عليك السعي بإبراء ذمتك بإعلام من سمعن قولك الأول بغير علم.
أما ما يتعلق بالسؤال الذي ذكرتيه، فمن أراد أن يمر من أمام المصلي، فهذا لا يخلو من أحوال:
1- أن يمر بين يدي المصلي، يعني في المنطقة التي بين سجوده ووقوفه، فهذا محرم، بل هو كبيرة من الكبائر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه ". قال أبو النضر – وهو أحد الرواة -: لا أدري أقال: أربعين يوما أو شهرا أو سنة. أخرجه البخاري (510) ، ومسلم (507) عن أبي جهيم رضي الله عنه.
وهنا لا فرق بين أن يكون له سترة أو لا يكون له سترة.
2- أن يمر في المنطقة التي من بعد موضع سجوده، وهذه لها حالان:
الأولى: أن يكون المصلي يتخذ سترة، فهنا يجوز المرور من خلف السترة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئا، فإن لم يجد فلينصب عصا، فإن لم يكن فليخط خطا ثم لا يضره من مر بين يديه) أخرجه أحمد (3/15) ، وابن ماجه (3063) ، وابن حبان (2361) ، قال ابن حجر في البلوغ (249) : ولم يصب من زعم أنه مضطرب، بل هو حسن.
وعن طلحة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرحل فليصل ولا يبالي من مر وراء ذلك) أخرجه مسلم (499) .
الثانية: أن لا يتخذ سترة، فهنا ليس له إلا موضع سجوده، وهذا الأقرب من أقوال أهل العلم، ويجوز لمن أراد أن يجتاز أن يمر فيما يلي موضع سجوده، وذلك لأن النهي الوارد في الحديث إنما هو في المرور بين يدي المصلي، وما يلي موضع سجوده ليس بين يدي المصلي.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله بعد أن ذكر اختلاف العلماء في المسافة التي يمنع المصلي أحداً أن يمر فيها أمامه:
وأقرب الأقوال: ما بين رجلين وموضع سجوده، وذلك لأن المصلي لا يستحق أكثر مما يحتاج إليه في صلاته، فليس له الحق أن يمنع الناس مما لا يحتاجه.
الشرح الممتع (3 / 340)
وهذا كله فيما لو كان منفردا أو إماما، أما لو كان مأموما، فإن سترة الإمام سترة لمن خلفه،
قال البخاري رحمه الله: باب سترة الإمام سترة لمن خلفه.
وعن ابن عباس قال: أقبلت راكبا على حمار أتان، وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بمنى إلى غير جدار، فمررت بين يدي بعض الصف، وأرسلت الأتان ترتع، فدخلت في الصف، فلم ينكر ذلك علي. أخرجه البخاري (76) ، ومسلم (504) .
انظر: المغني (2/42) ، (2/46) .
- والصحيح من أقوال أهل العلم أن مكة وغيرها سواء لعموم الأدلة، ولا يوجد ما يخرج مكة من هذا العموم، وهو اختيار الشيخ ابن عثيمين. انظر الشرح الممتع 3 / 342
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/813)
حكم وضع صور الرجال والنساء في منتديات الحوار
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أشرف على منتدى إسلامي وبعض الأعضاء يضعون مواضيع أو توقيعات فيها صور ذوات أرواح من نساء ورجال وحيوانات وصور كرتونية وأنا في الحقيقة أحذف كل هذه الصور ولكن أريد فتوى لكي أضعها في المنتدى وهذه الفتوى سوف تكون سببا في إصلاح نيتي وعونا لي في تحكيم أمر الله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
تصوير ذوات الأرواح من الإنسان والطير والحيوان، ووضع ذلك في المنتديات، أو الاحتفاظ بها للذكرى، لا يجوز؛ لعموم الأدلة في تحريم التصوير، ولعن فاعله، وانظر جواب السؤال رقم (22660) ، (8954) .
ولا يستثنى من ذلك إلا ما كان لضرورة أو حاجة ماسة، كصور إثبات الشخصية ونحوها.
ثانيا:
يدخل ضمن التصوير المحرم رسم الصور الكرتونية المتخيلة أو المشوهة لذوات الأرواح؛ لما روى مسلم (2107) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سَفَرٍ وَقَدْ سَتَّرْتُ عَلَى بَابِي دُرْنُوكًا فِيهِ الْخَيْلُ ذَوَاتُ الأَجْنِحَةِ، فَأَمَرَنِي فَنَزَعْتُهُ.
والدُّرنوك: هو نوع من الستائر.
فدل الحديث على المنع من تصوير ذوات الأرواح ولو كان ذلك بصور خيالية غير موجودة في الواقع، لأنه لا يوجد في الواقع خيل لها أجنحة.
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (1/479) : " مدار التحريم في التصوير كونه تصويرا لذوات الأرواح، سواء كان نحتا، أم تلوينا في جدار أو قماش أو ورق، أم كان نسيجا، وسواء كان بريشة أم قلم أم بجهاز وسواء كان للشيء على طبيعته أم دخله الخيال فصغر أو كبر أو جمل أو شوه أو جعل خطوطا تمثل الهيكل العظمي. فمناط التحريم كون ما صور من ذوات الأرواح ولو كالصور الخيالية التي تجعل لمن يمثل القدامى من الفراعنة وقادة الحروب الصليبية وجنودها، وكصورة عيسى ومريم المقامتين في الكنائس. . إلخ، وذلك لعموم النصوص، ولما فيها من المضاهاة (يعني لخلق الله) ، ولكونها ذريعة إلى الشرك " انتهى.
ثالثا:
وضع صور النساء في المنتديات، عمل قبيح، لما فيه من استعمال التصوير المحرم، ولما فيه من إثارة الفتن وتهييج الشهوات، وقد أحسنت في حذف جميع الصور؛ لأن إنكار المنكر وإزالته واجب على من قدر عليه.
وعلى كل مسلم أن يتقي الله تعالى، وأن يعلم أن ما يكتبه وينشره سيسأل عنه يوم القيامة، وأن لا يستهين بشيء من المحرمات، فإن معظم النار من مستصغر الشرر.
نسأل الله أن يوفق الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/814)
مسلمة جديدة يشقّ عليها قراءة سورة الفاتحة
[السُّؤَالُ]
ـ[أتحدث اللغة الإنجليزية (وهي لغتي الأصلية) وأحاول تعلم اللغة العربية. وقد تعلمت سورة الفاتحة بعدما أسلمت. لكن هناك بعض الحروف التي لا أستطيع نطقها وهناك حروف أنطقها خطأً. وقد قرأت في أحد كتب الفقه أن الذي يخطيء في حرف من الفاتحة تبطل صلاته. وأحاول أن أستمع لبعض القراءات المسجلة لأصحح قراءتي وما زلت أخطئ وأصبحت متوترة للغاية وأتوقف كثيراً أثناء قراءتي لتصحيح النطق بالحروف وكثيراً ما أكرر الفاتحة أكثر من مرة. ماذا يجب علي أن أفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1. قراءة سورة الفاتحة ركن في الصلاة ـ على الصحيح من أقوال العلماء ـ وتجب على الإمام والمأموم والمنفرد.
فعن أبي هريرة: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج - ثلاثا - غير تمام، فقيل لأبي هريرة: إنا نكون وراء الإمام؟ فقال: اقرأ بها في نفسك فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد {الحمد لله رب العالمين} : قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال {الرحمن الرحيم} : قال الله تعالى: أثنى عليَّ عبدي، وإذا قال {مالك يوم الدين} : قال: مجَّدني عبدي – وقال مرة: فوَّض إليَّ عبدي -، فإذا قال {إياك نعبد وإياك نستعين} : قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال {اهدنا الصراط المستقيم. صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين} قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل ". رواه مسلم (395) .
ومعنى خداج: غير تمام.
ويجب على المصلي أن يأتي بها على الوجه الصحيح بلغة العرب؛ لأننا مأمورون بقراءة القرآن كما نزل.
2. من تعذر عليه الإتيان بالنطق الصحيح لعلّة في لسانه أو عجمة: وجب عليه أن يتعلم ويقوِّم نطقه بحسب المستطاع.
فإن لم يستطع: سقط ذلك عنه؛ لأن الله تعالى لا يكلف الأنفس إلا ما استطاعت.
قال الله تعالى: {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} البقرة / 286.
3. من عجز عن قراءة الفاتحة بالكلية أو عجز عن تعلّمها أو أسلم لتوّه وحضر وقت الصلاة وليس هناك وقت كاف ليتعلّم فإنّ له فرجا ومخرجا في الحديث التالي:
عن عبد الله بن أبي أوفى قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله علمني شيئا يجزئني مِن القرآن فإني لا أقرأ، فقال: قل سبحان الله، والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله، قال: فضم عليها الرجل بيده، قال: هذا لربي فما لي؟ قال: قل: اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني وعافني قال فضم عليها بيده الأخرى وقام.
رواه النسائي (924) وأبو داود (832) .
والحديث: جوَّد إسنادَه المنذري في "الترغيب والترهيب" (2 /430) ، وأشار إلى تحسينه الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير" (1/236) .
قال ابن قدامة رحمه الله:
فإن لم يحسن شيئا من القرآن، ولا أمكنه التعليم قبل خروج الوقت: لزمه أن يقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله؛ لما روى أبو داود قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني لا أستطيع أن آخذ شيئا من القرآن فعلمني ما يجزيني منه فقال قل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله، قال: هذا لله فما لي قال: تقول: اللهم اغفر لي وارحمني وارزقني واهدني وعافني.
ولا يلزمه الزيادة على الخمس الأول؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم اقتصر عليها، وإنما زاده عليها حين طلب الزيادة. انتهى
فإن استطاع قراءة بعض الفاتحة دون البعض الآخر لزمه الإتيان بما استطاع منها
ويلزمه تكرار ما يحسن منها بقدرها (أي ليكون مجموع ما يقرؤه سبع آيات بعدد آيات الفاتحة)
وقال ابن قدامة: ويحتمل أن يجزئه التحميد والتهليل والتكبير لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " فإن كان معك قرآن فاقرأ به، وإلا فاحمد الله وهلِّلْه وكبِّره "، رواه أبو داود.
" المغني " (1 / 289، 290) .
وما قرأتيه من بطلان الصلاة إذا أخطأ المصلي في حرف في الفاتحة، فهذا ليس على عمومه، فليس كل خطأ في الفاتحة يبطل الصلاة بل لا تبطل إلا إذا أسقط من الفاتحة شيئاً أو غَيَّر الإعراب بما يحيل المعنى، ثم هذا الحكم وهو بطلان الصلاة إنما هو لمن استطاع أن يقرأ الفاتحة قراءة صحيحة أو استطاع أن يتعلمها ولم يفعل.
أما العاجز عن ذلك فإنه يقرأها على حسب استطاعته ولا يضره ذلك إذ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، ومن القواعد التي قررها أهل العلم أنه لا واجب مع العجز.
انظر المغني (2/154)
وفي هذه الحالة ينبغي أن يقرأ الفاتحة بقدر استطاعته ثم يأتي معها بالتسبيح والتحميد والتكبير والتهليل ليكون ذلك عوضاً عما تركه من الفاتحة. انظر المجموع (3/375) .
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
وَسُئِلَ هَلْ مَنْ يَلْحَنُ فِي الْفَاتِحَةِ تَصِحُّ صَلاتهُ أَمْ لا؟
فَأَجَابَ: أَمَّا اللَّحْنُ فِي الْفَاتِحَةِ الَّذِي لا يُحِيلُ الْمَعْنَى فَتَصِحُّ صَلَاةُ صَاحِبِهِ إمَامًا أَوْ مُنْفَرِدًا. . . وَأَمَّا اللَّحْنُ الَّذِي يُحِيلُ الْمَعْنَى: إذَا عَلِمَ صَاحِبُهُ مَعْنَاهُ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتُ عَلَيْهِمْ} وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ هَذَا ضَمِيرُ الْمُتَكَلِّمِ لا تَصِحُّ صَلاتُهُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ يُحِيلُ الْمَعْنَى وَاعْتَقَدَ أَنَّ هَذَا ضَمِيرُ الْمُخَاطَبِ فَفِيهِ نِزَاعٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ
مجموع الفتاوى (22/443) .
وسئل أيضاً عَمَّا إذَا نَصَبَ الْمَخْفُوضَ فِي صَلَاتِهِ؟
فَأَجَابَ: إنْ كَانَ عَالِمًا بَطَلَتْ صَلاتُهُ ; لأَنَّهُ مُتَلَاعِبٌ فِي صَلَاتِهِ وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا لَمْ تَبْطُلْ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ اهـ
مجموع الفتاوى (22/444) .
وعليكِ - أختي المسلمة - أن تجتهدي وتحرصي بكثرة المران والتكرار وكذلك القراءة على أخت مسلمة أخرى تجيد القراءة، وأيضا كثرة سماع السّور من المقرئين المجيدين في الأشرطة والمذياع.
ولا داعي للتوتر والقلق، فإنّ الله عليم ببواطن خلقه ويعلم عزّ وجلّ من الذي يبذل الأسباب ويجتهد ومن هو المفرِّط والمهمل.
وهذه المشقة التي تجدينها في قراءة القرآن تزيد في حسناتك وأجرك. فعن عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ لَهُ أَجْرَانِ.
رواه مسلم (798) .
قال النووي رحمه الله:
وَأَمَّا الَّذِي يَتَتَعْتَع فِيهِ فَهُوَ الَّذِي يَتَرَدَّد فِي تِلاوَته لِضَعْفِ حِفْظه فَلَهُ أَجْرَانِ: أَجْر بِالْقِرَاءَةِ , وَأَجْر بِتَتَعْتُعِهِ فِي تِلاوَته وَمَشَقَّته اهـ.
ولا داعي للإعادة أكثر من مرة لأن هذا ليس من هدي النبي صلى الله عليه وسلم بل يفتح باب الوسوسة ويُنقص الصلاة ويُذهب خشوعها ويُشغل عن تدبر معاني آياتها، ويُفرح الشيطان؛ لأنه سيجعل من ذلك بابا لتعذيب المصلّي ليملّ من الصلاة في النهاية. والله تعالى رحمن رحيم، وهو أرحم بنا من أنفسنا، ولا يكلفنا ما لا نطيق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/815)
حكم الدعاء بغير العربية في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكن أن ندعو بغير العربية في الصلاة بعد التشهد والدعاء موجود في السنة؟ هل يمكن أن ندعو بدعاء يوجد في القرآن ولا يوجد في السنة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إذا كان المصلي يُحسن الدعاء باللغة العربية فلا يجوز له الدعاء بغيرها.
لكن إن كان المصلِّي عاجزاً عن الدعاء بالعربية: فلا مانع من الدعاء بلغته، على أن يتعلم اللغة العربية أثناء ذلك.
وأما الدعاء بغير العربية خارج الصلاة: فلا بأس به، ولا حرج فيه لاسيما إذا كان حضور قلب الداعي فيه أعظم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
والدعاء يجوز بالعربية، وبغير العربية، والله سبحانه يعلم قصد الداعي ومراده، وإن لم يقوِّم لسانه، فإنَّه يعلم ضجيج الأصوات، باختلاف اللغات على تنوع الحاجات ...
" مجموع الفتاوى " (22 / 488 – 489) .
وانظر الجواب على السؤالين: (3471) و (11588) .
ثانياً:
لا مانع من الدعاء بالأدعية الواردة في القرآن حتى لو لم ترد في السنَّة، وفي كلٍّ خير وهدى ورشاد، وأكثر دعاء الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام عرفناه من القرآن، ولا شك أن أدعيتهم – عليهم الصلاة والسلام – أبلغ الأدعية وأعظمها معانٍ.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
وينبغي للخلق أنْ يدْعوا بالأدعية الشرعيَّة التي جاء بها الكتاب والسنة؛ فإنَّ ذلك لا ريب في فضله وحُسنه وأنَّه الصراط المستقيم، وقد ذكر علماءُ الإسلام وأئمَّة الدين الأدعيةَ الشرعيَّة، وأعرضوا عن الأدعية البدعية فينبغي اتباع ذلك.
" مجموع الفتاوى " (1 / 346 و 348) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/816)
إذا قام الإمام إلى ركعة خامسة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا قام الإمام إلى ركعة خامسة في الصلاة ناسيا، وسبحنا له ولكنه لم يرجع، فماذا يفعل المأموم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا قام الإمام إلى ركعة خامسة ناسيا، وجب على المأمومين تنبيهه ليرجع، فإن لم يرجع ظناً منه أنه على صواب، لم يجز للمأموم الذي يعلم أنها الخامسة أن يتابع الإمام ويقوم معه، لأنه بذلك يكون قد زاد ركعة في الصلاة عالماً عامداً، وهذا مبطل للصلاة.
بل يجلس المأموم ويتشهد ثم يسلم أو ينتظر الإمام ويسلم معه.
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن إمام قام إلى خامسة فسبح به فلم يلتفت لقولهم وظن أنه لم يسه فهل يقومون معه أم لا؟
فأجاب:
"إن قاموا معه جاهلين لم تبطل صلاتهم، لكن مع العلم لا ينبغي لهم أن يتابعوه، بل ينتظرونه حتى يسلم بهم، أو يسلموا قبله، والانتظار أحسن" انتهى.
"مجموع الفتاوى" (23/53) .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء" (7/128) :
" وأما المأموم الذي تيقن أن الإمام زاد ركعة - مثلا- فلا يجوز له أن يتابعه عليها، وإذا تابعه عالماً بالزيادة، وعالماً بأنه لا تجوز المتابعة بطلت صلاته.
أما من لم يعلم أنها زائدة فإنه يتابعه، وكذلك من لا يعلم الحكم" انتهى.
وجاء فيها أيضاً (7/132) :
" من علم من المأمومين أن إمامه قام ليأتي بركعة زائدة كخامسة في الصلاة الرباعية سبح له، فإن رجع فبها، وإلا جلس وانتظر الإمام حتى يسلم بسلامه" انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/817)
مرور المرأة بين يدي المصلي في المسجد الحرام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل مرور المرأة في صلاة الرجل مبطلة للصلاة في المسجد الحرام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يجوز للإنسان أن يمر بين يدي المصلي، إلا أن يكون من وراء سترته، أو يمر بعيدا عنه؛ من وراء موضع سجوده – في حال عدم اتخاذه سترة- لما روى البخاري (510) ومسلم (507) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ) قَالَ أَبُو النَّضْرِ: لَا أَدْرِي، أَقَالَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا أَوْ سَنَةً؟
ويلزم المصلي أن يمنع من يمر بين يديه؛ لما روى البخاري (509) ومسلم (505) عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنْ النَّاسِ فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلْيَدْفَعْهُ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ) .
ثانياً:
مرور المرأة بين يدي المصلي بينه وبين سترته، يقطع الصلاة، إذا كان المصلي إماما أو منفردا. وأما المأموم فلا؛ لأن سترة الإمام سترة له، وانظر بيان ذلك في جواب السؤال رقم (3404) .
ثالثاً:
استثنى جماعة من أهل العلم المسجد الحرام، فرخصوا للناس المرور فيه بين يدي المصلي، وذهبوا إلى أن مرور المرأة وغيرها بين يدي المصلي لا يقطع صلاته.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/40) : " ولا بأس أن يصلي بمكة إلى غير سترة , وروي ذلك عن ابن الزبير وعطاء ومجاهد. قال الأثرم: قيل لأحمد: الرجل يصلي بمكة , ولا يستتر بشيء؟ فقال: قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى ثم ليس بينه وبين الطُّوَّاف سترة. قال أحمد: لأن مكة ليست كغيرها , كأنّ مكة مخصوصة.
وقال ابن أبي عمار: رأيت ابن الزبير جاء يصلي , والطُّوَّاف بينه وبين القبلة , تمر المرأة بين يديه , فينتظرها حتى تمر , ثم يضع جبهته في موضع قدمها. رواه حنبل في كتاب "المناسك".
وقال المعتمر: قلت لطاووس: الرجل يصلي - يعني بمكة - فيمر بين يديه الرجل والمرأة؟ فإذا هو يرى أن لهذا البلد حالا ليس لغيره من البلدان , وذلك لأن الناس يكثرون بمكة لأجل قضاء نسكهم , ويزدحمون فيها , فلو مَنَع المصلي من يجتاز بين يديه لضاق على الناس" انتهى باختصار.
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: لقد وجدت حديثا مثبتا وهذا نصه: إذا كان أحدكم في صلاة، فمر أمامه حمار أو كلب أسود أو امرأة فإن صلاته باطلة إذا كان نص الحديث صحيحا فما رأيكم في الذين يصلون في الحرم الشريف وتمر النساء أمامهم وهن طائفات؟
فأجاب: "الحديث صحيح يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يقطع صلاة المرء المسلم إذا لم يكن بين يديه مثل مؤخرة الرحل: المرأة والحمار والكلب الأسود) رواه الإمام مسلم في صحيحه، فإذا مر بين يدي المصلي أو بينه وبين سترته كلب أسود أو حمار أو امرأة، كل واحد يقطع صلاته. هكذا جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو الأصح من أقوال أهل العلم وفي ذلك خلاف بين أهل العلم، منهم من يؤوله على أن المراد قطع الثواب، أو قطع الكمال.
ولكن الصواب أنها تقطع الصلاة وأنها تبطل بذلك.
لكن ما يقع في المسجد الحرام معفو عنه عند أهل العلم؛ لأن في المسجد الحرام لا يمكن للإنسان أن يتقي ذلك بسبب الزحام ولاسيما في أيام الحج فهذا مما يعفى عنه في المسجد الحرام ويستثنى من عموم الأحاديث، فما يقع من مرور بعض النساء أو الطائفات بين يدي المصلين في المسجد الحرام لا يضرهم وصلاتهم صحيحة: النافلة والفريضة، هذا هو المعتمد عند أهل العلم " انتهى من "فتاوى الشيخ باز" (17/152) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: هل يجوز المرور بين يدي المصلي في المسجد؟
فأجابوا: يحرم المرور بين يدي المصلي، سواء اتخذ سترة أم لا، لعموم حديث: (لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه) واستثنى جماعة من الفقهاء من ذلك الصلاة بالمسجد الحرام، فرخصوا للناس في المرور بين يدي المصلي؛ لما روى كثير بن كثير بن المطلب عن أبيه عن جده قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حيال الحجر والناس يمرون بين يديه، وفي رواية عن المطلب أنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من سبعه جاء حتى يحاذي الركن بينه وبين السقيفة فصلى ركعتين في حاشية المطاف وليس بينه وبين الطواف أحد. وهذا الحديث وإن كان ضعيف الإسناد غير أنه يعتضد بما ورد في ذلك من الآثار، وبعموم أدلة رفع الحرج لأن في منع المرور بين يدي المصلي بالمسجد الحرام حرجا ومشقة غالبا " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (7/82) .
لكن لا ينبغي التساهل في أمر السترة، ولو مع الزحام، ما دام الأمر ممكنا. كما لا ينبغي التساهل في المرور بين يدي المصلي إلا عند الاضطرار لذلك.
فقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم من يمرون أمام المصلين خاصة في الحرم من النساء والرجال ويقطعون الصلاة؟
فأجاب: "أما الرجال فإنهم لا يقطعون الصلاة، لكن الإنسان مأمور بأن يردهم، وأما النساء فالمرأة البالغة تقطع الصلاة إذا مرت بينك وبين سترتك، أو بينك وبين موضع سجودك إذا لم يكن لك سترة سواءً في الحرم أو في غير الحرم، إلا إذا كان الإنسان لم يتيسر له مكان إلا في مكان مرور الناس مثل عند الأبواب فهذا للضرورة لا تنقطع صلاته؛ لأنه لو أخذ يرد الناس لكثرت الحركة في صلاته فأبطلتها.
السائل: لكن ما الحكم إذا ساروا من بعيد قليلاً؟
الشيخ: إذا ساروا من بعيد من وراء موضع سجوده فهذا لا يضر" انتهى من "لقاء الباب المفتوح (86/11) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/818)
النهي عن كف الثوب والشعر في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[حديث النهي عن الكفت في الصلاة هل معناه أن لا أكفت أثناء الصلاة أم لا أدخل الصلاة أصلا وأنا كافت ملابسي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جاء النهي عن كف الثياب في الصلاة فيما رواه البخاري (816) ومسلم (490) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ، وَلَا أَكُفَّ ثَوْبًا وَلَا شَعْرًا)
والكف والكفت هو جمع الثوب لئلا يقع على الأرض عند السجود.
ولا فرق بين أن يفعل ذلك أثناء الصلاة أو قبلها، فكلاهما داخل في النهي، عند جمهور العلماء.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "الفتح": " وَالْكَفْت هُوَ الضَّمّ وَهُوَ بِمَعْنَى الْكَفّ.
وَالْمُرَاد أَنَّهُ لَا يَجْمَع ثِيَابه وَلَا شَعْره , وَظَاهِره يَقْتَضِي أَنَّ النَّهْي عَنْهُ فِي حَال الصَّلَاة , وَإِلَيْهِ جَنَحَ الدَّاوُدِيّ , وَتَرْجَمَ الْمُصَنِّف بَعْد قَلِيل " بَاب لَا يَكُفّ ثَوْبه فِي الصَّلَاة " وَهِيَ تُؤَيِّد ذَلِكَ , وَرَدَّهُ عِيَاض بِأَنَّهُ خِلَاف مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُور , فَإِنَّهُمْ كَرِهُوا ذَلِكَ لِلْمُصَلِّي سَوَاء فَعَلَهُ فِي الصَّلَاة أَوْ قَبْل أَنْ يَدْخُل فِيهَا , وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُفْسِد الصَّلَاة , لَكِنْ حَكَى اِبْن الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَن وُجُوب الْإِعَادَة , قِيلَ: وَالْحِكْمَة فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا رَفَعَ ثَوْبه وَشَعْره عَنْ مُبَاشَرَة الْأَرْض أَشْبَهَ الْمُتَكَبِّر " انتهى.
وتبين من هذا أن علة النهي هي البعد عن التكبر، وأضاف بعضهم علة أخرى وهي أن الكفت يمنع من سجود الثوب والشعر معه.
وقال زكريا الأنصاري: " ويكره للمصلي ضم شعره وثيابه في سجوده , أو غيره لغير حاجة. فمن ذلك: أن يشمّر ثوبه , أو كمه , والحكمة في النهي عنه أن يسجد معه، سواء أتعمده للصلاة أم كان قبلها لمعنى (أي: لسبب) ، وصلى على حاله. قال الزركشي: وينبغي تخصيصه في الشعر بالرجل أما في المرأة ففي الأمر بنقضها الضفائر مشقة وتغيير لهيئتها المنافية للتجميل " انتهى من "أسنى المطالب" (1/162) باختصار.
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: هل يعدّ تشمير الأكمام من الكفت المنهي عنه في الصلاة، وإذا كان من الكفت فهل يختلف حكمه لو أني دخلت في الصلاة كنت على هيئة التشمير هذه قبل أن أدخل فيها أي أني لم أفعل هذا التشمير في أثناء الصلاة أم أنهما سواء؟
فأجابوا:
لا يجوز تشمير الأكمام بكفها أو ثنيها لئلا تقع على الأرض عند السجود، في أثناء الصلاة، ولا قبل الصلاة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم وأن لا أكف شعرا ولا ثوبا) رواه البخاري ومسلم " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (7/35)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/819)
هل يجوز للمرأة أن تصلي خارج المسجد بحيث يراها الرجال؟
[السُّؤَالُ]
ـ[بالنسبة لصلاة المرأة عندنا في رمضان تمتلئ المساجد ولله الحمد ولذلك يقيمون لنا أماكن خارج المسجد تكون مستترة للصلاة وهناك بعض النساء ممكن أن تتخذ مكاناً خارج المكان المحدد نظرا للضيق الموجود أنا كنت إذا وجدت المكان ممتلئا أعود دون تأدية الصلاة إلى البيت لكن اليوم كنت أناقش سيدة في الأمر وقالت لي إنه لا يوجد دليل على أن هناك أمر يمنع من صلاة المرأة في هذا المكان ما دام ستخرجين وتكلمين السائق أو البائع فما المانع من أن يراك تصلين وكذلك أخبرتني بأن النساء تصلي بجانب الرجال في الحرم، للأسف لم أكن أمتلك أي حديث يثبت أن رأيها خطأ أو أنني على صواب ووعدتها أنني سآتيها بالرد الشافي بعد البحث في الغد إن شاء الرحمن أرجو أن توضحوا لي، وأيضا مسألة أن النساء تصلي بجانب الرجال بالحرم لماذا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يجوز للمرأة أن تخرج للصلاة في المسجد مع الجماعة، سواء كان ذلك في صلاة الفرض أو التراويح، لكن صلاتها في بيتها خير لها.
روى أحمد (27135) عن أُمِّ حُمَيْدٍ امْرَأَةِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ (أَنَّهَا جَاءَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُحِبُّ الصَّلَاةَ مَعَكَ. قَالَ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكِ تُحِبِّينَ الصَّلَاةَ مَعِي، وَصَلَاتُكِ فِي بَيْتِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلَاتِكِ فِي حُجْرَتِكِ، وَصَلَاتُكِ فِي حُجْرَتِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِكِ فِي دَارِكِ، وَصَلَاتُكِ فِي دَارِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلَاتِكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ، وَصَلَاتُكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلَاتِكِ فِي مَسْجِدِي) حسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، وشعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند.
ثانيا:
إذا صلت المرأة في المسجد، فالأفضل لها أن تكون بعيدة عن الرجال، ولهذا جاء تفضيل صفوف النساء الخلفية على صفوفهن الأمامية، لبعدها عن الرجال، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم من الصلاة يبقى في مكانه قليلاً لا ينصرف، من أجل أن تنصرف النساء قبل أن يختلط بهن الرجال.
روى مسلم (440) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا، وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا، وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا) .
ثالثا:
لا حرج على المرأة فيما لو صلت في مكانٍ يراها فيه الرجال، كالمسجد الحرام، أو ساحة المسجد، أو حيث احتاجت للصلاة في برّ ونحوه، بشرط أن تستر جميع بدنها، حتى وجهها وكفيها على الراجح. وذلك أن المرأة مأمورة بستر الوجه والكفين عن الأجانب، وقد سبق بيان أدلة ذلك في جواب السؤال رقم (11774) ورقم (21536) .
وقد سُئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء
" س: كيف تصلي المرأة إذا كان معها أجانب مثلا في المسجد الحرام؟ وكذلك في السفر إذا لم يوجد في الطريق مسجد به مصلى للحريم؟
فأجابوا: إن المرأة يجب عليها ستر جميع بدنها في الصلاة إلا الوجه والكفين لكن إذا صلت وبحضرتها رجال أجانب يرونها وجب عليها ستر جميع بدنها بما في ذلك الوجه والكفان " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (7/339)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/820)
هل تصح الصلاة بالحذاء
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من الخطأ الصلاة بينما يكون الفرد مرتدياً لحذائه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من الشروط التي لابد من تحقيقها قبل الشروع في الصلاة التأكد من طهارة البدن والثياب والبقعة التي يصلي فيها المسلم من النجاسة، ومما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي في نعليه فقد سئل أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه (أَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي نَعْلَيْهِ قَالَ نَعَمْ) البخاري 386 مسلم 555، وهُوَ مَحْمُول عَلَى مَا إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا نَجَاسَة، فإن كان فيها نجاسة فلا يجوز له الصلاة بهما، وإن نسي فصلّى بهما وبهما نجاسة فعليه أن يخلعهما إذا علم أو تذكر لحديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ إِذْ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْقَوْمُ أَلْقَوْا نِعَالَهُمْ فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاتَهُ قَالَ مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إِلْقَاءِ نِعَالِكُمْ قَالُوا رَأَيْنَاكَ أَلْقَيْتَ نَعْلَيْكَ فَأَلْقَيْنَا نِعَالَنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ جِبْرِيلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا أَوْ قَالَ أَذًى وَقَالَ إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلْيَنْظُرْ فَإِنْ رَأَى فِي نَعْلَيْهِ قَذَرًا أَوْ أَذًى فَلْيَمْسَحْهُ وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا) أبو داود650 وصححه الألباني في صحيح أبي داود 605.
وقد جاء في تعليل صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في نعليه قوله (خَالِفُوا الْيَهُود فَإِنَّهُمْ لا يُصَلُّونَ فِي نِعَالهمْ وَلا خِفَافهمْ) أبو داود 652 وصححه الألباني في صحيح أبي داود 607 فَيَكُون اِسْتِحْبَاب ذَلِكَ مِنْ جِهَة قَصْد الْمُخَالَفَة الْمَذْكُورَة.
(هذا بالنسبة إلى النعال وبالنسبة إلى المسجد في ذلك الوقت، أما إذا كانت المساجد مفروشة ومهيأة، فينبغي أن ينظف المسجد عن النعال، وألا يدخل بنعليه خشية تقذير المكان) فتاوى سماحة الشيخ عبد الله ابن حميد ص81، ثم إن مفارش المسجد وقف لا يجوز إتلافه، والوسخ يعلق بها ويؤذي المصلين الساجدين عليها، ولذلك لا يدخل الإنسان بنعليه يمشي بها على سجاد المسجد لئلا يتلفه ويقذِّره.
ويمكن للحريص على السنة أن يطبق هذه السنة في صلاته في بيته، أو في الصلاة في الأماكن غير المفروشة كالحدائق وعلى الشواطئ وفي البرِّ ونحو ذلك، وإذا كان هذا الفعل يسبب تشويشاً عند بعض من يجهل السنة فينبغي تعليمه سنيتها قبل تطبيقها حتى لا يستنكرها. نسأل الله أن يجعلنا من المحافظين على السنة الحريصين عليها إلى أن يجمعنا بصاحبها عليه الصلاة والسلام في جوار رب العالمين، والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/821)
صلاة من يدافع الجوع أو الريح
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز حبس الريح أثناء الصلاة أو قبل الصلاة للمحافظة على الوضوء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عن عائشة قالت: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا صلاة بحضرة الطعام، ولا هو يدافعه الأخبثان ".
رواه مسلم (560) .
سئل الشيخ محمد الصالح العثيمين – رحمه الله -:
إذا حضر العشاء والإنسان يشتهيه فهل له أن يبدأ به ولو خرج الوقت؟ .
فأجاب:
هذا محل خلاف، فبعض العلماء يقول يؤخر الصلاة إذا انشغل قلبه بما حضر من طعام وشراب أو غيره، ولو خرج الوقت.
ولكن أكثر أهل العلم يقولون: إنه لا يعذر بحضور العَشاء في تأخير الصلاة عن وقتها، وإنما يعذر بحضور العشاء بالنسبة للجماعة، يعني: أن الإنسان يعذر بترك الجماعة إذا حضر العشاء وتعلقت نفسه به فليأكل، ثم يذهب إلى المسجد فإن أدرك الجماعة وإلا فلا حرج عليه.
ولكن يجب أن لا يتخذ ذلك عادة بحيث لا يقدم عشاءه إلا وقت الصلاة؛ لأن هذا يعني أنه مصمم على ترك الجماعة، لكن إذا حدث هذا على وجه المصادفة فإنه يعذر بترك الجماعة، ويأكل حتى يشبع؛ لأنه إذا أكل لقمة أو لقمتين ربما يزداد تعلقاً به.
بخلاف الرجل المضطر إلى الطعام إذا وجد طعاماً حراماً مثل الميتة، فهل نقول إذا لم تجد إلا الميتة وخفت على نفسك الهلاك أو الضرر فكل من الميتة حتى تشبع؟ أو نقول كل بقدر الضرورة؟ نقول له: كُلْ بقدر الضرورة، فإذا كان يكفيك لقمتان فلا تأكل الثالثة.
وهل يلحق بالعَشاء الأشياء التي تشوش على الإنسان مثل البول والغائط والريح؟ .
الجواب: نعم، يلحق به بل في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا صلاة بحضرة طعام ولا هو يدافعه الأخبثان " يعني: البول والغائط، ومثل ذلك الريح.
فالقاعدة: أن كل ما أشغل الإنسان عن حضور قلبه في الصلاة وتعلقت به نفسه إن كان مطلوباً، أو قلقت منه إن كان مكروهاً: فإنه يتخلص منه قبل أن يدخل في الصلاة.
ونخلص من هذا إلى فائدة: وهي أن لب الصلاة وروح الصلاة هو حضور القلب، ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإزالة كل ما يحول دون ذلك قبل أن يدخل الإنسان في صلاته.
" فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (13 / السؤال " 588 ") .
وسئل الشيخ – أيضاً -:
إذا كان الإنسان حاقناً (والحاقن هو الذي يحبس بوله) وخشي إن قضى حاجته أن تفوته صلاة الجماعة، فهل يصلي وهو حاقن ليدرك الجماعة، أو يقضي حاجته ولو فاتته الجماعة؟ .
فأجاب: يقضي حاجته ويتوضأ، ولو فاتته الجماعة؛ لأن هذا عذر، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: " لا صلاة بحضرة طعام، ولا هو يدافعه الأخبثان ".
" فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (13 / السؤال " 589 ") .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/822)
حكم تأخير صلاتي الظهر والعصر بنحو ساعة من الوقت
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعمل في شركة أهلية عدد الموظفين فيها حوالي 50 موظفاً تحين صلاة الظهر والعصر وأنا على رأس العمل والمشكلة أن الموظفين متفقون على تثبيت صلاة الظهر عند الساعة 12:45 والعصر 3:40 صيفا وشتاء بعذر أنه أفضل لتجميع الموظفين، ومما لا يخفى عليكم أنه في بعض الأحيان يكون الفارق بين الأذان والإقامة أكثر من ساعة. وسؤالي هو ما هي مشروعية تثبيت وقت الإقامة وتأخير الصلاة لآخر وقت الجواز مع عدم وجود مانع غير انتظار الموظفين؟ كذلك هل يجوز لي ترك جماعة الشركة وأداء الصلاة في وقتها لوحدي أو الصلاة بشخص أو شخصين جماعة في وقت الصلاة وعدم تأخيرها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا حرج في تأخير صلاتي الظهر والعصر إلى نحو ساعة من الأذان.
وبيان ذلك: أن وقت صلاة الظهر ممتد من زوال الشمس إلى دخول وقت العصر، فكل هذا الوقت وقت لصلاة الظهر، من غير كراهة لفعل الصلاة في أي جزء من أجزائه.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وَقْتُ الظُّهْرِ مَا لَمْ يَحْضُرْ الْعَصْرُ) رواه مسلم (612) .
ولصلاة العصر وقتان: وقت اختيار، وهو إلى اصفرار الشمس، ووقت اضطرار، وهو إلى غروب الشمس. وذلك لقول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ) رواه مسلم (612) ، فهذا وقت الاختيار، وأما وقت الاضطرار فلقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الْعَصْرِ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ) رواه مسلم (608) .
ومعنى "وقت الاختيار" أنه يجوز فعل الصلاة في أي جزء من أجزاء هذا الوقت من غير كراهة.
وتأخير الصلاة إلى نحو ساعة من الأذان لا يخرجها عن وقت الاختيار.
ولا حرج عليك إن صليت في أول الوقت، على أن يكون ذلك جماعةً، أما إذا كنت ستصلي منفردا، فإن الأفضل الانتظار حتى تؤديها جماعة.
والأفضل تعجيل الصلاة في أول وقتها، لكن إذا كان تأخيرها يناسب اجتماع الموظفين وتهيأهم لها، فلا حرج في ذلك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/823)
طلبت الطلاق من زوجها في حالة توتر فماذا عليها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة في حالة توتر طلبت من زوجها الطلاق ماذا عليها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يجوز للمرأة أن تطلب الطلاق إلا عند وجود ما يدعو إلى ذلك، كسوء العشرة من الزوج؛ لما روى أبو داود (2226) والترمذي (1187) وابن ماجه (2055) عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّة) صححه الألباني في صحيح أبي داود.
لكن إن فعلت ذلك لشدة غضب أو توتر، فعليها أن تستغفر الله تعالى.
وينبغي أن تحذر المرأة من هذا الطلب، فربما غضب الزوج وطلق عنادا أو حميّة، فيكون طلبها سببا في خراب بيتها.
ثم إنه لا أضر على الحياة الزوجية من شعور الزوج أو الزوجة باستغناء الطرف الآخر عنه، وتفكيره في التخلص منه.
فينبغي للزوجين أن يتحليا بالصبر، وأن يستعملا الألفاظ الحسنة، كما أمر الله: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً) الإسراء/53.
ثانياً:
إذا غضب الإنسان فإنه ينبغي له أن يضبط تصرفاته، فلا يتكلم بكلام تحت تأثير الغضب، يندم عليه بعد ذلك، ولهذا أوصى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً فقال: (لا تغضب. فردّد ذلك مراراً، قال: لا تغضب) رواه البخاري (6116)
ولمعرفة كيف يعالج الإنسان الغضب راجعي السؤال رقم (658) .
وفقه الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/824)
إذا صلَّت أمام الرجال فهل تصلي جالسة؟ وهل تجمع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كنت خارج المنزل وجاء وقت صلاة ولم أجد مكاناً مناسباً للصلاة هل أصلي واقفة أمام الرجال أم وأنا جالسة؟ وهل يجوز جمع الصلوات في هذه الحالة جمع تقديم؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل في المرأة أن تحرص على عدم خروجها من البيت إلا لضرورة أو حاجة، ولتعلم أن صلاتها في بيتها خير لها من الصلاة في المسجد، لذا فإنه إن اضطرت للخروج من المنزل وضاق عليها وقت الصلاة بحيث لا تتمكن من إدراك الصلاة في البيت، فلتصل في مكانٍ طاهر، ولتحرص أن يكون بمأمنٍ عن نظر الرجال الأجانب بقدر ما تستطيع.
فإن لم تجد إلا مكاناً فيه رجال أجانب، فلتصل ولتستر جميع بدنها، حتى الوجه والكفين.
وعليها أن تصلي قائمة وتركع وتسجد، ولا يجوز لها الصلاة وهي جالسة؛ لأن القيام ركن من أركان الصلاة لا يجوز تركه إلا إذا كان المصلي غير مستطيع للقيام.
وكذلك ليس لها أن تجمع بين الصلاتين بسبب رؤية الرجال لها، وإنما تصلي كل صلاة في وقتها.
وانظري أجوبة الأسئلة: (39178) و (10453) و (21803) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/825)
تخيل الكعبة في الصلاة والدعاء هل هو الإحسان؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا حاولت أثناء الصلاة أو الدعاء أن أتخيل الكعبة فهل أكون قد حققت المراد من " اعبد الله كأنك تراه "؟ فإني عندما أتصور شيئاً آخر - وهذا يحدث كثيراً وليست وسوسة - أشعر أني لست في كامل خشوعي، فعندما أحاول مناجاة الله أريد أن أشعر بهذا , ولأن النظر إلى السماء مكروه في الصلاة، فأشيروا عليَّ حفظكم الله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الإحسان هو الإتقان، ومن معانيه العظيمة في الشرع: إتقان العبادات وأدائها على الوجه الذي أمر الله تعالى به.
وإن تذكُّر العابد أن الله تعالى مطلع عليه وناظر إليه: يوجب الإتقان في العبادة، ويبلغ بعبادته مبلغاً عالياً.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَارِزًا يَوْمًا لِلنَّاسِ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: مَا الْإِيمَانُ؟ قَالَ: الْإِيمَانُ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَبِلِقَائِهِ وَرُسُلِهِ وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ، قَالَ: مَا الْإِسْلَامُ؟ قَالَ: الْإِسْلَامُ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ، قَالَ: مَا الْإِحْسَانُ؟ قَالَ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ) رواه البخاري (50) ومسلم (9) .
قال ابن رجب رحمه الله: " يشير إلى أن العبد يعبد الله تعالى على هذه الصفة، وهي استحضار قربه، وأنه بين يديه كأنه يراه؛ وذلك يوجب الخشية والخوف والهيبة والتعظيم.. ويوجب أيضا النصح في العبادة، وبذل الجهد في تحسينها وإتمامها وإكمالها " انتهى.
جامع العلوم والحكم (1/35) .
وقال أيضا: " وأصل الخشوع هو لين القلب ورقته وسكونه وخضوعه وانكساره وحرقته؛ فإذا خشع القلب تبعه خشوع جميع الجوارح والأعضاء؛ لأنها تابعة له؛ كما قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَلَا َإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ) [رواه البخاري (25) ومسلم (1599) ] .
فإذا خشع القلب خشع السمع والبصر والرأس والوجه، وسائر الأعضاء، وما ينشأ منها، حتى الكلام.. "
ثم قال:
" وأصل الخشوع الحاصل في القلب إنما هو من معرفة الله، ومعرفة عظمته وجلاله وكماله؛ فمن كان بالله أعرف، فهو له أخشع.
وتتفاوت القلوب في الخشوع بحسب تفاوت معرفتها لمن خشعت له، وبحسب تفاوت مشاهدة القلوب للصفات المقتضية للخشوع؛ فمن خاشع لقوة مطالعته لقرب الرب من عبده، واطلاعه على سره وضميره، المقتضي للاستحياء من الله تعالى ومراقبته في الحركات والسكنات.
ومن خاشع لمطالعته لجلال الله وعظمته وكبريائه، المقتضي لهيبته وإجلاله.
ومن خاشع لمطالعته لكماله وجماله، المقتضي للاستغراق في محبته، والشوق إلى لقائه ورؤيته.
ومن خاشع لمطالعة شدة بطشه وانتقامه وعقابه، المقتضي للخوف منه.
وهو سبحانه جابر القلوب المنكسرة لأجله، فهو سبحانه وتعالى يتقرب من القلوب الخاشعة له، كما يتقرب ممن هو قائم يناجيه في الصلاة، وممن يعفر له وجهه في التراب بالسجود، وكما يتقرب من وفده وزوار بيته الوافدين بين يديه، المتضرعين إليه في الوقوف بعرفة، ويدنو ويباهي بهم الملائكة، وكما يتقرب عباده الداعين له، السائلين له، المستغفرين من ذنوبهم بالأسحار، ويجيب دعاءهم، ويعطيهم سؤلهم، ولا جبر لانكسار العبد أعظم من القرب والإجابة " انتهى.
"الذل والانكسار للعزيز الجبار" (ضمن رسائل ابن رجب 1/290، 293) .
وأما ما أشار إليه السائل من تخيله للكعبة في صلاته، فلا نعلم لذلك أصلا، ولا يظهر أن في ذلك التخيل ما يعين على الخشوع الحقيقي في الصلاة، وكم ممن يكون في صحن الكعبة، ويشاهده أمامه رأي العين، ثم هو يصلي كأنه يصلي في سوقه، لا يعرف للخشوع طعما.
وحديث أبي هريرة السابق بيَّن فيه النبي صلى الله عليه وسلم الإحسان وعرَّفه بأنه " أن تعبد الله كأنك تراه " ولم يقل " كأنك ترى الكعبة ".
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/826)
هل هناك فرق بين صلاة الصبح وصلاة الفجر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الفرق بين صلاة الفجر والصبح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صلاة الفجر هي صلاة الصبح، لا فرق بينهما، وهي ركعتان مفروضتان، يبدأ وقتها من طلوع الفجر الصادق إلى طلوع الشمس. ولها سنة قبليّة، ركعتان، وتسمى سنة الفجر أو سنة الصبح، أو ركعتي الفجر.
وقد ورد في السنة إطلاق "صلاة الصبح" و "صلاة الفجر" على هذه الفريضة الشريفة، ومن ذلك: ما رواه مسلم (656) عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ قَالَ: دَخَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ الْمَسْجِدَ بَعْدَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ فَقَعَدَ وَحْدَهُ فَقَعَدْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ)
وما رواه البخاري (556) ومسلم (608) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا أَدْرَكَ أَحَدُكُمْ سَجْدَةً مِنْ صَلاةِ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلاتَهُ، وَإِذَا أَدْرَكَ سَجْدَةً مِنْ صَلاةِ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلاتَهُ) .
وأما تسميتها "صلاة الفجر " ففي نحو ما رواه مسلم (670) عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا صَلَّى الْفَجْرَ جَلَسَ فِي مُصَلاهُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَسَنًا.
وما رواه البخاري (891) ومسلم (880) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْجُمُعَةِ فِي صَلاةِ الْفَجْرِ الم تَنْزِيلُ السَّجْدَةَ، وَهَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنْ الدَّهْرِ.
وما رواه البخاري (555) ومسلم (632) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلائِكَةٌ بِالنَّهَارِ وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاةِ الْفَجْرِ وَصَلاةِ الْعَصْرِ ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ) .
وراجع السؤال رقم (65941) (26763) لمعرفة وقت صلاة الفجر (الصبح) ، والسؤال رقم (65746) لمزيد الفائدة حول سنة الفجر.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/827)
هل تخرج من صلاة الجماعة بسبب بكاء ولدها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت في صلاة جماعة في المسجد وبكت ابنتي وأحضروها لي من خارج المسجد وهي تبكي بصوت عالٍ فاضطررت أن أقطع الصلاة.
فما حكم فعلي هذا؟ وهل أثمت؟ علماً أن مصلى النساء خلف الرجال مباشرة فلا يفصل بيننا سوى حاجز، فإن استمررت في الصلاة قد يزعج بكاؤها المصلين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
اتفق العلماء على أن قطع الصلاة المفروضة عمداً من غير عذرٍ شرعي بعد الشروع فيها محرم.
والأعذار الشرعية التي تبيح قطع الصلاة منها ما جاءت به السنَّة النبويَّة، ويقاس عليها ما هو مثلها أو أولى.
ومن تلك الأعذار المبيحة لقطع الصلاة - فريضة كانت أو نافلة -: قتل الحية، وخوف ضياع ماله، أو إغاثة ملهوف، أو إنقاذ غريق، أو إطفاء حريق، أو تحذير غافل مما قد يضره.
وقد سبق ذكر هذه الأعذار في جواب السؤال (65682) و (3878) .
ثانياً:
فإن بكى الطفل وتعذَّر إسكاته من قبَل أبيه أو أمه في صلاة الجماعة: فيجوز أن يقطعا الصلاة لإسكاته خشيةً أن يكون بكاؤه من ضرر أصابه؛ وخشيةً من تضييع الصلاة على أهلها بالتشويش عليهم.
فإن أمكن إسكاته بحركة يسيرة مع عدم الانحراف عن جهة القبلة فتفعل المرأة ذلك وترجع لصلاتها، فيمكنها – مثلا – الرجوع للخلف لحملِه مع عدم قطعها للصلاة، فإن لم تتمكن من إسكاته إلا بقطع الصلاة بالكلية فعلت ذلك ولا حرج عليها إن شاء الله تعالى.
جاء في "مطالب أولي النهى" (1/641) :
" ويسن للإمام تخفيف الصلاة إذا عرض لبعض مأمومين في أثناء الصلاة ما يقتضي خروجه منها كسماع بكاء صبي , لقوله صلى الله عليه وسلم: (إني لأقوم في الصلاة وأنا أريد أن أطول فيها , فأسمع بكاء الصبي , فأتجوز فيها مخافة أن أشق على أمه) رواه أبو داود " انتهى.
وسئل علماء اللجنة الدائمة:
هل يجوز قطع الصلاة عندما يرى المصلي دابة مقبلة عليه مثل العقرب وخلافها من الدواب السامة؟ وكذلك عند الصلاة في الحرم هل يجوز قطع الصلاة حتى يتم اللحاق بولده أو ابنته التي كادت تضيع منه؟
فأجابوا:
" إن تيسر له التخلص من العقرب ونحوها بغير قطع الصلاة فلا يقطعها، وإلا قطعها، وكذلك الحال في ولده إن تيسر له المحافظة على ولده دون قطع الصلاة فعل، وإلا قطعها " انتهى.
" فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " (8 / 36، 37)
ولينظر جواب السؤال رقم (26230) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/828)
يعاني من كثرة التثاؤب داخل الصلاة فماذا يصنع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعاني من كثرة التثاؤب في الصلاة برغم أنه خارج الصلاة لا يأتيني، أفيدوني - رعاكم الله -؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أثنى الله تعالى على عباده المؤمنين، وذكر تعالى أن من أعظم صفاتهم أنهم (فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ) ، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن الشيطان يسعى لإلهاء المصلي في صلاته، وقد ابتلى الله المؤمنين بذلك، ومن طرق إلهاء الشيطان للمصلي إشغاله لفكره، ووسوسته له في صلاته، ومنها: تسلطه عليه بالتثاؤب حتى يشغله بها عن صلاته، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن التثاؤب من الشيطان، وأَمرنا أن نرد التثاؤب ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، فإذا غلبنا التثاؤب فقد أَمرنا أن نضع أيدينا على أفواهنا، وهذه هي نصوص الأحاديث مع بيان شرحها:
1. عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا تَثَاوَبَ أَحَدُكُمْ – [وفي رواية: فِي الصَّلاةِ] فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ) رواه مسلم (2995) .
2. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (التثاؤب من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع، فإن أحدكم إذا قال: " ها " ضحك الشيطان) رواه البخاري (3115) ومسلم (2994) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" قال ابن بطال: إضافة التثاؤب إلى الشيطان بمعنى إضافة الرضا والإرادة , أي: أن الشيطان يحب أن يرى الإنسان متثائباً، لأنها حالة تتغير فيها صورته فيضحك منه، لا أن المراد أن الشيطان فعل التثاؤب.
وقال ابن العربي: قد بينَّا أن كل فعل مكروه نسبه الشرع إلى الشيطان لأنه واسطته , وأن كل فعل حسن نسبه الشرع إلى المَلَك لأنه واسطته , قال: والتثاؤب من الامتلاء، وينشأ عنه التكاسل، وذلك بواسطة الشيطان , والعطاس من تقليل الغذاء، وينشأ عنه النشاط، وذلك بواسطة المَلَك.
وقال النووي: أضيف التثاؤب إلى الشيطان لأنه يدعو إلى الشهوات إذ يكون عن ثقل البدن واسترخائه وامتلائه , والمراد: التحذير من السبب الذي يتولد منه ذلك، وهو التوسع في المأكل.
قوله: " فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع " أي: يأخذ في أسباب رده , وليس المراد به أنه يملك دفعه، لأن الذي وقع لا يرد حقيقة , وقيل: معنى (إذا تثاءب) أي: إذا أراد أن يتثاءب ... .
قال شيخنا – أي: الحافظ العراقي - في " شرح الترمذي ": أكثر روايات الصحيحين فيها إطلاق التثاؤب , ووقع في الرواية الأخرى تقييده بحالة الصلاة، فيحتمل أن يحمل المطلق على المقيد , وللشيطان غرض قوي في التشويش على المصلي في صلاته , ويحتمل أن تكون كراهته في الصلاة أشد , ولا يلزم من ذلك أن لا يكره في غير حالة الصلاة.
ويؤيد كراهته مطلقا كونه من الشيطان , وبذلك صرح النووي , قال ابن العربي: ينبغي كظم التثاؤب في كل حالة , وإنما خص الصلاة لأنها أولى الأحوال بدفعه، لما فيه من الخروج عن اعتدال الهيئة واعوجاج الخلقة ... .
وأما قوله في رواية مسلم: (فإن الشيطان يدخل) فيحتمل أن يراد به الدخول حقيقة , وهو وإن كان يجري من الإنسان مجرى الدم لكنه لا يتمكن منه ما دام ذاكراً لله تعالى , والمتثائب في تلك الحالة غير ذاكر فيتمكن الشيطان من الدخول فيه حقيقة.
ويحتمل أن يكون أطلق الدخول وأراد التمكن منه؛ لأن من شأن من دخل في شيء أن يكون متمكنا منه.
وأما الأمر بوضع اليد على الفم فيتناول ما إذا انفتح بالتثاؤب فيغطى بالكف ونحوه، وما إذا كان منطبقا حفظا له عن الانفتاح بسبب ذلك.
وفي معنى وضع اليد على الفم وضع الثوب ونحوه مما يحصل ذلك المقصود , وإنما تتعين اليد إذا لم يرتد التثاؤب بدونها , ولا فرق في هذا الأمر بين المصلي وغيره , بل يتأكد في حال الصلاة كما تقدم، ويستثنى ذلك من النهي عن وضع المصلي يده على فمه.
ومما يؤمر به المتثائب إذا كان في الصلاة أن يمسك عن القراءة حتى يذهب عنه لئلا يتغير نظم قراءته " انتهى.
" فتح الباري " (10 / 612) .
وقال النووي رحمه الله:
" وسواء كان التثاؤب في الصلاة أو خارجها: يستحب وضع اليد على الفم , وإنما يكره للمصلي وضع يده على فمه في الصلاة إذا لم يكن حاجة كالتثاؤب وشبهه " انتهى.
" الأذكار " (ص 346) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
التثاؤب هو من الشيطان، صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وينبغي للإنسان إذا تثاءب سواء في الصلاة أم خارج الصلاة ينبغي له أن يكظم تثاؤبه ما استطاع، فإن عجز: فليضع يده على فمه، سواء في الصلاة أو في خارج الصلاة.
" فتاوى نور على الدرب ".
ومن أراد التخلص من التثاؤب في الصلاة فعليه بالدخول فيها بجد ونشاط وعزيمة قوية، وليعلم أن الشيطان له عدو فليتخذه عدوا، وليحاول رده ما استطاع، فإن غلبه فليضع يده على فيه.
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
أنا شاب متدين أبلغ من العمر 22 عاما أعاني من مشكلة أرجو من الله ثم منكم أن تساعدوني على التخلص منها وه أنني حين أبدأ في الصلاة أبدأ في التثاؤب بغير قصد وهذه الحالة دائما تلازمني حتى عند قراءة آية الكرسي بالذات ولا أعرف سببا لذلك حيث إنني أتثاءب عشر مرات في الصلاة الواحدة أرجو إفادة؟
فأجاب:
" التثاؤب من الشيطان كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وكما يتسلط الشيطان على المصلي بإلقاء الوساوس في قلبه والهواجيس التي لا زمام لها ولا فائدة منها.
كذلك ربما يتسلط عليه في التثاؤب، ويتثاءب كثيرا حتى يشغله عن صلاته، فإذا وجد ذلك فليفعل ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، يكظم ما استطاع، فإن لم يستطع فليضع يده على فمه حتى لا يجعل للشيطان سبيلا عليه.
وليحرص على أن يقبل على الصلاة بنشاط وهمة وعزيمة صادقة، وليسأل الله سبحانه وتعالى العافية مما يحدث له في صلاته، وإذا سأل الله تعالى بصدق وفعل ما يستطيع من محاولة إزالة هذه المظاهر فإن الله سبحانه وتعالى يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) البقرة/186 " انتهى.
" فتاوى نور على الدرب ".
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/829)
هل تعتبر صلاة المرأة بالمكياج جائزة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تعتبر صلاة المرأة جائزة بعد أن توضأت ووضعت المكياج على وجهها؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا توضأت المرأة ثم وضعت المكياج على وجهها، أو لمسته بيدها، فلا يضرها ذلك، ولا يؤثر على وضوئها ولا صلاتها، ما لم يكن نجسا؛ فإن طهارة الثوب والبدن شرط لصحة الصلاة.
وينبغي أن يُعلم أنه لا يجوز للمرأة أن تضع المكياج أمام الرجال الأجانب عنها؛ لأنها مأمورة بستر وجهها عنهم، ولما في وضع المكياج من الزينة والفتنة. فإن فعلت ذلك ثم صلّت به، فلها أجر صلاتها، وعليها إثم تبرجها.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (17/129) : " لا مانع من تزين المرأة بوضع المكياج على وجهها، والكحل، وإصلاح شعر رأسها على وجهٍ لا تشبه فيه بالكافرات، ويشترط أيضا أن تستر وجهها عن الرجال الذين ليسوا محارم لها " انتهى.
وجاء فيها أيضا (17/128) : " استعمال الكحل مشروع، لكن لا يجوز للمرأة أن تبدي شيئا من زينتها، سواء الكحل أو غيره لغير زوجها ومحارمها؛ لقوله تعالى: (ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن) " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/830)
القراءة من المصحف في صلاة الفرض
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الإمام الذي يقرأ من المصحف في صلاة الجماعة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا بأس بقراءة القرآن من المصحف في صلاة النفل، كقيام الليل.
أما الفرض فيكره فيه ذلك لعدم الحاجة إليه غالبا، فإن احتاج فلا بأس بالقراءة من المصحف حينئذٍ.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/335) :
" قال أحمد: لا بأس أن يصلي بالناس القيام وهو ينظر في المصحف. قيل له: في الفريضة؟ قال: لا , لم أسمع فيه شيئا. وقال القاضي: يكره في الفرض , ولا بأس به في التطوع إذا لم يحفظ , فإن كان حافظا كره أيضا. قال: وقد سئل أحمد عن الإمامة في المصحف في رمضان؟ فقال: إذا اضطر إلى ذلك. . . وحُكِيَ عن ابن حامد أن النفل والفرض في الجواز سواء. . .
والدليل على جوازه ما روى أبو بكر الأثرم , وابن أبي داود بإسنادهما عن عائشة أنها كانت يؤمها عبد لها في المصحف.
وسئل الزهري عن رجل يقرأ في رمضان في المصحف فقال: كان خيارنا يقرءون في المصاحف. . . .
وأبيحت القراءة في المصحف لموضع الحاجة إلى سماع القرآن والقيام به.
واختصت الكراهة بمن يحفظ لأنه يشتغل بذلك عن الخشوع في الصلاة، والنظر إلى موضع السجود لغير حاجة. وكره في الفرض على الإطلاق ; لأن العادة أنه لا يحتاج إلى ذلك فيها " انتهى بتصرف واختصار.
وقال النووي رحمه الله في المجموع (4/27) :
" لو قرأ القرآن من المصحف لم تبطل صلاته سواء كان يحفظه أم لا، بل يجب عليه ذلك إذا لم يحفظ الفاتحة. . .
وهذا الذي ذكرناه من أن القراءة في المصحف لا تبطل الصلاة مذهبنا ومذهب مالك وأبي يوسف ومحمد وأحمد " انتهى باختصار.
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: هل يجوز للإمام في أثناء الصلوات الخمس أن يقرأ من المصحف، وخاصة صلاة الفجر لأن تطويل القراءة فيها مطلوب وذلك مخافة الغلط أو النسيان؟
فأجاب:
" يجوز ذلك إذا دعت إليه الحاجة، كما تجوز القراءة من المصحف في التراويح لمن لا يحفظ القرآن، وقد كان ذكوان مولى عائشة رضي الله عنها يصلي بها في رمضان من مصحف، ذكره البخاري في صحيحه تعليقا مجزوما به، وتطويل القراءة في صلاة الفجر سنة، فإذا كان الإمام لا يحفظ المفصل ولا غيره من بقية القرآن الكريم جاز له أن يقرأ من المصحف، ويشرع له أن يشتغل بحفظ القرآن، وأن يجتهد في ذلك، أو يحفظ المفصل على الأقل حتى لا يحتاج إلى القراءة من المصحف، وأول المفصل سورة ق إلى آخر القرآن، ومن اجتهد في الحفظ يسر الله أمره، لقوله سبحانه: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا) وقوله عز وجل: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) . والله ولي التوفيق " انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (11/117) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/831)
هل يجوز عمل مصلى تكون فيه النساء أمام الإمام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم عمل مكان مخصص لصلاة النساء (التراويح) أمام المسجد (أي: سيكون المصلى مقدماً على الإمام يفصل بينهم جدار المسجد) وليس هناك مكان آخر لصلاة النساء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الأفضل للمرأة أن تصلي في بيتها، فعن أُمِّ حُمَيْدٍ امْرَأَةِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهَا جَاءَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُحِبُّ الصَّلاةَ مَعَكَ. قَالَ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكِ تُحِبِّينَ الصَّلاةَ مَعِي، وَصَلاتُكِ فِي بَيْتِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي حُجْرَتِكِ، وَصَلاتُكِ فِي حُجْرَتِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلاتِكِ فِي دَارِكِ، وَصَلاتُكِ فِي دَارِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ، وَصَلاتُكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي مَسْجِدِي. قَالَ: فَأَمَرَتْ فَبُنِيَ لَهَا مَسْجِدٌ فِي أَقْصَى شَيْءٍ مِنْ بَيْتِهَا وَأَظْلَمِهِ، فَكَانَتْ تُصَلِّي فِيهِ حَتَّى لَقِيَتْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ.
رواه أحمد (26550) وصححه ابن خزيمة (1689) ، وحسَّنه الشيخ الألباني في "صحيح الترغيب" (340) .
قال عبد العظيم آبادي رحمه الله:
ووجه كون صلاتهن في البيوت أفضل للأمن من الفتنة، ويتأكد ذلك بعد وجود ما أحدث النساء من التبرج والزينة.
"عون المعبود" (2/193) .
ومع ذلك: فإذا أرادت المرأة أن تذهب إلى المسجد للصلاة فلا يجوز لأحد منعها إذا التزمت بالشروط الشرعية لخروجها، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمْ الْمَسَاجِدَ إِذَا اسْتَأْذَنَّكُمْ إِلَيْهَا) رواه البخاري (865) ومسلم (442) .
وانظر السؤال (9232) .
ثانياً:
الأصل في صلاة الجماعة أن يكون المأموم خلف إمامه، وقد اختلف العلماء في حكم من صلَّى أَمام إمامه على أقوال، أصحها: الجواز للعذر.
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
هل تجزئ الصلاة قدام الإمام أو خلفه في المسجد وبينهما حائل أم لا؟
فأجاب:
" أما صلاة المأموم قدَّام الإمام: ففيها ثلاثة أقوال للعلماء:
أحدها: أنها تصح مطلقا , وإن قيل: إنها تكره , وهذا القول هو المشهور من مذهب مالك , والقول القديم للشافعي.
والثاني: أنها لا تصح مطلقا , كمذهب أبي حنيفة , والشافعي , وأحمد في المشهور من مذهبهما.
والثالث: أنها تصح مع العذر دون غيره، مثل ما إذا كان زحمة فلم يمكنه أن يصلي الجمعة أو الجنازة إلا قدام الإمام , فتكون صلاته قدام الإمام خيراً له من تركه للصلاة.
وهذا قول طائفة من العلماء , وهو قولٌ في مذهب أحمد وغيره، وهو أعدل الأقوال وأرجحها؛ وذلك لأن ترك التقدم على الإمام غايته أن يكون واجبا من واجبات الصلاة في الجماعة , والواجبات كلها تسقط بالعذر، وإن كانت واجبة في أصل الصلاة , فالواجب في الجماعة أولى بالسقوط ; ولهذا يسقط عن المصلي ما يعجز عنه من القيام , والقراءة , واللباس , والطهارة , وغير ذلك.
وأما الجماعة فإنه يجلس في الأوتار لمتابعة الإمام (يعني يجلس بعد الركعة الأولى والثالثة، وهذا فيمن دخل الصلاة متأخراً ركعة) , ولو فعل ذلك منفردا عمدا بطلت صلاته , وإن أدركه ساجدا أو قاعدا كبر وسجد معه , وقعد معه ; لأجل المتابعة، مع أنه لا يعتد له بذلك , ويسجد لسهو الإمام , وإن كان هو لم يسه.
وأيضاً: ففي صلاة الخوف لا يستقبل القبلة , ويعمل العمل الكثير ويفارق الإمام قبل السلام , ويقضي الركعة الأولى قبل سلام الإمام , وغير ذلك مما يفعله لأجل الجماعة , ولو فعله لغير عذر بطلت صلاته ... .
والمقصود هنا: أن الجماعة تفعل بحسب الإمكان , فإذا كان المأموم لا يمكنه الائتمام بإمامه إلا قدامه كان غاية [ما] في هذا أنه قد ترك الموقف لأجل الجماعة , وهذا أخف من غيره , ومثل هذا أنه منهي عن الصلاة خلف الصف وحده , فلو لم يجد من يصافه ولم يجذب أحدا يصلي معه صلى وحده خلف الصف , ولم يَدَعْ الجماعة , كما أن المرأة إذا لم تجد امرأة تصافها فإنها تقف وحدها خلف الصف , باتفاق الأئمة، وهو إنما أُمِرَ بالمصافة مع الإمكان لا عند العجز عن المصافة.
" الفتاوى الكبرى " (2 / 331 – 333) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يجوز تقدم المأموم على الإمام؟
فأجاب:
" الصحيح أن تقدم الإمام واجب، وأنه لا يجوز أن يتقدم المأموم على إمامه، لأن معنى كلمة " إمام " أن يكون إماماً، يعني يكون قدوة، ويكون مكانه قدام المأمومين، فلا يجوز أن يصلي المأموم قدام إمامه، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي قدام الصحابة رضي الله عنهم، وعلى هذا فالذين يصلون قدام الإمام ليس لهم صلاة، ويجب عليهم أن يعيدوا صلاتهم إلا أن بعض أهل العلم استثنى من ذلك ما دعت الضرورة إليه مثل أن يكون المسجد ضيقاً، وما حواليه لا يسع الناس فيصلي الناس عن اليمين واليسار والأمام والخلف لأجل الضرورة " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (13/44) .
وعلى هذا؛ فإكم تجتهدون في جعل مكان النساء خلف الإمام، فإن لم يوجد مكان، ولم يمكن إلا قدام الإمام، فلا حرج فيه إن شاء الله تعالى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/832)
صلاة التراويح قبل العشاء
[السُّؤَالُ]
ـ[صليت صلاة القيام في المسجد وبعدها نوى لصلاة الوتر ثلاث ركعات دون الشفع، وأنا كنت أتيت متأخرة ففاتني صلاة العشاء.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صلاة القيام والوتر لا تصلَّيان إلا بعد صلاة العشاء، فكان ينبغي أن تصلِّي العشاء أولاً ثم تصلي القيام والوتر بعد ذلك.
قال النووي في "المجموع" (3/526) :
" يدخل وقت التراويح بالفراغ من صلاة العشاء، ذكره البغوي وغيره، ويبقى إلى طلوع الفجر " انتهى.
وقال في "الإنصاف" (4/166) :
" وأول وقتها – يعني التراويح – بعد صلاة العشاء وسنتها على الصحيح من المذهب، وعليه الجمهور، وعليه العمل " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين:
" وقتها – يعني التراويح – من بعد صلاة العشاء، إلى طلوع الفجر " انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (14/210) .
وعلى هذا، فماذا يفعل من أتى المسجد متأخراً وقد انصرف الإمام من صلاة العشاء وشرع في صلاة التراويح؟
الصحيح أنه يدخل مع الإمام بنية العشاء، ويقوم ليتم صلاته (أربع ركعات) بعد سلام الإمام، ثم يدخل معه فيما بقي من صلاة التراويح.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" لا بأس أن يصلي العشاء خلف من يصلي التراويح، وقد نص الإمام أحمد رحمه الله على أن الرجل إذا دخل المسجد في رمضان وهم يصلون التراويح فإنه يصلي خلف الإمام بنية العشاء، فإذا سلم الإمام من الصلاة أتى بما بقي عليه من صلاة العشاء " انتهى بتصرف من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (12/443، 445) .
وانظر جواب السؤال رقم (37829) ففيه المزيد حول صلاة التراويح قبل العشاء.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/833)
الحركة في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الناس إذا كان في صلاته يعبث بثيابه، أو ينظف أظافره، أو ينظر في ساعته، وغير ذلك من الأعمال، خاصة إذا كان الإمام في القراءة، وهذا كثيرا ما ينقل الشعور بالقلق والاضطراب إلى من يجاوره من المصلين، فما حكم ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ذكر فضيلة الشيخ ابن عثيمين، رحمه الله تعالى أن الحركة في الصلاة الأصل فيها الكراهة إلا لحاجة، ومع ذلك فإنها تنقسم إلى خمسة أقسام:
القسم الأول: حركة واجبة.
القسم الثاني: حركة محرمة.
القسم الثالث: حركة مكروهة.
القسم الرابع: حركة مستحبة.
القسم الخامس: حركة مباحة.
فأما الحركة الواجبة: فهي التي تتوقف عليها صحة الصلاة، مثل أن يرى في غترته نجاسة، فيجب عليه أن يتحرك لإزالتها ويخلع غترته، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل وهو يصلي بالناس فأخبره أن في نعليه خبثاً فخلعها صلى الله عليه وسلم وهو في صلاته واستمر فيها [رواه أبو داود 650، وصححه الألباني في الإرواء 284] .
ومثل أن يخبره أحد بأنه اتجه إلى غير القبلة؛ فيجب عليه أن يتحرك إلى القبلة.
وأما الحركة المحرمة: فهي الحركة الكثيرة المتوالية لغير ضرورة؛ لأن مثل هذه الحركة تبطل الصلاة، وما يبطل الصلاة فإنه لا يحل فعله؛ لأنه من باب اتخاذ آيات الله هزواً.
وأما الحركة المستحبة: فهي الحركة لفعل مستحب في الصلاة، كما لو تحرك من أجل استواء الصف، أو رأى فرجة أمامه في الصف المقدم فتقدم نحوها وهو في صلاته، أو تقلص الصف فتحرك لسد الخلل، أو ما أشبه ذلك من الحركات التي يحصل بها فعل مستحب في الصلاة؛ لأن ذلك من أجل إكمال الصلاة، ولهذا لما صلى ابن عباس رضي الله عنهما مع النبي صلى الله عليه وسلم، فقام عن يساره أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم برأسه من ورائه فجعله عن يمينه. [متفق عليه]
وأما الحركة المباحة: فهي اليسيرة لحاجة، أو الكثيرة للضرورة، أما اليسيرة لحاجة فمثلها فعل النبي صلى الله عليه وسلم حين كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جدها من أمها فإذا قام حملها، وإذا سجد وضعها [البخاري 5996 ومسلم 543]
وأما الحركة الكثيرة للضرورة: فمثالها الصلاة في حال القتال؛ قال الله تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ* فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) البقرة/238-239؛ فإن من يصلي وهو يمشي لا شك أن عمله كثير ولكنه لما كان للضرورة كان مباحاً لا يبطل الصلاة.
وأما الحركة المكروهة: فهي ما عدا ذلك وهو الأصل في الحركة في الصلاة، وعلى هذا نقول لمن يتحركون في الصلاة إن عملكم مكروه، منقص لصلاتكم، وهذا مشاهد عند كل أحد فتجد الفرد يعبث بساعته، أو بقلمه، أو بغترته، أو بأنفه، أو بلحيته، أو ما أشبه ذلك، وكل ذلك من القسم المكروه إلا أن يكون كثيراً متوالياً فإنه محرم مبطل للصلاة.
وقد ذكر رحمه الله أيضا أن الحركة المبطلة للصلاة ليس لها عدد معين، وإنما هي الحركة التي تنافي الصلاة، بحيث إذا رؤى هذا الرجل فكأنه ليس في صلاة، هذه هي التي تبطل؛ ولهذا حدده العلماء رحمهم الله بالعرف، فقالوا: " إن الحركات إذا كثرت وتوالت فإنها تبطل الصلاة "، بدون ذكر عدد معين، وتحديد بعض العلماء إياها بثلاث حركات، يحتاج إلى دليل؛ لأن كل من حدد شيئاً بعدد معين، أو كيفية معينة، فإن عليه الدليل، وإلا صار متحكماً في شريعة الله. [مجموع فتاوى الشيخ 13/309-311]
وسئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى عن رجل كثير الحركة في الصلاة: هل تبطل صلاته؟ وما الطريق للتخلص من ذلك؟
فقال رحمه الله:
(السنة للمؤمن أن يقبل على صلاته ويخشع فيها بقلبه وبدنه، سواء كانت فريضة أو نافلة، لقول الله سبحانه: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُون) المؤمنون/1-2، وعليه أن يطمئن فيها، وذلك من أهم أركانها وفرائضها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم للذي أساء في صلاته ولم يطمئن فيها: (ارجع فصلِّ فإنك لم تصل) ، فعل ذلك ثلاث مرات، فقال الرجل: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا فعلمني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاةِ فَأَسْبِغْ الْوُضُوءَ، ثُمَّ اسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ فَكَبِّرْ، وَاقْرَأْ بِمَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا ثُمَّ ارْفَعْ رَأْسَكَ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَسْتَوِيَ وَتَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَسْتَوِيَ قَائِمًا، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاتِكَ كُلِّهَا) متفق عليه، وفي رواية لأبي داود قال فيها: (ثم اقرأ بأم القرآن، وبما شاء الله) .
وهذا الحديث الصحيح يدل على أن المأنينة ركن في الصلاة، وفرض عظيم فيها، لا تصح بدونه، فمن نقر صلاته فلا صلاة له، والخشوع هو لب الصلاة وروحها، فالمشروع للمؤمن أن يهتم بذلك، ويحرص عليه.
أما تحديد الحركات المنافية للطمأنينة وللخشوع بثلاث حركات فليس ذلك بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما ذلك كلام لبعض أهل العلم، وليس عليه دليل يعتمد.
ولكن يكره العبث في الصلاة، كتحريك الأنف واللحية والملابس والاشتغال بذلك، وإذا كثر العبث أبطل الصلاة، وأما إذا كان قليلا عرفا، أو كان كثيرا ولم يتوال، فإن الصلاة لا تبطل به، ولكن يشرع للمؤمن أن يحافظ على الخشوع، ويترك العبث، قليله وكثيره، حرصا على تمام الصلاة وكمالها.
ومن الأدلة على أن العمل القليل والحركات القليلة في الصلاة لا تبطلها، وهكذا العمل والحركات المتفرقة غير المتوالية، ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه فتح الباب يوما لعائشة وهو يصلي [أبو داود 922 والنسائي 3/11 والترمذي 601، وحسنه الشيخ الألباني في صحيح الترمذي 601] .
وثبت عنه من حديث أبي قتادة رضي الله عنه أنه صلى ذات يوم بالناس، وهو حامل أمامة بنت ابنته زينب، فكان إذا سجد وضعها، وإذا قام حملها. [فتاوى علماء البلد الحرام 162-164] .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/834)
هل يشترط إذن صاحب العمل لصحة الصلاة؟ وهل تصح الصلاة عند رؤية غير المحارم
[السُّؤَالُ]
ـ[أسلمت مؤخراً ولله الحمد , وأنا أعيش في الولايات المتحدة. لقد أخبرني أحد الأشخاص بأنه إذا لم أحصل على موافقة من صاحب المنشأة أو رب العمل على أن أصلي, وصليت، فإن صلاتي تكون غير مقبولة. فهل هذا الكلام صحيح؟
كما أنني أخبرتُ أيضا أنه إذا رآني شخص غير محرم لي وأنا أصلي، فإن صلاتي تكون غير مقبولة , فهل هذا صحيح؟ فكيف إذا صليت وأنا لم أكن أعلم بأن ذلك يجعل صلاتي غير مقبولة , حيث لم أتعمد ذلك, فهل صلاتي تكون أيضا غير مقبولة عند الله؟
وقيل لي أيضاً بأن صلاتي تكون غير مقبولة إذا صليت بالقرب من شخص يستمع إلى الموسيقى أو يغني أو كان يتلفظ بألفاظ الشتم والسباب , فهل هذا صحيح؟
حيث أنني أعمل في مكتب لا يوجد فيه مكان مخصص للصلاة , وأنا لم أطلب أن يسمح لي صاحب العمل بالصلاة , كما أنهم يقولون بأنه لا يمكنني أن أصلي بالقرب من مكتبي (طاولة العمل) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نحمد الله الذي هداك للإسلام، ونسأله سبحانه أن يثبتك على الهدى والإيمان.. إنه سميع قريب.
أما ما يتعلق بالصلاة، فلا يشترط لها موافقة صاحب المنشأة والعمل، ولا يلزم أن تستأذني منه، بل يجب تأديتها ولو لم يسمح هو بذلك؛ فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وأمر الله مقدم على أمر غيره.فيجب عليك أن تؤدي الصلاة في وقتها المحدد لقول الله تعالى: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) النساء /103. فإذا صليت بغير إذنه فصلاتك صحيحة ولا حرج عليك.
وأما إذا رآك بعض الأشخاص من غير محارمك وأنت تصلين فلا حرج عليك في ذلك، وصلاتك صحيحة ما دمت متسترة متحجبة. والمرأة يجب عليها في الصلاة أن تستر جميع بدنها إلا وجهها وكفيها إذا كانت في بيتها أو عند محارمها، أما إذا كانت في مكان يمكن أن يطلع عليها غير محارمها؛ فيجب عليها أن تستر جميع بدنها ومن ذلك الوجه والكفين. مع التنبيه على أنه ينبغي للمرأة أن تحرص على البعد عن الأماكن المختلطة ومجتمعات الرجال خاصة في أوقات العبادة.
وأما إذا وصل إلى مسامعك صوت موسيقى أو شتائم أو غيرها من الأصوات المحرمة وأنت في الصلاة، فهذا لا يؤثر على صحة صلاتك؛ ما دمت قادرة على أداء الأركان والواجبات جميعاً، لكن ينبغي أن تبتعدي عن الأماكن التي يتوقع فيها وجود مثل هذه المنكرات بقدر ما تستطيعين، خاصة عند أداء الصلاة.حتى يكون هذا أدعى للخشوع والتدبر فيما تقرئين.
ولا بأس من الصلاة قرب مكتبك ما دمت قادرة على أداء أركان الصلاة وواجباتها.
ونوصيك بالحرص على تعلم أحكام الدين الأساسية وخاصة الصلاة، كما نشكر لك حرصك واهتمامك. والله ولي التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/835)
من ترك تكبيرة الإحرام لم تنعقد صلاته
[السُّؤَالُ]
ـ[متى تقال تكبيرة الإحرام؟ وما حكم صلاة من لم يقلها بجهل من ذلك الشخص، وليس تعمدا منه؟ وماذا يجب عليه أن يفعل تجاه ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تكبيرة الإحرام ركن من أركان الصلاة لا تصح صلاة العبد، ولا يدخل فيها بدونها، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إنه لا تتم صلاة لأحد من الناس حتى يتوضأ، فيضع الوضوء مواضعه، ثم يقول: الله أكبر) قال الألباني: رواه الطبراني بإسناد صحيح. قال ابن قدامة: (وعلى هذا عوام أهل العلم في القديم والحديث) المغني 2/126 وانظر المجموع 3/175.
وهي أول شيء يبدأ العبد به صلاته، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مِفْتَاحُ الصَّلاةِ الطُّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ) رواه أحمد 1009 أبو داود 618 والترمذي 238 وابن ماجة 276، وقال النووي: إسناده صحيح.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (تحريمها التكبير) أي أن التكبير يُحَرِّم على المصلي الأكل والشرب وغيرهما مما كان مباحا خارج الصلاة، أو أن الدخول في حرمة الصلاة يكون بالتكبير.انظر: المجموع، وعون المعبود.
وأما متى تُقال تكبيرة الإحرام، فهي أول ما يبدأ به العبد صلاته، فيأتي بها في حال القيام، فيستقبل القبلة ثم يكبّر، ثم يدعو بدعاء الاستفتاح ثم يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم يشرع في قراءة الفاتحة.
ويستحب له أن يرفع يديه عند هذه التكبيرة، يمد أصابعه، ويجعل يديه حذو منكبيه، يعني قبالتهما، وهذا الرفع سنة مؤكدة. انظر صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، للألباني.
ولما كانت تكبيرة الإحرام ركنا في الصلاة، كان من تركها عمدا أو سهوا فإن صلاته لا تنعقد؛ يعني أنه لا يدخل في أحكام الصلاة. انظر المغني 2/128.
وقد سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا ترك الإنسان تكبيرة الإحرام سهوا، فما الحكم؟
فأجاب رحمه الله بقوله: (إذا ترك المصلي تكبيرة الإحرام سهوا أو عمدا، لم تنعقد صلاته، لأن الصلاة لا تنعقد إلا بتكبيرة الإحرام، فلو فرض أن شخصا وقف في الصف، ثم شرع في الاستفتاح، وقرأ الفاتحة، واستمر، فإننا نقول: إن صلاته لم تنعقد أصلا، ولو صلى كل الركعات) فتاوى الشيخ 14/36.
وأما من تركها، ودخل في صلاته، وهو جاهل بوجوبها، فهذا إن كان في وقت الصلاة التي دخل فيها بدون تكبيرة الإحرام فإنه يعيدها، كما أمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصحابي الذي لم يكن يطمئن في صلاته، ولم يكن يحسن إلا كما صلى، أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيد الصلاة التي صلاها أمامه، وقال له: (ارجع فصل، فإنك لم تصلِّ) متفق عليه.
وأما إن كان وقت الصلاة التي صلاها بدون تكبيرة الإحرام، جاهلا، قد خرج، فالذي ينبغي أن يحتاط لنفسه، فيعيد هذه الصلاة، وكذلك إن كان صلى أكثر من صلاة على هذه الصفة، فينبغي أن يحتاط لنفسه بما تبرأ به ذمته، وذلك لأن القاعدة عند كثير من أهل العلم: أن من ترك المأمور به جهلا أو نسيانا لم تبرأ ذمته إلا بفعله. انظر: القواعد والأصول الجامعة، لابن سعدي ص 78.
وتكبيرة الإحرام مما أُمِر به المصلي.
ثم إنه يبعد جدا لمن كان يصلي، خاصة إذا كان يعيش في بلاد المسلمين، يبعد جدا أن يجهل مثل ذلك، وأقل ما يُعَرِّفه به أن يرى المصلين من حوله يفعلون ذلك، فإنه إما أن يفعل مثل فعلهم، أو على الأقل يسأل عن هذا الذي يفعلونه، ولا يعلمه هو.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/836)
أوقات الصلاة والصيام في الأماكن القطبية
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا غير مسلم، وأعيش حاليا في بلد مسلم. وقد فهمت أن الصلوات الخمس وأوقات الصيام يتم تحديدها وفقا لمواعيد شروق الشمس وغروبها. وسؤالي هو: كيف يمكن للمسلم معرفة أوقات الصلوات وأوقات الصوم إذا كان يعيش قرب الدائرة القطبية حيث يكون الليل أو النهار طويلا جدا، ويتغير طوله بتغير الفصل.
أشكركم (سلفا) على إجابتكم، واستمروا في هذا العمل الذي تقومون به، فقد استفدت منه في فهم بعض الأمور في الإسلام، كما ساعدني في فهم بعض القضايا التي كان يتحدث عنها الموظفون في الشركة التي أعمل بها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نشكرك على هذا السؤال ونقدّر لك هذا الاهتمام بأوقات الصلاة في دين الإسلام وجوابا على سؤالك فإن الذين يعيشون قريبا من الدائرة القطبية ولديهم ليل مستمر أو نهار مستمر لأشهر فإنهم ينظرون في أقرب البلاد إليهم مما فيه ليل ونهار متميزان خلال الأربع والعشرين ساعة فيؤدون صلواتهم الخمس بناء على توقيت هذه البلاد.
وإنّ اهتمامك بالأمر وحرصك على السؤال والمعرفة يجعلنا نطمع في اعتناقك لهذا الدين وممارسة عباداته وشعائره ونتمنى لك الخير والتوفيق والسداد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/837)
ما هي المشقة التي تجيز صلاة الفريضة قاعداً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[متى يجوز للمريض أن يصلي قاعداً، لأنه يمكن أن يتحمل القيام، ولكن بمشقة شديدة جداً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سبق في إجابة السؤال (50684) أن القيام ركن في صلاة الفريضة، فلا تصح صلاة من صلى قاعداً وهو قادر على القيام، وأن هذا الركن كغيره من الواجبات يسقط مع العذر.
قال النووي في المجموع (4/201) :
" أَجْمَعَتْ الأُمَّةُ عَلَى أَنَّ مَنْ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ فِي الْفَرِيضَةِ صَلاهَا قَاعِدًا وَلا إعَادَةَ عَلَيْهِ , قَالَ أَصْحَابُنَا: وَلا يَنْقُصُ ثَوَابُهُ عَنْ ثَوَابِهِ فِي حَالِ الْقِيَامِ , لأَنَّهُ مَعْذُورٌ , وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مَا كَانَ يَعْمَلُ صَحِيحًا مُقِيمًا) " انتهى.
وضابط العذر الذي يسقط القيام، ويجيز صلاة الفريضة قاعدا:
1- أن يعجز عن القيام.
2- أن يزيد به المرض.
3- أن يتأخر به الشفاء.
4- أن يشق عليه مشقة شديدة تذهب الخشوع، فإن كانت المشقة أقل من ذلك لم يجز له القعود.
روى البخاري (1117) عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّلاةِ، فَقَالَ: (صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ) .
قال الحافظ:
" قَوْله: (فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ) اِسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ لا يَنْتَقِل الْمَرِيض إِلَى الْقُعُود إِلا بَعْد عَدَم الْقُدْرَة عَلَى الْقِيَام , وَقَدْ حَكَاهُ عِيَاض عَنْ الشَّافِعِيّ , وَعَنْ مَالِك وَأَحْمَد وَإِسْحَاق: لا يُشْتَرَط الْعَدَم بَلْ وُجُود الْمَشَقَّة , وَالْمَعْرُوف عِنْد الشَّافِعِيَّة أَنَّ الْمُرَاد بِنَفْيِ الاسْتِطَاعَة وُجُود الْمَشَقَّة الشَّدِيدَة بِالْقِيَامِ , أَوْ خَوْف زِيَادَة الْمَرَض , أَوْ الْهَلاك , وَلا يُكْتَفَى بِأَدْنَى مَشَقَّة. وَمِنْ الْمَشَقَّة الشَّدِيدَة دَوَرَان الرَّأْس فِي حَقّ رَاكِب السَّفِينَة وَخَوْف الْغَرَق لَوْ صَلَّى قَائِمًا فِيهَا. . . .
وَيَدُلّ لِلْجُمْهُورِ أَيْضًا حَدِيث اِبْن عَبَّاس عِنْد الطَّبَرَانِيِّ بِلَفْظِ: (يُصَلِّي قَائِمًا , فَإِنْ نَالَتْهُ مَشَقَّة فَجَالِسًا , فَإِنْ نَالَتْهُ مَشَقَّة صَلَّى نَائِمًا) " انتهى من فتح الباري.
وحديث ابن عباس الذي ذكره الحافظ، ذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" (2897) وقال:
" رواه الطبراني في الأوسط وقال: لم يروه عن ابن جريج إلا حلس بن محمد الضبعي، قلت (الهيثمي) : ولم أجد من ترجمه، وبقية رجاله ثقات " انتهى.
وقال ابن قدامة في المغني (1/443) :
" وَإِنْ أَمْكَنَهُ الْقِيَامُ , إلا أَنَّهُ يَخْشَى زِيَادَةَ مَرَضِهِ بِهِ , أَوْ تَبَاطُؤَ بُرْئِهِ , أَوْ يَشُقُّ عَلَيْهِ مَشَقَّةً شَدِيدَةً , فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا. وَنَحْوَ هَذَا قَالَ مَالِكٌ وَإِسْحَاقُ. . . لقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) . وَتَكْلِيفُ الْقِيَامِ فِي هَذِهِ الْحَالِ حَرَجٌ , وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى جَالِسًا لَمَّا جُحِشَ (أي جُرح) شِقُّهُ الأَيْمَنُ , وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَعْجِزُ عَنْ الْقِيَامِ بِالْكُلِّيَّةِ ; لَكِنْ لَمَّا شَقَّ عَلَيْهِ الْقِيَامُ سَقَطَ عَنْهُ " انتهى.
وقال النووي في المجموع (4/201) :
" قَالَ أَصْحَابُنَا: وَلا يُشْتَرَطُ فِي الْعَجْزِ أَنْ لا يَتَأَتَّى الْقِيَامُ، وَلا يَكْفِي أَدْنَى مَشَقَّةٍ، بَلْ الْمُعْتَبَرُ الْمَشَقَّةُ الظَّاهِرَةُ , فَإِذَا خَافَ مَشَقَّةً شَدِيدَةً أَوْ زِيَادَةَ مَرَضٍ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ أَوْ خَافَ رَاكِبُ السَّفِينَةِ الْغَرَقَ أَوْ دَوَرَانَ الرَّأْسِ صَلَّى قَاعِدًا وَلا إعَادَةَ , وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: الَّذِي أَرَاهُ فِي ضَبْطِ الْعَجْزِ أَنْ يَلْحَقَهُ بِالْقِيَامِ مَشَقَّةٌ تُذْهِبُ خُشُوعَهُ، لأَنَّ الْخُشُوعَ مَقْصُودُ الصَّلاةِ " انتهى.
وهذا الذي اختاره إمام الحرمين هو الذي رجحه الشيخ ابن عثيمين، فإنه قال:
" الضابط للمشقة: ما زال به الخشوع، والخشوع هو حضور القلب والطمأنينة، فإذا كان إذا قام قلق قلقاً عظيماً ولم يطمئن وتجده يتمنى أن يصل إلى آخر الفاتحة ليركع من شدة تحمله: فهذا شق عليه القيام، فيصلي قاعداً " انتهى من "الشرح الممتع" (4/326) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/838)
حكم تغطية الوجه للمرأة وهي تصلي لاحتمال مرور أجانب
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجب تغطية الوجه أثناء الصلاة في حال وجود أو توقع مرور الرجال، كما يحدث في الحرم، أم أنه لا حرج في كشف الوجه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ صالح الفوزان:
المرأة في الصلاة كلها عورة فيجب عليها ستر جميع بدنها إلا وجهها إذا لم يكن عندها رجال غير محارم لها.
فإذا كانت خالية أو عندها رجال من محارمها: فإنها تكشف وجهها في الصلاة.
وأما إذا كانت بحضرة رجال غير محارم: فإنها تغطي وجهها في الصلاة وفي غيرها؛ لأن الوجه عورة.
" فتاوى المرأة المسلمة " (1 / 315) .
وانظر: جواب السؤال رقم (21803) و (1046) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/839)
المسبوق منفرد فلا يسمح للمار بين يديه
[السُّؤَالُ]
ـ[معلوم أن سترة المأموم هي سترة إمامه، ولكن إذا سلم الإمام فهل تبقى السترة للمسبوقين أو لابد من وجود سترة جديدة، فقد لاحظت أن بعض الناس يمر أمام المسبوق ولا يفعل له شيئاً فما الحكم في ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا سلم الإمام وقام المسبوق لقضاء ما فاته فإنه يكون في هذا القضاء منفرداً حقيقة وعليه أن يمنع من يمر بين يديه لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وترك بعض الناس منع المار قد يكون عن جهل منهم بهذا، أو قد يكون عن تأويل حيث أنهم ظنوا أنهم لما أدركوا الجماعة صاروا بعد انفرادهم عن الإمام بحكم الذين خلف الإمام، لكن لابد من منع المسبوق من يمرون بين يديه إذا قام لقضاء ما فاته.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب الدعوة 5 ابن عثيمين 2/92(5/840)
هل شارب الخمر لا تُقبل له صلاة أربعين يوماً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح ما ورد عن رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم بأن من شرب خمراً لا تقبل صلاته لمدة أربعين يوماً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، جاءت الأحاديث الصحيحة الكثيرة في عقوبة من شرب الخمر وأنه لا تُقبل صلاته أربعين يوماً، وقد ورد هذا من حديث عمرو بن العاص، وابن عباس، وابن عمر، وابن عمرو.
انظر: " السلسلة الصحيحة " (709) ، (2039) ، (2695) ، (1854) .
من هذه الأحاديث ما رواه ابن ماجه (3377) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ وَسَكِرَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا وَإِنْ مَاتَ دَخَلَ النَّارَ، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ عَادَ فَشَرِبَ فَسَكِرَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، فَإِنْ مَاتَ دَخَلَ النَّارَ، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ عَادَ فَشَرِبَ فَسَكِرَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، فَإِنْ مَاتَ دَخَلَ النَّارَ، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ عَادَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ رَدَغَةِ الْخَبَالِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا رَدَغَةُ الْخَبَالِ؟ قَالَ: عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ. صححه الألباني في صحيح ابن ماجه.
وليس معنى عدم قبول الصلاة أنها غير صحيحة، أو أنه يترك الصلاة، بل المعنى أنه لا يثاب عليها. فتكون فائدته من الصلاة أنه يبرئ ذمته، ولا يعاقب على تركها.
قال أبو عبد الله ابن منده: " قوله " لا تقبل له صلاة " أي: لا يثاب على صلاته أربعين يوماً عقوبة لشربه الخمر، كما قالوا في المتكلم يوم الجمعة والإمام يخطب إنه يصلي الجمعة ولا جمعة له، يعنون أنه لا يعطى ثواب الجمعة عقوبة لذنبه." تعظيم قدر الصلاة " (2 / 587، 588) . انظر السؤال 20037
وقال النووي:
"وَأَمَّا عَدَم قَبُول صَلاته فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لا ثَوَاب لَهُ فِيهَا وَإِنْ كَانَتْ مُجْزِئَة فِي سُقُوط الْفَرْض عَنْهُ , وَلا يَحْتَاج مَعَهَا إِلَى إِعَادَة" اهـ.
ولا شك أنه يجب على شارب الخمر أن يؤدي الصلاة في أوقاتها ولو أخل بشيء من صلاته لكان مرتكباً لكبيرة عظيمة هي أشد من ارتكابه لكبيرة شرب الخمر.
وهذه العقوبة على شارب الخمر إنما هي لمن لم يتب، أما من تاب وأناب إلى الله فإن الله يتوب عليه ويتقبل منه أعماله. كما في الحديث السابق: (فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ) . وكما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) رواه ابن ماجه (4250) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/841)
لماذا تقطع المرأة صلاة الرجل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكمة أن المرأة تقطع صلاة الرجل إذا مرت أمامه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الواجب على المسلم التسليم لأحكام الشرع، سواء فهم الحكمة منها أم لم يفهمها.
ثانياً:
المرأة ليست نجسة، ولكن قد التمس بعض العلماء علة لقطع المرأة للصلاة، وهي: أن المرأة تفتن الرجل.
ثالثاً:
قد صح الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن هذه الثلاثة تقطع الصلاة إذا مرت بين يدي المصلي إذا لم يكن له سترة، أو مرت بينه وبين سترته (راجع سؤال رقم 3404) ، فوجب التسليم لحكم الله والعمل به، ومعنى القطع: إبطال الصلاة في أصح قولي العلماء.
وبالله التوفيق
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 17/12.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/842)
الصلاة أمام المرآة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تأدية الصلاة في غرفة بها مرايا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
َمَنْ صَلّى وأمامه المرآة صَحّتْ صَلاَتُه، ولو كان مُقَابِلاً لها، وَيَرَى نَفْسَه فِيهَا، وعليه غَضُّ البَصَر وحِفْظُهُ، والذي ينبغي البعد عنها وعن كُلِّ ما يَشْغَلُ المصلي ويُلْهِيِِه في صلاته.
[الْمَصْدَرُ]
اللؤلؤ المكين من فتاوى الشيخ ابن جبرين /103.(5/843)
أحكام تغيير النية في الصلاة بعد الشروع فيها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز تغيير نية الصلاة بعد الشروع فيها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين: عن تغيير النية في الصلاة؟
فأجاب:
" تغيير النية إما أن يكون من معيَّن لمعيَّن، أو من مطلق لمعيَّن: فهذا لا يصح، وإذا كان من معيَّن لمطلق: فلا بأس.
مثال ذلك:
من معيَّن لمعيَّن: أراد أن ينتقل من سنة الضحى إلى راتبة الفجر التي يريد أن يقضيها، كبَّر بنية أن يصلي ركعتي الضحى، ثم ذكر أنه لم يصل راتبة الفجر فحولها إلى راتبة الفجر: فهنا لا يصح؛ لأن راتبة الفجر ركعتان ينويهما من أول الصلاة.
كذلك أيضاً رجل دخل في صلاة العصر، وفي أثناء الصلاة ذكر أنه لم يصل الظهر فنواها الظهر: هذا أيضاً لا يصح؛ لأن المعين لابد أن تكون نيته من أول الأمر.
وأما من مطلق لمعيَّن: فمثل أن يكون شخص يصلي صلاة مطلقة - نوافل - ثم ذكر أنه لم يصل الفجر، أو لم يصل سنة الفجر فحوَّل هذه النية إلى صلاة الفجر أو إلى سنة الفجر: فهذا أيضاً لا يصح.
أما الانتقال من معيَّن لمطلق: فمثل أن يبدأ الصلاة على أنها راتبة الفجر، وفي أثناء الصلاة تبين أنه قد صلاها: فهنا يتحول من النية الأولى إلى نية الصلاة فقط.
ومثال آخر: إنسان شرع في صلاة فريضة وحده ثم حضر جماعة، فأراد أن يحول الفريضة إلى نافلة ليقتصر فيها على الركعتين (ثم يصلي الفريضة مع الجماعة) فهذا جائز؛ لأنه حوَّل من معين إلى مطلق.
هذه القاعدة:
من معين لمعين: لا يصح. ومن مطلق لمعين: لا يصح. من معين لمطلق: يصح " انتهى
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (12 / السؤال رقم 347) .
وسئل الشيخ – أيضاً -:
هل يجوز تغيير النية من معيَّن إلى معيَّن؟
فأجاب:
" لا يجوز تغيير النية من معيَّن إلى معيَّن، أو من مطلق إلى معيَّن، وإنما يجوز تغيير النية من معيَّن إلى مطلق.
مثال الأول: من معيَّن إلى معيَّن، تغير النية من صلاة الظهر إلى صلاة العصر، ففي هذه الحالة تبطل صلاة الظهر؛ لأنه تحول عنها، ولا تنعقد صلاة العصر؛ لأنه لم ينوها من أولها وحينئذ يلزمه قضاء الصلاتين.
ومثال الثاني: من مطلق إلى معيَّن: أن يشرع في صلاة نفل مطلق ثم يحول النية إلى نفل معين فيحولها إلى الراتبة، يعنى أن رجلاً دخل في الصلاة بنية مطلقة، ثم أراد أن يحولها إلى راتبة الظهر - مثلاً - فلا تجزئه عن الراتبة، لأنه لم ينوها من أولها.
ومثال الثالث: من معيَّن إلى مطلق أن ينوي راتبة المغرب ثم بدا له أن يجعلها سنَّة مطلقة فهذا صحيح لا تبطل به الصلاة؛ وذلك لأن نية الصلاة المعينة متضمنة لنية مطلق الصلاة، فإذا ألغى التعيين بقي مطلق الصلاة لكن لا يجزئه ذلك عن الراتبة لأنه تحول عنها " انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (12 / السؤال رقم 348) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/844)
إذا أدرك الإمام ساجدا أو جالساً
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا دخلت المسجد والإمام ساجد أو جالس بين السجدتين أو في التشهد، فهل أدخل معه؟ وهل أكبر تكبيرة أخرى للسجود أو القعود بعد تكبيرة الإحرام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إذا دخل المصلي المسجد والإمام في السجود أو الجلوس أو على أي حال، دخل معه , لقوله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا جِئْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ وَنَحْنُ سُجُودٌ فَاسْجُدُوا وَلا تَعُدُّوهَا شَيْئًا , وَمَنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاةَ) رواه أبو داود (893) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود.
انظر السؤال (46811) .
ولا تحسب له هذه الركعة؛ لأنه لم يدرك الركوع معه.
ثانياً:
ذكر أهل العلم رحمهم الله تعالى أن المصلي الذي أدرك إمامه ساجداً أنه يكبر تكبيرة الإحرام ثم يسجد مع إمامه من غير تكبير؛ لأنه لم يدرك محل التكبير.
قال ابن قدامة في المغني (2/183) : " وإن أدرك الإمام في ركن غير الركوع لم يكبر إلا تكبيرة الافتتاح , وينحط بغير تكبير؛ لأنه لم يُعتد له به , وقد فاته محل التكبير , وإن أدركه في السجود أو التشهد الأول كبر حال قيامه مع الإمام إلى الثالثة؛ لأنه مأموم له , فيتبعه في التكبير , كمن أدرك معه من أولها ".
وانظر: "المجموع شرح المهذب" (4/218) .
وهذا بخلاف التكبير للركوع؛ فإنه محسوب له , وبخلاف ما إذا انتقل بعد ذلك مع الإمام من السجود أو غيره , فإنه يكبر موافقة للإمام في الانتقال إليه , وإن كان غير محسوب له , كما أفاده ابن قدامة رحمه الله.
والقول الثاني: أنه ينحط معه بتكبير , فيكبر الأولى للإحرام , والثانية ليسجد بها أو يقعد، لأنه التزم متابعة الإمام وهو في القعود أو السجود , والانتقال من القيام إلى السجود يكون بالتكبير.
انظر: "المجموع" (4/218) , "حاشية ابن قاسم" (2/277) , "الإنصاف" (2/225) , "السنن الكبرى" للبيهقي (2/91) .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع (4/128) :
" والمشهورُ عند الفقهاءِ رحمهم الله: أنَّه ينحطُّ بلا تكبيرٍ.
ولكن مع هذا نقولُ: لو كَبَّرَ الإنسانُ فلا حَرَجَ، وإن تَرَكَ فلا حَرَجَ، ونجعلُ الخِيَارَ للإنسانِ؛ لأنه ليس هناك دليلٌ واضحٌ للتَّفريقِ بين الرُّكوعِ وغيرِه، إذ مِن الجائزِ أن يقولَ قائلٌ: إنَّ القعودَ لا يلي القيامَ، لكن الذي جعلني أَقْعُدُ هو اتِّباعُ الإمامِ، فأنا الآن انتقلتُ إلى رُكْنٍ مأمور بالانتقالِ إليه، ولكن تبعاً للإمام لا باعتبارِ الأصلِ، وهذا لا شكَّ بأنه يؤيِّدُ القولَ بأنَّه يكبِّرُ، فالذي نَرى في هذه المسألةِ أنَّ الاحتياطَ أن يكبِّرَ " انتهى.
ثالثاً:
ولو أحرم بالصلاة وانحط ساجداً فرفع الإمام رأسه قبل أن يضع المأموم جبهته على الأرض , فالظاهر أنه يرجع معه ولا يسجد؛ لفوات محل المتابعة برفع الإمام رأسه من الأرض قبل وضع المأموم جبهته عليها , بخلاف ما إذا كان معه من أول الصلاة.
ولو أدركه في السجدة الأولى فانحط ساجداً فرفع الإمام رأسه , وجلس بين السجدتين جلس معه المأموم , فإذا سجد الثانية سجد معه.
والله أعلم.
انظر: " أحكام حضور المساجد" (ص143-144) للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/845)
هل المخاط يُبطل الصلاة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمرأة أن تصلي والمخاط يخرج منها طوال اليوم؟ تحاول أن تستحم لتكون نظيفة دائماً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم يجوز ذلك بل يجب عليها أن تصلي الصلوات في أوقاتها؛ وليس ذلك بمانع يمنع من فعل الصلاة.
واعلم أيها السائل الكريم أن البصاق والمخاط ليسا من نوا قض الوضوء؛ وهما طاهران، فقد رخص النبي صلى الله عليه وسلم أن يبصق المصلي في ثوبه أو تحت قدمه في الصلاة رواة البخاري (500) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/846)
هل العمل من الأعذار المبيحة لتأخير الصلاة عن وقتها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني أعمل، وفي وقت لا يسمح لي بأداء صلاة الفجر وصلاة الظهر، هل يجوز لي أن أصليهما في وقت بعد العمل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يحل لمسلمٍ أن يؤخر الصلاة عن وقتها إلا من عذر، ومن الأعذار الشرعية التي تبيح قضاء الصلاة بعد خروج وقتها: النوم والنسيان، وليس القيام بأعمال الدنيا من الأعذار المبيحة لترك الصلاة أو تأخيرها عن وقتها، بل من صفات المؤمنين الصادقين أنهم لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذِكر الله وإقام الصلاة.
قال الله تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآَصَالِ. رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ. لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) النور / 36 – 38.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي:
فهؤلاء الرجال وإن اتجروا , وباعوا , واشتروا: فإن ذلك لا محذور فيه، لكنه لا تلهيم تلك بأن يقدموها ويؤثروها على (ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ) بل جعلوا طاعة الله وعبادته غاية مرادهم , ونهاية مقصدهم، فما حال بينهم وبينها رفضوه.
ولما كان ترك الدنيا شديداً على أكثر النفوس , وحب المكاسب بأنواع التجارات محبوباً لها , ويشق عليها تركه في الغالب , وتتكلف من تقديم حق الله على ذلك: ذكر ما يدعوها إلى ذلك , - ترغيباً وترهيباً – فقال: (يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ) من شدة هوله، وإزعاجه القلوب، والأبدان , فلذلك خافوا ذلك اليوم , فسهل عليهم العمل (يعني: العمل للآخرة) , وترك ما يشغل عنه.
" تفسير السعدي ".
وفي فرضية الصلاة وحكم وقتها قال الله تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} النساء / 103.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي:
أي: مفروضا في وقته، فدل ذلك على فرضيتها , وأن لها وقتاً لا تصح إلا به , وهو هذه الأوقات , التي قد تقررت عند المسلمين , صغيرهم , وكبيرهم , عالمهم وجاهلهم , وأخذوا ذلك عن نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم بقوله: " صلوا كما رأيتموني أصلي "، ودلَّ قوله {عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} على أن الصلاة ميزان الإيمان , وعلى حسب إيمان العبد تكون صلاته , وتتم وتكمل.
" تفسير السعدي ".
وقال تعالى – متوعداً من أخَّر الصلاة عن وقتها لغير عذر -: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا. إِلا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا) مريم / 59، 60.
والغي: الخسران أو وادٍ في جهنم.
وقال تعالى: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ. الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ) الماعون / 4، 5.
قال ابن كثير:
عن ابن مسعود أنه قيل له إن الله يكثر ذكر الصلاة في القرآن (الذين هم عن صلاتهم ساهون) و (على صلاتهم دائمون) و (على صلاتهم يحافظون) فقال ابن مسعود: على مواقيتها، قالوا: كنا نرى ذلك إلا على الترك، قال: ذلك الكفر …
وقال الأوزاعي عن إبراهيم بن يزيد أن عمر بن عبد العزيز قرأ (فخلف مِن بعدهم خلْف أضاعوا الصلاة واتَّبعوا الشهوات فسوف يلْقَوْن غيّاً) ثم قال: لم تكن إضاعتهم تركها ولكن أضاعوا الوقت.
" تفسير ابن كثير " (3 / 128، 129) .
فلا يحل لك تأخير الصلاة عن وقتها بعذر العمل، فإن لم يمكنك أن تصلي الصلاة في وقتها بسبب العمل فعليك ترك هذا العمل، والبحث عن عمل غيره لا يكون سبباً في تضييع الصلاة، ولا ينبغي للمسلم العاقل أن يعرِّض نفسه لوعيد ربه تبارك وتعالى، ولا أن يبيع دينه بعرَضٍ من الدنيا زائل.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/847)
قراءة البسملة في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجب أن يقول بسم الله الرحمن الرحيم بعد الانتهاء من الفاتحة مباشرة قبل تلاوة السورة؟
وماذا لو بدأ من منتصف السورة ماذا يقول؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قراءة البسملة مستحبة وليست واجبة، وهي مستحبة إذا كان سيقرأ سورة من أولها. فيأتي بها المصلي قبل الفاتحة، وأما القراءة بعد الفاتحة فإن قرأ من بداية سورة أتى بها إلا سورة التوبة فإنه لا يقرأ البسملة في أولها، وإن قرأ من وسط السورة، فلا يستحب له قراءة البسملة.
قالت اللجنة الدائمة:
دلَّت السنَّة الثابتة أنه صلى الله عليه وسلم يقرأ البسملة في الصلاة قبل الفاتحة وقبل غيرها من السوَر، ما عدا سورة التوبة، لكنه كان لا يجهر بها في الصلاة الجهرية صلى الله عليه وسلم.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (6 / 378) .
وقالت أيضاً:
التسمية مشروعة في كل ركعة من الصلاة قبل الفاتحة، وقبل كل سورة سوى سورة براءة.
" المرجع نفسه ".
وقالت أيضاً:
إذا كان سيقرأ سورة بعد الفاتحة: فيقرأ قبلها البسملة سرّاً، وإذا كان سيقرأ ما تيسر من وسط السورة أو آخرها: فلا تشرع له قراءتها.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (6 / 380) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/848)
الاستعاذة في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجب أن يقول الإنسان " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " في كل ركعة؟ أم تكفي أول ركعة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أمر الله بالاستعاذة من الشيطان الرجيم عند تلاوة القرآن فقال تعالى: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} النحل / 98.
والاستعاذة معناها: الالتجاء إلى الله من شرِّ كل ذي شرٍّ، فهي تقال لدفع الشرور عن الإنسان، فكأن المستعيذ يقول: أستجير بجناب الله من الشيطان الرجيم أن يضرني في ديني أو دنياي أو يصدني عن فعل ما أمرت به أو يحثني على فعل ما نهيت عنه.
وقد ذهب جمهور العلماء إلى أن الاستعاذة مستحبة وليست واجبة.
المغني 2 /145
وذهب بعضهم أن الاستعاذة واجبة، واستدلوا بالآية، وأن الأمر يدل على الوجوب. وهو قول ابن حزم ومال إليه ابن كثير رحمه الله.
انظر: " تفسير ابن كثير " (1 / 14) .
واختارات اللجنة الدائمة أن الاستعاذة سنة.
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة:
الاستعاذة سنة فلا يضر تركها في الصلاة عمداً أو نسيانياً
فتاوى اللجنة الدائمة 6 / 381
ثانياً:
ومن صيغ الاستعاذة:
1- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
2- أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.
3- يزيد على الصيغة الثانية من همزه ونفخه ونفثه.
ومعنى الهمز: الخنق، والنفخ: الكبر، والنفث: الشِّعر.
انظر: " تفسير ابن كثير " (1 / 13) .
ثالثاً:
والاستعاذة تكون في الصلاة وغيرها، ويكفي أن تُقرأ في الصلاة مرة واحدة في أول ركعة، ولا يجب أن تقرأ في كل ركعة.
قال ابن قدامة:
وقد روى مسلم عن أبي هريرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نهض من الركعة الثانية استفتح القراءة بالحمد لله رب العالمين، ولم يسكت "، وهذا يدل على أنه لم يكن يستفتح ولا يستعيذ ...
فأما الاستعاذة فاختلفت الرواية عن أحمد فيها في كل ركعة، فعنه: أنها تختص بالركعة الأولى، وهو قول عطاء، والحسن، والنخعي، والثوري؛ لحديث أبي هريرة هذا، ولأن الصلاة جملة واحدة فالقراءة فيها كلها كالقراءة الواحدة ...
والرواية الثانية، يستعيذ في كل ركعة، وهو قول ابن سيرين، والشافعي، لقوله سبحانه وتعالى: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} ، فيقتضي ذلك تكرير الاستعاذة عند تكرير القراءة، ولأنها مشروعة للقراءة، فتكرر بتكررها، كما لو كانت في صلاتين.
" المغني " (2 / 216) .
قال ابن القيم رحمه الله:
والاكتفاء باستعاذة واحدة أظهر.
زاد المعاد 1 / 242
وقال الشوكاني:
الأحاديث الواردة في التعوذ ليس فيها إلا أنه فعل ذلك في الركعة الأولى ...
فالأحوط: الاقتصار على ما وردت به السنة، وهو الاستعاذة قبل قراءة الركعة الأولى فقط.
" نيل الأوطار " (2 / 231) .
رابعاً:
وقد اختلف الفقهاء في مكان الاستعاذة في الصلاة، فقال قوم: تكون بعد القراءة وهو قول ضعيف.
وقال ابن كثير رحمه الله:
والمشهور الذي عليه الجمهور أن الاستعاذة إنما تكون قبل التلاوة لدفع الموسوس عنها.
" تفسير القرآن العظيم " (1 / 13) .
وقال الجصَّاص:
وقول من قال: " الاستعاذة بعد الفراغ من القراءة ": شاذ، وإنما الاستعاذة قبل القراءة لنفي وساوس الشيطان عند القراءة، قال الله تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان} ، فإنما أمر الله بتقديم الاستعاذة قبل القراءة لهذه العلة.
" أحكام القرآن " (3 / 283) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/849)
إذا عطس أو سمع نهيق حمار في الصلاة فهل يقول الذكر الوارد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا عطس المصلي في صلاته فهل يقول الحمد لله، وكذلك إذا سمع نهيق الحمار فهل يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أما العطاس فقد وردت السنة بأن المصلي يحمد لله إذا عطس.
وأما الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم عند سماع نهيق الحمار فلم ترد السنة بذلك.
قال الشيخ ابن عثيمين:
"إذا عطس المصلي فإنه يقول: الحمد لله، كما صح ذلك في قصة معاوية بن الحكم رضي الله عنه أنه دخل مع النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة فعطس رجل من القوم فقال: الحمد لله. فقال له معاوية: يرحمك الله. فرمى الناسُ معاويةَ بأبصارهم منكرين عليه ما قال، فقال: واثكل أمياه، فجعلوا يضربون على أفخاذهم يسكتونه فسكت، فلما انصرف من الصلاة دعاه النبي صلى الله عليه وسلم، قال معاوية: بأبي هو وأمي، فَوَاللَّهِ مَا كَهَرَنِي وَلا ضَرَبَنِي وَلا شَتَمَنِي، قَالَ: إِنَّ هَذِهِ الصَّلاةَ لا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلامِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ. رواه مسلم (537) وأبو داود (930) .
ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم على العاطس الذي حمد الله؛ فدل ذلك على أن الإنسان إذا عطس في الصلاة حمد الله لوجود السبب القاضي بالحمد، ولكن لا يكون ذلك في كل ما يوجد سببه من الأذكار في الصلاة" اهـ.
"فتاوى ابن عثيمين" (13/342) .
وسئل رحمه الله:
هل يجوز للمصلي أن يحمد الله إذا عطس، ويتعوذ بالله إذا سمع نهيق الحمار؟ وهل هناك فرق في ذلك بين الفرض والنفل؟
فأجاب:
"أما حمده إذا عطس، وتعوذه عند سماع نهيق الحمار فهو جائز على اختيار شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله، ومكروه على المشهور من مذهب الإمام أحمد، والأصح اختيار شيخ الإسلام بالنسبة لحمده عند العطاس، أما بالنسبة لتعوذه عند سماع النهيق فالأولى أن لا يتعوذ، والفرق بينهما: أن الحمد عند العطاس جاءت به السنة، ولأنه مشروع بأمر يتعلق به نفسه، بخلاف نهيق الحمار فإنه لأمر خارج، ولا ينبغي أن يشغل نفسه بسماع ما هو خارج عن الصلاة.
ولا فرق فيما تقدم بين الصلاة المكتوبة والنافلة" اهـ.
"فتاوى ابن عثيمين" (13/342) .
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/850)
تحرك في الصلاة لتشغيل الميكرفون
[السُّؤَالُ]
ـ[قمنا بالصلاة والكهرباء مقطوعة، وعند عودة الكهرباء أثناء الصلاة، تقدم أحد المصليين لتشغيل الميكروفون، وعاد إلى الصلاة مرة أخرى. هل يجوز أم لا يجوز؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ينبغي على المصلي أن يترك في صلاته الحركة الخارجة عن أعمال الصلاة، خاصة إذا لم يكن يحتاج إليها وهو في صلاته؛ فإن ذلك من تمام إقامة الصلاة التي أمرنا بها. قال الله تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) البقرة /238.
قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله في تفسيره: (أي: ذليلين خاشعين) .
وقال الله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ) المؤمنون/1-2
وأما ما ذكرته من أن بعض المصلين تقدم لتشغيل مكبر الصوت وهو في صلاته، فإن حركته هذه لا تبطل صلاته، لكن إن كانت هناك حاجة إلى تشغيل مكبر الصوت في الصلاة، مثل أن تكون الجماعة كثيرة، ولا يبلغهم صوت الإمام، فقد أحسن بفعله ذلك.
وأما إن لم يكن هناك حاجة إلى تشغيل المكبر في الصلاة، فقد فعل مكروها، لكن صلاته لا تبطل؛ لأن مثل هذا الفعل يعد من الحركة القليلة التي لا تبطل بها الصلاة.
ولمعرفة أحكام الحركة في الصلاة، انظر السؤال رقم (12683) .
غير أنه ينبغي هنا التنبه إلى أنه لا ينبغي استعمال مكبرات الصوت خارج المسجد، كما يفعله كثير من الناس اليوم، لما في ذلك من التشويش على المصلين في المساجد الأخرى، أو المصلين في بيوتهم من النساء وذوي الأعذار. انظر السؤال رقم (38521) .
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/851)
إذا فسدت صلاته أو قطعها فهل يسلّم
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا فسدت الصلاة أو قطع المصلي صلاة النافلة ليدخل مع الإمام في الصلاة فهل يسلم من الصلاة أم ماذا يفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا عرض للمصلي عارض وهو في صلاته يقتضي منه الخروج من صلاته، كمن شرع في صلاة نفل فأقيمت الصلاة فإنه في هذه الحالة يكتفي بنية قطع الصلاة، ولا يسلم، لأن محل السلام هو آخر الصلاة، لقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم) رواه أصحاب السنن إلا النسائي بسند صحيح.
أما من فسدت صلاته فإنه ينصرف من صلاته بلا سلام ولا نية لأن الصلاة قد فسدت.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى الشيخ عبد العزيز آل الشيخ. مجلة البحوث الإسلامية (61/82) .(5/852)
إذا لم يسجد على الأعضاء السبعة جميعها بطلت صلاته
[السُّؤَالُ]
ـ[يُشاهد بعض المصلين أنه في أثناء سجوده يرفع إحدى قدميه أو كليهما، فما حكم هذا الفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب على الساجد أن يسجد على الأعضاء السبعة التي أمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالسجود عليها، وهي الوجه، ويشمل (الجبهة والأنف) ، والكفان والركبتان، وأطراف القدمين. اهـ.
قال النووي: لَوْ أَخَلَّ بِعُضْوٍ مِنْهَا لَمْ تَصِحّ صَلاته. اهـ من شرح مسلم.
وقال الشيخ ابن عثيمين:
" لا يجوز للساجد أن يرفع شيئاً من أعضائه السبعة. لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ عَلَى الْجَبْهَةِ وَأَشَارَ بِيَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ) رواه البخاري (812) ومسلم (490) ، فإن رفع رجليه أو إحداهما، أو يديه أو إحداهما، أو جبهته أو أنفه أو كليهما، فإن سجوده يبطل ولا يعتد به، وإذا بطل سجوده فإن صلاته تبطل.
لقاءات الباب المفتوح للشيخ ابن عثيمين (2/99) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/853)
زيادة (والشكر) بعد الرفع من الركوع
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الناس يزيد كلمة " والشكر " بعد قوله " ربنا ولك الحمد "، فما رأي فضيلتكم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ ابن عثيمين:
لا شك أن التقييد بالأذكار الواردة هو الأفضل، فإذا رفع الإنسان من الركوع فليقل: ربنا ولك الحمد ولا يزد "والشكر" لعدم ورودها.
والصفات الواردة في الرفع من الركوع أربع:
1- ربنا ولك الحمد.
2- ربنا لك الحمد.
3- اللهم ربنا لك الحمد.
4- اللهم ربنا ولك الحمد.
فهذه الصفات الأربع تقولها لكن لا جميعاً، ولكن تقول هذه مرة وهذه مرة، ففي بعض الصلوات تقول: ربنا ولك الحمد، وفي بعض الصلوات تقول: ربنا لك الحمد، وفي بعضها: اللهم ربنا لك الحمد، وفي بعضها: اللهم ربنا ولك الحمد.
وأما الشكر فليست واردة فالأولى تركها اهـ بتصرف يسير.
[الْمَصْدَرُ]
"فتاوى أركان الإسلام" (ص326) .(5/854)
وجوب تسوية الصفوف
[السُّؤَالُ]
ـ[أرى بعض المصلين ممن يتأخرون عن الصف قليلاً، فما حكم ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
السنة تسوية الصفوف بل قال بعض العلماء إن تسوية الصف واجبة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى رجلاً بادياً صدره قال: (لتُسوّن صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم) البخاري في الأذان (717) وهذا وعيد ولا وعيد إلا على فعل محرم أو ترك واجب والقول بوجوب تسوية الصفوف قول قوي وقد ترجم البخاري رحمه الله على ذلك، بقوله: باب إثم من لم يتم الصفوف. البخاري في الأذان باب 75 (2/245 فتح)
[الْمَصْدَرُ]
كتاب الدعوة 5 ابن عثيمين 2/91(5/855)
يقيمون في مكان العمل 28 يوماً، فهل يقصرون الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن جماعة نعمل في مكان بعيد عن منازلنا وأهلينا، وفي مكان خالٍ من السكان والمرافق والمساجد , والمدة التي نقضيها في العمل تساوي المدة التي نقضيها في بيوتنا , أي أننا نعمل 28 يوماً مقابل 28 يوماً كعطلة، ويتم هذا طوال السنة، كما أننا نعمل 12 ساعة يوميّاً. هل يجوز لنا قصر وجمع الصلاة مدة تواجدنا في العمل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز قصر الصلاة إلا للمسافر، والمسافر إذا نوى إقامة أكثر من أربعة أيام ليس له أن يترخص برخص السفر.
وعلى هذا، فليس لكم قصر الصلاة ولا الجمع بين الصلاتين، بل يلزمكم إتمامها، وأداء كل صلاة في وقتها، لأنكم تعلمون أنكم ستقيمون في مكان العمل 28 يوماً.
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (8/95) :
"المسافر الذي نوى الإقامة ببلد أكثر من أربعة أيام لا يقصر الصلاة، وإذا كانت الإقامة دون هذه المدة فإنه يقصر الصلاة" اهـ.
وسئل الشيخ ابن باز رحمه لله: ما رأي سماحتكم في السفر المبيح للقصر هل هو محدد بمسافة معينة؟ وما ترون فيمن نوى إقامة في سفره أكثر من أربعة أيام هل يترخص بالقصر؟ فأجاب:
" جمهور أهل العلم على أنه محدد بمسافة يوم وليلة للإبل والمشاة السير العادي وذلك يقارب 80 كيلو، لأن هذه المسافة تعتبر سفراً عرفاً بخلاف ما دونها.
ويرى الجمهور أيضاً أن من عزم على الإقامة أكثر من أربعة أيام وجب عليه الإتمام والصوم في رمضان.
وإذا كانت المدة أقل من ذلك فله القصر والجمع والفطر، لأن الأصل في حق المقيم هو الإتمام وإنما يشرع له القصر إذا باشر السفر " فتاوى ابن باز (12/270) .
وسئلت اللجنة الدائمة عن: رجل يبعد عن أهله بسبب العمل بمسافة تبيح القصر، هل يجوز له أن يقصر الصلاة في الطريق فقط، حينما يكون يتردد بين أهله ومحل عمله؟ مع العلم أنه من أول مرة كان قد نوى إقامة شهر مثلا. فأجابت:
"له أن يقصر ويجمع في الطريق، مادام أن المسافة بين مقر عمله وأهله مسافة قصر، وإذا نوى الإقامة في مقر عمله شهراً فإنه لا يترخص برخص السفر في مقر عمله، بل يصلي كل صلاة في وقتها كاملة" اهـ. " فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " (8 / 94، 95) .
وسئلت اللجنة الدائمة (8/109) عمن يسافر إلى بلد آخر لمدة سنتين هل يقصر الصلاة؟
فأجابت: الأصل أن المسافر بالفعل هو الذي يرخص له في قصر الرباعية؛ لقوله تعالى: (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة) ، ولقول يعلى بن أمية: قلت لعمر بن الخطاب رضي الله عنهم ا: (ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) فَقَدْ أَمِنَ النَّاسُ. فقال: عجبت مما عجبت منه، فسألت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: (هي صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته) رواه مسلم.
ويعتبر في حكم المسافر بالفعل من أقام أربعة أيام بلياليها فأقل، لما ثبت من حديث جابر وابن عباس رضي الله عنهم أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدم مكة لصبح رابعة من ذي الحجة في حجة الوداع، فأقام صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اليوم الرابع والخامس والسادس والسابع، وصلى الفجر بالأبطح اليوم الثامن، فكان يقصر الصلاة في هذه الأيام، وقد أجمع النية على إقامتها كما هو معلوم، فكل من كان مسافراً ونوى أن يقيم مدة مثل المدة التي أقامها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو أقل منها قصر الصلاة، ومن نوى الإقامة أكثر من ذلك أتم الصلاة؛ لأنه ليس في حكم المسافر" اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/856)
انتظار الإمام المأمومين في أثناء الركوع
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يلزم الإمام الانتظار إذا سمعهم يجرون في أثناء الركوع أو في نهاية التشهد الأخير؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأفضل عدم العجلة، الأفضل أن يتأنى الإمام على وجه لا يشق على المأمومين، لأن مراعاة المأمومين الأولين أهم، فينبغي له أن يراعيهم لكن إذا تأنى قليلاً حتى يدرك القادم الركوع أو السجود أو التشهد مع الإمام فهذا أفضل وأولى بالإمام.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى إسلامية ابن باز (1/218)(5/857)
المدخنة أمام المصلين
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم وضع مدخنة البخور أمام المصلين في المسجد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في ذلك، ولا يدخل هذا فيما ذكره بعض الفقهاء من كراهة استقبال النار، فإن الذين قالوا بكراهة استقبال النار عللوا هذا بأنه يشبه المجوس في عبادتهم للنيران، فالمجوس لا يعبدون النار على هذا الوجه وعلى هذا فلا حرج من وضع حامل البخور أمام المصلي، ولا من وضع الدفايات الكهربائية أمام المصلي أيضاً ولاسيما إذا كانت أمام المأمومين وحدهم دون الإمام.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب الدعوة /5 الشيخ ابن عثيمين 2/90(5/858)
تنبيه الإمام حتى ينتظر
[السُّؤَالُ]
ـ[اسمع من بعض الناس إذا دخل المسجد والإمام راكع يقولون إن الله مع الصابرين، حتى يطيل الإمام في الركعة ليركعوها، هل هذا جائز؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا لا أصل له، ولم يكن في عهد الصحابة رضي الله عنهم، ولا من هديهم، وفيه أيضاً تشويش على المصلين الذين مع الإمام، والتشويش على المصلين منهي عنه، لأنه يليهم.
خرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة على أصحابه وهم يصلون ويرفعون أصواتهم بالقراءة، فنهاهم عن ذلك، وقال: (لا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن) مالك في الموطأ في الصلاة (29) ، وفي حديث آخر: (لا يؤذين بعضكم بعضاً ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة) أبو داود في الصلاة (1332) ، وهذا يدل على أن كل ما يشوش على المأمومين في صلاتهم فإنه منهي عنه لما في ذلك من الإيذاء والحيلولة بين المصلين وبين صلاته.
أما بالنسبة للإمام فإن الفقهاء رحمهم الله يقولون: إذا أحس الإمام بداخل في الصلاة فإنه ينبغي انتظاره، ولا سيما إذا كان في الركعة الأخيرة لأن الركعة الأخيرة بها تدرك الجماعة: لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) البخاري في المواقيت (580) ، ومسلم في المساجد (607) لكن إن شق على المأمومين فلا ينتظر لأنهم أحق بالمراعاة من الداخل لسبقهم عليه.
[الْمَصْدَرُ]
مختارات من فتاوى الصلاة للشيخ ابن عثيمين ص 73(5/859)
أتمم ما نسيت مادام الوقت قصيراً
[السُّؤَالُ]
ـ[صليت الظهر وبعد ذلك تذكرت أني صليت ثلاث ركعات فقط، هل أصلي الرابعة وأسجد للسهو أو أعيد الصلاة كاملة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
متى ترك المصلي ركعة من صلاته أو أكثر، ثم تذكر وهو في مصلاه أو في المسجد بعد وقت قصير كخمس دقائق ونحوها فإنه يكمل الصلاة فيأتي بما ترك، ثم يسلم ثم يسجد للسهو ثم يسلم أيضاً، فإن لم يتذكر إلا بعد طول الفصل كنصف ساعة أو بعد الخروج من المسجد وطول المدة فإنه يعيد الصلاة كلها ويلغي الأولى لعدم الموالاة بين الركعات.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى المرأة للشيخ ابن جبرين ص 71(5/860)
معيار الإطالة والتخفيف في الصلاة السنة وليس الأهواء
[السُّؤَالُ]
ـ[شكا لي بعض المأمومين من أنني أطيل الوقوف بعد الرفع من الركوع لأنني أقرأ الذكر الوارد كله بعد الرفع من الركوع ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ... الخ هل هناك دعاء مختصر يقرأ بعد الرفع من الركوع حتى لا نشق على الناس؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب على الإمام وكل من أقيم على عمل من الأعمال أن يراعي جانب السنة فيه، وألا يخضع لأحد لمخالفة السنة، ولا بأس إذا دعت الضرورة والحاجة أحياناً أن يخفف كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك، أما في الأحوال الدائمة المستمرة فلزوم السنة هو مقتضى الإمامة، فكن ملازماً لفعل السنة وأخبر الناس أنهم إذا صبروا على هذا نالوا ثواب الصابرين على طاعة الله، ولو ترك التخفيف وعدمه إلى أهواء الناس لتفرقت الأمة شيعاً ولكن الوسط عند قوم تطويلاً عند آخرين، فعليك بما جاء في السنة وهي معروفة ولله الحمد.
ولهذا انصح كل إمام يتولى إمامة المسلمين في المساجد أن يحرص على قراءة ما كتبه العلماء في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم مثل كتاب الصلاة لابن القيم وهو كتاب معروف، وكذلك ما ذكره رحمه الله في كتاب زاد المعاد في هدي خير العباد.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب الدعوة 5، ابن عثيمين 2/90(5/861)
تأخير الصلاة إلى الليل بحجة العمل
[السُّؤَالُ]
ـ[كثير من العمال يؤخرون صلاة الظهر والعصر إلى الليل معللين ذلك بأنهم منشغلون بأعمالهم أو أن ثيابهم نجسة أو غير نظيفة فبماذا توجهونهم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للمسلم أو المسلمة تأخير الصلاة المفروضة عن وقتها بل يجب على كل مسلم ومسلمة من المكلفين أن يؤدوا الصلاة في وقتها حسب الطاقة.
وليس العمل عذراً في تأخيرها، وهكذا نجاسة الثياب ووساختها كل ذلك ليس بعذر.
وأوقات الصلاة يجب أن تستثنى من العمل، وعلى العامل وقت الصلاة أن يغسل ثيابه من النجاسة أو يبدلها بثياب طاهرة، أما الوسخ فليس مانعاً من الصلاة فيها إذا لم يكن ذلك الوسخ من النجاسات أو فيه رائحة كريهة تؤذي المصلين، فإن كان الوسخ يؤذي المصلين بنفسه أو رائحته وجب على المسلم غسله قبل الصلاة أو إبداله بغيره من الثياب النظيفة حتى يؤدي الصلاة مع الجماعة.
ويجوز للمعذور شرعاً كالمريض والمسافر أن يجمع بين الظهر والعصر في وقت إحداهما، وبين المغرب والعشاء في وقت إحداهما.
كما صحت بذلك السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم وهكذا يجوز الجمع في المطر والوحل الذي يشق على الناس
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى مهمة تتعلق بالصلاة للشيخ ابن باز ص 19(5/862)
حكم أخذ المصحف من المسجد ومد الظهر جداً في أثناء السجود، والعبث في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من أخذ مصحفاً من المسجد إلى البيت خاصة إذا حصل تردد من ذلك؟
وكذلك ما حكم مد الظهر جداً في أثناء السجود؟
وما حكم رفع الصوت بالقراءة قبل الصلاة؟
وما حكم العبث باللحى والثياب في أثناء الصلاة بدون حاجة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أما أخذ المصحف من المسجد فلا يجوز لأن مصاحف المسجد تبقى في المسجد ولا تؤخذ.
وأما مد الظهر جداً أثناء السجود فلا ينبغي ولكن في المسجد ينبغي أن يكون الظهر معتدلاً، لا يمدده مرة ويقعره مرة، بل يكون معتدلاً رافعاً يديه عن الأرض، ويفرج عضديه عن جنبه، ويرفع بطنه عن فخذيه أي: يعتدل في السجود بحيث لا يمده طويلاً ويقعره بل يتوسط.
وأما رفع الصوت بالقراءة قبل الصلاة فإنه لا يرفع صوته إذا كان عنه أحد، بل يقرأ بينه وبين نفسه كي لا يؤذي الناس، ولا يشغل المصلين، ولا يشغل القراء، ولكن يرفع بحيث يكون خفيفاً.
وأما العبث باللحى والثياب أثناء الصلاة فإنه مكروه بل السنة السكون، قال تعالى: (قد أفلح المؤمنون، الذين هم في صلاتهم خاشعون) المؤمنون/1-2، فعليه أن يخشع في صلاته، ولا يعبث لا باللحية ولا بالثوب، إنما يعفى عن الشيء اليسير للحاجة، وأما الكثير فلا يجوز إلا للضرورة.
[الْمَصْدَرُ]
مختار من فتاوى الصلاة للشيخ ابن عثيمين ص 14(5/863)
رفع اليدين في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[بخصوص الحديث الصحيح المتواتر عن رفع اليدين قبل وبعد الركوع في الصلاة.
هذا حديث صحيح يوجد في صحيح البخاري وصحيح مسلم وسنن أبي داود.
لماذا لا يقبل الأحناف بهذا الحديث؟ ما هو سبب رفضهم لهذا الحديث؟
سؤال متعلق بالموضوع: هل هذا الحديث لم يبلغ الإمام أبو حنيفة رحمه الله ذلك الوقت؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث الذي أشار إليه السائل لفظه كما رواه البخاري (735) ومسلم (390) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلاةَ، وَإِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا كَذَلِكَ.
وقد عمل جمهور العلماء بهذا الحديث، فقالوا باستحباب رفع المصلي يده في هذه المواضع المذكورة في الحديث.
وقد صنف الإمام البخاري رحمه الله كتابا مفردا في هذه المسألة سماه (جزء في رفع اليدين) أثبت فيه الرفع في هذين الموضعين، وأنكر إنكارا شديدا على من خالف ذلك. وروى فيه عن الحسن أنه قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفعون أيديهم في الصلاة إذا ركعوا وإذا رفعوا. قال البخاري ولم يستثن الحسن أحدا، ولم يثبت عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يرفع يديه اهـ انظر المجموع للنووي (3/399-406) .
وأحاديث رفع اليدين لا ندري هل بلغت أبا حنيفة رحمه الله أو لم تبلغه، إلا أنها بلغت أتباعه، ولكنهم لم يعملوا بها، لأنها عارضت عندهم أحاديث وآثاراً أخرى رويت في ترك رفع اليدين فيما سوى تكبيرة الإحرام.
منها: ما رواه أبو داود (749) عَنْ الْبَرَاءِ بن عازب أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَى قَرِيبٍ مِنْ أُذُنَيْهِ ثُمَّ لَا يَعُودُ.
ومنها: ما رواه أبو داود (748) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: أَلا أُصَلِّي بِكُمْ صَلاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَصَلَّى فَلَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ إِلا مَرَّةً. انظر نصب الراية للزيلعي (1/393-407) .
وهذه الأحاديث ضعفها أئمة الحديث وحفاظه.
فحديث البراء ضعفه سفيان بن عيينة والشافعي والحميدي شيخ البخاري وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين والدارمي والبخاري وغيرهم.
وأما حديث ابن مسعود فضعفه عبد الله بن المبارك وأحمد بن حنبل والبخاري والبيهقي والدارقطني وغيرهم.
وكذلك الآثار التي رووها عن بعض الصحابة في ترك الرفع كلها ضعيفة، وقد تقدم قول البخاري رحمه الله: ولم يثبت عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يرفع يديه اهـ. انظر تلخيص الحبير للحافظ ابن حجر (1/221-223) .
وإذا ثبت ضعف هذه الأحاديث والآثار في ترك الرفع، فتبقى الأحاديث المثبتة للرفع لا معارض لها، ولذلك ينبغي للمؤمن أن لا يترك رفع اليدين في المواضع الواردة في السنة، وليحرص على أن تكون صلاته كصلاة النبي صلى الله عليه وسلم القائل: (صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي) رواه البخاري (631) . ولذلك قال علي بن المديني – شيخ البخاري -: حق على المسلمين أن يرفعوا أيديهم عند الركوع وعند الرفع منه. قال البخاري: وكان علي أعلم أهل زمانه اهـ.
ولا يجوز لأحد بعد تبين السنة ووضوحها أن يترك العمل بها تقليدا لمن قال ذلك من العلماء، قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: أجمع العلماء على أن من استبانت له سنة النبي صلى الله عليه وسلم لم يحل له أن يدعها لقول أحد اهـ. مدارج السالكين (2/335) .
(وإذا كان الرجل متبعا لأبى حنيفة أو مالك أو الشافعي أو أحمد ورأى في بعض المسائل أن مذهب غيره أقوى فاتبعه كان قد أحسن في ذلك ولم يقدح ذلك في دينه ولا عدالته بلا نزاع، بل هذا أولى بالحق وأحب إلى الله ورسوله) اهـ قاله شيخ الإسلام رحمه الله في الفتاوى (22/247) :
ويُعتذر عن العلماء الذين قالوا بعدم الرفع بأنهم مجتهدون، ولهم أجر على اجتهادهم وتحريهم للحق، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَبَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ) رواه البخاري (7352) ومسلم (1716) . وانظر رفع الملام عن الأئمة الأعلام لشيخ الإسلام ابن تيمية.
تنبيه:
هناك موضع رابع يستحب فيه رفع اليدين في الصلاة وهو إذا قام من التشهد الأول إلى الركعة الثالثة. يراجع سؤال رقم (3267) .
وفقنا الله تعالى جميعا لمعرفة الحق واتباعه.
والله تعالى أعلم، وصلى وسلم على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/864)
التسليم من الصلاة واحدة أم اثنتان؟
[السُّؤَالُ]
ـ[عند الانتهاء من الصلاة هل نسلم تسليمة واحدة أو تسليمتين؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الشيخ ابن باز رحمه الله:
ذهب الجمهور من أهل العلم إلى أن التسليمة الواحدة كافية لأنه قد ورد في بعض الأحاديث ما يدل على ذلك، وذهب جمع من أهل العلم إلى أنه لا بد من تسليمتين لثبوت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، ولقوله: (صلوا كما رأيتموني أصلي) رواه البخاري في صحيحه. وهذا القول هو الصواب.
والقول بإجزاء التسليمة الواحدة ضعيف لضعف الأحاديث الواردة في ذلك، وعدم صراحتها في المطلوب، ولو صحت لكانت شاذة لأنها قد خالفت ما هو أصح منها وأثبت وأصرح، لكن من فعل ذلك – يعني: سلم تسليمة واحدة - جاهلاً أو معتقداً لصحة الأحاديث في ذلك فصلاته صحيحة. والله ولي التوفيق اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب تحفة الإخوان ص: 112.(5/865)
حديث (لا صلاة لمسبل) ، وحكم صلاة المسبل
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت حديثا يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة لمسبل) هل المقصود بالمسبل هنا المسبل في الصلاة أم المسبل في الحياة العامة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ورد في الحديث الذي رواه أبو داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ بَيْنَمَا رَجُلٌ يُصَلِّي مُسْبِلا إِزَارَهُ إِذْ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اذْهَبْ فَتَوَضَّأْ......فَقَالَ: (إِنَّهُ كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ مُسْبِلٌ إِزَارَهُ وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لا يَقْبَلُ صَلاةَ رَجُلٍ مُسْبِلٍ إِزَارَهُ) رواه أبو داود (الصلاة / 543) وضعَفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود برقم (124) .
أما صحَّة الصلاة فقد سئل عن ذلك الشيخ ابن عثيمين فقال:
إذا كان الثوب نازلاً عن الكعبين فإنه محرّم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أسفل الكعبين من الإزار ففي النار) . وما قاله النبي صلى الله عليه وسلم في الإزار فإنه يكون في غيره.
وعلى هذا يجب على الإنسان أن يرفع ثوبه وغيره من لباسه عما تحت كعبيه، وإذا صلى به وهو نازل تحت الكعبين فقد اختلف أهل العلم في صحّة صلاته:
فمنهم من يرى أن صلاته صحيحة، لأن هذا الرجل قد قام بالواجب وهو ستر العورة.
ومنهم من يرى أن صلاته ليست بصحيحة، وذلك لأنه سَتَرَ عورته بثوب محرّم، وجعل هؤلاء من شروط الستر أن يكون الثوب مباحاً، فالإنسان على خطر إذا صلى في ثياب مسبلة فعليه أن يتَّقي الله عز وجل وأن يرفع ثيابه حتى تكون فوق كعبيه. فتاوى الشيخ ابن عثيمين ج/12 ص/306.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/866)
كيف تصلي المرأة في الأماكن العامة
[السُّؤَالُ]
ـ[ي هل يجوز للمرأة أن تصلي وفي المكان رجال أجانب يرونها من أمامها ومن خلفها كما الحال عندما تكون في رحلة أو نزهة أو في المطار ويخشى خروج الوقت؟ وكيف تكون صفة صلاتها في هذه الحالة؟ جزاكم الله كل الخير.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا اضطرت المرأة إلى الصلاة في الأماكن العامة، والرجال يمرُّون عليها ويرونها فإنها تغطي جميع بدنها وتصلي في الوقت. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/867)
الأماكن التي ينهى عن الصلاة فيها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يمكنكم أن تخبروني بالأماكن السبع المحرمة التي لا يجوز الصلاة فيها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لعلك تقصدين الحديث الذي رواه الترمذي (346) وابن ماجة (746) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُصَلَّى فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ: فِي الْمَزْبَلَةِ، وَالْمَجْزَرَةِ، وَالْمَقْبَرَةِ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَفِي الْحَمَّامِ، وَفِي مَعَاطِنِ الْإِبِلِ، وَفَوْقَ ظَهْرِ بَيْتِ اللَّهِ) غير أن هذا الحديث ضعيف.
قَالَ الترمذي عقبه: "وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ إِسْنَادُهُ لَيْسَ بِذَاكَ الْقَوِيِّ".
وكذا ضعفه أبو حاتم الرازي – كما في "العلل" لابنه (1/148) ، وابن الجوزي في "العلل المتناهية" (1/399) ، والبوصيري في "مصباح الزجاجة" (1/95) ، والحافظ في "التلخيص" (1/531-532) ، والألباني في "الإرواء" (1/318) .
وعلى هذا، لا يصح الاستدلال بهذا الحديث الضعيف على النهي عن الصلاة في هذه المواطن، إلا أن بعض هذه المواطن قد ثبت النهي عن الصلاة فيها في أحاديث أخرى صحيحة، كالحديث الذي رواه أبو داود (492) والترمذي (317) وابن ماجة (745) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ إِلَّا الْمَقْبَرَةَ وَالْحَمَّامَ) .
قال شيخ الإسلام رحمه الله: إسناده جيد. "اقتضاء الصراط المستقيم" (ص 332) ، وصححه الألباني في "الإرواء" (1/320) .
وبعض هذه المواطن يحتاج الكلام فيها إلى شيء من التفصيل:
1- المزبلة.
وهي ملقى الزبالة وهي الكناسة، وقد تكون فيها نجاسة، فينهى عن الصلاة فيها من أجل نجاستها.
ثم على فرض طهارتها فهي مكان مستقذر، لا يليق أن يقف المسلم فيه بين يدي الله تعالى.
2- المجزرة.
وهو الموضع الذي تذبح فيه البهائم، وذلك لتلوث المكان بالنجاسات ـ كالدم ـ والقذارات.
فإذا كان في المجزرة مكان نظيف طاهر فتصح الصلاة فيه.
3- المقبرة.
وهي موضع القبور، ونهي عن الصلاة فيها لئلا يتخذ ذلك ذريعة إلى عبادة القبور، أو التشبه بمن يعبد القبور.
ويستثنى من ذلك: صلاة الجنازة، فإنها تصح في المقبرة، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على المرأة التي كانت تنظف المسجد بعد ما دفنت في قبرها. رواه البخاري (460) ومسلم (956) .
ومما ينهى عن الصلاة فيه أيضاً: المسجد المبني على قبر، لما تواتر من لعن النبي صلى الله عليه وسلم من اتخذ القبور مساجد، ونهيه عن ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"فهذه المساجد المبنية على قبور الأنبياء والصالحين والملوك وغيرهم يتعين إزالتها بهدم أو بغيره، هذا مما لا أعلم فيه خلافا بين العلماء المعروفين، وتكره الصلاة فيها من غير خلاف أعلمه، ولا تصح عندنا في ظاهر المذهب؛ لأجل النهي واللعن الوارد في ذلك، ولأحاديث أخر" انتهى.
"اقتضاء الصراط" (ص 330) .
4- قارعة الطريق.
وهو الطريق الذي يسلكه الناس، أما الطريق المهجور، أو جانب الطريق الذي لا يسلكه الناس فلا ينهى عن الصلاة فيه.
وسبب النهي عن الصلاة في قارعة الطريق: أنه يضيق على الناس ويمنعهم من المرور، ويشغل نفسه فيحصل له تشويش يمنعه من كمال صلاته.
والصلاة في قارعة الطريق مكروهة، وقد تكون حراماً إذا كان يضر الناس بمنعهم من المرور أو يعرض نفسه للضرر بالحوادث وغيرها.
ويستثنى من ذلك: موضع الحاجة أو الضرورة كصلاة الجمعة أو العيد في الطريق إذا امتلأ المسجد، وعلى هذا جرى عمل المسلمين.
5- الحمام.
وهو مكان الاغتسال المعروف.
وقد ثبت النهي عن الصلاة في الحمام في حديث أبي سعيد المتقدم، وهو يدل على بطلان الصلاة فيه.
وعلة النهي عن الصلاة فيه: أنه تأوي إليه الشياطين، وتكشف فيه العورات.
وظاهر الحديث أن النهي شامل لكل ما يدخل في اسم "الحمام". فلا فرق بين المكان الذي يُغتسل فيه، أو توضع فيه الثياب.
وإذا نُهي عن الصلاة في الحمام فالنهي عن الصلاة في الحُش (وهو موضع قضاء الحاجة) من باب أولى، وإنما لم يرد النهي عن الصلاة في الحش لأن كل عاقل سمع النبي صلى الله عليه وسلم ينهي عن الصلاة في الحمام علم أن الصلاة في الحش أولى بهذا النهي.
ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"ولم يرد في الحشوش نص خاص [يعني بالنهي عن الصلاة فيها] لأن الأمر فيها كان أظهر عند المسلمين أن يحتاج إلى دليل" انتهى.
"مجموع الفتاوى" (25/240) .
6- معاطن الإبل.
وهي الأماكن التي تأوي إليها (الحظيرة) ويشمل أيضاً: المكان الذي تجتمع فيه بعد صدورها من الماء.
وعلة النهي: أن معاطن الإبل مأوى الشياطين، وإذا كانت الإبل موجودة فيها فإنها تشوش على المصلي وتمنعه من كمال الخشوع لأنه يخشى من أذيتها له.
7- فوق ظهر بيت الله.
قال العلماء الذين نهوا عن ذلك، لأنه لا يكون مستقبل جهة القبلة وإنما يكون مستقبل لبعضها، لأن بعض الكعبة سيكون خلف ظهره.
وذهب آخرون إلى صحة الصلاة فوق الكعبة، لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى داخلها عام الفتح، فالصلاة فوقها مثلها. والواقع أن الصلاة فوق ظهر الكعبة اليوم غير متيسرة.
ومن الأماكن التي ينهى عن الصلاة فيها أيضاً:
8- الأرض المغصوبة.
فمن غصب أرضاً حرم عليه الصلاة فيها بإجماع العلماء.
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (3/169) :
" الصَّلَاةُ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ " انتهى.
وانظر لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم (104429) .
وانظر: "الشرح الممتع" (2/237 – 260) ، "شرح بلوغ المرام لابن عثيمين" (1/518 – 522) ، "حاشية ابن قاسم" (1/537 – 547) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/868)
انكشف جزء من بدنها في الصلاة ثم سترته في الحال
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الصلاة إذا انكشف شيء من جسد المرأة كنحرها أو شعرها أو رقبتها بدون قصد وسارعت أثناء الصلاة بستره هل تعيد الصلاة أو ماذا عليها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ستر العورة شرط لصحة الصلاة عند جمهور العلماء رحمهم الله، سواء كان ذلك في حق الرجل أو المرأة، وينظر جواب السؤال (1046) في حد عورة المرأة في الصلاة.
ومما يدل على ذلك، ما روته عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار) رواه أبو داود والترمذي , وصححه الألباني في "سنن أبي داود".
وقال ابن عبد البر: "احتج من قال الستر من فرائض الصلاة , بالإجماع على إفساد من ترك ثوبه وهو قادر على الاستتار به , وصلى عرياناً , قال: وهذا أجمعوا عليه كلهم " انتهى. ينظر "المغني" (1/337) .
ثانياً:
من صلى ساتراً لعورته إلا أنه انكشف شيء منها بغير قصد منه ثم ستر في الحال، صحت صلاته، سواء كان رجلاً أو امرأة، وسواء في ذلك العورة المخففة أو المغلظة، وسواء كان المنكشف كثيراً أم قليلاً.
قال في "كشاف القناع" (1/269) : ولا تبطل الصلاة بكشف يسير من العورة بلا قصد ... ولو كان الانكشاف اليسير في زمن طويل، وكذا لا تبطل الصلاة إن انكشف من العورة شيء كثير في زمن قصير , فلو أطارت الريح سترته عن عورته , فظهر منها ما لم يُعْفَ عنه لو طال زمنه لفُحْشه ولو كان الذي انكشف كل العورة، فأعادها سريعاً بلا عمل كثير لم تبطل صلاته , لقصر مدته أشبه اليسير في الزمن الطويل، فإن احتاج في أخذ سترته لعمل كثير بطلت صلاته " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "إذا انكشف كثير وستره في زمن يسير، فإن صلاته لا تبطل، ويُتَصَوَّرُ ذلك فيما لو هبَّت ريحٌ، وهو راكع وانكشف الثَّوب، ولكن في الحال أعاده، فظاهر كلام المؤلِّف أن الصَّلاة تبطل، والصَّحيح: أنها لا تبطل؛ لأنه ستره عن قُرْب، ولم يتعمَّد الكشف، وقد قال تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/16" انتهى من "الشرح الممتع" (2/75) .
وعلى هذا؛ فصلاتك صحيحة، ما دام حصل الستر في الحال، فلا تلزمك الإعادة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/869)
تركت القيام في الصلاة وهي حامل لجهلها بحكمه، ولمشقة ذلك عليها
[السُّؤَالُ]
ـ[زوجتي كانت حاملاً بطفلتي الأولى، قبل تسع سنوات تقريباً، وكانت تعاني في حملها معاناة شديدة، فكانت تصلي جالسة غالب الصلوات، ولكنها أحيانا كانت تستطيع القيام في الصلاة، ولكنها تفضل الصلاة جالسة؛ لجهلها بالحكم، ولعدم زيادة الألم من جهة أخرى. الآن ماذا عليها أن تفعل، هل تعيد تلك الصلوات أم ماذا عليها أن تفعل؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الواجب على المسلم أن يصلي حسب طاقته، وقدرته، فيصلي ابتداء قائماً، فإن لم يستطع فقاعداً، فإن لم يستطع فعلى جنبه؛ لقول الله عز وجل: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن / 16، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين - وقد أصابته " البواسير " -: (صَلِّ قَائِماً، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِع فَقَاعَداً، فَإِنْ لَمْ تَْستَطِع فَعَلَى جَنْبٍ) رواه البخاري (1066) .
ثانياً:
متى قدر المريض في أثناء صلاته الفريضة على ما كان عاجزاً عنه، من قيام، أو قعود، أو ركوع، أو سجود، أو إيماء: انتقل إليه، وبنى على ما مضى من صلاته.
وإذا كان القيام يسبّب زيادة في المرض، أو تأخيراً في البرء منه: فلا بأس بالصلاة جالساً، ولكن لا تصح الصلاة جالساً مع القدرة على القيام؛ لأن القيام ركن.
ويُنظر جوابا السؤالين: (9307) و (13822) .
ثالثاً:
يجب العلم بأنه لا يعذر بالجهل من عنده القدرة على تعلم ما هو واجب عليه من ضروريات الدين ولم يتعلمه، كالصلاة لعموم المكلفين بها، وكالزكاة لمن ملك مالاً، فإذا كان بإمكانه أن يتعلم بسؤال أهل العلم، ولم يفعل: فهو مقصر، وعليه إثم التقصير.
رابعاً:
إذا كان المكلّف معذوراً بجهله، فترك شرطاً من شروط صحة الصلاة، أو ترك ركناً من أركانها: فليس عليه قضاء ما خرج وقته من الصلوات، وعليه قضاء الصلاة التي يبلغه فيها العلم قبل خروج وقتها، ودليل ذلك:
أ. أما في ترك الشرط جهلاً به: فهو ما وقع لعمر بن الخطاب في تركه للصلوات لما أجنب؛ ظانّاً عدم جوازه، والحديث رواه البخاري (339) ومسلم (368) .
ب. وأما في ترك شيء من أركان الصلاة جهلاً بها: فهو ما وقع للصحابي الذي ترك الطمأنينة في الأركان، فحكم النبي صلى الله عليه وسلم على صلاته بالبطلان، ولم يأمره إلا بإعادة الصلاة نفسها، دون ما سبقها من صلوات.
وانظر الحديث كاملاً في جوابي السؤالين: (6834) و (12683) .
وانظر تفصيلاً أوفى للمسألة في جواب السؤال رقم: (45648) .
والخلاصة بخصوص زوجتك:
1. ليس عليها إثم، ولا قضاء في حال صلّت جالسة بسبب تعب حملها، ومشقة القيام عليها.
3. عليها إثم الصلاة جالسة في حال استطاعت الصلاة قائمة من غير مشقة، ويرتفع عنها الإثم في حال جهلها بهذا الحكم، أو كانت تظن أنه يجوز لمن كن في مثل حالها أن يصلي جالسا، أو كانت تخشى، إن هي صلت قائمة، من زيادة الألم فوق ما تحتمله عادة.
وعلى كل حال: فليس عليها قضاء ما فات من هذه الصلوات، لكن عليها أن تستغفر الله من تقصيرها، وتجتهد في استدارك ما فاتها بما استطاعت من النوافل.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/870)
الانحراف اليسير عن القبلة، وتوسط الإمام بالنسبة للصف
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد عندنا في العمل مسجدان قام ببنائهما الموظفون، وكلا المسجدين منحرف عن القبلة، وواحد منهما فيه زيادة في جهة اليسار عن المحراب بحيث الذين يصفون من جهة اليسار يصلون إلى عشرين فرداً، والذين يصفون في جهة اليمين يصلون إلى عشرة فقط، والإخوان جميعاً يعلمون عن انحراف المسجد عن القبلة، وكذلك من يؤمنا، فما حكم الصلاة في هذه المساجد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا كان الانحراف يسيراً فلا يضر الانحراف اليسير، يُعفى عنه عند أهل العلم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ) ، يقوله في حق أهل المدينة ونحوهم، فهكذا في الشرق ما بين الشمال والجنوب قبلة، وهكذا في الغرب ما بين الجنوب والشمال قبلة، فالمقصود أن الانحراف اليسير والميل اليسير الذي لا يخرجه عن الجهة هذا يعفى عنه.
أما إذا انحرف إلى الجهة الأخرى فهذا هو الذي لا يعفى عنه، وأما الانحراف اليسير فيعفى عنه.
وتوسط الإمام هو السنة، وإذا كان المحراب غير متوسط فالمشروع أن يوسطوه وينقلوه إلى وسط المسجد لا إلى جهة أبعد من الوسط، فيكون الجماعة عنه على حد سواء فإذا كان الصف ثلاثين يكون عنه من هنا خمسة عشر وعنه من هنا خمسة عشر ويكون متوسطاً، هذا هو السنة، وهذا هو المشروع" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (2/737) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/871)
الخشوع في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح بأن الصلاة التي ليس فيها خشوع تام لله عز وجل لا يقبلها منا أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المطلوب من المصلي أن يخشع في صلاته، ويقبل عليها، لأن الله تعالى قال: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) المؤمنون/1، 2، فالإقبال على الصلاة والخشوع فيها من أهم المهمات وهو روحها، فينبغي العناية بالخشوع والطمأنينة في الصلاة؛ في سجوده، في ركوعه، بين السجدتين، بعد الركوع حينما يعتدل ويخشع ويطمئن، ولا يعجل.
وإذا أخل بالخشوع على وجه يكون معه النقر في الصلاة وعدم الطمأنينة تبطل الصلاة.
أما إذا كان يطمئن فيها، ولكن قد تعتريه بعض الهواجس وبعض النسيان هذا لا يبطل الصلاة، لكن ليس له من صلاته إلا ما عقل منها وما خشع فيه وأقبل عليه يكون له ثواب ذلك، وما فرط فيه يفوته ثوابه، فينبغي للعبد أن يُقبل على الصلاة ويطمئن فيها ويخشع فيها لله عز وجل حتى يكمل ثوابه، ولكن لا تبطل إلا إذا أخل بالطمأنينة مثل إذا ركع ركوعاً ليس فيه طمأنينة فيعجل ولا تخشع الأعضاء، والواجب أن يطمئن حتى يرجع كل فقار إلى مكانه، وحتى يتمكن من قول: سبحان ربي العظيم في الركوع ومن قول: سبحان ربي الأعلى في السجود، وحتى يتمكن من قول: ربنا ولك الحمد، إلى آخره بعد الرفع من الركوع، وحتى يتمكن بين السجدتين أن يقول: رب اغفر لي، هذا لابد منه.
ولما رأي النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً لم يطمئن في صلاته، بل كان ينقرها، أمر الرجل أن يعيد وقال: (صَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ) ، والطمأنينة من أهم الخشوع، وهي خشوع واجب في الصلاة، في الركوع، في السجود، بين السجدتين، وحال الاعتدال من الركوع، هذا يقال له: طمأنينة، وتسمى خشوعاً أيضاً، لا بد من هذه الطمأنينة حتى يرجع كل فقار إلى مكانه، إذا ركع اطمأن حتى ترجع العظام إلى محلها، وكل فقار إلى مكانه، وإذا رفع اطمأن وهو واقف بعد الركوع، وإذا سجد يطمئن ويهدأ ولا يعجل حتى يعود كل فقار إلى مكانه" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (2/774) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/872)
صلت العشاء في وقت المغرب جاهلة
[السُّؤَالُ]
ـ[أذن المغرب واعتقدت أنه أذان العشاء الآخرة، فصليت المغرب أربعاً على هذه النية، ولما جلست مع بقية العائلة وأذن للعشاء استنكرت ذلك، فأخبروني أن العشاء لم يؤذن لها إلا الآن، هل أعيد صلاة المغرب أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا كانت لم تصل المغرب وصلت العشاء قبل أن تصلي المغرب تحسب أن الأذان أذان العشاء ونسيت المغرب فإنها تعيد، تصلي المغرب ثم تعيد العشاء، لأنها صلت العشاء في غير وقتها، صلتها في وقت المغرب، فإذا كانت قد صلت المغرب بعد غروب الشمس أجزأتها المغرب، وأما العشاء فتعيدها لأنها صلتها قبل وقتها.
والصلاة في غير وقتها لا تصح، لكن إذا كانت لم تصل المغرب فلابد أن تقضي المغرب ثم تصلي العشاء" انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (2/728)(5/873)
الصلاة في الثوب الخفيف
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك بعض الناس يصلون في ثوب خفيف جداً وبدون سراويل طويلة، وإنما سراويل صغيرة جداً، فهل صلاتهم صحيحة؟ وبماذا ننصحهم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا كان الذي يصلي رجلاً فالواجب أن يستر ما بين السرة والركبة، وليكن عليه سراويل ساترة، أو قميص ساتر، وإذا كان ثوبه خفيفاً يبين معه الفخذ، أي لحمة الفخذ، فيعرف سوداء أو حمراء، فهذا اللباس لا يستر، ولا تصح الصلاة معه، كأنه مكشوف، أما إذا كان اللباس يستر الفخذين والعورة، ولكنه خفيف ويستر فلا يضر، أو كان عليه سراويل وافية تستر ما بين السرة والركبة فلا يضر، أو إزار ساتر.
أما المرأة فيجب ستر بدنها كله في الصلاة، وأن تكون ملابسها ساترة صفيقة [سميكة] لا يرى بدنها، وإنما تكشف وجهها فقط في الصلاة، وإن كشفت الكفين فلا بأس، لكن الأفضل ستر الكفين أيضاً، ولا يجوز لها أن تصلي في أثواب خفيفة يرى منها لحمها، ويعرف هل هو أحمر أو أسود، هذا حكمه حكم العارية، لا تصح به صلاتها" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (2/736) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/874)
وجد مذيا في ثيابه بعد أن صلى صلوات
[السُّؤَالُ]
ـ[وجدت آثار المذي في الملابس الداخلية بعدما صليت الصبح والظهر والعصر فغيّرت ملابسي قبل صلاة المغرب فهل ما صليته باطل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
المذي ماء لزج يخرج عادة عند ثوران الشهوة، وهو نجس ناقض للوضوء، لكن نجاسته مخففة فيكفي في تطهيره غسل الفرج ورش الثوب بالماء.
وينظر جواب السؤال رقم (2458) .
ثانيا:
صلاتك الصبح والظهر والعصر صحيحة إن شاء الله ولا يلزمك إعادتها.
وذلك لسببين:
1- أنك لا تتيقن موعد خروج المذي، فهناك احتمال أن يكون خرج بعد صلاة العصر، ومع وجود هذا الاحتمال: فالأصل أن ما سبق من الصلوات كان صحيحاً، والقاعدة عند العلماء في هذا: أنه إذا وقع شك بعد الفراغ من العبادة: هل كانت صحيحة أم لا؟ فهذا الشك لا يلتفت إليه، ويبني المسلم على الأصل: وهو أن العبادة صحيحة حتى يتيقن ما يبطلها.
2- أن من صلى بالنجاسة جاهلا وجودها، أو علمها ثم نسيها، فصلاته صحيحة على الراجح، ونسبه النووي رحمه الله إلى الجمهور واختاره. المجموع (3/163) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وقوله: (أو نَسيَها) أي: نَسيَ أنَّ النَّجاسة أصابته، ولم يذكر إلا بعد سلامه فعليه الإعادة على كلام المؤلِّف؛ لإخلاله بشرط الصَّلاة؛ وهو اجتناب النجاسة، فهو كما لو صَلَّى محدثاً ناسياً حدثه.
ومثل ذلك لو نسيَ أن يغسلها.
والرَّاجح في هذه المسائل كلِّها: أنه لا إعادة عليه سواء نسيها، أم نسي أن يغسلها، أم جهل أنها أصابته، أم جهل أنها من النَّجاسات، أم جهل حكمها، أم جهل أنها قبل الصَّلاة، أم بعد الصلاة.
والدَّليل على ذلك: القاعدة العظيمة العامة التي وضعها الله لعباده وهي قوله: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) وهذا الرَّجُل الفاعل لهذا المحرَّم كان جاهلاً أو ناسياً، وقد رفع الله المؤاخذة به، ولم يبقَ شيء يُطالب به.
وهناك دليل خاصٌّ في المسألة، وهو أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صَلَّى في نعلين وفيهما قَذَرٌ؛ وأعلمه بذلك جبريل لم يستأنف الصَّلاة، وإذا لم يُبْطِل هذا أولَ الصَّلاة، فإنه لا يُبْطِلُ بقيَّة الصَّلاة " انتهى من "الشرح الممتع" (2/232) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/875)
ما هي حدود العورة في الصلاة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي العورة؟ وما حدودها؟ ولو أن شخصاً شك في أن جزءاً من عورته ظهر في الصلاة فهل يفسد هذا الصلاة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
َالْعَوْرَةُ لُغَةً: الْخَلَل فِي الثَّغْرِ وَفِي غَيْرِهِ.
وَفِي الْمِصْبَاحِ المنير: كُل شَيْءٍ يَسْتُرُهُ الإِْنْسَانُ أَنَفَةً وَحَيَاءً فَهُوَ عَوْرَةٌ.
وعند الْفُقَهَاء: كل مَا يَحْرُمُ كَشْفُهُ مِنَ الرَّجُل وَالْمَرْأَةِ فَهُوَ عَوْرَةٌ..
وَسِتْرُ الْعَوْرَةِ فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ هُوَ: تَغْطِيَةُ الإِْنْسَانِ مَا يَقْبُحُ ظُهُورُهُ وَيُسْتَحَى مِنْهُ، ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى أَوْ خُنْثَى.
ينظر: الموسوعة الفقهية (24/173) .
ثانيا:
سَتْرُ الْعَوْرَةِ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الصَّلاَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُل مَسْجِدٍ) الأعراف/31
قَال ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: الْمُرَادُ بِالزِّينَةِ فِي الآْيَةِ: الثِّيَابُ فِي الصَّلاَةِ.
رواه الطبري في "التفسير" (12/391) .
وَلِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لاَ يَقْبَل اللَّهُ صَلاَةَ حَائِضٍ إِلاَّ بِخِمَارٍ) .
رواه أبو داود (641) والترمذي (377) وحسنه، وصححه الألباني.
قال في "المغني" (1/336) :
" سَتْرَ الْعَوْرَةِ عَنْ النَّظَرِ، بِمَا لَا يَصِفُ الْبَشَرَةَ، وَاجِبٌ , وَشَرْطٌ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْي " انتهى.
وقال ابن حجر:
" ذهب الجمهور إلى أن ستر العورة من شروط الصلاة " انتهى.
"فتح الباري" (1/466) .
ثالثا:
الواجب على المصلي ستر عورته في الصلاة بإجماع المسلمين، وعورة الرجل ما بين السرة والركبة، عند جماهير أهل العلم.
ينظر: المغني (3/7) ، الاستذكار (2/197) ، فتاوى إسلامية" (1/427) .
وأما المرأة: فشعرها، وجميع جسمها عورة، يجب عليها أن تسترها، ما عدا الوجه والكفين؛ فإذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتها باتفاق.
ينظر: الإقناع في مسائل الإجماع، لابن القطان (1/121-123) ، الشرح الممتع (2/160) وما بعدها.
رابعا:
متى دخل في الصلاة وهو ساتر لعورته، ثم شك في أثنائها أن جزءا منها ظهر، فليطرح الشك، وليتم صلاته، لأن الأصل ستر العورة، وطروء الشك على الأصل المتيقن لا عبرة به.
وقد روى البخاري (137) ومسلم (361) عن عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ قال: شُكِيَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلُ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلَاةِ. فقَالَ:
(لَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا) .
قال النووي:
" هَذَا الْحَدِيث أَصْل مِنْ أُصُول الْإِسْلَام وَقَاعِدَة عَظِيمَة مِنْ قَوَاعِد الْفِقْه , وَهِيَ أَنَّ الْأَشْيَاء يُحْكَم بِبَقَائِهَا عَلَى أُصُولهَا حَتَّى يُتَيَقَّن خِلَاف ذَلِكَ. وَلَا يَضُرّ الشَّكّ الطَّارِئ عَلَيْهَا " انتهى.
والواجب على المصلى أن يحترز لصلاته قبل الدخول فيها، فيلبس ما يتيقن به ستر عورته، ويدع الملابس التي يخشى منها ظهور شيء من عورته أثناء صلاته، مثل القميص (تي شيرت) القصير، ونحو ذلك من الملابس التي تنحسر عن أسفل الظهر، فيبدو شيء من عورته إذا ركع أو سجد.
راجع إجابة السؤال رقم: (3075) - (107701)
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/876)
كيف يصلي إذا لم يجد إلا ثوباً عليه نجاسة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا تنجست ثيابي ولم يكن عندي غيرها أصلي فيها، فكيف أصلي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا تصح الصلاة في الثوب النجس، والمصلي يقدر على الصلاة في ثوب طاهر، لقول الله تعالى: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) المدثر/4.
ولأن امرأة جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: إِحْدَانَا يُصِيبُ ثَوْبَهَا مِنْ دَمِ الْحَيْضَةِ كَيْفَ تَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: (تَحُتُّهُ، ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ، ثُمَّ تَنْضَحُهُ [أي تغسله] ثُمَّ تُصَلِّي فِيهِ) رواه البخاري (227) ومسلم (291) . فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم بتطهير الثوب من دم الحيض قبل الصلاة فيه.
ثانياً:
إذا تنجس الثوب ولم يكن عنده ثوب غيره يصلي فيه، فلا يخلو من ثلاث حالات:
1- أن يمكنه غسل موضع النجاسة من الثوب والصلاة فيه، كما لو كانت النجاسة على موضع من الكم مثلاً، فيجب غسلها، والصلاة في الثوب، لاستطاعته الصلاة في ثوب طاهر، فلا عذر له إن صلى بالنجاسة.
2- أن يمكنه خلع الثياب من غير أن تنكشف عورته، كما لو كان يلبس تحته ثياباً أخرى تستر عورته، فيجب عليه خلعه، والصلاة في الثياب الطاهرة، ولهذا خلع النبي صلى الله عليه وسلم خفيه وهو في الصلاة، لما جاءه جبريل وأخبره أن فيها قذراً رواه أبو داود (650) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
3- أن لا يجد ثياباً أخرى طاهرة يصلي فيها، ولا يمكن غسل موضع النجاسة من الثوب، فالصحيح من أقوال العلماء: أنه يصلي في الثوب النجس، ويكون معذوراً، وصلاته صحيحة ولا يلزمه إعادتها بعد ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"ومن لم يجد إلا ثوباً نجساً؟ ، فقيل: يُصلي عرياناً، وقيل: يُصلي فيه ويُعيد، وقيل: يُصلي فيه ولا يُعيد، وهذا أصح أقوال العلماء؛ فإن الله لم يأمر العبد أن يُصلي الفرض مرتين إلا إذا لم يفعل الواجب الذي يقدر عليه في المرة الأولى، مثل: أن يُصلي بلا طمأنينة فعليه أن يُعيد الصلاة كما أمر النبي من صلى ولم يطمئن أن يُعيد الصلاة، وقال: (ارجع فصل؛ فإنك لم تصل) ، وكذلك من نسي الطهارة وصلى بلا وضوء فعليه أن يُعيد كما أمر النبي من توضأ وترك لمعة في قدمه لم يمسها الماء أن يُعيد الوضوء والصلاة، فأما من فعل ما أُمِرَ به بحسب قدرته فقد قال تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (22/34، 35) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/877)
هل كشف المرأة وجهها في الصلاة يدل على أنه ليس عورة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[الإسلام لا يكشف عورة في الصلاة، فإذا كانت المرأة تصلي وهي كاشفة وجهها، فهذا يدل على أن النقاب ليس واجباً، وأن وجه المرأة ليس عورة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يصح الاستدلال بكشف المرأة وجهها في الصلاة على أن الوجه ليس عورة، وبيان ذلك:
أنه لم يرد في القرآن الكريم ولا في السنة النبوية أن المصلي مأمور بستر عورته، ويكشف ما سواها، فلا يصح أن يقال: ما أُمر المصلي بستره فهو عورة، وما أبيح له كشفه فليس عورة.
بل الأمر الوارد في القرآن الكريم في ذلك، ورد بالتزين والتجمل للصلاة، فقال تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) الأعراف/30.
وأخذ الزينة يختلف عن ستر العورة، ولذلك: قد يؤمر المصلي بستر ما ليس عورة، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل أن يصلي وليس على عاتقيه شيء من الثياب، مع أن عاتق الرجل ـ وهو الكتف ـ ليس عورة باتفاق العلماء.
ورأس المرأة وشعرها ليس عورة عند زوجها ومحارمها كالأب والأخ، ومع ذلك، فلا يجوز لها أن تصلي أمام زوجها أو محارمها وهي مكشوفة الرأس، بل ليس لها أن تصلي مكشوفة الرأس ولو كانت بمفردها لا يراها أحد.
فعُلم من هذا: أن الاستدلال بصلاة المرأة مكشوفة الوجه على أن الوجه ليس عورة، غير صحيح؛ لأن للصلاة أحكاماً خاصة، تختلف عن أحكام ستر العورة خارج الصلاة.
وقد بَيَّن ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقال:
" المرأة لو صلَّت وحدها: كانت مأمورة بالاختمار، وفي غير الصلاة يجوز لها كشف رأسها في بيتها، فأخذ الزينة في الصلاة لحقِّ الله، فليس لأحدٍ أن يطوف بالبيت عرياناً ولو كان وحده بالليل، ولا يصلي عرياناً ولو كان وحده، فعُلم أن أخذ الزينة في الصلاة: لم يكن ليحتجب عن الناس، فهذا نوع، وهذا نوع، وحينئذ فقد يستر المصلِّي في الصلاة ما يجوز إبداؤه في غير الصلاة، وقد يبدي في الصلاة ما يستره عن الرجال، فالأول: مثل المنكبين، فإن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى أن يصلي الرجل في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء) فهذا لحقِّ الصلاة، ويجوز له كشف منكبيه للرجال خارج الصلاة، كذلك المرأة الحرة تختمر في الصلاة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار) ، وهي لا تختمر عند زوجها، ولا عند ذوي محارمها، فقد جاز لها إبداء الزينة الباطنة لهؤلاء، ولا يجوز لها في الصلاة أن تكشف رأسها لهؤلاء، ولا لغيرهم.
وعكس ذلك: الوجه واليدان والقدمان، ليس لها أن تبدي ذلك للأجانب على أصح القولين، وأما ستر ذلك في الصلاة: فلا يجب باتفاق المسلمين، بل يجوز لها إبداؤهما [الوجه والكفان] في الصلاة عند جمهور العلماء، كأبي حنيفة، والشافعي، وغيرهما، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، وكذلك القدم يجوز إبداؤه عند أبي حنيفة....
وبالجملة: قد ثبت بالنص والإجماع أنه ليس عليها في الصلاة أن تلبس الجلباب الذي يسترها إذا كانت في بيتها، وإنما ذلك إذا خرجت، وحينئذٍ فتصلي في بيتها، وإن رئي وجهها، ويداها، وقدماها، كما كن يمشين أولاً قبل الأمر بإدناء الجلابيب عليهن، فليست العورة في الصلاة مرتبطة بعورة النظر.
وقول الفقهاء في الصلاة: " باب ستر العورة " ليس هذا من ألفاظ الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا في الكتاب والسنَّة أن ما يستره المصلي فهو عورة، بل قال تعالى: (خذوا زينتكم عند كل مسجد) ، (ونهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يطوف بالبيت عرياناً) فالصلاة أولى، وسئل صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في الثوب الواحد، فقال: (أو لكلكم ثوبان؟) .
وقال في الثوب الواحد: (إن كان واسعاً فالتحف به، وإن كان ضيقاً فاتزر به) ، (ونهى أن يصلي الرجل في ثوب واحد ليس على عاتقه منه شيء) ، فهذا دليل على أنه يؤمر في الصلاة بستر العورة: الفخذ، وغيره، وإن جوَّزنا للرجل النظر إلى ذلك، فإذا قلنا على أحد القولين - وهو إحدى الروايتين عن أحمد -: إن العورة السوأتان، وإن الفخذ ليست بعورة: فهذا في جواز نظر الرجل إليها، ليس هو في الصلاة، والطواف، فلا يجوز أن يصلي الرجلُ مكشوفَ الفخذين، سواء قيل هما عورة، أو لا، ولا يطوف عرياناً، بل عليه أن يصلي في ثوبٍ واحدٍ ولا بد من ذلك، إن كان ضيقاً: اتزر به، وإن كان واسعاً: التحف به؛ كما أنه لو صلَّى وحده في بيت: كان عليه تغطية ذلك، باتفاق العلماء، وأما صلاة الرجل بادي الفخذين مع القدرة على الإزار: فهذا لا يجوز، ولا ينبغي أن يكون في ذلك خلاف، ومن بنى ذلك على الروايتين في العورة - كما فعله طائفة -: فقد غلطوا، ولم يقل أحمد، ولا غيره: إن المصلي يصلي على هذه الحال، كيف وأحمد يأمره بستر المنكبين، فكيف يبيح له كشف الفخذ؟!
وقد اختلف في وجوب ستر العورة إذا كان الرجل خالياً، ولم يُختلف في أنه في الصلاة لا بد من اللباس، لا تجوز الصلاة عرياناً مع قدرته على اللباس، باتفاق العلماء " انتهى باختصار.
"مجموع الفتاوى" (22 / 113 - 117) .
وقال ابن القيم رحمه الله:
"العورة عورتان: عورة النظر، وعورة في الصلاة، فالحرَّة لها أن تصلِّي مكشوفة الوجه، والكفين، وليس لها أن تخرج في الأسواق، ومجامع الناس كذلك " انتهى.
" إعلام الموقعين " (2 / 80) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/878)
حكم الانحراف عن القبلة ب 30 درجة
[السُّؤَالُ]
ـ[نعيش والحمد لله ببلدة صغيرة بأمريكا بالقرب من مدينة نيويورك واستطعنا تجميع الأموال اللازمة لشراء كنيسة ونحولها الآن إلى مسجد، والمبنى مائل ولهذا فإن أحد الجدران يتجه نحو الشرق ويبعد عن القبلة بثلاثين درجة (نحو الشمال الشرقي) كما قال موقع: (qiblalocator.com) . وبعد قراءة إجابة السؤال رقم 101449 قررنا أن نصلى بمحاذاة الجدار لنسهل عملية الوقوف في الصف ولتجنب المشقة عندما تزداد أعداد المصلين بمرور السنين، ومع هذا فهناك قلق يساور بعض الإخوة من بطلان صلاتنا جراء ذلك، وتبعا لفهمي لإجابتكم ولإجابة مماثلة من الشيخ محمد صالح العثيمين رحمه الله (فتاوى أركان الإسلام) ، فقد اقترحتُ أن نصلي بمحاذاة الجدار، وكان اقتراحي قائماً على فكرة أن الصلاة في هذا الاتجاه لن يبطل الصلاة حتى وإن كانت الصلاة تجاه القبلة الحقيقية أفضل. وأنا أدرك أنه من الصعب الإجابة على هذه الأسئلة دون رؤية البناء أو خريطة له ولهذا فسأقدر وأتقبل أي معلومات تقدموها توضح أن الصلاة نحو الجدار يمكن أن تبطل الصلاة. وليست نيتنا أن نغضب الله لكننا ننشد سبيل اليسر إذا كان متاحاً أمامنا وفى نفس الوقت فإننا لا نريد أن نذعن لضغوط هؤلاء الأشخاص حتى وإن كانت نواياهم حسنة فهم لا يعرفون الفرق بين طلب النصيحة من شخص عادي وبين سؤال عالم عن أحد الأحكام.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يبارك في جهودكم، وأن يستعملكم في طاعته، وأن يزيدكم علماً وهدى وتوفيقاً.
ثانياً:
إذا كان الانحراف عن القبلة 30 درجة كما ذكرت، فصلاتكم صحيحة؛ لأن الفرض في حقكم هو استقبال الجهة، وهذا الانحراف لا يخرجكم عن استقبال الجهة.
وقد نص الفقهاء على أن الانحراف اليسير لا يضر، وبَيَّنوا أن الانحراف الكثير هو الانحراف عن الجهة.
قال الدردير في "الشرح الكبير" (1/227) : " والانحراف الكثير أن يُشَرِّق أو يغرّب، نصّ عليه في المدونة [يعني: الإمام مالك رحمه الله] " انتهى.
وهذا في حق أهل المدينة النبوية، ومن كان في شمال أو جنوب مكة، فإنهم إن شَرَّقوا أو غَرَّبوا، فقد انحرفوا عن القبلة انحرافاً كبيراً لا تصح معه الصلاة.
وأما من كان في الغرب كأهل أمريكا، فإن جهة القبلة بالنسبة إليهم هي الشرق، فإن انحرفوا عنها إلى جهة الشمال أو الجنوب، أو استدبروها، لم تصح صلاتهم.
والأصل في ذلك: ما رواه الترمذي (342) وابن ماجه (1011) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (292) ، وينظر جواب السؤال رقم (7535) .
ومع هذا؛ فالأولى والأفضل تعديل قبلة المسجد، أو تعديل الصفوف، بحيث يستقبل المصلون القبلة دون انحراف، وأما تسهيل عملية الوقوف في الصف واستقامته، فيمكن ذلك بوضع خطوط على الأرض يستقيم عليه المصلون.
ولا ينبغي الالتفات إلى زيادة عدد المصلين مستقبلاً، فإنه عند زيادتهم، يصلون خارج المسجد أو يسعون لتوسعته، وحيث أمكن المصلين التوجه إلى القبلة من غير انحراف فهذا أكمل، مع ما فيه من تقليل للخلاف، وإزالة للشبهة.
فنوصيكم بالعمل على ذلك، وجمع كلمة المسلمين، والرفق بهم، وإعانتهم على الطاعة، ومن أشرفها: الصلاة مع الجماعة.
ونسأل الله أن يوفق الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/879)
هل قبلة المسلمين في صلاتهم دائما باتجاه الشرق؟!
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا يتجه المسلمون إلى الشرق في الصلوات؟ أرجو الإجابة مع المصادر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يتجه المسلمون في صلاتهم إلى الكعبة المشرفة بأمر الله تعالى، وهي قبلة أبيهم إبراهيم عليه السلام.
وفي هذا الأمر بالتوجه للكعبة في الصلاة حِكَم بالغة.
فقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: ما الحكمة في اتخاذ المسلمين الكعبة الشريفة قبلتهم في الصلاة؟
فأجابوا:
"لا يخفى أن واجب المسلم: فعل ما استطاع من المأمورات، والكف عن جميع ما نهي عنه من المحرمات، أدرك حكمة الأمر أو النهي، أو لم يدركها، مع إيمانه بأن الله لا يأمر العباد إلا بما فيه مصلحة لهم، ولا نهاهم إلا عما فيه مضرة عليهم، وتشريعاته سبحانه جميعها لحكمة يعلمها سبحانه، يظهر منها ما شاء؛ ليزداد المؤمن بذلك إيماناً، ويستأثر سبحانه بما شاء؛ ليزداد المؤمن بتسليمه لأمر الله إيماناً كذلك.
والمسلمون اتخذوا الكعبة قبلةً امتثالاً لأمر الله سبحانه في قوله: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) البقرة / 144.
ولعل من الحكمة في أمر الله لهم بذلك: أنها قِبلة أبيهم إبراهيم عليه السلام، كما جاء في سبب نزول الآية المذكورة من محبة نبينا عليه الصلاة والسلام في أن يؤمر بالتوجه في صلاته إلى الكعبة بدلاً من التوجه إلى بيت المقدس، فأمره الله بذلك.
وقد يكون ذلك قطعاً لاحتجاج اليهود عليهم بموافقتهم في قِبلتهم.
وقد يكون لغير ذلك، والعلم عند الله سبحانه" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز , الشيخ عبد الرزاق عفيفي , الشيخ عبد الله بن غديان , الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (6 / 311 , 312) .
وينظر تفصيلاً أوفى في جواب السؤال رقم: (1953) .
ثانياً:
ليس صحيحاً أن المسلمين يتجهون في صلاتهم إلى المشرق، بل ربما كانت الكعبة لبعض المسلمين باتجاه الشرق، وربما في جهة الغرب، أو الشمال، أو الجنوب، ويختلف ذلك باختلاف موقع البلد الجغرافي بالنسبة لاتجاهه لمكة المكرمة.
وأما الذين قبلتهم المشرق باستمرار: فهم طوائف من النصارى! وليسوا المسلمين.
قال الله تعالى: (وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آَيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ) البقرة/ 145.
قال الإمام الطبري رحمه الله:
وأما قوله: (وما أنتَ بتابع قِبلتهم) ، يقول: وما لك من سبيل يا محمد إلى اتّباع قبلتهم، وذلك أن اليهود تستقبل بيت المقدس بصلاتها، وأن النصارى تستقبل المشرقَ! فأنَّى يكون لك السبيل إلى اتباع قِبلتهم مع اختلاف وجوهها؟ يقول: فالزم قبلتَك التي أمِرت بالتوجه إليها، ودعْ عنك ما تقولُه اليهود والنصارى، وتدعُوك إليه من قبْلتهم واستقبالها.
" تفسير الطبري " (3 / 185) .
وذكر ابن قدامة في " المغني " (1 / 492) أن النصارى يستقبلون جهة المشرق، واستقبال النصارى جهة المشرق هو من تحريفهم لدينهم، ومخالفتهم للمسيح والإنجيل.
قال الشيخ صالح بن الحسين الجعفري الهاشمي:
"فضيحة أخرى: النصارى يصلُّون إلى مشرق الشمس، ويتّخذونها قبْلتهم، وقد كان المسيح عليه السلام طول مقامه يصلي إلى قبلة " بيت المقدس " قبلة موسى بن عمران، والأنبياء، وقال: " إني لم آتِ لأنقض التوراة، بل لأكملها، وأن السماء والأرض ليزولان، وكلمة واحدة من الناسوت لا تزول حتى يتم بأسره "، غير أن النصارى خالفوا المسيح، والأنبياء، واعتذروا في توجههم إلى المشرق: بأنه الجهة التي صلب إليها ربّهم، وقتل فيها إلههم، فيقال لهم:
يا حمقى! لو كنتم أولي ألباب لَمَقَتُّم جهة الشرق، وأبغضتموها، وتَطَيَّرتم بها، ورفضتموها في أمور العادة، فضلاً عن العبادة؛ وذلك لأنها الجهة التي لم يصلِّ إليها المسيح، ولا شهدت لها الأناجيل، ولا صَلَّى إليها نبي من الأنبياء البتة، ثم إنها الجهة التي تشتت بها شملكم، وبددت كلمتكم، وفرقت جموعكم، فتعظيمكم لهذه الجهة التي هي أشأم الجهات عليكم: أمر يقتضي السخرية بكم، والإزراء عليكم، وكان الأولى بكم أن لا تتحولوا عن جهة بيت المقدس لقول الإنجيل:
" إن امرأة سامرية من اليهود قالت للمسيح: يا سيد، آباؤنا سجدوا في هذا الجبل للأب فكيف تقولون أنتم إنه أورشليم؟ ، فقال لها: " أيتها المرأة، أنتم تسجدون لما لا تعلمون، ونحن نسجد لما نعلم "، فهذا المسيح يشهد أنه ليس لله قبلة يصلي إليها إلاّ بيت المقدس، الذي هو أورشليم، فأنتم أعرف، وأعلم من المسيح بما يجب لله تعالى؟ إنا لله وإنا إليه راجعون على عقولكم، لقد رميتم فيها بداهية" انتهى.
" تخجيل من حرَّف التوراة والإنجيل " (2 / 591، 592) .
وبهذا يتبين خطأ ما ظنه السائل من أن المسلمين يتجهون دائماً في صلاتهم إلى الشرق، وتبين أن هذا هو دين النصارى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/880)
نسيت إزالة النجاسة من ملابسها وصلت بها
[السُّؤَالُ]
ـ[نزل علي بعض الإفرازات المحملة بالدماء وتطهرت منها ولكن أصاب بعض منها الملبس الملتصق بالمكان ونسيت أن أغير هذا الملبس وصليت، فما حكم هذه الصلاة صحيحة أم باطلة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صلاتك صحيحة، ولا شيء عليك؛ لأن من صلى بنجاسة لا يعلمها، أو علمها ثم نسيها، فصلاته صحيحة على الراجح، ونسبه النووي رحمه الله إلى جمهور العلماء واختاره. "المجموع" (3/163) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "فإذا نَسيَ أنَّ النَّجاسة أصابته، ولم يذكر إلا بعد سلامه فعليه الإعادة على كلام المؤلِّف؛ لإخلاله بشرط الصَّلاة، وهو اجتناب النجاسة، فهو كما لو صَلَّى محدثاً ناسياً حدثه.
ومثل ذلك لو نسيَ أن يغسلها.
والرَّاجح في هذه المسائل كلِّها: أنه لا إعادة عليه سواء نسيها، أم نسي أن يغسلها، أم جهل أنها أصابته، أم جهل أنها من النَّجاسات، أم جهل حكمها، أم جهل أنها قبل الصَّلاة، أم بعد الصلاة.
والدَّليل على ذلك: القاعدة العظيمة العامة التي وضعها الله لعباده، وهي قوله: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) ، وهذا الرَّجُل الفاعل لهذا المحرَّم كان جاهلاً أو ناسياً، وقد رفع الله المؤاخذة به، ولم يبقَ شيء يُطالب به.
وهناك دليل خاصٌّ في المسألة، وهو أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صَلَّى في نعلين وفيهما قَذَرٌ، وأعلمه بذلك جبريل لم يستأنف الصَّلاة، وإذا لم يُبْطِل هذا أولَ الصَّلاة، فإنه لا يُبْطِلُ بقيَّة الصَّلاة " انتهى من "الشرح الممتع" (2/232) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/881)
قبلة المسجد تختلف عن اتجاه البوصلة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلم كوري وقد اشتريت بوصلة للقبلة وعندما جربتها في المسجد وجدت أن المسجد ليس في الاتجاه الصحيح وعندما تكلمت مع البعض على سبيل الدعابة بخصوص هذا الأمر إلا أنهم أكدوا لي صحة هذه الفكرة. وقد أصبت بالارتباك فعندما أصلي مع الناس أقف كما يقفون وعندما أصلي وحدي أصلي حسب اتجاه البوصلة. فماذا أفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
أولا يسرنا أن يكون لنا أخ مسلم من كوريا حريصا على التفقه في دينه , وأداء العبادات بشروطها الشرعية، ونسأل الله أن يثبتك على دينه , وأن يزيدك حرصا على التفقه في الدين.
وأما الجواب عن سؤالك فيختلف باختلاف مقدار الانحراف عن القبلة – هذا إذا سلمنا بدقة البوصلة - , فإن كان الانحراف كبيراً عن جهة القبلة - كأن تكون القبلة في جهة الغرب , وهم يستقبلون جهة الجنوب مثلاً – فهذا الانحراف يبطل الصلاة ويجب تغيير قبلة المسجد إلى الجهة الصحيحة.
وأما إذا كان الإنحراف يسيراً بحيث يكون في نفس جهة القبلة , كأن تكون القبلة في جهة الغرب , وهم ينحرفون قليلا إلى جهة الشمال الغربي أو الجنوب الغربي , فهذا لا يؤثر وعليك استقبال هذه الجهة معهم , لأن حكم من كان بعيداً عن الكعبة أن يصيب جهتها ولا يجب عليه أن يصيب عينها.
وقد روى الترمذي (344) من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما بين المشرق والمغرب قبلة ". وقال: حسن صحيح. وحسنه الألباني في تعليقه على "مشكاة المصابيح" (715) . انظر السؤال رقم (7535)
ويمكنك تحديد الاتجاه الصحيح للقبلة بطريقة سهلة ميسرة عن طريق الخريطة فتمد خطاً مستقيماً من مدينتكم إلى مكة وعليه تحدد اتجاه القبلة.
والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/882)
صلاتها بلباس يكشف لون البشرة عند الوقوف في ضوء الشمس
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا ملتزمة وفي البيت أحرص على أن يكون لباسي مع أسرتي محتشماً ولكن الفستان الذي كنت أرتديه يظهر صفات الجسم في ضوء الشمس فقط ولكن غيره لا وكنت أصلي به ولمدة طويلة جداً تقريباً السنة ثم أخبروني أن صلاتي كانت باطلة ولا تقبل لأن الفستان هذا لا يجوز الصلاة به فكيف أقضي الصلاة الفائتة؟ وهل يجوز لي أن أخصص الوقت ما بين صلاة العصر والمغرب لقضاء هذه الصلوات لأنه الوقت الوحيد الفارغ لي من أوقاتي اليومية حالياً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب ستر العورة أثناء الصلاة، بما لا يشف عن لون الجسم.
وعورة المرأة في الصلاة جميع بدنها عدا الوجه والكفين. وينظر جواب السؤال رقم (1046) .
وإذا كان الثوب خفيفا يظهر من ورائه لون البشرة من بياض أو حمرة، لم يعتبر ساترا ولا تصح به الصلاة.
وأما إذا كان خفيفا لكنه لا يبين لون الجلد، فلا حرج من الصلاة فيه. وكذلك لو كان لا يشف عما تحته إلا إذا كان الإنسان في مقابل الشمس، وكانت الصلاة في غير محل الشمس، فلا يضر ذلك؛ لأن الصلاة حصلت مع الستر.
وهذا يدل على خفة الثوب فقط، لا على أنه شفاف يظهر لون ما تحته.
قال ابن قدامة رحمه الله: " الواجب الستر بما يستر لون البشرة، فإن كان خفيفاً يبين لون الجلد من ورائه، فيُعلم بياضه أو حمرته، لم تجز الصلاة فيه، لأن الستر لا يحصل بذلك، وإن كان يستر لونها، ويصف الخلقة، جازت الصلاة، لأن هذا لا يمكن التحرز منه" انتهى من "المغني" (1/337) .
وقال النووي في "المجموع" (3/176) : "قال أصحابنا: يجب الستر بما يحول بين الناظر ولون البشرة، فلا يكفي ثوب رقيق يُشاهَد من ورائه سوادُ البشرة أو بياضُها " انتهى.
وصرح الشافعية بأن الثوب إن كان يشف عما تحته بواسطة الشمس أو النار فترى العورة عندئذ، ولا ترى عند عدمهما، أن ذلك لا يضر. وكذلك لا يضر كونه يرى ما تحته في حال التأمل فيه والنظر إليه من قرب.
ينظر: "حاشية تحفة المحتاج" (2/112) .
وعليه؛ فصلاتك الماضية صحيحة، ولا يلزمك إعادتها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/883)
شروط صحة الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي شروط صحة الصلاة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الشرط في اصطلاح أهل الأصول: ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده الوجود.
فشروط صحة الصلاة: هي ما يتوقف عليها صحة الصلاة، بحيث إذا اختل شرط من هذه الشروط فالصلاة غير صحيحة، وهي:
الشرط الأول: دخول الوقت – وهو أهم الشروط -: فلا تصح الصلاة قبل دخول وقتها بإجماع العلماء؛ لقوله تعالى: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) النساء /103.
وأوقات الصلاة ذكرها الله تعالى مجملة في كتابه، فقال تعالى: (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً) الإسراء/78، فقوله تعالى: (لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) ، أي: زوالها، وقوله (إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ) ، أي: انتصاف الليل، وهذا الوقت من نصف النهار إلى نصف الليل يشتمل على أوقات أربع صلوات: الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء.
وذكرها النبي صلى الله عليه وسلم مفصلة في سنته، وسبق بيانها في جواب السؤال رقم (9940) .
الشرط الثاني: ستر العورة، فمن صلى وهو كاشف لعورته، فإن صلاته لا تصح؛ لقول الله تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ) الأعراف/31.
قال ابن عبد البر رحمه الله: "وأجمعوا على فساد صلاة من ترك ثوبه، وهو قادر على الاستتار به وصلى عرياناً" انتهى.
وللفائدة راجع جواب السؤال رقم (81281) .
والعورات بالنسبة للمصلين أقسام:
1. عورة مخففة: وهي عورة الذكر من سبع سنين إلى عشر سنين، فإن عورته الفرجان فقط: القبل والدبر.
2. عورة متوسطة: وهي عورة من بلغ عشر سنين فما فوق، ما بين السرة والركبة.
3. عورة مغلظة: وهي عورة المرأة الحرة البالغة، فجميع بدنها عورة في الصلاة، إلا الوجه والكفين، واختلف العلماء في ظهور القدمين.
الشرط الثالث والرابع: الطهارة، وهي نوعان: طهارة من الحدث، وطهارة من النجس.
1. الطهارة من الحدث الأكبر والأصغر، فمن صلى وهو محدث، فإن صلاته لا تصح بإجماع العلماء؛ لما روى البخاري (6954) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ) .
2. الطهارة من النجاسة، فمن صلى وعليه نجاسة عالماً بها ذاكراً لها، فإن صلاته لا تصح.
ويجب على المصلي أن يجتنب النجاسة في ثلاثة مواضع:
الموضع الأول: البدن، فلا يكون على بدنه شيء من النجاسة؛ ويدل عليه ما رواه مسلم (292) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: (مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَبْرَيْنِ فَقَالَ أَمَا إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ لَا يَسْتَنْزِهُ مِنْ الْبَوْلِ..) الحديث.
الموضع الثاني: الثوب، ويدل عليه ما رواه البخاري (227) عَنْ أَسْمَاءَ بنت أبي بكر رضي الله عنهما قَالَتْ: (جَاءَتْ امْرَأَةٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: أَرَأَيْتَ إِحْدَانَا تَحِيضُ فِي الثَّوْبِ كَيْفَ تَصْنَعُ؟ قَالَ: تَحُتُّهُ، ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ، وَتَنْضَحُهُ، وَتُصَلِّي فِيهِ) .
الموضع الثالث: المكان الذي يُصلى فيه، ويدل عليه ما رواه البخاري عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: (جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي طَائِفَةِ الْمَسْجِدِ، فَزَجَرَهُ النَّاسُ فَنَهَاهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا قَضَى بَوْلَهُ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ فَأُهْرِيقَ عَلَيْهِ) .
الشرط الخامس: استقبال القبلة، فمن صلى فريضة إلى غير القبلة، وهو قادر على استقبالها، فإن صلاته باطلة بإجماع العلماء؛ لقوله تعالى: (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) البقرة/144، ولقوله صلى الله عليه وسلم – في حديث المسيء صلاته -: (ثُمَّ اسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ فَكَبِّرْ) رواه البخاري (6667) .
وللفائدة راجع جواب السؤال رقم (65853) .
الشرط السادس: النية، فمن صلى بلا نية فصلاته باطلة؛ لما روى البخاري (1) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى) ، فلا يقبل الله عملاً إلا بنية.
والشروط الستة السابقة، إنما هي خاصة بالصلاة، ويضاف إليها الشروط العامة في كل عبادة، وهي: الإسلام، والعقل، والتمييز.
فعلى هذا، تكون شروط صحة الصلاة إجمالاً تسعة:
الإسلام، والعقل، والتمييز، ورفع الحدث وإزالة النجاسة، وستر العورة، ودخول الوقت، واستقبال القبلة، والنية.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/884)
حكم الصلاة في الملابس الضيقة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الصلاة بالملابس الضيقة؟ وهل يصلي بالناس من يرتديها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الملابس الضيقة يكره لبسها للرجال والنساء جميعاً، والمشروع أن تكون الملابس متوسطة، لا ضيقة تبين حجم العورة ولا واسعة، ولكن بين ذلك.
أما الصلاة فهي صحيحة ـ إذا كانت ساترة ـ ولكن يكره للمؤمن تعاطي مثل هذه الألبسة الضيقة وهكذا المؤمنة، يكون اللباس متوسطاً بين الضيق والسعة.هذا هو الذي ينبغي" انتهي.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (29/217) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/885)
الجمع بين الصلاتين في الحضر
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مقيم في بريطانيا وأصلي في مسجد قريب من سكني ولكن جماعة هذا المسجد يجمعون صلاتي المغرب والعشاء في وقت المغرب، والعذر: أن الفترة التي بين صلاة العشاء والفجر قصيرة، ولا تكفي للراحة، علما بأن إمام المسجد يستدل بأن النبي عليه الصلاة والسلام من مرويات ابن عباس قد جمع الظهر والعصر، والمغرب والعشاء في المدينة وبدون عذر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
النصوص الشرعية واضحة في وجوب أداء الصلوات الخمس في أوقاتها المحددة، وعدم جواز الجمع بين الظهر والعصر، ولا بين المغرب والعشاء، إلا لعذر كالمرض أو السفر أو المطر ونحو ذلك مما يشق معه أداء كل صلاة في وقتها، قال تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) النساء/103. أي فرضا مؤقتا في أوقات معلومة.
انظر: "فتح الباري" لابن رجب الحنبلي (3/7-8) .
وروى ابن أبي شيبة (2/346) عن أبي موسى الأشعري وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما أنهما قالا: (الجمع بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر) .
وأما ما رواه مسلم (1/489) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعا، والمغرب والعشاء جميعا في غير خوف ولا سفر ولا مطر) فليس فيه أنه جمع بين الصلاتين من غير عذر، بل فيه: قيل لابن عباس: (ما حمله على ذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أمته) . أي: لا يوقعها في حرج وضيق، وهذا يدل على أن هناك عذراً للجمع في هذا الحديث، ولولا هذا الجمع لوقع الناس في الحرج.
قال العلامة ابن باز رحمه الله في تعليقه على "فتح الباري" (2/24) : "الصواب حمل الحديث المذكور على أنه صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلوات المذكورة لمشقة عارضة ذلك اليوم من مرض غالب أو برد شديد أو وحل ونحو ذلك، ويدل على ذلك قول ابن عباس لما سئل عن علة هذا الجمع قال: (لئلا يحرج أمته) وهو جواب عظيم سديد شاف" انتهى.
وعلى هذا، فاستدلال هؤلاء بهذا الحديث، استدلال في غير موضعه، والواجب أداء كل صلاة في وقتها المحدد شرعا، فإن وجد عذر للجمع كمرض أو مطر فلا حرج من الجمع حينئذ.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/886)
الصلاة في الطائرة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كنت مسافراً في طائرة وحان وقت الصلاة أيجوز نصلي في الطائرة أم لا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا حان وقت الصلاة والطائرة مستمرة في طيرانها ويخشى فوات وقت الصلاة قبل هبوطها في أحد المطارات، فقد أجمع أهل العلم على وجوب أدائها بقدر الاستطاعة ركوعاً وسجوداً واستقبالاً للقبلة لقوله تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم) التغابن/16، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم) رواه مسلم 1337
أما إذا عُلم أنها ستهبط قبل خروج وقت الصلاة بقدر يكفي لأدائها، أو أن الصلاة مما يجمع مع غيره كصلاة الظهر مع العصر، وصلاة المغرب مع العشاء أو علم أنها ستهبط قبل خروج وقت الثانية بقدر يكفي لأدائهما، فقد ذهب جمهور أهل العلم إلى جواز أدائها في الطائرة، لوجوب الأمر بأدائها بدخول وقتها، وذهب بعض المتأخرين من المالكية إلى عدم صحتها في الطائرة لأن من شرط صحتها أن تكون الصلاة على الأرض، أو على ما هو متصل بها، كالراحلة أو السفينة مثلاً لقوله صلى الله عليه وسلم: (جُعلت ليَ الأرض مسجداً وطهوراً) رواه البخاري في التيمم (335) ، ومسلم في المساجد (521)
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى إسلامية، اللجنة الدائمة 1/227(5/887)
إذا صلى لغير القبلة دون اجتهاد أو تحرٍ
[السُّؤَالُ]
ـ[صليت في مكان غريب وبعد انتهاء الصلاة علمت أن القبلة خطأ فهل أعيد الصلاة أم لا؟ علما بأني لم أجتهد كثيرا لمعرفة القبلة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
استقبال القبلة شرط من شروط صحة الصلاة، والواجب على كل مصل أن يتحرى جهة القبلة في صلاته، إما عن طريق العلامات أو الآلات الدالة عليها، إن كان يمكنه ذلك، أو عن طريق خبر الثقات من أهل المكان، الذين لهم معرفة بجهة القبلة.
ثانيا:
إذا صلى الإنسان ثم تبين له أنه كان منحرفا عن القبلة، فإن كان الانحراف قليلاً فإن هذا لا يضر ولا تبطل به الصلاة؛ لأن الواجب على من كان بعيدا عن الكعبة أن يتجه إلى جهتها، ولا يشترط في حقه أن يكون اتجاهه إلى عين الكعبة، لما رواه الترمذي (342) وابن ماجه (1011) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ) صححه الألباني في إرواء الغليل (292) .
قال الصنعاني رحمه الله في سبل السلام (1/260) : " والحديث دليل على أن الواجب استقبال الجهة، لا العين في حق من تعذرت عليه العين " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وبهذا نعرف أن الأمر واسع، فلو رأينا شخصا يصلي منحرفا يسيرا عن مسامتة [أي: محاذاة] القبلة، فإن ذلك لا يضر، لأنه متجه إلى الجهة " انتهى من "الشرح الممتع" (2/273) .
وأما إن كان الانحراف عن جهة الكعبة كثيرا؛ بحيث تكون صلاتك إلى غير الجهة التي فيها القبلة بأن تكون القبلة خلفه أو عن يمينه أو شماله ففيه تفصيل:
1- فإن كان الإنسان قد تحرى واجتهد، فلا يلزمه إعادة الصلاة، لأنه أدى ما عليه، لقول الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن /16.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (6/314) : " إذا اجتهد المصلي في تحري القبلة وصلى، ثم تبين أن تحريه كان خطأ، فصلاته صحيحة " انتهى.
2- وأما إذا لم يجتهد ولم يتحرّ، فيلزمه إعادة الصلاة.
قال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (2/287) : " إذا صلى بغير اجتهاد ولا تقليد، فإن أخطأ أعاد، وإن أصاب لم يُعد على الصحيح " اهـ.
و" التقليد " أن يسأل ثقة عن اتجاه القبلة ويتبع قوله.
وعلى هذا، فإذا كان انحرافك عن جهة القبلة كثيراً فيلزمك إعادة الصلاة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/888)
الانحراف عن القبلة بـ 45 درجة
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن نصلي في مسجد من مساجد مدينة جدة لكنه ينحرف عن القبلة ما يقارب (45) درجة وقد عرفت ذلك عن طرق برنامج (قوقل إيرث) فما الحكم؟ وهل يلزم العودة إلى القبلة الصحيحة أم لا؟ علماً أن إمام المسجد يعلم بالانحراف ويرى عدم وجوب العودة ولا يريد أن يخبر المصلين بذلك تجنبا لكثرة الكلام ومحتجا بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما بين المشرق والغرب قبلة) . علما أن المسجد قد أشرف على تحديد قبلته وزارة الشؤون الإسلامية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الانحراف عن القبلة أقل من 45 درجة، فصلاتكم صحيحة، لأن الفرض في حقكم هو استقبال الجهة، لا استقبال الكعبة ولا مكة، وهذا الانحراف لا يخرجكم عن استقبال الجهة.
وقد نص الفقهاء على أن الانحراف اليسير لا يضر، وبينوا أن الانحراف الكثير هو الانحراف عن الجهة.
قال الدردير في الشرح الكبير (1/227) : " والانحراف الكثير أن يشرق أو يغرّب، نصّ عليه في المدونة " انتهى.
وهذا في حق أهل المدينة، ومن كان في شمال أو جنوب مكة فإنهم إن شرقوا أو غربوا، فقد انحرفوا عن القبلة.
وأما من كان في الغرب كأهل جدة، فإن جهة القبلة بالنسبة إليهم هي الشرق، فإن انحرفوا عنها إلى جهة الشمال أو الجنوب، أو استدبروها، لم تصح صلاتهم.
والأصل في ذلك: ما رواه الترمذي (342) وابن ماجه (1011) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ) وصححه الألباني في إرواء الغليل، وينظر: سؤال رقم (7535) .
ومع هذا فالأفضل هو تعديل قبلة المسجد.
وقد أحسن الإمام في عدم إخبار المصلين، منعا للاختلاف وكثرة القيل والقال.
وعليكم برفع الأمر إلى المسئولين ليعيدوا النظر في جهة القبلة.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/889)
صلاة حامل النجاسة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب عسكري في إحدى الكليات العسكرية، وأتعرض للحجز لمدة 5 أيام بالأسبوع ومشكلتي هي أننا، ولقلة الوقت لدينا، علي أن أقوم بالوضوء والصلاة في وقت قصير، وأعود للتدريب , والمشكلة هي أنني عندما أذهب للحمام لقضاء الحاجة وأغتسل، تبقى قطرات من البول تخرج بعد فترة قصيرة ... ، وقد قمت بالاحتفاظ بمنديل لمسح ما قد يتبقى من قطرات حتى لا تصبح ملابسي الداخلية نجسة، كي أستطيع أن أتوضأ وأتمم الصلاة. ولكن سؤالي أنني مازلت احتفظ بالمنديل الذي مسه البول في جيبي، وقد تحيرت أنني مازلت أحمل النجاسة معي، فكيف أذهب للصلاة والمنديل النجس في جيبي؟ علما بأنني لا أستطيع أن أرميه؛ لأن الحصول على منديل جديد ليس بعمل سهل لكل مرة أذهب للوضوء والصلاة. أرجو إعطائي حلا لأنني أجد صعوبة في الذهاب للحمام، ثم الانتظار قليلا لخروج القطرات ثم الذهاب مرة أخرى لمسح القطرات، ثم أفكر هل المنديل الذي في جيبي يجوز أن أصلي فيه؟ علما أني متأكد يقينا بخروج قطرات من البول بعد فترة وجيزة من الذهاب للحمام.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا كان الأمر كما ذكرت من خروج قطرات من البول بعد فترة من التبول، وأنك تضع منديلا لمنع تلوث جسمك وثيابك، فإنه يلزمك عند إرادة الوضوء أن تنزع المنديل وتستنجي، لتغسل موضع خروج البول، أو تستجمر بالمنديل، فتمسح فرجك، ويشترط ألا يقل عن ثلاث مسحات؛ لما رواه مسلم (262) عَنْ سَلْمَانَ الفارسي رضي الله عنه قَالَ: (نَهَانَا النبي صلى الله عليه وسلم أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ) .
ثانيا:
لا يجوز للمصلي حمل النجاسة أثناء الصلاة، ولا تصح صلاته إذا حملها، في قول جمهور أهل العلم. ينظر المغني (1/403) ، المجموع (3/157) .
وبناء على ذلك فإن حملت المنديل في جيبك لم تصح صلاتك، فيلزمك تنحية هذا المنديل ووضعه بجانبك، أو داخل حذائك المنزوع، أو تجعل معك كيساً تضع فيه المنديل المستعمل.
ولو قدر أنك نسيت المنديل في جيبك وفرغت من صلاتك، فلا شيء عليك، وصلاتك صحيحة، وإن تذكرته أثناء الصلاة، فبإمكانك أن تخرجه من جيبك وتضعه بجانبك، واحترز ألا تؤذي به أحداً.
قال في نهاية المحتاج: " لو دار الأمر بين إلقاء النجاسة حالا لتصح صلاته لكن يلزمه إلقاؤها في المسجد لكونه فيه وبين عدم إلقائها صونا للمسجد عن التنجيس لكن تبطل صلاته , فالمتجه عندي مراعاة صحة الصلاة , وإلقاء النجاسة حالا في المسجد ثم إزالتها فورا بعد الصلاة ; لأن في ذلك الجمع بين صحة الصلاة وتطهير المسجد , لكن يغتفر إلقاؤها فيه وتأخير التطهير إلى فراغ الصلاة للضرورة فليتأمل " انتهى.
ولا نظن أن إعداد المناديل التي تكفيك مدة حجزك في المعسكر شيئاً من الصعوبة عليك، إذا أنت أحسنت تقدير حاجتك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/890)
يجب على المرأة ستر بدنها في الصلاة وإن كانت وراء زوجها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجب على زوجتي ارتداء الحجاب في الصلاة عندما نصلي سوياً (ليس معنا أي شخص أخر) ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
حال المرأة في الصلاة ولو مع زوجها يختلف عن حالها في غير الصلاة، فإن ستر العورة شرط من شروط صحة الصلاة، سواء للرجل أو المرأة، ولا تصح صلاتها بدون ذلك، فقد صح من حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار) رواه أبو داود (الصلاة/546) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (596) والمعنى: أي لا تصح صلاة المرأة البالغة، إذ الأصل في نفي القبول نفي الصحة.
قال شيخ الإسلام: والمرأة لو صلّت وحدها كانت مأمورة بالاختمار،.. وحينئذ فقد يستر المصلي في الصلاة ما يجوز إبداؤه في غير الصلاة. أهـ انظر مجموع الفتاوى ج/22 ص/109
وعلى هذا فإنه يجب على المرأة ستر بدنها في الصلاة إلا الوجه والكفان، يراجع جواب سؤال رقم (1046) في عورة المرأة التي يجب سترها في الصلاة. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/891)
الأفضل للمرأة سماع الأذان ثم الصلاة بعد ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا أذن المؤذن بعد وقت الصلاة وأنا أصلي في نفس وقت الصلاة فهل من الأفضل أن أنتظر أم أصلي في وقت الصلاة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
دخول الوقت من شروط الصلاة، ولذلك لا تصح الصلاة قبل دخول الوقت. والدليل على اشتراط دخول الوقت قول الله عز وجل: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كتَابًا مَوْقُوتًا) النساء 103، والأذان إنما هو إعلام بدخول وقت الصلاة، وإذا كان المؤذن ملتزماً بالوقت، فينبغي أن تسمع الأذان ثم تصلي بعد ذلك، أما إن كان المؤذن يتأخر في الأذان بعد الوقت فإنها تصلي ما دامت تأكدت أن الوقت قد دخل، ويجوز لهن التأخير عن أول الوقت. أهـ
[الْمَصْدَرُ]
انظر فتاوى المرأة المسلمة 1/330.(5/892)
كيف يكون استقبال القبلة في الطائرة
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل مسافر بالطائرة ولا يعرف اتجاه القبلة علماً بأن الجميع لم يعرفوا الاتجاه فصلى ولم يعلم أهو في اتجاه القبلة في صلاته أم لا؟ فهل الصلاة في مثل هذه الحالة صحيحة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الراكب في الطائرة إن كان يريد أن يصلي صلاة نفل فإنه يُصلي حيث كان وجهه ولا يلزمه أن يستقبل القبلة لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي على راحلته حيثما اتجهت به إذا كان في سفر، وأما الفريضة فلا بد من استقبال القبلة ولا بد من الركوع والسجود إذا أمكن وعلى هذا فإن من تمكن من هذا في الطائرة فليصل في الطائرة وإن كانت الصلاة التي حضرت وهو في الطائرة مما يُجمع إلى ما بعده كما لو حضرت صلاة الظهر فإنه يؤخرها حتى يجمعها مع العصر أو حضرت صلاة المغرب وهو في الطائرة يؤخرها حتى يجمعها مع العشاء. ويجب عليه أن يسأل المضيفين عن اتجاه القبلة إذا كان في طائرة ليس فيها علامة القبلة فإن لم يفعل فصلاته غير صحيحة.
[الْمَصْدَرُ]
فتوى فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين لمجلة الدعوة العدد 1757 ص 45.(5/893)
الصلاة قاعدا لغيرعذر
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في مبنى (موقع عمل) يوجد فيه المئات من الموظفين غيري. وحتى أتجنب تأخير الصلوات لحين وصولي لبيتي في المساء، فأنا أذهب إلى سيارتي في أوقات الراحة وأصلي داخلها وأنا جالس على مقعد السائق. أنا أنحني قليلا للركوع، وأبالغ في حني رأسي إلى الأسفل عند السجود.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن القيام في صلاة الفريضة ركن من أركان الصلاة ولا يجوز تركه إلا عند العجز عن القيام لمرض أو خوف شديد، أو ما شابه ذلك؛ فإذا تركه الشخص متعمدا بطلت صلاته، وبهذا يتضح لك عدم جواز فعلك بتأدية الصلاة قاعدا مادام أنه ليس لديك عذر شرعي، وتعتبر صلاتك جالساً غير صحيحة والدليل ما رواه البخاري (1117) وغيره؛ عن عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّلاةِ، فَقَالَ: " صَلِّ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ. ".انظر الشرح الممتع (3 / 401) {لمزيد من التفصيل في أحكام القيام في الصلاة يراجع السؤال رقم (13340) }
فإذا تبين لك ذلك؛ فاعلم أنه لا يجوز لك أيضا تأخير الصلاة عن وقتها، بل يجب عليك أن تؤدي كل صلاة في وقتها المحدد شرعا لقول الله تعالى: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) النساء/103
فعليك بالاجتهاد في تأدية الصلاة في وقتها قائما في أي مكان مناسب بشرط أن يكون طاهرا، وهذا من يسر الشريعة فقد خص الله هذه الأمة المحمدية بجواز صلاتها في أي بقعة طاهرة لقوله صلى الله عليه وسلم: (أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلاةُ فَلْيُصَلِّ وَأُحِلَّتْ لِي الْمَغَانِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً) أخرجه البخاري (335) وغيره.
فإذا لم يكن بالقرب منك مسجد تستطيع أن تصلي فيه مع الجماعة جاز لك أن تصلي في أي مكان طاهر إلا بعض الواضع القليلة التي حرم الشرع الصلاة فيها كالمقبرة، والأرض المغصوبة، ونحو ذلك. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/894)
صلى بغير وضوء ناسياً
[السُّؤَالُ]
ـ[صَلَّيتُ بغَيْر وُضوء نسياناً وبعد أنْ فرَغْتُ مِن صلاتي تذكَّرتُ ذلك فهل عليَّ إعادةُ الصلاة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعمْ مَنْ صلَّى ناسياً بغير وضوء وجَبَ عليه إعادةُ الصَّلاة لقولِ الرَّسولِ صلَّى الله عليه وسلم: (لا يقبَلُ اللهُ صلاةَ أحدِكم إذا أَحْدثَ حتى يتوضَّأَ) رواه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه في كتاب الوضوء. بخلاف مَنْ صَلَّى في ثوبٍ نَجِسٍ ناسياً فإنَّه لا إعادةَ عليه لأنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلم أتاه جبريلُ أثناءَ الصَّلاةِ وأخْبَرَه أنَّ في نَعْلَيْه قَذَراً فخلَعَهما وبَنَى على صلاتِه رواه أحمد من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في مسنده. مِمَّا يدُلُّ على أنَّ الجاهلَ بالنجاسةِ لا يُؤْمَرُ بالإعادةِ وكذلك النَّاسي.
[الْمَصْدَرُ]
إعلام المسافرين ببعض آداب وأحكام السفر وما يخص الملاحين الجويين لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ص 12.(5/895)
الصلاة في غرفة في طرفها حمام
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعيش في دولة غير إسلامية وأواجه مشكلة عندما يحين وقت الصلاة وأنا خارج المنزل حيث لا يوجد دائماً مساجد قريبة لأصلي فيها. لذا فأحياناً أصلي في غرفة القياس الموجودة في بعض المحلات أو في الغرف الخاصة بالأمهات لتغيير حفاظات أطفالهم وعادة ما يكون هناك دورة مياه في ركن من هذه الغرفة فهل يجوز أن أصلي في هذه الغرفة بعيداً عن دورة المياه أم أنها تعتبر مكاناً نجساً؟
هل يجوز أن أصلي في منتزه عام أو في موقف للسيارات؟ أنا لا أخجل من ديني ولا أجد حرجاً في إشهاره أمام الناس لكني أشعر بالحرج عندما يتجمهر الناس حولي وكأنهم يشاهدون عرضاً ما. كما أنني أخشى أن تكون صلاة المرأة أمام الرجال حراماً. فماذا تفعل الأخت المسلمة في مثل هذه الحالات؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جاء النهي عن النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في بعض المواضع ومنها الحمام، فإنه لا تجوز الصلاة فيه، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام) رواه الترمذي (الصلاة/291) ، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (262) ، والحمام هو كل ما يُتّخذ لقضاء الحاجة، وكل ما كان هذا صفته فإنه لا تجوز الصلاة فيه، وهذه الغرفة التي في طرفها حمام ـ لا تعتبر كذلك ما دام يوجد بينها وبين الحمام فاصل من دار وباب ونحو ذلك ـ فعلى هذا تصح الصلاة في هذه الغرفة، لأن النهي عن الصلاة في الحمام لنجاسته غالباً. وهذه الغرفة ليست كذلك. والله أعلم.
ومما يدل على صحة الصلاة في هذا المكان وغيره من الأماكن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل أدركته الصلاة فليصل) رواه البخاري (التيمم/323) ، فتصح الصلاة فيه وكذلك تصح في المنتزهات ومواقف السيارات بشرط طهارة البقعة التي يُصلى فيها.
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله إذا كان الحمام في قبلة المصلي هل تصح الصلاة إليه فقال:
تصح الصلاة ولا حرج في ذلك وإنما ينهى عن الصلاة في داخل الحمام.
انظر فتاوى الشيخ ابن باز ج/2 ص/196.
ومما ينبغي التنبيه عليه أن كشف وجه المرأة في الصلاة خاص بما إذا كانت بين النساء أو بين محارمها، أما إذا كانت تصلي في مكان يراها فيه الرجال فإنها تغطي وجهها وفي تصلي. يراجع جواب سؤال رقم 21803
ثانياً: أنت مأجورة إن شاء الله على الحرص على أداء الصلاة في وقتها، ولا شك أن هذا هو الواجب على المسلم أن يصلي الصلاة لوقتها، وعليك أن تستشعري طاعتك لله وأنت تصلي.
واعتزازك بالحق وقيامك بالصلاة وعدم الخجل من إظهار العبادة قد يكون سبباً في إسلام بعض من يراك من غير المسلمين، فيكون لك مثل أجره إن شاء الله.
وفقنا الله وإياك لكل خير.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/896)
يؤخرون صلاة الظهر فهل يصلي معهم أو يصلي منفرداً؟
[السُّؤَالُ]
ـ[في قريتي تصلى صلاة الظهر قبل نصف ساعة من دخول وقت صلاة العصر ما هو الأفضل أن أصلي مع الجماعة أو أن أصلي في أول وقت الظهر?]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أحب الأعمال إلى الله الصلاة على وقتها، كما صح بذلك الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مسارعا إلى أداء الصلاة في أول وقتها، وهكذا كان صحابته الكرام رضي الله عنهم، امتثالا لأمر الله تعالى: (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ) البقرة/48، وقوله تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) آل عمران/133.
فعليك بمناصحة أهل قريتك حتى يصلوا الصلاة في أول وقتها، كما هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم.
وتأخير الصلاة إلى هذا الحد قد يؤدي إلى تضييعها.
إلا إذا كان هناك عذر لهذا التأخير كشغل أو شدة حر، فلا بأس بذلك، فقد جاءت السنة بتأخير صلاة الظهر عند شدة الحر، وهو ما يسمى بـ " الإبراد " وانظر لمعرفة حكمه جواب السؤال رقم (39818) .
ثانياً:
أما عن المفاضلة بين الصلاة في أول وقتها منفرداً، والصلاة في آخر وقتها جماعة، فقد اختلف العلماء في ذلك.
فذهب بعضهم إلى تقديم فضيلة الوقت على فضيلة الجماعة.
وذهب بعضهم إلى أن تأخير الصلاة لتحصيل فضيلة الجماعة أفضل من الإتيان بها منفرداً في أول وقتها.
وذهب بعضهم إلى استحباب صلاتها مرتين، لتحصيل الفضيلتين.
قال الحطاب في "مواهب الجليل" (1/404) : " الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ فَذًّا (أي: منفرداً) أَفْضَلُ مِنْهَا فِي آخِرِ الْوَقْتِ فِي جَمَاعَةٍ " ثم نقل ذلك عن الإمام مالك رحمه الله.
وقال النووي في المجموع (2/303) : " الَّذِي نَخْتَارُهُ أَنَّهُ يَفْعَلُ مَا أَمَرَهُ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَيُصَلِّي مَرَّتَيْنِ: مَرَّةً فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ مُنْفَرِدًا لِتَحْصِيلِ فَضِيلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ , وَمَرَّةً فِي آخِرِهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ لِتَحْصِيلِ فَضِيلَتِهَا , فَإِنْ أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَى صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ - فَإِنْ تَيَقَّنَ حُصُولَ الْجَمَاعَةِ آخِرَ الْوَقْتِ - فَالتَّأْخِيرُ أَفْضَلُ لِتَحْصِيلِ شِعَارِهَا الظَّاهِرِ ; وَلِأَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ فِي مَذْهَبِنَا وَفَرْضُ عَيْنٍ عَلَى وَجْهٍ لَنَا , وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ أَصْحَابِنَا , وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَطَائِفَةٍ , فَفِي تَحْصِيلِهَا خُرُوجٌ مِنْ الْخِلَافِ , وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ يَأْثَمُ بِتَأْخِيرِهَا , وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إنْ فَحُشَ التَّأْخِيرُ فَالتَّقْدِيمُ أَفْضَلُ , وَإِنْ خَفَّ فَالِانْتِظَارُ أَفْضَلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ " انتهى.
وقال البهوتي في "كشاف القناع" (1/457) : " وَتُقَدَّمُ الْجَمَاعَةُ مُطْلَقًا عَلَى أَوَّلِ الْوَقْتِ ; لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ , وَأَوَّلُ الْوَقْتِ سُنَّةٌ، وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ وَاجِبٍ وَمَسْنُونٍ " انتهى.
والذي يظهر من هذا –والله أعلم-: أن الالتزام بجماعة المسلمين أولى من الصلاة منفرداً لما هو معلوم من فضل الصلاة في جماعة، وحرصا على إقامة هذه الشعيرة، ولأن الصحيح من أقوال أهل العلم أن صلاة الجماعة واجبة.
إلا إذا شق عليك الانتظار إلى هذا الوقت، فلا حرج عليك من الصلاة في أول الوقت منفرداً، إذا لم تجد أحدا تصلي معه في جماعة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/897)
المنع من الصلاة في حال النعاس
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في البخاري أحاديث تقول بأن على المسلم ألا يصلي وهو يشعر بالنعاس، لكني لم أكن أعرف ما هي درجة النعاس المقصودة من تلك الأحاديث. ولذلك، فقد حدث أن صليت عدة مرات وأنا أشعر بالنعاس. وكان ذلك لأني كنت متعبة جدا لدرجة أني (ظننت) إن أنا نمت فإني لن أتمكن من الاستيقاظ بعد 7 ساعات أو ما يقاربها، كما أني إن أنا نمت فإن وقت الصلاة سيخرج. فهل علي أن أعيد تلك الصلوات؟ (لأني صليت وأنا أعلم بأن المسلم لا يجوز له أن يصلي وهو يشعر بالنعاس، وأفيدكم بأن درجة النعاس لم تكن كبيرة، حيث أنه لم يكن يغلبني، فقد كنت أفهم ما أقوله) .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلاةِ فَلْيَنَمْ حَتَّى يَعْلَمَ مَا يَقْرَأُ) رواه البخاري (الوضوء / 206)
قال ابن حجر: قَوْله: (فَلْيَنَمْ) قَالَ الْمُهَلَّب: إِنَّمَا هَذَا فِي صَلاة اللَّيْل ; لأَنَّ الْفَرِيضَة لَيْسَتْ فِي أَوْقَات النَّوْم , وَلا فِيهَا مِنْ التَّطْوِيل مَا يُوجِب ذَلِكَ. اِنْتَهَى. وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ جَاءَ عَلَى سَبَب ; لَكِنَّ الْعِبْرَة بِعُمُومِ اللَّفْظ فَيُعْمَل بِهِ أَيْضًا فِي الْفَرَائِض إِنْ وَقَعَ مَا أَمِنَ بَقَاء الْوَقْت.
قال النووي: وَهَذَا عَامّ فِي صَلاة الْفَرْض وَالنَّفْل فِي اللَّيْل وَالنَّهَار , وَهَذَا مَذْهَبنَا وَالْجُمْهُور , لَكِنْ لا يُخْرِج فَرِيضَة عَنْ وَقْتهَا , قَالَ الْقَاضِي: وَحَمَلَهُ مَالِك وَجَمَاعَة عَلَى نَفْل اللَّيْل لأَنَّهُ مَحِلّ النَّوْم غَالِبًا.
وقد جاء تعليل ذلك في حديث آخر: (إذا نعس أحدكم وهو يصلي فليرقد حتى يذهب عنه النوم فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لا يدري لعله يستغفر فيسب نفسه) البخاري 212 ومسلم 786
ويُفهم منه أن درجة النعاس التي ورد فيها النص هي الدرجة التي لا يستطيع معها الإنسان أن يعي ويفهم ما يقول.
والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/898)
يريد أن يصلي في المدرسة ولا يوجد مكان يصلي فيه
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا تفعل لو كنت في المدرسة حتى الساعة 4 عصراً وتريد أن تصلي الظهر ولا يوجد مكان للمسلمين ليؤدوا فيه الصلاة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أنعم الله على هذه الأمة بنعم كثيرة جمَّة ومن ذلك أن الله اختص هذه الأمة بخصائص لم تكن عند الأمم السابقة، ومن هذه الخصائص أنهم يستطيعون الصلاة في أي مكان ما دام هذا المكان طاهراً غير نجس أو مكان جاء النهي عن الصلاة فيه، فقد جاء في الحديث المتفق عليه عن جابر بن عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنْ الأَنْبِيَاءِ قَبْلِي نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا وَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلاةُ فَلْيُصَلِّ وَأُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ " رواه البخاري (419) ومسلم (810) .
فلا شك أن هذه نعمة عظيمة وتيسير على المسلمين، فينبغي عليك الصلاة في المدرسة في أي مكان ما دام هذا المكان طاهراً.
وللأهمية يراجع جواب سؤال رقم (9455) .
أما الأماكن التي ورد النهي عنها، فمثل المقبرة والحمام، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام) رواه الترمذي (الصلاة/291) ، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (262) .
وكذلك أيضاً ورد النهي عن الصلاة في مبارك الإبل وغيرها من الأماكن التي دلت الأدلة على تحريم الصلاة فيها.
ولا شك أن أمر الصلاة من الأمور التي لا يُتهاون فيها فيجب عليك الحرص على أدائها قبل خروج وقتها وفقك الله لطاعته والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/899)
لماذا تمّ تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أودّ أن أعرف لماذا صلى المسلمون تجاه بيت المقدس أولاً ولماذا غُيّرت تجاه الكعبة؟ جزاك الله خيراً..]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة كان يستقبل بيت المقدس، وبقي على ذلك ستة - أو سبعة - عشر شهراً، كما ثبت في الصحيحين من حديث البراء بن عازب - رضي الله عنهما - قال صلّى النبي صلى الله لعيه وسلم إلى بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً وكان يعجبه أن تكون قبلته إلى البيت … الحديث.
ثم بعد ذلك أمره الله تعالى باستقبال الكعبة (البيت الحرام) وذلك في قوله تعالى: (فولِّ وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره …) سورة البقرة 144.
وأما السؤال عن حكمة ذلك فقبل الإجابة عليه لا بدّ من تذكّر ما يلي:
أولاً: أننا نحن المسلمين إذا أتانا الأمر من الله وجب علينا قبوله والتسليم له - وإن لم تظهر لنا حكمته - كما قال تعالى: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم …) الأحزاب 36.
ثانياً: أن الله سبحانه وتعالى لا يحكم بحكم إلا لحكمة عظيمة - وإن لم نعلمها - كما قال تعالى: (ذلكم حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم) الممتحنة 10، وغيرها من الآيات.
ثالثاً: أنّ الله سبحانه وتعالى لا ينسخ حكماً إلا إلى ما هو أفضل منه أو مثله، كما قال تبارك وتعالى: (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير) . سورة البقرة 106.
إذا تبين ذلك فإن في تحويل القبلة حِكَما منها:
1- امتحان المؤمن الصادق واختباره، فالمؤمن الصادق يقبل حكم الله جل وعلا، بخلاف غيره، وقد نبّه الله على ذلك بقوله: (وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله …) البقرة 143.
2- أن هذه الأمة هي خير الأمم، كما قال تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس …) آل عمران 110، وقال تعالى في ثنايا آيات القبلة: (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً …) البقرة 143. والوسط: العدول الخيار. فالله عز وجل اختار لهذه الأمة الخير في كل شيء والأفضل في كلّ حكم وأمر ومن ذلك القبلة فاختار لهم قبلة إبراهيم عليه السلام.
وقد روى الإمام أحمد في مسنده (6/134-135) من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في أهل الكتاب: (إنهم لا يحسدوننا على شيء كما يحسدوننا على يوم الجمعة، التي هدانا الله لها وضلوا عنها، وعلى القبلة التي هدانا الله لها وضلوا عنها، وعلى قولنا خلف الإمام آمين) ولمزيد من المعلومات حول الموضوع يُراجع كتاب بدائع الفوائد لابن القيّم رحمه الله (4/157-174) . والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/900)
حكم تأخير صلاة العصر وأذانها ساعة عن الوقت ليجتمع الموظفون
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن زملاء عمل في الجبيل الصناعية (المنطقة الشرقية) نصلى الظهر والعصر في مسجد صغير داخل الشركة وليس له جماعة غيرنا. اقترح بعض الإخوة توحيد وقت الأذان والإقامة كالآتي: 1- صلاة الظهر: وقت الأذان الساعة الثانية عشرة إلا ربع , ووقت الإقامة: الساعة الثانية عشر. 2- صلاة العصر / وقت الأذان: الساعة الثالثة وخمسة وثلاثون دقيقة , ووقت الإقامة: الساعة الثالثة وخمسة وأربعون دقيقة. السبب: حتى يتمكن جميع جماعة المسجد من الصلاة مع الجماعة وهذا الوقت أنسب وقت يكون فيه الجميع قد رجعوا إلى مكاتبهم من أماكن متفرقة ومتباعدة. والسؤال: هل نكون بذالك قد حققنا معنى الحديث بما جاء عن رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم: (أحب الأعمال إلى الله الصلاة على وقتها) ؟ سؤال آخر: هل صلاة العصر الساعة الثالثة وخمسة وأربعون دقيقة غير خارجة عن وقت صلاة العصر؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
السنة أن يكون الأذان في أول الوقت , لمواظبة مؤذني رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك، ولا حرج لمن أراد تأخير الصلاة عن أول وقتها أن يؤخر الأذان حتى يكون قريبا من أداء الصلاة.
قال الرملي في حاشيته على "أسنى المطالب" (1/133) : " فيؤذن للصلاة إذا دخل وقتها , وهو مشروع لها إلى خروجه " انتهى.
أي أن وقت الأذان ممتد من دخول وقت الصلاة إلى خروجه.
وأما الأذان قبل الوقت، فلا يجوز إلا لصلاة الفجر
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/246) : " الأذان قبل الوقت في غير الفجر لا يجزئ. وهذا لا نعلم فيه خلافا , قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن من السنة أن يؤذن للصلوات بعد دخول وقتها , إلا الفجر. ولأن الأذان شرع للإعلام بالوقت , فلا يشرع قبل الوقت , لئلا يذهب مقصوده " انتهى.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن حكم تأخير الأذان عن أول الوقت؟
فأجاب: " إذا كان الإنسان في بلد فلا ينبغي أن يتأخر عن أول الوقت؛ لأن ذلك يؤدي إلى الفوضى واختلاف المؤذنين والاشتباه على الناس أيهما أصوب هذا المتقدم أو المتأخر , أما إذا كان في غير البلد فالأمر إليهم، لكن الأفضل أن يؤذنوا في أول الوقت ويصلوا؛ لأن تقديم الصلاة في أول وقتها أفضل، إلا ما شرع تأخيره، فما شرع تأخيره فإنه يؤخر فيه الأذان، ولهذا ثبت في صحيح البخاري أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان في سفر فقام المؤذن ليؤذن فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أبرد) ثم أراد أن يقوم فقال: (أبرد) ثم أراد أن يقوم فقال: (أبرد) حتى ساوى التل ظله ثم أذن، وهذا يدل على أن الأذان مشروع حيث تشرع الصلاة، فإذا كانت الصلاة مما ينبغي تأخيره كصلاة الظهر في شدة الحر، وصلاة العشاء فإنه يؤخر، هذا في غير المدن والقرى التي فيها مؤذنون، وإلا فلا ينبغي للإنسان أن يتخلف عن الوقت الذي يؤذن فيه الناس " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (12/189) .
والحديث المذكور رواه البخاري (539) ومسلم (616) .
وعلى هذا، فلكم أن تؤذنوا أول الوقت , ثم تقتصروا على الإقامة إذا أردتم القيام إلى الصلاة , ولكم أن تؤخروا الأذان حتى يكون قريبا من فعل الصلاة.
ثانياً:
وقت صلاة العصر الاختياري ينتهي باصفرار الشمس، ولا يجوز تأخير الصلاة بعد ذلك إلا لضرورة، لقول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ) رواه مسلم (612) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما. وانظر جواب السؤال رقم (9940) .
والأفضل تعجيلها؛ لعموم الأحاديث في فضل الصلاة في أول وقتها، لكن إذا كان تأخيرها يناسب اجتماع الموظفين وتهيأهم لها، وكان ذلك قبل اصفرار الشمس، فلا حرج فيه.
وبالرجوع إلى تقويم أم القرى وجدنا أن أقل وقت لصلاة العصر يكون في أواخر شهر نوفمبر (تشرين الثاني) وأوائل شهر ديسمبر (كانون الأول) حيث يدخل وقت صلاة العصر الساعة الثانية والنصف , وتغرب الشمس الساعة الخامسة إلا عشر دقائق تقريباً , وقد ذكرتم أنكم ستصلون العصر الساعة الثالثة وخمسة وأربعين دقيقة , وهذا يكون قبل اصفرار الشمس إن شاء الله.
وعليه فلا حرج عليكم في صلاة العصر في ذلك الوقت المحدد.
أما صلاة الظهر فقد وجدنا أنه في بعض أيام السنة سيدخل وقتها بعد الساعة الثانية عشرة إلا ربع وهو الوقت الذي حددتموه للأذان , ففي منتصف شهر فبراير (شباط) الميلادي سيدخل وقت الظهر الساعة الثانية عشرة إلا خمس دقائق تقريباً حسب توقيت أم القرى.
ومعنى هذا أنكم ستؤذنون لصلاة الظهر قبل دخول وقتها في بعض أيام السنة , وهذا لا يجوز بإجماع العلماء كما سبق.
فعليكم مراعاة ذلك في وقت أذان الظهر , ولو بتأخيره حتى يكون الساعة الثانية عشرة.
ثالثاً:
وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم وقد سئل: أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ فَقَالَ: (الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا) رواه البخاري (527) ومسلم (85) فإنه يدل على فعل الصلاة في الوقت، وقال بعض أهل العلم: يدل على أفضلية فعلها في أول الوقت. ينظر: فتح الباري.
لكن روى أبو داود (426) عَنْ أُمِّ فَرْوَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: (الصَّلَاةُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا) صححه الألباني في صحيح أبي داود.
وهذا صريح في أفضلية الصلاة أول الوقت، ويستثنى من ذلك الإبراد بالظهر لشدة الحر، وتأخير صلاة العشاء إذا لم يكن فيه مشقة على المصلين.
وبالنسبة لصلاة الظهر سيكون فعلكم لها في أول وقتها على مدار السنة , حسب تقويم أم القرى.
وأما صلاة العصر فهناك بعض الأيام من السنة وهي التي يقصر فيها النهار , سوف تفعلونها بعد مرور أكثر من نصف وقتها , وهذا يخرجها عن أول الوقت , وإن كان فعلها في ذلك الوقت جائزا , ما دام قبل اصفرار الشمس.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
(5/901)
تحديد القبلة بواسطة الشمس
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يمكن تحديد القبلة بواسطة الشمس؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
استقبال القبلة في الصلاة أمر بالغ الأهمية، إذ تتوقف عليه صحة الصلاة، ولذلك اهتم العلماء قديما وحديثا بطرق تحديد القبلة، ومنها: الشمس.
فيمكن تحديد القبلة بواسطة الشمس وذلك عن طريق معرفة الجهة التي تشرق منها أو تغرب فيها، وبالتالي يمكن تحديد الجهات الأربع كلها (الشرق والغرب، الشمال والجنوب) ثم يتم تحديد اتجاه القبلة.
فمن كان يعلم أن قبلته في جهة الشرق استقبل جهة الشرق، ومن كان يعلم أن قبلته في جهة الشمال جعل جهة الشرق على يمينه واستقبل جهة الشمال......وهكذا.
ولكن هذه الطريقة لا يستفيد منها إلا من يعلم اتجاه القبلة بالنسبة له، هل تقع في المشرق أو المغرب......إلخ ولكنه فقط يحتاج إلى تحديد الجهات الأربع.
انظر: "المغني" (2/105)
وقد ذكر العلماء المعاصرون والمختصون بعلم الفلك طريقة حديثة في تحديد اتجاه القبلة بواسطة الشمس، وهو ما يعبرون عنه بـ "الاستفادة من ظاهرة تعامد الشمس على مكة المكرمة".
وبيان ذلك:
أن الشمس تتحرك شمال وجنوب خط الاستواء في فصلي الصيف والشتاء، ومكة تقع شمال خط الاستواء (بينه وبين مدار السرطان) .
ومعنى هذا، أن الشمس ستمر بمكة مرتين كل سنة، مرة أثناء حركتها شمال خط الاستواء، والأخرى أثناء رجوعها، وعند دخول وقت صلاة الظهر حسب التوقيت المحلي لمكة تكون الشمس عمودية تماماً على مكة المكرمة، فمن ينظر إلى الشمس في هذه اللحظة يكون مستقبلاً لجهة القبلة تماما، لأن الشمس في تلك اللحظة تكون فوق مكة مباشرة.
وهذان اليومان هما 28 مايو الساعة 9 صباحا والدقيقة 18 بتوقيت جرينتش، واليوم الثالي: 16 يوليو الساعة 9 صباحا والدقيقة 27 بتوقيت جرينتش.
ولكن هذه الظاهرة لا يستفيد منها إلا من يرى الشمس في هذه اللحظة، أما من يكون عندهم ليل في هذا الوقت فلا يمكنهم الاستفادة منها.
ولكن هناك يومان آخران تكون الشمس فيهما عمودية على المكان الذي يقابل الكعبة من الجانب الآخر من الكرة الأرضية، وهما: 28 نوفمبر الساعة 21 والدقيقة 9 بتوقيت جرينتش، ويوم 13 يناير الساعة 21 والدقيقة 9 بتوقيت جرينتش.
ولكن يكون اتجاه القبلة معاكسا تماما للاتجاه الذي فيه الشمس، فيعطي الإنسان ظهره للشمس، والجهة التي أمامه هي جهة القبلة.
وبهذا يمكن لجميع أهل الأرض تحديد اتجاه القبلة بدقة بواسطة الشمس.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/902)
الصلاة في غرفة النوم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أنه لا يجوز للرجل أو المرأة الصلاة في غرفة النوم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في صلاة الرجل أو المرأة في غرفة النوم؛ لقول النبي: (وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ) رواه البخاري (335) ومسلم (521) .
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي النافلة وقيام الليل في حجرة عائشة رضي الله عنها وحجر غيرها من زوجاته رضي الله عنهن.
ولا يخفى أن الرجل مأمور بالصلاة مع الجماعة، حيث يُنادى بها، لكن إن فاتته الصلاة، أو مكان معذورا في عدم الذهاب للمسجد، أو صلى النافلة في غرفة نومه فلا حرج في ذلك، ولو ترك صلاة الجماعة في المسجد بلا عذر وصلى في غرفته تلك، صحت صلاته، وأثم لترك الجماعة.
والمقصود أنه لا فرق بين غرفة النوم وبين غيرها من أماكن البيت الطاهرة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/903)
الصلاة في ثوب شفاف
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الصلاة في ثياب السلك والتي تشف قليلا ما تحتها ويرى منها حجم الجسد.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان الثوب شفافاً بحيث يبدو من ورائه لون البشرة، فإنه لا تصح الصلاة فيه، لعدم ستر العورة.
وقد سئل عن ذلك الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله فقال:
إذا كان الثوب المذكور لا يستر البشرة لكونه شفافاً أو رقيقاً: فإنه لا تصح الصلاة فيه من الرجل إلا أن يكون تحته سراويل أو إزار يستر ما بين السرة والركبة.
وأما المرأة فلا تصح صلاتها في مثل هذا الثوب إلا أن يكون تحته ما يستر بدنها كله.
أما السراويل القصيرة تحت الثوب المذكور فلا تكفي.
وينبغي للرجل إذا صلَّى في مثل هذا الثوب أن تكون عليه فنيلة أو شيء آخر يستر المنكبين أو إحداهما لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء " متفق على صحته.
" فتاوى إسلامية " (1 / 219) .
أما إذا كان الثوب يستر البشرة ولا يبدو من وراءه لونها ولكنه لنعومته أو ضيقه يبين حجم الأعضاء، فإن هذا لا يمنع من صحة الصلاة فيه، ما دامت العورة مستورة.
قال ابن قدامة: الواجب الستر بما يستر لون البشرة، فإن كان خفيفاً يبين لون الجلد من ورائه، فيُعلم بياضه أو حمرته، لم تجز الصلاة فيه، لأن الستر لا يحصل بذلك، وإن كان يستر لونها، ويصف الخلقة، جازت الصلاة، لأن هذا لا يمكن التحرز منه.
المغني 2 / 286.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/904)
الصلاة في السيارة والطائرة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة أسكن في إحدى المدن وأذهب مع زوجي إلى مدينة أخرى لعمل ما أو بغرض أن نتمشى أو نتسوق وتدركنا صلاة المغرب أو العشاء فنذهب للبحث عن مسجد فيه مصلى نساء أحيانا لا نجد فيصلي زوجي في المسجد وأنا لا أجد مكاناً أصلي فيه والله يعلم أننا نبحث وبشكل جدي ولكن للأسف كما قلت أحيانا لا نوفق فأضطر أن أصلي في السيارة وأنا جالسة (السؤال: هل تصح صلاتي بهذه الطريقة علما أنني فعلت هكذا أكثر من مرة) أفيدوني]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عملك هذا أيتها الأخت غير صحيح، لأن القيام مع القدرة ركن من أركان الصلاة فيمكنك أن تصلي في المسجد (قسم الرجال) بعد خروج الرجال منه، فإن لم تجدي مسجداً فإنك تصلين على الأرض في أي مكان.
والصلاة في السيارة أو الطائرة أو القطار أو غيرها من المراكب إذا كان المصلي لا يستطيع استقبال القبلة والصلاة قائماً لا تجوز في الفريضة إلا بشرطين:
1- أن يخشى خروج وقت الفريضة قبل وصوله، أما إن كان سينزل قبل خروج الوقت فإنه ينتظر حتى ينزل ثم يصلي.
2- ألا يستطيع النزول للصلاة على الأرض، فإن استطاع النزول وجب عليه ذلك.
فإذا وجد الشرطان جاز له الصلاة في هذه المراكب والدليل على جواز الصلاة على هذه الحال عموم قوله تعالى: {لا يُكلف الله نفساً إلا وسعها} البقرة / 286 وقوله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} التغابن / 16، وقوله تعالى: {وما جعل عليكم في الدين من حرج} الحج / 78.
فإن قيل: إذا جاز لي الصلاة على هذه المراكب، فهل أستقبل القبلة، وهل أصلي جالساً مع القدرة على الصلاة قائماً؟
فالجواب:
إن استطعت أن تستقبل القبلة في جميع الصلاة وجب فعل ذلك؛ لأنه شرط في صحة صلاة الفريضة في السفر والحضر انظر سؤال رقم (10945) .
وإن كان لا يستطيع استقبال القبلة في جميع الصلاة فليتق الله ما استطاع؛ لما سبق من الأدلة.
هذا في الفرض، أما النافلة فأمرها واسع، فيجوز للمسلم أن يصلي على هذه المذكورات حيثما توجهت به - ولو استطاع النزول في بعض الأوقات -؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتنفل على راحلته حيث كان وجهه، لحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان يصلي التطوع وهو راكب في غير القبلة " رواه البخاري 1094، لكن الأفضل أن يستقبل القبلة عند الإحرام حيث أمكنه في صلاة النافلة حين سيره في السفر. أنظر فتاوى اللجنة الدائمة 8/124
وأما صلاة الفريضة جالساً مع القدرة على القيام فإنها لا تجوز لعموم قوله تعالى: (وقوموا لله قانتين) البقرة / 238، وحديث عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (صلِّ قائماً فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب) رواه البخاري 1117 وبالله التوفيق.
فتاوى اللجنة الدائمة 8/126.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/905)
كيف أصلي على متن الطائرة ومسارها متغير؟
[السُّؤَالُ]
ـ[عند السفر بالطائرة في أي اتجاه يجب علي أن أصلي واضعا بالاعتبار أن الطائرة تغير مسارها فيتغير اتجاه القبلة تبعاً وبالتالي فلا أتمكن من الصلاة مستقبلا القبلة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب عليك التوجه إلى القبلة في صلاة الفريضة لقوله تعالى: (فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره) البقرة/144-150.
ويمكنك سؤال الملاحين لمعرفة اتجاه القبلة، واغتنام فرصة ثبات مسار الطائرة بعد استقرارها في الجو لتؤدي الصلاة قائماً مستقبل القبلة، فإن لم يمكن واستطعت أن تؤخر الصلاة إلى ما بعد الهبوط دون أن يخرج الوقت لتتمكن من استقبال القبلة قائماً على الأرض فافعل ذلك فإن عجزت عن ذلك خشية خروج الوقت فصلِّ على حسب حالك في الطائرة، وصلاتك صحيحة، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها. والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/906)
كيف نحدد جهة القبلة للطلاب المسلمين في جامعة كاليفورنيا
[السُّؤَالُ]
ـ[إنني رئيس اتحاد الطلبة المسلمين في جامعة كاليفورنيا وبفضل الله استطعنا الحصول على مكان لنصلي فيه ولكن المشكلة هي تحديد اتجاه القبلة فهناك رأيان أحدهما إلى الجنوب الشرقي (وأنا أوافق عليه) والآخر الشمال الشرقي والمشكلة هي أنني لا أعرف تحديد اتجاه القبلة ولا أعرف ماذا أفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: نهنئك وأصحابك على جهدكم في الحصول على المصلى ونسأل الله تعالى أن يعمره بكم وبالقائمين والركع السجود.
ثانياً: من شروط صحة الصلاة أن تتجه للقبلة، ومن علم اتجاه القبلة وكان قادراً على تولية وجهه شطرها ولم يفعل: فصلاته باطلة وهو آثم لقوله تعالى: {فولِّ وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره} [سورة البقرة /144-150] .
إلا أن يكون معذوراً، هذا في صلاة الفرض وأما صلاة النافلة فيباح له أن يتجه حيث شاء إذا كان راكباً في سفر وإن استطاع النزول، ولا يجوز للمتنفل أن يتجه لغير القبلة بغير عذر الركوب وعذر السفر.
ثالثاً: من كان قريباً من الكعبة فعليه أن يستقبل عين الكعبة ذاتها لقوله تعالى {فولِّ وجهك شطر المسجد الحرام} [سورة البقرة / 144] .
ولذلك فإن صفوف المصلين حول الكعبة دائرية وكلما ابتعدوا عنها كلما اتسعت الدائرة، وكلما اقتربوا منها ضاقت الدائرة ومن كان داخل المسجد الحرام فعليه أن يستقبل عين الكعبة ومن كان داخل مكة استقبل المسجد الحرام ومن كان خارج مكة استقبل جهة مكة، ويكتفي بالجهة لحديث: " ما بين المشرق والمغرب قبلة ". رواه الترمذي (342) وابن ماجه (1011) .
والمشرق والمغرب هذا خاص بأهل المدينة ومن كان في حكمهم في الجهة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر هذا الحديث لأهل المدينة.
رابعاً: بعد النظر إلى الخريطة - وهذا ما كان ينبغي عليك أن تصنعه - بأن تنظر إلى الخريطة ثم تمد خطاً ما بين كاليفورنيا ومكة ثم تنظر إلى اتجاه الخط وعليه تحدد اتجاه القبلة.
(وهو ما أفتانا به شيخنا الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين وأن المصلي لا يراعي انحناء سطح الأرض وكرويتها عند تحديد القبلة بل يعيّن جهة إلى مكة بالخط المستقيم)
وعند النظر إلى الخريطة نجد أن اتجاه القبلة نحو المشرق مع انحراف بسيط جداً إلى الجنوب لا يكاد يُذكر.
وقبلتك أنت ما بين الجنوب والشمال فلو اتجهت ما بين الجنوب والشمال وجعلت المشرق قِبَل وجهك فلا بأس بذلك ولا داعي لقيام المشكلات الكبيرة وإثارة الفتن بين المسلمين في هذه القضية التي يسّرها الشارع بقوله ما بين المشرق والمغرب قِبلة والعلماء قد قرّروا أن الانحراف اليسير عن جهة مكة لا يضرّ فاعملوا بما هو متاح لكم وخذوا بما تيسّر من وسائل تحديد الاتّجاه وابنوا عليه.
وقد سألت اللجنة الدائمة عن استعمال الآلات والعلوم الفلكية لإظهار جهة الكعبة فأجابت بما يلي:
كان أهل العلم والخبرة بالجهات من المسلمين يعرفون جهة الكعبة ليلاً بالقطب الشمالي وغيره من النجوم، وبالقمر طلوعاً وغروباً، ونهاراً بالشمس طلوعاً وغروباً، وبغير ذلك من أنواع الدلالات الكونية، قبل أن يوجد ضبط الجهات بآلة ضبط يابانية أو أوربية، فلا تتعين أي آلة منهما لضبط القبلة، ولا تتوقف معرفتها عليها، لكن إذا ثبت لدى أهل الخبرة الثقات من المسلمين أن جهازا أو آلة تضبط القبلة وتبينها عيناً أو جهة لم يمنع الشرع من الاستعانة بها في ذلك وفي غيره، بل قد يجب العمل بها في معرفة القبلة إذا لم يجد من يريد الصلاة دليلاً سواها.
انتهى.
وفقنا الله وإياكم لكل خير وصلى الله على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/907)
صلاة المرأة بثوب واحد
[السُّؤَالُ]
ـ[بالنسبة لأداء الصلاة، هل من الواجب على المسلمة أن تغطي بدنها بثوبين، مثل السروال (البنطال) لنصفها السفلي وقميص لنصفها العلوي، أم هل يجوز لها أن ترتدي ثوبا واحدا يغطي سائر بدنها وفقا للتعليم الإسلامية الخاصة بالملابس.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب على المسلمة أن تغطي جميع بدنها في الصلاة سوى وجهها لأنها كلها عورة في الصلاة، ففي الحديث: " لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار ". ويجب أن يكون الساتر سابغا يغطي جميع البدن واسعا لا يبين الحجم، ويكفي أن يكون الثوب واحدا يغطي سائر البدن. وأما حكم لبس البنطال فلها أن تراجع السؤال رقم (5066 و 10436 و 21438)
الشيخ عبد الكريم الخضير.
ويحسن التنبيه هنا إلى أنه ليس لصلاة المرأة لباس معيّن يسمى لباس الصلاة بحيث لا يصح لها أن تصلي في غيره كما يظنه كثير من النساء في بعض المجتمعات، وإنما الحكم معلق بالستر فمتى حصل الستر صحت الصلاة.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/908)
هل يجوز أن يصلي الكافر مع المسلمين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لغير المسلمين أن يصلوا مع المسلمين في نفس الصف؟ . أرجو ذكر الدليل للجواز وعدمه وشكراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز لغير المسلم أن يصلي لا في الصف نفسه ولا وحده، والمطلوب منه الدخول في الإسلام قبل صلاته، ثم الطهارة، ثم باقي الشروط.
فهو مخاطب بالصلاة ومعاقب عليها إذا لم يُسلم ويؤدها، لكنها لا تُقبل منه إلا بالدخول في الإسلام.
قال الله تعالى: (وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله) التوبة / 54، وقال: (لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين) الزمر / 65.
قال الشيخ ابن عثيمين في ذكره لشروط صحة الصلاة:
وهناك شروط أخرى، ... منها: الإسلام، والعقل، والتَّمييز، ... فكلُّ عبادة لا تصحُّ إلا بإسلامٍ وعقلٍ وتمييزٍ إلا الزَّكاة، فإنها تلزم المجنون والصَّغير على القول الرَّاجح، وأما صحَّة الحجِّ من الصَّبي فلورود النصِّ بذلك.
" الشرح الممتع " (2 / 95) ط ابن الجوزي.
وقال:
فَشُروط الصَّلاة: الإسلام، والعقل، والتَّمييز، ودخول الوقت، وستر العورة، والطَّهارة من الحدث، واجتناب النَّجاسة، واستقبال القِبْلة، والنِّيَّة.
" الشرح الممتع " (2 / 289) ط ابن الجوزي.
وكذا باقي العبادات فإنها لا تُقبل إلا من مسلم، فالإسلام شرط لصحة العبادات ويتوقف قبولها عليه.
قال ابن رشد:
الشروط قسمان:
شروط صحة، وشروط وجوب، فأما شروط الصحة: فلا خلاف بينهم أن من شروطه: الإسلام، إذ لا يصح حج من ليس بمسلم ... أ. هـ
" بداية المجتهد " (1 / 133) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/909)
دخل مع الإمام بنيةٍ غير نيةِ إمامه
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كانت جماعة المصلين تصلي العصر، ودخل أحد المسلمين معهم الصلاة ظانا أنها صلاة الظهر، لكنه أدرك أثناء الصلاة أنها العصر، فماذا عليه أن يفعل عندما تتغير نيته في أثناء الصلاة؟ هل عليه أن يقطع صلاته حينها ويكبر للإحرام مرة أخرى؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا السائل لايخلو من أحد حالين:
الحالة الأولى: أن يكون السائل قد أدى صلاة الظهر ثم دخل معهم في صلاة العصر بنية الظهر ناسيا ثم تذكر في أثناء الصلاة أن هذه صلاة العصر ففي هذه الحالة لا يصح أن يغيّر نيّته بأن ينويها عصراً بل يقطع الصلاة، ثم يكبر ويدخل مع الإمام مرّة أخرى بنّية العصر. لأن النية شرط في صحة الصلاة. والقاعدة في هذا الباب (أي في باب النية في الصلاة) أن من انتقل بنيته من صلاة معينة سواء كانت فرضا أو نفلا إلى صلاة معينة أخرى بطلت الصلاة التي هو فيها، ولم تنعقد الصلاة الأخرى، وإنما تنعقد بأن ينوي قطع الصلاة التي نواها اولاً، ثم يكبر تكبيرة الإحرام ناويا الصلاة الأخرى. والله أعلم. انظر (الشرح الممتع 2 /296) .
الحالة الثانية: أن يكون لم يصل الظهر أصلاً ودخل المسجد وهم يصلون العصر:
فقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: إذا كان على شخص فائتة كالظهر فذكرها وقد أقيمت صلاة العصر.
فأجاب: المشروع لمن ذكر في السؤال أن يصلي مع الجماعة الحاضرة صلاة الظهر بالنية (أي بنية الظهر) ثم يصلي العصر بعد ذلك لوجوب الترتيب، ولا يسقط الترتيب خشية فوات الجماعة ... أ. هـ.
وقال في موضع آخر: ولا يضر اختلاف النية بين الإمام والمأموم على الصحيح من أقوال أهل العلم ... والله أعلم.
فتاوى الشيخ ابن باز رحمه الله (ج/ 12-ص /190- 191) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/910)
صلَّى وحده وبالناس وهو على جنابة فماذا يترتب عليه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[صليت وأنا على جنابة، في البداية لم أكن أعلم ثم علمت، ولكنني كنت مسلماً غير مبالٍ، صليت عدة صلوات وأنا على جنابة، وفي مرة كنت في البيت وصليت إماماً واستحييت أن أقول بأنني على جنابة، وأريد التوبة، هل أعيد الصلوات أم أصلي العديد من النوافل؟ إهمالي هو السبب وأريد أن أتوب، فماذا أفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ما صليتَه وأنت لم تعلم بحكم هذا الفعل: لا إثم عليك فيه، ولا قضاء لما صليتَه وأنت جنب، فالشرع عذر الجاهل سواء في تركه للواجبات أو في فعله للمحرمات إذا كان غير مقصِّر في السؤال والعلم، فإن كان مقصِّراً في طلب العلم والسؤال: فهو آثم على تقصيره هذا.
قال علماء اللجنة الدائمة:
لا تصح الصلاة بدون طهارة لمن كان عليه حدث أصغر أو أكبر إجماعا ً، لقول الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق ... الآية) المائدة/6 ولقوله صلى الله عليه وسلم " لا تقبل صلاة بغير طهور ". رواه مسلم (224)
" فتاوى اللجنة الدائمة (6 / 259) .
ثانياً:
فإن كنتَ تعلم حكم الشرع في صلاة الجنب، وأنه لا يحل للجنب أن يصلي حتى يغتسل: فإنك آثم على فعلك هذا، ويجب عليك التوبة والاستغفار والندم والعزم على عدم العود لهذا الفعل، كما يجب قضاء تلك الصلوات التي صُلِّيت على تلك الحال.
سئل علماء اللجنة الدائمة:
أنا امرأة تزوجت منذ سبعة عشر عاما، وكنت في بداية زواجى أجهل بعض بل كل أحكام الغسل من الجنابة؛ لجهلي بالأمور المسببة للجنابة وكذلك زوجي، وهذا الجهل ينحصر منا في أن الجنابة لاتكون إلا على الزوج فقط، وكان زواجي في قبل رمضان بشهر تقريبا، وفي أواخر شهر رمضان من نفس العام علمت بالحكم، فماذا عليَّ أن أعمل بالنسبة للصلوات التي صليتها أثناء هذه الفترة، علماً بأنني أغتسل بنية النظافة وليس لرفع الحدث، واغتسالي هذا ليس دائماً أي بعد كل جماع مع العلم بأنني محافظة على الوضوء عند كل صلاة، وكل هذا يحصل بالجهل مني بالطبع كما أشرت، وكذلك ماذا علي بالنسبة لصيامي شهر رمضان المبارك؟
فأجابوا:
يجب عليك قضاء الصلوات التي صليتيها بدون غسل عن الجنابة لتفريطك وعدم تفقهك في الدين، وعليك مع القضاء التوبة إلى الله من ذلك، وأما الصيام فصحيح إذا لم يكن الجماع وقع في النهار.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (6 / 269) .
ثالثاً:
ليس على من صلى خلفك من المأمومين إعادة الصلاة، لأن صلاتهم صحيحة، ولا علاقة لصلاتهم ببطلان صلاة إمامهم الذي صلى جنباً وهم لا يعلمون.
سئل علماء اللجنة الدائمة:
في الأيام القليلة السابقة عندما أردت الوضوء لصلاة المغرب، لاحظت وجود مني في إزاري، فاغتسلت وصليت المغرب ولكني لا أعلم متى حصل الاحتلام: هل قبل صلاة الفجر أم في القيلولة، والمهم أني أسأل في الأمر، فأظن أني صليت الفروض الثلاث: الفجر والظهر والعصر، وأنا على جنابة دون أن أعلم، وبالصدفة فإني صليت هذه الصلوات الثلاث إماماً بمجموعة من المصلين يصل عددهم إلى ثلاثمائة نفر، فكيف أفعل هل أقضي هذه الصلوات الثلاث، وما حكم صلاة من صلى خلفي، وهل تترتب على فعلي هذا جناية؟ أفيدونا أفادكم الله.
فأجابوا:
يجب عليك إعادة صلاتي الظهر والعصر بعد أن تغتسل غسل الجنابة، ويجب أن تعجل بذلك، أما من صلى وراءك هذه الصلوات فلا يجب عليهم إعادتها، فإن عمر رضي الله عنه صلى بالناس صلاة الفجر وهو جنب وقد كان ناسيا فأعاد الفجر ولم يأمر من صلى وراءه تلك الصلاة أن يعيدها، ولأنهم معذورون لكونهم لايعلمون حدثك، أما الفجر فليس عليك إعادة؛ لأن المني قد يكون من نوم الظهيرة، والأصل براءة الذمة من وجوب الإعادة إلا بيقين الحدث.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (6 / 266) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/911)
اكتشفوا أن مسجدهم ينحرف عن القبلة بمقدار 17 درجة
[السُّؤَالُ]
ـ[لدينا في القرية جامع بناؤه قديم وتمت الصلاة فيه لأكثر من عام، ولكن قبل فترة عندما قامت الأوقاف بالكشف على الجامع اتضح أن المسجد منحرف عن اتجاه القبلة ما يعادل 17 درجة، فانقسم أهل القرية إلى قسمين منهم من قال إنه يجب وضع خيط لتعديل اتجاه القبلة، ومنهم من قال بأن ما بين المشرق والمغرب قبلة والانحراف قليل وتصح الصلاة بدون تشويه صفوف المصلين، فما رأيكم؟ وهل يجوز الصلاة خلف الإمام ونحن منحرفون بمقدار 17 درجة؟ ثم هل يجوز هجر المسجد وهل يجوز تخطي المساجد؟ نريد الإجابة بتفصيل وبشكل قاطع لأن أهل البلدة معتمدون على الله ثم على فضيلتكم بالإفتاء القاطع، وسوف نعلق الفتوى في المسجد لحل الخلاف بين الفريقين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
استقبال القبلة شرط لصحة الصلاة؛ لقوله تعالى: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) البقرة/144.
وفرض القريب من الكعبة أن يستقبل عينها، وأما البعيد عنها ففرضه أن يستقبل جهتها، عند جمهور العلماء.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني": " استقبال القبلة شرط لصحة الصلاة , ولا فرق بين الفريضة والنافلة. . .
والواجب على من بَعُد من مكة طلب جهة الكعبة , دون إصابة العين.
قال أحمد: ما بين المشرق والمغرب قبلة , فإن انحرف عن القبلة قليلا لم يُعِدْ , ولكن يتحرى الوسط. وبهذا قال أبو حنيفة. . . لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما بين المشرق والمغرب قبلة) رواه الترمذي " انتهى باختصار.
وفي كلام الإمام أحمد رحمه الله المتقدم فائدتان:
الأولى: تتعلق بصلاتكم الماضية، فهي صحيحة ولا يلزمكم إعادتها.
الثانية: تتعلق بصلاتكم في المستقبل، فعليكم تعديل الصفوف، ولا ينبغي لكم تعمد الانحراف عن القبلة.
وهذا هو قول جمهور العلماء، أما الإمام الشافعي رحمه الله فقد ذهب إلى أنه يجب إصابة عين الكعبة حتى على البعيد، وتبطل الصلاة عنده بمثل هذا الانحراف عن القبلة.
وانظر: "المجموع" (3/208) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " استقبال القبلة يكون إما إلى عين القبلة وهي الكعبة، وإما إلى جهتها. فإن كان الإنسان قريبا من الكعبة يمكنه مشاهدتها ففرضه أن يستقبل عين الكعبة لأنها هي الأصل. وأما إذا كان بعيدا لا يمكنه مشاهدة الكعبة فإن الواجب عليه أن يستقبل الجهة، وكلما بعد الإنسان عن مكة كانت الجهة في حقه أوسع، لأن الدائرة كلما تباعدت اتسعت، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما بين المشرق والمغرب قبلة) هذا بالنسبة لأهل المدينة، وذكر أهل العلم رحمهم الله أن الانحراف اليسير في الجهة لا يضر.
والجهات معروف أنها أربع: الشمال والجنوب والشرق والغرب، فإذا كان الإنسان عن الكعبة شرقا أو غربا كانت القبلة في حقه ما بين الشمال والجنوب، وإذا كان عن الكعبة شمالا أو جنوبا صارت القبلة في حقه ما بين المشرق والمغرب لأن الواجب استقبال الجهة ... " انتهى من "فقه العبادات" ص (154) .
ثانياً:
لا حرج في وضع خيط ونحوه ليستقيم الصف على اتجاه القبلة، وهذا أولى من الصلاة مع الانحراف.
ثالثاً:
الأفضل أن يصلي الإنسان في مسجد حيه أو المسجد القريب من بيته، ولا يتخطاه إلى غيره من المساجد إلا لسبب شرعي، والمرجو من القائمين على المسجد أن يقوموا بتعديل الصفوف وعدم الانحراف عن القبلة يميناً أو شمالاً، احتياطاً للصلاة، فإن بعض الأئمة كما سبق يبطل الصلاة بمثل هذا الانحراف.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى، وجمع كلمتهم على البر والتقوى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/912)
صلى ثم سمع المؤذن فهل يعيد الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أستفسر عن ثلاثة أسئلة:
1- كنا مسافرين وعلى الطريق توقفنا في مدينة وصلينا فيها الظهر والعصر وقت دخول الظهر، ولما انتهينا من الصلاة أذن المؤذن لصلاة الظهر هل علينا إعادة الصلاة أو لا؟
2- كنا متوجهين إلى مدينة في الشمال، وبعد أن بتنا فيها ونوينا الخروج من المدينة صلينا بنية القصر والجمع ... صلينا الظهر، ولما كبرنا للعصر أذن المؤذن للصلاة الظهر فكملنا وصلينا العصر ... هل علينا إعادة صلاة الظهر والعصر أم علينا إعادة صلاة الظهر فقط مع العلم أننا الآن في بيوتنا ولسنا مسافرين.
3- دخلت المسجد لصلاة الظهر وكانت قد فاتت الصلاة فصلينا جماعة لكن لم يكبر أحد لصلاة الجماعة، فما يتوجب علي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جواب السؤال الأول والثاني: إذا كان المؤذن أذن للظهر في وقتها، وليس متأخرا، فقد صليتم الصلاة قبل دخول الوقت، فيلزمكم إعادة الظهر والعصر. وهكذا كل من صلى ثم تبين له أن الوقت لم يدخل.
قال ابن قدامة رحمه الله: " ومن صلى قبل الوقت , لم تجزئه صلاته , في قول أكثر أهل العلم , سواء فعله عمدا أو خطأ , كل الصلاة أو بعضها. وبه قال الزهري , والأوزاعي والشافعي , وأصحاب الرأي. وروي عن ابن عمر , وأبي موسى أنهما أعادا الفجر , لأنهما صلياها قبل الوقت ... " انتهى من "المغني" (2/45 ط هجر) .
والأصل في المؤذن أنه لا يؤذن إلا بعد دخول الوقت، لاسيما وفي مثل حالكم لم يكن معكم ما يدل على أن المؤذن أخطأ في الوقت أو لم يتحر أوله، بل تكرر هذا الفعل منكم يدل على أنكم لم تتحروا دخول الوقت جيدا، فالواجب عليكم اعتماد المؤذن في معرفة دخول الوقت، لا سيما وأهل المكان الذي كنتم فيه يعتمدونه، ولم يظهر منهم اعتراض عليه.
قال ابن قدامة رحمه الله: " وَإِذَا سَمِعَ الأَذَانَ مِنْ ثِقَةٍ عَالِمٍ بِالْوَقْتِ , فَلَهُ تَقْلِيدُهُ ; لأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لا يُؤَذِّنُ إلا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ , فَجَرَى مَجْرَى خَبَرِهِ , وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم {الْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَلَوْلا أَنَّهُ يُقَلَّدُ وَيُرْجَعُ إلَيْهِ مَا كَانَ مُؤْتَمَنًا ... ، وَلأَنَّ الآذَانَ مَشْرُوعٌ لِلإِعْلامِ بِالْوَقْتِ، فَلَوْ لَمْ يَجُزْ تَقْلِيدُ الْمُؤَذِّنِ لَمْ تَحْصُلْ الْحِكْمَةُ الَّتِي شُرِعَ الآذَانُ مِنْ أَجْلِهَا , وَلَمْ يَزَلْ النَّاسُ يَجْتَمِعُونَ فِي مَسَاجِدِهِمْ وَجَوَامِعِهِمْ فِي أَوْقَاتِ الصَّلاةِ , فَإِذَا سَمِعُوا الآذَانَ قَامُوا إلَى الصَّلاةِ , وَبَنَوْا عَلَى أَذَانِ الْمُؤَذِّنِ مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ فِي الْوَقْتِ , وَلا مُشَاهَدَةِ مَا يَعْرِفُونَهُ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ , فَكَانَ إجْمَاعًا. " انتهى من المغني (2/31) . وانظر أيضا: المجموع (3/79) .
جواب السؤال الثالث: وأما سؤالك عن صلاتكم من غير تكبير، فإن كان مرادك أن الإمام لم يأت بتكبيرة الإحرام – وهذا بعيد – فلا تصح صلاته ولا صلاة من خلفه، ويلزمكم جميعا إعادة الصلاة.
وإن كان المراد أنكم لم تقيموا للصلاة، أو أن الإمام لم يجهر بتكبيرة الإحرام، فالصلاة صحيحة، والحمد لله؛ لأن الإقامة ليست من أركان أو شروط صحة الصلاة، وكذلك الجهر بتكبيرة الإحرام.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/913)
الصلاة على السجاجيد التي بها صورة الكعبة أو الأماكن المقدسة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يعد وطء صورة الكعبة والأماكن المقدسة التي على سجادة الصلاة حراما؟ هناك حملة تدعو لمقاطعة شراء سجاد الصلاة التي بها رسومات للأماكن المقدسة تفاديا لوطئها بالأقدام.. ما الرأي الشرعي في هذا الأمر؟ جزاكم الله خيرا عن الإسلام والمسلمين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تصوير ما لا روح فيه من الجمادات والأشجار ونحوها، لا حرج فيه، ويدخل في ذلك تصوير الكعبة والأماكن المقدسة، إذا خلت من صور الآدميين.
لكن لا ينبغي للمصلي أن يكون أمامه أو في سجادته شيء من التصاوير؛ لئلا ينشغل بها، وقد روى البخاري (373) ومسلم (556) عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي خَمِيصَةٍ لَهَا أَعْلَامٌ فَنَظَرَ إِلَى أَعْلَامِهَا نَظْرَةً فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ اذْهَبُوا بِخَمِيصَتِي هَذِهِ إِلَى أَبِي جَهْمٍ وَأْتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّةِ أَبِي جَهْمٍ فَإِنَّهَا أَلْهَتْنِي آنِفًا عَنْ صَلَاتِي وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنْتُ أَنْظُرُ إِلَى عَلَمِهَا وَأَنَا فِي الصَّلَاةِ فَأَخَافُ أَنْ تَفْتِنَنِي
والخميصة: ثوب مخطط من حرير أو صوف.
والأعلام: نقوش وزخارف
والأنبجانية: كساء غليظ لا نقوش فيه ولا تطريز.
فكراهة الصلاة على هذه السجاجيد المنقوشة والمزركشة، لأجل ما يترتب عليها من شغل المصلي وإلهائه، لا لأجل ما ذكر في السؤال من امتهان الأماكن المقدسة بوطئها، فالذي يظهر أنه لا امتهان في هذا، بل هذه السجاجيد يعتني بها أصحابها، ويجعلون موطئ أقدامهم الجزءَ الخالي من الصورة غالبا.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن السجاد التي بها صور مساجد هل يصلى عليها؟
فأجاب بقوله: " الذي نرى أنه لا ينبغي أن يوضع للإمام سجاد فيه تصاوير مساجد، لأنه ربما يشوش عليه ويلفت نظره وهذا يخل بالصلاة، ولهذا لما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في خميصة لها أعلام، ونظر إلى أعلامها نظرة فلما أنصرف قال: ((اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم، وائتوني بأنبجانية أبي جهم فإنها ألهتني آنفا عن صلاتي) . متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها.
فإذ قُدّر أن الإمام لا ينشغل بذلك لكونه أعمى، أو لكون هذا الأمر مرّ عليه كثيرا حتى صار لا يهتم به ولا يلتفت إليه، فإننا لا نرى بأسا أن يصلي عليها. والله الموفق " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (12/362) .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (6/181) : " س: ما حكم الصلاة على الفرش المحتوية على الرسوم التي على شكل البناء الإسلامي كما هو موجود بالفرش الموجودة بالمساجد حاليا. وما حكم الصلاة عليها إذا كانت تحتوي على الصلبان. وهل يلزم من الحكم على الشكل بأنه صليب بأن يكون ذا طرف سفلي طويل وطرف علوي قصير مع تساوي الجانبين، أم يحكم على كل خطين متعامدين بأنه صليب. نرجو إفادتنا عن هذا الموضوع لعموم الابتلاء به والله يحفظكم ويرعاكم؟
جـ: أولاً: المساجد بيوت الله تعالى، بنيت لإقام الصلاة، ولتسبيح الله تعالى فيها بالغدو والآصال مع حضور القلب، والضراعة والخشوع، وخشية الله. والرسوم والزخارف في فرش المساجد وجدرانها مما يشغل القلب عن ذكر الله ويذهب بكثير من خشوع المصلين، ولذا كرهه كثير من السلف. فينبغي للمسلمين أن يجنبوا ذلك مساجدهم، محافظة على كمال عبادتهم بإبعاد المشاغل عن الأماكن التي يتقربون فيها لله رب العالمين رجاء عظم الأجر ومزيد الثواب، أما الصلاة عليها فصحيحة.
ثانياً: الصليب شعار النصارى يضعونه في معابدهم ويعظمونه ويعتبرونه رمزاً لقضية كاذبة واعتقاد باطل هو صلب المسيح عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام، وقد أكذب الله تعالى اليهود والنصارى في ذلك فقال سبحانه وتعالى (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم) فلا يجوز للمسلمين أن يجعلوه في فرش مساجدهم أو غيرها، ولا أن يبقوا عليه بل يجب أن يتخلصوا منه بطمسه والقضاء على معالمه بعداً عن المنكر وترفعاً عن مشابهة النصارى عموماً وفي مقدساتهم خاصة، ولا فرق بين ما إذا كان الخط العمودي في الصليب أطول من الأفقي وما إذا كان مثله، ولا بين ما إذا كان الجزء الأعلى من تقاطع الخطين أقصر أو مساو للأسفل منه " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/914)
صلى بالناس وهو محدث ناسيا
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم صلاة المأمومين إذا أخبرهم الإمام بعد فراغه من الصلاة أنه كان على غير وضوء عن طريق السهو؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من أمّ قوما ثم تبين أنه كان على غير طهارة، فصلاة المأمومين صحيحة، على الراجح من قولي العلماء، وصلاة الإمام باطلة، فيلزمه إعادتها.
قال ابن قدامة رحمه الله: " إذا صلى الإمام بالجماعة محدثا , أو جنبا , غير عالم بحدثه , فلم يعلم هو ولا المأمومون , حتى فرغوا من الصلاة , فصلاتهم صحيحة , وصلاة الإمام باطلة. روي ذلك عن عمر وعثمان وعلي وابن عمر رضي الله عنهم , وبه قال مالك والشافعي.
روي أن عمر رضي الله عنه صلى بالناس الصبح , ثم وجد في ثوبه احتلاما , فأعاد ولم يعيدوا.
وصلى عثمان رضي الله عنه بالناس صلاة الفجر , فلما أصبح وارتفع النهار فإذا هو بأثر الجنابة, فأعاد الصلاة , ولم يأمرهم أن يعيدوا.
وعن علي رضي الله عنه أنه قال: إذا صلى الجنب بالقوم فأتم بهم الصلاة آمره أن يغتسل ويعيد , ولا آمرهم أن يعيدوا.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه صلى بهم الغداة , ثم ذكر أنه صلى بغير وضوء , فأعاد ولم يعيدوا. رواه كله الأثرم " انتهى من "المغني" (1/419) بتصرف.
وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عن رجل صلى إماما صلاتي الظهر والعصر وهو جنب، وكان لا يعلم بجنابته.
فأجابت: " يجب عليك إعادة صلاتي الظهر والعصر بعد أن تغتسل غسل الجنابة، ويجب أن تعجل بذلك، أما من صلى وراءك هذه الصلوات فلا يجب عليهم إعادتها، فإن عمر رضي الله عنه صلى بالناس صلاة الفجر وهو جنب وقد كان ناسيا فأعاد الفجر ولم يأمر من صلى وراءه تلك الصلاة أن يعيدها، ولأنهم معذورون لكونهم لا يعلمون حدثك " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (6 / 266) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/915)
إذا انحرف المأمومون عن الإمام بنحو أربعين درجة
[السُّؤَالُ]
ـ[نشكو في مساجدنا بانحراف كبير عن القبلة. فتجد في أغلب الأحيان أن الإمام يستقبل القبلة أو جهتها والمصلين منحرفون عنه وقد يصل هذا الانحراف إلى أربعين درجة. وإذا سألنا عن ذلك الأئمة أجابونا أنه يكفي أن يستقبل الإمام القبلة لتكون الصلاة صحيحة أو يكفي أن نصلي إلى جهة القبلة. فنرجو من سماحتكم أن تجيبوا عن هذه المسألة بشيء من التفصيل فإن هذه المسألة تقلقنا كثيرا في بلادنا وأصبحت مصدرا للفتنة. وهل يجوز أن أنحرف على الصف لأكون في نفس الاتجاه مع الإمام والقبلة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الواجب على من كان بعيدا عن الكعبة أن يستقبل جهتها، في قول جمهور العلماء.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/262) : "استقبال القبلة شرط لصحة الصلاة , ولا فرق بين الفريضة والنافلة ; لأنه شرط للصلاة , فاستوى فيه الفرض والنفل , كالطهارة، ولأن قوله تعالى: (وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره) عام فيهما جميعا. ثم إن كان معاينا للكعبة , ففرضه الصلاة إلى عينها. لا نعلم فيه خلافا. قال ابن عقيل ; إن خرج بعضه عن مسامتة (مواجهة) الكعبة لم تصح صلاته.
إلى أن قال: " والواجب على سائر من بعد من مكة طلب جهة الكعبة , دون إصابة العين.
قال أحمد: ما بين المشرق والمغرب قبلة , فإن انحرف عن القبلة قليلا لم يُعِدْ , ولكن يتحرى الوسط. وبهذا قال أبو حنيفة.
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما بين المشرق والمغرب قبلة) . رواه الترمذي , وقال: حديث حسن صحيح. وظاهره أن جميع ما بينهما قبلة" انتهى بتصرف واختصار.
وفي موطأ الإمام مالك (460) أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (ما بين المشرق والمغرب قبلة إذا تُوجِّه قِبل البيت) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "شرح العمدة" (2/539) : "وروى الأثرم عن عمر وعلي وابن عباس أنهم قالوا: (ما بين المشرق والمغرب قبلة) ، وعن عثمان أنه قال: (كيف يخطئ الرجل الصلاة وما بين المشرق والمغرب قبلة ما لم يتحر المشرق عمدا) " انتهى.
ثانيا:
يلزم الإمام والمأمومين استقبال جهة الكعبة، وتحري ذلك، ولا يكفي أن يتجه الإمام وحده.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: في وطننا مساجد متعددة انحرفت محاريبها إلى اليمين، وسبب ذلك أن بعض الناس ظنوا أن قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (مابين المشرق والمغرب قبلة) . وعليه فهل يكفي أن يتجه الإمام إلى جهة القبلة وحده دون المأمومين؟
فأجابوا: "الواجب على الإمام والمأموم استقبال جهة الكعبة، لقول الله سبحانه: (وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره) ولقوله صلى الله عليه وسلم: (مابين المشرق والمغرب قبلة) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. وهذا خطاب لأهل المدينة ونحوهم ممن هو في شمال الكعبة أو جنوبها، وظاهره أن جميع ما بينهما قبلة.
وأما من كان عن الكعبة غربا أو شرقا فإن القبلة في حقه ما بين الشمال والجنوب، ولأنه لو كان الغرض إصابة العين على من بعد عن الكعبة لما صحت صلاة أهل الصف الطويل على خط مستو، ولا صلاة اثنين متباعدين يستقبلان قبلة واحدة، فإنه لايتأتى أن يتوجه إلى الكعبة مع طول الصف أكثر من قدر الكعبة " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (6/316) .
لكن إذا استقبل الجميع جهة الكعبة، وانحرف المأمومون عن الإمام، يمينا أو شمالا، مع حصول استقبال الجهة، صح ائتمامهم به.
قال ابن قدامة في "المغني" (1/267) : " فأما إن كان أحدهما يميل يميناً ويميل الآخر شمالاً مع اتفاقهما في الجهة فلا يختلف المذهب في أن لأحدهما الائتمام بصاحبه، لأن الواجب استقبال الجهة وقد اتفقا عليها" انتهى.
والانحراف عن القبلة 40 درجة لا يضر باستقبال الجهة، فتصح الصلاة مع هذا الانحراف، ولكن الذي ينبغي لأهل كل مسجد أن يتحروا جهة القبلة بدقة، ويقف جميع المصلين (الإمام والمأمومون) مستقبلين الجهة، ويتحروا الوسط، كما سبق في كلام ابن قدامة رحمه الله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/916)
حكم الصلاة في ثوب فيه صورة حيوان أو إنسان
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو حكم الصلاة بالملابس التي تحمل صور بعض الحيوانات التي هي شعارات للشركة المصنعة مثل النمر أو التمساح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
لا يجوز لبس ما فيه صورة حيوان أو إنسان؛ لما روى البخاري (3226) ومسلم (2106) عن أبي طَلْحَة رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا تَدْخُلُ الْمَلائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ) .
انظر: "مطالب أولي النهى" (1/353)
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عن حكم لبس الثياب التي فيها صورة حيوان أو إنسان؟
فأجاب: لا يجوز للإنسان أن يلبس ثيابا فيها صورة حيوان أو إنسان، ولا يجوز أيضا أن يلبس غترة أو شماغا أو ما أشبه ذلك وفيه صورة إنسان أو حيوان، وذلك لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة) . ولهذا لا نرى لأحد أن يقتني الصور للذكرى كما يقولون، وأن من عنده صور للذكرى فإن الواجب عليه أن يتلفها، سواء كان قد وضعها على الجدار، أو وضعها في ألبوم، أو في غير ذلك، لأن بقاءها يقتضي حرمان أهل البيت من دخول الملائكة بيتهم. والله أعلم " انتهى.
وسئل رحمه الله: عن حكم إلباس الصبي الثياب التي فيها صور لذوات الأرواح؟
فأجاب: " يقول أهل العلم: إنه يحرم إلباس الصبي ما يحرم إلباسه الكبير، وما كان فيه صورة فإلباسه الكبير حرام، فيكون إلباسه الصغير حراما أيضا، وهو كذلك، والذي ينبغي للمسلمين أن يقاطعوا مثل هذه الثياب وهذه الأحذية حتى لا يدخل علينا أهل الشر والفساد من هذه النواحي، وهي إذا قوطعت فلن يجدوا سبيلا إلى إيصالها إلى هذه البلاد وتهوين أمرها بينهم " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (12/333) .
ثانيا:
تصح الصلاة في الثوب المشتمل على صورة إنسان أو حيوان، مع الإثم.
وسئل علماء اللجنة الدائمة هل تجوز الصلاة في ثوب فيه صورة إنسان، أو صور حيوانات، وهل يجوز دخول بيت الخلاء بثوب فيه اسم الله؟
فأجابت: لا يجوز له أن يصلي في ملابس فيها صور ذوات الأرواح من إنسان أو طيور أو أنعام أو غيرها من ذوات الأرواح، ولا يجوز للمسلم لبسها في غير الصلاة، وتصح صلاة من صلى في ثوب فيه صور مع الإثم في حق من علم الحكم الشرعي، ولا يجوز كتابة اسم الله على الثوب، وكره دخول بيت الخلاء به إلا لحاجة لما في ذلك من امتهان اسمه تعالى " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (6/179)
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عن حكم صلاة من صلى وعلى ملابسه صور ذوات أرواح منسوجة أو مطبوعة؟
فأجاب: " إذا كان جاهلا فلا شيء عليه، وإن كان عالما فإن صلاته صحيحة مع الإثم على أصح قولي العلماء رحمهم الله، ومن العلماء من يقول: صلاته تبطل، لأنه صلى في ثوب محرم عليه " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (12/360) .
وبناء على ذلك فإنه يلزمك نزع صورة النمر أو التمساح من ملابسك، أو طمس صورتهما بإزالة الرأس أو تسويده بلون أو خيط ونحوه مما يخفيه، فإن صليت به مع بقاء الصورة فالصلاة صحيحة مع الإثم.
وانظر جواب السؤال رقم (3332)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/917)
اتجاه القبلة لمن يقيم في كندا
[السُّؤَالُ]
ـ[المسلمون هنا في كندا يصلون جماعة إلى الشمال الشرقي والتي تبدو أنها خاطئة لأننا من مكة شمال غربها ولكنهم سألوا متخصصين غير مسلمين عن مكان الكعبة فأخبروهم. بعض الإخوة وهم قليل جزموا على الصلاة إلى الجنوب الشرقي وهم مستمرون على ذلك ومخالفون لجماعة المسلمين فما الحكم فيهم؟ علما بأن بعض الإخوة هداهم الله عازمون على طردهم من المسجد، فما رأيكم بارك الله فيكم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الوصية لإخواننا المسلمين في كندا وغيرها أن يراعوا الأخوة الإيمانية التي عقدها الله تعالى بين المؤمنين، قال الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) الحجرات/ 10، وقال الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ) رواه البخاري (6951) ومسلم (2564)
فإذا كان هناك شيء من الاختلاف في مسألة ما فالواجب هو التباحث فيها، وسؤال أهل العلم بهدف الوصول إلى الحق واتباعه، فإن الحكمة ضالة المؤمن، والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وعليهم أن يراعوا أنهم يقيمون بين أناس ينظرون إليهم على أنهم التطبيق العملي للإسلام فلا يكونون سبباً في تشويه صورة الإسلام النقيّة، أو يصدُّون عن سبيل الله بسوء أعمالهم وهم لا يشعرون.
ثانياً:
أجمع المسلمون على أن استقبال القبلة شرط من شروط صحة الصلاة، لقول الله تعالى: (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ) البقرة/144.
وقد سبق بيان ذلك تفصيلاً في جواب السؤال (65853) .
ثالثاً:
أما جهة القبلة لمن كان في كندا، فإذا نظرنا إلى خريطة العالم على ورقة مستوية، فإن القبلة تظهر وكأنها في الجهة الجنوبية الشرقية، ولكن بعد مراجعة الأمر وسؤال أهل الخبرة والتخصص، وجد أن الصواب مع الإخوة الذي يستقبلون الشمال الشرقي، وسبب ذلك وقوع كندا في شمال الكرة الأرضية، مما يجعل جهة شروق الشمس بالنسبة لها مائلة كثيرا عن الشرق الجغرافي إلى جهة الجنوب، بحيث تكون مكة في الشمال الشرقي لكندا، وهذا الأمر يكون أكثر وضوحاً إذا ما نظرنا إلى خريطة العلم مرسومة على كرة مجسمة، وليست على ورقة مستوية.
بل يمكن تحديد ذلك على الخريطة المستوية بسهولة:
وذلك بتحديد جهة الشمال المغناطيسي (والشمال المغناطيسي هو الجهة التي تشير إليها البوصلة، وهي جهة القطب الشمال، وخطوط الطول الموجودة على الخريطة تشير إلى هذه الجهة) فلو جعلنا خطاً متعامداً على خط الطول فإن هذا الخط يحدد جهة المشرق لمن في هذه المنطقة، وإذا فعلنا ذلك على كندا، فسنجد أن مكة تقع في الشمال الشرقي لكندا، باستثناء المناطق التي تقع في الشمال الشرقي أو في أقصى الشرق من كندا، فإن قبلتها تقترب كثيراً من جهة الشرق، بل بعضها يميل قليلاً إلى جهة الجنوب.
فعليكم بمناصحة إخوانكم وبيان اتجاه القبلة الصحيح لهم.
ونسأل الله تعالى أن يؤلف بين قلوبكم، ويوفقكم لكل خير.
رابعاً:
سبق في جواب السؤال رقم (95241) بيان كيفية تحديد القبلة بواسطة الشمس، فنأمل منكم مراجعته والعمل بما فيه من أجل التحقق من جهة القبلة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/918)
الصلاة في الطائرة مع العجز عن القيام واستقبال القبلة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا من الإمارات ذهبت للعمرة في رمضان بالطائرة وفي أثناء رجوعي إلى بلدي كان وقت الرحلة قبيل الفجر وفي وقت محدد أعلن طاقم الطائرة أنه يجب علينا الإمساك فقد دخل الفجر، فاحترت أين سأصلي فستشرق الشمس قبل الهبوط فليس هناك مكان للصلاة عدا الممرات وهذا قد يكون محرجا لي كامرأة وأيضا كنت بحاجة لدورة المياه (قد أمسكت الريح) ولكن نظراً للزحمة لم أتمكن من دخوله، وفجأة لمحت في الأفق الشفق البرتقالي فسارعت بالتكبير وأنا جالسة على مقعدي وأغلب ظني أن القبلة كانت خلفي لأننا نتجه شرقا والقبلة خلفنا غربا وكنت على وضوء؟ فهل صلاتي صحيحة أم لا وماذا علي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
القيام واستقبال القبلة في الفريضة ركنان من أركانها، لا تصح بدونهما إلا من عذر، ومن الأعذار التي ذكرها أهل العلم في هذا الباب من صلى في الطائرة وعجز عن القيام أو استقبال القبلة، إذا خشي خروج الوقت، وكانت الصلاة مما لا تجمع إلى ما قبلها أو ما بعدها.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن رجل مسافر بالطائرة ولا يعرف اتجاه القبلة علماً بأن الجميع لم يعرفوا الاتجاه فصلى ولم يعلم أهو في اتجاه القبلة في صلاته أم لا؟ فهل الصلاة في مثل هذه الحالة صحيحة؟.
فأجاب: " الراكب في الطائرة إن كان يريد أن يصلي صلاة نفل فإنه يُصلي حيث كان وجهه ولا يلزمه أن يستقبل القبلة لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي على راحلته حيثما اتجهت به إذا كان في سفر، وأما الفريضة فلا بد من استقبال القبلة ولا بد من الركوع والسجود إذا أمكن وعلى هذا فإن من تمكن من هذا في الطائرة فليصل في الطائرة وإن كانت الصلاة التي حضرت وهو في الطائرة مما يُجمع إلى ما بعده كما لو حضرت صلاة الظهر فإنه يؤخرها حتى يجمعها مع العصر أو حضرت صلاة المغرب وهو في الطائرة يؤخرها حتى يجمعها مع العشاء. ويجب عليه أن يسأل المضيفين عن اتجاه القبلة إذا كان في طائرة ليس فيها علامة القبلة فإن لم يفعل فصلاته غير صحيحة " انتهى نقلا عن "مجلة الدعوة" العدد 1757 ص 45.
وسئلت اللجنة الدائمة: إذا كنت مسافراً في طائرة وحان وقت الصلاة أيجوز نصلي في الطائرة أم لا؟
فأجابت: "إذا حان وقت الصلاة والطائرة مستمرة في طيرانها ويخشى فوات وقت الصلاة قبل هبوطها في أحد المطارات، فقد أجمع أهل العلم على وجوب أدائها بقدر الاستطاعة ركوعاً وسجوداً واستقبالاً للقبلة، لقوله تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم) التغابن/16، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم) رواه مسلم (1337) .
أما إذا علم أنها ستهبط قبل خروج وقت الصلاة بقدر يكفي لأدائها، أو أن الصلاة مما يجمع مع غيره كصلاة الظهر مع العصر، وصلاة المغرب مع العشاء، أو علم أنها ستهبط قبل خروج وقت الثانية بقدر يكفي لأدائهما، فقد ذهب جمهور أهل العلم إلى جواز أدائها في الطائرة، لوجوب الأمر بأدائها بدخول وقتها حسب الاستطاعة، كما تقدم، وهو الصواب " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (8/120) .
وسئلت أيضا (8/126) : هل تجوز الصلاة بالطائرة جالساً، مع القدرة على الوقوف، خجلاً؟
فأجابت: "لا يجوز أن يصلي قاعداً في الطائرة ولا غيرها إذا كان يقدر على القيام؛ لعموم قوله تعالى: (وقوموا لله قانتين) ، وحديث عمران بن حصين المخرج في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب) . زاد النسائي بإسناد صحيح: (فإن لم تستطع فمستلقياً) " انتهى.
ثانياً:
الطهارة شرط لصحة الصلاة، وقد صليتِ على وضوء، فصلاتك صحيحة إن شاء الله، غير أنه تكره الصلاة وهو ممسك للبول أو الغائط أو الريح، إذا كان ذلك شديدا، لأنه سيؤثر على خشوعه وحضور قلبه في الصلاة، ولكنها صحيحة إن شاء الله.
وبناء على ما سبق فخلاصة الجواب: إن كان تركك للقيام واستقبال القبلة، لعجزك عنهما، فصلاتك صحيحة، وإن كان يمكنك القيام أو الاستقبال وتركت ذلك فصلاتك غير صحيحة ويلزمك إعادتها الآن.
نسأل الله أن يتقبل عمرتك وأن يجزيك خيرا على حرصك وسؤالك.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/919)
الصلاة بالثوب الأبيض من غير سراويل
[السُّؤَالُ]
ـ[هل لبس الثوب الأبيض من غير سروال طويل يكشف العورة؟ وما حكم من صلى خلف الإمام وهو على هذا الحال، وهو يعلم أن ستر العورة ضرورية في الصلاة؟ مع العلم أنه يوسوس كثيرا، فيصلي خلف الإمام وهو لابس الثوب الأبيض من غير سروال طويل لأنه يقول: قد يكون هذا وسواس، وإذا كان عليه إعادة الصلاة فماذا يفعل إذا لم يعلم عدد الصلوات التي صلاها وهو على هذا الحال؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من شروط صحة الصلاة التي لا تصح إلا بها: "ستر العورة"، والأصل في ذلك قول الله تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ) الأعراف/31.
قال السعدي في "تفسيره" (287) :
" استروا عوراتكم عند الصلاة كلها، فرضها ونفلها، فإن سترها زينة للبدن، كما أن كشفها يدع البدن قبيحا مشوها.
ويحتمل أن المراد بالزينة هنا ما فوق ذلك من اللباس النظيف الحسن، ففي هذا الأمر بستر العورة في الصلاة، وباستعمال التجميل فيها ونظافة السترة من الأدناس والأنجاس " انتهى.
وحتى يكون الثوب ساتراً لا بد أن يحجب لون البشرة، فإن ظهر لون البشرة من تحته، فإنه لا يعد ساتراً.
قال ابن قدامة في "المغني" (1/337) :
" والواجب الستر بما يستر لون البشرة، فإن كان خفيفا يَبِينُ لونُ الجلد من ورائه فيعلم بياضه أو حمرته لم تجز الصلاة فيه؛ لأن الستر لا يحصل بذلك " انتهى.
وقال النووي في "المجموع" (3/176) :
" قال أصحابنا: يجب الستر بما يحول بين الناظر ولون البشرة، فلا يكفي ثوب رقيق يُشاهَد من ورائه سوادُ البشرة أو بياضُها " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (2/148) :
" إذا كان الثوب الذي على البدن يبين تماما لون الجلد فيكون واضحا، فإن هذا ليس بساتر، أما إذا كان يبين منتهى السروال من بقية العضو فهذا ساتر " انتهى.
والثوب الأبيض الذي يلبسه الناس اليوم متفاوت بحسب نوع القماش، فبعضه يستر لون البشرة، وبعضه رقيق يظهر من ورائه لونها، والضابط في تحديد الساتر من غيره هو أنه إذا كان الناظر إلى لابسه لا يستطيع تمييز لون بشرته: بياضها من حمرتها من سوادها فيعد حينئذ ساترا مجزئا، ولا حرج من الصلاة فيه ولو بغير سروال طويل.
أما إذا أمكن الناظر تمييز لون بشرة لابسه، فهذا ثوب شفاف لا يعد ساترا، ولا تجزئ الصلاة فيه.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (12/سؤال رقم/167) :
عن حكم الصلاة بالثياب البيضاء الشفافة، وتحتها سراويل قصيرة لا تواري إلا الجزء اليسير من الفخذ، والبشرة ظاهرة منها بوضوح تام؟
فأجاب:
" إذا لبس المرء سروالاً قصيراً لا يغطي ما بين السرة والركبة، ولبس فوقه ثوباً شفافاً فإنه في الحقيقة لم يستر عورته؛ لأن الستر لابد فيه التغطية، بحيث لا يتبين لون الجلد من وراء الساتر، وقد قال الله تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) ، وقال صلى الله عليه وسلم في الثوب: (إن كان ضيقاً فاتزر به، وإن كان واسعاً فالتحف به) .
وأجمع العلماء على أن من صلى عرياناً وهو يقدر على ستر عورته فإن صلاته لا تصح.
وعلى هؤلاء الذين أنعم الله عليهم بهذه الملابس أن يلبسوا سروالاً يستر ما بين السرة والركبة، أو يلبسوا ثوباً صفيقاً لا يشف عن العورة، لكي يقوموا بأمر الله تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) " انتهى.
وقال أيضا في جواب السؤال رقم (168) :
" ما يفعله بعض الناس أثناء الصيف من لبس الثياب الخفيفة وتحتها سراويل قصيرة لا تصل إلى الركبة، هذا حرام، ولا تجوز الصلاة به، لأن من شرط صحة الصلاة أن يستر الإنسان ما بين سرته وركبته، فإذا كان السروال قصيراً لا يستر ما بين السرة والركبة، والثوب خفيفاً يتبين لون البشرة من ورائه، فإنه حينئذ لا يكون ساتراً لعورته التي يجب سترها، فإنه لو صلى مهما صلى تكون صلاته باطلة، وعلى هذا فعلى إخواننا إما أن يغيروا السروال إلى سروال طويل يستر ما بين السرة والركبة، أو يلبسوا ثياباً صفيقة لا تشف عن البشرة، والله الموفق " انتهى.
وانظر جواب السؤال رقم (5809)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/920)
هل يشترط في السنة القبلية دخول وقت فريضتها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل سنة الفجر تصلى بعد دخول وقت صلاة الصبح أم بعد الأذان - الذي هو قبل وقت الصلاة -؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
السنَّة القبلية للصلاة لا يدخل وقتها إلا بدخول وقت الصلاة.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/544) :
" كل سنة قبل الصلاة , فوقتها من دخول وقتها إلى فعل الصلاة , وكل سنة بعدها , فوقتها من فعل الصلاة إلى خروج وقتها " انتهى.
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
دخلت المسجد في صلاة الصبح وصليت ركعتين، وعند قيامي للركعة الثانية: قام المؤذن يؤذن للصلاة، وقد نويت في صلاتي تلك أنها سنة الصبح، حيث قمت من منزلي وهو يؤذن في بعض المساجد، وعندما فرغت من صلاتي جلست أقرأ القرآن، فقال لي شخص بجانبي: قم صل سنة الصبح، فقلت له: إنني صليتها، فقال: لا يجوز ذلك إلا أن تصلي مرة أخرى حيث المؤذن أذن وأنت تصلي، أرجو إفادتي عن ذلك؟
فأجاب:
" إذا كان المؤذن الذي أذن وأنت تصلي سنة الفجر قد أخَّر الأذان وصادف فعلك لها بعد طلوع الفجر: فقد أديت السنَّة ويكفي ذلك ولا حاجة أن تعيدها، أما إذا كنت تشك في ذلك ولا تعلم هل المؤذن الذي أذن وأنت في الصلاة هل أذانه بعد الصبح أو عند طلوع الفجر: فالأحوط لك والأفضل أن تعيد الركعتين، حتى تكون أديتهما بعد طلوع الفجر يقينا " انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (11 / 369، 370) .
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
هل يُشترط للسنَّة الراتبة التي قبل الظهر وقبل الفجر دخول الوقت؟
فأجاب:
" السنَّة الراتبة القبلية التي تكون قبل الصلاة لا بدَّ أن تكون بعد (دخول) الوقت، فلو فُرض أن الإنسان صلاها قبل الوقت ظانّاً أن الوقت قد دخل ثم تبيَّن أنه لم يدخل: فليعُدها، وتكون الأولى نفلاً مطلقاً لا راتبة " انتهى.
" لقاءات الباب المفتوح " (السؤال رقم 590) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/921)
الحالات التي يسقط فيها شرط استقبال القبلة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الحالات التي يمكننا فيها تغيير اتجاه القبلة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لعل السائل يريد معرفة الحالات التي يسقط فيها وجوب استقبال القبلة في الصلاة، وتصح الصلاة فيها لغير القبلة.
" من شروط صحة الصلاة: استقبال القبلة، ولا تصح الصلاة إلا به، لأن الله تعالى أمر به وكرر الأمر به في القرآن الكريم، قال الله تعالى: (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) البقرة/144. أي: جهته.
وكان النبي عليه الصلاة والسلام أول ما قدم المدينة يصلي إلى بيت المقدس، فيجعل الكعبة خلف ظهره والشام قِبَلَ وجهه، ولكنه بعد ذلك ترقب أن الله سبحانه وتعالى يشرع له خلاف ذلك، فجعل يقلب وجهه في السماء ينتظر متى ينزل عليه جبريل بالوحي في استقبال الكعبة كما قال الله: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) البقرة/144. فأمره الله أن يستقبل شطر المسجد الحرام، أي: جهته، إلا أنه يُستثنى من ذلك ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: إذا كان عاجزاً، كمريض وجهه إلى غير القبلة ولا يستطيع أن يتوجه إلى القبلة، فإن استقبال القبلة يسقط عنه في هذه الحال لقوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم) التغابن/16. وقوله تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا) البقرة/286. وقول النبي صلى الله عليه وسلم (إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ) رواه البخاري (7288) ومسلم (1337) .
المسألة الثانية: إذا كان في شدة الخوف كإنسان هارب من عدو، أو هارب من سبع، أو هارب من سيل يغرقه، فهنا يصلي حيث كان وجهه، ودليله قوله تعالى: (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) البقرة/239. فإن قوله: (فَإِنْ خِفْتُمْ) عام يشمل أي خوف، وقوله: (فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) يدل على أن أي ذِكْرٍ تركه الإنسان من أجل الخوف فلا حرج عليه فيه، ومن ذلك: استقبال القبلة.
ويدل عليه أيضاً ما سبق من الآيتين الكريمتين، والحديث النبوي في أن الوجوب معلق بالاستطاعة.
المسألة الثالثة: في النافلة في السفر سواء كان على طائرة أو على سيارة، أو على بعير فإنه يصلي حيث كان وجهه في صلاة النفل، مثل: الوتر، وصلاة الليل، والضحى وما أشبه ذلك.
والمسافر ينبغي له أن يتنفل بجميع النوافل كالمقيم تماماً إلا في الرواتب، كراتبة الظهر، والمغرب، والعشاء، فالسنة تركها.
فإذا أراد أن يتنفل وهو مسافر فليتنفل حيث كان وجهه، ذلك هو الثابت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فهذه ثلاث مسائل لا يجب فيها استقبال القبلة.
أما الجاهل فيجب عليه أن يستقبل القبلة، لكن إذا اجتهد وتحرى ثم تبين له الخطأ بعد الاجتهاد فإنه لا إعادة عليه، ولا نقول: إنه يسقط عنه الاستقبال بل يجب عليه الاستقبال ويتحرى بقدر استطاعته، فإذا تحرى بقدر استطاعته ثم تبين له الخطأ فإنه لا يعيد صلاته، ودليل ذلك أن الصحابة الذين لم يعلموا بتحويل القبلة إلى الكعبة كانوا يصلون ذات يوم صلاة الفجر في مسجد قباء فجاءهم رجل فقال: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ، فَاسْتَقْبِلُوهَا، وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّامِ فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبَةِ. رواه البخاري (403) ومسلم (526) . بعد أن كانت الكعبة وراءهم جعلوها أمامهم، فاستداروا واستمروا على صلاتهم، وهذا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن إنكار له فيكون ذلك مشروعاً، يعني أن الإنسان إذا أخطأ في القبلة جاهلاً فإنه ليس عليه إعادة، ولكن إذا تبين له ولو في أثناء الصلاة وجب عليه أن يستقبل القبلة.
فاستقبال القبلة شرط من شروط الصلاة لا تصح الصلاة إلا به في المواضع الثلاثة، وإلا إذا أخطأ الإنسان بعد الاجتهاد والتحري " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (12/433- 435) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/922)
الصلاة بغير طهارة متعمدًا كبيرة وليست كفرًا
[السُّؤَالُ]
ـ[أعلم أنه لا تجوز الصلاة على الجنب، لكن إذا صلى أحدهم وهو جنب، فما حكم صلاته؟
وهو الآن يشعر في داخله بأنه محطم تمامًا، ومغتم لمعصيته، فقد قرأ في أحد الكتب أن المسلم إذا "صلى" دون وضوء، فإنه يخرج من الإسلام.
وبناء على ما ذكر، كيف يتصرف المذكور؟ هل خرج بفعله ذاك من الإسلام أم لا؟
وكيف يتخلص من تلك المعصية ويتوب؟ هل عليه تجديد إيمانه (إسلامه) ؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
من المعلوم بالضرورة عند المسلمين أن الطهارة من الحدثين الأصغر والأكبر واجبة، وشرط لصحة الصلاة، وأن من صلى بغير طهارة عامدًا أو ناسيًا فصلاته باطلة، وعليه الإعادة، ثم إن كان عامدًا فقد ارتكب إثمًا كبيرًا ومعصيةً عظيمةً.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" فالمسلم لا يصلي إلى غير القبلة، أو بغير وضوء أو ركوع أو سجود، ومن فعل ذلك كان مستحقا للذم والعقاب" انتهى.
"منهاج السنة النبوية" (5/204) .
وقد جاء الوعيد الشديد لمن فعل ذلك:
فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أُمِرَ بعبد من عباد الله أن يُضرَب في قبره مائة جلدة، فلم يزل يسأل ويدعو حتى صارت جلدةً واحدةً، فجُلد جلدةً واحدةً، فامتلأ قبره عليه نارًا، فلما ارتفع عنه أفاق، قال: علام جلدتموني؟ فقيل له: إنك صليت صلاةً واحدةً بغير طهور، ومررت على مظلوم فلم تنصره) أخرجه الطحاوي في "مشكل الآثار" (4/231) وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (2774) .
ثانيًا:
اتفق أهل العلم على أن من صلى بغير طهارة مستحلًا ذلك، أو مستهزئاً، فقد كفر، ويستتاب، فإن تاب وإلا قتل.
وأما إذا صلى بغير وضوء تهاوناً لا على وجه الاستحلال ولا الاستهزاء، فقد ذهب الإمام أبو حنيفة رحمه الله إلى أنه يكفر أيضاً، وجمهور العلماء على أنه لا يكفر، ويكون فعل كبيرة من الكبائر.
يقول النووي رحمه الله:
" إن كان عالما بالحدث وتحريم الصلاة مع الحدث فقد ارتكب معصيةً عظيمةً، ولا يكفر عندنا بذلك، إلا أن يستحله، وقال أبو حنيفة: يكفر لاستهزائه.
دليلنا: أنه معصية فأشبهت الزنا وأشباهه " انتهى.
"المجموع" (2/84) ، وبنحوه في "روضة الطالبين" (10/67) .
وانظر مذهب الأحناف في: "البحر الرائق" (1/151،302) ، (5/132) ، "حاشية ابن عابدين" (3/719) .
فالواجب على من صلى بغير طهارة التوبة والاستغفار، والعزم على عدم العود إلى مثل ذلك، ثم يعيد الصلاة التي صلاها بغير طهارة، والله تعالى يتوب على من تاب، ولا يجب عليه تجديد إسلامه.
والله أعلم.
انظر سؤال رقم (27091) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/923)
كيفية الصلاة والصوم في البلاد التي نهارها دائم أو ليلها دائم
[السُّؤَالُ]
ـ[بالنسبة للدول التي لا يحل فيها الظلام في فصل الصيف فكيف يصلون المغرب والعشاء؟ وماذا يفعلون في شهر رمضان حيث يحل في ذلك الوقت، فكيف يصوموا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صدرت فتوى رقم (2769) من هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة في هذه المسألة بمثل ما ذكرناه، وهذا نص السؤال والجواب:
الحمد لله وحده والصلاة السلام على من لا نبي بعده.. وبعد:
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما ورد إلى سماحة الرئيس العام من المستفتي الأمين العام لاتحاد الطلبة المسلمين بهولندا، والمحال إلى اللجنة من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء والسؤال نصه: نرجو من سماحتكم التفضل بموافاتنا بالفتوى اللازمة لكيفية تعيين أوقات صلاة المغرب والعشاء والصبح، وكذلك تعيين أول رمضان، وأول أيام عيد الفطر المبارك، ذلك أنه بالنسبة إلى حركة شروق وغروب الشمس في بلدان شمال أوربا والقريبة من القطب الشمالي تختلف عن مثيلتها في بلدان الشرق الإسلامي، والسبب في ذلك يرجع إلى وقت مغيب الشفق الأحمر والأبيض، فيلاحظ أن الشفق الأبيض في الصيف يمتد حتى يكاد يستغرق الليل كله فيصعب تحديد وقت العشاء وكذلك طلوع الصبح؟
والجواب:
لقد صدر قرار هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية في بيان تحديد أوقات الصلوات، وتحديد بدء صباح كل يوم ونهايته في رمضان في بلاد مماثلة لبلادكم هذا مضمونه:
بعد الاطلاع والدراسة والمناقشة قرر المجلس ما يلي:
أولاً: من كان يقيم في بلاد يتمايز فيها الليل من النهار بطلوع فجر وغروب شمس إلا أن نهارها يطول جداً في الصيف ويقصر في الشتاء وجب عليه أن يصلي الصلوات الخمس في أوقاتها المعروفة شرعاً. لعموم قوله تعالى {أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا} (الإسراء / 78) وقوله تعالى: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتا} (النساء / 103) ولما ثبت عن بريدة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله رجل عن وقت الصلاة فقال له: «صل معنا هذين» يعني اليومين، فلما زالت الشمس أمر بلالا فأذن، ثم أمره فأقام الظهر، ثم أمره فأقام العصر والشمس مرتفعة بيضاء نقية، ثم أمره فأقام المغرب حين غابت الشمس، ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق، ثم أمره فأقام الفجر حين طلع الفجر، فلما كان اليوم الثاني أمره أن يبرد بالظهر فأبرد بها، ... وصلى العصر والشمس مرتفعة، أخرها فوق الذي كان وصلى المغرب قبل أن يغيب الشفق، وصلى العشاء بعد ما ذهب ثلث الليل، وصلى الفجر فأسفر بها ثم قال: «أين السائل عن وقت الصلاة» فقال الرجل أنا يا رسول الله قال: «وقت صلاتكم بين ما رأيتم» رواه البخاري ومسلم.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «وقت الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر العصر، ووقت العصر مالم تصفر الشمس، ووقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق، ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل الأوسط، ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس فإذا طلعت الشمس فأمسك عن الصلاة فإنها تطلع بين قرني شيطان» أخرجه مسلم في صحيحه.
إلى غير ذلك من الأحاديث التي وردت في تحديد أوقات الصلوات الخمس قولاً وفعلاً ولم تفرق بين طول النهار وقصره وطول الليل وقصره ما دامت أوقات الصلوات متمايزة بالعلامات التي بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا بالنسبة لتحديد أوقات صلاتهم، وأما بالنسبة لتحديد أوقات صيامهم شهر رمضان فعلى المكلفين أن يمسكوا كل يوم منه عن الطعام والشراب وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس في بلادهم ما دام النهار يتمايز في بلادهم من الليل وكان مجموع زمانهما أربعاً وعشرين ساعة. ويحل لهم الطعام والشراب والجماع ونحوها في ليلهم فقط وإن كان قصيراً، فإن شريعة الإسلام عامة للناس في جميع البلاد وقد قال الله تعالى: {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل} .
ومن عجز عن إتمام صوم يوم لطوله، أو علم بالأمارات أو التجربة أو إخبار طبيب أمين حاذق، أو غلب على ظنه أن الصوم يفضي إلى إهلاكه أو مرضه مرضاً شديداً، أو يفضي إلى زيادة مرضه أو بطء برئه أفطر ويقضي الأيام التي أفطرها في أي شهر تمكن فيه من القضاء قال تعالى: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر} ، وقال الله تعالى: {لايكلف الله نفساً إلا وسعها} ، وقال: {وما جعل عليكم في الدين من حرج} .
ثانياً: من كان يقيم في بلاد لا تغيب عنها الشمس صيفاً ولا تطلع فيها الشمس شتاء، أو في بلاد يستمر نهارها إلى ستة أشهر، ويستمر ليلها ستة أشهر مثلاً وجب عليهم أن يصلوا الصلوات الخمس في كل أربع وعشرين ساعة، وأن يقدروا لها أوقاتها ويحددوها معتمدين في ذلك على أقرب بلاد إليهم تتمايز فيها أوقات الصلوات المفروضة بعضها من بعض، لما ثبت في حديث الإسراء والمعراج من أن الله تعالى فض على هذه الأمة خمسين صلاة كل يوم وليلة فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يسأل ربه التخفيف حتى قال: «يا محمد إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صلاة عشر فذلك خمسون صلاة ... » إلى آخره.
ولما ثبت من حديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد ثائر الرأس نسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول حتى دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يسأل عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خمس صلوات في اليوم والليلة» فقال: هل علي غيرهن قال: «لا، إلا أن تطوع ... » الحديث.
ولما ثبت من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع فجاء رجل من أهل البادية فقال: يا محمد أتانا رسولك فزعم أنك تزعم أن الله أرسلك قال: «صدق» إلى أن قال: وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا قال: «صدق» قال فبالذي أرسلك: آلله أمرك بهذا؟ قال: «نعم ... » الحديث.
وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم حدث أصحابه عن المسيح الدجال فقيل له ما لبثه في الأرض قال: «أربعون يوماً يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم» فقيل: يا رسول الله اليوم الذي كسنة أيكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: «لا، اقدروا له» فلم يعتبر اليوم الذي كسنة يوماً واحداً يكفي فيه خمس صلوات بل أوجب فيه خمس صلوات في كل أربع وعشرين ساعة، وأمرهم أن يوزعوها على أوقاتها اعتباراً بالأبعاد الزمنية التي بين أوقاتها في اليوم العادي في بلادهم.
فيجب على المسلمين في البلاد المسئول عن تحديد أوقات الصلوات فيها أن يحددوا أوقات صلاتهم معتمدين في ذلك على أقرب بلاد إليهم يتمايز فيها الليل من النهار وتعرف فيها أوقات الصلوات الخمس بعلاماتها الشرعية في كل أربع وعشرين ساعة.
وكذلك يجب عليهم صيام شهر رمضان وعليهم أن يقدروا لصيامهم فيحددوا بدء شهر رمضان ونهايته وبدء الإمساك والإفطار في كل يوم منه ببدء الشهر ونهايته، وبطلوع فجر كل يوم وغروب شمسه في أقرب بلاد إليهم يتميز فيها الليل من النهار ويكون مجموعها أربعاً وعشرين ساعة لما تقدم في حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن المسيح الدجال، وإرشاده أصحابه فيه عن كيفية تحديد أوقات الصلوات فيه إذ لا فارق في ذلك بين الصوم والصلاة.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
[الْمَصْدَرُ]
" فتاوى اللجنة الدائمة " (6 / 130 – 136)(5/924)
ما هو الدليل على النظر إلى موضع السجود حال الركوع
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأنا فتوى من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء - وهي موجودة في سؤال رقم (8580) - بأن المصلِّي ينظر إلى موضع سجوده حال ركوعه، هل يوجد دليل على هذا القول؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
جاءت أحاديث في السنَّة الصحيحة فيها ذِكر هدي النبي صلى الله عليه وسلم في النظر إلى موضع السجود حال الصلاة، وهي – في عمومها – تشمل جميع أجزاء الصلاة، ولعل هذه النصوص هي أدلة علماء اللجنة الدائمة والمنقول قولهم في السؤال رقم (8580) ، ومن هذه النصوص:
ما رواه ابن حبان (4 / 332) والحاكم (1 / 652) عن عائشة رضي الله عنها قالت: " دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الكعبة ما خلف بصره موضع سجوده حتى خرج منها " صححه الألباني في " صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ".
وفي الباب آثار عن بعض السلف ذكرها الإمام عبد الرزاق الصنعاني في " المصنف "، ومنها:
1. عن أبي قلابة قال: سألت مسلم بن يسار أين منتهى البصر في الصلاة؟ فقال: إن حيث تسجد حسن.
2. عن إبراهيم النخعي أنه كان يحب للمصلي أن لا يجاوز بصره موضع سجوده.
3. عن ابن سيرين أنه كان يحب أن يضع الرجل بصره حذاء موضع سجوده.
" مصنف عبد الرزاق " (2 / 163) .
وهذا الذي قاله علماء اللجنة هو قول الجمهور: أبي حنيفة والشافعي وأحمد، واستثنى بعضهم موضع التشهد فقالوا: ينظر المصلي فيه إلى السبابة، وهو استثناء صحيح له ما يؤيده من صحيح السنَّة.
فعن عبد الله بن الزبير أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان إذا قعد في التشهد وضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى وأشار بالسبابة لا يجاوز بصره إشارته ".
رواه أبو داود (990) والنسائي (1275) – واللفظ له - وصححه النووي في " شرح مسلم " (5 / 81) فقال: والسنَّة أن لا يجاوزه بصره إشارته، وفيه حديث صحيح في " سنن أبي داود ".
وقد استدل بعض العلماء بقوله تعالى: (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) البقرة / 44 على أن المصلي ينظر أمامه لا إلى موضع سجوده، وهو قول مرجوح.
قال ابن قدامة:
يستحب للمصلي أن يجعل نظره إلى موضع سجوده، قال أحمد - في رواية حنبل -: الخشوع في الصلاة: أن يجعل نظره إلى موضع سجوده، وروي ذلك عن مسلم بن يسار , وقتادة.
" المغني " (1 / 370) .
ثانياً:
وردت السنَّة الصحيحة أن الراكع يستحب له أن لا يرفع رأسه ولا يخفضه، بل يكون مستوياً مع ظهره.
عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بالتكبير، والقراءة بـ " الحمد لله رب العالمين "، وكان إذا ركع لم يُشْخِص رأسَه ولم يُصوِّبْه ولكن بين ذلك.
رواه مسلم (498) .
قال الشيخ ابن عثيمين وهو يبين هيئة الركوع وان الراكع يستحب له أن يكون مستوياً ظهره:
قال: " مستوياً ظهره ": الاستواء: يشمل استواء الظهر في المَدِّ، واستواءه في العلوِّ والنزول، يعني لا يقوِّس ظهره، ولا يهصره حتى ينزل وسطه، ولا ينزل مقدم ظهره، بل يكون ظهره مستوياً، وقد جاء ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، قالت عائشة: " كان إذا ركع لم يُشْخِصْ رأسه ولم يُصَوِّبْهُ "، لم يُشْخِصْه: يعني: لم يرفعه، ولم يُصوِّبْه: لم ينزله، ولكن بين ذلك.
" الشرح الممتع " (3 / 90) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/925)
هل الصلاة في البنطلون باطلة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الصلاة في البنطلون باطلة؟ لأنني سمعت من يقول ذلك، لأن البنطلون يحدد حجم العورة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أمر الله تعالى من أراد الصلاة أن يتخذ زينته، فقال: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأعراف/31.
فالمصلي مأمور بالتزين للصلاة، لا كما يفعله كثير من المسلمين – للأسف – يصلي بثياب النوم أو ثياب المهنة، ولا يتجمل للصلاة، فإن الله تعالى جميل يجب الجمال.
واعتبر العلماء أقل حد لأخذ الزينة هو ستر العورة، ولذلك نصوا على أن ستر العورة شرط من شروط صحة الصلاة، فلا تصح الصلاة مع كشف العورة.
ومقتضى قولهم: " ستر العورة " أن الواجب هو ستر العورة، وأنه مهما حصل الستر صحت الصلاة، ولو كان الثوب ضيقاً يحدد العورة.
وهذا ما نص عليه العلماء من المذاهب الفقهية المختلفة صراحةً. وها هي أقوالهم في ذلك:
أولا: المذهب الحنفي:
قال في "الدر المختار" (2/84) : " ولا يضر التصاقه وتشكله " اهـ. يعني: الثوب الذي يلبسه في الصلاة.
قال ابن عابدين رحمه الله في حاشيته على "الدر المختار": " قوله: (ولا يضر التصاقه) أي: بالألية مثلا، وعبارة "شرح المنية": أما لو كان غليظا لا يرى منه لون البشرة إلا أنه التصق بالعضو وتشكل بشكله فصار شكل العضو مرئيا، فينبغي أن لا يمنع جواز الصلاة، لحصول الستر " انتهى كلام ابن عابدين.
ثانيا: المذهب الشافعي:
قال النووي رحمه الله في المجموع (3/176) : " فلو ستر اللون ووصف حجم البشرة كالركبة والألية ونحوها صحت الصلاة فيه لوجود الستر، وحكي الدارمي وصاحب البيان وجهاً أنه لا يصح إذا وصف الحجم، وهو غلط ظاهر " انتهى كلام النووي.
ثالثاً: المذهب المالكي
قال في "الفواكه الدواني" (1/216) :
" (وَيُجْزِئُ الرَّجُلَ الصَّلاةُ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ) وَيُشْتَرَطُ فِيهِ عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ كَوْنُهُ كَثِيفًا بِحَيْثُ لا يَصِفُ وَلا يَشِفُّ، وَإِلا كُرِهَ وَكَوْنُهُ سَاتِرًا لِجَمِيعِ جَسَدِهِ. فَإِنْ سَتَرَ الْعَوْرَةَ الْمُغَلَّظَةَ فَقَطْ أَوْ كَانَ مِمَّا يَصِفُ أَيْ يُحَدِّدُ الْعَوْرَةَ. . . كُرِهَتْ الصَّلاةُ فِيهِ مَعَ الإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ " انتهى باختصار.
فذكر كراهة الصلاة في الثوب الذي يحدد العورة، لا التحريم.
وذكر في "حاشية الدسوقي" أن الصلاة في الثوب الواصف للعورة المحدد لها صحيحة، ولكنها مكروهة كراهة تنزيهية، ويستحب له أن يعيد إذا كان الوقت باقياً.
وقال في "بلغة السالك" (1/283) :
" ولا بد أن يكون الساتر كثيفا وهو ما لا يشف في بادئ الرأي , بأن لا يشف أصلا، أو يشف بعد إمعان النظر , فإن كان يشف في بادئ النظر , فإن وجوده كالعدم (يعني كأنه يصلي عرياناً، لعدم حصول الستر) وأما ما يشف بعد إمعان النظر فيعيد معه في الوقت كالواصف للعورة المحدد لها , لأن الصلاة به كراهة تنزيه على المعتمد " انتهى بتصرف.
رابعا: المذهب الحنبلي:
قال البهوتي رحمه الله في "الروض المربع" (1/494) : " ولا يعتبر أن لا يصف حجم العضو، لأنه لا يمكن التحرز عنه " انتهى. قال ابن قاسم رحمه الله في حاشيته علي "الروض المربع" تعليقاً على قول البهوتي السابق: " وِفَاقاً " اهـ. يعني: للأئمة الثلاثة: وهم أبو حنيفة ومالك والشافعي رحمهم الله، أي أن مذهب الإمام أحمد في هذا موافق لمذاهب الأئمة الثلاثة.
وقال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/287) : " وإن كان يستر لونها ويصف الخِلْقَة جازت الصلاة، لأن هذا لا يمكن التحرز منه " اهـ.
وقال المرداوي في "الإنصاف" (1/471) :
" قال المجد ابن تيمية: يكره للمرأة الشد فوق ثيابها (بأن تلبس حزاماً أو نحوه فوق الثياب) , لئلا يحكي حجم أعضائها وبدنها. قال ابن تميم وغيره: ويكره للمرأة في الصلاة شد وسطها بمنديل ومِنْطَقة (حزام) ونحوهما " انتهى بتصرف.
وقال الشيخ سيد سابق رحمه الله في "فقه السنة" (1/97) :
" الواجب من الثياب ما يستر العورة وإن كان الساتر ضيقا يحدد العورة " اهـ.
فهذه أقوال أهل العلم في الصلاة في الثوب الضيق الذي يحدد العورة، وهي صريحة في صحة الصلاة.
ولا يعني ذلك دعوة الناس إلى لبس الضيق من الثياب، بل اللباس الضيق لا ينبغي لبسه، ولا الصلاة به، لأنه ينافي الزينة المأمور بأخذها في الصلاة، إنما الكلام هنا هل تصح الصلاة به أم لا؟
وقد أفتى فضيلة الشيخ صالح الفوزان بصحة صلاة المرأة في الثوب الضيق الذي يحدد عورتها، مع حصول الإثم بلبس هذا الثوب.
فقال:
" الثياب الضيقة التي تصف أعضاء الجسم وتصف جسم المرأة وعجيزتها وتقاطيع أعضائها لا يجوز لبسها، والثياب الضيقة لا يجوز لبسها للرجال ولا للنساء، ولكن النساء أشدّ؛ لأن الفتنة بهن أشدّ.
أما الصلاة في حد ذاتها؛ إذا صلى الإنسان وعورته مستورة بهذا اللاس؛ فصلاته في حد ذاتها صحيحة؛ لوجود ستر العورة، لكن يأثم من صلى بلباس ضيق؛ لأنه قد يخل بشيء من شرائع الصلاة لضيق اللباس، هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية: يكون مدعاة للافتتان وصرف الأنظار إليه، ولا سيما المرأة، فيجب عليها أن تستتر بثوب وافٍ واسعٍ؛ يسترها، ولا يصف شيئًا من أعضاء جسمها، ولا يلفت الأنظار إليها، ولا يكون ثوبًا خفيفًا أو شفافًا، وإنما يكون ثوبًا ساترًا يستر المرأة سترًا كاملاً " انتهى.
"المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (3/454) .
وقد قال بعض العلماء في تفسير قوله صلى الله عليه وسلم: "نساء كاسيات عاريات ": أنهن يلبسن الضيق من الثياب.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/926)
إذا أخطأت المرأة في تحديد موعد الطهر فهل تأثم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كانت المرأة لا تنزل عليها القصة البيضاء، وإنما تنتظر انقطاع الدم، فبذلك تكون الأيام تختلف من شهر إلى آخر، هل تأثم إذا أخطأت في تحديد موعد طهارتها كأن تظن الطهر وبعد الاغتسال والصلاة وجدت أثره، أو العكس انتظرت وفاتتها صلاة ظنّاً منها أنها لم تطهر، حيث يشق عليها التحديد بدون القصة البيضاء.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تختلف العادة عند النساء من امرأة إلى أخرى، وتختلف العادة عند المرأة نفسها أيّاً كانت علامة انتهاء دورتها.
فعلامة الطهر عند غالب النساء خروج القصَّة البيضاء – وهي سائل أبيض، ومنهن من تكون علامتها انقطاع الدم.
وأيّاً كانت العلامة عند المرأة فلا يجوز لها أن تعجل على نفسها حتى تظهر العلامة؛ لأنه لا يحل لها الصلاة والصيام وهي حائض حتى تطهر.
وقد كانت النساء يبعثن إلى عائشة بالدّرجة فيها الكرسف فيه الصفرة فتقول: لا تعجلنَ حتى ترينَ القَصَّة البيضاء.
رواه البخاري معلقاً - كتاب الحيض، باب إقبال المحيض وإدباره - ومالك (130) .
ومعنى الدّرجة: الوعاء التي تضع المرأة طيبها ومتاعها.
الكرسف: القطن.
وإذا أخطأت المرأة في تحديد وقت الطهر بناء على ظنها واجتهادها، فإنها لا تأثم، لقول الله تعالى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) الأحزاب/5، ولقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) رواه ابن ماجة (2053) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة.
غير أنها إذا ظنت أنها طهرت وصلت وصامت ثم تبيّن لها أنها لا تزال حائضاً فعلها الامتناع عن الصلاة والصيام حتى تطهر وتقضي الصيام الواجب الذي صامته في تلك الأيام لأنه تبين لها أنه لم يكن صحيحاً لأن صوم الحائض لا يصح.
وإذا تركت الصلاة ظنَّاً منها أنها لم تطهر ثم تبيّن لها أنها كانت طاهراً، فعليها قضاء تلك الصلاة.
سئل الشيخ ابن عثيمين (11/280) عن امرأة رأت الكدرة قبل حيضها المعتاد، فتركت الصلاة، ثم نزل الدم على عادته، فما الحكم؟
فأجاب بقوله:
تقول أم عطية ـ رضي الله عنها ـ: (كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئاً) . وعلى هذا فهذه الكدرة التي سبقت الحيض لا يظهر لي أنها حيض، لاسيما إذا كانت أتت قبل العادة، ولم يكن علامات للحيض من المغص ووجع الظهر ونحو ذلك، فالأولى لها أن تعيد الصلاة التي تركتها في هذه المدة. اهـ.
وسئل أيضاً: (11/275) عن امرأة أصابها الدم لمدة تسعة أيام فتركت الصلاة معتقدة أنها العادة، وبعد أيام قليلة جاءتها العادة الحقيقية فماذا تصنع هل تصلي الأيام التي تركتها أم ماذا؟
فأجاب بقوله:
الأفضل أن تصلي ما تركته في الأيام الأولى، وإن لم تفعل فلا حرج وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر المرأة المستحاضة التي قالت إنها تستحاض حيضة شديدة وتدع فيها الصلاة فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم، أن تتحيض ستة أيام أو سبعة وأن تصلي بقية الشهر ولم يأمرها بإعادة ما تركته من الصلاة، وإن أعادت ما تركته من الصلاة فهو حسن لأنه قد يكون منها تفريط في عدم السؤال وإن لم تعد فليس عليها شيء. اهـ
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/927)
يصلين إلى جهة أخرى غير القبلة مدة طويلة
[السُّؤَالُ]
ـ[مجموعة من النساء استأجرن شقة وسألن عن القبلة فصلين حسب الجهة التي قيل لهم عليها، ولكن تبين لهن أن القبلة خطأ فما الحكم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا: إذا كان الانحراف يسيرا فلا تأثير له على القبلة.
ثانيا: من اجتهد قدر استطاعته في تحصيل القبلة سواء بالسؤال لأهل البلد والمكان الذي هو فيه بحيث يكون المسئول ظاهره الصدق أو غير ذلك فقد أدى الذي عليه فإن تبين خطؤه فيما بعد فإن صلاته صحيحة ولا تلزمه الإعادة.
جاء في كتاب المغني لابن قدامة رحمه الله:
(من صلى بالاجتهاد إلى جهة , ثم علم أنه قد أخطأ القبلة , لم يكن عليه إعادة، وجملته أن المجتهد إذا صلى بالاجتهاد إلى جهة , ثم بان له أنه صلى إلى غير جهة الكعبة يقينا , لم يلزمه الإعادة، وكذلك المقلد الذي صلى بتقليده. وبهذا قال مالك , وأبو حنيفة. والشافعي في أحد قوليه) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/928)
تأخير الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[ي عن وقت الصلاة، فبدايتها تكون عند الأذان لكن متى يكون آخر وقتها؟؟ وهل هناك فرق بين تأخير الصلاة وانقضاء وقتها للمصلي؟ وما عقاب الاثنين؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لمعرفة أوقات الصلوات ابتداءً وانتهاءً يُراجع السؤال (9940)
أما ما سألت عنه من الفرق بين تأخير الصلاة وانقضاء وقتها فجوابه ما يلي:
أما انقضاء وقت الصلاة:
فهو أن يترك الصلاة حتى يخرج وقتها ولم يصل، وهذا من كبائر الذنوب، إلا لعذر شرعي كالنوم والنسيان.
قال في الموسوعة الفقهية (10/8) : " اتفق الفقهاء على تحريم تأخير الصلاة حتى يخرج وقتها بلا عذر شرعي ".
قال الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله:
" أما الإنسان الذي يتعمد تأخيرها (أي الصلاة) إلى ما بعد الوقت، أو يضبط الساعة إلى ما بعد الوقت حتى لا يقوم في الوقت، فهذا متعمد للترك، وقد أتى منكراً عظيماً عند جميع العلماء، ولكن هل يكفر أو لا يكفر؟
فيه خلاف بين العلماء:
إذا كان لم يجحد وجوبها فالجمهور يرون أنه لا يكفر بذلك كفرا أكبر.
وذهب جمع من أهل العلم إلى أنه يكفر بذلك كفرا أكبر يخرجه من الملة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة " رواه الإمام مسلم في صحيحه (82) .
وقوله صلى الله عليه وسلم: " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر " رواه الإمام أحمد، وأهل السنن الأربع بإسناد صحيح، ولأدلة أخرى.
وهو المنقول عن الصحابة رضي الله عنهم أجمعين:
لقول التابعي الجليل: عبد الله بن شقيق العقيلي: (لم يكن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرون شيئا تركه كفر غير الصلاة) اهـ.
وأما تأخير الصلاة فيطلق على معنيين:
الأول: تأخير الصلاة حتى يخرج وقتها. وهو بمعنى انقضاء وقت الصلاة. وقد سبق بيان معناه وحكمه.
الثاني: تأخير الصلاة إلى آخر وقتها.
انظر: "الموسوعة الفقهية" (10/6) .
والصلاة في آخر وقتها جائزة، لما رواه مسلم (614) عن أَبِي مُوسَى الأشعري عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَتَاهُ سَائِلٌ يَسْأَلُهُ عَنْ مَوَاقِيتِ الصَّلاةِ. . . فبين له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أول وقت كل صلاة وآخره ثم قال: (الْوَقْتُ بَيْنَ هَذَيْنِ) .
لكن لو ترتب على تأخير الصلاة تضييع الصلاة جماعة فيصليها في آخر وقتها منفرداً، كان ذلك حراماً من أجل ترك الصلاة جماعة. ما لم يكن معذوراً في ترك الصلاة مع الجماعة.
والأفضل هو فعل الصلاة في أول وقتها، إلا صلاة العشاء، وصلاة الظهر عند اشتداد الحر فالأفضل فعلهما قريباً من آخر الوقت.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"الأكمل أن تكون (الصلاة) على وقتها المطلوب شرعاً؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في جواب من سأله أي العمل أحب إلى الله عز وجل؟ قال: " الصلاة على وقتها " (رواه البخاري 527 ومسلم 85) ولم يقل (الصلاة في أول وقتها) ؛ وذلك لأن الصلوات منها ما يُسن تقديمه، ومنها ما يُسن تأخيره، فصلاة العشاء مثلاً يُسن تأخيرها إلى ثلث الليل، ولهذا لو كانت امرأة في البيت وقالت أيهما أفضل لي؟
أن أصلي صلاة العشاء من حين أذان العشاء أو أؤخرها إلى ثلث الليل؟
قلنا: الأفضل أن تؤخرها إلى ثلث الليل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم تأخر ذات ليلة حتى قالوا: يا رسول لله رقد النساء والصبيان، فخرج وصلى بهم وقال: " إن هذا لوقتها لولا أن أشق على أمتي "
فالأفضل للمرأة إذا كانت في بيتها أن تؤخرها.
وكذلك لو فرض أن رجالا ً محصورين، يعني رجالاً معينين في سفر فقالوا: نؤخر صلاة العشاء أم نقدم؟
فنقول الأفضل أن تؤخروا.
وكذلك لو أن جماعة خرجوا في نزهة وحان وقت العشاء فهل الأفضل أن يقدموا العشاء أو يؤخروها؟
نقول: الأفضل أن يُؤخروها إلا إذا كان في ذلك مشقة.
وبقية الصلوات الأفضل فيها التقديم إلا لسبب، فالفجر تُقدم، والظهر تُقدم، والعصر تُقدم، والمغرب تُقدم، إلا إذا كان هناك سبب.
فمن الأسباب: إذا اشتد الحر فإن الأفضل تأخير صلاة الظهر إلى أن يبرد الوقت، يعني إلى قرب صلاة العصر؛ لأنه يبرد الوقت إذا قرب وقت العصر، فإذا اشتد الحر فإن الأفضل الإبراد لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم " رواه البخاري 537 ومسلم 615.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فقام بلال ليُؤذن فقال: " أبرد " ثم قام ليؤذن، فقال: "أبرد"، ثم قام ليؤذن، فأَذِنَ له. البخاري (629) ومسلم (616) .
ومن الأسباب أيضاً أن يكون في آخر الوقت جماعة لا تحصل في أول الوقت، فهنا التأخير أفضل، كرجل أدركه الوقت وهو في البر وهو يعلم أنه سيصل إلى البلد ويدرك الجماعة في آخر الوقت فهل الأفضل أن يصلي من حين أن يُدركه الوقت أو أن يؤخر حتى يدرك الجماعة؟
نقول: إن الأفضل أن تؤخر حتى تُدرك الجماعة، بل قد نقول بوجوب التأخير هنا تحصيلاً للجماعة اهـ.
"فتاوى أركان الإسلام" (ص 287) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/929)
هل يجوز لها أن تصلي أمام الموظفين في الشركة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة أعمل في شركة هل يجوز لي أن أصلي أمام الموظفين بنفس الغرفة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يُعلم من سؤالكِ أنك تعملين في عمل مختلط مع الرجال، والاختلاط يترتب عليه مفاسد ومحاذير كثيرة لا تخفى على أهل البصائر، وراجعي السؤال رقم (1200) لمعرفة أدلة تحريم الاختلاط.
وقد أفتى الثقات من أهل العلم بتحريم العمل المختلط، ومن ذلك ما جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (12/156) : " الاختلاط بين الرجال والنساء في المدارس أو غيرها من المنكرات العظيمة، والمفاسد الكبيرة في الدين والدنيا، فلا يجوز للمرأة أن تدرس أو تعمل في مكان مختلط بالرجال والنساء، ولا يجوز لوليها أن يأذن لها بذلك " انتهى.
وراجعي السؤال رقم (6666) ففيه: هل تستمرّ في عمل تختلط فيه بالرجال؟
ثانيا:
من ابتليت بهذا العمل المختلط، فإن أمكنها أداء الصلاة في بيتها فهو أفضل، كأن يكون رجوعها إلى بيتها قبل العصر بوقت يتسع لأداء صلاة الظهر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (صَلاةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِهَا فِي حُجْرَتِهَا، وَصَلاتُهَا فِي مَخْدَعِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِهَا فِي بَيْتِهَا) رواه أبو داود (570) وصححه الألباني في صحيح أبي داود؛ ولما فيه من الستر والصيانة عن نظر الرجال.
وإن كان لا يمكنها إدراك الصلاة في بيتها، فإنها تختار أستر مكان في محل عملها، وتصلي صلاتها، ملتزمة بحجابها، ساترة لجميع بدنها، ولا يجوز لها أن تؤخر الصلاة حتى يخرج وقتها، قال الله تعالى: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) النساء/103.
قال السعدي رحمه الله:
" أي: مفروضا في وقته. فدل ذلك على فرضيتها , وأن لها وقتا , لا تصح إلا به , وهو هذه الأوقات , التي قد تقررت عند المسلمين , صغيرهم وكبيرهم , عالمهم وجاهلهم، وأخذوا ذلك عن نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم بقوله: (صلوا كما رأيتموني أصلي) " انتهى.
"تفسير السعدي" (ص 204) .
وقد جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (17/255) :
" المرأة الحرة عورة يحرم عليها كشف وجهها وكفيها بحضرة الرجال الأجانب منها، سواء كانت في الصلاة أو في حالة الإحرام أو في غير ذلك من الحالات العادية؛ لما روت عائشة رضي الله عنها قالت: (كَانَ الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بِنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْرِمَاتٌ فَإِذَا حَاذَوْا بِنَا سَدَلَتْ إِحْدَانَا جِلْبَابَهَا مِنْ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا فَإِذَا جَاوَزُونَا كَشَفْنَاهُ) رواه أحمد وأبوداود وابن ماجه. وإذا كان هذا في حالة الإحرام المطلوب فيه كشف وجه المرأة ففي غيرها أولى؛ لعموم قوله عز وجل: (وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن) " انتهى.
واعلمي أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، ومن اتقى الله تعالى جعل له من كل ضيق مخرجا، ومن كل هم فرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب، فبادري بترك العمل المختلط، وابحثي عن العمل المباح الذي يبارك الله تعالى فيه.
وفقنا الله وإياك لطاعته ومرضاته.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/930)
هل يمكن للفتاة أن تصلي بالبنطلون؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل ممكن للفتاة الصلاة بالبنطلون؟ وما هو الزي الشرعي للصلاة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الزي الشرعي للمرأة في الصلاة هو كلُ لباسٍ ساترٍِ لجميع بدنها عدا الوجه والكفين، ويكون واسعاً فضفاضاً، بحيث لا يحدد شيئاً من أعضائها.
ويدل على اشتراط كون لباس المرأة ساتراً لجميع بدنها في الصلاة: حديث أم سلمة رضي الله عنها لمَّا سُئِلت عما تصلي فيه المرأة من الثياب، فقالت: (تُصَلِّي فِي الْخِمَارِ وَالدِّرْعِ السَّابِغِ الَّذِي يُغَيِّبُ ظُهُورَ قَدَمَيْهَا) رواه أبو داود (639) . وقد روي مرفوعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال الحافظ ابن حجر في "بلوغ المرام" (ص40) : وصحح الأئمة وقفه. وقال ابن تيمية: المشهور أنه موقوف على أم سلمة إلا أنه في حكم المرفوع "شرح كتاب الصلاة من العمدة" (ص 365) .
وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاةَ حَائِضٍ إِلا بِخِمَارٍ) رواه أبو داود (641) والترمذي (377) وابن ماجة (655) وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (7747) .
وقوله (حائض) المراد بالحائض: البالغة أي بلغت الحيض.
والخمار: ما تغطي به المرأة رأسها.
والدرع: قميص المرأة الذي يغطي بدنها ورجلها ويقال له: سابغ إذا طال من فوق إلى أسفل.
وانظر: "عون المعبود شرح سنن أبي داود".
فلا بد في اللباس أن يكون ساتراً لجميع البدن عدا الوجه، واختلف العلماء في وجوب ستر المرأة للكفين والقدمين في الصلاة:
أما الكفان: فذهب الجمهور إلى عدم وجوب سترهما، وعن الإمام أحمد فيهما روايتان، واختار شيخ الإسلام ابن تيمية عدم الوجوب، وقال في الإنصاف: وهو الصواب.
وأما القدمان: فالجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة على وجوب سترهما، وهو الذي عليه فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء (6/178) .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله:
" أما المرأة فكلها عورة في الصلاة إلا وجهها واختلف العلماء في الكفين: فأوجب بعضهم سترهما، ورخص بعضهم في ظهورهما، والأمر فيهما واسع إن شاء الله، وسترهما أفضل خروجاً من خلاف العلماء في ذلك، أما القدمان: فالواجب سترهما في الصلاة عند جمهور أهل العلم " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (10/410) .
وذهب الإمام أبو حنيفة والثوري والمزني إلى جواز كشف المرأة قدميها في الصلاة، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، والمرداوي في الإنصاف.
وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (2/161) :
" وليس هناك دليل واضح على هذه المسألة، ولهذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أن الحرة عورة إلا ما يبدو منها في بيتها وهو الوجه والكفان والقدمان. وقال: إن النساء في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كُنَّ في البيوت يَلْبَسْن القُمُص، وليس لكل امرأة ثوبان، ولهذا إذا أصاب دم الحيض الثوب غسلته وصلت فيه، فتكون القدمان والكفان غير عورة في الصلاة، لا في النظر، وبناء على أنه ليس هناك دليل تطمئن إليه النفس في هذه المسألة فأنا أقلد شيخ الإسلام فيها، وأقول: إن هذا هو الظاهر، إن لم نجزم به، لأن المرأة حتى وإن كان لها ثوب يضرب على الأرض فإنها إذا سجدت سوف يظهر باطن قدميها " انتهى.
وانظر: "المغني" (1/349) ، "المجموع" (3/171) ، "بدائع الصنائع" (5/121) ، "الإنصاف" (1/452) ، "مجموع الفتاوى" لابن تيمية (22/114) .
وإذا كان الثوب خفيفاً بحيث يشف عما تحته، ويظهر من ورائه لون الجلد فإنه لا يعتبر ساترا.
"روضة الطالبين" للنووي (1/284) ، "المغني" (2/286) .
ويدل على ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ. . . الحديث) . رواه مسلم (2128) .
وقوله: (كاسيات عاريات) قال النووي في "المجموع" (4/3998) : " قيل: تلبس ثوباً رقيقاً يصف لون بدنها، وهو المختار " انتهى.
وقال ابن عبد البر في التمهيد (13/204) : " وأما معنى قوله: (كاسيات عاريات) فإنه أراد اللواتي يلبسن من الثياب الشيء الخفيف الذي يصف ولا يستر، فهن كاسيات بالاسم، عاريات في الحقيقة " انتهى.
ويدل على كونه واسعاً فضفاضاً: حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كساني قُبطية مما أهداه له دحية الكلبي، فكسوتها امرأتي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مالك لا تلبس القبطية؟) قلت: كسوتها امرأتي. فقال: (مرها فلتجعل تحتها غلالة إني أخاف أن تصف حجم عظامها) . رواه البيهقي في "السنن الكبرى" (2/234) وحسنه الألباني في "جلباب المرأة المسلمة" (ص 131) .
والقبطية ثياب كتان بيض رقاق تعمل بمصر. "لسان العرب" (7/373) .
والغلالة ثياب تلبس تحت الثياب.
وعلى هذا فلا يجوز للمرأة أن تلبس ثياباً ضيقة تحدد عورتها، كالبنطلون.
قال الشيخ ابن عثيمين:
" حتى وإن كان واسعاً فضفاضاً، لأن تميز رِجْل عن رِجْل يكون به شيء ن عدم الستر، ثم إنه يخشى أن يكون ذلك من تشبه النساء بالرجال، لأن البنطال من ألبسة الرجال " انتهى.
"مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (12/286) .
أما عن صحة الصلاة، إن خالفت وصلت بهذه الثياب الضيقة، فإنها صحيحة، لأن الواجب عليها ستر العورة وقد حصل.
انظر السؤال (46529) .
وقال الشيخ صالح الفوزان:
" الثياب الضيقة التي تصف أعضاء الجسم وتصف جسم المرأة وعجيزتها وتقاطيع أعضائها لا يجوز لبسها، والثياب الضيقة لا يجوز لبسها للرجال ولا للنساء، ولكن النساء أشدّ؛ لأن الفتنة بهن أشدّ.
أما الصلاة في حد ذاتها؛ إذا صلى الإنسان وعورته مستورة بهذا اللباس؛ فصلاته في حد ذاتها صحيحة؛ لوجود ستر العورة، لكن يأثم من صلى بلباس ضيق؛ لأنه قد يخل بشيء من شرائع الصلاة لضيق اللباس، هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية: يكون مدعاة للافتتان وصرف الأنظار إليه، ولاسيما المرأة، فيجب عليها أن تستتر بثوب وافٍ واسعٍ؛ يسترها، ولا يصف شيئًا من أعضاء جسمها، ولا يلفت الأنظار إليها، ولا يكون ثوبًا خفيفًا أو شفافًا، وإنما يكون ثوبًا ساترًا يستر المرأة سترًا كاملاً " انتهى.
"المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (3/454) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/931)
صلَّت وعليها جنابة نسياناً فهل تعيد الصلوات؟
[السُّؤَالُ]
ـ[صليت الفجر والظهر والعصر بدون غسل من جنابة ناسية، وبعد استحمامي عند صلاة المغرب أعدت هذه الصلوات قبل أن أصلي المغرب، ثم أخبرني زوجي أن الغسل يشترط فيه النية فاغتسلت وصليت العشاء ولم أعد بقية الصلوات، فهل صلاتي للفجر وحتى المغرب صحيحة؟ وماذا يجب علي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
من صلى وهو على غير طهارة، وجب عليه التطهر وإعادة الصلاة بإجماع العلماء، ولو كان ناسياً.
قال النووي في المجموع (2/78) :
" أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِ الصَّلاةِ عَلَى الْمُحْدِثِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا لَا تَصِحُّ مِنْهُ سَوَاءٌ إنْ كَانَ عَالِمًا بِحَدَثِهِ أَوْ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا، لَكِنَّهُ إنْ صَلَّى جَاهِلا أَوْ نَاسِيًا فَلا إثْمَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِالْحَدَثِ وَتَحْرِيمِ الصَّلاةِ مَعَ الْحَدَثِ فَقَدْ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً عَظِيمَةً " اهـ.
ثانياً:
لا يصح الاغتسال من الجنابة إلا بالنية، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ) رواه البخاري (1) ومسلم (1907) .
والنية محلها القلب، ولا يشرع التلفظ بها باللسان.
فإن كنت تذكرت أنك على جنابة قبل الاغتسال عند صلاة المغرب فاغتسلت من أجل ذلك، وأعدت الصلوات التي صليتيها وأنت جنب، فاغتسالك صحيح لوجود النية، وقد أحسنت بإعادة الصلوات، وهذا هو الواجب عليك.
أما إذا كنت لم تتذكري أنك على جنابة إلا بعد الاغتسال، وكان اغتسالك من أجل التنظف أو التبرد مثلاً، فإن هذا الاغتسال لا يرفع الجنابة لعدم وجود النية، فيجب عليك إعادة الاغتسال والصلاة، وقد قمت بإعادة الاغتسال، وبقي عليك إعادة الصلاة، فتعيدين صلاة الفجر والظهر والعصر والمغرب.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/932)
ماذا ينوي المصلِّي بالسلام من الصلاة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما نقول "السلام عليكم ورحمة الله" فى نهاية صلاتنا فلمن نقول هذا؟ هل نقول هذا للملائكة الموجودة على يسارنا ويميننا؟ أم نقولها للناس على يسارنا ويميننا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التسليم من الصلاة ركن من أركانها لا يحصل إنهاء الصلاة ولا التحلل منها إلا به.
لما رواه أبو داود (61) والترمذي (3) عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ) . وصححه الألباني في "سنن أبي داود".
وقد ذهب إلى ذلك جمهور العلماء ومنهم الأئمة: مالك والشافعي وأحمد.
قال النووي رحمه الله:
"مذْهَبُنَا: أَنَّهُ فَرْضٌ، رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ لَا تَصِحُّ إلَّا بِهِ , وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ " انتهى.
"المجموع" (3/462) .
وينوي المصلِّي بالسلام: الخروج من الصلاة، والسلام على الإمام، والسلام على من عن يمينه، ويساره، وعلى الحفظة.
قال النووي رحمه الله:
" يَنْوِي الْإِمَامُ بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامَ عَلَى مَنْ عَنْ يَمِينِهِ وَعَلَى الْحَفَظَةِ , وَيَنْوِي بِالثَّانِيَةِ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَلَى يَسَارِهِ وَعَلَى الْحَفَظَةِ , وَيَنْوِي الْمَأْمُومُ بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ , وَالسَّلَامَ عَلَى الْإِمَامِ وَعَلَى الْحَفَظَةِ وَعَلَى الْمَأْمُومِينَ مِنْ نَاحِيَتِهِ فِي صَفِّهِ وَرَائِهِ وَقُدَّامِهِ , وَيَنْوِي بِالثَّانِيَةِ السَّلَامَ عَلَى الْحَفَظَةِ وَعَلَى الْمَأْمُومِينَ مِنْ نَاحِيَتِهِ , فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ قُدَّامَهُ نَوَاهُ فِي أَيِّ التَّسْلِيمَتَيْنِ شَاءَ.
وَيَنْوِي الْمُنْفَرِدُ بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ , وَالسَّلَامَ عَلَى الْحَفَظَةِ , وَبِالثَّانِيَةِ السَّلَامَ عَلَى الْحَفَظَةِ , وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رَوَى سَمُرَةُ رضي الله عنه قَالَ: (أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نُسَلِّمَ عَلَى أَنْفُسِنَا وَأَنْ يُسَلِّمَ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ) ...
وَإِنْ نَوَى الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَنْوِ مَا سِوَاهُ جَازَ ; لِأَنَّ التَّسْلِيمَ عَلَى الْحَاضِرِينَ سُنَّةٌ " انتهى.
"المجموع" (3/456) .
وروى مسلم (431) عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْنَا: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْجَانِبَيْنِ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عَلَامَ تُومِئُونَ بِأَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ؟ (يعني مضطربة) إِنَّمَا يَكْفِي أَحَدَكُمْ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ ثُمَّ يُسَلِّمُ عَلَى أَخِيهِ مَنْ عَلَى يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ) .
قال النووي رحمه الله:
" قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ثُمَّ يُسَلِّم عَلَى أَخِيهِ مِنْ عَلَى يَمِينه وَشِمَاله": الْمُرَاد بِالْأَخِ الْجِنْس أَيْ إِخْوَانه الْحَاضِرِينَ عَنْ الْيَمِين وَالشِّمَال " انتهى.
وقال ابن قدامة رحمه الله:
"وَيَنْوِي بِسَلَامِهِ: الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ. فَإِنْ نَوَى مَعَ ذَلِكَ الرَّدَّ عَلَى الْمَلَكَيْنِ , وَعَلَى مَنْ خَلْفَهُ إنْ كَانَ إمَامًا , أَوْ عَلَى الْإِمَامِ وَمَنْ مَعَهُ إنْ كَانَ مَأْمُومًا , فَلَا بَأْسَ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ , فَقَالَ: يُسَلِّمُ فِي الصَّلَاةِ , وَيَنْوِي بِسَلَامِهِ الرَّدَّ عَلَى الْإِمَامِ" انتهى.
"المغني" (1/326-327)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" إذا قيل: على مَنْ يُسلِّم؟
فالجواب: يقولون: إذا كان معه جماعة فالسَّلام عليهم، وإذا لم يكن معه جماعة فالسَّلام على الملائكة الذين عن يمينه وشماله، يقول: السَّلامُ عليكم ورحمة الله " انتهى.
"الشرح الممتع" (3 / 208) .
والخلاصة: أن المصلِّي ينوي بسلامة من الصلاة ثلاثة أمور:
- الخروج من الصلاة.
- السلام على الملائكة الحفظة.
- السلام على إخوانه المصلين.
وإذا كان منفردا فإنه ينوي بالسلام الخروج من الصلاة والسلام على الحفظة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/933)
إمامهم يقول في صلاته: سمع الله ولمن حمده
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد عندنا في إحدى القرى مسجد ليس له إمام راتب، وأكثر المصلين من كبار السن، وأحيانا يتقدم إمام منهم، وأثناء الرفع من الركوع يقول: (سمع الله ولمن حمده) ، فما الحكم في (واو) التشريك هذه؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يُسنُّ للمصلي حالَ الرفع من الركوع أن يقول: " سمع الله لمن حمده"، هذه هي السنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ففي صحيح البخاري (734) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ، فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ ... ) .
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ فِي الصَّلَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يَكُونَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ حِينَ يُكَبِّرُ لِلرُّكُوعِ، وَيَفْعَلُ ذَلِكَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، وَيَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. رواه البخاري (736) .
وأمَّا قول الإمام في رفعه من الركوع: (سمع الله ولمن حمده) ففيه محذوران:
الأول: تغيير اللفظ الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الثاني: أنها تفسد المعنى.
فإن قول المصلي: (سَمِعَ اللَّه لِمَنْ حَمِدَهُ) معناه: استجاب الله دعاء من حمده، كما ذكر النووي في شرحه على صحيح مسلم (4 / 193) ، وإضافة الواو أفسدت هذا المعنى.
وأمَّا صلاة هذا الإمام: فالذي يظهر أنها صحيحة، لأن الغالب أنه جاهل، ويقصد أن يقول: سمع الله لمن حمده، ولكنه أخطأ في اللفظ.
والواجب تنبيهه ونصحه وتبيين الأمر له.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/934)
حكم الدعاء بين السجدتين
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت على موقعكم أنكم تقولون إن قول المصلى "رب اغفر لي رب أغفر لي" فرض ولكن المدرّس في مسجدنا يقول إن ذلك سنة وليس بفرض فما دليلكم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الدعاء بين السجدتين من السنن الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت عنه في ذلك عدة أحاديث.
منها ما جاء عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي، وَاجْبُرْنِي، وَاهْدِنِي، وَارْزُقْنِي) رواه الترمذي (284) وصححه الألباني.
وروي هذا الحديث بألفاظ مختلفة، وفي بعضها زيادات على بعض، وحاصل ما روي في هذا الدعاء سبع كلمات: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي، وَاجْبُرْنِي، وَاهْدِنِي، وَارْزُقْنِي، وَعَافِنِي، وَارْفَعْنِي) .
ينظر: سنن الترمذي (284) ، وأبو داود (850) ، وابن ماجه (888) .
قال النووي: " فالاحتياط [يعني: لإصابة السنة] والاختيار أن يجمع بين الروايات ويأتي بجميع ألفاظها وهى سبعة ". انتهى "المجموع " (3/ 437) .
وكذا قال الشيخ الألباني في صفة الصلاة صـ 153.
وأقل ما يقال: (رب اغفر لي) لما جاء عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ َكَانَ يَقُولُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ: (رَبِّ اغْفِرْ لِي، رَبِّ اغْفِرْ لِي) . رواه النسائي (1145) وصححه الألباني كما في صفة الصلاة (3/811) .
وقد اختلف العلماء في حكم هذا الدعاء.
فذهب جمهور العلماء إلى أن هذا الدعاء مستحب وليس من واجبات الصلاة.
وذهب الحنابلة إلى أنه واجب لمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على الدعاء بين السجدتين؛ ولأن جميع أفعال الصلاة لا تخلو من ذكر الله، وسائر هذه الأذكار واجبة، فكان حكم الذكر بين السجدتين حكمها.
والواجب منه أن يقول: (رب اغفر لي) مرة واحدة، والزيادة مستحبة.
وما ذهب إليه الجمهور من القول بالاستحباب قول قوي؛ لعدم وجود دليل صريح يدل على الوجوب، وهو اختيار بعض الحنابلة أيضاً.
قال الحافظ ابن رجب: " وحكم هذا الذكر بين السجدتين عند أكثر أصحاب أحمد حكم التسبيح في الركوع والسجود، وأنه واجب تبطل الصلاة بتركه عمداً، ويسجد لسهوه.
وروي عن أحمد أنه ليس بواجب.
قال حرب: مذهب أحمد أنه إن قال جاز، وإن لم يقل جاز، والأمر عنده واسع.
وكذا ذكر أبو بكر الخلال، أن هذا مذهب أحمد، وهذا قول جمهور العلماء ". انتهى " فتح الباري لابن رجب" (6 / 56) .
ومثل هذا المسائل لا ينبغي أن تكون موضع نزاع وفرقة بين المسلمين، لأن كل قول منها له دليله المعتبر في الشريعة، ومن اقتنع بأحد القولين فلا حرج عليه من العمل به.
وأما ما ذكرته من وجود فتوى في الموقع بأنه فرض فغير دقيق، والذي جاء فيه أن هذا الذكر واجب لا فرض، كما في جواب السؤال (65847) .
والفرق بينهما أن الفرض لا يسقط عمدا ولا سهوا، بل لابد من الإتيان به.
أما الواجب: فيسقط بالنسيان، ويجبر بسجود السهو، والله أعلم.
وقد أشرنا إلى ذلك هناك، وأشرنا أيضا إلى أن هذه المسألة مما فيه خلاف معتبر بين العلماء:
(وفي بعض هذه الأمور خلاف بين الفقهاء، فقد يكون الفعل الواجب عند أحدهم، مسنونا عند الآخر، وهذا مبسوط في كتب الفقه) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/935)
إذا سلم الإمام تسليمة واحدة هل يجوز للمأموم أن يسلم تسليمتين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل إذا سلم الإمام تسليمة واحدة؛ هل يجوز أن أسلم تسليمتين؟ علما أن المجلس العلمي للمغرب أقر بالتسليمة الواحدة في جميع المساجد]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ينبغي للإمام أن لا يقتصر على تسليمة واحدة في الصلاة، لأن التسليمة الثانية مشروعة، وفعلها أفضل، بل ذهب الإمام أحمد وبعض المالكية إلى وجوبها، وأن الصلاة لا تصح بدونها، وإن كان جمهور العلماء على أن التسليمة الثانية سنة مستحبة.
وعلى قول الجمهور؛ فالاقتصار على تسليمة واحدة لا يبطل الصلاة.
وإذا سلم الإمام تسليمة واحدة، فلا حرج على المأموم أن يسلم الثانية، لأن فعل ذلك أكمل وأحوط، وخروجا من خلاف من أوجبها.
ومشهور مذهب الإمام مالك أن المأموم يسلم ثلاث تسليمات، كما سيأتي.
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (3/462) : "الصحيح في مذهبنا أن المستحب أن يسلم تسليمتين , وبهذا قال جمهور العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم حكاه الترمذي والقاضي أبو الطيب وآخرون عن أكثر العلماء. وحكاه ابن المنذر عن أبي بكر الصديق وعلي بن أبي طالب وابن مسعود وعمار بن ياسر ونافع بن عبد الحارث رضي الله عنهم , وعن عطاء بن أبي رباح وعلقمة والشعبي وأبي عبد الرحمن السلمي التابعين , وعن الثوري وأحمد وإسحاق وأبي ثور وأصحاب الرأي.
وقالت طائفة: يسلم تسليمة واحدة، قاله ابن عمر وأنس وسلمة بن الأكوع وعائشة رضي الله عنهم والحسن وابن سيرين وعمر بن عبد العزيز ومالك والأوزاعي. قال ابن المنذر: وقال عمار بن أبي عمار: كان مسجد الأنصار يسلمون فيه تسليمتين ومسجد المهاجرين يسلمون فيه تسليمة , وقال ابن المنذر: وبالأول أقول.
ثم قال النووي: مذهبنا: الواجب تسليمة واحدة , ولا تجب الثانية وبه قال جمهور العلماء أو كلهم. قال ابن المنذر: أجمع العلماء على أن صلاة من اقتصر على تسليمة واحدة جائزة , وحكى الطحاوي والقاضي أبو الطيب وآخرون عن الحسن بن صالح أنه أوجب التسليمتين جميعا , وهي رواية عن أحمد وبهما قال بعض أصحاب مالك والله أعلم " انتهى باختصار.
وقال ابن قدامة رحمه الله: "ويشرع أن يسلم تسليمتين عن يمينه ويساره.
لما روى ابن مسعود رضي الله عنه قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسلم حتى يرى بياض خده , عن يمينه ويساره) ، وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه , ثم يسلم على أخيه من على يمينه وشماله) . رواهما مسلم. وفي لفظ لحديث ابن مسعود: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه: السلام عليكم ورحمة الله , وعن يساره: السلام عليكم ورحمة الله) . قال الترمذي: حديث ابن مسعود حديث حسن صحيح" انتهى باختصار من "المغني" (1/323) .
ومذهب الإمام مالك كما في "مواهب الجليل" (1/526) أن المأموم يسلم ثلاث تسليمات: الأولى عن يمينه للخروج من الصلاة، والثانية ينوي بها السلام على الإمام، والثالثة ينوي بها السلام على من على يساره، وقد أنكر هذا القول القاضي أبو بكر بن العربي رحمه الله، واختار أن التسليمة الثانية يقصد بها الإمام والمأمومين معا، وأن الثالثة بدعة، قال رحمه الله: " يسلم اثنتين: واحدة عن يمينه، يعتقد بها الخروج من الصلاة، والثانية عن يساره يعتقد بها الرد على الإمام والمأمومين , والتسليمة الثالثة احذروها، فإنها بدعة، لم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة" انتهى من "مواهب الجليل".
والحاصل: أن المستحب أن يسلم المصلي إماما كان أو مأموما تسليمتين، فإن اقتصر الإمام على تسليمة واحدة، استحب للمأموم أن يسلم تسليمتين، واحدة عن يمينه، والثانية عن يساره.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/936)
حكم تغطية المرأة قدميها في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك دليل على وجوب تغطية المرأة لقديمها في الصلاة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الواجب على المرأة الحرّة المكلفة ستر جميع بدنها في الصلاة ما عدا الوجه والكفين لأنها عورة كلها، فإن صلت وقد بدا شيء من عورتها كالساق والقدم والرأس أو بعضه لم تصح صلاتها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار " رواه أحمد وأهل السنن إلا النسائي بإسناد صحيح.
ولما روى أبو داود عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها سألت النبي عن المرأة تصلي في درع وخمار بغير إزار فقال: " المرأة عورة "
وأما الوجه فالسنّة كشفه في الصلاة، إذا لم يكن هناك أجانب، أما القدمان فالواجب سترهما عند جمهور أهل العلم، وبعض أهل العلم يسامح في كشف القدمين، ولكن الجمهور يرون المنع، وأن الواجب سترهما ولهذا روى أبو داود عن أم سلمة - رضي الله عنها - أنها سئلت عن المرأة تصلي في خمار وقميص، قالت " لا بأس إذا كان الدرع يغطي قدميها " فستر القدمين أولى وأحوط بكل حال، أما الكفان فأمرهما أوسع إن كشفتهما فلا بأس، وإن سترتهما فلا بأس، وبعض أهل العلم يرى أن سترهما أولى والله ولي التوفيق
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى المرأة المسلمة للشيخ عبد العزيز بن باز ص: 57.(5/937)
الصلاة خلف إمام يتعمد قول سبحان ربي الأعلى في الركوع
[السُّؤَالُ]
ـ[يوجد لدينا إمام مسجد في المنطقة التي نقيم فيها يقول في الركوع سبحان ربي الأعلى، وعندما نصحه أحد الإخوة بأن هذا خطأ وأن قول سبحان ربي العظيم في الركوع واجب مستدلا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (وأما الركوع فعظموا فيه الرب) ، قال: "كلها تسابيح"، فما حكم ذلك؟ وهل الصلاة خلف هذا الرجل صحيحة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
دلت السنة الصحيحة على أن المصلي يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم، ويقول في سجوده: سبحان ربي الأعلى، وهذا ثابت من فعله صلى الله عليه وسلم وأمره.
فقد روى مسلم (772) عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ ثم ذكر الحديث.... وفيه: (ثُمَّ رَكَعَ , فَجَعَلَ يَقُولُ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ فَكَانَ رُكُوعُهُ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، ثُمَّ قَامَ طَوِيلًا قَرِيبًا مِمَّا رَكَعَ، ثُمَّ سَجَدَ، فَقَالَ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى) .
وروى أحمد وأبو داود (869) وابن ماجه (887) عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضى الله عنه قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ. فَلَمَّا نَزَلَتْ (سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) قَالَ: اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ. حسنه الألباني في مشكاة المصابيح.
وثبتت صيغ أخرى تقال في الركوع كقوله: سبوح قدوس رب الملائكة والروح، وينظر جواب السؤال (39172) .
ثانيا:
اختلف الفقهاء في حكم التسبيح في الركوع والسجود، فذهب الجمهور إلى أنه مستحب، وذهب أحمد وإسحاق وداود إلى وجوبه، وهو الراجح.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/297) : " والمشهور عن أحمد أن تكبير الخفض والرفع , وتسبيح الركوع والسجود , وقول: سمع الله لمن حمده , وربنا ولك الحمد , وقول: ربي اغفر لي - بين السجدتين - , والتشهد الأول , واجب. وهو قول إسحاق , وداود.
لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به - وأمره للوجوب - , وفعَله. وقال: (صلوا كما رأيتموني أصلي) ، وقد روى أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تتم صلاة لأحد من الناس حتى يتوضأ إلى قوله: ثم يكبر , ثم يركع حتى تطمئن مفاصله , ثم يقول: سمع الله لمن حمده , حتى يستوي قائما ثم يقول: الله أكبر , ثم يسجد حتى يطمئن ساجدا , ثم يقول: الله أكبر. ويرفع رأسه حتى يستوي قاعدا , ثم يقول: الله أكبر. ثم يسجد حتى تطمئن مفاصله , ثم يرفع رأسه فيكبر. فإذا فعل ذلك فقد تمت صلاته) . وهذا نص في وجوب التكبير" انتهى. وهذا الحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "قول المصلِّي في ركوعه: "سبحان رَبِّي العظيم" واجب، وفي سجوده: "سبحان رَبِّي الأعلى" واجب.
والدليل على هذا: أنه لما نَزَلَ قول الله تعالى: (فسبح باسم ربك العظيم) قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اجعلوها في ركوعكم" وهذا بيانٌ مِن النبي صلى الله عليه وسلم لموضع هذا التسبيح، ومِن المعلوم أن بيان الرسول صلى الله عليه وسلم للقرآن يجب علينا أن نَرْجِعَ إليه؛ لأن أعلم الخَلْقِ بكلام الله هو رسول الله، ولهذا كان تفسير القرآن بالسُّنَّة هو المرتبة الثانية، فالقرآن نُفسِّرُه أولاً بالقرآن، ويُفسَّر بعد ذلك بسُنَّة رسول الله؛ لأنها تبيِّنه مثل هذه الآية: (فسبح باسم ربك العظيم) حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اجعلوها في ركوعكم".
وهذا بيان لموضع هذا التَّسبيح.
وأما تسبيحة السُّجود فهي أيضاً مفسَّرة بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "اجعلوها في سجودكم" حين نَزَلَ قوله تعالى: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) " انتهى من "الشرح الممتع" (3/320) .
وعلى القول بالوجوب، فإن من تعمد ترك التسبيح، أو تعمد أن يقول في الركوع: سبحان ربي الأعلى، دون أن يقول: سبحان ربي العظيم، فصلاته باطلة؛ لأنه تعمد ترك واجب، وأما على قول الجمهور، فقد ترك مستحبا وصلاته صحيحة، وهذا الإمام إن كان مقلدا لمذهب من يرى الاستحباب، فصلاته صحيحة، والصلاة خلفه جائزة، لكن ينبغي نصحه، وحثه على التزام السنة، ففي التزامها الخير والهدى والفلاح، والمصلي مأمور بأن يفعل كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته من غير زيادة ولا نقصان، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في قوله: (صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي) رواه البخاري (631) ، فلا يليق بهذا الإمام أو غيره أن يخالف سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ويعرض صلاته للبطلان.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/938)
ترك التشهد الأوسط عمداً
[السُّؤَالُ]
ـ[صليت وتركت جلوس الوسط متعمداً ولم أسجد للسهو واستغفرت الله بعد السلام فهل صلاتي صحيحة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صلاتك غير صحيحة؛ لأنك تركت واجبا من واجبات الصلاة عمداً وهو التشهد الأول في أصح قولي العلماء.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 7/7.(5/939)
إذا صلى محدثا ناسيا وجب عليه إعادة الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[أحياناً بعد الصلاة أكتشف أنني صليت بدون وضوء. هل أتوضأ وأصلي من جديد؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم يجب عليك الوضوء وإعادة الصلاة. وقد أجمع على ذلك العلماء، لأن الطهارة شرط لصحة الصلاة.
ودليل ذلك قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ) . رواه البخاري (6954) ومسلم (225) .
وروى مسلم (224) عن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لا تُقْبَلُ صَلاةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ) .
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (2/79) :
أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِ الصَّلاةِ عَلَى الْمُحْدِثِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا لا تَصِحُّ مِنْهُ سَوَاءٌ إنْ كَانَ عَالِمًا بِحَدَثِهِ أَوْ جَاهِلا أَوْ نَاسِيًا لَكِنَّهُ إنْ صَلَّى جَاهِلا أَوْ نَاسِيًا فَلا إثْمَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِالْحَدَثِ وَتَحْرِيمِ الصَّلاةِ مَعَ الْحَدَثِ فَقَدْ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً عَظِيمَةً اهـ.
والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/940)
ما حكم الصلاة في الحدائق العامة علماً بأنها تسقى بمياه فيها رائحة غريبة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الصلاة في الحدائق العامة؟ علما أن هذه الحدائق تسقى بمياه تنبعث منها رائحة كريهة، ولقد فهمت أن هذه المياه مصفاة من مياه المجاري أو من آبار تتسرب إليها مياه البيارات النجسة، وهل يمنع الناس من قبل الهيئة من الصلاة في هذه الحدائق؟ أرجو إيضاح الصواب في هذه المسألة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ما دامت تنبعث منها الرائحة الكريهة فالصلاة فيها غير صحيحة؛ لأن من شروط صحة الصلاة طهارة البقعة التي يصلي عليها المسلم، فإن وضع عليها حائلا صفيقا طاهرا صحت الصلاة عليه.
ولا يجوز للمسلم أن يصلي في الحدائق- ولو على حائل صفيق طاهر- بل الواجب عليه أن يصلي مع إخوانه المسلمين في بيوت الله - المساجد- التي قال فيها سبحانه: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ)
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر) رواه ابن ماجة، والدارقطني، وابن حبان، والحاكم، وإسناده على شرط مسلم
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل أعمى فقال يا رسول الله إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد فهل لي رخصة أن أصلي في بيتي؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال نعم قال: فأجب) أخرجه مسلم في صحيحه. والأحاديث في هذا المعنى كثيرة
والواجب على هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن تمنع الناس من الصلاة في الحدائق، وأن تأمرهم بالصلاة في المساجد؛ عملا بقول الله عز وجل: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) ، وقوله سبحانه: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) الآية، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) رواه مسلم في صحيحه.
[الْمَصْدَرُ]
مجموع فتاوى ومقالات الشيخ عبد العزيز ابن باز – رحمه الله - الجزء الخامس.(5/941)
هل يؤم المتيمم المتوضئين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يؤم المتيمم المتوضئين؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال ابن حزم:
وجائزٌ أن يؤمَّ المتيممُ المتوضئينَ، والمتوضئُ المتيممينَ، والماسحُ الغاسِلينَ، والغاسلُ الماسحينَ؛ لأن كلَّ واحدٍ ممن ذكرنا قد أدَّى فرضَه، وليس أحدُهما بأطهرَ من الآخر، ولا أحدُهما أتمَّ صلاةً من الآخر، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حضرت الصلاة أن يؤمَّهم أقرؤهم، ولم يخص عليه السلام غير ذلك، ولو كان ههنا واجبٌ غير ما ذكره عليه السلام لبيَّنه ولا أهمله، حاشا لله من ذلك، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف وزفر وسفيان والشافعي وداود وأحمد وإسحاق وأبي ثور، وروي ذلك عن ابن عباس وعمار بن ياسر وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم، وهو قول سعيد ابن المسيب والحسن وعطاء والزهري وحماد بن أبي سليمان.
وروي المنع في ذلك عن علي بن أبي طالب، قال: لا يؤمُّ المتيممُ المتوضئين، ولا المقيَّدُ المطلَقين، وقال ربيعة: لا يؤم المتيمم من جنابة إلا من هو مثله، وبه يقول يحيى بن سعيد الأنصاري.
وقال محمد بن الحسن والحسن بن حي: لا يؤمهم.
وكره مالك وعبيد الله بن الحسن أن يؤمهم، فإن فعل أجزأه.
وقال الأوزاعي: لا يؤمهم إلا إن كان أميراً.
قال علي - أي: ابن حزم -: النهي عن ذلك أو كراهته لا دليل عليه من قرآن ولا من سنَّة ولا من إجماع ولا من قياس، وكذلك تقسيم من قسم، وبالله تعالى التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
" المحلى " (1 / 367، 368) .(5/942)
حكم التسميع والتحميد في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل قول " سمع الله لمن حمده " و " ربنا لك الحمد " في الصلاة واجب أم سنة؟
وهل يقول المأموم " سمع الله لمن حمده "؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اختلف العلماء في حكم التسميع (يعني قول: سمع الله لمن حمده) ، والتحميد (يعني قول: ربنا ولك الحمد) في الصلاة على قولين:
القول الأول: قول الجمهور: الأحناف والمالكية والشافعية أنه سنة من سنن الصلاة وليس من واجباتها.
القول الثاني: أنه من واجبات الصلاة، وهو قول الحنابلة.
قال ابن قدامة في "المغني" (1/578) :
" والمشهور عن أحمد أن تكبير الخفض والرفع، وتسبيح الركوع والسجود، وقول " سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد "، وقول " رب اغفر لي " بين السجدتين، والتشهد الأول – واجب، وهو قول إسحاق وداود.
وعن أحمد أنه غير واجب، وهو قول أكثر الفقهاء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُعَلِّمهُ المسيء في صلاته، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة " ثم استدل ابن قدامة على الوجوب بعدة أدلة:
1- أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به، وأَمرُهُ للوجوب.
2- وفَعَلَهُ وقال: (صَلُّوا كَمَا رَأَيتُمُونِي أُصَلِّي) .
3- وقد روى أبو داود (857) عن علي بن يحيى بن خلاد عن عمه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لاَ تَتِمُّ صَلاَةٌ لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ حَتَّى يَتَوَضَّأَ.. إلى قوله.. ثُمَّ يَقُولُ " سَمِعَ اللَّهُ لِمَن حَمِدَهُ " حَتَّى يَستَوِيَ قَائِمًا) وصححه الألباني في صحيح أبي داود
4- ولأن مواضع هذه الأذكار أركان الصلاة، فكان فيها ذكر واجب كالقيام.
وأما حديث المسيء في صلاته فقد ذَكَرَ في الحديث الذي رويناه تعليمَه ذلك، وهي زيادة يجب قبولها، على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُعَلِّمهُ كُلَّ الواجبات، بدليل أنه لم يُعَلِّمْهُ التشهد ولا السلام، ويحتمل أنه اقتصر على تعليمه ما رآه أساء فيه " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (3/433) :
" والدليل على ذلك ما يلي:
أولا: أن الرسول صلى الله عليه وسلم واظب على ذلك، فلم يَدَعْ قول " سمع الله لمن حمده " بأي حال من الأحوال.
ثانيا: أنه شعار الانتقال من الركوع إلى القيام.
ثالثا: قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد) فعلى هذا يكون للتحميد ثلاثة أدلة، وللتسميع دليلان فقط " انتهى.
كما يستدل بعض الحنابلة على الوجوب بحديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُُّ صلى الله عليه وسلم: (يَا بُرَيْدَةُ! إِذَا رَفَعْتَ رَأْسَكَ مِنَ الرُّكُوعِ فَقُلْ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاءِ وَمِلْءَ الأَرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَىْءٍ بَعْدُ) رواه الدارقطني (1/339) .
لكنه حديث ضعيف، نص أهل العلم على ضعفه، انظر ابن عبد الهادي في "تحقيق التعليق" (1/394) ، والعراقي في "طرح التثريب" (2/331) والشوكاني في "نيل الأوطار" (2/278)
وانظر "الموسوعة الفقهية" (27/82، 92-93) .
وقد سبق في جواب السؤال رقم (43574) ، اختيار القول بوجوب التسميع والتحميد، وبيان أن المنفرد يجمع بين التسميع والتحميد باتفاق العلماء، وأن الإمام يجمع بينهما أيضاً وهو مذهب الشافعية والحنابلة، وأما المأموم فإنه يقتصر على التحميد فقط ولا يشرع له التسميع، كما هو مذهب الجمهور، وقد سبق هناك ذكر الأدلة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/943)
شكّ هل كبّر تكبيرة الإحرام أم لا؟
[السُّؤَالُ]
ـ[دخلت المسجد والإمام جالس في التشهد الأول، فدخلت معه في الصلاة، ولكن نسيت هل كبرت تكبيرة الإحرام أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تكبيرة الإحرام ركن من أركان الصلاة، لا تسقط بالنسيان ولا بالجهل، ولا يقوم غيرها مقامها، فمن تذكر في صلاته أنه نسي تكبيرة الإحرام، أو شك في الإتيان بها، لزمه أن يستأنف الصلاة، وأما من حدث له الشك بعد الفراغ من الصلاة، فلا يضره ذلك؛ لأن الشك بعد العبادة لا يؤثر فيها.
وعليه فهذا المصلي الذي لم يدر هل كبر تكبيرة الإحرام أم لا، إن كان الشك حدث له أثناء الصلاة، لزمه الخروج منها واستئنافها من جديد، وإن كان حدث له بعد الصلاة، فلا شيء عليه وصلاته صحيحة.
والدليل على أن تكبيرة الإحرام ركن من أركان الصلاة: ما رواه البخاري (757) ومسلم (397) في حديث المسيء صلاته أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ) ثم قال له: (إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاةِ فَكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاتِكَ كُلِّهَا) .
وما رواه أبو داود (61) والترمذي (3) وابن ماجه (275) عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مِفْتَاحُ الصَّلاةِ الطُّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ) . وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
قال النووي رحمه الله:
" فتكبيرة الإحرام ركن من أركان الصلاة لا تصح إلا بها. هذا مذهبنا ومذهب مالك وأحمد وجمهور السلف والخلف. وحكى ابن المنذر وأصحابنا عن الزهري أنه قال: تنعقد الصلاة بمجرد النية بلا تكبير. قال ابن المنذر: ولم يقل به غير الزهري ".
ثم قال: " قد ذكرنا أن تكبيرة الإحرام لا تصح الصلاة إلا بها، فلو تركها الإمام أو المأموم سهوا أو عمدا لم تنعقد صلاته، ولا تجزئ عنها تكبيرة الركوع ولا غيرها، هذا مذهبنا وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد وداود والجمهور " اهـ. "المجموع" (3/250) .
ومن شك هل كبر تكبيرة الإحرام أم لا، فإنه يعتبر نفسه لم يكبِّر. قال الشيخ ابن باز:
" إذا نسي تكبيرة الإحرام أو شك في ذلك فعليه أن يكبّر في الحال، ويعمل بما أدرك بعد التكبيرة، فإذا كبّر بعد فوات الركعة الأولى من صلاة الإمام اعتبر نفسه قد فاتته الركعة الأولى، فيقضيها بعد سلام الإمام، وإذا أعاد التكبيرة في الركعة الثالثة اعتبر نفسه قد فاتته ركعتان، فيأتي بركعتين بعد السلام من الصلاة، هذا إذا كان ليس لديه وسوسة، أما إن كان موسوساً فإنه يعتبر نفسه قد كبر في أول الصلاة ولا يقضي شيئاً مراغمة للشيطان ومحاربة لوسوسته، والحمد لله " اهـ.
فتاوى الشيخ ابن باز (11/275)
وإذا كان الشك قد حدث بعد الانتهاء من الصلاة فإنه لا يلتفت إليه.
قال ابن رجب رحمه الله: " إذا شك بعد الفراغ من الصلاة أو غيرها من العبادات في ترك ركنٍ منها، فإنه لا يلتفت إلى الشك "
انتهى من "القواعد" ص 340،
انظر إجابة السؤال (211)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/944)
متى يجوز للإنسان أن يصلي قاعدا في الفريضة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يشترط لرخصة الجلوس أثناء الصلاة عدم القدرة التامة على القيام أو العجز التام عن القيام؟ أم يجوز أيضا الرخصة لصاحب المقدرة على القيام لكن مع احتمالية أن يتبعها أذى؟ وما هو حدود العجز المرخص معه الجلوس أثناء الصلاة وعدم القيام دون أن يترتب على ذلك ذنب أو إثم أو عقاب؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
القيام في صلاة الفرض ركن لابد منه، ولا يجوز لأحد أن يصلي قاعدا إلا عند عجزه عن القيام، أو في حال كون القيام يشق عليه مشقة شديدة، أو كان به مرض يخاف زيادته لو صلى قائما.
فيدخل فيما ذكرنا: المُقْعَد الذي لا يستطيع القيام مطلقا، وكبير السن الذي يشق عليه القيام، والمريض الذي يضره القيام بزيادة المرض أو تأخر الشفاء.
والأصل في ذلك ما رواه البخاري (1050) عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّلَاةِ، فَقَالَ: (صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ) .
قال ابن قدامة رحمه الله: " قال: (والمريض إذا كان القيام يزيد في مرضه صلى قاعدا) أجمع أهل العلم على أن من لا يطيق القيام له أن يصلي جالسا. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين: (صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب) . رواه البخاري وأبو داود والنسائي وزاد: (فإن لم تستطع فمستلقيا، لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) . وروى أنس رضي الله عنه قال: سقط رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فرس فخُدِش أو جُحش شقه الأيمن فدخلنا عليه نعوده، فحضرت الصلاة فصلى قاعدا، وصلينا خلفه قعودا. متفق عليه.
وإن أمكنه القيام إلا أنه يخشى زيادة مرضه به، أو تباطؤ برئه (أي شفائه) ، أو يشق عليه مشقة شديدة، فله أن يصلي قاعدا. ونحو هذا قال مالك وإسحاق. وقال ميمون بن مهران: إذا لم يستطع أن يقوم لدُنياه , فليصل جالسا. وحكي عن أحمد نحو ذلك "
أي من كان يستطيع القيام لمصالحه الدنيوية، فيلزمه أن يصلي قائما ولا يجوز له القعود.
ثم قال ابن قدامة رحمه الله: " ولنا قول الله تعالى: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) . وتكليف القيام في هذه الحال حرج؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى جالسا لما جُحِش (أي جُرح) شقه الأيمن، والظاهر أنه لم يكن يعجز عن القيام بالكلية، لكن لما شق عليه القيام سقط عنه، فكذلك تسقط عن غيره ... وإن قدر على القيام، بأن يتكئ على عصى، أو يستند إلى حائط، أو يعتمد على أحد جانبيه: لزمه؛ لأنه قادر على القيام من غير ضرر، فلزمه، كما لو قدر بغير هذه الأشياء " انتهى من "المغني" (1/443) .
وقال النووي رحمه الله: " أجمعت الأمة على أن من عجز عن القيام في الفريضة صلاها قاعدا ولا إعادة عليه , قال أصحابنا: ولا ينقص ثوابه عن ثوابه في حال القيام , لأنه معذور , وقد ثبت في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحا مقيما) . قال أصحابنا: ولا يشترط في العجز أن لا يتأتّى القيام، ولا يكفي أدنى مشقة، بل المعتبر المشقة الظاهرة، فإذا خاف مشقة شديدة أو زيادة مرض أو نحو ذلك أو خاف راكب السفينة الغرق أو دوران الرأس صلى قاعدا ولا إعادة " انتهى من "المجموع" (4/201) .
وبين الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ضابط المشقة التي تبيح ترك القيام في الفرض، وصفة الجلوس، فقال: " الضابط للمشقة: ما زال به الخشوع؛ والخشوع هو: حضور القلب والطمأنينة، فإذا كان إذا قام قلق قلقا عظيما ولم يطمئن، وتجده يتمنى أن يصل إلى آخر الفاتحة ليركع من شدة تحمله، فهذا قد شق عليه القيام فيصلي قاعدا.
ومثل ذلك الخائف فإنه لا يستطيع أن يصلي قائما، كما لو كان يصلي خلف جدار وحوله عدو يرقبه، فإن قام تبين من وراء الجدار، وإن جلس اختفى بالجدار عن عدوه، فهنا نقول له: صل جالسا.
ويدل لهذا قوله تعالى: (فإن خفتم فرجالا أو ركبانا) البقرة/ 239، فأسقط الله عن الخائف الركوع والسجود والقعود، فكذلك القيام إذا كان خائفا.
ولكن؛ كيف يجلس؟
يجلس متربعا على أليتيه، يكف ساقيه إلى فخذيه ويسمى هذا الجلوس تربعا؛ لأن الساق والفخذ في اليمنى، والساق والفخذ في اليسرى كلها ظاهرة، لأن الافتراش تختفي فيه الساق في الفخذ، وأما التربع فتظهر كل الأعضاء الأربعة.
وهل التربع واجب؟
لا، التربع سنة، فلو صلى مفترشا، فلا بأس، ولو صلى محتبيا فلا بأس؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (فإن لم تستطع فقاعدا) ولم يبين كيفية قعوده. فإذا قال إنسان: هل هناك دليل على أنه يصلي متربعا؟
فالجواب: نعم؛ قالت عائشة: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي متربعا) ، ولأن التربع في الغالب أكثر طمأنينة وارتياحا من الافتراش، ومن المعلوم أن القيام يحتاج إلى قراءة طويلة أطول من قول: (رب اغفر لي وارحمني) فلذلك كان التربع فيه أولى؛ ولأجل فائدة أخرى وهي التفريق بين قعود القيام والقعود الذي في محله، لأننا لو قلنا يفترش في حال القيام لم يكن هناك فرق بين الجلوس في محله وبين الجلوس البدلي الذي يكون بدل القيام.
وإذا كان في حال الركوع قال بعضهم: إنه يكون مفترشا، والصحيح: أنه يكون متربعا؛ لأن الراكع قائم قد نصب ساقيه وفخذيه، وليس فيه إلا انحناء الظهر فنقول: هذا المتربع يبقى متربعا ويركع وهو متربع، وهذا هو الصحيح في هذه المسألة " انتهى من "الشرح الممتع" (4/461) .
ثانيا:
أما صلاة النافلة، فيجوز القعود فيها من غير عذر، إجماعا، لكن أجر القاعد حينئذ على النصف من أجر القائم؛ لما روى مسلم (1214) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه قَالَ: حُدِّثْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (صَلاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا نِصْفُ الصَّلاةِ. قَالَ: فَأَتَيْتُهُ، فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي جَالِسًا، فَوَضَعْتُ يَدِي عَلَى رَأْسِهِ، فَقَالَ: مَا لَكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو؟! قُلْتُ: حُدِّثْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَّكَ قُلْتَ: صَلاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا عَلَى نِصْفِ الصَّلاةِ، وَأَنْتَ تُصَلِّي قَاعِدًا! قَالَ: أَجَلْ، وَلَكِنِّي لَسْتُ كَأَحَدٍ مِنْكُمْ) .
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: " معناه أن صلاة القاعد فيها نصف ثواب القائم، فيتضمن صحتها ونقصان أجرها. وهذا الحديث محمول على صلاة النفل قاعدا مع القدرة على القيام، فهذا له نصف ثواب القائم. وأما إذا صلى النفل قاعدا لعجزه عن القيام فلا ينقص ثوابه بل يكون كثوابه قائما. وأما الفرض فإن صلاه قاعدا مع قدرته على القيام لم يصح فلا يكون فيه ثواب بل يأثم به.
قال أصحابنا (الشافعية) : وان استحله كفر وجرت عليه أحكام المرتدين كما لو استحل الزنى والربا أو غيره من المحرمات الشائعة التحريم.
وإن صلى الفرض قاعدا لعجزه عن القيام أو مضطجعا لعجزه عن القيام والقعود، فثوابه كثوابه قائما، لم ينقص باتفاق أصحابنا، فيتعين حمل الحديث في تنصيف الثواب على من صلى النفل قاعدا مع قدرته على القيام. هذا تفصيل مذهبنا وبه قال الجمهور في تفسير هذا الحديث ".
وقال: " وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (لست كأحد منكم) فهو عند أصحابنا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، فجُعلت نافلته قاعدا مع القدرة على القيام كنافلته قائما تشريفا له، كما خص بأشياء معروفة في كتب أصحابنا وغيرهم، وقد استقصيتها في أول كتاب تهذيب الأسماء واللغات " انتهى من "شرح صحيح مسلم" (6/14) .
والله أعلم.
وانظر جواب السؤال (50180) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/945)
أركان الصلاة وواجباتها وسننها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي سنن الصلاة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سنن الصلاة كثيرة، منها القولية، ومنها الفعلية. والمقصود بالسنن: ما عدا الأركان والواجبات.
وقد أوصل بعض الفقهاء السنن القولية إلى سبع عشرة سنة، والسنن الفعلية إلى خمس وخمسين سنة. ولا تبطل الصلاة بترك شئ من السنن، ولو عمدا. بخلاف الأركان والواجبات.
والفرق بين الركن والواجب: أن الركن لا يسقط عمدا ولا سهوا، بل لابد من الإتيان به.
أما الواجب: فيسقط بالنسيان، ويجبر بسجود السهو.
ولعل من المناسب هنا أن نذكر أركان الصلاة وواجباتها، ثم شيئاً من سننها، معتمدين في ذلك على ما في متن "دليل الطالب" وهو مختصر مشهور عند فقهاء الحنابلة:
أولا: أركان الصلاة، وهي أربعة عشر ركناً، كما يلي:
1- أحدها القيام في الفرض على القادر.
2- تكبيرة الإحرام وهي الله أكبر.
3- قراءة الفاتحة.
4- الركوع، وأقله أن ينحني بحيث يمكنه مس ركبتيه بكفيه، وأكمله أن يمد ظهره مستويا ويجعل رأسه حياله.
5- الرفع منه.
6- الاعتدال قائما.
7- السجود، وأكمله تمكين جبهته وأنفه وكفيه وركبتيه وأطراف أصابع قدميه من محل سجوده. وأقله وضع جزء من كل عضو.
8- الرفع من السجود.
9- الجلوس بين السجدتين. وكيف جلس كفى، والسنة أن يجلس مفترشا على رجله اليسرى وينصب اليمنى ويوجهها إلى القبلة.
10- الطمأنينة وهي السكون في كل ركن فعلي.
11- التشهد الأخير.
12- الجلوس له وللتسليمتين.
13- التسليمتان، وهو أن يقول مرتين: السلام عليكم ورحمة الله، ويكفي في النفل تسليمة واحدة، وكذا في الجنازة.
14- ترتيب الأركان كما ذكرنا، فلو سجد مثلا قبل ركوعه عمدا بطلت، وسهواً لزمه الرجوع ليركع ثم يسجد.
ثانيا: واجبات الصلاة، وهي ثمانية، كما يلي:
1- التكبير لغير الإحرام.
2- قول: سمع الله لمن حمده للإمام وللمنفرد.
3- قول: ربنا ولك الحمد.
4- قول: سبحان ربي العظيم مرة في الركوع.
5- قول: سبحان ربي الأعلى مرة في السجود.
6- قول: رب اغفر لي بين السجدتين.
7- التشهد الأول.
8- الجلوس للتشهد الأول.
ثالثا: سنن الصلاة القولية، وهي إحدى عشرة سنة، كما يلي:
1- قوله بعد تكبيرة الإحرام: " سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك " ويسمى دعاء الاستفتاح.
2- التعوذ.
3- البسملة.
4- قول: آمين.
5- قراءة السورة بعد الفاتحة.
6- الجهر بالقراءة للإمام.
7- قول غير المأموم بعد التحميد: ملء السماوات، وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد. (والصحيح أنه سنة للمأمون أيضاً) .
8- ما زاد على المرة في تسبيح الركوع. أي التسبيحة الثانية والثالثة وما زاد على ذلك.
9- ما زاد على المرة في تسبيح السجود.
10- ما زاد على المرة في قوله بين السجدتين: رب اغفر لي.
11- الصلاة في التشهد الأخير على آله عليهم السلام، والبركة عليه وعليهم، والدعاء بعده.
رابعا: سنن الأفعال، وتسمى الهيئات:
1- رفع اليدين مع تكبيرة الإحرام.
2- وعند الركوع.
3- وعند الرفع منه.
4- وحطهما عقب ذلك.
5- وضع اليمين على الشمال.
6- نظره إلى موضع سجوده.
7- تفرقته بين قدميه قائما.
8- قبض ركبتيه بيديه مفرجتي الأصابع في ركوعه، ومد ظهره فيه، وجعل رأسه حياله.
9- تمكين أعضاء السجود من الأرض ومباشرتها لمحل السجود سوى الركبتين فيكره.
10- مجافاة عضديه عن جنبيه، وبطنه عن فخذيه، وفخذيه عن ساقيه، وتفريقه بين ركبتيه، وإقامة قدميه، وجعل بطون أصابعهما على الأرض مفرقةً، ووضع يديه حذو منكبيه مبسوطةً مضمومةَ الأصابع.
11- الافتراش في الجلوس بين السجدتين، وفي التشهد الأول، والتورك في الثاني.
12- وضع اليدين على الفخذين مبسوطتين مضمومتي الأصابع بين السجدتين، وكذا في التشهد إلا أنه يقبض من اليمنى الخنصر والبنصر ويحلق إبهامها مع الوسطى ويشير بسبابتها عند ذكر الله.
13- التفاته يمينا وشمالا في تسليمه.
وفي بعض هذه الأمور خلاف بين الفقهاء، فقد يكون الفعل الواجب عند أحدهم مسنونا عند الآخر، وهذا مبسوط في كتب الفقه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/946)
هل يقول المأموم (سمع الله لمن حمده) عند رفعه من الركوع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في إحدى الملصقات أن على الإمام والمأموم عند الانتهاء من الركوع أن يقولوا: (سمع الله لمن حمده) ثم بعد ذلك يقول المأمومون: (اللهم ربنا لك الحمد) ، وهذا بخلاف ما نشأنا عليه، أن الإمام فقط هو الذي يقول: (سمع الله لمن حمده) فيرد المأمومون عند الرفع من الركوع: (اللهم ربنا لك الحمد) . فأفتونا مأجورين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
التسميع (وهو قول " سمع الله لمن حمده ") عند الرفع من الركوع والتحميد عند الاستواء قائما (وهو قول " ربنا لك الحمد ") سنة مستحبة عند جمهور أهل العلم، وذهب الحنابلة إلى وجوبها، والصحيح القول بالوجوب.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (3/433) :
والدليل على ذلك (يعني: الوجوب) ما يلي:
أولا: أن الرسول صلى الله عليه وسلم واظب على ذلك، فلم يدع قول (سمع الله لمن حمده) في حال من الأحوال.
ثانيا: أنه شعار الانتقال من الركوع إلى القيام.
ثالثا: قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا قال سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد) " انتهى.
وقد سبق ذكر التسميع والتحميد في واجبات الصلاة في سؤال رقم (65847) .
ثانيا:
اتفق الفقهاء على أن المنفرد يجمع بين التسميع والتحميد، فيقول: (سمع الله لمن حمده) حين يرفع من الركوع، فإذا استوى قائما قال: (ربنا ولك الحمد) .
وقد نقل الاتفاق: الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/240) ، وابن عبد البر في "الاستذكار" (2/178) .
وإن كان في "المغني" (1/548) ما يفيد أن هناك خلافاً في المسألة.
ولكنهم اختلفوا في الإمام والمأموم ما الذي يشرع لكل منهما:
أما الإمام:
فذهب الحنفية والمالكية إلى أنه يُسَمِّعُ فقط، ولا يسن له أن يقول: ربنا لك الحمد.
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أن الإمام يُسَمِّعُ ويَحمّد.
والراجح هو القول الثاني؛ لما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَالَ سَمِعَ اللهًُ لِمَنْ حَمِدَه قَالَ: الَّلهُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الحَمدُ) .
رواه البخاري (795) ومسلم (392) .
وقد بيَّن الحافظ ابن حجر أن استحباب تحميد الإمام مستفاد من هذا الحديث ومن غيره.
انظر: "فتح الباري" (2/367) .
وأما المأموم:
فقد قال جمهور العلماء من الحنفية والمالكية والحنابلة بأن المأموم يقتصر على التحميد فقط، ولا يقول (سمع الله لمن حمده) .
وخالفهم الشافعية والظاهرية، فقالوا باستحباب التسميع والتحميد في حق المأموم، وهو اختيار الألباني في "صفة الصلاة" (135) وللتوسع في أدلتهم انظر رسالة السيوطي في "الحاوي للفتاوي" (1/35) .
والراجح – والله أعلم - هو قول الجمهور.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله "لقاء الباب المفتوح" (1/320) :
" المؤتم إذا قال إمامه سمع الله لمن حمده لا يقول سمع الله لمن حمده؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما جُعل الإمام لِيُؤتَمَّ به، فإذا كبَّر فكبِّروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد) .
فقال (إذا كبر فكبروا) (وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد) ، ففرَّقَ النبي صلى الله عليه وسلم بين التكبير وبين التسميع، التكبير نقول كما يقول، والتسميع لا نقول كما يقول، لأن قوله (إذا قال: سمع الله لمن حمده قولوا ربنا ولك الحمد) بمنزلة قوله: إذا قال سمع الله لمن حمده فلا تقولوا سمع الله لمن حمده ولكن قولوا ربنا ولك الحمد، بدليل السياق، سياق الحديث الذي قال: (إذا كبر فكبروا) ، ومن قال مِن أهل العلم إنه يقول (سمع الله لمن حمده) ويقول (ربنا ولك الحمد) فقوله ضعيف، وليس أحدٌ يقبل قولُه على الإطلاق، ولا يُرَدُّ قولُه على الإطلاق، حتى يُعرض على الكتاب والسنة، ونحن إذا عرضناه على السنة وجدنا الأمر كما سمعت " انتهى.
وانظر: "المغني" (1/548) ، "الأم" (1/136) ، "المحلى" (1/35) ، "الموسوعة الفقهية" (27/93-94)
ويتبين بذلك أن المسألة فيها خلاف بين أهل العلم، فلا غرابة أن تكون بعض الملصقات قد قررت ما ذهب إليه بعض أهل العلم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/947)
رفع يده عن الأرض وهو ساجد ليحكّ جلده، هل تبطل صلاته؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لو أن أحداً رفع يده أو قدمه أثناء السجود ثم وضعها على الأرض وأتم السجود , هل ذلك يبطل صلاته؟ مثلا: يحتاج أن يحك جلده أثناء السجود فيرفع إحدى يديه هل صلاته باطلة؟ وإذا فعل ذلك ناسيا , هل صلاته باطلة ويجب الإعادة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب السجود على الأعضاء السبعة التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالسجود عليها، كما
روى البخاري (812) ومسلم (490) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ: عَلَى الْجَبْهَةِ - وَأَشَارَ بِيَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ - وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ، وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ) .
قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم" (4/208) :
"لو أخل بعضو منها لم تصح صلاته" انتهى.
واستدل جمهور العلماء (منهم الأئمة: مالك والشافعي وأحمد) بهذا الحديث على أن السجود لا يصح إلا إذا كان على هذه الأعضاء جميعها، فلو سجد على ستة أعضاء منها لم يصح سجوده.
وقال ابن رجب الحنبلي في "فتح الباري":
"ويدل على هذا القول: هذه الأحاديث الصحيحة بالأمر بالسجود على هذه الأعضاء كلها، والأمر للوجوب" انتهى.
"فتح الباري" - لابن رجب (5 / 114-115) .
وعلى هذا، من رفع أحد أعضاء السجود عن الأرض جميع السجود، ولم يسجد عليه، لم تصح صلاته.
وأما من رفعه وقتاً يسيراً فصلاته صحيحة إن شاء الله تعالى.
وقد سئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله:
إنسان رفع أحد أعضاء السجود هل تبطل صلاته وهو ساجد؟
فأجاب:
"الظاهر أنه إن رفع في جميع السجود – أي: ما زال ساجداً وهو رافعٌ أحد الأعضاء - فسجوده باطل، وإذا بطل السجود بطلت الصلاة، وأما إذا كان رفعه لمدة يسيرة مثل أن يحك رجله بالأخرى ثم أعادها فأرجو ألا يكون عليه بأس" انتهى.
"لقاءات الباب المفتوح".
وقال أيضاً:
"والسجود على هذه الأعضاء السبعة واجب في كل حال السجود، بمعنى أنه لا يجوز أن يرفع عضوا من أعضائه حال سجوده، لا يدا، ولا رجلا، ولا أنفا، ولا جبهة، ولا شيئا من هذه الأعضاء السبعة. فإن فعل: فإن كان في جميع حال السجود فلا شك أن سجوده لا يصح؛ لأنه نقص عضوا من الأعضاء التي يجب أن يسجد عليها.
وأما إن كان في أثناء السجود، بمعنى أن رجلا حكته رجله مثلا فحكها بالرجل الأخرى فهذا محل نظر، قد يقال: إنها لا تصح صلاته لأنه ترك هذا الركن في بعض السجود.
وقد يقال: إنه يجزئه لأن العبرة بالأعم والأكثر، فإذا كان الأعم والأكثر أنه ساجد على الأعضاء السبعة أجزأه، وعلى هذا فيكون الاحتياط: ألا يرفع شيئا وليصبر حتى لو أصابته حكة في يده مثلا، أو في فخذه، أو في رجله، فليصبر حتى يقوم من السجود" انتهى.
"الشرح الممتع" (3/37) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/948)
الحكمة من إقامة الصلاة بكيفيتها المعروفة
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي تشكك واحد لا أجد له تفسيرا مناسبا ... لماذا نصلي بتلك الكيفية من تكبير وسجود وقيام؟ أفلا يكفي أن نجلس فنقرأ القرآن وندعو الله عوضا عن ذلك؟ فلماذا صيغ الأمر بتلك الكيفية وبهذا الشكل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
اعلم – هداك الله – أن مبنى ديننا الحنيف على وجوب السمع والطاعة، وأن لا نقترح على الله، وكما أننا نثق بكلام الطبيب ولا نعارضه، بل نسمع ونطيع، وإذا قال: هذا الدواء بعد العشاء. لم نقل: لم لا يكون قبله؟
أو قال: سبع قطرات. لم نقل: لم لا تكون خمسا؟ وإنما نذعن لما يقول، ولو كان في ذلك ما نكره من مرارة الدواء أو غلاء ثمنه ونحو ذلك، وهو مع ذلك بشر لا يملك الشفاء، ويخطئ ويصيب، وقد يكون خطؤه أكثر من صوابه.
فالواجب علينا أن يكون تسليمنا للشرع أشد، فإنه تنزيل من حكيم حميد، عليم خبير، (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) الأنبياء/23.
إن الإيمان لا يثبت إلا بالتسليم المطلق لله ولرسوله، قال الله تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) النساء/65.
وقال تعالى: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) النور/51.
وقال الله عز وجل: (آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) البقرة/285.
قال السعدي:
" هذا التزام من المؤمنين، عام لجميع ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من الكتاب والسنة، وأنهم سمعوه سماع قبول وإذعان وانقياد " انتهى.
"تفسير السعدي" (ص 961) .
فمن تأمل هذه الآيات علم أن مبنى الدين على التسليم والخضوع والانقياد لله رب العالمين، وكيف لا يسلم له سبحانه في كل شيء من أمر دينه ودنياه من آمن به ربا خالقا هاديا رازقا مدبرا؟!
وكيف لا يسلم لرسوله صلى الله عليه وسلم من آمن به نبيا مرسلا من عند ربه؟!
ولو أن إنساناً انتهج هذا المنهج في السؤال لم يَبْعُدْ أن ينتهي به الأمر إلى الإلحاد، لأنك تقول: لماذا لم تكن الصلاة مجرد قراءة للقرآن والدعاء، فيأتي ثانٍ ويقول: وما الداعي للدعاء أفلا يكفي القرآن؟
ويأتي ثالث ويقول: لماذا الصلاة أصلاً، أفلا يكفي قول لا إله إلا الله، وقل مثل ذلك في الزكاة والصيام والحج جميع الأحكام الشرعية. فينتهي الأمر إلى إنكار الأحكام الشرعية والإلحاد.
ثالثاً:
فرضت الصلاة على هذه الصفة التي هي أحسن ما يكون وأكمل ما يكون حتى تتحقق العبودية لله والذل له، والتلذذ بمناجاته، فيستقبل الرجل القبلة، ويقف ذليلاً بين يدي الله مطأطأ الرأس، ثم يركع لله تذللاً له، ثم يزيد ذله لله بالسجود.
وانظر وصفاً تفصيلاً لصفة الصلاة من التكبير إلى التسليم مع التدبر في أفعالها وأقوالها بما لا مزيد عليه لابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه "الصلاة".
ونسأل الله تعالى أن يلهمنا رشدنا ويجعل الصلاة قرة عيوننا.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/949)
لا فرق صلاة الرجل وصلاة المرأة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي) والذي يُفهم من الحديث أنه لا فرق بين صلاة الرجل وصلاة المرأة، لا في القيام ولا في القعود ولا في الركوع ولا في السجود، وعلى هذا أنا أعمل منذ بلوغي سن التكليف، ولكن عندنا بعض النساء في كينيا يخاصمنني ويقلن: إن صلاتك غير صحيحة لأنهل تشبه صلاة الرجل، ويذكرن أمثلة تختلف فيها في نظرهن صلاة الرجل عن صلاة المرأة من حيث إمساك اليدين على الصدر، أو إطلاقهما أو استواء الظهر في الركوع وغير ذلك من الأمور التي لم أقتنع بها، فأرجو أن تبينوا لي هل بين صلاة الرجل وصلاة المرأة في الأداء فرق؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله " الصواب: أنه ليس بين صلاة المرأة وصلاة الرجل فرق، وما ذكره بعض الفقهاء من الفرق ليس عليه دليل، والحديث الذي ذكرتيه في السؤال وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي) يعم الجميع، والتشريعات الإسلامية تعم الرجال والنساء، إلا ما قام عليه الدليل بالتخصيص؛ فالسنة أن تصلي المرأة كما يصلي الرجل في الركوع والسجود والقراءة ووضع اليدين على الصدر هذا هو الأفضل، وهكذا وضعهما على الركبتين عند الركوع وهكذا وضعهما على الأرض في السجود حيال المنكبين أو حيال الأذنين، وهكذا استواء الظهر في الركوع، وهكذا ما يُقال في الركوع والسجود بعد الرفع من الركوع وبعد الرفع من السجدة الأولى كله كالرجل سواء عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم: (صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي) رواه البخاري في الصحيح. أما الإقامة والأذان فهما خارجان عن الصلاة، والإقامة والأذان للرجال خاصة، جاء بذلك النص، الرجال يقيمون ويؤذنون، أما النساء فلا إقامة ولا أذان، أما الجهر فلها أن تجهر الفجر والمغرب والعشاء، في الفجر تجهر في الركعتين، والمغرب في الركعتين الأوليين، والعشاء في الركعتين الأوليين، كما جهر الرجال" انتهى. سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (2/799) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/950)
هل يقول في التشهد: السلام على النبي أم السلام عليك أيها النبي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: إنا كنا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم نقول في التشهد: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، وبعد وفاته كنا نقول السلام على النبي ورحمة الله وبركاته، فهل هذا صحيح، وهل نقوله في التشهد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"المشروع أن يقولوا بما علَّم النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة، علمهم أن يقولوا: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته) فنقول كما علمنا الرسول صلى الله عليه وسلم، علم الصحابة ولم يقل لهم إذا مت غيروا، علمهم وهم مسافرون، يذهبون في البلاد البعيدة، يقولون: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، يعني يدعون له، السلام عليك هو دعاء له، بالسلامة والرحمة والبركة، و "أيها النبي" معناها: استحضار، "أيها النبي" ما هو بمعنى أن يدعوه، يدعون له، السلام عليك يعني لك السلامة، لك العافية والرحمة والبركة من ربك، هو دعاء له صلى الله عليه وسلم، ليس يدعى هو، ولكنك تطلب الله له السلامة والرحمة، والبركة، ومن قال: السلام على النبي ورحمة الله وبركاته، فلا بأس، لكن الأفضل أن يقول: كما علم النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، هذا هو الذي علمه النبي أمته، ومات على ذلك عليه الصلاة والسلام" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (28/58) .
وانظر جواب السؤال رقم (34535) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/951)
كيفية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو أن تشرح لنا بالنقاط كيفية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: استقبال الكعبة
1- إذا قمتَ أيها المسلم إلى الصلاة , فاستقبل الكعبة حيث كنت , في الفرض والنفلِ , وهو ركن من أركان الصلاة , التي لا تصح الصلاة إلا بها.
2- ويسقط الاستقبال عن المحارب في صلاة الخوف والقتال الشديد.
- وعن العاجز عنه؛ كالمريض , أو من كان في السفينة , أو السيارة , أو الطائرة , إذا خشي خروج الوقت.
- وعمن كان يصلي نافلة أو وتراً , وهو يسير راكباً دابة أو غيرها ويستحب له إذا أمكن أن يستقبل بها القبلة عند تكبيرة الإحرام , ثم يتجه بها حيث كانت وجهته.
3- ويجب على كل من كان مشاهدٍ للكعبة أن يستقبل عينها , وأما من كان غير مشاهداً لها فيستقبل جهتها.
حكم الصلاة إلى غير الكعبة خطأً:
4- وإن صلى إلى غير القبلة؛ لغيم أو غيره بعد الاجتهاد والتحري جازت صلاته , ولا إعادة عليه.
5- وإذا جاء من يثق به - وهو يصلي - فأخبره بجهتها , فعليه أن يبادر إلى استقبالها , وصلاته صحيحةٌ.
ثانياً: القيام
6- ويجب عليه أن يصلي وهو قائماً وهو ركن ٌ , إلا على:
المصلي صلاة الخوف , والقتال الشديد , فيجوز له أن يصلي راكباً , والمريض العاجز عن القيام , فيصلي جالساً إن استطاع , وإلا فعلى جَنبٍ , والمتنفّل , فله أن يصلي راكباً , أو
قاعداً إن شاءَ , ويركع وسجد إيماءً برأسهِ , وكذلك المريضُ , ويجعل سجوده أخفض من ركوعه.
7 - ولا يجوز للمصلي جالساً أن يضع شيئاً على الأرض مرفوعاً يسجد عليه , وإنما يجعل سجوده أخفض من ركوعه - كما ذكرنا - إذا كان لا يستطيع مباشرة أن يباشر الأرض بجبهتِهِ.
الصلاة في السفينة والطائرة:
8- وتجوز صلاة الفريضة في السفينة , وكذا في الطائرة.
9- وله أن يصلي فيهما قاعداً إذا خشي على نفسه السقوط.
10- ويجوز أن يعتمد في قيامه على عمودٍ , أو عصى؛ لكبر سنه , أو ضعف بدنه.
الجمع بين القيام والقعود:
11- ويجوز أن يصَلي صلاة الليل قائماً أو قاعداً بدون عذر , وأن يجمع بينهما , فيصلَّي ويقرأ جالساً , وقبيل الركوع يقوم , فيقرأ ما بقي عليه من الآيات قائماً ثم يركع ويسجد , ثم يصنع مثل ذلك في الركعة الثانية.
12- وإذا صلى قاعداً جلس متربعاً , أو أي جلسةٍ أخرى يستريح بها.
الصلاة في النعال:
13- ويجوز له أن يقف حافياً , كما يجوز له أن يصلي منتعلاً.
14- والأفضل أن يصلي تارةً هكذا وتارةً هكذا , حسبما تيسر له , فلا يتكلف لبسهما للصلاة ولا خلعها , بل إن كان حافياً صلى حافياً , وإن كان منتعلاً صلى منتعلا , إلا لأمرٍ عارضٍ.
15- وإذا نزعهما فلا يضعهما عن يمينه , وإنما عن يساره , إذا لم يكن عن يساره أحدٌ يصلي , وإلا وضعهما بين رجليه ـ قلت: وفيه إيماءٌ لطيفٌ إلى أنه لا يضعهما أمامه , وهذا أدبٌ أخل به جماهير المصلين , فتراهم يصلون إلى نعالهم! - بذلك صح الأمر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الصلاة على المنبر:
16- وتجوز صلاة الإمام على مكان مرتفع كالمنبر؛ لتعليم الناس يقوم عليه , فيكبر ويقرأ ويركع وهو عليه , ثم ينزل القهقرى حتى يتمكن من السجود على الأرض في أصل المنبر , ثم يعود إليه فيصنع في الركعة الأخرى كما صنع في الأولى.
وجوب الصلاة إلى سترة والدنو منها:
17 - ويجب أن يصلي إلى سترةٍ , لا فرق في ذلك بين المسجد وغيره , ولا بين كبيره وصغيره , لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تصل إلا إلى سترةٍ , ولا تدع أحد يمر بين يديك , فإن أبى فلُتقاتله؛ فإن معه القرين) . يعني الشيطان.
18- ويجب أن يدنو منها؛ لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.
19- وكان بين موضع سجوده صلى الله عليه وسلم والجدار الذي يصلي إليه نحو ممر شاةٍ , فمن فعل ذلك فقد أتى بالدنوّ الواجب - قلت: ومنه نعلم أن ما يفعله الناس في كل المساجد التي رأيتها في سوريا وغيرها من الصلاة وسط المسجد بعيداً عن الجدار او السارية , ما هو إلا غفلة عن أمرهِ صلى الله عليه وسلم وفعله.
مقدار ارتفاع السترة:
20- ويجب أن تكون السترة مرتفعة عن الأرض نحو شبر , أو شبرين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرحل فليصل ,ولا يبالي من مر وراء ذلك) . - المؤخرة: هي العمود الذي في آخر الرحل , والرحل , هو للجمل بمنزلة السرج للفرس. وفي الحديث إشارة إلى أن الخط على الأرض لا يجزي , والحديث المروي فيه ضعيف -.
21- ويتوجه إلى السترة مباشرةً؛ لأنه الظاهر من الأمر بالصلاة إلى سترة , وأما التحول عنها يميناً أو يساراً , بحيث أنه لا يصمُدُ إليها صَمْداً , فلم يثبت.
22- وتجوز الصلاة إلى العصا المغروزة في الأرض أو نحوها , وإلى شجرة , أو اسطوانة , وإلى امرأته المضطجعة على السرير , وهي تحت لحافها , وإلى الدابة , ولو كانت جملاً.
تحريم الصلاة إلى القبور:
23- ولا تجوز الصلاة إلى القبور مطلقاً , سواءً كانت قبوراً للأنبياء أو غيرهم.
تحريم المرور بين يدي المصلي ولو في المسجد الحرام:
24- ولا يجوز المرور بين يدي المصلي إذا كان بين يديه سترة , ولا فرق في ذلك بين المسجد الحرام وغيره من المساجد , فكلها سواء في عدم الجواز لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه , لكانَ أن يقف أربعين , خيراً له من أن يمر بين يديه) . يعني: المرور بينه وبين موضع سجوده.-وأما حديث صلاته صلى الله عليه وسلم في حاشية المطاف دون سترة والناس يمرون بين يديه , فلا يصح , على أنه ليس فيه أن المرور كان بينه وبين سجوده -.
وجوب منع المصلي للمار بين يديه , ولو في المسجد الحرام:
25- ولا يجوز للمصلَّي إلى سترةٍ أن يدع أحداً يمر بين يديه؛ للحديث السابق: (ولا تدع أحداً يمر بين يديك ... ) , وقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا صلَّى أحدُكم إلى شيءٍ يستره من الناس , فأراد أحدٌ أن يجتازَ بين يديه , فليدفع في نحره , وليدرأ ما استطاعَ) , وفي رواية: (فليمنعه - مرتين - فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطانٌ) .
المشي إلى الأمام؛ لمنع المرور:
26- ويجوز أن يتقدم خطوةً أو أكثر؛ ليمنع غيرَ مكلَّفٍ من المرور بين يديه؛ كدابةٍ أو طفل , حتى يمر من ورائه.
ما يقطع الصلاة:
27- وإن من أهمية السُّترة في الصلاة , أنها تحولُ بين المصلي إليها , وبين إفساد صلاته؛ بالمرور بين يديه , بخلاف الذي لم يتخذها , فإنه يقطع صلاته إذا مرت بين يديه المرأةُ البالغةُ , وكذلك الحمار , والكلب الأسود.
ثالثاُ: النية
28- ولا بد للمصلي من أن ينوي للصلاة التي قام إليها, وتعيينها بقلبه , كفرض الظهر أو العصر , أو سُّنتهما مثلا , وهو شرط أو ركنٌ , وأما التلفظ بها بلسانه فبدعة مخالفة للسنة , ولم يقل بها أحدٌ من متبوعي المقلدين من الأئمة.
رابعاً: التكبيرُ
29- ثم يستفتح الصلاة بقوله (الله أكبر) وهو ركنٌ لقوله صلى الله عليه وسلم: (مفتاح الصلاة الطهور , وتحريمها التكبير , وتحليلها االتسليم) : أي: وتحريم ما حرم الله من الأفعال , وكذا تحليلها , أي تحليل ما أحل الله خارجها من الأفعال , والمراد بالتحليل والتحريم المحرَّم والمحلَّل.
30- ولا يرفع صوته بالتكبير في كل الصلوات , إلا إذا كان إماماً.
31- ويجوز تبليغ المؤذن تكبير الإمام إلى الناس , إذا وجد المقتضي لذلك , كمرض الإمام وضعف صوته , أو كثرة المصلين خلفه.
32 - ولا يكبر المأموم إلا عقب انتهاء الإمام من التكبير.
رفع اليدين , وكيفيته:
33- ويرفع يديه مع التكبير , أو قبله , أو بعده , كل ذلك ثابت في السنة.
34- ويرفعهما ممدودتا الأصابع.
35- ويجعل كفيه حذوا منكبيه , وأحياناً يُبالغ في رفعهما , حتى يحاذي بهما أطراف أذنيه. - قلت: وأما مس شحمتي الأذنين بإبهاميه , فلا أصل له في السنة , بل هو عندي من دواعي الوسوسة -.
وضع اليدين وكيفيته:
36- ثم يضع يده اليمنى على اليسرى عقب التكبير , وهو من سنن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام , وأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه , فلا يجوز إسدالهما.
37- ويضع اليُمنى على ظهر كفّه اليسرى , وعلى الرٌّسغِ والساعد.
38 - وتارةً يقبض باليمنى على اليسرى.: وأما ما استحسنه بعض المتأخرين من الجمع بين الوضع والقبض في آن واحد , فمما لا أصل له.
محل الوضع:
39- ويضعهما على صدره فقط , الرجل والمرأةُ في ذلك سواء. - قلت: ووضعهما على غير الصدر , إما ضعيف وإما لا أصل له -.
40- ولا يجوز أن يضع يده اليمنى على خاصرته.
الخشوع والنظر إلى موضع السجود:
41- وعليه أن يخشع في صلاته , وأن يتجنب كلّ ما قد يٌلهيه عنه. من زخارف ونقوش , فلا يصلي في حضرة طعامٍ يشتهيه , ولا وهو يدافعه البولُ أو الغائط.
42- وينظر في قيامه إلى موضع سجوده.
43- ولا يلتفت يميناً ولا يساراً , فإن الالتفات اختلاسٌ يختلسه الشيطان من صلاة العبد.
44- ولا يجوز أن يرفع بصره إلى السماء.
دعاء الاستفتاح:
45- ثم يستفتح القراءة ببعض الأدعية الثابتة عن النبي صلى الله له وسلم , وهي كثيرة أشهرها: (سٌبحانك الله وبحمدِك , وتبارك اسمٌك وتعالى جدُّك , ولا إله غيرك) .وقد ثبت الأمر به فينبغي المحافظة عليه._ ومن شاء الاطلاع على بقية الأدعية , فليراجع (صفة الصلاة) ص 91- 95, من طبعة مكتبة المعارف في الرياض.
خامساً: القراءةُ
46- ثم يستعيذ بالله تعالى.
47- والسنة أن يقول تارةً: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ من همزه , ونفخه , ونفثه) و (النفث) هنا: الشعر المذموم.
48- وتارة يقول: (أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان ... ) الخ.
49- ثم يقول - سراً - في الجهرية والسرية (بسم الله الرحمن الرحيم) .
قراءة الفاتحة:
50- ثم يقرأ سورة (الفاتحة) بتمامها - والبسملة منها - وهي ركنٌ , لا تصح الصلاة إلا بها , فيجب على الأعاجم حفظُها.
51- فمن لم يستطع أجزأه أن يقول: (سبحان الله , والحمد لله , ولا إله إلا الله , والله أكبر , ولا حول ولا قوة إلا بالله) .
52- والسنة في قراءتها أن يقطعها آيةً آيةً , ويقف على رأس كل آية , فيقول: (بسم الله الرحمن الرحيم) , ثم يقف , ثم يقول (الحمد لله رب العالمين) , ثم يقف ثم يقول: (الرحمن الرحيم) ثم يقف ... وهكذا إلى آخرها.
وهكذا كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم كلها , يقف على رؤوس الآي , ولا يصلها بما بعدها , وإن كانت متعلقة المعنى بها.
53- ويجوز قراءتُها (مالكِ) و (ومَلِكِ) .
قراءةُ المقتدي لها:
54- ويجب على المقتدي أن يقرأها وراء الإمام في السرية والجهرية أيضاً , إن لم يسمع قراءة الإمام , أو سكت هذا بعد فراغه منها سكتةً؛ ليتمكن فيها المقتدي من قراءتها! وإن كنا نرى أن هذا السكوت لم يثبت في السنة: - قلت: وقد ذكرت مستند من ذهب إليه , وما يرد عليه في سلسلة الأحاديث الضعيفة) رقم (546و547) . (ج2 / ص24. 26) طبعة دار المعارف.
القراءة بعد الفاتحة:
55- ويسن أن يقرأ - بعد الفاتحة - سورة أخرى , حتى في صلاة الجنازة , أو بعض الآيات في الركعتين الأوليين.
56- ويطيل القراءة بعدها أحياناً , ويُقَصَّرُها أحيانا , لعارض سفرٍِ أو سعال , أو مرض , أو بكاء صبيًّ.
57- وتختلف القراءةُ باختلاف الصلوات , فالقراءةُ في صلاة الفجر أطول منها في سائر الصلوات الخمس , ثم الظهر , ثم العصر والعشاء , ثم المغرب غالباً.
58- والقراءة في صلاة الليل أطول من ذلك كلَّه.
59- والسنة إطالة القراءة في الركعة الأولى أكثر من الثانية.
60- وأن يجعلَ القراءةَ في الأُخريين أقصر من الأُوليين , قدر النصف. - وتفصيل هذا الفصل راجع إن شئت في (صفة الصلاة) ص 102.
قراءة الفاتحة في كل ركعة:
61- وتجب قراءة الفاتحة في كلَّ ركعة.
62- ويسن الزيادة عليها في الركعتين الأخيرتين أيضاً أحياناً.
63- ولا تجوز إطالة الإمام للقراءة بأكثر مما جاء في السنة , فإنه يشقّ بذلك على من قد يكون وراءه من رجل كبير في السن أو مريض , أو امرأة لها رضيع , أو ذي حاجة.
الجهر والإسرار بالقراءة:
64- ويجهر بالقراءة في صلاة الصبح والجمعة , والعيدين , والاستسقاء , والكسوف , والأوليين من صلاة المغرب والعشاء.
ويسر بهما في صلاة الظهر , والعصر , وفي الثالثة من صلاة المغرب , والأُخريين من صلاة العشاء.
65- ويجوز للإمام أن يُسمعِهَم الآية أحياناً في الصلاة السرية.
66- وأما الوترُ وصلاةً الليل , فيسرُّ فيها تارةً , ويجهرُ تارةً ويتوسط في رفع الصوت.
ترتيل القرآن:
67- والسنة أن يرتل القرآن ترتيلاً , لا هذّاً.., ولا عجلة , بل قراءةً مفسرةً حرفاً حرفاً , ويزين القرآن بصوته ويتغنى به في حدود الأحكام المعروفة عند أهل العلم بالتجويد , ولا يتغنَّى به على الألحان المبتدعة ولا على القوانين الموسيقية.
الفتح على الإمام:
68- ويشرعُ للمقتدي أن يتقصَّدَ الفتح على الإمام إذا أُرتِجَ عليه في القراءة.
سادساً: الركوع
69- فإذا فرغَ من القراءة , سكت سكتة لطيفةً بمقدار ما يترادّ إليه نَفَسُهُ.
70- ثم يرفع يديه على الوجوه المتقدمة في تكبيرة الإحرام.
71- ويكبر , وهو واجبٌ.
72- ثم يركع بقدر ما تستقر مفاصلُه , ويأخذ كلُّ عضوٍ مأخذَه , وهذا ركنٌ.
كيفية الركوع:
73- ويضع يديه على رُكبتيه , ويمكّنهما من ركبتيه , ويفرّج بين أصابعه , كأنه قابضٌ على ركبتيه , وهذا كله واجبٌ.
74- ويمد ظهرَه ويبسطَه , حتى لو صب عليه الماء لاستقر , وهو واجبٌ.
75- ولا يخفض رأسَه , ولا يرفعه , ولكن يجعله مُساوياً لظهره.
76- ويُباعد مِرفقيه عن جَنبيه.
77- ويقول في رُكوعه: (سُبحان ربي العظيم) ثلاث مرات , أو أكثر ,: - وهناك أذكار أخرى تقال في هذا الركن , منها الطويل , ومنها المتوسط , ومنها القصير , تراجع في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم , ص 132, طبعة مكتبة المعارف.
تسوية الأركان:
78- ومن السنة أن يسوّي بين الأركان في الطُّول , فيجعل ركوعَه وقيامه بعد الركوع , وسجودَه , وجلسته بين السجدتين قريباً من السواء.
79- ولا يجوزُ أن يقرأ َالقرآن في الركوع , ولا في السجود.
الاعتدال من الركوع:
80- ثم يرفعُ صُلبَه من الركوع , وهذا ركنٌ.
81- ويقولُ في أثناء الاعتدال: (سمع الله لمن حمده) , وهذه واجب ٌ.
82- ويرفع ُ يديه عند الاعتدال على الوجوه المتقدمة.
83- ثم يقومُ معتدلاً مطمئناً , حتى يأخذَ كل عظمٍ مأخذه وهذا ركنٌ.
84- ويقول في هذا القيام: (ربَّنا ولكَ الحمدُ) (: وهناك أذكار أخرى تقال هنا , فراجع (صفة الصلاة) ,ص135) هذا واجبٌ على كل مصلّ , ولو كان مؤتماً , فإنه ورد القيام , أما التسميع فوِرْد الاعتدالِ، ولا يشرع وضع اليدين إحداهما على الأخرى في هذا القيام لعدم وروده ووانظر إن شئت البسط في الأصل (صفة صلاة النبي 1ـ استقبال القبلة) .
85- ويسوّي بين هذا القيام والركوع في الطول , كما تقدم.
سابعاً: السُّجودُ
86- ثم يقولُ: (الله أكبر) وجوباً.
87- ويرفع يديه أحياناً.
الخرورُ على اليدين:
88- ثم يَخِرُّ إلى السجود على يديه , يضعهما قبل ركبتيه , بهذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم , وهو الثابت عنه من فعله صلى الله عليه وسلم , ونهى عن التشبه ببروك البعير.
وهو إنما يخِرُّ على رُكبتيه اللتين هما في مقدمتيه.
89- فإذا سجد - وهو ركنٌ- اعتمد على كفّيه وبسطهما.
90- ويضمُّ أصابعهما.
91- ويوجهها إلى القبلة.
92- ويجعل كفّيه حذو منكبيه.
93- وتارةً يجعلهما حذو أُذنيه.
94- ويرفع ذراعيه عن الأرض وجوباً , ولا يبسطهما بسط الكلب.
95- ويمكِّن أنفه وجبهته من الأرض ِ , وهذا ركنٌ.
96- ويمكِّن أيضاً ركُبتيه.
97- وكذا أطراف قدميه.
98- وينصبهما وهذا كله واجب ٌ.
99- ويستقبل بأطراف أصابعهما القِبلة.
100- وَيرُصُّ عَقِبيه.
الاعتدال في السجود:
101- ويجب عليه أن يعتدلَ في سجوده ِ , وذلك بأن يعتمد فيه اعتماداً متساوياً على جميع أعضاء سجوده , وهي: الجبهة والأنف معاً , والكفان , والركبتان , وأطراف القدمين.
102- ومَن اعتدل في سجوده هكذا , فقد اطمأن يقيناً , والاطمئنانُ في السجود ركنٌ أيضاً.
103- ويقول فيه: (سبحان ربي الأعلى) , ثلاث مرات , أو أكثر. _ وفيه أذكار أخرى تراها في (صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم) , ص145.
104- ويُستحب أن يكثر الدعاءَ فيه؛ لأنه مظنة الإجابة.
105- ويجعل سجوده قريباً من ركوعهِ في الطول كما تقدم.
106- ويجوزُ السجودُ على الأرضِ , أو على حائل بينهما وبين الجبهة؛ من ثوبٍ أو بساطٍ , أو حصيرٍ , أو نحوه.
107- ولا يجوزُ أن يقرأَ القرآنَ وهو ساجِدٌ.
الافتراش والإقعاء بين السجدتين:
108- ثم يرفع رأسه مكبراً وهذا واجبُ.
109- ويرفع يديه أحياناً.
110- ثم يجلس مطمئناً , حتى يرجع كلُّ عَظْمٍ إلى موضوعه وهو ركنٌ.
111- ويفرش رجله اليسرى فيقعد عليها , وهذا واجبٌ.
112- وينصب رجلَه اليمنى.
113- ويستقبل بأصابعها القبلة.
114- ويجوز الإقعاءُ أحياناً , وهو أن ينتصِبَ على عَقِبيه وصدور قدميه.
115- ويقول في هذه الجلسة: (اللهم اغفرْ لي , وارحمني واجبرني , وارفعني , وعافني , وارزقني) .
116- وإن شاءَ قال: (رب اغفر لي , رب اغفر لي) .
117- ويُطيل هذه الجلسة حتى تكون قريباً من سجدته.
السجدة الثانية:
118- ثم يكبر وجوباً.
119- ويرفع يديه مع هذا التكبير أحياناً.
120- ويسجد السجدةَ الثانية , وهي ركنٌ أيضاً.
121- ويصنع فيها ما صنعَ في الأولى.
جلسة الاستراحة:
122- فإذا رفع رأسه من السجدة الثانية , وأراد النهوض إلى الركعة الثانية كبّر وجوباً.
123- ويرفع يديه أحياناً.
124- ويستوي قبل أن ينهضَ قاعداً على رجِله اليسرى , معتدلاً , حتى يرجع كل عظم إلى موضعه.
الركعة الثانية:
125- ثم ينهض معتمداً على الأرض بيديه المقبوضتين , كما يقبضهما العاجِنُ إلى الركع الثانية , وهي ركنٌ.
126- ويصنعُ فيهما كما صنعَ في الأولى.
127- إلا أنه لا يقرأ فيها دعاء الاستفتاح.
128- ويجعلها أقصر من الركعة الأولى.
الجلوس للتشهد:
129- فإذا فرغ من الركعة الثانية , قَعَدَ للتشهدِ , وهو واجبٌ.
130- ويجلس مفترشاً - كما سبق - بين السجدتين.
131- لكن لا يجوز الإقعاء هنا.
132- ويضع كفَّه اليمنى على فخذهِ وركبته اليمنى , ونهاية مرفقه الأيمن على فخذه , لا يبعده عنه.
133- ويبسط كفه اليسرى على فخذه وركبته اليسرى.
134- ولا يجوز أن يجلس معتمداً على يده , وخصوصاً اليُسرى.
تحريك الإصبع , والنظر إليها:
135- ويقبض أصابع كفه اليمنى كلها , ويضع إبهامه على إصبعه الوسطى تارةً.
136- وتارةً يُحلَّق بهما حلقةً.
137- ويشير بإصبعه السبابة إلى القِبلة.
138- ويرمي ببصره إليها.
139- ويحركها يدعو بها من أول التشهد إلى آخره.
140- ولا يشير بإصبع يده اليسرى.
141- ويفعل هذا كلَّه في كل تشهدٍ.
صيغة التشهد والدعاء بعده:
142- والتشهد واجب , إذا نَسِيهَ سجدَ سجدتي السهو.
143- ويقرؤه سراً.
144- وصيغته: (التحيات لله , والصلوات , والطيبات , السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته , السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين , أشهد أن لا إله إلا الله , وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) وفي كتابي المذكور صيغ أخرى ثابتة وما ذكرته هنا أصح.
السلام على النبي: هذا هو المشروع بعد وفاة النبي صلى الله وعليه وسلم وهو الثابت في تشهد ابن مسعود وعائشة وابن الزبير رضي الله عنهم , ومن شاء التفصيل فعليه بكتابي (صفة صلاة النبي) , ص161, طبعة مكتبة المعارف في الرياض.
145- ويصلي بعده على النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم , إنك حميد مجيد , اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد , كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم , إنك حميد مجيد) .
146- وإن شئت الاختصار , قلت: (اللهم صل على محمد , وعلى آل محمد , وبارك على محمد وعلى آل محمد , كما صليت وباركت على إبراهيم , وعلى آل إبراهيم , إنك حميد مجيد) .
147- ثم يتخير في هذا التشهد من الدعاء الوارد أعجبَه إليه؛ فيدعو الله به.
الركعة الثالثة والرابعة:
148- ثم يكبر وجوباً , والسنة أن يكّبر وهو جالسٌ.
149- ويرفع يديه أحياناً.
150- ثم ينهض إلى الركعة الثالثة , وهي ركنٌ كالتي بعدها.
151- وكذلك يفعل إذا أراد القيامَ إلى الركعة الرابعة.
152- ولكنه قبلَ أن ينهض َ يستوي قاعداً إلى رجِلْهِ اليسرى معتدلاً , حتى يرجع كل عظم إلى موضعه.
153- ثم يقوم معتمداً إلى يديه وكما فعل في قيامه إلى الركعة الثانية.
154- ثم يقرأ في كلًّ من الثالثة والرابعة سورة (الفاتحة) وجوباً.
155- ويضيف إليها آية أو أكثر أحياناً.
القنوت للنازلة ومحلُّه:
156- ويُسنُّ له أن يقنتَ ويدعو للمسلمين لنازلةٍ نزلت بهم.
157- ومحله إذا قال بعد الركوع: (ربنا ولك الحمد) .
158- وليس له دعاءٌ راتبٌ , وإنما يدعو فيه بما يتناسب مع النازلة.
159- ويرفع يديه في هذا الدعاء.
160- ويجهر به إذا كان إماماًً.
161-ويؤمّن عليه مَن خلفه.
162- فإذا فرغ وكبَّر وسجد.
قنوت الوتر , ومحلُّه , وصيغتُه:
163- وأما القنوت في الوتر فيُشرع أحياناً.
164- ومحلُّه قبل الركوع , خلافاً لقنوت النازلة.
165- ويدعو فيه بما يأتي:
(اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت , وتولني فيمن توليت , وبارك لي فيما أعطيت , وقني شر ما قضيت فإنك تقضي ولا يقضى عليك وإنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت تباركت ربنا وتعاليت , ولا منجا منك إلا إليك) .
166- وهذا الدعاءُ من تعليم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتجوز؛ لثبوتها عن الصحابة رضي الله عنهم.
167- ثم يركع , ويسجد السجدتين , كما تقدم.
التشهد الأخير والتورك:
168- ثم يقعد للتشهد الأخير.
169-ويصنعُ فيه ما صنعَ في التشهد الأول.
170- إلا أنه يجلس فيه متوركاً يفضي بوركِهِ اليسرى تحت ساقه اليمنى.
171- وينصب قدمه اليمنى.
172- ويجوز فرشها أحياناً.
173- ويُلقم كفَّه اليسرى ركبته ويعتمد عليها.
وجوبُ الصَّلاة على النبي صلى الله عله وسلم والتعوذ من أربع:
174- ويجب عليه في هذا التشهد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا في التشهد الأول بعض صيغها.
175- وأن يستعيذ بالله من أربع , يقول: (اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم , ومن عذاب القبر , ومن فتنة المحيا والممات , ومن شر فتنة المسيح الدجال) فتنة (المحيا) : هي ما يعرض للإنسان في حياته من الافتتان بالدنيا وشهواتها. وفتنة (الممات) , هي: فتنة القبر وسؤال الملكين، و (فتنة المسيح الدجال) : ما يظهر على يديه من الخوارق التي يَضِلُ بها كثير من الناس , ويتبعونه على دعواه الألوهية.
الدعاء قبل السلام:
176- ثم يدعو لنفسه بما بدا له , مما ثبت في الكتاب والسنة , وهو كثير طيب فإن لم يكن عنده شيء منه , دعا بما تيسر له , مما ينفعه في دينه , أو دنياه.
التسليمُ وأنواعُه:
177- ثم يسلم عن يمينه , وهو ركنٌ , حتى يُرى بياضُ خدَّه الأيمن.
178- وعن يساره حتى يُرى بياضُ خدَّه الأيسر.
179- ويرفع الإمامُ صوتَه بالسلامِ.
180- وهو على وُجوه ٍ:
الأول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته , عن يمينه. السلام عليكم ورحمة الله , عن يساره.
الثاني: مثله , دون قوله: (وبركاته) .
الثالث: السلام عليكم ورحمة الله , عن يمينه. السلام عليكم , عن يساره.
الرابع: يسلم تسليمةً واحدةً تلقاء وجهه , يميل به إلى يمينه قليلاً.
أخي المسلم! هذا ما تيسر لي من تلخيص صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم , محاولاً بذلك أن أقربها إليك حتى تكون واضحة لديك , ماثلةً في ذهنك , وكأنك تراها بعينك. فإذا صليت نحو ما وصفت لك من صلاته صلى الله عليه وسلم , فإني أرجو من الله تعالى أن يتقبلها منك؛ لأنك بذلك تكون قد حققت فعلاً قول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي) .
ثم عليك بعد ذلك أن لا تنسى الاهتمام باستحضار القلب , والخشوع فيها , فإنه هو الغاية الكبرى من وقوف العبد بين يدي الله تعالى فيها , وبقدر ما تحقق في نفسك من هذا الذي وصفت لك من الخشوع والاحتذاء بصلاته صلى الله عليه وسلم , يكون لك من الثمرة المرجوة التي أشار إليها ربنا تبارك وتعالى , بقوله: (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) .
وختاماً: أسأل الله تعالى أن يتقبل منا صلاتنا , وسائر أعمالنا , ويدخر لنا ثوابها إلى يوم نلقاه: (يوم لا ينفع مالٌ ولا بنونٌ إلا من أتى الله بقلب سليم) . والحمد لله رب العالمين.
[الْمَصْدَرُ]
كتاب تلخيص صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها تأليف العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله.(5/952)
هل تفريج القدمين في السجود هو السنة أم إلصاقهما؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجوكم ثم أرجوكم إن أمكنكم أن تصفوا الصلاة من البداية حتى النهاية، وبالدليل من الكتاب والسنة الصحيحة. شيء آخر، في الصلاة وأثناء السجود هل من السنة أن نضم الكعبين مع بعضهما؟ وحيث إنني قرأت في فقه الحديث للشيح ناصر الدين الألباني مستدلا من ابن خزيمة وابن ماجة، ولكنني سمعت مؤخرا أن هذه الأحاديث المتعلقة بالكعبين ليست صحيحة. ما الحق في ذلك؟ أرجو الإجابة مع الاستدلال.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
أما بيان صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالتفصيل فقد سبق شرح ذلك في موقعنا، في جواب السؤال رقم (13340) ، ولمعرفة الأدلة وتفصيل الكلام عليها بشكل أكمل يرجى مراجعة كتاب الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله، واسمه: " صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها "، فهو كتاب مفيد يكفيك إن شاء الله في ذكر الأدلة، إذ لا يتسع المقام في موقعنا لذكر جميع الأدلة، وإنما شيء إجمالي منها.
ثانيا:
أما وضع القدمين أثناء السجود، هل السنة المباعدة بينهما، أو رصهما وإلصاقهما؟ فقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: استحباب التفريق بينهما، وهو قول جماهير أهل العلم الذين نصوا على هذه المسألة، واستدلوا بما ثبت في السنة النبوية من استحباب تفريج الركبتين والفخذين أثناء السجود، قالوا: والقدمان تبع لهما، فالأصل أن يفرج بينهما أيضا.
فقد روى أبو داود (735) عن أبي حميد رضي الله عنه قال في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم: (وإذا سجد فَرَّج بين فخذيه) .
قال الشوكاني رحمه الله:
" قوله: (فرَّجَ بين فخذيه) أي: فرق بين فخذيه، وركبتيه، وقدميه.
قال أصحاب الشافعي: يكون التفريق بين القدمين بقدر شبر" انتهى.
"نيل الأوطار" (2/297) .
وقال النووي رحمه الله:
" قال الشافعي والأصحاب: يستحب للساجد أن يفرج بين ركبتيه وبين قدميه. قال القاضي أبو الطيب في تعليقه: قال أصحابنا: يكون بين قدميه قدر شبر " انتهى.
"المجموع" (3/407) .
القول الثاني:
استحباب ضم القدمين، واختار هذا القول من المعاصرين الشيخ ابن عثيمين والشيخ الألباني رحمهما الله.
واستدل أصحاب هذا القول بما روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: (فقدت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكان معي على فراشي، فوجدته ساجداً، راصّاً عقبيه، مستقبلاً بأطراف أصابعه القبلة، فسمعته يقول: أعوذ برضاك من سخطك، وبعفوك من عقوبتك، وبك منك، أثني عليك، لا أبلغ كل ما فيك) .
أخرجه الطحاوي في "بيان مشكل الآثار" (1/104) ، وابن المنذر في "الأوسط" (رقم/1401) وابن خزيمة في صحيحه (1/328) ، وابن حبان في صحيحه (5/260) ، والحاكم في "المستدرك" (1/352) ، وعنه البيهقي في "السنن الكبرى" (2/167) .
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذا اللفظ، لا أعلم أحدا ذكر ضم العقبين في السجود غير ما في هذا الحديث.
وقال الذهبي في "التلخيص": على شرطهما.
قال ابن الملقن في "البدر المنير" (3/669) : إسناده صحيح. وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في "أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم" (2/736) .
وقد بوب ابن خزيمة لهذا الحديث بقوله: باب ضم العقبين في السجود.
وبَوَّب له البيهقي في السنن الكبرى (2/167) : باب ما جاء في ضم العقبين في السجود.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" الذي يظهر مِن السُّنَّة أن القدمين تكونان مرصوصتين، يعني: يرصُّ القدمين بعضهما ببعض، كما في "الصحيح" من حديث عائشة حين فَقَدَتِ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم، فوقعت يدُها على بطن قدميه وهما منصوبتان، وهو ساجد.
واليد الواحدة لا تقع على القدمين إلا في حال التَّراصِّ.
وقد جاء ذلك أيضاً في "صحيح ابن خزيمة" في حديث عائشة المتقدِّم: (أنَّ الرسولَ صلّى الله عليه وسلّم كان رَاصًّا عقبيه) .
وعلى هذا فالسُّنَّةُ في القدمين هو التَّراصُّ، بخلاف الرُّكبتين واليدين " انتهى.
"الشرح الممتع" (3/169) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/953)
يريد أن يتعلم التشهد
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن تُكتب لي التشهد بالعربية لأني لا أجيد التلفظ بها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه بعض صيغ التشهد المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم
1- قال ابن مسعود رضي الله عنه: " عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَفِّي بَيْنَ كَفَّيْهِ التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنِي السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ (التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ) وَهُوَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْنَا فَلَمَّا قُبِضَ قُلْنَا السَّلامُ يَعْنِي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رواه البخاري (الاستئذان/6265) .
وهذا أثبت ألفاظ التشهد وأحسنها عند العلماء. ويقال هذا في التشهد الأول، ويضاف إليه في التشهد الأخير الصلاةَ على النبي عليه الصلاة والسلام، قال ابن القيم: " وشرع لأمته أن يصلوا عليه في التشهد الأخير ". الصلاة وحكم تاركها 1/284.
ومن الصيغ الواردة في ذلك
2- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَالسَّلامُ كَمَا قَدْ عَلِمْتُم) رواه مسلم (الصلاة /405) .
والسنة أن يدعو بعد التشهد وقبل التسليم، يراجع سؤال 5236.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/954)
حكم الجهر بالاستعاذة في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل يؤم الناس وبعد تكبيرة الإحرام يجهر بالتعوذ، ثم يسمي ويقرأ، ويفعل ذلك في كل صلاة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" إذا فعل ذلك أحيانا للتعليم ونحوه فلا بأس بذلك، كما كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يجهر بدعاء الاستفتاح مدة، وكما كان ابن عمر وأبو هريرة يجهران بالاستعاذة أحيانا، وأما المداومة على الجهر بذلك فبدعة مخالفة لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين، فإنهم لم يكونوا يجهرون بذلك دائما، بل لم ينقل أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جهر بالاستعاذة، والله أعلم " انتهى.
"مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية" (22/404) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/955)
هل يقبض يديه ويشير بسبابته في الجلسة بين السجدتين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ذكر الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شريط صفة الصلاة , أن السنة في الجلسة بين السجدتين أن يرفع السبابة ويحركها عند الدعاء , أي كما في التشهد تماماً. والغريب أن هذا القول لم يقل به فيما أعلم سوى الشيخ ابن عثيمين. حتى إن هذا القول غير موجود في صفة الصلاة في كتاب الشرح الممتع. فهل أعمل بهذا القول؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه المسألة محل خلاف بين الفقهاء، فمنهم من يقول: إن المصلي يقبض يده اليمنى ويشير بسبابته في الجلسة بين السجدتين، كما يفعل في التشهد، ومنهم من يقول: بل يبسط يده ولا يقبضها.
قال ابن القيم رحمه الله: " ثم كان صلى الله عليه وسلم يرفع رأسه مكبرا غير رافع يديه، ويرفع من السجود رأسه قبل يديه، ثم يجلس مفترشا، يفرش رجله اليسرى، ويجلس عليها، وينصب اليمنى. وذكر النسائي عن ابن عمر قال: (من سنة الصلاة: أن ينصب القدم اليمنى، واستقباله بأصابعها القبلة، والجلوس على اليسرى) . ولم يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم في هذا الموضع جلسة غير هذه.
وكان يضع يديه على فخذيه، ويجعل مِرفقه على فخذه، وطرف يده على ركبته، ويقبض ثنتين من أصابعه، ويحلق حلقةً، ثم يرفع أصبعه يدعو بها ويحركها، هكذا قال وائل بن حجر عنه ... ثم كان يقول بين السجدتين: (اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني واهدني، وارزقني) هكذا ذكره ابن عباس رضي الله عنهما عنه صلى الله عليه وسلم، وذكر حذيفة أنه كان يقول: (رب اغفر لي، رب اغفر لي) " انتهى من "زاد المعاد" (1/230) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" أما بالنسبة لليسرى: فتكون مبسوطة مضمومة الأصابع موجهة إلى القبلة، ويكون طرف المرفق عند طرف الفخذ، بمعنى: لا يفرجها، بل يضمها إلى الفخذ.
أما اليمين: فإن السنة تدل على أنه يقبض منها الخنصر والبنصر، ويحلق الإبهام مع الوسطى، ويرفع السبابة، ويحركها عند الدعاء. هكذا جاء فيما رواه الإمام أحمد من حديث وائل بن حجر بسند قال فيه صاحب "الفتح الرباني": إنه جيد. وقال فيه المحشي على "زاد المعاد": إنه صحيح، وإلى هذا ذهب ابن القيم. .
أما الفقهاء: فيرون أن اليد اليمنى تكون مبسوطة في الجلسة بين السجدتين كاليد اليسرى، ولكن اتباع السنة أولى، ولم يرد في السنة لا في حديث صحيح، ولا ضعيف، ولا حسن أن اليد اليمنى تكون مبسوطة على الرجل اليمنى، إنما ورد أنها تقبض، يقبض الخنصر والبنصر، ويحلق الإبهام مع الوسطى، أو تضم الوسطى أيضا، ويضم إليها الإبهام إذا جلس في الصلاة، هكذا جاء عاما، وفي بعض الألفاظ: (إذا جلس في التشهد) وكلاهما في صحيح مسلم، فنحن إذا أخذنا كلمة (إذا جلس في الصلاة) قلنا: هذا عام في جميع الجلسات. وقوله: (إذا جلس في التشهد) في بعض الألفاظ لا يدل على التخصيص؛ لأن لدينا قاعدة ذكرها الأصوليون، وممن كان يذكرها دائما الشوكاني في "نيل الأوطار" والشنقيطي في "أضواء البيان" أنه إذا ذُكر بعض أفراد العام بحكم يطابق العام، فإن ذلك لا يدل على التخصيص، إنما التخصيص أن يذكر بعض أفراد العام بحكم يخالف العام.
مثال الأول: قلت لك: أكرم الطلبة، هذا عام يشمل كل طالب، ثم قلت: أكرم فلانا وهو من الطلبة، فهل يقتضي هذا ألا أكرم سواه؟ الجواب: لا، لكن يقتضي أن هناك عناية به من أجلها خصصته بالذكر.
ومثال الثاني: أكرم الطلبة، ثم قلت: لا تكرم فلانا وهو من الطلبة، فهذا تخصيص؛ لأنني في الأول ذكرت فلانا بحكم يوافق العام لدخوله في العموم، وهنا ذكرته بحكم يخالف العام، ولهذا يقولون في تعريف التخصيص: تخصيص بعض أفراد العام بحكم مخالف. أو: إخراج بعض أفراد العام من الحكم. فلا بد أن يكون مخالفا، أما إذا كان موافقا فإن جمهور الأصوليين كما حكاه صاحب "أضواء البيان" يرون أنه لا يفيد التخصيص، وهو ظاهر كما في المثال الذي ذكرناه. وعلى هذا فيكون بعض ألفاظ حديث ابن عمر الذي خص القبض بالتشهد لا يقتضي التخصيص من بعض ألفاظه الدالة على العموم " انتهى من "الشرح الممتع" (3/177) .
وبهذا يتبين لك دليل المسألة، وموضعها من الشرح الممتع.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/956)
كيف يجلس من لا يستطع أن يجلس جلسة الافتراش في الصلاة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يجلس من لا يستطع أن يجلس جلسة الافتراش في الصلاة بحجة أن الجلسة هذه متعبة.؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يستحب للمصلي أن يجلس مفترشاً في ثلاثة مواضع من الصلاة:
1- بين السجدتين.
2- في التشهد الأول إذا كان للصلاة تشهدان.
3- في التشهد إذا كانت الصلاة بتشهد واحد، كصلاة ركعتين.
والافتراش: أن ينصب قدمه اليمنى قائمة على أطراف الأصابع ويفرش رجله اليسرى ويجلس عليها.
والمرأة في هذا كالرجل، لشمول الخطاب لها في قوله صلى الله عليه وسلم: (صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي) رواه البخاري (631) .
وهذه الجلسة سنة من سنن الصلاة وليست واجبة، فمن فعلها فله ثوابها، ومن تركها فلا إثم عليه.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (6/446) : "السنة أن يفترش رجله اليسرى ويجلس عليها بين السجدتين ناصباً قدمه اليمنى، وهكذا في التشهد الأول، أما التشهد الأخير، فالسنة هو التورك، وهو أن يدخل قدمه اليسرى تحت ساقه اليمنى، ويجلس على مقعدته، وهذا كله مستحب، ولو تورك المصلي في التشهد الأول وافترش في التشهد الأخير لم تبطل صلاته" انتهى.
وإذا لم يستطع المصلي أن يجلس مفترشاً، لكونه ضخم الجسم، أو شعر بالألم في قدمه ... أو لغير ذلك من الأسباب فلا حرج عليه أن يجلس كما يتيسر له، لقول الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/16، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ) رواه البخاري (7288) ومسلم (1337) .
وقال في "أسنى المطالب" (1/164) : "وكيف جلس في جلسات الصلاة أجزأه , لكن الأفضل أن يتورك في جلوسه الأخير ويفترش في سائر الجلسات" انتهى باختصار.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/957)
أحاديث أنس في قنوت الفجر
[السُّؤَالُ]
ـ[أود معرفة ما إذا كان هذا الحديث صحيحا أم ضعيفا: قال أنس بن مالك رضى الله عنه: (لم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم القنوت فى صلاة الفجر حتى توفاه الله) رواه أحمد والبزار والدارقطني والبيهقي والحاكم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الحديث لا يصح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وله عن أنس ثلاث طرق كلها ضعيفة. الأول:
1- من طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أنس بن مالك رضي الله عنه، ولفظه: (أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَيْهِمْ ثُمَّ تَرَكَهُ، وَأَمَّا فِى الصُّبْحِ فَلَمْ يَزَلْ يَقْنُتُ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا) .
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (3/110) ومن طريقه الدارقطني في "السنن" (2/39) ، وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (2/312) مختصرا، والبزار (556 – من كشف الأستار) وأحمد في "المسند" (3/162) ، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/143) والحاكم في "الأربعين" وعنه البيهقي في "السنن" (2/201) .
وأبو جعفر الرازي اسمه عيسى بن ماهان الرازي، ضعفه كثير من أهل العلم.
" قال أحمد بن حنبل: ليس بقوي فى الحديث. وقال يحيى بن معين: يكتب حديثه ولكنه يخطىء. وقال عمرو بن علي: فيه ضعف، وهو من أهل الصدق، سيىء الحفظ. وقال أبو زرعة: شيخ يهم كثيرا. وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال ابن حبان: كان ينفرد عن المشاهير بالمناكير، لا يعجبنى الاحتجاج بحديثه إلا فيما وافق الثقات. وقال العجلي: ليس بالقوي " انتهى باختصار من تهذيب التهذيب (12/57)
الثاني: من طريق إسماعيل المكي وعمرو بن عبيد عن الحسن عن أنس ولفظه:
(قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان – وأحسبه قال: رابع - حتى فارقتهم) .
أخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/243) والدارقطني في "السنن" (2/40) ، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/202) .
وإسماعيل بن مسلم المكي وعمرو بن عبيد المعتزلي كل منهما ضعيف، لا يحتج بحديثه، وهذه أقوال العلماء فيهما:
إسماعيل بن مسلم المكي: جاء في ترجمته في "تهذيب التهذيب" (1/332) :
" قال أحمد بن حنبل: منكر الحديث. وقال ابن معين: ليس بشىء. وقال علي بن المديني: لا يكتب حديثه. وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث مختلط، قلت له: هو أحب إليك أو عمرو بن عبيد؟ فقال: جميعا ضعيفان. وقال النسائي: متروك الحديث. وقال ابن حبان: ضعيف يروى المناكير عن المشاهير ويقلب الأسانيد " انتهى باختصار.
وعمرو بن عبيد المعتزلي: متروك الحديث، وكان يكذب على الحسن، جاء في ترجمته في "تهذيب التهذيب" (8/62) :
" قال ابن معين: ليس بشيء. وقال عمرو بن علي: متروك الحديث، صاحب بدعة. وقال أبو حاتم: متروك الحديث. وقال النسائى: ليس بثقة، ولا يكتب حديثه. وقال أبو داود الطيالسي عن شعبة، عن يونس بن عبيد: كان عمرو بن عبيد يكذب فى الحديث. وقال حميد: لا تأخذ عن هذا شيئا فإنه يكذب على الحسن. وقال ابن عون: عمرو يكذب على الحسن " انتهى باختصار.
الثالث: من طريق دينار بن عبد الله خادم أنس عن أنس ولفظه:
(ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في صلاة الصبح حتى مات) .
قال الشيخ الألباني رحمه الله في "السلسلة الضعيفة" (3/386) : " أخرجه الخطيب في "كتاب القنوت" له، وشنع عليه ابن الجوزي بسببه؛ لأن دينارا هذا قال ابن حبان فيه: " يروي عن أنس آثارا موضوعة لا يحل ذكرها في الكتب إلا على سبيل القدح فيه " انتهى.
وقد حكم جماعة من العلماء على هذا الحديث بأنه ضعيف، لا يصح الاحتجاج به. منهم: ابنُ الجوزي في "العلل المتناهية" (1/444) ، وابن التركماني في "تعليقه على البيهقي"، وابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (22/374) ، وابن القيم في "زاد المعاد" (1/99) ، والحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير" (1/245) ، ومن المتأخرين الألباني في "السلسلة الضعيفة" (1/1238)
أما حكم قنوت الفجر في غير النوازل، فقد سبق بيان حكمه في جواب السؤال رقم (20031) وأن الراجح فيه قول أبي حنيفة وأحمد، بعدم المشروعة، إذ لم يثبت من طريق صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم استمر على قنوت الفجر حتى فارق الدنيا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/958)
تحريك الأصبع في التشهد
[السُّؤَالُ]
ـ[رأيت بعض المصلين يحركون سباباتهم إلى الأعلى والأسفل أثناء التشهد, فهل هذا من السنة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يشير بأصبعه السبابة، ويحركها في التشهد في الصلاة.
وقد اختلف أهل العلم في ذلك على أقوال:
1. أما الحنفية: فيرون رفع السبابة عند النفي في الشهادتين، يعني: عند قوله: " لا "، ويضعها عند الإثبات.
2. وأما الشافعية: فيرون رفعها عند قوله: " إلا الله ".
3. وعند المالكية: يحركها يميناً وشمالاً إلى أن يفرغ من الصلاة.
4. وعند الحنابلة: يشير بإصبعه كلما ذكر اسم الجلالة، لا يحركها.
قال الشيخ الألباني رحمه الله: هذه التحديدات والكيفيات لا أصل لشيء منها في السنة، وأقربها للصواب مذهب الحنابلة لولا أنهم قيدوا التحريك عند ذكر الجلالة.
" تمام المنة " (ص 223) .
ثانياً:
أما الأدلة في المسألة:
أ. عن عبد الله بن الزبير قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعد في الصلاة جعل قدمه اليسرى بين فخذه وساقه وفرش قدمه اليمنى ووضع يده اليسرى على ركبته اليسرى ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى وأشار بإصبعه ". رواه مسلم (579) .
وفي النسائي (1270) وأبي داود (989) " كان يشير بأصبعه إذا دعا ولا يحركها ".
وهذه الزيادة (ولا يحركها) ضعفها ابن القيم في زاد المعاد (1/238) وضعفها الألباني في تمام المنّة (ص218) .
ب. عن وائل بن حجر قال: قلت: لأنظرن إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يصلي فنظرت إليه فقام فكبر ورفع يديه حتى حاذتا بأذنيه ثم وضع يده اليمنى على كفه اليسرى والرسغ والساعد فلما أراد أن يركع رفع يديه مثلها قال ووضع يديه على ركبتيه ثم لما رفع رأسه رفع يديه مثلها ثم سجد فجعل كفيه بحذاء أذنيه ثم قعد وافترش رجله اليسرى ووضع كفه اليسرى على فخذه وركبته اليسرى وجعل حد مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى ثم قبض اثنتين من أصابعه وحلق حلقة ثم رفع إصبعه فرأيته يحركها يدعو بها.
رواه النسائي (889) . وصححه ابن خزيمة (1 / 354) وابن حبان (5 / 170) .وصححه الألباني في إرواء الغليل (367)
وقد استدل الشيخ ابن عثيمين بهذا الحديث (يحركها يدعو بها) على أن تحريك السبابة في التشهد يكون عند كل جملة دعائية. قال رحمه الله في الشرح الممتع:
دلت السنة على أنه يشير بها عند الدعاء لأن لفظ الحديث (يحركها يدعو بها) ، فكلّما دعوت حرِّكْ إشارةً إلى علو المدعو سبحانه وتعالى على هذا فنقول:
السلام عليك أيها النبي ـ فيه إشارة لأن السلام خبر بمعنى الدعاء ـ السلام علينا ـ فيه إشارة ـ اللهم صلّ على محمد ـ فيه إشارة ـ اللهم بارك على محمد ـ فيه إشارة ـ أعوذ بالله من عذاب جهنّم ـ فيه إشارة ـ ومن عذاب القبر ـ إشارة ـ ومن فتنة المحيا والممات ـ إشارة ـ ومن فتنة المسيح الدجال ـ إشارة ـ وكلما دعوت تشير، إشارةً إلى علو من تدعوه سبحانه وتعالى، وهذا أقرب إلى السنّة اهـ.
ثالثاً:
من السنة عند الإشارة أن ينظر إلى السبابة.
قال النووي:
والسنة أن لا يجاوز بصره إشارته وفيه حديث صحيح في سنن أبي داود ويشير بها موجهة إلى القبلة وينوي بالإشارة التوحيد والإخلاص. " شرح مسلم " (5 / 81) .
وهذا الحديث الذي أشار إليه النووي رحمه الله هو حديث عبد الله بن الزبير المتقدم ولفظه عند أبي داود (989) : (لا يجاوز بصره إشارته) . وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
رابعاً:
ومن السنة أن يشير بها إلى القبلة.
عن عبد الله بن عمر أنه رأى رجلا يحرك الحصا بيده وهو في الصلاة فلما انصرف قال له عبد الله لا تحرك الحصا وأنت في الصلاة فإن ذلك من الشيطان ولكن اصنع كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع قال فوضع يده اليمنى على فخذه وأشار بأصبعه التي تلي الإبهام إلى القبلة ورمى ببصره إليها ثم قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع. رواه النسائي (1160) رواه ابن خزيمة (1 / 355) وابن حبان (5 / 273) . وصححه الألباني في صحيح النسائي.
خامساً:
حني الإصبع عند الإشارة جاء من حديث نمير الخزاعي عند أبي داود (991) والنسائي (1274) .
لكنه حديث ضعيف.
انظر: " تمام المنة " للألباني (ص 222) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/959)
إذا نسي الإمام أو المأموم قراءة الفاتحة فماذا يفعل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الحكم في إمام أو مأموم نسي قراءة الفاتحة في الصلاة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا: سبق من جواب سؤال رقم (10995) أن قراءة الفاتحة ركن من أركان الصلاة لا تصح إلا بها، وأنه يجب قراءتها على المنفرد والإمام والمأموم في الصلاة الجهرية والسرية.
ثانيا: (إذا نسيها الإمام في الركعة الأولى، ولم يتذكر إلا حين قام للركعة الثانية، صارت الثانية هي الأولى في حقه، وعلى هذا فلابد أن يأتي بركعة أخرى عوضا عن الركعة التي ترك فيها الفاتحة. أما المأموم فإنه لا يتابعه في هذه الركعة، لكن يجلس للتشهد، وينظر حتى يسلم مع إمامه.
أما بالنسبة للمأموم إذا تركها، فمن قال: إن المأموم ليست عليه قراءة الفاتحة، فالأمر واضح أنه ليس عليه شيء.
ومن قال: إنها ركن في حقه، فهو كالإمام، فإذا تركها يأتي بعد سلام إمامه بركعة، إلا إذا جاء والإمام راكع، أو جاء والإمام قائم، ولكن ركع قبل أن يتمها، ففي هذه الحال تسقط عنه ـ أي عن المأموم ـ في الركعة الأولى.
فضيلة الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ (لقاءات الباب المفتوح 51) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/960)
حكم صلاة من نسي تكبيرة الإحرام
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا نسي الإنسان تكبيرة الإحرام فهل يستمر في الصلاة حتى ينتهي ثم يعيدها أو يقطعها ثم يعيدها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" إذا نسي تكبيرة الإحرام أو شك في ذلك فعليه أن يكبر في الحال، ويعمل بما أدرك بعد التكبيرة، فإذا كبر بعد فوات الركعة الأولى من صلاة الإمام اعتبر نفسه قد فاتته الركعة الأولى فيقضيها بعد سلام الإمام، وإذا أعاد التكبيرة في الركعة الثالثة اعتبر نفسه قد فاتته ركعتان فيأتي بركعتين بعد السلام من الصلاة، هذا إذا كان ليس لديه وسوسة أما إن كان موسوسا فإنه يعتبر نفسه قد كبر في أول الصلاة ولا يقضي شيئا مراغمة للشيطان ومحاربة لوسوسته والحمد لله " اهـ.
[الْمَصْدَرُ]
مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (11/275) .(5/961)
هل يقرأ المأموم الفاتحة أم يستمع لقراءة الإمام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أمر الله سبحانه وتعالى بالاستماع والتزام الصمت والقرآن يقرأ (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) كما أن النبي صلى الله عليه وسلم حذرنا من أن الصلاة التي لا يقرأ فيها بالفاتحة تبطل. أرجو أن تخبرني ماذا أفعل دون الوقوع في ما يتعارض مع أي من هذين الأمرين إذا كان الإمام لا يترك مجالا للمأمومين لقراءة الفاتحة؟ وما هو الصحيح في المسألة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
أولا:
سبق في جواب السؤال رقم (10995) بيان أن قراءة الفاتحة ركن من أركان الصلاة في حق الإمام والمأموم والمنفرد.
ثانياً:
وأما السكتة التي يسكتها بعض الأئمة بعد قراءتهم للفاتحة، فليس سكتة طويلة يتمكن المأموم فيها من قراءة الفاتحة، وإنما هي سكتة يسيرة، يحصل بها الفصل بين قراءة الفاتحة، وقراءة السورة.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"السكتة بين قراءة الفاتحة، وقراءة سورة لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم، على ما ذهب إليه بعض الفقهاء من أن الإمام يسكت سكوتا يتمكن به المأموم من قراءة الفاتحة، وإنما هو سكوت يسير يتراد به النفس من جهة، ويفتح الباب للمأموم من جهة أخرى، حتى يشرع في القراءة ويكمل، ولو كان الإمام يقرأ، فهي سكتة يسيرة ليست طويلة " انتهى.
"فتاوى أركان الإسلام" (ص323-324) .
فإذا كان الإمام لا يسكت سكتة طويلة بعد قراءة الفاتحة، فإن المأموم عليه أن يقرأ الفاتحة، ولو مع قراءة الإمام السورة، لأن هذا هو الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في صلاة الفجر.
روى أبو داود (823) عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، فَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَثَقُلَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: (لَعَلَّكُمْ تَقْرَءُونَ خَلْفَ إِمَامِكُمْ! قُلْنَا: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: لَا تَفْعَلُوا إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا) .
وقد حسنه الترمذي وصححه البيهقي والخطابي وغيرهم، وهو نص في وجوب قراءة الفاتحة على المأموم في الصلاة الجهرية.
قال الشيخ ابن باز: " فإن لم يسكت الإمام فالواجب على المأموم أن يقرأ الفاتحة ولو في حال قراءة الإمام في أصح قولي العلماء " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (11/221) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"فإن قيل: إذا كان الإمام لا يسكت فمتى يقرأ المأموم الفاتحة؟
فنقول: يقرأ الفاتحة والإمام يقرأ؛ لأن الصحابة كانوا يقرؤون مع الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: (لا تفعلوا إلا بأم القرآن؛ فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها) " انتهى.
"فتاوى أركان الإسلام" (ص322) .
وأما قوله تعالى: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) فهذا عام مخصوص بغير الفاتحة، بمعنى أنه يجب الإنصات لقراءة الإمام القرآن في الصلاة إلا إذا كان المأموم يقرأ الفاتحة فقط، بدليل قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لَا تَفْعَلُوا إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا) وكان ذلك في صلاة الفجر، وهي صلاة جهرية كما هو معلوم.
فيكون المأموم مأمور بالإنصات إلا عن قراءة الفاتحة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/962)
أين ينظر المصلي حال سجوده وتشهده
[السُّؤَالُ]
ـ[ينظر المصلي إلى مكان سجوده حال قيامه فإلى أين ينظر حال ركوعه وسجوده وتشهده؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ينظر المصلي في حال ركوعه إلى مكان سجوده أيضاً، أما في حال التشهد فينظر إلى محل الإشارة وأما في حال سجوده فينظر إلى مقابل عينيه من الأرض.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 7/25.(5/963)
صفة صلاة المرأة كصفة صلاة الرجل
[السُّؤَالُ]
ـ[أرجو أن تخبرني عن الطريقة الصحيحة لجلوس النساء في الصلاة، كما أرجو أن تذكر لنا الفرق في وضع الجلوس الخاص بالرجال مقارنة بالنساء.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صلاة المرأة كصلاة الرجل مثلاً بمثل في كل حالاتها في السجود والجلوس وغير ذلك، للأدلة الآتية:
1- قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (صلوا كما رأيتموني أصلي) رواه البخاري، وهذا الخطاب يشمل الرجال والنساء.
قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى:
كل ما تقدم من صفة صلاته صلى الله عليه وسلم يستوي فيه الرجال والنساء ولم يرد في السنة ما يقتضي استثناء النساء من بعض ذلك، بل إن عموم قوله صلى الله عليه وسلم: " صلوا كما رأيتموني أصلي " يشملهن. " صفة صلاة النبي " (ص 189) .
2- عموم قوله صلى الله عليه وسلم: " إنما النساء شقائق الرجال " رواه أبو داود (204) والترمذي (105) من حديث عائشة، والدارمي (764) من حديث أنس.
قال العجلوني: قال ابن القطان: هو من طريق عائشة ضعيف، ومن طريق أنس صحيح. " كشف الخفاء " (1 / 248) .
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: فِيهِ مِنْ الْفِقْه: أنَّ الْخِطَاب إِذَا وَرَدَ بِلَفْظِ الْمُذَكَّر كَانَ خِطَابًا لِلنِّسَاءِ إِلا مَوَاضِع الْخُصُوص الَّتِي قَامَتْ أَدِلَّة التَّخْصِيص فِيهَا اهـ.
وقال بعض العلماء: المرأة لا تجلس جلوس الرجل، واستدلوا على ذلك بحديثين ضعيفين.
قال البيهقي:
وقد روي فيه حديثان ضعيفان لا يحتج بأمثالهما أحدهما:
حديث عطاء بن العجلان عن أبي نضرة العبدي عن أبي سعيد الخدري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنه كان يأمر الرجال أن يتجافوا في سجودهم، ويأمر النساء ينخفضن في سجودهن، وكان يأمر الرجال أن يفرشوا اليسرى وينصبوا اليمني في التشهد، ويأمر النساء أن يتربعن) ثم قال البيهقي: حديث منكر اهـ.
والآخر: حديث أبي مطيع الحكم بن عبد الله البلخي عن عمر بن ذر عن مجاهد عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا جلست المرأة في الصلاة وضعت فخذها على فخذها الأخرى وإذا سجدت ألصقت بطنها في فخذيها كأستر ما يكون لها وإن الله تعالى ينظر إليها ويقول يا ملائكتي أشهدكم أني قد غفرت لها ". " سنن البيهقي الكبرى " (2 / 222) .
وهذا الحديث ضعيف، لأنه من رواية أبي مطيع البلخي.
قال ابن حجر:
قال بن معين: ليس بشيء، وقال مرة: ضعيف، وقال البخاري: ضعيف صاحب رأي، وقال النسائي: ضعيف. " لسان الميزان " (2 / 334) .
وقال ابن عدي: وأبو مطيع بيِّن الضعف في أحاديثه، وعامة ما يرويه لا يتابع عليه.
" الكامل في ضعفاء الرجال " (2 / 214) .
حديث ثالث:
عن يزيد بن أبي حبيب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على امرأتين تصليان فقال: (إذا سجدتما فضمَّا بعض اللحم إلى الأرض؛ فإن المرأة ليست في ذلك كالرجل) .
رواه أبو داود في " المراسيل " (ص 118) ، والبيهقي (2 / 223)
والحديث: مرسل وهو من أقسام الضعيف.
وقد أورد ابن أبي شيبة في المصنف (1 / 242) آثاراً عن بعض السلف في التفريق بين جلوس المرأة والرجل، والحجة في كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. ثم قد روي عن بعض السلف من التسوية بين الرجل والمرأة في صفة الصلاة.
قال البخاري رحمه الله: كَانَتْ أُمُّ الدَّرْدَاءِ تَجْلِسُ فِي صَلَاتِهَا جِلْسَةَ الرَّجُلِ، وَكَانَتْ فَقِيهَةً.
ذكر الحافظ في "فتح الباري" أن لأَبِي الدَّرْدَاء زَوْجَتَينِ كُلّ مِنْهُمَا أُمّ الدَّرْدَاء , فَالْكُبْرَى صَحَابِيَّة , وَالصُّغْرَى تَابِعِيَّة , واختار أن المراد هنا في كلام البخاري الصغرى.
وانظر إجابة السؤال (38162)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/964)
حكم الصلاة على السرير
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن أصلي صلاة القيام على السرير؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم، تجوز الصلاة على السرير ما دام ثابتاً، ويستطيع المصلي أن يمكن جبهته وأنفه عند السجود.
ومن كلام أهل العلم في الصلاة على السرير:
1- قال الحطاب في "مواهب الجليل" (1/520) : " قال في التوضيح: وأما الصلاة على السرير فلا خلاف في جوازها، قاله في البيان , انتهى ".
2- وقال النووي رحمه الله في "المجموع" (3/221) : " شرط الفريضة المكتوبة أن يكون مصليا مستقبل القبلة مستقرا في جميعها.......... فلو استقبل القبلة وأتم الأركان في هودج أو سرير أو نحوهما على ظهر دابة واقفة ففي صحة فريضته وجهان: أصحهما: تصح , وبه قطع الأكثرون ; لأنه كالسفينة " انتهى.
3- وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: هل يجوز أداء الصلاة على مكان مرتفع عن الأرض كالسرير أو نحوه إذا شك الإنسان في طهارة الأرض وليس له عذر من مرض أو نحوه؟
فأجاب: "لا بأس أن يصلي الإنسان على شيء مرتفع كالسرير أو نحوه إذا كان طاهرًا وكان ثابتًا لا يحصل منه اهتزاز وخلل على المصلي، وتشويش على المصلي " انتهى من "المنتقى" (2/143) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/965)
الطريقة المناسبة للدعاء في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أعرف الطريقة المناسبة والتي طبقها النبي صلى الله عليه وسلم للدعاء أثناء الصلاة. هل هي بعد الصلاة أم بين السجدتين أم أثناء القيام أم متى؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
اعلم – رحمك الله – أن الصلاة ليس لها موضع واحد مخصوص فيه الدعاء، بل هي أماكن عدة ذكرها العلماء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم.
وأيضاً فإن الدعاء بعد الصلاة سنة وله أدعية سيأتي ذكرها إن شاء الله.
ولتعلم أن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وأفضل العلم والقول ما كان موافقاً لسنّته صلى الله عليه وسلم، وصيغة الرسول صلى الله عليه وسلم هي خير الصيغ؛ لأنه أعلم الناس بلغة العرب، وأفصحهم لساناً، وأقومهم بياناً، بل إن الله تعالى قد وفقه إلى اختصار المعني الكثير بالكلام القليل، وهذا يسمى جوامع الكلم.
عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (بُعثتُ بجوامع الكلم) رواه البخاري (6611) ومسلم (523) .
قال البخاري: وبلغني أن جوامع الكلم أن الله يجمع الأمور الكثيرة التي كانت تكتب في الكتب قبله في الأمر الواحد والأمرين أو نحو ذلك.
وعليه:
إذا أردت أن تدعو في صلاتك في المواضع التي يشرع ويستحب فيها الدعاء: فأفضل دعاء تأتي به هو صيغة الرسول صلى الله عليه وسلم.
ثانياً:
إن أعياك ذلك ولم يتيسر لك حفظ هذه الأذكار والأدعية؛ فأحسن الدعاء: ما كان بعيداً عن التكلف والتشدق في الكلام، وما كان بعيداً عن السجع بالكلام، وجعل الدعاء خالصاً موافقاً للحاجة التي تريدها بما تيسر لك وبما فتح الله عليك في ذلك.
وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل: كيف تقول في الصلاة؟ قال: أتشهد، ثم أقول: " اللهمّ إني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار "، أما إني لا أحسن دندنتك ودندنة معاذ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: حولهما ندندن. رواه أبو داود (792) . وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
ثالثاً:
وأما الدعاء بعد السلام فالثابت عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يقول إذا انصرف من الصلاة: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله. ثم يقول سائر الأذكار الواردة في هذا. راجع السؤال رقم (7646)
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه كان يرفع يديه بعد صلاة الفريضة، ولم يصح ذلك أيضاً عن أصحابه – رضي الله عنهم – فيما نعلم وما يفعله بعض الناس من رفع أيديهم بعد صلاة الفريضة بدعة لا أصل لها " اهـ. الفتاوى (1/74) .
وقال ابن القيم:
وأما الدعاء بعد السلام من الصلاة مستقبل القبلة أو المأمومين، فلم يكن ذلك من هديه صلى الله عليه وسلم أصلاً، ولا روي عنه بإسناد صحيح، ولا حسن، وأما تخصيص ذلك بصلاتي الفجر والعصر، فلم يفعل ذلك هو ولا أحد من خلفائه، ولا أرشد إليه أمته، وإنما هو استحسان رآه من رآه عوضاً من السنة بعدهما والله أعلم.
وعامة الأدعية المتعلقة بالصلاة إنما فعلها فيها وأمر بها فيها وهذا هو اللائق بحال المصلي، فإنه مقبل على ربه، يناجيه ما دام في الصلاة، فإذا سلّم منها، انقطعت تلك المناجاة، وزال ذلك الموقف بين يديه والقرب منه، فكيف يترك سؤاله في حال مناجاته والقرب منه، والإقبال عليه، ثم يسأله إذا انصرف عنه؟! ولا ريب أن عكس هذا الحال هو الأولى بالمصلي، إلا أن هاهنا نكتة لطيفة، وهو أن المصلي إذا فرغ من صلاته،وذكر الله وهلّله وسبّحه وحمده وكبّره بالأذكار المشروعة عقيب الصلاة، استحب له أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك، ويدعو بما شاء، ويكون دعاؤه عقيب هذه العبادة الثانية، لا لكونه دبر الصلاة، فإن كل من ذكر الله، وحمده، وأثنى عليه، وصلى على رسول الله صلى الله عليه وسلم استحب له الدعاء عقيب ذلك، كما في حديث فضالة بن عبيد " إذا صلّى أحدكم، فليبدأ بحمد الله والثناء عليه، ثم ليصلِّ على النبي صلى الله عليه وسلم، ثمّ ليدع بما شاء "،
قال الترمذي: حديث صحيح وصححه الحاكم ووافقة الذهبي. " زاد المعاد " (1 / 257، 258) .
رابعاً:
أما مواضع الدعاء في الصلاة فنلخصها لك بما يلي:
1. بعد تكبيرة الإحرام وقبل البدء بالفاتحة ويسمى دعاء الاستفتاح:
عن أبي هريرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة سكت هنيهة فقلت بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما تقول في سكوتك بين التكبير والقراءة؟ قال: أقول: " اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد ". رواه البخاري (711) ومسلم (598) .
2. دعاء القنوت في صلاة الوتر:
عن الحسن بن علي قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر "اللهمّ اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت وقني شرما قضيت فإنك تقضي ولا يقضى عليك وإنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت تباركت ربنا وتعاليت ". رواه الترمذي (464) والنسائي (1745) وأبو داود (1425) وابن ماجه (1178) . والحديث: حسَّنه الترمذي وغيره. وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
3. الدعاء بعد الرفع من الركوع عند حلول النوازل والكوارث العامة، وهو قنوت النوازل، وذلك عام في كل الصلوات المفروضة يدعو حسب الحالة والحاجة ويؤمِّن المصلي خلفه. راجع السؤال رقم (20031)
4. أثناء الركوع، كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: " سبحانك اللهمّ ربنا وبحمدك اللهمّ اغفر لي " رواه البخاري (761) ومسلم (484) من حديث عائشة.
5. في سجوده، وهو أفضل الدعاء لحديث: " أقرب ما يكون أحدكم من ربه وهو ساجد فأكثروا فيه من الدعاء " رواه مسلم (482) من حديث أبي هريرة.
وهذا الموضع فيه أحاديث كثيرة لا يمكن ذكرها في هذا المكان.
6. بين السجدتين، يقول: " اللهمّ اغفر لي وارحمني واجبرني واهدني وارزقني " رواه الترمذي (284) وابن ماجه (898) من حديث ابن عباس، وهناك أدعية أخرى. وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
7. بعد التشهد وقبل السلام، قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير فليتعوذ بالله من أربع يقول: اللهمّ إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال " رواه البخاري (1311) ومسلم (588) - واللفظ له - من حديث أبي هريرة. ثم يدعو بعد ذلك بما يشاء من خير الدنيا والآخرة. لحديث ابن مسعود " أن النبي صلى الله عليه وسلم علّمهم التشهد ثم قال في آخره ثم ليتخير من المسألة ما شاء " رواه البخاري (5876) ومسلم (402) .
والأدعية التي تقال في الصلاة كثيرة، لا يمكن استيعابها في هذا الجواب، غير أن هذه إشارة إلى بعض ما ورد منها، والنصيحة للسائل – ولكل مسلم – أن يكون عنده نسخة من كتاب الأذكار للنووي رحمه الله، وهو كتاب مطوّل، فإن أراد الاختصار فعليه بكتاب " الكلم الطيّب " لشيخ الإسلام ابن تيمية وحققه الألباني. رحم الله الجميع.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/966)
هل دعاء الوتر واجب وماذا يقول إذا لم يحفظه
[السُّؤَالُ]
ـ[أجد صعوبة في حفظ الأدعية عن ظهر قلب مثل دعاء القنوت في الوتر. فكنت أقرأ سورة مكانه ولما عرفت أنه فرض حاولت حفظه وجعلت في أثناء الصلاة أقرأه من كتاب أتناوله من على طاولة بجانبي وأنا ما أزال متجهاً إلى القبلة فهل هذا جائز؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1. لا بأس أن تقرأ دعاء القنوت من ورقة أو كتيب في صلاة الوتر حتى تتمكن من حفظه ثم تترك القراءة بعد ذلك وتدعو من حفظك كما أنه يجوز قراءة القرآن مِن المصحف في صلاة النافلة لمن لا يحفظ الكثير من القرءان.
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله ما حكم قراءة القرءان من المصحف في صلاة التراويح؟ وما الدليل على ذلك من الكتاب والسنة؟
فأجاب:
لا حرج في القراءة من المصحف في قيام رمضان لما في ذلك من إسماع المؤمنين جميع القرآن؛ ولأن الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة قد دلت على شرعية قراءة القرءان في الصلاة، وهي تعم قراءته من المصحف وعن ظهر قلب وقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها أمرت مولاها ذكوان أن يؤمها في قيام رمضان وكان يقرأ من المصحف ذكره البخاري رحمه الله في صحيحه معلِّقا مجزوما به.
" فتاوى إسلامية " (2 / 155) .
2- لا يجب في دعاء القنوت أن يكون باللفظ الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل يجوز للمصلي أن يدعو بغيره أو يزيد عليه، بل لو قرأ آيات من القرآن الكريم وهي مشتملة على الدعاء حصل المقصود، قال النووي رحمه الله: واعلم أن القنوت لا يتعين فيه دعاء على المذهب المختار، فأي دعاء دعا به حصل القنوت ولو قنت بآية، أو آيات من القرآن العزيز وهي مشتملة على الدعاء حصل القنوت، ولكن الأفضل ما جاءت به السنة..
الأذكار النووية ص 50
3- وأما ما ذكره الأخ السائل من أنه كان يقرأ بدلاً من دعاء القنوت قرءاناً فلا شك أن هذا لا ينبغي فعله، لأن المقصود من القنوت هو الدعاء، ولذلك لو كانت هذه الآيات مشتملة على الدعاء جاز قراءتها والقنوت بها كقوله تعالى: (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذا هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب) آل عمران / 8
4- وأما ما ذكره الأخ السائل من فرضية القنوت: فليس بصحيح إذ القنوت سنة، وعلى هذا لو تركه المصلي فصلاته صحيحة.
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله ما حكم قراءة دعاء القنوت في الوتر في ليالي رمضان وهل يجوز تركه؟ .
فأجاب:
القنوت سنة في الوتر وإذا تركه في بعض الأحيان: فلا بأس.
وسئل: عمن يستمر على القنوت في الوتر كل ليلة فهل أثر هذا عن سلفنا؟.
فأجاب:
لا حرج في ذلك بل هو سنة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما علم الحسين بن علي رضي الله عنهما القنوت في الوتر لم يأمر بتركه بعض الأحيان ولا بالمداومة عليه فدل ذلك على جواز الأمرين، ولذا ثبت عن أبي ابن كعب رضي الله عنه حين كان يصلي بالصحابة رضي الله عنهم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يترك القنوت بعض الليالي ولعل ذلك ليعلم الناس أنه ليس بواجب. والله ولي التوفيق.
" فتاوى إسلامية " (2 / 159) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/967)
بعض الأدعية الواردة في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك أسلوب للدعاء أثناء الصلاة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لعل السائل يعني بذلك السؤال عن الدعاء في الصلاة.
فلتعلم يا أخي أن خير الهدي هدي محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأفضل الدعاء ما كان موافقاً لسنة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وينبغي للمسلم أن يحافظ على اللفظ النبوي من غير زيادة ولا نقصان ولا تبديل.
فعن البراء بن عازب قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا أتيتَ مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن ثم قل:
" اللهم أسلمت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك، لاملجأ ولا منجا منك إلا إليك، اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت، ونبيك الذي أرسلت ".
فإن مت من ليلتك فأنت على الفطرة، واجعلهن آخر ما تتكلم به ".
قال: فرددتها على النبي صلى الله عليه وسلم، فلما بلغْتُ " اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت " قلت: ورسولك، قال: "لا، ونبيك الذي أرسلت ".
رواه البخاري (224) ومسلم (2710) .
قال في تحفة الأحوذي:
" ذَكَرُوا فِي إِنْكَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَدِّهِ اللَّفْظَ أَوْجُهًا. . . قَالَ الْحَافِظُ: وَأَوْلَى مَا قِيلَ فِي الْحِكْمَةِ فِي رَدِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَنْ قَالَ الرَّسُولُ بَدَلَ النَّبِيِّ أَنَّ أَلْفَاظَ الأَذْكَارِ تَوْقيفية وَلَهَا خَصَائِصُ وَأَسْرَارٌ لا يَدْخُلُهَا الْقِيَاسُ فَتَجِبُ الْمُحَافَظَةُ عَلَى اللَّفْظِ الَّذِي وَرَدَتْ بِهِ. وَهَذَا اِخْتِيَارُ الْمَازَرِيِّ قَالَ فَيُقْتَصَرُ فِيهِ عَلَى اللَّفْظِ الْوَارِدِ بِحُرُوفِهِ وَقَدْ يَتَعَلَّقُ الْجَزَاءُ بِتِلْكَ الْحُرُوفِ وَلَعَلَّهُ أُوحِيَ إِلَيْهِ بِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ فَيَتَعَيَّنُ أَدَاؤُهَا بِحُرُوفِهَا: اهـ.
وهذه جملة من الأدعية الثابتة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التي كان يدعو بها في صلاته:
1. بعد تكبيرة الإحرام وقبل البدء بالفاتحة ويسمى دعاء الاستفتاح:
عن أبي هريرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة سكت هنيهة فقلت بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما تقول في سكوتك بين التكبير والقراءة؟ قال: أقول: " اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد ". رواه البخاري (711) ومسلم (598) .
2. دعاء القنوت في الوتر:
عن الحسن بن علي قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر "اللهمّ اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت وقني شرما قضيت فإنك تقضي ولا يقضى عليك وإنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت تباركت ربنا وتعاليت ". رواه الترمذي (464) والنسائي (1745) وأبو داود (1425) وابن ماجه (1178) . والحديث: حسَّنه الترمذي وغيره. وصححه الألباني في إرواء الغليل (429) .
3. أثناء الركوع والسجود، كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: " سبحانك اللهمّ ربنا وبحمدك اللهمّ اغفر لي " رواه البخاري (761) ومسلم (484) من حديث عائشة.
والدعاء في السجود هو أفضل الدعاء لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أقرب ما يكون أحدكم من ربه وهو ساجد فأكثروا فيه من الدعاء) . رواه مسلم (482) .
4. بين السجدتين، يقول: " اللهمّ اغفر لي وارحمني واجبرني واهدني وارزقني " رواه الترمذي (284) وابن ماجه (898) . وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
5. بعد التشهد وقبل السلام:
عن أبي هريرة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير فليتعوذ بالله من أربع يقول: اللهمّ إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال) رواه البخاري (1311) ومسلم (588) - واللفظ له -
روى البخاري (834) ومسلم (2705) عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي. قَالَ: قُلْ: (اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي إِنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) .
وقد روى مسلم (771) حديثاً جمع فيه بعض الأدعية التي كان يدعو بها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صلاته عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ قَالَ: وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ. إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ. اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ، أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُكَ، ظَلَمْتُ نَفْسِي وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا إِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ، وَاهْدِنِي لأَحْسَنِ الأَخْلاقِ لا يَهْدِي لأَحْسَنِهَا إِلا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلا أَنْتَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ، أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ.
وَإِذَا رَكَعَ قَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، خَشَعَ لَكَ سَمْعِي وَبَصَرِي وَمُخِّي وَعَظْمِي وَعَصَبِي.
وَإِذَا رَفَعَ قَالَ: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءَ الأَرْضِ وَمِلْءَ مَا بَيْنَهُمَا وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ.
وَإِذَا سَجَدَ قَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ.
ثُمَّ يَكُونُ مِنْ آخِرِ مَا يَقُولُ بَيْنَ التَّشَهُّدِ وَالتَّسْلِيمِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ وَمَا أَسْرَفْتُ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/968)
أين يضع المصلي يديه بعد الرفع من الركوع
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أعرف الجواب المفصل في مسألة وضع اليدين بعد الرفع من الركوع فقد سمعت رأيين مختلفين في هذه المسألة وأود أن أعرف أصح هذين القولين؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذه المسألة من المسائل التي اختلف فيها أهل العلم رحمهم الله فمنهم من رأى أن وضع اليد اليمنى على ذراع اليسرى في القيام بعد الركوع سنة مستحبة لعموم حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أنه قال: " كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة " وقالوا: إن من نظر في عموم قوله " في الصلاة " يتبين له أن القيام بعد الركوع يشرع فيه الوضع لأن القيام يشمل ما قبل الركوع وما بعده فيضع المصلي يده اليمنى على اليسرى في القيامين جميعا.
وقالوا إن اليدين في الصلاة حال الركوع تكونان على الركبتين وفي حال السجود على الأرض وفي حال الجلوس على الفخذين وفي حال القيام على الصّدر وهذا موضعهما في القيام قبل الركوع أو بعده، وأنّ حال الذلّ والأدب بين يدي الربّ ينبغي أن يكون في القيامين وأنّه أبعد عن العبث، ومن أهل العلم من رأى عدم مشروعية وضع اليمنى على اليسرى بعد القيام من الركوع واحتجوا بعدم ورود نص خاص في هذا الموضع وأن عموم القيام لا يشمله لأنه اعتدال وليس بقيام وعليه فإن المصلي يرسل يديه.
وقال بعضهم إن المصلي مخير بين الوضع وعدمه لأنه لم يرد في السنة ما هو صريح في هذا، وهذا الذي قال به الإمام أحمد رحمه الله.
والقول الأول هو الرّاجح إن شاء الله، وعلى كل حال فإنّ الصلاة تصح بكلا الفعلين، ولا ينبغي أن يفضي الخلاف في هذه المسألة إلى التنازع والاختلاف المذموم شرعاً أو الحكم بالبدعة لمن فعل أو بترك السنة لمن ترك فإن ذلك لا يكون إلا فيما كانت فيه النصوص صحيحة صريحة الدلالة.
ينظر في المسألة:
الفروع لابن مفلح 1/433 الإنصاف للمرداوي 2/63 شرح منتهى الإرادات 1/185 الشرح الممتع لابن عثيمين 3/146، وقد صنف الشيخ المحدث بديع الدين السندي رسالة خاصة في هذه المسألة أيد فيها قول من ذهب إلى سنية وضع اليمنى على اليسرى بعد الرفع من الركوع وسماها: " زيادة الخشوع بوضع اليمنى على اليسرى بعد الركوع ". وللعلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رسالة في الموضوع أيضا نصر فيها القول بوضع اليدين على الصّدر بعد الرفع من الركوع. والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/969)
السنة في كيفية القعود في صلاة الجالس
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي السنة في كيفية القعود في صلاة الجالس؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الصحيح في هذه المسألة جواز التربع والافتراش لأنه لم يثبت في ذلك شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد وصفت عائشة رضي الله عنها كيفية صلاته جالساً ولم تذكر كيفية قعوده فدل ذلك على السعة في الأمر.
وقد قال الإمام الشافعي رحمه الله (يجوز على أيّ صفة شاء المصلي.
وقال الإمام ابن المنذر في الأوسط (4 / 376) ليس في صفة جلوس المصلي قاعداً سنة تتبع وإذا كان كذلك كان للمريض أن يصلي فيكون جلوسه كما سهل ذلك عليه، إن شاء صلى متربعاً وإن شاء محتبياً وإن شاء جلس كجلوسه بين السجدتين كل ذلك قد روي عن المتقدمين..) .
وقد قالت طائفة من أهل العلم التربع أفضل وهذا مروي عن ابن عمر وأنس بن مالك وهو مذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد.
والحجة لهم ما رواه النسائي (3 / 376) وغيره من طريق أبي داود الحفري عن حفص عن حميد عن عبد الله بن شقيق عن عائشة قالت: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يُصلي متربعاً.
وهذا الحديث لا يصح وقد جاء من غير وجه ليس في شيء من ذلك ذكر التربع قال النسائي رحمه الله لا أعلمُ أحداً روى هذا الحديث غيرَ أبي داود وهو ثقة ولا أحسب هذا الحديث إلا خطأ.
وقال الإمام ابن المنذر في الأوسط (4 / 376) حديث حفص بن غياث قد تكلم في إسناده روى هذا الحديث جماعة عن عبد الله بن شقيق ليس فيه ذكر التربع ولا أحسب هذا الحديث يثبت مرفوعاً..) .
وجاء عن عبد الله بن مسعود أنه كره الصلاة متربعاً رواه ابن أبي شيبة وابن المنذر.
وعن أحمد رواية. أنه إن أطال القراءَة تربع وإلا افترش.
والصحيح القول الأول وهو التخيير بين التربع والافتراش والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ: سليمان بن ناصر العلوان(5/970)
أين توضع اليدين بعد الرفع من الركوع
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو موضع اليدين بعد الرفع من الركوع؟ شاهدت بعض الناس يضعونهم على الصدر والبعض يسدل يديه.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الصحيح في كيفية وضع اليدين بعد الرفع من الركوع هو وضع اليمنى على ذراع اليسرى، ولا تسدل اليدان.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: الذي يظهر أنّ السنة هو وضع اليمنى على ذراع اليسرى لعموم حديث سهل بن سعد الثابت في البخاري " كان الناس يُؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة " فإنك إذا نظرت لعموم هذا الحديث " في الصلاة " ولم يقل في " القيام " تبيَّن لك أن القيام بعد الركوع يُشرع فيه الوضع؛ لأنَّه في الصلاة تكون اليدان حال الركوع على الركبتين، وفي حال السجود: على الأرض، وفي حال الجلوس: على الفخذين، وفي حال القيام – ويشمل ما قبل الركوع وما بعد الركوع -: يضع الإنسان يده اليمنى على ذراعه اليسرى.
هذا هو الصحيح.
" الشرح الممتع " (3 / 146) .
والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/971)
لا ينبغي للمصلي أن يجعل الحذاء أمامه سترة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمصلي أن يجعل حذاءه أمامه سترة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" السترة للمصلي جائزة بكل شيء حتى لو كان سهماً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَتِرْ لِصَلاتِهِ وَلَوْ بِسَهْمٍ) رواه أحمد (14916) صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2783) ، بل قال العلماء: إنه يمكن أن يستتر بالخيط وبطرف السجادة، بل جاء في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام أن من لم يجد عصاً فليخط خطاً، كما في حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ شَيْئًا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ شَيْئًا فَلْيَنْصِبْ عَصًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ عَصًا فَلْيَخُطَّ خَطًّا وَلا يَضُرُّهُ مَا مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ) . رواه الإمام أحمد، وقال ابن حجر في "بلوغ المرام ": ولم يصب من زعم أنه مضطرب، بل هو حسن اهـ.
وكل هذا يدل على أن السترة لا يشترط أن تكون كبيرة، وإنما يكتفي فيها بما يدل على التستر.
فالنعال لا شك أنها ذات جسم وكبيرة، إلا أني أرى أنه لا ينبغي أن يجعلها سترة له؛ لأن النعال في العرف مستقذرة، ولا ينبغي أن تكون بين يديك وأنت واقف بين يدي الله عز وجل، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم المصلي أن يتنخع بين يديه يعني يتفل النخامة بين يديه، وقال عليه الصلاة والسلام معللاً ذلك: (فإن الله تعالى قبل وجهه) رواه البخاري (406) اهـ.
"فتاوى ابن عثيمين" (13/326) .
وانظر إجابة السؤال رقم (40865) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/972)
من أين يبدأ الصف
[السُّؤَالُ]
ـ[الصف في الصلاة من أين يبدأ؟ هل يبدأ من خلف الإمام أم من أقصى اليمين؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يبدأ الصف الأول في الصلاة من خلف الإمام ممتداً إلى اليمين وإلى الشمال لا من أقصى اليمين كما في السؤال وهكذا الصف الثاني فما بعده.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة في فتاوى إسلامية 1-223(5/973)
لا يستطيع السجود على الأرض إذا صلى مع الجماعة
[السُّؤَالُ]
ـ[أصبت بمرض في ركبتي، فلا أستطيع أن أثنيها إلا بصعوبة، فإذا صليت مع الجماعة لم أتمكن من السجود على الأرض نظراً لضيق الصف، وحاجتي إلى حركة كثيرة، وسأضطر للسجود في الهواء، وإذا صليت منفردا في بيتي تمكنت من السجود على الأرض بكامل الأعضاء السبعة، فهل أصلي مع الجماعة في المسجد أم منفردا في البيت؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تصلي في المسجد جماعة، لأن صلاة الجماعة واجبة، ثم تسجد على حسب استطاعتك، ولو بالإيماء.
ولا تعتبر في هذه الحالة تاركا للسجود.
أفادنا هذه الإجابة الشيخ عبد الرحمن البراك بمعناها. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/974)
السجود الشرعي
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد رأينا بعض المصلين - هدانا الله وإياهم - إذا سجدوا رفعوا جباههم عن الأرض حتى تلامس الأرض أو قد لا تلامسها، وإذا نصحوا عللوا ذلك بعلل واهية (كإفساد الشماغ وغير ذلك) فما صحة صلاتهم؟ وما نصيحتكم لهم؟ وجزاكم الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب عليهم في السجود أن يمكنوا جباههم من الأرض لقول أنس بن مالك رضي الله عنه " كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم في شدة الحر فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض بسط ثوبه فيسجد عليه "، فأما مجرد ملامسة الجبهة مكان السجود فإنه لا يكفي، وعلى هذا لا يصح سجودهم ثم لا تصح صلاتهم لأن السجود ركن من أركان الصلاة. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد بن صالح العثيمين حفظه الله مجلة الدعوة العدد 1752 ص 37(5/975)
هل الأفضل أن نقول في الصلاة سيدنا محمد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أيهما أفضل أن نقول في التشهد في الصلاة: أشهد أن سيدنا محمداً رسول الله، واللهم صل على سيدنا محمد؟ أم نقول محمد فقط بدون سيدنا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا شك أن وصف النبي صلى الله عليه وسلم بالسيادة وصف صحيح، فهو صلى الله عليه وسلم سيدنا، بل سيد البشر أجمعين، روى مسلم (2278) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) . وروى الترمذي (3615) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ، وَبِيَدِي لِوَاءُ الْحَمْدِ وَلَا فَخْرَ، وَمَا مِنْ نَبِيٍّ يَوْمَئِذٍ آدَمُ فَمَنْ سِوَاهُ إِلَّا تَحْتَ لِوَائِي، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ وَلَا فَخْرَ) صححه الألباني في صحيح الترمذي.
ثانياً:
يجب أن يُعلم أن العبادات مبناها على الاتباع، فلا يزاد في العبادة شيء على ما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا من علامات محبة العبد لله عز وجل، قال الله تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) آل عمران /31.
والاتباع أن تفعل كما فعل، وتقول كما قال، وتترك ما ترك، فلا تزيد عليه، ولا تنقص من فعله.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) رواه البخاري (2697) ومسلم (1718) .
والوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد في الصلاة: (وأشهد أن محمدا عبده ورسوله) والوارد عنه في الصلاة عليه: (اللهم صل على محمد ... اللهم بارك على محمد) ولم يرد عنه قط أنه علَّمنا أن نقول (سيدنا) ، فلا يزاد على ما أمرنا به النبي صلى الله عليه وسلم، وعملنا إياه. فهذا هو الأفضل بلا شك، وكيف يكون الأفضل هو ما خالف هدي النبي صلى الله عليه وسلم؟ وهو صلى الله عليه وسلم كان يقول في كل خطبة جمعة، ويعلنها على المنبر: (أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرُ الْهدي هديُ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم) رواه مسلم (867) .
وقد سئل الحافظ ابن حجر رحمه الله: هل الأفضل أن يقال في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (سيدنا) لأنه وصف له، أم عدم ذلك لعدم وروده في الآثار؟
فأجاب:
" اتّباع الألفاظ المأثورة أرجح، ولا يُقال: لعلّه ترك ذلك تواضعاً منه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأمّتُه مندوبةٌ إلى أن تقول ذلك كلما ذكر، لأنا نقول: لو كان ذلك راجحاً لجاء عن الصّحابة ثم عن التابعين، ولم نقف في شيء من الآثار عن أحد من الصحابة ولا التابعين، أنه قال ذلك مع كثرة ما ورد عنهم من ذلك. . .
ثم ذكر آثارا عن بعض الصحابة والتابعين والإمام الشافعي وليس فيها لفظ (سيدنا) . . . ثم قال:
والمسألة مشهورة في كتب الفقه، والغرض منها أن كل من ذكر هذه المسألة من الفقهاء قاطبة لم يقع في كلام أحد منهم (سيدنا) ، ولو كانت هذه الزيادة مندوبة ما خفيت عليهم كلهم حتى أغفلوها، والخير كله في الاتباع، والله أعلم " انتهى باختصار.
نقله عنه الألباني في كتابه "صفة الصلاة" (ص 153-155) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة: هل يجوز أن نقول أثناء كلامنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم: سيدنا محمد في غير المأثور عنه كالصلاة الإبراهيمية أو غير ذلك؟
فأجابوا:
" الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في التشهد لم يرد فيها - فيما نعلم - كلمة سيدنا أي: (اللهم صل على سيدنا محمد..إلخ) وهكذا صفة الأذان والإقامة، فلا يقال فيها سيدنا، لعدم ورود ذلك في الأحاديث الصحيحة التي علَّم فيها النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه كيفية الصلاة عليه، وكيفية الأذان والإقامة، ولأن العبادات توقيفية فلا يزاد فيها ما لم يشرعه الله سبحانه وتعالى، أما الإتيان بها في غير ذلك فلا بأس، لقوله صلى الله عليه وسلم: (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر) " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (7/65) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/976)
هل يعيد المسبوق سجود السهو الذي سجده مع الإمام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل على المسبوق إذا أخطأ إمامه وسجد للسهو بعد السلام، أو قبله أن يسجد للسهو بعد أن يكمل صلاته؟ وهل يتصور أن يسجد للسهو مرتين؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"إذا سها الإمام وسجد للسهو قبل السلام فإن على المسبوق أن يتابعه لأنه مرتبط بإمامه حتى يسلم، فإذا قضى ما فاته لزمه السجود أيضاً، لأن سجوده مع إمامه في غير محله، فإن سجود السهو لا يكون في أثناء الصلاة، وإنما كان سجوده مع إمامه تبعاً لإمامه فقط.
ولكن إذا كان سهو الإمام قبل أن يدخل معه المسبوق فإنه لا يعيد السجود مرة ثانية، لأنه لم يلحقه حكم سهو إمامه فإنه كان قبل أن يدخل معه.
أما إذا كان سجود الإمام بعد السلام فإن المسبوق لا يسجد معه، لأن متابعة الإمام في هذه الحال متعذرة إلا بالسلام معه، وهذا غير ممكن، لأن المسبوق لا يسلم إلا بعد انتهاء الصلاة.
ولكن إذا كان سهو الإمام قبل أن يدخل معه فإنه لا سجود عليه، لأنه لم يلحقه حكم سهو إمامه، وإن كان سهوه بعد أن دخل معه سجد إذا سلم.
هذا ما تقضيه الأدلة بعضها سمعية، مثل وجوب سجود المأموم تبعاً لإمامه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الإمام ليؤتم به) متفق عليه.
وبعضها بالنظر الصحيح كما في تعليل الأحكام المذكورة، وانظر: "الشرح الكبير على المقنع"، و "المجموع شرح المهذب". انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
"مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (14/24) .(5/977)
الفرق بين الركن والواجب في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الفرق بين الركن والواجب في الصلاة]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الفرق بين الركن والواجب في الصلاة: أن الركن لا يسقط عمدا ولا سهوا ولا جهلاً، بل لابد من الإتيان به.
أما الواجب: فيسقط بالجهل والنسيان، ويجبر بسجود السهو.
وأركان الصلاة أربعة عشر ركنا، وواجباتها ثمان، وقد سبق بيانها في جواب السؤال رقم (65847) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/978)
دخل المسجد والإمام قائم
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا دخلت المسجد والإمام قائم في القراءة، فهل أقول دعاء الاستفتاح أم أقرأ الفاتحة مباشرة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من دخل والإمام يقرأ الفاتحة فإنه يكبر تكبيرة الإحرام , ثم يسكت حتى يفرغ الإمام من قراءة الفاتحة؛ لأن المأموم مأمور بالاستماع والإنصات لقراءة إمامه , واستفتاحه وتعوذه يشغله عن الاستماع والإنصات المأمور به , وليس له أن ينشغل عما أُمر به بشيء.
انظر: "مجموع الفتاوى" (23/280) .
وهذا القول ـ أعني أنه لا يستفتح ولا يتعوذ حال جهر إمامه ـ هو أصح الأقوال في هذه المسألة ـ إن شاء الله ـ وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في "مجموع الفتاوى" (22/341) , (23/281) ؛ وذلك لقوة مأخذه؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ , فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا , وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا) رواه مسلم (404) والنسائي (921) .
فإذا فرغ الإمام من الفاتحة أتى المأموم بدعاء الاستفتاح , ثم استعاذ وقرأ البسملة والفاتحة , وإذا لم يمكنه من أن يستفتح ويستعيذ ويقرأ قبل أن يبدأ الإمام بقراءة السورة فإنه لا يستفتح؛ لأن دعاء الاستفتاح سنة؛ بل يستعيذ ويقرأ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في القراءة خلف الإمام: (لا تَفْعَلُوا إِلا بِأُمِّ الْقُرْآنِ , فَإِنَّهُ لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا) رواه الترمذي (311) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وهذا على القول بوجوب قراءة الفاتحة على المأموم في الصلاة الجهرية , والراجح وجوبها عليه؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ) رواه البخاري (756) . وهذا نفي للصحة.
انظر السؤال (10995) .
أما إذا دخل المسجد والإمام في الصلاة السرية فإنه يكبر تكبيرة الإحرام , ويستفتح , ويستعيذ , ثم يقرأ إذا ظن أنه يتم الفاتحة قبل أن يركع إمامه، إذا كان هناك قرينة , حيازة لفضيلة الاستفتاح والفاتحة , وإلا اشتغل بالفاتحة بعد تكبيرة الإحرام ولا يستفتح؛ لأن الاهتمام بالفرض أولى.
انظر: "مغني المحتاج" (1/257) , "تلبيس إبليس" (ص 161) .
وإذا ركع الإمام ترك المأموم بقية الفاتحة وركع معه؛ لأنه لم يدرك غير ما قرأه , ويكون مدركاً للركعة، كما لو أدركه في الركوع , فإن الفاتحة تسقط عنه , ولا يتخلف عن إمامه لإتمام الفاتحة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا) رواه البخاري (378) ومسلم (414) .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله:
" قراءة الاستفتاح سنة وقراءة الفاتحة فرض على المأموم على الصحيح من أقوال أهل العلم، فإذا خشيت أن تفوت الفاتحة فابدأ بها ومتى ركع الإمام قبل أن تكملها فاركع معه ويسقط عنك باقيها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا) متفق عليه " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (11/243-244) .
والله أعلم.
انظر: " أحكام حضور المساجد" (ص139-141) للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/979)
إذا سلم الإمام ولم يكمل المأموم التشهد فماذا يعمل؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كنت في التشهد وأنا لم أكمل وسلم الإمام هل على أن أسكت؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التشهد الأخير ركن من أركان الصلاة، لا بد من الإتيان به كاملا؛ لقول ابن مسعود رضي الله عنه: (كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد السلام على الله قبل خلقه، السلام على جبرائيل وميكائيل، فعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد) رواه النسائي (1277) والدارقطني والبيهقي وصححه الحافظ ابن حجر في "الفتح" (2/312) ، وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (319) .
فقوله: "قبل أن يفرض علينا التشهد " صريح في أن التشهد فرض.
انظر: "الشرح الممتع" (3/422) .
ولهذا إذا سلم الإمام قبل أن يكمل المأموم تشهده، فإنه لا يتابعه، بل يتم تشهده أولا.
قال في "كشاف القناع" (1/565) :
" فلو سبق الإمامُ المأمومَ بالقراءة وركع الإمام: تبعه المأموم، وقطع القراءة لأنها في حقه مستحبة، والمتابعة واجبة، ولا تعارض بين واجب ومستحب، بخلاف التشهد إذا سبق به الإمامُ المأمومَ فلا يتابعه المأموم بل يتمه إذا سلم إمامه، ثم يسلم؛ لعموم الأمر بالتشهد " انتهى بتصرف.
وأما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فقد سبق في جواب السؤال (39676) بيان
اختلاف العلماء في حكمها، فمنهم من قال: إنها ركن، لا تصح الصلاة إلا بها. ومنهم من قال: إنها واجبة. ومنهم من قال: إنها سنة مستحبة.
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم من فرغ من التشهد الأخير بالاستعاذة من أربع، فقال: (إِذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنْ التَّشَهُّدِ الْآخِرِ فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ: مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ) رواه مسلم (588) .
وقد ذهب بعض العلماء إلى وجوب هذا الدعاء.
وعلى هذا فالأحوط للمأموم ألا يسلم من الصلاة حتى يتم التشهد ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويستعيذ بالله من هذه الأربع.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: في إحدى الصلوات سلم الإمام ولم أكمل إلا جزءاً يسيراً من التحيات، فهل أعيد صلاتي؟
فأجاب: " عليك أن تكمل التشهد ولو تأخرت بعض الشيء عن إمامك لأن التشهد الأخير ركن في أصح قولي العلماء، وفيه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
فالواجب أن تكمله ولو بعد سلام الإمام، ومنه التعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالتعوذ من هذه الأربع في التشهد الأخير، ولأن بعض أهل العلم قد رأى وجوب ذلك، والله أعلم " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (11/248) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/980)
السجود على الطاقية والعمامة ومع لبس القفازين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز السجود بالطاقية إذا كانت على موضع السجود في الجبهة؟ وهل يجوز الصلاة بالقفازات؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اتفق العلماء على أن الأفضل للمصلي أن يباشر الأرض بجبهته ويديه عند السجود إلا من عذر.
وقد اختلفوا في وجوب ذلك، فذهب الإمام الشافعي إلى وجوبه، وذهب جمهور العلماء إلى أنه مستحب فقط وليس واجباً.
قال النووي رحمه الله مبينا مذاهب الفقهاء في ذلك:
" فرع في مذاهب العلماء في السجود على كمه وذيله ويده وكور عمامته وغير ذلك مما هو متصل به، قد ذكرنا أن مذهبنا: أنه لا يصح سجوده على شيء من ذلك، وبه قال داود وأحمد في رواية.
وقال مالك وأبو حنيفة والأوزاعي وإسحاق وأحمد في الرواية الأخرى: يصح، قال صاحب التهذيب: وبه قال أكثر العلماء. واحتج لهم بحديث أنس رضي الله عنه قال: (كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شدة الحر، فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض يبسط ثوبه فيسجد عليه) رواه البخاري ومسلم، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم مطير وهو يتقي الطين إذا سجد بكساء عليه يجعله دون يديه) رواه ابن حنبل في مسنده. وعن الحسن قال: " كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجدون وأيديهم في ثيابهم ويسجد الرجل على عمامته " رواه البيهقي ".
وقال: " العلماء مجمعون على أن المختار مباشرة الجبهة للأرض " انتهى من "المجموع" (3/397- 400) .
وقال ابن قدامة رحمه الله: " ولا تجب مباشرة المصلي بشيء من هذه الأعضاء. قال القاضي: إذا سجد على كور العمامة أو كمه أو ذيله، فالصلاة صحيحة رواية واحدة. وهذا مذهب مالك وأبي حنيفة. وممن رخص في السجود على الثوب في الحر والبرد: عطاء وطاوس والنخعي والشعبي والأوزاعي ومالك وإسحاق وأصحاب الرأي.
ورخص في السجود على كور العمامة: الحسن ومكحول وعبد الرحمن بن يزيد. وسجد شريح على برنسه " انتهى من "المغني" (1/305) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا سجد المصلي وجعل عمامته وقاية بينه وبين الأرض فما حكم صلاته؟
فأجاب: " صلاة ذلك المصلي صحيحة، ولكن لا ينبغي أن يتخذ العمامة وقاية بينه وبين الأرض إلا من حاجة، مثل: أن تكون الأرض صلبة جدا، أو فيه حجارة تؤذيه، أو شوك ففي هذه الحال لا بأس أن يتقي الأرض بما هو متصل به من عمامة، أو ثوب لقول أنس بن مالك رضي الله عنه: (كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم في شدة الحر فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه) . فهذا دليل على أن الأولى أن تباشر الجبهة مكان السجود، وأنه لا بأس أن يتقي الإنسان الأرض بشيء متصل به من ثوب، أو عمامة إذا كان محتاجا لذلك لحرارة الأرض، أو لبرودتها، أو لشدتها، إلا أنه يجب أن يلاحظ أنه لابد أن يضع أنفه على الأرض في هذه الحال، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة وأشار بيده إلى أنفه، والكفين، والركبتين، وأطراف القدمين) " انتهى.
"فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (13/ سؤال رقم 519) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/981)
متى يجوز للإنسان أن يصلي قاعدا في الفريضة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يشترط لرخصة الجلوس أثناء الصلاة عدم القدرة التامة على القيام أو العجز التام عن القيام؟ أم يجوز أيضا الرخصة لصاحب المقدرة على القيام لكن مع احتمالية أن يتبعها أذى؟ وما هو حدود العجز المرخص معه الجلوس أثناء الصلاة وعدم القيام دون أن يترتب على ذلك ذنب أو إثم أو عقاب؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
القيام في صلاة الفرض ركن لابد منه، ولا يجوز لأحد أن يصلي قاعدا إلا عند عجزه عن القيام، أو في حال كون القيام يشق عليه مشقة شديدة، أو كان به مرض يخاف زيادته لو صلى قائما.
فيدخل فيما ذكرنا: المُقْعَد الذي لا يستطيع القيام مطلقا، وكبير السن الذي يشق عليه القيام، والمريض الذي يضره القيام بزيادة المرض أو تأخر الشفاء.
والأصل في ذلك ما رواه البخاري (1050) عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّلَاةِ، فَقَالَ: (صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ) .
قال ابن قدامة رحمه الله: " قال: (والمريض إذا كان القيام يزيد في مرضه صلى قاعدا) أجمع أهل العلم على أن من لا يطيق القيام له أن يصلي جالسا. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين: (صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب) . رواه البخاري وأبو داود والنسائي وزاد: (فإن لم تستطع فمستلقيا، لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) . وروى أنس رضي الله عنه قال: سقط رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فرس فخُدِش أو جُحش شقه الأيمن فدخلنا عليه نعوده، فحضرت الصلاة فصلى قاعدا، وصلينا خلفه قعودا. متفق عليه.
وإن أمكنه القيام إلا أنه يخشى زيادة مرضه به، أو تباطؤ برئه (أي شفائه) ، أو يشق عليه مشقة شديدة، فله أن يصلي قاعدا. ونحو هذا قال مالك وإسحاق. وقال ميمون بن مهران: إذا لم يستطع أن يقوم لدُنياه , فليصل جالسا. وحكي عن أحمد نحو ذلك "
أي من كان يستطيع القيام لمصالحه الدنيوية، فيلزمه أن يصلي قائما ولا يجوز له القعود.
ثم قال ابن قدامة رحمه الله: " ولنا قول الله تعالى: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) . وتكليف القيام في هذه الحال حرج؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى جالسا لما جُحِش (أي جُرح) شقه الأيمن، والظاهر أنه لم يكن يعجز عن القيام بالكلية، لكن لما شق عليه القيام سقط عنه، فكذلك تسقط عن غيره ... وإن قدر على القيام، بأن يتكئ على عصى، أو يستند إلى حائط، أو يعتمد على أحد جانبيه: لزمه؛ لأنه قادر على القيام من غير ضرر، فلزمه، كما لو قدر بغير هذه الأشياء " انتهى من "المغني" (1/443) .
وقال النووي رحمه الله: " أجمعت الأمة على أن من عجز عن القيام في الفريضة صلاها قاعدا ولا إعادة عليه , قال أصحابنا: ولا ينقص ثوابه عن ثوابه في حال القيام , لأنه معذور , وقد ثبت في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحا مقيما) . قال أصحابنا: ولا يشترط في العجز أن لا يتأتّى القيام، ولا يكفي أدنى مشقة، بل المعتبر المشقة الظاهرة، فإذا خاف مشقة شديدة أو زيادة مرض أو نحو ذلك أو خاف راكب السفينة الغرق أو دوران الرأس صلى قاعدا ولا إعادة " انتهى من "المجموع" (4/201) .
وبين الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ضابط المشقة التي تبيح ترك القيام في الفرض، وصفة الجلوس، فقال: " الضابط للمشقة: ما زال به الخشوع؛ والخشوع هو: حضور القلب والطمأنينة، فإذا كان إذا قام قلق قلقا عظيما ولم يطمئن، وتجده يتمنى أن يصل إلى آخر الفاتحة ليركع من شدة تحمله، فهذا قد شق عليه القيام فيصلي قاعدا.
ومثل ذلك الخائف فإنه لا يستطيع أن يصلي قائما، كما لو كان يصلي خلف جدار وحوله عدو يرقبه، فإن قام تبين من وراء الجدار، وإن جلس اختفى بالجدار عن عدوه، فهنا نقول له: صل جالسا.
ويدل لهذا قوله تعالى: (فإن خفتم فرجالا أو ركبانا) البقرة/ 239، فأسقط الله عن الخائف الركوع والسجود والقعود، فكذلك القيام إذا كان خائفا.
ولكن؛ كيف يجلس؟
يجلس متربعا على أليتيه، يكف ساقيه إلى فخذيه ويسمى هذا الجلوس تربعا؛ لأن الساق والفخذ في اليمنى، والساق والفخذ في اليسرى كلها ظاهرة، لأن الافتراش تختفي فيه الساق في الفخذ، وأما التربع فتظهر كل الأعضاء الأربعة.
وهل التربع واجب؟
لا، التربع سنة، فلو صلى مفترشا، فلا بأس، ولو صلى محتبيا فلا بأس؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (فإن لم تستطع فقاعدا) ولم يبين كيفية قعوده. فإذا قال إنسان: هل هناك دليل على أنه يصلي متربعا؟
فالجواب: نعم؛ قالت عائشة: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي متربعا) ، ولأن التربع في الغالب أكثر طمأنينة وارتياحا من الافتراش، ومن المعلوم أن القيام يحتاج إلى قراءة طويلة أطول من قول: (رب اغفر لي وارحمني) فلذلك كان التربع فيه أولى؛ ولأجل فائدة أخرى وهي التفريق بين قعود القيام والقعود الذي في محله، لأننا لو قلنا يفترش في حال القيام لم يكن هناك فرق بين الجلوس في محله وبين الجلوس البدلي الذي يكون بدل القيام.
وإذا كان في حال الركوع قال بعضهم: إنه يكون مفترشا، والصحيح: أنه يكون متربعا؛ لأن الراكع قائم قد نصب ساقيه وفخذيه، وليس فيه إلا انحناء الظهر فنقول: هذا المتربع يبقى متربعا ويركع وهو متربع، وهذا هو الصحيح في هذه المسألة " انتهى من "الشرح الممتع" (4/461) .
ثانيا:
أما صلاة النافلة، فيجوز القعود فيها من غير عذر، إجماعا، لكن أجر القاعد حينئذ على النصف من أجر القائم؛ لما روى مسلم (1214) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه قَالَ: حُدِّثْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (صَلاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا نِصْفُ الصَّلاةِ. قَالَ: فَأَتَيْتُهُ، فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي جَالِسًا، فَوَضَعْتُ يَدِي عَلَى رَأْسِهِ، فَقَالَ: مَا لَكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو؟! قُلْتُ: حُدِّثْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَّكَ قُلْتَ: صَلاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا عَلَى نِصْفِ الصَّلاةِ، وَأَنْتَ تُصَلِّي قَاعِدًا! قَالَ: أَجَلْ، وَلَكِنِّي لَسْتُ كَأَحَدٍ مِنْكُمْ) .
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: " معناه أن صلاة القاعد فيها نصف ثواب القائم، فيتضمن صحتها ونقصان أجرها. وهذا الحديث محمول على صلاة النفل قاعدا مع القدرة على القيام، فهذا له نصف ثواب القائم. وأما إذا صلى النفل قاعدا لعجزه عن القيام فلا ينقص ثوابه بل يكون كثوابه قائما. وأما الفرض فإن صلاه قاعدا مع قدرته على القيام لم يصح فلا يكون فيه ثواب بل يأثم به.
قال أصحابنا (الشافعية) : وان استحله كفر وجرت عليه أحكام المرتدين كما لو استحل الزنى والربا أو غيره من المحرمات الشائعة التحريم.
وإن صلى الفرض قاعدا لعجزه عن القيام أو مضطجعا لعجزه عن القيام والقعود، فثوابه كثوابه قائما، لم ينقص باتفاق أصحابنا، فيتعين حمل الحديث في تنصيف الثواب على من صلى النفل قاعدا مع قدرته على القيام. هذا تفصيل مذهبنا وبه قال الجمهور في تفسير هذا الحديث ".
وقال: " وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (لست كأحد منكم) فهو عند أصحابنا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، فجُعلت نافلته قاعدا مع القدرة على القيام كنافلته قائما تشريفا له، كما خص بأشياء معروفة في كتب أصحابنا وغيرهم، وقد استقصيتها في أول كتاب تهذيب الأسماء واللغات " انتهى من "شرح صحيح مسلم" (6/14) .
والله أعلم.
وانظر جواب السؤال (50180) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/982)
استشكل قضاء ركعتين لمسبوق بتشهدين
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا ممن منَّ الله عليهم بالهداية في هذا الشهر الفضيل، وقد أقلعت عن العديد من العادات والطباع السيئة وبدأت الالتزام بديني الحنيف إلا أنني أواجه بعض الأمور التي أجهلها وهي من صميم الدين، فسؤالي يتعلق بالصلاة، فحسب علمي أن المصلي يقضي ما فاته من الركعات بعد تسليم الإمام، إلا أني ألاحظ أن بعض المصلين ممن فاتهم نفس عدد الركعات يقضونها بشكل مختلف كأنَّ الركعتين بتشهدين، بينما أقضيها بتشهد واحد حسب علمي، أرجو التوضيح.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نحمد الله تعالى أن هداك ووفقك لما خير دنياك وآخرتك، ونسأله تعالى أن يثيبك ويثبتك، ونعمة الهداية أعظم النعم، ولا بدَّ لك من شكرها، ومن شكرها أن تبقى على ما أنت عليه من توفيق وهداية وخير، وأن تبقى مبتعداً عن كل سوء وشر.
واعلم أن العلم نور، ويمكنك أن تنظر في موقعنا هذا في بعض الأجوبة المتعلقة بالعلم لترى ما فيها من وصايا ونصائح ودلالة على كتب يمكنك الاستفادة منها.
ثانياً:
وما رأيتَه من بعض إخوانك المصلين من أنهم يقضون ركعتين فائتتين بتشهدين أمرٌ غير مستغرب في بعض الصور. وبيان ذلك: أن المسبوق (وهو الذي فاته بعض الصلاة مع الإمام) إذا سلم الإمام من صلاته قام المسبوق ليتم صلاته، فيكون ما أدركه مع الإمام أول صلاته، ويتم عليه الصلاة، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا أَتَيْتُمْ الصَّلاةَ فَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا) رواه البخاري (635) ومسلم (603) .
فمثلاً:
من فاته الركعة الأولى مع الإمام من صلاة المغرب، ودخل معه في الركعة الثانية، فإن هذه الركعة الثانية للإمام هي الأولى لهذا المسبوق، فإذا أتم الإمام الصلاة وانصرف منها، قام هذا المسبوق وأتى بالركعة الباقية من صلاته بالفاتحة فقط، وجلس للتشهد وسلم.
ومن دخل مع الإمام في الركعة الثالثة من المغرب فإنها تكون الأولى له، فإذا سلم الإمام قام ليأتي بما بقي من صلاته، فيأتي بركعة بالفاتحة وسورة وتكون هذه هي الثانية من صلاته فيجلس بعدها للتشهد الأول، ثم يقوم ليأتي بالركعة الثالثة بالفاتحة فقط ثم يجلس للتشهد الأخير ويسلم. . . وهكذا.
وانظر السؤال: (49037) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/983)
نسي إمامهم سجدة وسلَّم فأعاد ركعة وبعضهم لم يُعد
[السُّؤَالُ]
ـ[في صلاة العشاء صلى بنا الإمام، ولم يكن الإمام الرسمي، وفي آخر ركعة لم يسجد السجدة الأخيرة، وسلَّم دون أن ينتبه أو يذكره أحد المصلين، وبعد دقائق جاءه أحد المصلين وذكَّره بذلك فنهض مباشرة، وقال: نعيد الركعة الأخيرة لأجل يأتي بالسجدة التي نسيها، فهل هذا صحيح؟ وإذا كان غير ذلك: فما هو الصحيح؟ وما حكم من لم يأت معهم بالسجدة الأخيرة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إذا سها الإمام في صلاته فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم المأمومين أن يذكِّروه فقال: (إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي) رواه البخاري (401) ، فكان على جماعة المسجد أن يُسَبِّحوا للإمام حتى يتنبه ويأتي بالسجدة التي نسيها.
ثانياً:
السجدة الأولى والثانية كلتاهما ركن من أركان الصلاة، لا تصح الصلاة إلا بهما، ومن تعمد تركهما أو ترك واحدة منهما أثم، وبطلت صلاته، ومن نسيهما أو نسي واحدة منهما: فيجب عليه إذا تذكر الإتيان بما نسيه إماماً أو مأموماً أو منفرداً، ومن لم يفعل: لم تصحَّ صلاته.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
الأركان واجبة وأوكد من الواجبات، لكن تختلف عنها في أن الأركان لا تسقط بالسَّهْوِ، والواجبات تسقط بالسَّهْوِ، ويجبرها سُجودُ السَّهْوِ، بخلاف الأركان؛ ولهذا من نسيَ رُكناً لم تصحَّ صلاته إلا به. " الشرح الممتع " (3 / 315) .
وقال:
والدليل على أن الأركان لا تنجبر بسجود السَّهو: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لما سَلَّم مِن ركعتين مِن صلاة الظُّهر أو العصر أتمَّها وأتى بما تَرَكَ وسَجَدَ للسَّهو، فدلَّ هذا على أنَّ الأركان لا تسقط بالسَّهو، ولا بُدَّ مِن الإِتيان بها. " الشرح الممتع " (3 / 323) .
وأما ما فعله إمامكم من إعادة الركعة الأخيرة كاملة بعد تذكيره: فهو أحد القولين في المسألة وهو أن من ترك ركناً من الركعة الأخيرة ولم يعلم إلا بعد التسليم فإنه يأتي بركعة كاملة. وهو مذهب الإمام أحمد رحمه الله، وانظر المغني (1/658) .
وقد اختار هذا القول الشيخ ابن باز رحمه الله، فإنه سئل عن إمام نسي السجدة الأخيرة من صلاة العصر، فقام وصلى ركعة كاملة وتشهد وسلم ثم سجد للسهو , فقال: (هذا هو المشروع، إذا نسي الإمام سجدة وسلم ثم ذكر أو نبه، يقوم ويأتي بركعة ثم يكمل ثم يسلم ثم يسجد سجود السهو بعد السلام وهو أفضل، وهكذا المنفرد حكمه حكمه. وإن سجد للسهو قبل السلام فلا بأس ولكن بعده أفضل) مجموع فتاوى ابن باز (11/277) .
والقول الثاني في المسألة أنه لا يلزمه الإتيان بركعة كاملة وإنما يأتي بالركن الذي نسيه وبما بعده. وهو مذهب الإمام الشافعي رحمه الله. انظر المجموع (4/33) وقد اختاره الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. وانظر شرح الممتع (3/374) .
والحاصل أن صلاة الإمام، وصلاة من أكملوا معه الصلاة صحيحة.
وأما من لم يتم صلاته ولم يأت بالسجدة التي تركها فصلاته غير صحيحة، والواجب عليهم إعادتها.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/984)
بم تدرك الركعة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا التحقت بالجماعة متأخراً والإمام راكع وركعت معه فهل تحتسب هذه الركعة مع أنني لم أقرأ سورة الفاتحة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من أدرك الإمام راكعا، فركع معه، حسبت له ركعة، في قول جمهور العلماء، ولو لم يقرأ الفاتحة. ويدل على ذلك ما رواه البخاري (750) عن أبي بكرة أنه: انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع فركع قبل أن يصل إلى الصف فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: " زادك الله حرصا ولا تعد ".
وصح عن ابن مسعود رضي الله عنه قوله: " من لم يدرك الإمام راكعا لم يدرك تلك الركعة " أخرجه البيهقي، وصححه الألباني في إرواء الغليل 2/262
وقال ابن عمر: " من أدرك الإمام راكعا، فركع قبل أن يرفع الإمام رأسه، فقد أدرك تلك الركعة " أخرجه البيهقي وصححه الألباني في المصدر السابق 2/263
وجاء نحو ذلك عن أبي بكر الصديق وزيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير (انظر إرواء الغليل 2/264) .
قال النووي رحمه الله في (المجموع 4/112) : (وهذا الذي ذكرناه من إدراك الركعة بإدراك الركوع هو الصواب الذي نص عليه الشافعي , وقاله جماهير الأصحاب وجماهير العلماء , وتظاهرت به الأحاديث وأطبق عليه الناس , وفيه وجه ضعيف مزيف أنه لا يدرك الركعة بذلك ... ) اهـ.
وقال في عون المعبود (3/102) (واعلم أنه ذهب الجمهور من الأئمة إلى أن من أدرك الإمام راكعا دخل معه واعتد بتلك الركعة وإن لم يدرك شيئا من القراءة. وذهب جماعة إلى أن من أدرك الإمام راكعا لم تحسب له تلك الركعة وهو قول أبي هريرة، وحكاه البخاري في القراءة خلف الإمام عن كل من ذهب إلى وجوب القراءة خلف الإمام، واختاره ابن خزيمة والصبغي وغيرهما من محدثي الشافعية، وقواه الشيخ تقي الدين السبكي من المتأخرين ورجحه المقبلي) انتهى.
والراجح هو مذهب الجمهور لما سبق من الحديث والآثار.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/985)
كيف تصلى صلاة النهار الرباعية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[عن صلاة النافلة التي قبل الظهر وقبل العصر، هل تصلى بأربع ركعات وتسليمة واحدة أم كل ركعتين بتسليمة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ذهب جمهور العلماء إلى أن الأفضل في نافلة الليل والنهار أن تصلى ركعتين ركعتين، بل ذهب بعض العلماء كالإمام أحمد إلى وجوب ذلك، وأنها لا تصح إذا صلاها أكثر من ركعتين بتسليم واحد، إلا الوتر لورود السنة الصحيحة بذلك.
وقد استدلوا على هذا بحديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " صلاة الليل والنهار مثنى مثنى ". رواه الترمذي (597) وأبو داود (1295) والنسائي (1666) وابن ماجه (1322) . والحديث صححه الشيخ الألباني في " تمام المنَّة " (ص 240) .
ومعنى (مثنى مثنى) أي: ركعتين ركعتين. كذا فسره ابن عمر رضي الله عنهما
ففي صحيح مسلم عن عقبة بن حريث قال: قلت لابن عمر: ما معني مثنى مثنى؟ قال: تسلم من كل ركعتين.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين:
قوله: " مثنى مثنى " يعني: اثنتين اثنتين فلا يُصلِّي أربعاً جميعاً، وإنما يُصلِّي اثنتين اثنتين، لما ثبت في " صحيح البخاري ومسلم " مِن حديث ابن عُمرَ أنَّ رَجُلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما ترى في صلاةِ اللَّيلِ؟ قال: " مَثْنى مَثْنى، فإذا خَشِيَ أحدُكم الصّبحَ صَلَّى واحدةً فأوترت له ما قد صَلَّى ".
وأما " النَّهار ": فقد رواه أهل السُّنَن، واختلف العلماءُ في تصحيحه:
والصَّحيح: أنَّه ثابتٌ كما صَحَّح ذلك البخاريُّ، وعلى هذا: فتكون صلاةُ الليلِ وصلاةُ النَّهارِ كلتاهما مَثْنى مَثْنى يُسَلِّمُ مِن كُلِّ اثنتين، ويُبْنَى على هذه القاعدة كُلُّ حديثٍ وَرَدَ بلفظ الأربع مِن غير أن يُصرِّحَ فيه بنفي التَّسليم، أي: أنَّه إذا جاءك حديثٌ فيه أربع؛ ولم يُصرِّحْ بنفي التَّسليم: فإنه يجب أنْ يُحملَ على أنَّه يُسَلِّمُ مِن كُلِّ رَكعتين، لأنَّ هذه هي القاعدة، والقاعدةُ تُحْمَلُ الجزئيات عليها، فقول عائشة لما سُئلت عن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان: " ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة، يُصَلِّي أربعاً، فلا تسأل عن حُسنِهِنَّ وطُولِهِنَّ "، ظاهره: أنَّ الأربع بسلام واحد، ولكن يُحمل هذا الظَّاهر على القاعدة العامَّة، وهي أنَّ صلاة الليل مَثْنى مَثْنى، كما ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويُقال: إنها ذكرتْ أربعاً وحدها، ثم أربعاً وحدها؛ لأنَّه صَلَّى أربعاً ثم استراح، بدليل " ثم " التي للترتيب والمهلة.
" الشرح الممتع " (4 / 76، 77) .
وحديث ابن عمر بوَّب عليه ابن خزيمة - في صحيحه (2 / 214) - بقوله " باب التسليم في كل ركعتين من صلاة التطوع صلاة الليل والنهار جميعا "، وأعقبه بباب " باب ذكر الأخبار المنصوصة والدالة على خلاف قول من زعم أن تطوع النهار أربعاً لا مثنى " - وساق أدلة كثيرة على أن تطوع النهار ركعتين ركعتين -.
ويحمل حديث " رحم الله من صلى قبل العصر أربعاً " على ما سبق من كونها ركعتين ركعتين.
قال ابن حبان:
وقوله صلى الله عليه وسلم " أربعا ": أراد به: بتسليمتين؛ لأن في خبر يعلى بن عطاء عن علي بن عبد الله الأزدي عن ابن عمر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم " صلاة الليل والنهار مثنى مثنى ". " صحيح ابن حبان " (6 / 206) ، وقال مثل هذا - في (6 / 231) - في الأربع التي بعد صلاة الجمعة.
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله:
" المشروع للمسلم أن يصلي النافلة مثنى مثنى ليلاً ونهاراً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم " صلاة الليل مثنى مثنى) متفق على صحته، وفي رواية صحيحة: (صلاة الليل والنهار مثنى مثنى) خرجها الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح
مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (11/390)
وانظر جواب السؤال رقم (1048) لمعرفة تفصيل صلوات الرواتب.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/986)
صفة وضع اليدين على الصدر في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف يضع المصلي يده اليمنى على اليسرى في الصلاة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لوضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة صفتان:
الأولى: أن يضع كفه اليمنى على كفه اليسرى والرسغ والساعد.
روى أبو داود (726) والنسائي (889) عن وَائِل بْن حُجْرٍ أنه قال: قُلْتُ: لأَنْظُرَنَّ إِلَى صَلاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ يُصَلِّي، فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ فَقَامَ فَكَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى حَاذَتَا بِأُذُنَيْهِ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى ظَهْرِ كَفِّهِ الْيُسْرَى وَالرُّسْغِ وَالسَّاعِدِ. . . إلخ الحديث.
صححه الألباني في صحيح أبي داود.
قال السندي في حاشية النسائي:
(ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى ظَهْرِ كَفِّهِ الْيُسْرَى وَالرُّسْغِ وَالسَّاعِدِ)
" (الرُّسْغ) هُوَ مَفْصِل بَيْن الْكَفّ وَالسَّاعِد، وَالْمُرَاد أَنَّهُ وَضَعَ بِحَيْثُ صَارَ وَسَط كَفّه الْيُمْنَى عَلَى الرُّسْغ، وَيَلْزَم مِنْهُ أَنْ يَكُون بَعْضهَا عَلَى الْكَفّ الْيُسْرَى، وَالْبَعْض عَلَى السَّاعِد " انتهى.
الثانية: أن يقبض بيده اليمنى على اليسرى
روى النسائي (887) عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ رضي الله عنه قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ قَائِمًا فِي الصَّلاةِ قَبَضَ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ. صححه الألباني في صحيح النسائي.
قال الألباني رحمه الله في "صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم" (ص 68) :
" وكان يضع اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد، وأمر بذلك أصحابه، وكان أحياناً يقبض باليمنى على اليسرى، وكان يضعهما على الصدر " انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/987)
يريد الأدلة على الذكر الذي يقوله في الركوع والسجود
[السُّؤَالُ]
ـ[ما الدليل على أنه يمكننا قول " سبحان ربي العظيم " في الركوع، و " سبحان ربي الأعلى وبحمده " في السجود؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأذكار الواردة في الركوع والسجود وردت على ثلاثة أوجه:
الأول: منها ما هو مشترك، يقال في الركوع والسجود.
الثاني: ومنها ما هو خاص بالركوع.
الثالث: ومنها ما هو خاص بالسجود.
فأما الأذكار المشتركة بينهما، فمنها:
قول " سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي "
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي. رواه البخاري (761) ومسلم (484) .
ومن المشترك – أيضاً -: قول " سبوح قدوس رب الملائكة والروح ".
عن عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلائِكَةِ وَالرُّوحِ. رواه مسلم (487) .
ومن المشترك – كذلك -: قول " سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة ".
عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ قَالَ: قُمْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً فَقَامَ فَقَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، لا يَمُرُّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ إِلا وَقَفَ فَسَأَلَ، وَلا يَمُرُّ بِآيَةِ عَذَابٍ إِلا وَقَفَ فَتَعَوَّذَ، قَالَ: ثُمَّ رَكَعَ بِقَدْرِ قِيَامِهِ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ: سُبْحَانَ ذِي الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ، ثُمَّ سَجَدَ بِقَدْرِ قِيَامِهِ، ثُمَّ قَالَ فِي سُجُودِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ بِآلِ عِمْرَانَ ثُمَّ قَرَأَ سُورَةً سُورَةً.
رواه النسائي (1132) وأبو داود (873) . والحديث: صححه الشيخ الألباني في صحيح أبي داود.
ومن الأذكار الخاصة بالركوع: قول " سبحان ربي العظيم ".
عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ، فَقُلْتُ: يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ، ثُمَّ مَضَى، فَقُلْتُ: يُصَلِّي بِهَا فِي رَكْعَةٍ، فَمَضَى، فَقُلْتُ: يَرْكَعُ بِهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ، فَقَرَأَهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا، يَقْرَأُ مُتَرَسِّلا، إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ، وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ، وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ، ثُمَّ رَكَعَ، فَجَعَلَ يَقُولُ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ، فَكَانَ رُكُوعُهُ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، ثُمَّ قَامَ طَوِيلا قَرِيبًا مِمَّا رَكَعَ، ثُمَّ سَجَدَ فَقَالَ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى، فَكَانَ سُجُودُهُ قَرِيبًا مِنْ قِيَامِهِ. رواه مسلم (772) .
ومن الأذكار الخاصة بالسجود قول: " سبحان ربي الأعلى ".
سبق في حديث حذيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في سجوده: (سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى) .
وروى أبو داود (869) عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَكَعَ قَالَ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ ثَلاثًا، وَإِذَا سَجَدَ قَالَ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى وَبِحَمْدِهِ ثَلاثًا.
وهذه الزيادة: (وبحمده) قد اختلف أهل العلم في تصحيحها وتضعيفها، أما راويها أبو داود فقد قال: وهذه الزيادة نخاف أن لا تكون محفوظة، انفرد أهل مصر بإسنادها.
وكان الشيخ الألباني قد صححها في " صفة الصلاة " (ص 146) ثم تراجع وضعفها في " ضعيف سنن أبي داود " (1 / 338 – 340) .
وردها ابن الصلاح وغيره كما في " التلخيص الحبير " (1 / 243) .
وذكر ابن قدامة في " المغني " (1 / 297) عن الإمام أحمد روايتين رواية بقبولها وأخرى بعدم قبولها، وقد وجَّه رواية عدم القبول بأن الحديث بدون الزيادة أكثر وأشهر.
وَقَدْ سُئِلَ أَحْمَد بْن حَنْبَل عَنْهُ فِيمَا حَكَاهُ اِبْن الْمُنْذِر فَقَالَ: أَمَّا أَنَا فَلا أَقُول بِحَمْدِهِ.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/988)
هل يوجد فرق بين الرجال والنساء في هيئة السجود؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يوجد فرق بين الرجل والمرأة في هيئة السجود؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ذهب بعض العلماء إلى وجود فروق بين الرجل والمرأة في هيئة الصلاة، واستدلوا على ذلك بعدة أحاديث، غير أنها كلها ضعيفة لا يصح الاستدلال بها.
انظر إجابة السؤال رقم (9276) لكن الصواب أنه لا يوجد فرق بين المرأة والرجل في هيئة الصلاة.
قال الشيخ محمد بن عثيمين في معرض رده على قول الفقهاء: المرأة لا تجافي بل تضم نفسها، فإذا سجدت تجعل بطنها على فخذيها، وفخذيها على ساقيها ... لأن المرأة ينبغي لها الستر، وضمها نفسها أستر لها مما لو جافت. قال رحمه الله:
والجواب على هذا من وجوه:
أولاً: أن هذه العلة لا يمكن أن تقاوم عموم النصوص الدالة على أن المرأة كالرجل في الأحكام، لاسيما وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي) فإن هذا الخطاب عامّ لجميع الرجال والنساء.
ثانياً: ينتقض هذا فيما لو صلت وحدها، والغالب والمشروع للمرأة أن تصلي وحدها في بيتها بدون حضرة الرجال، وحينئذ لا حاجة إلى الانضمام ما دام لا يشهدها رجال.
ثالثاً: أنتم تقولون إنها ترفع يديها، ورفع اليدين أقرب إلى التكشف من المجافاة، ومع ذلك تقولون يسنّ لها رفع اليدين، لأن الأصل تساوي الرجال والنساء في الأحكام.
والقول الراجح:
أن المرأة تصنع كما يصنع الرجال في كل شيء فترفع وتجافي، وتمد الظهر في حال الركوع، وترفع بطنها عن الفخذين، والفخذين عن الساقين في حال السجود ... وتفترش في الجلوس بين السجدتين، وفي التشهد الأول، وفي التشهد الأخير في صلاة ليس فيها إلا تشهد واحد، وتتورك في التشهد الأخير في الثلاثية والرباعية..
إذاً لا يُستثنى من هذا شيء بالنسبة للمرأة. " الشرح الممتع " 3/303،304
وقال الشيخ الألباني رحمه الله – في نهاية كتابه " صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم " -:
كل ما تقدم من صفة صلاته صلى الله عليه وسلم يستوي فيه الرجال والنساء، ولم يرد في السنة ما يقتضي استثناء النساء من بعض ذلك، بل إن عموم قوله صلى الله عليه وسلم " صلوا كما رأيتموني أصلي " يشملهن. " صفة الصلاة " (ص 189) .
وعلى فرض أن المرأة صلت في مكان عام قد يشاهدها فيه الرجال كالحرم المكي، أو حديقة عامة – إذا احتاجت – فإنها تحذر من كل فعل يؤدي إلى الانكشاف، وتحتاط في هذه الحال بما لا تفعله عادة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/989)
لم تصل على النبي في التشهد فهل صلاتها باطلة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأة صلت بالمسجد الحرام صلاة الجمعة وكانت تظن أن الجمعة أربع ركعات فقرأت في جلسة التشهد الأخير التشهد الأول وسكتت تنتظر الإمام أن يقوم ثم سلم الإمام وسلمت معه فهل تعيد صلاتها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اختلف العلماء في حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد، فذهب الحنابلة إلى ركنية الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وذهب الشافعية وهو رواية عن أحمد إلى وجوب ذلك، وقال الحنفية والمالكية بسنيتها.
وليس هناك دليل صحيح وصريح على ركنية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد، كما أن حديث أبي مسعود الأنصاري وفيه: (أمرنا الله تعالى أن نصلي عليك يا رسول الله فكيف نصلي عليك؟) رواه مسلم 405، ليس فيه دليل على وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد، لأنهم سألوه عن الكيفية، ولم يسألوه عن كيفيه ذلك في الصلاة.
ولهذا استدل على سنية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد بحديث أبي هريرة مرفوعا: (إذا فرغ أحدكم من التشهد الآخر فليتعوذ بالله من أربع من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن شر المسيح الدجال) رواه مسلم 588
وبناء على ما سبق، فغاية ما تركته هذه المرأة أن يكون واجبا على أن القول بالسنية قوي، لكن لأنها أدركت الصلاة كلها مع الإمام، فإن الإمام يتحمل عنها هذا النقص، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/990)
هل نقول في التشهد " السلام عليك أيها النبي " أم " السلام على النبي "؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أنه بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم: أن من قال في التشهد " السلام عليك أيها النبي "، أن ذلك فيه مخافة الشرك؟ وأنه علينا أن نقول " السلام على النبي "؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سئل علماء اللجنة الدائمة:
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفي بين كفيه التشهد، كما يعلمني السورة من القرآن: التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ... الخ وهو بين ظهرانينا، فلما قبض قلنا: السلام على النبي صلى الله عليه وسلم.
فكثير من الناس يقولون هذه الصيغة الأخيرة ويأمرون بها.
فأجابوا:
صفة التشهد الذي كان يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاته ويأمر أصحابه بها هي ما أخرجه الشيخان في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كفي بين كفيه كما يعلمني السورة من القرآن " التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله " وهذا هو الأصح لأن النبي صلى الله عليه وسلم علَّمه أصحابه ولم يقل " إذا مت فقولوا السلام على النبي ... ".
وسئلوا – أيضاً -:
في التشهد هل يقول الإنسان " السلام عليك أيها النبي " أم يقول " السلام على النبي " لأن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: " كنا نقول قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم " السلام عليك أيها النبي " وبعد موته صلى الله عليه وسلم كنا نقول " السلام على النبي "؟ .
فأجابوا:
الصحيح أن يقول المصلي في التشهد السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته؛ لأن هذا هو الثابت في الأحاديث، وأما ما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه في ذلك- إن صح عنه - فهو اجتهاد من فاعله لا يعارض به الأحاديث الثابتة، ولو كان الحكم يختلف بعد وفاته عنه في حياته لبينه لهم صلى الله عليه وسلم.
" فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " (7 / 11 - 13) .
وقد بيَّن الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – المسألة أعظم توضيح، وردَّ فيه على شبهة من ادعى أن الصيغة الشرعية هي من باب نداء الغائب فقال:
وقوله: " السلام عليك " هل هو خَبَرٌ أو دعاءٌ؟ يعني: هل أنت تخبر بأن الرسولَ مُسَلَّمٌ، أو تدعو بأن الله يُسلِّمُه؟ .
الجواب: هو دُعاءٌ تدعو بأنَّ الله يُسلِّمُه، فهو خَبَرٌ بمعنى الدُّعاء.
ثم هل هذا خطاب للرَّسول عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ كخطابِ النَّاسِ بعضهم بعضاً؟ .
الجواب: لا، لو كان كذلك لبطلت الصَّلاة به؛ لأن هذه الصلاة لا يصحُّ فيها شيء من كلام الآدميين؛ ولأنَّه لو كان كذلك لجَهَرَ به الصَّحابةُ حتى يَسمعَ النبي صلى الله عليه وسلم، ولردَّ عليهم السَّلام كما كان كذلك عند ملاقاتِهم إيَّاه، ولكن كما قال شيخ الإسلام في كتاب " اقتضاء الصراط المستقيم ": لقوَّة استحضارك للرسول عليه الصَّلاةُ والسَّلام حين السَّلامِ عليه، كأنه أمامك تخاطبه.
ولهذا كان الصَّحابةُ يقولون: السلام عليك، وهو لا يسمعهم، ويقولون: السلام عليك، وهم في بلد وهو في بلد آخر، ونحن نقول: السلام عليك، ونحن في بلد غير بلده، وفي عصر غير عصره.
وأمّا ما وَرَدَ في " صحيح البخاري " عن عبد الله بن مسعود أنهم كانوا يقولون بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم: " السَّلامُ على النَّبيِّ ورحمة الله وبركاته " فهذا مِن اجتهاداتِه – رضي الله عنه - التي خالَفه فيها مَنْ هو أعلمُ منه؛ عُمرُ بن الخطَّاب، فإنه خَطَبَ النَّاسَ على مِنبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال في التشهُّد ِ: " السَّلامُ عليك أيُّها النبيُّ ورحمة الله " كما رواه مالك في " الموطأ " بسَنَدٍ من أصحِّ الأسانيد، وقاله عُمرُ بمحضر الصَّحابة وأقرُّوه على ذلك.
ثم إن الرَّسولَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ علَّمه أمَّته، حتى إنه كان يُعَلِّم ابنَ مسعود، وكَفُّه بين كفَّيه من أجل أن يستحضر هذا اللَّفظَ، وكان يُعلِّمُهم إيَّاه كما يُعلِّمُهم السُّورة من القرآن، وهو يعلَم أنه سيموت؛ لأن الله قال له: (إنك ميت وإنهم ميتون) الزمر / 30، ولم يقلْ: بعد موتي قولوا: السَّلامُ على النَّبيِّ، بل عَلَّمَهم التشهُّدَ كما يُعلِّمُهم السُّورةَ من القرآن بلفظها، ولذلك لا يُعَوَّلُ على اجتهاد ابن مسعود، بل يُقال: " السَّلامُ عليك أيُّها النبيُّ ".
" الشرح الممتع " (3 / 150، 151) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/991)
إذا لم يسجد على الأعضاء السبعة جميعها بطلت صلاته
[السُّؤَالُ]
ـ[يُشاهد بعض المصلين أنه في أثناء سجوده يرفع إحدى قدميه أو كليهما، فما حكم هذا الفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب على الساجد أن يسجد على الأعضاء السبعة التي أمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالسجود عليها، وهي الوجه، ويشمل (الجبهة والأنف) ، والكفان والركبتان، وأطراف القدمين. اهـ.
قال النووي: لَوْ أَخَلَّ بِعُضْوٍ مِنْهَا لَمْ تَصِحّ صَلاته. اهـ من شرح مسلم.
وقال الشيخ ابن عثيمين:
" لا يجوز للساجد أن يرفع شيئاً من أعضائه السبعة. لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ عَلَى الْجَبْهَةِ وَأَشَارَ بِيَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ) رواه البخاري (812) ومسلم (490) ، فإن رفع رجليه أو إحداهما، أو يديه أو إحداهما، أو جبهته أو أنفه أو كليهما، فإن سجوده يبطل ولا يعتد به، وإذا بطل سجوده فإن صلاته تبطل.
لقاءات الباب المفتوح للشيخ ابن عثيمين (2/99) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/992)
رفع اليدين في القنوت
[السُّؤَالُ]
ـ[ترديد المؤمنين كلمات: حقا - نشهد - وأحيانا يا الله، بعد دعاء الإمام في القنوت هل هو جائز شرعاً وهل يجوز رفع اليدين في القنوت للفجر أو الوتر، وهل يجوز رفع اليدين والتكبير جهراً وراء الإمام في كل تكبيرة في صلاة الجنازة وكذا في التكبيرات السبع والخمس في صلاة العيدين؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يشرع التأمين على الدعاء في القنوت، وعند الثناء على الله سبحانه يكفيه السكوت وإن قال سبحانك أوسبحانه فلا بأس، ويرفع يديه في دعاء القنوت وتكبيرات الجنازة والعيدين، لأنه قد ورد ما يدل على ذلك.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 7/53.(5/993)
ماذا ينوي المصلِّي بالسلام من الصلاة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما نقول "السلام عليكم ورحمة الله" فى نهاية صلاتنا فلمن نقول هذا؟ هل نقول هذا للملائكة الموجودة على يسارنا ويميننا؟ أم نقولها للناس على يسارنا ويميننا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التسليم من الصلاة ركن من أركانها لا يحصل إنهاء الصلاة ولا التحلل منها إلا به.
لما رواه أبو داود (61) والترمذي (3) عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ) . وصححه الألباني في "سنن أبي داود".
وقد ذهب إلى ذلك جمهور العلماء ومنهم الأئمة: مالك والشافعي وأحمد.
قال النووي رحمه الله:
"مذْهَبُنَا: أَنَّهُ فَرْضٌ، رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ لَا تَصِحُّ إلَّا بِهِ , وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ " انتهى.
"المجموع" (3/462) .
وينوي المصلِّي بالسلام: الخروج من الصلاة، والسلام على الإمام، والسلام على من عن يمينه، ويساره، وعلى الحفظة.
قال النووي رحمه الله:
" يَنْوِي الْإِمَامُ بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامَ عَلَى مَنْ عَنْ يَمِينِهِ وَعَلَى الْحَفَظَةِ , وَيَنْوِي بِالثَّانِيَةِ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَلَى يَسَارِهِ وَعَلَى الْحَفَظَةِ , وَيَنْوِي الْمَأْمُومُ بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ , وَالسَّلَامَ عَلَى الْإِمَامِ وَعَلَى الْحَفَظَةِ وَعَلَى الْمَأْمُومِينَ مِنْ نَاحِيَتِهِ فِي صَفِّهِ وَرَائِهِ وَقُدَّامِهِ , وَيَنْوِي بِالثَّانِيَةِ السَّلَامَ عَلَى الْحَفَظَةِ وَعَلَى الْمَأْمُومِينَ مِنْ نَاحِيَتِهِ , فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ قُدَّامَهُ نَوَاهُ فِي أَيِّ التَّسْلِيمَتَيْنِ شَاءَ.
وَيَنْوِي الْمُنْفَرِدُ بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ , وَالسَّلَامَ عَلَى الْحَفَظَةِ , وَبِالثَّانِيَةِ السَّلَامَ عَلَى الْحَفَظَةِ , وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رَوَى سَمُرَةُ رضي الله عنه قَالَ: (أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نُسَلِّمَ عَلَى أَنْفُسِنَا وَأَنْ يُسَلِّمَ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ) ...
وَإِنْ نَوَى الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَنْوِ مَا سِوَاهُ جَازَ ; لِأَنَّ التَّسْلِيمَ عَلَى الْحَاضِرِينَ سُنَّةٌ " انتهى.
"المجموع" (3/456) .
وروى مسلم (431) عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْنَا: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْجَانِبَيْنِ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عَلَامَ تُومِئُونَ بِأَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ؟ (يعني مضطربة) إِنَّمَا يَكْفِي أَحَدَكُمْ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ ثُمَّ يُسَلِّمُ عَلَى أَخِيهِ مَنْ عَلَى يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ) .
قال النووي رحمه الله:
" قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ثُمَّ يُسَلِّم عَلَى أَخِيهِ مِنْ عَلَى يَمِينه وَشِمَاله": الْمُرَاد بِالْأَخِ الْجِنْس أَيْ إِخْوَانه الْحَاضِرِينَ عَنْ الْيَمِين وَالشِّمَال " انتهى.
وقال ابن قدامة رحمه الله:
"وَيَنْوِي بِسَلَامِهِ: الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ. فَإِنْ نَوَى مَعَ ذَلِكَ الرَّدَّ عَلَى الْمَلَكَيْنِ , وَعَلَى مَنْ خَلْفَهُ إنْ كَانَ إمَامًا , أَوْ عَلَى الْإِمَامِ وَمَنْ مَعَهُ إنْ كَانَ مَأْمُومًا , فَلَا بَأْسَ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ , فَقَالَ: يُسَلِّمُ فِي الصَّلَاةِ , وَيَنْوِي بِسَلَامِهِ الرَّدَّ عَلَى الْإِمَامِ" انتهى.
"المغني" (1/326-327)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" إذا قيل: على مَنْ يُسلِّم؟
فالجواب: يقولون: إذا كان معه جماعة فالسَّلام عليهم، وإذا لم يكن معه جماعة فالسَّلام على الملائكة الذين عن يمينه وشماله، يقول: السَّلامُ عليكم ورحمة الله " انتهى.
"الشرح الممتع" (3 / 208) .
والخلاصة: أن المصلِّي ينوي بسلامة من الصلاة ثلاثة أمور:
- الخروج من الصلاة.
- السلام على الملائكة الحفظة.
- السلام على إخوانه المصلين.
وإذا كان منفردا فإنه ينوي بالسلام الخروج من الصلاة والسلام على الحفظة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/994)
الدعاء أثناء قراءة القرآن
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أقرأ القرآن والحمد لله، وعندما أصل إلى صفات المؤمنين أدعو الله أن يجعلني منهم، وعندما أصل إلى صفات الكفار والمنافقين ومصيرهم أستعيذ بالله أن يجعلني منهم. فهل بعد الدعاء تلزمني البسملة من جديد، أم اتباع القراءة دون ذلك؟ وهل قطع القراءة للدعاء جائز؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"هذا يجوز، فعله النبي صلى الله عليه وسلم، فكان في تهجده بالليل عليه الصلاة والسلام إذا مر بآية وعيد تعوذ، وإذا مر بآية رحمة سأل ربه الرحمة، فلا بأس بهذا، بل هذا مستحب في التهجد بالليل، أو في صلاة النهار، أو في القراءة خارج الصلاة، كل هذا مستحب وليس عليك أن تعيد البسملة ولا التعوذ، بل تأتي بهذا الدعاء ثم تشرع في القراءة من دون حاجة إلى إعادة التعوذ ولا إعادة البسملة، وهذا كله إذا كنت تصلي وحدك في النافلة.
أما إذا كنت في الفريضة فلم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يفعل هذا في الفريضة، وهكذا إذا كنت مع الإمام فإنك تنصت لإمامك ولا تدعُ بهذه الأدعية والإمام يقرأ بل تنصت وتستمع في الجهرية، أما في السرية فتقرأ الفاتحة وما تيسر معها من دون الأدعية التي يدعى بها في النافلة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يفعل هذا في الفريضة، ولعل السبب في ذلك والله أعلم التخفيف على الناس وعدم التطويل عليهم؛ لأنه لو دعا عند كل آية فيها رحمة وتعوذ عند كل آية فيها وعيد ربما طالت الصلاة، وربما شق على الناس، فكان من رحمة الله ومن إحسانه إلى عباده ومن لطفه بهم أنه لم يشرع ذلك في الفريضة حتى تكون القراءة متوالية، وحتى لا تطول القراءة على الناس، أما في النافلة أو في التهجد أو في الليل أو في صلاة الضحى أو في غير ذلك من النوافل فلا بأس فالأمر فيها واسع" انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (1/334)(5/995)
هل يجوز الدعاء المطلق في الصلوات المكتوبة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الدعاء المطلق في الفرائض - الصلوات المكتوبة -؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يستحب للمصلي – سواء كانت صلاة فريضة أم نافلة – أن يجتهد في الدعاء في الصلاة في موضعين اثنين: في السجود، وقبيل التسليم، وفي صلاة الوتر عند القنوت أيضا، فقد جاءت الأدلة الصحيحة تدل على ذلك، وذلك فيما رواه الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه (479) عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ – أي: جدير وحقيق - أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ) .
وقد بين كثير من الفقهاء كالمالكية والشافعية أن الدعاء في هذين الموضعين – في السجود، وقبيل التسليم – هو من الدعاء المطلق، فلا يشترط أن يكون واردا بنصه في الكتاب والسنة، بل للمصلي أن يدعو بحاجاته الدنيوية والدينية بأي صيغة كانت، وله أن يسأل الله تعالى ما شاء من خيري الدنيا والآخرة، وإن لم يكن هذا الدعاء مأثورا في كتب السنة.
والدليل عليه إطلاق الحديث السابق: (فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ) ، حيث أطلق الاجتهاد في اختيار الدعاء، ولم يشترط وروده في الكتاب والسنة.
وقد سبق تقرير هذه المسألة وذكر أدلة أخرى لها في جواب السؤال رقم: (75058) ، (104907) ، (105282) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/996)
إذا انتهى من التشهد الأول هل يرفع يديه وهو جالس ثم يقوم أو يقوم ثم يرفع يديه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل على المصلي رفع اليدين بعد التشهد الأول وهو جالس، أو حتى يقوم ويرفعهما؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ثبت في السنة النبوية أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه إذا قام من الركعتين.
فعنْ نَافِعٍ: (أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا رَكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَرَفَعَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) .
رواه البخاري (739) وبوَّب عليه بقوله: "باب رفع اليدين إذا قام من الركعتين" انتهى.
وأخرجه أبو داود وبوَّب عليه بقوله: "باب مَن ذَكَر أنه يرفع يديه إذا قام من الثنتين" انتهى. وعن أبي حميد رضي الله عنه أنه قال في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم: (ثُمَّ إِذَا قَامَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِىَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ، كَمَا كَبَّرَ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلاَةِ) رواه أبو داود (730) والترمذي (304) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".
قال النووي رحمه الله:
"المشهور من نصوص الشافعي رحمه الله تعالى في كتبه , وهو المشهور في المذهب , وبه قال أكثر الأصحاب: أنه لا يرفع إلا في تكبيرة الإحرام , وفي الركوع والرفع منه.
وقال آخرون من أصحابنا: يستحب الرفع إذا قام من التشهد الأول , وهذا هو الصواب. وممن قال به من أصحابنا: ابن المنذر، وأبو علي الطبري، وأبو بكر البيهقي، وصاحب التهذيب فيه، وفي شرح السنة، وغيرهم , وهو مذهب البخاري وغيره من المحدثين" انتهى.
"المجموع" (3/425-426) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"يسن رفع اليدين إذا قام المصلي من التشهد الأول إلى الثالثة , وهو رواية عن الإمام أحمد , اختارها أبو البركات" انتهى.
"الفتاوى الكبرى" (5/336) .
فظاهر هذه الأحاديث (إذا قام من الركعتين) : أن رفع اليدين يكون بعد القيام، وهو الظاهر من كلام العلماء أيضاً.
وقد اختار ذلك ورجحه الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله حيث قال:
" وعلى هذا؛ فمواضع رَفْع اليدين أربعة: عند تكبيرة الإحرام، وعند الرُّكوعِ، وعند الرَّفْعِ منه، وإذا قام من التشهُّدِ الأول، ويكون الرَّفْعُ إذا استتمَّ قائماً؛ لأن لفظ حديث ابن عُمر: (وإذا قام من الرَّكعتين رَفَعَ يديه) ، ولا يَصدُق ذلك إلا إذا استتمَّ قائماً، وعلى هذا: فلا يرفع وهو جالس ثم ينهض، كما توهَّمَهُ بعضهم، ومعلوم أن كلمة (إذا قام) ليس معناها حين ينهض؛ إذ إن بينهما فرقاً" انتهى.
"الشرح الممتع" (3/214) .
وقد اختار علماء اللجنة الدائمة للإفتاء أن الرفع يكون مع بدء الانتقال من الجلوس إلى القيام، فقد سئلوا:
"ما هو صفة تكبيرة القيام من التشهد الأول ورفع اليدين هل يرفع يديه وهو جالس ثم يكبر وينهض قائماً، أم لا يرفع يديه إلا بعد القيام، وما هو الأرجح؟
فأجابوا:
"يشرع رفع اليدين في الصلاة عند القيام من التشهد الأول مع التكبير بعد البدء في الانتقال من الجلوس إلى القيام" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (6/347) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/997)
يحرص على الصلاة خلف الإمام فيضيق على الناس
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا طالب في الجامعة وكثيرا ما أؤذن للصلاة وقد أشغلني أن بعض الطلاب يأتي إلى المسجد وبدلاً من أن يكمل الصف الأول يجلس في وسط الصف الثاني أو قريبا منه.. وعندما أقدم لأقيم الصلاة أو يقيمها غيري أرجع فأجده مكاني وقد أفسح لي مكانا ضيقا فأصلي وأنا كاره لفعله وأنشغل بفعله في صلاتي ... لي بعض الأسئلة: هل هناك فضل يختص بمن يصلي خلف الإمام مباشرة؟ هل يجوز له فعل ذلك مع العلم أنه يدخل على من هو أولى منه في السبق إلى هذا المكان وقد يضيق على السابقين له من المصلين؟ هل يدخل تصرف هذا الشخص فيمن فعل فعله في عدم احترام النظام الذي حرص عليه ديننا الإسلامي وهو أولى منه في المراجعات في الدوائر الحكومية أن الأفضلية لمن أتى أولا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ينبغي على كل مصلّ أن يحرص على عدم إيذاء أخيه المسلم وشغله في الصلاة كأن يضيّق عليه في المكان، أو يكثر الحركة فيشغله في صلاته ونحو ذلك.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" التورُّك في الصلاة معروف، أن تنصب اليمنى وتخرج اليسرى من الجانب الأيمن.
وهذا يوجب من الإنسان أن يتجافى قليلاً، وربما يكون الصف متضايقاً والناس مزدحمين فيه فيؤذي مَن إلى جانبه.
فهنا اجتمع عندنا شيئان: فعل سنة، ودفع أذى عن المسلم، فأيهما أولى: فعل السنة، أو دفع الأذى؟ الأَوْلى دفع الأذى؛ لأن أذية المؤمن ليست بالهينة.
فهذه القاعدة انتبه لها: تركُ السنة لدفع الأذية خير من فعل السنة مع الأذية، فهذا المتورِّك إذا كان بتَوَرُّكِه يؤذي جاره فلا يتورَّك، وإذا علم الله من نيته أنه لولا هذا لَتَوَرَّكَ، فإن الله تعالى يثيبه " انتهى مختصرا.
"لقاء الباب المفتوح" (2/38) .
كما أنه ينبغي على كل مصل التغاضي عن كل ما يمكن التغاضي عنه لأخيه المسلم، وخاصة إذا صفوا للصلاة، فلا ينبغي أبدا أن توجد دواخل في النفوس من شأنها إفساد العلائق، وإشغال المصلى، وإيغار النفوس بلا داع أحيانا.
فعليك يا أخي أن لا تشغل نفسك بفعل أخيك، ولعله لا يقصد إيذاءً، ولا يضمر أمرا، وإذا احتاج الأمر في نظرك إلى نصحه، فإنه ينبغي نصحه بالمعروف، فقد يفوته المسلك غير اللائق، فعليك تنبيهه وإرشاده.
وتأمل قول أَبِي مَسْعُودٍ البدري رضي الله عنه: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا فِي الصَّلَاةِ وَيَقُولُ: (اسْتَوُوا وَلَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ، لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ) رواه مسلم (432) .
تأمل كيف حرص النبي صلى الله عليه وسلم على عدم اختلاف القلوب وهم في الصلاة؟
ثانيا:
أما قولك: هل هناك فضل يختص بمن يصلي خلف الإمام مباشرة؟
فالجواب: نعم وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى) يدل على أن القرب من الإمام أفضل من البعد عنه.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله:
" المشروع للمسلم إذا أتى المسجد أن يتقدم إلى الصف الأول، وأن يحرص على القرب من الإمام، ومتى كمل الصف الأول، شرع للمسلم التقدم للصف الثاني وهكذا " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (12/206) .
وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: أرجو توضيح فضل القرب من الإمام في الصف الأول والصلاة خلفه مباشرة.
فأجاب:
"يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا) معنى ذلك: أنه لو لم يمكن الحصول على الصف الأول إلا بالقرعة لفعلوها، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (تقدموا وائتموا بي وليأتم بكم من بعدكم) .
فالقرب من الإمام في الصف الأول يكون به قدوة للآخرين، لأنهم يأتمون بالإمام مباشرة، ويرون الإمام مباشرة، فيأتمون به، وهذا أفضل ممن يقتدي بمن خلف الإمام من الصفوف، وأيضًا قوله صلى الله عليه وسلم: (ليليني منكم أولو الأحلام والنهى) فهذا يدل على أنه ينبغي أن يتقدم أهل الفضل وأهل العلم ليكونوا قريبين من الإمام، فيفتحون عليه إذا احتاج لمن يفتح عليه بالقراءة، أو نابه شيء في الصلاة استطاعوا أن يساعدوه، وأن يستخلف من يكمل الصلاة لو احتاج إلى الاستخلاف، فالتقدم إلى الصف الأول والقرب من الإمام فيه فضائل عظيمة، وفيه خيرات، وفيه دلالة على مبادرة الإنسان إلى الخير ورغبته فيه، وأنه من السابقين إلى فعل الخير، أما التأخر فإنه يدل على الكسل وعدم الرغبة في الخير ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله) ولأن التأخر والتكاسل من صفات المنافقين، قال تعالى: (وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ) سورة التوبة /54. أما التقدم إلى الصف الأول والقرب من الإمام فهذا دليل على الرغبة في الخير والبراءة من النفاق" انتهى.
http://www.alfawzan.ws/alfawzan/library/tabid/90/Default.aspx?View=Page&PageID=798&PageNo=1&BookID=31&SectionID=1
ثالثاً:
قولك هل يدخل تصرف هذا الشخص في عدم احترام النظام الذي حرص عليه ديننا الإسلامي؟
فالجواب: لعله ليس من هذا القبيل، ثم هو مبادر في الأصل إلى التبكير إلى المسجد، فلا يحتاج إلا إلى من ينصحه بالتزام الصف الأول، والجلوس خلف الإمام لو شاء، دون أن يضيق على أحد أو يزحمه.
نسأل الله لنا ولكم التوفيق والهداية.
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(5/998)
المسبوق إذا أدرك التشهد الأول هل يرفع يديه إذا قام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[دخلت الصلاة على التشهد الأول مع الإمام، هل أرفع يدي للتكبير عند القيام من التشهد الأول؟ وسوف أجلس مع الإمام التشهد الأخير ويعتبر لي التشهد الأول، هل أرفع يدي مرة أخرى؟ مع العلم الصلاة رباعية. ولو أدركت ركعة واحدة فقط وجلست مع الإمام التشهد الأخير هل إذا قمت أرفع يدي أو أنتظر أن آتي بالتشهد الأول؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
ثبت رفع اليدين في الصلاة في أربعة مواضع: عند تكبيرة الإحرام، وعند الركوع والرفع منه، وبعد القيام من الركعة الثانية.
وقد روى البخاري (739) عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما (كَانَ إِذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا رَكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَرَفَعَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) .
ثانياً:
ما يدركه المسبوق مع الإمام هو أول صلاته على الراجح؛ وهو مذهب الشافعي رحمه الله؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا سَمِعْتُمْ الإِقَامَةَ فَامْشُوا إِلَى الصَّلاةِ وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ وَلا تُسْرِعُوا، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا) البخاري (636) ومسلم (602) . ومعنى "أتموا": أكملوا.
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (4/118) : "قد ذكرنا أن مذهبنا أن ما أدركه المسبوق أول صلاته، وما يتداركه آخرها، وبه قال سعيد بن المسيب والحسن البصري وعطاء وعمر بن عبد العزيز ومكحول والزهري والأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز وإسحاق , حكاه عنهم ابن المنذر قال: وبه أقول , قال: وروي عن عمر وعلي وأبي الدرداء ولا يثبت عنهم , وهو رواية عن مالك وبه قال داود.
وقال أبو حنيفة ومالك والثوري وأحمد: ما أدركه آخر صلاته، وما يتداركه أول صلاته. وحكاه ابن المنذر عن ابن عمر ومجاهد وابن سيرين , واحتج لهم بقوله صلى الله عليه وسلم: (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا) رواه البخاري ومسلم.
واحتج أصحابنا بقوله صلى الله عليه وسلم: (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) رواه
البخاري ومسلم من طرق كثيرة.
قال البيهقي: الذين رووا "فأتموا" أكثر وأحفظ وألزم لأبي هريرة الذي هو راوي الحديث , فهم أولى.
قال الشيخ أبو حامد والماوردي: وإتمام الشيء لا يكون إلا بعد تقدم أوله وبقية آخره , وروى البيهقي مثل مذهبنا عن عمر بن الخطاب وعلي وأبي الدرداء وابن المسيب وحسن وعطاء وابن سيرين وأبي قلابة رضي الله عنهم.
فأما رواية فاقضوا فجوابها من وجهين:
أحدهما: أن رواة (فأتموا) أكثر وأحفظ.
والثاني: أن القضاء محمول على الفعل لا القضاء المعروف في الاصطلاح ; لأن هذا اصطلاح متأخري الفقهاء , والعرب تطلق القضاء بمعنى الفعل , قال الله تعالى: (فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ) (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ) .
قال الشيخ أبو حامد: والمراد: وما فاتكم من صلاتكم أنتم لا من صلاة الإمام، والذي فات المأموم من صلاة نفسه إنما هو آخرها , والله أعلم " انتهى.
وعلى هذا؛ فلو أدركت التشهد الأول مع الإمام في الصلاة الرباعية، فإن الركعة الثالثة للإمام تكون هي الأولى بالنسبة لك، وإذا سلم الإمام قمت لإتمام صلاتك، وتكون الركعة التي قمت إليها هي الركعة الثالثة.
وإذا أدركت الركعة الأخيرة مع الإمام، فإنه إذا سلم قمت للركعة الثانية.
وفي كل هذه المواضع، هل ستحب لك رفع اليدين أم لا؟
أما قيامك بعد سلام الإمام إلى الركعة الثالثة لإتمام صلاتك، فلا إشكال هنا في رفع اليدين، لأن هذا من مواضع رفع اليدين، كما سبق في حديث ابن عمر.
وأما ما عدا ذلك، فقد اختلف العلماء في استحباب رفع اليدين، بناءً على اختلافهم في علة رفع اليدين إذا قام من التشهد الأول إلى الركعة الثالثة.
فذهب بعض العلماء إلى أن العلة هي القيام إلى الركعة الثالثة، فقال هؤلاء في المسبوق: لا يرفع يديه إلا إذا قام إلى الركعة الثالثة.
وذهب آخرون إلى أن العلة هي القيام من التشهد، فقال هؤلاء في المسبوق: متى قام من التشهد فإنه يرفع يديه، ولو لم يكن قائماً إلى الركعة الثالثة، وقد اختار هذا القول الأخير الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
وانظر جواب السؤال رقم (21506) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب(5/999)
هل ينقص أجر الصلاة بغير سترة إلى النصف؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك حديث عن الصلاة من غير سترة تنقص نصف الصلاة. إذا وجد الرجاء كتابة الراوي، ومن أخرجه]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم نقف على حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يدل على أن أجر الصلاة بغير سترة بين يدي المصلي ينقص إلى النصف، والغالب أن هذا اجتهاد رآه بعض أهل العلم، فقد وردت أحاديث كثيرة في الأمر بالسترة والصلاة إليها، والتحذير من قطع الشيطان الصلاة إذا صلى لغير سترة.
عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ عن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى سُتْرَةٍ فَلْيَدْنُ مِنْهَا، لَا يَقْطَعْ الشَّيْطَانُ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ)
رواه أبو داود (رقم/695) حسنه ابن عبد البر في " التمهيد " (4/195) ، وصححه النووي في " المجموع " (3/244) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
يقول العظيم أبادي رحمه الله:
" أي: لا يفوت عليه حضورها بالوسوسة والتمكن منها، واستفيد منه أن السترة تمنع استيلاء الشيطان على المصلي، وتمكنه من قلبه بالوسوسة، إما كُلًّا، أو بعضا، بحسب صدق المصلي وإقباله في صلاته على الله تعالى، وأنَّ عَدَمها يمكن الشيطان من إزلاله عما هو بصدده من الخشوع والخضوع. كذا في المرقاة " انتهى.
" عون المعبود " (2/275)
فلعل من قال بنقص أجر صلاة من صلى لغير سترة قصد هذه المعاني، خاصة إذا مر أحد بين يديه وقطع عليه صلاته، فيأثم المار حينئذ، ويلحق المصلي من نقص الصلاة أيضا لتقصيره.
يقول ابن حجر الهيتمي رحمه الله:
" الوجه حمله على أن المراد: قطع الصلاة بالمار بين يديه، وبالضرر، المذكورين في الأحاديث: قطع الخشوع، وضرر الاشتغال بالمار، بل وتمكن الشيطان منه بالوسوسة والمخادعة وإلفاته عما هو فيه حتى لا يعقل من صلاته شيئا، أو إلا أقلها، فيفوت عليه الثواب، فكل ذلك هو المشار إليه في الحديث بقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يقطع الشيطان عليه صلاته) " انتهى.
" الفتاوى الفقهية الكبرى " (1/170)
وبه أيضا يفسر ما رُوي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال:
" إذا أراد أحد أن يمر بين يديك وأنت تصلي فلا تدعه، فإنه يطرح شطر صلاتك " انتهى.
" المصنف " (2/25) بسند فيه راو مبهم.
وهو أيضا معنى ما قاله بعض السلف كأبي إسحاق ويحيى بن أبي كثير: أن من الجفاء أن يصلي بغير سترة. رواه ابن المنذر في " الأوسط " (رقم/2395) ، ومعناه عند عبد الرزاق في " المصنف " (2/26، باب من صلى إلى غير سترة) .
وعلى كل حال فقد اتفق العلماء على صحة الصلاة إلى غير سترة، وإن كان أجر صاحبها أنقص ممن صلى إلى السترة، ولكن لم يرد ما يدل على أن هذا النقص يبلغ نصف الأجر.
يقول ابن حجر الهيتمي رحمه الله:
" من صلى بلا سترة مع القدرة عليها فإنه لم يجر في بطلان صلاته خلاف " انتهى.
" الفتاوى الفقهية الكبرى " (1/160) والمراد اتفاق العلماء على صحة صلاته.
وانظر للفائدة في حكم السترة جواب السؤال رقم: (117758)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1000)
قراءة آية الكرسي والمعوذتين بعد الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[أعلم أنه يستحسن قراءة آية الكرسي والإخلاص والمعوذتين بعد الصلاة فهل تجوز قراءتها بعد الخروج من المسجد أم في المسجد أم قبل السنة أم بعدها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"تسن قراءة آية الكرسي وسورة الإخلاص والمعوذتين وتكون القراءة سرا، ويكون بعد الانتهاء من الذكر بعد السلام، والأصل في ذلك ما رواه النسائي وصححه ابن حبان عن أبي أمامة إياس بن ثعلبة الحارثي الأنصاري الخزرجي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت) وما رواه أحمد وغيره عن أبي أمامة وغيره (يقرأ سرا بعد كل صلاة آية الكرسي) وصححه في المختارة، وزاد فيه الطبراني: (وسورة الإخلاص: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) وقال ابن القيم: له طرق تدل على أن له أصلا، وما رواه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: (أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ بالمعوذتين دبر كل صلاة) وفي رواية أبي داود: (بالمعوذات) " انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (7/108) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام وجواب(5/1001)
حكم ترك التورك إذا كان يضايق من بجواره
[السُّؤَالُ]
ـ[التورُّك في الصلاة بالنسبة للمأموم إذا كان يضايق مَن بجانبه، أيهما أفضل: أن يتورَّك، أو أن يتركها؟ لأن كثيراً من الناس لا يستطيع أن يتورَّك إلا إذا اتكأ على مَن بجانبه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" التورُّك في الصلاة معروف، أن تنصب اليمنى وتخرج اليسرى من الجانب الأيمن.
وتتورَّك: أي: أنك تضع وَرِكَكَ على الأرض، وهذا يوجب من الإنسان أن يتجافى قليلاً، وربما يكون الصف متضايقاً والناس مزدحمين فيه فيؤذي مَن إلى جانبه.
فهنا اجتمع عندنا شيئان: فعل سنة، ودفع أذى عن المسلم، فأيهما أولى: فعل السنة، أو دفع الأذى؟ الأَوْلى دفع الأذى؛ لأن أذية المؤمن ليست بالهينة، أذية المؤمن ولو بالقول فضلاً عن الفعل الذي يحصل في الصلاة ويشوِّش عليه صلاته، أذية المؤمن تكون بالقول أو بالفعل، يقول الله عز وجل فيها: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً) الأحزاب/58، ويقول عليه الصلاة والسلام: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جارَه) ، وخرج مرَّةً على أصحابه وهم في المسجد يصلون ويجهرون بالقراءة، فقال: (كلكم يناجي ربه، فلا يؤذِيَنَّ بعضُكم بعضاً في القراءة) ، أين هي الأذية؟! الأذية أنك إذا جهرت شوَّشتَ على الذين هم حولك فآذيتَهم ...
فهذه القاعدة انتبه لها: تركُ السنة لدفع الأذية خير من فعل السنة مع الأذية، فهذا المتورِّك إذا كان بتَوَرُّكِه يؤذي جاره فلا يتورَّك، وإذا علم الله من نيته أنه لولا هذا لَتَوَرَّكَ، فإن الله تعالى يثيبه؛ لأنه يكون كمن قال فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم: (مَن مرض أو سافر كُتِب له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً) " انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
"لقاءات الباب المفتوح" (2/38) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1002)
تقديم اليدين أو الركبتين في السجود
[السُّؤَالُ]
ـ[فيما يتعلق بالسجود في الصلاة، فلقد قرأت عن قولين مختلفين في هذه المسألة أحدهما يقول إنه من الأفضل تقديم الركبتين قبل اليدين حال السجود، ولكن في كتاب " صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم " يقول إن الأولى أن يقدم الإنسان يديه على ركبتيه في السجود، وذكر حديثاً يستدل به على ذلك ويزعم أن تقديم الركبتين على اليدين هو كفعل الجمل، ولا يرى ذلك الفعل، فما الطريقة الصحيحة في ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اختلف العلماء في هيئة الخرور إلى السجود أهي على اليدين أم هي على الركبتين؟ فمذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين عنه أن المصلي يقدم ركبتيه قبل يديه بل نسبه الترمذي إلى أكثر أهل العلم فقال في سننه (2/57) : والعمل عليه عند أكثر أهل العلم: يرون أن يضع الرجل ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه. واحتج القائلون بهذا القول بحديث وائل بن حجر قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد يضع ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه. رواه أبوداود والترمذي والنسائي وابن ماجة والدارقطني (1/345) وقال: تفرد به يزيد بن هارون عن شريك ولم يحدث به عن عاصم بن كليب غير شريك وشريك ليس بالقوي. وقال البيهقي في السنن (2/101) : إسناده ضعيف. وضعفه الألباني في المشكاة (898) وفي الإرواء (2/75) ، وصححه آخرون من أهل العلم كابن القيم رحمه الله في زاد المعاد. وممن اختار تقديم الركبتين على اليدين في النزول شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ومن العلماء المعاصرين الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ محمد بن صالح العثيمين.
وذهب مالك والأوزاعي وأصحاب الحديث أن المشروع تقديم اليدين قبل الركبتين واستدلوا بحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه. رواه أحمد (2/381) وأبوداود والترمذي والنسائي وقال النووي في المجموع (3/421) : رواه أبو داود والنسائي بإسناد جيد.وصححه الشيخ الألباني في الإرواء (2/78) وقال: وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير محمد بن عبد الله بن الحسن وهو المعروف بالنفس الزكية العلوي وهو ثقة.
وقد ذكر شيخ الإسلام كلاما نفيسا فيما يتعلق بهذه المسالة في الفتاوى (22/449) فقال: أما الصلاة بكليهما فجائزة باتفاق العلماء. إن شاء المصلي يضع ركبتيه قبل يديه، وإن شاء وضع يديه ثم ركبتيه وصلاته صحيحة في الحالتين باتفاق العلماء ولكن تنازعوا في الأفضل. انتهى. وطالب العلم يعمل بما ترجّح لديه والعاميّ يقلّد من يثق بعلمه والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1003)
إذا جعل الشخص الذي أمامه سترة فقام، فهل يتحرك إلى سترة قريبة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما أصلي خلف شخص آخر وأتخذه سترة، فماذا أفعل إذا ترك المكان؟ هل أتحرك للأمام أم أبقى كما كنت؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
السترة مستحبة في قول جمهور الفقهاء، وذهب بعضهم إلى وجوبها.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (24/177) : " يسن للمصلي إذا كان فذا (منفردا) ، أو إماما أن يتخذ أمامه سترة تمنع المرور بين يديه , وتمكنه من الخشوع في أفعال الصلاة , وذلك لما ورد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة , وليدن منها , ولا يدع أحدا يمر بين يديه) ، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (ليستتر أحدكم في صلاته ولو بسهم) , وهذا يشمل السفر والحضر , كما يشمل الفرض والنفل.
والمقصود منها: كف بصر المصلي عما وراءها , وجمع الخاطر بربط خياله كي لا ينتشر , ومنع المار كي لا يرتكب الإثم بالمرور بين يديه.
والأمر في الحديث للاستحباب لا للوجوب , قال ابن عابدين: صرح في المنية بكراهة تركها , وهي تنزيهية , والصارف للأمر عن حقيقته ما رواه أبو داود عن الفضل بن العباس رضي الله عنهما قال: (أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في بادية لنا فصلى في صحراء ليس بين يديه سترة) ، ومثله ما ذكره الحنابلة قال البهوتي: وليس ذلك بواجب لحديث ابن عباس رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في فضاء ليس بين يديه شيء) .
هذا؛ ويستحب ذلك عند الحنفية والمالكية في المشهور , للإمام والمنفرد إذا ظن مرورا بين يديه , وإلا فلا تسن السترة لهما. ونقل عن مالك الأمر بها مطلقا , وبه قال ابن حبيب واختاره اللخمي.
أما الشافعية فأطلقوا القول بأنها سنة , ولم يذكروا قيدا.
وقال الحنابلة: تسن السترة للإمام والمنفرد ولو لم يخش مارا.
أما المأموم فلا يستحب له اتخاذ السترة اتفاقا ; لأن سترة الإمام سترة لمن خلفه , أو لأن الإمام سترة له " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله بعد ذكر أدلة القولين: " وأدلَّة القائلين بأن السُّتْرة سُنَّة وهم الجمهور أقوى، وهو الأرجح، ولو لم يكن فيها إلاَّ أن الأصل براءة الذِّمَّة فلا تُشغل الذِّمَّة بواجب، ولا يحكم بالعقاب إلا بدليل واضح لكفى " انتهى من "الشرح الممتع" (3/277) .
ثانيا:
لا حرج في جعل الشخص المصلي أو الجالس أمامك سترة، فإن ترك المكان، ووجدت سترة قريبة كالجدار أو أحد الأعمدة، أو مصليا آخر، انتقلت إليها، وتغتفر هذه الحركة؛ لأنها لمصلحة الصلاة، فإن لم يكن هناك شيء قريب، أتممت صلاتك على حالك، ورددت المار بين يديك.
جاء في "المدونة" (1/202) : " وقال مالك: إذا كان الرجل خلف الإمام وقد فاته شيء من صلاته فسلم الإمام وسارية عن يمينه أو عن يساره، فلا بأس أن يتأخر إلى السارية عن يمينه أو عن يساره إذا كان ذلك قريبا يستتر بها , قال: وكذلك إذا كانت أمامه فيتقدم إليها، ما لم يكن ذلك بعيدا , قال: وكذلك إذا كان ذلك وراءه فلا بأس أن يتقهقر إذا كان ذلك قليلا , قال: وإن كانت سارية بعيدة منه فليصل مكانه، وليدرأ ما يمر بين يديه ما استطاع " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1004)
هل يصلي المسافر السنن؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كنت مسافرا وصليت مع الإمام في المسجد وأتممت الصلاة هل أصلي الراتبة أم لا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المسافر يصلي ما شاء من النوافل، ولا يسن له ترك شيء من النوافل إلا السنة الراتبة القبلية والبعدية لصلاة الظهر، والسنة الراتبة لصلاتي المغرب والعشاء.
أما ما عدا ذلك من السنن فإن المسافر يصليها، فقد روى مسلم (680) من حديث أبي قتادة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى راتبة الفجر في السفر.
وثبت كذلك أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى الضحى ثمان ركعات في مكة يوم فتح الله عليه مكة. رواه البخاري (357) ومسلم (336) .
وثبت كذلك أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى الوتر في السفر. رواه البخاري (1000) .
قال الشيخ ابن عثيمين:
"وأما الرواتب، فإنني تأملت ما جاءت به السنة في النوافل، وتبين لي أن راتبة الظهر، والمغرب، والعشاء لا تصلى، وما عدا ذلك من النوافل فإنه يصلى مثل سنة الفجر، وسنة الوتر، وصلاة الليل، وصلاة الضحى، وتحية المسجد حتى النفل المطلق أيضا" اهـ.
مجموع فتاوى ابن عثيمين. (15/258) .
وقد أنكر ابن عمر رضي الله عنهما على من صلى الراتبة في السفر، روى البخاري (1102) ومسلم (689) . عن حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: صَحِبْتُ ابْنَ عُمَرَ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ، فَصَلَّى لَنَا الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَقْبَلَ وَأَقْبَلْنَا مَعَهُ حَتَّى جَاءَ رَحْلَهُ وَجَلَسَ وَجَلَسْنَا مَعَهُ، فَحَانَتْ مِنْهُ الْتِفَاتَةٌ نَحْوَ حَيْثُ صَلَّى، فَرَأَى نَاسًا قِيَامًا، فَقَالَ: مَا يَصْنَعُ هَؤُلاءِ؟ قُلْتُ: يُسَبِّحُونَ (أي يصلون النافلة) قَالَ: لَوْ كُنْتُ مُسَبِّحًا لأَتْمَمْتُ صَلاتِي، يَا ابْنَ أَخِي، إِنِّي صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، وَصَحِبْتُ أَبَا بَكْرٍ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، وَصَحِبْتُ عُمَرَ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، ثُمَّ صَحِبْتُ عُثْمَانَ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1005)
هل يجهر المنفرد بالقراءة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم القراءة الجهرية للمصلي المنفرد؟ وهل يجوز أن يسر بها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه.. وبعد:
الجهر بالقراءة في الصلاة الجهرية كالفجر، والأولى والثانية في المغرب والعشاء؛ سنة للإمام والمنفرد، ومن أَسَرَّ فلا حرج عليه، لكنه قد ترك السنة. وإذا رأى المنفرد أن الإسرار أخشع له فلا بأس، لأنه ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان في صلاة الليل ربما جهر وربما أسر كما ذكرت ذلك عائشة رضي الله عنها عنه عليه الصلاة والسلام، أما الإمام فالسنة له الجهر دائما اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم ولما في ذلك من نفع الجماعة لإسماعهم لكلام الله سبحانه سواء كانت الصلاة فرضا أو نفلا.
والله ولي التوفيق.
[الْمَصْدَرُ]
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ ابن باز رحمه الله (11 / 116) .(5/1006)
حكم السلام على المصلي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يستحب قول السلام عليكم بصوت مرتفع عندما يدخل الشخص صالة المسجد حيث يؤدي الناس الصلاة؟ وإذا كان جائزاً، فهل ينبغي أن يقول السلام عليكم بصوت مرتفع حتى ولو كانت صلاة الجماعة قد بدأت وقد يشوش عليهم خشوعهم؟ أسأل هذا السؤال لأن عدداً قليلاً من إخواننا يقولون السلام عليكم حتى والإمام يقرأ في الصلوات الجهرية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ذهب جمهور العلماء إلى جواز السلام على المصلي إذا لم يؤد إلى تشويش أو تعريض صلاة جاهل للبطلان، لأنه قد يعتقد وجوب رد السلام باللفظ، فيرد فتبطل صلاته بذلك, وذهب الحنفية إلى كراهة ذلك.
قال في "تبيين الحقائق": "وَيُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَى الْمُصَلِّي وَالْقَارِئِ وَالْجَالِسِ لِلْقَضَاءِ أَوْ لِلْبَحْثِ فِي الْفِقْهِ أَوْ لِلتَّخَلِّي، وَلَوْ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ الرَّدُّ، لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّه" انتهى.
وفي "شرح الخرشي على مختصر خليل" [مالكي] (1/325) : "وَلَا يُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَى الْمُصَلِّي فِي فَرْضٍ وَلَا نَافِلَةٍ" انتهى.
وقال النووي في "المجموع" (4/105) [شافعي] : " مقتضى كلام أصحابنا أنه لا يكره السلام على المصلي، وهو الذي يقتضيه الأحاديث الصحيحة" انتهى بتصرف.
وقال الشيخ محمد بن عثيمين في "لقاء الباب المفتوح" (24/31) : "السلام على المصلي جائز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على الذين يسلمون عليه، إلا إذا خاف المسلم أن يشوش على المصلي فلا يسلم، أو خاف أن يتكلم بالرد، يعني: العامة أكثرهم لا يفهم، ربما إذا سلمت عليه قال: وعليك السلام، فبطلت صلاته إذا كان عالماً بأنها تبطل بذلك.
فعلى كل حال نقول: السلام على المصلي غير منكر؛ لإقرار النبي صلى الله عليه وسلم عليه، إلا إذا خاف التشويش أو إبطال صلاة المسلَّم عليه فلا يسلم.
أما كيف يرد؟ فلا يرد باللفظ فلا يقول: عليك السلام، وإنما يرد بالإشارة، يرفع يده حتى يعرف المسلم أنه رد عليه، ثم إن بقي المسلِّم عليه حتى يسلم وينصرف من صلاته رد عليه باللفظ، وإن ذهب لم يجب على المصلي أكثر مما ذكرت من الإشارة. وظاهر النصوص: أن الرد واجب لكنه يتعذر بالقول لأنه مبطل للصلاة" انتهى.
فلا حرج من السلام على المصلي، إلا إذا كان فيه تشويش على المصلين، كالسلام والإمام يقرأ فإنه لا يسلم.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال جواب(5/1007)
الجهر والإسرار في نوافل الليل والنهار
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز الجهر في صلاة النفل إن كان في ذلك الخشوع أكثر من قراءة السرية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأصل هو الجهر بالقراءة في النوافل التي تؤدى ليلاً، والإسرار بالقراءة فيما يؤدى نهاراً. قال النووي رحمه الله: "أما صلاة العيد والاستسقاء والتراويح وخسوف القمر فيسن فيها الجهر بلا خلاف.
وأما نوافل النهار فيسن فيها الإسرار بلا خلاف.
وأما نوافل الليل غير التراويح فقال صاحب التتمة: يجهر فيها , وقال القاضي حسين وصاحب التهذيب: يتوسط بين الجهر والإسرار.
وأما السنن الراتبة مع الفرائض: فيسر بها كلها باتفاق أصحابنا. ونقل القاضي عياض في شرح مسلم عن بعض السلف الجهر في سنة الصبح , وعن الجمهور الإسرار كمذهبنا" انتهى ...
ثم ذكر النووي رحمه الله جملة من الأحاديث الواردة في ذلك.
انظر: "المجموع" (3/357) .
وقال في "كشاف القناع" (1/441) : "وكره لكل مصل جهر بقراءة نهارا في نفل غير كسوف , واستسقاء، وفي قراءة صلاة نفل ليلا يراعي المصلحة فإن كان بحضرته، أو قريبا منه، من يتأذى بجهره، أسر، وإن كان من ينتفع بجهره، جهر.
قال المحب ابن نصر الله الكتاني: والأظهر أن النهار هنا من طلوع شمس لا من طلوع فجر , والليل من غروبها إلى طلوعها" انتهى بتصرف واختصار.
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (16/189) : "لا خلاف بين الفقهاء في سنّيّة الإسرار في نوافل النّهار المطلقة" انتهى.
وإذا جهر المصلي بالقراءة في نافلة النهار لكون ذلك أدعى لخشوعه وانتباهه، فلا حرج عليه، غير أن السنة والأفضل: الإسرار.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: هل يجوز رفع الصوت بالقراءة في الصلاة قليلاً بحيث لا يسمع ذلك إلا أنا ; لأنني والحال ما ذكر أكون أكثر خشوعاً؟
فأجاب: "إذا كان الإنسان يصلي لنفسه شُرع له أن يفعل ما هو أصلح لقلبه من الجهر والإسرار إذا كان في صلاة النافلة ليلا ولم يتأذ بجهره أحد. فإذا كان حوله من يتأذى بجهره كالمصلين والقراء والنوّم شرع له خفض الصوت.
أما في الصلاة النهارية كصلاة الضحى والرواتب وصلاة الظهر والعصر , فإن السنة فيها الإسرار، ويشرع للإمام أن يجهر بعض الأحيان ببعض الآيات لقول أبي قتادة رضي الله عنه: كان النبي صلى الله عليه وسلم يسمعنا الآية أحياناً , يعني: في صلاة الظهر والعصر، والله ولي التوفيق" انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (11/126) .
وانظر جواب السؤال رقم (67618) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1008)
لا تشرع الإقامة إلا للصلوات الخمس فقط
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تجب الإقامة لأداء النوافل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا تشرع الإقامة إلا للصلوات الخمس فقط فليس لصلاة العيد أو الاستسقاء أو الكسوف أو النوافل إقامة.
وقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (7/234) : "لا تشرع للنوافل إقامة الصلاة، وإنما الإقامة للفرائض الخمس" انتهى.
وجاء فيها أيضاً (7/231) : "لا تشرع الإقامة لصلاة النافلة مطلقاً، لعدم ورودها في الشرع المطهر" انتهى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1009)
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند ذكره في الفريضة والنافلة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا مر الإنسان في الصلاة بآية فيها ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فهل يصلي عليه بمناسبة ذكره، أم أن الصلاة عليه ليست من أعمال الصلاة، إلا في موضعها من التشهد، فلا تفعل إلا فيه وأما في غيره فلا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" أما في الفريضة فلا يفعل ذلك؛ لعدم نقله عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأما في النافلة فلا بأس؛ لأنه كان صلى الله عليه وسلم في تهجده بالليل يقف عند كل آية فيها تسبيح فيسبح، وعند كل آية فيها تعوذ فيتعوذ، وعند كل آية فيها سؤال فيسأل، والصلاة عليه صلى الله عليه وسلم من هذا الباب.
والله ولي التوفيق " انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (11/201) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1010)
الدعاء في الصلاة بالزواج من رجل معين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن أدعو في الصلاة أن أتزوج برجل محدد؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية وبعض الحنابلة إلى جواز الدعاء في الصلاة بحاجات الدنيا المتنوعة، مما يُحِبُّ المُصلي أن يدعوَ به ويحتاج إليه، كأن يدعو بالزواج أو الرزق أو النجاح وغير ذلك.
واستدلوا عليه بحديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم علّم الصحابة التشهد ثم قال في آخره: (ثُمَّ لْيَتَخَيَّرْ مِنَ المَسْأَلَةِ مَا شَاءَ)
رواه البخاري (5876) ومسلم (402)
وقد روى ابن أبي شيبة في "المصنف" (1/331) عَنْ الْحَسَنِ والشَّعْبِيِّ أَنَّهُمَا قَالَا:
" اُدْعُ فِي صَلَاتِك بِمَا بَدَا لَك " انتهى.
وجاء في "المدونة" (1/192) :
" قَالَ مَالِكٌ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَدْعُوَ الرَّجُلُ بِجَمِيعِ حَوَائِجِهِ فِي الْمَكْتُوبَةِ، حَوَائِجِ دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ، فِي الْقِيَامِ وَالْجُلُوسِ وَالسُّجُودِ. قَالَ: وَأَخْبَرَنِي مَالِكٌ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: بَلَغَنِي عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إنِّي لَأَدْعُو اللَّهَ فِي حَوَائِجِي كُلِّهَا فِي الصَّلَاةِ حَتَّى فِي الْمِلْحِ " انتهى.
وخالف في ذلك الحنفية وأكثر الحنابلة، فقالوا بعدم جواز الدعاء بأمور الدنيا في الصلاة، بل قالوا ببطلان صلاة من دعا بأي شيء من ذلك.
جاء في "الإنصاف" (1/81-82) من كتب الحنابلة:
" الدُّعَاءُ بِغَيْرِ مَا وَرَدَ , وَلَيْسَ مِنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الدُّعَاءُ بِذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ , وَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ.
وَعَنْهُ – أي عن الإمام أحمد - يَجُوزُ الدُّعَاءُ بِحَوَائِجِ دُنْيَاهُ , وَعَنْهُ يَجُوزُ الدُّعَاءُ بِحَوَائِجِ دُنْيَاهُ وَمَلَّاذِهَا. كَقَوْلِهِ: اللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي جَارِيَةً حَسْنَاءَ , وَحُلَّةً خَضْرَاءَ , وَدَابَّةً هِمْلَاجَةً , وَنَحْوَ ذَلِكَ " انتهى.
وجاء في "الفتاوى الهندية (1/100) من كتب الحنفية:
" وَلَوْ قَالَ: اللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي فُلَانَةَ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَفْسُدُ ; لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ أَيْضًا مُسْتَعْمَلٌ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ " انتهى.
وانظر "فتح القدير" (1/319) ، "نصب الراية" (1/558)
وقد أخذوا ذلك عن جماعة من السلف، روى عنهم ابن أبي شيبة في "المصنف" (1/332) أنهم كانوا يستحبون الدعاء في الفريضة بما في القرآن فقط، بل روى عن عَنْ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَدْعُوَ فِي الصَّلَاةِ بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (20/265-266) :
" قال الحنفيّة والحنابلة: يسنّ الدّعاء في التّشهّد الأخير بعد الصّلاة على النّبيّ صلى الله عليه وسلم بما يشبه ألفاظ القرآن، أو بما يشبه ألفاظ السّنّة، ولا يجوز له الدّعاء بما يشبه كلام النّاس، كأن يقول: اللهمّ زوّجني فلانة، أو أعطني كذا من الذّهب والفضّة والمناصب.
وأمّا المالكيّة والشّافعيّة فذهبوا إلى أنّه: يسنّ الدّعاء بعد التّشهّد وقبل السّلام بخيري الدّين والدّنيا، ولا يجوز أن يدعو بشيء محرّم أو مستحيل أو معلّق، فإن دعا بشيء من ذلك بطلت صلاته، والأفضل أن يدعو بالمأثور " انتهى.
والصحيح هو قول المالكية والشافعية، وذلك لقوة ما استدلوا به، ولضعف حجة ما استدل به أصحاب القول الآخر.
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (3/454) :
" مذهبنا أنه يجوز أن يدعو فيها بكل ما يجوز الدعاء به خارج الصلاة من أمور الدين والدنيا، وله – أن يقول -: اللهم ارزقني كسبا طيبا، وولدا، ودارا، وجارية حسناء يصفها، و: اللهم خلص فلانا من السجن، وأهلك فلانا، وغير ذلك، ولا يبطل صلاته شيء من ذلك عندنا.
وبه قال مالك والثوري وأبو ثور وإسحق.
وقال أبو حنيفة وأحمد لا يجوز الدعاء إلا بالأدعية المأثورة الموافقة للقرآن.
واحتج لهم بقوله صلى الله تعالى عليه وسلم: (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن) رواه مسلم.
وبالقياس على رد السلام وتشميت العاطس.
واحتج أصحابنا بقوله صلى الله عليه وسلم: (وأما السجود فاجتهدوا فيه من الدعاء)
فأطلق الأمر بالدعاء ولم يقيده، فتناول كل ما يُسَمَّى دعاءً.
ولأنه صلى الله عليه وسلم دعا في مواضع بأدعية مختلفة، فدل على أنه لا حجر فيه.
وفى الصحيحين في حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في آخر التشهد: (ثم ليتخير من الدعاء ما أعجبه) و (أحب إليه) و (ما شاء)
وفى روايه أبى هريرة " ثم يدعو لنفسه ما بدا له " قال النسائي وإسناده صحيح.
وعن أبى هريرة أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يقول في قنوته: (اللهم أنج الوليد بن الوليد، وعياش بن أبى ربيعة، وسلمة بن هشام، والمستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلهما عليهم سنين كسني يوسف) رواه البخاري ومسلم.
وفى الصحيحين قوله صلى الله عليه وسلم (اللهم العن رِعلاً وذَكوانَ وعُصَيَّةَ عصت الله ورسوله) وهؤلاء قبائل من العرب.
والأحاديث بنحو ما ذكرناه كثيرة.
والجواب عن حديثهم: أن الدعاء لا يدخل في كلام الناس.
وعن التشميت ورد السلام أنهما من كلام الناس؛ لأنهما خطاب لآدمي بخلاف الدعاء.
والله تعالى أعلم " انتهى.
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (3/283) :
" وظاهر كلام المؤلِّف – يعني الإمام موسى الحجاوي من الحنابلة -: أنه لا يدعو بغير ما وَرَدَ، فلا يدعو بشيء مِن أمور الدُّنيا مثل أن يقول: اللَّهُمَّ اُرزقني بيتاً واسعاً، أو: اللَّهُمَّ ارزقني زوجة جميلة، أو: اللَّهُمَّ اُرزقني مالاً كثيراً، أو: اللَّهُمَّ اُرزقني سيارة مريحة، وما أشبه ذلك؛ لأن هذا يتعلَّق بأمور الدُّنيا، حتى قال بعض الفقهاء رحمهم الله: لو دعا بشيء مما يتعلَّق بأمور الدنيا بطلت صلاتُه.
لكن هذا قول ضعيف بلا شَكٍّ.
والصحيح: أنه لا بأس أن يدعو بشيء يتعلَّق بأمور الدُّنيا؛ وذلك لأن الدُّعاء نفسه عبادة ولو كان بأمور الدنيا، وليس للإنسان ملجأ إلا الله، وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (أقربُ ما يكون العبدُ مِن ربِّه وهو ساجد) ويقول: (أمَّا السُّجودُ فأكثروا فيه مِن الدُّعاء فَقَمِنٌ أن يُستجاب لكم) ويقول في حديث ابن مسعود لما ذَكَرَ التَّشهُّدَ: (ثم ليتخيَّر مِن الدُّعاء ما شاء) والإنسان لا يجد نفسه مقبلاً تمام الإقبال على الله إلا وهو يُصلِّي، فكيف نقول: لا تسأل الله - وأنت تُصلِّي - شيئاً تحتاجه في أمور دنياك! هذا بعيد جدًّا ...
فالصَّواب بلا شَكٍّ أن يدعوَ بعد التشهُّدِ بما شاء مِن خير الدُّنيا والآخرة " انتهى.
والحاصل أنه لا حرج عليك من الدعاء بتيسير الزواج من رجل معين – إذا كان من أهل الصلاح والخير – وإن كان الأولى دائما استعمال جوامع الدعاء وما أُثِرَ عنه صلى الله عليه وسلم، وانظري جواب السؤال رقم (5236) ، (6585) ، (75058)
ثانيا:
ثم نحن - وإن كنا أفتينا لك بجواز دعائك في صلاتك بالزواج من رجل معين - إلا أننا ننصحك – من الناحية النفسية والتربوية – ألا تبالغي في تفكيرك وحرصك على ذلك الموضوع، فالزواج قسمةٌ من الله سبحانه وتعالى، ومن رحمته سبحانه بالخلق أن وسَّع عليهم وأغناهم، فلم يقصُرِ المقسومَ برجل معين، وإنما علقه بمقوِّمات الخلق والدين، فحيث حلَّت هذه المقومات، لزم على المسلم الرضا والقبول.
والمسلم المؤمن بقضاء الله وقدره يؤمن بحكمة الله في أمره وتصريفه، وأنه سبحانه قد يدفع عن العبد السوء الذي سعى إليه وأحبه وكان يدعو به، لعلمه سبحانه أن الخيرَ في غيره، يقول الله تعالى: (وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) البقرة/216
وشعار المسلم في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء الاستخارة: (وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ أَرْضِنِي) رواه البخاري (1162)
فنرجو ألا يأخذ هذا الموضوع – من عقلك وقلبك - مساحة أكبر مما ينبغي، فكثيرون هم – بحمد الله – أصحاب الخلق والدين، ونسأل الله تعالى يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرزقك الرضا بما قسم لك وقدر.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1011)
الدعاء في الصلاة بتيسير الصداقة مع رجل معين
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لي الدعاء في الصلاة المفروضة بأمر من أمور الدنيا، مع تحديد هذا الأمر بالاسم، كأن أقول: " اللهم اجعل فلان بن فلان صديقا لي "؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج من الدعاء بأمور الدنيا في الصلاة على الصحيح من قولي أهل العلم، وهو ما ذهب إليه المالكية والشافعية وبعض الحنابلة، كأن يسأل الله التوفيق في الدراسة أو الزواج أو يسأله تيسير عمل معين أو شفاء صديق أو قريب أو تيسير صحبة صالحة ونحو ذلك.
والدليل على ذلك: حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم علّم الصحابة التشهد ثم قال في آخره: (ثُمَّ لْيَتَخَيَّرْ مِنَ المَسْأَلَةِ مَا شَاءَ) رواه البخاري (5876) ومسلم (402) .
جاء في "المدونة" (1/192) :
" قال مالك: ولا بأس أن يدعو الرجل بجميع حوائجه في المكتوبة، حوائج دنياه وآخرته، في القيام والجلوس والسجود " انتهى.
وقال النووي في "المجموع" (3/454) :
" مذهبنا أنه يجوز أن يدعو فيها (يعني: الصلاة) بكل ما يجوز الدعاء به خارج الصلاة من أمور الدين والدنيا، وله – أن يقول -: اللهم ارزقني كسبا طيبا، وولدا، ودارا، وجارية حسناء يصفها، و: اللهم خلص فلانا من السجن، وأهلك فلانا، وغير ذلك، ولا يبطل صلاته شيء من ذلك عندنا.
وبه قال مالك والثوري وأبو ثور وإسحق.
وقال أبو حنيفة وأحمد لا يجوز الدعاء إلا بالأدعية المأثورة الموافقة للقرآن.
واحتج أصحابنا بقوله صلى الله عليه وسلم: (وأما السجود فاجتهدوا فيه من الدعاء)
فأطلق الأمر بالدعاء ولم يقيده، فتناول كل ما يُسَمَّى دعاءً.
وفى الصحيحين في حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في آخر التشهد: (ثم ليتخير من الدعاء ما أعجبه) و (ما أحب) و (ما شاء)
وفى رواية أبى هريرة رضي الله عنه: (ثم يدعو لنفسه ما بدا له) قال النسائي: إسناده صحيح.
وعن أبى هريرة رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يقول في قنوته: (اللهم أنج الوليد بن الوليد، وعياش بن أبى ربيعة، وسلمة بن هشام، والمستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلهما عليهم سنين كسني يوسف) رواه البخاري ومسلم.
وفى الصحيحين قوله صلى الله عليه وسلم (اللهم العن رِعلاً وذَكوانَ وعُصَيَّةَ عصت الله ورسوله) وهؤلاء قبائل من العرب.
والأحاديث بنحو ما ذكرناه كثيرة " انتهى بتصرف واختصار.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (3/283) :
" وظاهر كلام المؤلِّف – يعني: موسى الحجاوي رحمه الله - أنه لا يدعو بغير ما وَرَدَ، فلا يدعو بشيء مِن أمور الدُّنيا مثل أن يقول: اللَّهُمَّ ارزقني بيتاً واسعاً، أو: اللَّهُمَّ ارزقني زوجة جميلة، أو: اللَّهمَّ ارزقني مالاً كثيراً، أو: اللَّهُمَّ ارزقني سيارة مريحة، وما أشبه ذلك؛ لأن هذا يتعلَّق بأمور الدُّنيا، حتى قال بعض الفقهاء رحمهم الله: لو دعا بشيء مما يتعلَّق بأمور الدنيا بطلت صلاتُه.
لكن هذا قول ضعيف بلا شَكٍّ.
والصحيح: أنه لا بأس أن يدعو بشيء يتعلَّق بأمور الدُّنيا؛ وذلك لأن الدُّعاء نفسه عبادة ولو كان بأمور الدنيا، وليس للإنسان ملجأ إلا الله، وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (أقربُ ما يكون العبدُ مِن ربِّه وهو ساجد) ويقول: (أمَّا السُّجودُ فأكثروا فيه مِن الدُّعاء فَقَمِنٌ أن يُستجاب لكم) ويقول في حديث ابن مسعود لما ذَكَرَ التَّشهُّدَ: (ثم ليتخيَّر مِن الدُّعاء ما شاء) والإنسان لا يجد نفسه مقبلاً تمام الإقبال على الله إلا وهو يُصلِّي، فكيف نقول: لا تسأل الله - وأنت تُصلِّي - شيئاً تحتاجه في أمور دنياك! هذا بعيد جدًّا.
وقد جاء في الحديث عن الرَّسولِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: (ليسألْ أحدُكم ربَّه حاجته كلها حتى شِسْعَ نَعْلِه) وشِسْع النَّعل: يتعلَّق بأمور الدُّنيا.
فالصَّواب بلا شَكٍّ أن يدعوَ بعد التشهُّدِ بما شاء مِن خير الدُّنيا والآخرة " انتهى.
فيجوز أن تدعو في صلاتك المفروضة أو النافلة بتيسير صحبة الإخوان الصالحين، والأصدقاء الخيرين، ولو كان الدعاء بتعيين الأسماء.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1012)
موضع التورك في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هيئة التورك موضعها في التشهد الأخير من كل صلاة، أم في الصلاة الرباعية فقط؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
التورك في الصلاة سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى البخاري عن أبي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ رضي الله عنه في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه: (وَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ قَدَّمَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الْأُخْرَى وَقَعَدَ عَلَى مَقْعَدَتِهِ) .
والتورك له صفات ثابتة:
الصفة الأولى: أن يفرش رجله اليسرى، وينصب اليمنى، ويخرجهما من الجانب الأيمن، ويجعل أليتيه على الأرض.
الصفة الثانية: أن يفرش القدمين جميعاً، ويخرجهما من الجانب الأيمن، ويجعل أليتيه على الأرض.
ثانياً:
اختلف أهل العلم رحمهم الله في موضع التورك في الصلاة، فذهب الحنابلة: إلى أن التورك يكون في التشهد الأخير إذا كان في الصلاة تشهدان، وأما إن كانت الصلاة ذات تشهد واحد، كصلاة الفجر أو السنن التي تُصلى مثنى مثنى، فإنه يجلس مفترشاً.
قال البهوتي رحمه الله في "كشاف القناع" (1/364) : " ثُمَّ يَجْلِس فِي التَّشَهُّدِ الثَّانِي مِنْ ثُلَاثِيَّةٍ، فَأَكْثَر مُتَوَرِّكًا؛ لِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ، فَإِنَّهُ وَصَفَ جُلُوسَهُ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ مُفْتَرِشًا، وَفِي الثَّانِي مُتَوَرِّكًا , وَهَذَا بَيَانُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا , وَزِيَادَة يَجِبُ الْأَخْذُ بِهَا , وَالْمَصِيرُ إلَيْهَا , وَحِينَئِذٍ لَا يُسَنَّ التَّوَرُّكُ، إلَّا فِي صَلَاةٍ فِيهَا تَشَهُّدَانِ أَصْلِيَّانِ، فِي الْأَخِيرِ مِنْهُمَا " انتهى.
وذهب الشافعية: إلى أن التورك مستحب في التشهد الأخير من الصلوات كلها، سواء كانت ذات تشهدين أو تشهد واحد؛ وذلك لعموم حديث أبي حميد المتقدم، وفيه: (وإذا جلس في الركعة الأخيرة) .
قال ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري": "وَاسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ تَشَهُّد الصُّبْح كَالتَّشَهُّدِ الْأَخِير مِنْ غَيْره؛ لِعُمُومِ قَوْلُهُ: (فِي الرَّكْعَة الْأَخِيرَة) " انتهى.
وقال النووي رحمه الله في "المجموع" (3/431) : " مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْلِسَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ مُفْتَرِشًا وَفِي الثَّانِي مُتَوَرِّكًا , فَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ جَلَسَ مُتَوَرِّكًا " انتهى.
والراجح هو مذهب الحنابلة؛ وقد اختاره علماء اللجنة الدائمة للإفتاء (الشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ عبد الله بن قعود) .
انظر: "فتاوى اللجنة الدائمة" (7/15) .
وقال ابن قدامة رحمه الله في "المغنى" (1/318) : "جَمِيعُ جَلَسَاتِ الصَّلَاةِ لَا يُتَوَرَّكُ فِيهَا إلَّا فِي تَشَهُّدٍ ثَانٍ. لحَدِيثُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ افْتَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى , وَنَصَبَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى) . وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَا يُسَلِّمُ فِيهِ وَمَا لَا يُسَلِّمُ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ التَّحِيَّةَ , وَكَانَ يَفْرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَيَنْصِبُ الْيُمْنَى) رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَهَذَانِ يَقْضِيَانِ عَلَى كُلِّ تَشَهُّدٍ بِالِافْتِرَاشِ , إلَّا مَا خَرَجَ مِنْهُ، لِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ فِي التَّشَهُّدِ الثَّانِي , فَيَبْقَى فِيمَا عَدَاهُ عَلَى قَضِيَّةِ الْأَصْلِ , وَلِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِتَشَهُّدٍ ثَانٍ , فَلَا يَتَوَرَّكُ فِيهِ كَالْأَوَّلِ , وَهَذَا لِأَنَّ التَّشَهُّدَ الثَّانِيَ , إنَّمَا تَوَرَّكَ فِيهِ لِلْفَرْقِ بَيْنَ التَّشَهُّدَيْنِ , وَمَا لَيْسَ فِيهِ إلَّا تَشَهُّدٌ وَاحِدٌ لَا اشْتِبَاهَ فِيهِ , فَلَا حَاجَةَ إلَى الْفَرْقِ " انتهى باختصار.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "لقاء الباب المفتوح": متى يجلس المصلي جلسة التورك في الصلاة وفي أي صلاة؟
فأجاب: " التورك يكون في التشهد الأخير في كل صلاة ذات تشهدين، أي: الأخيرة من المغرب، والأخيرة من العشاء، والأخيرة من العصر، والأخيرة من الظهر، أما الصلاة الثنائية، كالفجر، وكذلك الرواتب، فإنه ليس فيها تورك، التورك إذاً في التشهد الأخير في كل صلاة فيها تشهدان " انتهى.
وللفائدة راجع جواب السؤال رقم (13340) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1013)
هل الاستعاذة والبسملة جزء من استفتاح الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الاستعاذة والبسملة (التعوذ بالله من الشيطان ثم قول باسم الله) هما جزء من بداية الدعاء؟ وإذا كان أحد الأشخاص يصلي خلف الإمام هل يجب عليه ذكر الاستعاذة والبسملة بصوت منخفض؟ وهل يجب عليه فعل ذلك في كل ركعة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الاستعاذة والبسملة ليست من دعاء الاستفتاح الوارد وإن كانت مما تُستفتح به الصلاة، كحديث عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بالتكبير " رواه مسلم رقم 498.
أما قولهما في الركعة الثانية ففيه اختلاف عند أهل العلم، فالبسملة يُؤتى بها في كل الركعات عند قراءة الفاتحة دون الجهر بها، للخلاف في أنها آية من الفاتحة أم لا، ومن يقول من العلماء إنها ليست آية من الفاتحة يستحب قراءتها قبل الفاتحة في جميع الركعات.
هذا هو الأحوط للمصلي أن يقرأ البسملة في كل ركعة دون الجهر بها.
وأما الاستعاذة: فلم يختلف أهل العلم أنها ليست آية من سورة الفاتحة، ولكن أشكل عندهم قوله تعالى: (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله) .
فمن نظر إلى ظاهر الآية أخذ بمشروعية الاستعاذة في كل ركعة قبل أن يقرأ الفاتحة والبسملة، وهذا مذهب الشافعية وهو الأصح عندهم. (المجموع 3/323) وقد استحب التعوذ في كل ركعة الحسن البصري وعطاء وإبراهيم النخعي.
واختار هذا القول ابن حزم رحمه الله، وهذا القول رواية عن الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله أنه ذكرها في " آداب المشي إلى الصلاة " واختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (الإنصاف 2/74) ، وقال رحمه الله في (الإختيارات) : " ويستحب التعوذ أول كل قراءة " أ. هـ ص 50 وهذا اختيار العلامة الألباني.
وذهب جمع من أهل العلم إلى أن المشروع قراءتها في الركعة الأولى فحسب دون تكرارها في بقية الركعات، وهذا هو المذهب عن الحنابلة (الإنصاف 2/73) ورجح الشوكاني قراءتها في الركعة الأولى فقط (نيل الأوطار 3/39،139-140)
وكان صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله في الصلاة، فيقول: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه) رواه أبو داود، وكان أحياناً يزيد فيه فيقول: (أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه) رواه أبو داود والترمذي. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1014)
رفع السبابة عند التهليل بعد الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل رفع السبابة عند التهليل عند الانتهاء من التسبيح والحمد والتكبير ثابت؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل دبر الصلوات، سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا، وفيها ثواب عظيم وأجر كبير، ومما جاء في ذلك ما رواه مسلم (597) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ سَبَّحَ اللَّهَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَحَمِدَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَكَبَّرَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ فَتْلِكَ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ وَقَالَ تَمَامَ الْمِائَةِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ غُفِرَتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ) .
وأما رفع السبابة عند التهليل في هذا الموضع، فلم نقف على ثبوته في شيء من السنة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1015)
أقل ما يجزئ قراءته بعد الفاتحة
[السُّؤَالُ]
ـ[أود سؤالكم بخصوص السورة القصيرة الثانية في الصلاة.. ما أقل عدد للآيات يجوز قراءته؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قراءة سورة بعد الفاتحة في الركعتين الأوليين من الصلاة، مستحبة غير واجبة، في قول جمهور أهل العلم.
قال أبو هريرة رضي الله عنه: في كل صلاة قراءة، فما أسمعَنا النبي صلى الله عليه وسلم أسمعْناكم، وما أخفى منا أخفيناه منكم، ومن قرأ بأم الكتاب فقد أجزأت عنه، ومن زاد فهو أفضل.
رواه البخاري (738) وعنده (وإن زدت فهو خير) ، ومسلم (396) .
قال النووي رحمه الله: " قوله: (ومن قرأ بأم الكتاب أجزأت عنه، ومن زاد فهو أفضل) : فيه دليل لوجوب الفاتحة، وأنه لا يجزئ غيرها.
وفيه استحباب السورة بعدها، وهذا مجمع عليه في الصبح والجمعة والأولييْن من كل الصلوات، وهو سنة عند جميع العلماء، وحكى القاضي عياض رحمه الله تعالى عن بعض أصحاب مالك وجوب السورة، وهو شاذ مردود.
" انتهى من "شرح مسلم" (4 / 105) .
وأقل ما يجزئ قراءته: آية، واستحب أحمد رحمه الله أن تكون طويلة، كآية الدين وآية الكرسي.
قال في "شرح المنتهى" (1/191) : " قال القاضي [أبو يعلى] وغيره: وتجزئ آية إلا أن أحمد استحب كونها طويلة , كآية الدين والكرسي " انتهى.
وينبغي إذا اقتصر على آية واحدة، أن تكون آية تفيد معنى، أو حكماً بمفردها.
قال البهوتي رحمه الله في " كشاف القناع " (1 / 342) : " والظاهر أنه لا تجزئ آية لا تستقل بمعنى أو حكم نحو (ثم نظر) و (مدهامتان) انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1016)
مشروعية التعوذ عند قراءة آية عذاب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يقف عند آيات العذاب في قراءة القرآن أثناء الصلاة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يسن للمصلي أن يتعوذ بالله إذا مر بآية عذاب، وأن يسأل الرحمة إذا مر بآية رحمة، في قول جمهور أهل العلم؛ لما روى مسلم (772) عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ فَقُلْتُ يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ ثُمَّ مَضَى فَقُلْتُ يُصَلِّي بِهَا فِي رَكْعَةٍ فَمَضَى فَقُلْتُ يَرْكَعُ بِهَا ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ فَقَرَأَهَا ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا يَقْرَأُ مُتَرَسِّلًا إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ) .
ورواه الترمذي والنسائي بلفظ: (إذا مر بآية عذاب وقف وتعوّذ) .
وروى أبو داود (873) والنسائي (عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ قَالَ قُمْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً فَقَامَ فَقَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ لَا يَمُرُّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ إِلَّا وَقَفَ فَسَأَلَ وَلَا يَمُرُّ بِآيَةِ عَذَابٍ إِلَّا وَقَفَ فَتَعَوَّذَ قَالَ ثُمَّ رَكَعَ بِقَدْرِ قِيَامِهِ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ سُبْحَانَ ذِي الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ ثُمَّ سَجَدَ بِقَدْرِ قِيَامِهِ ثُمَّ قَالَ فِي سُجُودِهِ مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ بِآلِ عِمْرَانَ ثُمَّ قَرَأَ سُورَةً سُورَةً) .
وهذا يدل على مشروعية الوقوف عند آية العذاب والتعوذ.
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (3/562) : " قال الشافعي وأصحابنا: يسن للقارئ في الصلاة وخارجها إذا مر بآية رحمة أن يسأل الله تعالى الرحمة أو بآية عذاب أن يستعيذ به من العذاب , أو بآية تسبيح أن يسبح أو بآية مثل أن يتدبر. قال أصحابنا: ويستحب ذلك للإمام والمأموم والمنفرد ... وكل هذا يستحب لكل قارئ في صلاته أو غيرها، وسواء صلاة الفرض والنفل والمأموم والإمام والمنفرد؛ لأنه دعاء فاستووا فيه كالتأمين , ودليل هذه المسألة حديث حذيفة رضي الله عنه ... هذا تفصيل مذهبنا: وقال أبو حنيفة رحمه الله: يكره السؤال عند آية الرحمة والاستعاذة في الصلاة. وقال بمذهبنا جمهور العلماء من السلف فمن بعدهم " انتهى.
وقال في "كشاف القناع" (1/384) : " (وله السؤال والتعوذ في فرض ونفل، عند آية رحمة أو عذاب) انتهى.
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " يسن لكل من قرأ في الصلاة أو غيرها إذا مر بآية رحمة أن يسأل الله تعالى من فضله , وإذا مر بآية عذاب أن يستعيذ به من النار. وإذا مر بآية تنزيه لله سبحانه نزهه فقال: سبحانه وتعالى , أو نحو ذلك , ويستحب لكل من قرأ (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) أن يقول: (بلى وأنا على ذلك من الشاهدين) , وإذا قرأ: (أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى) قال: (بلى أشهد) , وإذا قرأ: (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) قال: (آمنت بالله) , وإذا قرأ: (فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) قال: (لا نكذب بشيء من آيات ربنا) , وإذا قرأ: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) قال: (سبحان ربي الأعلى) , ويستحب هذا للإمام والمأموم والمنفرد؛ لأنه دعاء فهو مطلوب منهم كالتأمين , وكذلك الحكم في القراءة في غير الصلاة " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (11/75) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ما حكم من قال آمين أو أعوذ بالله من النار أو سبحان الله والإمام يقرأ في صلاة جهرية وذلك عندما يسمع المأموم آيات تستوجب التعوذ أو التسبيح أو التأمين؟
فأجاب: أما الآيات التي تستوجب التسبيح أو التعوذ أو السؤال إذا مر بها القارىء في صلاة الليل فإنه يسن له أن يفعل ما يليق، فإذا مر بآية وعيد تعوذ، وإذا مر بآية رحمة سأل.
وأما إذا كان مستمعاً للإمام فإن الأفضل ألا يتشاغل بشيء غير الإنصات والاستماع، نعم إذا قدّر أن الإمام وقف عند آخر الآية وهي آية رحمة فسأل المأموم أو هي آية وعيد فتعوذ أو آية تعظيم فسبح فهذا لا بأس به، وأما إذا فعل ذلك والإمام مستمر في قراءته فأخشى أن يشغله هذا عن الاستماع إلى قراءة الإمام، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام حين سمع أصحابه يقرؤون خلفه في الصلاة الجهرية قال: (لا تفعلوا إلا بأم القرآن فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها) " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
ولكن من أهل العلم من خصّ استحباب ذلك بصلاة بالنافلة، لأن هذا هو الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن فعله في الفريضة جاز، وإن لم يكن سنة.
ومنهم قال: يفعل ذلك في الفرض والنفل.
وانظر جواب السؤال رقم (85481) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1017)
مواضع رفع اليدين في الصلاة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعرف مسألة رفع اليدين في الصلاة؟ ما هي الطريقة الصحيحة في هذا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يسن للمصلي أن يرفع يديه في أربعة مواضع في الصلاة:
مع تكبيرة الإحرام وعند الركوع وعند الرفع من الركوع وإذا قام من التشهد الأول، فعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله علية وسلم أنه كان: إذا دخل في الصلاة، كبر ورفع يديه، وإذا ركع رفع يديه، وإذا قال: سمع الله لمن حمده رفع يديه، وإذا قام من الركعتين رفع يديه. رواه البخاري 2/222 وأبو داود1/197.
ومعنى قوله {إذا قام من الركعتين رفع يديه} : أي إذا قام من التشهد الأول
ورفع اليدين يكون حذو المنكبين أو الأذنين، انظر العيني في العمدة 5/7، شرح مسلم للنووي 4/95، صفة صلاة النبي للألباني 87
والله تعالى أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1018)
ماذا يقول في التشهد في الصلاة الثنائية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[في الصلاة الثنائية ماذا يقول المصلي في التشهد هل يقول الأول أم يقول الثاني أم كلاهما معاً وبأيهما يبدأ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
في الصلاة الثنائية يقول المصلي التشهد، وهذه إحدى صيغه (التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ) البخاري (831) ومسلم (402) ثم بعد ذلك يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول: (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) البخاري (3370) ومسلم (406) . ثم يدعو بهذا الدعاء فيقول: (اللَّهُمَّ إِنَّي أعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ) البخاري (833) ومسلم (588) . ثم بعد ذلك يدعو بما أحب من خيري الدنيا والآخرة. وإذا دعا بالأدعية الواردة في السنة كان أحسن. راجع سؤال رقم 5236.
والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1019)
متى يمنع الطفل من المرور أمام المصلي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما السن الذي إذا بلغه الطفل الرضيع أو الصغير وجب علينا منعه من المرور بين يدي المصلي والسترة؟
وهل تعتبر السترة انتهكت إذا مر بينها وبين المصلي رغم بذل الجهد لمنعه؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إن مما ينبغي للمسلم الحرص عليه اتخاذ السترة في الصلاة إذا كان إماماً أو منفرداً ومما ينبغي له أيضاً أن يجتهد ألا يمرّ شيء أمامه وهو يصلي لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا صلّى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان) رواه البخاري (الصلاة / 509) ومسلم (الصلاة /505) .
وأما الصبي الصغير فإنه يُمنع أيضاً من المرور لعموم الأدلة ولما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: (هبطنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثنية أذاخر فحضرت الصلاة يعني فصلّى إلى جدار فاتخذه قبلة ونحن خلفه فجاءت بهمة تمرّ بين يديه فما زال يدارئها حتى لصق بطنه بالجدار ومرّت من ورائه) رواه أبو داود (807) وصححه الألباني. ففي هذا دليل على أن المنع ليس مختصّاً بالعاقل أو البالغ.
أما إذا بذل المصلي جهده في منع المار بين يديه ولم يستطع منعه، فما الحكم؟
قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله:
(الإثم على المار أما أنت إذا كنت قد قمت بما أمرك به النبي عليه الصلاة والسلام ولم تتمكن من دفع هذا المار فإن صلاتك لا تنقص) الشرح الممتع ص: 343.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1020)
هل يرفع المسبوق يديه إذا قام من التشهد ليكمل صلاته؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ذكرت في جوابك على سؤال رقم 3267 بأننا يجب أن نرفع أيدينا بعد الرفع من الركعة الثانية، إذا لحقنا بالجماعة متأخرين، فأي ركعة تُعتبر الثانية بالنسبة لنا؟ إذا لحقنا بالجماعة في الركعة الثانية فهي الثانية بالنسبة للجماعة ولكنها الأولى بالنسبة لي]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نعم ما يدركه المسبوق مع الإمام هو أول صلاته، وانظر السؤال رقم (23426) .
ويستحب رفع اليدين إذا قام من التشهد الأول.
لكن المتأخر ركعة عن الإمام هل يرفع يديه إذا قام من التشهد أم لا؟
سئل عن ذلك الشيخ ابن عثيمين رحمه الله فقال:
يرفع يديه، لأن الظاهر أن رفع اليد إذا قام إلى الركعة الثالثة من أجل قيامه من التشهد، وهذا المعنى موجود فيمن دخل مع الإمام متأخراً والله اعلم.
تنبيه:
قول السائل: إنه يجب رفع اليدين ليس بصواب، لأن رفع اليدين سنة من سنن الصلاة وليس واجباً.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1021)
أفضلهما أكثرهما نافلة
[السُّؤَالُ]
ـ[في إذا كان شخص يؤدي عملاً ما ويؤدي سننا أكثر من شخص آخر يؤدي سننا أقل، هل معنى هذا أنه يوجد نور أكثر في عمل الرجل الأول؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المحافظة على أداء السنن من أسباب محبة الله للعبد، كما في الحديث الذي رواه البخاري (6502) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه ".
ودل الحديث أيضا على أن المكثر من النوافل يعينه الله ويسدده ويحفظ جوارحه: سمعه وبصره ويده ورجله.
قال الخطابي رحمه الله:
(والمعنى: توفيق الله لعبده في الأعمال التي يباشرها بهذه الأعضاء، ... بأن يحفظ جوارحه عليه، ويعصمه عن مواقعة ما يكره الله من الإصغاء إلى اللهو بسمعه، ومن النظر إلى ما نهى الله عنه ببصره، ومن البطش فيما لا يحل له بيده، ومن السعي إلى الباطل برجله) .
وقال غيره: لا يتحرك له جارحة إلا في الله ولله، فهي كلها تعمل بالحق للحق. [فتح الباري 11/352] .
ومن كان هذا حاله فلا شك أن في عمله نورا وتوفيقا، يزيد بزيادة نوافله.
لكن الحكم بأن عمل فلان أكثر نورا وتوفيقا من عمل غيره لكثرة نوافله، مما لا يمكن الجزم به، لأنه يتوقف على قبول الله تعالى لتلك النوافل، وهذا غيب لا يعلمه إلا الله، لكن بحسب الظاهر ينبغي للإنسان إذا خير بين عاملين أن يختار أتقاهما لله وأحرصهما على السنة رجاء أن يكون موفقا مسددا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1022)
الدعاء عقب الفرائض بدعة
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض المصلين يدعون بعد الانتهاء (التسليم) من صلاة الفريضة مباشرة، ويقول غيرهم بأن [المسموح به] هو التسبيح الفاطمي فقط. وهناك من يتشدد في أن الدعاء بعد الصلاة مباشرة بدعة. وقد أحدث هذا الموضوع شيئا من التوتر في جاليتنا خاصة من يتبعون الإمام أبو حنيفة أو الشافعي.
فهل يجوز لنا الدعاء بعد الصلاة؟
وهل يجوز لنا الدعاء سويا مع الإمام بعد الانتهاء من الصلاة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: (ليس الدعاء بعد الفرائض بسنة إذا كان برفع الأيدي، سواء كان من الإمام وحده أو المأموم وحده، أو منهما جميعا، بل ذلك بدعة؛ لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه رضي الله عنهم، أما الدعاء بدون ذلك فلا بأس به، لورود بعض الأحاديث في ذلك) .
فتاوى اللجنة الدائمة 7/103
وسئلت اللجنة عن: رفع اليدين بالدعاء بعد الصلوات الخمس هل ثبت رفعها عن النبي صلى الله عليه وسلم أم لا، وإذا لم يثبت هل يجوز رفعهما بعد الصلوات الخمس أم لا؟
فأجابت: (لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما نعلم أنه رفع يديه بعد السلام من الفريضة في الدعاء، ورفعهما بعد السلام من صلاة الفريضة مخالف للسنة)
فتاوى اللجنة 7/104
وأفادت اللجنة أيضا بأن: (الدعاء جهرا عقب الصلوات الخمس والسنن والرواتب أو الدعاء بعدها على الهيئة الاجتماعية على سبيل الدوام بدعة منكرة؛ لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء من ذلك ولا عن أصحابه رضي الله عنهم، ومن دعا عقب الفرائض أو سننها الراتبة على الهيئة الاجتماعية فهو مخالف في ذلك لأهل السنة والجماعة، ورميه من خالفه ولم يفعل كما فعل بأنه كافر أو ليس من أهل السنة والجماعة جهل منه وضلال وقلب للحقائق)
فتاوى إسلامية 1/319
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1023)
جلسة الاستراحة سنة مستحبة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل جلسة الاستراحة عند القيام من الركعة الأولى للثانية، والقيام من الثالثة للرابعة في الصلاة واجبة أو سنة مؤكدة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اتفق العلماء على أن جلوس المصلي بعد رفعه من السجدة الثانية من الركعة الأولى والثالثة وقبل نهوضه لما بعدها ليس من واجبات الصلاة، ولا من سننها المؤكدة، ثم اختلفوا بعد ذلك هل هو سنة فقط أو ليس من واجبات الصلاة أصلاً؟ أو يفعلها من احتاج إليها لضعف من كبر سن أو مرض أو ثقل بدن.
فقال الشافعي وجماعة من أهل الحديث: إنها سنة وهي إحدى الروايتين عن الإمام أحمد لما رواه البخاري وغيره من أصحاب السنن عن مالك بن الحويرث أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم فإذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعداً. رواه البخاري في الأذان (818) .
ولم يرها أكثر العلماء منهم أبو حنيفة ومالك وهي الرواية الأخرى عن أحمد رحمهم الله لخلو الأحاديث الأخرى عن ذكر هذه الجلسة، واحتمال أن يكون ما ذكر في حديث مالك بن الحويرث من الجلوس كان في آخر حياته عندما ثقل بدنه صلى الله عليه وسلم أو لسبب آخر.
وجمعت طائفة ثالثة بين الأحاديث بحمل جلوسه صلى الله عليه وسلم على حالة الحاجة إليه، فقالت: إنها مشروعة عند الحاجة دون غيرها، والذي يظهر هو أنها مستحبة مطلقاً، وعدم ذكرها في الأحاديث الأخرى لا يدل على عدم استحبابها، بل يدل على عدم وجوبها.
ويؤيد القول باستحبابها أمران:
أحدهما: أن الأصل في فعل النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يفعلها تشريعاً ليُقتدي به، والأمر الثاني: في ثبوت هذه الجلسة في حديث أبي حميد الساعدي الذي رواه أحمد وأبو داود بإسناد جيد، وفيه وصف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في عشرة من الصحابة رضي الله عنهم فصدقوه في ذلك.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة في فتاوى إسلامية 1/268(5/1024)
حكم تغميض العينين في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم تغميض العينين في الصلاة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اتفق العلماء على كراهة تغميض العينين في الصلاة لغير حاجة، فقد نص صاحب الروض على كراهته لأنه من فعل اليهود (الروض المربع 1/95) وكذلك صاحب منار السبيل والكافي وزاد لأنه مظنة النوم (منار السبيل 1/66، الكافي 1/285) ونص صاحب الإقناع على كراهيته إلا لحاجة كما لو خاف محذوراً بأن رأى أمته أو زوجته أو أجنبية عريانة (الإقناع 1/127، المغني 2/30) وكذلك صاحب المغني.
فيما نص صاحب تحفة الملوك على الكراهية دون الإشارة إلى وجود الحاجة من عدمها (تحفة الملوك 1/84) وقال الكاساني: يكره لأنه خلاف السنة في أنه يشرع رمي العينين إلى موضع السجود، ولأن لكل عضو حظه من العبادة وكذلك العينان (بدائع الصنائع 1/503) .
ونص صاحب مراقي الفلاح على الكراهية إلا لمصلحة وقال: ربما يكون التغميض أولى من النظر (مراقي الفلاح 1/343) .
وقال الإمام العز بن عبد السلام في فتاويه بالجواز عند الحاجة إن كان ذلك أخشع للمصلي في صلاته، ونص ابن القيم في زاد المعاد على أن الإنسان إذا كان أكثر خشوعاً بتفتيح العينين فهو أولى، وإن كان أخشع له تغميض العينين لوجود ما يشغله عن الصلاة من تزويق وزخرفة فإنه لا يكره قطعاً بل القول باستحباب التغميض أقرب إلى مقاصد الشرع وأصوله من القول بالكراهة. (زاد المعاد 1/283)
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1025)
جهر المرأة بالصلاة بحضرة المحارم
[السُّؤَالُ]
ـ[وهل يجوز للمرأة أن تقول آمين بصوت عال إذا كانت تصلي والرجال حولها هم أهلها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
وقول المرأة آمين بصوت مرتفع، إذا كان بحضرة محارمها، ولم يكن بحضرة أجانب فإنه يجوز لأن المرأة منهية عن رفع صوتها بحضرة الأجانب خشية الفتنة، وبحضرة المحارم فهي غير منهية عن ذلك.
سئل الشيخ الفوزان حفظه الله عن جهر المرأة بالصلاة فقال:
يستحب لها أن تجهر في قراءة الصلاة سواء كانت فريضة أو نافلة (أي الصلاة الجهرية) ما لم يسمعها رجل أجنبي يُخشى أن يفتتن بصوتها، فإذا كانت في مكان لا يسمعها رجل أجنبي، وفي صلاة الليل فإنها تجهر بالقراءة، إلا إذا ترتب على ذلك التشويش على غيرها فإنها تُسِرُّ، أما في صلاة النهار فإنها تُسرّ بالقراءة، لأن صلاة النهار سرية.. حيث لا يستحب الجهر في صلاة النهار لمخالفة ذلك للسنة.أهـ. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1026)
تحريك السبابة في التشهد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الشرح التفصيلي لتحريك السبابة في التشهد وهل يوجد حديث على ذلك؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يسن الإشارة بالسبابة وتحريكها في التشهد، لما روى أحمد (18890) والنسائي عن وائل بن حجر قال: قلت لأنظرن إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يصلي فنظرت إليه فقام فكبر ورفع يديه حتى حاذتا بأذنيه ثم وضع يده اليمنى على كفه اليسرى والرسغ والساعد فلما أراد أن يركع رفع يديه مثلها. قال: ووضع يديه على ركبتيه ثم لما رفع رأسه رفع يديه مثلها ثم سجد فجعل كفيه بحذاء أذنيه ثم قعد وافترش رجله اليسرى ووضع كفه اليسرى على فخذه وركبته اليسرى وجعل حد مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى ثم قبض اثنتين من أصابعه وحلق حلقة ثم رفع إصبعه فرأيته يحركها يدعو بها " والحديث صححه الألباني في صحيح النسائي.
وروى مسلم (580) عن عبد الله بن عمر قال: كان – أي النبي صلى الله عليه وسلم - إذا جلس في الصلاة وضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى وقبض أصابعه كلها وأشار بإصبعه التي تلي الإبهام ووضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى ".
وفي رواية له عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس في الصلاة وضع يديه على ركبتيه ورفع إصبعه اليمنى التي تلي الإبهام فدعا بها ويده اليسرى على ركبته اليسرى باسطها عليها.
وروى النسائي (1273) عن سعد قال: مر علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أدعو بأصابعي فقال أَحِّدْ أَحِّدْ وأشار بالسبابة.
أي: أشر بأصبع واحدة وهي السبابة.
وروى أحمد (5964) عن نافع قال كان عبد الله بن عمر إذا جلس في الصلاة وضع يديه على ركبتيه وأشار بإصبعه وأتبعها بصره ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهي أشد على الشيطان من الحديد يعني السبابة ". والحديث حسنه الألباني في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ص 159
وهذه الأحاديث تدل على أمرين:
الأول: الإشارة بالسبابة في التشهد كله.
والثاني: تحريكها حال الدعاء.
وقد بين الشيخ ابن عثيمين رحمه الله جمل الدعاء الواردة في التشهد، فقال:
(فكلما دعوت حرك إشارةً إلى علو المدعو سبحانه وتعالى، وعلى هذا فنقول:
السلام عليك أيها النبي: فيه إشارة لأن السلام خبر بمعنى الدعاء.
السلام علينا: فيه إشارة.
اللهم صل على محمد: فيه إشارة.
اللهم بارك على محمد: فيه إشارة.
أعوذ بالله من عذاب جهنم: فيه إشارة.
ومن عذاب القبر: إشارة.
ومن فتنة المحيا والممات: إشارة.
ومن فتنة المسيح الدجال: إشارة.
وكلما دعوت تشير إلى علو من تدعوه سبحانه وتعالى، وهذا أقرب إلى السنة.) انتهى من الشرح الممتع 3/202
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1027)
مقدار المسافة التي يسقط معها الإثم للمار بين يدي المصلي
[السُّؤَالُ]
ـ[كم مقدار المسافة التي تكون بينك وبين المصلي حتى تستطيع المرور من أمامه؟ البعض يقول إنها لا بد أن تكون مسافة كبيرة جداً بينما يقول آخرون بأنه يمكن المرور من مسافة بَعْد ما بين يديه مباشرة. فما هو الصحيح في هذا الموضوع؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ينبغي على المسلم الحرص على اتخاذ السترة بين يديه في الصلاة وهو من السنن المؤكدة، وذهب بعض أهل العلم إلى وجوب اتخاذ السترة في الصلاة.
وقد جاء الوعيد للمار بين يدي المصلي فقد ثبت في الصحيح عن أبي جُهَيْمٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ أَبُو النَّضْرِ لا أَدْرِي أَقَالَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا أَوْ سَنَة ً) رواه البخاري (الصلاة/480) ومسلم (الصلاة / 507) .
أما ضابط المسافة للمرور إذا لم يكن هناك سترة فللعلماء في ذلك عدَّة أقوال نكتفي بذكر أقوى هذين القولين:
فذهب بعض أهل العلم إلى أن المسافة ترجع إلى العرف.
قال الشيخ ابن باز: ومتى بَعُدَ المُصَلِّي عَمَّا بين يدي المصلي إذا لم يلق بين يديه سترة سَلِم من الإثم، لأنه إذا بعد عنه عرفاً لا يسمى ماراً بين يديه كالذي يَمُرّ من وراء السترة.
وذهب بعض أهل العلم إلى أن المسافة المعتبرة في ذلك ثلاثة أذرع من مكان قيام المصلي، أو بعد مقدار ممر شاة من مكان سجود المصلي، وهو المقدار الشرعي لمكان لسترة بين يدي المصلي، وهو قول كثير من أهل العلم.
عن سهل بن سعد قال: كان بين مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الجدار ممر الشاة.
رواه البخاري (474) ومسلم (508) .
عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا دخل الكعبة مشى قبل وجهه حين يدخل وجعل الباب قبل ظهره فمشى حتى يكون بينه وبين الجدار الذي قبل وجهه قريبا من ثلاثة أذرع صلى يتوخى المكان الذي أخبره به بلال أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فيه.
رواه البخاري (484) .
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1028)
إذا صلى نافلة الفجر والمغرب مع زوجته هل يجهر بالقراءة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل إذا كنت أصلي نافلة المغرب أو الفجر وصلت معي زوجتي، هل لي أن أجهر في الصلاة؟ أم أن نافلة الفجر والمغرب والعشاء لا جهر فيها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ذكر العلماء رحمهم الله تعالى أن المشروع أن يسر المصلي في صلاة النافلة نهاراً، ويخير في صلاة الليل بين الجهر والإسرار، لثبوت الأمرين عن الرسول صلى الله عليه وسلم، غير أن الجهر أفضل.
فعن أبي قتادة رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج ليلة , فإذا هو بأبي بكر رضي الله عنه يصلي يخفض من صوته , ومر بعمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يصلي رافعا صوته , فلما اجتمعا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم: مررت بك يا أبا بكر وأنت تصلي تخفض من صوتك قال: قد أسمعت من ناجيت يا رسول الله , وقال لعمر: مررت بك وأنت تصلي رافعا صوتك. فقال: يا رسول الله أوقظ الوسنان وأطرد الشيطان , فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبا بكر ارفع من صوتك شيئا , وقال لعمر: اخفض من صوتك شيئا) رواه أبو داود وصححه النووي في المجموع.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل يخفض طورا، ويرفع طورا) رواه أبو داود وحسنه النووي في المجموع.
وقال الكاساني في "بدائع الصنائع" (1/161) :
"وأما في التطوعات فإن كان في النهار يخافت، وإن كان في الليل فهو بالخيار إن شاء خافت وإن شاء جهر , والجهر أفضل ; لأن النوافل أتباع الفرائض , والحكم في الفرائض كذلك" انتهى.
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (25/281) :
"ما يستحب وما يكره في السنن الرواتب:
يستحب الإسرار بالقراءة إذا كانت النافلة نهارا اعتبارا بصلاة النهار , ويتخير بين الجهر والإسرار في الصلاة الليلية إذا كان منفردا , والجهر أفضل بشرط أن لا يشوش على غيره , أما إذا كانت النافلة أو الوتر تؤدى جماعة فيجهر بها الإمام ليسمع من خلفه , ويتوسط المنفرد بالجهر" انتهى.
وقال في "كشاف القناع" (1/441) : "وكره لكل مصل جهر بقراءة نهارا في نفل غير كسوف , واستسقاء، وفي قراءة صلاة نفل ليلا يراعي المصلحة فإن كان بحضرته، أو قريبا منه، من يتأذى بجهره، أسر، وإن كان من ينتفع بجهره، جهر.
قال المحب ابن نصر الله الكتاني: والأظهر أن النهار هنا من طلوع شمس لا من طلوع فجر , والليل من غروبها إلى طلوعها" انتهى بتصرف واختصار.
ومذهب الإمام الشافعي رحمه الله أنه يسر في السنن الرواتب كلها، سواء كانت ليلية أم نهارية.
قال النووي رحمه الله: "أما صلاة العيد والاستسقاء والتراويح وخسوف القمر فيسن فيها الجهر بلا خلاف.
وأما نوافل النهار فيسن فيها الإسرار بلا خلاف.
وأما نوافل الليل غير التراويح فقال صاحب التتمة: يجهر فيها , وقال القاضي حسين وصاحب التهذيب: يتوسط بين الجهر والإسرار.
وأما السنن الراتبة مع الفرائض: فيسر بها كلها باتفاق أصحابنا" انتهى.
والذي يظهر ـ والله أعلم ـ أن المصلي نافلةً ليلاً، يخير بين الجهر والإسرار.
فعلى هذا، لا حرج عليك إن صليت راتبة الفجر والمغرب والعشاء سرّاً أو جهراً.
وينبغي التنبه إلى أن المداومة على صلاة هذه الرواتب جماعة ليس من السنة، ولا حرج إذا صلاها الإنسان جماعة أحياناً، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (38606) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1029)
كيف تنقذ جدها المتوفى من عاقبة أكله مال الآخرين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا حفيدة لجد مات، وأنا أحبه ولن أنساه بالدعاء: توفي جدي والد أبي، وبعد أن مات أصبحنا نراه في أحلامنا بأحوال غريبة ومفزعة، فمرة نراه محروقا، ومرة نراه يتقلب في دورة المياه، وهكذا، وبعد البحث تبين لنا أنه قد أخذ قطعة أرض ليتيم وبنى عليها منزله، وأن هذا اليتيم لا يعلم، ولكنه قبل أن يموت استسمح منه وأعطاه ثلاثة آلاف ريال دون أن يخبره، وقد سامحه وهو لا يعلم إلى الآن، كما أن جدي هذا وأخاً له - وقد مات أيضا - لم يعطوا أخواتهم وعمتهم ورثهم، كما هو متعارف بأن المرأة لا ترث، أما أخواتهم فقد ماتوا ولهم بنات، أما عمتهم فقد ماتت ولها ابن واحد، لكن المسألة لا تقف عند هذا الحد، فقد رفض الأبناء الاعتراف بحقوق الآخرين، بحجة أنهم لن يوزعوا أراضيهم على الناس، مع أنهم لا يذهبون إلى القرية، ويسكنون في المدن، والبيوت أصبحت مهجورة، والأراضي لم تعد تزرع، ونحن الأحفاد في حيرة من أمرنا، فهذا جدنا، ونحن الذين دائما نحلم به، فأرجو إعطائي الحل والنصيحة؛ فجدي في عذاب.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
من أخطر ما يمكن أن يلقى العبدُ ربَّه به يوم القيامة أكل أموال الناس بالباطل، فهي كبيرة من الكبائر التي تهلك العبد وتثقل وزره يوم القيامة، وتفضي به إلى النار، نسأل الله السلامة والعافية.
ومن أعظم الظلم والتعدي: أكل أموال المستضعفين من اليتامى والنساء، فقد خصهم الله تعالى بمزيد عناية، ومزيد تحذير من أكل أموالهم، لأن أيدي الظلمة تجد أموالهم سهلة المنال بسبب ضعفهم وعجزهم.
فلما ذكر الله سبحانه وتعالى في سورة النساء نصيب أصحاب الفروض من الوارثين، حذر من تجاوز هذه القسمة الشرعية، فقال سبحانه: (وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ) النساء/14.
كما عد الله تعالى أكل أموال اليتامى من الكبائر.
يقول الله تعالى: (وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً) النساء/2.
ويقول عز وجل: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) النساء/10.
وغصب الأرض من كبائر الذنوب، وعقابه شديد، ويزداد العقاب شدة إذا كانت الأرض ليتيم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ ظُلْمًا فَإِنَّهُ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ) رواه البخاري (3198) ومسلم (1610) .
فالعجب - والله - ممن تجده يحرص على أداء الصلوات ونوافل العبادات، ثم تجده قد شغل ذمته بحقوق الناس، وحمل على ظهره أوزارا تنوء بها الجبال يوم القيامة، فلم تردعه صلاته ولا صيامه ولا قراءته القرآن عن طمع نفسه وشحها، ولم يرحم ضعف امرأة أو صغير أو يتيم فاعتدى على حقوقهم التي كتبها الله لهم.
وبعد ذلك كله نرجو النجاة لهم عند الله؟!
أختنا:
نسأل الله أن يجزيك خير الجزاء على حرصك الشديد لإنقاذ جدك المتوفى مما تظنينه واقعاً فيه من العذاب، ولكننا لا نملك إلا أن نذكر لك الحقيقة التي قررها الله في كتابه، وقررها نبينا صلى الله عليه وسلم، أن غصب الأرض، وأكل أموال اليتامى ظلما، والتعدي في قسمة المواريث، كل ذل من كبائر الذنوب، فإذا لم يتب الرجل منها قبل موته (ومن توبته: رد الحقوق إلى أهلها) فإذا لم يتب كان معرضا لعقاب الله تعالى، ثم إذا كان يوم القيامة أخذ أصحاب الحقوق من حسناته بقدر حقوقهم، فإن فنيت حسناته أخذ من سيئاتهم وطرحت عليه، ثم طرح في النار، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه عن المفلس. رواه مسلم (2581) .
وتوبة جدك من غصب أرض اليتيم بالصورة التي ذكرت لا تكفي، بل كان الواجب عليه أن يخبره بحقيقة الأمر، ويعطيه حقه كاملا.
قال الغزالي رحمه الله - في شروط التوبة من مظالم الناس -:
"وعليه أن يعرفه قدر جنايته وتعرضه له، فالاستحلال المبهم لا يكفي، وربما لو عرف ذلك وكثرة تعديه عليه لم تطب نفسه بالإحلال، وادخر ذلك في القيامة ذخيرة يأخذها من حسناته أو يحمله من سيئاته " انتهى. " إحياء علوم الدين " (4 / 47) .
وجدك قد انتقل من دار العمل إلى دار الجزاء، فلا تملكون له إلا أمرين:
الأول: الدعاء له بأن يتجاوز الله عنه.
الثاني: رد الحقوق إلى أصحابها وسؤالهم أن يعفوا عن جدك ويسامحوه، فإنَّ ردَّ الحقوقِ إليهم ـ وإن كان لا يبرئ ذمة جدك تماماـ إلا أنه ولا شك يخفف كثيرا من المظالم التي تحملها، وحيث إنك تقولين إن بعض أصحاب الحقوق قد ماتوا، فالواجب دفع حقهم إلى ورثتهم.
ثانيا:
وأما أعمامك فالنصيحة لهم أن يبادروا إلى رد الحقوق إلى أصحابها، فإن لم يفعلوا كانوا مغتصبين لهذه الحقوق، وسيلقون الله تعالى بهذه الكبائر إن لم يتوبوا منها، وقولهم: " إنهم لن يعطوا أراضيهم للناس " قول عجيب منهم، وهم يعلمون أنها ليست أرضهم ولا أرض أبيهم، والقول الحق الموافق للواقع هو أن يقولوا: (إننا سنستمر غاصبين لأراضي الناس) . والظن بهم وبجميع المسلمين أنهم لا يقحمون أنفسهم فيما يستوجبون به عذاب الله، فإن عذاب الله شديد، ونعيم الدنيا بأجمعها لا يساوي لحظة في نار جهنم، نسأل الله العافية.
ونسأل الله أن يوفق أعمامك للتوبة النصوح.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1030)
ماذا يقرأ في جلسة التشهد الأولى؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد منكم بيان كيفية التشهد في الصلاة الثلاثية والرباعية، أعني هل يجب قراءة التشهد بأكمله في الركعة الثانية، وذلك بالتعليل من الكتاب والسنة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد للَّه
أولا:
التشهد الأول في الصلاة الثلاثية أو الرباعية واجب على الصحيح من قولي العلماء، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (65847) .
وللتشهد ألفاظ متنوعة، انظر بعضها في جواب السؤال رقم (98031) .
ثانيا:
اختلف العلماء في مشروعية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد قراءة التشهد الأول، على قولين:
القول الأول: أنه يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا قول الشافعي رحمه الله، وجعل على من تركها سجود السهود، واختار المشروعية أيضا ابن حزم في "المحلى" (2/302)
يقول الشافعي في "الأم" (1/228) :
" والتشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول في كل صلاة غير الصبح تشهدان: تشهد أول وتشهد آخر، إن ترك التشهد الأول والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول ساهيا لا إعادة عليه، وعليه سجدتا السهو لتركه " انتهى.
وقد اختار هذا القول الشيخ عبد العزيز بن باز والألباني رحمهما الله، انظر: "مجموع فتاوى ابن باز " (11/201) و "كتاب الصلاة " للألباني (ص 145) .
القول الثاني: أنه يقتصر على قراءة التشهد إلى الشهادتين، ولا يزيد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا قول جمهور الفقهاء، وقد اختار هذا القول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (12/39) :
" يرى جمهور الفقهاء أنّ المصلّي لا يزيد على التّشهّد في القعدة الأولى بالصّلاة على النّبيّ صلى الله عليه وسلم وبهذا قال النّخعيّ والثّوريّ وإسحاق.
وذهب الشّافعيّة في الأظهر من الأقوال إلى استحباب الصّلاة فيها، وبه قال الشّعبيّ.
وأمّا إذا جلس في آخر صلاته فلا خلاف بين الفقهاء في مشروعيّة الصّلاة على النّبيّ صلى الله عليه وسلم بعد التّشهّد " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (3/225) :
" لا يستحب أن تصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول، وهذا ظاهر السنة، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعلِّم ابن مسعود وابن عباس إلا هذا التشهد فقط، وقال ابن مسعود: (كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد) وذكر التشهد الأول فقط، ولم يذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول، فلو كان سنة لكان الرسول عليه الصلاة والسلام يعلمهم إياه في التشهد.
وأما قولهم: (يا رسول الله! علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا؟) فهو سؤال عن الكيفية وليس فيه ذكر الموضع، وفرق بين أن يعين الموضع أو تبين الكيفية، ولهذا قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد: كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم تخفيف هذا التشهد، ثم ذكر الحديث أنه (كان كأنما يجلس على الرضف) يعني الحجارة المحماة، من شدة تعجيله، وهذا الحديث وإن كان في سنده نظر، لكن هو ظاهر السنة، أي أنه لا يزيد على هذا، وفي صحيح ابن خزيمة (أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتشهد في هذا الجلوس ولا يدعو) ، ومع ذلك لو أن أحدا من الناس صلى على النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموضع ما أنكرنا عليه، لكن لو سَأَلَنَا أيهما أحسن؟ لقلنا: الاقتصار على التشهد فقط، ولو صلى لم ينه عن هذا الشيء؛ لأنه زيادة خير، وفيه احتمال، وإن كان ضعيفا أنه يصلي عليه في هذا المكان " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1031)
متى يَشرَعُ المأموم بالتسليم عن اليمين؟
[السُّؤَالُ]
ـ[عند التسليم من الصلاة، هل يسلم المأموم بعد الأولى من الإمام، ثم الثانية بعد الثانية، أم ينتظر ولا يسلم حتى ينتهي الإمام من التسليمة الثانية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الأفضل للمأموم أن لا يسلم من الصلاة حتى يفرغ الإمام من التسليمة الثانية.
قال النووي رحمه الله "المجموع" (3/463) :
" قال البغوي: يستحب ألا يبتدئ السلام حتى يفرغ الإمام من التسليمتين، وهو ظاهر نص الشافعي في البويطي كما نقله البغوي، فإنه قال: (ومن كان خلف إمام، فإذا فرغ الإمام من سلامه سلم عن يمينه وشماله) " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (4/267) :
"قال العلماء: يكره أن تسلم مع إمامك التسليمة الأولى والثانية، وأما إذا سلمت التسليمة الأولى بعد التسليمة الأولى، والتسليمة الثانية بعد التسليمة الثانية فإن هذا لا بأس به، لكن الأفضل أن لا تسلم إلا بعد التسليمتين " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1032)
هل يشترط في أدعية الصلاة أن تكون مما ثبت في السنة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[في قيام الليل عندما يطيل المصلي الركوع أو السجود هل يجب عليه أن يأتي بجميع الأذكار الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم أو الدعاء بما شاء من الأدعية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج على المصلي أن يدعو في صلاته بما شاء , مما ورد في السنة – وهو أفضل الأدعية وأجمعها , ومما لم يَرِدْ مما يجوز الدعاء به.
ومن دعا بما ورد في الشرع فله ثوابٌ على اتباعه ما ورد في الشرع، وله أجرٌ على دعائه.
ومن النصوص المبيحة لعموم الدعاء بما يجوز قوله صلى الله عليه وسلم: (ثم يتخيّر من المسألة ما شاء) وفي لفظ: (ثم يتخيّر من الدعاء أعجبه إليه فيدعو) رواه البخاري (835) ومسلم (402) وقد ورد هذا في الدعاء قبل التسليم من الصلاة.
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
" يشرع للمؤمن أن يدعو في صلاته في محل الدعاء سواء كانت الصلاة فريضة أو نافلة، ومحل الدعاء في الصلاة هو السجود، وبين السجدتين، وفي آخر الصلاة بعد التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وقبل التسليم، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو بين السجدتين بطلب المغفرة، وثبت أنه كان يقول بين السجدتين: (اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وارزقني وعافني) .
وقال عليه الصلاة والسلام: (أما الركوع فعظِّموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقَمِن – أي: جدير وحقيق - أن يُستجاب لكم) أخرجه مسلم في صحيحه، وخرَّج مسلم أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء) .
وفي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما علَّمه التشهد قال: (ثم ليتخير بعد من المسألة ما شاء) ، وفي لفظ: (ثم ليتخيَّر من الدعاء أعجبه إليه فيدعو) .
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، وهي تدل على شرعية الدعاء في هذه المواضع بما أحبه المسلم من الدعاء سواء كان يتعلق بالآخرة أو يتعلق بمصالحه الدنيوية , بشرط ألا يكون في دعائه إثم ولا قطيعة رحم، والأفضل أن يكثر من الدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم " انتهى.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (11 / 171، 172) .
وقال رحمه الله أيضاً:
" الدعاء في الصلاة لا بأس به سواء كان لنفسه أو لوالديه أو لغيرهما، بل هو مشروع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء) . . . ثم ذكر الأحاديث المتقدمة ثم قال: فإذا دعا في سجوده أو في آخر الصلاة لنفسه أو لوالديه أو المسلمين: فلا بأس؛ لعموم هذه الأحاديث وغيرها " انتهى.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (11 / 173، 174) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1033)
حكم الاستعاذة قبل قراءة الفاتحة في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الاستعاذة قبل قراءة القرآن في الصلاة؟ هل هي واجبة أم مستحبة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ قبل قراءة الفاتحة في الصلاة. رواه أبو داود (775) وصححه الألباني.
ثانياً:
اختلف العلماء في حكم الاستعاذة قبل قراءة الفاتحة في الصلاة فذهب بعضهم إلى الوجوب، وذهب إليه عطاء والثوري والأوزاعي وداود، نقله ابن حزم في "المحلى" (3/247-248) واختاره، وهو رواية عن أحمد اختارها ابن بطة كما في "الإنصاف" (2/119) ، واختار هذا القول من المتأخرين الشيخ الألباني رحمهم الله جميعا.
وذهب آخرون إلى الاستحباب فقط وليس الوجوب، وهو قول جماهير أهل العلم من الصحابة والتابعين والأئمة أبي حنيفة والشافعي وأحمد في المعتمد من مذهبه.
انظر: "تبيين الحقائق" (1/107) ،"المجموع" (3/280-282) ، "المغني" (1/283) ، "الفتاوى الكبرى" لابن تيمية (5/332) .
واستدل القائلون بالوجوب بقوله تعالى: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) النحل/98، قالوا: وفي الآية أمر بالاستعاذة، والقاعدة أن الأمر يفيد الوجوب ما لم تأت قرينة – يعني دليل – آخر يدل على أن المقصود بالأمر الاستحباب.
قال ابن حزم في "المحلى" (2/279) :
" وأما قول أبي حنيفة والشافعي أن التعوذ ليس فرضا فخطأ؛ لأن الله تعالى يقول: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) ، ومن الخطأ أن يأمر الله تعالى بأمر ثم يقولَ قائل بغير برهان من قرآن ولا سنة: هذا الأمر ليس فرضا، لا سِيَّما أمره تعالى بالدعاء في أن يعيذنا من كيد الشيطان، فهذا أمر مُتَيَقَّنٌ أنه فرض؛ لأن اجتناب الشيطان والفرار منه وطلب النجاة منه لا يختلف اثنان في أنه فرض، ثم وضع الله تعالى ذلك علينا عند قراءة القرآن " انتهى.
وأجاب الجمهور عن هذا الدليل بأنه قد جاءت بعض القرائن فصرفت الأمر عن الوجوب إلى الاستحباب، وهذه القرائن هي:
1- حديث المسيء صلاته: فقد عَلَّمَه النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة فقال له: (إِذَا قُمتَ إِلَى الصَّلاةِ فَكَبِّر ثُمَّ اقرَأ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ القُرآنِ ثُمَّ اركَع..إلخ) رواه البخاري ومسلم (397) ولم يذكر له الاستعاذة.
قال الإمام الشافعي في "الأم" (1/208) :
" وإن تركه ناسيا أو جاهلا أو عامدا لم يكن عليه إعادة ولا سجود سهو، وأكره له تركه عامدا، وأحب إذا تركه في أول ركعة أن يقوله في غيرها، وإنما منعني أن آمره أن يعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم عَلَّمَ رجلا ما يكفيه في الصلاة فقال: (كَبِّر ثُمَّ اقْرَأ) قال: ولم يُروَ عنه أنه أمره بتعوذ ولا افتتاح، فدل على أن افتتاح رسول الله صلى الله عليه وسلم اختيارٌ، وأن التعوذ مما لا يُفسِدُ الصلاةَ إن تركه " انتهى.
2- وجاء في "الموسوعة الفقهية" (4/6) :
" واحتجّ الجمهور بأنّ الأمر للنّدب، وصرفه عن الوجوب إجماع السّلف على سنّيّته " انتهى.
وقد اختار القول بأنه سنة مستحبة وليست واجبة علماء اللجنة الدائمة للإفتاء، والشيخ ابن عثيمين.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (6/383) :
ما حكم من نسي الاستعاذة من الشيطان الرجيم وتذكر بعد انقضاء الصلاة، أو ذكر أنه لم يقل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وهو بالصلاة؟
فأجابت:
" الاستعاذة سنة، فلا يضر تركها في الصلاة عمدًا أو نسيانا " انتهى.
وسئل الشيخ ابن عثيمين: هل الاستعاذة في كل ركعة أو في الأولى فقط؟
فأجاب:
" الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم في الصلاة سنة.
واختلف العلماء - رحمهم الله - هل يستعيذ في كل ركعة، أم في الركعة الأولى فقط، بناء على القراءة في الصلاة: هل هي قراءة واحدة، أم لكل ركعة قراءة منفردة؟
والذي يظهر لي: أن قراءة الصلاة واحدة، فتكون الاستعاذة في أول ركعة، إلا إذا حدث ما يوجب الاستعاذة، كما لو انفتح عليه باب الوساوس، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر الإنسان إذا انفتح عليه باب الوساوس أن يتفل عن يساره ثلاثاً، ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (13/110) .
وسبق اختيار هذا القول في جواب السؤال رقم (65847)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1034)
أين ينظر المصلي عند ما يسلم في الصلاة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما يسلم المصلي بعد الإمام، هل يدير رأسه باتجاه الكتفين أم إلى أقصى نهايتي الصف؟ عندما أصلي بمفردي وأسلم فأنا أنظر إلى طرفي الكتفين، هل فعلي صحيح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لم يأتِ نصٌّ في السنَّة النبويَّة - فيما نعلم - في موضع نظر المصلي عندما يسلِّم، والذي ورد في " صحيح مسلم " أنه يلتفت إلى صاحبه الذي بجانبه.
عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: صليتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنا إذا سلمنا قلنا بأيدينا " السلام عليكم "، " السلام عليكم "، فنظر إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (ما شأنكم تشيرون بأيديكم كأنها أذناب خيلٍ شُمُسٍ؟ إذا سلم أحدكم فليلتفت إلى صاحبه ولا يومئ بيده) رواه مسلم (431) .
وخيل شمس: هي الخيل النافرة التي لا تستقر.
وورد ما يدل على شدة الالتفات عن اليمين واليسار.
عن عامر بن سعد عن أبيه قال: كنت أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم عن يمينه وعن يساره حتى أرى بياض خده. رواه مسلم (582) .
وروى النسائي (1329) عن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الأَيْمَنِ، وَعَنْ يَسَارِهِ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الأَيْسَرِ. صححه الألباني في صحيح النسائي.
ولا يكون ذلك إلا عند شدة الالتفات، كما قال الكاساني في "بدائع الصنائع" (1/214) .
فتحصل من هذه الأحاديث: أن المصلي يلتفت عن اليمين والشمال، ويكون التفاته شديداً، وإلى مَنْ على يمينه وشماله، وله أن ينظر إليه أو إلى كتفه فالأمر واسع.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1035)
يقرأ خواتيم سورة البقرة في صلاة الوتر
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم المداومة على قراءة نهاية سورة البقرة في التسليمة الخامسة من صلاة التراويح؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
مداومة الإمام على قراءة خواتيم سورة البقرة في التراويح أو الشفع والوتر، إن اعتقد أنه سنة، فقط أخطأ. والثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ بالأعلى والكافرون والإخلاص. لما روى أبو داود (1423) والنسائي (1736) وابن ماجه (1171) واللفظ له، عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بسبح اسم ربك الأعلى، وقل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد) . صححه الألباني في صحيح النسائي.
فمن أراد اتباع النبي صلى الله عليه وسلم فهذه سنته، ولا حرج إذا قرأ غير ذلك من القرآن الكريم، لكن لا يداوم على شيء معين لا يتعداه إلى غيره، فإن هذا قد يُدخل فعله ذلك في البدعة المذمومة لأنه بذلك يخص صلاة بقراءة معينة لم يخصها الرسول صلى الله عليه وسلم، ويتقرب إلى الله بما لم يشرعه، وهذا من البدع.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1036)
الصلاة بثوب نصف كُم وحاسر الرأس
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أصلي في قميص نصف كم وحاسر الرأس، والمصلون في مسجدنا يعترضون على ذلك، وقد قيل لي: إنه نتيجة للملابس التي أرتديها وعدم اتباعي للسنة، فإني سأخسر بعض الثواب، ما هو اللباس اللائق للصلاة حسب سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
أمر الله تعالى المصلي أن يتجمل ويتزين للصلاة فقال: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) الأعراف/31.
والتزين للصلاة أمرٌ زائد على ستر العورة، ولذلك أمرت المرأة أن تستر رأسها في الصلاة، مع أنها يجوز لها كشفها أمام المحارم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
" وأما التزين للصلاة فأمرٌ زائد على ستر العورة، والأصل فيه الكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب: فقوله سبحانه وتعالى (خذوا زينتكم عند كل مسجد) أنزله الله سبحانه لما كان المشركون يطوفون بالبيت عراة ... وكل محل للسجود فهو مسجد، وهذا يدل على أن السترة للصلاة والطواف أمر مقصوده التزين لعبادة الله، ولذلك جاء باسم الزينة لا باسم السترة ليبين أن مقصوده أن يتزين العبد لا أن يقتصر على مجرد الاستتار.
وأما السنة: فقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله الصلاة حائض إلا بخمار) ... .
وأما الإجماع: فقال أبو بكر بن المنذر: أجمع أهل العلم على أن على المرأة الحرة البالغة أن تخمر (أي تغطي) رأسها إذا صلت، وعلى أنها إذا صلت وجميع رأسها مكشوف أن عليها إعادة الصلاة، وكذلك حكى غيره الإجماع على اشتراط السترة في الجملة " انتهى.
"شرح العمدة" (4/258، 259) باختصار.
ثانياً:
إذا عُلِم هذا: فإن على المصلي أن يأخذ زينته للصلاة، وتختلف هذه الزينة من بلاد إلى أخرى بحسب عرفهم، ومنه ما جاء في السؤال، وهو الصلاة في ثوب " نصف كُم " و " الصلاة حاسر الرأس " فإذا كان عرف أهل البلاد أن أكمل الزينة هو تغطية الرأس ولبس ثوب " كم طويل ": فإن الدخول في الصلاة على الهيئة الواردة في السؤال: خلاف ما أمر الله تعالى - وإن كانت الصلاة صحيحة - أما إن كان عُرف أهل البلاد في اللباس هو مثل ما جاء في السؤال، فلا حرج من الدخول في الصلاة على هذه الكيفية.
وينبغي أن يُعلم أن الحكم يختلف أيضاً باختلاف الثوب نفسه، فقد يكون الثوب ذو الكم القصير جرت العادة في بعض البلاد بلبسه، والتزين به، ويذهب به الرجل – مثلاً – إلى العمل ونحو ذلك، فهذا لا بأس من الصلاة فيه، وقد يكون هذا الثوب قد جرت العادة بأنه ليس من لباس الزينة، بل يلبسه الرجل في بيته فقط، أو عند النوم فقط، فمثل هذا لا ينبغي الصلاة فيه.
وهذه فتاوى أهل العلم، وفيها بيان القاعدة السابقة، وهي أن هذا الحكم تبع للعادة في كل بلد.
1. سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: إمام يصلي بالناس وليس على رأسه غطاء فما الحكم في هذا؟
فأجاب:
" لا حرج في ذلك؛ لأن الرأس ليس من العورة، وإنما الواجب أن يصلي بالإزار والرداء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء) لكن إذا أخذ زينته واستكمل لباسه كان ذلك أفضل؛ لقول الله جل وعلا: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) ، أما إن كان في بلاد ليس من عادتهم تغطية الرأس، فلا بأس عليه في كشفه " انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (10/405، 406) .
2. وسئل أيضاً رحمه الله: هل يجوز الصلاة بدون عمامة؟ وهل يجوز للإمام الذي يصلي بالناس أن يصلي بدون غترة؟ وهل تجزئ الطاقية؟
فأجاب:
" الصلاة بغير عمامة لا حرج فيها؛ لأن الرأس ليس بعورة، ولا يجب ستره في الصلاة، سواء كان المصلي إماماً أو منفرداً أو مأموماً، ولكن إذا لبس العمامة المعتادة كان أفضل، ولاسيما إذا صلى مع الناس؛ لقول الله عز وجل: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) وهي من الزينة.
ومعلوم أن المحرمين من الذكور يصلون كاشفي الرؤوس؛ لكونهم ممنوعين من سترها حال الإحرام، فعلم بذلك أن كشف الرأس في الصلاة لا حرج فيه " انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (10/406) .
3. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" وقد ورد عن ابن عمر أنه قال لمولاه نافع: " أتخرج إلى الناس حاسر الرأس؟ قال: لا، قال: فالله عز وجل أحق أن يستحيى منه "، وهو يدل على أن الأفضل ستر الرأس، ولكن إذا طبقنا هذه المسألة على قوله تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) الأعراف/31، تبين لنا أن ستر الرأس أفضل في قوم يُعتبر ستر الرأس عندهم من أخذ الزينة، أما إذا كنَّا في قوم لا يُعتبر ذلك من أخذ الزينة: فإنا لا نقول: إن ستره أفضل، ولا إن كشفه أفضل، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: " أنه كان يصلي في العمامة " والعمامة ساترة للرأس " انتهى.
"الشرح الممتع" (2/166) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1037)
ما الحكمة من الصلاة الجهرية والسرية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك حكمة معينة في صلاة الظهر والعصر سرّاً وباقي الفروض جهراً؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الجهر فيما جهر به النبي صلى الله عليه وسلم، والإسرار فيما أسرَّ به من الصلوات هو من سنن الصلاة وليس من واجباتها، والأفضل للمصلي عدم مجاوزة سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم وهديَه.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" الجهر بالقراءة في الصلاة الجهرية ليس على سبيل الوجوب بل هو على سبيل الأفضلية، فلو أن الإنسان قرأ سراً فيما يشرع فيه الجهر لم تكن صلاته باطلة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا صلاة لمن لم يقرأ بأمِّ القرآن) ولم يقيِّد هذه القراءة بكونها جهراً أو سرّاً، فإذا قرأ الإنسان ما يجب قراءته سرّاً أو جهراً: فقد أتى بالواجب، لكن الأفضل الجهر فيما يسن فيه الجهر مما هو معروف كصلاة الفجر والجمعة.
ولو تعمد الإنسان وهو إمام ألا يجهر فصلاته صحيحة لكنها ناقصة.
أما المنفرد إذا صلى الصلاة الجهرية: فإنه يخيَّر بين الجهر والإسرار، وينظر ما هو أنشط له وأقرب إلى الخشوع فيقوم به " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (13/73) .
ثانياً:
الأصل في المسلم التزام شرع الله تعالى دون تعليق فعله على معرفة العلة أو الحكمة، ولا مانع من تلمس الحكمة والسعي في طلبها بعد تنفيذه للأمر والتزامه بالهدي.
انظر السؤال (20785) ، (26862) .
ثالثاً:
سئل علماء اللجنة الدائمة:
لماذا نصلي الظهر والعصر سرّاً والمغرب والعشاء جهراً؟
فأجابوا:
" نفعل ذلك اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم، فنسرُّ فيما أسرَّ فيه، ونجهر فيما جهر فيه؛ لقول الله عز وجل: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) الأحزاب/21. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي) رواه البخاري في صحيحه.
"فتاوى اللجنة الدائمة " (6/394، 395) .
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز:
لماذا شرع الجهر بالتلاوة في صلاة المغرب والعشاء والفجر دون بقية الفرائض، وما الدليل على ذلك؟
فأجاب:
" الله سبحانه أعلم بحكمة شرعية الجهر في هذه المواضع، والأقرب - والله أعلم -: أن الحكمة في ذلك: أن الناس في الليل وفي صلاة الفجر أقرب إلى الاستفادة من الجهر وأقل شواغل من حالهم في صلاة الظهر والعصر " انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (11/122) .
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
ما الحكمة من الجهر بالقراءة في صلاة الجمعة؟
فأجاب:
" الحكمة في الجهر بقراءتها: أولاً: من الحِكَم - والله أعلم -: تحقيق الوحدة والاجتماع على إمام واحد، فإن اجتماع الناس على إمام واحد منصتين له أبلغ في الاتحاد من كون كل واحد منهم يقرأ سرًّا بينه وبين نفسه، ولتتميم هذه الحكمة وجب اجتماع الناس كلهم في مكان واحد إلا لضرورة.
والحكمة الثانية: أن تكون قراءة الإمام في الصلاة جهراً بمنزلة تكميل للخطبتين، ومن ثَمَّ كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الجمعة بما يناسب إما بـ " الجمعة والمنافقين "؛ لما في الأولى من ذكر الجمعة والحث عليها، وفي الثانية ذكر النفاق وذم أهله، وإما بـ " سبِّح " و " الغاشية "؛ لما في الأولى من ذكر ابتداء الخلق وصفة المخلوقات وذكر ابتداء الشرائع، وأما في الثانية ذكر القيامة والجزاء.
والحكمة الثالثة: الفرق بين الظهر والجمعة.
والحكمة الرابعة: لتشبه صلاة العيد؛ لأن الجمعة عيد الأسبوع " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (16/112) .
وانظر جواب السؤال: (65877) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1038)
تطويل الركعة الثانية وتقصير الأولى
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم الصلاة خلف إمام يقصر في الركعة الأولى، ويطول في الركعة الثانية؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
السنة في الصلاة تطويل الركعة الأولى، وتقصير الثانية، لما روى البخاري (759) ومسلم (685) عن أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ مِنْ صَلاةِ الظُّهْرِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ، يُطَوِّلُ فِي الأُولَى، وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ، وَيُسْمِعُ الآيَةَ أَحْيَانًا، وَكَانَ يَقْرَأُ فِي الْعَصْرِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ، وَكَانَ يُطَوِّلُ فِي الأُولَى، وَكَانَ يُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى مِنْ صَلاةِ الصُّبْحِ، وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ.
وبوب البخاري رحمه الله في صحيحه: (باب يطول في الركعة الأولى) وساق تحته حديث أبي قتادة (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطول في الركعة الأولى من صلاة الظهر، ويقصِّر في الثانية، ويفعل ذلك في صلاة الصبح) .
قال الحافظ ابن حجر: (قوله باب يطول في الركعة الأولى) أي في جميع الصلوات، وهو ظاهر الحديث المذكور) انتهى من فتح الباري (2/305) .
وقال النووي رحمه الله: (وقوله "وكان يطول الركعة الأولى ويقصر الثانية": هذا مما اختلف العلماء في العمل بظاهره، وهما وجهان لأصحابنا، أشهرهما عندهم: لا يطول، والحديث متأول على أنه طوّل بدعاء الافتتاح والتعوذ، أو لسماع دخول داخل في الصلاة ونحوه لا في القراءة. والثاني: أنه يستحب تطويل القراءة في الأولى قصداً، وهذا هو الصحيح المختار الموافق لظاهر السنة) انتهى من شرح مسلم (4/175) .
وعليه؛ فإذا كان الإمام يطول الركعة الثانية على الأولى، ويلتزم ذلك ويعتاده، فهذا خلاف السنة، وينبغي نصحه وإرشاده ليوافق سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فإن خير الهدى محمد صلى الله عليه وسلم. لكن تطويل الأولى على الثانية، ليس واجبا ولا شرطا لصحة الصلاة، بل هو أولى وأكمل.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1039)
الحكمة من الجهر في الصلوات الليلية والإسرار في الصلوات النهارية
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي الحكمة من الجهر في صلاة المغرب والعشاء؟
وما الحكمة من الجهر في ركعتين فقط من صلاة العشاء من أربع ركعات؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
المسلم مطالب باتباع النبي صلى الله عليه وسلم والاقتداء به، سواء علم الحكمة أم لم يعلمها، قال الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) الأحزاب/21.
مع الجزم بأن الشريعة مبنية على الحكم العظيمة الباهرة، لكن هذه الحكمة قد نعلمها، وقد نجهلها، وقد نعلم بعضها ونجهل بعضها الآخر.
ولا حرج على الإنسان في السؤال عن الحكمة والبحث عنها؛ لما في معرفتها من زيادة العلم، وطمأنينة القلب، وانشراح الصدر.
ثانياً:
تلمس بعض العلماء الحكمة من الجهر بالقراءة في الصلاة الليلية، والإسرار في الصلوات النهارية، وحاصل ما ذكروه في ذلك:
أن الليل وقت الهدوء والخلوة وفراغ القلب، فشرع فيه الجهر إظهاراً للذة مناجاة العبد لربه، وحتى يتوافق على القراءة القلب واللسان والأذن.
وإلى هذا المعنى أشارت الآية الكريمة:
(إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلا * إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلا) المزمل/6، 7.
قال ابن كثير (4/435) :
" والغرض أن ناشئة الليل هي ساعاته وأوقاته، وكل ساعة منه تسمى ناشئة، والمقصود أن قيام الليل هو أشد مواطأة بين القلب واللسان وأجمع على التلاوة ولهذا قال تعالى: (هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلا) أي أجمع للخاطر في أداء القراءة وتفهمها من قيام النهار، لأنه وقت انتشار الناس ولغط الأصوات وأوقات المعاش " انتهى.
وقال القرطبي (19/40) :
" فالمعنى: أشد موافقة بين القلب والبصر والسمع واللسان، لانقطاع الأصوات والحركات " انتهى.
وقال السعدي رحمه الله (ص 1058) :
" (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلا) أي أقرب إلى حصول مقصود القرآن، يتواطأ عليه القلب واللسان، وتقل الشواغل، ويفهم ما يقول، ويستقيم له أمره.
وهذا بخلاف النهار، فإنه لا يحصل به هذه المقاصد، ولهذا قال: (إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلا) أي: تردداً في حوائجك ومعاشك يوجب اشتغال القلب وعدم تفرغه التفرغ التام " انتهى.
قال في "تحفة المحتاج":
" بقي حكمة الجهر ما هي؟ ولعلها: أنها لما كان الليل محل الخلوة، ويطيب فيه السمر، شرع الجهر فيه إظهارا للذة مناجاة العبد لربه، وخص بالأوليين لنشاط المصلي فيهما، والنهار لما كان محل الشواغل والاختلاط بالناس، طلب فيه الإسرار، لعدم صلاحيته للتفرغ للمناجاة، وألحق الصبح بالصلاة الليلية لأن وقته ليس محلا للشواغل عادة كيوم الجمعة " انتهى.
وقال ابن القيم رحمه الله في "إعلام الموقعين" (2/91) :
" وأما التفريق بين صلاة الليل وصلاة النهار في الجهر والإسرار ففي غاية المناسبة والحكمة ; فإن الليل مظنة هدوء الأصوات وسكون الحركات وفراغ القلوب واجتماع الهمم المشتتة بالنهار , فالنهار محل السبح الطويل بالقلب والبدن , والليل محل مواطأة القلب للسان، ومواطأة اللسان للأذن ; ولهذا كانت السنة تطويل قراءة الفجر على سائر الصلوات , وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ فيها بالستين إلى المائة , وكان الصَّدَّيق يقرأ فيها بالبقرة , وعمر بالنحل وهود وبني إسرائيل ويونس ونحوها من السور ; لأن القلب أفرغ ما يكون من الشواغل حين انتباهه من النوم , فإذا كان أول ما يقرع سمعه كلام الله الذي فيه الخير كله بحذافيره صادفه خاليا من الشواغل فتمكن فيه من غير مزاحم ; وأما النهار فلما كان بضد ذلك كانت قراءة صلاته سرية إلا إذا عارض في ذلك معارض أرجح منه , كالمجامع العظام في العيدين والجمعة والاستسقاء والكسوف ; فإن الجهر حينئذ أحسن وأبلغ في تحصيل المقصود , وأنفع للجمع , وفيه من قراءة كلام الله عليهم وتبليغه في المجامع العظام ما هو من أعظم مقاصد الرسالة " انتهى.
زادنا الله وإياك علما نافعا وعملا صالحا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1040)
أركان الصلاة وواجباتها وسننها
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي سنن الصلاة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سنن الصلاة كثيرة، منها القولية، ومنها الفعلية. والمقصود بالسنن: ما عدا الأركان والواجبات.
وقد أوصل بعض الفقهاء السنن القولية إلى سبع عشرة سنة، والسنن الفعلية إلى خمس وخمسين سنة. ولا تبطل الصلاة بترك شئ من السنن، ولو عمدا. بخلاف الأركان والواجبات.
والفرق بين الركن والواجب: أن الركن لا يسقط عمدا ولا سهوا، بل لابد من الإتيان به.
أما الواجب: فيسقط بالنسيان، ويجبر بسجود السهو.
ولعل من المناسب هنا أن نذكر أركان الصلاة وواجباتها، ثم شيئاً من سننها، معتمدين في ذلك على ما في متن "دليل الطالب" وهو مختصر مشهور عند فقهاء الحنابلة:
أولا: أركان الصلاة، وهي أربعة عشر ركناً، كما يلي:
1- أحدها القيام في الفرض على القادر.
2- تكبيرة الإحرام وهي الله أكبر.
3- قراءة الفاتحة.
4- الركوع، وأقله أن ينحني بحيث يمكنه مس ركبتيه بكفيه، وأكمله أن يمد ظهره مستويا ويجعل رأسه حياله.
5- الرفع منه.
6- الاعتدال قائما.
7- السجود، وأكمله تمكين جبهته وأنفه وكفيه وركبتيه وأطراف أصابع قدميه من محل سجوده. وأقله وضع جزء من كل عضو.
8- الرفع من السجود.
9- الجلوس بين السجدتين. وكيف جلس كفى، والسنة أن يجلس مفترشا على رجله اليسرى وينصب اليمنى ويوجهها إلى القبلة.
10- الطمأنينة وهي السكون في كل ركن فعلي.
11- التشهد الأخير.
12- الجلوس له وللتسليمتين.
13- التسليمتان، وهو أن يقول مرتين: السلام عليكم ورحمة الله، ويكفي في النفل تسليمة واحدة، وكذا في الجنازة.
14- ترتيب الأركان كما ذكرنا، فلو سجد مثلا قبل ركوعه عمدا بطلت، وسهواً لزمه الرجوع ليركع ثم يسجد.
ثانيا: واجبات الصلاة، وهي ثمانية، كما يلي:
1- التكبير لغير الإحرام.
2- قول: سمع الله لمن حمده للإمام وللمنفرد.
3- قول: ربنا ولك الحمد.
4- قول: سبحان ربي العظيم مرة في الركوع.
5- قول: سبحان ربي الأعلى مرة في السجود.
6- قول: رب اغفر لي بين السجدتين.
7- التشهد الأول.
8- الجلوس للتشهد الأول.
ثالثا: سنن الصلاة القولية، وهي إحدى عشرة سنة، كما يلي:
1- قوله بعد تكبيرة الإحرام: " سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك " ويسمى دعاء الاستفتاح.
2- التعوذ.
3- البسملة.
4- قول: آمين.
5- قراءة السورة بعد الفاتحة.
6- الجهر بالقراءة للإمام.
7- قول غير المأموم بعد التحميد: ملء السماوات، وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد. (والصحيح أنه سنة للمأمون أيضاً) .
8- ما زاد على المرة في تسبيح الركوع. أي التسبيحة الثانية والثالثة وما زاد على ذلك.
9- ما زاد على المرة في تسبيح السجود.
10- ما زاد على المرة في قوله بين السجدتين: رب اغفر لي.
11- الصلاة في التشهد الأخير على آله عليهم السلام، والبركة عليه وعليهم، والدعاء بعده.
رابعا: سنن الأفعال، وتسمى الهيئات:
1- رفع اليدين مع تكبيرة الإحرام.
2- وعند الركوع.
3- وعند الرفع منه.
4- وحطهما عقب ذلك.
5- وضع اليمين على الشمال.
6- نظره إلى موضع سجوده.
7- تفرقته بين قدميه قائما.
8- قبض ركبتيه بيديه مفرجتي الأصابع في ركوعه، ومد ظهره فيه، وجعل رأسه حياله.
9- تمكين أعضاء السجود من الأرض ومباشرتها لمحل السجود سوى الركبتين فيكره.
10- مجافاة عضديه عن جنبيه، وبطنه عن فخذيه، وفخذيه عن ساقيه، وتفريقه بين ركبتيه، وإقامة قدميه، وجعل بطون أصابعهما على الأرض مفرقةً، ووضع يديه حذو منكبيه مبسوطةً مضمومةَ الأصابع.
11- الافتراش في الجلوس بين السجدتين، وفي التشهد الأول، والتورك في الثاني.
12- وضع اليدين على الفخذين مبسوطتين مضمومتي الأصابع بين السجدتين، وكذا في التشهد إلا أنه يقبض من اليمنى الخنصر والبنصر ويحلق إبهامها مع الوسطى ويشير بسبابتها عند ذكر الله.
13- التفاته يمينا وشمالا في تسليمه.
وفي بعض هذه الأمور خلاف بين الفقهاء، فقد يكون الفعل الواجب عند أحدهم مسنونا عند الآخر، وهذا مبسوط في كتب الفقه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1041)
سدل اليدين عند التعب هل فيه مشابهة للرافضة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز لي أن أسدل يديّ أثناء الصلاة، كما يفعل الشيعة عندما أشعر بالتعب؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
مما لا شك فيه أن السنة هي وضع المصلي يده اليمنى على اليسرى في الصلاة.
عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة.
قال أبو حازم: لا أعلمه إلا يُنمي ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم – أي: يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم -. رواه البخاري (707) .
وعن وائل بن حُجْر رضي الله عنه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه حين دخل في الصلاة كبَّر حيال أذنيه ثم التحف بثوبه ثم وضع يده اليمنى على اليسرى. رواه مسلم (401) .
وانظر جواب السؤال رقم (5770) لترى حقيقة دين الرافضة، وفيه سقنا الأدلة الصحيحة على وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة.
وفي جواب السؤال رقم (6109) ترى الرد على من نقل عن الإمام مالك خلاف هذه السنَّة، وفيه تصريح بعض كبار المالكية في إثبات هذه السنة عن النبي صلى الله عليه وعن الإمام مالك.
ثانياً:
من شعر بالتعب فإن له أن يسدل يديه بقدر ما يرتاح به، ثم يعود إلى قبضهما، وقد قال الله تعالى: (لاَ يكلِّف الله نَفْساً إلا وُسْعَهَا) ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلِّي من الليل فإذا تعب جلس فإذا قرب من الركوع قام ليركع.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في شيء من صلاة الليل جالساً حتى إذا كبر قرأ جالسا، فإذا بقي عليه من السورة ثلاثون أو أربعون آية قام فقرأهن ثم ركع. رواه البخاري (1097) ومسلم (731) .
وثبت في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم صلى أياماً وهو جالس بسبب مرضه، فإذا جاز أن يترك القيام وهو ركن من أركان الصلاة بسبب المرض، فيجوز ترك السنة من أجل التعب من باب أولى، على أن يرجع للقبض بعد ذهاب ما به من تعب.
قال الشافعي رحمه الله في "الأم" (1/100) :
" ولو افتتح الصلاة قائما ثم عرض له عذر جلس، فإن ذهب عنه لم يجزه إلا أن يقوم " انتهى.
وقال النووي في "شرح مسلم" (6/11) :
" قولها: (قرأ جالسا حتى إذا بقي عليه من السورة ثلاثون أو أربعون آية قام فقرأهن ثم ركع) فيه: جواز الركعة الواحدة بعضها من قيام وبعضها من قعود , وهو مذهبنا ومذهب مالك وأبي حنيفة وعامة العلماء , وسواء قام ثم قعد , أو قعد ثم قام، ومنعه بعض السلف , وهو غلط " انتهى.
وخلاصة الجواب:
أنه لا حرج من سدل اليدين في الصلاة بسبب التعب، على أن يعود للقبض متى زال التعب، ولا يعد ذلك مشابهة للرافضة لأنه سيكون مؤقتا، وللعذر، وإنما يكون مشابهة لهم إذا اتخذه المصلي شعارا له بحيث لا يصلي صلاة إلا ويسدل يديه، ولا يقبضهما أبدا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1042)
حكم قبض اليدين في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم قبض اليدين في الصلاة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً: قبض اليدين في الصلاة يعني: وضع اليد اليمنى على اليسرى في حال القيام سنة من سنن الصلاة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال بها جماهير أهل العلم.
قال ابن قدامة رحمه الله:
" أما وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة: فمن سنتها في قول كثير من أهل العلم , يروى ذلك عن علي وأبي هريرة والنخعي وأبي مجلز وسعيد بن جبير والثوري والشافعي وأصحاب الرأي , وحكاه ابن المنذر عن مالك " انتهى.
"المغني" (1/281) .
وقال علماء اللجنة الدائمة:
" القبض في الصلاة وضع كف اليد اليمنى على اليد اليسرى، والسدل في الصلاة إرسال اليدين مع الجانبين، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه وضع يده اليمنى على اليسرى في الصلاة حال القيام للقراءة، وحال القيام بعد الرفع من الركوع، وذلك فيما رواه أحمد ومسلم عن وائل بن حجر رضي الله عنه (أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه حين دخل في الصلاة وكبر، ثم التحف بثوبه، ثم وضع اليمنى على اليسرى، فلما أراد أن يركع أخرج يديه ثم رفعهما وكبر فركع فلما قال سمع الله لمن حمده رفع يديه فلما سجد سجد بين كفيه) وفي رواية لأحمد وأبي داود: (ثم وضع يده اليمنى على كفه اليسرى والرسغ والساعد) ، وفيما رواه أبو حازم عن سهل بن سعد الساعدي قال: (كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة) ، وقال أبو حازم: لا أعلمه إلا ينمي – أي: رفعه وينسبه - ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم. رواه أحمد والبخاري.
ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديثٍ أنه سدل يديه وأرسلهما مع جنبيه في القيام في الصلاة " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (6/365، 366) .
ثانياً:
وأما مكان وضعهما فعلى الصدر.
روى ابن خزيمة (479) عن وائل بن حجر رضي الله عنه قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره.
صححه الألباني في "تحقيق صحيح ابن خزيمة".
وقال الألباني في "صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم" (ص 69) :
" وضعهما على الصدر هو الذي ثبت في السنة، وخلافه إما ضعيف أو لا أصل له " انتهى.
وقال السندي في حاشية ابن ماجه:
" وَبِالْجُمْلَةِ فَكَمَا صَحَّ أَنَّ الْوَضْع هُوَ السُّنَّة دُون الإِرْسَال ثَبَتَ أَنَّ مَحَلّه الصَّدْر لا غَيْر، وَأَمَّا حَدِيث: (أَنَّ مِنْ السُّنَّة وَضْع الأَكُفّ عَلَى الأَكُفّ فِي الصَّلاة تَحْت السُّرَّة) فَقَدْ اِتَّفَقُوا عَلَى ضَعْفه " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين:
" وهذه الصفة – أعني: وَضْع اليدين تحت السُّرَّة - هي المشروعة على المشهور مِن المذهب، وفيها حديث علي رضي الله عنه أنه قال: (مِن السُّنَّةِ وَضْعُ اليدِ اليُمنى على اليُسرى تحت السُّرَّةِ) – رواه أبو داود وضعفه النووي وابن حجر وغيرهما -.
وذهب بعضُ العلماء: إلى أنه يضعها فوق السُّرة، ونصَّ الإِمام أحمد على ذلك.
وذهب آخرون مِن أهل العِلم: إلى أنه يضعهما على الصَّدرِ، وهذا هو أقرب الأقوال، والوارد في ذلك فيه مقال، لكن حديث سهل بن سعد الذي في البخاري ظاهرُه يؤيِّد أنَّ الوَضْعَ يكون على الصَّدرِ، وأمثل الأحاديث الواردة على ما فيها من مقال حديث وائل بن حُجْر أن النبي صلى الله عليه وسلم: (كان يضعُهما على صدرِه) .
"الشرح الممتع" (3/36، 37) .
ثالثا ً:
وأما صفة وضعهما: فلذلك صفتان:
الأولى: أن يضع كفه اليمنى على كفه اليسرى والرسغ والساعد.
الثانية: أن يقبض بيده اليمنى على اليسرى
وانظر أدلة ذلك في جواب السؤال (41675) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1043)
ما هو الدليل على النظر إلى موضع السجود حال الركوع
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأنا فتوى من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء - وهي موجودة في سؤال رقم (8580) - بأن المصلِّي ينظر إلى موضع سجوده حال ركوعه، هل يوجد دليل على هذا القول؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
جاءت أحاديث في السنَّة الصحيحة فيها ذِكر هدي النبي صلى الله عليه وسلم في النظر إلى موضع السجود حال الصلاة، وهي – في عمومها – تشمل جميع أجزاء الصلاة، ولعل هذه النصوص هي أدلة علماء اللجنة الدائمة والمنقول قولهم في السؤال رقم (8580) ، ومن هذه النصوص:
ما رواه ابن حبان (4 / 332) والحاكم (1 / 652) عن عائشة رضي الله عنها قالت: " دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الكعبة ما خلف بصره موضع سجوده حتى خرج منها " صححه الألباني في " صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ".
وفي الباب آثار عن بعض السلف ذكرها الإمام عبد الرزاق الصنعاني في " المصنف "، ومنها:
1. عن أبي قلابة قال: سألت مسلم بن يسار أين منتهى البصر في الصلاة؟ فقال: إن حيث تسجد حسن.
2. عن إبراهيم النخعي أنه كان يحب للمصلي أن لا يجاوز بصره موضع سجوده.
3. عن ابن سيرين أنه كان يحب أن يضع الرجل بصره حذاء موضع سجوده.
" مصنف عبد الرزاق " (2 / 163) .
وهذا الذي قاله علماء اللجنة هو قول الجمهور: أبي حنيفة والشافعي وأحمد، واستثنى بعضهم موضع التشهد فقالوا: ينظر المصلي فيه إلى السبابة، وهو استثناء صحيح له ما يؤيده من صحيح السنَّة.
فعن عبد الله بن الزبير أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان إذا قعد في التشهد وضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى وأشار بالسبابة لا يجاوز بصره إشارته ".
رواه أبو داود (990) والنسائي (1275) – واللفظ له - وصححه النووي في " شرح مسلم " (5 / 81) فقال: والسنَّة أن لا يجاوزه بصره إشارته، وفيه حديث صحيح في " سنن أبي داود ".
وقد استدل بعض العلماء بقوله تعالى: (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) البقرة / 44 على أن المصلي ينظر أمامه لا إلى موضع سجوده، وهو قول مرجوح.
قال ابن قدامة:
يستحب للمصلي أن يجعل نظره إلى موضع سجوده، قال أحمد - في رواية حنبل -: الخشوع في الصلاة: أن يجعل نظره إلى موضع سجوده، وروي ذلك عن مسلم بن يسار , وقتادة.
" المغني " (1 / 370) .
ثانياً:
وردت السنَّة الصحيحة أن الراكع يستحب له أن لا يرفع رأسه ولا يخفضه، بل يكون مستوياً مع ظهره.
عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بالتكبير، والقراءة بـ " الحمد لله رب العالمين "، وكان إذا ركع لم يُشْخِص رأسَه ولم يُصوِّبْه ولكن بين ذلك.
رواه مسلم (498) .
قال الشيخ ابن عثيمين وهو يبين هيئة الركوع وان الراكع يستحب له أن يكون مستوياً ظهره:
قال: " مستوياً ظهره ": الاستواء: يشمل استواء الظهر في المَدِّ، واستواءه في العلوِّ والنزول، يعني لا يقوِّس ظهره، ولا يهصره حتى ينزل وسطه، ولا ينزل مقدم ظهره، بل يكون ظهره مستوياً، وقد جاء ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، قالت عائشة: " كان إذا ركع لم يُشْخِصْ رأسه ولم يُصَوِّبْهُ "، لم يُشْخِصْه: يعني: لم يرفعه، ولم يُصوِّبْه: لم ينزله، ولكن بين ذلك.
" الشرح الممتع " (3 / 90) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1044)
أسباب الفتور وعلاجه
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هو الحل الأمثل للفتور في الإيمان بعد أن كان الشخص يتقي الله ثم أصابه فتور بحيث لم يعد يستطيع أن يقرأ القرآن؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
للفتور أسباب لا بدَّ قبل العلاج من الوقوف عليها ومعرفتها. ومعرفتها من طرق وعلاج الفتور.
ومن هذه الأسباب: ضعف الصلة بالله تعالى، والتكاسل في الطاعة والعبادة، وصحبة ضعيفي الهمة، والانشغال بالدنيا وملذاتها، وعدم التفكر في نهاية الدنيا ويعقبه ضعف الاستعداد للقاء الله تعالى.
وأما كيفية علاج المسلم لما يصيبه من فتور في الطاعة والعبادة، فيكون بعدة أمور منها:
1. توثيق الصلة بربه تعالى، وذلك عن طريق قراءة القرآن قراءة تفكر وتدبر، واستشعار عظمة الله تعالى من عظمة كتابه، والتفكر في عظيم أسمائه وصفاته وأفعاله تعالى.
2. المداومة على النوافل والاستمرار عليها، وإن كانت قليلة فمن أكثر أسباب إصابة المسلم بالفتور هو الاندفاع بالطاعة والإكثار منها في أول الطريق، ولم يكن هذا هديه صلى الله عليه وسلم ولا وصيته لأمته، فقد وصفت عائشة رضي الله عنها عمله صلى الله عليه وسلم بأنه " ديمة " أي: دائم غير منقطع، وأخبرنا صلى الله عليه وسلم بأن " أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قلَّ "، فإذا أراد المسلم أن لا يصاب بالفتور فليحرص على العمل القليل الدائم فهو خير من كثير منقطع.
3. الحرص على الصحبة الصالحة النشيطة، فصاحب الهمة يزيدك نشاطا، والكسول لا يرضى بصحبة صاحب الهمة، فابحث عن صحبة لها همم تسعى للحفظ وطلب العلم والدعوة إلى الله، فمثل هؤلاء يحثونك على العبادة ويدلونك على الخير.
4. قراءة الكتب المتخصصة في سير أعلام أصحاب الهمة لتقف على نماذج صالحة في سيرك إلى الله، ومن هذه الكتب " علو الهمة " للشيخ محمد بن إسماعيل المقدم، وكتاب " صلاح الأمة في علو الهمة " للشيخ سيد عفاني.
5. ونوصيك بالدعاء، وخاصة في جوف الليل الآخر، فما خاب من لجأ إلى ربه واستعان بمولاه ليثبته على الطاعة ويعينه على حسن أدائها.
ونسأل الله أن يوفقك لما فيه رضاه، وأن يهديك لأحسن الأخلاق والأقوال والأعمال.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1045)
هل يقول المأموم (سمع الله لمن حمده) عند رفعه من الركوع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت في إحدى الملصقات أن على الإمام والمأموم عند الانتهاء من الركوع أن يقولوا: (سمع الله لمن حمده) ثم بعد ذلك يقول المأمومون: (اللهم ربنا لك الحمد) ، وهذا بخلاف ما نشأنا عليه، أن الإمام فقط هو الذي يقول: (سمع الله لمن حمده) فيرد المأمومون عند الرفع من الركوع: (اللهم ربنا لك الحمد) . فأفتونا مأجورين.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
التسميع (وهو قول " سمع الله لمن حمده ") عند الرفع من الركوع والتحميد عند الاستواء قائما (وهو قول " ربنا لك الحمد ") سنة مستحبة عند جمهور أهل العلم، وذهب الحنابلة إلى وجوبها، والصحيح القول بالوجوب.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (3/433) :
والدليل على ذلك (يعني: الوجوب) ما يلي:
أولا: أن الرسول صلى الله عليه وسلم واظب على ذلك، فلم يدع قول (سمع الله لمن حمده) في حال من الأحوال.
ثانيا: أنه شعار الانتقال من الركوع إلى القيام.
ثالثا: قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا قال سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد) " انتهى.
وقد سبق ذكر التسميع والتحميد في واجبات الصلاة في سؤال رقم (65847) .
ثانيا:
اتفق الفقهاء على أن المنفرد يجمع بين التسميع والتحميد، فيقول: (سمع الله لمن حمده) حين يرفع من الركوع، فإذا استوى قائما قال: (ربنا ولك الحمد) .
وقد نقل الاتفاق: الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/240) ، وابن عبد البر في "الاستذكار" (2/178) .
وإن كان في "المغني" (1/548) ما يفيد أن هناك خلافاً في المسألة.
ولكنهم اختلفوا في الإمام والمأموم ما الذي يشرع لكل منهما:
أما الإمام:
فذهب الحنفية والمالكية إلى أنه يُسَمِّعُ فقط، ولا يسن له أن يقول: ربنا لك الحمد.
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أن الإمام يُسَمِّعُ ويَحمّد.
والراجح هو القول الثاني؛ لما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَالَ سَمِعَ اللهًُ لِمَنْ حَمِدَه قَالَ: الَّلهُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الحَمدُ) .
رواه البخاري (795) ومسلم (392) .
وقد بيَّن الحافظ ابن حجر أن استحباب تحميد الإمام مستفاد من هذا الحديث ومن غيره.
انظر: "فتح الباري" (2/367) .
وأما المأموم:
فقد قال جمهور العلماء من الحنفية والمالكية والحنابلة بأن المأموم يقتصر على التحميد فقط، ولا يقول (سمع الله لمن حمده) .
وخالفهم الشافعية والظاهرية، فقالوا باستحباب التسميع والتحميد في حق المأموم، وهو اختيار الألباني في "صفة الصلاة" (135) وللتوسع في أدلتهم انظر رسالة السيوطي في "الحاوي للفتاوي" (1/35) .
والراجح – والله أعلم - هو قول الجمهور.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله "لقاء الباب المفتوح" (1/320) :
" المؤتم إذا قال إمامه سمع الله لمن حمده لا يقول سمع الله لمن حمده؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما جُعل الإمام لِيُؤتَمَّ به، فإذا كبَّر فكبِّروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد) .
فقال (إذا كبر فكبروا) (وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد) ، ففرَّقَ النبي صلى الله عليه وسلم بين التكبير وبين التسميع، التكبير نقول كما يقول، والتسميع لا نقول كما يقول، لأن قوله (إذا قال: سمع الله لمن حمده قولوا ربنا ولك الحمد) بمنزلة قوله: إذا قال سمع الله لمن حمده فلا تقولوا سمع الله لمن حمده ولكن قولوا ربنا ولك الحمد، بدليل السياق، سياق الحديث الذي قال: (إذا كبر فكبروا) ، ومن قال مِن أهل العلم إنه يقول (سمع الله لمن حمده) ويقول (ربنا ولك الحمد) فقوله ضعيف، وليس أحدٌ يقبل قولُه على الإطلاق، ولا يُرَدُّ قولُه على الإطلاق، حتى يُعرض على الكتاب والسنة، ونحن إذا عرضناه على السنة وجدنا الأمر كما سمعت " انتهى.
وانظر: "المغني" (1/548) ، "الأم" (1/136) ، "المحلى" (1/35) ، "الموسوعة الفقهية" (27/93-94)
ويتبين بذلك أن المسألة فيها خلاف بين أهل العلم، فلا غرابة أن تكون بعض الملصقات قد قررت ما ذهب إليه بعض أهل العلم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1046)
حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد
[السُّؤَالُ]
ـ[يسلم الإمام بسرعة شديدة خلال صلاة التراويح، والوقت لا يكفيني إلا لإنهاء التشهد الأول، لكنه يسلم قبل أن أقول التشهد الثاني (الصلاة الإبراهيمية) .
فهل يجوز أن أنهي صلاتي في هذه النقطة؟ أم أن التشهد الإبراهيمي إلزامي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
اختلف العلماء في حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد في الصلاة، على أقوال، فمنهم من قال بأنها ركن لا تصح الصلاة إلا بها، ومنهم من قال بوجوبها، والقول الثالث: أنها سنة مستحبة، وليست بواجبة.
وقد رجَّح الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله القول الثالث، فقال في شرح "زاد المستقنع":
قوله: " والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه " أي: في التشهُّدِ الأخير، وهذا هو الرُّكن الثاني عشر مِن أركان الصلاة.
ودليل ذلك: أنَّ الصَّحابة سألوا النبي صلى الله عليه وسلم: يا رسولَ الله؛ عُلِّمْنَا كيف نُسلِّم عليك، فكيف نُصلِّي عليك؟ قال: قولوا: (اللَّهُمَّ صَلِّ على محمَّدٍ، وعلى آل محمَّدٍ) ، والأمر يقتضي الوجوب، والأصلُ في الوجوب أنَّه فَرْضٌ إذا تُرِكَ بطلت العبادة، هكذا قرَّرَ الفقهاءُ رحمهم الله دليل هذه المسألة.
ولكن إذا تأملت هذا الحديث لم يتبيَّن لك منه أنَّ الصَّلاة على النبي صلى الله عليه وسلم رُكنٌ، لأنَّ الصحابة إنَّما طلبوا معرفة الكيفية؛ كيف نُصلِّي؟ فأرشدهم النبي صلى الله عليه وسلم إليها، ولهذا نقول: إن الأمر في قوله: (قولوا) ليس للوجوب، ولكن للإِرشاد والتعليم، فإنْ وُجِدَ دليل غير هذا يأمر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصَّلاة فعليه الاعتماد، وإنْ لم يوجد إلا هذا فإنه لا يدلُّ على الوجوب، فضلاً عن أن يَدلَّ على أنها رُكن؛ ولهذا اُختلفَ العلماء في هذه المسألة على أقوال:
القول الأول: أنها رُكنٌ، وهو المشهور مِن المذهب، فلا تصحُّ الصلاة بدونها.
القول الثاني: أنها واجب، وليست برُكن، فتُجبر بسجود السَّهو عند النسيان.
قالوا: لأن قوله: (قولوا: اللَّهُمَّ صَلِّ على محمَّدِ) محتمل للإِيجاب وللإِرشاد، ولا يمكن أن نجعله رُكناً لا تصحُّ الصلاة إلا به مع هذا الاحتمال.
القول الثالث: أنَّ الصَّلاةَ على النبي صلى الله عليه وسلم سُنَّة، وليست بواجب ولا رُكن، وهو رواية عن الإمام أحمد، وأن الإِنسان لو تعمَّد تَرْكها فصلاتُه صحيحة؛ لأن الأدلَّة التي اُستدلَّ بها الموجبون، أو الذين جعلوها رُكناً ليست ظاهرة على ما ذهبوا إليه، والأصل براءة الذِّمة.
وهذا القول أرجح الأقوال إذا لم يكن سوى هذا الدليل الذي استدلَّ به الفقهاء رحمهم الله، فإنه لا يمكن أن نبطلَ العبادة ونفسدها بدليل يحتمل أن يكون المراد به الإِيجاب، أو الإِرشاد. " الشرح الممتع " (3 / 310 – 312) .
وعلى هذا القول فتصح الصلاة بدونها.
ثانياً:
ينبغي نصح هذا الإمام وغيره من الأئمة الذين يسرعون في صلاة التراويح سرعة مفرطة، فيمنعون من وراءهم من إتمام صلاتهم.
وقد نص العلماء على أنه ينبغي للإمام أن يتأنَّى في الصلاة حتى يتمكن المأمومون من الإتيان بالواجبات وبعض السنن، وأنه يكره له الإسراع بحيث يمنع المأمومين من ذلك.
قال النووي:
مَعْنَى أَحَادِيث الْبَاب ظَاهِر –يعني الأحاديث التي فيها الأمر للإمام بالتخفيف- وَهُوَ الأَمْر لِلإِمَامِ بِتَخْفِيفِ الصَّلاة بِحَيْثُ لا يُخِلّ بِسُنَّتِهَا وَمَقَاصِدهَا.
وجاء في الموسوعة الفقهية (14/243) :
وَالْمُرَادُ بِالتَّخْفِيفِ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَدْنَى الْكَمَالِ , فَيَأْتِي بِالْوَاجِبَاتِ , وَالسُّنَنِ , وَلا يَقْتَصِرُ عَلَى الأَقَلِّ وَلا يَسْتَوْفِي الأَكْمَلَ.
وقال ابن عبد البر:
التَّخْفِيفُ لِكُلِّ إِمَامٍ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ مَنْدُوبٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ إِلَيْهِ إِلا أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ أَقَلُّ الْكَمَالِ , وَأَمَّا الْحَذْفُ وَالنُّقْصَانُ فَلا. . . ثم قَالَ: لا أَعْلَمُ خِلافًا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي اِسْتِحْبَابِ التَّخْفِيفِ لِكُلِّ مَنْ أَمَّ قَوْمًا عَلَى مَا شَرَطْنَا مِنْ الإِتْمَامِ.
وقال ابن قدامة في المغني (1/323) :
وَيُسْتَحَبُّ لِلإِمَامِ أَنْ يُرَتِّلَ الْقِرَاءَةَ وَالتَّسْبِيحَ وَالتَّشَهُّدَ بِقَدْرِ مَا يَرَى أَنَّ مَنْ خَلْفَهُ مِمَّنْ يَثْقُلُ لِسَانُهُ قَدْ أَتَى عَلَيْهِ , وَأَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ , قَدْرَ مَا يَرَى أَنَّ الْكَبِيرَ وَالصَّغِيرَ وَالثَّقِيلَ قَدْ أَتَى عَلَيْهِ. فَإِنْ خَالَفَ وَأَتَى بِقَدْرِ مَا عَلَيْهِ , كُرِهَ وَأَجْزَأَهُ.
وفي الموسوعة الفقهية (6/213) :
وَيُكْرَهُ لَهُ الإِسْرَاعُ , بِحَيْثُ يُمْنَعُ الْمَأْمُومُ مِنْ فِعْلِ مَا يُسَنُّ لَهُ , كَتَثْلِيثِ التَّسْبِيحِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ , وَإِتْمَامِ مَا يُسَنُّ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ.
وقال الشيخ ابن عثيمين في رسالة في أحكام الصيام والزكاة والتراويح:
" وأما ما يفعل بعض الناس من الإسراع المفرط فإنه خلاف المشروع، فإن أدَّى إلى الإخلال بواجب أو ركن كان مبطلاً للصلاة.
وكثير من الأئمة: لا يتأنَّى في صلاة التراويح وهذا خطأ منهم، فإن الإمام لا يصلي لنفسه فقط، وإنما يصلي لنفسه ولغيره، فهو كالولي يجب عليه فعل الأصلح، وقد ذكر أهل العلم أنه يكره للإمام أن يسرع سرعة تمنع المأمومين فعل ما يجب " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1047)
التنويع بين أذكار الركوع والجمع بينها
[السُّؤَالُ]
ـ[ورد في الركوع عدة أذكار مثل (سبحان الله العظيم وبحمده - سبوح قدوس رب الملائكة والروح - اللهم لك ركعت....) فهل يجوز أن أجمع نوعين من أنواع الذكر في الركوع كأن أقول: " سبحان ربي العظيم (ثلاثاً) ثم سبوح قدوس رب الملائكة والروح (ثلاثا ً) ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ورد في أذكار الركوع ما يلي:
1- قول: " سبحان ربي العظيم " لما روى مسلم (772) عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ ثم ذكر الحديث.... وفيه: (ثُمَّ رَكَعَ , فَجَعَلَ يَقُولُ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ) .
2- قول: " سبحان ربي العظيم وبحمده "؛ لما روى أبو داود عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: (فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَكَعَ قَالَ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ ثَلاثًا , وَإِذَا سَجَدَ قَالَ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى وَبِحَمْدِهِ ثَلاثًا) صححه الألباني في صفة الصلاة (ص 133) .
3- قول: " سبوح قدوس رب الملائكة والروح "؛ لما روى مسلم (487) عن عائشة رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: (سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلائِكَةِ وَالرُّوحِ) .
4- قول: " سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي "؛ لما روى البخاري (794) ومسلم (484) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: (سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي) .
5- قول: " اللهم لك ركعت وبك آمنت ... الخ "؛ لما روى مسلم (771) عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا رَكَعَ قَالَ: (اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ , وَبِكَ آمَنْتُ , وَلَكَ أَسْلَمْتُ , خَشَعَ لَكَ سَمْعِي وَبَصَرِي وَمُخِّي وَعَظْمِي وَعَصَبِي) .
ثانيا:
ينبغي للمسلم أن يحافظ على هذه السنن الثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فيأتي بهذا أحيانا، وهذا أحيانا، وله أن يجمع بين هذه الأذكار في الركوع الواحد.
قال النووي رحمه الله في "الأذكار" (ص 86) : " ولكن الأفضل أن يجمعَ بين هذه الأذكار كلها إن تمكن من ذلك بحيث لا يشقّ على غيره، ويقدّم التسبيح منها، فإن أراد الاقتصارَ فيستحبُّ التسبيح. وأدنى الكمال منه ثلاث تسبيحات، ولو اقتصر على مرّة كان فاعلاً لأصل التسبيح. ويُستحبّ إذا اقتصر على البعض أن يفعل في بعض الأوقات بعضها، وفي وقت آخر بعضاً آخر، وهكذا يفعل في الأوقات حتى يكون فاعلاً لجميعها " انتهى.
وقال في "الإقناع" من كتب الحنابلة (1/119) : " ولا تكره الزيادة على قول رب اغفر لي، ولا على سبحان ربي العظيم، وسبحان ربي الأعلى، في الركوع والسجود، مما ورد " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (3/77) بعد أن ذكر جملة من أذكار الركوع، وهل يجمع بين هذه الأذكار أو يقتصر على ذكر واحد؟
قال: " هذا محل احتمال، وقد سبق أن الاستفتاحات الواردة لا تقال جميعا، إنما يقال بعضها أحيانا وبعضها أحيانا، وبينّا دليل ذلك، لكن أذكار الركوع المعروف عند عامة العلماء أنها تذكر جميعاً " انتهى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1048)
قراءة سورة بعد الفاتحة ليس واجباً
[السُّؤَالُ]
ـ[عندما نلحق بالجماعة في الركعة الثالثة أو الرابعة فهل يجب أن نقرأ سورة بعد الفاتحة حين نقضي الركعات الفائتة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله قراءة القرءان بعد الفاتحة في الصلاة ليس بواجب لا في الفرض ولا في النافلة، ولا في الجهر، ولا في السر، ولا لمسبوق، ولا لغيره.
عن عطاء قال: قال أبو هريرة: في كل صلاة قراءة، فما أسمعَنا النبي صلى الله عليه وسلم أسمعْناكم، وما أخفى منا أخفيناه منكم، ومن قرأ بأم الكتاب فقد أجزأت عنه ومن زاد فهو أفضل.
رواه البخاري (738) وعنده " وإن زدت فهو خير "، ومسلم (396) .
قال النووي:
قوله " ومن قرأ بأم الكتاب أجزأت عنه، ومن زاد فهو أفضل ": فيه دليل لوجوب الفاتحة، وأنه لا يجزى غيرها.
وفيه استحباب السورة بعدها، وهذا مجمع عليه في الصبح والجمعة والأولييْن من كل الصلوات وهو سنة عند جميع العلماء، وحكى القاضي عياض رحمه الله تعالى عن بعض أصحاب مالك وجوب السورة وهو شاذ مردود.
وأما السورة في الثالثة والرابعة فاختلف العلماء هل تستحب أم لا وكره ذلك مالك رحمه الله تعالى واستحبه الشافعي رضي الله عنه في قوله الجديد دون القديم والقديم هنا أصح.
" شرح مسلم " (4 / 105، 106) .
وقال الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ:
وقراءة السورة (بعد الفاتحة) على قول جمهور أهل العلم سنة وليست واجبة لأنه لا يجب إلا قراءة الفاتحة.
" الشرح الممتع " (3 / 103) .
وإذا قمت بعد تسليم الإمام لإتمام صلاتك، فإن الصحيح من أقوال أهل العلم أن ما أدركته مع الإمام هو أول صلاتك راجع سؤال رقم (23426) ، فإن كان بقي من صلاتك الركعة الثالثة والرابعة فإنك تقرأ فيهما بالفاتحة فقط، وإذا كان بقي من صلاتك الركعة الثانية وما بعدها فإنك تقرأ في الثانية بالفاتحة وسورة، وفيما بعدها بالفاتحة فقط.
ويجوز للمصلي أن يقرأ سورة بعد الفاتحة في الركعة الثالثة والرابعة غير أنه يفعل ذلك أحياناً، لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم بحديث رقم (452)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1049)
السنة الراتبة فضلها ووقتها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل نصلي السنة القبلية قبل دخول وقت الصلاة أم قبل إقامة الصلاة؟ إذا كانت قبل دخول الوقت فقبل كم ساعة يمكن أن أصلي؟ مثال: هل يجوز أن أصلي 4 ركعات سنة العصر القبلية قبل الأذان بثلاث ساعات؟ أم أنتظر حتى يدخل وقت العصر ثم أصلي السنة ثم الفرض؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فإن السنن الراتبة تنقسم إلى قسمين:
سنن قبلية وهي ركعتان قبل الفجر، وأربع قبل الظهر.
وسنن بعدية وهي ركعتان بعد الظهر وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء.
وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: " مَنْ صَلَّى فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاةِ الْفَجْرِ ".
رواه الترمذي رقم 380 وصححه الألباني في صحيح الجامع 6362
ووقت السنة القبلية هو من دخول وقت الصلاة إلى إقامتها.
ووقت السنة البعدية هو بعد السلام من صلاة الفريضة إلى خروج وقتها.
قال ابن قدامة رحمه الله: " كل سنة قبل الصلاة فوقتها من دخول وقتها إلى فعل الصلاة، وكل سنةٍ بعدها فوقتها من فعل الصلاة إلى خروج وقتها " المغني (2/544) .
وعلى هذا لا يصح أن تصلي السنة القبلية قبل دخول وقت الصلاة، بل تنتظر حتى يدخل الوقت ثم تصليها.
أنظر الأسئلة (1048) ، (4057)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1050)
تغطية الرأس أثناء الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل من السنة ارتداء قبعة أو غطاء رأس أثناء الصلاة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قال الله تعالى: (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد) ، فإذا كانت تغطية الرأس من أخْذ الزينة في عرف ذلك البلد شرع تغطية الرأس، وإذا لم يكن من أخذ الزينة لم يشرع، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1051)
إسدال المالكية أيديهم في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[نرى بعض الأخوة المالكيين يسدلون أيديهم في الصلاة، ولكن الكثير من العلماء قالوا بأنه لا يوجد حديث ولا حتى ضعيف يدل على ما يفعلون.
هل يمكن أن تشرح هذا وهل هذا فعلاً كان رأي الإمام مالك؟ وهل تجوز الصلاة هكذا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جاء عن سهل بن سعد قال: كان الناس يؤمرون أن يضع الرجلُ اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة. رواه البخاري رقم (740)
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنا معشر الأنبياء أُمرنا أن نؤخر سحورنا ونعجل فطرنا وأن نمسك بأيماننا على شمائلنا في صلاتنا أخرجه ابن حبان في الصحيح (3/13-14) .
ومن هذين الحديثين يتبين لنا خطأ من يرسل يديه، إذ وضع اليد اليمنى على اليسرى هو هدي نبينا صلى الله عليه وسلم وهدي الأنبياء قبله انظر زاد المعاد1/202
قال ابن عبد البر:
لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه خلاف وهو قول الجمهور من الصحابة والتابعين وهو الذي ذكره مالك في الموطأ ولم يحك ابن المنذر وغيره عن مالك غيره،.. . انظر الفتح (2/224) ونيل والأوطار (2/201) .
وذكر المالكية في رواية سنية القبض في الفرض والنفل: أنها الأظهر، لأن الناس كانوا يؤمرون في الصدر الأول انظر القوانين 65.
والمشهور في كتب المتأخرين من المالكية أن وضع اليدين تحت الصدر فوق السرة مندوب للمصلي المتنفل وكذا للمفترض إن قصد بالوضع الاتباع أو لم يقصد شيئاً أما إن قصد الاعتماد والاتكاء على يديه بوضعهما كره له..
قال الباجي من كبار المالكية: " وقد يحمل قول مالك بكراهية قبض اليدين على خوفه من اعتقاد العوام أن ذلك ركن من أركان الصلاة تبطل الصلاة بتركه ".
ومن يتأمل هذه المسألة يعلم علماً قاطعاً أنهم جميعاً يعترفون بأن سنة النبي صلى الله عليه وسلم هي وضع اليدين أمام المصلى لا لإرسالها بجنبه، وأن الإمام مالك ما قال بإرسالها- إن صح هذا عنه - إلا ليحارب عملاً غير مسنون وهو قصد الاعتماد أو اعتقادا فاسدا وهو ظن العامي وجوب ذلك وقيل إنّ مالك رحمه الله ضُرب لما رفض القضاء فلم يستطع وضع يديه على صدره في الصلاة فأسدلهما للألم فظنّ بعض من رآه أنها السنة ونقلها عنه، وإلا فهو رحمه الله -على التحقيق - لم يقل بالإرسال البتة وهذا غلط عليه في فهم عبارة المدونة وخلاف منصوصه المصرح به في " الموطأ " القبض وقد كشف عن هذا جمع من المالكية وغيرهم في مؤلفات مفردة تقارب ثلاثين كتاباً سوى الأبحاث التابعة في الشروح والمطولات ".
ثم لو ثبت عن مالك الإرسال دون علّة فما هو الأولى بالاتّباع فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقوله - كما في الأحاديث المتقدمة - أم كلام الإمام مالك؟
فكل مريد للحقّ سيتّبع سنة محمد صلى الله عليه وسلم ويقدّمها على قول كلّ أحد والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1052)
هل يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم إذا دعا في سجوده
[السُّؤَالُ]
ـ[أعلم أنه من شروط الدعاء أن نصلي على النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأن الدعاء لا يستجاب له إذا لم نصلي على الرسول صلى الله عليه وسلم. هل هذا حكم عام؟ ماذا إذا أراد الشخص أن يدعو في السجود، هل يجب أن يصلي على الرسول صلى الله عليه وسلم أيضا؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يمكن تقسيم الدعاء في الشرع إلى قسمين، قسم مطلق وقسم مقيد.
أما المطلق: فهو الذي رغَّب الشرع بإنشائه من العبد، كالدعاء في ثلث الليل الآخر، والدعاء بين الأذان والإقامة، والدعاء في عرفة، وما شابه ذلك.
وأما المقيد: فهو الدعاء الذي يقال عند دخول مكان أو خروج منه أو عند حدوث شيء أو ما شابه ذلك، كالدعاء عند دخول الخلاء والخروج منه، والدعاء عند هبوب الريح وغير ذلك.
أما الأول وهو المطلق: فهو الذي يتأكد فيه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ويكون فيه أيضاً الثناء على الله عز وجل وقد روى فضالة بن عبيد قال: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يدعو في صلاته لم يمجد الله تعالى ولم يصلِّ على النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عَجِلَ هذا، ثم دعاه، فقال له أو لغيره: " إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه جل وعز والثناء عليه ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو بعد بما شاء ". رواه الترمذي (3477) وأبو داود (1481) .
وأما مراتب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند الدعاء فقد ذكرها العلامة ابن القيم رحمه الله فقال:
إحداها: أن يصلي عليه قبل الدعاء وبعد حمد الله تعالى.
والمرتبة الثانية: أن يصلي عليه في أول الدعاء وأوسطه وآخره.
والثالثة: أن يصلي عليه في أوله وآخره ويجعل حاجته متوسطة بينهما. " جلاء الأفهام " (ص 375)
وأما الحكمة من جعل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء فقد قال شيخ الإسلام رحمه الله عن ذلك:
الصلاة عليه من أعظم الوسائل التي بها يستجاب الدعاء وقد أمر الله بها، والصلاة عليه في الدعاء هو الذي دل عليه الكتاب والسنة والإجماع قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب / 56] .
" مجموع الفتاوى " (1 / 347)
وقال ابن القيم:
وهذه المواطن التي تقدمت كلها شرعت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيها أمام الدعاء، فمفتاح الدعاء الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كما أن مفتاح الصلاة الطهور فصلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً." جلاء الأفهام " (ص 377) ..
وأما النّوع المقيد من الأدعية الذي تقدّم ذكره: فليس فيه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، إلا ما جاء في بعضها كدعاء دخول المسجد وبعد الأذان كما سيأتي نصها.
وقد علَّم النبي صلى الله عليه وسلم أمَّته أدعية مخصوصة مقيدة في أوقات معلومة أو بعد أفعال مخصوصة ليس فيها الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم، ومنها:
- دعاء الاستخارة.
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن يقول إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر - ويسمِّيه - خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال عاجل أمري وآجله فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه وإن كنت تعلم أن هذا الأمر - ويسمِّيه - شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال في عاجل أمري وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم أرضني. رواه البخاري (1113) .
- الدعاء عند دخول الخلاء.
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال " اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث ". رواه البخاري (5963) ومسلم (375) .
- الدعاء عند هبوب الريح.
عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح قال: " اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به ". رواه مسلم (899) .
وغير ذلك من الأدعية التي علّمنا إياها ولم يُذكر في نصها الصلاة عليه صلى الله عليها وسلم فينبغي أن نأتي بها كما علمنا إياها دون زيادة ولا نقصان، ويدخل في هذا الحكم الدعاء في السجود وهو الوارد في السؤال، إذ قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أدعية في سجوده ليس في أحدها الصلاة والسلام عليه، ومنها:
عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده " سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي ". رواه البخاري (874) ومسلم (484) .
وعن عائشة قالت: فقدتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الفراش فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان وهو يقول: " اللهم أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ". رواه مسلم (486) .
ولا ننسى أنّ المصلي سوف يتلو الصلاة الإبراهيمية في جلسة التشهد في صلاته التي يدعو فيها فيكون عمله غير خال من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما الأدعية المخصوصة التي فيها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فمنها:
- الدعاء عند دخول المسجد.
عن أبي حميد وأبي أسيد قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ليقل اللهم افتح لي أبواب رحمتك، فإذا خرج فليقل اللهم إني أسألك من فضلك ". رواه أبو داود (466) . والحديث: صححه الشيخ الألباني رحمه الله في " تمام المنَّة " (ص 290) .
- الدعاء بعد الأذان.
عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة ". رواه مسلم (384) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1053)
جلسة الاستراحة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم جلسة الاستراحة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تستحب المحافظة على جلسة الاستراحة، وهي جلسة لطيفة عقب السجدتين في كل ركعة لا يتشهد عقبها، وقد ثبت حديثها في صحيح البخاري، وثبت في سنن أبي داود والترمذي من طرق أخرى بأسانيد صحيحة، وهو الصحيح في مذهب الشافعي باتفاق المصنفين، ولا تستحب عقب سجدة التلاوة في الصلاة. انتهى كلام الإمام النووي.
وجلسة الاستراحة هي: جلسة خفيفة عقب السجدة الثانية وقبل القيام، وهي سنة عند الشافعي وإسحاق وأحمد، فقد روي عن أبي قلابة رضي الله عنه قال: صلّى لنا مالك بن الحويرث صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان إذا رفع رأسه من السجدة الأخيرة في الركعة الأولى قعد ثم قام، رواه الخمسة إلا مسلماً. ولفظ البخاري: (وكان إذا رفع رأسه عن السجدة الثانية جلس واعتمد على الأرض ثم قام) .
أقول: ومن الهيئات جلسة الاستراحة، يؤتى بها بعد كل سجدة ثانية يقوم عنها.
فلا تسن بعد سجدة التلاوة، ولا للمصلي قاعداً، ولا في الركعة الرابعة من الظهر مثلاً، ولا في الثانية منه، إن أراد التشهد فإن أراد تركه سن له أن يأتي بها.
وهي: فاصلة بين الركعتين على المعتمد ليست من الأولى ولا من الثانية.
والأفضل: أن لا تزيد على قدر الطمأنينة، لأنها من السنن التي أقلها أكملها كسكتات الصلاة.
[الْمَصْدَرُ]
حاشية كتاب فتاوى الإمام النووي ص 47(5/1054)
الدعاء في التشهد الأخير
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك أدعية يقولها المصلي في التشهد الأخير بعد التحيات والصلاة الإبراهيمية؟ وما هي؟ بعض الأئمة يُطيل في التشهد الخير والمأموم لا يدري ماذا يقول.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ [وفي رواية: إِذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنَ التَّشَهُّدِ الآخِرِ] فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ يَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ. صحيح مسلم 588
وقد ورد أيضا مع هذه الأربع الاستعاذة من المأثم والمغرم فقد روى البخاري ومسلم عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو فِي الصَّلَاةِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَفِتْنَةِ الْمَمَاتِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ مَا أَكْثَرَ مَا تَسْتَعِيذُ مِنَ الْمَغْرَمِ فَقَالَ إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ.. البخاري 833
وقد ورد أيضا أنه علّم أبا بكر الصّديق دعاء يدعو به في صلاته كما جاء في صحيح البخاري عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي قَالَ قُلْ اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي إِنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. رقم790 وهذا الدّعاء يُمكن أن يجعله المصلي في التشهد الأخير بعد الاستعاذات السابقة.
وقد ورد أيضا أن للمصلي أن يدعو بعد الاستعاذات بأيّ دعاء طيّب يريده ويسأل الله ما يشاء من خيري الدنيا والآخرة فقد جاء عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَعَذَابِ الْقَبْرِ وَفِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَمِنْ شَرِّ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ ثُمَّ يَدْعُو لِنَفْسِهِ بِمَا بَدَا لَهُ * رواه النسائي 1293، والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1055)
هل حمل الطفل وفيه نجاسة أثناء الصلاة يبطل الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل حمل الطفل الذي به نجاسة أثناء الصلاة يبطل الصلاة والوضوء أيضا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
من شروط صحة الصلاة: اجتناب النجاسة في البدن والثوب والمكان، فمن صلى وعلى ثوبه أو بدنه نجاسة أو حمل طفلاً متنجساً أو حمل قارورة فيها نجاسة ... ، بطلت صلاته عند جمهور العلماء، ولا يبطل وضوؤه.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/403) : " لو حمل " المصلي " قارورة فيها نجاسة مسدودة , لم تصح صلاته..; لأنه حامل لنجاسة غير معفو عنها في غير معدنها , فأشبه ما لو كانت على بدنه أو ثوبه " انتهى بتصرف يسير.
وينظر: "الموسوعة الفقهية" (40/99) ، "المجموع" (3/157) ، "كشاف القناع" (1/289) .
ثانياً:
بطلان الصلاة مقيد بما إذا حمل المصلي الصبي، وهو يعلم أن به نجاسة، أما إذا لم يعلم أو كان يعلم أن به نجاسة، إلا أنه حمله ناسياً صحت صلاته.
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (3/163) :
"مذاهب العلماء فيمن صلى بنجاسة نسيها أو جهلها: ذكرنا أن الأصح في مذهبنا وجوب الإعادة وبه قال أبو قلابة وأحمد، وقال جمهور العلماء: لا إعادة عليه , حكاه ابن المنذر عن ابن عمر وابن المسيب وطاوس وعطاء وسالم بن عبد الله ومجاهد والشعبي والنخعي والزهري ويحيى الأنصاري والأوزاعي وإسحاق وأبي ثور قال ابن المنذر: وبه أقول , وهو مذهب ربيعة ومالك وهو قوي في الدليل وهو المختار " انتهى.
وقال المرداوي في "الإنصاف" (1/486) :
قوله: (فإن علم أنها كانت في الصلاة , لكن جهلها أو نسيها فعلى روايتين) .
إحداهما: تصح. وهي الصحيحة عند أكثر المتأخرين , اختارها المصنف [يعني: ابن قدامة] ... , والشيخ تقي الدين [يعني: ابن تيمية] .
الثانية: لا تصح , فيعيد , وهو المذهب " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"فإن صلى وبدنه نجس أي قد أصابته نجاسة لم يغسلها أو ثوبه نجس، أو بقعته نجسة فصلاته غير صحيحة عند جمهور العلماء، لكن لو لم يعلم بهذه النجاسة، أو علم بها ثم نسي أن يغسلها حتى تمت صلاته، فإن صلاته صحيحة ولا يلزمه أن يعيد، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه ذات يوم فخلع نعليه، فخلع الناس نعالهم، فما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم سألهم لماذا خلعوا نعالهم؟ قالوا: رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا، فقال: (إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما خبثاً) . ولو كانت الصلاة تبطل باستصحاب النجاسة حال الجهل لاستأنف النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة.
إذن اجتناب النجاسة في البدن، والثوب، والبقعة شرط لصحة الصلاة، لكن إذا لم يتجنب الإنسان النجاسة جاهلاً، أو ناسياً فإن صلاته صحيحة، سواء علم بها قبل الصلاة ثم نسي أن يغلسها، أو لم يعلم بها إلا بعد الصلاة.
فإن قلت: ما الفرق بين هذا وبين ما إذا صلى بغير وضوء ناسياً أو جاهلاً، حيث أَمَرْنا من صَلَّى بغير وضوء ناسياً أو جاهلاً بالإعادة، ولم نأمر الذي صلى بالنجاسة ناسياً أو جاهلاً بالإعادة؟
قلنا: الفرق بينهما: أن الوضوء أو الغسل من باب فعل المأمور، واجتناب النجاسة من باب ترك المحظور، وترك المأمور لا يعذر فيه بالجهل والنسيان بخلاف فعل المحظور" انتهى من "مجموع الفتاوى" (12/390) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1056)
من أحدث في الصلاة وتوضأ فهل يبني على صلاته أو يستأنف
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا انتقض وضوئي أثناء الصلاة هل أكمل الصلاة؟ وهل أكمل من حيث وقفت أو أبدأ الصلاة من أولها؟ ومتى يسلم الشخص هل بعد التسليم الأول أم بعد تسليم الإمام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
من انتقض وضوؤه في الصلاة بريح أو غيره خرج فتوضأ ثم عاد فاستأنف الصلاة من أولها على الراجح من قولي العلماء، وهو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة، خلافا للحنفية والشافعي في القديم.
وهذا فيمن غلبه الحدث، وأما من تعمد الحدث، فإن صلاته تبطل بالإجماع.
وحجة الجمهور في هذه المسألة: القياس. قالوا: لأن الحدث يُبطل الطهارة، فكذلك يبطل الصلاة، كحدث المتعمّد.
وأما الحنفية فاحتجوا بحديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أصابه قيء أو رعاف أو قلس أو مذي فلينصرف فليتوضأ، ثم ليبن على صلاته، وهو في ذلك لا يتكلم) لكنه حديث ضعيف، رواه ابن ماجه (1221) وقال البوصيري في الزوائد: " في إسناده إسماعيل بن عياش. وقد روى عن الحجازيين وروايته عنهم ضعيفة ". وقال الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير": (1/495) : " وأعله غير واحد بأنه من رواية إسماعيل بن عياش , عن ابن جريج , ورواية إسماعيل عن الحجازيين ضعيفة , وقد خالفه الحفاظ من أصحاب ابن جريج فرووه عنه عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا " انتهى. وينظر: "التحقيق في أحاديث الخلاف" لابن الجوزي (1/83) ، "وتنقيح التحقيق" لابن عبد الهادي (1/284) .
وقال النووي رحمه الله: "قد ذكرنا أن مذهبنا الصحيح الجديد: أنه لا يجوز البناء، بل يجب الاستئناف , وهو مذهب المسور بن مخرمة الصحابي رضي الله عنه. وبه قال مالك وآخرون , وهو الصحيح من مذهب أحمد.
وقال أبو حنيفة وابن أبي ليلى والأوزاعي: يبني على صلاته. وحكاه ابن الصباغ وغيره عن عمر بن الخطاب وعلي وابن عمر رضي الله تعالى عنهم. ورواه البيهقي عن علي وسلمان الفارسي وابن عباس وابن عمر وابن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن وعطاء وطاوس وأبي إدريس الخولاني وسليمان بن يسار وغيرهم رضي الله تعالى عنهم , وقد ذكر المصنف مختصر دليل المذهبين , والحديث ضعيف , والصحابة رضي الله تعالى عنهم مختلفون في المسألة فيصار للقياس , والله أعلم " انتهى من "المجموع" (4/6) .
وينظر: "المغني" (1/421) .
وتأوّل الشافعي رحمه الله ما جاء عن بعض الصحابة في خروجهم من الصلاة للرعاف وتوضئهم ثم البناء على الصلاة، تأوله على غسل الدم لا الوضوء المعروف.
قال رحمه الله: " وإنما معنى وضوئهما عندنا: غسل الدم وما أصاب من الجسد، لا وضوء الصلاة، وقد روي عن ابن مسعود أنه غسل يديه من طعام ثم مسح ببلل يديه وجهه، وقال: هذا وضوء من لم يحدث، وهذا معروف من كلام العرب، يسمى وضوءا لغسل بعض الأعضاء، لا لكمال وضوء الصلاة " نقله البيهقي في "السنن الكبرى" (1/143) .
ومما يدل لمذهب الجمهور: ما روى أبو داود (205) عَنْ عَلِيِّ بْنِ طَلْقٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا فَسَا أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَنْصَرِفْ فَلْيَتَوَضَّأْ، وَلْيُعِدْ الصَّلَاةَ) والحديث مختلف في صحته، وصححه ابن حبان، وحسنه غيره.
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" سؤال عن حديث: (من أحدث في صلاة فلينصرف، فإن كان في صلاة جماعة فليأخذ بأنفه ولينصرف فليتوضأ ثم ليبن على ما مضى من صلاته ما لم يتكلم) .
فأجابوا: "هذا الحديث ضعفه بعض أئمة الحديث؛ ولذا فما دل عليه من أن المحدث في صلاته ينصرف ثم يتوضأ ويرجع ليكمل ما بقي من صلاته غير صحي، بل إن الحدث في أثناء الصلاة يبطلها، وعلى الشخص بعد إعادة الوضوء أن يستأنف الصلاة من أولها؛ كما دل عليه حديث علي بن طلق رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا فسا أحدكم في الصلاة فلينصرف وليتوضأ، وليعد الصلاة) رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وصححه ابن حبان " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/438) المجموعة الثانية.
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " من انتقض وضوؤه في الصلاة بريح أو رعاف كثير أو غيرهما , فإن صلاته تبطل في أصح قولي العلماء ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا فسا أحدكم في الصلاة فلينصرف، وليتوضأ، ثم ليعد الصلاة) أخرجه الإمام أحمد , وأهل السنن , كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في البلوغ.
أما الحديث الذي فيه البناء على ما مضى من الصلاة فهو حديث ضعيف , كما أوضح ذلك أيضا الحافظ ابن حجر في البلوغ " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (10/159) .
ثانياً:
الأفضل للمأموم أن لا يسلم من الصلاة حتى يفرغ الإمام من التسليمة الثانية، وانظر جواب السؤال رقم (75977) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1057)
التوفيق بين أمر المسيء صلاته بالإعادة وعدم أمر معاوية بن الحكم بها
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف أجمع بين حديث معاوية عندما شمت العاطس ولم يأمره النبي بالإعادة ومعاوية لا يعلم أنها مبطلة للصلاة، وعدم أمر النبي بالإعادة دليل على صحة صلاة معاوية، وبين حديث أن النبي أمر المسيء صلاته بالإعادة وهذا يدل على بطلان صلاته ولو كان جاهلا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
حديث معاوية بن الحكم هو ما رواه مسلم (537) عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ قَالَ: بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ، فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَقُلْتُ: وَا ثُكْلَ أُمِّيَاهْ: مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ! فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ، فَوَاللَّهِ مَا كَهَرَنِي، وَلَا ضَرَبَنِي، وَلَا شَتَمَنِي، قَالَ: (إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ) .
وأما حديث المسيء صلاته فهو ما رواه البخاري (757) ومسلم (397) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَدَّ، وَقَالَ: (ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ، فَرَجَعَ يُصَلِّي كَمَا صَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ، ثَلَاثًا، فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ، فَعَلِّمْنِي، فَقَالَ: إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا) .
وقد دل الحديثان على عذر الجاهل، أما حديث معاوية فلأنه لم يؤمر بالإعادة، وأما حديث المسيء صلاته فلأنه لم يؤمر بإعادة ما صلى من قبل، بل أمر بإعادة صلاة الوقت فقط.
قال النووي رحمه الله في شرح حديث معاوية: " وَأَمَّا كَلَام الْجَاهِل إِذَا كَانَ قَرِيب عَهْد بِالْإِسْلَامِ فَهُوَ كَكَلَامِ النَّاسِي , فَلَا تَبْطُل الصَّلَاة بِقَلِيلِهِ لِحَدِيثِ مُعَاوِيَة بْن الْحَكَم هَذَا , الَّذِي نَحْنُ فِيهِ ; لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْمُرهُ بِإِعَادَةِ الصَّلَاة , لَكِنْ عَلَّمَهُ تَحْرِيم الْكَلَام فِيمَا يُسْتَقْبَل " انتهى.
أما أمر المسيء صلاته بالإعادة، وعدم أمر معاوية بذلك، فسبب ذلك: هو التفريق بين فعل المحظور، وترك المأمور، فترك المأمور لا يسقط مع الجهل أو النسيان متى أمكن تداركه، بخلاف فعل المحظور.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في الكلام على محظورات الإحرام: " والصحيح أن جميعها تسقط، وأن المعذور بجهل أو نسيان أو إكراه لا يترتب على فعله شيء إطلاقاً، لا في الجماع، ولا في الصيد، ولا في التقليم، ولا في لبس المخيط، ولا في أي شيء، وذكرنا فيما سبق الدليل من القرآن، والسنة، والنظر.
وهكذا في جميع المحظورات في العبادات، لا يترتب عليها الحكم، إذا كانت مع الجهل أو النسيان، أو الإكراه؛ لعموم النصوص، ولأن الجزاء، أو الفدية، أو الكفارة إنما شرعت لفداء النفس من المخالفة أو للتكفير عن الذنب، والجاهل أو الناسي أو المكره لم يتعمد المخالفة، ولهذا لو كان ذاكراً أو عالماً أو مختاراً لم يفعل.
فالشرب في رمضان نسياناً ليس فيه قضاء، والدليل حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (من نسي وهو صائم فأكل، أو شرب، فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه) ، فمن لم يتعمد المخالفة، فليس عاصياً، ولا فدية عليه.
وكذلك عدي بن حاتم رضي الله عنه: (لما أراد الصيام جعل عقالين أبيض وأسود؛ لقوله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) البقرة/187، وكانوا يأخذون الأحكام من القرآن مباشرة، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: (إن وسادك لعريض، أن كان الخيط الأبيض والأسود تحت وسادك) ، فلم يأمره بالإعادة للجهل بالحكم.
وكذلك أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما: (أخبرت أنهم أفطروا في يوم غيم على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلم يأمرهم بلقضاء) ، لجهلهم بالحال.
وكذلك في الصلاة، والدليل أن معاوية بن الحكم رضي الله عنه دخل مع النبي صلّى الله عليه وسلّم في الصلاة فعطس رجل، فقال: الحمد لله، قال: يرحمك الله، وهو يصلي، فرماه الناس بأبصارهم، أي ـ نظروا إليه منكرين ـ فقال: واثكل أمياه ـ رضي الله عنه ـ، فزاد الكلام كلاماً آخر، فجعلوا يضربون على أفخاذهم يسكتونه فسكت، فلما سلم دعاه الرسول صلّى الله عليه وسلّم، قال معاوية: بأبي هو وأمي، ما رأيت معلماً أحسن تعليماً منه، قال صلّى الله عليه وسلّم: (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير، وقراءة القرآن) ، ولم يأمره بالإعادة؛ لأنه جاهل.
والنصوص الدالة على هذا الأصل، أعني عدم المؤاخذة مع النسيان والجهل والإكراه كثيرة، وهذا من مقتضى قوله تعالى: (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) الأنعام/ 54، وقوله في الحديث القدسي: (سبقت رحمتي غضبي) .
وأما ترك الواجبات فلا يسقط بالنسيان والجهل والإكراه متى أمكن تداركه؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) فلم تسقط عنه بالنسيان، ولأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يسقط الصلاة الحاضرة بالجهل كما في حديث المسيء في صلاته، أمره بالإعادة مع أنه جاهل، لأنه ترك مأموراً، والمأمورات أمور إيجابية لا بد أن تكون، والمنهيات أمور عدمية لا بد أن لا تكون.
ثم إن المأمورات يمكن تداركها بفعلها، لكن المنهيات مضت، لكن إذا كان في أثناء المنهي فيجب التدارك بقطعه، فإن قال قائل: إن قوله تعالى: (رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا) عام في ترك المأمور وفعل المحظور، فالجواب أن الأمر كذلك، فتارك المأمور جاهلاً أو ناسياً غير مؤاخذ بالترك، لكن عدم فعله إياه يقتضي إلزامه به متى زال العذر إبراءً لذمته " انتهى من "الشرح الممتع" (7/200) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1058)
إذا قرأ في الصلاة (أليس الله بأحكم الحاكمين) فهل يقول "بلى"؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يعتبر قول " بلى " في الصلاة بعد قول الله تعالى {أليس الله بأحكم الحاكمين} أو غيرها من الكلام المبطل للصلاة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
كان الكلام في الصلاة مباحاً فكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يردون السلام وهم في الصلاة، ثم نهوا عن ذلك، وأجمع العلماء على تحريم الكلام في الصلاة وبطلان صلاة من فعل ذلك عالِماً عامداً.
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنَّا نسلِّم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة فيرد علينا، فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه فلم يرد علينا، وقال: إن في الصلاة شغلاً. رواه البخاري (1141) ومسلم (538) .
وعن زيد بن أرقم قال: كنا نتكلم في الصلاة يكلم الرجل صاحبه وهو إلى جنبه في الصلاة حتى نزلت وقوموا لله قانتين فأُمرنا بالسكوت ونُهينا عن الكلام.
رواه البخاري (1142) ومسلم – واللفظ له - (539) .
قال النووي:
"قوله تعالى: وقوموا لله قانتين قيل: معناه: مطيعين، وقيل: ساكتين.
قوله: " أمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام ": فيه دليل على تحريم جميع أنواع كلام الآدميين، وأجمع العلماء على أن الكلام فيها عامداً عالماً بتحريمه بغير مصلحتها وبغير إنقاذها وشبهه مبطل للصلاة" اهـ.
" شرح مسلم " (5 / 27) .
ثانياً:
قال النووي في آداب قراءة القرآن:
"فصل في آداب تدعو الحاجة إليها
منها: إذا قرأ قوله تعالى: (إنَّ الله ومَلاَئِكَتِهِ يُصلونَ عَلى النَّبي) يستحب له أن يقول: صلى الله عليه وسلم تسليماً.
ومنها: إذا قرأ: (أليسَ الله بَأحكمِ الحَاكِمين) (أَليسَ ذَلِكَ بقَادرٍ عَلى أنْ يُحيي الموْتَى) يُستحب أن يقول: بلى وأنا على ذلك من الشاهدين، وإذا قرأ: (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُون) قال: آمنت بالله. . . وهذا كله مستحب أن يقوله القارئ في الصلاة وغيرها. اهـ باختصار.
وقد وردت بعض الأحاديث بذلك بعضها صحيح وبعضها فيه ضعف.
روى أبو داود (884) عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ يُصَلِّي فَوْقَ بَيْتِهِ، وَكَانَ إِذَا قَرَأَ: (أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى) قَالَ: سُبْحَانَكَ فَبَلَى. فَسَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. صححه الألباني في صحيح أبي داود.
وعن إسماعيل بن أمية سمعت أعرابيا يقول سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرأ منكم والتين والزيتون فانتهى إلى آخرها أليس الله بأحكم الحاكمين فليقل: بلى وأنا على ذلك من الشاهدين، ومن قرأ لا أقسم بيوم القيامة فانتهى إلى أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى فليقل: بلى، ومن قرأ والمرسلات فبلغ فبأي حديث بعده يؤمنون فليقل: آمنا بالله. رواه أبو داود (887) . وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود
وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (3/397-399) :
"لو قرأ القارئ: (أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى) فله أن يقول: بلى، أو سبحانك فبلى، لأنه ورد فيه حديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، ونص الإمام أحمد عليه، قال الإمام أحمد: إذا قرأ: (أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى) في الصلاة وغير الصلاة قال: سبحانك فبلى، في فرض ونفل.
وإذا قرأ: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) فيقول: سبحانك فبلى.
وإذا قرأ: (أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ) يقول: لا إله إلا الله" اهـ باختصار وتصرف. وبهذا يتبين أن هذا الكلام ليس من الكلام المحرم في الصلاة المبطل لها، وإنما يحرم في الصلاة كلام الناس كما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ) رواه مسلم (537) .
قال النووي: "مَعْنَاهُ: لَا يَصْلُح فِيهَا شَيْء مِنْ كَلَام النَّاس وَمُخَاطَبَاتهمْ" اهـ.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1059)
حكم السلام على المصلي
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يستحب قول السلام عليكم بصوت مرتفع عندما يدخل الشخص صالة المسجد حيث يؤدي الناس الصلاة؟ وإذا كان جائزاً، فهل ينبغي أن يقول السلام عليكم بصوت مرتفع حتى ولو كانت صلاة الجماعة قد بدأت وقد يشوش عليهم خشوعهم؟ أسأل هذا السؤال لأن عدداً قليلاً من إخواننا يقولون السلام عليكم حتى والإمام يقرأ في الصلوات الجهرية.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ذهب جمهور العلماء إلى جواز السلام على المصلي إذا لم يؤد إلى تشويش أو تعريض صلاة جاهل للبطلان، لأنه قد يعتقد وجوب رد السلام باللفظ، فيرد فتبطل صلاته بذلك, وذهب الحنفية إلى كراهة ذلك.
قال في "تبيين الحقائق": "وَيُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَى الْمُصَلِّي وَالْقَارِئِ وَالْجَالِسِ لِلْقَضَاءِ أَوْ لِلْبَحْثِ فِي الْفِقْهِ أَوْ لِلتَّخَلِّي، وَلَوْ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ الرَّدُّ، لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّه" انتهى.
وفي "شرح الخرشي على مختصر خليل" [مالكي] (1/325) : "وَلَا يُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَى الْمُصَلِّي فِي فَرْضٍ وَلَا نَافِلَةٍ" انتهى.
وقال النووي في "المجموع" (4/105) [شافعي] : " مقتضى كلام أصحابنا أنه لا يكره السلام على المصلي، وهو الذي يقتضيه الأحاديث الصحيحة" انتهى بتصرف.
وقال الشيخ محمد بن عثيمين في "لقاء الباب المفتوح" (24/31) : "السلام على المصلي جائز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على الذين يسلمون عليه، إلا إذا خاف المسلم أن يشوش على المصلي فلا يسلم، أو خاف أن يتكلم بالرد، يعني: العامة أكثرهم لا يفهم، ربما إذا سلمت عليه قال: وعليك السلام، فبطلت صلاته إذا كان عالماً بأنها تبطل بذلك.
فعلى كل حال نقول: السلام على المصلي غير منكر؛ لإقرار النبي صلى الله عليه وسلم عليه، إلا إذا خاف التشويش أو إبطال صلاة المسلَّم عليه فلا يسلم.
أما كيف يرد؟ فلا يرد باللفظ فلا يقول: عليك السلام، وإنما يرد بالإشارة، يرفع يده حتى يعرف المسلم أنه رد عليه، ثم إن بقي المسلِّم عليه حتى يسلم وينصرف من صلاته رد عليه باللفظ، وإن ذهب لم يجب على المصلي أكثر مما ذكرت من الإشارة. وظاهر النصوص: أن الرد واجب لكنه يتعذر بالقول لأنه مبطل للصلاة" انتهى.
فلا حرج من السلام على المصلي، إلا إذا كان فيه تشويش على المصلين، كالسلام والإمام يقرأ فإنه لا يسلم.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال جواب(5/1060)
التردد في الخروج من الصلاة، هل يقطعها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا سمع المصلي طارقاً يطرق الباب فتردد، هل يقطع الصلاة أم لا؟ فهل تبطل الصلاة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
" ذهب بعض أهل العلم إلى بطلان الصلاة وإن لم يعزم على القطع، وقال بعض أهل العلم: لا تبطل الصلاة بالتردد؛ لأن الأصل بقاء النية، والتردد لا يبطلها، وهذا القول هو الصحيح، فما دام أنه لم يعزم على القطع فهو في الصلاة " انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (12/449) .
وللفائدة ينظر جواب السؤال رقم (93529) في الموقع.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1061)
وضع العلكة في الفم دون مضغ أثناء الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز ترك العلكة في الفم أتناء الصلاة دون مضغها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ينبغي أن يقبل العبد على صلاته، ويخشع فيها، ويستحضر بقلبه أنه يناجي ربه، كما روى البخاري (405) ومسلم (551) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى نُخَامَةً فِي الْقِبْلَةِ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَتَّى رُئِيَ فِي وَجْهِهِ فَقَامَ فَحَكَّهُ بِيَدِهِ فَقَالَ إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ فِي صَلَاتِهِ فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ أَوْ إِنَّ رَبَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ فَلَا يَبْزُقَنَّ أَحَدُكُمْ قِبَلَ قِبْلَتِهِ وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمَيْهِ ثُمَّ أَخَذَ طَرَفَ رِدَائِهِ فَبَصَقَ فِيهِ ثُمَّ رَدَّ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَقَالَ أَوْ يَفْعَلُ هَكَذَا.
وترك العلكة في الفم، أقل ما فيه أنه ينافي الأدب في الوقوف بين يدي الله تعالى، وقد يمنع من كمال القراءة، ويشغل المصلي. فإن مضغها أو ذاب منها شيء بطلت صلاته.
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (4/23) : " قال البغوي وغيره: والمضغ وحده يبطل الصلاة وإن لم يصل شيء إلى الجوف، حتى لو مضغ علكا بطلت صلاته , فإن لم يمضغه بل وضعه في فيه , فإن كان جديدا يذوب فهو كالسكرة، فتبطل صلاته على الصحيح , وإن كان مستعملا لا يذوب لم تبطل، كما لو أمسك في فمه حصاة أو إجاصة فإنها لا تبطل قطعا " انتهى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1062)
حكم صلاة المأموم إذا سلم قبل إمامه
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا سلم المأموم قبل الإمام سهوا أو عمدا ما الحكم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا سلم المأموم قبل إمامه: فإن كان عمدا بلا عذر بطلت صلاته. وإن كان سهوا، لزمه أن يرجع إلى الصلاة ويسلم بعد تسليم إمامه، فإن لم يفعل بطلت صلاته.
قال في "كشاف القناع" (1/465) : " وإن سلم قبله عمدا بلا عذر تبطل ; لأنه ترك فرض المتابعة متعمدا، ولا تبطل إن سلم قبل إمامه سهوا , فيعيده، أي: السلام بعد سلام إمامه ; لأنه لا يخرج من صلاته قبل إمامه، وإن لم يعده بعده بطلت صلاته ; لأنه ترك فرض المتابعة أيضا " انتهى بتصرف.
وأما من تعمد السلام قبل الإمام لعذر، فلا تبطل صلاته، ويحسن هنا أن نذكر شيئا من الأعذار التي تبيح للمأموم أن ينفرد عن أمامه وأن يسلم قبله:
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " مثال العُذْر: تطويل الإمام تطويلاً زائداً على السُّنَّة، فإنه يجوز للمأموم أن ينفرد، ودليل ذلك: قصَّة الرَّجُل الذي صَلَّى مع معاذ، وكان معاذ يُصلِّي مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاءَ، ثم يرجع إلى قومه فيُصلِّي بهم تلك الصَّلاة، فدخل ذات ليلة في الصَّلاة فابتدأ سُورةً طويلة (البقرة) فانفرد رَجُلٌ وصَلَّى وحده، فلما عَلِمَ به معاذ قال: إنه قد نافق، يعني: حيث خرج عن جماعة المسلمين، ولكن الرَّجُل شكا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ: (أتريدُ أنْ تكون فتَّاناً يا مُعَاذُ) ولم يوبِّخِ الرَّجُلَ، فَدلَّ هذا على جواز انفراد المأموم؛ لتطويل الإمام، لكن بشرط أن يكون تطويلاً خارجاً عن السُّنَّة؛ لا خارجاً عن العادة.
ولذلك لو أمَّ رَجُلٌ جماعةً؛ وكان إمامُهم الرَّاتب يُصلِّي بهم بقراءة قصيرة ورُكوع وسُجود خفيفين؛ فصلَّى بهم هذا بقراءة ورُكوعٍ وسُجودٍ على مقتضى السُّنَّة، فإنه لا يجوز لأحد أن ينفرد؛ لأن هذا ليس بعذر.
ومن الأعذار أيضا ً: أن يطرأ على الإنسان قَيْئٌ في أثناء الصَّلاة؛ لا يستطيع أن يبقى حتى يكمل الإمام؛ فيخفِّف في الصَّلاة وينصرف.
ومن الأعذار أيضاً: أن يطرأ على الإنسان غازاتٌ (رياح في بطنه) يَشُقُّ عليه أن يبقى مع إمامه، فينفرد ويخفِّف وينصرف.
ومن الأعذار أيضاً: أن يطرأ عليه احتباسُ البول أو الغائط، فيُحصر ببول أو غائط.
لكن إذا قُدِّرَ أنه لا يستفيد من مفارقة الإمام شيئاً؛ لأن الإمام يخفِّف، ولو خفَّف أكثر من تخفيف الإمام لم تحصُل الطُّمأنينة فلا يجوز أن ينفردَ؛ لأنه لا يستفيد شيئاً بهذا الانفراد.
ومن الأعذار أيضاً: أن تكون صلاة المأموم أقلَّ من صلاة الإمام، مثل: أن يُصلِّي المغرب خلف من يصلِّي العشاء على القول بالجواز؛ فإنه في هذه الحال له أن ينفرد ويقرأ التشهد ويُسَلِّمَ وينصرف، أو يدخل مع الإمام إذا كان يريد أن يجمع مع الإمام فيما بقي من صلاة العشاء، ثم يُتمُّ بعد سلامه. وهذا القولُ رواية عن الإمام أحمد رحمه الله، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو الحقُّ، ونوعُ العُذر هنا عُذر شرعيّ؛ لأنَّه لو قام مع الإمام في الرَّابعة لبطلت صلاتُه " انتهى من "الشرح الممتع" (2/311) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1063)
إذا نوى قطع النية أثناء الوضوء أو الصلاة أو الصوم
[السُّؤَالُ]
ـ[قال العلامة السعدي في الفتاوي السعدية ص 228 " قطع نية العبادة نوعان، نوع لا يضره شيء وذلك بعد كمال العبادة...... والثاني: قطع نية العبادة في حال تلبسه بها..... فهذا لا تصح عبادته ... " فهل معني ذلك أني لو أتاني هاجس لأقطع صيام الفرض أكون مفطرا؟ وماذا لو أتاني ذلك الهاجس دون أن أنوي قطع الصيام فهل ذلك وارد؟ وحكمه؟ وكذا في الوضوء ففي وسطه قد يأتيني شك بأن هناك بول مثلا فلا أجد ذلك وأحيانا أكون نويت قطع الوضوء ثم أعود لتكملة الوضوء بعد ألا أجد شيئا، فهل كان علي البدء من جديد لانقطاع النية هنا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا نوى الإنسان قطع العبادة أثناء فعله لها بطلت، ولا يستثنى من ذلك إلا الحج والعمرة، فلا يبطلان بقطع النية ولا بالتصريح بالقطع، بل يظل المحرم على إحرامه حتى يؤدي نسكه أو يتحلل بالإحصار.
قال في "المغني" (1/278) : " وإن تلبس بها –أي بالصلاة- بنية صحيحة , ثم نوى قطعها , والخروج منها , بطلت. وبهذا قال الشافعي " انتهى.
وقال في "زاد المستقنع" في باب الصلاة: " فإن قطعها في أثناء الصلاة أو تردد بطلت ".
وقال في باب الصوم: " ومن نوى الإفطار أفطر ".
لكن رجح الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه أن التردد لا يبطل الصلاة. ينظر: "الشرح الممتع" (1/486) . ومَثَّل للتردد بما لو سمع قارعا يقرع الباب، فتردد أأقطع الصلاة أو أستمر؟
وبهذا يتبين أن من عزم على قطع العبادة بطلت، لكن لو كان ذلك مجرد هاجس فلا تبطل به العبادة.
وبناء على ذلك فمجرد الهاجس بقطع الصيام لا يبطل الصيام حتى تعزم وتنوي الفطر.
وكذلك لو شك أثناء الوضوء في خروج البول منه، فتوقف ونظر ولم ينو القطع، ولم يجد شيئا، فلا يبطل وضوؤه.
وكذلك إذا نوى قطع الوضوء بطل وضوؤه، فلا يجوز له إكماله على ما مضى، بل يتوضأ وضوءاً جديداً.
قال في "الإنصاف" (1/151) : " لو أبطل النية في أثناء طهارته , بطل ما مضى منها على الصحيح من المذهب , اختاره ابن عقيل , والمجد في شرحه , وقدمه في الرعايتين , والحاويين. وقيل: لا يبطل ما مضى منها , جزم به المصنف في المغني " انتهى.
وينبغي الحذر من الوسوسة، فإن الشيطان يأتي الإنسان ويخيل إليه أنه خرج منه شيء، وقد يتمادى الإنسان في ذلك فلا يكاد يفعل عبادة إلا شك فيها، مما يوقعه في حرج وضيق شديد، وللأهمية راجع السؤال رقم (62839) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1064)
حكم الصلاة في الثوب المشقوق
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا وجد شخص ثقب في ثوب الصلاة، ثم اكتشف أنه كان يصلي في هذا الثوب وفي وضع تبدو فيه عورته من هذا الثقب لفترة من الزمن، فهل يجب عليه أن يعيد هذه الصلوات؟
إذا كان الجواب نعم، ولا يدري هذا الشخص المدة التي حصل بها هذا، فكيف يتأكد بأنه قضى العدد الكافي من الصلوات؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اتفق أهل العلم رحمهم الله أن ستر المصلي لعورته شرط لصحة صلاته، ودليل ذلك قوله تعالى: (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد) .
ويشترط في اللباس الذي يستر العورة:
1- أن لا يصف البشرة، فإن وصفها لم يجزئ لأن الستر لا يحصل بدون ذلك.
2- أن يكون طاهراً، فإن الثوب النجس لا تصح الصلاة به لحرمة حمل النجاسة في الصلاة
قال تعالى: (وثيابك فطهر) ولما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتي إليه بصبي لم يأكل الطعام، فأجلسه في حجره، فبال الصبي في حجره، فدعا بماء فأتبعه إياه " فدلت مبادرة النبي صلى الله عليه وسلم لغسل الثوب من بول الصبي الذي بال في حجره على وجوب تطهير الثوب مما يصيبه من النجاسات.
3- أن يكون مباحاً ليس بمحرم، سواء كان محرماً لعينه كثوب الحرير، أو لوصفه كالثوب الذي فيه إسبال، أو لكسبه كأن يكون مغصوباً أو مسروقاً.
أما بالنسبة لانكشاف العورة أثناء الصلاة فقد قال الشافعي رحمه الله: يجْزِي الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ كُلَّ وَاحِدٍ أَنْ يُصَلِّيَ مُتَوَارِيَيْ الْعَوْرَةِ , وَعَوْرَةُ الرَّجُلِ مَا وَصَفْت (أي بين السرّة والركبة) وَكُلُّ الْمَرْأَةِ عَوْرَةٌ إلا كَفَّيْهَا وَوَجْهَهَا وَظَهْرَ قَدَمَيْهَا عَوْرَةٌ فَإِذَا انْكَشَفَ مِنْ الرَّجُلِ فِي صَلاتِهِ شَيْءٌ مِمَّا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ وَمِنْ الْمَرْأَةِ فِي صَلاتِهَا شَيْءٌ مِنْ شَعْرِهَا قَلَّ , أَوْ كَثُرَ وَمِنْ جَسَدِهَا سِوَى وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا وَمَا يَلِي الْكَفَّ مِنْ مَوْضِعِ مِفْصَلِهَا وَلا يَعْدُوهُ , عَلِمَا أَمْ لَمْ يَعْلَمَا أَعَادَا الصَّلاةَ مَعًا إلا أَنْ يَكُونَ تَنْكَشِفُ بِرِيحٍ , أَوْ سَقْطَةٍ , ثُمَّ يُعَادُ مَكَانَهُ لا لُبْثَ فِي ذَلِكَ فَإِنْ لَبِثَ بَعْدَهَا قَدْرَ مَا يُمْكِنُهُ إذَا عَاجَلَهُ مَكَانَهُ إعَادَتُهُ أَعَادَ وَكَذَلِكَ هِيَ. انتهى: كتاب الأم للشافعي: باب كيفية لبس الثياب في الصلاة.
وقال ابن قدامة رحمه الله في كتابه المغني: فَصْلٌ: فَإِنْ انْكَشَفَ مِنْ الْعَوْرَةِ يَسِيرٌ. لَمْ تَبْطُلْ صَلاتُهُ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَبْطُلُ لأَنَّهُ حُكْمٌ تَعَلَّقَ بِالْعَوْرَةِ , فَاسْتَوَى قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ , كَالنَّظَرِ. وَلَنَا: مَا رَوَى أَبُو دَاوُد , بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَيُّوبَ , عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ الْجَرْمِيِّ قَالَ: {انْطَلَقَ أَبِي وَافِدًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ , فَعَلَّمَهُمْ الصَّلاةَ , وَقَالَ: يَؤُمُّكُمْ أَقْرَؤُكُمْ. فَكُنْت أَقْرَأَهُمْ فَقَدَّمُونِي , فَكُنْت أَؤُمُّهُمْ وَعَلَيَّ بُرْدَةٌ لِي صَفْرَاءُ صَغِيرَةٌ , وَكُنْتُ إذَا سَجَدْتُ انْكَشَفَتْ عَنِّي , فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ النِّسَاءِ: وَارُوا عَنَّا عَوْرَةَ قَارِئِكُمْ. فَاشْتَرَوْا لِي قَمِيصًا عُمَانِيًّا , فَمَا فَرِحْتُ بِشَيْءٍ بَعْدَ الإِسْلامِ فَرَحِي بِهِ.} وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد , , وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا , عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ , عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ , قَالَ: {فَكُنْتُ أَؤُمُّهُمْ فِي بُرْدَةٍ مُوَصَّلَةٍ فِيهَا فَتْقٌ , فَكُنْتُ إذَا سَجَدْتُ فِيهَا خَرَجَتْ اسْتِي} . وَهَذَا يَنْتَشِرُ وَلَمْ يُنْكَرْ , وَلا بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنْكَرَهُ وَلا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ ; وَلأَنَّ مَا صَحَّتْ الصَّلاةُ مَعَ كَثِيرِهِ حَالَ الْعُذْرِ , فُرِّقَ بَيْنَ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ فِي غَيْرِ حَالِ الْعُذْرِ , كَالْمَشْيِ , وَلأَنَّ الاحْتِرَازَ مِنْ الْيَسِيرِ يَشُقُّ , فَعُفِيَ عَنْهُ كَيَسِيرِ الدَّمِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا فَإِنَّ حَدَّ الْكَثِيرِ مَا فَحُشَ فِي النَّظَرِ , وَلا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْفَرْجَيْنِ وَغَيْرِهِمَا. وَالْيَسِيرُ مَا لا يَفْحُشُ , وَالْمَرْجِعُ فِي ذَلِكَ إلَى الْعَادَةِ , إلا أَنَّ الْمُغَلَّظَةَ يَفْحُشُ مِنْهَا مَا لا يَفْحُشُ مِنْ غَيْرِهَا , فَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي الْمَانِعِ مِنْ الصَّلاةِ. .. (و) هَذَا شَيْءٌ لَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِتَقْدِيرِهِ , فَرُجِعَ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ , كَالْكَثِيرِ مِنْ الْعَمَلِ فِي الصَّلاةِ ,..
فإن كانت هذه الشقوق تظهر جزءاً كبيراً عرفاً من العورة، وكانت المدة، أو لم يمكن تغطيته لضيق الثوب مثلا، فإن الصلاة غير صحيحة لأن ستر العورة من شروط الصلاة، وإذا تخلف شرط من شروطها بغير عذر كالعجز لم تصح، فالواجب عليك أن تعيد الصلوات التي صليتها بهذا الثوب، فإن جهلت عددها بنيت على اليقين، فمثلاً إن كنت تشك هل تلك الصلوات أربع أو ثلاث أو خمس ولكنها لا تزيد على الخمس فاليقين في هذه الحالة أنها خمس، وهكذا. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1065)
حكم وضع (اللبان) في الفم حال الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم وضع اللبان في أعلى سقف الفم في أثناء الصلاة وهل يبطل الصلاة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب على كل مسلم أن يعظّم الله عز وجل، ويتأدَّب معه، وإذا وقف في الصلاة بين يدي الله عز وجل، فينبغي عليه أن يقف خاشعاً قانتاً لله، بعيداً عن كل ما يفسد صلاته ويبطلها. ويشغل البال ويلهي عن الإقبال على الصلاة ويترك ما يخالف الأدب.
ووضع المصلي (اللبان) في فمه في الصلاة، لا شك أنه ينافي تعظيم الله والخشوع بين يديه ويسبب حركة كثيرة في الفم.
وأما حكم وضع اللبان في الفم في الصلاة.
قال ابن قدامة: إذَا تَرَكَ فِي فِيهِ مَا يَذُوبُ كَالسُّكَّرِ , فَذَابَ مِنْهُ شَيْءٌ , فَابْتَلَعَهُ , أَفْسَدَ صَلاتَهُ ; لأنَّهُ أَكْلٌ.
المغني ج/1 ص/400.
" ويُكْرَهُ - أَيْضًا - عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَضْعُ شَيْءٍ فِي فَمِهِ لا يَمْنَعُهُ مِنْ الْقِرَاءَةِ ; لأَنَّهُ يَشْغَلُ بَالَهُ , وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنْ يَكُونَ هَذَا الشَّيْءُ لا يَذُوبُ , فَإِنْ كَانَ يَذُوبُ كَالسُّكَّرِ يَكُونُ فِي فِيهِ (أي داخل فمه) , فَإِنَّهُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ إذَا ابْتَلَعَ ذَوْبَهُ ". الموسوعة الفقهية ج/27 ص/117.
وَصَرَّحُوا: بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بِفَمِهِ سُكَّرَةٌ فَذَابَتْ فَبَلَعَ ذَوْبَهَا عَمْدًا , مَعَ عِلْمِهِ بِالتَّحْرِيمِ , أَوْ تَقْصِيرِهِ فِي التَّعَلُّمِ فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَبْطُلُ. كَمَا صَرَّحُوا بِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِالْمَضْغِ إنْ كَثُرَ , وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَى جَوْفِهِ شَيْءٌ.
قَالَ الْمَجْدُ: إذَا اقْتَلَعَ مِنْ بَيْنِ أَسْنَانِهِ مَا لَهُ جِرْمٌ وَابْتَلَعَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ عِنْدَنَا , وَصَرَّحُوا بِأَنَّ بَلْعَ مَا ذَابَ بِفِيهِ مِنْ سُكَّرٍ وَنَحْوِهِ كَالأَكْلِ. الموسوعة الفقهية ج/27 ص/125.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1066)
هل تقطع القطةُ الصلاةَ؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لو قطعت قطة صلاتي هل علي أن أكمل الصلاة أو أقطعها وأبعد القطة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قطع الصلاة يحصل بمرور واحد من ثلاثة أشياء أمام المصلي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: " يَقْطَعُ الصَّلاةَ الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ وَالْكَلْبُ وَيَقِي ذَلِكَ مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ " رواه مسلم (511) .
وفي رواية: " والكلب الأسود – قال الراوي -: قُلْتُ يَا أَبَا ذَرٍّ مَا بَالُ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْكَلْبِ الْأَحْمَرِ مِنْ الْكَلْبِ الْأَصْفَرِ قَالَ يَا ابْنَ أَخِي سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا سَأَلْتَنِي فَقَالَ الْكَلْبُ الأَسْوَدُ شَيْطَانٌ " رواه مسلم (510) .
وهذا الحكم إذا مرت هذه المذكورات بين يدي المصلي الذي ليس له سترة تستره منها، فأما لو كان له سترة فمرت من ورائها فلا تقطع صلاته؛ لحديث أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي ـ يحدث ـ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِهِمْ بِالْبَطْحَاءِ وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ – وهي عصا أقصر من الرمح لها سِنَان - الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ تَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ " رواه البخاري (495) .
وهذا الحكم خاص بالإمام أو المنفرد، أما المأموم فإن سترة إمامه سترةٌ له أنظر السؤال (3404) .
وأما القطة فإنها لا تقطع الصلاة لو مرت بين يديك؛ لأن الأصل صحة الصلاة، ولا يوجد دليل يدل على أنَّ القطة تقطع الصلاة.
ولكن على المصلي أن يجتهد في أن لا يمر شيء أمامه؛ فقد روى عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ هَبَطْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ثَنِيَّةِ أَذَاخِرَ فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ يَعْنِي فَصَلَّى إِلَى جِدَارٍ فَاتَّخَذَهُ قِبْلَةً وَنَحْنُ خَلْفَهُ فَجَاءَتْ بَهْمَةٌ تَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ فَمَا زَالَ يُدَارِئُهَا حَتَّى لَصَقَ بَطْنَهُ بِالْجِدَارِ وَمَرَّتْ مِنْ وَرَائِهِ " رواه أبو دواوود (708) وقال عنه الألباني في صحيح أبي داوود: حسن صحيح (652) .
مسألة: هل القطة طاهرة أم نجسة؟
الجواب: القطة طاهرة، وبناءً عليه فلو أنها شربت من وعاء فيه ماء فإن الوعاء لا ينجس؛ لحديث كَبْشَةَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَكَانَتْ عِنْدَ ابْنِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ دَخَلَ عَلَيْهَا قَالَتْ فَسَكَبْتُ لَهُ وَضُوءًا قَالَتْ فَجَاءَتْ هِرَّةٌ تَشْرَبُ فَأَصْغَى لَهَا الإِنَاءَ حَتَّى شَرِبَتْ قَالَتْ كَبْشَةُ فَرَآنِي أَنْظُرُ إِلَيْهِ فَقَالَ أَتَعْجَبِينَ يَا بِنْتَ أَخِي فَقُلْتُ نَعَمْ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ إِنَّمَا هِيَ مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ أَوْ الطَّوَّافَاتِ " رواه الترمذي (92) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1067)
حكم التبَسُّم في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا ابتسم المسلم وهو يصلي، فهل يجب عليه إكمال صلاته، أم يقطعها ويصلي مرة أخرى؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ينبغي على المسلم أن يخشع في صلاته وأن يبتعد عن كل ما يذهب الخشوع لأن الخشوع هو لبُّ الصلاة
وقد امتدح الله عز وجل المؤمنين بقوله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُون َالَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُون َ) المؤمنون/1-2
ولا شك أن مما يذهب الخشوع، الابتسام في الصلاة.
أما حكم التبسّم في الصلاة، فَلا تَبْطُلُ الصَّلاةُ بِهِ انظر الموسوعة الفقهية ج/27 ص/124
قال ابن قدامة: قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الضَّحِكَ يُفْسِدُ الصَّلاةَ , وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ التَّبَسُّمَ لا يُفْسِدُهَا , المغني ج/1 ص/394
وقال شيخ الإسلام ابن تيميّة: أَمَّا التَّبَسُّمُ فَلا يُبْطِلُ الصَّلاةَ , وَأَمَّا إذَا قَهْقَهَ فِي الصَّلاةِ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ. الفتاوى الكبرى ج/2 ص/227
قال النووي: َالتَّبَسُّمِ فِي الصَّلاةِ مَذْهَبُنَا أَنَّ التَّبَسُّمَ لا يَضُرُّ، المجموع ج/4 صم/22
قال البهوتي: (وَلا) تَبْطُلُ الصَّلاةُ (إنْ تَبَسَّمَ) فِيهَا وَهُوَ قَوْلُ الأَكْثَرِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ. كشَّاف القناع ج/1 ص/402.
وإذا كانت لا تبطل الصلاة، فإنه يكمل صلاته ولا يقطعها، وينبغي عليه أن يتجنب ما يدعوه إلى ذلك. ويراجع كتاب 33 سبباً للخشوع في الصلاة في هذا الموقع. والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1068)
سرد لمبطلات الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل عدد مبطلات الصلاة محدود؟ المرجو منكم بيانه إذا كان الأمر كذلك.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
مبطلات الصلاة معلومة، ويختلف عددها بحسب اختلاف الفقهاء في بعضها، وهي كما يلي:
1- ما أبطل الطهارة، كالحدث , وأكل لحم الإبل.
2- كشف العورة عمدا، لكن إن كُشفت من غير تعمد، وكان المكشوف من العورة يسيراً أو كان كثيراً ولكن ستره في الحال لم تبطل الصلاة.
3- الانحراف الكثير عن جهة القبلة.
4- وجود نجاسة على بدنه أو ثيابه أو في مكان صلاته، فإن علم بها أو تذكرها أثناء الصلاة فأزالها في الحال فصلاته صحيحة، وكذلك إذا لم يعلم بها إلا بعد انتهاء الصلاة، فصلاته صحيحة.
5- الحركة الكثيرة المتوالية في الصلاة لغير ضرورة.
6- ترك ركن من الأركان، كالركوع والسجود.
7- تعمد زيادة ركن فعلي، كالركوع.
8- تعمد تقديم بعض الأركان على بعض.
9- تعمد السلام قبل إتمامها.
10- تعمد تغيير المعنى في القراءة.
11- ترك واجب من واجبات الصلاة متعمدا ذاكراً، كالتشهد الأول، أما الناسي فتصح صلاته ويسجد للسهو.
12- قطع النية (بأن ينوي الخروج من الصلاة) .
13- الضحك قهقهة، أما مجرد التبسم فلا يبطل الصلاة.
14- الكلام العمد مع الذكر والعلم، أما الناسي والجاهل فلا تبطل صلاته بذلك.
15- الأكل والشرب.
انظر: "دليل الطالب لنيل المطالب" الشيخ مرعي بن يوسف الحنبلي (ص 34) .
و"دروس مهمة" للشيخ ابن باز.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1069)
هل تقطع الصلاة حتى لا يعلم أهلها بإسلامها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلمة جديدة وهذه هي المرة الثانية التي أصوم فيها رمضان. عائلتي لا تزال على غير الإسلام، وأنا أصلي وأصوم دون علمهم. فأنا لا أصلي في البيت إلا صلاتي الفجر والعشاء، أما بقية الصلوات فأصليها خارج المنزل (في المدرسة مثلاً أو في المركز الإسلامي أو في منزل إحدى الصديقات) . وعندما أصلي في البيت أعمد إلى إقفال باب غرفتي حتى لا يعلم أحد بأمري، علماً بأن أختي تقيم معي في الغرفة نفسها. وذات مرة، عندما كنت أهم بأداء صلاة العشاء في المنزل، قمت بإقفال الباب قبل أن أشرع في الصلاة، ولكن لسبب أو لآخر لم يقفل الباب. صليت الركعة الأولى واستويت قائمة بعد السجود وشرعت في قراءة الفاتحة، وفجأة، فتحت أختي الباب. تملكني خوف شديد ولم أكمل الصلاة وسمحت لها بالدخول. وبعد ساعات من ذلك، صليت العشاء مرة أخرى.
سؤالي هو: ما حكم قطع المرء صلاته عندما يكون قد نوى أن يصلي أربع ركعات؟ وماذا كان يتوجب علي فعله في تلك اللحظة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نهنئك على نعمة الإسلام، ونسأل الله أن يثبتك، ويعينك، ويقويَ إيمانك، كما نسأله أن يهدي جميع أهلك وإخوانك، وأن تكوني سببا في فلاحهم وصلاحهم.
ثانيا:
إذا كنت تخشين من إعلان إسلامك وقوعَ الضرر عليك، أو أردت تأخير هذا الإعلان حتى تنالي حظا وافرا من معرفة الإسلام، تتمكنين به من دعوة أهلك، فلا حرج عليك في ذلك، كما أنه لا حرج عليك في قطع الصلاة، إذا خفت اطلاع أحد عليك.
والأصل أن المسلم إذا شرع في صلاة فريضة وجب عليه إتمامها، وحرم عليه قطعها إلا من عذر.
وقد ذكر الفقهاء أعذارا تبيح قطع الصلاة.
منها: الخوف على النفس من عدو أو سبع.
ومنها: الخوف على المال، كما لو كان يصلي وجاء من يريد أخذ ماله، أو خاف أن تهرب دابته.
ومنها: قطع الصلاة لإنقاذ إنسان من حريق أو غرق، أو خشية أن يقع أعمى في بئر. . . ونحو ذلك.
انظر: "رد المحتار" (1/654) ، "المبسوط" (2/3) ، "كشاف القناع" (1/380) .
فحيث خفت على نفسك إذا اطلع أحد من أهلك على صلاتك وعلم بإسلامك، فلا شيء عليك في قطع الصلاة حينئذ، ثم تصلينها بعد زوال الخطر، كما فعلت.
ثالثا:
عليك بالاجتهاد في تعلم أحكام الإسلام، ومصاحبة المؤمنات الخيّرات، ليكنّ عونا لك على طاعة الله، والتفكير في الطريقة المناسبة لدعوة أهلك إلى الإسلام، والحرص على ذلك أشد الحرص، فإنهم أولى الناس بإحسانك ودعوتك.
وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1070)
هل يجوز عمل مصلى تكون فيه النساء أمام الإمام؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم عمل مكان مخصص لصلاة النساء (التراويح) أمام المسجد (أي: سيكون المصلى مقدماً على الإمام يفصل بينهم جدار المسجد) وليس هناك مكان آخر لصلاة النساء؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الأفضل للمرأة أن تصلي في بيتها، فعن أُمِّ حُمَيْدٍ امْرَأَةِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهَا جَاءَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُحِبُّ الصَّلاةَ مَعَكَ. قَالَ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكِ تُحِبِّينَ الصَّلاةَ مَعِي، وَصَلاتُكِ فِي بَيْتِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي حُجْرَتِكِ، وَصَلاتُكِ فِي حُجْرَتِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلاتِكِ فِي دَارِكِ، وَصَلاتُكِ فِي دَارِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ، وَصَلاتُكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي مَسْجِدِي. قَالَ: فَأَمَرَتْ فَبُنِيَ لَهَا مَسْجِدٌ فِي أَقْصَى شَيْءٍ مِنْ بَيْتِهَا وَأَظْلَمِهِ، فَكَانَتْ تُصَلِّي فِيهِ حَتَّى لَقِيَتْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ.
رواه أحمد (26550) وصححه ابن خزيمة (1689) ، وحسَّنه الشيخ الألباني في "صحيح الترغيب" (340) .
قال عبد العظيم آبادي رحمه الله:
ووجه كون صلاتهن في البيوت أفضل للأمن من الفتنة، ويتأكد ذلك بعد وجود ما أحدث النساء من التبرج والزينة.
"عون المعبود" (2/193) .
ومع ذلك: فإذا أرادت المرأة أن تذهب إلى المسجد للصلاة فلا يجوز لأحد منعها إذا التزمت بالشروط الشرعية لخروجها، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمْ الْمَسَاجِدَ إِذَا اسْتَأْذَنَّكُمْ إِلَيْهَا) رواه البخاري (865) ومسلم (442) .
وانظر السؤال (9232) .
ثانياً:
الأصل في صلاة الجماعة أن يكون المأموم خلف إمامه، وقد اختلف العلماء في حكم من صلَّى أَمام إمامه على أقوال، أصحها: الجواز للعذر.
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
هل تجزئ الصلاة قدام الإمام أو خلفه في المسجد وبينهما حائل أم لا؟
فأجاب:
" أما صلاة المأموم قدَّام الإمام: ففيها ثلاثة أقوال للعلماء:
أحدها: أنها تصح مطلقا , وإن قيل: إنها تكره , وهذا القول هو المشهور من مذهب مالك , والقول القديم للشافعي.
والثاني: أنها لا تصح مطلقا , كمذهب أبي حنيفة , والشافعي , وأحمد في المشهور من مذهبهما.
والثالث: أنها تصح مع العذر دون غيره، مثل ما إذا كان زحمة فلم يمكنه أن يصلي الجمعة أو الجنازة إلا قدام الإمام , فتكون صلاته قدام الإمام خيراً له من تركه للصلاة.
وهذا قول طائفة من العلماء , وهو قولٌ في مذهب أحمد وغيره، وهو أعدل الأقوال وأرجحها؛ وذلك لأن ترك التقدم على الإمام غايته أن يكون واجبا من واجبات الصلاة في الجماعة , والواجبات كلها تسقط بالعذر، وإن كانت واجبة في أصل الصلاة , فالواجب في الجماعة أولى بالسقوط ; ولهذا يسقط عن المصلي ما يعجز عنه من القيام , والقراءة , واللباس , والطهارة , وغير ذلك.
وأما الجماعة فإنه يجلس في الأوتار لمتابعة الإمام (يعني يجلس بعد الركعة الأولى والثالثة، وهذا فيمن دخل الصلاة متأخراً ركعة) , ولو فعل ذلك منفردا عمدا بطلت صلاته , وإن أدركه ساجدا أو قاعدا كبر وسجد معه , وقعد معه ; لأجل المتابعة، مع أنه لا يعتد له بذلك , ويسجد لسهو الإمام , وإن كان هو لم يسه.
وأيضاً: ففي صلاة الخوف لا يستقبل القبلة , ويعمل العمل الكثير ويفارق الإمام قبل السلام , ويقضي الركعة الأولى قبل سلام الإمام , وغير ذلك مما يفعله لأجل الجماعة , ولو فعله لغير عذر بطلت صلاته ... .
والمقصود هنا: أن الجماعة تفعل بحسب الإمكان , فإذا كان المأموم لا يمكنه الائتمام بإمامه إلا قدامه كان غاية [ما] في هذا أنه قد ترك الموقف لأجل الجماعة , وهذا أخف من غيره , ومثل هذا أنه منهي عن الصلاة خلف الصف وحده , فلو لم يجد من يصافه ولم يجذب أحدا يصلي معه صلى وحده خلف الصف , ولم يَدَعْ الجماعة , كما أن المرأة إذا لم تجد امرأة تصافها فإنها تقف وحدها خلف الصف , باتفاق الأئمة، وهو إنما أُمِرَ بالمصافة مع الإمكان لا عند العجز عن المصافة.
" الفتاوى الكبرى " (2 / 331 – 333) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يجوز تقدم المأموم على الإمام؟
فأجاب:
" الصحيح أن تقدم الإمام واجب، وأنه لا يجوز أن يتقدم المأموم على إمامه، لأن معنى كلمة " إمام " أن يكون إماماً، يعني يكون قدوة، ويكون مكانه قدام المأمومين، فلا يجوز أن يصلي المأموم قدام إمامه، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي قدام الصحابة رضي الله عنهم، وعلى هذا فالذين يصلون قدام الإمام ليس لهم صلاة، ويجب عليهم أن يعيدوا صلاتهم إلا أن بعض أهل العلم استثنى من ذلك ما دعت الضرورة إليه مثل أن يكون المسجد ضيقاً، وما حواليه لا يسع الناس فيصلي الناس عن اليمين واليسار والأمام والخلف لأجل الضرورة " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (13/44) .
وعلى هذا؛ فإكم تجتهدون في جعل مكان النساء خلف الإمام، فإن لم يوجد مكان، ولم يمكن إلا قدام الإمام، فلا حرج فيه إن شاء الله تعالى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1071)
نبشت قبور مقبرة وبني مكانها مسجد فهل تجوز الصلاة فيه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أحد المساجد في مدينتنا وهو أكبرها ثبت أنه كان قد بني مكان مقبرة بعد نبش القبور وتحويلها إلى مكان آخر. المشكلة أن هناك من يقول إنه لم تتم إزالة جميع القبور أو جميع الرفات حيث جيء بجرافة لتسوية المكان بعد إزالة القبور الظاهرة وكلما وجدوا قبراً أزالوه , فما حكم الصلاة فيه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يجب على المسلمين احترام قبور أمواتهم، ولا يحل نبش قبورهم لغير ضرورة، فإن كانت هناك ضرورة فيجب عليهم دفن كل ميت في قبر جديد.
وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
أسكن في قرية على حافة جبل وبجوارنا من الجهة اليمانية جبل مرتفع ومن الجهة الغربية حافة جبل، ومن الجهة الشرقية كذلك ومدرجات زراعية تحيط بنا، وعندي قطعة أرض بجوار مقبرة فعزمت على أن أبني لي بيتاً لأن بيت والدي أصبح لا يسعنا، وبعد أن حفرت في نفس الأرض وطرحنا حجر الأساس للبيت، وجدنا قبوراً، فقمنا بإخراج العظم ونقلها إلى محل آخر حيث يوجد عندنا في القرية خندق تحت جبل يوجد فيه رؤوس وأيادي وأرجل وأجزاء من أجسام بني آدم وضعت من قديم الزمان، ولا ندري هل عملنا هذا مشروع أم لا؟ أفيدونا أفادكم الله.
فأجاب:
"هذا العمل لا يجوز، فما دامت الأرض فيها قبور: فالواجب تركها، فهي تبع المقبرة ما دامت المقبرة بجوار الأرض المذكورة، فالواجب أن لا يتعرض لها، ولا ينبش القبور، وإذا حفر ووجد القبور يتركها، ولا يجوز للناس أن ينبشوا القبور، ويضعوا بيوتهم في محل القبور، فهذا تعد على محل الموتى وظلم للموتى لا يجوز.
قد يجوز بعض الأشياء إذا دعت الضرورة إليها مثل إذا دعت الحاجة إلى شارع ينفع المسلمين، واعترضه شيء من القبور، ولا حيلة في صرف الشارع، فقد يجوز أخذ بعض المقبرة ونقل الرفات إلى محل آخر إذا كانت الضرورة دعت إلى توسعة هذا الشارع للمسلمين، ولا حيلة في صرفه عن المقبرة، أما أن يأخذ الناس من المقبرة لتوسعة بيوتهم فهذا لا يجوز" انتهى.
" فتاوى نور على الدرب " (السؤال 119) .
ثانياً:
فإن نبشت قبور الكفار – أو تُعدي على قبور المسلمين فنُبشت – جاز بناء المسجد مكان تلك القبور، فإن بقي من القبور شيء فلا يجوز بناء المسجد عليها، وقد ثبتت الأحاديث في النهي عن بناء المساجد على القبور في الصحيحين وغيرهما، وقد بنى النبي صلى الله عليه وسلم مسجده في المدينة بعد أن نبش قبور الكفار.
فإذا بني المسجد فوق قبور المسلمين: لم تجز الصلاة فيه، ويجب هدم المسجد لأن القبور سابقة عليه، فإن كانت القبور في زاوية المسجد وبني جدار فاصل بين المسجد وتلك القبور: جاز ذلك الفعل وصحت الصلاة فيه، وهذه فتاوى العلماء في هذه المسألة:
سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
توجد وسط مدينتنا مقبرة قديمة أزالت البلدية أنقاضها وأقامت مكانها حيّاً سكنيّاً ومباني لذوي الدخل المحدود وبقيت منها مساحة كبيرة أقام عليها أهل البر والإحسان مسجداً ليصلي فيه سكان الحي، وبعد بناء المسجد وقع خلاف بين أهل البلد حول جواز الصلاة في هذا المسجد أو عدم جوازها وانقسموا بين مؤيد ومعارض، ما حكم هذا المسجد؟ وهل يجب هدمه أم الإبقاء عليه؟ هل الصلاة في هذا المسجد صحيحة أم لا؟ .
فأجابوا:
"الأرض التي بني عليها مسجد إذا كانت خالية من القبور صحت الصلاة فيها، وإلا فيجب هدم المسجد الذي بني عليها" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (1 / 418، 419) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة – أيضاً -:
إن مسجدنا ببلدة " بايانج بمنطقة لاناودل سور " قد تم إنشاؤه بعد زلزال مدمر ضرب المنطقة عام 1955م، حيث تحطمت جدرانه وأساساته، وقد قرر المسئولون وزعماء البلدة تعميره واتفقوا على تسوية الأرض الواقعة على الجانب الشرقي من المسجد المذكور علما بأن هذه المساحة من الأرض كانت تستخدم في السابق مقبرة لدفن الموتى، وعند تسوية هذه الأرض بواسطة الآليات الحديثة (البلدوزرات) فقد تم العثور على عدد كبير من عظام رفات الأموات حيث تمت إعادة دفنها ونقل بعض منها إلى الجزء الغربي من المسجد ولكن بداخل سور نفس المسجد الحالي.
1- فهل من الجائز إقامة صلاة الجمعة والجماعة بداخل هذا المسجد؟ .
2- إذا كان الجواب بالنفي: فهل من الممكن معالجة الأمر بإقامة حاجز أو حائط فاصل داخل الجانب الغربي لهذا المسجد حيث تم نقل عظام رفات الموتى.
فأجابوا:
"إذا كان المسجد الحالي لم يعمر على أرض فيها قبور: فالواجب نبش القبور التي وضعت في جهته الغربية ونقل رفاتها إلى أرض المقابر، وإن كانت من المسلمين: فتنتقل إلى قبور المسلمين، وإن كانت قبور كفار: نقلت إلى مقابر الكفار، على أن يوضع رفات كل ميت مسلم في حفرة واحدة يسوى ظاهرها كبقية القبور حتى لا يمتهن، فإن تعذر نقل الرفات من غربي المسجد: فلا مانع من فصلها بجدار يفصلها عن بقية المسجد.
أما إن كانت أصل أرض المسجد فيها قبور: فالواجب التماس أرض أخرى سليمة يقع عليها المسجد، وتبقى أرض المسجد الأولى مقبرة كأصلها" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (1 / 419 – 421) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
"وإذا كان في المسجد قبر: وجب أن ينبش وينقل ما فيه من عظام - إن وجدت - إلى مقبرة البلد فيحفر لها وتدفن في المقبرة؛ لأنه لا يجوز شرعاً وضع قبور في المساجد ولا بناء المساجد عليها؛ لأن ذلك من وسائل الشرك والفتنة بالمقبور، كما قد وقع ذلك في أكثر بلاد المسلمين من أزمان طويلة بأسباب الغلو في أصحاب القبور، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بنبش القبور التي كانت في محل مسجده عليه الصلاة والسلام ...
فهذه الأحاديث وما جاء في معناها كلها تدل على تحريم البناء على القبور، واتخاذ المساجد عليها، والصلاة فيها وإليها وتجصيصها ونحو ذلك من أسباب الشرك بأربابها ...
وذكر أهل العلم أن القبر إذا وضع في مسجد وجب نبشه وإبعاده عن المسجد، وإن كان المسجد هو الذي حدث أخيرا بعد وجود القبر وجب هدم المسجد وإزالته؛ لأنه هو الذي حصل ببنائه المنكر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حذر من بناء المساجد على القبور ولعن اليهود والنصارى على ذلك، ونهى أمته عن مشابهتهم، وقال لعلي رضي الله عنه: (لا تدع صورة إلا طمستها ولا قبراً مشرفاً إلا سوَّيته) " انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (6 / 337، 338) .
وعلى هذا فينظر في المكان الذي بني عليه المسجد، إن كان تحت أرضية المسجد قبور، فلا تجوز الصلاة فيه، وإن لم يكن تحته قبور جازت الصلاة فيه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1072)
حكم الصلاة وهو يدافعه الأخبثان
[السُّؤَالُ]
ـ[في بعض الأحيان يدافعني الغائط قبل الصلاة وأصلي ولكن لا يدافعني أثناء الصلاة فهل تقبل صلاتي؟ وفي بعض الأحيان يجري العكس فهل تقبل صلاتي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز للمصلي أن يدخل في الصلاة وهو يدافع الغائط أو البول لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة بحضرة الطعام ولا وهو يدافعه الأخبثان) أخرجه مسلم في صحيحه، والحكمة في ذلك والله أعلم أن ذلك يمنع الخشوع في الصلاة، لكن لو صلى وهو كذلك فإن صلاته صحيحة لكنها ناقصة غير كاملة للحديث المذكور ولا إعادة عليه. وأما إذا دخلت في الصلاة وأنت غير مدافع للأخبثين وإنما حصلت المدافعة أثناء الصلاة فإن الصلاة صحيحة ولا كراهة إذا لم تمنعك هذه المدافعة من إتمام الصلاة.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 7/28.(5/1073)
كيف يقال بكفر تارك الصلاة والنجاشي قد روي أنه لم يكن يصلي
[السُّؤَالُ]
ـ[أجد على موقعكم أنكم تفضلون الرأي القائل بأن من يترك الصلاة فهو كافر.. ورغم هذا فهناك رواية تقول بأن النجاشي لم يكن يصلي، وقد جاء في رواية مسلم عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مات اليوم عبد لله صالح أصحمة.. فقام فأمنا وصلى عليه" وأهل السنة يجمعون على حقيقة أن النجاشي من أهل الجنة، فكيف نوفق بين الأمرين من تركه للصلاة برأي العلماء القائل بأن من ترك الصلاة فهو الكفر بعينه ... ]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
دلت الأدلة الصحيحة على أن تارك الصلاة كافر، وهذا هو المنقول عن الصحابة والتابعين وجمهور السلف، بل حكاه غير واحد إجماعا عن الصحابة رضي الله عنهم، وينظر جواب السؤال رقم (5208) ورقم (83165) .
ودل الدليل الصحيح على أن النجاشي رحمه الله قد آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم، وآوى أصحابه ومنعهم، وصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم حين بلغه موته.
فقد روى البخاري (3877) ومسلم (952) عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ مَاتَ النَّجَاشِيُّ: (مَاتَ الْيَوْمَ رَجُلٌ صَالِحٌ فَقُومُوا فَصَلُّوا عَلَى أَخِيكُمْ أَصْحَمَةَ) .
ثانياً:
الذي يظهر من مجموع ما صح في شأن النجاشي رحمه الله أنه كان عزيزا منيعا، وأنه منع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم المهاجرين عنده، وهذا ينافي ما قيل من أنه كان لا يصلي أو لا يظهر إيمانه خوفا من قومه.
فقد روى أحمد (1742) في قصة النجاشي مع جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، من حديث أم سلمة رضي الله عنها، وفيه: (فَقَالَ لَهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: نَقُولُ فِيهِ (يعني المسيح عيسى بن مريم عليه السلام) الَّذِي جَاءَ بِهِ نَبِيُّنَا، هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَرُوحُهُ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ. قَالَتْ: فَضَرَبَ النَّجَاشِيُّ يَدَهُ إِلَى الْأَرْضِ فَأَخَذَ مِنْهَا عُودًا، ثُمَّ قَالَ: مَا عَدَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ مَا قُلْتَ هَذَا الْعُودَ، فَتَنَاخَرَتْ بَطَارِقَتُهُ حَوْلَهُ حِينَ قَالَ مَا قَالَ، فَقَالَ: وَإِنْ نَخَرْتُمْ وَاللَّهِ، اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ سُيُومٌ بِأَرْضِي، وَالسُّيُومُ الْآمِنُونَ، مَنْ سَبَّكُمْ غُرِّمَ، ثُمَّ مَنْ سَبَّكُمْ غُرِّمَ، فَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي دَبْرًا ذَهَبًا، وَأَنِّي آذَيْتُ رَجُلًا مِنْكُمْ، وَالدَّبْرُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ الْجَبَلُ، رُدُّوا عَلَيْهِمَا هَدَايَاهُمَا فَلَا حَاجَةَ لَنَا بِهَا [يعني عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة، وكانت قريش قد أرسلتهما بهدايا إلى النجاشي ليرد معهما أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم] ، فَوَاللَّهِ مَا أَخَذَ اللَّهُ مِنِّي الرِّشْوَةَ حِينَ رَدَّ عَلَيَّ مُلْكِي، فَآخُذَ الرِّشْوَةَ فِيهِ، وَمَا أَطَاعَ النَّاسَ فِيَّ فَأُطِيعَهُمْ فِيهِ، قَالَتْ: فَخَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ مَقْبُوحَيْنِ مَرْدُودًا عَلَيْهِمَا مَا جَاءَا بِهِ وَأَقَمْنَا عِنْدَهُ بِخَيْرِ دَارٍ مَعَ خَيْرِ جَارٍ.
قَالَتْ: فَوَاللَّهِ إِنَّا عَلَى ذَلِكَ إِذْ نَزَلَ بِهِ يَعْنِي مَنْ يُنَازِعُهُ فِي مُلْكِهِ، قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْنَا حُزْنًا قَطُّ كَانَ أَشَدَّ مِنْ حُزْنٍ حَزِنَّاهُ عِنْدَ ذَلِكَ تَخَوُّفًا أَنْ يَظْهَرَ ذَلِكَ عَلَى النَّجَاشِيِّ فَيَأْتِيَ رَجُلٌ لَا يَعْرِفُ مِنْ حَقِّنَا مَا كَانَ النَّجَاشِيُّ يَعْرِفُ مِنْهُ، قَالَتْ: وَسَارَ النَّجَاشِيُّ وَبَيْنَهُمَا عُرْضُ النِّيلِ، قَالَتْ: فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ رَجُلٌ يَخْرُجُ حَتَّى يَحْضُرَ وَقْعَةَ الْقَوْمِ ثُمَّ يَأْتِيَنَا بِالْخَبَرِ؟ قَالَتْ: فَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ: أَنَا، قَالَتْ: وَكَانَ مِنْ أَحْدَثِ الْقَوْمِ سِنًّا. قَالَتْ: فَنَفَخُوا لَهُ قِرْبَةً فَجَعَلَهَا فِي صَدْرِهِ ثُمَّ سَبَحَ عَلَيْهَا حَتَّى خَرَجَ إِلَى نَاحِيَةِ النِّيلِ الَّتِي بِهَا مُلْتَقَى الْقَوْمِ، ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى حَضَرَهُمْ، قَالَتْ: وَدَعَوْنَا اللَّهَ لِلنَّجَاشِيِّ بِالظُّهُورِ عَلَى عَدُوِّهِ وَالتَّمْكِينِ لَهُ فِي بِلَادِهِ، وَاسْتَوْسَقَ عَلَيْهِ أَمْرُ الْحَبَشَةِ، فَكُنَّا عِنْدَهُ فِي خَيْرِ مَنْزِلٍ حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِمَكَّةَ) والحديث حسنه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند برقم (1740) ، وصححه الألباني في تعليقه على فقه السيرة، ص 115
وهذا صريح في حصول التمكين للنجاشي في بلده، فما الذي يمنعه من أداء الصلاة. على أنه لو كان مغلوبا من قومه لم يسلّم القول بتركه للصلاة؛ لأن الصلاة يمكن إخفاؤها، ولم يزل المستضعفون ممن آمن من النصارى وغيرهم يحافظون على صلاتهم ويخفونها عن قومهم، والنجاشي أولى بذلك رحمه الله.
ومما يؤكد ما ذكرنا من قوة النجاشي ومنعته، ما أخبر به عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النجاشي منع الخراج الذي كان يدفعه لهرقل بعدما أسلم.
قال ابن القيم رحمه الله في بيان قدوم عمرو بن العاص على ملك عمان بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى الإسلام: "فسألنى: أين كان إسلامك؟ قلت: عند النجاشي، وأخبرته أن النجاشي قد أسلم، قال: فكيف صنع قومه بملكه؟ فقلت: أقروه واتبعوه، قال: والأساقفة والرهبان تبعوه؟ قلت: نعم. قال: انظر يا عمرو ما تقول، إنه ليس من خصلة في رجل أفضح له من الكذب، قلت: ما كذبت، وما نستحله في ديننا، ثم قال: ما أرى هرقل علم بإسلام النجاشي، قلت: بلى. قال: بأي شيء علمت ذلك؟ قلت: كان النجاشي يخرج له خرجا، فلما أسلم وصدق بمحمد صلى الله عليه وسلم، قال: لا والله، لو سألني درهما واحدا ما أعطيته، فبلغ هرقل قوله، فقال له يناق أخوه: أتدع عبدك لا يخرج لك خرجا، ويدين دينا محدثا؟ قال هرقل: رجل رغب في دين فاختاره لنفسه ما أصنع به؟ والله لولا الضن بملكي لصنعت كما صنع، قال: انظر ما تقول يا عمرو، قلت: والله صدقتك " انتهى من "زاد المعاد" (3 / 694) .
وينظر: عيون الأثر لابن سيد الناس (2/ 335) .
ثالثاً:
القول بأن النجاشي رحمه الله كان لا يصلي الصلوات، حكاه شيخ الإسلام ابن تيمية بصيغة التضعيف، ولم ينسبه إلى أحد، وتأوله على أن ذلك لعدم تمكنه من مخالفة قومه. قال رحمه الله: " وكذلك النجاشي هو وإن كان ملك النصارى فلم يطعه قومه في الدخول في الإسلام، بل إنما دخل معه نفر منهم، ولهذا لما مات لم يكن هناك أحد يصلي عليه، فصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، خرج بالمسلمين إلى المصلى فصفهم صفوفا وصلى عليه، وأخبرهم بموته يوم مات، وقال: إن أخا لكم صالحا من أهل الحبشة مات، وكثير من شرائع الإسلام أو أكثرها لم يكن دخل فيها لعجزه عن ذلك، فلم يهاجر ولم يجاهد ولا حج البيت، بل قد روي أنه لم يصل الصلوات الخمس ولا يصوم شهر رمضان ولا يؤدي الزكاة الشرعية، لأن ذلك كان يظهر عند قومه فينكرونه عليه، وهو لا يمكنه مخالفتهم " انتهى من "مجموع الفتاوى" (19 / 217) .
وهذا معارض لما تقدم، وعلى فرض صحته فهو محمول على ترك الصلاة لعذر، لا على تركها مطلقا.
ولا يظهر لنا صحة هذا القول، وهو قول لم يُعز لأحد من العلماء، وهو معارض لما ثبت في مسند أحمد وغيره كما تقدم، بل معارض لما نقله شيخ الإسلام رحمه الله في موضع آخر حيث قال: " وقد ذكر عن عطاء وقتادة أن النجاشي كان يصلي إلى بيت المقدس إلى أن مات، وقد مات بعد نسخ القبلة بسنين متعددة، فلما صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم بقي في أنفس الناس لأنه كان يصلي إلى غير الكعبة، حتى أنزل الله هذه الآية [يعني قوله تعالى: (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ) ] . وهذا والله أعلم بأنه قد كان بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم يصلي إلى بيت المقدس فصلى إليه، ولهذا لم يصل إلى المشرق الذي هو قبلة النصارى، ثم لم يبلغه خبر النسخ لبعد البلاد، فعُذر بها كما عذر أهل قباء وغيرهم، فإن القبلة لما حُولت لم يبلغ الخبر إلى من بمكة من المسلمين ومن كان بأرض الحبشة من المهاجرين مثل جعفر وأصحابه، ومن كان قد أسلم ممن هو بعيد عن المدينة إلى مدة طويلة أو قصيرة " انتهى من "شرح عمدة الفقه" (4/ 548) .
والحاصل: أن ما صح من الأحاديث يدل على إيمان النجاشي وصلاحه وتمكنه في قومه، وهذا يبعد معه القول بأنه كان لا يصلي، وعلى فرض عدم صلاته فيكون ذلك لعدم تمكنه أو لعدم بلوغه تفاصيل ما أمر به، فهذا عذر يمنع من التكفير، وبالجملة فقضايا الأعيان لا تُعارض بها النصوص الصحيحة الثابتة في تكفير تارك الصلاة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1074)
إذا كان الزوجان عند عقد النكاح لا يصليان، فهل يلزمهما تجديد العقد؟
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا عقد عاقد النكاح وهو لا يصلي، وأيضا الزوج والزوجة وأبو الزوجة والشاهدان أيضاً لا يصلون، وأيضا عاقد النكاح لم يعقد صيغة العقد بطريقة صحيحة بل بلغة غير العربية ولم يذكر الشهادتين وكلمة النكاح في صيغة العقد، ما حكم هذا الزواج؟ هل هذا الزواج يعتبر مشروعاً أم لا؟ وإذا تابوا عن ترك الصلاة وصلوا، فهل يعقد العقد من جديد، أم العقد القديم يعتبر مشروعاً؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تارك الصلاة إن تركها جاحدا لوجوبها، فهو كافر بإجماع العلماء، وإن تركها تهاونا وتكاسلا، فهو كافر على الصحيح من قولي العلماء، وينظر جواب السؤال رقم (5208) ، ورقم (2182) .
وإذا كان الزوج والزوجة عند عقد النكاح تاركين للصلاة، فإنهما إذا تابا وصليا، بقيا على نكاحهما؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أبقى على أنكحة الكفار، ولم يأمرهم بتجديدها بعد إسلامهم، كما لم يأمر الصحابة من عاد إلى الإسلام من المرتدين بتجديد النكاح.
قال ابن قدامة رحمه الله: " أنكحة الكفار صحيحة، يُقَرّون عليها إذا أسلموا.. ولا ينظر إلى صفة عقدهم وكيفيته ولا يعتبر له شروط أنكحة المسلمين من الولي، والشهود، وصيغة الإيجاب والقبول، وأشباه ذلك بلا خلاف بين المسلمين. قال ابن عبد البر: أجمع العلماء على أن الزوجين إذا أسلما معا في حال واحدة، أن لهما المقام على نكاحهما ما لم يكن بينهما نسب ولا رضاع. وقد أسلم خلق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلم نساؤهم وأُقِرّوا على أنكحتهم، ولم يسألهم رسول الله عن شروط النكاح ولا كيفيته، وهذا أمر علم بالتواتر والضرورة، فكان يقينا " انتهى من "المغني" (10/5) .
وقال في "مطالب أولي النهى" (5/13) : " تنبيه: إذا تزوج المرتدُ كافرةً مرتدةً أو غيرها، أو تزوجت المرتدةُ كافراً , ثم أسلم الزوجان , فالذي ينبغي أن يقال هنا: أنا نقرهما على نكاحهما كالحربي إذا نكح نكاحا فاسدا , ثم أسلما , فإن المعنى واحد , وقد عاد المرتدون إلى الإسلام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه: فلم يؤمروا باستئناف أنكحتهم , وهذا جيد في القياس , قاله الشيخ تقي الدين [يعني: شيخ الإسلام ابن تيمية] " انتهى.
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: أفيدكم أنني قد كنت لا أصلي إلا نادرا، وقد تزوجت في تلك الفترة من حياتي، وأنا اليوم والحمد لله أصلي، وقد حججت وتبت إلى الله، ولكن لا أدري ما حكم عقد النكاح، هل هو جائز أم لا، وماذا أفعل إذا كان غير جائز؟ علما أن لي من هذه الزوجة 5 أطفال.
فأجابوا: "إن كانت الزوجة حين العقد مثلك لا تصلي أو تصلي تارة وتترك أخرى فالنكاح صحيح، ولا يلزم تجديده؛ لكونكما مستويين في الحكم المتعلق بترك الصلاة وهو: الكفر.
أما إن كانت المرأة حين عقد الزواج محافظة على الصلاة، فالواجب تجديد العقد في أصح قولي العلماء، إذا كان كل واحد منكما يرغب في الآخر، مع لزوم التوبة من ترك الصلاة والاستقامة عليها.
أما الأولاد الذين ولدوا قبل تجديد العقد فهم شرعيون، لاحقون بآبائهم من أجل شبهة النكاح. ونسأل الله لكما الصلاح والتوفيق لكل خير. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (18/290) .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " أما إذا كانا لا يصليان جميعا حين العقد ثم هداهما الله واستقاما على الصلاة، فإن النكاح صحيح، كما لو أسلم غيرهما من الكفار، فإن نكاحهما لا يجدد إذا لم يكن هناك مانع شرعي من بقاء النكاح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر الكفار الذين أسلموا في عام الفتح وغيره بتجديد أنكحتهم " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (10/291) .
وعلى هذا؛ فإذا تاب الزوجان من ترك الصلاة، وصليا فلا يحتاجان إلى إعادة عقد النكاح، بل هما على عقدهما الأول.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1075)
نصرانية قريبة من الدخول في الإسلام متزوجة من تارك صلاة، فما حكم عقدهما؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك امرأة نصرانية، تعيش في " كندا "، متزوجة من رجل مسلم، كانت ترغب أن تتعرف على الإسلام، وتتعلم أكثر عن قرب، وأن تعتنقه يوماً ما، إلا أنها أحبطت، وخاب ظنها لما رأت من زوجها تهاونه في الصلاة، حتى وصل الأمر إلى أن ترك الصلاة كليّاً لشهور حتى الآن، وبعد أن تم طرده من العمل أصبح يجلس في المنزل، وزوجته هي التي تعمل، وتنفق على شؤون البيت، أما هو فيجلس إلى الكمبيوتر، ويحادث النساء، ومشاهدة مشاهد إباحية على النت، هذا ما زاد الطين بلة، حينما علمت الزوجة بذلك بواسطة برنامج للتجسس , فما نصيحتكم التي تقدمونها لهما؟ أعلم أن تارك الصلاة مختلف بين العلماء بتكفيره، فأرجو أن توضحوا لنا المسألة على كلا المذهبين، وبارك الله فيكم، وأرجو إن كان في مقدوركم أن تكون الإجابة بالعربية والإنجليزية، وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
اتفق العلماء على أن تارك الصلاة جحوداً لفرضيتها أنه كافر مخلد في نار جهنم إن مات على هذا الجحود، واختلفوا فيمن تركها لا جحوداً لفرضيتها، بل تكاسلاً وتهاوناً، فقال جمهورهم إنه يستتاب، فإن تاب وإلا قُتل حدّاً، وقال آخرون: إنه يعزر، ويُسجن حتى يصلي.
فصارت الأقوال في المسألة ثلاثة:
القول الأول: وهو كفر من ترك الصلاة، من غير تفريق بين جحود، أو تكاسل، وهو قول عامة الصحابة، لا يُعرف بينهم مخالف، وممن قال به: الإمام أحمد رحمه الله في أصح الروايتين، وابن المبارك، وإسحاق بن راهويه، ومنصور الفقيه من الشافعية، ويروى أيضاً عن أبي الطيب بن سلمة من الشافعية.
القول الثاني: أن التارك للصلاة تكاسلاً وتهاوناً لا جحوداً: هو فاسق من فسَّاق المسلمين، وليس بكافر، لكنه يستتاب – على خلاف بينهم في تحديد المدة -، فإن تاب وصلَّى وإلا قتلَ حدّاً! كالزاني المحصن، لكنه يقتل بالسيف، وهذا هو مذهب مالك وأصحابه، وهو مذهب الشافعي، وجمهور أصحابه.
وقتل مثل هذا حدّاً فيه وقفة تأمل، وقد ذكرنا خطأ هذا القول في جواب السؤال رقم (6035) .
القول الثالث: وهو أن تارك الصلاة عمداً، تكاسلاً، وتهاوناً، مع إقراره بوجوبها: لا يكفر، ولا يقتل، بل يعزر، ويحبس، حتى يصلي.
وهو قول الإمام أبي حنيفة رحمه الله، وأصحابه، وجماعة من أهل الكوفة، وسفيان الثوري، والمزني صاحب الشافعي، وهو أضعف الأقوال.
وقد بني على الخلاف في حكم تارك الصلاة: أحكام عملية كثيرة، منها: توريثه، والتوريث منه، وغسله ودفنه في مقابر المسلمين، والصلاة عليه، وحكم ذبحه وصيده، وحكم بقاء الزوجية، وغير ذلك من الأحكام.
فمن قال بكفر تارك الصلاة – ولو من غير جحود -: فإنه يطبق عليه كافة أحكام المرتدين، فلا يرث، ولا يورث، ولا يغسَّل، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا يصلى عليه، ولا تحل ذبيحته، ويفسخ عقد نكاح الزوجية.
ومن حكم بعدم كفره: فإنه لا يطبق عليه الأحكام السابقة، بل يجعله فاسقاً من فساق المسلمين، مرتكباً لكبيرة من كبائر الذنوب، لكن جمهورهم يستتيبه، فإن لم يصل: قتل حدّاً! ومثل هذا – عندهم - لو تزوج نصرانية أو يهودية: فإنه يُحكم بصحة عقدهما، ويكون العقد زواج مسلم بكتابية.
والراجح من القولين: هو الأول؛ لظاهر الأدلة من الكتاب، والسنَّة؛ ولإجماع الصحابة رضي الله عنهم على ذلك.
وهو الذي يفتي به المشايخ: محمد بن إبراهيم، وعبد العزيز بن باز، ومحمد بن صالح العثيمين، وعلماء اللجنة الدائمة، وغيرهم من المحققين، على خلاف في الحد الذي يعتبر عنده تارك الصلاة تاركا مستحقا لهذا الحكم.
وعليه: فإن العقد بين ذلك الرجل وتلك المرأة عقد بين مرتد ونصرانية – إن كانت لا تزال على دينها -، وهي أهون منه؛ لأنها كتابية، وهو مرتد عن دينه.
وانظر أجوبة الأسئلة: (2182) و (5208) و (33007) و (10094) .
ثانياً:
والمرأة المسئول عنها إن كانت قد أسلمت: فإنه لا يحل لها البقاء مع ذلك التارك للصلاة، وقد سبق تفصيل الحكم فيه.
وأما إن كانت لا تزال على كفرها: فإنه ليس ثمة أحكام تتعلق بزواجها منه، فهما ليسا مسلميْن، وليس أحدهما مسلماً حتى يكون حكم من الشرع على عقدهما.
وإننا ننصحها بترك ذلك الرجل، والتزوج من رجل مسلم على الحقيقة، فهو بتركه للصلاة لا يعد مسلماً، وليس من أخلاق المسلمين ما يفعله من منكرات ومعاصٍ، ثم إنه ـ فيما يبدو لنا من السؤال ـ ناقص المروءة والشهامة؛ إذ يرضى لامرأته أن تخرج للعمل، وتتحمل أعباء المعيشة، وهو جالس في بيته؛ والله إن فعله لدناءة لو كان يجلس لقراءة القرآن والصلاة، وامرأته تخرج للعمل وتعوله، فكيف نقول فيه وهو يجلس للمعاصي والمنكرات.
وكلمتنا إلى هذه الزوجة: يا أمة الله، لا تنظري إلى الدين باعتبار أهله، أو باعتبار واحد منهم، لكن انظري إلى ما فيه من حق وخير، وصدق وبر، وأما الناس فإن كان زوجك بالحال التي وصفت، ففي أهل الإسلا من يقوم بآدابه وأحكامه وأخلاقه غير هذا الرجل، وما زال في الناس، من المسلمين وغيرهم، من فيه الصدق والبر والمروءة، وفيهم من حرم ذلك، غير أنه ما زالت أخلاق المسلم، إذا قام بحق دينه، أعلى وأبر وأطهر من أخلاق غيرهم، وتأملي تجدي مصداق ذلك، واعملي أن أكثر من حولك من المسلمين إنما هم أهل دنيا وطمع، خالفوا أحكام دينهم في النهي عن الإقامة في بلاد الكفار، حبا في الدنيا وطمعا فيها؛ فماذا تنتظرين من أخلاقهم؛ والقليل منهم من يحافظ على أمر دينه، أو يقيم هناك لحاجة تبيح له ذلك.
يا أمة الله، أسرعي، ولا تتأخري عن ربك، ولا تجعلي الناس وأخلاقهم حاجزا بينك وبين النور من ربك، فكل نفس بما كسبت رهينة، والحساب يوم القيامة: فردا فردا، ولا تحمل نفس حمل غيرها من النفوس: لها ما كسبت، وعليها ما اكتسبت، فهيا إلى النور الذي أبصرت شعاعه، واحذري أن تتأخري طويلا، فيدهمك الظلام، ويغيبك عنك الشعاع.
ومتى كانت هناك كف سوداء تحجب عنك الضياء، فأبعديها عن عينيك، مهما كانت، وسيري إلى ربك، على صراطه المستقيم.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1076)
حكم مجالسة من لا يصلي وينكر الحجاب ويسخر منه ويسخر من عائشة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم مجالسة مَن لا يصلي، ولا يصوم، وينكر الحجاب، ويقول: إنها خاصة فقط بنساء النبي صلى الله عليه وسلم، ويسخر منه، وفي مرة سمعته يسخر من السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وخاصة إذا كان من صلة الأرحام؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إن هذه الأفعال التي تسأل عن مجالسة صاحبها هي: كفرٌ، وردة، ونعجب من انتسابه للإسلام وهو على هذه الحال، فترك الصلاة كفر أكبر، ثبت ذلك بالكتاب، والسنَّة، وإجماع الصحابة رضي الله عنهم.
والحجاب للنساء: إن كان يقصد به غطاء الوجه " النقاب " ونحوه، فثمة خلاف بين العلماء فيه، والأصح أنه على واجب على النساء جميعاً، وليس هو خاصّاً بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان – حفظه الله -:
وأما بالنسبة للنقاب: فتغطية الوجه واجبة، على الصحيح من قولي العلماء، وهو الذي تؤيده الأدلة الصحيحة؛ لقوله تعالى: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) النور/ 31؛ ولقوله تعالى في نساء النبي صلى الله عليه وسلم: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) الأحزاب/ 53.
وكون الخطاب ورد في نساء النبي صلى الله عليه وسلم لا يمنع أن يتناول الحكم غيرهن مِن نساء المسلمين؛ وذلك لأنه علل ذلك بعلة عامة، وهي قوله: (ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) الأحزاب/ 53.
فالعلة عامة، لنساء النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهن، ولغيرهن مِن النساء، والطهارة مطلوبة للجميع؛ لقوله تعالى في الآية الأخرى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ) الأحزاب/ 59.
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (4 / 242، 243، السؤال رقم 250) .
ولمزيد تفصيل: ينظر جواب السؤال رقم: (11774) .
وأما إن كان يقصد بالحجاب غطاء الرأس: فليس في وجوبه خلاف بين أهل العلم، وإنكاره للنوعين، وسخريته بهما: ردة عن الدِّين؛ لأن الخمار وإن لم يكن واجباً عند بعض أهل العلم: فهو متفق على مشروعيته، وأنه من دين الله، فإنكاره والسخرية به كفر مخرج عن الملة.
وليس ثمة مجال لهذا الزنديق أن يسخر من أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، إلا أن يطفح ما في قلبه من النفاق والزندقة، ويظهر على فلتات لسانه، فعائشة أم المؤمنين، وزوج النبي صلى الله عليه وسلم، والمبرأة من الله في آيات تتلى إلى يوم القيامة، فمن سخر منها فإنما يسخر من زوجها، وهو النبي صلى الله عليه وسلم، ومن نفى أن تكون أمّاً للمؤمنين فهو يخرج نفسه من دائرتهم، وليس يضرها شيئا.
ثانياً:
إذا كان هذا هو حال هذا القريب: فليعلم أنه فاعل لما يوجب ردته، وأن عليه التوبة، والرجوع إلى دينه، وأنه إن لقي الله بهذا: لقيه على غير الإسلام.
وأما الواجب عليكم – بعد نصحه -: فهو أن تهجروا مجالسه، وتحذروا منه، إلا أن يكون من يريد الجلوس معه على قدر من العلم ليرد عليه كفره، وليحذر مجالسيه من شرِّه، وتكون صلته غير واجبة، بل لا يجوز ابتداؤه بالسلام.
قال تعالى: (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ) القصص/ 55.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله -:
(وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ) من جاهل خاطبهم به، (قَالُوا) مقالة عباد الرحمن أولي الألباب: (لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ) أي: كُلٌّ سَيُجازَى بعمله الذي عمله وحده، ليس عليه من وزر غيره شيء، ولزم من ذلك: أنهم يتبرءون مما عليه الجاهلون، من اللغو، والباطل، والكلام الذي لا فائدة فيه.
(سَلامٌ عَلَيْكُمْ) أي: لا تسمعون منَّا إلا الخير، ولا نخاطبكم بمقتضى جهلكم، فإنكم وإن رضيتم لأنفسكم هذا المرتع اللئيم: فإننا ننزه أنفسنا عنه، ونصونها عن الخوض فيه، (لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ) من كل وجه.
" تفسير السعدي " (ص 620) .
سئل علماء اللجنة الدائمة:
هل يجوز أن أجالس تارك الصلاة؟ .
فأجابوا:
مَن ترك الصلاة متعمِّداً جاحداً لوجوبها: فهو كافر باتفاق العلماء، وإن تركها تهاوناً وكسلاً: فهو كافر، على الصحيح من أقوال أهل العلم، وبناءً على ذلك: لا تجوز مجالسة هؤلاء، بل يجب هجرهم، ومقاطعتهم، وذلك بعد البيان لهم أن تركها كفر، إذا كان مثلهم يجهل ذلك، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) ، وصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أيضاً أنه قال: (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) أخرجه مسلم في صحيحه، وهذا يعم الجاحد لوجوبها، والتارك لها كسلاً.
الشيخ عبد العزيز بن باز , الشيخ عبد الرزاق عفيفي , الشيخ عبد الله بن غديان.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (12 / 374 , 375) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة:
هل يجوز إلقاء السلام على تارك الصلاة؟ .
فأجابوا:
أما تارك الصلاة جحداً: فكافر بالإجماع، وتاركها كسلاً، غيرَ جحد لوجوبها: فكافر، على القول الصحيح من أقوال العلماء، فلا يجوز إلقاء السلام عليه، ولا رد السلام عليه إذا سلَّم؛ لأنه يعتبر مرتداً عن الإسلام.
الشيخ عبد العزيز بن باز , الشيخ عبد الرزاق عفيفي , الشيخ عبد الله بن غديان , الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (24 / 141 , 142) .
وقال علماء اللجنة الدائمة:
ومَن استهزأ بدين الإسلام، أو بالسنَّة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كإعفاء اللحية، وتقصير الثوب إلى الكعبين، أو إلى نصف الساقين، وهو يعلم ثبوت ذلك: فهو كافر، ومن سخِر من المسلم، واستهزأ به، من أجل تمسكه بالإسلام: فهو كافر؛ لقول الله عز وجل: (قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ. لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) التوبة 65 , 66.
الشيخ عبد العزيز بن باز , الشيخ عبد الرزاق عفيفي , الشيخ عبد الله بن غديان , الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (2 / 43 , 44) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
والواجب: هجر تارك الصلاة، ومقاطعته، وعدم إجابة دعوته، حتى يتوب إلى الله من ذلك، مع وجوب مناصحته، ودعوته إلى الحق، وتحذيره من العقوبات المترتبة على ترك الصلاة في الدنيا والآخرة؛ لعله يتوب، فيتوب الله عليه.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (10 / 266) .
وسئل الشيخ صالح بن فوزان الفوزان – حفظه الله -:
هل يجوز لي أن أجالس وأشارك في المأكل والمشرب تارك الصلاة المصر على تركها؟ .
فأجاب:
لا يجوز لك أن تجالسه وتشاركه في المأكل والمشرب، إلا إذا كنت تقوم بنصيحته، والإنكار عليه، وترجو أن يهديه الله على يديك، فإذا كنت تقوم بهذا معه: وجب عليك أن تقوم به معه؛ لأن هذا من إنكار المنكر، والدعوة إلى الله تعالى، لعل الله أن يهديه على يديك.
أما إذا كنت تشاركه، وتجالسه، وتأكل وتشرب معه من غير إنكار، وهو مقيم على ترك الصلاة، أو مقيم على شيء من الكبائر: فإنه لا يجوز لك أن تخالطه، وقد لعن اللهُ بني إسرائيل على مثل هذا، قال تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ، كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ) المائدة/ 78، 79.
وجاء في تفسير الآية أن أحدهم كان يرى الآخر على المعصية فينهاه عن ذلك، ثم يلقاه في اليوم الآخر وهو مقيم على معصية: فلا ينهاه، ويخالطه، ويكون أكيله، وشريبه، وقعيده، فلما رأى الله منهم ذلك: ضرب قلوب بعضهم ببعض، ولعنهم على لسان أنبيائهم.
وحذرنا نبي الله صلى الله عليه وسلم من أن نفعل مثل هذا الفعل؛ لئلا يصيبنا ما أصابهم من العقوبة.
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (2 / 246، السؤال رقم 215) .
وانظر جوابي السؤالين:: (4420) و (47425) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1077)
كيف يصبر نفسه على الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلم أعمل في السعودية، متزوج، عمري الآن (30) عاما، كنت من المحافظين على الصلاة، وتكاسلت عنها من عدة سنوات، أصلي الجُمع ورمضان، وأيام أصلي كاملا، وأتكاسل، أنا خائف جدا، أحب أن أعرف ما توبتي، وكيف أُصَبِّرُ نفسي على الصلاة، وأنا والله أحب الصلاة، وكنت أرتاح راحة عظيمة خاصة في صلاة الفجر.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا نكتمك القول – أخانا السائل – أننا نحتار في مثل هذا السؤال، لا؛ لأن موضوعه جديد أو غريب، ولكن لأننا نقرأ في جُمَلِهِ وكلماته مِن صادق الأماني ما نرجو أن يتبعها صادقُ العزيمة والإرادة.
ولعلك تدرك أن كلماتٍ قليلةً منا لا تملك أن تغير حالك الذي تشكو إلى الحال التي تتطلع إليه، ولكنا نرجو أن تراجع أسباب الإرادة والعزيمة في نفسك، لتنظر إن كنت – ما زلت – تملك القرار أم أنك لست كذلك.
ونصدقك القول والنصيحة – أخانا الكريم – ولو أقسمنا لبررنا بالقسم، أن الأمر أخطر وأكبر من أن تسعه كلمات سؤالك، أو عبارات جوابنا، أو نصيحة ناصح، ولا موعظة واعظ، فهو يتعلق بالحقيقة التي يغفل الإنسان عنها، حقيقة ما وراء هذا الوجود المشاهد، وحقيقة الجنة والنار التي أعدت لأهل الدنيا، تنزلهم فيها أعمالهم، وتتحكم فيها أعمارهم، وكل إنسان مَجزِيٌّ بعمله، إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر.
أي شيء ينتظر المتكاسل عن الصلاة؟!
هل ينتظر تلك " اللحظة الفاصلة " التي يظن أنها تهدى إليه كرامة ربانية خالصة؟
أو ينتظر الموت الذي له مع بني آدم في كل يوم ميعاد؟
المكارم والمعالي لا تأتي بالتسويف ولا بالتأجيل، وإذا كانت خمس صلوات لا تستغرق من يوم المرء وليلته أكثر من ساعة تُعجِز شابا مسلما، وتكون له سبب همٍّ وغمٍّ وضيق، فكيف هي الحياة إذن بعد ذلك؟! وأي نصح ووعظ يمكن أن يجدي فيه؟!!
لو تأمل أحدنا بالطفل الصغير الذي يصر على الحبو الشديد كي يصل إلى حاجته التي يريد، أو تأمل أحدنا في إصرار جميع الدواب التي خلقها الله تعالى على تحصيل معاشها رغم كل المصاعب والأخطار.
بل لو تأمل أحدنا أحوال كثير من الكفار، كيف يحرصون على إقامة دينهم ودنياهم، ويبذلون في سبيل ذلك الكثير من التضحيات، وهم على باطلهم وضلالهم.
لو تأملنا في ذلك جميعا، ثم قارنَّا ما نستخلصه بصلوات خمس لا يملك بعض شبابنا أن يؤديها في أوقاتها، لكان لذلك التأمل أثر كبير في قلوبنا التي علاها الصدأ والرين.
ولا نرى الخطوة الأولى في سبيل تجاوز هذا الواقع الأليم إلا المبادرة – وعلى الفور – لأداء الصلاة الحاضرة، والاستعانة بالله عز وجل، وصدق اللجوء إليه أن يثبتنا جميعا على طاعته، وننصحك هنا – إذا أردت العون على المحافظة على الصلوات – أن تحرص على أداء الصلاة في أول وقتها، فالإنسان الذي يقدم الأهم في وقته ينجزه وينجح فيه، فإن أخره بدأت تعرض له العوائق والشواغل، حتى لا يكاد يشعر بأهمية العمل الذي هو أولى الأولويات.
تذكَّر أخانا الكريم أن الله تعالى أنعم عليك بنعم لا تعد ولا تحصى، وسلب هذه النعم عن بشر كثير، أفلا يستحق ربك منك الحمد والشكور؟!
هل صغرت في عينك نعمة الهداية إلى الإسلام، لنلقى الله عز وجل يوم القيامة مسلمين موحدين فننجو من النار يوما من الدهر؟!
ولو استمرت النفس في طغيانها وشقاقها، فلتأخذها إلى المقابر، لتتأمل حالها بعد بضع سنين، حبيسة تلك الحفرة الضيقة، رهينة ما كسبت في دنياها، وقدمت لأخراها، فلا نظنها ستشك حينئذ أن الصلاة ستكون نورا ونجاة وبرهانا في الدنيا والآخرة.
يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ. وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ. لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ. لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) الحشر/18-21.
وما دامت نفسك تغلبك، وما دمت تضل ـ وحدك ـ في الطريق، فاصحب معك في سفرك إلى ربك رفيقا، هاديا للطريق، أمينا:
قال الله تعالى: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) الكهف /28.
قال الشيخ السعدي – رحمه الله -: " ففيها الأمر بصحبة الأخيار، ومجاهدة النفس على صحبتهم، ومخالطتهم وإن كانوا فقراء فإن في صحبتهم من الفوائد، ما لا يحصى.
(وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ) أي: لا تجاوزهم بصرك، وترفع عنهم نظرك، (تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) ، فإن هذا ضار غير نافع، وقاطع عن المصالح الدينية، فإن ذلك يوجب تعلق القلب بالدنيا، فتصير الأفكار والهواجس فيها، وتزول من القلب الرغبة في الآخرة، فإن زينة الدنيا تروق للناظر، وتسحر العقل، فيغفل القلب عن ذكر الله، ويقبل على اللذات والشهوات، فيضيع وقته، وينفرط أمره، فيخسر الخسارة الأبدية، والندامة السرمدية، ولهذا قال: (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا) غفل عن الله، فعاقبه بأن أغفله عن ذكره، (وَاتَّبَعَ هَوَاهُ) أي: صار تبعا لهواه، حيث ما اشتهت نفسه فعله، وسعى في إدراكه، ولو كان فيه هلاكه وخسرانه، فهو قد اتخذ إلهه هواه، كما قال تعالى: (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم) الآية، (وَكَانَ أَمْرُهُ) أي: مصالح دينه ودنياه، (فُرُطًا) أي: ضائعة معطلة، فهذا قد نهى الله عن طاعته، لأن طاعته تدعو إلى الاقتداء به، ولأنه لا يدعو إلا لما هو متصف به.
ودلت الآية: على أن الذي ينبغي أن يطاع، ويكون إماما للناس، من امتلأ قلبه بمحبة الله، وفاض ذلك على لسانه، فلهج بذكر الله، واتبع مراضي ربه، فقدمها على هواه، فحفظ بذلك ما حفظ من وقته، وصلحت أحواله، واستقامت أفعاله، ودعا الناس إلى ما من الله به عليه، فحقيق بذلك، أن يتبع ويجعل إماما، والصبر المذكور في هذه الآية، هو الصبر على طاعة الله، الذي هو أعلى أنواع الصبر، وبتمامه تتم باقي الأقسام.
وفي الآية: استحباب الذكر والدعاء والعبادة طرفي النهار؛ لأن الله مدحهم بفعله، وكل فعل مدح الله فاعله، دل ذلك على أن الله يحبه، وإذا كان يحبه، فإنه يأمر به، ويرغب فيه " انتهى.
" تفسير السعدي " (475) .
ونرجو أن يحرص السائل الكريم على مراجعة الأجوبة السابقة المتعلقة بهذا الموضوع، والتي هي تحت الأرقام الآتية: (83997) ، (98682) ، (99139) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1078)
إذا ترك صلاة الفجر عمدا هل يترتب عليه شيء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب ولله الحمد عقدت عقد الزواج، ولم أبن بزوجتي، والحمد لله حريص على أداء الصلاة في أوقاتها، السؤال هو أنني أصبحت يوما لصلاة الفجر، فوجدت نفسي محتلما، فأكملت نومي ولم أصل حتى خرج وقت الصبح وطلعت الشمس، فاغتسلت، وصليت، فهل بذلك أكون قد تركت الصلاة متعمدا، وخرجت من الملة، وما حكم عقدي بزوجتي هل ما زالت زوجتي، أم أصبحت طالقا، إذا ترتب على تركي لصلاة (الفجر فقط) الخروج من الملة؛ لأني قرأت أن بعض العلماء من السلف كالإمام أحمد رحمه الله والخلف قالوا أن ترك صلاة واحدة يخرج من الملة، ومنهم الشيخ ابن باز رحمه الله. أرجو الإفادة لحالتي لحساسية الموضوع، ولشكي في عقد زواجي. وجزاكم الله كل خير.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله تعالى أن يثبتنا وإياك على طاعته، وأن يجعل صلاتنا وعبادتنا خالصة لوجهه الكريم.
ونشكر لك حرصك وورعك وخوفك من أمر هو في دين الله عظيم، والمسلم دائم الحذر والمراقبة والمراجعة، يخشى أن يعذبه الله بذنبه، فيحرص على التوبة والإنابة والاستغفار.
ونذكرك أخانا السائل أن المسلم الذي ينام عن الصلاة عن غير قصد بعد أن اتخذ الأسباب العادية للاستيقاظ، ولكن لم تفلح هذه الأسباب في إيقاظه، فهذا لا إثم ولا حرج عليه.
أما الذي يستيقط ويعي ما حوله، ويعلم أن وقت الصلاة قد دخل، ثم يتعمد استكمال النوم ناويا الاستمرار حتى خروج وقتها فقد وقع في إثم عظيم وذنب كبير يقتضي المسارعة إلى التوبة والندم، ويكفيه إثما وخطرا أن العلماء قد اختلفوا في كفره على قولين.
فقد اختلف أهل العلم – من القائلين بتكفير تارك الصلاة - في صفة الترك الذي يستوجب الكفر:
فقال بعضهم: هو مطلق الترك، فلو ترك صلاة واحدة متعمدا من غير عذر حتى خرج وقتها كفر، وهو قول إسحاق بن راهويه وغيره، واختيار اللجنة الدائمة، والشيخ عبد العزيز بن باز رحمهم الله من المعاصرين.
انظر: "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/41) ، و"مجموع فتاوى ابن باز" (29/179)
وقال بعض أهل العلم: إن الذي ينطبق عليه حكم الكفر، هو الذي يترك الصلاة تركا مطلقا، وأما من يصلي حينا، ويترك الصلاة حينا، فهذا لا يكفر الكفر المخرج من الملة، وإن كان مع قد أتى بابا عظيما من أبواب الإثم.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" إن كثيراً من الناس، بل أكثرهم، في كثير من الأمصار، لا يكونون محافظين على الصلوات الخمس، ولا هم تاركيها بالجملة، بل يصلون أحياناً، ويدعون أحياناً، فهؤلاء فيهم إيمان ونفاق، وتجري عليهم أحكام الإسلام الظاهرة في المواريث ونحوها من الأحكام " انتهى. "مجموع الفتاوى" (7/617) .
على أن الذي لا خلاف فيه بين أهل العلم، أن من ترك صلاة واحدة، الفجر أو ما سواها، حتى يخرج وقتها، فقد أتى بابا عظيما من الإثم، أعظم من السرقة وشرب الخمر والزنا، فإما هو فاسق من شر فساق أهل الملة، حتى يتوب ويرجع عن ترك صلاته، أو هو كافر، كما ذهب إليه كثير من أهل العلم، بل هو المحكي عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فالنصيحة للأخ السائل ولجميع إخواننا المسلمين أن نتسابق في الحرص على أداء الصلوات، وعدم التهاون في تركها، فهي عمود الدين، مَن ضَيَّعها فهو لما سواها أضيَع، فإذا قَصَّر المسلم في أداء هذا الواجب في بعض المرات فعليه أن يتوب إلى الله تعالى ويستغفره، ويكثر من النوافل مع القضاء، وليس عليه أن يجدد عقد زواجه، فهو عقد صحيح باق إن شاء الله تعالى، لا ينقضه ترك صلاة واحدة على الصحيح من أقوال أهل العلم.
وانظر جواب السؤال رقم: (10914) ، (52923) ، (83165)
وأما عقدك بقاؤك مع زوجتك، وعقدك عليها، فهو صحيح، ولا تحتاج إلى عقد جديد، إن شاء الله.
أما على مذهب من يرى أن تارك الصلاة لا يكفر، فهو واضح.
وأما على مذهب من يرى كفر من ترك صلاة واحدة وردته؛ فإن المرتد لا تبين منه امرأته إلا إذا انقضت عدتها، وهو في ردته.
جاء في الموسوعة الفقهية: " قال الشّافعيّة: إذا ارتدّ أحد الزّوجين المسلمين فلا تقع الفرقة بينهما حتّى تمضي عدّة الزّوجة قبل أن يتوب ويرجع إلى الإسلام، فإذا انقضت بانت منه، وبينونتها منه فسخ لا طلاق، وإن عاد إلى الإسلام قبل انقضائها فهي امرأته"
وهذا القول هو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد. قال المرداوي: وهو المذهب، وهو الصحيح. انظر: الإنصاف (8/215-216) ، تصحيح الفروع (249-250) .
قال شيخ الإسلام رحمه الله: " الدوام أقوى من الابتداء؛ ألا ترى أن العدة والردة تمنع ابتداء عقد النكاح دون دوامه ". الصارم المسلول (1/273) .
بل اختار شيخ الإسلام رحمه الله بقاء النكاح ما لم تنكح زوجا غيره، [يعني: ولو بعد انقضاء العدة] ؛ فإن كان الزوج هو المرتد، فالأمر إليها، ولا حكم له عليها، ولا حق عليه، لأن الشارع لم يستفصل، وهو مصلحة محضة، وكذا إن كانت الزوجة هي التي ارتدت، وليس له حبسها، وأنها متى أسلمت فهي امرأته، إن اختار.
انظر: الفروع لبن مفلح (5/246-250) ، الإنصاف للمرداوي (8/213، 216) .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله، في امرأة زوجها لا يصلي، ويفعل المحرمات:
" وتمتنعين من أن يقربك بجماع وغيره، حتى يتوب إلى الله وحتى يدع عمله السيئ، ولا سيما ترك الصلاة، فإذا تاب إلى الله وصلى، فلا مانع ".
مجموع فتاوى ومقالات الشيخ عبد العزيز بن باز (10/255-256) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1079)
حديث موضوع في الوعيد على من ترك الصلوات الخمس
[السُّؤَالُ]
ـ[ما صحة نسبة هذا الحديث للرسول صلى الله عليه وسلم: (من ترك صلاة الصبح فليس في وجهه نور، ومن ترك صلاة الظهر فليس في رزقه بركة، ومن ترك صلاة العصر فليس في جسمه قوة، ومن ترك صلاة المغرب فليس في أولاده ثمرة، ومن ترك صلاة العشاء فليس في نومه راحة) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سئلت "اللجنة الدائمة" (المجموعة الثانية 3/259) عن هذا الحديث وأحاديث أخرى، فأجابت عليها بقولها:
" هذه الأحاديث لم تُعزَ إلى كتاب من كتب السنة، ولا نعلم لها أصلا بعد البحث عنها، فالواجب منع توزيعها ونشرها " انتهى.
كما سئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في برنامج نور على الدرب في تاريخ 20/محرم/1427هـ (الدقيقة 17-19 من الشريط) عن هذا الحديث فقال:
" هذا لا أصل له فيما أعلم، وجاء الوعيد فيمن ترك الصلاة من القرآن ومن السنة النبوية الصحيحة، فيُكتَفى بما جاء، من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (بَينَ العَبدِ وَبَينَ الكُفرِ تَركُ الصَّلاةِ) رواه مسلم، وقوله صلى الله عليه وسلم: (العَهدُ الذِي بَينَنَا وَبَينَهُمُ الصَّلاةُ، فَمَن تَرَكَهَا فَقَد كَفَرَ) رواه أهل السنن. والله عز وجل يقول عن المجرمين: (مَا سَلَكَكُمْ فِيْ سَقَرَ، قَالُوْا لَمْ نَكُ مِنَ المُصَلِّينَ) السبب الأول الذي أوردهم سقر هو أنهم تركوا الصلاة، فترك الصلاة كفر والعياذ بالله، مخرج من الملة، سواء تركها جاحدا لوجوبها أو تركها معترفا بوجوبها، إلا من تركها ناسيا أو نائما..
وأما هذا الذي ذكره السائل فلا أعرف له أصلا، وكذلك ما يوزع من بعض النشرات (مَن ترك الصلاة عوقب بخمس عشرة عقوبة) لا أصل له " انتهى.
فعلى هذا لا يجوز نشر هذا الحديث، ولا نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، بل الواجب التحذير منه، وبيان أنه لا أصل له في كتب أهل السنة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1080)
تأمر الناس بالصلاة وهي لا تصلي إلا أمامهم فقط!
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا معلمة وأحرص على تعليم طالباتي الصلاة ولكني لا أصلي إلا أمام الناس مع يقيني بأهمية الصلاة وكذلك دائماً أقول للخادمة إذا دخل وقت الصلاة اتركي العمل، واذهبي صلِّي، وأنا لا أصلي! وأتكاسل فبماذا تنصحني]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا نستطيع توصيف حالتك بما يطابق واقعها، لكننا نأمل أن لا يستمر حالك كما هو الآن، ونرى أن عندكِ خيراً عظيماً، ولا بدَّ لك من تنميته واستثماره؛ لئلا تضيع حياتك فتلقي ربك تعالى ولم تصلحي من شأنك وحالك.
وخير ما ننصحك به في إهمالك للصلاة هو كتاب الله تعالى وسنَّة نبيه صلى الله عليه وسلم، فتنبهي لما سنذكره من الآيات والأحاديث وكلام أهل العلم لتعلمي عِظم الإثم الذي يلحقك ويثقل كاهلك.
واعلمي أن ترك الصلاة كفر مخرج من الإسلام، فكيف ترضين لنفسك أن تكوني في سلك أولئك الذين استحقوا غضب الله تعالى وسخطه؟ واحذري من تزيين الشيطان لفعلك بأن تركك للصلاة ليس جحوداً، إذ لا فرق بين من يتركها كسلاً أو يتركها جحوداً، فكلاهما تارك وجاحد، والجحود ليس بالقلب فقط، بل هو بالقلب والجوارح، وليس ترك الصلاة معصية يُستغفر من تركها ويُتاب من عدم أدائها، بل يلزم من تركها الدخول في الإسلام بالشهادتين، أو تجديد إسلامه بأداء الصلاة، ومن أذكار الصلاة الواجبة: الشهادتان.
سئل علماء اللجنة الدائمة:
الذي كان يصلي ثم يترك الصلاة لشهر أو شهرين أو أكثر، ثم يهديه الله تعالى إلى سبيل الهدى والحق- هل عليه القضاء أم لا؟ .
فأجابوا:
مَن ترك الصلاة لشهر، أو شهرين، أو أقل، أو أكثر: فعليه أن يجدد إسلامه، وأن يتوب إلى الله توبةً نصوحاً، ويندم على ما فات؛ لأن ترك الصلاة بالكلية كفر أكبر، ويشرع له أن يكثر من نوافل الطاعات، والتضرع بين يدي الله سبحانه، لعل الله أن يعفو عنه، ويتجاوز عما سلف، وأن يقبل توبته، فالتوبة تجب ما قبلها، ولا يلزمه القضاء.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (5 / 44) المجموعة الثانية.
وقال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان – حفظه الله -:
الصلاة ركن من أركان الإسلام، بل هي آكدُ أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهي عمود الإسلام، وهي الفارقة بين المؤمن والكافر، كما قال صلى الله عليه وسلم: (بين العبد وبينَ الكُفرِ والشِّركِ: تركُ الصلاة) .
والمرأة التي لا تصلِّي: إن كانت لا ترى وجوب الصلاة عليها: فهي كافرة بإجماع أهل العلم، وإن كانت ترى وجوبها وتركتها تكاسُلاً: فإنها تكفر على الصحيح من قولي العلماء.
فعلى هذا لا يصحُّ للمسلم أن يتزوَّجها، وإذا كان قد تزوَّجها: فلا يجوز له إمساكها؛ لقوله تعالى: (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ) الممتحنة/ 10، وقوله تعالى: (وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ) البقرة/ 221.
" المنتقى من فتاوى الفوزان " (1 / 102، السؤال 53) .
وقد تكلمنا على تارك الصلاة وحكمه في أجوبة عديدة، وبإمكانك الاطلاع على تفاصيلها في قسم تارك الصلاة، من التصنيف الموضوعي.
ثانياً:
قد وقعتِ في أمرٍ آخر جلل، وهو ترك العمل بما تنصحين به غيرك! وكان الواجب عليك الالتفات لنفسك لإنقاذها من النار، ومن سخط العزيز القهَّار.
قال الله تبارك وتعالى: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) البقرة/44.
قال ابن كثير – رحمه الله –:
قال ابن جريج: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ) أهل الكتاب، والمنافقون، كانوا يأمرون الناس بالصوم، والصلاة، وَيَدَعُونَ العملَ بما يأمرون به الناس، فعيَّرهم الله بذلك، فمن أمر بخير: فليكن أشد الناس فيه مسارعة.
" تفسير ابن كثير " (1 / 246) .
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله –:
(أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ) أي: بالإيمان، والخير، (وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) أي: تتركونها عن أمرها بذلك، والحال: (وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) وأسمى العقل عقلاً؛ لأنه يعقل به ما ينفعه من الخير، وينعقل به عما يضره؛ وذلك أن العقل يحث صاحبه أن يكون أول فاعل لما يأمر به، وأول تارك لما ينهى عنه، فمَن أمر غيره بالخير ولم يفعله، أو نهاه عن الشر فلم يتركه: دل على عدم عقله، وجهله، خصوصا إذا كان عالِماً بذلك، قد قامت عليه الحجة.
وهذه الآية وإن كانت نزلت في سبب بني إسرائيل: فهي عامة لكل أحد؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) ، وليس في الآية أن الإنسان إذا لم يقم بما أمر به أنه يترك الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر؛ لأنها دلت على التوبيخ بالنسبة إلى الواجبين، وإلا فمن المعلوم أن على الإنسان واجبين: أمر غيره، ونهيه، وأمر نفسه، ونهيها، فترك أحدهما لا يكون رخصة في ترك الآخر، فإن الكمال أن يقوم الإنسان بالواجبين، والنقص الكامل أن يتركهما، وأما قيامه بأحدهما دون الآخر: فليس في رتبة الأول، وهو دون الأخير، وأيضاً فإن النفوس مجبولة على عدم الانقياد لمن يخالف قولُه فعلَه، فاقتداؤهم بالأفعال أبلغ من اقتدائهم بالأقوال المجردة.
" تفسير السعدي " (ص 51) .
وعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ فِي النَّارِ فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ: أَيْ فُلَانُ، مَا شَأْنُكَ؟ أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنْ الْمُنْكَرِ؟ قَالَ: كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ) .
رواه البخاري (3094) ومسلم (2989) .
(فتندلق) : تخرج وتنصب بسرعة، (أقتابه) : جمع قتب، وهي الأمعاء والأحشاء، (برحاه) : حجر الطاحون التي يديرها.
والذي نوصيك به هو الاستمرار بنصح الناس في أمر الصلاة، مع الاهتمام بإقامتها من قبَلك، وأدائها في وقتها، بصدق وإخلاص.
سئل علماء اللجنة الدائمة:
أضطر أحيانا إلى إمامة أهل قريتي، وأكثر الأحيان أخطب الجمعة من كتاب خطابة، ولي - والحمد لله - مكانة في قلوب الناس، ومع ذلك يتغلب عليَّ شيطاني وأتبع هوى نفسي، وأشعر بضيق عندما أرتكب أي معصية؛ لأنني أعرف الخطأ، ورغم ذلك أقع فيه، وآمر الناس بالبعد عن الخطيئة، وأنا أفعلها، وأنا أعرف جيِّداً قول الله تعالى: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) .
فأجابوا:
نوصيك بالاستمرار في وعظ أهل قريتك، والاستزادة من العلم الشرعي ما أمكنك ذلك، والبعد عن المعاصي، ومجاهدة النفس على ذلك، والحرص على أن يطابق قولُك عملَك ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، والله سبحانه يقول: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) العنكبوت/ 69، مع التوبة النصوح مما سبق.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (12 / 269، 270) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1081)
يصوم رمضان ثم يترك الصلاة بعد رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان الإنسان حريصاً على صيام رمضان والصلاة في رمضان فقط ولكن يتخلى عن الصلاة بمجرد انتهاء رمضان فهل له صيام؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الصلاة ركن من أركان الإسلام، وهي أهم الأركان بعد الشهادتين وهي من فروض الأعيان، ومن تركها جاحداً لوجوبها أو تركها تهاوناً وكسلاً فقد كفر، أما الذين يصومون رمضان ويصلون في رمضان فقط فهذا مخادعةً لله، فبئس القوم الذين لا يعرفون الله إلا في رمضان، فلا يصح لهم صيام مع تركهم الصلاة في غير رمضان، بل هم كفار بذلك كفراً أكبر، وإن لم يجحدوا وجوب الصلاة في أصح قولي العلماء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) رواه الإمام أحمد (22428) والترمذي (2621) والنسائي (431) وابن ماجه (1079) بإسناد صحيح عن بريدة الأسلمي رضي الله عنه، وقوله صلى الله عليه وسلم: (رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله) رواه الإمام الترمذي (2616) بإسناد صحيح عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، وقوله صلى الله عليه وسلم: (بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة) رواه الإمام مسلم في صحيحه (82) عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة..
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (10/140) .(5/1082)
هل تحج وتتصدق عن أمها التي كانت لا تصلي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للابنة أن تحج وتتصدق عن أمها المتوفية علماً بأن الأم في حياتها لم تكن تصلي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"من ترك الصلاة جحداً لوجوبها كفر بالإجماع، ومن تركها تهاوناً وكسلاً كفر على الراجح من قولي العلماء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلَاةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ) مع أدلة أخرى من الكتاب والسنة في ذلك؛ وعلى ذلك لا يجوز الحج ولا التصدق عمن مات وهو لا يصلي، كما لا يحج ولا يتصدق عن جميع الكفرة.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (11/113) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1083)
هل من يصلي الجمعة فقط ليس بكافر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل صحيح أن من يصلي الجمعة ليس بكافر حيث كنت قد قرأت للشيخ ابن عثيمين رحمه الله فقال: من يصلي الجمعة ليس كافرا، لأنه لم يتركها مطلقا، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال "ترك الصلاة" وليست "ترك صلاة" فهل ورد عن ابن عثيمين وابن تيمية ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اختلف القائلون بكفر تارك الصلاة، في الحد الذي يوجب تركه الكفر، فذهب أكثرهم إلى أنه يكفر بترك فريضة واحدة، أو فريضتين.
وذهب بعضهم إلى أن تارك الصلاة لا يكفر إلا إذا تركها مطلقا.
والقول الأول حكاه إسحاق بن راهويه رحمه الله عن الصحابة والتابعين. قال الإمام محمد بن نصر المروزي رحمه الله: "سمعت إسحاق يقول: قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تارك الصلاة كافر، وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا: أن تارك الصلاة عمدا من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر.
وذهاب الوقت أن يؤخر الظهر إلى غروب الشمس، والمغرب إلى طلوع الفجر.
وإنما جعل آخر أوقات الصلوات ما وصفنا لأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلاتين بعرفة والمزدلفة وفي السفر، فصلى إحداهما في وقت الأخرى، فلما جعل النبي صلى الله عليه وسلم الأولى منهما وقتا للأخرى في حال، والأخرى وقتا للأولى في حال، صار وقتاهما وقتا واحدا في حال العذر، كما أُمرت الحائض إذا طهرت قبل غروب الشمس أن تصلى الظهر والعصر، وإذا طهرت آخر الليل أن تصلى المغرب والعشاء" انتهى من "تعظيم قدر الصلاة" (2/929) .
ونقل محمد بن نصر رحمه الله عن الإمام أحمد قوله: "لا يكفر أحد بذنب إلا تارك الصلاة عمدا. فإن ترك صلاةً إلى أن يدخل وقت صلاة أخرى يستتاب ثلاثا".
ونقل عن ابن المبارك قوله: "من ترك الصلاة متعمدا من غير علة، حتى أدخل وقتا في وقت فهو كافر". "تعظيم قدر الصلاة" (2/927) .
وقال ابن حزم رحمه الله: "روينا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومعاذ بن جبل، وابن مسعود، وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم، وعن ابن المبارك، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه رحمة الله عليهم، وعن تمام سبعة عشر رجلا من الصحابة، رضي الله عنهم، أن من ترك صلاة فرضٍ عامدا ذاكرا حتى يخرج وقتها، فإنه كافر ومرتد، وبهذا يقول عبد الله بن الماجشون صاحب مالك، وبه يقول عبد الملك بن حبيب الأندلسي وغيره" انتهى من "الفصل في الملل والأهواء والنحل" (3/128) .
وقال رحمه الله: "وقد جاء عن عمر، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاذ بن جبل، وأبي هريرة، وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم أن من ترك صلاة فرض واحدة متعمدا حتى يخرج وقتها فهو كافر مرتد" انتهى من "المحلى" (2/15) .
وبهذا القول أفتت اللجنة الدائمة للإفتاء، وعلى رأسها الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله. "فتاوى اللجنة" (6/40،50) .
وأما القول الثاني: وهو عدم تكفير تارك الصلاة إلا إذا تركها مطلقا، فهذا ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، مع حكمه بالكفر على من ترك بعض الصلوات ودعاه إمام أو نائبه إلى الصلاة فلم يصل. ويرى كذلك رحمه الله أن هذا الذي يصلي ويترك، إذا عزم في قلبه على الترك بالكلية، كفر باطنا، أي فيما بينه وبين الله تعالى.
ينظر: "مجموع الفتاوى" (22/49) ، (7/615) ، و"شرح العمدة" (2/94) .
وإلى هذا القول ذهب الشيخ ابن عثيمين رحمه الله حيث قال: "والذي يظهر من الأدلة: أنه لا يكفر إلا بترك الصلاة دائما؛ بمعنى أنه وَطَّن نفسه على ترك الصلاة؛ فلا يصلي ظهرا، ولا عصرا، ولا مغربا، ولا عشاء، ولا فجرا، فهذا هو الذي يكفر. فإن كان يصلي فرضا أو فرضين فإنه لا يكفر؛ لأن هذا لا يصدق عليه أنه ترك الصلاة؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) ، ولم يقل: (ترك صلاة) " انتهى من "الشرح الممتع" (2/26) .
وأما حكم من يصلي الجمعة فقط، ولا يصلي غيرها، فلم نجد ذلك مكتوباً للشيخ ابن عثيمين رحمه الله، لكننا كنا قد سألناه هذا السؤال مشافهة، وأجابنا بقوله: "الظاهر أنه يكفر" وذلك لأن فعل صلاة واحدة من خمس وثلاثين صلاة كل أسبوع قليل جداً، فلا يقال لمن فعل ذلك إنه يصلي، بل هو تارك للصلاة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1084)
كان يصلي ويترك خلال أربعة أشهر فهل يلزمه القضاء
[السُّؤَالُ]
ـ[شخص كان محافظا على الصلاة وحصل عليه حادث وفقد الذاكرة فترة من الزمن ثم رجعت إليه مرة أخرى، وأصبح يترك الصلاة تهاونا وكسلا، ثم عاد مرة أخرى يصلي بعض الفروض ويترك البعض، وله الآن على هذه الحالة أربعة شهور، فهل عليه إعادة تلك الفروض التي كان لا يصليها خلال الأربعة أشهر أم يكتفي بالتوبة فقط؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من ترك الصلاة متعمدا فقد ارتكب إثما عظيما، وذنبا كبيرا، ولو كان تركه لبعض الصلوات، بل تأخير الصلاة عن وقتها كبيرة من كبائر الذنوب؛ لقوله تعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) مريم/59.
قال ابن مسعود عن الغي: واد في جهنم، بعيد القعر، خبيث الطعم.
وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) رواه البخاري (553) .
وقال: (لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئًا وَإِنْ قُطِّعْتَ وَحُرِّقْتَ، وَلَا تَتْرُكْ صَلَاةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّدًا، فَمَنْ تَرَكَهَا مُتَعَمِّدًا فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ، وَلَا تَشْرَبِ الْخَمْرَ فَإِنَّهَا مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ) رواه ابن ماجه (4034) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه.
وقد جاء عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم أن من ترك صلاة واحدة متعمدا حتى خرج وقتها أنه كافر.
قال ابن حزم رحمه الله: " فروينا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومعاذ بن جبل، وابن مسعود، وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم، وعن ابن المبارك، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه رحمة الله عليهم، وعن تمام سبعة عشر رجلا من الصحابة، رضي الله عنهم، أن من ترك صلاة فرضٍ عامدا ذاكرا حتى يخرج وقتها، فإنه كافر ومرتد، وبهذا يقول عبد الله بن الماجشون صاحب مالك، وبه يقول عبد الملك بن حبيب الأندلسي وغيره ". انتهى من "الفصل في الملل والأهواء والنحل" (3/128) .
وبهذا القول أفتت اللجنة الدائمة للإفتاء، وعلى رأسها الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله. "فتاوى اللجنة" (6/40، 50) .
وقد اختلف أهل العلم هل يلزم من ترك الصلاة متعمداً بدون عذر قضاء ما ترك أم لا؟ فالجمهور على أنه يلزمه القضاء، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يلزمه القضاء، ولا يصح منه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "الاختيارات" (34) : "وتارك الصلاة عمدا لا يشرع له قضاؤها، ولا تصح منه، بل يكثر من التطوع، وهو قول طائفة من السلف" انتهى.
وهذا هو القول الراجح، وممن رجحه من المعاصرين الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين رحمهما الله.
قال الشيخ ابن عثيمين: " فالراجح: أنه لا يلزمه القضاء؛ لأنه لا يستفيد به شيئاً، إذ إنه لن يقبل منه، فإن القاعدة أن كل عبادة مؤقتة بوقت معين فإنها إذا أخرت عن ذلك الوقت المعين بلا عذر لم تقبل من صاحبها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) ولأنه مِن تعدي حدود الله عز وجل، وتعدي حدود الله تعالى ظلم، والظالم لا يقبل منه، قال الله تعالى: (وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّلِمُونَ) ؛ ولأنه لو قدم هذه العبادة على وقتها - أي: فعلها قبل دخول الوقت - لم تقبل منه، فكذلك إذا فعلها بعده لم تقبل منه، إلا أن يكون معذوراً " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (19 / السؤال رقم 45) .
وينظر: "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (10/329، 330) ، "الشرح الممتع" (2/89) .
وعليه؛ فالواجب على هذا الشخص أن يتوب إلى الله تعالى، وأن يحافظ على الصلوات في أوقاتها، وينبغي أن يكثر من النوافل والأعمال الصالحة، قال الله تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82، ولا يلزمه قضاء ما تركه، ونسأل الله تعالى أن يتقبل توبته، وأن يغفر ذنبه، ويصلح حاله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1085)
حكم صيام من لا يصلي إلا في رمضان
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم صيام من لا يصلي إلا في رمضان بل ربما صام ولم يصل؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله "كل من حُكِمَ بكفره بطلت أعماله، قال تعالى: (وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) وقال تعالى: (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) . وذهب جمع من أهل العلم إلى أنه لا يكفر كفرا أكبر إذا كان مقرا بالوجوب، ولكنه يكون كافرا كفرا أصغر، ويكون عمله هذا أقبح وأشنع من عمل الزاني والسارق ونحو ذلك، ومع هذا يصح صيامه وحجه عندهم إذا أداها على وجه شرعي، ولكن تكون جريمته عدم المحافظة على الصلاة، وهو على خطر عظيم من وقوعه في الشرك الأكبر عند جمع من أهل العلم، وحكى بعضهم قول الأكثرين أنه لا يكفر الكفر الأكبر إن تركها تكاسلا وتهاونا، وإنما يكون بذلك قد أتى كفرا أصغر، وجريمة عظيمة، ومنكرا شنيعا أعظم من الزنا والسرقة والعقوق وأعظم من شرب الخمر نسأل الله السلامة. ولكن الصواب والصحيح من قولي العلماء: أنه يكفر كفرا أكبر، نسأل الله العافية، لما تقدم من الأدلة الشرعية، فمن صام وهو لم يصل فلا صيام له، ولا حج له" انتهى. "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (15/179) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1086)
هل يجوز لهم الانتفاع بمال والدهم مع تركه للصلاة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[والدي لا يصلي هداه الله، ولا يصلي إلا إذا كان في العمل - أتوقع ذلك - أو مع الناس بشكل عام لئلا يحرج، أما هو بنفسه فلا تعني له الصلاة شيئا، وقد تمت مناصحته من إمام وجماعة المسجد فصلى عدة أسابيع ثم تركها، وكان في السابق يصلي الجمعة فقط، والآن تركها أيضا. سؤالي: هل تعتبر الأموال التي ينفقها علينا حراما وسحتا أم هي حلال؟ وهل ندخل نحن أبناؤه في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (أي جسد نبت من السحت فالنار أولى به) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ترك الصلاة من أعظم الكبائر والموبقات، بل ذلك كفر في الصحيح من قولي العلماء، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم (5208) و (2182) .
ويترتب على تكفير تارك الصلاة أحكام كثيرة في حياته وبعد موته، فلا تحل ذبيحته، ولا يصح أن يكون وليا أو شاهدا في النكاح، وإذا مات لم يغسل ولم يصل عليه ولم يدفن مع المسلمين.
وينبغي أن تستمروا في دعوته ونصحه وتذكيره، لعله يتوب ويرجع، وينظر جواب السؤال رقم (47425) .
ثانيا:
الأموال التي ينفقها عليكم لا تعتبر حراما ولا سحتا، ما دام يكسبها بطريق مباح، كوظيفة أو تجارة ونحو ذلك، والمقصود بحديث: (كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به) رواه الطبراني، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4519) : المال المأخوذ بطريق محرم كالسرقة والغش ونحو ذلك.
نسأل الله لكم التوفيق والسداد ولوالدكم الهداية والتوبة الصادقة.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1087)
هل تصح عمرتها وهي تاركة للصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[أريد أن أعتمر وزوجتي لا تصلي هل هذه العمرة صحيحة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تارك الصلاة إن كان جاحدا لوجوبها، فهو كافر بالإجماع، وإن كان تركُه لها تكاسلا وتهاونا مع الإقرار بالوجوب، فقد اختلف العلماء في حكمه، والصحيح أنه كافر أيضا؛ لأدلة كثيرة من الكتاب والسنة سبق بيان بعضها في جواب السؤال رقم (5208) .
وعليه؛ فإن أدت زوجتك العمرة وهي تاركة للصلاة، لم تصح عمرتها، وهكذا لا يصح صومها ولا حجها ولا زكاتها ولا شيء من عبادتها إذا استمرت على ترك الصلاة.
والواجب عليك أن تأمرها بالصلاة وتعينها عليها وترغبها فيها وتحذرها من عاقبة تركها، قال الله تعالى: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) طه/132
وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) التحريم/6.
وإذا استمرت الزوجة على ترك الصلاة لم يحل لك البقاء معها؛ لأنه لا يجوز إبقاء المسلم على كافرة تحته؛ لقوله تعالى: (وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ) الممتحنة/10.
وأما عمرتك أنت فصحيحة ولا علاقة لها ببطلان عمرة الزوجة.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: ما حكم من حج وهو تارك للصلاة سواء كان عامدا أو متهاونا؟ وهل تجزئه عن حجة الإسلام؟
فأجاب: "من حج وهو تارك للصلاة فإن كان عن جحد لوجوبها كفر إجماعا ولا يصح حجه، أما إن كان تركها تساهلا وتهاونا فهذا فيه خلاف بين أهل العلم، منهم من يرى صحة حجه، ومنهم من لا يرى صحة حجه، والصواب: أنه لا يصح حجه أيضا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) ، وقوله صلى الله عليه وسلم: (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) ، وهذا يعم من جحد وجوبها، ويعم من تركها تهاونا، والله ولي التوفيق " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (16/374) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "هذا الذي لا يصلي وهو يصوم لا ينفعه صومه، لأن من شرط صحة الصيام: الإسلام، وتارك الصلاة ليس بمسلم فلا ينفعه صوم ولا زكاة، ولا حج، بل ولا يجوز له دخول المسجد الحرام وحرم مكة ما دام على تركه الصلاة، لأنه - والعياذ بالله - مرتد خارج عن الإسلام ويترتب على ترك الصلاة إضافة لما ذكرنا من عدم قبول أعماله الصالحة يترتب عليه إنه إن كان ذا زوجة فإن زوجته ينفسخ نكاحها منه، وكذلك لا يجوز لأحد أن يزوجه ما دام لا يصلي، وإذا مات فإنه لا يجوز أن يغسل، أو يكفن، أو يصلى عليه، أو يدفن في مقابر المسلمين. . .
ثم إن تارك الصلاة إذا مات على ذلك فإنه يدخل النار - والعياذ بالله - ويخلد فيها كما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن من لم يحافظ عليهن - أي الصلوات الخمس - لم تكن له نوراً ولا برهاناً، ولا نجاةً يوم القيامة وحشر مع فرعون، وهامان، وقارون، وأبي بن خلف) .
فالمسألة خطيرة في ترك الصلاة، ولكنه للأسف الشديد أن كثيراً من المسلمين اليوم يتهاونون بالصلاة فيتركونها عمداً بدون عذر شرعي ثم يتصدقون وينفقون ويحجون وهذه كلها وكل الأعمال لا تقبل مع الكفر، قال الله تعالى: (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ) " انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (12/62) .
وانظر جواب السؤال رقم (72245) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1088)
لا يصلي، ويشكون في أنه يعمل بالدعارة؟!!
[السُّؤَالُ]
ـ[اكتشفت أن زوج أختي يكسب ماله عن طريق الحرام، فهو يُحضر فتيات من بلده إلى دولة خليجية ليعملوا هناك بالحرام، حتى إنه يمارس الحرام معهن، وهو اعترف لزوج أختي الثانية بذلك، أخبرتُ والدي ولكنه لم يصدق تعليلا بأن ذلك مستحيل، فهو إنسان جيد، وعلَّل بأن زوج أختي الثاني غيور، لذلك يلفق الأكاذيب، ولكني - والله أعلم - أصدقه لأنه دائما غائب عن البيت، وخاصة مساء، حتى إن أختي أخبرتني ببعض الأشياء، وأنها تشك بخيانته لها، لكنه يعود ليلفق الكذب، وتصدقه، هي حامل الآن، وعندها طفلة، ولم أخبرها بما سمعت عنه، أرجوك أريد معرفة واجبي نحو أختي، فهي من وقت الذي تزوجته من سنتين تقريبا وهي مريضة نفسيّاً، وهو إنسان لا يصلي، ولا يخشى الله، والله أعلم. أرجوك دلني ماذا يجب عليَّ فعله، هل يجب أن أخبرها بما سمعت، أم علي كتم الموضوع؟ فأنا أدعو الله دائما أن يهديه. إن أكثر ما يقلقني أن يصاب بمرض خطير، وينقله لها، وكذلك أخشى على أطفالها من الضياع.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي ننصحك بفعله ـ أختنا الكريمة ـ في هذه المشكلة أمور ثلاثة: التأكد من فعل زوج أختك، والنصح له إن ثبت ما فعله من منكرات، والسعي في فسخ النكاح إن أصرَّ على فعله، سواء فعل الفاحشة أم ترك الصلاة.
أما الأمر الأول:
فليُعلم أن الأصل في المسلم البراءة، ولا يجوز اتهامه بما ليس فيه، وإلا تعرَّض المتهِّم للإثم، قال تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً) الأحزاب/ 58.
ويجب التأكد من صحة خبر المخبِر قبل أن يبني عليه السامع حكماً، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) الحجرات/ 6.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله –:
وهذا أيضاً من الآداب التي على أولي الألباب التأدب بها واستعمالها، وهو أنه إذا أخبرهم فاسق بخبر أن يتثبتوا في خبره، ولا يأخذوه مجرداً؛ فإن في ذلك خطراً كبيراً، ووقوعاً في الإثم، فإن خبره إذا جُعل بمنزلة خبر الصادق العدل: حكم بموجب ذلك ومقتضاه، فحصل من تلف النفوس والأموال بغير حق بسبب ذلك الخبر ما يكون سبباً للندامة، بل الواجب عند خبر الفاسق التثبت والتبيُّن، فإن دلت الدلائل والقرائن على صدقه: عمل به وصدق، وإن دلت على كذبه: كذِّب، ولم يعمل به، ففيه دليل على أن خبر الصادق مقبول، وخبر الكاذب مردود، وخبر الفاسق متوقف فيه كما ذكرنا.
" تفسير السعدي " (ص 799) .
فالأصل عدم الاتهام، والأصل البراءة، وقد يكون الكذب ممن زعم أنه اعترف له، ولا يُستبعد هذا، فإن تبين صدق المخبِر، وصحة واقع حاله: فإننا ننتقل إلى:
الأمر الثاني:
وهو: النصح والوعظ.
عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الدِّينُ النَّصِيحَةُ، قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: لِلَّهِ، وَلِكِتَابِهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ) رواه مسلم (55) .
وعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ. رواه البخاري (501) ومسلم (56) .
وعلى أن تكون النصيحة بالتي هي أحسن لتقويم المعوج، وتصحيح مساره.
قال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ْضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) النحل/ 125.
وأولى ما تنصحونه به هو الصلاة، فلا بدَّ أن يعلم أن ترك الصلاة كفر مخرج من ملة الإسلام، وأنه إن مات وهو تارك للصلاة مات ميتة جاهلية، ومات على الردة، ثم يُنصح بعد ذلك بترك أفعاله المحرمة من الفواحش والمنكرات مع تلك الخادمات، فعلاً للفاحشة معهن، والإعانة في استقدامهن لغيره، بل إن استقدام الخادمات أصلا ولو للعمل فيه مفاسد كثيرة، وقد تقدم الكلام عن الخادمات وحكم إحضارهن من بلادهن، والمحاذير التي يقع فيها أهل البيوت التي تعمل فيها الخادمات، وذلك عند الجواب على السؤال رقم (26282) .
فإن تبين صدق القول فيه، ولم يستجب للنصح وأصرَّ على ترك الصلاة وفعل المنكرات: فإن ما عليكم فعله هو:
الأمر الثالث:
وهو التفريق بينه وبين زوجته بفسخ النكاح؛ لأن تارك الصلاة مرتد، ويفسخ عقده على المسلمة؛ ولأنه لا يحل للعفيفة البقاء على عقد نكاحها مع زانٍ فاجر، وترك الصلاة موجب لفسخ النكاح، وأما فعله للمنكرات فليس بموجب للفسخ، لكن رضاها بأفعاله يجعلها شريكة له فيها، ومثله لا يؤتمن على ابنة ولا على زوجة، ولا يؤمن – كذلك – أن يتسبب في انتقال الأمراض المهلكة المعدية لها.
قال لشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
ترك الصلاة كفر مخرج عن الملة، وإذا كان له زوجة: انفسخ نكاحه منها، ولا تحل ذبيحته، ولا يقبل منه صوم، ولا صدقة، ولا يجوز أن يذهب إلى مكة فيدخل الحرم، وإذا مات فإنه لا يجوز أن يغسل، ولا يكفَّن، ولا يُصلَّى عليه، ولا يُدفن مع المسلمين، وإنما يُخرج به إلى البر، ويحفر له حفرة يُرمس فيها، ومن مات له قريب وهو يعلم أنه لا يصلي: فإنه لا يَحل له أن يخدع الناس ويأتي به إليهم ليصلوا عليه؛ لأن الصلاة على الكافر محرَّمة؛ لقوله تعالى: (وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) التوبة/ 113؛ ولأن الله يقول: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) التوبة/ 84.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (12 / السؤال رقم 26
وانظر أجوبة الأسئلة: (10094) و (2182) و (5208) .
غير أننا نعود ونذكرك أيتها السائلة الكريمة بعدم التسرع في الحديث بمثل ذلك عنه، أو نقله لأختك، وتكدير عيشها، وتخريب بيتها، من دون بينة شرعية، ولتكن غيرتنا على انتهاك حرمات الله أشد من خوفنا من انتقال الأمراض، أو أنفتنا من " الخيانة الزوجية "، واجتهدي في الدعاء له بالهداية، ولأختك بصلاح الحال، وأن يحفظها وذريتها من شره، ومن شر كل ذي شر.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1089)
ترك الصلاة بسبب معاناته من وسواسه بسلس البول
[السُّؤَالُ]
ـ[مشكلتي في الصلاة، أنا للأسف أهملت صلواتي، وتقريباً لي سبعة أشهر لم أصلِّ! مع علمي بعظم هذه المعصية، وأنا أذكر إخواني دائما بالصلاة، وأحذر من التهاون فيها، وبكل أسف أنا لا أصلي! أنا لست منافقاً أبدا، وأنا والله أتمنى أني أستطيع أن أصلي وأنا أكون كباقي الناس، لكن والله أنا ما تهاونت فيها إلا بسبب الوساوس القهرية في الوضوء والغسل وقد يكون هذا الأمر هيناً، لكن المصيبة التي كرهتني في كل شيء هي " سلس البول " , وهو ليس سلساً مستمراً بل هو مجرد إحساس بعد قضاء الحاجة بخروج نقاط من البول، وكم وكم قرأت من استشارات لكن قد يكون الأمر سهلاً عند من يفتيك لأنه لم يعان مما يعانيه غيره، وأنا والله العظيم لولا هذه المشكلة ما كنت فرطت في صلواتي , وأنا كنت سابقا لا ألتفت لها وكنت أسمع من البعض يقول إنه لا يجب عليك أن تلتفت لها، وأن تستنجي، ثم تتوضأ ولا عليك من أي شي يخرج منك بعد ذلك , كنت على هذا طيلة حياتي , لكن بعد أن بدأت أبحث في المواقع الدينية وأسال وجدت أنني كنت مخطئاً. أنا عندي عدة أسئلة وأتمنى تريحوني من هذا العذاب لأن أعظم البلاء أن يبتلي الإنسان في دينه وأنا ابتليت في أنني لا أستطيع أن أصلي. سؤالي: الآن هل أُعتبر أنا كافراً كفراً يُخرج من الملة بسبب إهمالي لصلواتي طيلة السبعة شهور؟ وماذا يجب عليَّ أن أفعل؟ وكيف أجدد إيماني؟ وهل يجب أن أتلفظ بالشهادتين؟ أريد منكم التوضيح بشكل مفصل. السؤال الآخر: ماذا أفعل بخصوص سلس البول (هل يجب عند قضاء الحاجة أن أنتظر فترة قد تصل إلى نصف ساعة في دورة المياه لكي أتأكد أنني لا أحس بخروج شيء، ثم أتحفظ بقماش ومعاناة تثبيت القماش أو غيره على العضو ثم أبدأ الوضوء وتبدأ معاناة الوسواس بل أيضا تنتظرني معاناة الوسواس في الصلاة وإعادتها) ، أنا أعلم أن الدين يسر ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، وأنا لا أعلم ماذا أفعل في مصيبتي هذه. بارك الله فيكم، لا تحيلوني لأي استشارات أخرى، وأغيثوني، أغاثكم الله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
سبحان الله، كيف تمكَّن الشيطان من الكيد لك، والإيقاع بك! فتختار ترك الصلاة بالكلية! تختار الردة! تختار حبوط الأعمال جميعها!
نعم، ترك الصلاة كفر مخرج من الملة، ولا يُعذر المسلم بترك الصلاة في أي ظرف أو حال كان فيه، ففي الحرب يصلي، وفي المرض يصلي، وفي السجن يصلي، ولا يُعذر بترك الصلاة إن فقد الماء والتراب، ولا يعذر إن جهل القبلة، ولا يعذر في تركها إن لم يكن عنده ثياب يستر عورته بها.
وقد شرع الله تعالى لكل من ذكرنا أحكاماً تتناسب مع حاله وظرفه، من الجمع بين الصلاتين، وسقوط شرط الطهارة، واستقبال القبلة، وستر العورة، والصلاة جالساً أو مضطجعاً، بل والصلاة بالنية في حال عدم قدرته على الحركة! وكل ذلك يدل على عظم هذه الفريضة، وعظم شأنها في شرع الله تعالى.
ومما يدل على عظيم شأنها: أن الله تعالى فرضها على المسلمين في السماء ليلة المعراج من غير واسطة بينه تعالى ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
فالحذر الحذر، وإياك أن تهون ما عظمه ربك عز وجل، وإياك أن ترضى لنفسك الدخول في عصابة العاصين المرتدين، فالحكم واضح بيِّن، وليس لك عذر عند الله تعالى البتة، فلم يبق لك إلا المسارعة إلى الصلاة – وتغنيك الصلاة عن التلفظ بالشهادتين - ولتعوض ما فات من عمرك بالاستغفار والطاعات، ولتصدق في توبتك، واحذر أن تموت وأنت تارك للصلاة وإلا حبط عملك الصالح، ولقيتَ الله كافراً مرتدّاً.
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
كيف يقضي من فاتته صلاة يومين بسبب مرض؟ ومتى يكون القضاء؟
فأجاب:
"هذا المريض إما أن يكون قد غاب عقله – أي: أغمي عليه -: فهذا لا قضاء عليه؛ لأنه مغمى عليه، فاقد العقل، وليس كالنائم الذي إذا أيقظته استيقظ، وأما إذا كان عقله معه: فلا يحل له أن يؤخر الصلاة، يصلي على حسب حاله، ولو بالنية، حتى لو – فرضنا - أنه لا يستطيع أن يتحرك: فعليه أن ينوي بقلبه التكبير والقراءة والركوع والسجود، لكن بعض المرضى لضيق أنفسهم، وكونهم في حرج: تجده إذا قيل له: صلِّ: قال: إذا عافاني الله صليت! هذا غلط، خطر عظيم جدّاً، لو مات على هذا يخشى أن يكون كافراً، ولهذا يجب على الممرضين الذين يمرضون أقاربهم إذا قالوا هذا أن يحذروهم، يقول: صلِّ ولو بالنية، ما دام العقل ثابتاً هل يمكن أن يفقد الإنسان النية؟ لا يمكن أن يفقدها، ولا لسانه....، أو كما يفعل بعض المرضى تكون ثيابه متنجسة ويقول: لا أستطيع أن ألبس ثوباً طاهراً، ولا أغسل النجاسة، أنتظر حتى يعافيني الله وأتطهر: نقول: هذا أيضاً حرام، صلِّ ولو بالثوب النجس؛ لأن الله يقول: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/ 16.
بقدر ما يستطيع، إن قدر على الطهارة: تطهر، وإن لم يقدر: فإنها تسقط عنه" انتهى.
" لقاءات الباب المفتوح " (163 / السؤال رقم 9) .
ثانياً:
وأما حكم ما تركته من صلوات: فليس عليك قضاؤها وتكفيك التوبة والمحافظة على الصلاة.
ثالثاً:
الذي تعاني منه أنت سببه، فلست مريضاً بسلس البول، فأنت من جعل الخيال حقيقة، وجعل الوهَم واقعاً، فمجرد الإحساس بوجود نقاط بول تخرج منك – كما تقول – ليس لها حكم البول الخارج بالقطع والجزم، فلا تلتفت لهذا الوهم، ولا تبني حكما على ذلك الخيال، وإذا استجبت لهذا ارتحت، وإذا استسلمت له جاءك الوسواس القهري، وجعل حياتك نكداً.
وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
بعدما أنتهي من الوضوء أشعر بأنه يخرج مني نقاط من البول , فهل يجب عليَّ إعادة الوضوء , علماً أنني كلما أعدت الوضوء حصل نفس الشعور , فماذا أفعل؟ .
فأجاب:
"هذا الشعور عند السائل بعد الوضوء يعتبر من وساوس الشيطان , فلا يلزمه أن يعيد الوضوء , بل المشروع له: أن يُعرض عن ذلك , وأن يعتبر وضوءه صحيحاً لم ينتقض ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الرجل يجِد الشيء في الصلاة , قال: (لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) متفق على صحته.
ولأن الشيطان حريص على إفساد عبادات المسلم من الصلاة والوضوء وغيرهما , فتجب محاربته، وعدم الخضوع لوساوسه , مع التعوذ بالله من نزغاته ومكائده" انتهى.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (10 / 124) .
وليس لك أن تنتظر فترة من الزمان في الحمام لتنتظر خروج شيء، وليس لك أن تمشي أو تقفز أو تعصر فرجك، فكل ذلك وما يشبهه من تلبيس إبليس، وإنما يوسوس بذلك للناس ليصرفهم عن الطاعة، وليقذف في قلوبهم الحزن، فإياك أن تستجيب لوسوسته، وكل ما عليك فعله إنما هو التبول ثم الاستنجاء بعده، ثم نضح الفرج والثياب بقليل من الماء لتذهب به كيد الشيطان وتتخلص من وسوسته، والبول ينقطع بطبعه إذا فرغ الإنسان منه، ولو أنه انتظر عدم نزول شيء جديد منه، أو راح يعصره لينشفه لم ينته، فإنه كلما عصره استمر في النزول!
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
عن الاستنجاء هل يحتاج الى أن يقوم الرجل ويمشي ويتنحنح يستجمر بالأحجار وغيرها بعد كل قليل في ذهابه ومجيئه لظنه أنه خرج منه شيء؟ فهل فَعَل هذا السلف رضي الله عنهم أو هو بدعة أو هو مباح؟
فأجاب:
"الحمد لله، التنحنح بعد البول، والمشي، والصعود في السلم، والتعلق في الحبل، وتفتيش الذَّكَر بإسالته، وغير ذلك: كل ذلك بدعة، ليس بواجب، ولا مستحب عند أئمة المسلمين، بل وكذلك نتْر الذَّكَر بدعة على الصحيح، لم يشرع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، والبول يخرج بطبْعه، وإذا فرغ: انقطع بطبعه، وهو كما قيل: كالضرع، إن تركته: قرَّ، وإن حلبتَه: درَّ.
وكلما فتح الانسان ذكَره: فقد يخرج منه، ولو تركه: لم يخرج منه، وقد يخيل إليه أنه خرج منه، وهو وسواس، وقد يحس من يجده برداً لملاقاة رأس الذكر فيظن أنه خرج منه شيء، ولم يخرج.
والبول يكون واقفاً محبوساً في رأس الذكرلا يقطر، فاذا عُصر الذكَر أو الفرج أو الثقب بحجر أو أصبع أو غير ذلك: خرجت الرطوبة، فهذا أيضا بدعة، وذلك البول الواقف لا يحتاج الى إخراج، باتفاق العلماء، لا بحجَر، ولا أصبع، ولا غير ذلك، بل كلما أخرجه جاء غيره؛ فإنه يرشح دائماً.
والاستجمار بالحجر كافٍ لا يحتاج الى غسل الذكر بالماء، ويستحب لمن استنجى أن ينضح على فرجه ماء، فإذا أحس برطوبته قال: هذا من ذلك الماء.
وأما مَن به سلس البول، وهو أن يجري بغير اختياره لا ينقطع: فهذا يتخذ حفاظاً يمنعه، فإن كان البول ينقطع مقدار ما يتطهر ويصلي وإلا صلى وإن جرى البول، كالمستحاضة تتوضأ لكل صلاة، والله أعلم" انتهى.
" مجموع الفتاوى " (21 / 106، 107) .
وفي جواب شيخ الإسلام تفصيل لحالتك، والجواب عليها، فعليك التأمل في كلام أهل العلم، وإظهار الاحترام والتقدير لهم، فهم نجوم يهتدي بهم من ضلَّ طريقه، فما عندك إنما هو وهم وخيال لا ينبغي لك الالتفات له، ولا الاهتمام به، وليس لك أن تنتظر خروج شيء من البول بعد انتهائك من التبول، وليس عليك أن تتحفظ بقماش أو غيره.
والذي يظهر لنا أنك لست مريضاً بسلس البول، وإنما أنت استسلمت لوسوسة الشيطان فتمكن منك.
فاسأل ربك تعالى العون والتأييد والتثبيت، وتوكل على الله تعالى في صرف الشيطان وكيده، فإنه (لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) النحل/99.
وانظر للفائدة أجوبة الأسئلة: (2723) و (11449) و (1174) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1090)
يأمرهم والدهم بالصلاة والتمسك بتعاليم الإسلام ولا يصلي
[السُّؤَالُ]
ـ[يعرف والدي كل الأمور الواجب فعلها كي يصبح الواحد مسلما، وهو يأمرنا دائما أن نفعل ما يأمرنا الله بفعله، ويدلنا على الطريق الصحيحة ويبينها لنا. والدي يحب الله، وهو يأمرنا أن نصلي ونصوم وأن نفعل الأمور التي ترضي الله عنا، ولم يسبق له أن ذكر الإسلام بسوء مطلقا. وهو يريد من الجميع أن يكونوا مسلمين. غير أنه لا يفعل تلك الأمور، فهو لا يصلي ولا يصوم ولا يفعل أي شيء من ذلك القبيل..
فماذا تقول في ذلك؟ وماذا علينا أن نفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يجوز لوالدك أن يترك الصلاة، لأن ترك الصلاة كفر، يراجع للأهمية جواب سؤال رقم (2182) و (10094) .
ثانياً:
يجب أن يحذر والدك من مغبة فعله هذا، وهو أن يأمر بالمعروف ولا يأتيه، وينهى عن المنكر ويأتيه، فقد جاء الوعيد الشديد فيمن كان هذا حاله.
عن أسامة بن زيد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " يُؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى فيجتمع إليه أهل النار فيقولون يا فلان ما لك ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فيقول بلى قد كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهى عن المنكر وآتيه".
رواه البخاري (3027) ومسلم (5305) .
أقتاب بطنه: أمعاؤه وأحشاؤه.
ثالثاً:
والواجب عليكم تجاه هذا الأب الاجتهاد في دعوته وإرشاده إلى وجوب أداء الصلاة، وذلك بالحكمة والموعظة الحسنة، فإن حرصكم على هداية والدكم من أعظم البِر به، وعليكم الصبر على ذلك، والاجتهاد في الدعاء له بالهداية.
وتذكر قصة إبراهيم عليه السلام مع أبيه وهو يدعوه 'إلى الشرك، وكيف كان رد إبراهيم عليه وتلطفه في الخطاب معه.
وكذا قصة أبي هريرة مع أمه وحرصه على دعوة أمه وهدايتها ولعلها أن تكون دافعاً لكم على الاجتهاد في دعوة أبيكم.
عن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الْإِسْلَامِ وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فَدَعَوْتُهَا يَوْمًا فَأَسْمَعَتْنِي فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَكْرَهُ. فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَبْكِي. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الإِسْلامِ فَتَأْبَى عَلَيَّ فَدَعَوْتُهَا الْيَوْمَ فَأَسْمَعَتْنِي فِيكَ مَا أَكْرَهُ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَهْدِيَ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ اهْدِ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ فَخَرَجْتُ مُسْتَبْشِرًا بِدَعْوَةِ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا جِئْتُ فَصِرْتُ إِلَى الْبَابِ فَإِذَا هُوَ مُجَافٌ فَسَمِعَتْ أُمِّي خَشْفَ قَدَمَيَّ فَقَالَتْ مَكَانَكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ وَسَمِعْتُ خَضْخَضَةَ الْمَاءِ قَالَ فَاغْتَسَلَتْ وَلَبِسَتْ دِرْعَهَا وَعَجِلَتْ عَنْ خِمَارِهَا فَفَتَحَتْ الْبَابَ ثُمَّ قَالَتْ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ قَالَ فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُهُ وَأَنَا أَبْكِي مِنْ الْفَرَحِ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَبْشِرْ قَدْ اسْتَجَابَ اللَّهُ دَعْوَتَكَ وَهَدَى أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ خَيْرًا قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُحَبِّبَنِي أَنَا وَأُمِّي إِلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَيُحَبِّبَهُمْ إِلَيْنَا قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ حَبِّبْ عُبَيْدَكَ هَذَا يَعْنِي أَبَا هُرَيْرَةَ وَأُمَّهُ إِلَى عِبَادِكَ الْمُؤْمِنِينَ وَحَبِّبْ إِلَيْهِمْ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا خُلِقَ مُؤْمِنٌ يَسْمَعُ بِي وَلا يَرَانِي إِلا أَحَبَّنِي.
رواه مسلم (فضائل الصحابة / 4546) .
وفَّق الله الجميع لما يحبّه ويرضاه.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1091)
حكم مصادقة العصاة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للرجل المتمسك بالإسلام أن يتحدث إلى شخص مسلم بالاسم يشرب الكحول ولا يصلي، وأن تنشأ بينهما مودة وصداقة ويتخذه مساعدا له؟ ما هو الحكم في اتخاذ أمثال هؤلاء (الذين لا يمارسون شعائر الدين وهم يخالفون أوامر الله) أصدقاء ومساعدين؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المعاصي على نوعين:
النوع الأول: معاص مكفرة، وهي التي تؤدي بالإنسان إلى الخروج من الملة والعياذ بالله، وصاحب هذه المعاصي كافر خارج من الملة متى توفرت فيه الشروط وانتفت الموانع، كمن يشرك بالله، أو يترك الصلاة تركاً كاملاً، ونحو ذلك.
النوع الثاني: معاص غير مكفرة، وهي التي لا تخرج الإنسان من الملة، لكن يوصف فاعلها بأنه فاسق، ومؤمن ناقص الإيمان، كالزنا وشرب الخمر ونحو ذلك، ما لم يستحلها، فإن استحل الحرام خرج من الملة، إذا انطبقت عليه شروط التكفير وانتفت موانعه، فعقيدة أهل السنة والجماعة وإجماع السلف على عدم تكفير صاحب الكبيرة ما لم يستحلها، وراجع لذلك إجابة السؤال رقم (9924) .
إذا علم هذا، فمصاحبة الناس ينبني حكمها على ما سبق.
فلا يجوز اتخاذ الكافرين أولياء، أو مخالطتهم مع الأنس بهم أو السكن معهم واتخاذهم أصدقاء وخلان، أو محبتهم، أو تقديمهم على المؤمنين أو مودتهم ونحو ذلك، وقد قال الله تعالى: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) المجادلة/22، لكن يجب العدل معهم وعدم ظلمهم والاعتداء عليهم بغير وجه شرعي، ويجوز التعامل معهم بالبيع والشراء والقرض ونحو ذلك، فقد صح أنه صلى الله عليه وسلم استعار من صفوان بن أمية سلاحاً، وصح أنه اشترى من اليهود طعاماً.
أما عصاة المؤمنين، فتجب محبتهم بقدر ما معهم من إيمان، ويجب بغضهم بقدر ما معهم من فسق ومعصية، أما اتخاذهم أصدقاء، فهذا مما يخالف قول النبي صلى الله عليه وسلم (إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَة ً) رواه مسلم برقم (2628) ، فصديق السوء يورد الإنسان المهالك، ويضره أكثر مما ينفعه، وفرق بين أن أوالي ذلك الشخص، وأحبه لأن معه وصف الإيمان، وبين أن أصاحبه فآخذ منه ويأخذ مني.
لكن إن كان القصد من الجلوس مع ذلك الشخص تأليف قلبه بغرض الدعوة إلى الله تعالى، وإرشاده إلى طريق الهداية، فهذا من الأعمال الفاضلة، كما قال تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً) فصلت/33، لكن بشرط ألا يؤثر ذلك عليك، فتضر نفسك من حيث تريد أن تنفعها.
وبناء على ما سبق، فإن الشخص المسؤول عنه، إن كان تاركا للصلاة بالكلّية، فهو كافر، لأن القول الراجح من أقوال أهل العلم، وهو قول السلف، أن تارك الصلاة كافر كفرا أكبر، مخرجا من الملة، وراجع لأدلة ذلك، الأسئلة التالية (2182، 5208، 6035، 33007، 10094) ، وعليه فلا تجوز مودته، ولا موالاته، بل يدعى إلى التوبة إلى الله عز وجل، والالتزام بالصلاة، وقد قال تعالى: (فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين) التوبة/11
واعلم أن مصاحبة الأخيار مما أوصى به ربنا جل وعلا، ونبينا صلى الله عليه وسلم، كما سبق في الحديث المتقدم، وكما قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) التوبة /119، وقال تعالى (واصبر نفسك مع الذي يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه) الكهف/28، والله أعلم
للمزيد راجع فتاوى الشيخ ابن عثيمين (3 / 31) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1092)
ضعف إيمانه بعد استقامته، وترك الصلاة لعدة أيام
[السُّؤَالُ]
ـ[كان عندي مشكلة، وفي نفس الوقت سؤال عن فتوى: أنا وبفضل الله علي التزمت منذ أشهر، ولكن بعد مرور الوقت بدأت أضعف، ولا أعرف السبب، وبدأت الهمة تنقص تدريجيا لدرجة أني جاءت علي فترات تركت فيها الصلاة وأصبحت عزيمتي ضعيفة، ولكن والحمد لله حاولت ألا أقع في المعاصي، غير أني أضعت كثيرا من الصلوات وذلك أثناء فترة التزامي، إما أن أكون نائما أو في الخارج، وبعد مرور الوقت من التزامي تركت الصلاة لأيام ... ، فماذا افعل وأشعر أحيانا أن لدي عقدة في موضوع الصلاة، حيث أضيع الصلوات كثيرا، وأشعر أنني لن أشفي من تلك العقدة؛ فما الحل لها؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ينبغي لك أخي السائل أن تقدر نعمة الله عليك بأن وفقك للتوبة والالتزام بدينك، قبل فجأة الموت فتعظم شكره سبحانه وتعالى على هذه النعمة، وهذا سيستدعي منك مزيداً من الاجتهاد في الطاعة.
فقد روى البخاري (4836) ومسلم (2819) عن المغيرة بن شعبة قال: قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ فَقِيلَ لَهُ: غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ قَالَ: (أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا)
فكيف ترضى لنفسك أن تقابل الجميل بالقبيح، وتعود من إلى أول الطريق بعد ما قطعت فيه شوطا، بل يا ليتك تعود إلى أول الطريق المستقيم، لقد انحرفت، واعوججت عن الطريق بعد ما من الله عليك بالاستقامة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ بالله من مثل هذا.
ففي صحيح مسلم (1343) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَافَرَ يَتَعَوَّذُ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ وَكَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ، وَالْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْنِ، وَدَعْوَةِ الْمَظْلُومِ وَسُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ) .
وفي رواية النسائي (5498) وغيره: (وَالْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْرِ) .
ولقد ضرب الله تعالى في كتابه الكريم لمن عاد إلى سوء الحال، وهدم ما بناه، وانتكس في طريق الهداية، مثلا يبين سوء حاله، وما اختاره لنفسه، ويحذر عباده من ذلك الصنيع من أفعال الحمقى:
(وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) النحل 91-92
قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله:
" وهذا يشمل جميع ما عاهد العبد عليه ربه من العبادات والنذور والأيمان التي عقدها، إذا كان الوفاء بها برا، ويشمل أيضا ما تعاقد عليه هو وغيره كالعهود بين المتعاقدين..
{وَلا تَكُونُوا} في نقضكم للعهود بأسوأ الأمثال وأقبحها وأدلها على سفه متعاطيها، وذلك {كَالَّتِي} تغزل غزلا قويا فإذا استحكم وتم ما أريد منه نقضته فجعلته {أَنْكَاثًا} فتعبت على الغزل ثم على النقض، ولم تستفد سوى الخيبة والعناء وسفاهة العقل ونقص الرأي، فكذلك من نقض ما عاهد عليه فهو ظالم جاهل سفيه ناقص الدين والمروءة. " انتهى. ص (447) .
فسارع بالتوبة من الحالة التي أنت عليها وبادر بذلك، فإن ترك الصلاة من أعظم الذنوب التي عُصِي الله عز وجل بها، وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم تركها كفراً، فقال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر.) رواه الترمذي (2545) وأحمد وغيرهما وصححه الألباني.
فالعجب كيف يقول الأخ السائل: حاولت ألا أقع في المعاصي، ثم يذكر أنه أضاع كثيراً من الصلوات؛ فما هو تصوره للمعاصي إذاً؟!!
إن ترك الصلاة هو أعظم ذنبا وخطرا، من كل ذنب حاولت أن تمنع نفسك من، سوى الشرك بالله تعالى.
فالبِدارَ البدارَ بالتوبة والندم على ما فات، قبل أن تأتي لحظة يندم فيها الإنسان ولا ينفعه الندم.
وأما قولك: " إن لديك عقدة في موضوع الصلاة، وتشعر بأنك لن تشفى من تلك العقدة "، فإن هذا من تزيين الشيطان وتسويله وتخويفه، وأنت الذي أعنت عدوك على نفسك، وتركته يعقد على قلبك تلك العقدة من الأوهام والكسل، وضعف الهمة والعزيمة على الخير؛ فبادر بحلها بطاعة الله تعالى، والحفاظ على الوضوء، والمسارعة إلى الصلوات في أول وقتها.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلَاثَ عُقَدٍ يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ مَكَانَهَا عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ فَإِنْ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقَدُهُ كُلُّهَا فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ) رواه البخاري (3269) ومسلم (776)
قال ابن عبد البر رحمه الله: " في هذا الحديث أن الشيطان ينوم المرء ويزيده ثقلا وكسلا، بسعيه وما أعطي من الوسوسة والقدرة على الإغواء والتضليل وتزيين الباطل والعون عليه، إلا عباد الله المخلصين.
وفي هذا الحديث دليل على أن ذكر الله يطرد به الشيطان، وكذلك الوضوء والصلاة.. " انتهى. التهميد (19/45) .
وقال ابن القيم رحمه الله: " ولا ريب أن الصلاة نفسها فيها من حفظ صحة البدن وإذابة أخلاطه وفضلاته ما هو من أنفع شيء له، سوى ما فيها من حفظ صحة الإيمان وسعادة الدنيا والآخرة.
وكذلك قيام الليل من أنفع أسباب حفظ الصحة، ومن أمنع الأمور لكثير من الأمراض المزمنة، ومن أنشط شئ للبدن والروح والقلب، كما في الصحيحين.. " وذكر الحديث.
زدا المعاد (4/225) .
فلا تضعف يا عبد الله أمام عدوك، ولا تمكنه من نفسك، واستعن بالله ولا تعجز، كما أمرك نبيك صلى الله عليه وسلم، واعلم أن: (كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً) النساء: 76 واعلم أن الصلوات المفروضة يسيرة لا يجد المسلم عناءاً في أدائها والمحافظة عليها.
وأما ما ذكرته من فتور الهمة، فقد يكون سببه نوع الجلساء الذين تجالسهم، فاحرص قدر الاستطاعة على حضور مجالس الذكر والعلم ومصاحبة الأخيار، فإن العبادات تسهل على النفس إذا رأى الإنسان من يقتدي به فيها ويعينه عليها، والإنسان معرض لا محالة لحالات يزيد فيها نشاطه ورغبته في الخير، ولحالات أخرى تقل فيها تلك الرغبة، ولكن لا يجوز أن تؤدي به تلك الحال إلى ترك الفرائض، أو ارتكاب المحرمات، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةً وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ فَمَنْ كَانَتْ شِرَّتُهُ إِلَى سُنَّتِي فَقَدْ أَفْلَحَ وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَكَ) رواه أحمد (6725) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (2151) .
ولذا فالنصيحة لك أيها الأخ الكريم أن تجعل لنفسك برنامجاً ثابتاً لا تنقص عنه؛ مشتملاً على الفرائض والمؤكدات من النوافل، فإن زدت في بعض الأحيان فذاك خير إلى خير، وإذا نقصت فلا تنقص عن الفرائض.
وأما ما فاتك من الصلوات فيما مضى، فما كان قد فاتك بسبب النوم، فلا إثم عليك فيه ويجب عليك قضاؤه، وأما ما فاتك من غير عذر، أي تكاسلت عن أدائه حتى خرج الوقت، فإن عليك التوبة، ولا ينفعك ـ حينئذ ـ القضاء، والواجب عليك أن تكثر من النوافل والاستغفار، لعل الله أن يتجاوز عنك.
وقد بينا كلام أهل العلم في جواب السؤال رقم (7969) فارجع إليه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1093)
زوجته لا تصلي وتعصيه في كثير من الأمور فما حكمها؟ وكيف يتصرف معها؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لي زوجة تعصيني كثيراً في الأمور: في تربية الأولاد، والتعليم، وفي علاقات الأقارب، وفي كثير من جوانب الحياة الزوجية، فماذا أفعل معها؟ طلبت منها الصلاة وقراءة القرآن، فلم تستجب! وأرجو الدعاء لها بالهداية]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
إن البيوت السعيدة هي تلك البيوت التي تُبنى على التفاهم، وتقوم على الحب، ويكتمل بنيانها بالمودة والرحمة بين الزوجين، ولا يتم شيء من هذا دون قيام الزوجين بالواجبات المنوطة بهما، ومن ذلك: وجوب نفقة الزوج على زوجته وأولاده، ووجوب طاعة الزوجة لزوجها، وإذا أرادت الزوجة سلب حق القوامة من الزوج، أو أرادت النشوز والترفع عن طاعته: فإنها تهدم بيتها بيدها، وتشرد أولادها بسوء فعالها.
فعلى الزوجات عموماً أن يعلمن أن طاعة أزواجهن واجب شرعي عليهنَّ، وعلى الزوج أن يُحسن استعمال قوامته على زوجته وأهل بيته، بإرشادهم لما فيه صلاحهم وسعادتهم.
قالَ تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِم) النساء/34.
ولتتأمل الزوجات هذه الأحاديث:
1. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا) .
رواه الترمذي (1159) وحسَّنه، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
2. عن أَبَي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ثَلَاثَةٌ لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ آذَانَهُمُ: الْعَبْدُ الْآبِقُ حَتَّى يَرْجِعَ، وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ، وَإِمَامُ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ) . رواه الترمذي (360) وحسَّنه.
3. عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا تُؤْذِي امْرَأَةٌ زَوْجَهَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا قَالَتْ زَوْجَتُهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ لَا تُؤْذِيهِ قَاتَلَكِ اللَّهُ فَإِنَّمَا هُوَ عِنْدَكَ دَخِيلٌ يُوشِكُ أَنْ يُفَارِقَكِ إِلَيْنَا) . رواه الترمذي (1174) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
4. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَلَا تَأْذَنَ فِي بَيْتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ) .
رواه البخاري (4899) ومسلم (1026) .
قال الشيخ الألباني - رحمه الله - معلِّقاً على هذا الحديث -:
فإذا وجب على المرأة أن تطيع زوجها في قضاء شهوته منها: فبالأولى أن يجب عليها طاعته فيما هو أهم من ذلك، مما فيه تربية أولادهما، وصلاح أسرتهما، ونحو ذلك من الحقوق والواجبات.
وقال الحافظ في " الفتح ": " وفي الحديث أن حق الزوج آكد على المرأة من التطوع بالخير؛ لأن حقه واجب، والقيام بالواجب مقدم على القيام بالتطوع ".
" آداب الزفاف " (ص 210) .
ثانياً:
على الزوج أن يبحث عن أسباب نشوز زوجته، وبمعرفة الأسباب يمكنه علاج مرضها، والوصول بها إلى بر الأمان، لتأمن من سخط الله وعذابه، ومن هذه الأسباب: الزوج! نعم، فقد تكون أنت من أسباب نشوزها، إما بسبب معاصٍ عندك، كما قال بعض السلف: " إني لأرى آثار معصيتي في دابتي وزوجتي "، وذلك بسوء خلقها وترفعها عن طاعته، أو يكون الزوج سيء الأخلاق مع زوجته، فتكون تصرفاتها ردة فعل لأخلاقه معها.
ومن هذه الأسباب: أهلها أو أقرباؤها أو جيرانها أو صديقاتها، ممن يساهمون مع إبليس في حملته للإيقاع بين الزوجين والتفريق بينهما.
وإن كان السبب منها نفسها – لضعف إيمانها، وجهلها بأحكام الشرع -: فليذكرها بالله تعالى، وليساهم في تقوية إيمانها، وليعلمها ما تجهله من حقوق الزوج عليها، فإن لم ينفع: فليضربها ضرباً غير مبرِّح، فإن لم ينفع معها: فليهجرها في الفراش.
فإن استنفد جهده ولم تستجب لداعي الخير منه أو من غيره: فالسبيل أن يطلقها طلقة واحدة؛ فقد يكون في هذه الطلقة ما يذكرها وينبهها، فإن استمرت على غيها وعصيانها: فلا خير فيها، ولعل الله أن يبدله خيراً منها.
وأصل هذا التدرج في الإصلاح: هو قوله تعالى: (وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً) النساء/34.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله -:
(وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ) أي: ارتفاعهن عن طاعة أزواجهن بأن تعصيه بالقول أو الفعل فإنه يؤدبها بالأسهل فالأسهل.
(فَعِظُوهُنَّ) أي: ببيان حكم الله في طاعة الزوج ومعصيته والترغيب في الطاعة، والترهيب من معصيته، فإن انتهت فذلك المطلوب، وإلا فيهجرها الزوج في المضجع، بأن لا يضاجعها، ولا يجامعها بمقدار ما يحصل به المقصود، وإلا ضربها ضربًا غير مبرح، فإن حصل المقصود بواحد من هذه الأمور وأطعنكم:
(فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا) أي: فقد حصل لكم ما تحبون فاتركوا معاتبتها على الأمور الماضية، والتنقيب عن العيوب التي يضر ذكرها ويحدث بسببه الشر.
" تفسير السعدي " (ص 142) .
وعلى كل حال: فالزوج أدرى الناس بزوجته، فإن كان يعلم من أسباب نشوزها ما يمكنه أن يعالجه: فليفعل، فإن لم ينفع بها: فليجعل غيره من أهله أو أهلها من يقوم بهذه المهمة، فقد يكون أثر غيره عليها أقوى من أثره.
ثالثاً:
وكلامنا السابق يعم كل زوج يعاني من نشوز زوجته، ويدخل فيه الزوجة المسئول عن حالها، لكن بعد أن تكون من المصليات، أما وهي لا تصلي: فلا ينطبق ما ذكرناه عليها؛ لأن الكلام معها سيكون له وضع مختلف؛ لأن بتركها للصلاة تكون من الكافرات، ولا يحل له قربانها، ولا جماعها، إلا أن تصلي.
قال تعالى: (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) التوبة/من الآية 11.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلَاةِ) .
رواه مسلم (116) .
وقال: (إِنَّ الْعَهْدَ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلَاةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ) .
رواه الترمذي (2621) وصححه، والنسائي (463) وابن ماجه (1079) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
لذا فيجب عليك أخي السائل أن تبدأ بهذا الأمر المهم، وأن تحاول بما يتيسر لك من طرق أن تذكرها بحكم الصلاة، وأن تركها كفر أكبر، وأن عقدك عليها سيكون مفسوخاً لو استمرت على هذه المعصية العظيمة، فإن استجابت: فالحمد لله، واسلك معها ما ذكرناه لك آنفاً، وإن لم تستجب: فلا تسع في علاج نشوزها، ولا تسأل عن تقصيرها في تربية أولادك؛ لأنه لا يحل لك البقاء معها على عقد الزوجية، وحذِّرها قبل فسخ نكاحها – وقد يكون الفسخ بتطليقك لها؛ لأن أكثر المحاكم لا يعتبر ترك الصلاة موجباً لفسخ النكاح! – وأعطها فرصة أخيرة؛ فلعل الله أن يهديها ويشرح صدرها للحق.
وانظر جواب السؤال رقم (47425) ففيه بيان الطريقة المثلى لدعوة تارك الصلاة.
وانظر جوابي السؤالين: (12828) و (91963) .
ونسأل الله أن يهديها ويوفقها لإقامة الصلاة، وأن يهدي قلبها لكل خير، وأن يسدد سمعها وبصرها وجوارحها، وأن يرزقها شكر نعمه تعالى عليها.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1094)
عاشوا تحت الحكم الشيوعي ولم يدروا ما صلاة ولا صيام فهل عليهم قضاء؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مسلمة من بلغاريا، وكنَّا تحت الحكم الشيوعي، ولم نكن نعرف أي شيء عن الإسلام، بل إن كثيراً من العبادات كانت ممنوعة، وأنا لم أعرف أي شيء عن الإسلام حتى بلغت 20 سنة، وبعد ذلك التزمت بشرع الله. سؤالي لكم: هل عليَّ قضاء ما فاتني من صلاة وصيام؟ وجزاكم الله خيراً]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا ً:
نحمد الله تعالى أن خلصكم من الحكم الشيوعي الظالم الفاجر , بعد أن استمر في قمعه للمسلمين أكثر من أربعين سنة , عمل خلالها على هدم المساجد وتحويل بعضها إلى متاحف , واستولى على المدارس الإسلامية، وعمل على تغيير أسماء المسلمين , وطمس الهوية الإسلامية.
لكن.. يأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.
فها هو الحكم الشيوعي بجبروته وطغيانه قد زال عام 1989م , وفرح بذلك المسلمون فرحاً شديداً , وعادوا إلى مساجدهم القديمة يرممونها ويصلحون من شأنها , ورجعوا إلى تعليم أطفالهم القرآن، وعاد حجاب النساء المسلمات إلى الظهور في الشوارع والطرقات.
ونسأل الله تعالى أن يرد المسلمين إلى دينهم رداً جميلاً , وأن ينصرهم ويعزهم ويكبت عدوهم.
ثانياً:
لقد نشأ جيل من المسلمين في بلغاريا تحت وطأة الحكم الشيوعي لا يعلمون شيئاً عن الإسلام , غير أنهم مسلمون , إذ حال الحكم الشيوعي بينهم وبين تعلم الإسلام , بل كان يمنع حتى دخول القرآن الكريم , والكتب الإسلامية إلى بلغاريا.
وهؤلاء الذين لا يعرفون شيئاً عن أحكام الإسلام وعبادته وفروضه لا يلزمهم قضاء شيء من تلك العبادات، فإن المسلم إذا لم يتمكن من العلم الشرعي , ولم تبلغه الأحكام الشرعية فإنه لا يلزمه شيء , لقول الله تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) البقرة/286.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"لا خلاف بين المسلمين أن من كان في دار الكفر وقد آمن وهو عاجز عن الهجرة لا يجب عليه من الشرائع ما يعجز عنها , بل الوجوب بحسب الإمكان , وكذلك ما لم يعلم حكمه , فلو لم يعلم أن الصلاة واجبة عليه , وبقي مدة لم يصلِّ , لم يجب عليه القضاء في أظهر قولي العلماء , وهذا مذهب أبي حنيفة وأهل الظاهر وهو أحد الوجهين في مذهب أحمد.
وكذلك سائر الواجبات من صوم شهر رمضان , وأداء الزكاة , وغير ذلك.
ولو لم يعلم تحريم الخمر فشربها لم يحد باتفاق المسلمين , وإنما اختلفوا في قضاء الصلوات ...
وأصل هذا كله: أن الشرائع هل تلزم من لم يعلمها أم لا تلزم أحدا إلا بعد العلم؟
والصواب في هذا: أن الحكم لا يثبت إلا مع التمكن من العلم , وأنه لا يُقضَى ما لم يعلم وجوبه , فقد ثبت في الصحيح أن من الصحابة من أكل بعد طلوع الفجر في رمضان حتى تبين له الخيط الأبيض من الخيط الأسود , ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء , ومنهم من كان يمكث جنبا مدة لا يصلي , ولم يكن يعلم جواز الصلاة بالتيمم كأبي ذر وعمر بن الخطاب وعمار لما أجنب , ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أحدا منهم بالقضاء.
ولا شك أن خلقا من المسلمين بمكة والبوادي صاروا يصلون إلى بيت المقدس حتى بلغهم النسخ ولم يؤمروا بالإعادة. ومثل هذا كثير. وهذا يطابق الأصل الذي عليه السلف والجمهور: أن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها , فالوجوب مشروط بالقدرة، والعقوبة لا تكون إلا على ترك مأمور , أو فعل محظور , بعد قيام الحجة" انتهى باختصار.
"مجموع الفتاوى" (19/225) .
وعلى هذا، لا يلزمكم قضاء شيء من العبادات التي لم تعلموا بوجوبها.
والنصيحة لكم أن تُقبلوا على تعلّم الأحكام الشرعية، والتفقه في الدين، والحرص كل الحرص على تعلم الإسلام والعمل به، وتربية جيل مسلم، حتى تكونوا على قدر التحدِّيات التي تواجه المسلمين عموماً، وفي بلادكم خاصة.
ونسأل الله تعالى أن يعزّ الإسلام والمسلمين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1095)
والده يجحد وجوب الصلاة ويسب الصحابة فما حكمه وكيف يتعامل معه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[الحمد لله الذي هدانا وأنعم علينا بنعمة الإسلام، أنا بدأت بالالتزام منذ أشهر قليلة، وأبي يحاربني في ذلك، أبي لا يصلي؛ لأنه لا يعترف أن الصلاة فرض، بل ويسب بعض الصحابة، ويتكلم عن السيدة عائشة، ويتكلم بالسوء عن الصالحين أمثال شيخ الإسلام ابن تيمية، ويشكك في أي حديث شريف، ويتحيز كثيراً للشيعة، ويعاملني أنا وأمي وإخوتي معاملة سيئة، بل ويهين أمي، ولا يدع أخي الصغير يذهب إلى المسجد بحجة المذاكرة، ويمنعني أن أتحدث إلى إخوتي في أمور الدين، ولا يحب أن ينصحه أحد، ولا يطيق سماع القرآن، ولا سماع البرامج الدينية، ويتهمها بالتضليل، وكلما يراني أشاهد برنامجاً دينيّاً يغيِّر القناة. فما هو حكمه في الشرع؟ وكيف أستطيع التعامل معه؟ مع العلم أنه أنا والحمد لله أعامله معاملة طيبة، وأدعو له، ولكنه يهينني، ويقول لإخوتي إنني إرهابي، ويشجعهم على سماع الأغاني، وعدم مشاهدة البرامج الدينية، وعلى عدم سماع كلامي. أرجو الرد على سؤالي، وجزاكم الله خيراً]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يُعظم أجرك في مصيبتك، ونسأله تعالى أن يهدي والدك قبل أن يأتيه أجله.
أما حكم والدك: فقد أتى بأفعال وأقوال يوجب بعضها كفره وخروجه من الملة، فكيف بها مجتمعة؟! ومن ذلك: تركه للصلاة حتى لو كان كسلاً، وجحده لفرضيتها، وهذان أمران يكفرانه، ويخرجانه من ملة الإسلام، أما الأول: فعلى الصحيح من أقوال أهل العلم في حال تركها كسلاً، وأما الثاني فبالاتفاق، ولكن لا خلاف في أن تارك الصلاة إن تركها جحوداً لفرضيتها أنه كافر خارج من ملة الإسلام.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله -:
أجمع العلماء على أن تارك الصلاة، الجاحد لوجوبها كافر، وأنه يقتل كفراً ما لم يتب.
" أضواء البيان " (4 / 335) .
ووالدك لم يترك الصلاة كسلاً، بل تركها جحوداً لفرضيتها، وإنه لو كان تركها كسلاً لكفر: فكيف وقد تركها جحوداً لها؟! .
وأما سبُّه لبعض الصحابة: فالظاهر أنه لا يستثني في سبه إلا بعض الصحابة! لا أنه يسبُّ بعضهم، والذي ظهر لنا من سؤالك أن والدك معتقد لمذهب الرافضة الخبيث، والذي يَحكم على الصحابة بالردة إلا عدداً قليلاً منهم، وهذا موجب لكفرهم؛ ومن لم يحكم بكفرهم من العلماء: فإنه يحكم بسجنهم حتى التوبة أو الموت.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
سب الصحابة على ثلاثة أقسام:
الأول: أن يسبهم بما يقتضي كفر أكثرهم، أو أن عامتهم فسقوا: فهذا كفر؛ لأنه تكذيب لله ورسوله بالثناء عليهم والترضي عنهم، بل من شك في كفر مثل هذا: فإن كفره متعين؛ لأن مضمون هذه المقالة أن نقلة الكتاب أو السنة كفار، أو فساق.
الثاني: أن يسبهم باللعن والتقبيح، ففي كفره قولان لأهل العلم، وعلى القول بأنه لا يكفر: يجب أن يجلد ويحبس حتى يموت أو يرجع عما قال.
الثالث: أن يسبهم بما لا يقدح في دينهم، كالجبن والبخل: فلا يكفر، ولكن يعزر بما يردعه عن ذلك، ذكر معنى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب " الصارم المسلول " ونقل عن أحمد في (ص 573) قوله: " لا يجوز لأحد أن يذكر شيئاً من مساوئهم، ولا يطعن على أحد منهم بعيب أو نقص، فمن فعل ذلك: أُدب، فإن تاب، وإلا جلد في الحبس حتى يموت أو يرجع ".
" فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (5 / 83، 84) .
ومن لوازم الطعن في الصحابة رضي الله عنهم: الطعن في النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الإسلام، وفي رب العباد سبحانه وتعالى.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
إن سب الصحابة رضي الله عنهم ليس جرحاً في الصحابة رضي اله عنهم فقط، بل هو قدح في الصحابة، وفي النبي صلى الله عليه وسلم، وفي شريعة الله، وفي ذات الله عز وجل:
- أما كونه قدحاً في الصحابة: فواضح.
- وأما كونه قدحاً في رسول الله صلى الله عليه وسلم: فحيث كان أصحابه، وأمناؤه، وخلفاؤه على أمته من شرار الخلق.
وفيه قدح في رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجه آخر، وهو تكذيبه فيما أخبر به من فضائلهم ومناقبهم.
- وأما كونه قدحاً في شريعة الله: فلأن الواسطة بيننا وبين رسول الله صلي الله عليه وسلم في نقل الشريعة: هم الصحابة، فإذا سقطت عدالتهم: لم يبق ثقة فيما نقلوه من الشريعة.
- وأما كونه قدحاً في الله سبحانه: فحيث بعث نبيه صلى الله عليه وسلم في شرار الخلق، واختارهم لصحبته، وحمل شريعته ونقلها لأمتهـ.
فانظر ماذا يترتب من الطوام الكبرى على سب الصحابة رضي الله عنهم.
ونحن نتبرأ من طريقة هؤلاء الروافض الذين يسبون الصحابة ويبغضونهم، ونعتقد أن محبتهم فرض، وأن الكف عن مساوئهم فرض، وقلوبنا - ولله الحمد - مملوءة من محبتهم؛ لما كانوا عليه من الإيمان، والتقوى، ونشر العلم، ونصرة النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن طريقة النواصب الذين يؤذون أهل البيت بقول، أو عمل.
مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين - (8 / 616) .
ولذا فلا عجب أن يحكم علماء الإسلام بالزندقة على كل من ينتقص من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن حجر الهيتمي – حمه الله -:
قال إمام عصره أبو زرعة الرازي - من أجلِّ شيوخ مسلم -: إذا رأيتَ الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله: فاعلم أنه زنديق؛ وذلك أن الرسول حق، والقرآن حق، وما جاء به حق، وإنما أدى إلينا ذلك كله الصحابة، فمن جرحهم إنما أراد إبطال الكتاب والسنة، فيكون الجرح به ألصق، والحكم عليه بالزندقة والضلالة والكذب والفساد هو الأقوم الأحق.
" الصواعق المحرقة " (2 / 608) .
وكذلك يقال في قذف أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنه كفر وردة.
وانظر تفصيل ذلك في جواب السؤال رقم (954) .
ومن لم يسلم منه صحابة النبي صلى الله عليه فلن يسلم منه أئمة الهدى من بعدهم كالتابعين ومن تبعهم كشيخ الإسلام ابن تيمية، وبسبهم على الصحابة وطعنهم في دينهم فإنهم يحكمون على أنفسهم أنهم على دينٍ غير ديننا.
ثانياً:
أما عن كيفية التعامل مع والدك:
فلا بدَّ لك من سلوك طرق شتى في بيان الحق له، والسعي الحثيث في هدايته، ولا تيأس ولا تمل من هذا، فهو باعتقاده وأقواله وأفعاله قد خرج من الإسلام خروجاً كليّاً، وعليك تدارك الأمر بما تراه نافعاً له، ونوجهك إلى أمورٍ، منها:
1. وجوب التبرؤ من اعتقاده وأقواله وأفعاله.
2. التلطف في إيصال الحق له.
3. تنويع طريق الدعوة وبيان الحق، فالمناظرات التي جرت بين أهل السنة وبين الرافضة كانت قاصمة ظهر لهم، فيمكنك الاستعانة بها، لتقنعه برؤيتها وسماعها، وكذا يوجد من الأشرطة السمعية والكتب ما يكفي لدعوة هؤلاء المنتقصين من الصحابة، وما يُرد به على شبهاتهم.
4. السعي نحو عدم تأثير والدك على أمك وأشقائك، حتى لا تتوسع دائرة الكفر والردة.
5. الدفاع عن نفسك بأخلاقك وسلوكك الحسن معه ومع أهل بيتك.
6. عدم اليأس من هدايته، والاستمرار في دعوته، عن طريقك مباشرة، وعن طريق غيرك ممن يعرفهم ويثق بهم من أهل السنَّة.
7. مداومة الدعاء له، واختيار الأوقات الفاضلة كثلث الليل الآخر، والأحوال الفاضلة كالسجود في الصلاة.
سئل علماء اللجنة الدائمة:
كيف نعامل الرجل الذي يسب الأصحاب الثلاثة؟ .
فأجابوا:
صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم خير هذه الأمة، وقد أثنى الله عليهم في كتابه، قال الله تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) ، وقال تعالى: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا) ، إلى غير هذا من الآيات التي أثنى الله فيها على الصحابة، ووعدهم بدخول الجنة، وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي من هؤلاء السابقين، وممن بايع تحت الشجرة فقد بايع النبي صلى الله عليه وسلم نفسه لعثمان، فكانت شهادة له، وثقة منه به، وكانت أقوى من بيعة غيره للنبي صلى الله عليه وسلم، في أحاديث كثيرة إجمالاً وتفصيلاً، وخاصة أبا بكر وعثمان وعليًّا، وبشَّر هؤلاء بالجنة في جماعة آخرين من الصحابة، وحذَّر من سبهم فقال: (لا تسبُّوا أصحابي، فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبًا ما أدرك مُدّ أحدهم ولا نصيفه) رواه مسلم في صحيحه من طريق أبي هريرة وأبي سعيد الخدري، - ورواه البخاري من حديث أبي هريرة -.
فمن سبَّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو شتمهم، وخاصة الثلاثة: أبا بكر وعمر وعثمان المسؤول عنهم: فقد خالف كتاب الله وسنة رسوله وعارضهما بمذمته إياهم، وكان محروماً من المغفرة التي وعدها الله مَن تابعهم واستغفر لهم ودعا الله ألا يجعل في قلبه غلا على المؤمنين.
ومِن أجل ذمّه لهؤلاء الثلاثة وأمثالهم: يجب نصحه، وتنبيهه لفضلهم، وتعريفه بدرجاتهم وما لهم من قَدم صدق في الإسلام، فإن تاب: فهو من إخواننا في الدين، وإن تمادى في سبهم: وجب الأخذ على يده، مع مراعاة السياسة الشرعية في الإنكار بقدر الإمكان، ومن عجز عن الإنكار بلسانه ويده: فبقلبه، وهذا هو أضعف الإيمان، كما ثبت في الحديث الصحيح.
" فتاوى إسلامية " (1 / 12) .
ونسأل الله أن يوفقك في مسعاك، وأن يثبتك على الحق، وأن يهدي والدك.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1096)
مقاطعة تارك الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[أيها الشيخ المحترم سؤالي هو إذا كان قريب شخص لا يؤدي صلاته أو صلاتها وبالتالي فقد خرج أو خرجت من حظيرة الإسلام فهل يجوز أن نحييهم أو يجب أن نتجاهلهم تماما. جزاك الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ترك الصلاة هو هدم لأهم ركن من أركان الإسلام العملية، فالصلاة عمود الدين وركنه الأساس ولا يجوز التهاون مع تارك الصلاة بأي حال ويبدأ ذووه بنصحه وتوجيهه ثم بهجره والإعراض عنه وترك السلام عليه، وعدم مؤاكلته والجلوس معه وإشعاره بعظم ذنبه لعله يرجع إلى ربه ويتوب، وموقف العلماء من تارك الصلاة يتلخص في قولين:
الأول: القول بكفره وهو مروي عن عمر وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم، وبه قال الحسن والشعبي والأوزاعي وابن المبارك ومحمد بن الحسن ورواية عن أحمد واستدلوا بقوله عليه الصلاة والسلام (بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة) رواه مسلم وأحمد وأبو داود وابن ماجه
الثاني: لا يكفر، وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي واستدلوا بحديث عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خمس صلوات كتبهن الله على العبد في اليوم والليلة، فمن جاء بهن لم يضيع منهن شيئاً استخفافاً بحقهن كان على الله عهداً أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد، إن شاء عذبه، وإن شاء أدخله الجنة) (أخرجه الدارمي 1531 ومالك في الموطأ 248 وأحمد 21690)
هذا وكلا الفريقين متفقون على أنه إن لم يرجع عن ترك الصلاة يستتاب ثلاثاً، فإن أبى وإلا فالقتل مصيره.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1097)
حكم تأخير العشاء إلى صباح اليوم التالي
[السُّؤَالُ]
ـ[في هذا الوقت من السنة يكون العشاء الساعة 10:25 ولدي مدرسة في اليوم التالي ولا يًسمح لي بالبقاء مستيقظاً حتى ذلك الوقت، وأود أن أعرف هل هو حرام أن أصلي صباح الغد؟
والداي سيسمحان لي أن أبقى مستيقظاً حتى ذلك الوقت إذا كان تأخير صلاة العشاء حتى صباح الغد محرم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يجوز تأخير صلاة العشاء عن وقتها وكذلك بقية الصلوات ومن صلاها في غير وقتها فهو آثم ومرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب لقول الله تعالى: (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً) وقوله تعالى: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين) .
فعليك أن تصلي في الوقت دون تأخير، وناصح والديك في مسألة وقت الصلاة وأخبرهما أنه لا بد من بقائك مستيقظاً لأداء الصلاة واستعن بنوم القيلولة في النهار لتعينك على انتظار الصلاة، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النوم قبل العشاء حتى لا تفوت صلاة العشاء، ولو أجبراك على النوم فلا تطعهما ولو أدى إلى أن تتظاهر بالنوم حتى يأتي وقت الصلاة وتصلي، وفقك الله وأعانك وثبتك على الصراط المستقيم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1098)
أحكام تارك الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[صرحت الأحاديث الصحاح بكون تارك الصلاة كافراً وإذا أخذنا بظاهر الحديث وجب منع تارك الصلاة عمداً من جميع حقوقه في الإرث، وتخصيص مقابر خاصة بهم وعدم الصلاة والسلام عليهم، بحيث إنه لا أمن وسلام على كافر، ولا ننسى أنه لو قمنا بإحصاء المصلين من بين الرجال المؤمنين وغير المؤمنين قد لا يتعدى 6% والنساء أقل من ذلك، فما رأي الشرع فيما سبق وما حكم إلقاء السلام أو رده على تارك الصلاة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اختلف العلماء في تارك الصلاة عمداً من المسلمين إذا لم يجحد وجوبها فقال بعضهم هو كافر كفراً يخرج من ملة الإسلام ويعتبر مرتداً ويستتاب ثلاثة أيام فإن تاب فيها؛ وإلا قتل لردته، فلا يصلى عليه صلاة الجنازة ولا يدفن في مقابر المسلمين ولا يسلم عليه حياً أو ميتاً ولا يرد عليه السلام ولا يستغفر له ولا يترحم عليه ولا يرث ولا يورث ماله بل يجعل ماله فيئا في بيت مال المسلمين، سواء كثر تاركو الصلاة عمداً أم قّلوا، فالحكم لا يختلف بكثرتهم وقلتهم.
وهذا القول هو الأصح والأرجح في الدليل لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر " أخرجه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح، وقوله صلى الله عليه وسلم: " بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة " أخرجه الإمام مسلم في صحيحه مع أحاديث أخرى في ذلك.
وقال جمهور العلماء إن جحد وجوبها فهو كافر مرتد عن دين الإسلام وحكمه كما تقدم تفصيله في القول الأول، وإن لم يجحد وجوبها لكنه تركها كسلاً مثلاً فهو مرتكب كبيرة غير أنه لا يخرج بها من ملة الإسلام وتجب استتابته ثلاثة أيام فإن تاب فالحمد لله وإلا قتل حداً لا كفراً، وعلى هذا يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدعى له بالمغفرة والرحمة ويدفن في مقابر المسلمين ويرث ويورث، وبالجملة تجري عليه أحكام المسلمين العصاة حياً وميتاً.
[الْمَصْدَرُ]
من فتاوى اللجنة الدائمة 6/49(5/1099)
هل يحج عن تارك الصلاة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[الحج عن الغير هل يغفر ذنوب الذي لم يحج وبخاصة ذنب ترك الصلاة. سواء كان الذي لم يحج أوصى بذلك أو لم يوص. وهل يغفر ذنب الذي يحج عن ننفسه وبخاصة ذنب ترك الصلاة؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
قولك (خاصة ذنب ترك الصلاة) مرتين فهو تركيز منك على أن الصلاة تركها ذنبه عظيم عند الله وهو كذلك، وقد اختلف العلماء في كفر تارك الصلاة والصحيح أنه كافر مرتد عن الإسلام والدليل على ذلك:
1- عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ".
رواه الترمذي (2545) والنسائي (459) وابن ماجة (1069) وصححه الألباني في صحيح الترمذي (2113) .
2- وعن أبي سفيان قال: سمعت جابراً يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة ".
رواه مسلم (116) .
وقد أجمع الصحابة على تكفير تارك الصلاة، وقال به من العلماء من بعدهم: عبد الله بن شقيق، وإبراهيم النخعي، وإسحاق بن راهويه، وأحمد بن حنبل، وعبد الله بن المبارك، والحكم بن عتيبة … وغيرهم.
والصلاة أول ما يسأل عنه المرء يوم القيامة، فإن صلحت: صلح عمله كله، وإن فسدت: فسد عمله كله.
فتارك الصلاة لا ينتفع من أعماله بشيء، بل أعماله كلها باطلة، قال الله تعالى عن الكفار: (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثوراً) الفرقان / 22، وقال تعالى: (ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك) الزمر / 65
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله) رواه البخاري 553
وعلى هذا إذا حج تارك الصلاة وهو مصر على تركها لم يصح منه الحج وبالأحرى لا يكفر عنه ذنب ترك الصلاة، وكذلك من مات مصراً على ترك الصلاة لا ينتفع من الأعمال الصالحة التي تفعل عنه بعد موته بشيء، ولا يجوز لأحد علم أنه مات مصراً على ترك الصلاة أن يدعو له بالمغفرة والرحمة أو يحج عنه لأنه كافر مشرك، والله تعالى يقول: (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم) التوبة / 113
أما إذا تاب تارك الصلاة وحافظ عليها وندم على ما فعل ورجع إلى الإسلام فإن الله يغفر له جميع ذنوبه الماضية.
قال تعالى: (قل للذين كفروا أن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) الأنفال / 38
(أن ينتهوا) يعني عن كفرهم وذلك بالإسلام لله وحده لا شريك له. تفسير السعدي
وقال النبي صلى الله عليه وسلم (الإسلام يهدم ما كان قبله) رواه مسلم (121) يعني من الذنوب.
والله اعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1100)
توبة تارك الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت ردحا من عمري لا أصلي وقد تبت إلى الله في هذه السنين المتأخرة وانتظمت في أداء الصلاة، فما الحكم فيما مضى من عمري بلا صلاة]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اذكر نعمة الله عليك بأن ردّك إلى الإسلام بعد أن كنت تاركا للصلاة، فواظب على الصلاة في أوقاتها وأكثر من النوافل لتكون عوضا عما فاتك من الفرائض كما جاء في الحديث الصحيح عَنْ حُرَيْثِ بْنِ قَبِيصَةَ قَالَ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَقُلْتُ اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِي جَلِيسًا صَالِحًا قَالَ فَجَلَسْتُ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فَقُلْتُ إِنِّي سَأَلْتُ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَنِي جَلِيسًا صَالِحًا فَحَدِّثْنِي بِحَدِيثٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَنْفَعَنِي بِهِ فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلاتُهُ فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ فَإِنِ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنَ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ رواه الترمذي رقم 413 وهو في صحيح الجامع 2020
ورواه أبو داود عَنْ أَنَسِ بْنِ حَكِيمٍ الضَّبِّيِّ أنه أَتَى الْمَدِينَةَ فَلَقِيَ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ فَنَسَبَنِي فَانْتَسَبْتُ لَهُ فَقَالَ يَا فَتَى أَلا أُحَدِّثُكَ حَدِيثًا قَالَ قُلْتُ بَلَى رَحِمَكَ اللَّهُ قَالَ يُونُسُ وَأَحْسَبُهُ ذَكَرَهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ النَّاسُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أَعْمَالِهِمُ الصَّلاةُ قَالَ يَقُولُ رَبُّنَا جَلَّ وَعَزَّ لِمَلائِكَتِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ انْظُرُوا فِي صَلاةِ عَبْدِي أَتَمَّهَا أَمْ نَقَصَهَا فَإِنْ كَانَتْ تَامَّةً كُتِبَتْ لَهُ تَامَّةً وَإِنْ كَانَ انْتَقَصَ مِنْهَا شَيْئًا قَالَ انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَإِنْ كَانَ لَهُ تَطَوُّعٌ قَالَ أَتِمُّوا لِعَبْدِي فَرِيضَتَهُ مِنْ تَطَوُّعِهِ ثُمَّ تُؤْخَذُ الأَعْمَالُ عَلَى ذَاكُمْ. صحيح الجامع 2571
ولمزيد من التفصيل في توبة تارك الصلاة راجع جواب السؤال رقم (2182)
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1101)
الأكل عند من لا يصلي ويبيع الخمر
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كان صديقي يبيع الخمر في متجره، في الحقيقة الخمر هو الشيء الأساسي الذي يبيعه في هذا المتجر، كما أنه لا يصلي، فهل يجوز أن نأكل في بيته؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
لا يجوز للمرأة المسلمة أن تصادق رجلاً أجنبياً عنها، ومن لا يصلي فليس بمسلم للحديث: (بين الرجل والكفر ترك الصلاة) وإذا كان مصدر ماله حراماً فلا تأكلوا عنده فهذا رجل أجنبي عنك كافر بتركه للصلاة، ومصدر ماله حرام، فما الخيرة في صحبته، والأكل من طعامه، فاتقي الله وابتعدي عنه فوراً، نسأل الله السلام والعافية.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1102)
كيف يبقى مسلماً من وصل إلى القتل ويصر على ترك الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[عزيزي الشيخ زادك الله علماً:
الحكم على تارك الصلاة له آراء مختلفة عند أهل العلم.
بعد قراءة فتاوى الأئمة المعروفين من السلف كالإمام أحمد والذي يبدو أنه الأصح بناء على الدليل أن ترك الصلاة كفر ويخرج فاعله عن ملة الإسلام، مع هذا فهناك الرأي المخالف والذي لم أفهمه، فالإمام الشافعي ومالك وآخرون قالوا " يُقتل ولكنه ليس بكافر " وبهذا فهو يُدفن في مقابر المسلمين، ولكن إذا تم قتل شخص لتركه الصلاة وأُعطي الفرصة للتوبة فكيف يُعتبر مسلماً؟
هو فضّل الموت على الصلاة إذا الواجب أنه كافر فأرجو التوضيح.
جزاك الله خيرا والسلام.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحقيقة أن هذا الإشكال الذي ذكره السائل قوي، لكنه ليس له تخريج معتبر عند من يقول بعدم كفره، ولذلك جعل شيخ الإسلام رحمه الله هذا الإيراد من الفروع الفاسدة عند الفقهاء المتأخرين، وهو ما لا يعرفه الصحابة رضي الله عنهم، فإنه - كما ذكر السائل - يمتنع أن يعرض السيف على أحد ممن ترك الصلاة فيختار الموت على الصلاة وفي قلبه مثقال ذرة من إسلام، وهذا الإيراد لا يرد على قول من قال بكفر تارك الصلاة، ولنقرأ كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لينجلي الموضوع ويزول الإشكال.
قال رحمه الله:
وأما من اعتقد وجوبها مع إصراره على الترك؛ فقد ذكر عليه المفرِّعون مِن الفقهاء
فروعاً:
أحدها: هذا، فقيل عند جمهورهم مالك والشافعي وأحمد. وإذا صبر حتى يقتل فهل يقتل كافرا مرتدا أو فاسقا كفساق المسلمين؟ على قولين مشهورين حكيا روايتين عن أحمد.
وهذه الفروع لم تنقل عن الصحابة! وهي فروع فاسدة!! .
فإن كان مقرّاً بالصلا ة فى الباطن معتقداً لوجوبها: يمتنع أن يُصرَّ على تركها حتى يقتل وهو لا يصلي، هذا لا يعرف من بني آدم وعاداتهم! ولهذا لم يقع هذا قط فى الإسلام، ولا يعرف أن أحداً يعتقد وجوبها ويقال له: إن لم تصلِّ وإلا قتلناك وهو يصر على تركها مع إقراره بالوجوب، فهذا لم يقع قط فى الإسلام.
ومتى امتنع الرجل من الصلاة حتى يقتل لم يكن فى الباطن مقرّاً بوجوبها ولا ملتزماً بفعلها وهذا كافرٌ بإتفاق المسلمين كما استفاضت الآثار عن الصحابة بكفر هذا، ودلت عليه النصوص الصحيحة كقوله صلى الله عليه وسلم " ليس بين العبد وبين الكفر إلا ترك الصلاة " رواه مسلم، وقوله " العهد الذى بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر "، وقول عبد الله بن شقيق: " كان أصحاب محمَّدٍ لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة "، فمن كان مصرّاً على تركها حتى يموت لا يسجد لله سجدة قط: فهذا لا يكون قط مسلما مقرّاً بوجوبها فإن اعتقاد الوجوب واعتقاد أن تاركها يستحق القتل: هذا داعٍ تامٍّ إلى فعلها، والداعي مع القدرة: يوجب وجود المقدور، فإذا كان قادراً ولم يفعل قط: عُلم أن الداعي في حقِّه لم يوجد.... أ. هـ " مجموع الفتاوى " (22 / 47-49) .
ونرجو من السائل أن يراجع سؤال رقم 2182
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1103)
حكم من يقرأ القران ولا يصلي
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كنت أقرأ القرآن كل يوم وأنا لا أصلي، وسمعت كلام الناس يقولون إنه تحرم قراءة القرآن على من لا يصلي، فتركت قراءة القرآن، فهل يصح هذا؟ افيدونا وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الصلاة أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بين العبد وبين الكفر والشرك ترك الصلاة) رواه الترمذي رقم (2766) وصحيح ابن ماجه (1078) وصححه الألباني.
وسميت الصلاة صلاة لأنها صلة بين العبد وبين ربه، فمن لا يصلي، لا يقبل منه زكاة ولا صوم ولا حج ولا جهاد ولا أمر بمعروف ولا نهي عن منكر ولا قراءة قرآن ولا صلة رحم بل جميع أعماله مردودة عليه إذا كان لا يصلي.
وقد ذهب أهل العلم ومنهم الإمام أحمد على أن من ترك الصلاة يقتل كفراً، فلا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين ولا يرثه أقاربه المسلمون.
فلا يجوز أن تترك الصلاة فإنك لا تدري متى يفاجئك الأجل.
كيف ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في آخر حياته، بل في مرضه الذي توفي فيه: (الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم، الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم) أخرجه الإمام أحمد (3/117) ، وابن ماجه رقم 0 2697) وابن حبان (1220) وصححه الألباني في الإرواء رقم (2178) .
فالصلاة هي عمود الإسلام، قال الإمام أحمد: حظك من الإسلام على قدر حظك من الصلاة، فالذي نحبه لك أن تواظب على الصلاة، وتؤديها في أوقاتها مع المسلمين في مساجدهم، فحرام عليك أن تترك الصلاة، فإنه من تركها يكفر على تفصيل مذكور في كتب أهل العلم، وقيل: يقتل حداً كما هو معلوم، والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى سماحة الإمام عبد الله بن حميد ص 86.(5/1104)
هل تجالس مسلمة لا تصلي وتأكل معها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمسلمة أن تجالس وتسامر مسلمة لا تصلي إطلاقاً في مناسبات إسلامية أو حفل زواج تمت دعوتها إليه؟
هل يجوز أن نأكل ونشرب من نفس الكأس أو الطبق الذي استعملته؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من كان تاركا للصلاة بالكلية فهو كافر وليس بمسلم كما بسط ذلك في إجابة السؤال رقم (5208) .
وعليه فهذه المرأة المذكورة في السؤال ليست بمسلمة , وعليه فالواجب هجرها وعدم مجالستها , إلا إذا كان ذلك لأجل حثها على التوبة والإنابة إلى الله بأداء الصلوات والمحافظة عليها.
وفي فتوى للجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: (من ترك الصلاة متعمدا جاحدا لوجوبها فهو كافر باتفاق العلماء , وإن تركها تهاونا وكسلا فهو كافر على الصحيح من أقوال أهل العلم , وبناء على ذلك لا تجوز مجالسة هؤلاء بل يجب هجرهم ومقاطعتهم وذلك بعد البيان لهم أن تركها كفر إذا كان مثلهم يجهل ذلك , وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ". وهذا يعم الجاحد لوجوبها والتارك لها كسلا , وبالله التوفيق , وصلى الله على نبينا محمد وآله) ا. هـ
من " فتاوى إسلامية " للمسند (1/373) .
وأما الأكل والشرب من نفس الإناء الذي استعملته فحكمه حكم أواني الكفار , وأواني الكفار يجوز للمسلم استعمالها إذا علم أنهم لا يضعون فيها شيئا من المحرمات كالخمر والخنزير , فقد ثبت في الصحيحين البخاري برقم (344) ، ومسلم برقم (682) من حديث عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه استعملوا ماء من مزادة امرأة مشركة.
وأما إذا تقين أو غلب على ظنه استخدامهم لها في شيء من المحرمات فالواجب عليه أن يغسلها قبل استعمالها , لما ثبت في الصحيحين البخاري (5496) ، ومسلم (1930) من حديث أبي ثعلبة الخشني قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله , إنا بأرض قوم من أهل الكتاب , نأكل في آنيتهم؟ .... إلى أن قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أما ما ذكرت أنكم بأرض قوم من أهل الكتاب , تأكلون في آنيتهم , فإن وجدتم غير آنيتهم فلا تأكلوا فيها , وإن لم تجدوا فاغسلوها ثم كلوا فيها ". واللفظ لمسلم.
للمزيد يراجع فتح الباري لابن حجر: (1/453) , والشرح الممتع لابن عثيمين (1/67_69) .
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1105)
نصيحة مهمل الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[عندي صديق يحب الصلاة كما يقول لي، ولكنه لا يؤدي الصلاة بشكل دائم، بل أحياناً يتركها لفترة طويلة ولا يستمع لنصحي، فماذا علي أن أفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا كان صاحبك سليما صحيح العقل فإنّ كلّ ما ذكرته عنه هو عبث واستخفاف منه بالصلاة فإنه لو كان صادقا لصلاها، وادعاؤه محبة الصلاة غير صحيح إذ لو كان صحيحا لقام إليها وهذا المتكاسل المفرّط يتوجه عليه الوعيد المذكور في قوله تعالى " فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا " ويكون كافرا بالترك الكلي للصلاة
لقوله صلى الله عليه وسلم: " العهد لذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر " رواه الترمذي رقم 2621 وهو حديث صحيح، وقال صلى الله عليه وسلم: " بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة ". رواه مسلم رقم 82.
وهذا الرّجل لا تُؤكل ذبيحته ولا يجوز أن يتزوج مسلمة ولا أن يرث من قريب مسلم ولا يدخل حرم مكة وإذا مات لا يُغسّل ولا يكفّن ولا تصلى عليه صلاة الجنازة ولا يورث وماله فيء للمسلمين.
وعليك بالاجتهاد في نصحه وتذكيره بخطر جريمته وعقاب الله تعالى فإن أعرض بعد إقامة الحجّة عليه فليس عليك بأس في مفارقته وأن تلتمس غيره ممن يتقبّل لتقضي معه الوقت في دعوته إلى الله تعالى.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1106)
يعود إلى النوم إذا استيقظ دون أن يصلي
[السُّؤَالُ]
ـ[حدث في مرات قليلة أن استيقظت من نومي وقت صلاة الفجر تماما أو قبل ذلك بقليل وعدت إلى النوم مرة أخرى. وكنت في مرتين أعي أنني استيقظت وقت صلاة الفجر إلا أني عدت ونمت. ثم سمعت بأن الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله قال بأن من يفعل ذلك الفعل يكون كافرا (مرتدا) ، فهل هذا صحيح؟ وما هو الرأي الصحيح في هذه المسألة وفقا لأهل السنة والجماعة؟ (وإذا كان ذلك صحيح [الكفر أو الارتداد] ، فماذا أفعل؟
سؤال آخر: إذا فاتتني صلاة العصر (خرج وقتها ولم أصليها) ، فهل أكفر بذلك (مع أني ما أزال أصلي الصلوات الخمس المفروضة يوميا) ؟ أنا أعلم أني أفقد جميع أعمالي الصالحة في اليوم وفقا لرواية في صحيح البخاري، لكني أطرح سؤالي أعلاه عليك، وأنا أظنك على الحق وعلى طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم. وجزاك الله خيرا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
1- إذا كنت استيقظت وقت صلاة الفجر ثم غلبتك نفسك فنمت وفي نيتك وعزمك أنك ستستيقظ بعد قليل _ قبل خروج الوقت _ ولكنك لم تستيقظ إلا بعد خروج الوقت، فقم بأداء الصلاة مباشرة، وكن حازما في المرّات القادمة، فلا تجعل الشيطان يتلاعب بك، ونسأل الله لك المغفرة.
2- أما إذا كنت عازما على أن لا تؤدي الصلاة إلا بعد خروج وقتها _ أو كنت مترددا في ذلك _ فهذا الفعل هو الذي يكفر به صاحبه عند بعض أهل العلم.
فإذا كان صدر منك مثل هذا الفعل فتُب إلى الله من الآن، واعقد العزم على أن لا تعود، وصلّ الصلوات التي فاتتك إن كنت تعرف عددها، والله يتوب على من تاب، وهذه كفارة ذلك. والكلام عن صلاة العصر كالكلام عن صلاة الصبح تماما.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ سعد الحميد(5/1107)
يسمع النداء ولا يجيب
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم من يسمع الأذان بل والإقامة والصلاة ولا يأتي للصلاة؟ وحكم من يصلي صلاة الجمعة فقط؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الذي يسمع النداء ولا يجيب لا صلاة له إلا إذا كان معذورا والمقصود أن صلاته ناقصة وأنه آثم بتخلفه عن صلاة الجماعة وقد قال ابن مسعود رضي الله عنه (وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق) رواه مسلم (654) ، وعدم إجابة المؤذن ضعف في الإيمان ونقص في الدين وتفريط في الأجر وهجر لبيوت الله.
وأما حكم من يصلي الجمعة فقط فقد ذهب بعض العلماء إلى كفر من لا يصلي إلا الجمعة فقط لأنه في حكم تارك الصلاة بالكلية لأنه لا يصلي إلا صلاة واحدة من خمس وثلاثين صلاة في الأسبوع فهو كالتارك بالكلية وممن قال بهذا الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ ابن عثيمين رحمهما الله، وقال بعض العلماء بعدم كفره لكنه يكون مرتكباً لجريمة عظيمة أشد من الربا والزنا والسرقة وشرب الخمر وغيرها.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(5/1108)
يعاني من أخلاق زوجته وتقصيرها في دينها
[السُّؤَالُ]
ـ[اعتنقت الإسلام منذ سنتين تقريبا، وتزوجت منذ ذلك الوقت، وقد تزوجت صغيراً لعلمي بأن الإسلام يحرم المواعدة، وللأسف لم أكن أعلم بمسؤوليات كلٍّ من الزوجين في الزواج، والمشكلة الآن أن زوجتي - وهي حامل بطفلنا الأول - نادراً ما تصلي، وتسخر من حبي للملابس الإسلامية قائلة: إنه ينبغي أن ألبس تلك الملابس عندما أكون في بلد إسلامي وليس في الغرب، وتحثني على ارتداء الملابس الغربية، والاندماج في المجتمع الأمريكي، وهي تضايق الأخوات اللاتي يرتدين الملابس المحتشمة، وخاصة النقاب، وكلما حاولت أن أحثها على الصلاة تقول: إن الصلاة بينها وبين الله، وتغضب مني بشدة، وكل ذلك يزيد من ألمي، ولكن أكثر ما يؤلمني هو أن زوجتي ليست جاهلة بالدين، فقد كانت في وقت من الأوقات ترتدي النقاب، وتحفظ نصف القرآن مع التفسير أيضاً. أرجو من فضيلة الشيخ النصح والمشورة، وجزاك الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يجب أن تعلم أخي السائل حرمة الإقامة في بلاد الكفر، وأن تعلم ما تسببه الإقامة من تأثير سيء على دين وأخلاق وأفكار من يعيش بين أولئك الكفرة، والذين تفسخت مجتمعاتهم، وتخلت عن الأخلاق الفاضلة، وانظر لحال زوجتك كيف صارت بعد أن كانت مستقيمة تطلب العلم وتحفظ من القرآن، وانظر لسلوكها كيف تريدك أن تلبس، وكيف تنكر على الأخوات المستقيمات عفافهن ولباسهن الشرعي؛ وما ذاك إلا من تأثرها بتلك البيئة.
ومن نفيس كلام الشيخ العثيمين - رحمه الله – بعد أن بيَّن حرمة الإقامة بين أظهر الكفار -:
وكيف تطيب نفس مؤمن أن يسكن في بلاد كفار تعلن فيها شعائر الكفر ويكون الحكم فيها لغير الله ورسوله، وهو يشاهد ذلك بعينه ويسمعه بأذنيه ويرضى به، بل ينتسب إلى تلك البلاد، ويسكن فيها بأهله وأولاده، ويطمئن إليها كما يطمئن إلى بلاد المسلمين، مع ما في ذلك من الخطر العظيم عليه وعلى أهله وأولاده في دينهم وأخلاقهم.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (3 / 30) .
وانظر في تفصيل هذه المسألة: جوابي السؤالين (14235) و (3225) .
ثانياً:
وأما كونها لا تصلِّي إلا نادراً فهي في حكم التاركة للصلاة، وتارك الصلاة من الكفار، وغضبها منك بعد نصحها بالصلاة يدل على استهانتها بهذه الشعيرة العظيمة، ويدل على إصرارها على تركها، وعليه: فلا يحل لك البقاء معها، وعليك أن تفارقها إن بقيت مصرة على ترك الصلاة ولم ينفع فيها الوعظ والتذكير والهجر والتأديب.
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
عمن له زوجة لا تصلي هل يجب عليه أن يأمرها بالصلاة وإذا لم تفعل هل يجب عليه أن يفارقها أم لا؟ .
فأجاب:
نعم، عليه أن يأمرها بالصلاة، ويجب عليه ذلك، بل يجب عليه أن يأمر بذلك كل من يقدر على أمره به إذا لم يقم غيره بذلك، وقد قال تعالى: (وأْمُر أهلك بالصلاة واصطبر عليها) الآية، وقال تعالى: (يا أيها الذي آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة) الآية، وقال عليه الصلاة والسلام (علِّموهم وأدبوهم) – [لا يصح مرفوعاً، وروي عن علي بن أبي طالب]- وينبغي مع ذلك الأمر أن يحضها على ذلك بالرغبة، كما يحضها على ما يحتاج إليها، فإن أصرت على ترك الصلاة: فعليه أن يطلقها، وذلك واجب في الصحيح، وتارك الصلاة مستحق للعقوبة حتى يصلي باتفاق المسلمين، بل إذا لم يصل قتل، وهو يقتل كافراً مرتداً، على قولين مشهورين، والله أعلم.
" مجموع الفتاوى " (32 / 276، 277) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1109)
تاب من ترك الصلاة والصيام فهل يلزمه القضاء
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت بعيداً عن الدين ولا أعرف عن الإسلام إلا أني ولدت لأبوين مسلمين، أقمت علاقة مع فتاة لمدة عامين، وبعد ذلك منَّ الله علي وعرفت طريق الالتزام وأسأل الله أن يجعلني وإياكم من العالمين العاملين بأحكام شرعنا الحنيف.
وأنا الآن تائب من ذنوبي جميعاً بإذن الله تعالى عازماً على عدم الرجوع إليها مطلقاً. الذي أود أن أستفسر عنه منكم هو أنني علمت أن من شروط التوبة الندم والعزم على عدم الرجوع إلى الإثم ورد مظالم الناس إليهم، فماذا أفعل بخصوص صلاتي وصيامي الذي انقضى قبل التزامي؟ وما المفروض أن أقوم به لأصلح ما أفسدته مع هذه الفتاة مع العلم أنها إلى الآن لم تتزوج وباقية على عدم التزامها الديني؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
نحمد الله تعالى أن من عليك بالهداية والاستقامة، ونسأله سبحانه أن يزيدك علما وهدى. ونذكرك بشكر الله تعالى على هذه النعمة العظيمة، فإن الشكر يزيد النعم، قال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) إبراهيم/7.
ثانيا:
ما ذكرت من شروط التوبة صحيح، وأما قضاء العبادات المتروكة من صلاة وصيام، ففيه قولان لأهل العلم، فمنهم من يلزم بقضائها، وهو مذهب الجمهور.
ومن العلماء من لا يلزم تارك الصلاة بقضاء ما تركه من الصلاة، بناء على القول بكفره، فتكون التوبة حينئذ إسلاما يهدم ما قبله من الذنوب.
ومن العلماء من لا يرى القضاء على تارك الصلاة عمدا، سواء قيل بكفره أولا، لأن النص إنما جاء في المعذور الذي نام عن الصلاة أو نسيها.
والذي دلت عليه الأدلة الصحيحة هو كفر تارك الصلاة، سواء تركها كسلا أو جحودا، وانظر أدلة ذلك في الجواب رقم (5208) .
وإلزام التائب بقضاء ما فات، فيه تعسير للتوبة، وتنفير منها، لكن ينبغي للتائب أن يكثر من الأعمال الصالحة، لقوله تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82.
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: لقد سافرت إلى الولايات المتحدة الأمريكية لغرض الدراسة وأمضيت هناك خمس سنوات تركت فيها الصلاة والصيام، وقد هداني الله واستقمت والحمد لله، فكيف أقضي تلك الصلاة والصيام؟
فأجابت:
" إذا كان الواقع كما ذكرت من التوبة وسلوكك طريق الهدى فليس عليك قضاء ما تركته عمداً من الصلاة والصيام، لأن ترك الصلاة كفر أكبر، وردة عن الإسلام، وإن لم يجحد التارك وجوبها في أصح قولي العلماء، والمرتد إذا أسلم لا يؤمر بقضاء ما ترك من الصلاة والصيام في ردته، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الإسلام يهدم ما كان قبله، والتوبة تهدم ما كان قبلها) ، وعليك أن تحافظ مستقبلاً على أداء الصلاة جماعة في وقتها مع المسلمين في المساجد، وأداء صيام رمضان، ويشرع لك الإكثار من الأعمال الصالحة ونوافل العبادة من صلاة وصيام وصلة رحم وصدقات وغير ذلك من أعمال الخير حسب الاستطاعة، لقول الله تعالى: (وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى) . ونسأل الله لنا ولك الثبات على الحق والتوفيق إلى أقوم طريق " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (6/41) .
وراجع السؤال رقم (610) .
ثالثا:
أما الفتاة، فينبغي أن تقطع كل علاقة بها، حتى لا يجد الشيطان سبيلا لاستدراجك إلى إعادة العلاقة معها، وإن وجدت من النساء الصالحات من يمكنها دعوتها فحسن.
نسأل الله لك مزيدا من التوفيق والثبات.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1110)
يترك الصلاة يوما أو يومين أو أكثر
[السُّؤَالُ]
ـ[في بعض الأحيان يغويني الشيطان بفعل ما يسمى بالاستمناء مما يؤدي بي إلى ترك الصلوات الخمس يوما أو يومين أو أكثر أو أقل حسب الظروف. فماذا يجب علي؟ رد ما علي من فروض؟ أم يمكنني القيام بالنوافل للتكفير عن ذلك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
عليك المسارعة لترك تلك العادة القبيحة؛ التي تخل بالكرامة؛ والمروءة؛ وقد سبق في جواب السؤال (329) بيان أدلة تحريمها.
كما يلزمك التوبة من ترك الصلوات , فإن تركها كبيرة من كبائر الذنوب عظيمة. بل يرى كثير من أهل العلم أن ذلك كفر.
وتتضمن التوبة: الإقلاع عن المعصية , والندم على ما فعل، والعزم على أن لا تعود إلى ذلك الفعل المحرم.
وأكثر من صلاة النوافل , لتعويض ما فاتك من الصلوات، لقوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ النَّاسُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أَعْمَالِهِمْ الصَّلاةُ قَالَ يَقُولُ رَبُّنَا جَلَّ وَعَزَّ لِمَلائِكَتِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ انْظُرُوا فِي صَلاةِ عَبْدِي أَتَمَّهَا أَمْ نَقَصَهَا فَإِنْ كَانَتْ تَامَّةً كُتِبَتْ لَهُ تَامَّةً وَإِنْ كَانَ انْتَقَصَ مِنْهَا شَيْئًا قَالَ انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَإِنْ كَانَ لَهُ تَطَوُّعٌ قَالَ أَتِمُّوا لِعَبْدِي فَرِيضَتَهُ مِنْ تَطَوُّعِهِ ثُمَّ تُؤْخَذُ الأَعْمَالُ عَلَى ذَاكُمْ) رواه أبو داود (864) .
نسأل الله لنا ولك وللمسلمين العفو, والعافية, والثبات في الأمر.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1111)
كان يترك بعض الصلوات فهل يلزمه تجديد عقد النكاح
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن في مجتمع يتهاون كثيراً في مسألة الصلاة، نشأت أصلي والحمد لله، ولكني لا أهتم إن صليت الظهر مثلاً في وقته أو قضاء مع العصر مثلاً، كما أنني تركت بعض الصلوات على مدار حياتي وزوجتي كذلك، وبعد الزواج استمر هذا الموضوع في بداية الأمر ثم عزمنا على أن نتوب إلى الله، ونحن الآن والحمد لله نحافظ على الصلاة في وقتها، ما يؤرقني ويشعرني بأن هذا العمل غير مثاب عليه هو قول بعض العلماء أمثال الشيخ ابن عثيمين وابن باز رحمهما الله بأن تارك الصلاة تكاسلاً وتهاوناً فهو كافر مرتد، واستندوا إلى ذلك بأدلة من القرآن والسنة، ومع أن هناك علماء أمثال الشيخ الألباني رحمه الله يقول إنه كفر دون كفر، ومع إحساسي بأن هذا الرأي صحيح، إلا أنني أخاف أن أكون على خطأ، وأريد أن آخذ برأي الشيخ ابن عثيمين حتى أقطع الشك في نفسي ولكن هذا الأمر يتطلب عدة أمور بعضها أقدر عليها والبعض الآخر لا وهي: 1- أغتسل أنا وزوجتي اغتسال الدخول في الإسلام وأن ننطق بالشهادتين، وهذا أمر مقدور عليه 2- نحتاج إلى تجديد عقد الزوجية، لأنه يعتبر عقداً باطلاً. والسؤال هنا: كيف يتم هذا التجديد؟ وهل أنا بحاجة إلى ولي للزوجة وشهود؟ وكيف أقول لوالد زوجتي هذا الأمر وكيف أحضر الشهود للتجديد؟ إن هذا الأمر وقعه صعب جداً على والد الزوجة وربما يرفض هذه الفكرة أو يغضب طيلة حياته، وبالتالي فلن أستطيع أن أجدد العقد وتصبح المشكلة أصعب وأصعب، كما أنني لا أستطيع أن أتحقق إن كان الشهود مداومين على الصلاة من ساعة بلوغهم إلى يومهم هذا، وهل لو أخذت برأي الشيخ الألباني رحمه الله أعتبر مقصراً، وهل علي قضاء الفوائت السابقة والتي لم أعلم عددها، أم أكثر من السنن والنوافل، وكيف أقضيها، فهل من الممكن أن أصلي عصر هذا اليوم على سبيل المثال، ثم أصلي الفجر والظهر والعصر لأيام سابقة أم أصلي كل فرض فائت في وقته. أفيدوني جزاكم الله خيرا فإنني في حيرة شديدة تكاد تفتك بي، ولا أريد أعمالي الصالحة أن تذهب هباء، أو أن أموت كافراً والعياذ بالله.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الخلاف في حكم تارك الصلاة كسلا، خلاف معتبر عند أهل العلم، والذي تدل عليه الأدلة الصحيحة هو القول بكفره، وانظر شيئا من هذه الأدلة في الجواب رقم (5208) .
ثانيا:
إذا تاب تارك الصلاة، وصلَّى، عاد إلى الإسلام، ولا يحتاج أن يعيد الشهادتين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " فأما من يترك الصلاة بعض الأوقات لا يقضيها ولا ينوي قضاءها أو يخل ببعض فرائضها ولا يقضيها ولا ينوي قضاءها فمقتضى ما ذكره كثير من أصحابنا أنه يكفر بذلك،....... ثم إذا صلى الأخرى صار مؤمنا كما دل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (من ترك صلاة العصر متعمدا حبط عمله) وقوله صلى الله عليه وسلم: (من ترك الصلاة عمدا فقد برئت منه الذمة) " انتهى.
وقال أيضا: " وإذا صلى بعد الامتناع عاد بذلك إلى الإسلام من الردة، وصحت صلاته وإن كان الكافر الأصلي لا تصح صلاته قبل الشهادتين؛ لأن هذا كفره بترك الفعل، فإذا فعله عاد إلى الإسلام، كما أن من كُفره بترك الإقرار إذا أتى بالإقرار عاد إلى الإسلام.
فإن قيل: فالمرتد غير هذا لا يصح إسلامه حتى يأتي بالشهادتين كيف ما كانت ردته، قيل: ذلك لأنه جاحد فلا بد أن يأتي بأصل كلمة الإقرار التي تتضمن جميع التصديق والاعتراف، وهذا معترف فيكفيه الفعل " انتهى.
وعليه فقولك: " وبهذا أظل كافراً ولا يقبل الله مني عملاً " غير صحيح، بل توبتك إلى الله تعالى، وأداؤك للصلاة، يرفع عنك الكفر، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له.
ثالثا:
لا يلزمكما تجديد عقد النكاح إلا إذا كان العقد قد تم وأنتما أو أحدكما لا يصلي، فيلزم لتجديده حينئذ.
أما إذا حصل ترك الصلاة بعد العقد فلا يلزمك تجديده، وذلك لأنه إذا ارتد أحد الزوجين ثم رجع إلى الإسلام في فترة العدة، فهما على نكاحهما الأول، ولا يحتاجان إلى إعادة العقد، بل ذهب بعض العلماء إلى أنهما على نكاحهما الأول ولو رجع إلى الإسلام بعد انقضاء العدة، ما داما تراضيا على الرجوع، وهذا القول الثاني هو الصحيح، وانظر بيان ذلك في جواب السؤال رقم (21690) .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم بقاء المرأة المتزوجة من زوج لا يصلي وله أولاد منها؟
فأجاب:
" إذا تزوجت امرأة بزوج لا يصلي مع الجماعة ولا في بيته فإن النكاح ليس بصحيح، لأن تارك الصلاة كافر، كما دل على ذلك الكتاب العزيز والسنة المطهرة وأقوال الصحابة، كما قال عبد الله بن شقيق: " كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة ".
والكافر لا تحل له المرأة المسلمة لقوله تعالى:: (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنّ) الممتحنة/10.
وإذا حدث له ترك الصلاة بعد عقد النكاح فإن النكاح ينفسخ إلا أن يتوب ويرجع إلى الإسلام. وبعض العلماء يقيد ذلك بانقضاء العدة، فإذا انقضت العدة لم يحل له الرجوع إذا أسلم إلا بعقد جديد.
وعلى المرأة أن تفارقه ولا تمكنه من نفسها حتى يتوب ويصلي ولو كان معها أولاد منه؛ لأن الأولاد في هذه الحال لا حضانة لأبيهم فيهم) انتهى من فتاوى أركان الإسلام ص 279.
هذا إذا كان الترك للصلاة تركا كليا، وأما إن كان تركا لبعض الصلوات، فمن أهل العلم من لا يكفّر به، كما هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وابن عثيمين رحمه الله، ومنهم من يكفّر بترك الفريضة الواحدة عمدا حتى يخرج وقتها ووقت الصلاة التي تجمع إليها، كأن يؤخر الظهر حتى تغرب الشمس، لكن هذا التارك للفريضة إن عاد وصلى، قبل انقضاء العدة، عاد إلى الإسلام، واستمر على نكاحه.
ولا يفهم من سؤالك أن أحدا منكما ترك الصلاة مدة طويلة تستغرق زمن العدة، بل غاية الأمر هو ترك بعض الأوقات، ثم العودة إلى الصلاة، وهذا يعني بقاء عقد النكاح كما سبق.
فالذي يظهر لنا من سؤالك أنه لا يلزمك تجديد عقد النكاح وإعادته.
أولا: لأن ترككما للصلاة لم يكن تركا مطلقا، بل كان تركا لبعض الصلوات، وهذا لا يكون كفرا عند كثير من أهل العلم، حتى يترك الصلاة مطلقا.
ثانيا: لأن هذا الترك لبعض الصلوات ـ على فرض أنه كفر ـ يكون وقتا يسيرا لا تنقضي فيه العدة، فبالرجوع إلى الصلاة قبل انقضاء العدة لا يفسخ عقد النكاح ويبقى صحيحا كما كان قبل ترك الصلاة.
رابعا:
من ترك الصلاة، ثم تاب من ذلك، لم يلزمه قضاء ما فات من الصلوات، على القول الراجح، لكن ينبغي أن يكثر من النوافل والحسنات، لقوله تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82
وانظر بيان ذلك في جواب السؤال رقم (91411) .
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد والرشاد.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1112)
كان يستمني ويصلي من غير اغتسال فهل يلزمه القضاء
[السُّؤَالُ]
ـ[كنت أمارس الاستمناء منذ البلوغ ولا أعرف أنه حرام وكنت أصلى ولا أغتسل، والآن تبت ولله الحمد، سؤالي: هل أقضي الصلوات التي فاتتني مع كل فريضة أم أصليها في أي وقت؟ وهل أصليها بالترتيب أي أن أبدأ أولا بصلاة الصبح ثم الظهر وهكذا؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تعمد الصلاة على غير طهارة منكر عظيم، وفاعل ذلك في حكم تارك الصلاة، لأنه ترك ما لا تصح إلا به.
قال ابن القيم رحمه الله: " وحكم ترك الوضوء والغسل من الجنابة واستقبال القبلة وستر العورة حكم تارك الصلاة، وكذلك حكم ترك القيام للقادر عليه هو كترك الصلاة، وكذلك ترك الركوع والسجود " انتهى من "الصلاة وحكم تاركها" ص 42.
والذي يظهر من سؤالك أنك كنت تترك الاغتسال من الجنابة جهلاً بوجوبه، وقد اختلف العلماء فيمن فعل ذلك هل يجب عليه أن يعيد الصلاة أم لا؟
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (9446) و (45648) .
وإذا كان لم يخطر ببالك وجوب الاغتسال بعد الاستمناء، فنرجو ألا يكون عليك قضاء ما سبق من الصلوات، ولكن عليك بالتوبة والاستقامة والإكثار من الأعمال الصالحة، قال تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1113)
دفن تارك الصلاة مع المسلمين
[السُّؤَالُ]
ـ[في بلادنا يدفن المسلمون في مقابر خاصة بهم، ولكن كل من يطلق عليه اسم مسلم يدفن فيها وأكثرهم ممن لا يصلي ولا يقيم حدود الدين، فما العمل عند زيارة تلك القبور التي لا يميز فيها المسلمون حقاً وغير المسلمين؟ وماذا علي إذا مت ودفنت مع أناس لا يصلون، هل أوصي بأن أدفن مع أناس يصلون، أم ماذا نفعل؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الواجب أن يخصص للمسلمين مقابر، ولا يدفن فيها غيرهم، والذي لا يصلي ويموت وهو تارك للصلاة لا يدفن في مقابر المسلمين؛ لأن تارك الصلاة جحداً لوجوبها كافر بالإجماع، وتاركها كسلاً كافر على الراجح من قولي العلماء، ويشرع للمسلم أن يوصي بأن يدفن في مقابر المسلمين إذا كان في البلد مقابر لغير المسلمين؛ خشية أن يدفن مع غير المسلمين.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
[الْمَصْدَرُ]
فتاوى اللجنة الدائمة 9/9.(5/1114)
اشتراط التسمية لحل الذبيحة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم عدم التسمية على الأضحية خاصة أن الذابح لا يصلي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تارك الصلاة لا تحل ذبيحته، سواء سمى عليها أو لم يسم، وانظر السؤال رقم (70278) .
وأما التسمية على الذبيحة فمختلف فيها بين الفقهاء، على ثلاثة أقوال:
الأول: أنها مستحبة فقط، وهو مذهب الشافعي.
الثاني: أنها شرط في حل الذبيحة، لكن إن تركها سهوا أبيحت، وهذا مذهب الحنفية والمالكية والحنابلة.
الثالث: أنها شرط، ولا تسقط بحال، لا سهوا ولا عمدا ولا جهلا، وهذا مذهب الظاهرية ورواية عن مالك وأحمد، وقول جماعة من السلف، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وهو الصحيح ".
وقال: " واستدل هؤلاء بعموم قوله تعالى: (وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ) الأنعام/ 121، وبأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما أنهر الدم وذُكر اسم الله عليه فكُل) فشرط لحل الأكل التسمية، ومعلوم أنه إذا فقد الشرط فقد المشروط، فإذا فقدت التسمية فإنه يفقد الحل، كسائر الشروط. ولهذا لو أن إنسانا صلى وهو ناسٍ أن يتوضأ، وجبت عليه إعادة الصلاة، وكذلك لو صلى وهو جاهل أنه أحدث بحيث يظن أن الريح لا تنقض الوضوء، أو أن لحم الإبل لا ينقض الوضوء مثلا، فعليه الإعادة، لأن الشرط لا يصح المشروط بدونه، وكما أنه لو ذبحها ولم ينهر الدم، ناسيا أو جاهلا، فإنها لا تحل، فكذلك إذا ترك التسمية؛ لأن الحديث واحد " انتهى من "الشرح الممتع" (6/358) .
وينظر: العناية شرح الهداية (9/489) ، الفواكه الدواني (1/382) ، المجموع (8/387) ، المغني (9/309) .
وعلى هذا فلا يذبح الأضحية وغيرها إلا من كان من أهل الصلاة، ويشترط أن يسمي عند الذبح، فيقول: بسم الله.
ويستحب أن يكبر، فيقول: بسم الله، والله أكبر.
وقد روى البخاري (5558) ومسلم (1966) عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: (ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ فَرَأَيْتُهُ وَاضِعًا قَدَمَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا يُسَمِّي وَيُكَبِّرُ فَذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1115)
ترك الصلاة سبب كل ضيق
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا فتاة عمري 23 سنة، الصراحة أنا لا أصلي، وإن قمت للصلاة لا أصلي كل الفروض، والصراحة أنا أستمع للأغاني، ولكن - والله شاهد - أن هذا الموضوع يسبب لي حالة نفسية، أريد الصلاة، وأريد أن أطيع الله، وأنا أخافه، أنا أعتز بكوني مسلمة، وربي هو الله وحده لا شريك له، وأحب الحبيب المصطفى وسيرته، وأتأثر عند سماع قصصه، الحمد لله، أكرمني الله عز وجل بأن ذهبت إلى العمرة هذه السنة، وكنت فرحة لهذا، ولكني أحس أني جاحدة، أو لا فرق بيني وبين الكافرين لأني لا أصلي، حاولت كثيراً أن أداوم على الصلاة، لكن لا أدري لماذا يحدث معي هذا، مع العلم أني كنت لفترة طويلة جدّاً لا أصلي أبداً، وأحس أيضاً أني أجهل أموراً كثيرة بالدِّين، وأشعر أيضاً أن الله لن يتقبل مني أي عمل كان: صلاة أو زكاة أو عمرة أو غير ذلك من أمور الدين الإسلامي، وأن مثواي لا محالة النار، أحتاج إلى من يأخذ بيدي، ينصحني، ينتشلني من حالة الضياع التي أنا فيها، أكره كوني على هذه الحالة!!
وفوق كل هذا هناك مشكلة أخرى، وهي أني أشعر أني لم أصم أياما من رمضان، وأنا لا أعاني من أي شيء، أي لا يوجد هناك مانع من الصوم!!
والصراحة أني لست متأكدة إن كانت أياما من رمضان أو كانت من أيام شوال الستة، فعندنا عادة في منزلنا أن نصوم هذه الأيام الست كل سنة، فاختلطت الأمور علي، وهذه المشكلة حدثت لي في الفتره التي كنت فيها بعيدة عن الله، وأنا أعلم أنه من أفطر رمضان بدون سبب لا يقبل الله له صوما، وعليه كفارة، فماذا أفعل؟
أرجوك ساعدني وأفدني، أرجوك، أنا يائسة جدّاً، جعله الله في ميزان حسناتك إن شاء الله، وجزاك عن المسلمين جميعاً خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا بد – أختي الفاضلة – أن تُحَدِّدِي أولا مكان المشكلة ثم تنطلقي في العلاج، وإن طلبتِ منَّا المساعدة في تحديدها فسنقول لكِ: المشكلة في نفسك أنتِ وليس في شيءٍ آخر! ولن تكون المساعدة التي يقدمها لك الآخرون نافعة حتى تأخذي أنتِ بنفسكِ إلى النجاة.
والمشاعر التي بثثتِيها في سؤالك تدل على أن مقومات الاستقامة والصلاح موجودةٌ فيك، فإن المؤمن هو الذي يحاسب نفسه ويعاتبها، ويبدو أنك تقومين بذلك.
والمؤمن يخاف تقصيره وذنوبه، ويراها كأنها جبل يوشك أن يقع عليه، ويظهر أنك تشعرين بذلك أيضا.
والمؤمن يرتفع بإسلامه وإيمانه، ويعتز بانتسابه إلى هذا الدين العظيم، ويحب نبيه الكريم محمداً صلى الله عليه وسلم، ورسالتك تنضح بذلك؟!!
إذاً فكيف اجتمعت هذه الصفات مع التقصير في أعظم واجبات الدين، وهي الصلاة؟!
ليس عندنا تفسير لذلك سوى سوء إدارة النفس وضعف التحكم فيها، وإلا فأداء الصلاة لا يستغرق جهدا ولا وقتا، ما هي إلا دقائق يخلو فيها المرء بربه، يناجيه بحاجته، ويبث إليه ثقل الدنيا، ويشكو إليه شوقه إليه وإلى رحمته.
فإذا كانت أنفسنا لا تحتمل الالتزام بهذه الدقائق المعدودة، فلا أظننا ننجح في حياتنا أبدا، فإن قيادة النفس تحتاج إلى شيء من العزم والحزم، ونحن المسلمين لم يكلفنا ربنا فوق طاقتنا، بل لم يكلفنا ما يشق علينا، وهو سبحانه يحب أن يتوب علينا ويخفف عنا.
قال سبحانه وتعالى: (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) البقرة/185
وقال سبحانه: (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. وَاللهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً. يُرِيدُ اللهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً) النساء/26-28
والصلاة رحمة فرضها الله علينا من جوده وكرمه، من حافظ عليها وقام بحق القيام بها: رأى فضل الله تعالى علينا حين كتبها علينا، وعرف أن الإنسان المحروم هو الذي حرم نفسه لذة الصلة بالله سبحانه.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(الصَّلَاةُ خَيرٌ مَوضُوعٌ، فَمَنِ استَطَاعَ أَن يَستَكثِرَ فَلْيَستَكثِرْ)
رواه الطبراني (1 / 84) وصححه الألباني في " صحيح الترغيب " (390) .
وانظري كيف عقب الله تعالى آيات فرض الطهارة للصلاة بقوله:
(مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة/6.
والنبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، الذي تحبينه وتحبين سيرته كان يقول:
(جُعِلَت قُرَّةُ عَينِي فِي الصَّلَاةِ) رواه النسائي (3940) وحسنه الحافظ ابن حجر في " التلخيص الحبير " (3 / 116) وصححه الألباني في " صحيح النسائي ".
فكيف يرضى المؤمن لنفسه أن تفوته تلك الخيرات والبركات؟.
قال ابن القيم - رحمه الله -:
فواأسفاه وواحسرتاه كيف ينقضي الزمان وينفذ العمر والقلب محجوب ما شم لهذا رائحة، وخرج من الدنيا كما دخل إليها، وما ذاق أطيب ما فيها، بل عاش فيها عيش البهائم، وانتقل منها انتقال المفاليس، فكانت حياته عجزاً، وموته كمداً، ومعاده حسرة وأسفاً، اللهم فلك الحمد، وإليك المشتكى، وأنت المستعان، وبك المستغاث، وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بك.
" طريق الهجرتين " (ص 327) .
ولا أذكر لك هذا الكلام لأزيد اليأس الذي تشعرين به، إنما كي تسعي جاهدة للتخلص منه، فهو لم يصبك إلا لعجزك عن أداء أسهل الفرائض، فعرفتِ أنكِ عن سواها أعجز.
ويجب أن لا تجعلي في حياتك مجالاً لليأس في جنب الله؛ ويجب أن تعلمي أنه سبحانه يكره القنطين: (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) الحجر/56، ويحب عباده المستبشرين برحمته وفضله، ومن سعة كرمه أنه يغفر السيئات، ويصفح عن الزلات، بل قال سبحانه وتعالى: (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً. وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً) الفرقان/70-71، وقد قال بعض الحكماء: " لا يأتي بالأمل إلا العمل "، ولن يخرجك من حالة اليأس التي أوقعك الشيطان فيها إلا البدء بالعمل، ومحاولة الالتزام بالاستقامة،
ولو تخللها في البداية بعض النقص.
قال الله تعالى: (وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) ؛ فإن الرجاء يوجب للعبد السعي والاجتهاد فيما رجاه، والإياس: يوجب له التثاقل والتباطؤ، وأولى ما رجا العباد، فضل الله وإحسانه، ورحمته، وروحه.
" إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون "؛ فإنهم ـ لكفرهم ـ يستبعدون رحمته، ورحمته بعيدة منهم، فلا تتشبهوا بالكافرين. ودل هذا على أنه بحسب إيمان العبد، يكون رجاؤه لرحمة الله وروحه." تفسير ابن سعدي.
وأول ما يجب أن تبدئي به أن توجدي في نفسك همّاً كبيراً وحرصا عظيما للمحافظة على الصلاة، كما هو الهم الذي تستشعرينه لأمور الدنيا الأخرى من طعام وشراب ودراسة وزواج ونحو ذلك، فإن كل عمل يسبقه اهتمام وتفكر، وقد كان بعض السلف يجاهد نفسه على الإكثار من نوافل الصلاة مجاهدة عظيمة، حتى قال ثابت البناني رحمه الله: كَابَدتُ الصلاة [يعني: قيام الليل] عشرين سنة، واستمتعت بها عشرين سنة.
ولا يكفي هذا الفكر والاهتمام حتى يقوم بموازاته فكر واهتمام بوسائل المحافظة على الصلاة، وكيف تحتالين على نفسك حتى تلتزم بما فرض الله تعالى، والإنسان يملك قدرة كبيرة في حسن اختيار الأساليب التي تعينه على ما يريد.
احرصي أن تقومي مباشرة إذا سمعت صوت المؤذن بالتكبير، واستشعري أنه سبحانه أكبر من كل الدنيا التي أنت منشغلة بها، ثم اعمدي إلى محرابك لتصلي ما كتب الله لك، ولا تنسي أن تقولي الدعاء الذي علمنا إياه نبينا صلى الله عليه وسلم دبر كل صلاة: (اللهم أعِنِّي على ذِكْرِك وشُكْرِك وحُسْنِ عِبادتِك) .
وقد ذكرتِ أنكم أهل بيت حريصون على صيام الست من شوال، وهذه أمارة صلاح وإحسان تعينك على أداء الصلاة في وقتها، حين ترين الوالدة والإخوة يقيمونها في وقتها، واحمدي الله تعالى على ذلك، فكم من شكاوى تأتي من أبناء يضربهم أهلهم على ترك الصلاة وخلع الحجاب، وأنت قد أكرمك الله تعالى بالأهل الذين يعينونك على تقوى الله تعالى.
صاحبي الفتيات المصليات المستقيمات، واطلبي منهن العون على الصلاة، وتذكيرك بها، والتواصي عليها، وقد يكون ذلك خير معين لك.
وأخيرا احذري المعاصي، فهي أساس كل داء، والمعصية تأتي بأختها وهكذا حتى تجتمع على الإنسان فتهلكه، فتثقل العبد عن صلاته، وتحرمه من نورها وبركتها، نسأل الله السلامة.
قال ابن القيم - رحمه الله -:
المعاصي تزرع أمثالها، وتولد بعضها بعضا، حتى يعِزَّ على العبد مفارقتُها والخروج منها، كما قال بعض السلف: إن من عقوبة السيئة السيئة بعدها، وإن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها.
" الجواب الكافي " (ص 36) .
ثانيا:
أما سؤالك عن صيام رمضان، وأنك تشكين في تركك صيام أيام منه من غير عذر، فنقول لك: لا تلتفتي لهذه الشكوك، إذ يبدو أن الغالب على ظنك أنك أديت تلك العبادة في وقتها مع أسرتكِ، وغلبة الظن كافية لبراءة الذمة، ولا عبرة بالشك بعد ذلك.
وفي " فتاوى اللجنة الدائمة " (7 / 143) :
الشك بعد الانتهاء من الطواف والسعي والصلاة لا يلتفت إليه؛ لأن الظاهر سلامة العبادة.
انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله -:
إذا كان الشك بعد انتهاء العبادة: فإنه لا يلتفت إليه، ما لم يتيقن الأمر.
" مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " (14 / السؤال رقم 746) .
ثم إن ترك الصيام بغير عذر لا يوجب القضاء ولا الكفارة، وإنما يوجب التوبة والاستغفار، كما سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (50067) .
أسأل الله تعالى أن يكتب لك أجرك، وأن يثبت قلبك على الحق والدين، وأن يعيذك من الشيطان الرجيم.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1116)
متى يكون تاركا للصلاة وما حكمه؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تارك الصلاة تمامًا يعد من غير المسلمين؟ هل الذي يصلي عيد الفطر وعيد الأضحى وأحيانا الجمعة أو أحيانا واحدة من الصلوات الخمس يندرج أيضًا في حكم "من لا يصلي تمامًا" وبالتالي يعد من غير المسلمين؟ كيف نفسر كلمة "لا يصلي تمامًا"؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
تارك الصلاة الذي لا يصليها مطلقا، كافر، سواء تركها كسلا أو جحودا، في أصح قولي العلماء؛ لأدلة كثيرة، سبق ذكر بعضها في الجواب رقم (5208)
ثانيا:
إذا كان الإنسان غير تارك للصلاة مطلقا، بل يصلي أحيانا ويترك أحياناً أخرى، فقد اختلف القائلون بكفر تارك الصلاة فيه، فمنهم من قال: يكفر بترك فريضة واحدة عمدا، حتى يخرج وقتها، فمن تعمد ترك صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، كفر، ومن تعمد ترك صلاة الظهر حتى غربت الشمس كفر، لأن الظهر تجمع مع العصر، فصار وقتاهما وقتا واحدا عند العذر، وكذلك المغرب والعشاء، فمن تعمد ترك صلاة المغرب حتى خرج وقت صلاة العشاء، كفر.
ومنهم من قال: لا يكفر حتى يتركها دائما.
قال الإمام محمد بن نصر المروزي رحمه الله: " سمعت إسحاق يقول: قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تارك الصلاة كافر، وكذلك كان رأى أهل العلم من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا أن تارك الصلاة عمدا من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر.
وذهاب الوقت أن يؤخر الظهر إلى غروب الشمس والمغرب إلى طلوع الفجر.
وإنما جعل آخر أوقات الصلوات ما وصفنا لأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلاتين بعرفة والمزدلفة، وفي السفر، فصلى إحداهما في وقت الأخرى، فلما جعل النبي صلى الله عليه وسلم الأولى منهما وقتا للأخرى في حال، والأخرى وقتا للأولى في حال، صار وقتاهما وقتا واحدا في حال العذر، كما أُمرت الحائض إذا طهرت قبل غروب الشمس أن تصلى الظهر والعصر وإذا طهرت آخر الليل أن تصلى المغرب والعشاء) انتهى من "تعظيم قدر الصلاة " (2/929) .
وقال ابن حزم رحمه الله: " روينا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومعاذ بن جبل، وابن مسعود، وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم، وعن ابن المبارك، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه رحمة الله عليهم، وعن تمام سبعة عشر رجلا من الصحابة، رضي الله عنهم، أن من ترك صلاة فرضٍ عامدا ذاكرا حتى يخرج وقتها، فإنه كافر ومرتد، وبهذا يقول عبد الله بن الماجشون صاحب مالك، وبه يقول عبد الملك بن حبيب الأندلسي وغيره". انتهى من "الفصل في الملل والأهواء والنحل" (3/128) .
وقال رحمه الله: "وقد جاء عن عمر، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاذ بن جبل، وأبي هريرة، وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم أن من ترك صلاة فرض واحدة متعمدا حتى يخرج وقتها فهو كافر مرتد " انتهى من "المحلى " (2/15) .
وبهذا القول أفتت اللجنة الدائمة، برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله. "فتاوى اللجنة " (6/40،50) .
وممن أفتى بأنه لا يكفر تارك الصلاة إلا إذا تركها مطلقا أو دائما: الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، فقد سئل عن الإنسان الذي يصلي أحيانا ويترك أحيانا أخرى فهل يكفر؟
فأجاب: " الذي يظهر لي أنه لا يكفر إلا بالترك المطلق بحيث لا يصلي أبداً، وأما من يصلي أحيانا فإنه لا يكفر لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) ولم يقل ترك صلاة، بل قال: " ترك الصلاة "، وهذا يقتضي أن يكون الترك المطلق، وكذلك قال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها ـ أي الصلاة ـ فقد كفر) وبناء على هذا نقول: إن الذي يصلي أحيانا ويدع أحيانا ليس بكافر " انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين " (12/55) .
لكنه سئل عن الذي يصلي صلاة الجمعة فقط؟
فأجاب: " لا يصلي إلا الجمعة فقط؟ لماذا لا يصلي إلا الجمعة؟
السائل: عادته.
الجواب: عادة, إذاً: هذا الرجل لا أعتقد أن صلاته عبادة , ولهذا يصلي الجمعة عادة لأنه يلبس ويتزين ويتطيب ويذهب , وإن كنت أنا أرى أنه لا يكفر إلا من ترك الصلاة نهائياً أشك في إسلام هذا الرجل , لأن هذا الرجل إنما اتخذ صلاة الجمعة عيداً فقط؛ يتجمل ويذهب للناس وهو متطيب ومتجمل فقط , فأنا أشك في كون هذا باقياً على الإسلام. أما على ما رآه شيخنا عبد العزيز فهو كافر , وانتهى أمره " انتهى من "لقاء الباب المفتوح".
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب(5/1117)